شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 646الى صــ 655
(41)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(11)
وكذلك إذنه في فطر يوم وصوم يوم مطلقاً, وصوم يومين وفطر يوم, وصوم يوم وفطر يومين, وصوم أيام البيض؛ مع العلم بأن هذا لابد فيه من صوم يوم السبت كغيره من الأيام. . . .
ولأنه يوم عيد لأهل الكتاب؛ فقصده بالصوم دون غيره يكون تعظيماً له, فكره ذلك؛ كما كُره إفراد عاشوراء بالتعظيم لما عظمه أهل الكتاب, وإفراد رجب أيضاً لما عظمه المشركون, مع أن يوم عاشوراء. . . .
فإن قيل: إنما يعظمونه بالفطر, ثم هذا منتقض بيوم الأحد. . . .
وعلله ابن عقيل بأنه يوم يمسك فيه اليهود, ويخصونه بالإِمساك, وهو ترك العمل فيه, والصائم في مظنة ترك العمل, فصار تشبهاً بهم.
725 - وعن كريب: أنه سمع أم سلمة؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت والأحد أكثر ما يصوم من الأيام, ويقول: «إنهما يوما عيد للمشركين؛ فأنا أحب أن أخالفهم». رواه أحمد والنسائي.
وروى النسائي عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما. . . .
* فصل:
قال أصحابنا: ويكره إفراد يوم النيروز ويوم المهرجان.
726 - وقد أومأ أحمد إلى ذلك فقال في رواية عبد الله: [حدثنا] وكيع, عن سفيان, عن رجل, عن أنس والحسن: كرها صوم يوم النيروز والمهرجان.
قال أبي: أبان بن أبي عياش؛ يعني: الرجل.
قال بعضهم: وعلى قياس هذا كل عيد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم.
مسألة:
وليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان.
الأصل في هذه الليلة قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1 - 5] السورة إلى آخرها, وقوله سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: رقم 185] , وقوله سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: آية 3].
727 - قال ابن أبي نجيح, عن مجاهد: «بلغني أنه كان في بني إسرائيل رجل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر فلم يضعه عنه. فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه, فعجبوا من قوله, فأنزل الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: آية 3]؛ يقول الله تعالى: ليلة القدر خير لكم من تلك الألف شهر التي لبس فيها السلاح, وذلك الرجل في سبيل الله». رواه آدم ابن أبي إياس عن الزنجي عنه.
828 - وذكر مالك في «الموطأ»: أنه سمع من يثق به يقول: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى أعمار الناس قبله أو ما شاء الله ذلك, فكأنه تقاصر أعمار أمته, لا يبلغون من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر, فأعطاهم الله ليلة القدر خير من ألف شهر».
729 - وعن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه». رواه الجماعة إلا ابن ماجه.
وهي باقية في رمضان إلى يوم القيامة في العشر الأواخر منه.
قال أبو عبد الله في رواية حنبل: ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان, وحديث ابن عمر هو أصحها, والرواية في ليلة القدر صحيحة: أنها في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر, واختلف في ذلك؛ قالوا: عن النبي صلى الله عليه وسلم: في سبع [يبقين] , وقالوا: في ثلاث [يبقين] , فهي في العشر, في وتر من الليالي, لا يخطئ ذلك إن شاء الله تعالى, كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «اطلبوها في العشر الأواخر لثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين»؛ فهي في العشر الأواخر.
وقال في رواية أبي داود: الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر؛ يعني: ليلة القدر.
وقال القاضي في «المجرد»: وفيها: (يعني: العشر الأواخر من رمضان) يجوز أن تطلب من كل وتر منه, ولكن لثلاث بقين وسبع بقين وتسع بقين أشد استحباباَ.
والظاهر أنها إحدى هذه الثلاث الليالي, وذلك:
730 - لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان: ليلة القدر في تاسعة تبقى, في سابعة تبقى, في خامسة تبقى». رواه احمد والبخاري وأبو داود.
وفي رواية للبخاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي في العشر: هي في [تسع] يمضين, أو في سبع يبقين»؛ يعني: ليلة القدر.
قال البخاري: قال عبد الوهاب عن أيوب, وعن خالد عن عكرمة عن ابن عباس: «التمسوا في أربع وعشرين».
