تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 75

الموضوع: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (42)



    مثنى محمد هبيان






    {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:31]
    السؤال الأول:

    ما دلالة استخدام: {أَنْبِئُونِي} [البقرة:31] فى الآية وليس (نبِّئونى) ؟
    الجواب:
    هذه الظاهرة استعمال (نبّأ) و(أنبأ) مضطردة في القرآن الكريم .
    1ـ أنبأ : وردت في أربعة مواضع في القرآن كله، وسنجد أنها جميعاً فيها اختصار زمن، أي: فيها وقت قصير، وليس فيها وقت طويل.
    2ـ أما (نبّأ) فوقتها أطول في الاستعمال، وقد وردت في ستة وأربعين موضعاً.
    آ ـ لاحظ {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] بمفهوم البشر التعليم يحتاج إلى وقت؛ ولذا قال: علّم، ولم يقل: أعلم، والله تعالى أقدر آدم عليه السلام على وضع هذه الأسماء .
    و الأسماء كلها، أي: هذا الشيء اسمه كذا , وهذا المخلوق اسمه كذا، وهكذا، ورب العالمين يمكن أنْ يقول: كن فيكون، لكنْ أرادت الآية أنْ تبيّن أنه لقّنه هذه الأشياء بوقت، كما أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان باستطاعته أنْ يقول: كن فيكون.
    {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ} [البقرة:31]؛ وقد تمّ استعمال (عرضهم) لأنّ فيها العاقل وغير العاقل. {فَقَالَ أَنْبِئُونِي} [البقرة:31] ، ولم يقل: {نبّؤني} لأن الإجابة لا تحتاج إلى تطويل؛إذ المطلوب هو الاسم فقط؛ هذا بخلاف قوله تعالى: {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام:143] {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} [البقرة:32] ؛ فإن ما تعلّموه تعلموه على وقت.
    {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } [البقرة:33] آدم يقول: هذا اسمه كذا وانتهى، وهكذا، الإنباء بكل اسم على حدة لا يأخذ وقتاً، ولهذا قال: {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } [البقرة:33] {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}. {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } [البقرة:33] واحداً واحدا،ً وهذا لا يحتاج إلى وقت.
    السؤال الثاني:
    ما دلالة قوله تعالى: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} [البقرة:31] ولم يقل: عرضها ؟
    الجواب:
    لأنّ فيها العاقل وغير العاقل حيث عُلّمَ آدمُ عليه السلام الأسماء كلها، والله عرض المخلوقات والأشياء من العقلاء وغيرهم فغلّب العقلاء .
    وأمّا كيف عرضهم فهذا غيبٌ نؤمن به .
    السؤال الثالث:
    ما دلالة استعمال: {هَؤلاءِ} [البقرة:31] في الآية ؟
    الجواب:
    هؤلاء : أصلها أولاء، والهاء للتنبيه وهي تستعمل للعقلاء، لكن إذا اجتمع العقلاء وغيرهم يغلّب العقلاء فيُشار إلى المجموع بكلمة (هؤلاء) للقريب و(أولئك) للبعيد.
    السؤال الرابع:
    ما خطوط تحديد تأنيث الفعل وتذكيره مع الملائكة في القرآن الكريم ؟
    الجواب:
    نحوياً : يجوز تأنيث الفعل أو تذكيره؛ لأنه جمع تكسير.
    بيانياً : هناك خطوط تحدد تأنيث الفعل وتذكيره مع الملائكة في القرآن الكريم، وهي :
    1ـ كل فعل أمر يصدر إلى الملائكة يكون بالتذكير: {اسْجُدُوا} [البقرة:34] {أنبِئُوني} [البقرة:31] {فَقَعُواْ} [الحِجر:29].
    2ـ كل فعل يقع بعد ذكر الملائكة يأتي بالتذكير: وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد:23] ـ وَالمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساء:166] وَالمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الشورى:5].
    3ـ كل وصف اسمي للملائكة يأتي بالتذكير: {المَلَائِكَةُ المُقَرَّبُونَ} [النساء:172] وَالمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} [الأنعام:93] {مُسَوِّمِينَ} [آل عمران:125] {مُرْدِفين} [الأنفال:9] ـ {مُنزَلِينَ} [آل عمران:124] .
    4ـ كل فعل عبادة يأتي بالتذكير : {فَسَجَدَ المَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحِجر:30] [ص:73] {لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم:6] ؛ لأنّ المذكر في العبادة أكمل من عبادة الأنثى؛ ولذلك جاء الرسل كلهم رجالاً.
    5ـ كل أمر فيه شدة وقوة حتى لو كان عذابين أحدهما أشد من الآخر فالأشد يأتي بالتذكير, نحو قوله تعالى : {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ} [الأنفال:50] فجاءت {يتوفى} بالتذكير؛ لأنّ العذاب أشد {وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ} [الأنفال:50].
    أمّا في قوله تعالى : {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } [محمد:27] فجاء الفعل {تَوَفَّتْهُمُ} بالتأنيث؛ لأنّ العذاب أخف من الآية السابقة .
    وكذلك في قوله تعالى: {وَنُزِّلَ المَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان:25] بالتذكير، وقوله تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ} [فُصِّلَت:30] و {تَنَزَّلُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدْر:4] بالتأنيث.
    6ـ لم تأتِ بشرى بصيغة التذكير أبداً في القرآن الكريم، فكل بشارة فيه تأتي بصيغة التأنيث كما في قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ المَلَائِكَةُ} [آل عمران:39] ـ {قَالَتِ المَلَائِكَةُ} [آل عمران:45] .
    من الناحية النحوية :
    إذا كان الفاعل مؤنثاً أنّث فعله بتاء ساكنة في آخر الماضي، وبتاء المضارعة في أول المضارع، نحو : قامت هند، وتقوم هند .
    وهذا قد يجب، وقد يجوز .
    فيجب تأنيث الفعل :
    ـ إذا كان الفاعل ضميراً مستتراً عائداً على مؤنث حقيقي التأنيث، نحو : هند قامت أو هند تقوم
    ـ أو مجازيَّ التأنيث، نحو : الشمس طلعت، أو الشمس تطلع .
    ـ إذا كان الفاعل اسماً ظاهراً متصلاً بعامله مباشرة، حقيقي التانيث، كقوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ} [آل عمران:35].
    ويجوز تأنيث الفعل في ثلاثة مواضع:
    ـ إذا كان الفاعل أو شبهه (نائب الفاعل،اسم الفعل الناسخ) اسماً ظاهراً حقيقي التأنيث منفصلاً عن الفعل، مثل : سعى بين الصفا والمروة المؤمنة, ويجوز : سعت .
    ـ إذا كان الفاعل أو شبهه جمع تكسير، نحو : ذبلت الأوراق، ويجوز : ذبل الأوراق .
    ـ إذا كان الفاعل أو شبهه اسماً ظاهراً مجازي التأنيث، نحو : اندلعت الحرب, ويجوز: اندلع الحرب .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (43)


    مثنى محمد هبيان



    {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ}[البقرة:32].
    السؤال الأول:

    أحياناً تختم الآيات بـ {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء:26] وفى آيات أخرى {حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:83] فما الفرق بينهما؟
    الجواب:
    إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدّم العلم، وإلا يقدّم الحكمة، وإذا كان الأمر في التشريع أو في الجزاء يقدّم الحكمة.
    و حتى تتضح المسألة نقدم هذه الشواهد القرآنية:
    في تقديم العلم :
    آ ـ قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} [البقرة:32] السياق في العلم، فقدّم العلم.
    ب ـ قوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء:26] هذا تبيين، معناه هذا علم.
    ج ـ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف:6] فيها علم، فقدّم {عَليم}.
    د ـ قال في المنافقين: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[الأنفال:71] هذه أمور قلبية .
    هـ ـ قوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:110] من الذي يطلع على القلوب؟ الله، فقدّم العليم.
    شواهد قرآنية في تقديم الحكمة :
    الجزاء حكمة وحُكم , و من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم،و تقدير الجزاء حكمة .
    آـ قوله تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:128] هذا جزاء، هذا حاكم يحكم ويقدر الجزاء والحكم, فقدّم الحكمة، وليس بالضرورة أنْ يكون العالم حاكماً، وليس كل عالم حاكماً.
    ب ـ قوله تعالى:{وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:139] هذا تشريع والتشريع حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع .
    ج ـ قوله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ(83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ(84)} [الزُّخرُف: 83 - 84].
    ولذلك عندما يكون السياق في العلم يقدّم العلم، وعندما لا يكون السياق في العلم يقدّم الحكمة.
    ***

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (44)



    مثنى محمد هبيان







    {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33]
    السؤال الأول:

    ما أحرف النداء التي استعملت في القرآن الكريم ؟
    الجواب:
    1ـ المنادى هو المطلوب إقباله بحرف نداء ظاهر أو مقدر.
    2ـ وحروف النداء في اللغة هي [يا ـ أيا ـ هيا ـ آ ـ أي ـ الهمزة]، ولم يرد في القرآن الكريم سوى الحرف (يا).
    3ـ الحرفان [ أيا ، هيا ] ليسا إلا [ يا ] مسبوقة بالهمزة أو الهاء.
    السؤال الثاني:
    ما دلالة لفظة : {كُنتُم} [البقرة:33] في آية البقرة 33؟
    الجواب:
    الآية موضع السؤال: {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33] جاءت بعد الآية: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30] ولِمَ لمْ يقل في غير القرآن: (يعلم ما تبدون وما تكتمون)؟
    1ـ هذا الذي جرى في الملأ الأعلى يليق بذلك الموضع ولا ندري على وجه التحديد ما المراد بتلك العبارات التي قيلت وما المراد بهذه الأسماء التي سُئِلَ عنها؛ لأنّ الإشارة كانت بصيغة العقلاء فما الذي عُرِض أمام الملائكة؟ وما الذي سئل عنه الملائكة؟ ما عندنا خبر صحيح عنه، وهو وقع فعلاً، وكان اختباراً للملائكة، وفي الوقت نفسه كان اختباراً لآدم .
    2ـ لمّا طلب الله من الملائكة: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:31] أعلنوا عجزهم وقالوا: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} [البقرة:32] أي: ما عندنا علم إلا الذي علمتنا إياه .
    3ـ عند ذلك قال تعالى: {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } [البقرة:33]، هذا الإنباء الذي بُنيَ على التعليم {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31]، والتعليم هنا قد يراد به التلقين؛ حيث إنّ آدم عليه السلام لُقِّن؛ أي: حُفِّظ، وهو لديه في دماغه خلايا متخصصة للغة فاستقبلت هذا الذي حُفِّظَ إياه واستطاع أنْ يسترجعها عندما احتاج إليها، فبدأ آدم يتكلم ويخبر بهذه بالأسماء، إذن آدم نجح في الاختبار الذي لم ينجح فيه الملائكة؛ لأنّ الملائكة غير مهيئين للخلافة في الأرض، وأهم ركيزة من ركائز الخلافة في الأرض اللغة.
    4ـ الملائكة عندما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:30] هذا القول كان فيه شيء من الإحساس أنهم هم أفضل من هذا المخلوق، هذا في داخلهم ولم يصرحوا به .
    والملائكة في داخلهم كأنما أحسوا أنهم أميز من هذا المخلوق ولما أُمروا بالسجود سجدوا طاعة لله.
    لكن لأنه سيكون من ذرية هذا المخلوق من يفسد؛ربما يكون قد دخل في نفس بعضهم أنهم أميز منه وأفضل، وهذا الذي أشير إليه في: {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}[البقرة:33] أي: في نفوسكم شيء مكتوم في صدوركم لم تصرحوا به، وما كانوا يعتقدون أنهم كتموه عن رب العزة.
    5ـ وعندما ننظر في الآية نجد حذفاً مقدراً؛ لأنه لمّا قال الله عز وجل: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ} [البقرة:33] دلَّ على شمول علم الله سبحانه وتعالى لكل الجزئيات ولكل دقائق الأمور، وكما يقول العلماء عن علم الله سبحانه: (يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن وما لو كان سيكون، كيف كان يكون) هذه كلمة قديمة لعلمائنا لبيان عظيم علم الله سبحانه وتعالى وشموله وسعته، فعلم الله سبحانه وتعالى شامل.
    لذا قال علماؤنا بوجود الحذف المقدر في قول الله تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}[البقرة:33]، فالذي يعلم الغيب يعلم الشهادة من باب أولى ؛ أي أن هنالك حذفاً، وتقدير المحذوف: (أعلم غيب السموات والأرض وأعلم شهادتهما، وأعلم ما تبدون الآن وفي المستقبل، ويقابله :وما تكتمون الآن وفي المستقبل).
    6ـ هي إذن ثلاث صور:
    آ ـ أعلم غيب السموات والأرض، والحذف (وأعلم شهادتهما).
    ب ـ والثانية: أعلم ما تبدون الآن وفي المستقبل، وما تكتمون الآن وما تكتمون في المستقبل.
    ج ـ والثالثة : وما كنتم تكتمون وما كنتم تبدون في الماضي.
    7ـ إذن {كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33] أخذت الحيز الثالث من الكتمان في الماضي؛ ولذلك جاءت: {كُنتُمْ} لأنّ تبدون في الحاضر وما كنتم تكتمون في الماضي.
    8ـ فإذن مجيء {كُنتُمْ} أشارت وأشعرت بهذا الحذف الموجود في المكانين؛ حتى تستكمل صورة معرفة علم الله سبحانه وتعالى.
    والله سبحانه وتعالى يعلم غيب السموات والأرض ويعلم شهادتهما، ويعلم ما تبدي الملائكة الآن وفي المستقبل وما تكتم الآن وفي المستقبل.
    من أين علمنا (تكتم)؟ من {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33] وما كنتم تكتمون في الماضي وما كنتم تبدون .
    من أين علمنا (ما كنتم تبدون)؟ من وما تبدون الآن، كل واحدة صار فيها هذا الحذف.
    فإذن مجيء {كُنتُم} هو الذي أرشد إلى هذا الفهم العام الشامل الذي فهمه علماؤنا و فهمه العربي أيضاً.
    9ـ هذا التفصيل مراد؛ لأنهم أبدوا شيئاً وكتموا شيئاً، والكلام عن غيب السموات والأرض كلام عام، لكنّ الملائكة بخصوصيتهم أبدوا شيئاً {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:30] هذا أبدوه وبعضهم - كما قال علماؤنا - كتم شيئاً في نفسه ما صرّح به: وهو أنّ هذا المخلوق الذي سيفسد نحن أكرم منه؛ لأننا نحن لا نفسد والآيات لم تفصح، لكن ما معنى: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:30] في مقابل: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة:30] ؟
    الملائكة لا ينكرون ولا يعترضون؛ لأنه معلوم من صفتهم عدم الاعتراض فهو شيء حاك في نفوسهم وأظهره بعضهم في العبارة فلا بدّ من الجمع بين الآيات والفهم في ضوء نسق الآيات، ونحن لا نتألّى على الله أوعلى العبارة القرآنية، لكنّ هذا الذي يُفهم.

    الملائكة قالوا كلاماً، وهذا الكلام لا يمكن أنْ يدخل في إطار الاعتراض على موقف أو حكم الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وليست لديهم القدرة على المحاجة والمناقشة وهذه قدرة الإنسان خلقه الله تعالى على هذا، أمّا هم فلا يناقشون ولا يحاجون ، وإذا ما نظرنا في العبارة فهمنا ما ذكره علماؤنا. والله أعلم .
    ***


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"


    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (45)


    مثنى محمد هبيان




    {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} [البقرة:34]

    السؤال الأول:
    هل كان إبليس مأموراً بالسجود لآدم؟
    الجواب:
    نعم أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم أمراً عامّاً {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} [البقرة:34] وأمر إبليس بالسجود أمراً خاصاً: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] .
    من جهة أخرى فإنّ كلمة {الكَفِرِين} بدون ألف وسطية قد وردت (84) مرة في القرآن الكريم علماً أنّ كلمة ( الكافرين ) قد وردت بالألف الصريحة في رسالة النبي عليه السلام إلى ابني ( الجلندي ) مما يدل على أنّ الكتابة المعتادة خلال فترة نزول القرآن الكريم وكتابته لم تكن هي الكتابة الفريدة التي اختص الله بها للقرآن الكريم .والله أعلم.
    السؤال الثاني:
    لماذا جاء ذكر إبليس مع الملائكة عندما أمرهم الله تعالى بالسجود لآدم، مع العلم أنّ إبليس ليس من جنس الملائكة؟
    الجواب:
    الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم في آية سورة البقرة {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} [البقرة:34]، وأمر إبليس على وجه الخصوص في آية سورة الأعراف:{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] ، فليس بالضرورة أنْ الله تعالى أمر إبليس بالسجود مع الملائكة، لكنه تعالى أمر الملائكة بالسجود كما في آية سورة البقرة، وأمر إبليس وحده بالسجود لآدم أمراًخاصاً به في آية أخرى.
    السؤال الثالث:
    لماذا استخدمت كلمة (إبليس)مع آدم ولم تستخدم كلمة (الشيطان)؟
    الجواب:
    قال تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} [البقرة:34] وفي سورة الأعراف: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف:11] إبليس هو أبو الشياطين، كما إنّ آدم أبو البشر، وبداية الصراع كان بين أبي البشر وأبي الشياطين والشيطان يُطلق على كل من كان كافراً من الجن، أي: على الفرد الكافر من الجنّ.
    السؤال الرابع:
    ما الفرق بين إبليس والشيطان في القرآن الكريم ؟
    الجواب:
    ورد ذكر إبليس في القرآن في 11 آية، بينما ورد ذكر الشيطان في 68 آية، وقد يظن كثير من الناس أنهما بمعنى واحد وأنهما لمخلوق واحد، وليس الأمر كذلك .
    إبليس:
    علَمٌ على مخلوق خلقه الله تعالى من النار وقيل: كان اسمه عزازيل وجعله الله في عداد الملائكة وقام بعمله ما شاء الله أنْ يقوم، ثم نازع ربه الكبرياء والعظمة فاستكبر عن طاعته وعصى ربه فطرده الله من رحمته ومن وظيفته، وأُهبط إلى الأرض يتهدد ويتوعد بإغواء بني آدم، وسيظل كذلك إلى أن تقوم الساعة.
    ولغوياً الكلمة مشتقة من : أبلس الرجل إذا انقطع ولم تكن له حجة وأُبلس، أي: سكت وأُبلس من رحمة الله، أي: يئس منها وندم وقالوا: ناقة مِبلاسٌ، أي: لا ترغو من الخوف والإبلاس: هو السكوت من شدة الخوف والغم.
    انظر قصة إبليس في القرآن في آيات سورة ص [75 ـ 83]، وكذلك في طه [116] وفي الكهف [50] .
    أمّا استخدام القرآن للمعاني اللغوية لكلمة (إبليس) فانظر الآيات : الروم [ 12 ] الأنعام [44] وغيرها.
    الشيطان :
    هذه الكلمة هي صفة قد يتصف بها إبليس، وقد يتصف بها غيره من الجن والإنس، ويظهر ذلك في تصرفاتهم وأفكارهم ومكائدهم وأخلاقهم.
    وقيل: إنّ كلمة (شيطان) مشتقة من (شَطَنَ) بمعنى بَعُد عن الحق، أي: إنّ عمل الشيطان هو إبعاد الناس عن الحق والخير أو من الفعل (شاط) بمعنى احترق من الغضب وتشيطن الرجل: إذا صار كالشيطان في فعله .
    لذلك فكلمة (إبليس) هي الاسم العلم لهذا المخلوق، وإنّ كلمة (الشيطان) هي صفة له ولغيره.
    وقد وصف الله تعالى بها إبليس حتى التصقت به فصار الناس يظنون أنها خاصة به، ولكنّ آيات القرآن بينت أنّ إبليس غير الشيطان، كما في آيات سورة البقرة: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ(34) وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(36) }. [البقرة]. .
    ولاحظ جملة: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ} [البقرة:36] ليتبين كيده وتزيينه ووسوسته.
    وانظر إلى الآية في سورة طه: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه:120] فإبليس هو الوسواس وهو الشيطان، ولكنه ليس وحده في هذه الدنيا فكما أنّ إبليس وذريته من كفرة الجن وهم شياطين الجن ومردته فإنّ هنالك أيضاً شياطين من الإنس لا يقلون عنهم خبثاً وكفراً وفساداً.
    قال تعالى :{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام:112].
    وقال: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }[البقرة:14].
    اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين ونعوذ بك ربنا أنْ يحضرون . اللهم آمين.
    ***



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (46)


    مثنى محمد هبيان



    {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35]

    السؤال الأول:
    ما العبرة من هذه الشجرة المنهي عنها في الآية ؟
    الجواب:
    العبرة الأساسية من هذه الشجرة: إياك أنْ تقترب من الشيء المنهي عنه من الله سبحانه، وهي مثل الشهوة في حياتنا و(من حام حول الحمى يوشك أنْ يقع فيه) حتى لو كنت من الصالحين . والله أعلم.
    السؤال الثاني:
    نهى الله سبحانه آدم وزوجه عن الاقتراب من الشجرة، فأكلا منها ووقعا في النهي، فلِمَ قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا} [البقرة:35] ولم يقل: و(لا تأكلا)؟
    الجواب:
    نهى الله تعالى آدم عن القرب من الشجرة؛ حتى لا تضعف نفسه عند مشاهدة ثمارها فتتوق نفسه للأكل من ثمرها، ولو نهي عن الأكل لاقترب منها وعندها سيقاوم نفسه التي تريد تناول ثمارها، وأما إذا ابتعد عنها فلن تتوق نفسه إلى ثمار لم يرها.
    السؤال الثالث:
    خاطب تعالى آدم وحده، ومرة خاطب آدم وحواء، فهل كان الخطاب مرة واحدة بصيغ متعددة ؟ وكيف نفهم الصيغ المتعددة في الخطاب؟
    الجواب:
    من الذي قال :إنّ الخطاب مرة واحدة؟ ربنا قال في القرآن: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ} [البقرة:35] {فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَ ا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:117] هذا الخطاب غير ذاك الخطاب. {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا} [طه:123] {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} [البقرة:38].
    ولمّا قال: {وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} [الأعراف:19] هذا غير: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف:22] وهذا في وقت آخر.
    السؤال الرابع:
    ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة: {وَزَوْجُكَ} [الأعراف:19] بدل زوجتك في قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ} [الأعراف:19] ؟
    الجواب:
    لغوياً الأصل هو كلمة (زوج)، وفي اللغة الضعيفة تستعمل زوجة، ففي اللغة يقال: المرأة زوج الرجل، والرجل زوج المرأة. أمّا استخدام كلمة (زوجة) فهي لغة ضعيفة رديئة؛ فالأولى والأصح أنْ تستخدم كلمة (زوج)، ولذا استخدمها القرآن الكريم في الآية.
    السؤال الخامس:
    ما الفرق بين الزوج والبعل ؟
    الجواب:
    البعل هو الذكر من الزوجين، ويقال: (زوج) للأنثى والذكر، وفي الأصل (البعل) في اللغة من الاستعلاء و يعني: السيد القائم المالك الرئيس ، وهي عامة.
    وبعلُ المرأة: سيّدها، وسُمِّيَ كلُّ مستعل على غيره بعلاً: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخَالِقِينَ} [الصافات:125]؛ لأنهم يعتبرونه سيدهم المستعلي عليهم، والأرض المستعلية التي هي أعلى من غيرها تسمى بعلاً، والبعولة هي العلو والاستعلاء، ومنها أُخِذ (البعل) زوج المرأة؛ لأنه سيدها ويصرف عليها والقائم عليها.
    الزوج هو للمواكبة؛ ولذلك تطلق على الرجل والمرأة هي زوجه وهو زوجها: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ} [البقرة:35] .
    كما أنّ الزوج يأتي من المماثلة سواء كانت النساء وغير النساء: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} [الصافات:22] أي: أمثالهم ونظراءهم {وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص:58] أي: ما يماثله، و(البعل) لا يقال للمرأة، وإنما يقال لها (زوج) : {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنّ َ} [النور:31] حيث يُنظر به الشخص ولا ينظر به المماثلة .
    ولذلك هم يقولون: أنه لا يقال في القرآن (زوجه) إلا إذا كانت مماثلة له، قال: {اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} [التحريم:11] لم يقل زوج فرعون؛ لأنها ليست مماثلة له، امرأة لوط وامرأة نوح؛ لأنها مخالفة له، هو مسلم وهي كافرة، فلم يقل (زوج)، وإنما ذكر الجنس {اِمْرَأَةَ} ولو قال: (زوج) يكون فيها مماثلة .
    ولمّا كانت المسألة مع سيدنا إبراهيم عليه السلام تتعلق بالإنجاب قال: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ} [هود:71] لأنه هنا يراد به الجنس وليس المماثلة .
    إذن (الزوج) للمماثلة، والمرأة للجنس الرجل كرجل والمرأة كامرأة، وقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6] فيهن مماثلة؛ لأنهن على طريقه وهنّ جميعاً مؤمنات؛ وأزواجه في الدنيا أزواجه في الآخرة.
    السؤال السادس:
    أشار القرآن إلى الشجرة التي أكل منها آدم: هذه الشجرة وتلكما الشجرة، فأين كانت الشجرة التي أشار إليها الخالق؟
    الجواب:
    1ـ كلمة (الشجرة) وردت في القرآن في ثلاث آيات في شجرة الجنة التي أكل منها آدم، وقد وردت الشجرة في تحذيرهما منها {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35] فهي قريبة منهما حتى يتعرفاها، حتى لا يقول آدم وحواء إنه اختلطت عليهما بغيرها، فاستعمل{هَذِهِ}.
    2ـ لمّا جاء إبليس لغوايتهما قرّبهما منها إلى أنْ أوصلهما إليها: {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ}[الأعراف:20] فإذن هما قريبان، واستعمل هنا أيضاً {هَذِهِ}.
    3ـ لكن لمّا ذاقا الشجرة وبدت لهم سوءاتهما وأحسّا بما ارتكباه، والإنسان عندما يرتكب جرماً يهرب منه فابتعدا عنها، فقال تعالى: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف:22] فاستعمل {تِلْكُمَا} لبعدهما أولاً؛ ثم للتهويل من شأنها.
    السؤال السابع:
    ما سبب تقديم وتأخير كلمة{رَغَداً} في آيتي سورة البقرة: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35] {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ} [البقرة:58] ؟
    الجواب:
    1ـ العيش الرغد أو الأكل الرغد هو الهنيء الذي لا جهد معه. الآية الأولى الكلام مع آدم عليه السلام بالترخيص بسكن الجنة أولاً: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ} [البقرة:35] ثم بالأكل من الجنة {وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا} [البقرة:35] ثم بمطلق المكان: {حَيْثُ شِئْتُمَا} [البقرة:35] .
    2ـ في الآية (35) قدَّم {رَغَدًا} على مشيئة الأكل، بينما أخّر{رَغَدًا}على مشيئة الأكل في الآية (58)؛ والسبب أنّ الآية الأولى في الجنة وكلها رغد؛ لذلك قدّمها، أمّا الآية الثانية فهي في الدنيا، والرغد فيها قليل فلذلك أخّرها .
    ولو وضعهما موضعاً واحداً لكان المعنى أنهما متساويان في الرغد، وهذا بعيد؛ فليس من المعقول أنْ تتساوى الجنة والدنيا في الرغد .
    السؤال الثامن:
    ما التوجيه الإعرابي لكلمة: {رَغَدًا} [البقرة:35] ؟
    الجواب:
    عندنا توجيهان من حيث الإعراب:
    آ ـ بعض النحويين ابتكر مصطلح (نائب مفعول المطلق)؛ لأنّ أصل العبارة: وكلا منها أكلاً رغداً، أكلاً : مفعول مطلق، ورغداً: صفة للمفعول المطلق، فلما حُذِف المفعول المطلق وبقيت صفته قال : هذه نائب عن المفعول المطلق.
    ب ـ ومنهم من قال: لا، هي صفة لموصوف محذوف، والموصوف مفعول مطلق. تستطيع أن تقول: هي صفة لمفعول مطلق محذوف، كأنك تبين أن غايتها وهدفها أنها تصف شيئاً أو تقول : إنها نائب لمفعول مطلق.
    السؤال التاسع:
    ما أسماء الجنة التي وردت في القرآن؟ وما معانيها؟
    الجواب:
    1ـ الجنة : هو الاسم العام لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللذة والبهجة والسرور وأصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر والتغطية ومنه الجنين لاستتاره في البطن والجان لاستتاره عن العيون والمجن لستره ووقايته الوجه والمجنون لاستتار عقله وتواريه عنه .
    2ـ دار السلام : قال تعالى : {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنعام:127] فإنها دار السلامة من كل بلية ومكروه وهي دار الله واسمه سبحانه (السلام ) وتحيتهم فيها سلام .
    3ـ دار الخلد : وسميت بذلك لأنّ أهلها لا يظعنون عنها أبداً قال تعالى : {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48].
    4ـ دار المقامة : أي أقاموا فيها أبداً لا يموتون ولا يتحولون منها أبداُ . قال تعالى : {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ المُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر:35] .
    5ـ جنة المأوى : قال تعالى : {عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى} {النَّجم:15} [النجم:15] والمأوى : من أوى يأوي إذا انضم إلى المكان وصار إليه واستقر .
    6ـ جنات عدن :{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [النحل:31] وكلمة :عدن تعني الإقامة وهذا الاسم لجملة الجنان وهي كلها محل إقامة .والله أعلم ( من كتاب لابن الجوزية بتصرف ).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (47)


    مثنى محمد هبيان


    {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة:36]
    السؤال الأول:
    في قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة:36] {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة:37] ذكر (فأزلهما) (فأخرجهما) بالمثنى، ثم ذكر آدم عند التلقّي بالمفرد دون حواء؛ فما دلالة هذا الاختلاف؟
    الجواب:
    هو نبيٌّ، والنبي هو الذي أُنزل عليه وليس زوجه فهو النبي الذي يتلقى وليس زوجه، والتبليغ أصلاً كان لآدم: (يا آدم اسكن أنت وزوجك)، (وعلّم آدم الأسماء)، (اسجدوا لآدم)، الكلام كان مع آدم والسياق هكذا، فقال: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة:37]، وهذا ليس تحقيراً لحواء.
    وكذلك في آيات سورة طه: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:115] فلم يذكر حواء، و {فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَ ا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:117] لم يذكر حواء، و {وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121] لم يذكر حواء، السياق هكذا.
    فتلقى آدم؛ لأنّ آدم هو المنوط به التواصل مع الله سبحانه وتعالى بالوحي.
    السؤال الثاني:
    {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة:37] قرأها ابن عباس {فَتَلَقَّى آدَمَ} [البقرة:37] فما وجه الاختلاف؟
    الجواب:
    هذه القراءة بالنصب:{فَتَلَقَّى آدَمَ من رَّبِّه كَلِمَاتٌ} [البقرة:37] الكلمات فاعل. هذه القراءة التي هي بالنصب فيها تكريم لآدم؛ إذ تلقته الكلمات كما يُتلقى الساقط إلى الأرض لئلا يهلك، تلقته الكلمات ليتوب. لم يقل: (فتلقت آدم من ربه كلمات)؛ لأن {كَلِماتٍ} مؤنث مجازي، والمؤنث المجازي يجوز فيه التذكير والتأنيث.
    ثم الأمر الآخر: هناك فاصل بين الفعل والفاعل؛ لأنّ وجود الفاصل يحسّن التذكير ، حتى لو لم يكن الفاعل مؤنثاً مجازياً ،أوحتى لو كان مؤنثاً حقيقياً كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ}[الممتحنة:12] ما قال: إذا جاءتك، فكيف إذا كان المؤنث مجازياً ؟!!!! فقوله تعالى: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}[البقرة:37] تلقته الكلمات؛ لأنّ آدم سقط، ولأنّ المعصية سقوط فتلقته الكلمات لئلا يهلِك، ومسألة تقديم وتأخير المفعول به على الفاعل مسألة جائزة طالما أمن اللبس.
    السؤال الثالث:
    ما الفرق بين استخدام الجمع والمثنى في الآيات: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } [البقرة:36] و {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه:123] ؟
    الجواب:
    الذي يوضح قراءة الآيات، في البقرة كان الخطاب لآدم وزوجه: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(36) } [البقرة: 35 - 36].
    أما في طه فالخطاب لآدم: {لَا تَظْمَؤُا} [طه:119]، {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ} ، {فَتَشْقَى} [طه:117]، {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى} [طه:121].
    فكان الكلام في طه: {اهْبِطَا} [طه:123] لآدم وإبليس وحواء تابعة لآدم ، و {اهْبِطُواْ} [البقرة:36] في البقرة أي آدم وحواء وإبليس.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (48)



    مثنى محمد هبيان



    {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38]
    السؤال الأول:
    أين جواب الشرط في هذه الآية؟
    الجواب:
    فإما يأتينكم : هي (إنْ وما) جمعتا معاً إنّْ شرطية وما الزائدة بين أداة الشرط وفعل الشرط وجملة {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة:38] هي جواب إنّ والفاء رابطة لجواب إنّ وجملة: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [البقرة:38] فهي جواب لـ {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة:38] . أي :
    من : اسم شرط في محل رفع مبتدأ.
    تبع : فعل ماض في محل جزم فعل الشرط , والفاعل ضمير مستتر تقديره هو .
    هداي : مفعول به , والضمير مضاف إليه .
    فلا : الفاء رابطة , و(لا) حرف نفي .
    خوف : مبتدأ مرفوع .
    عليهم : جار ومجرور , وشبه الجملة في محل رفع خبر , والجملة في محل جزم جواب الشرط، والشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ "من".
    السؤال الثاني:
    قال في البقرة: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة:38] وقال في طه: {فَمَنْ اتَبِعَ هُدَايَ} [طه:123] فما الفرق؟
    الجواب:
    يحتمل - والله أعلم - أنّ فعل (تبع) لا يلزم منه مخالفة الفعل قبله , بينما الفعل (اتبع) على وزن (افتعل) يشعر بتجديد الفعل .
    وقصة آدم عليه السلام لبيان فعله فجيء بـ {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة:38]، وأمّا في طه فقد جاء بعد قوله تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:115] و {وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121] فناسب (اتبع) [طه:123] أي: جدد قصد الاتباع .
    السؤال الثالث:
    ما معنى قوله تعالى: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38] في القرآن الكريم ؟ و كم مرة ورد في القرآن ؟
    الجواب:
    ورد قوله تعالى : {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} في القرآن الكريم في إثني عشر موضعاً في الآيات: [ البقرة 38 ـ 62 ـ 112 ـ 262 ـ 274 ـ277 ـ آل عمران 170 ـ المائدة 69 ـ الأنعام 48 ـ الأعراف 35 ـ يونس 62 ـ الأحقاف 13 ] .
    ومعنى: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي لا خوف عليهم أمامهم , فليس شيء أعظم في صدر الذي يموت مما بعد الموت , فأمّنهم الله تعالى منه , ولن يحزنوا على ما خلّفوه بعد وفاتهم في الدنيا . والله أعلم . جعلني الله وإياكم منهم .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (49)

    مثنى محمد هبيان







    {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:39]


    السؤال الأول:
    ما دلالة كلمة الآيات : {بآياتِنا} فى هذه الآية ؟
    الجواب:
    الآيات جمع آية، وهي الشيء الذي يدل على أمر من شأنه أنْ يخفى، ولذلك قيل لأعلام الطريق آيات؛ لأنها وضعت لإرشاد الناس إلى الطرق الخفية في الرمال، وسميت جُمَل القرآن آيات؛ لأنها ترشد الضالّ في متاهة الحياة إلى طريق الخير والفلاح.
    السؤال الثاني:
    ما دلالة هذه الآية ؟
    الجواب:
    لمّا وعد الله في الآية السابقة متبع الهدى بالأمن من العذاب والحزن: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38] كان مقتضى التقسيم أن يقول مثلاً : ومن لم يتبع هداي ولكنه عدل عنه ليبرز القسم الثاني مسجلاً عليه الكفر وهم أصحاب العذاب الدائم فقال : {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:39] وجاء بالصيغة الاسمية الدّالة على الثبوت والاستمرار لبيان أنّ صحبتهم للنار ليست لمجرد الاقتران بل للديمومة والخلود .
    السؤال الثالث:
    ما دلالة رسم كلمة {أَصْحَبُ} بدون ألف وسطية في كل القرآن الكريم ؟
    شواهد قرآنية: { لَا يَسۡتَوِيٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۚ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ }
    الجواب:
    وردت كلمة {أَصْحَابُ} في القرآن الكريم في (78) موضعاً كلها بدون ألف وسطية لتوحي بالتصاق المثل بهم .ويوحي ورود كلمة: {أَصْحَابُ النَّارِ} {أَصْحَابُ الجَنَّةِ} {أَصْحَابِ السَّعِيرِ} {أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ} بدون ألف وسطية بالخلود والالتصاق والقرب والتشابه سواء في الجنة أو في النار . والله أعلم .
    ( انظر المصحف لرؤية حذف الألف في كلمة ( أصحاب ) حيث أنه مكتوب بالخط القرآني العثماني ).




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (50)
    مثنى محمد هبيان



    ﴿يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ٤٠) [البقرة: 40]
    السؤال الأول:
    أغلب السور يضرب المثل بقصة موسى؛ فما دلالة هذا؟ وما اللمسة البيانية في تكرار قصة موسى؟
    الجواب:
    ليست قصة موسى عليه السلام هي القصة الوحيدة التي تتكرر في القرآن، لكن قصة موسى فيها تفاصيل كثيرة وأطيل فيها وذُكرت أكثر من القصص الأخرى؛ لأنّ تلك الأقوام بادت وهلكت ولم يبق منها أحد، أمّا بنو إسرائيل فباقون في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ومستمرون إلى الآن وكان لهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم حوادث ومواقف وعداء وهم إلى الآن مستمرون على مواقفهم إلى ما قبل يوم القيامة، فإذن التكرار له دلالته؛ لأنهم سيبقون معكم إلى ما شاء الله وهم يحاربونكم ويفعلون ويمكرون، فذكر أفعالهم مع موسى وكيف آذوه و لقد أوذي موسى عليه السلام كثيراً فصبر وفي الحديث «رحم الله أخي موسى، لقد أوذي أكثر من هذا فصبر».
    وذكر القرآن كثيراً من أحوالهم وأفعالهم، فلا نعجب أنْ يفعلوا مثل هذه الأشياء أو أكثر معنا حتى نتعظ ونعرف كيف كانوا يفعلون .
    والقوم لا يزالون وليس كبقية الأقوام الذين انقرضوا مثل قوم عاد وصالح ولوط؛ لأنّ اليهود بقوا وبقي كتابهم المحرف معهم وبقي لهم مواقف، وسيبقى لهم مواقف:﴿وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱسۡكُنُواْ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِيفٗا١٠٤﴾ [الإسراء: 104] ؛ ولذلك كان ذكرهم واستمرارهم باستمرار بقائهم ووجودهم.
    السؤال الثاني:
    هذه أول قصة تأتي بعد قصة خلق آدم عليه السلام؛ فما دلالة ذلك ؟
    الجواب:
    بعد أنْ قصّ الله علينا قصة خلق آدم، وموقف آدم منه وتجربته مع الشيطان في إحدى الجنات ثم نزوله إلى الأرض مسلحاً بمنهج الله ومحمياً بالتوبة بدأت مهمة آدم على الأرض.
    بعد تلك القصة أراد الله سبحانه أنْ يعرض علينا موكب الرسالات وكيف استقبل بنو آدم منهج الله بالكفر والعصيان، فاختار جلّ جلاله قصة بني إسرائيل؛ لأنها أكثر القصص التي تتضمن معجزات، وأنبياء بني إسرائيل من أكثر الأنبياء الذين أُرسلوا لأمة واحدة وليس معنى هذا أنهم مفضّلون، ولكن لأنهم كانوا أكثر الأمم عصياناً وآثاماً فكانوا أكثرها أنبياءً.
    كانوا كلما خرجوا من معجزة انحرفوا، فتأتيهم معجزة أخرى فينحرفون، وهكذا حَكَمَ الله عليهم لظلمهم أنْ يتفرقوا في الأرض ثم يتجمعوا مرة أخرى في مكان واحد ليذوقوا العذاب والنكال على معاصيهم وكفرهم.
    ولذلك أخذت قصة بني إسرائيل ذلك الحجم الضخم في كتاب الله وفي تثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أضف إلى ذلك أن موسى عليه السلام كان من أولي العزم من الرسل.
    السؤال الثالث:
    ما معنى: ﴿إِسۡرَٰٓءِيلَ) في الآية ؟
    الجواب:
    إسرائيل مأخوذة من كلمتين (إسر) و (إيل)، والأولى في العبرية معناها: عبد مختار مصطفى، والثانية معناها: الله، فيكون معنى الكلمة (صفوة الله)، والاصطفاء هنا ليعقوب وليس لذريته، وقد ابتُلي يعقوب ابتلاء كثيراً استحق به أنْ يكون صفياً لله .
    وإسرائيل هو يعقوب ابن إسحاق، وإسحاق بن إبراهيم وإبراهيم أنجب إسحاق وإسماعيل، ورسولنا صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل.
    والله سبحانه عندما يخاطب بني إسرائيل يقول: ﴿يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ﴾ ولكنّ الله سبحانه حين يخاطب المسلمين لا يقول لهم: اذكروا نعمة الله، وإنما يقول: ﴿ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ﴾ ؛ لأنّ بني إسرائيل ماديون ودنيويون فكأنّ الله يقول لهم: ما دمتم ماديين ودنيويين فاذكروا نعمة الله المادية عليكم.
    ولكننا - نحن المسلمين - أمة غير مادية والماديون يحبون النعمة، وغير الماديين يحبون المنعم ويعيشون في معيّته.
    السؤال الرابع:
    قوله تعالى: ﴿وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ٤٠) [البقرة: 40] اختار تعالى لفظ العهد لليهود ولم يقلأوفوا وعدكم) فهل لهذا من بُعدٍ آخر؟
    الجواب:
    هذا من لطائف القرآن خاطبهم الله تعالى باسم التوراة المعروف عندهم، أليست التوراة تسمى عندهم العهد؟ !!!
    لذلك الكلمة مزدوجة الدلالة لأمرين: لأنها تأمرهم بالتزام أوامر الله وتأمرهم بالتزام وصايا الله تعالى المبثوثة في طيّات العهد القديم والتي فيها الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (51)
    مثنى محمد هبيان



    ﴿وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ*َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ٤١﴾ [البقرة: 41]
    السؤال الأول:
    ما دلالة الباء في قوله تعالى: {بِ*َٔايَٰتِي} ؟
    الجواب:
    عندما تشتري أمراً ما من السوق تقول: اشتريت هذا بمئة درهم، فانظر إلى الباء في (بمئة) دخلت على ثمن السعر، وتكون الباء مع الذاهب، وهنا {بِ*َٔايَٰتِي}[البقرة:41] أي: الآيات ذهبت .
    وفي الآية {وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ*َٔايَٰتِي} [البقرة: 41] دخلت الباء على آياتي، لتعلمنا أنّ اليهود جعلوا آيات الله تعالى كدراهم واشتروا بها عرضاً من أعراض الدنيا لا قيمة له؛ لذلك جاء وصفه بـ ﴿قَلِيلٗا ﴾ [البقرة: 41]لأنهم بذلوا أنفس شيء واشتروا به حظاً قليلاً.
    السؤال الثاني:
    لماذا جاءت ثمناً قليلاً، مع أنها وردت في القرآن (ثمناً) وحدها ؟
    الجواب:
    الثمن هو العوض، والبخس دون قدر الشيء، أي: لا يناسب قدره.
    الثمن القليل جاء حيثما ورد في الكلام عن حق الله سبحانه وتعالى ومعنى ذلك أنّ العدوان على حق الله سبحانه وتعالى مهما بلغ فهو ثمن قليل.
    وعندما يكون الكلام عن الآيات ﴿وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ*َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ﴾ [البقرة: 41]
    فأي ثمن يناسب آيات الله عز وجل؟ لا شيء، ومهما كان الثمن فهو قليل. ولا يفهم من قوله تعالى (ثمنا قليلا) أنه يمكن أنْ يشتروا بآياته ثمناً كثيراً كلا وإنما هو بيان بأنّ هذا الثمن الذي أخذتموه لا يقابل آيات الله، وهو قليل في حق الله سبحانه وتعالى، وكل ثمن يؤخذ مقابل ذلك فهو قليل مهما عظُم .
    وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ١٧٤﴾ [البقرة: 174] أي أنّ هذا الذي اشتريتموه هو قليل وإنْ كان في نظركم كبيراً وعندما يبيع الإنسان دينه بدنياه، يقول القرآن له: هذا الذي بعت به هو قليل ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ١٧٤﴾ [البقرة: 174]؛ لأنهم أكلوا ثمن شرائهم مقابل آيات الله سبحانه وتعالى، فسماه قليلاً مهما كان نوعه.
    في القرآن الكريم وفي تسع آيات منه وصف الثمن بأنه قليل تحقيراً لشأنه وتهويناً من قدره، وفي هذه الآيات التسع يتحدث القرآن الكريم عن الشراء بثمن قليل، وهو: إمّا أنْ ينهاهم عن ذلك أو يثبته لهم بأنهم فعلوا ذلك وما قبضوه قليل.
    أمّا في قضية الوصية والشهادة فى سورة المائدة فتركه مجملاً {ثَمَناً} ليشمل كل الأشياء المادية والمعنوية وحتى لا يكون هناك نوع من التحايل.
    ألا يمكن أنْ يتعاور الوصف بالبخس والقليل بعضهما مع بعض؟ يمكن إذا أُريد بالبخس ما هو ليس من قدر الشيء الذي بيع، و هذا لا يستقيم مع آيات الله؛ لأنه ليس هناك شيء بقدر الآيات لذلك لا يستقيم إلا القلّة.
    السؤال الثالث:
    ما الفرق بين القيمة والثمن ؟
    الجواب:
    1ـ القيمة هي المساوية لمقدار المثمّن من غير نقصان ولا زيادة .
    2ـ الثمن قد يكون كذلك أو زائداً والمُلْكُ لا يدل على الثمن، فكل ما له ثمن مملوك وليس كل مملوك له ثمن، قال تعالى: ﴿وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ*َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا﴾ [البقرة: 41].
    وقال في سورة يوسف: ﴿وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ﴾ [يوسف: 20] فأدخل الباء في الثمن قال الفراء : هذا لأنّ العروض كلها أنت مخير في إدخال الباء فيها، إنْ شئت قلت : اشتريت بالثوب كساء وإنْ شئت قلت : اشتريت بالكساء ثوباً أيهما جعلته ثمناً لصاحبه جاز فإذا جئت إلى الدراهم والدنانير وضعت الباء في الثمن؛ لأنّ الدراهم أبداً ثمن.
    السؤال الرابع:
    إلى من يرجع الضمير {بِهِ} في الآية ؟
    الجواب:
    الضمير (به) راجع إلى ﴿لِّمَا مَعَكُمۡ﴾ [البقرة: 41]؛ لأنهم كانوا يعلمون من كتابهم صفة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أول يهود خوطبوا بالإسلام وأول كافر به من أهل الكتاب .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (52)
    مثنى محمد هبيان



    ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ٤٣ ﴾ [البقرة: 43]
    السؤال الأول:
    لماذا يأتي الخطاب في الحديث عن الصلاة والزكاة في القرآن للمؤمنين، أمّا في الحج فيكون الخطاب للناس ؟


    الجواب:
    الصلاة والزكاة كان مأمورا بهما من تقدّم من أهل الديانات، كما جاء في قوله تعالى عن إسماعيل عليه السلام : ﴿وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا٥٤ وَكَانَ يَأۡمُرُ أَهۡلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِوَ ٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِيّٗا٥٥ ﴾[مريم:54-55] وكذلك في قوله تعالى عن عيسى عليه السلام ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا٣١﴾ [مريم: 31] وفي الحديث عن بني إسرائيل ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ٤٣ ﴾ [البقرة: 43].
    أمّا الحج فهو عبادة خاصة للمسلمين، وعندما يكون الخطاب دعوة للناس إلى الحج فكأنها هي دعوة لدخول الناس في الإسلام أمّا إذا كانت دعوة الناس للصلاة والزكاة فهم أصلاً يفعلونها في عباداتهم. والله أعلم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن"(53)
    مثنى محمد هبيان


    ﴿ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ﴾ [البقرة: 46]
    السؤال الأول:
    ما دلالة قوله تعالى (ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ) [البقرة:46] في الآية ؟
    الجواب:
    لا شك أنّ قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ) في هذه الآية تعني اليقين والجزم والإيمان المطلق باليوم الآخر , وهذا من الأمور الرئيسية والأساسية للإيمان لكل مؤمن ,وبدون هذا اليقين لا يوجد إيمان , وهذا ما عليه إجماع المفسرين دون استثناء .
    وما سوف نناقشه هنا وفي السؤال الذي يليه هومناقشات لغوية لموضوع الظن والرجحان واليقين للفعل ( ظنّ ) حيث يمكن أن يكون له أكثر من معنى وحسب السياق .
    وعندما يجزم شخص بأمرٍ وهو ليس له وجود فهذا هو الجهل, والجاهل شر من الأمي؛ لأنّ الأمي لا يعلم، ومتى علم فإنه يؤمن .
    فإذا كانت القضية غير مجزوم بها ومتساوية في النفي والوجود، فإنّ ذلك يكون شكاً, فإنْ رجحت إحدى الكفتين على الأخرى يكون ذلك ظناً .
    والله سبحانه يقول في الآية: (ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ) [البقرة:46] ولم يقل مثلاً: الذين تيقنوا أنهم ملاقوا ربهم , فلماذا؟
    الجواب: إن مجرد الظن أنك ملاقٍ الله سبحانه وتعالى يجعلك تلتزم بالمنهج الرباني، فما بالك إذا كنت متيقناً !! بل المطلوب للمؤمن أن يكون متيقنا بشكل كامل .
    ومثال ذلك: هب أنك سائر في طريق وجاء شخص يخبرك أنّ هذا الطريق فيه لصوص، فمجرد هذا الكلام يجعلك لا تمشي في هذا الطريق إلا إذا كنت مسلحاً أو معك أشخاص آخرون , فأنت تفعل ذلك للاحتياط , إذن فمجرد الظن دفعنا للاحتياط .
    وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ) [البقرة:46] فمجرد رجحان القضية في الذهن يدفعك لليقين يجعلك تلتزم بمنهج الله، فتقي نفسك من عذاب عظيم , لذلك لا بدّ من اليقين في هذا الأمرلأنه من أسس الإيمان , وبدون ذلك ينتفي الإيمان .
    قيل أن الشاعر المعري قال في آخر حياته:
    زعم المنجّم والطبيب كلاهما=لا تحشر الأجساد قلت إليكمـا
    إنْ صح قولكما فلست بخاسر=أو صح قولي فالخسار عليـكما
    فكل مكذب بالآخرة خاسر , والنفس البشرية لا بدّ لها أن تعترف وتوقن أنّ هناك حشراً أمامها وتعمل لذلك , وإلا فالخسارة ـ كل الخسارة ـ ستلاقيه.
    ثم يقول الله تعالى: (وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ) [البقرة:46] فالرجوع إلى الله تعالى أمر يقيني، فما دمت قد جئت للدنيا مخلوقاً من الله, فأنت لا محالة سترجع إليه , وهذا اليوم يجب أنْ نحتاط له حيطة كبرى لأنه يوم عظيم؛ قال تعالى: (فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا١٧) [المزَّمل:17] .
    ونحن نحتاط لأمور دنيوية لا تساوي شيئاً بالنسبة لأهوال يوم القيامة . فكيف لا نتمسك بمنهج الله تعالى , ونوقن بأننا سنلاقي الله تعالى وأنْ نعمل لذلك ألف حساب !!!!.
    السؤال الثاني:
    ما دلالة الفعل ( ظنّ) في القرآن الكريم ؟
    الجواب:
    1ـ الظن هو التردد بين طرفي الاعتقاد غير الجازم , وقال الراغب : الظن اسم لما يحصل من إمارة , ومتى قويت أدتْ إلى العلم , ومتى ضعفت لم تتجاوز حد الوهم , ولذلك :
    آ ـ فإنّ الفعل ( ظنّ ) قد يستعمل للشك أو للاعتقاد الراجح المظنون, كما في قوله تعالى : ﴿ٓ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ ﴾ [البقرة:230] .
    ب ـ وقد يأتي الفعل ( ظنّ ) بمعنى : اليقين , لأنّ الظنّ فيه طرف من اليقين , ولولاه كان جهلاً , كما في قوله تعالى :
    (ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ) [البقرة:46] .
    (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ﴾ [الحاقة:20] .
    والفرق بينهما في القرآن ضابطان :
    آ ـ أنه حيث وُجِدَ الظنُ محموداً مثاباً عليه , فهو اليقين , كما في قوله تعالى : ﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ٢٠ فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ٢١ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ﴾ [الحاقة: 20ـ22] , وحيث وُجدَ مذموماً متوعّداً بالعقاب عليه , فهو الشك , كما في قوله تعالى : ﴿بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُون َ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمۡ وَظَنَنتُمۡ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ وَكُنتُمۡ قَوۡمَۢا بُورٗا﴾ [الفتح:12].
    ب ـ وكل ظن اتصل به ( أنّ) المشددة ,أو(أنْ) المخففة منها, فالمراد به اليقين والتأكيد :
    * شواهد على ما اتصل به ( إنّ) المشددة: قوله تعالى :
    (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ) [الحاقة:20].
    ﴿وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلۡفِرَاقُ﴾ [القيامة:28] .
    * شواهد على ما اتصل به ( أنْ) المخففة : قوله تعالى :
    ﴿وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ﴾ [التوبة:118], أي بتقدير : ( أنّه لا ملجأ).
    ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعۡجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَن نُّعۡجِزَهُۥ هَرَبٗا﴾ [الجن:12] أي بتقدير : ( أنّه لن نعجز).
    وللعلم فإنّ ( أنْ) المخففة في الآيتين السابقتين قد خففت من (أنّ) المشددة بتقدير ( إنّه) وضمير الشأن محذوف .
    كما أنّ كل ظنٍ اتصل بـه ( إنْ) الخفيفة فهو شك , كقوله تعالى :
    (إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ) [البقرة:230] .
    2 ـ ومثل ذلك أيضاً فعل (عَلِمَ ) , فما اتصل بـ(إنّ) المشددة فذلك يفيد التوكيد , كما في قوله تعالى : ﴿ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ﴾ [الأنفال:66] .
    ﴿فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ ۡ﴾ [محمد:19] .
    3ـ ما ذهب إليه بعضهم من أنّ كل ظنٍّ ورد بعده (أنْ ) الناصبة فالمراد به الشك، فهذا يردّه قوله تعالى: ﴿وَوُجُوهٞ يَوۡمَئِذِۢ بَاسِرَةٞ٢٤ تَظُنُّ أَن يُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَةٞ﴾ [القيامة:24-25] وهذا موطن يقين لا موطن شك.
    4ـ قال بعضهم : إنّ الظن ليس بيقين عيان , وإنما هو يقين تدبر , وهذا يرده قوله تعالى : ﴿وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفٗا﴾ [الكهف:53], وهذا يقين عيان .
    5ـ يظهر مما سبق أنّ الأصل في الظن أن يكون شكاً , وهذا الشك يتردد بين القوة والضعف , فقد يكون ضعيفاً قريباً من الوهم , وقد يقوى حتى يكون يقيناً .
    والله أعلم .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (54)
    مثنى محمد هبيان





    ﴿يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧ ﴾
    السؤال الأول:
    ما دلالة تفضيل بني إسرائيل في الآية ؟
    الجواب:
    1ـ قوله تعالى ﴿وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧ ﴾ [البقرة:47] هؤلاء أتباع موسى عليه السلام في زمانه قبل مجيء عيسى عليه السلام , وأتباع كل نبي مفضّلون على العالمين في زمانهم قبل أنْ يأتي النبي الآخِر محمد صلى الله عليه وسلم, وليس معنى العالمين كل الأمم إلى قيام الساعة .
    ولذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧ ﴾ [البقرة:47] يعني على عالمي زمانكم؛ وذلك لأنّ الشخص الذي سيوجد بعدهم ليس بموجود ولم يدخل بعد في العالمين، فمثلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق على الإطلاق لم يكن موجوداً في ذلك الوقت، ولو كان موجوداً لَفَضَلَهم بالتأكيد.
    2ـ لاشك أنّ المقصود منهم هم المؤمنون؛ لأنّ عصاتهم مسخوا قردة وخنازير.
    السؤال الثاني:
    ما الفرق بين النِّعمة والنَّعمة في القرآن ؟
    الجواب:
    آ ـ النِّعمة : - بكسر النون- هي المنة وما يُنعِم به الرجل على صاحبه.
    ب ـ وأما النَّعمة: - بفتح النون- فهو ما يٌتنَعَّم به في العيش ﴿وَنَعۡمَةٖ كَانُواْ فِيهَا فَٰكِهِينَ٢٧﴾ [الدخان:27].
    ج ـ أنعُم : هي جمع قِلَّةٍ لنعمةٍ , كقوله تعالى ﴿شَاكِرٗا لِّأَنۡعُمِهِۚ ٖ﴾ [النحل:121] ونِعَمٌ جمع كثرة، كقوله تعالى ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ ٞ﴾ [النحل:18] .
    السؤال الثالث:
    ما النعم التي ذكرها الله في القرآن وأنعمها على بني إسرائيل ؟
    الجواب:
    ذكر القرآن الكريم بعض النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل، وعدَّ منها عشرة :
    آ ـ ﴿وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩﴾ [البقرة:49].
    ب ـ ﴿وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُم ۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٠﴾ [البقرة:50].
    ج ـ ﴿وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ٥١﴾ [البقرة:51].
    د ـ ﴿وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ٥٣﴾ [البقرة:53].
    هـ ـ ﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ٥٤﴾ [البقرة:54].
    و ـ ﴿ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٦﴾ [البقرة:56].
    ز ـ ﴿وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ٥٧﴾ [البقرة:57].
    ح ـ ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ٥ ٨﴾ [البقرة:58] نعمة؛ لمحو الذنوب بدخول الباب سجداً.
    ط ـ ﴿وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ٦٠﴾ [البقرة:60].
    ي ـ ﴿وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ٦٣﴾ [البقرة:63].
    والله أعلم .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #54
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير"من روائع البيان في سور القرآن" (55)
    مثنى محمد هبيان



    (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ)


    السؤال الأول:
    ما دلالة الاختلاف في الشفاعة والعدل بين آيتي سورة البقرة (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48] و (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ١٢٣) [البقرة:123] ؟
    الجواب:
    العدل معناه: ما يعادل الجُرم الذي هو الفدية.
    وإيصال هذا المال أو المبلغ لمستحقه في حال قيام الإنسان بجريمة أو ما شابه لأهل المرتكب عليه الجريمة أو الشخص نفسه، هذا الإيصال له أسلوبان:
    1ـ الأول أنْ يرسل وفدَ صُلحٍ وشفاعة حتى يقبلوا ما يقدِّمه لهم فيبدؤوا أولاً بإرسال الوفد ثم يذهب بالفدية أو المقابل.
    2ـ والصورة الأخرى أنْ يذهب ابتداء فيقدم ما عنده، فإذا رفض يذهب ويأتي بوسطاء يشفعون له.
    والآيتان كل واحدة منهما نظرت إلى صورة, فنفى الصورتين عن القبول فيما يتعلق بالأمم التي آمنت قبل اليهود بشكل خاص حتى يؤمنوا بالله تعالى ورسوله محمد وبكتابه:
    آ ـ الآية الأولى (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48] هذه الصورة الأولى تقدمون الشفاعة، و الشفاعة لا تقبل، والفدية لا تؤخذ.
    ب ـ الآية (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ١٢٣) [البقرة:123] هذه الصورة الثانية.
    والجمع بين الآيتين على بُعد ما بينهما أنه كل آية نظرت في صورة , فالأولى نظرت في صورة والثانية نظرت في صورة , ومع ذلك انتفت كلتا الصورتين, وهذا يعني أنه لا يمكن أنْ يقبل منكم إلا أنْ تتبعوا هذا النبي الكريم محمداً ﷺ, وبدون ذلك لا تقدموا الشفاعة ابتداء ولا تأتوا بالشفاعة لأنً هذا كله لا يُقبل , والذي يقبل منكم هو الإيمان بالرسول محمد عليه السلام والقرآن الكريم .
    وكأنّ ذلك نوع من التيئيس؛ لأنّ الإنسان إذا ارتكب جرماً إمّا أن يذهب بالعدل ،أي: المال المقابل للجرم إلى القبيلة، فإذا رُفِض يذهب ويأتي بالشفعاء، أو العكس يأتي بالشفعاء أولاً حتى يقبلوا العدل منه.
    والقرآن الكريم يأَّس بني إسرائيل من الحالتين: لا يقبل منكم عدل ابتداء وبعده شفاعة, ولا شفاعة ابتداء ثم يأتي العدل بعد ذلك , ولا ينفعكم إلا أنْ تتبعوا محمداً ﷺ.
    ملخص الجواب للشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى :
    1ـ المعنى العام :
    بشكل عام الخطاب للكفار والآية نازلة فيهم , أمّا المؤمنون فلهم الشفاعة رزقنا الله تعالى إياها وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة .
    والعربي الذي يقع في كريهة يحاول أعوانه الدفاع عنه بمقتضى الحمية، فإنْ لم يستطيعوا حاولوا بالملاينة بدل المخاشنة، فإنْ لم تغن عنه الحالتان لم يبق عنده إلا فداء الشيء بالمال, فإنْ تعذر ذلك تعلل بما يرجوه من شفاعة الأخلاء والإخوان .
    ومن كان ميله إلى حب المال أشد من ميله إلى علو النفس فإنه يقدم التمسك بالشافعين على إعطاء الفدية، ومن كان بالعكس يقدم الفدية على الشفاعة.
    فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغني شيء من هذه الأمور عن المجرمين في الآخرة.
    2ـ المعاني اللغوية :
    آـ (يَوۡمٗا) [البقرة:48] : هو يوم القيامة وهو بذاته لا يُتَّقى فلا بد منه, وإنما المقصود اتقاء ما يحصل في ذلك اليوم من الشدائد والعقاب.
    ب ـ الشفاعة: ضم غيره إلى وسيلته, والشفع ضد الوتر؛ لأنّ الشفيع ينضم إلى الطالب في تحصيل ما يطلب فيصبح شفعاً بعد أنْ كان وتراً .
    ج ـ العَدل : هو الفدية، وأصله ما يساوي الشيء قيمة وقدراً وإنْ لم يكن من جنسه.
    والعِدل والعديل : هو المِثلُ أو هو المساوي للشيءِ في الجنسِ والجرمِ، تقول : عندي عِدلُ شاتِكَ أو عِدلُ غلامِكَ إذا كان شاة تعدل شاة، وغلاماً يعدل غلاماً , فإن أردت قيمَتَه من غير جنسه فتحتَ العَين.
    والعَدلُ ضِدُّ الجورِ، والعديلُ الذي يعادِلُك في القدر والوزن.
    د ـ (وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) : أي ليس لهم من يمنعهم وينجّيهم من عذاب الله.
    هـ ـ جزى : بمعنى قضى، وقضاء الحقوق يوم القيامة إنما يقع في الحسنات.
    سؤال :
    هل الفائدة من قوله تعالى (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا) [البقرة:48] هي نفس الفائدة من قوله: (وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨﴾ [البقرة:48] ؟
    جواب :
    معنى القسم الأول من الآية (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا) [البقرة:48] أنه لا يتحمل عنه غيره ما يلزمه من الجزاء , وأمّا النصرة فهي أنْ يحاول تخليصه من حكم المعاقِب.
    سؤال :
    قدّم المولى عز وجل (الشفاعة ) على ( العدل ) في الآية ( 48 )، بينما قدّم (العدل ) على ( الشفاعة ) في الآية (123 )، فما الحكمة من التقديم والتأخير؟
    جواب :
    آ ـ الآيتان المذكورتان في نفس السورة، وهما :
    الآية الأولى (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48].
    الآية الثانية (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ١٢٣) [البقرة:123].
    والملاحظ أنّ صدر الآيتين واحدٌ وعجزهما مختلف أي :

    ب ـ الآيتان [ 48 ] و[123 ] سبق كلٌ منهما نفس الآية أي أنّ الآية [ 47 ] و [122 ] هي نفسها؛ وبيان ذلك: قال تعالى:
    (يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧ ) [البقرة:47].
    (َٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ١٢ ٢) [البقرة:122].
    والمقصود بـ (وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ) أي: على عالمي زمانكم , وهو من باب عطف الخاص على العام؛ لأنّ النعمة اندرج تحتها التفضيل المذكور على عالمي زمانهم بما أعطوا من الملك والرسل والكتب في زمانهم ؛ فإن لكل زمان عالماً .
    ج ـ والحق أن أمة الرسول ﷺ هي أفضل منهم؛ لأنّ الله أشهد بني إسرائيل فضل أنفسهم فقال: (وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ) وأشهد المسلمين فضل نفسه؛ قال تعالى: (قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ٥٨) [يونس:58] وشتان مَن مشهوده فضل ربه، ومن مشهوده فضل نفسه .
    قال رسول الله ﷺ : «أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله» .
    والله يقول : (كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ ١١٠) [آل عمران:110] .
    فالحمد لله الذي فضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً.
    د ـ سياق الآيات التي قبلها :
    لقد سبق الآية 48 الآيات من [48:40] وهي قوله تعالى :
    (يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ٤٠ وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ*َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ٤١ وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ٤٢ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ٤٣ ۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ٤٤ وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ٤٥ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ٤٦ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧ وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48:40] .
    وهذه الآيات تؤكد كمال غفلة بني إسرائيل عن القيام بحقوق النعم التي أنعم الله عليهم بها وليربط بما بعده من الوعيد الشديد بالترغيب والترهيب , فذكّرهم بنعمه أولاً ثم عطف على تحذيرهم من طول نقمه بهم يوم القيامة إنْ لم يؤمنوا برسوله ﷺ ويتابعوه على ما بعثه به , فإنه لا تنفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ولا يقبل منهم فداء ولو بملء الأرض ذهباً، كما قال تعالى: ( مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ ٢٥٤) [البقرة:254] .
    أمّا الآية الآية[122] المذكورة سابقا؛ ففيها تكرير التذكير لبني إسرائيل وحثهم على اتباع الرسول الأمي ﷺ الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه، وأنْ لا يحملهم الحسد للعرب على مخالفته وتكذيبه .
    هـ ـ نعود الآن إلى أصل السؤال :
    1ـ نلاحظ في قوله تعالى (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا) [البقرة:48] أي: هناك نفسان نفس جازية، والثانية مجزي عنها .
    2ـ ففي الآية [48] المعنى العام لها أنه سيأتي إنسان صالح ـ حتى تقبل شفاعته عند الله ـ فيقول: يا رب أنا سأشفع لفلان أو أقضي حق فلان .
    فنفس الإنسان الصالح جازية والأخرى مجزي عنها, لكن لا تقبل شفاعته؛ لأنه يشفع لكافر وبالتالي لا يؤخذ منه عدل، أي: فدية، ولا يسمح بأي مساومة أخرى .
    ففي هذه الآية بدأ عجزها بالشفاعة، وهي تعود على النفس الأولى في الآية .
    3ـ أما الآية الثانية [123] فيتحدث الله تبارك وتعالى عن النفس المجزي عنها قبل أنْ تستشفع بغيرها وتطلب منه أنْ يشفع لها, بعد أنْ يكون قد ضاق بالكافر الحيل وهذا اعتراف بعجزه فيقول يارب : ماذا أفعل حتى أكّفر عن ذنوبي، فلا يقبل منه , كما في قوله تعالى في سورة السجدة الآية [12]: (وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢) [السجدة:12] فيكون رد الحق سبحانه كما في الآية [14] (فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ١٤) [السجدة:14] .
    فهم عرضوا على ربهم أن يكّفروا عن سيئاتهم بأنْ يعودوا إلى الدنيا ليعملوا صالحاً فلم يقبل الله منهم هذا العرض, وكما في قوله تعالى في سورة الأعراف: ( فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ قَدۡ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ٥٣) [الأعراف:53] حيث خرج الاستفهام إلى النفي، أي: ما لنا من شفعاء .
    وجاء بـ (قد) والفعل الماضي (قَدۡ خَسِرُوٓاْ) لتأكيد النتيجة النهائية، وهي الخسران.
    لذلك هنا النفس المجزي عنها هي التي تطلب التكفير والفداء فبدأ عجزها بـ(عَدۡلٞ) .
    4ـ الملخص:
    النفس الأولى: الجازية يناسبها الآية الأولى؛ لأنها بدأت بطلب الشفاعة ,أمّا النفس الثانية: المجزي عنها, فيناسبها الآية الثانية؛ لأنها بدأت بتقديـم الفداء .
    5ـ والمعنى العام للآيتين أنّ الله تعالى لا يقبل ممن كفر به فدية ولا شفاعة ولا ينقذ أحداً من عذابه منقذ ولا يخلّص منه أحد ولا يجير منه أحد , وصار الحكم إلى الجبار العدل الذي لا ينفع لديه للكافرين الشفعاء والنصراء فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها , وكما قال تعالى في القران الكريم :
    (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٌ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةُ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَ ةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ١٦١) [البقرة:161].
    (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لِيَفۡتَدُواْ بِهِۦ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنۡهُمۡۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ٣٦) [المائدة:36].
    (فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُۖ هِيَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ١٥) [الحديد:15].
    ( َإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلٖ لَّا يُؤۡخَذۡ مِنۡهَآۗ ٧٠) [الأنعام:70].
    (فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةٖ وَلَا نَاصِرٖ١٠) [الطارق:10] .
    ( وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيۡهِ ٨٨) [المؤمنون:88].
    (فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُۥٓ أَحَدٞ٢٥ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ٢٦) [الفجر:25-26] .
    (مَا لَكُمۡ لَا تَنَاصَرُونَ٢٥ بَلۡ هُمُ ٱلۡيَوۡمَ مُسۡتَسۡلِمُونَ ٢٦) [الصافات:25-26].
    (فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢۖ بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡۚ ٢٨) [الأحقاف:28] .
    (وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48].
    (وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢) [السجدة:12] .
    السؤال الثاني:
    ماذا عن تذكير وتأنيث لفظة (شَفَٰعَةٞ) في القرآن الكريم ؟
    الجواب:
    1ـ في آية البقرة [48] قوله تعالى (وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ) [البقرة:48].
    آ ـ ذكّر الفعل (يُقۡبَلُ) مع الشفاعة؛ لأنّ الشفاعة هنا لمن سيشفع، أي: للشافع وهو مذكر .
    ب ـ الشفاعة ليست مؤنثة حتى تكون الشفاعة مطلقة .
    ج ـ إذا فصلت بين المؤنث الحقيقي والمؤنث المجازي يجوز التذكير والتأنيث، تقول : ذهب إلى الجامعة فاطمة, وذهبت إلى الجامعة فاطمة، هكذا إذا كان هناك فصل، لكنْ : ذهبت فاطمة لا يجوز غير هذا: ذهبت فاطمة.
    د ـ أمّا المؤنث المجازي، فتقول: طلعت الشمس، وطلع الشمس، ابتداء فهذا مؤنث مجازي .
    2ـ في آية البقرة[ 123] أنّث الفعل، فقال: ( وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ ١٢٣) [البقرة:123] ؛لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها وليس الكلام عن الشفيع .
    3ـ في آيات يس 23 قوله تعالى: ( لَّا تُغۡنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡ*ٔٗا وَلَا يُنقِذُونِ٢٣) [يس:23] والنجم [26] قوله تعالى : ( لَا تُغۡنِي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡ*ًٔا ٓ٢٦) [النجم:26] أنّث الفعل؛ لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها.
    السؤال الثالث:
    قال تعالى فى سورة لقمان: ( وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ ٣٣) [لقمان:33] وفي البقرة قال: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا) [البقرة:48] . فما الفرق بين الوالد والولد والنفس؟
    الجواب:
    1ـ لا ننسى أنه في سورة لقمان ذكر الوالدين والوصية بهما ( وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ ١٥) [لقمان:15] والسورة تحمل اسم لقمان (وَالِدٌ) وهي مأخوذة من موقف لقمان وموعظته لابنه وكيف أوصاه, ووصية ربنا بالوالدين ، وقد وردت ضمن وصية لقمان لابنه، إذن هذه أنسب أولاً مع اسم السورة ومع ما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر بهما ومصاحبتهما في الدنيا معروفاً .
    2ـ في البقرة لم يذكر هذا، وإنما جاءت كلمة (نفس) عامة تقع على الروح وعلى الذات .
    3ـ وذكر الوالد والولد في آية لقمان مناسب لما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر، مع ملاحظة أن قوله تعالى: ( وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ) [لقمان:15] خاص بالدنيا، بينما في هذه الآية (لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ) [لقمان:33] الأمر متعلق بالآخرة الآخرة, لذلك يتبين أنّ المصاحبة بالمعروف والإحسان إليهما وما وصّى به في السورة لا يمتد إلى الآخرة, وأنّ هذه المصاحبة ستنقطع في الدنيا، وهي ليست في أمور الآخرة .
    إذن هذه مناسبة لقطع أطماع الوالدين المشركين في الحصول على نفع ولدهما إن كان مؤمنا أو دفعه شيئا عنهما في الآخرة, إضافة إلى أنها مناسبة لما ورد في السورة من ذكر الوالدين والأمر بالمصاحبة لهما ونحوه.
    السؤال الرابع:
    ما دلالة حذف العائد المقدر (فيه) مع الآيات عندما يستعمل الفعل (يجزي) كما في آية البقرة[ 48] (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ) [البقرة:48] وآية لقمان (وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ ٣٣ ) [لقمان:33] وآية البقرة [123] (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ) [البقرة:123] بينما ذُكرت (فيه) مع آيات أخرى، كما في آية البقرة (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١ ) [البقرة:281] وآية النور (يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ٣ ٧) [النور:37] فما الفرق ؟
    الجواب:
    آ ـ جملة الصفة عادة يكون فيها عائد أي (ضمير) يعود على الموصوف قد يكون مذكوراً وقد يكون مقدّراً، وهنا مقدر, أي: أن النحاة يقدرون : لا يجزي فيه, هذا من حيث التقدير، وهو جائز الذكر وجائز التقدير؛لأنه ذكرها في مواطن أخرى: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ) [البقرة:281] فالأمران جائزان، وقد ذكرا في مواطن.
    ب ـ يبقى لماذا اختار عدم الذكر؟ والجواب أنّ الحذف عادة يفيد الإطلاق عموماً، فعندما تقول : فلان يسمعك أو فلان يسمع، (يسمع) أعم، يقول الحق أو يقول، (يقول): أعم، يعطي المال أو يعطي، يعطي أعمّ. وعدم ذكر المتعلقات يفيد الإطلاق، إذن هو الآن أظهر التعبير بمظهر الإطلاق ولم يذكر (فيه)؛ لأنه أظهره بمظهر الإطلاق.
    ج ـ يبقى السؤال لماذا لم يذكر هنا و ذكر في مواطن أخرى؟
    والجواب: لو (جزى فيه) والد عن ولده , أي لو دفع ( في ) يوم القيامة هل هذا الجزاء يختص بهذا اليوم أو بما بعده؟ والجواب: هو بذلك اليوم.
    ولو (جزى) والد عن ولده بدون( فيه) لو جزى عنه يعني لو قضى عنه ما عليه، هذا الجزاء سيكون الجنة , والجزاء ليس في ذلك الوقت وإنما أثر الجزاء سيمتد، أي أنّ الجزاء سيكون في هذا اليوم ولكنّ الأثر هو باق، ولذلك حيث قال: (لَّا يَجۡزِي) لم يقل فيه ) في كل القرآن.
    شواهد قرآنية بدون ( فيه ):
    (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48] ما قال (فيه).
    (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ*ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ١٢٣) [البقرة:123] ما قال (فيه).
    شواهد قرآنية مع ( فيه ):
    (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١) [البقرة:281] أي تُوَفَّى في ذلك اليوم ؛ فإمّا يذهب للجنة وإمّا إلى النار.
    (يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ٣ ٧) [النور:37] في ذلك اليوم وبعدها ليس فيه تقلب؛ لأنه يذهب للجنة، وذِكر (فيه) خصصها باليوم فقط .
    ولمّا قال: (ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ) [البقرة:281] هذا في يوم القيامة وليس مستمراً يومياً، والذي في الجنة تُوُفِّيَ عمله والذي في النار تُوُفِّيَ عمله، والتَّوفِّي هو في يوم القيامة وأثر التَّوفيةِ إمّا يذهب إلى الجنة وإمّا إلى النار، وتقلُّبُ القلوب والأبصار هو في يوم القيامة ثم يذهب أصحاب الجنة إلى الجنة وأصحاب النارإلى النار، ولا يعود هناك تقلب قلوب ولا أبصار.
    ولو جزى والدٌ عن ولده لكان أثر الجزاء ليس خاصاً في ذلك اليوم، وإنما يمتد إلى الخلود إلى الأبد، ولذلك لم يذكر (فيه) وأخرجه مخرج الإطلاق، لذلك حيث قال: (لا تجزي) ولم يقل (فيه) يكون لنفي المتعلق وإطلاق الأمر.والله أعلم .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (56)
    مثنى محمد هبيان



    (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩ )
    السؤال الأول:
    ما دلالة كلمة ( ءََالِ ) في الآية، وليس أهل؟
    الجواب:
    الآل : هم الأهل والأقراب والعشيرة، وكلمة (آل) لا تضاف إلا لشيء له شأن وشرف دنيوي ممن يعقل، فلا تستطيع مثلاً أن تقول: آل الجاني، بل تقول: أهل الجاني.
    السؤال الثاني:
    ما الفرق بين ( يُذَبِّحُونَ ) [البقرة:49] و(وَيُذَبِّحُونَ) [إبراهيم:6] ؟ أي لماذا ذكر (الواو) في آية ابراهيم ؟
    الجواب:
    في سورة البقرة قال تعالى: (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩ ) [البقرة:49] وفي سورة إبراهيم قال تعالى: (وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٦ ) [إبراهيم:6] .
    1ـ في البقرة جعل سوء العذاب هو تذبيح الأبناء، أي: (بَدَل) لأنّ السؤال في قوله تعالى: (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ) [البقرة:49]، ما هو سوء العذاب؟ والجواب: (يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [البقرة:49]، هذه بدل من (يسومونكم)، وهذه الجملة بدل لما قبلها فسّرتها ووضحتها، والبدل يكون في الأسماء والأفعال وفي الجُمَل.
    2ـ وأمّا في سورة إبراهيم قال تعالى: (يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [إبراهيم:6] وهنا ذكرالله أمرين : سوء العذاب بالتذبيح وبغير التذبيح، وكان التعذيب لهم بالتذبيح وغير التذبيح باتخاذهم عبيداً وعمالاً وخدماً وبالإهانات أيضاً، وموسى عليه السلام يذكِّرهم هنا بنعم الله عليهم فيذكر لهم أموراً.
    و الواو عاطفة في آية سورة إبراهيم : (وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [إبراهيم:6] ووجهه أنه في سورة إبراهيم تقدّم قوله تعالى : (وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ ٥) [إبراهيم:5]ﯛ وهي أوقات عقوبات, إلى أن قال : (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ٥ ) [إبراهيم:5] واللائق أنْ يعدد امتحانهم تعديداً يؤذن بصدق الجمع عليه لتكثر المنة , ولذلك أتى بالعاطف ليؤذن بأن إسامتهم العذاب مغاير لتذبيح الأبناء وسبي النساء , وهو ما كانوا عليه من التسخير , بخلاف المذكور في آية البقرة , فإنّ ما بعد (يَسُومُونَكُمۡ)تفسير له , فلم يعطف عليه .
    وربما يقول قائل: إنّ السياق واحد والتعبير مختلف، فلماذا؟ والجواب أنّ هذا لا يوحي بملاحظة أو علامة استفهام أمام هذا التغير, حتى في واقع الحياة أنت أحياناً تذكر لشخص أموراً ولا تذكر أموراً أخرى، يعني تذكر أموراً لا تحب أنْ تشرحها كثيراً وفي موقف آخر تقولها، والآيات تتكامل مع بعضها وتضيف إطاراً آخر حتى تكتمل .
    السؤال الثالث:
    قال تعالى في البقرة [49] :( يُذَبِّحُونَ) [البقرة:49] وفي آية الأعراف [141] (يُقَتِّلُونَ) [الأعراف:141] فما دلالة ذلك ؟
    الجواب:
    1ـ بشكل عام، القتل أعم من الذبح، والقصة في الأعراف مبنية على العموم والتفصيل، بينما في البقرة لم تذكر إلا هذه الآية، فناسب لفظ التقتيل في الأعراف دون البقرة.
    2ـ ذكر القرآن قول فرعون في الأعراف :(سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ) [الأعراف:127] وقال في الآية[141]: (يُقَتِّلُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [الأعراف:141] وهو المناسب فقد فعل ما قاله وهدّد به.
    3ـ في آية البقرة جعل (يُذَبِّحُونَ) [البقرة:49] هنا بدلاً من يسومونكم، بدل فعل من فعل، وخصّ الذبح بالذكر لعظم وقعه عند الأبوين؛ ولأنه أشد على النفوس.
    4ـ القصة في الأعراف فصّلت في ذكر الحوادث قبل موسى وبعده، وذكرت فتنة فرعون لبني إسرائيل وذكرت مجيء موسى إلى فرعون وتبليغه بالدعوة. وذكرت موقف فرعون من السحرة وتهديد فرعون لبني إسرائيل بالقتل والإذلال والإيذاء، حتى قالوا لموسى عليه السلام: (قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ) [الأعراف:129] وذكرت الآيات التي حلت بفرعون وقومه فناسب العموم في الأعراف العمومَ في اللفظ وهو التقتيل، فقال تعالى :( يُقَتِّلُونَ)لأنّ القتل أعم من الذبح.
    5ـ كما أنه لم يرد في البقرة ذكر لهارون عليه السلام، بخلاف سورة الأعراف حيث ورد فيها (رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ)[الأعراف:122] وحيث إنّ ذكر موسى وهارون أعم من ذكر موسى وحده فناسب العموم للعموم، وناسب ذلك ذكر التقتيل؛ لأنّ القتل أعم من الذبح . والله أعلم.
    السؤال الرابع:
    ربنا تعالى قال في سورة البقرة: (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ)[البقرة:49] وفي إبراهيم قال على لسان سيدنا موسى: (إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ) [إبراهيم:6] أنجاكم ولم يقل هنا: نجّاكم. فلماذا ؟
    الجواب:
    هناك فرق بين الصيغتين فعّل وأفعل : (فعّل) فيها تمهل وتلبّث، بينما (أفعل) فوقتها أسرع و أقصر وأقل, لذلك (نجّى) يفيد التمهل والتلبّث والبقاء، مثل علّم وأعلم، لأنّ (علّم) تحتاج إلى وقت، أمّا (أعلم) فهو إخبار.
    و موسى عليه السلام يعدد النعم عليهم فقال : (أَنجَىٰكُم) [إبراهيم:6] فأنهى الموضوع بسرعة ، كما قال تعالى: ( وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُم ۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ)[البقرة:50] لأنهم لم يمكثوا في البحر طويلاً فقال: أنجيناكم، وحتى في إبراهيم عليه السلام قال: (فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ) [العنكبوت:24] ولم يقل : ( نجّاه) ؛ لأنه لم يلبث كثيراً في النار.
    السؤال الخامس:
    قال تعالى في هذه الآية: (يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ)فما الفرق بين الأبناء والأولاد؟
    الجواب:
    آ ـ الأبناء، أي: الذكور جمع ابن، وهي للذكور، مثل قوله تعالى: (يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [البقرة:49].
    ب ـ أما الأولاد فجمع ولد، وهي عامة للذكور والإناث (يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ ) [النساء:11] الذكر والأنثى (وَٱلۡوَٰلِدَٰت يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ)[البقرة:233] والإرضاع للذكور والإناث.
    السؤال السادس:
    ما دلالة رسم كلمة ( بلاء ) بصورتين مختلفتين في القرآن الكريم , وهما (بَلَآءٞ) و(بَلَٰٓؤٞاْ) ؟
    الجواب:
    وردت كلمة (بَلَآءٞ) بصورتها العادية في محل رفع ثلاث مرات في القرآن الكريم كله .
    ووردت كلمة(بَلَٰٓؤٞاْ) بصورتها المختلفة مرتين فقط وهي في محل رفع , وذلك لتبين البلاء ووضوحه وأنه بلاء مبين , خاصة لسيدنا إبراهيم عليه السلام حينما اختبره الله بذبح ابنه إسماعيل بيده لا بيد غيره , فهو بلاء صعب جداً على النفس.وللعلم فإن الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى .
    (بَلَآءٞ):
    (وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ)[البقرة:49].
    (وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ) [الأعراف:141].
    (وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ)[إبراهيم:6].
    (بَلَٰٓؤٞاْ):
    (إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَٰٓؤُاْ ٱلۡمُبِينُ) [الصافات:106].
    (وَءَاتَيۡناهم مِّنَ ٱلۡأٓيَٰتِ مَا فِيهِ بَلَٰٓؤٞاْ مُّبِينٌ) [الدخان: 33].


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #56
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (57)
    مثنى محمد هبيان


    (وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُم ۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ)
    السؤال الأول:
    ما اللمسة البيانية في ورود لفظة (اليَمّ) 8 مرات في قصة موسى، ووردت لفظة (البحر) 8 مرات في القصة نفسها، ووردت لفظة (البحرين) مرة واحدة؟
    الجواب:
    1ـ القرآن الكريم يستعمل اليم والبحر في موقفين متشابهين، كما في قصة موسى عليه السلام؛ فمرة يستعمل اليم ومرة يستعمل البحر في القصة نفسها .
    2ـ اليمّ كما يقول أهل اللغة المحدثون : إنها عبرانية وسريانية وأكادية، وهي في العبرانية (يمّا) وفي الأكادية (يمو). (اليمّ ) وردت كلها في قصة موسى ولم ترد في موطن آخر , ومن التناسب اللطيف أنْ ترد في قصة العبرانيين وهي كلمة عبرانية.
    واليم يستعمل للماء الكثير, وإنْ كان نهراً كبيراً واسعاً فيستعمل اليم أو البحر .
    3ـ لكن من الملاحظ أنّ القرآن لم يستعمل (اليم) إلا في مقام الخوف والعقوبة، ولم يستعمل اليم في مقام النجاة.
    قال تعالى: (فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ) [القصص:7] هذا خوف، (فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُ مۡ فِي ٱلۡيَمِّ) [الأعراف:136]، (فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ بِجُنُودِهِۦ فَغَشِيَهُم مِّنَ ٱلۡيَمِّ مَا غَشِيَهُمۡ) [طه:78] هذه عقوبة.
    4ـ أمّا (البحر) فعامة، وقد يستعمله القرآن الكريم في مقام النجاة أو العقوبة, واستعمل القرآن كلمة (البحر) في النِّعم لبني إسرائيل وغيرهم،وفي نجاة بني إسرائيل ولم يستعمل (اليم).
    وقد استعمل القرآن كلمة (البحر) في النجاة والإغراق فقال : (وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُم ۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ) [البقرة:50].
    واستعملها في الإغراق والإنجاء فقال : (وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ) [الأعراف:138] أي: أنجيناهم .
    5ـ اللغة تفرق بين البحر والنهر واليم: النهر أصغر من البحر، والقرآن أطلق اليم على الماء الكثير. ويُشتق من اليم ما لم يشتق من البحر, مثلاً: (ميموم) أي: غريق؛ لذلك كلمة ( اليم ) تناسب الغرق، والعرب لا تجمع كلمة (يم) فهي مفردة , وقالوا: لم يُسمع لها جمع ولا يقاس لها جمع، وإنما جمعت كلمة بحرعلى (أبحر وبحار) وهذا من خصوصية القرآن في الاستعمال, كونها خاصة بالخوف والعقوبة .
    (وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ)[البقرة: 51]
    السؤال الأول:
    ما الفرق بين قوله تعالى في آية البقرة [51] (وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ) [البقرة:51] وآية الأعراف [142] (وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَ ا بِعَشۡرٖ)[الأعراف:142] ؟
    الجواب:
    قال تعالى في سورة البقرة: (وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ) [البقرة:51] وقال في سورة الأعراف: (وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَ ا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ) [الأعراف:142] آية فيها إجمال , وآية فيها تفصيل .
    لكن لماذا الإجمال في موضع والتفصيل في موضع آخر؟ لو عدنا إلى سياق سورة البقرة نجد أنه ورد فيها هذه الآية فقط في هذا المجال، بينما في المشهد نفسه في سورة الأعراف فيه تفصيل كبير من قوله تعالى: (وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَ ا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ) [الأعراف:142] إلى قوله (وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ) [الأعراف:145] فالكلام طويل والقصة والأحداث في المواعدة مفصلة أكثر في الأعراف, ولم تذكر في البقرة؛ لأنّ المسألة في البقرة فيها إيجاز, فناسب التفصيل في سورة الأعراف والإيجاز في سورة البقرة, لذا جاء في تفسير آيات الأعراف أنّ موسى عليه السلام صام ثلاثين يوماً ثم أفطر فقال تعالى: صم، فصام عشرة أيام أخرى، أمّا في سورة البقرة فجاءت على سبيل الإجمال (أربعين يوماً).
    السؤال الثاني:
    ما دلالة قوله تعالى: (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) [البقرة:51] في الآية ؟ ولماذا لم يقل مثلاً: (بعده)؟
    الجواب:
    آية البقرة في بني إسرائيل وتعداد نعم الله عليهم وعصيانهم مع ظهور الآيات, وهم بعد أنْ أغرق آل فرعون اتخذوا العجل بلا مدة فاصلة، فجاء بمن فقال: (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) [البقرة:51] ولم يقل: (بعده)؛ لأنها تفيد الزمن الطويل والقصير, بينما (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) تفيد الابتداء، أي: فعلوا ذلك مباشرة بعد إنقاذهم من البحر .
    وكذلك الأمر في الآية التالية رقم [52] (ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ) [البقرة:52] فجاء بـ (من بعد) للدلالة على أنّ عفو الله جاءهم مباشرة بعد اتخاذهم العجل، والله أعلم
    السؤال الثالث:
    ما دلالة لفظة (وَٰعَدۡنَا) [البقرة:51] في الآية ؟
    الجواب:
    الوعد هو الإخبار بشيء سارّ، والوعيد هو الإخبار بشيء سيء.
    السؤال الرابع:
    لماذا استعمل لفظة (لَيۡلَةٗ) [البقرة:51] في الآية ؟
    الجواب:
    وَعْدُ اللهِ تعالى لموسى عليه السلام كان لإعطائه المنهج لإبلاغ بني إسرائيل.
    وعندما يتكلم الدين عن الزمن يتكلم دائماً بالليلة, والسبب أنك تستطيع أنْ تحدد الزمن بمجرد أنْ تنظر إلى القمر فتقول: هذا القمر هلالا أو بدرا أو أول الشهر. أمّا قرص الشمس في النهار فلا يحدد لك في أي وقت من الشهر نحن .
    والبدوي في الصحراء يستطيع أنْ يحدد لك الزمن بالتقريب بالليالي فيقول لك مثلاً : هذا القمر ابن كذا ليلة. والله أعلم .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (58)
    مثنى محمد هبيان



    (وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ)
    السؤال الأول:
    ذكر الله الفرقان في هذه الآية (وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ) [البقرة:53] ولم يذكره في سورة القصص (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ) [القصص:43]
    ما الفرق بين الكتاب والفرقان؟ ولماذا؟
    الجواب:
    1ـ الكتاب هو التوراة، والفرقان هي المعجزات التي أوتيها موسى كالعصا، والمعجزات الأخرى؛ وهي تسع آيات , والفرقان هو الذي يفرّق بين الحق والباطل. , لذا قد يكون الفرقان وصفاً للتوراة , وهو أيضاً وصف للقرآن , قال تعالى : (تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان:1].
    2ـ لكنّ السؤال: لماذا قال في الأولى: (الكتاب والفرقان)، وفي الثانية قال: (الكتاب) فقط؟
    والجواب أنّ السياق هو الذي يحدد.
    فالآية الأولى جاءت في سياق الكلام عن بني إسرائيل (يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ) [البقرة:40]، من الذي شاهد الفرقان؟ شاهده بنو إسرائيل وفرعون الذين كانوا حاضرين , لكنّ الناس الآخرين لم يشاهدوا هذا الشيء , فلمّا تكلم مع بني إسرائيل خصوصاً كان الخطاب لهم وهم الذين شاهدوا قال: (ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ ) وقال: (لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ) [البقرة:53].
    وأمّا الثانية فقال: (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ) [القصص:43] .
    فلمّا قال: (بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ)[القصص:43] لم يقل: الفرقان؛ لأنهم لم يشاهدوا هذا الشيء , بل قال: (ٱلۡكِتَٰبَ)[القصص:43] لأنّ الفرقان ذهب وبقي الكتاب , والكتاب بصائر للناس. والله أعلم.
    السؤال الثاني:
    جاء في الآية (وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ)[البقرة:53] وجاء في آية آل عمران (أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ)[آل عمران:186] فما دلالة ذلك ؟
    الجواب:
    في هذا الباب ما نراه في القرآن الكريم في (ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ) فإنه على العموم إذا كان المقام مقام مدح وثناء أظهر الله ذاته ونسب إتيان الكتاب إلى نفسه، فيقول: (ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ) وإذا كان المقام مقام تقريع وذم، قال: (أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ).
    شواهد قرآنية في إسناد الإيتاء إلى نفسه في مقام المدح والثناء :
    البقرة [53،121، 146] الجاثية [16] الأنعام [114] الرعد [36] القصص [52] العنكبوت [47] النساء [54].
    شواهد قرآنية في مقام الذم ويُبنى فيها فعل الإيتاء للمجهول :
    البقرة [101، 144، 145] آل عمران [19، 23، 100،186، 187] النساء [44، 47، 51] المائدة [57] التوبة [29] الحديد [16].
    ****
    (وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ)
    السؤال الأول:
    ما الفرق بين الفاءين في قوله تعالى: (فَتُوبُوٓاْ) (فَٱقۡتُلُوٓاْ) في الآية ؟
    الجواب:
    الفاء الأولى للسبب؛ لأنّ طلب التوبة سببه الظلم, والفاء الثانية للتعقيب؛ لأنّ القتل من تمام التوبة، والمعنى : فأتبعوا التوبة القتل .
    السؤال الثاني:
    ما النفحات الفكرية والإضاءات البيانية في الآية ؟
    الجواب:
    1ـ أوحى الله إلى موسى عليه السلام أنّ شرط توبتهم قتل النفس، كما أنّ القاتل عمداً لا تتم توبته إلا بتسليم نفسه حتى يرضى أولياء المقتول أو يقتلوه.
    2ـ قوله (فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ) [البقرة:54] أي: توبة بعيدة عن الرياء نابعة من القلب وهو مطّلعٌ على ضمائركم , ولو كانت توبتكم على غير ذلك فقد تبتم إلى الناس، وذلك مما لا فائدة فيه؛ لأنكم أذنبتم إلى الله فوجب أنْ تتوبوا إلى الله بارئكم.
    3ـ جاء في التفاسير :أمر الله أن يقتلَ منْ لم يعبد العجلَ ،مَن عبده قتلاً حقيقياً , فيكون المعنى من قوله: (فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ)[البقرة:54] أي: استسلموا للقتل، وهو المعنى الأقرب، وقيل المعنى: ليقتل بعضكم بعضاً.
    4ـ قوله: (ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ) [البقرة:54]؛ لأنّ حالتهم كانت دائرة بين ضرر الدنيا وهو متناهٍ ، وضرر الآخرة وهو غير متناه؛ ولأنّ الموت لا بدّ منه فليس في تحمل القتل إلا التقديم والتأخير, وأمّا الخلاص من العقاب والفوز بالثواب فذاك هو الغرض الأعظم.
    5ـ قوله: (فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ)[البقرة:54] هوإمّا من قول موسى عليه السلام كأنه قال : إن فعلتم فقد تاب عليكم, وإمّا أن يكون خطاباً من الله لهم على طريق الالتفات بتقدير : ففعلتم ما أمركم موسى فتاب عليكم بارئكم .
    السؤال الثالث:
    ما دلالة حذف حرف الألف (يَٰقَوۡمِ) من حرف النداء(يا) في الآية ؟
    الجواب:
    حُذفَ حرفُ الألف من حرف النداء ( يا ) في جميع القرآن الكريم , ويوحي ذلك بأنّ النداء لا بدّ أن يكون من قرب حتى يكون تأثيره مؤكداً , فعبّر عن القرب بحذف حرف الألف .
    ومثل ذلك كلمات : (يَٰٓـَٔادَمُ) (يَٰرَبِّ) (يَٰبَنِيٓ) (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ) (يَٰصَٰلِحُ).
    والله أعلم .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #58
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (59)
    مثنى محمد هبيان



    ﴿ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾
    السؤال الأول:
    قال هنا : (مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ)[البقرة:56] ، وقال في آية البقرة: (مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ) [البقرة:109] بينما لم يذكر (من) في آية آل عمران (بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ) [آل عمران:100] فما دلالة ذلك ؟
    الجواب:
    بشكل عام (مِن) للابتداء . تقول مثلاً : سافرت من مكة إلى المدينة , أي ابتداء السفر من مكة . وعندما تذكر ( من ) تكون للفترة أو للمسافة القصيرة لأنها ذكرت الابتداء , وبدون
    ( من ) يمكن أن تكون للفترة أو للمسافة القصيرة أو الطويلة . انظر إلى قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا﴾ [فصلت:10] فذكرهنا ( من ) ليدل على أنّ الرواسي ملتصقة بالأرض ليس بينها وبينها فراغ , بينما قال تعالى : (أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَٰٓفَّٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ﴾ [الملك:19] لم يذكرهنا ( من ) لأنّ بينهم وبين السماء مسافة طويلة .
    1ـ في آيتي البقرة (وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٥ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [البقرة:55ـ56 ]معناها أنّ الله لم يتركهم مدة طويلة ميتين .
    2ـ وفي آية البقرة ﴿وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [البقرة: 109]
    ذكر الله فيها أنّ كثيراً من الكفار يتمنون لو أنهم ردوا المسلمين من بعد الإيمان كافرين أي بلا مهلة (حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) فهم يتمنون الإسراع في تكفيرهم، وأنْ ينقلوهم فوراً من حالة الإيمان إلى حالة الكفر.
    بينما في آية آل عمران (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ) [آل عمران:100] ففيها تحذير للمسلمين من إطاعة الكافرين؛ لأنهم ينفثون فيهم أوهامهم وضلالهم شيئاً فشيئاً حتى يردوهم مع مرور الزمن كافرين, وليس معناه أنهم ينقلونهم فوراً من الإيمان إلى الكفر.
    لذلك الأولى مقام تمنٍّ، والثانية مقام تحذير.
    والله أعلم.
    ﴿وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ﴾
    السؤال الأول:
    قدّم المفعول به، وهو(أَنفُسَهُمۡ) [البقرة:57] على الفعل، وهو (يَظۡلِمُونَ) [البقرة:57] فما دلالة هذا التقديم ؟
    الجواب:
    إنّ في تقديم المفعول به على فعله تأكيداً وتنويهاً:
    آـ فيه تأكيد على أنّ حالهم كحال الجاهل بنفسه، فالجاهل يفعل بنفسه ما يفعله العدو بعدوّه .
    ب ـ وفيه تنويه لك أيها المسلم أنّ الخروج من طاعة الله سبحانه وتعالى أولاً وآخراً فيه ظلم، ولكنه ظلمٌ لنفسك قبل ظلمك لغيرك.
    السؤال الثاني:
    ما الفرق بين قوله تعالى فى سورة البقرة : (وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) [البقرة:57] وفي آل عمران : (وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) [آل عمران:117] بدون (كانوا) ؟
    الجواب:
    في العموم عندما يتكلم القرآن عن الحال، أي: الوقت الحالي وليس الزمن الماضي يقول: (أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) وعندما يتكلم عن الأقوام البائدة القديمة الماضية يقول: (كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) [البقرة:57] . فيستعمل ( كانوا ) للدلالة على الزمن الماضي .
    انظر كذلك الآيات : العنكبوت [ 40] التوبة [70] الأعراف [160]
    السؤال الثالث:
    ما دلالة اختلاف رسم كلمة (ٱلۡغَمَامَ) و(ٱلۡغَمَٰمَ) في القرآن الكريم؟
    الجواب:
    وردت كلمة (ٱلۡغَمَٰمَ) في القرآن الكريم ( 4) مرات , إثنان منها بالألف الوسطية , وإثنان :بدون ألف وسطية , والحالتان هما :
    الحالة الأولى : (ٱلۡغَمَامَ)
    ﴿وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ ﴾ [البقرة:57].
    ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَ ةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ﴾ [البقرة:210].
    جاءت (ٱلۡغَمَامَ) بألف وسطية في سورة البقرة لتدل أنّ الغمام لم يكن مضموماً وإنما كان متفرقاً, حيث كان بنو إسرائيل في شك من الإيمان بموسى عليه السلام حتى يروا الله جهرة . وتعني آية البقرة 210 أنهم ينتظرون رؤية الله مظللاً بالغمام منفصلاً عن الملائكة .
    الحالة الثانية :(ٱلۡغَمَٰمَ)
    (وَقَطَّعۡناهم ٱثۡنَتَيۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمٗاۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡغَمَٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ١٦٠ ) [الأعراف:160].
    (وَيَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلۡغَمَٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ تَنزِيلًا) [الفرقان:25].
    جاءت كلمة (ٱلۡغَمَٰمَ) بدون ألف وسطية مما يوحي بأنّ الغمام كان قريباً من بعضه , وبذلك كان الظل وارفاً , وكان هذا جزاء للأمة التي ذكرها الله من قوم موسى(وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ) [الأعراف:159].
    وآية الفرقان تعني أنّ الغمام كان كثيفاً يوم القيامة . والله أعلم .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #59
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (60)

    مثنى محمد الهبيان


    ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ٥ ٨ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ٥٩ ۞وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ٦٠﴾
    السؤال الأول:
    المطلوب إجراء مقارنة بين قصة موسى في آيات البقرة ( 58ـ60) والقصة نفسها في آيات سورة الأعراف (160ـ 162) وهي قوله تعالى :
    {وَقَطَّعۡناهم ٱثۡنَتَيۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمٗاۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡغَمَٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ١٦٠ وَإِذۡ قِيلَ لَهُمُ ٱسۡكُنُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ وَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ وَقُولُواْ حِطَّةٞ وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطِيٓـَٰٔتِكُم ۡۚ سَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ١ ٦١ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظۡلِمُونَ١٦٢} ؟
    الجواب:
    مقدمـــة :
    سياق آيات سورة البقرة هو في تعداد النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل, بينما سياق آيات سورة الأعراف هو في مقام تقريع وتأنيب لما فعله بنو إسرائيل بعد أنْ أنجاهم الله من البحر وأغرق فرعون .
    وإليك أهم الفروق التعبيرية بين السورتين :
    فما سر هذا الاختلاف ؟
    البيان هو حسب التسلسل المذكور أعلاه :
    1ـ قال في البقرة (وَإِذۡ قُلۡنَا) [البقرة:58] وفي الأعراف (وَإِذۡ قِيلَ) [الأعراف:161] ببناء الفعل للمجهول , والقرآن الكريم يسند الفعل إلى الله سبحانه في مقام التشريف والتكريم ومقام الخير العام والتفضل، بخلاف الشر والسوء، فإنه لا يذكر فيه نفسه تنزيهاً له عن فعل الشر وإرادة السوء.
    ـ شواهد قرآنيةعلى ذكر نفسه تعالى :
    المائدة [3]، النساء [72، 69] الإسراء [ 83] الفاتحة [7] الزخرف [59] الشعراء [ 78، 80] الجن [10] الكهف [79، 82 ] الحجرات [7 ] الصافات [ 6] الملك [ 5 ] الحجر [16].
    ـ شواهد قرآنية على عدم ذكر نفسه تعالى :
    البقرة [ 212] الرعد [33 ] الأنعام [ 122] فاطر [ 8 ] غافر [37] التوبة [37] الفتح [12].
    ملاحظات :
    ـ قد تجد (زَيَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ) [النمل:4] ولكن لا تجد (زينا لهم سوء أعمالهم)؛ لأنّ الله لا ينسب لنفسه السوء.
    ـ تجد (ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ) [البقرة:121] في مقام المدح والثناء، وتجد (أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ) [البقرة:101] في مقام الذم والتقريع.
    ـ تجد (أَوۡرَثۡنَا) [فاطر:32] في مقام المدح، وتجد (أُورِثُواْ) [الشورى:14] في مقام الذم.
    ـ شواهد قرآنية على (ءَاتَيۡنَا ) :
    البقرة [53 ] الجاثية [16] البقرة [121، 146 ] الأنعام [20 ]الأنعام [114 ][89 ] الرعد[ 36] القصص[ 52] العنكبوت [47] النساء [54].
    ـ شواهد قرآنية على (أُوتُواْ ) :
    البقرة [ 101، 145] ـ آل عمران [ 19، 23، 100، 187] النساء [44، 47، 51 ] المائدة [ 57 ] التوبة [ 29 ] الحديد [16].
    ـ شواهد قرآنية على (أَوۡرَثۡنَا ) :
    فاطر [32 ] غافر [53]
    ـ شواهد قرآنية على (أُورِثُواْ) :
    الشورى [14].
    وليس معنى هذا أنّ الله سبحانه لا ينسب إلى نفسه عقوبة، بل إنه يفعل ذلك لأنه من الخير العام , ولكنه لا ينسب إلى نفسه سوءاً، فإنه من أكبر الخير أنْ يهلك الطغاة الظالمين (لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ) [إبراهيم:13] (ثُمَّ أَخَذۡتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ) [فاطر:26] .
    2 و3 ـ قال في البقرة: (ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ) [البقرة:58] وقال في الأعراف : (ٱسۡكُنُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ وَكُلُواْ) [الأعراف:161] .
    في البقرة المطلوب الدخول ثم الأكل مباشرة (فَكُلُواْ) [البقرة:58] بالفاء.
    بينما المطلوب في الأعراف : السكن والاستقرار ثم الأكل (وَكُلُواْ) بالواو.
    والدخول غير السكن؛ لأنّ السكن لا يكون إلا بعد الدخول، فجعل الطعام في البقرة مهيأ قبل السكن والاستقرار, وفي الأعراف مع السكن بلا تعقيب فقد يطول الزمن وقد يقصر، فكان الموقف في البقرة أكرم وأفضل .
    4ـ قال في البقرة : (رَغَدٗا) [البقرة:58] ولم يقل ذلك في الأعراف تناسباً لتعداد النعم في البقرة ، مع ملاحظة أن كلمة (رَغَدٗا) تكررت مرتين في سورة البقرة مع قصتي آدم وموسى عليهما السلام؛ لأنّ جو البقرة جو تكريم لآدم وتكريم لذريته من بني إسرائيل, ولم تذكر الكلمة في الأعراف في القصتين؛ لأنّ جو السورة جو عقوبات وتأنيب.
    ثم انظر كيف قدّم (رَغَدٗا) في الجنة وأخّرها في الدنيا، فقال في الجنة: (وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا) [البقرة:35] وقال في الدنيا : (فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا) [البقرة:58]؛ لأنّ الرغد في الدنيا قليل.
    5 ـ في البقرة قدّم السجود على القول (وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ) [البقرة:58] وذلك لسببين:
    آ ـ السجود أشرف من القول .
    ب ـ السياق يقتضي ذلك، فقد جاءت هذه القصة في عقب الأمر بالصلاة، انظر آيات سورة البقرة( 43- 47 ) فناسب تقديم السجود لاتصاله بالصلاة والركوع , وكلا الأمرين مرفوع في سورة الأعراف فأخّر السجود.
    6 ـ في البقرة قال: (نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ) [البقرة:58] بجمع الكثرة وهو مناسب لمقام تعداد النعم , وقال في الأعراف : (خَطِيٓـَٰٔيكم) [الأعراف:161] بجمع القلة وهو مناسب لمقام التقريع والتأنيب.
    7ـ قال في البقرة: (وَسَنَزِيدُ) [البقرة:58] فجاء بالواو الدالة على الاهتمام والتنويع ولم يجىء بها في سورة الأعراف.
    8 ـ قال في سورة البقرة : (ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ) وقال في سورة الأعراف (ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) وذلك لأنه سبق هذا القول في سورة الأعراف قوله تعالى : (وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ) [الأعراف:159] أي : ليسواجميعاً على هذه الشاكلة من السوء , فناسب هذا التبعيض في الآية. وجاء في ( التفسير الكبير ) أنّ سبب زيادة كلمة ( منهم ) في الأعراف أنّ أول القصة مبني على التخصيص بلفظ ( من ) كما في الآية (159 ) فذكر أنّ منهم من يفعل ذلك , ثم عدّد صنوف إنعامه عليهم وأوامره لهم , فلمّا انتهت القصة قال تعالى : (ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) فذكر لفظة ( منهم ) في آخر القصة كما ذكرها في أول القصة ليكون آخر الكلام مطابقاً لأوله .
    9ـ الفرق بين قوله تعالى في البقرة: (فَأَنزَلۡنَا) وبين قوله في الأعراف : (فَأَرۡسَلۡنَا ) أنّ الإنزال لا يشعر بالكثرة، والإرسال يشعر بها،والإرسال أشد في العقوبة من الإنزال , قال تعالى في أصحاب الفيل : (وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ٣ تَرۡمِيهِم بِحِجَارَةٖ مِّن سِجِّيلٖ٤ فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِۢ٥) فكأنه تعالى بدأ بإنزال العذاب القليل ثم جعله كثيراً, والسبب أنّ سياق آيات سورة البقرة هو في تعداد النعم التي أنعم الله على بني إسرائيل, بينما مقام آيات سورة الأعراف هو مقام تقريع وتأنيب لما فعله بنو إسرائيل.
    وللعلم فقد ورد لفظ ( الإرسال ) ومشتقاته في الأعراف حوالي ثلاثين مرة , وفي البقرة سبع عشرة مرة , فوضع كل لفظ في المكان الذي هو أليق بها .
    10 ـ قال في البقرة: (عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٥٩) وقال في الأعراف: (عَلَيۡهِمۡ ١٦٢) وهو أعم من الأول , أي أنّ العقوبة أعم وأشمل وهو المناسب لمقام التقريع .
    11ـ قال في البقرة: (يَفۡسُقُونَ ٥٩) وقال في الأعراف: (يَظۡلِمُونَ ١٦٢) والظلم أشد من الفسق، وهو المناسب لـ ( إرسال ) العذاب فذكر في كل سيلق ما يناسبه . وقد يظلم الإنسان نفسه وقد يظلم غيره، ولكنّ الفاسق هو الذي يظلم نفسه بخروجه عن طاعة الله وليس شرطاً أنْ يظلم غيره، وجاء في الحديث القدسي «ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا» . والله أعلم.
    تتمة النقاط وتفصيلات أخرى تجدها فيما يلي :
    السؤال الثاني:
    ما الفرق من الناحية البيانية بين (فَٱنفَجَرَتۡ) [البقرة:60] في سورة البقرة ، و(فَٱنۢبَجَسَتۡ) [الأعراف:160] في سورة الأعراف في قصة موسى عليه السلام؟
    الجواب:
    1ـ جاء في سورة البقرة (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ) [البقرة:60] .
    وجاء في سورة الأعراف (وَقَطَّعۡناهم ٱثۡنَتَيۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمٗاۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡغَمَٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) [الأعراف:160] .
    والسؤال ماذا حدث فعلاً هل انفجرت أو انبجست؟ والجواب كلاهما، وحسب ما يقوله المفسرون: إنها انفجرت أولاً بالماء الكثير، ثم قلّ الماء بمعاصيهم.
    في سياق الآيات في سورة البقرة الذي يذكر الثناء والمدح والتفضّل على بني إسرائيل جاء بالكلمة التي تدل على الكثير، فجاءت كلمة (فَٱنفَجَرَتۡ) [البقرة:60]، أمّا في سورة الأعراف فالسياق في ذمّ بني إسرائيل فذكر معها الانبجاس (فَٱنۢبَجَسَتۡ) وهو أقلّ من الانفجار, وهذا أمرٌ مشاهد فالعيون والآبار لا تبقى على حالة واحدة، فقد تجفّ العيون والآبار، فذكر الانفجار في موطن والانبجاس في موطن آخر، وكلا المشهدين حصل بالفعل.
    2 ـ سياق الآيات في البقرة هو في التكريم لبني إسرائيل، فذكر أموراً كثيرة في مقام التفضيل والتكرّم والتفضّل: (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩ وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُم ۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٠) [البقرة: 49 ،50] و (يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ) [البقرة:47] .
    أمّا السياق في الأعراف فهو في ذكر ذنوبهم ومعاصيهم، والمقام مقام تقريع وتأنيب لبني إسرائيل: (وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتَوۡاْ عَلَىٰ قَوۡمٖ يَعۡكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصۡنَامٖ لَّهُمۡۚ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ) [الأعراف:138] والفاء (فَأَتَوۡاْ) [الأعراف:138] هنا تفيد المباشرة، أي: بمجرد أنْ أنجاهم الله تعالى من الغرق أتوا على قوم يعبدون الأصنام فسألوا موسى أنْ يجعل لهم إلهاً مثل هؤلاء القوم.
    3ـ قوم موسى استسقوه، فأوحى إليه ربه بضرب الحجر (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ) [البقرة:60] وفيها تكريم لنبيّ الله موسى عليه السلام واستجابة الله لدعائه. والإيحاء أنّ الضرب المباشر كان من الله تعالى, وفي الأعراف موسى عليه السلام هو الذي استسقى لقومه (إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ) [الأعراف:160].
    4ـ قال في البقرة: (كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ) [البقرة:60] والشرب يحتاج إلى ماء أكثر، لذا انفجر الماء من الحجر في السياق الذي يتطلب الماء الكثير, بينما قال في الأعراف:( كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ)[الأعراف:160] لم يذكر الشرب فجاء باللفظ الذي يدل على الماء الأقلّ (فَٱنۢبَجَسَتۡ) [الأعراف:160] .
    5ـ في البقرة جعل الأكل عقب الدخول، وهذا من مقام النعمة والتكريم (ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ) [البقرة:58] والفاء تفيد الترتيب والتعقيب، بينما في الأعراف لم يرد ذكر الأكل بعد دخول القرية مباشرة، وإنما أمرهم بالسكن أولاً ثم الأكل (ٱسۡكُنُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ وَكُلُواْ) [الأعراف:161] .
    (رَغَدٗا) تذكير بالنعم وهم يستحقون رغد العيش كما يدلّ سياق الآيات، وفي الأعراف لم يذكر (رغداً)؛ لأنهم لا يستحقون رغد العيش مع ذكر معاصيهم .
    7ـ في البقرة قال: (وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ) [البقرة:58] بُدئ به في مقام التكريم وتقديم السجود أمر مناسب للأمر بالصلاة الذي جاء في سياق السورة (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ) [البقرة:43] والسجود هو من أشرف العبادات، بينما قال في الأعراف:
    ( وَقُولُواْ حِطَّةٞ وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا) [الأعراف:161] لم يبدأ بالسجود هنا؛ لأنّ السجود من أقرب ما يكون العبد لربه ، وهم في السياق هنا مبعدون عن ربهم لمعاصيهم .
    8ـ قال في البقرة: (نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ) [البقرة:58] (الخطايا) جمع كثرة, وإذا غفر الخطايا فقد غفر الخطيئات قطعاً, وهذا يتناسب مع مقام التكريم الذي جاء في السورة، بينما قال في الأعراف: (نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطِيٓـَٰٔتِكُم ۡۚ) [الأعراف:161] وخطيئات جمع قلّة، وجاء هنا في مقام التأنيب، وهو يتناسب مع مقام التأنيب والذّم في السورة .
    (وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) [البقرة:58] إضافة الواو هنا تدل على الاهتمام والتنويع، ولذلك تأتي الواو في موطن التفضّل وذكر النعم، وفي الأعراف (سَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) [الأعراف:161] لم ترد الواو هنا؛ لأنّ المقام ليس فيه تكريم ونعم وتفضّل.
    10ـ في البقرة قال: (فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ) [البقرة:59] وفي الأعراف (فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) [الأعراف:162] هم بعض ممن جاء ذكرهم في أول الآيات.
    11ـ في البقرة قال:( فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ)[البقرة:59] وفي الأعراف قال: (فَأَرۡسَلۡنَا) [الأعراف:162] (أرسلنا) في العقوبة أشدّ من (أنزلنا)، وقد تردد الإرسال في السورة 30 مرة، أما في البقرة فتكرر 17 مرة .
    12ـ في البقرة قال: (بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ) [البقرة:59] وفي الأعراف (بِمَا كَانُواْ يَظۡلِمُونَ) [الأعراف:162] والظلم أشدّ؛ لأنه يتعلّق بالنفس وبالغير.
    لذلك (فَٱنفَجَرَتۡ) [البقرة:60] جاءت هنا في مقام التكريم والتفضّل، وهي دلالة على أنّ الماء بدأ بالانفجار بالماء الشديد فجاء بحالة الكثرة مع التنعيم، وجاءت (فَٱنۢبَجَسَتۡ) [الأعراف:160] في مقام التقريع؛ قلّ الماء بمعاصيهم، فناسب ذكر حالة قلّة الماء مع تقريعهم .
    وخروج الماء كان كثيراً في البداية لكنه قلّ بسبب معاصيهم، وليس هذا تعارضاً كما يظن بعضهم، لكن ذكر الحالة بحسب الموقف الذي هم فيه، فلمّا كان فيهم صلاح قال: انفجرت، ولمّا كثرت معاصيهم قال: انبجست.
    13ـ في الآية (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ) [البقرة:60] موسى ضرب الحجر، لكنه لم يقل (فضرب) إذن الكلام فيه حذف، وهو مفهوم ولكن لم يذكره .
    السؤال الثالث:
    قال تعالى: (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ) [البقرة:60] ولم يقل مثلاً : (وإذ استسقى موسى ربّه) ؟ أليس موسى أحد أفراد القوم ؟
    الجواب:
    في هذا السؤال دلالة على عناية الله تعالى بعباده الصالحين، فهذا الدعاء والاستسقاء يدلك على أنّ موسى عليه السلام لم يصبه العطش؛ لأنّ الله تعالى وقاه الجوع والظمأ، كما قال رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم : «إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني».
    وانظر كيف كان الاستسقاء لموسى عليه السلام وحده دون قومه، فلم يقل ربنا سبحانه وتعالى مثلاً : (وإذا استسقى موسى وقومه ربهم)، وذلك ليظهر لنا ربنا كرامة موسىِ عليه السلام وحده، ولئلا يظن القوم أنّ الله تعالى أجاب دعاءهم.
    السؤال الرابع:
    ما نوع الفاء في كلمة (فَقُلۡنَا) [البقرة:60] في الآية ؟
    الجواب:
    الفاء هي الفاء الفصيحة، وهي الفاء التي تبين وتفصح عن :
    1 – محذوف وتدل على ما نشأ عنه مثل قوله تعالى: (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ) [البقرة:60] وتقدير الكلام ( ... فقلنا اضرب بعصاك الحجر فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) .
    2ـ أو تفصح عن جواب شرط محذوف، مثل قوله تعالى: (قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ) [يوسف:32] و تقدير الكلام : إنْ كنتن لا تدرين فذلكن الذى لمتنني فيه .
    3ـ الفاء الفصيحة لا محل لها من الإعراب .
    والله أعلم .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #60
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران"(61)
    مثنى محمد الهبيان


    (وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُو نَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِ*َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ*ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ٦١)
    السؤال الأول:
    ما المقصود بـ (مصر) في الآية ؟
    الجواب:
    كلمة (مِصۡرٗا) منونة، يعني أي: مدينة من المدن، وليست مصر المعروفة؛ لأنّ هذه الثانية تكون ممنوعة من الصرف (وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦ) [يوسف:21]، فإذا صرفت تكون أي مدينة، فقوله تعالى : (مِصۡرٗا) معناه أي بلدة؛ لأنّ ما طلبوه ليس هنا في الصحراء وإنما في أي مدينة.
    السؤال الثاني:
    كلمة (ضرب) تكررت في القرآن كثيراً بمعانٍ مختلفة، فكم معنى لها في اللغة؟
    الجواب:
    الضرب كثير في اللغة، وهو في اللغة: إيقاع شيء على شيء، والضرب مختلف في اللغة، وهذا يسمى (مشترك لفظي) أي: كلمة تتعدد معانيها بتعدد سياقها .
    ومن ذلك :
    ـ الضرب باليد والعصا.
    ـ ضرب الدراهم، أي سكّها .
    ـ الضرب في الأرض، أي: سار أو تاجر (وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ) [النساء:101] تجارة أو ابتغاء الرزق .
    ـ ضرب على يد فلان: إذا حجر عليه (وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ ) [البقرة:61] مثل الخيمة، وضرب على يده : إذا تبايعا وتعاقدا على البيع.
    ـ المنع من السمع (فَضَرَبۡنَا عَلَىٰٓ ءَاذَانِهِمۡ فِي ٱلۡكَهۡفِ سِنِينَ عَدَدٗا) [الكهف:11] .
    ـ ضرب المثل: يعني بيّنه (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥ) [يس:78].
    ـ بمعنى الإهمال (أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ) [الزُّخرُف:5] يعني : نهملكم .
    ـ ضرب الوتد : يعني دقّه .
    ـ ضرب ابنه : يعني ربّاه.
    السؤال الثالث:
    قوله تعالى (وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ ) [البقرة:61] لِمَ لمْ يقل ربنا سبحانه وتعالى مثلاً : (أصابتهم الذلة والمسكنة) ؟ أليست هذه الصيغة تؤدي معنى ( ضربت عليهم الذلة والمسكنة)؟
    الجواب:
    تخيل قوماً أقاموا في مكان ما فضربت عليهم قُبّة، كيف تشاهد هذه الصورة؟ إنك تتخيل أفراداً ماكثين تحت قُبّة بحيث تحوطهم من كل جانب وتظلّهم, وكذلك هذه الآية فقد شبّه الله تعالى الذلة والمسكنة بالقبة التي أحاطت أهلها فلازموها ولم يغادروها، فكانت الذلة والمسكنة بيتهم الذي لايغادرونه ولا يحولون عنه، والمسكنة هي الفقر، وأُخِذ هذا المعنى من السكون؛ لأنّ الفقر يقلل حركة صاحبه ويجعله يؤثِر السكون.
    السؤال الرابع:
    ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ*ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ) [البقرة:61] في سورة البقرة وقوله سبحانه: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ) [آل عمران: 112] في سورة آل عمران؟ ما دلالة الاختلاف بين : (النبيين والأنبياء) وبين: (بغير حق وبغير الحق) ؟
    الجواب:
    قال تعالى في سورة البقرة : (وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُو نَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِ*َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ*ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ) [البقرة:61].
    وقال سبحانه في سورة آل عمران: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِ*َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ*ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران:21] و (ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِ*َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ) [آل عمران:112] .
    أولا ً : (النبيين ـ أنبياء) :
    1ـ جمع المذكر السالم بشكل عام يفيد القلة، نحو : نبيون .
    2ـ جمع التكسير يفيد الكثرة، نحو : أنبياء .
    لذلك من حيث اللغة (الأنبياء) أكثر من (النبيين) من حيث العدد؛ لأنّ (الأنبياء) جمع تكسير وهو من جموع الكثرة، و(النبيين) جمع مذكر سالم وهو من جموع القلة.
    ثانياً : بغير حق ، بغير الحق .
    1ـ كلمة (الحق) معرّفة: تعني الحق الذي يدعو للقتل، وهو معلوم (النفس بالنفس) فهناك أمور يستحق بها القتل.
    2ـ أمّا (بغير حق) نكرة، فهي تعني لا حق يدعو إلى القتل ولا إلى غيره، فإذا أراد تعالى أنْ يبيّن لنا العدوان يذكر (بغير حق).
    3ـ عندما يقول القرآن: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ) [آل عمران:112] هذا أعظم وأكبر جرماً من : (وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ*ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ) [آل عمران:21] ؛ لأنّ الأنبياء أعم وأشمل , وكلمة (حَقّٖ) من دون أي داعٍ؛ فهذا أكبر جرماً .
    بينما (وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ*ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ) [البقرة:61] النبيون أقل، و(الحق): الحق الذي يدعو إلى القتل .
    ثالثاً ـ السياق :
    نلاحظ في مقام الذم والكلام عن بني إسرائيل أنّ القرآن يقول: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ) [آل عمران:112] ؛لأنها أكثر وأعظم جُرماً من : (يقتلون النبيين بغير الحق).
    وفي القرآن الكريم عندما يذكر معاصي بني إسرائيل يذكر (الأنبياء) لكثرة معاصيهم.
    السؤال الخامس:
    ما دلالة رسم كلمة (وَبَآءُو) بدون ألف في القرآن الكريم ؟
    الجواب:
    وردت كلمة (وَبَآءُو) بدون ألف في آخرها ثلاث مرات في كل القرآن الكريم في الآيات :
    [ البقرة 61 ـ90 آل عمران 112 ] وكلها بدون ألف في آخرها , ويوحي هذا النقص في حذف الألف بسرعة اكتسابهم غضب الله , وهم اليهود الذين عصوا الله سبحانه فاستحقوا سرعة غضبه . والله أعلم .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •