بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(45)
من صـــ 373 الى صـــ 379
بصيرة فى.. ألم. تنزيل
السورة مكية بالاتفاق، سوى ثلاث آيات، فإنها مدنية {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا} إلى آخر الآيات الثلاثة. عدد آياتها تسع وعشرون عند البصريين، وثلاثون عند الباقين. كلماتها ثلاثمائة وثلاثون. وحروفها ألف وخمسمائة وتسع وتسعون. المختلف فيها آيتان (الم) {خلق جديد} فواصل آياتها (ملن) على الميم اثنان: الم و {العزيز الرحيم} وعلى اللام آية {هدى لبني إسرائيل} ولها ثلاثة أسماء: سورة السجدة، لاشتمالها على سجدة التلاوة، الثانى سجدة لقمان؛ للتميز عن حم السجدة الثالث المضاجع: لقوله {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} .
مقصود السورة: تنزيل القرآن، وإنذار سيد الرسل، وتخليق السماء والأرض، وخلق الخلائق، وتخصيص الإنسان من بينهم، وتسليط ملك الموت على قبض الأرواح، وتشوير العاصين فى القيامة، وملء جهنم من أهل الإنكار، والضلالة، وإسقاط خواص العباد فى أجواف الليالى
للعبادة، وإخبارهم بما ادخر لهم فى العقبى: من أنواع الكرامة، والتفريق بين الفاسقين والصادقين فى الجزاء، والثواب، فى يوم المآب، وتسلية النبى صلى الله عليه وسلم بتقرير أحوال الأنبياء الماضين، وتقرير حجة المنكرين للوحدانية، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن مكافأة أهل الكفر، وأمره بانتظار النصر، بقوله: {فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون} .
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آية واحدة: {فأعرض عنهم} م (آية السيف ن) .
المتشابهات:
قوله: {في يوم كان مقداره ألف سنة} ، وفى سأل سائل {خمسين ألف سنة} موضع بيانه التفسير. والغريب فيه ما روى عن عكرمة فى جماعة: أن اليوم فى المعارج عبارة عن أول أيام الدنيا إلى انقضائها، وأنها خمسون ألف سنة، لا يدرى أحد كم مضى وكم بقى إلا الله عز وجل. ومن الغريب أن هذه عبارة عن الشدة، واستطالة أهلها إياها؛ كالعادة فى استطالة أيام الشدة والحزن، واستقصار أيام الراحة والسرور، حتى قال القائل: سنة الوصل سنة [و] سنة الهجر سنة. وخصت هذه السورة بقوله: ألف سنة، لما قبله، وهو قوله: {فى ستة أيام} وتلك الأيام من جنس ذلك اليوم وخصت سورة المعارج بقوله {خمسين ألف سنة} لأن فيها ذكر القيامة وأهوالها، فكان هو اللائق بها.
قوله {ثم أعرض عنها} (ثم) هاهنا يدل على أنه ذكر مرات، ثم تأخر (و) أعرض عنا. والفاء على الإعراض عقيب التذكير.
قوله: {عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} ، وفى سبأ {التي كنتم بها} لأن النار وقعت فى هذه السورة موقع الكناية، لتقدم ذكرها، والكنايات لا توصف، فوصف العذاب، وفى سبأ لم يتقدم ذكر النار، فحسن وصف النار.
قوله: {أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون} بزيادة (من) سبق فى طه.
قوله: {إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون} ليس غيره؛ لأنه لما ذكر القرون والمساكن بالجمع حسن جمع الآيات، ولما تقدم ذكر الكتاب - وهو مسموع - حسن لفظ السماع فختم الآية به.
فضل السورة
فيه حديث أبى الساقط سنده: من قرأ سورة {الاما تنزيل} أعطى من الأجر كمن أحيا ليلة القدر، وكان صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ {الاما تنزيل} السجدة، و {تبارك الذي بيده الملك} ويقول: هما يفضلان كل سورة فى القرآن بسبعين حسنة، ومن قرأها كتب له سبعون حسنة ومحى عنه سبعون سيئة ورفع له سبعون درجة؛ وحديث على من قرأ {الاما تنزيل} ضحك الله إليه يوم القيامة، وقضى له كل حاجة له عند الله وأعطاه إياه بكل آية قرأها غرفة فى الجنة.