731 - وعن ابن عمر: أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر؛ فمن كان متحريها؛ فليتحرها في السبع الأواخر». متفق عليه.
وفي رواية في الصحيح عن ابن عمر؛ قال: كانوا لا يزالون يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا أنها في الليلة السابعة من العشر الأواخر (يعني: ليلة القدر) , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت في العشر الأواخر؛ فمن كان متحريها؛ فليتحرها في العشر الأواخر.
وفي رواية لأحمد ومسلم؛ قال: أرى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم في العشر الأواخر؛ فاطلبوها في الوتر منها.
وفي رواية شعبة, عن حكيم بن سحيم, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «من كان ملتمساً؛ فليلتمسها في العشر الأواخر».
وفي رواية معمر, عن الزهري, عن سالم, عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوا ليلة القدر في العشر الغوابر, في التسع الغوابر».
وفي رواية شعبة, عن عقبة بن حريث؛ قال: سمعت ابن عمر يقول:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان ملتمساً؛ فليلتمسها في العشر الأواخر, فإن عجز أو ضعف؛ فلا يغلب على السبع البواقي».
وفي رواية شعبة, عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان متحريها؛ فليتحرها ليلة سبع وعشرين». وقال عروة: «ليلة سبع وعشرين».
رواهن أحمد.
وروى حنبل, عن عارم, عن حماد بن زيد, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر؛ قال: كانوا لا يزالون يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا أنها ليلة السابعة من العشر الأواخر؛ فمن كان متحريها؛ فليتحرها ليلة السابعة في العشر الأواخر».
ورواه معمر, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر؛ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إني رأيت في المنام ليلة القدر, كأنها ليلة سابعة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني أرى رؤياكم قد تواطأت (يعني: ليلة سابعة)؛ فمن كان منكم متحريها؛ فليتحرها ليلة سابعة». قال معمر: فكان أيوب يغتسل ليلة ثلاث وعشرين ويمس طيباً.
وفي رواية من هذا الوجه: إني رأيت رؤياكم قد تواطأت على ثلاث وعشرين؛ فمن كان منكم يريد أن يقوم الشهر؛ فليقم ليلة ثلاث وعشرين.
732 - وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان, ويقول: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان». متفق عليه.
وفي رواية للبخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان».
733 - وعن أبي سلمة, عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأواخر من رمضان, ثم اعتكف العشر الأوسط, في قبة تركية على سدتها حصير, فأخذ الحصير بيده, فنحاها في ناحية القبلة, ثم أطلع رأسه, فكلم الناس, فدنوا منه, فقال:
«إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة, ثم إني اعتكفت العشر الأوسط, ثم أتيت فقيل: إنها في العشر الأواخر؛ فمن أحب منكم أن يعتكف؛ فليعتكف». فاعتكف الناس معه. قال: «وإني أريتها ليلة وتر, وأني أسجد في صبيحتها في طين وماء». فأصبح من ليلة إحدى وعشرين, وقد قام إلى الصبح, فمطرت السماء, فوكف المسجد, فأبصرت الطين والماء, فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه فيها الطين والماء, وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر». رواه الجماعة إلا الترمذي, وهذا لفظ مسلم وغيره.
وفي رواية متفق عليها: «فابتغوها في العشر الأواخر, وابتغوها في كل وتر».
وعن أبي نضرة, عن أبي سعيد؛ قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تُبان له, فلما انقضين؛ أمر بالبناء فقوض, ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر, فأمر بالبناء فأعيد, ثم خرج على الناس, فقال: «يا أيها الناس! إنها كانت أبينت لي ليلة القدر, وإني خرجت لأخبركم بها, فجاء رجلان يحتقَّان, معهما الشيطان, فنسيتها, فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان, التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة». قال: قلت: يا أبا سعيد! إنكم بالعدد أعلم منا. قال: أجل؛ نحن أحق بذلك منكم. قال: قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون؛ فالتي تليها اثنتان وعشرون؛ فهي التاسعة, وإذا مضى ثلاث وعشرون؛ فالتي تليها السابعة, وإذا مضى خمس وعشرون؛ فالتي تليها الخامسة. رواه مسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي.