كتاب الجدول في إعراب القرآن
محمود بن عبد الرحيم صافي
الجزء الثانى
سورة البقرة
الحلقة (41)
من صــ 335 الى صـ 341
[سورة البقرة (2) : آية 168]
يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)
الإعراب:
(يا) أداة نداء (أيّ) منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب بالنداء (ها) حرف تنبيه (الناس) بدل من أي تبعه في الرفع لفظا (كلوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (من) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (كلوا) «1» ،، (في الأرض) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف صلة ما (حلالا) في إعرابه أوجه: الأول: مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو صفته أي أكلا حلالا.
الثاني: حال من ما أي: كلوا الذي تنتجه الأرض حلالا. الثالث: مفعول به ل (كلوا) ، وهي صفة لموصوف محذوف أي كلوا إنتاجا حلالا. (طيبا) فيه وجهان: الأول: أن يكون نعتا ل (حلالا) إذا أعرب مفعولا به أو حالا. الثاني: أن يكون مفعولا مطلقا نائبا عن المصدر إذا أعرب حلالا مفعول به أي: كلوا الحلال ممّا في الأرض أكلا طيّبا. (الواو) عاطفة (لا) ناهية جازمة (تتّبعوا) مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون ...والواو فاعل (خطوات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة (الشيطان) مضاف إليه مجرور (إنّ) حرف مشبّه بالفعل و (الهاء) ضمير اسم إنّ (اللام) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من عدو- نعت تقدّم على المنعوت- (عدوّ) خبر مرفوع (مبين) نعت لعدوّ مرفوع مثله.
جملة: «النداء يأيّها الناس» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «كلو» لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «لا تتّبعوا» لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: «إنّه لكم عدوّ» لا محلّ لها تعليليّة.
الصرف:
(حلالا) صفة مشتقّة وزنه فعال بفتح الفاء من حلّ يحلّ باب ضرب فهو صفة مشبّهة.
(خطوات) ، جمع خطوة اسم لحركة الرجل في السير وزنه فعلة بضم فسكون.
(مبين) صفة مشبهة على وزن اسم الفاعل من أبان الرباعي بمعنى بين العداوة لأنه دلّ على صفة ثابتة، على وزن مضارعه بإبدال حرف المضارعة ميما مضمومة وكسر ما قبل آخر. وفي الكلمة إعلال بالتسكين أصله مبين- بسكون الباء وكسر الياء- استثقلت الكسرة على الياء فسكّنت ونقلت حركتها إلى الباء.
[سورة البقرة (2) : آية 169]
إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (169)
الإعراب:
(إنما) كافّة ومكفوفة لا عمل لها (يأمر) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو و (كم) ضمير متّصل مفعول به (بالسوء) جارّ ومجرور متعلّق ب (يأمر) ، (الفحشاء) معطوف على السوء بحرف العطف مجرور مثله (الواو) عاطفة (أن) حرف مصدريّ ونصب (تقولوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون.. والواو فاعل.
والمصدر المؤوّل (أن تقولوا..) في محلّ جرّ معطوف على السوء والفحشاء أي بأن تقولوا على الله.
(على الله) جارّ ومجرور متعلّق ب (تقولوا) بتضمينه معنى تتقوّلوا.
(ما) اسم موصول «2» مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (لا) نافية (تعلمون) مضارع مرفوع ... والواو فاعل.
وجملة: «يأمركم» لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «تقولوا» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) .
وجملة: «لا تعلمون» لا محلّ لها صلة الموصول (ما) .
الصرف:
(الفحشاء) ، اسم لما يشتدّ قبحه من الذنوب وزنه فعلاء بفتح الفاء، فعله فحش يفحش باب كرم، ولا مذكّر له من لفظه.
البلاغة
1- قد يرد السؤال كيف كان الشيطان آمرا مع قوله تعالى: «لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ» ؟
قلت شبه تزيينه وبعثه على الشر بأمر الآمر، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
كما تقول: أمرتني نفسي بكذا. وتحته رمز إلى أنكم منه بمنزلة المأمورين لطاعتكم له وقبولكم وساوسه، ولذلك قال: «وَلَآمُرَنَّهُ مْ فَلَيُبَتِّكُنّ َ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُم ْ فَلَيُغَيِّرُنّ َ خَلْقَ اللَّهِ» وقال الله تعالى «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ» لما كان الإنسان يطيعها فيعطيها ما اشتهت.
2- المبالغة: في تعليق أمر الشيطان بتقولهم على الله ما لا يعلمون وقوعه منه تعالى، لا بتقولهم عليه ما يعلمون عدم وقوعه منه تعالى، مع أن حالهم ذلك، للمبالغة في الزجر، فإن التحذير من الأول مع كونه في القبح والشناعة دون الثاني تحذير عن الثاني على أبلغ وجه وآكده
[سورة البقرة (2) : آية 170]
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170)
الإعراب:
(الواو) عاطفة (إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان مبنيّ في محلّ نصب متعلّق ب (قالوا) (قيل) فعل ماض مبنيّ للمجهول (اللام) حرف جرّ و (هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق ب (قيل) . (اتّبعوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون ... والواو فاعل (ما) اسم موصول في محل نصب مفعول به (أنزل) فعل ماض (الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (قالوا) فعل ماض وفاعله (بل) حرف إضراب وابتداء (نتّبع) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن (ما) مثل الأول (ألفى) فعل ماض مبنيّ على السكون و (نا) ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل (على) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول به ثان (آباء) مفعول به أول منصوب و (نا) مضاف إليه (الهمزة) للاستفهام الإنكاري (الواو) عاطفة تقدّمت عليها الهمزة للصدارة (لو) حرف شرط غير جازم (كان) فعل ماض ناقص (آباء) اسم كان مرفوع و (هم) ضمير متّصل مضاف إليه (لا) نافية (يعقلون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (شيئا) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (لا يهتدون) مثل لا يعقلون.
جملة: «قيل لهم ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «اتّبعوا ... » في محلّ رفع نائب فاعل «3» .
وجملة: «أنزل الله» لا محلّ لها صلة الموصول (ما) .
وجملة: «قالوا ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.. ومقول
القول مقدّر أي: قالوا لا نتّبع ما أنزل الله.
وجملة: «نتّبع» لا محلّ لها استئنافيّة «4» .
وجملة: «ألفينا» لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الثاني.
وجملة: «كان آباؤهم ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة حاليّة مقدّرة أي: وإنّهم ليتّبعون آباءهم في كلّ حال ولو كانوا لا يعقلون «5» .
وجملة: «لا يعقلون» في محلّ نصب خبر كان.
وجملة: «لا يهتدون» في محلّ نصب معطوفة على جملة لا يعقلون..
وجواب لو محذوف تقديره لاتّبعوهم.
البلاغة
- «وَإِذا قِيلَ لَهُمُ» التفات إلى الغيبة تسجيلا بكمال ضلالهم وإيذانا بإيجاب تعداد ما ذكر في جناياتهم لصرف الخطاب عنهم وتوجيهه إلى العقلاء وتفصيل مساوئ أحوالهم.
الفوائد
بل هي أداة عطف واضراب والإضراب هو الانتقال والتحول من حكم لي حكم وفي هذه الآية نوع من الالتفات الذي هو وسيلة من وسائل الحوار.
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171)
الإعراب:
(الواو) استئنافيّة (مثل) مبتدأ مرفوع (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه (كفروا) فعل ماض وفاعله (كمثل) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ (الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه (ينعق) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، وهو العائد (الباء) حرف جرّ (ما) اسم موصول في محلّ جرّ متعلّق ب (ينعق) ، (لا) نافية (يسمع) مثل ينعق (إلا) أداة حصر (دعاء) مفعول به منصوب (نداء) معطوف على دعاء بالواو منصوب مثله (صمّ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم مرفوع (بكم) خبر ثان مرفوع (عمي) خبر ثالث مرفوع (الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (لا) نافية (يعقلون) مضارع مرفوع.
والواو فاعل.
جملة: «مثل الذين كفروا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «كفروا» لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) .
وجملة: «ينعق» لا محلّ لها صلة الموصول (الذي) .
وجملة: «لا يسمع» لا محلّ لها صلة الموصول (ما) .
وجملة: « (هم) صم» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «هم لا يعقلون» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة الاخيرة.
وجملة: «لا يعقلون» في محلّ رفع خبر المبتدأ هم.
الصرف:
(دعاء) ، مصدر دعا يدعو باب نصر، وفيه إبدال الواو همزة، أصله دعاو، جاءت الواو متطرفة بعد ألف ساكنة قلبت همزة، وهذا شأنها في كلّ لفظ كذلك.
(نداء) ، مصدر نادى الرباعيّ وهو مصدر سماعيّ، وفيه إبدال الياء همزة، جاءت الياء متطرّفة بعد ألف ساكنة قلبت همزة، وهذا شأنها أبدا في كلّ لفظ كذلك.
(صمّ، بكم، عمي) ، انظر الآية (18) من هذه السورة.
البلاغة
1- في الآية تشبيه تمثيلي: حيث مثل الذين كفروا فيما ذكر من انهماكهم فيما هم فيه وعدم التدبر فيما ألقي إليهم من الآيات كمثل بهائم الذي ينعق بها وهي لا تسمع منه إلا جرس النغمة ودوي الصوت. وقيل المراد تمثيلهم في اتباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها بالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفهم ما تحته. فهو تشبيه صورة بصورة.
فقد شبه الكافرين لدى دعوة الرسول لهم بالغنم المنعوق بها. وقيل إنه شبه الداعي والكافر بالناعق والمنعوق.
2- الاستعارة التصريحية: في تشبيه الكافرين بالصم والبكم والعمي وحذف المشبه وإبقاء المشبه به.
__________
(1) يجوز تعليقه بمحذوف حال من (حلالا) إذا أعربت مفعولا به عامله كلوا.
(2) أو نكرة، موصوفة، والجملة بعدها في محلّ نصب نعت لها.
(3) هذا الإعراب أبعد عن التأويل من كلّ إعراب آخر لأن الجملة هي في الأصل مقول القول- انظر الآية 11-[.....]
(4) وهي عند بعضهم معطوفة على جملة مقول القول المقدّرة لأن (بل) عندهم حرف عطف.. ولكنّها على التحقيق لا تعطف الجمل. وهذا قول ابن حيّان اي:
قالوا: لا نتبع ما أنزل الله بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا.
(5) وقال الزمخشري: الواو حاليّة أصلا، وقال العكبري: إنها عاطفة تعطف ما بعدها على جملة حاليّة مقدّرة.