أولا: أنا وضعت هذه الفائدة -وهي فائدة غاية في النفاسة- لأبين بها مذهب و قول ابن حجر "رحمه الله" في هذه المسألة.
ثانيا: أما قولك "غفر الله لك": لا داعي للتأويل و الإلتفاف.
* فأقول: الحمد لله الذي عافاني من هذه الأخلاق, و هداني للإسلام و السنة.
ثالثا: قولك: "وأما عن قولك أن غير المجيزين للاشتقاق لم ينكروا على ميجيزي الاشتقاق فهذا خطأ
لأن ابن حجر أنكر على أبو زيد اللغوي -كذا, و الصواب: أبي زيد- وجعفر الصادق وسفيان الثوري ذكرهم أسماء بالاشتقاق فقال في فتح الباري تعقيباً على إحصائهم للأسماء الحسنى :
" هَذَا آخِرُ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ جَعْفَرٍ وَأَبِي زَيْدٍ وَتَقْرِيرُ سُفْيَانَ مِنْ تَتَبُّعِ الْأَسْمَاءِ مِنَ الْقُرْآنِ وَفِيهَا اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ وَتَكْرَارٌ وَعِدَّةُ أَسْمَاءٍ لَمْ تَرِدْ بِلَفْظِ الِاسْمِ وَهِيَ (صَادِقٌ مُنْعِمٌ مُتَفَضِّلٌ مَنَّانٌ مُبْدِئٌ مُعِيدٌ بَاعِثٌ قَابِضٌ بَاسِطٌ بُرْهَانٌ مُعِينٌ مُمِيتٌ بَاقِي ) "
هل يقول هذا الكلام مَن لا يرى غضاضة في الاشتقاق ؟؟؟؟؟؟
* أقول لك:
1- المقصود من كلامي: السلف "رحمهم الله", فهم الذين يستدل بفهمهم, و ليس بكلام المتأخرين.
2- ابن حجر "رحمه الله" قال في اسم (الباقي): و هو مشتق من قوله تعالى: " فوقاه الله", عملا بأحد المذهبين في الأسماء الحسنى. و التحقيق عند المحققين: أنها توقيفية.
و فرق عظيم بين قوله: عملا بأحد المذهبين, و قوله: و الأصح, و بين قولكم ببدعية هذا القول, و كونه مذهب أهل البدع.
فإن استدللت بكلام ابن حجر "رحمه الله", فهو واضح في كون القول بالاشتقاق قول معتبر, و إن كان الراجح بخلافه عنده.
3- ابن حجر "رحمه الله" مع جلالة قدره, و قوة علمه, كان مضطربا جدا في باب الأسماء و الصفات.
و من راجع كتاباته في الفتح في باب الصفات تبين له هذا بجلاء, و راجع إن شئت تعليقات العلامة البراك على الفتح.
و هو في أغلب هذا الباب يقول بقول الاشاعرة, و من المعلوم أن الأشاعرة يقولون بالتوقيف, لأن الأسماء عندهم جامدة لا تدل على وصف.
فكان مما ينبغي عليك -خاصة و نحن نتكلم في باب الاعتقاد- أن تستدل على صحة مذهبك و فهمك بكلام السلف الأقحاح, من أهل القرون الثلاثة الأول, ثم من تبعهم من أكابر أهل العلم.
4- ما تفضلت بنقله لنا من قول ابن حجر "رحمه الله" غاية ما فيه: إنكار واحد من الخلف على تصرفات السلف "رحمهم الله", فأيهما يتبع السلفي و يقتدي ؟؟
رابعا: قولك "حفظك الله": أما عن قولك أن الترمذي لم يُنكر على الوليد بن مسلم اشتقاق الأسماء بل أنكر عليه فقط كون الأسماء مدرجة
فهذا الكلام غير سديد
لأن الترمذي لم يكن بصدد تحقيق الاسماء الحسنى ما يصح منها وما لا يصح
بل كان بصدد تحقيق صحة وضعف الأحاديث التي أدخلها على سننه
فإما أن تأتي بقول صريح للترمذي بجواز الاشتقاق وإما أن تسكت عنه لأنه لم يكن مثل ابن حجر ، بمعنى أن ابن حجر تعرض لتحقيق الأسماء الحسنى صحيحها من ضعيفها فأخذ بكذا وكذا ورفض أخذ كذا وكذا
أما الترمذي فلم ينشغل بذلك في سننه ، بل اشتغل بتصحيح الحديث أو تضعيفه فقط فلا يصح الاستدلال على سكوته على اشتقاق الوليد بإجازته الاشتقاق لأنه لم يكن أصلاً بصدد الكلام عن الأسماء الحسنى من حيث صحيحها وضعيفها بل كان بصدد الكلام عن الأحاديث الواردة في سننه صحيحها من ضعيفها .
* 1- هذا الذي ذكرته أخي الفاضل غير صحيح جملة و تفصيلا, و لازمه الطعن في السلف.
فلو اطلعت على كتاب الجامع للترمذي "رحمه الله" لعلمت مدى تحريره و تدقيقه لما ينقل, فقد أكثر جدا من التعليق على الروايات و الأحاديث المنقولة.
و لازم قولك هذا: أن السلف كان ينقلون و فقط, و لو كانت نقولاتهم فيها مخالفات عقدية, بل و لو كان المنقول هو مذهب المعتزلة.
و إن كنت أنت "حفظك الله" و كذا شيخك "حفظه الله" لا تستحلان أن تنقلا هذا النقل في كتبكم و في كلامكم إلا مع تبيين ما فيه من المخالفة لمذهب السلف, فما هو الظن بهم ؟ و هم القوم ؟؟؟
2- لو قلت لك: دعك من الترمذي و تصرفه في جامعه, و انظر إلى الوليد و ما جمع !
الوليد إمام علم جليل القدر جدا, جمع هذا الذي جمع, و تناقله الناس من شيوخه و أقرانه و تلامذته, فلو كان ما أتى به باطلا, فلماذا لم ينكره عليه السلف ؟
و لو كان هذا الذي ذكر موافقا لمنهج و قول المعتزلة, فلماذا سكت عليه القوم ؟
و لو كانوا أنكروا فانقل لنا "حفظك الله".
خامسا: قولك: وأما عن إجازة سفيان الثوري للاشتقاق ففيه نظر ، أولاً لأنه لم يرد عنه تصريح بجواز الاشتقاق ، ولم يشتق المنعم من سورة الفاتحة " صراط الذين أنعمت عليهم " مع أنها سورة صغيرة وواضحة ، والاسم فيه كمال مطلق ، فلماذا لم يشتقوه من الفاتحة بل اشتقوه من البقرة ؟؟؟ هذا يُوحي بأن اشتقاقهم ما هو إلا وقوع في سهو استدركه عليهم ابن حجر
* والله لا أدري !
هل صار المنهج معكوسا في هذا الزمان ؟!
منهجنا القرآن و السنة بفهم السلف, و أنتم تقولون: القرآن و السنة بفهم الخلف !
ابن حجر يرد على الثوري "رحمهما الله", و لم يرد عليه هذا أحد قبله قط, فالواجب أن نقول: فهم السلف هو ما قاله الثوري, و خالف ابن حجر.
أما أن نقول: ابن حجر استدرك على السلف, فهذا عجيب !!
و قولك أخي: هذا يوحي بأن اشتقاقهم ما هو إلا وقوع في سهو .
أقول لك: دع يوحي و لعل عند الكوكب, و عليك بالأدلة الواضحة البينة.
و السلف أجل قدرا و أعظم علما من الوقوع في مثل هذا.
سادسا: ما نقلته من قول ابن القيم "رحمه الله": " وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتق لله من كل فعل له اسماً حتى بلغ بذلك آلاف الأسماء ", و تعليقك عليه ب: فهذا قول صريح في تحريم الاشتقاق ، فلا يصح رده بأقوال غير صريحة في إجازة الاشتقاق.
* لا أدري والله من أين فهمت هذا الذي ذكرت ؟
ابن القيم "رحمه الله" يقول: من اشتق لله من كل فعل له اسما.
ففي كلامه إشارة لجوازه من بعض الأفعال, لا كما تقول.
و كلامه هذا يرد به على من اشتق من كل فعل و صفة اسما, و هذا لا نقول به.
سابعا: يقول ابن القيم "رحمه الله": السابع عشر أن أسماءه تعالى منها ما يطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره ,وهو غالب الأسماء كالقدير والسميع والبصير والعزيز والحكيم , وهذا يسوغ أن يدعى به مفردا ومقترنا بغيره, فتقول : يا عزيز يا حليم يا غفور يا رحيم , وأن يفرد كل اسم , وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع
ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده , بل مقرونا بمقابله كالمانع والضار والمنتقم , فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله فإنه مقرون بالمعطي والنافع والعفو , فهو المعطي المانع , الضار النافع , المنتقم العفو , المعز المذل , لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله , لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية وتدبير الخلق والتصرف فيهم عطاء ومنعا , ونفعا وضرا , وعفوا وانتقاما , وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع والإنتقام والإضرار فلا يسوغ , فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الإسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض , فهي وإن تعددت جارية مجرى الإسم الواحد , ولذلك لم تجيء مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة فاعلمه فلو قلت يا مذل , يا ضار , يا مانع , وأخبرت بذلك لم تكن مثنيا عليه , ولا حامدا له حتى تذكر مقابلها " بدائع الفوائد ( 1-177)
* ابن القيم يقول بالتوقيف و هذا معروف عنه ثابت, و مع هذا يثبت ( المعطي المانع , الضار النافع , المنتقم العفو , المعز المذل ) و كلها لا تثبت إلا بالاشتقاق.
و هذا يدل على ما ذكرته لك من قبل من كون الاشتقاق لا ينافي التوقيف أصلا.
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية "رحمه الله": " قالوا من أسماء الله تعالى المغيث و الغياث , و قد جاء ذكر المغيث ي حديث أبي هريرة , قالوا و اجتمعت الأمة على ذلك " مجموع الفتاوى ( 1-111 )
* و معلوم ان هذه الأسماء لم ترد بسند صحيح بلفظ الاسم مطلقا , و انما استخرجها العلماء بالاشتقاق
و مع هذا يقول : قالوا و اجتمعت الامة على ذلك.
اسأل الله ان يوفقنا للحق و يمسكنا به, والله المستعان.