_
ابن نباتة المصري:لا تخش مِن غمٍّ كغَيْمٍ عارضٍ فلَسَوفَ يُسْفِر عن إضاءةِ بَدْرِهِ
ولقد تمرُّ الحادثات على الفتى وتزولُ حتى ما تمرُّ بفِكْرِهِ!
هوِّن عليك فرُبَّ خَطْبٍ هائلٍ دُفِعت قواهُ بدافعٍ لم تَدْرِهِ
ولرُبَّ ليلٍ في الهُمومِ كدُمَّلٍ صابرتَه حتَّى ظَفِرْتَ بفَجْرِهِ!
_
ابن الرُّومي:
لا تَلْحَ مَنْ يبكي شبيبته إلَّا إذا لم يَبْكِها بِدَمِ
عيْبُ الشَّبيبة غَولُ سَكْرتِها مقدار ما فيها من النِّعَمِ
لسنا نراها حقَّ رُؤْيَتِها إلَّا زمانَ الشَّيبِ والهَرَمِ!
كالشَّمسِ لا تبدو فَضِيلَتُها حتى تغَشَّى الأرضُ بالظُّلَمِ
ولرُبَّ شيءٍ لا يُبَيِّنُهُ وجدانُهُ إلَّا مع العَدَمِ!
وفي البيت تورية...
لكن لماذا يا شيخ أغفلتَ قوله:
إنْ تُمْسِ عن عبّاسِ حالِكَ راويًا --- فكأنّني بك راويًا عن بِشْرِهِ
؟؟
أستثقالاً لمعناه؟ أم استقلالاً لقيمته؟
أم خانك الحبر فاقتصدت بحذفه؟
أم أشاحك عنه شيء من نحوه أو صرفه؟
أم أويتَ إلى واحة الشعر ابتغاء ظل المتعَبين، فأزعجك أن لاحقتك إليها لغة المحدّثين؟
و... لا ابتسامات بيننا...
ما هذه الخطبة المجلجلة؟ (ابتسامات بالقوة وإن أبيتَها)
الجواب: بل خانني معناه، ولم احتج إليه فيما طلبته من أبياته فاستقللت منه.. وبس (ما أخفها على القلب) (:
وقد أحذف وأختصر -وفعلتُ أحيانًا- في غيره لبعض الأسباب التي ذكرتَها، ولأجل الاقتباس.. (ابتسامة مرة ثالثة)
ولا أوْفى للشعر المرفرف مِن معنى خائن...
ولا أقوى على دفع ثالوث ابتسامات من أخ متوحّد سوى مجرّة ابتساماتٍ مسافةَ وُدّ...
وبالمناسبة.. فأعمد كثيرًا إلى حذف أبيات تقيّد تلك القصيدة أوتخصصها، إلاَّ ما لا بد منه، وهو ما قصدته بالاقتباس فيما أطلبه من شعر الشعراء
...
ولهذا كان عنوان الموضوع: "عيون الشعر"!
حفظك الله من العين، ومتّعك بالسمع والبصر، وأدامك قرّة عين لقرائك ومحبّيك.
آمين.. سمع الله منك وأثابك مثله، وسلَّم لنا ديننا وثبَّتنا على هدي نبيِّه وختم لنا في خير حال ومآل
_
المعرِّي.. أيضًا:وقد عدِمَ التَيَقُّنُ في زمانٍ حصَلْنا مِن حِجاهُ على التَظَنِّي
زمانٌ لا يَنالُ بَنوهُ خيرًا إذا لم يَلحَظوهُ مِنَ التَمَنِّي!
عرفتُ صُروفَهُ فَأَزَمْتُ منها على سِنِّ ابنِ تجربةٍ مُسِنِّ!
وأفقرني إلى مَن ليس مِثْلي كما افتَقَرَ السِّنانُ إلى المِسَنِّ!
أراكَ إذا انفَرَدْتَ كُفِيْتَ شرًّا مِن الخِلِّ المُعاشِرِ والمِعَنِّ
نَهَيتُكَ عن خِلاطِ الناسِ فاحذَرْ أقاربَك الأداني واحذَرَنِّي
سَنا العيشِ: الخُمولُ، فلا تقولوا: دَفينُ الصِّيتِ كالمَيْتِ المُجَنِّ
وتُؤثِرُ حالةَ الزِمِّيتِ نفسي وأكرهُ شيمةَ الرَّجُلِ المِفَنِّ
يُصافِحُ راحةً باليأسِ قلبي ولَدنُ الشَّرْخِ حُوِّلَ من لَدُنِّي
جَليسي ما هَويتُ لَكَ اقتِرابًا وصُنتُكَ عن مُعاشَرَتي فَصُنِّي!!
_
وقف عبدالرحمن الداخل في بدايات الحقبة الأندلسية ينظر الى نخلة نبتت بأرض الغرب في مدينة الرصافة بعيداً عن تلك البلاد ذات النخيل حيث أتى ليؤسس دولة الأمويين في الأندلس بعد زوالها في المشرق، فإذا بالنخلة تشرع له باب الذكريات على مصراعيه وتنقله الى تلك الديار التي أقصي عنها ,وإذا بكل ذلك يفيض شعراً عذباً .
تبدّتْ لنا وَسْطَ الرصافةِ نخلةٌ *** تناءتْ بأرضِ الغربِ عن بلدِ النخلِ
فقلتُ شبيهي في التغربِ والنوى *** وطولِ التنائي عن بَنيّ وعن أهلي
نشأتِ بأرضٍ أنتِ فيها غريبةٌ *** فمثلُك في الإقصاءِ والمنتأى مثـلي
_
النابغة الذبياني:
واليَأسُ مِمَّا فاتَ يُعقِبُ راحَةً ولرُبَّ مَطعَمَةٍ تَعودُ ذُباحا!_
_
ألم تــر مفتـــاحَ الفــؤادِ لســانه إذا هو أبدى ما يقول من الفَمِ
وكائن ترى من صامتٍ لك معجب زيادتُه أونقصُه في التكلُّمِ
لسانُ الفَتى نِصفٌ ونِصفٌ فؤادُه فلم يبْقَ إلَّا صورة اللَّحم والدَّمِ
_
_
أبوالعتاهية:
ولقد مَرَرتُ على القُبورِ فما مَيَّزتُ بين العبدِ والمَولى!
ما زالَتِ الدُنيا مُنَغَّصَةً لم يَخلُ صاحِبُها مِن البَلوى
دارُ الفَجائِعِ والهُمومِ ودا رُ البَثِّ والأحزانِ والشَّكوى
بَينا الفتى فيها بمنزِلةٍ إذ صار تحت تُرابِها مُلْقى
تَقفو مَساويها مَحاسِنَها لا شيء بين النَّعي والبُشرى
ولَقَلَّ يومٌ ذَرَّ شارِقُهُ إلَّا سمعتَ بِهالِكٍ يُنْعى
لا تعتبنَّ على الزَّمانِ فَما عند الزَّمانِ لِعاتِبٍ عُتْبى
ولَئِن عَتَبتَ عَلى الزَمانِ لِما يأتي بهِ فَلَقَلَّ ما تَرضى
المَرءُ يوقِنُ بالقضاءِ وما يَنفَكُّ أن يُعنى بِما يُكفى!
للمَرءِ رِزقٌ لا يموتُ وإنْ جَهَدَ الخَلائِقُ دون أن يفنى
يا بانيَ الدارِ المُعِدِّ لها ماذا عَمِلتَ لِدارك الأُخرى؟
ومُمَهِّدَ الفُرشِ الوَثيرةِ لا تُغفِل فِراشَ الرَّقدةِ الكُبرى!
لو قد دُعيتَ لَما أجَبتَ لِما تُدعى لهُ فانظُر لِما تُدعى
أتُرَاكَ تحصي مَن رأيتَ مِنَ الْـ ـأَحياءِ ثمَّ رأيتَهُم مَوتى
فلتَلحَقَنَّ بِعَرصَةِ الموتى ولَتَنزِلَنَّ مَحَلَّةَ الهَلكى
لا تَغتَرِر بِالحادِثاتِ فما لِلحادِثاتِ على امرِئٍ بُقيا
ولَئِن رضيتَ على الزمانِ فقد أرضى وأغْضَبَ قَبلَكَ النَّوكى
ولَقَلَّ مَن تَصفو خَلائِقُهُ ولَقَلَّ مَن يَصفو له المَحيا
_
_
متمِّم بن نويرة:
لقد لامني عند القُبورِ على البُكَا رفيقي لِتذرافِ الدُّموعِ السَّوافكِ!
أمِن أجلِ قبرٍ بالمَلَا أنت نائِحٌ على كلِّ قبرٍ أوعلى كلّ هالكِ؟!
فقال: أتبكي كلّ قبرٍ رأيتَه لقبرٍ ثوى بين اللّوى فالدَّكادكِ؟!
فقلتُ له: إنَّ الشّجا يبعثُ الشّجا فدَعْني فهذا كلُّه قبر مالكِ!_
ابن قيِّم الجوزيَّة رحمه الله:_
يا بائعًا نفسَه بيع الهوانِ لو اسْـ *** ـتَرجَعْتَ ذا البيع قبل الفَوتِ لم تَخِبِ
وبائعًا طيبَ عيشٍ ما له خَطَر *** بطيف عيشٍ من الآلامِ منتَهَبِ
غُبِنْت والله غَبْنًا فاحِشًا ولَدَى *** يوم التَّغابُن تلْقَى غاية الحَرَبِ
وواردًا صَفْو عيشٍ كُلّه كَدَرٌ *** أمامك الوِرْد حقًّا ليس بالكَذِبِ
وحاطب اللّيل في الظّلماء منتَصِبًا *** لكلِّ داهيةٍ تُدْنِي مِن العَطَبِ
ترجوا الشِّفاء بأحداقٍ بها مَرَض *** فهل سمعت بِبُرءٍ جاء من عَطَب؟!
_
ابن الرُّومي:
وكلّ عبدٍ أراد الله عصمَتَهُ لم يُخْلِه اللهُ من وعظٍ وإذكارِ
والله يأسرُ قومًا ثم يُطلقهم والدّهر ينسخُ أطوارًا بأطوارِ
_
البارودي.. «من عمق التاريخ»:
تغيَّرَ النَّاسُ عمَّا كنتُ أسمعُهُ واسْتَحْكمَ الغَدْرُ في السَّاداتِ والحَشَمِ
وظلَّ أعدلُ من تلْقَاهُ من رجلٍ أعْدَى على الخلقِ من ذئبٍ على غَنَمِ
سُودُ الخلائقِ دَلَّاجُون ماطُبِعُوا على المحارمِ هَدَّاجُونَ في الظُّلَمِ
لا يُحْسنون التَّقَاضي في الحُقُوقِ ولا يُوفون بالعَهْدِ إلَّا خِيفَةَ النِّقَمِ
صُفْرُ الوُجوهِ مِن الأحقادِ تحسبُهُمْ وهُم أصحَّاءُ في دِرْعٍ مِن السَّقَمِ
فلا ذَمَامةَ في قولٍ ولا عملٍ ولا أمانة في عَهْدٍ ولا قَسَمِ
بَلَوْتُ مِنهم خِلالًا لو وَسَمْتَ بها وجهَ الغزالة لم تُشْرِق على عَلَمِ
لم أدْرِ هل نَبَغَتْ في الأرضِ نابغةٌ أم هذه شيمة الدُّنيا مِن القِدَمِ؟
لا يُدْرِكُ المجْدَ إلَّا مَن إذا نَهَضَتْ به الحميَّةُ لم يقعد على رَغَمِ
لو لم يَكُنْ في المساعِي ما يَبِينُ به فَضْلُ الرِّجالِ تَسَاوى النَّاسُ في القِيَمِ!
_
بل من القدمِ !
قال الشاعر :
إلى اللهِ أشكُو الأمرَ في الخلقِ كلهُ ** وليسَ إلى المخلوقِ شيءُ من الأمرِ
إذا أنا لم أصبر على الدهرِ كلما ** تكرّهت منهُ طال عتبي على الدهرِ
و وسّع صدري للأذى كثرةُ الأذى ** وإن كان أحياناً يضيقُ به صدري
وصيّرني يأسي من الناسِ واثقاً ** بحُسن صنيعِ اللهِ من حيثُ لا أدري
_
ليال الشَّهر مرَّت كالخيال كذا الإنسان دأبًا في ارتحالِ
فمن شهـرٍ إلى شهـرٍ لقــبرٍ إلى دار القـرار بلا انتقـــالِ
_