بصيرة فى.. يأيها النبى اتق الله
السورة مدنية بالاتفاق. آياتها ثلاث وسبعون. كلماتها ألف ومائتان وثمانون. حروفها خمسة آلاف وسبعمائة وست وتسعون، فواصل آياتها (لا) على اللام منها آية واحدة {يهدي السبيل} . سميت سورة الأحزاب، لاشتمالها على قصة حرب الأحزاب فى قوله {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} .
معظم مقصود السورة الذى اشتملت عليه: الأمر بالتقوى، وأنه ليس فى صدر واحد قلبان، وأن المتبنى ليس بمنزلة الابن، وأن النبى صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بمكان الوالد، وأزواجه الطاهرات بمكان الأمهات، وأخذ الميثاق على الأنبياء، والسؤال عن صدق الصادقين، وذكر حرب الأحزاب، والشكاية من المنافقين، وذم المعرضين، ووفاء الرجال بالعهد، ورد الكفار بغيظهم، وتخيير أمهات المؤمنين، ووعظهن، ونصحهن، وبيان شرف أهل البيت الطاهرين ووعد المسلمين والمسلمات بالأجور الوافرات، وحديث تزويج زيد وزينب ورفع الحرج عن النبى صلى الله عليه وسلم، وختم الأنبياء به عليه السلام، والأمر بالذكر الكثير،والصلوات والتسليمات على المؤمنين، والمخاطبات الشريفة لسيدنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وبيان النكاح، والطلاق، والعدة، وخصائص النبى صلى الله عليه وسلم فى باب النكاح، وتخييره فى القسم بين الأزواج والحجر عليه فى تبديلهن، ونهى الصحابة عن دخول حجرة النبى صلى الله عليه وسلم بغير إذن منه، وضرب الحجاب، ونهى المؤمنين عن تزوج أزواجه بعده، والموافقة مع الملائكة فى الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وتهديد المؤذين للنبى وللمؤمنين، وتعليم آداب النساء فى خروجهن من البيوت، وتهديد المنافقين فى إيقاع الأراجيف، وذل الكفار فى النار، والنهى عن إيذاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - والأمر بالقول السديد وبيان عرض الأمانة (على السماوات والأرض) وعذاب المنافقين، وتوبة المؤمنين فى قوله {إنا عرضنا الأمانة} إلى آخر السورة.
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آيتان م {ودع أذاهم} ن آية السيف م {لا يحل لك النسآء من بعد} ن {إنآ أحللنا لك أزواجك} .
المتشابهات
ذهب بعض القراء إلى أنه ليس فى هذه السورة متشابه. وأورد بعضهم فيها كلمات، وليس فيها كثير تشابه؛ بل قد تلتبس على الحافظ القليل البضاعة.
فأوردناها؛ إذ لم يخل من فائدة. وذكرنا مع بعضها علامة يستعين بها المبتدىء فى تلاوته.
منها قوله: {ليسأل الصادقين عن صدقهم} وبعده {ليجزي الله الصادقين بصدقهم} ليس فيها تشابه؛ لأن الأول من لفظ السؤال، وصلته {عن صدقهم} وبعده {وأعد للكافرين} ، والثانى من لفظ الجزاء، وفاعله الله، وصلته {بصدقهم} بالباء، وبعده {ويعذب المنافقين} .
ومنها قوله: {ياأيها الذين آمنوا اذكروا "نعمة الله عليكم"} وبعده {ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} فيقال للمبتدىء: إن الذى يأتى بعد العذاب الأليم نعمة من الله على المؤمنين، وما يأتى قبل قوله {هو الذي يصلي عليكم} {اذكروا الله ذكرا كثيرا} شكرا على أن أنزلكم منزلة نبيه فى صلاته وصلاة ملائكته عليه حيث يقول: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} .
ومنها قوله: {ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك} ليس من المتشابه لأن الأول فى التخيير والثانى فى الحجاب.