عيد أضحى مبارك
تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 25 من 26 الأولىالأولى ... 151617181920212223242526 الأخيرةالأخيرة
النتائج 481 إلى 500 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #481
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإيمان والنذور

    (478)


    (باب النذر فيما لا يراد به وجه الله) إلى (باب من مات وعليه نذر)



    جاء النهي في الشريعة الإسلامية عن النذر في معصية الله، وفيما يشق على الإنسان فعله، وفيما لا يملكه، ومن سماحة هذه الشريعة إسقاط وجوب الوفاء بنذر إنسان داهمه الموت قبل التمكن من الوفاء بنذره، لكن إن تمكن ولم يفعل قضاه عنه أولياؤه أو غيرهم فيما تصلح فيه النيابة.

    النذر فيما لا يراد به وجه الله



    شرح حديث: (مر رسول الله برجل يقود رجلاً في قرن فتناوله فقطعه قال: إنه نذر ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النذر فيما لا يراد به وجه الله.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد عن ابن جريج حدثني سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجل يقود رجلاً في قرن، فتناوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقطعه، قال: إنه نذر)].
    أورد النسائي: النذر فيما لا يراد به وجه الله. أي: النذر في شيء لا يصلح، وفي أمر غير سائغ، ولا يراد به قربة إلى الله عز وجل، فمقصود النسائي بالترجمة أنه لا ينفذ، ولا يوفى به.
    أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف بالبيت، فمر برجل يقود رجلاً في قرن، أي: رابط له في حبل، بل جاء في بعض الروايات: أنه في أنفه، وفي بعضها: أنه في يده، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم يطوف جاء وقطعه وقال: (قده بيده)، يعني: أن هذا أمر منكر، وهيئة قبيحة، شخص من الناس يقاد بحبل كما تقاد البهيمة، هذا أمر مستهجن، وأشد من هذا ما جاء في بعض الروايات: أنه يقوده بخزامة في أنفه، حيث خرق فيها حلقة وجعل فيها خيطاً يقوده به، فيصير كالبعير المستعصي، والشديد العتو، والنفور؛ فلذلك يخرقونه في أنفه، ويجعلون فيه حبلاً؛ لأنه إذا جر يتألم فينقاد، وهذا تعذيب للحيوان، ومن باب أولى لو حصل للإنسان، فالرسول صلى الله عليه وسلم أنكر هذا وقطع الخيط، وقال: قده بيده، لا أن يكون الحبل مربوطاً بجسده، ولا بأنفه، ولا برأسه، ولا برقبته، ولا بيده، وإنما يقوده بيده، يضع يده بيده ويمشي معه، هذا هو الذي أرشد إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    وقال: (إنه نذر)، وهذا محل الشاهد في إيراد الحديث، والحديث ورد في البخاري، لكن ليس فيه ذكر النذر، والشيخ الألباني قال: إنه صحيح دون ذكر النذر، لكن لو ثبت فإن ذلك لا يوفى به، وعليه أن يكفِّر كفارة يمين، على خلاف في ذلك بين أهل العلم.
    وقد سبق الحديث في الطواف في كتاب الحج، وفيه أن للطائف أن يتكلم وهو يطوف، ويأمر بمعروف وينهى عن منكر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام غيَّر هذا المنكر وهو يطوف، وقال له: (قده بيدك)، وأرشده إلى ما ينبغي أن يفعل، وهو أن يقوده بيده، ثم النهي عن قيادته بالحبل؛ لأنها مثل هيئة قيادة الحيوان، ولا يصلح أن يشبه الإنسان بالحيوان فيقاد كما تقاد البهيمة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (مر رسول الله برجل يقود رجلاً في قرن فتناوله فقطعه قال: إنه نذر ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى عن خالد].وقد مر ذكرهما.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان الأحول].
    هو سليمان بن أبي مسلم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طاوس].
    هو طاوس بن كيسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (... وهو يطوف بالكعبة يقوده إنسان بخزامة في أنفه...) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني سليمان الأحول: أن طاوساً أخبره عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر برجلٍ وهو يطوف بالكعبة، يقوده إنسان بخزامة في أنفه، فقطعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده، ثم أمره أن يقوده بيده). قال ابن جريج: وأخبرني سليمان : أن طاوساً أخبره عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر به وهو يطوف بالكعبة، وإنسانٌ قد ربط يده بإنسانٍ آخر بسيرٍ أو خيطٍ أو بشيءٍ غير ذلك، فقطعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده، ثم قال: قده بيدك)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، إلا أن فيه: أنه يقوده بخزامة في أنفه، بسير أو خيط أو نحو ذلك، والسير هو: الخيط الذي يكون من الجلد، المهم أنه يقوده بحبل أو بشيء فهذا أمسكه بيده، وذاك بأنفه أو بيده، فالنبي صلى الله عليه وسلم قطعه وأرشده إلى أن يقوده بيده، وألا يقوده بالخيط كما تقاد البهيمة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... وهو يطوف بالكعبة يقوده إنسان بخزامة في أنفه...) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا يوسف بن سعيد].هو يوسف بن سعيد المصيصي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن حجاج].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.


    النذر فيما لا يملك


    شرح حديث: (لا نذر في معصية الله ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النذر فيما لا يملك. أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثني أيوب حدثنا أبو قلابة عن عمه عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة: النذر فيما لا يملك، يعني: أنه لا يجوز؛ لأنه نذر في شيء لا يستطاع، ولا يقدر عليه الإنسان، فالإنسان أولاً منهي عن النذر، وإذا نذر فلينذر في طاعة، وفي شيء يملكه ويستطيعه ويقدر عليه، أما أن ينذر معصية، أو شيئاً لا يقدر عليه فلا، ثم أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم)]، النذر منهي عنه مطلقاً، وإذا كان في المعصية، أو فيما لا يملك، فهو نهي إلى نهي، (لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم).

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا نذر في معصية الله ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو محمد بن منصور الجواز المكي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن عيينة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قلابة].
    هو عبد الله بن زيد الجرمي، ثقة، كثير الإرسال، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمه].
    هو أبو المهلب الجرمي، ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمران بن حصين].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (من حلف بملةٍ سوى ملة الإسلام كاذباً فهو كما قال...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا أبو المغيرة حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف بملةٍ سوى ملة الإسلام كاذباً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيءٍ في الدنيا عذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر فيما لا يملك)].أورد النسائي حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بملةٍ سوى الإسلام كاذباً فهو كما قال).
    وهذا الحديث سبق قريباً بترجمة: الحلف بملة سوى الإسلام، وقد عرفنا التفصيل في ذلك، وأنه إذا كان مقصوده بذلك الرضا بتلك الملة، أو أراد أن يكون من أهل تلك الملة، فهو كما قال، وإن كان يريد من ذلك الابتعاد، أو شدة الامتناع، أو ما إلى ذلك، فهو خطأ، وأمر قبيح، ولكنه لا يكفر بذلك.
    قوله: [(ومن قتل نفسه بشيءٍ عذب به يوم القيامة)]، الذي يقتل نفسه بحديدة كما جاء في الحديث: (يأتي وحديدته في يده يجأ نفسه بها، والذي تحسى سماً، ومات به فإنه يأتي يتحسى به في نار جهنم، ومن رمى نفسه من شاهق فإنه يهوي في نار جهنم)، وهو يفسر قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (ومن قتل نفسه بشيءٍ عذب به يوم القيامة)، ولا نذر لابن آدم فيما لا يملك.
    قوله: [(وليس على رجلٍ نذرٌ فيما لا يملك)].
    أي: ليس له أن ينذر فيما لا يملك، ولكنه إذا نذر يكفر كفارة يمين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من حلف بملةٍ سوى ملة الإسلام كاذباً فهو كما قال...)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].هو ابن مهران الكوسج، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [عن أبي المغيرة].
    هو عبد القدوس بن الحجاج، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأوزاعي].
    هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قلابة].
    وقد مر ذكره.
    [عن ثابت بن الضحاك].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    من نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى


    شرح حديث عقبة بن عامر : (نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله... فقال: لتمش ولتركب)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى. أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج حدثني سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب أخبره: أن أبا الخير حدثه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: (نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاستفتيت لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: لتمش ولتركب)].
    يقول النسائي رحمه الله: من نذر أن يمشي إلى بيت الله، يعني: ماذا عليه، وماذا يلزمه حيال نذره هذا؟، ومقتضى ما جاء في الحديث: أن من نذر أن يمشي إلى بيت الله فهو نذر طاعة، ويمكن بعض الناس أن يمشي، ويمكن بعضهم أن يعجز، ومن عجز فإن عليه أن يمشي ما أمكنه أن يمشي، ويركب إذا عجز ولم يتمكن من المشي، ولكن عليه كفارة؛ لكونه لم يف بنذره، ولم يحصل منه الوفاء بنذره، والكفارة هي كفارة يمين، وقد أورد النسائي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله، فأمرته أن يستفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكأنها أدركت من نفسها أنها لا تستطيع ذلك، فجاء أخوها عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه يستفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: (لتمش ولتركب)، يعني: لتمش ما أمكنها المشي، وإذا عجزت تركب، ولم يذكر هنا الكفارة، ولكنه جاء في بعض الأحاديث أن كفارة النذر كفارة يمين، إذا لم يستطع أن يوفيه، فتكون كفارته كفارة يمين.
    فالحاصل: أن نذر المشي إلى بيت الله هو نذر طاعة، وإن كان قادراً فعليه أن يفي، وإن كان غير قادر، فإنه يمشي إذا قدر، ويركب إذا عجز، وعليه الكفارة، أما إذا تمكن من المشي، واستطاع أن يمشي، فليس عليه كفارة؛ لأنه وفى بنذره، ومن المعلوم أن الناس يختلفون في المشي، فمنهم من يمشي، ومنهم من يستطيع المشي المسافات الطويلة الشاسعة على رجليه ولا يركب، ومنهم من يعجز، يلزم نفسه بالشيء ثم يعجز عنه، كالذي حصل لأخت عقبة بن عامر التي جاء ذكرها في هذا الحديث.

    تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر: (نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله ... فقال: لتمش ولتركب)


    قوله: [أخبرنا يوسف بن سعيد].ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن حجاج].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن أبي أيوب].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب].
    ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الخير].
    هو أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عقبة بن عامر الجهني].
    رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    إذا حلفت المرأة لتمشي حافيةً غير مختمرة


    شرح حديث عقبة بن عامر: (سأل النبي عن أختٍ له نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة...) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا حلفت المرأة لتمشي حافية غير مختمرة. أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى، قالا: حدثنا يحيى بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن زحر وقال عمرو: إن عبيد الله بن زحر أخبره عن عبيد الله بن مالك: أن عقبة بن عامر رضي الله عنه أخبره أنه: (سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أختٍ له نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: مرها فلتختمر، ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إذا حلفت أن تمشي حافية غير مختمرة، يعني: ليس عليها خمار، فماذا تصنع؟ ومعلوم أن المشي حافياً يجوز، ويصح النذر، ويوفى به، وإذا عجز فإنه يكفر، وأما كونها لا تختمر فهذه معصية، ولا يجوز الوفاء بذلك، لكن الكفارة تلزم، وهي كفارة يمين: عتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام كما جاء ذلك مبيناً في سورة المائدة، التي أوضحت وبينت كيفية كفارة اليمين، ومقدار كفارة اليمين، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (لتركب ولتختمر)، لتركب أي: حيث احتاجت إلى الركوب، وكانت عليها مشقة بذلك، كما جاء في الروايات السابقة: (لتمش ولتركب)، وتجمع بين هذا وهذا، وإذا لم تستطع فإنها تركب، ولكن كونها لا تختمر فهذه معصية، ولا يجوز للمرأة أن تترك الخمار وهي بين الرجال بين الأجانب، وكونها تحلف على ذلك أو تنذر فهذا معصية، ولا يجوز لها أن تفي به، وقد نذرت أن تمشي إلى بيت الله، وأن تكون غير مختمرة، الرواية الأولى التي في صحيح البخاري وفي غيره، ليس فيها إلا أنها تمشي، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لتمش ولتركب)، ولم يذكر شيئاً غير ذلك، والحديث الثاني فيه أنها تمشي حافية، وغير مختمرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تركب، وأن تختمر، وأن تصوم ثلاثة أيام، وهذه الثلاثة الأيام تحتمل أنها بدل عن الهدي كما جاء في بعض الروايات؛ لكونها لا تستطيع الهدي فتنتقل إلى الصيام، وتحتمل أنها كفارة اليمين، لكن كفارة اليمين لا يكون الصيام فيها إلا بعد العجز عن الكسوة، والإطعام للعشرة المساكين، أو إعتاق رقبة؛ لأن كفارة اليمين هي الكفارة الوحيدة من بين الكفارات التي جمعت بين التخيير والترتيب؛ لأن فيها تخييراً بين العتق والكسوة، والإطعام للعشرة المساكين، وترتيب للصوم، بأن يكون عند العجز عما سبق.

    تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر: (سأل النبي عن أختٍ له نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة ...) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [و محمد بن المثنى].
    هو العنزي أبو موسى، الملقب بـالزمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن زحر].
    صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة، وعند غير النسائي بينه وبين عبيد الله بن مالك، أبو سعيد الرعيني جعثل بن عاهان المصري، واسطة وكذلك في بعض نسخ النسائي موجود هذا الرجل، يعني: بين عبيد الله بن زحر، وعبيد الله بن مالك ، والذي في الإسناد هنا أن عبيد الله بن زحر يروي عن عبيد الله بن مالك، وعند الأئمة الذين خرجوا الحديث غير النسائي، فيه أبو سعيد الرعيني، وعند النسائي في بعض النسخ أيضاً أبو سعيد الرعيني جعثل بن عاهان المصري، وأبو سعيد الرعيني جعثل صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبيد الله بن مالك].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود فأخرج له في القدر.
    [عن عقبة بن عامر].
    وقد مر ذكره.
    وقد ضعف الشيخ الألباني الحديث، وجعل سبب ذلك: عبيد الله بن زحر.


    من نذر أن يصوم ثم مات قبل أن يصوم


    شرح حديث: (ركبت امرأةٌ البحر فنذرت أن تصوم شهراً فماتت قبل أن تصوم...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من نذر أن يصوم ثم مات قبل أن يصوم.أخبرنا بشر بن خالد العسكري حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة سمعت سليمان يحدث عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (ركبت امرأةٌ البحر فنذرت أن تصوم شهراً، فماتت قبل أن تصوم، فأتت أختها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكرت ذلك له، فأمرها أن تصوم عنها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: من نذر أن يصوم فمات قبل أن يصوم. يعني: أن لغيره أو لوليه أن يصوم عنه، وهذا مما تدخله النيابة، وهو الصوم عن الغير، سواءً كان صوماً واجباً لأصل الشرع الذي هو شهر رمضان، أو واجباً بإلزام الإنسان نفسه والذي هو النذر، وقد جاء في الحديث المتفق عليه: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، ثم أورد النسائي حديث ابن عباس.
    قوله: [(ركبت امرأةٌ البحر فنذرت أن تصوم شهراً)].
    يعني: نجاها الله عز وجل، فماتت قبل أن تفي بنذرها، فسألت أختها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرشدها، أو أمرها أن تصوم عنها، فدل هذا على أن الإنسان إذا نذر نذراً فعلى وليه أن يوفي عنه، كما فعلت هذه المرأة التي نذرت أن تصوم شهراً، وقد استفتت أختها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفتاها بأن تصوم عنها، فدل هذا على أن صيام النذر لمن عليه نذر صيام سائغ أن يقضى عنه، ويدخل هذا أيضاً تحت عموم قوله: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، ويدخل في ذلك الفرض والنفل، وهذا فيما إذا كان الإنسان قد تمكن من القضاء ولم يقض، أما إذا أفطر رمضان لمرض، وبقي معه المرض حتى مات، فإنه لا قضاء عليه؛ لأنه ما تمكن وما فرط، بل هو مرخص له أن يفطر؛ لعجزه، ولمرضه، أما إذا تمكن من الأداء بأن شفي، ولكن مضى وقت عليه وهو ما صام، ومات قبل أن يصوم، فعند ذلك يقضى عنه.
    أما النذر فإنه إذا نذر نذراً فلوليه أو لغيره من الناس أن يصوم عنه، وكذلك نذر الكفارة التي تلزم الإنسان بسبب من الأسباب مثل: القتل، إذا مات قبل أن يأتي بها، فلغيره أن يصوم عنه، لكن لا يصوم إلا شخص واحد؛ لأنه يشترط فيها التوالي، أما الشيء الذي لا يشترط فيه التتابع، فيجوز الاشتراك فيه، بأن يصوم عدد من الناس عنه بعدد الأيام التي عليه.

    حكم من مات وعليه كفارة قتل


    مداخلة: الذي عليه كفارة القتل، لو مات قبل التمكن من الصيام فكيف يقضى عنه؟الشيخ: الذي يبدو أنه عليه كفارة أخرى، يعني تلزم التي هي قضية العتق، فإن لم يستطع العتق فعليه، صيام شهرين، فلم يستطع يعني مثلاً بعد الحادث الذي قتل به، لا أدري، الله أعلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ركبت امرأةٌ البحر فنذرت أن تصوم شهراً فماتت قبل أن تصوم...)


    قوله: [أخبرنا بشر بن خالد العسكري].ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن محمد بن جعفر].
    هو الملقب غندر البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الأعمش، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسلم البطين].
    هو مسلم بن عمران البطين، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن جبير].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    من مات وعليه نذر


    شرح حديث: (أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله في نذر كان على أمه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من مات وعليه نذر.أخبرنا علي بن حجر والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نذرٍ كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه، فقال: اقضه عنها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة من مات وعليه نذر، يعني: هل يقضى عنه أو لا؟ الجواب: أنه يقضى، وذلك أن سعد بن عبادة رضي الله عنه سيد الخزرج من الأنصار؛ والأنصار هم الأوس والخزرج، وسيد كل منهما سعد، فسيد الأوس سعد بن معاذ، وسيد الخزرج سعد بن عبادة الذي ذكر في الحديث، فكانت أمه ماتت وعليها نذر، فجاء سعد يستفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (اقضه عنها)، فدل هذا على أن النذر يقضى عن الإنسان الذي نذره.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله في نذر كان على أمه...)


    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس المروزي السعدي، ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [و الحارث بن مسكين].
    هو الحارث بن مسكين المصري، ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن عبد الله].
    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المدني، ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.

    الوفاء بنذر الميت فيما تكون فيه النيابة


    مداخلة: قوله: [من مات وعليه نذر]، أي نذر مطلق كمن نذر أن يعتمر، أو نذر أن يحج، أو نذر أن يقرأ القرآن؟الشيخ: لا، وإنما الشيء الذي جاءت فيه النيابة، هذا أمره واضح، وأما غيره مثل: الصلاة فلا؛ لأنه لا يصلي أحد عن أحد، فالصلاة لا تدخلها النيابة، فالذي يبدو أنه ليس على إطلاقه، وإنما هو الشيء الذي يمكن أنه يناب فيه.

    حديث: (استفتى سعد بن عبادة في نذر كان على أمه ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (استفتى سعد بن عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نذرٍ كان على أمه، فتوفيت قبل أن تقضيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اقضه عنها)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو يتعلق بقصة استفتاء سعد بن عبادة عن النذر الذي كان على أمه، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بأن يقضيه عنها.
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

    حديث: (جاء سعد بن عبادة إلى النبي فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن آدم وهارون بن إسحاق الهمداني عن عبدة عن هشام وهو ابن عروة عن بكر بن وائل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (جاء سعد بن عبادة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر فلم تقضه، قال: اقضه عنها)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن آدم].
    هو محمد بن آدم الجهني، صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن هارون بن إسحاق].
    هو هارون بن إسحاق الهمداني، صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عبدة].
    هو عبدة بن سليمان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام وهو ابن عروة].
    هو هشام بن عروة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكر بن وائل].
    بكر بن وائل، صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #482
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإيمان والنذور

    (479)


    (باب إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي) إلى (باب هل تدخل الأرضون في المال إذا نذر؟)




    من نذر نذر طاعة من صيام أو اعتكاف أو غير ذلك وجب عليه الوفاء بنذره، سواء عقد النذر قبل الإسلام أم بعده، ومن نذر الخروج من ماله كله صدقة لله تعالى فليبق شيئاً منه حتى لا يتندم ولا يفتقر، ويدخل في عموم نذر الصدقة بالأموال الأراضي.

    إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي


    شرح حديث عمر بن الخطاب: (أنه كان عليه ليلة نذر في الجاهلية يعتكفها...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي. أخبرنا إسحاق بن موسى حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه: (كان عليه ليلة نذر في الجاهلية يعتكفها، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره أن يعتكف)].
    أورد النسائي إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي، يعني: هل يفي بنذره الذي حصل منه، وهو في حال كفره، وهو طاعة لله عز وجل؟ الجواب: نعم أنه يفي بنذره، وذلك أن النذر ينعقد من الكافر، ولكن يكون الوفاء به موقوفاً على إسلامه؛ لأنه في حال كفره لا ينفعه أي عمل يعمله، وإنما ينفعه إذا أسلم، فأورد النسائي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، وهو في الجاهلية قبل أن يسلم، فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره أن يفي بنذره، فدل هذا على أن النذر ينعقد في حال الكفر، ولكن تنفيذه، والوفاء به يكون موقوفاً على الإسلام، فإذا أسلم فإن عليه أن يفي بنذره، وقد جاء في بعض الأحاديث: ليلة، وفي بعضها: يوم، فيجمع بينهما بأن يكون نذر يوماً وليلة، ومن ذكر اليوم فهو مع ليلته، ومن ذكر الليلة فهي مع يومها.

    تراجم رجال إسناد حديث عمر بن الخطاب: (أنه كان عليه ليلة نذر في الجاهلية يعتكفها...


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن موسى].ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن عيينة، وقد مر ذكره.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو نافع مولى ابن عمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [عن عمر].
    هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    حديث ابن عمر: (كان على عمر نذرٌ في اعتكاف ليلة في المسجد الحرام...) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كان على عمر رضي الله عنه نذرٌ في اعتكاف ليلة في المسجد الحرام، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فأمره أن يعتكف)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه: (أن أباه عمر نذر أن يعتكف ليلةً في المسجد الحرام، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يعتكف)، أي: أن يفي بنذره، وهو مثل ما تقدم، ذاك من مسند عمر، وهذا من مسند عبد الله بن عمر.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].
    هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [عن سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكر هؤلاء جميعاً.

    حديث ابن عمر: (أن عمر كان جعل عليه يوماً يعتكفه في الجاهلية ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن عمر كان جعل عليه يوماً يعتكفه في الجاهلية، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فأمره أن يعتكفه)].وقد أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وفيه تعديل اليوم بدل الليلة، وكما قلت: لا تنافي بينها، فيمكن أن يقال: إنه نذر يوماً وليلة، فمن ذكر الليلة، أي: مع يومها، ومن ذكر اليوم، أي: مع ليلته.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم].
    ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن محمد بن جعفر].
    هو محمد بن جعفر غندر، وقد مر ذكره.
    [عن شعبة].
    وقد مر ذكره أيضاً.
    [عن عبيد الله].
    هو ابن عمر بن حفص بن عاصم العمري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث كعب بن مالك: (يا رسول الله! إني أنخلع من مالي صدقةً إلى الله ورسوله ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: (أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين تيب عليه: يا رسول الله، إني أنخلع من مالي صدقةً إلى الله ورسوله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك)، قال أبو عبد الرحمن: يشبه أن يكون الزهري سمع هذا الحديث من عبد الله بن كعب ومن عبد الرحمن عنه في هذا الحديث الطويل توبة كعب].أورد النسائي حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكون النبي صلى الله عليه وسلم هجره، وأنزل الله عز وجل توبته في القرآن، أي: التوبة عليه، وعلى صاحبيه في قول الله عز وجل: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [التوبة:118]، وكان قد صدق في كلامه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد نجاه الله بالصدق، والحديث طويل جداً، ومشتمل على مسائل كثيرة من العلم والفقه، والمقصود منه: أنه أورد قطعة منه تتعلق بالباب الذي يليه، ولا علاقة لها بباب: إذا نذر وأسلم قبل أن يفي بنذره، بل علاقته بالباب الذي يليه، فيحتمل أن يكون محل الترجمة قبل هذا الحديث؛ لأنها متعلقة، أو لأنه طريق من الطرق التي ذكرت في الباب الذي يليه، وهو متعلق في الباب الذي يليه، ولا علاقة له في ترجمة الباب الذي ذكر فيه، والترجمة التي ذكرها: إذا أهدى ماله على وجه النذر، يعني: إذا خرج من ماله، أو تصدق بماله على وجه النذر، وهو في الحقيقة ليس بواضح أنه نذر؛ لأنه ما نذر شيئاً إن حصل كذا سيكون كذا، وإنما لما تاب الله عز وجل عليه، أراد أن يشكر الله عز وجل على هذه النعمة، بأن يتصدق بماله، شكراً لله عز وجل على ما قد حصل، وأنه أراد أن يخرج من ماله لهذا السبب، وهو أن الله تاب عليه، ففرح فرحاً شديداً، فأراد بهذه التوبة أن يشكر الله عز وجل عليها، بأن يخرج من ماله، وأن يتصدق به، وأن يتصرف فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام كيف يشاء، بأن يصرفه في وجوه الخير، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه فقال له: (أمسك عليك بعض مالك، فهو خيرٌ لك)، فما قال: أمسك عليك مالك، وإنما الشيء الذي أراده، ورخص له فيه، وأذن له فيه، لكن كونه يخرجه كله، هذا الذي لم يوافقه عليه، وأرشده إلى أن يبقي عليه شيئاً من ماله؛ لأن الإنسان إذا خرج من ماله فقد يصير محتاجاً، أو متعلقة نفسه به أو نادماً، أو نحو ذلك، لكنه إذا أبقى شيئاً من ماله يستفيد منه، فلا يكون مثل ما لو خرج منه، وبقي خالي اليدين وصفر اليدين، فقد يصيبه شيء من الندم على ما حصل، والإنسان لا يصلح له أن يندم ولا ينبغي له أن يندم على قربة تقرب بها إلى الله عز وجل، وشيء أخرجه لله عز وجل، مثل ما يحصل من الذي ينذر، ثم إذا حصل المقصود، وجاء وقت الإخراج يتلكأ ويحصل منه التردد وعدم انشراح الصدر، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يأتي بخير، ولكنه يستخرج به من البخيل)، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يمسك عليه بعض ماله، فأمسك بعض ماله، كما جاء مبيناً في بعض الروايات الأخرى، وهو سهمه من خيبر.

    تراجم رجال إسناد حديث كعب بن مالك: (يا رسول الله، إني أنخلع من مالي صدقةً إلى الله ورسوله ...)

    قوله: [حدثنا يونس بن عبد الأعلى].هو يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره.
    [عن عبد الله بن كعب بن مالك].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن أبيه].
    هو كعب بن مالك رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    قال أبو عبد الرحمن: يشبه أن يكون الزهري سمع هذا الحديث من عبد الله بن كعب، ومن عبد الرحمن عنه في هذا الحديث الطويل توبة كعب.
    وبعد أن ذكر النسائي هذا الحديث من طريق الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك، ذكر في الأحاديث الآتية: أن الزهري يرويه عن عبد الله بن كعب بواسطة ابنه عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وأورد الطرق التي فيها رواية عبد الرحمن عن عبد الله، فـالنسائي أراد أن يوفق بين الروايتين، وأنه لا اختلاف بينهما، فقال: يشبه أن يكون الزهري سمعه من عبد الله بن كعب بن مالك، وسمعه من عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، فيكون سمعه بواسطة، وسمعه بغير واسطة، وهذا كثير في الروايات، بأن يكون الإسناد عالياً، ونازلاً، فيروي الشخص الحديث عن شخص بواسطة، ثم يلقى الشخص، وقد يرحل إليه، فيرويه عنه مباشرة، فتكون روايته على الوجهين صحيحة، رواه نازلاً؛ لأنه ظفر به نازلاً، ثم أدركه عالياً، فظفر به عالياً، فأخرجه عالياً، فلا تنافي بين الطريقين أو بين الروايتين ما دام أن الشخص من شيوخه الاثنين، فروايته عن الشخص بواسطة، وروايته عنه مباشرة كثير في الروايات، وكثير في الأسانيد، ورواية عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه هي في الطرق القادمة.


    إذا أهدى ماله على وجه النذر


    شرح حديث كعب بن مالك: (... يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا أهدى ماله على وجه النذر.أخبرنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب عن يونس قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب قال: (سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، قال: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك، فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر)، مختصر].
    أورد النسائي حديث كعب بن مالك، أو قطعة من حديث كعب بن مالك الطويل، وهو المتعلق بقصة خروجه عن ماله، أو إرادته الانخلاع عن ماله، شكراً لله عز وجل على توبة الله عز وجل عليه، بعدما حصل من هجر النبي صلى الله عليه وسلم إياه خمسين ليلة، وقال: إن من توبتي أن أنخلع من مالي، والمقصود: أنه ينخلع منه، أي: يتجرد منه بحيث ما يكون له، كما ينخلع الإنسان من الثوب، ويتجرد منه، فلا يكون عليه منه شيء، وهو يريد أن ينخلع من ماله بحيث ما يكون له منه شيء، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يبقي عليه بعض ماله، وألا يخرج منه كله، بل يخرج شيئاً، ويترك شيئاً، وقد نفذ ذلك، واستجاب لذلك، وقال: إنني أمسك سهمي الذي بخيبر، والباقي يخرجه لله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث كعب بن مالك: (... يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا سليمان بن داود].هو سليمان بن داود أبو الربيع المصري ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب].
    مر ذكر هؤلاء.
    [عن عبد الرحمن بن كعب].
    هو عبد الرحمن بن كعب بن مالك، ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم.
    [ عن عبد الله].
    الزهري يروي هنا عن عبد الرحمن بن كعب عن أخيه عبد الله بن كعب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن كعب].
    وقد مر ذكره.
    [عن كعب بن مالك].
    وقد مر ذكره أيضاً.
    تعقيب في تخريج الحديث السابق قال المخرج: أخرجه أبو داود في الأيمان والنذور، باب فيمن نذر أن يتصدق بماله.
    يعني: أنه فيه ذكر النذر، وهنا قال: على وجه النذر، نفس الترمذي حيث قال: أهدى على وجه النذر، لكنه ليس بواضح بأنه نذر؛ لأن النذر يوجب على نفسه شيئاً إذا حدث أمرؤُ في المستقبل، لكن هنا حدثت توبة، وهو يريد أن يشكر الله عز وجل، لكن يمكن أن يقال: إنه أطلق عليه نذراً؛ لأنه جاء على صورة النذر، يعني: أن من شكر الله أن ينخلع من ماله، لكنه ليس في الحقيقة نذراً.

    حديث كعب بن مالك: (يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج بن محمد حدثنا ليث بن سعد حدثني عقيل عن ابن شهاب حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب: أن عبد الله بن كعب بن مالك قال: سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه: (يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمسك عليك مالك فهو خيرٌ لك، قلت: فإني أمسك علي سهمي الذي بخيبر)].أورد النسائي حديث كعب بن مالك من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا يوسف بن سعيد].
    مر ذكره.
    [عن حجاج عن الليث بن سعد].
    كلهم مر ذكرهم.
    [عن عقيل].
    هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره.
    [عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث كعب بن مالك: (... وإن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة...) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن معدان بن عيسى حدثنا الحسن بن أعين حدثنا معقل عن الزهري أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن عمه عبيد الله بن كعب سمعت أبي كعب بن مالك رضي الله عنه يحدث قال: قلت: (يا رسول الله، إن الله عز وجل إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله، فقال: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر)].أورد النسائي حديث كعب بن مالك من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، وفيه قوله: (إن الله إنما نجاني بالصدق)، يعني: أنه صدق في كلامه مع النبي صلى الله عليه وسلم، ليس مثل ما حصل من المنافقين الذين جاءوا يكذبون ويحلفون، وهو رضي الله عنه لما جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: لماذا تخلفت؟ قال: إنني لا أحدثك إلا بالصدق، وأعلم أنني لو كذبت عليك، فإنه يأتيك الوحي، ويبين خلاف ما أقول، ولكني لا أحدثك إلا بالصدق، ثم قال: إنه في هذه المرة كان المال متوفراً، والمركوب موجوداً، ولكنه جعل يتأخر شيئاً فشيئاً، ثم خرج الناس، وذهبوا وهو لم يخرج فبقي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما هذا فقد صدق)، وبعد ذلك أنزل الله تعالى التوبة عليه، وعلى صاحبيه؛ ولهذا أمر الله المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين بعد الآية التي ذكرت توبتهم مباشرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، أي: كونوا مع أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، والذين صدقوا، وهذا من صدقهم، وقد وصف الله المهاجرين بأنهم الصادقون في سورة الحشر، وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]، فـ كعب بن مالك قال: إنما نجاني الله بالصدق، والله تعالى أمر المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين بعدما ذكر توبة الله عليه وعلى صاحبيه لصدقهم، قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].

    تراجم رجال إسناد حديث كعب بن مالك: (... وإن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة...) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا محمد بن معدان بن عيسى].هو محمد بن معدان بن عيسى الحراني، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن الحسن بن أعين].
    هو الحسن بن محمد بن أعين، وهو صدوق، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [عن معقل].
    هو معقل بن عبيد الله الجزري، وهو صدوق، يخطئ، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن عمه عبيد الله بن كعب].
    وقد مر ذكرهم.
    [عن عمه عبيد الله بن كعب].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، مثل الذين خرجوا لـعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب.
    [عن أبيه كعب بن مالك].
    وقد مر ذكره.


    هل تدخل الأرضون في المال إذا نذر؟


    شرح حديث: (كنا مع رسول الله عام خيبر فلم نغنم إلا الأموال والمتاع والثياب...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [هل تدخل الأرضون في المال إذا نذر؟قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن ثور بن زيد عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام خيبر فلم نغنم إلا الأموال والمتاع والثياب، فأهدى رجلٌ من بني الضبيب يقال له: رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غلاماً أسود، يقال له: مدعم، فَوَجَه رسول الله صلى الله عليه وآله سلم إلى وادي القرى، حتى إذا كنا بوادي القرى بينا مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءه سهمٌ فأصابه فقتله، فقال الناس: هنيئاً لك الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كلا، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لتشتعل عليه ناراً، فلما سمع الناس بذلك جاء رجل بشراكٍ أو بشراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: شراكٌ أو شراكان من نار)].
    أورد النسائي: هل تدخل الأرضون في المال إذا نذر؟، يعني: إذا نذر أن يخرج شيئاً من ماله، هل تدخل الأرضون في لفظ: الأموال عند الإطلاق، أم أن الأموال عند الإطلاق تنصرف إلى الأموال التي تجب فيها الزكاة، كما قال الله عز وجل: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]؟ وهل تجب في بعض الأموال، أو تجب في الأموال كلها؟ إذا كانت عروض تجارة تجب فيها الزكاة، أما غير عروض التجارة مثل: الخارج من الأرض، والنقدين، وبهيمة الأنعام فإنها تجب فيها الزكاة، ولا شك أن الأرضين هي من جملة المال، وكل ما يملكه الإنسان هو مال له، سواءً كان عرضاً ثابتاً أو منقولاً، وسواءً كان رقيقاً أو غيره، كل ذلك يقال له: مال، والأرضون داخلة في المال.
    وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة الذي فيه: أن الأرضين داخلة في المال، وقال: إننا لم نغنم إلا الأموال، والمتاع، والثياب، ومن المعلوم: أن المتاع، والثياب هي مال، وهو من عطف الخاص على العام، ولكنهم قد غنموا أراضي كثيرة، وهي من المال الذي غنموه، فإذاً هي داخلة، أي: الأرضون داخلة في المال؛ لأنهم غنموا أراضي كثيرة، والرسول قسم عليهم الأراضي، وجعلوها مع اليهود على أن تكون بالنصف، فإذاً الحديث دل على أن الأراضي تكون من جملة المال، وأنه إذا ذكر المال فتدخل فيه الأراضي، وهذا هو مقصود النسائي من هذه الترجمة، ولهذا أورد حديث أبي هريرة قال: [(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، فلم نغنم إلا الأموال، والمتاع، والثياب)].
    والأموال يدخل تحتها الأراضي، بل هي أكثر ما غنموه في هذه الغزوة.
    قوله: [(فأهدى رجلٌ من بني الضبيب يقال له: رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً أسود، يقال له: مدعم)].
    أي: فأهدى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً يقال له: مدعم، فالرسول وجه نحو وادي القرى، بمعنى: توجه أو وجه وجهه إلى تلك الجهة، فلما نزلوا وجعل ذاك يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا سهم يأتي إليه فيصيبه فمات، فقالوا: هنيئاً له الشهادة، أي: مات وهو يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (كلا، إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه ناراً)، يعني: أنه معذب، وأن الشملة التي غلها تشتعل عليه ناراً، وأنه يعذب بذلك الشيء الذي غله، فعندما سمع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين، الذي هو السيور التي تكون في النعل، وهو شيء تافه، وشيء يسير جداً، لكن لما سمع عن الشملة، وهذا الذي يعذب بسبب الشملة، جاء ذلك الرجل بالشراك أو الشراكين، وهو شسع النعل الذي يكون على ظهره من الجلد، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (شراكٌ من نار أو شراكان من نار)، يعني: أنه لو لم يرددهما لكان يعذب بهما؛ لأن الغنيمة قد قسمت، وهذا شيء قليل ما تنفع فيه القسمة، ولا تصلح فيه القسمة، وهذا هو الأقرب -والله تعالى أعلم- أنه لو لم يرددهما، وإلا فإن الإنسان إذا كان عليه شيء وتخلص منه، وأدى الحق، وتخلص منه، وتاب إلى الله عز وجل مما قد حصل، فإنه يسلم من مغبته، ومن تبعته؛ لأن الإنسان إذا كان عليه حقوق للناس وأداها، تخلص من تبعتها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام خيبر فلم نغنم إلا الأموال والمتاع والثياب...)


    قوله: [قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع].مر ذكره.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثور بن زيد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الغيث مولى ابن مطيع].
    هو سالم المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #483
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإيمان والنذور

    (480)


    (باب الاستثناء) إلى (باب آخر في الاستثناء)



    من مظاهر تيسير الله تعالى على عباده في أحكام اليمين أن جعل الاستثناء فيها مخرجاً من الحنث سواء كان الاستثناء من الحالف أم قاله غيره في المجلس ووافقه بشرط اتصال الكلام، وقد رحم الله المكلفين بإسقاط وجوب الوفاء بنذر الغضب، أو المعصية، أو ما لا يقدر عليه ويشق على النفس القيام به، وجعل بدلاً عن ذلك الكفارة.

    الاستثناء


    شرح حديث: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاستثناء.أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث: أن كثير بن فرقد حدثه: أن نافعاً حدثهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى)].
    يقول النسائي رحمه الله: الاستثناء. أي: الاستثناء في اليمين، والاستثناء في اليمين أن يقول معها: إن شاء الله، متصلاً بالكلام، كأن يقول: والله إن شاء الله لأفعلن كذا، فهذا هو الاستثناء في اليمين، ويترتب على هذا الاستثناء، أنه في سعة، إن شاء أن يفي وأن ينفذ ما حلف عليه، وإن شاء ألا يفعل فله ذلك ولا شيء عليه، فهو بالخيار وفي سعة من أمره إذا قال: إن شاء الله مع حلفه متصلاً به، والاستثناء في اليمين هو قول: إن شاء الله، كما أن الاستثناء في الإيمان أيضاً هو قول: إن شاء الله، يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، والمسألة مشهورة في علم التوحيد ومذهب أهل السنة والجماعة القول بذلك، ومقصودهم عدم التزكية لأنفسهم، وأما أصل الإيمان الذي هو الإسلام، فلا يستثنى فيه، فلا يقول: أنا مسلم إن شاء الله، بل يقول: أنا مسلم ويجزم، ولكن الإيمان هو كمال ودرجة فوق الإسلام، ولهذا يستثنون، ومن لم يستثن، فإنه يريد بالإيمان أصل الإسلام الذي لا يحتاج معه إلى استثناء، مثل قول الإنسان: أنا مسلم، فلا يحتاج إلى أن يقول: إن شاء الله؛ لأن كل من لم يكن كافراً، فهو مسلم، لكن ليس كل مسلم مؤمناً؛ لأن الإيمان درجة فوق الإسلام، ولهذا يستثنون في الإيمان، ولا يستثنون في الإسلام، وهذا استطراد بمناسبة ذكر الاستثناء في اليمين، أشرت فيه إلى الاستثناء في الإيمان، وقد أورد النسائي بعض الأحاديث في ذلك، منها: حديث ابن عمر: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى)].
    أي: وجد منه الاستثناء الذي يجعله بالخيار في تنفيذ ما حلف عليه، أو في عدم تنفيذه؛ لأن الأمر واسع في حقه؛ فما دام رد الأمر إلى مشيئة الله، فهو إن نفذ كان ما حلف عليه، وإن لم ينفذ فإنه لا شيء عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى)

    قوله: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى].هو يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن الحارث].
    عمرو بن الحارث المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن كثير بن فرقد].
    كثير بن فرقد، ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن نافع].
    نافع مولى ابن عمر المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حديث: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى..) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق ثانية، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].
    هو محمد بن منصور الجواز المكي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سفيان].
    سفيان، ابن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى..) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من حلف على يمين فقال: إن شاء الله، فهو بالخيار: إن شاء أمضى، وإن شاء ترك)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو بلفظ: [(من حلف على يمينٍ فقال: إن شاء الله فهو بالخيار: إن شاء أمضى يمينه -ونفذها- وإن شاء ترك)]، ولم ينفذ؛ لأنه في سعة، وهذه الرواية فيها بيان وتوضيح نتيجة الاستثناء، وهي أن الإنسان الحالف بالخيار إذا استثنى في يمينه فقال: والله إن شاء الله لأفعلن كذا، فإن شاء فعل وإن شاء ترك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].أحمد بن سليمان، هو الرهاوي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عفان].
    هو عفان بن مسلم الصفار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن وهيب].
    هو وهيب بن خالد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب عن نافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهم.


    إذا حلف فقال له رجلٌ: إن شاء الله، هل له استثناء؟


    شرح حديث: (قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على تسعين امرأة ...فلم يقل: إن شاء الله...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا حلف فقال له رجل: إن شاء الله، هل له استثناء؟أخبرنا عمران بن بكار حدثنا علي بن عياش أخبرنا شعيب حدثني أبو الزناد مما حدثه عبد الرحمن الأعرج، مما ذكر أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله عز وجل، فقال له صاحبه: إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعاً فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، وايم الذي نفس محمدٍ بيده، لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعين)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إذا حلف فقال له رجل: إن شاء الله، فهل له استثناء؟ يعني: هل يكون مستثنياً مثل ما لو قال: والله إن شاء الله؟ هو قال: والله، فبادر رجل ممن سمعه وقال: إن شاء الله يريد منه أن يقول: إن شاء الله لتكون متصلة بيمينه، هل يكون مستثنياً؟ نعم، يكون مستثنياً؛ لأنه ما دام متصلاً بالكلام فيكون مستثنياً، ولكن لا يكون مستثنياً إذا مضى وقت على الاستثناء وانقطع الكلام، أما ما دام الإنسان يحلف، وعند حلفه بودر فقيل له: قل: إن شاء الله، أو قيل له: إن شاء الله تلقيناً يلقن إياها بأن يقولها، ويضيفها إلى يمينه ينفعه ذلك، فيكون مستثنياً، وفي سعة: إن أراد أن يفعل فعل، وإن ترك ترك ولا كفارة عليه؛ لأنه ما يعتبر حانثاً حتى تلزمه كفارة؛ لأن ذكر الاستثناء في اليمين يجعل الحالف في سعة: إن شاء أمضى، وإن شاء ترك، كما جاء ذلك في حديث ابن عمر.
    فإذاً قول: إن شاء الله لمن حلف في الحال، أو قيل له: قل: إن شاء الله، منجاة من الحنث إذا كان الكلام متصلاً.
    وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [(أن سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام قال: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كل امرأةٍ منهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقيل له: إن شاء الله)]، يعني: اذكر الاستثناء فلم يفعل، فلم تأت منهن إلا واحدة أتت بشق إنسان، تسعون امرأة ما حمل منهن أحد في ذلك الطواف الذي حصل في تلك الليلة، إلا واحدة أتت بشق إنسان، ولما تلا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القصة وهذا الخبر عن سليمان عليه الصلاة والسلام، قال: [(وايم الذي نفس محمدٍ بيده، لو قال: إن شاء الله لجاهدوا فرساناً في سبيل الله)]، فكل واحدة تأتي بولد فيكونون تسعين شخصاً يجاهدون في سبيل الله بهذه اليمين التي حلفها سليمان بن داود، لو كان استثنى.
    فالترجمة ذكرت من أجل أن الاستثناء هل ينفع أو لا ينفع؟ نعم ينفع، ومثله العطف، فلو قيل لإنسان: قل كذا، فأتى بشيء فعطف، فإن ذلك ينفع مثل ما جاء في حديث: (رحم الله المحلقين؟ قالوا: يا رسول الله، والمقصرين؟)، فالرسول بعد عدة مرات قال: (والمقصرين)، فدعا للمقصرين كما دعا للمحلقين، وكذلك الاستثناء أيضاً، مثل ما جاء في حديث قصة الإذخر، قال: (لا يفصل خلاها ولا يقطع شجرها، قال العباس: إلا الإذخر، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر)، فإذا لقن إنسان شيئاً، وكلامه متصل ليستثني إن شاء الله، أو ليضيف بإن شاء الله، فإن هذا متصل بالكلام وسائغ، وفي الحديث دلالة على ما كان عليه سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام من القوة في الجماع، لطوافه على تسعين امرأة في ليلة واحدة، فيه: أن الاستثناء أو تلقين الاستثناء ينفع إذا كان متصلاً بالكلام، ومثل هذا: لو أن الإنسان حلف ثم أصابه سعال أو عطاس متواصل، فإن له أن يستثني بعد الفراغ من السعال أو العطاس؛ لأن الفاصل ضروري بخلاف ما لو حلف ثم سكت، ثم بعد مدة قال: إن شاء الله، هذا ما ينفع، وإنما ينفع لو كان متصلاً.
    ثم قوله عليه الصلاة والسلام: [(وايم الله، لو قال: إن شاء الله لجاهدوا جميعاً فرساناً في سبيل الله)]، أي: التسعون غلاماً من تسعين امرأة، ليس فيه دليل على أن من حلف مثل هذا الحلف واستثنى، أنه يحصل له ذلك الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه خاصة بسليمان بن داود عليه الصلاة والسلام، ولا يلزم من هذا أن كل من حلف على مثل هذا أن يأتيه بذلك ولد أو أولاد؛ لكونه استثنى؛ لأن هذا إنما حصل في قصة سليمان، فلا يقال: إن غيرها يكون مثلها، ولو حصل من أحد من الناس مثل ذلك فلا يقال: إن هذا يكون مثل قصة سليمان؛ لأن هذا الذي قاله الرسول عليه الصلاة والسلام خاص بـسليمان، فلا يشمل كل أحد.
    وسليمان عليه الصلاة والسلام حينما لم يقل: إن شاء الله، ليس إعراضاً منه عن الإتيان بالاستثناء، لكن لعله انشغل بما هو منهمك فيه، وما هو منشغل به من حب الجهاد في سبيل الله والرغبة فيه، فلعله حصل له شيء أذهله، وشغله عن ذلك، وإلا فإنه لا يعرض عن مثل هذه الكلمة وقولها.
    وقوله: [حدثني أبو الزناد مما حدثه عبد الرحمن الأعرج مما ذكر أنه سمع أبا هريرة يحدث به]، يعني: كأنه معه غيره من الأحاديث، فهو متصل؛ لأن أبا الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، سلسلة ذهبية على أحد أقوال العلماء في أنها أصح الأسانيد.
    قوله: [(وايم الذي نفس محمد)].
    أيم هي: أيمن، فهي حذفت منها النون وبقي الباقي.

    تراجم رجال إسناد حديث: (قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على تسعين امرأة ...فلم يقل إن شاء الله...)

    قوله: [أخبرنا عمران بن بكار].عمران بن بكار، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن علي بن عياش].
    علي بن عياش ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن شعيب].
    هو شعيب بن أبي حمزة، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزناد].
    وهو عبد الله بن ذكوان المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن الأعرج].
    عبد الرحمن الأعرج، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر باسمه ولقبه، وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني يلقب: بـالأعرج.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.


    كفارة النذر


    شرح حديث: (كفارة النذر كفارة اليمين)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كفارة النذر.أخبرنا أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كفارة النذر كفارة اليمين)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كفارة النذر. النذر إذا كان طاعة، وأمكن الوفاء به، فإنه لا بد من الوفاء به، وأما إن كان معصية، أو كان لا يستطاع، أو لا يملكه الإنسان، فإنه يكفر كفارة يمين عن هذا النذر الذي حصل منه، وفيه ما لا يجوز أن ينذر، فالنذر له حالتان: حالة لا بد من الوفاء به فيها، وهو أن يكون في طاعة حيث يكون مقدوراً عليه، والثاني: أن يكون في معصية، أو يكون غير مقدور عليه، وفي ذلك يكون على الناذر كفارة يمين. ثم أورد النسائي جملة من الأحاديث التي تحت هذه الترجمة، أولها: حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: [(كفارة النذر كفارة اليمين)]، وهذا لفظ مطلق، المقصود منه: الشيء الذي لا يمكن فيه الوفاء، فالكفارة فيه كفارة يمين، والشيء الذي يمكن فيه الوفاء لكونه طاعة، ولكونه مقدوراً على تنفيذه، فإنه يجب الوفاء به، (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، ولكن عليه الكفارة لهذه اليمين التي عقدها، وهي في غير طاعة، بل في معصية، عليه أن يكفر عن هذا النذر بكفارة يمين، وكفارة اليمين هي ما ذكرها الله عز وجل في القرآن، تخيير بين: العتق أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يستطع انتقل إلى صيام ثلاثة أيام، وكما ذكرت بالأمس أن كفارة اليمين هي الكفارة الوحيدة التي جمع فيها بين التخيير والترتيب؛ لأن الكفارات الأخرى إما ترتيب محض، وإما تخيير محض، فترتيب المحض مثل: كفارة الظهار، وكفارة الإفطار في رمضان بالجماع، وكفارة القتل، وهذا الترتيب: عتق، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، وهذا بالنسبة للقتل؛ ولا يوجد شيء ثالث الذي هو إطعام ستين مسكيناً، وفي الظهار والجماع في نهار رمضان عتق، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكنياً، وأما التخيير المحض فمثل: كفارة اللبس في الإحرام، أو حلق الرأس وإماطة الأذى عنه، فصاحب هذا المحظور مخير بين ثلاثة أشياء: إما أن يذبح شاة، أو يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام، أما كفارة اليمين فقد جمع فيها بين التخيير والترتيب، فهو تخيير بين العتق والإطعام والكسوة، وترتيب للصيام بعدهما إذا لم يستطع العتق أو الإطعام أو الكسوة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كفارة النذر كفارة اليمين)

    قوله: [أخبرنا أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان].هو أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان، ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [و الحارث بن مسكين].
    الحارث بن مسكين، ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن كعب بن علقمة].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن كعب بن علقمة].
    صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الرحمن بن شماسة].
    عبد الرحمن بن شماسة، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عقبة بن عامر].
    هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث عائشة: (لا نذر في معصية)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري: أنه بلغه عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية)].أورد النسائي حديث عائشة: [(لا نذر في معصية)]، وليس فيه شاهد للترجمة؛ لأن الترجمة هي: كفارة اليمين، وهذا اللفظ لا ذكر للكفارة فيه، وإنما فيه النهي عن النذر في المعصية، والنهي عن النذر مطلقاً ثابت، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهانا عن النذر وقال: (لا تنذروا)، ولكنه إذا كان في معصية، فالنهي من جهتين: من جهة النذر أنه منهي عنه، ومن جهة المعصية أنه لا يجوز للإنسان أن ينويها، أو يلزم نفسه بها بنذر أو بغيره، بل عليه أن يبتعد عن المعاصي.
    والحديث الذي معنا وهو: [(لا نذر في معصية)]، ثابت في النهي عن النذر في المعصية.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (لا نذر في معصية)

    قوله: [أخبرنا كثير بن عبيد].كثير بن عبيد، وهو الحمصي ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن محمد بن حرب].
    وهو محمد بن حرب الحمصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزبيدي].
    وهو محمد بن الوليد الحمصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أنه بلغه عن القاسم].
    هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقوله: بلغه، معناه: أن هناك واسطة محذوفة؛ لأنه لا يوجد اتصال بهذا اللفظ.
    [عن عائشة].
    وهي الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق ثانية، وفيه الشاهد للترجمة، وهو [(لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين)]، أي: كفارة النذر في المعصية كفارة يمين، ومعناه: أن الإنسان إذا نذر نذر معصية، وجبت عليه كفارة، ولعل من فوائد ذلك: أن لا يعود الإنسان نفسه النذر مطلقاً، بل من باب أولى أن يكون في معصية، فيكون ذلك فيه عقوبة بشيء مالي يتعين عليه إخراجه، فيجعله لا يفكر في المستقبل أن يفعل مثل هذا الفعل الذي يترتب عليه إخراج شيء من المال؛ لأنه معصية، والعزم على المعصية والحلف عليها، أو إلزام النفس بها أمر منكر يترتب على ذلك لزوم الكفارة: كفارة يمين، فيكون ذلك رادعاً له في المستقبل في أن ينذر مثل هذا النذر، وليس هو مجرد كلام قيل وانتهى، بل له تبعة، وعليه شيء مادي لا بد أن يخرجه من ماله، فيكون ذلك من الأسباب التي تردع وتمنع من الإقدام على مثل هذا العمل المنكر.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن يونس].مر ذكرهما.
    [عن يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب عن أبي سلمة].
    ابن شهاب، مر ذكره، أبو سلمة هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن عائشة].
    عائشة، وقد مر ذكرها.

    حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق ثانية، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي].
    هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن يحيى بن آدم].
    هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن المبارك].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

    حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا عثمان بن عمر حدثنا يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق رابعة، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].
    هو: إسحاق بن منصور بن بهرام الملقب بـالكوسج، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [عن عثمان بن عمر].
    هو: عثمان بن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

    حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو صفوان عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين)، قال أبو عبد الرحمن: وقد قيل: أن الزهري لم يسمع هذا من أبي سلمة].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي صفوان].
    وهو أبو صفوان عبد الله بن سعيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.
    [قال أبو عبد الرحمن: وقد قيل: إن الزهري لم يسمع هذا من أبي سلمة].
    وقول أبي عبد الرحمن: هذا لا يؤثر؛ لأن كفارة النذر كفارة يمين ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من هذا ومن غيره.

    حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن موسى الفروي حدثنا أبو ضمرة عن يونس عن ابن شهاب حدثنا أبو سلمة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نذر في معصية، وكفارتها كفارة اليمين)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا هارون بن موسى الفروي].
    هارون بن موسى الفروي، لا بأس به، وهي بمعنى: صدوق، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن أبي ضمرة].
    وهو أنس بن عياض، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان حدثني أبو بكر بن أبي أويس حدثني سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن ابن شهاب عن سليمان بن أرقم: أن يحيى بن أبي كثير الذي كان يسكن اليمامة حدثه: أنه سمع أبا سلمة يخبر عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نذر في معصية، وكفارتها كفارة يمين)، قال أبو عبد الرحمن: سليمان بن أرقم متروك الحديث والله أعلم، خالفه غير واحد من أصحاب يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي].
    ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن أيوب بن سليمان].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبي بكر بن أبي أويس].
    هو عبد الحميد بن عبد الله، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن سليمان بن بلال].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن أبي عتيق].
    هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [و موسى بن عقبة].
    وموسى بن عقبة، يعني: مع هذا المقبول، وهو ثقة، إمام في المغازي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره.
    [عن سليمان بن أرقم].
    وقد قال النسائي: إنه متروك، وقال الحافظ في التقريب: ضعيف، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.
    وهذا الإسناد من اطول الأسانيد عند النسائي؛ لأنه من العشاريات.
    فأعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، وأطولها وأنزلها: العشاريات التي هي: عشرة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم هنا في الإسناد إحدى عشر إلا إن اثنين في طبقة واحدة، محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة، يروي عنهم تلميذ لهم، ويروون معاً عن شيخ لهم، فالمجموعة إحدى عشر، إلا أن الذي في الإسناد من حيث الطبقات هم عشرة، وهو أطول إسناد عند النسائي.
    وقد سبق أن مر بنا حديث مثل هذا في فضل (قل هو الله أحد)، فيه عشرة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النسائي عنده: هذا أطول إسناد، يعني: أنه من أطول الأسانيد، وهذا الذي معنا في الإسناد هو مثل ذاك، فإذاً يقال له: عشاري، والحديث فيه ضعيف، لكن كما هو معلوم: متنه ثابت في الأحاديث الصحيحة الأخرى.
    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي].
    ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن أيوب بن سليمان].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبي بكر بن أبي أويس].
    هو عبد الحميد بن عبد الله، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن سليمان بن بلال].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن أبي عتيق].
    هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [و موسى بن عقبة].
    وموسى بن عقبة، يعني: مع هذا المقبول، وهو ثقة، إمام في المغازي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره.
    [عن سليمان بن أرقم].
    وقد قال النسائي: إنه متروك، وقال الحافظ في التقريب: ضعيف، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.
    وهذا الإسناد من اطول الأسانيد عند النسائي؛ لأنه من العشاريات.
    فأعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، وأطولها وأنزلها: العشاريات التي هي: عشرة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم هنا في الإسناد إحدى عشر إلا إن اثنين في طبقة واحدة، محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة، يروي عنهم تلميذ لهم، ويروون معاً عن شيخ لهم، فالمجموعة إحدى عشر، إلا أن الذي في الإسناد من حيث الطبقات هم عشرة، وهو أطول إسناد عند النسائي.
    وقد سبق أن مر بنا حديث مثل هذا في فضل قل هو الله أحد ، فيه عشرة أشخاص بين النسائي ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النسائي عنده: هذا أطول إسناد، وهذا الذي معنا في هذا الإسناد مثل ذاك، فإذاً يقال له: عشاري، والحديث فيه ضعيف، لكن متنه كما هو معلوم ثابت في الأحاديث الصحيحة الأخرى.

    حديث عمران بن حصين: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري عن وكيع عن ابن المبارك وهو علي عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وهو مثل حديث عائشة المتقدم: [(لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين)].
    قوله: [عن وكيع].
    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن المبارك وهو علي].
    هو علي بن المبارك، غير عبد الله بن المبارك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي].
    يحيى بن أبي كثير، وقد مر ذكره، ومحمد بن الزبير الحنظلي التميمي، وقد قال عنه النسائي: إنه ضعيف لا تقوم بمثله حجة، وقال الحافظ عنه في التقريب: متروك، أخرج له أبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن أبيه].
    وهو الزبير التميمي الحنظلي، لين الحديث، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عمران بن حصين].
    هو عمران بن حصين أبو نجيد، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث عمران بن حصين: (لا نذر في معصية، وكفارتها كفارة يمين) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن أبي عمرو وهو الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية، وكفارتها كفارة يمين)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق ثانية، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].
    هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن بقية].
    هو بقية بن الوليد، صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي عمرو وهو: الأوزاعي].
    هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير عن أبيه عن عمران بن حصين].
    وقد مر ذكرهم جميعاً.

    شرح حديث عمران بن حصين: (لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن ميمون حدثنا معمر بن سليمان عن عبد الله بن بشر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في غضب، وكفارته كفارة اليمين)، قال أبو عبد الرحمن: محمد بن الزبير ضعيف لا يقوم بمثله حجة، وقد اختلف عليه في هذا الحديث].أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق ثالثة، وفيه: [(لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين)]، (لا نذر في غضب)، يعني: في شيء يدفع عليه الغضب، ومن المعلوم: أنه إذا وجد النذر، وكان طاعة، فعليه أن يفي به، وإن كان معصية أو كان لا يستطاع فكفارته كفارة يمين كما عرفنا ذلك من قبل.

    تراجم رجال إسناد حديث عمران بن حصين: (لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا علي بن ميمون].هو علي بن ميمون الرقي، ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [عن معمر بن سليمان].
    معمر بن سليمان الرقي، ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عبد الله بن بشر].
    عبد الله بن بشر، هذا قال فيه ابن حجر كلاماً طويلاً، وقد اختلف فيه قول ابن معين، وابن حبان.
    وعن أبي زرعة والنسائي: لا بأس به، وحكى البزار أنه ضعيف في الزهري خاصة.
    لا بأس به تعادل رتبة صدوق، أخرج له النسائي، وابن ماجه.
    [عن يحيى بن أبي كثير عن محمد الحنظلي عن أبيه عن عمران].
    وقد مر ذكر هؤلاء، محمد الحنظلي هو ابن الزبير الذي مر في الإسنادين السابقين.
    ووالد عمران ذكره ابن حجر وقال: حصين بن عبيد الخزاعي والد عمران صحابي لم يصب من نفى إسلامه، أخرج له النسائي وحده.
    إذاً: يقال عند ذكر عمران بن حصين: رضي الله عنهما.

    حديث عمران بن حصين: (لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا الحسن بن موسى حدثنا شيبان عن يحيى عن محمد بن الزبير عن أبيه عن عمران رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في غضبٍ، وكفارته كفارة اليمين)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب].
    هو إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ثقة، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن الحسن بن موسى].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شيبان].
    هو شيبان بن عبد الرحمن النحوي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى عن محمد بن الزبير عن أبيه عن عمران].
    وقد مر ذكر الأربعة.

    حديث عمران بن حصين: (لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة أخبرنا حماد عن محمد عن أبيه عن عمران رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في غضبٍ، وكفارته كفارة اليمين)، وقيل: إن الزبير لم يسمع هذا الحديث من عمران بن حصين].أورد النسائي الحديث من طريق خامسة، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا قتيبة عن حماد].
    قتيبة، مر ذكره، حماد ، ابن زيد بن درهم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء قتيبة يروي عن حماد، وحماد غير منسوب فالمراد به: ابن زيد.
    [عن محمد عن أبيه عن عمران].
    محمد، وهو ابن الزبير عن أبيه عن عمران، وقد مر ذكرهم.
    هنا قال: قيل: إن الزبير لم يسمع هذا الحديث من عمران.
    وعلى كل هو نفسه محمد بن الزبير ضعيف أو متروك، لا تقوم به حجة، ولكن العمدة على الأحاديث الأخرى.

    شرح حديث عمران بن حصين: (النذر نذران..) من طريق سادسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن وهب حدثنا محمد بن سلمة حدثنا ابن إسحاق عن محمد بن الزبير عن أبيه عن رجل من أهل البصرة أنه قال: صحبت عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (النذر نذران: فما كان من نذرٍ في طاعة الله، فذلك لله وفيه الوفاء، وما كان من نذرٍ في معصية الله، فذلك للشيطان ولا وفاء فيه، ويكفره ما يكفر اليمين)].ثم أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق أخرى، وفيه التفصيل بالنسبة للنذر، أن النذر يكون في طاعة، ويكون لله عز وجل، ويجب الوفاء به، وما كان معصية فهو للشيطان، ولا يوفى به، ولكن عليه كفارة يمين، وهذا متفق مع ما تقدم من جهة أن نذر الطاعة يجب الوفاء به، ونذر المعصية لا يوفى به، وتجب فيه الكفارة.

    تراجم رجال إسناد حديث عمران بن حصين: (النذر نذران...) من طريق سادسة

    قوله: [أخبرني محمد بن وهب].هو محمد بن وهب الحراني، صدوق، أخرج حديثه النسائي.
    [عن محمد بن سلمة].
    هو محمد بن سلمة الحراني، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهذا في طبقة شيوخ شيوخ النسائي، وهو غير محمد بن سلمة المرادي المصري الذي هو من شيوخ النسائي؛ لأنه إذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخه فالمراد به: المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخ شيوخه فالمراد به الحراني، عن..
    [عن ابن إسحاق].
    هو محمد بن إسحاق المدني، صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن محمد بن الزبير عن أبيه عن رجل من أهل البصرة عن عمران بن حصين].
    وهذا فيه أن هناك واسطة بين الزبير وعمران بن حصين، وقد جاء في بعض الروايات أن ذلك الرجل هو الحسن البصري، وهو من أهل البصرة، والحسن البصري كما هو معلوم ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    حديث عمران بن حصين: (لا نذر في غضبٍ، وكفارته كفارة يمين) من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن محمد بن الزبير الحنظلي أخبرني أبي: (أن رجلاً حدثه أنه سأل عمران بن حصين رضي الله عنهما عن رجل نذر نذراً لا يشهد الصلاة في مسجد قومه، فقال عمران: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا نذر في غضبٍ، وكفارته كفارة يمين)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق سابعة، وهو مثل ما تقدم، وفيه ذكر السبب وأنه غضب، وقال: إنه لا يشهد الصلاة في مسجد قومه، فقال: إن عليه كفارة يمين.
    قوله: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب].
    هو إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وقد مر ذكره.
    [عن مسدد].
    هو مسدد بن مسرهد، ثقة، أخرج حديثه البخاري ، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الوارث].
    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن الزبير عن أبيه عن رجل عن عمران].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث عمران بن حصين: (لا نذر في معصية ولا غضب ...) من طريق ثامنة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن حرب حدثنا أبو داود حدثنا سفيان عن محمد بن الزبير عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية ولا غضب، وكفارته كفارة يمين)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق أخرى: [(لا نذر في معصيةٍ ولا غضب، وكفارته كفارة يمين)].
    قوله: [أخبرنا أحمد بن حرب].
    هو أحمد بن حرب الموصلي، صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي داود].
    وهو: عمر بن سعد الحفري الكوفي، ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سفيان الثوري].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن الزبير عن الحسن عن عمران بن حصين].
    محمد بن الزبير والحسن، وهذا فيه: أن محمد بن الزبير يروي عن الحسن، ومحمد بن الزبير هو الذي مر بنا أنه متروك.
    لكن هناك كان عن أبيه عن رجل من أهل البصرة، وهنا محمد بن الزبير عن الحسن، وليس فيه الأب.
    فما ندري هل هو يروي عنه أو أنه سقط منه الأب، وعلى كل حال محمد بن الزبير لا عبرة به.

    حديث عمران بن حصين: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق تاسعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هلال بن العلاء حدثنا أبو سليم وهو عبيد بن يحيى حدثنا أبو بكر النهشلي عن محمد بن الزبير عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في المعصية، وكفارته كفارة اليمين)، خالفه منصور بن زاذان في لفظه].أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق تاسعة، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا هلال بن العلاء].
    هلال بن العلاء، صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي سليم].
    وهو عبيد بن يحيى ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [عن أبي بكر النهشلي].
    أبو بكر النهشلي هو عبد الله بن قطاف، صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن محمد بن الزبير عن الحسن عن عمران بن حصين].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث عمران بن حصين: (لا نذر لابن آدم فيما لا يملك..) من طريق عاشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم أخبرنا هشيم أخبرنا منصور عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه قال: قال -يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم-: (لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا في معصية الله عز وجل)، خالفه علي بن زيد فرواه عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة].أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق أخرى، ولكن لفظه يختلف عما تقدم: [(لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا في معصية الله)]، وهذا ثابت، وليس فيه ذكر محمد بن الزبير الذي فيه ضعف، بل جاء بدله منصور بن زاذان، وهو ثقة، عابد.
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].
    هو: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن هشيم].
    هو: هشيم بن بشير الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو: منصور بن زاذان، وهو ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قيل عنه لعبادته وطاعته: لو قيل لـمنصور بن زاذان: أن ملك الموت بالباب ما كان بإمكانه أن يزيد شيئاً؛ لأنه مداوم على العبادة والطاعة.
    [عن الحسن عن عمران بن حصين].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث عبد الرحمن بن سمرة: (لا نذر في معصية ...) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن محمد بن علي حدثنا خلف بن تميم حدثنا زائدة حدثنا علي بن زيد بن جدعان عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا نذر في معصيةٍ، ولا فيما لا يملك ابن آدم)، قال أبو عبد الرحمن: علي بن زيد ضعيف، وهذا الحديث خطأ، والصواب: عمران بن حصين، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من وجه آخر].أورد النسائي الحديث عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله، فقال النسائي: إنه خطأ والصواب: عمران بن حصين، يعني بدل عبد الرحمن بن سمرة.
    قوله: [أخبرنا علي بن محمد بن علي].
    علي بن محمد بن علي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن خلف بن تميم].
    خلف بن تميم، صدوق، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [عن زائدة].
    هو زائدة بن قدامة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن علي بن زيد بن جدعان].
    هو علي بن زيد بن جدعان، ضعيف، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة].
    الحسن، وقد مر ذكره، عن عبد الرحمن بن سمرة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    حديث عبد الرحمن بن سمرة: (لا نذر في معصية..) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثني أيوب أخبرنا أبو قلابة عن عمه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك بن آدم)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو بلفظ: [(لا نذر لابن آدم في معصية الله، ولا فيما لا يملك)].
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان عن أيوب عن أبي قلابة].
    وقد مر ذكر هؤلاء إلا أبا قلابة، وهو عبد الله بن زيد الجرمي، ثقة، كثير الإرسال، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمه].
    هو أبو المهلب الجرمي، ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمران بن حصين].
    عمران بن حصين، وقد مر ذكره.


    ما الواجب على من أوجب على نفسه نذراً فعجز عنه؟


    شرح حديث: (رأى النبي رجلاً يهادى بين رجلين ... قال: إن الله غني عن تعذيب هذا نفسه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما الواجب على من أوجب على نفسه نذراً فعجز عنه؟أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا حماد بن مسعدة عن حميد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً يهادى بين رجلين، فقال: ما هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي إلى بيت الله، قال: إن الله غنيٌ عن تعذيب هذا نفسه، مره فليركب)].
    يقول النسائي رحمه الله: ما الواجب على من نذر أو من أوجب على نفسه نذراً لا يطيقه؟ الجواب على هذا السؤال الذي في الترجمة: أنه يفعل الشيء الذي يطيقه، ولكن عليه كفارة يمين كما سبق في بعض الأحاديث المطلقة: (كفارة النذر كفارة يمين)، إذا كان غير قادر عليه، أو كان في معصية، أما إذا كان قادراً عليه، وهو طاعة لله عز وجل فيجب عليه الوفاء به، ولا يغني عنه أن يكفر.
    أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجلٍ يهادى بين رجلين)]، معناه: معتمد على اثنين، لا يستطيع أن يمشي بمفرده من شدة التعب، والنصب، والمشقة، [(فقال: ما هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي إلى بيت الله، قال عليه الصلاة والسلام: إن الله غنيٌ عن تعذيب هذا نفسه)]، يعني: كونه نذر أن يتقرب إلى الله عز وجل بهذه القربة، وهو بذلك يعذب نفسه، بهذا الذي نذره، كونه يمشي على هذا الوضع وعلى هذه الهيئة التي هي ظاهرة في الإنهاك والمشقة، ثم قال: [(مره فليركب)]، أي: لا ينفذ الشيء الذي لا يطيقه، والذي يلحقه به مضرة شديدة يصل فيها إلى مثل هذا الوضع الذي جاء في الحديث، قال: (مره فليركب)، ولكن عليه كفارة يمين، كما جاء في بعض الأحاديث الأخرى الدالة على أن كفارة النذر كفارة يمين، وهو حديث مطلق، وكذلك في بعض الأحاديث الأخرى التي فيها: (من نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر معصية فكفارته كفارة يمين).
    الحاصل: أن عليه أن يفعل الشيء الذي يطيقه، ولا يعذب نفسه بإتعابها بشيء لا تطيقه، ولكن عليه كفارة يمين، وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه قصة أخت عقبة بن عامر التي قال: (مرها فلتمش ولتركب)، تمشي ما أمكنها أن تمشي، وتركب إذا عجزت، ولكن عليها إذا ركبت لعجزها كفارة يمين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (رأى النبي رجلاً يهادى بين رجلين ... قال: إن الله غني عن تعذيب هذا نفسه)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن حماد بن مسعدة].
    حماد بن مسعدة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد].
    هو حميد بن أبي حميد الطويل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حديث: (مر رسول الله بشيخ يهادى... قال: إن الله غني عن تعذيب هذا نفسه) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا خالد حدثنا حميد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيخٍ يهادى بين اثنين، فقال: ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي، قال: إن الله غنيٌ عن تعذيب هذا نفسه، مره فليركب، فأمره أن يركب)].أورد النسائي حديث أنس من طريق ثانية، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـالزمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد عن ثابت عن أنس].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث أنس: (أتى رسول الله على رجل يهادى ... فقال: إن الله لا يصنع بتعذيب هذا نفسه شيئاً) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن حفص حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رجلٍ يهادى بين ابنيه، فقال: ما شأن هذا؟ فقيل: نذر أن يمشي إلى الكعبة، فقال: إن الله لا يصنع بتعذيب هذا نفسه شيئاً، فأمره أن يركب)].أورد النسائي حديث أنس رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن حفص].
    هو أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد، صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أبيه]. وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، بزيادة ابن ماجه على الذين رووا عن ابنه.
    [عن إبراهيم بن طهمان].
    إبراهيم بن طهمان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد الطويل عن أنس بن مالك].
    وقد مر ذكرهما.


    الاستثناء


    شرح حديث: (من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فقد استثنى)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاستثناء.أخبرنا نوح بن حبيب حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف على يمينٍ فقال: إن شاء الله فقد استثنى)].
    أورد النسائي الاستثناء، وهذه الترجمة مكررة سبق أن مرت قريباً بلفظ الاستثناء، وأورد النسائي حديث أبي هريرة: [(من حلف فقال في يمينه: إن شاء الله فقد استثنى)]، أي: يكون بهذا الاستثناء في سعة من أمره وبالخيار: إن شاء نفذ، وإن شاء لم ينفذ ولا كفارة عليه؛ لأنه باستثنائه تخلص من تبعة اليمين إذا أراد ألا ينفذها؛ لأنه أسند الأمر إلى مشيئة الله عز وجل، فإن شاء ذلك الإنسان أن يمضي أمضى حيث يكون طاعة، وإن شاء لم يمض ما حلف عليه، ولا كفارة عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فقد استثنى)

    قوله: [أخبرنا نوح بن حبيب].نوح بن حبيب، ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر].
    معمر بن راشد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن طاوس].
    هو عبد الله بن طاوس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    وهو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

    شرح حديث: (...لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه قال سليمان: (لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف بهن، فلم تلد منهن إلا امرأةٌ واحدةٌ نصف إنسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام، وأنه قال: (لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كل واحدةٍ منهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، فلم تأت منهن إلا واحدةٌ أتت بشق غلام، قال عليه الصلاة والسلام: لو قال: إن شاء الله لم يحنث).
    قوله: [(لم يحنث، وكان دركاً لحاجته)]، يعني: أدرك حاجته وحصل ما يريد، وهو ذلك الشيء الذي حلف عليه وهو إتيان أولاد بهذا العدد يجاهدون في سبيل الله، وقد ورد الحديث من طريق أخرى وفيه: (لو قال: إن شاء الله لجاهدوا فرساناً في سبيل الله)، أي: هؤلاء التسعون الذين تأتي هؤلاء هذه النسوة التسعون، والحديث سبق أن مر بنا، وعرفنا أن من فقهه ما أعطى الله سليمان من القوة بحيث يطوف في ليلة واحدة على تسعين امرأة، وكذلك أيضاً الحرص على الجهاد في سبيل الله، وكان هذا الحرص هو الذي دفعه إلى هذا، ليأتي له أولاد يجاهدون في سبيل الله، وفيه: الاستثناء لليمين، وأن الإنسان يستثني في يمينه، وهذا يدلنا على أن الاستثناء إذا أضيف إلى اليمين ولو كان عن طريق التلقين فأتى به فإنه ينفع؛ لأن الكلام متصل، وقد سبق أن مر بنا ذكر هذا الحديث في ترجمة سابقة، وأن الاستثناء ينفع في مثل ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: [(لو قال: إن شاء الله)]، فدل على أنه لو أخذ بهذا الذي ذكر به، أو ذكر له، نفعه، وسليمان بن داود عليه الصلاة والسلام لم يعرض عن الاستثناء رغبة عنه، وإنما لعله لما انشغل بالجهاد في سبيل الله، والحرص على إيجاد المجاهدين في سبيل الله عز وجل، ثم أيضاً ليس في الحديث دليل على أن من حلف على أن يطأ نساءه، وأن تأتي كل واحدة منهن بولد أو كذا، أن ذلك يتحقق؛ لأن هذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم خصوصية بحق سليمان بن داود، فلا يقال: إن إنساناً لو حلف مثل هذا الحلف واستثنى، فإنه يحصل له ما يريد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو قال: إن شاء الله لجاهدوا فرساناً في سبيل الله)؛ لأن هذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه يأتي هذا العدد، [(لو قال: إن شاء الله)]، إنما هو خاص بهذه القصة، ولا يقال: إن كل شيء يشبهها يكون مثلها في أنه يحصل له ما يريد، فإن ذلك ليس بلازم، وليس بمتعين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (...لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته)


    قوله: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم].هو العباس بن عبد العظيم العنبري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة].
    وكل هؤلاء مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    قوله: [عن أبي هريرة رفعه]، هي بمعنى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، يعني: رفعه أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكلمة (رفعه) كناية عن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثلها: يرفعه، ينميه، يبلغ به، كل هذه عبارات تدل على الرفع، وهي تقوم مقام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا.


    الأسئلة


    وكيل الشراء مؤتمن على الثمن والمثمن

    السؤال: جزاك الله خيراً، رجل كلف رجلاً آخر بشراء بضاعة معينة بثمن معين، وأعطى له المال مقدماً، فاشترى له البضاعة المعينة بأقل من الثمن المعين، فهل له أن يأخذ ما تبقى من المال بدون إبلاغ صاحبه؟

    الجواب: لا، لا يجوز له ذلك؛ لأنه ما دام أنه أعطاه ليشتري بهذا السعر، وتبين أن السعر أنقص، وبقي من الذي دفعه له شيء، فإن عليه أن يرجعه إليه.


    من استثنى في حلفه ونوى بقلبه ألا يفعله

    السؤال: إذا حلف واستثنى، لكن نوى في قلبه ألا يفعله، هل هذا جائز؟

    الجواب: الاستثناء موجود، لكن ما فائدته ما دام أنه لا يريد أن يفعل، معناه: أنه عندما حلف وقال: إن شاء الله، وهو لا يريد أن يفعل وفي نيته ذلك من أجل أن غيره يسمع حلفه وتأكيده لذلك الشيء، وإن كان لا يريد أن يفعل، لا بأس بذلك؛ لأنه يمكن للإنسان أن يحلف على شيء يريد أن يخوف به إنساناً، كأن يخوف ولده، ويحلف بأنه سيفعل كذا، وهو لا يريد أن يفعل، وإنما يقصد من وراء ذلك التخويف، فهو مستثن ولا كفارة عليه، وإن كان ناوياً أنه لا يفعل، وإنما أتى باليمين وأضاف إليها الاستثناء ليخوف، أو ليرغب ذلك الشخص الذي يخاطبه، لا سيما إذا كان ابنه يريد أن يستفيد من هذا الحلف، ويحقق ما يريد وهو لا يفعل الشيء الذي حلف عليه، وهو يريد ألا يفعل، فهذا لا بأس بذلك.


    مدعم صحابي ولو حصلت منه المعصية


    السؤال: في حديث سبق عن مدعم، هل مدعم في حديث أبي هريرة يعد من جملة الصحابة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (إنه في النار)؟

    الجواب: لا شك أنه من جملة الصحابة؛ وكونه ارتكب معصية لا يخرجه عن أن يكون صحابياً، ولكن هذا يدل على خطورة الغلول من الغنيمة، ولو كان شيئاً يسيراً، فهو صحابي، وإن كان حصلن له هذه المعصية.


    قول: بأبي وأمي تحتمل القسم، وتحتمل التفدية

    السؤال: قول: بأبي وأمي هل هو من الحلف بغير الله؟

    الجواب: إذا كان المقصود به اليمين فهو يمين، وإن كان المقصود به الفداء أو التفدية، فلا يكون يميناً؛ لأنه مر بنا أن قول: بأبي وأمي بمعنى: مفدى بأبي وأمي، فإذا كان المقصود به ذكر التفدية، فهذا ليس من قبيل القسم بشيء، وإن كان المقصود به اليمين والقسم، فهو حلف بغير الله، وهو لا يجوز.


    الوفاء بنذر الطاعة والكفارة بنذر المعصية


    السؤال: بالنسبة لنذر الغضب، أحياناً يكون نذراً في طاعة؟
    الجواب: الحديث الذي فيه ذكر الغضب فيه كلام فيه محمد بن الزبير ، لكن إذا وجد من الإنسان النذر، فإنه يجب عليه الوفاء إن كان طاعة، وإن كان معصية يكفر كفارة يمين.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #484
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإيمان والنذور

    (481)

    - باب الثالث من الشروط في المزارعة والوثائق - باب ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع



    شرع لمن استأجر أجيراً أن يعلمه أجره قبل الشروع في العمل، ومن استأجر أجيراً على طعامه سنة وسنة أخرى على شيء آخر جاز له ذلك؛ لأن هذا فيه معلومية المدة والأجرة إلا أنها تكون في سنة كذا وفي السنة الثانية كذا.

    كتاب المزارعة. الثالث من الشروط فيه المزارعة والوثائق



    شرح أثر أبي سعيد: (إذا استأجرت أجيراً فأعلمه أجره)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب المزارعة. الثالث من الشروط فيه المزارعة والوثائق.أخبرنا محمد بن حاتم حدثنا حبان أخبرنا عبد الله عن شعبة عن حماد عن إبراهيم عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: (إذا استأجرت أجيراً فأعلمه أجره)].
    أورد النسائي كتاب المزارعة، وجاء في أول باب فيه الثالث من الشروط فيه المزارعة والوثائق.
    الأحاديث التي ستأتي تتعلق بالمزارعة، وبعض النسخ فيها: كتاب المزارعة، وبعضها فيها هذا الباب بهذه الصيغة، وعلى هذا فيكون تابعاً للكتاب الذي قبله، الذي هو كتاب الأيمان والنذور، ولهذا فإن الذين وضعوا الفهارس جعلوا هذا باباً من أبواب كتاب الأيمان والنذور، وأحالوا على كتاب الأيمان والنذور؛ لأنه جاء فيه: الثالث من الشروط فيه المزارعة والوثائق، وكلمة الثالث هذه تفيد بأنه متصل بما قبله، وأنه تابع لما قبله، قال المحشي: وكأنه اعتبر أن أبواب النذور وأبواب الأيمان أنها قسمين، وجاء بعدها الثالث الذي يتعلق بالمزارعة والوثائق؛ قال: لأن كلاً منهما فيه تعليق؛ لأن الشروط فيه تعليق، والنذر فيه تعليق، واليمين يعني يكون فيه تعليق، يكون تعليقاً على شيء، فكأن الكل من باب واحد، من جهة أن كلاً فيه تعليق، وإن كان هذا الذي هو كتاب الأيمان شيئاً مستقلاً، والنذور شيء مستقل، والمزارعة شيء مستقل، إلا أن صلة النذور بالأيمان واضحة جلية؛ لأن بينهما تشابهاً وارتباطاً في الأحكام، لا سيما في الكفارة، كفارة النذر وكفارة اليمين، وأما المزارعة فلا ارتباط لها بالأيمان والنذور، لكن الذي جعل المحشي يقول هذا، أنه قال: الثالث من الشروط، ومعناه أنه تابع لشيء متقدم، ولم يتقدم إلا الأيمان والنذور، قال: فكأنه اعتبر الأيمان والنذور الأول والثاني، والثالث من الشروط المزارعة والوثائق، بجامع أن الذي يجمع بينها كلها أنها كلها فيها تعليق، وكلها فيها شروط، وكلها معلق بشرط أو معلق بشيء، اليمين تكون معلقة في الغالب، والنذر كذلك يكون معلقاً في الغالب، والمزارعة فيها تعليق وشروط، والأحاديث التي ستأتي كلها في المزارعة.
    والمزارعة هي إعطاء الأرض لمن يزرعها بشيء معلوم النسبة مما يخرج منها، يعني من ثلث أو ربع أو خمس أو سدس أو ما إلى ذلك، هذه هي المزارعة، وكثيراً ما يأتي في كتب الحديث والفقه الجمع بين المزارعة والمساقاة، والمساقاة هي دفع الشجر لمن يسقيه وله جزء معلوم النسبة من الثمرة، يعني ثلث أو ربع أو نصف أو ما إلى ذلك، فالمزارعة تتعلق بالزرع والأرض التي تزرع، ويكون للزارع جزء معلوم النسبة من النتاج، والمساقاة تتعلق بالشجر الموجود الذي يحتاج إلى سقي، ويكون للساقي جزء معلوم النسبة من ثمرة ذلك الشجر، فالمزارعة إنما هي على الأرض البيضاء تزرع، والمساقاة إنما تكون على الشجر الموجود الذي له ثمر، ويسقى بجزء معلوم النسبة مما يخرج منه.
    والأحاديث الصحيحة دلت على ثبوت المساقاة والمزارعة، فكل منهما ثابت، وكل منهما جاء فيه أحاديث، ومن أوضح ما جاء: أحاديث معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر، لليهود، حيث أبقاها على النصف مما يخرج منها، على أن لهم النصف من الثمرة، وهذه المساقاة، وكذلك المزارعة، يعني إذا زرع يعني مع الثمر أو مع النخل فإنه أيضاً يكون على النصف، وكذلك لو كانت الأرض بيضاء واستؤجرت لزرعها على أن يكون للزارع جزء معلوم النسبة مما يخرج منها، كل ذلك صحيح وسائغ.
    أورد النسائي أثر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إذا استأجر أحدكم أجيراً فليعلمه أجره.
    يعني: يخبره بالأجرة، ويتفق معه على الأجرة، وهذا أمر لا بد منه.
    يعني أن الإنسان عندما يستأجر فالذي ينبغي له أنه يتفق معه على مقدار الأجرة حتى لا يحصل لبس، وحتى لا يحصل خلاف، ولو حصل خلاف فإنه يرجع إلى أجرة المثل حيث لا تعين، لكن تعيينها يقطع النزاع ولا يحتاج الناس إلى أن يرجعوا إلى أجرة المثل، ولا إلى الخبرة، ولا يكون بينهم شقاق ونزاع، ولهذا يعرفون المؤاجرة بأنه لا بد فيها من بيان الأجر بأجرٍ معلوم، يعني أن تشتمل على عمل معلوم وعلى أجر معلوم.
    قوله: (إذا استأجرت أجيراً) قد يكون عاماً في عموم الإجارة، وقد يكون خاصاً حيث وضعه النسائي في المزارعة، والذي يبدو أنه عام يعني في المزارعة وغيرها، أي أنه يشمل المزارعة ويشمل غير المزارعة.

    تراجم رجال إسناد أثر أبي سعيد: (إذا استأجرت أجيراً فأعلمه أجره)


    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم].هو محمد بن حاتم بن نعيم المروزي ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن حبان].
    حبان، هو: حبان بن موسى المروزي، ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي .
    [عن عبد الله].
    عبد الله، هو عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد].
    هو: حماد بن أبي سليمان، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وفي الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن إبراهيم].
    إبراهيم هو: ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، الفقيه، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سعيد].
    هو أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر أن إبراهيم لم يسمع من أبي سعيد، وعلى هذا فيكون مرسلاً، ويكون منقطعاً.

    شرح أثر الحسن البصري: (أنه كره أن يستأجر الرجل حتى يعلمه أجره)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد أخبرنا حبان أخبرنا عبد الله عن حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن: (أنه كره أن يستأجر الرجل حتى يعلمه أجره)].أورد النسائي أثراً عن الحسن البصري، وهو مثل ما تقدم، أنه كره أن يستأجر الرجل حتى يعلمه أجره، يعني: قطعاً للنزاع، ولكنه لو لم يعلمه أجره وأعطاه وأرضاه فإنه لا بأس بذلك، المحظور هو ما يحصل من التنازع والخصومات بسبب عدم التعيين، والأصل هو أن يعين وأن يبين، لكنه إذا لم يبين فيصار إلى أن يعطيه ويرضيه أو يرجع في ذلك إلى أجرة المثل؛ لأنه إذا حصل الخلاف فلا بد من فصل الخلاف، لكن المطلوب هو الحيلولة دون وجود الخلاف الذي ينشأ ويطرأ وذلك بأن يتفق معه على أجرٍ عند الدخول وعند الاتفاق.
    وهذا أثر أن الحسن كره أن يستأجر أجيراً حتى يعلمه بأجره، أي يسمي له الأجر ويتفق معه عليه قطعاً للنزاع.

    تراجم رجال إسناد أثر الحسن البصري: (أنه كره أن يستأجر الرجل حتى يعلمه أجره)

    قوله: [أخبرنا محمد].محمد هو محمد بن حاتم الذي مر ذكره.
    [عن حبان].
    في تحفة الأشراف: سويد بن نصر بدل حبان.
    وعلى كل فهذا لا يؤثر، سواء كان سويداً أو كان حبان فكل منهما ثقة، يعني سويد بن نصر المروزي وحبان بن موسى المروزي كل منهما ثقة، إلا أن حبان بن موسى أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأما سويد بن نصر فأخرج له الترمذي والنسائي.
    [عن عبد الله عن حماد بن سلمة].
    عبد الله مر ذكره، وحماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن يونس].
    هو يونس بن عبيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن].
    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح أثر حماد بن أبي سليمان في استئجار الأجير على طعامه


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم أخبرنا حبان أنبأنا عبد الله عن جرير بن حازم عن حماد -هو ابن أبي سليمان -: أنه سئل عن رجل استأجر أجيراً على طعامه؟ قال: لا، حتى تعلمه].أورد النسائي أثراً عن حماد بن أبي سليمان: أن رجلاً استأجر أجيراً على طعامه يعني: الأجرة طعامه، الطعام الذي يقدم له يأكله هذه أجرته، فقال: لا، حتى تعلمه، يعني: يعلمه بالطريقة التي يتم بها إعطاؤه الطعام، هل يأكل معه ويطعمه من طعامه، أو أنه يطعمه طعاماً يخصه؟ ثم أيضاً مقدار الطعام الذي يعطى إياه يعني بحيث يحدد كذا وكذا وكذا حتى تكون الأجرة معلومة، وحتى لا ينقطع، وحتى لا يحصل النزاع والشقاق بعدم التعيين، واستئجار الأجير بطعامه سائغ، لكن يحتاج الأمر إلى البيان الذي ينقطع معه الخلاف والنزاع، وتدفع به الخصومات، وقد جاء في القرآن الكريم مؤاجرة موسى عليه الصلاة والسلام، مع والد زوجته على أن يأجره ثمان حجج، يعني استأجر بعمله أو بكده وبفعله، وهذا ليس من هذا القبيل، يعني هذا مثال ليس لقضية الطعام، هذه مسألة أخرى، يعني لا علاقة لها بالطعام، هذه مسألة أخرى غير ما نحن فيه، فهي ليست من هذا القبيل، وإنما الأصل هو جواز ذلك حتى يأتي دليلٍ يمنع، لكن يحتاج إلى بيان المقدار والكيفية التي يتم بها تقديم الطعام.
    وبعض العلماء يمنع من ذلك ويقول: إنه لا يجوز أن يستأجر أجيراً بطعامه؛ لأن هذا شيء الناس يتفاوتون فيه، لكن إذا حصل البيان وحصل الإيضاح والبيان يزول الإشكال، ومن العلماء من قال: إنه يجوز في المرضعة فقط هي التي تستأجر على طعامها، وقد يكون لهم مقصد في أن تكون الأجرة الأكل، وهو أن يحصل اللبن وحتى يحصل الدر للرضيع؛ لأنهم لو أعطوها نقوداً فيمكن أن تقتر على نفسها فيتبع ذلك إلحاق المضرة بالجنين أو بالرضيع، فمن العلماء من منعه وأجازه في المرضعة الظئر التي ترضع، قالوا: لأن هذا لا يكون فيه مشاحة؛ لأنهم في الغالب يغدقون عليها لتدر اللبن لرضيعهم، وقد يكون لهم قصد وهو أن يتحققوا بأن الأم استفادت حتى يستفيد الابن تبعاً لاستفادتها.

    تراجم رجال إسناد أثر حماد بن أبي سليمان في استئجار الأجير على طعامه

    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم عن حبان عن عبد الله عن جرير بن حازم].مر ذكر الثلاثة، وجرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد بن أبي سليمان].
    حماد بن أبي سليمان مر ذكره.

    شرح أثر قتادة وحماد: (في رجل قال لرجل: أستكري منك إلى مكة بكذا وكذا...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [في رجل قال لرجل: أستكري منك إلى مكة بكذا وكذا، فإن سرت شهراً -أو كذا وكذا شيئاً سماه- فلك زيادة كذا وكذا، فلم يريا به بأساً، وكرها أن يقول: استكري منك بكذا وكذا، فإن سرت أكثر من شهرٍ نقصت من كرائك كذا وكذا].أورد النسائي أثر عن قتادة وحماد بن أبي سليمان في رجل استأجر من رجلٍ إلى مكة وقال: أستكرى إلى مكة بكذا وكذا، وقال له: فإن سرت شهراً أو كذا وكذا شيئاً سماه فلك زيادة كذا وكذا، فلم يريا به بأساً.
    هي سرت بالفتح؛ لأنه استكراه على أن يذهب إلى مكة مثلاً بشيء، إما يوصل بضاعة أو يوصل يعني شيئاً أو رسالة أو ما إلى ذلك.
    وقوله: (فلم يريا به بأساً)؛ لأن المقصود الاستعجال، وأنه يحصل زيادة من أجل الاستعجال؛ لأن هذا أمر مقصود، يعني الإيجار بكذا وكذا، لكن إن حصل الاستعجال فإنه يحصل زيادة، يعني لا بأس بذلك، لم يريا بذلك بأساً.
    أما عكس ذلك، فقد كرها أن يقول: أستكري منك بكذا وكذا، فإن سرت أكثر من شهر نقصت من كرائك كذا وكذا.
    لأن هذا فيه ظلم؛ لأنه يزيد في السير وينقص في الأجر، فأجاز ذاك؛ لأن فيه مصلحة، ومنع هذا؛ لأن فيه مضرة وظلماً.

    تراجم رجال إسناد أثر قتادة وحماد (في رجل قال لرجل: أستكري منك إلى مكة بكذا وكذا...)


    قوله: أخبرنا محمد حدثنا حبان أخبرنا عبد الله عن معمر، عن حماد، وقتادة.كلهم مر ذكرهم إلا قتادة وهو: ابن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح أثر عطاء بن أبي رباح في استئجار الأجير سنة بطعامه

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم أخبرنا حبان أخبرنا عبد الله عن ابن جريج قراءةً قال: قلت لـعطاء: عبد أؤاجره سنة بطعامه وسنةً أخرى بكذا وكذا، قال: لا بأس به، ويجزئه اشتراطك حين تؤاجره أياماً، أو آجرته وقد مضى بعض السنة، قال: إنك لا تحاسبني لما مضى].أورد النسائي أثراً عن عطاء وهو ابن أبي رباح، وقد سأله ابن جريج قلت لـعطاء: عبد أؤاجره سنةً بطعامه وسنةً أخرى بكذا وكذا، قال: لا بأس به.
    يعني: سنة يستأجره بطعامه على أنه أجرته، لكن تكون معينة كما عرفنا من قبل، وسنةً بكذا وكذا يعني معيناً، فقال: لا بأس بذلك؛ لأن هذا كله معلوم، المدة معلومة والأجرة معلومة، إلا أنها في سنة تكون كذا، وفي سنة تكون كذا، ولا بأس بذلك.
    والعبارات التي تأتي فيها شيء من الخفاء.
    ثم قال: ويجزئه اشتراطك حين تؤاجره أياماً، قال المحشي: إن السنة ليست بلازمة، وإنما يجزئ أن يكون ذلك بأيام، وهذا غير واضح؛ لأنه إذا استأجر منه على مدة سنة فالإجارة عقد لازم فليس لواحدٍ منهم أن يفسخ بمفرده، بل لا بد من اتفاق الطرفين على الفسخ، فيترتب على ذلك إشكال ويترتب على ذلك خصومات.
    ثم قال: أو آجرته وقد مضى بعض السنة، قال: إنك لا تحاسبني لما مضى.
    أنا ما يظهر لي هذا المعنى، وقد ذكر السندي أن هذا الكلام من كلام ابن جريج وأيضاً قال: كأنه افترض أنه صور المسألة مع عطاء، ولهذا قال في آخر الكلام: لا تحاسبني فيما مضى، يعني العبارة غير واضحة.

    تراجم رجال إسناد أثر عطاء بن أبي رباح في استئجار الأجير سنة بطعامه


    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم عن حبان عن عبد الله عن ابن جريج].مر ذكرهم إلا ابن جريج فهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.


    ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر


    شرح حديث: (نهى رسول الله عن كراء الأرض ..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إبراهيم أخبرنا خالد -هو ابن الحارث - قال: قرأت على عبد الحميد بن جعفر أخبرني أبي عن رافع بن أسيد بن ظهير عن أبيه أسيد بن ظهير رضي الله عنهما: (أنه خرج إلى قومه إلى بني حارثة فقال: يا بني حارثة! لقد دخلت عليكم مصيبة، قالوا: ما هي؟ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كراء الأرض، قلنا: يا رسول الله! إذا نكريها بشيء من الحب، قال: لا، قال: وكنا نكريها بالتبن، فقال: لا، وكنا نكريها بما على الربيع الساقي، قال: لا، ازرعها أو امنحها أخاك) خالفه مجاهد].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر].
    محصل ما تدل عليه الأحاديث أنه إذا كانت المزارعة بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها وهي ثلث أو ربع أو نصف أو ما إلى ذلك فهي سائغة، وكذلك إذا كانت بشيء معلوم كأجرة يدفعها المستأجر للمؤجر، وهي معلومة، ثم يأخذ الأرض في مقابل هذه الأجرة فذلك سائغ، فإذا كانت في شيء معلوم إما معلوم المقدار يدفعه المستأجر للمؤجر في مقابل استئجاره الأرض، أو المستأجر لا يدفع شيئاً، ولكن يتفق مع مؤجر الأرض على أن له النصف مما يخرج من الزرع، أو الثلث، أو الربع، أو أقل أو أكثر، المهم أن يكون معلوم النسبة، ولا يكون شيئاً معيناً من الخارج، أو يكون نصفاً أو سدساً ومعه شيء آخر معين من الخارج، كأن يقول: الذي تنتج البقعة الفلانية، أو الذي يكون على السواقي، أو الذي يكون على المكان الذي يجتمع فيه الماء وقريب من الماء، هذا هو الذي لا يجوز، فيجوز استئجار الأرض بشيء معلوم يدفعه المستأجر للمؤجر ويكون حاصل الأرض كلها له أي: للمستأجر أو لا يدفع شيئاً، ولكن يتفق مع مالكها على أن يزرعها بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها، ليس بشيء معلوم مما يخرج منها، هذا سائغ، وهذا هو الذي تدل عليه الأحاديث: حديث قصة خيبر أنه عاملهم على النصف من الثمر، والمساقاة مثل المزارعة؛ لأنها كلها تأجير بنصف ما يخرج أو ثلث ما يخرج أو ربع ما يخرج، أو ما إلى ذلك، فإذا كانت الأجرة شيئاً معلوماً مما يخرج بأن يقول مثلاً: لي من الزرع ألف صاع والباقي لك، لا يجوز هذا؛ لأنه يمكن ألا يخرج إلا ألف صاع، يعني يمكن الزرع كله يصير هذا المقدار ثم يحوزه أحدهما والثاني يتعب ولا يحصل شيئاً، أو يقول: ما تنتجه البقعة الفلانية، يعني هذه البقعة الذي يخرج منها يكون لي والباقي لك، هذا أيضاً لا يجوز؛ لأنه يمكن ألا يخرج إلا في هذه البقعة، فيحوز الزرع أو يحوز الفائدة واحد منهما، ويكون ذاك ذهب عمله بدون مقابل، أو يقول: الذي على السواقي يعني مجرى الماء الذي كان نابتاً عليه هذا يكون لي، أيضاً كذلك لا يجوز؛ لأن تعيين شيء معين سواءً كان المقدار مكيلاً أو بقعة يعني نتاجها على أن يكون له، هذا غير جائز وغير سائغ، أما إذا كان معلوماً وكان خارج الزرع بأن دفع المستأجر شيئاً أو بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها، فهذا هو الذي يسوغ ولا بأس به، والأحاديث التي وردت في هذا الباب في كراء الأرض كثيرة، وفيها اختلاف كثير، وبعضها يدل على أن النهي كان لغرض من الأغراض وهو الإشارة إلى أنه ما كان ينبغي لهم إذا استغنوا عن الأرض أن يؤجروها بل يعطوها لمن يحتاجها، ولا شك أن هذا خير لمن فعل ذلك، كونه يعطي ويمنح بالمجان هذا خير، لكن يجوز له أن يؤجر أرضه بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها، وبعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم قال: إن الذي أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه يكون خيراً له) ولا شك أنه إذا منح يكون خيراً له من أن يؤجر، والصلاة خيرٌ من النوم بلا شك، يعني التمثيل بأن هناك يعني شيئين بعضهما أفضل من بعض كالصلاة فلا شك أنها خيرٌ من النوم، وكون الإنسان يمنح خيراً من كونه يؤجر، كون الإنسان يعطي عطية خير من أن يؤجر، مثل الصلاة خير من النوم، النوم يستفيد منه الإنسان ولكن الصلاة أحسن منه، والتأجير يستفيد منه الإنسان والمنح أحسن منه، فهو مجرد تمثيل للشيء المتشابه.
    لكن إذا استأجر أو أجر وكان الإيجار سائغاً ولا محظور فيه فإنه لا بأس بذلك، والأحاديث التي ستأتي كلها تدور حول كراء الأرض والنهي عن كراء الأرض، وأنه إذا كان كذا يجوز، وإذا كان كذا لا يجوز، وسنأتي عليها واحداً واحداً.
    أولها: حديث أسيد بن ظهير رضي الله تعالى عنه أنه خرج إلى قومه إلى بني حارثة فقال: يا بني حارثة! لقد دخلت عليكم مصيبة، قالوا: ما هي؟ قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كراء الأرض، قلنا: يا رسول الله!).
    يعني: كانوا قبل يكرون أراضيهم ويأخذون عليها الأجرة.
    (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض، قلنا: يا رسول الله! إذاً نكريها بشيء).
    يعني قوله: مصيبة يعني أنهم كانوا يستفيدون من أراضيهم بالكراء، وقد بلغه النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذاً هذه مصيبة لهم أنه يضيع عليهم هذه الفوائد التي كانوا يستفيدونها من قبل.
    (قلنا: يا رسول الله، إذاً نكريها بشيءٍ من الحب؟ قال: لا).
    إذاً نكريها بشيء من الحب يعني: مقدار من الحب يعني، إذا كان المقصود به مما يخرج منها، فهذا لا يجوز وأمره واضح؛ لأنه كما قلت: يمكن ما يخرج إلا هذا المقدار المعين، أما لو كانت الأجرة من الخارج يعني أجرة يدفعها المستأجر كأن يكون عنده حب أو عنده دراهم أو دنانير أو عنده سيارة أو عنده أي شيء من أنواع الأموال فيدفعها أجرةً في مقابل استخدامه الأرض فلا بأس بذلك.
    (قال: لا، قال: وكنا نكريها بالتبن، فقال: لا).
    وهو نتيجة للحصيدة، يعني عندما تداس ويميز الحب من غيره الذي يكون علفاً للبهائم الذي هو التبن، فقال: لا.
    (وكنا نكريها بما على الربيع الساقي، قال: لا).
    يعني: الربيع الذي يسعد بالماء، والذي يعني يمشي معه في الماء، يعني: كأن يقول المؤجر: لي ما ينبت على السواقي، وما ينبت على مجرى المياه، وحول مجرى المياه فالرسول منع من ذلك، وهذا طبعاً لا يسوغ؛ لأنه قد لا ينبت إلا هذه البقعة فيكون الإنسان عمل بدون مقابل.
    (قال: لا، ازرعها، أو امنحها أخاك) وهذا إرشاد إلى ما هو الأكمل والأفضل، وهو كون الإنسان يزرع أو يمنح، وأما كونه يؤجر فهو خلاف الأولى، لكنه لو أجر وكان على وجه سائغ بأن يكون بشيء معلوم يدفعه المستأجر أو كان بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها فإنه لا بأس بذلك؛ لأن هذا يتيح للكل أن يستفيد؛ لأنه لو خرج صاع واحد يكون بينهم، ولو خرج ألف صاع يكون بينهم، لأنهم كلهم يستفيدون إذا كان بشيءٍ معلوم النسبة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن كراء الأرض)


    قوله: [أخبرنا محمد بن إبراهيم].هو محمد بن إبراهيم بن صدران، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
    [عن خالد قال: قرأت على عبد الحميد بن جعفر].
    خالد بن الحارث مر ذكره وعبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن رافع بن أسيد بن ظهير].
    وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبيه أسيد بن ظهير].
    وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    قال في آخره: [خالفه مجاهد].
    ثم قال: خالفه مجاهد وذكر الأثر الذي بعده وفيه مخالفة مجاهد.

    شرح حديث رافع بن خديج في النهي عن الحقل والمزابنة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا يحيى -وهو ابن آدم - حدثنا مفضل -وهو ابن مهلهل - عن منصور عن مجاهد عن أسيد بن ظهير رضي الله عنهما قال: جاءنا رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاكم عن الحقل، والحقل: الثلث والربع، وعن المزابنة، والمزابنة: شراء ما في رءوس النخل بكذا وكذا وسقاً من تمر)].أورد النسائي الحديث من طريق مجاهد عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الحقل).
    والحقل قيل: هو الإيجار بالثلث والربع، هذا تفسير، وفسر الحقل أو المحاقلة بأن الإنسان عندما يأتي ليشتري يدفع أوساقاً من الحب بأوساق مما يزرع، وهذا لا يجوز؛ لأن فيه ربى النسيئة، وأيضاً يكون نسيئة؛ لأنه يدفع أوساقا معلومة على أن يحصل مكانها أوسقا معلومة مما يخرج من الزرع، فيكون باع براً ببر، وهو نسيئة، هذا لا يجوز، لكن أن يكون على الثلث والربع فهذا سائغ وجائز، وهو من جنس المساقاة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر على النصف مما يخرج، لكن لعل المقصود من ذلك هو ما جاء في بعض الأحاديث: أن عدم الاستئجار بأي طريقة من الطرق أولى من التأجير، وأن المنح خير من التأجير، ويكون هذا فيه إرشادٍ إلى الأكمل وإلى الأفضل، لكن لا شك أنه محرم، وهو مثل المزابنة التي قال: إنه أوسق من التمر، يعني: في مقابل أوسق من شيء مما على رءوس النخل، وهذا لا يجوز؛ لأنه بيع ربوي بربوي، وأما مسألة المؤاجرة يعني بالثلث والربع فإنها سائغةً وجائزة ولا إشكال فيها، وأما ما جاء في بعض الأحاديث أنهم كانوا يؤجرون على الثلث والربع فقال: لا، امنحوها، فهو إرشادٌ إلى ما هو الأكمل والأفضل.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج في النهي عن الحقل والمزابنة


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
    [عن يحيى هو ابن آدم].
    هو يحيى بن آدم الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مفضل هو ابن مهلهل].
    مفضل بن مهلهل وهو ثقة، أخرج له مسلم والنسائي وابن ماجه .
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجاهد].
    هو مجاهد بن جبر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أسيد بن ظهير عن رافع بن خديج].
    أسيد بن ظهير وقد مر ذكره، ورافع بن خديج صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث رافع بن خديج في النهي عن الحقل والمزابنة من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة عن منصور قال: سمعت مجاهداً يحدث عن أسيد بن ظهير قال: أتانا رافع بن خديج رضي الله عنهم فقال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرٌ لكم، نهاكم عن الحقل، وقال: من كانت له أرض فليمنحها أو ليدعها، ونهى عن المزابنة، والمزابنة: الرجل يكون له المال العظيم من النخل فيجيء الرجل فيأخذها بكذا وكذا وسقاً من تمر)].أورد النسائي حديث رافع بن خديج من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحقل)وقال: (من كانت له أرض فليمنحها).
    يعني: يزرعها أو يمنحها ولا يؤجرها، ولا شك أن هذا خير وأفضل، لكن التأجير في أمر لا محذور فيه لا بأس به، وإنما يكون فيه بأس إذا كان فيه محذور وفيه مخالفة لما جاءت به السنة عن سول الله صلى الله عليه وسلم، وأما هذا فهو إرشاد إلى الأولى والأفضل والأكمل.
    (ونهى عن المزابنة، والمزابنة: الرجل يكون له المال العظيم من النخل فيجيء الرجل فيأخذها بكذا وكذا وسقاً من تمر).
    يعني إما يأخذ الذي على رءوس النخل بأوساق يأتي بها، وهذا يكون فيه الربا من حيث النسيئة، وإن كان أخذ منه الثمر كله بأوساق معلومة، أيضاً يكون فيه الربا في الفضل؛ لأنه قد جهل ذلك المقدار الذي على رءوس النخل، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #485
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المزارعة

    (482)

    - تابع باب ذكر الأحاديث المختلفـة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع [1]



    جاء الإسلام بكل خير، وحذر من كل ضير، وأمر بعمارة الأرض واستخراج خيراتها حتى تعم المصلحة، ومن عجز عن زراعة أرضه أرشده أن يتركها لأخيه يقوم عليها، ويستفيد من نتاجها، ولا يتركها عاقرة بدون استثمار، وحرم كل معاملة فيها غش أو ظلم للآخرين.

    تابع ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر


    شرح حديث رافع بن خديج: (نهانا رسول الله عن أمرٍ كان لنا نافعاً)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة عن منصور سمعت مجاهداً يحدث عن أسيد بن ظهير رضي الله عنهما أنه قال: أتانا رافع بن خديج رضي الله عنه، فقال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرٌ لكم، نهاكم عن الحقل، وقال: من كانت له أرض فليمنحها أو ليدعها، ونهى عن المزابنة، والمزابنة: الرجل يكون له المال العظيم من النخل، فيجيء الرجل فيأخذها بكذا وكذا وسقاً من تمر)].فالأحاديث التي أوردها النسائي في المزارعة وفي كراء الأرض كثيرة جداً، قد مر في الدرس الماضي بعضها، ونأتي اليوم وبعده على جملةٍ كبيرة من هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت في الدرس الماضي أن كراء الأرض أو استئجار الأرض للزراعة أن فيه تفصيلاً فمنه ما هو سائغ، ومنه ما لا يسوغ، فالذي لا يسوغ منه هو الذي يكون فيه جهالة، كأن يشترط أحدهما أي: صاحب الأرض أو العامل فيها أن يكون له ناحية معينة، أو ما يكون على حافة السواقي التي يمر بها الماء، أو يقول: إن له كذا مما يخرج من الأرض والباقي يكون للثاني، أو يكون بينهما على نسبةٍ يتفقان عليها، المهم أن واحداً منهما يشترط لنفسه شيئاً معيناً يختص به دون صاحبه، كل هذا لا يسوغ ولا يجوز، أما إذا كان في شيءٍ معلوم كأن يستأجر الأرض بنقود يدفعها لصاحب الأرض ثم يزرعها، وما يحصل منها فإنه يكون له أي: للزارع فيها، وحق المالك هو ما دفعه إليه من الأجرة التي استأجر بها أرضه، سواءً كان نقوداً أو غير نقود؛ لأنه يكون دفع الأجرة ثم استلم الأرض وانتفع فيها، وكل ما أخرجت الأرض يختص به، أو يستأجرها على جزءٍ معلوم النسبة مما يخرج منها، بأن يكون النصف للعامل والنصف لمالك الأرض، أو يكون له الثلث أو الربع أو السدس أو الخمس أو أي نسبة يتفقان عليها؛ لأنه بذلك كلٌ يستفيد، إذا حصل فائدة استفاد الكل سواءً كانت قليلة أو كثيرة؛ لأنه لو حصل صاع فيكون الصاع بينهما على النسبة التي يتفقان عليها، وإن كان بلغ ما بلغ من الكثرة فيكون على النسبة، فلا يستفيد واحد ويحرم الثاني، كل هذا سائغٌ وجائز ولا بأس به.
    إذاً فكراء الأرض أو استئجار الأرض حكمه فيه تفصيل: منه ما هو سائغ ومنه ما لا يسوغ، وقد ذكرت الأمثلة لما هو سائغ.
    ولما هو غير سائغ، الذي أورده النسائي أو أول الأحاديث التي أوردها النسائي من الأحاديث بعد الذي مر في الدرس الفائت حديث رافع بن خديج:(نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرٌ لكم).
    ثم قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعاً) يعني: أنهم كانوا ينتفعون من أراضيهم بتأجيرها على ما كانوا يفعلونه، وقد جاء في بعض الأحاديث أنهم كانوا يستأجرون بأشياء مجهولة، وجاء في بعضها أنها بأشياء معلومة، والحكم هو أن ما كان مجهولاً فهذا لا يصح أبداً، وما كان معلوماً فهذا كان في أول الأمر، وكان فيه إرشاد إلى ما هو الأفضل، مثل التأجير بالثلث والربع، فإن هذا سائغ ولا بأس به؛ لأن هذا شيء معلوم النسبة، ولكنه إما أن يكون كان أولاً ثم نسخ، أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما هو خير منه وإلى ما هو أفضل منه، وهو كون الإنسان يعطيها بالمجان، وهذا خير للإنسان من أن يؤجرها بثلث أو ربع أو بدراهم معينة، لا شك أن هذا خير، وعلى هذا فالنهي الذي جاء إما أن يكون المقصود به خلاف الأولى، وهذا فيما إذا كان شيئاً معلوماً ولكن أرشد إلى ما هو خيرٌ منه، أو يكون شيئاً يشتمل على جهالة وعلى غرر، فهذا لا يسوغ ولا يجوز أبداً.
    وقد جاء مثل هذا التفصيل عن رافع بن خديج نفسه رضي الله عنه وأرضاه كما جاء في صحيح مسلم وأورده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام قال: إن الكراء بالذهب والفضة لا بأس به، إنما كان الناس يؤجرون على الماذيانات وأقبال الجداول، وما يسعدوا بالماء، فيحيا هذا ويهلك هذا، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأعمال التي كانوا يعملونها، أما شيءٌ معلومٌ مضمونٌ فهذا لا بأس به، كأن يكون فيه نسبة أو أن يكون شيئاً معلوماً من الدراهم والدنانير أو غيرها يدفعها المستأجر لصاحب الأرض ثم يتصرف في الأرض وتكون فائدتها خالصةً له.
    ولما قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعاً، يعني: أنهم كانوا ينتفعون بهذا الكراء، قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لكم، يعني: الذي أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام، وترك الشيء الذي نهى عنه والصيرورة إلى ما أرشد إليه لا شك أنه خير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرشد إلا إلى ما هو خير، ولا يدل إلا على ما هو خير، فهو أنصح الناس للناس، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    وهذا الكلام من رافع رضي الله عنه فيه بيان أن الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان لا بأس به إلا أنه إذا أرشد إلى ما هو أفضل فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرٌ لكم، أما إذا كان لا يسوغ ولا يجوز فلا شك أن تركه والابتعاد عنه ابتعادٌ عن محرم، والابتعاد عن المحرم فيه الخير الكثير وفيه الفائدة العظيمة للناس، (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان نافعاً لنا، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرٌ لكم) يعني: فيما أرشد إليه، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يكري عليه أو يعطيه الأجر) ولا شك أن هذا خير، وهذا مثل قول الله عز وجل: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126]، يعني: أن الإنسان إذا عاقب بمثل ما عوقب به فهو سائغ، لكن خيرٌ من هذه العقوبة أن يعفو ويصفح ويصبر، وذلك خير، ومثل قول الله عز وجل: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:280] يعني: كون الإنسان يتجاوز ويسامح المدين ويتنازل عنه هذا خير، ولكن الذي أمامه إذا لم يتسامح فليس له إلا الإنظار، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280].
    (نهاكم عن الحقل، وقال: من كانت له أرضٌ فليمنحها أو ليدعها).
    يعني: كون الناس يؤجرون أراضيهم وكونهم يكرون أراضيهم، وهذا أيضاً يقال له: المخابرة على أحد تفسيرات المخابرة؛ لأنها مأخوذة من الأرض الخبار وهي الرخوة التي تؤجر، وهذا إما أن يكون النهي عنه إرشاداً إلى ما هو الأولى، وإما أن يكون النهي كان أولاً ثم بعد ذلك نسخ ذلك النهي بإباحته بالشيء المعلوم الذي لا جهالة فيه.
    قوله: (فليمنحها أو ليدعها) يعني: لا يؤجرها، وهذا إرشاد إلى ما هو الأكمل، وإلى ما هو الأفضل، وليس بأمر محرم إذا كان بشيء معلوم، كما جاء ذلك مبيناً مفصلاً من حديث رافع بن خديج الذي رواه مسلم في صحيحه وذكره الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام وقال: إن هذا فيه تفسير لما أجمل في بعض الروايات المتفق عليها من النهي عن كراء الأرض، يعني: أن الذي أجمل المقصود به أن يكون شيئاً فيه جهالة، أما أن يكون شيئاً مضموناً معلوماً لا جهالة فيه ولا غرر فهذا لا بأس به، وتفسير الحقل هو بمعنى المخابرة الذي هو تأجير الأرض، وتأجير الأرض إذا كان بشيءٍ معلوم لا بأس به، وأما إذا كان بشيء مجهول فهو لا يجوز.
    (ونهى عن المزابنة. والمزابنة: الرجل يكون له المال العظيم من النخل فيجيء الرجل فيأخذها بكذا وكذا وسقاً من تمر).
    (ونهى عن المزابنة) وفسر المزابنة بأن الرجل يكون عنده نخل كثير فيه ثمر كثير، فيأتي إنسان وعنده أوسق من التمر ويعطيها إياه في مقابل ذلك الذي على رءوس النخل، وهذا لا يجوز؛ لأنه ربا، وذلك أنه إن كان في الحال وهذا سلمه الأوسق وهذا سلمه النخل ففيه ربا الفضل؛ لأن هذه الأوساق المعلومة يقابلها شيء مجهول الوزن، ومن المعلوم أن التمر بالتمر لا بد فيه من التماثل سواءً كان جيداً أو رديئاً، فلا يباع جيد برديء مفاضلاً، وإنما يبيع الرديء ويشتري جيداً، كما جاء ذلك مبيناً في بعض الأحاديث، فبيع التمر بالتمر لا بد فيه من التماثل، ولا بد فيه من التقابض، لا بد من الأمرين: أن يسلم من ربا الفضل، وأن يسلم من ربا النسيئة، وربا الفضل أن يزيد بعضها على بعض، وربا النسيئة أن يكون واحد مقدماً وواحد مؤخراً.
    وإن كان أعطاه التمر الأوساق ثم يسلمه فيما بعد الذي على رءوس النخل فيكون فيه المحذوران: المحذور الذي هو عدم التماثل، والمحذور الثاني الذي هو عدم التقابض الذي هو ربا النسيئة، فهو على كل حال سواءً كان التقابض فيما بينهما في الحال بأن سلم هذا له التمر الأوساق، وهذا سلم له ما على رءوس النخل يجذه ويستفيد منه، فهذا فيه ربا الفضل وإن كان يجب التقابض، وإن كان دفع إليه الأوسق مقدماً ثم بعد ذلك يقبض منه النخل أو الذي على رءوس النخل فهذا يكون فيه المحذوران، النسيئة والفضل.
    ومن المعلوم أنه لا بد من أن يعلم الشيئان اللذان حصل التبايع فيهما -وهو التمر بالتمر- بأن يكون معلوماً وأن يكون مثلاً بمثل، فلا تفاضل ولا نسيئة، هذا هو الواجب فيه، وإذا كان مجهولاً كالذي على رءوس النخل فإنه لا يعلم مقداره، فإذا بيع فالتساوي ليس متحققاً، ومن القواعد المشهورة: الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل؛ لأنك لو بعت صبرة من تمر بصبرة من تمر بدون وزن وقد جهل مقدار كل منهما فهذا فيه علمٌ بالتساوي وأنهما غير متساويان فهو كالعلم بالتفاضل، كما لو قال: خمسين كيلو بستين كيلو فهذا معلوم التفاضل، لكن لو أعطيت صبرة مجهولة بصبرة مجهولة فذلك لا يجوز؛ لأن الجهل في التساوي كالعلم بعدمه، فالجهل بكون الشيئين متساويين كالعلم بتفاضلهما، الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، صبرة مجهولة، بصبرة مجهولة العلم بعدم التساوي موجود، إذاً هو كالعلم بالتفاضل، كل ذلك لا يجوز، إلا كيلاً بكيل، ووزناً بوزن، لا يجوز الربوي بمثله إلا وزناً بوزن، ويداً بيد، وإذا كان الوزن معروف ولكن فيه تفاضل، فهذا هو التفاضل، وإذا كان الوزن غير معروف فإنه مجهول، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
    إذاً: بيع أوساق من التمر معلومة الوزن بشيء على رءوس النخل مجهول، لا يجوز، وكذلك يقال في المحاقلة وهو أحد تفسيراتها؛ لأنها فسرت بأنها تباع بأجرةٍ مما يخرج منها، أو بجزء مما يخرج منها، وهذا يسمى المخابرة، وتفسر المحاقلة مثل المزابنة بأن يبيعه جملةً أو أوساقاً من الحب بالحب الذي في السنابل في الزرع، يعني مثل مسألة المزابنة تماماً، يعطيه أوساقاً من التمر بالذي على رءوس النخل، ويعطيه أوساقاً من الحب البر بالذي في السنابل على رءوس الزرع؛ لأن هذا مجهول وهذا مجهول؛ فهذا أيضاً يقال له: محاقلة وهو لا يجوز مثل المزابنة تماماً، المحاقلة بهذا التفسير غير جائزة، كما أن المزابنة بهذا التفسير غير جائزة، وأما إذا كانت المحاقلة استئجار الأرض بجزءٍ مما يخرج منها -الذي هو المخابرة- فإن هذا سائغ وجائز؛ لأن المنع إنما هو فيما فيه جهالة، أما إذا كان بشيء معلوم مضمون لا غرر فيه ولا جهالة، فهذا لا بأس به، كما جاء ذلك مفسراً مبيناً من رافع نفسه في صحيح مسلم، والذي أورده الحافظ في بلوغ المرام وقال: إن هذا فيه تفصيل لما أجمل في الأحاديث المتفق عليها في النهي عن كراء الأرض.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (نهانا رسول الله عن أمرٍ كان لنا نافعاً)

    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].محمد بن المثنى هو الملقب بـالزمن أبو موسى العنزي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [عن محمد].
    هو محمد بن جعفر، الملقب غندر البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجاهد].
    هو مجاهد بن جبر المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أسيد بن ظهير].
    أسيد بن ظهير صحابي، أخرج له أصحاب السنن الأربعة، وهو صحابي ابن صحابي، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [عن رافع بن خديج].
    رافع بن خديج رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (نهاكم رسول الله عن أمر كان ينفعكم ... نهاكم عن الحقل) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن أسيد بن ظهير قال: (أتى علينا رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: ولم أفهم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاكم عن أمر كان ينفعكم، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرٌ لكم مما ينفعكم، نهاكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحقل، والحقل: المزارعة بالثلث والربع، فمن كان له أرضٌ فاستغنى عنها فليمنحها أخاه، أو ليدع، ونهاكم عن المزابنة، والمزابنة: الرجل يجيء إلى النخل الكثير بالمال العظيم، فيقول: خذه بكذا وكذا وسقاً من تمر ذلك العام)].أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أنه جاء إلى قومه وقال: (نهاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان نافعاً لكم، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرٌ لكم مما ينفعكم) وهذا الذي كانوا يفعلونه منه ما هو معلوم، ومنه ما هو مجهول كما أشرت إليه، وهنا قال: (نهى عن الحقل) والحقل هو المزارعة بالثلث والربع أو النصف أو غير ذلك، يعني بشيء معلوم بالنسبة مما يخرج من الأرض، وهذا كما هو معلوم كان نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه إرشاداً إلى ما هو الأولى، وليس لكونه محرماً؛ لأن ذلك سائغ وجائز ولا بأس به، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر؛ حيث أعطاهم أرض خيبر ونخلها على النصف مما يخرج منها من زرع أو ثمر، هذا الفعل واضح الدلالة على جواز ذلك، وكان ذلك أخيراً، فإما أن يكون الذي جاء من النهي في حديث رافع إما أنه إرشاد إلى ما هو الأولى، وأن الإنسان لا يعطي بالأجرة ويعطي بالمجان، لا شك أن هذا خير، أو أن هذا كان في أول الأمر من أجل الإرفاق بالناس، ولكنه بعد ذلك رخص لهم بأن يؤجروا بالنصف.
    الحاصل: أن التأجير بالثلث أو الربع أو شيء معلوم النسبة لا بأس به، وما جاء في حديث رافع إما أن يكون المقصود منه الإشارة إلى ما هو الأفضل، ولا شك أن كون الإنسان يعطي بالمجان خير من كونه يؤجر بالثلث أو الربع، أو أنه كان في أول الأمر، وبعد ذلك نسخ بمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر على النصف مما يخرج منها من ثمر أو زرع.
    وعلى هذا فيتبين أن الذي جاء في الحديث الذي معنا من ذكر النهي عن الثلث أو الربع أن يكون المقصود منه نهي تنزيه، وأنه خلاف الأولى، وأن كون الإنسان يعطي بالمجان خير من أن يعطي بالثلث أو الربع، وهو مثل ما ذكرت من الأمثلة: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126]، وأن هذا خير وذاك خلاف الأولى، وإن كان سائغاً، أو أنه كان في أول الأمر ثم نسخ، ويوضحه ما جاء عن رافع نفسه، والذي ذكرته معزواً إلى صحيح مسلم، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: أن النهي في الشيء الذي فيه جهالة، وأن الذي فيه شيءٌ معلوم مضمون فهذا لا بأس به.
    ثم قال: (ونهاكم عن المزابنة، والمزابنة: الرجل يجيء إلى النخل الكثير بالمال العظيم، فيقول: خذه بكذا وكذا وسقاً من تمر ذلك العام).
    يأتي الرجل إلى نخل كثير، يأتي بمال عظيم ويقول: خذه بكذا، يعني وسق من تمر ذلك العام، هذا إذا كان المقصود بالمال الذي يأتي به أنه تمر حاضر مقابل تمر يأتي من النخل، فهذا لا يجوز، وهو المزابنة المنهي عنها؛ لأن فيه كما ذكرت ربا النسيئة وربا الفضل، وإن كان المقصود به غير التمر، كأن يأتي بنقود ويعطيها إياه على أن يأخذ مقابلها أوساقاً معلومة من التمر، فكون الإنسان يقدم الثمن ويؤجل المثمن، هذا يقال له: سلم، تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، فكون إنسان يأتي لإنسان صاحب نخل محتاج، ثم يعطيه شيئاً من الريالات، على أنه يعطيه عندما يجذ التمر مقداراً معيناً يتفقان عليه، فهذا هو السلم الذي جاء في الأحاديث المتفق عليها جوازه، قدم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهم يسلفون السنة والسنتين فقال: (من أسلف -أي: أسلم- فليسلف بكيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم) هذا يسمى السلم، وتعريفه تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، ضد بيع التقسيط، وبيع التقسيط: هو تعجيل المثمن الذي هو السلعة المبيعة، وتأجيل الثمن، والسلم -تعجيل الثمن وتأجيل المثمن- لا بأس به إن كان الذي دفع في مقابل أوسق التمر المعلومة من تمر ذلك العام إن كان دفع نقوداً قيمةً لها، لا بأس بذلك، وإن كان المقصود به أنه دفع أوساقاً معلومة في مقابل أوساق معلومة تماثلها، فهو ربا نسيئة، وإن كانت لا تماثلها فيكون ربا فضل وربا نسيئة، وكل ذلك لا يجوز.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهاكم رسول الله نهانا عن أمر كان ينفعكم ... نهاكم عن الحقل) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].محمد بن قدامة ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي، وابن ماجه.
    [عن جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور عن مجاهد عن أسيد بن ظهير عن رافع بن خديج].
    قد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

    شرح حديث: (نهاكم رسول الله عن أمر كان لنا نافعاً ...) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد حدثنا سعيد بن عبد الرحمن عن مجاهد حدثني أسيد بن رافع بن خديج قال رافع بن خديج رضي الله عنه: (نهاكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر كان لنا نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنفع لنا، قال: من كانت له أرض فليزرَعها، فإن عجز عنها فليزرِعها أخاه) خالفه عبد الكريم بن مالك].أورد حديث رافع بن خديج من طريق أخرى، وقد ذكر فيه النهي عن أمر كان نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لهم، والذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له أرض فليزرعها، فإن عجز فليزرعها أخاه).
    يعني: يعطيها إياها بالمجان، ومن المعلوم أن هذا ما فيه نهي عن كراء الأرض، ولعل الأمر مثل ما قال رافع بن خديج في الحديث الذي أشرت إليه في مسلم، يعني كانوا يؤاجرون على أنواع فيها جهالة، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما شيء معلوم مضمون فلم ينه عنه، ولكنه أرشد إلى ما هو الأفضل والأكمل، وهو أنه يعطيه بالمجان، ولا شك أنه إن أعطاه بالمجان فهو خير من أن يعطيه بالأجرة، يعني ذاك سائغ إذا كان بأمر معلوم، وهذا خير منه وأفضل، وعلى هذا فيكون رافع بن خديج فهم من أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى النهي من أن يتعاملوا هذه المعاملة، أو أنه جاء التصريح بالنهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه محمول على التنزيه فيما إذا كان في أمر معلوم، وعلى التحريم فيما إذا كان فيه جهالة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهاكم رسول الله عن أمر كان لنا نافعاً ...) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق].هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
    [عن عفان].
    هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الواحد].
    هو عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، أخرج له أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن عبد الرحمن].
    هو سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي، مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده
    [عن مجاهد عن أسيد بن رافع بن خديج عن رافع بن خديج ].
    مجاهد عن أسيد بن رافع بن خديج مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    وهل هو أسيد بن رافع أو أسيد بن ظهير؟
    على كل لا ندري إذا كان المقصود أسيد بن أخي رافع فهو ذاك الذي سبق أن مر، وهو صحابي أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    وقد مر ذكرهم جميعاً.

    شرح حديث: (نهى رسول الله عن كراء الأرض)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا عبيد الله -يعني ابن عمرو - عن عبد الكريم عن مجاهد، قال: أخذت بيد طاوس حتى أدخلته على ابن رافع بن خديج، فحدثه عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه نهى عن كراء الأرض)، فأبى طاوس فقال: سمعت ابن عباس لا يرى بذلك بأساً. ورواه أبو عوانة عن أبي حصين عن مجاهد قال: قال عن رافع: مرسلاً]. أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وتحديث ابن رافع لـطاوس وقوله: إنه أبى ذلك، يعني لم يوافق على ذلك؛ لأن النهي عن كراء الأرض المقصود به فيما إذا كان هناك جهالة، أما إذا كان في شيءٍ معلوم فلا بأس به، وقال: إن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأساً، ويأتي فيما يأتي عن ابن عباس أن طاوساً نقل عنه قال: حدثني من هو أعلم منه أي: ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه خيرٌ من أن يؤاجره أو أن يعطيه بأجر) فيكون معنى هذا أن الذي فهمه طاوس عن ابن عباس أنه لم يكن هناك نهي من رسول الله عن كراء الأرض، وإنما نهي عن شيء معين وهو الذي فيه جهالة، أما أن يكون منع من كراء الأرض مطلقاً، فلا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه)، ولا شك أن كون الإنسان يمنح أخاه خير من أنه يؤجره، وإن كان التأجير يجوز في بعض الصور ويمنع في بعض الصور، يجوز في بعض الصور التي فيها علم وضمان حق، ولا يجوز في بعض الصور التي فيها جهالة، كما سبق أن أشرت إليه من قبل، يعني: أتى بالدليل الذي يدل عليه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه يكون خيراً له).

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى روسل الله عن كراء الأرض)

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن عبيد الله يعني ابن عمرو].
    عبيد الله ابن عمرو هو الرقي، ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الكريم].
    هو عبد الكريم بن مالك الجزري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجاهد عن ابن رافع بن خديج].
    مجاهد عن ابن رافع بن خديج، الذي هو أسيد بن رافع، هذا الذي قال عنه ابن حجر في ترجمته: أخرجه النسائي وحده.
    وهو مقبول، لكن قوله: اذهب إلى ابن رافع، فيه إشعار بأنه روى عن أبيه.

    شرح حديث: (نهانا رسول الله عن أمرٍ كان لنا نافعاً) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن أبي حصين عن مجاهد قال رافع بن خديج رضي الله عنه: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعاً، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الرأس والعين، نهانا أن نتقبل الأرض ببعض خرجها) تابعه إبراهيم بن مهاجر].أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وهو (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن أمرٍ كان لهم نافعاً، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين) يعني: أنه مقبول، (على الرأس والعين) يعني: نقبله ولا نتردد فيه.
    (نهانا أن نتقبل الأرض ببعض خرجها) يعني: إذا كان المقصود به جزء معلوم النسبة، فيكون النهي عنه على خلاف الأولى، وإن كان بشيء معلوم معين كأن يقول مثلاً: لي من الزرع ألف صاع والباقي لك، أو يقول: لي ما تنبته الأرض المعينة أو القطعة المعينة، فذلك لا يجوز؛ لأن فيه جهالة؛ لأنه قد لا يحصل من الأرض إلا الألف صاع التي حازها أحدهما، أو ما ينبت إلا ما في هذه القطعة، فيكون عمل الآخر يذهب سدى، لكن إذا كان معلوم النسبة.. إن كان صاعاً واحداً فهو بينهما على النسبة، وإن كان بلغ ما بلغ فهو بينهما على النسبة؛ لأن هذا شيء معلوم، وذاك مجهول، فقوله: (ببعض خرجها) فإن كان المقصود منه يعني النهي عن الثلث والربع، فهذا يمكن أن يكون مثل ما كان في أول الأمر، أو أنه إرشاد إلى ما هو الأولى وليس تحريماً، والنهي للتنزيه، يعني: نهى عنه نهي تنزيه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهانا رسول الله عن أمرٍ كان لنا نافعاً) من طريق رابعة

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عوانة].
    هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي حصين].
    أبو حصين هو عثمان بن عاصم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجاهد عن رافع بن خديج].
    مجاهد عن رافع بن خديج قد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (أن رسول الله نهاكم عن أمر كان لكم نافعاً ...) من طريق خامسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان عن عبيد الله حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أرض رجل من الأنصار قد عرف أنه محتاج، فقال: لمن هذه الأرض؟ قال: لفلان أعطانيها بالأجر، فقال: لو منحها أخاه، فأتى رافع الأنصار، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاكم عن أمرٍ كان لكم نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنفع لكم)].أورد النسائي حديث رافع بن خديج من طريق أخرى، وفيه أن رافعاً فهم من كون النبي صلى الله عليه وسلم قال لهذا الرجل: (لو منحها إياه لكان خيراً له) فهم منه النهي، والواقع أنه لا نهي، بل إرشاد إلى ما هو الأولى، ولو كان هناك نهي فهو نهي تنزيه وإرشاد إلى ما هو الأكمل والأفضل.. بلا شك أن الإنسان يؤجر بأمر معلوم جائز، وإن أعطاه بدون مقابل فهو أحسن وأفضل، وعلى هذا فالرسول صلى الله عليه وسلم مر برجلٍ كان يعلم أنه محتاج، فقال: (لمن هذه الأرض؟ قال: لفلان أعطانيها بالأجر، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لو منحه إياها لكان خيراً له) يعني: لو أعطاه بالمجان كان خيراً، لا شك لو أعطاه بالمجان لكان خيراً، لكن إذا كان الأجر معلوماً فهو جائز، وإذا كان مجهولاً فهو لا يجوز.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نهاكم عن أمر كان لكم نافعاً ...) من طريق خامسة

    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].أحمد بن سليمان هو الرهاوي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عبيد الله].
    هو عبيد الله بن موسى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إسرائيل].
    هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم بن مهاجر].
    إبراهيم بن مهاجر صدوقٌ لين الحفظ، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن مجاهد عن رافع بن خديج].
    مجاهد عن رافع بن خديج مر ذكرهما.

    شرح حديث: (نهى رسول الله عن الحقل)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحقل)].أورد النسائي حديث رافع بن خديج من طريق أخرى، وهو قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحقل)، ولم يفسر الحقل، وقد فسر في بعض الروايات بأنه تأجير الأرض ببعض ما يخرج منها، وقلنا: إن هذا إذا كان مجهولاً فهذا غير جائز، وأما إذا كان بجزء معلوم النسبة فإن ذلك سائغ وجائز، وهذا هو الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر، فإذاً: إذا كان المقصود بالحقل هو تأجيرها بجزء مما يخرج منها، فهذا فيه تفصيل:
    إن كان المقصود بجزء مجهول أو معلوم يؤدي إلى الغرر فذلك لا يجوز، وإن كان بشيء معلوم النسبة.. ثلث أو ربع أو نصف فلا بأس، وهو الذي دل عليه حديث خيبر.
    ويفسر الحقل أيضاً بمثل ما تفسر به المزابنة، إلا أن المزابنة شراء التمر على رءوس النخل بأوسق معلومة من التمر، والمحاقلة شراء الحب في الزرع بحب أو بأوساق معلومة، كل ذلك لا يجوز؛ لأن فيه الربا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن الحقل)

    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار].محمد بن المثنى مر ذكره، ومحمد بن بشار هو الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة كـمحمد بن المثنى.
    [عن محمد عن شعبة عن الحكم].
    محمد هو ابن جعفر، وقد مر ذكره، عن شعبة وقد مر ذكره.
    [عن الحكم].
    هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجاهد عن رافع].
    مجاهد عن رافع قد مر ذكرهما.

    حديث: (نهانا رسول الله عن أمر...) من طريق سادسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي عن خالد -وهو ابن الحارث - حدثنا شعبة عن عبد الملك عن مجاهد قال: حدث رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنهانا عن أمرٍ كان لنا نافعاً، فقال: من كان له أرضٌ فليزرعها، أو يمنحها، أو يذرها)].أورد النسائي حديث رافع بن خديج من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، يعني خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهاهم عن أمر كان نافعاً لهم، وقال: (من كان له أرض فليزرعها أو ليمنحها) إما أن يزرعها هو، أو يمنحها لغيره، ولا يؤاجرها، وهذا على الأولى كما عرفنا، أما إذا كان بالتأجير ففيه تفصيل: منه سائغ، ومنه ما لا يسوغ، وقد أشرت إلى ذلك من قبل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهانا رسول الله عن أمر ...) من طريق سادسة

    قوله:[أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخٌ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة عن عبد الملك].
    شعبة مر ذكره، وعبد الملك هو ابن ميسرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجاهد عن رافع].
    مجاهد عن رافع قد مر ذكرهما.

    حديث: (نهانا رسول الله عن أمر ...) من طريق سابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عبد الرحمن بن خالد حدثنا حجاج حدثني شعبة عن عبد الملك عن عطاء وطاوس ومجاهد عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنهانا عن أمر كان لنا نافعاً، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير لنا، قال: من كان له أرض فليزرعها، أو ليذرها، أو ليمنحها)، ومما يدل على أن طاوساً لم يسمع هذا الحديث].أورد النسائي حديث رافع رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم ونهاهم عن أمرٍ كان نافعاً لهم، وقال: (من كان له أرضٌ فليزرعها، أو ليمنحها، أو ليذرها) يعني: يتركها دون أن يتصرف فيها، وهذا إرشاد إلى ما هو الأولى والأفضل والأكمل، وأما التأجير فكما أشرت فيه تفصيل منه ما هو سائغ، ومنه ما لا يسوغ.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهانا رسول الله عن أمر ...) من طريق سابعة


    قوله: [أخبرني عبد الرحمن بن خالد].عبد الرحمن بن خالد صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن حجاج].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة عن عبد الملك].
    شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قد مر ذكرهما.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن أبي رباح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [و طاوس].
    هو طاوس بن كيسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [و مجاهد عن رافع بن خديج].
    مجاهد عن رافع، يعني ثلاثة يروونه عن رافع بن خديج، والروايات السابقة مجاهد يروي عن رافع بن خديج، ثم ذكر أن هذا الحديث لم يسمعه طاوس من رافع بن خديج، ثم ذكر بعد ذلك الرواية التي تدل على أنه لم يسمعه منه.

    شرح حديث ابن عباس: (لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجاً معلماً)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا زكريا بن عدي حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال: (كان طاوس يكره أن يؤاجر أرضه بالذهب والفضة، ولا يرى بالثلث والربع بأساً، فقال له مجاهد: اذهب إلى ابن رافع بن خديج فاسمع منه حديثه، فقال: إني والله لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه ما فعلته، ولكن حدثني من هو أعلم منه ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال: لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خيرٌ من أن يأخذ عليها خراجاً معلوماً)، وقد اختلف على عطاء في هذا الحديث فقال عبد الملك بن ميسرة: عن عطاء عن رافع، وقد تقدم ذكرنا له، وقال عبد الملك بن أبي سليمان: عن عطاء عن جابر]. ذكر النسائي الحديث الذي فيه أن طاوساً لم يسمع من رافع هذا الحديث، وأتى بالدليل على ذلك.
    كان طاوس يكره تأجير أرضه بالذهب والفضة، ولا يرى بأساً بالتأجير بالثلث والربع، وكلٌ منهما جائز كما عرفنا ذلك من قبل؛ لأن التأجير بالذهب والفضة تأجيرٌ بشيءٍ معلوم يدفعه المستأجر، يدفع مثلاً ألف ريال أجرة لهذه الأرض، ثم يتصرف بهذه الأرض بالزرع أو غيره.. لا بأس في ذلك، وهذا الذي كان كرهه طاوس، ولا يرى بأساً بالنصف والثلث، كونه بنصف ما يخرج منها، أو بثلث ما يخرج منها.
    رافع بن خديج جاء في بعض الروايات عنه النهي عن الكراء بالثلث والربع، فقال مجاهد لـطاوس: اذهب إلى ابن رافع بن خديج فيحدثك عن أبيه، يريده أن يسمع منه ما جاء من النهي عن الثلث والربع، فقال: (إني والله لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه ما فعلته).
    يقول طاوس: والله لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه -يعني عن الثلث والربع، وأنه منعه وحرمه- ما فعلته، ولكن حدثني من هو أعلم منه ابن عباس، يعني أعلم من رافع.
    (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يمنح أحدكم أخاه خيرٌ له) يعني: ابن عباس روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما هو الأكمل، وما ذكر النهي، وعلى هذا فالتأجير بالثلث والربع جائز، وخيرٌ منه أن يعطى بالمجان.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير من أن يأخذ خراجاً معلوماً)


    قوله: [أخبرني محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
    [عن زكريا بن عدي].
    زكريا بن عدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود فأخرج له في المراسيل.
    [عن حماد بن زيد].
    حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن دينار].
    هو عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طاوس].
    هو طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    ابن عباس رضي الله تعالى عنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #486
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المزارعة

    (483)

    - تابع باب ذكر الأحاديث المختلفـة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع [2]

    بين الشرع أن كراء الأرض بالثلث والربع وغير ذلك مما هو معلوم النسبة، أن هذا سائغ وصحيح، والمزابنة هي: بيع الأوساق من التمر بالتمر على رءوس النخل، والمحاقلة جاء في بعض الروايات تفسيرها بالمزابنة، وجاء في بعضها أنها تأجير الأرض بجزء مما يخرج منها، وجاء أنها بيع الحب بالحب في السنابل وفي الزرع.


    تابع ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر


    شرح حديث: (من كان له أرض فليزرعها...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث حدثنا عبد الملك عن عطاء عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من كان له أرض فليزرعها، فإن عجز أن يزرعها، فليمنحها أخاه المسلم، ولا يزرعها إياه)].مرت أحاديث عديدة تتعلق بالمزارعة وكراء الأرض، وهذه جملة من الأحاديث المتعلقة في الموضوع، أولها حديث جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له أرض فليزرعها، فإن عجز أن يزرعها فليمنحها أخاه، ولا يزرعها إياه) أي: أن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى ما هو الأفضل والأكمل، وهو أن الإنسان يمنح أخاه الأرض التي هو غير محتاجٍ إليها ليزرعها ويستفيد منها.
    قوله: ولا يزرعها إياه، يعني: لا يؤجرها عليه، وإنما تكون بدون مقابل، وتكون إحساناً وإرفاقاً إليه، ولا شك أن هذا إرشاد إلى ما هو الأكمل والأفضل.
    وقد عرفنا في الدرس الماضي أو الدروس الماضية أنه إذا كان التأجير بشيء معلوم يدفعه المستأجر لصاحب الأرض، ثم يستفيد من الأرض، وما ينتج عنها يكون له، أو يأخذ منه الأرض بجزءٍ معلوم النسبة مما يخرج منها كالثلث والربع والنصف وما إلى ذلك، عرفنا أن ذلك سائغ وجائز، وليس بمحرمٍ ولا ممنوع، وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وفي غيره من الأحاديث مما في معناه المقصود منه: الإشارة إلى ما هو الأكمل، وإلى ما هو الأفضل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من كان له أرض فليزرعها ...)


    قوله: [حدثنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن خالد بن الحارث].
    هو خالد بن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الملك].
    هو عبد الملك بن أبي سليمان، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عطاء].
    وهو عطاء بن أبي رباح المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (من كانت له أرض فليزرعها...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا عبد الملك عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، ولا يكريها) تابعه عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي].أورد النسائي حديث جابر من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم (من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، ولا يكريها) يعني: لا يكريها أخاه المسلم وإنما يعطيها إياه بالمجان، وبدون مقابل إرفاقاً وإحساناً، وهذا كما أشرنا إرشاد إلى ما هو الأكمل والأفضل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من كانت له أرض فليزرعها...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الملك عن عطاء عن جابر].
    عبد الملك عن عطاء عن جابر قد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (من كانت له أرض فليزرعها...) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة حدثنا الأوزاعي عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال: كان لأناس فضول أرضين يكرونها بالنصف والثلث والربع، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كانت له أرض فليزرعها أو يزرعها أو يمسكها) وافقه مطر بن طهمان].ثم أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه: (أن أناساً كان لهم فضول أرضين) يعني: زائدة عن حاجتهم، وهم مستغنون عنها، فاضلة عن حاجتهم وعما يقومون به، (وكانوا يؤجرونها على الثلث والربع)، يعني: على الثلث والربع مما يخرج منها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له أرض فليزرعها، أو يزرعها، أو يمسكها).
    والمقصود يُزْرعها يعني: يمنحها ويعطيها أخاه ولا يؤجرها.
    (أوليمسكها)، يعني: يتركها بدون أن يستعملها أو بدون أن يؤجرها، وهذا كما عرفنا إشارة إلى ما هو الأكمل وإلى ما هو الأفضل، وأن كون الإنسان يعطيها بدون مقابل إرفاقاً وإحساناً خير من أن يعطيها بثلث أو ربع أو بغير ذلك، وقد عرفنا أن الحكم الثابت المستقر هو أنه يجوز تأجيرها بالثلث والربع كما جاء في معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر على ما يخرج منها من زرع أو ثمر، فقد أبقاها بأيديهم على النصف مما يخرج منها.
    وهذا يدلنا على جواز التأجير بالثلث والربع، أو المزارعة أو المساقاة بالثلث والربع، وهو مثل المضاربة التي يدفع الإنسان نقوداً لإنسانٍ عامل يعمل فيها، وما يحصل من الربح فهو بينهما نصفين..، وهذه مسألة مجمع عليها بين العلماء، لا خلاف فيها، فهذه مثلها، فالذي لا يجيد إلا التجارة، أمامه المضاربة، يأخذ بجزءٍ معلوم النسبة من الربح، والذي لا يجيد التجارة ولكنه يجيد الزرع، يأخذ الأرض بجزء مما يخرج منها ثلث، أو ربع، أو نصف، أو ما إلى ذلك، وهكذا كثير من الأمور والأعمال، فمثلاً كون الإنسان عنده سيارة، يعطيها لإنسان آخر يؤجرها له ويستفيد منها على النصف مما يخرج منها، هذا له النصف من أجل ملكه السيارة، وهذا له النصف من أجل عمله، وهكذا من يؤاجر على شيء من أجل أن يجذه بنصفه، أو يسقيه بنصفه، أو يخدمه بنصفه.. بجزء معلوم النسبة مما يخرج، كل ذلك سائغٌ وجائز، ولا بأس به، وهو من المشاركة المعتبرة مثل شركة المضاربة، فهذه من جنسها اشتراك، هذا منه الأرض، وهذا منه العمل، والربح والنتائج بينهما، وهكذا.. كل ذلك سائغ ولا بأس به، وكذلك تأجيرها بالذهب والفضة، أو بأي شيءٍ آخر يدفعه المستأجر مقدماً ويأخذ الأرض أو يستخدمها على جزء، وتكون فائدتها له بأكملها؛ لأنه دفع الأجرة لصاحبها، فلم يبق له نصيب في منفعتها، فصارت منفعتها مختصة بالعامل الذي أخذها مزارعة، أو أخذها استئجاراً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من كانت له أرض فليزرعها ...) من الطريق الثالثة

    قوله: [أخبرنا هشام بن عمار].هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    [عن يحيى بن حمزة].
    يحيى بن حمزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأوزاعي].
    الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء عن جابر].
    عطاء عن جابر قد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (من كانت له أرض فليزرعها ...) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عيسى بن محمد -وهو أبو عمير بن النحاس - وعيسى بن يونس -هو الفاخوري - قالا: حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن مطر عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها، ولا يؤاجرها)].أورد النسائي حديث جابر من طريقٍ أخرى وهو مثل ما تقدم (من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها) يعني: يعطيها بالمجان، (ولا يؤاجرها) يعني: لا يعطيها لأحدٍ بالأجرة، وإنما يعطيها له بالمجان، وهذا كما هو معلوم إرشادٌ إلى ما هو الأفضل والأكمل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من كانت له أرض فليزرعها ...) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا عيسى بن محمد وهو أبو عمير بن النحاس].عيسى بن محمد أبو عمير بن النحاس ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [و عيسى بن يونس هو الفاخوري].
    عيسى بن يونس الفاخوري صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [عن ضمرة].
    هو ضمرة بن ربيعة، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن شوذب].
    ابن شوذب هو عبد الله بن شوذب، صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، أصحاب السنن الأربعة.
    [عن مطر].
    هو مطر بن طهمان الوراق، وهو صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف، وهنا من طريق عطاء، لكن الحديث كما هو معلوم جاء من طرقٍ عديدة عن عطاء بهذا اللفظ.
    أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
    [عن عطاء عن جابر].
    عطاء عن جابر قد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (نهى رسول الله عن كراء الأرض)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن يونس حدثنا حماد عن مطر عن عطاء عن جابر رفعه رضي الله عنه: (نهى عن كراء الأرض) وافقه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج على النهي عن كراء الأرض].أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وهو بلفظ: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض)، والمقصود من ذلك كراؤها بأي شيء، يعني كما مر أنه لا يكريها وإنما يمنحها، وهذا مبني على ما هو الأكمل والأفضل، اللهم إلا أن يكون المقصود بالنهي عن كراء الأرض فيما إذا كان يعني شيئا فيه جهالة وغرر، فإن هذا لا يسوغ ولا يجوز، أما إذا كان المقصود منه تأجيرها بالثلث والربع، أو تأجيرها بشيء معلوم يدفعه المستأجر سواء ذهباً أو فضة أو غير ذلك، فإن هذا لا بأس به، والنهي عن كرائه بهذه الطريقة إنما هو إرشاد إلى ما هو الأكمل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن كراء الأرض)

    قوله: [أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].محمد بن إسماعيل بن إبراهيم المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن يونس].
    هو يونس بن محمد البغدادي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد].
    هو حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مطر عن عطاء عن جابر].
    مطر عن عطاء عن جابر قد مر ذكرهم.

    شرح حديث جابر: (أن النبي نهى عن المخابرة والمزابنة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا المفضل عن ابن جريج عن عطاء وأبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المخابرة، والمزابنة، والمحاقلة، وبيع الثمر حتى يطعم إلا العرايا) تابعه يونس بن عبيد].أورد النسائي حديث جابر وقد قال في الحديث السابق: إن عبد الملك بن جريج وافقه على النهي عن كراء الأرض، وقد أورد هذا الحديث من طريق ابن جريج، وليس فيه ذكر كراء الأرض، ولكن فيه ذكر المخابرة.

    معنى المخابرة

    والمخابرة مما فسرت به أنها النهي عن كراء الأرض بجزء مما يخرج منها، وهذا يحمل على ما كان في أول الأمر من أنه أرشدوا إلى ما هو الأفضل والأكمل، أو أنه كان منهياً عنه في الأول ثم نسخ بما حصل في خيبر من كون النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها لليهود على أن يعملوها بنصف ما يخرج منها من ثمر أو زرع.وحديث جابر رضي الله عنه يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة) والمخابرة فسرت بأنها تأجير الأرض بجزء مما يخرج منها، وهذا هو الذي يطابق ما أشار إليه المصنف من أن ابن جريج وافق على رواية النهي عن كراء الأرض؛ لأن النهي عن المخابرة هو نهي عن كراء الأرض على معنى أن المخابرة هي استئجار الأرض بجزء مما يخرج منها.
    وقد فسرت المخابرة أيضاً بتفسيرٍ آخر؛ وهو بيع العنب بالزبيب أو بأوساق من الزبيب، فيكون من جنس المزابنة التي هي بيع أوساق من التمر بالتمر على رءوس النخل، فيكون إذا بيع الزبيب بالكرم -أي: بالعنب- وهو في الشجر، يكون من هذا القبيل، أي: بيع الشيء بجنسه غير معلوم المساواة، ويكون متفاضلاً، وقد عرفنا أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، فبيع الشيء بمثله إذا كان غير معلوم الوزن، وأن هذا مثل هذا، وأنه يداً بيد، فإن ذلك لا يصح؛ لأنه إن قبض الزبيب، وهذا قبض العنب على شجره، فيكون فيه ربا فضل، وإن كان أعطاه الزبيب ثم يعطيه فيما بعد العنب فيكون ربا فضل وربا نسيئة، ومن المعلوم أنه حتى بيع العنب بالزبيب لا يجوز، وبيع الرطب بالتمر لا يجوز؛ لأنه ليس متساوٍ؛ لأن الرطب ينقص إذا جف، ولهذا نهى الرسول نهى عن بيع التمر بالرطب، وقال: (أينقص الرطب إذا جف؟) يعني وأرشد إلى الحكمة وإلى العلة بأن الرطب إذا بيع بالتمر فإنه بيع غير متساوٍ؛ لأن التمر ينقص إذا جف، فيكون بيع الشيء بمثله غير متساوٍ.
    (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، وعن المزابنة)، وفسرت المخابرة بأنها مثل المزابنة وهي بيع الحنطة بالحب في السنابل على الزرع، يعني إنسان يعطيه أوساقاً من الحنطة، وقيمتها الحب الذي في السنابل، مثل مَن يبيع أوساقاً من التمر، وقيمتها التمر الذي على رءوس النخل، أو يبيع أوساقاً من الزبيب، وقيمتها العنب الذي في الشجر؛ لأن هذا فيه الربا من جهة عدم التساوي، ومن جهة ما قد يكون فيه أيضاً من النسيئة.
    وعلى هذا فالمخابرة فسرت بتفسيرات عدة: فسرت باستئجار الأرض بجزء مما يخرج منها، وهذا ثابت جوازه في خيبر وغيرها، وفسرت بأنها بيع الحب المصفى الجاهز بحبٍ في السنابل على الزرع، وهذا لا يجوز، وفسرت بتفسيرٍ آخر -سيأتي- بأنها بيع الكرم أو الزبيب بالكرم أو العنب في شجره، وهذا يصير مثل المزابنة، وكل ذلك لا يسوغ ولا يجوز.

    معنى المحاقلة

    (والمحاقلة).والمحاقلة: هي مأخوذة من الحقل، وفسرت بأنها هي المزابنة كما جاء في بعض الروايات، وفسرت بأنها بيع الحقل مثل ما فسرت المخابرة بأنها بيع الحب بالحب في السنابل على الزرع، يعني أنها تصير مثل المخابرة.
    (وبيع الثمر حتى يطعم) يعني لا يباع الثمر وهو غير مطعوم لم يستو ولم يزه؛ لأنه عرضة للتلف والفساد، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يزهو، يعني: حتى يطيب أكله.
    (حتى يطعم) يعني: يؤكل ويجيء وقت كونه يؤكل، يعني بيع التمر حتى يطعم يعني: على رءوس النخل لا يباع حتى يطعم، أما إذا جذ ونزل من رءوس النخل وبيع على الناس، فهذا ما فيه بأس؛ لأن الإنسان يقبض السلعة التي اشتراها، يعني كونه يجذه وهو لم يزه ثم يبيعه، هذا ما فيه إشكال..، ولا بأس به؛ لأنه سيأكله، ولكن الشيء الذي هو عرضة للفساد والتلف، وعرضة للجائحة حين يباع وهو أخضر على رءوس النخل قبل أن يحمر ويصفر، ولم يأت وقت أكله فيكون ذلك محظوراً، أما لو قطع القنو وهو أخضر وبيع، فهذا لا بأس به ولا محظور فيه.

    معنى العرايا

    (حتى يطعم إلا العرايا).(إلا العرايا) العرايا فسرت بعدة تفسيرات، لكن قد يكون الأقرب لمعناها هنا: كون الإنسان يعطي فقيراً نخلة أو نخلتين.. يمنحها إياه، ثم يأتي الإنسان يتردد ويدخل كل يوم في ذلك البستان من أجل هذه النخلة، ومن أجل إصلاحها وخدمتها، فيتضرر به الذي منحه، يتضرر بدخوله عليه، فيستردها منه ويعطيه مكانها شيئاً مما يحصله من الثمر، فيكون أعطاه عرية عطية، ثم رجع واشتراها منه، ومعلوم أن هذا غير جائز، فالإنسان إذا تصدق فلا يشتري بعد ذلك صدقته، ولا يجوز له ذلك، لكن مثل هذا مستثنى من النهي؛ لما فيه من دفع الضرر الذي يحصل له بتردد ذلك الشخص على بستانه حيث يؤذيه ويلحق به حرجاً ومشقة وضرراً، فله أن يشتري الشيء الذي أعطاه إياه، ويكون ذلك مستثنى من كون الإنسان منهي أن يشتري صدقته ممن تصدق بها عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (أن النبي نهى عن المخابرة والمزابنة ...)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن المفضل].
    هو المفضل بن فضالة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء وأبي الزبير].
    عطاء مر ذكره، وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق يدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    جابر قد مر ذكره.

    شرح حديث جابر: (أن النبي نهى عن المحاقلة والمزابنة ...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني زياد بن أيوب حدثنا عباد بن العوام حدثنا سفيان بن حسين حدثنا يونس بن عبيد عن عطاء عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، وعن الثنيا إلا أن تعلم)، وفي رواية همام بن يحيى كالدليل على أن عطاء لم يسمع من جابر حديثه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان له أرض فليزرعها)].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه قوله: (نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة)
    المحاقلة قد عرفناها، وهي بيع الحب الجاهز الخالص بالحب على السنابل الذي في الزرع، أو استئجار الأرض بجزء مما يخرج منها، وقد عرفنا أن بعضها سائغ وبعضها لا يسوغ، فتفسيرها بحب يباع بحب، هذا لا يجوز، وكونه يستأجرها بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها، ذلك جائز.
    والمزابنة وهي تتعلق بالتمر، يعني بيع أوساق من التمر بالتمر على رءوس النخل.
    والمخابرة قيل: إنها بمعنى المحاقلة، وهي استئجار الأرض بجزء مما يخرج منها.
    (وعن الثنيا إلا أن تعلم) يعني: الاستثناء، (إلا أن تعلم) يعني معناه: لا تكون مجهولة، أو يكون فيها غرر، مثل كون الإنسان يقول: أعطيك هذه الأرض على أن تزرعها ولي من الزرع ألف صاع والباقي لك، فهذا لا يجوز؛ لأنه يمكن أن الأرض ما تخرج إلا ألف صاع، ما تخرج إلا هذا المقدار، فيحوزه أحدهما، والثاني الذي هو العامل يذهب عمله بدون مقابل، فهذا لا يجوز، وإنما يجوز بالثلث أو الربع، يعني استثناء ثلث أو ربع أو نصف أو ما إلى ذلك، يقول: هي لك إلا الثلث فإنه لي، هي لك إلا الربع فإنه لي، هذا شيء معلوم غير مجهول، أما إذا كان مجهولاً بأن يقول: تأخذ الأرض ولي سهمٌ منها، هذا شيء مجهول؛ لأن السهم لا يدرى ما هو.. يختلفون في معناه ولا يتفقون عليه، أو يقول العامل: لي ألف صاع والباقي لك، فيحوزه أحدهما دون الآخر، ولكن إذا كانت الثنيا في شيءٍ معلوم بأن يقول مثلاً: إلا الثلث فإنه لي، فإن هذا شيء معلوم النسبة، ولا بأس بذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (أن النبي نهى عن المحاقلة والمزابنة ...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرني زياد بن أيوب].زياد بن أيوب ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
    وكان الإمام أحمد بن حنبل يقول عنه: شعبة الصغير، يعني: لإتقانه وضبطه يشبهه بـشعبة المشهور بأنه أمير المؤمنين في الحديث، شعبة بن الحجاج الواسطي معروف بضبطه وإتقانه.
    [عن عباد بن العوام].
    عباد بن العوام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان بن حسين].
    سفيان بن حسين ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم في المقدمة، وأصحاب السنن الأربعة.
    الشيخ: في نسخة أبي الأشبال مسلم في المقدمة.
    [عن يونس بن عبيد].
    يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء عن جابر].
    عطاء عن جابر قد مر ذكرهما.

    شرح حديث جابر: (من كانت له أرض فليزرعها ...) من طريق خامسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني أحمد بن يحيى حدثنا أبو نعيم حدثنا همام بن يحيى سأل عطاء سليمان بن موسى قال: حدث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه، ولا يكريها أخاه) وقد روى النهي عن المحاقلة يزيد بن نعيم عن جابر بن عبد الله].أورد النسائي حديث جابر من طريق أخرى، وفيه يقول النسائي ما يدل على أن عطاء لم يسمع حديث (من كان له أرض فليزرعها أو ليزرعها، ولا يكريها) أنه لم يسمعه من جابر، وقد أورد فيه هذا الإسناد الذي فيه أن عطاء سأل سليمان بن موسى فحدثه عن جابر، معناه: أن بينه وبين جابر واسطة، فهذا يشعر بأنه ما سمع، لكن كما هو معلوم قد يروي بواسطة ثم يروي بغير واسطة، قال: سأل عطاء سليمان بن موسى قال: حدث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    هذا يمكن إذا كان في زمان جابر، وأنه سأل سليمان بن موسى فحدثه بواسطة، ثم بعد ذلك لقي جابراً وحدثه بغير واسطة على هذا لا يوجد إشكال، وإن كان يعني أنه ما حصل إلا السؤال، وأنه ما عرف إلا بواسطة، فيكون هذا الحديث إنما سمعه بواسطة، والواسطة معروف، وهو سليمان بن موسى.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (من كانت له أرض فليزرعها ...) من طريق خامسة


    قوله: [أخبرني أحمد بن يحيى].هو أحمد بن يحيى بن زكريا الأودي، ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [عن أبي نعيم].
    أبو نعيم هو الفضل بن دكين الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن همام بن يحيى].
    همام بن يحيى ثقة، ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    عطاء قد مر ذكره.
    [عن سليمان بن موسى]
    هو سليمان بن موسى الأموي، صدوق في حديثه بعض لين، أخرج له مسلم، والأربعة.
    [عن جابر].
    جابر قد مر ذكره.

    شرح حديث جابر: (أن النبي نهى عن الحقل وهي المزابنة) من طريق سادسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إدريس حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الحقل، وهي المزابنة)، خالفه هشام، ورواه عن يحيى عن أبي سلمة عن جابر].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه وهو: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحقل وهي المزابنة) وهذا تفسير الحقل بأنه المزابنة، لكن المشهور أن المزابنة تتعلق بالتمر وبالثمر، والمحاقلة أو الحقل يتعلق بالزرع.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (أن النبي نهى عن الحقل وهي المزابنة) من طريق سادسة


    قوله: [أخبرنا محمد بن إدريس].محمد بن إدريس هو أبو حاتم الرازي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه في التفسير.
    [عن أبي توبة].
    أبو توبة هو الربيع بن نافع الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن معاوية بن سلام].
    معاوية بن سلام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن نعيم].
    يزيد بن نعيم مقبول، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
    [عن جابر].
    جابر قد مر ذكره.

    شرح حديث جابر: (نهى رسول الله عن المزابنة ...) من طريق سابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الثقة حدثنا حماد بن مسعدة عن هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المزابنة، والمخاضرة، وقال: المخاضرة بيع الثمر قبل أن يزهو، والمخابرة بيع الكرم بكذا وكذا صاع) خالفه عمر بن أبي سلمة فقال: عن أبيه عن أبي هريرة].أورد النسائي حديث جابر من طريق أخرى (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمخاضرة).
    (المزابنة) وقد عرفناها أنها بيع أوسق من التمر بالتمر على رءوس النخل، وهي لا تجوز، (والمخاضرة بيع التمر قبل أن يزهو).
    وهي بيع التمر قبل أن يزهو، يعني كونه يبيعه وهو أخضر لم يحمر ولم يصفر ويطيب أكله كما جاء في الحديث، هذه هي المخاضرة، يعني: بيع التمر قبل أن يزهو.
    (والمخابرة بيع الكرم بكذا وكذا صاع).
    ثم ذكر المخابرة وفسرها بأنها بيع الكرم بكذا وكذا صاع.
    يعني: من الزبيب، فبيع الكرم في الشجر بكذا وكذا صاع من الزبيب هذا لا يجوز، وقد عرفنا أن المخابرة هي استجار الأرض بجزء مما يخرج منها، وأن ذلك سائغ، أو أنها تكون بمعنى المحاقلة التي هي بيع الحب في السنابل، وهذا لا يجوز.
    ولعل هذا هو أول موضع يمر بنا في سنن النسائي لا يذكر النسائي شيخه، وإنما يقول: أخبرني الثقة، أنا ما أتذكر أنه مر علينا تعبير النسائي بمثل هذا التعبير الذي مر بنا الآن.
    وكلمة (حدثني الثقة) هذه عند العلماء غير معتبرة في التوثيق، قالوا: لأنه قد يكون ثقةً عنده ومجروح عند غيره؛ حتى يعلم ويعرف أنه ثقة أو غير ثقة، لكن هذا تعديل مع الإبهام؛ لأنه أبهم شيخه ووثقه، وعند العلماء لا يعتبر قول الراوي: حدثني الثقة؛ لأنه قد يكون ثقةً عنده ومجروحاً عند غيره.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (نهى رسول الله عن المزابنة ...) من طريق سابعة

    قوله: [عن حماد بن مسعدة].حماد بن مسعدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن أبي عبد الله].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    يحيى بن أبي كثير مر ذكره.
    [عن أبي سلمة].
    هو ابن عبد الرحمن بن عوف، ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن جابر بن عبد الله].
    جابر بن عبد الله قد مر ذكره.


    ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر


    حديث أبي هريرة: (نهى رسول الله عن المحاقلة والمزابنة) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة) خالفهما محمد بن عمرو فقال: عن أبي سلمة عن أبي سعيد].أورد النسائي حديث أبي هريرة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة) وقد عرفناهما.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو عمرو بن علي الفلاس مر ذكره.
    [عن عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد بن إبراهيم].
    هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمر بن أبي سلمة].
    هو عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    قد مر ذكره.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.

    حديث أبي سعيد: (نهى رسول الله عن المحاقلة والمزابنة) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا يحيى وهو ابن آدم حدثنا عبد الرحيم عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة) خالفهم الأسود بن العلاء فقال: عن أبي سلمة عن رافع بن خديجِ].أورد النسائي حديث أبي سعيد رضي الله عنه (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة) وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].
    هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن يحيى هو ابن آدم].
    يحيى بن آدم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحيم].
    هو عبد الرحيم بن سليمان الكناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عمرو].
    هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري].
    أبو سلمة قد مر ذكره، وأبو سعيد هو سعد بن مالك بن سنان الخدري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بكنيته أبو سعيد، وبنسبته إلى الخدري، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حديث رافع بن خديج: (نهى رسول الله عن المحاقلة والمزابنة) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن حمران حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن الأسود بن العلاء عن أبي سلمة عن رافع بن خديج رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة) رواه القاسم بن محمد عن رافع بن خديج].أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة)، وقد مر ذكرهما مراراً.
    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].
    وهو زكريا بن يحيى السجزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن محمد بن يزيد بن إبراهيم].
    محمد بن يزيد بن إبراهيم مقبول، أخرج حديثه النسائي وابن ماجه.
    [عن عبد الله بن حمران].
    عبد الله بن حمران صدوق يخطئ قليلاً، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن عبد الحميد بن جعفر].
    عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [عن الأسود بن العلاء].
    الأسود بن العلاء ثقة، أخرج له مسلم والنسائي.
    [عن أبي سلمة عن رافع بن خديج].
    أبو سلمة عن رافع بن خديج قد مر ذكرهما.


    الأسئلة


    الاستناد إلى المصاحف

    السؤال: لوحظ أن بعض الشباب يسندون ظهورهم على دولاب المصاحف من جهة الأمام للمصاحف، ولما نبهوا على ذلك طالبوا من نبههم بالدليل، فنطلب من فضيلتكم التوجيه؟

    الجواب: كون أحد يسند ظهره على الدرج الذي فيه المصاحف، ويكون ظهره متصلاً بالمصاحف.. هذا ما ينبغي؛ لأن احترام المصحف مطلوب، فلا ينبغي ذلك للإنسان المسلم، نحن ما نعلم دليلاً خاصاً يدل على هذا، لكن احترام المصحف يقتضي ألا يجعل الإنسان ظهره إليه مباشرةً ويستند عليه، أما لو كان الإنسان في الصف واستند على جانبه الذي بينه وبينه ساتر، وهو اللوح الذي في ظهر الدرج، فما في هذا بأس إن شاء الله، لكن كونه يسند ظهره إلى المصحف مباشرةً، هذا في النفس منه شيء، وينبغي اجتنابه، و(دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، و(ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، وإذا كان الأمر فيه شبهة فالإنسان يترك ما فيه شبهة، وكونه لا يسند ظهره إليه، هذا لا شبهة فيه، وكونه يسند ظهره إليه، هذا فيه شبهة، هذا هو الذي يمكن أن يستدل به على مثل ذلك.

    وإذا كان درج المصاحف فوق الرأس على الجدار، فما الاستناد حينئذ بمحظور؛ لأنه ما يسند ظهره إلى المصاحف ما دام أن المصاحف مرفوعة من فوق.

    إذا مات الميت وعليه حقوق لله وللخلق فأيهما يقدم


    السؤال: إذا مات الإنسان وعليه دينٌ لله وللعباد، فأيهم يقدم دين الله أو دين العباد الذين هم الورثة؟

    الجواب: يقول العلماء: إذا كان على الإنسان حق لله وحق للعباد، فتقدم حقوق العباد على حق الله إذا لم يمكن توفية الجميع، قالوا: لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وحق الله مبني على المسامحة، والله تعالى يعفو ويتسامح، والعباد لا يسامحون، فحقوق العباد مقدمة وكون الإنسان عليه حقٌ لله مالي، وعليه ديون للناس، فحقوق الناس مقدمة.

    أما إذا كان ميراث فحق الله مقدم على الميراث؛ لأن هذا الحق لا يأتي إلا بعد ما ترد الحقوق التي على الإنسان، فالحقوق التي على الإنسان توفى من ماله، ثم بعد ذلك يأخذ الورثة ما يستحقون؛ لأن الدين الذي على الإنسان سواءٌ لله أو للآدميين يخرج أولاً، وأما إذا كان دين لله ودين للآدميين، وهو لا يفي بهما، فيقدم وفاء دين الآدميين على حق الله عز وجل؛ لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة، والله عز وجل حقوقه مبنية على المسامحة والتفضل.

    التكافؤ في الزواج

    السؤال: إذا خشي الرجل على نفسه العنت وصار الزواج في حقه واجباً، وهو لا يملك مئونة الزواج لمن تكافؤه في النسب والمجتمع، فهل يكون واجباً عليه ممن ليست كفئاً له، ولا من مجتمعه، لكنها مكافئةٌ له في الدين؟

    الجواب: إي.. نعم، يجب عليه أنه يبادر إلى ذلك، إلا إذا خشي أن يترتب على ذلك مفسدة بأن يكون قومه يلحقون به ضرراً، أو يحصل بينه وبين أهله نفرة وعداوة، فما ينبغي له هذا، لكن ينبغي له أن يطلب منهم مساعدته ما دام أنهم سيعترضون عليه، وسيلحقون به الأذى، وإذا لم يستطع لا هذا ولا هذا، فعليه أن يصوم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).


    الالتحاف أثناء الطواف

    السؤال: رجل يريد أداء العمرة، وقد أجرى عملية في قلبه، فهل يجوز له أن يلبس عباءً فوق الإحرام اتقاءً للبرد؟

    الجواب: نعم، إذا كان يخشى على نفسه ضرراً، أو أنه محتاج لهذا لحصول الضرر الذي يظنه غالباً على نفسه، فله أن يلتحف، وإن أمكنه أن يلتحف بشيءٍ ليس فيه فدية، كبطانية يلتحف بها مثل ما يلتحف بالرداء، فهذا لا بأس به، وليس عليه كفارة أو فدية، وأما إن لبس شيئاً مخيطاً كعباءة أو ثوب أو جبة.. أو ما إلى ذلك، فإنه يكون عليه فدية، وهو مخير بين واحدة من ثلاث: إما أن يذبح شاة، أو يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام.


    كفارة اليمين

    السؤال: شخص حلف ألا يؤدي العمرة مع بعض الأفراد، ولكنه عاد وأدى العمرة معهم، فما كفارة ذلك؟

    الجواب: حلف ألا يفعل ففعل، فلم يف بما حلف عليه، فكفارته كفارة يمين: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فمن لم يستطع لا هذا ولا هذا فعليه أن يصوم ثلاثة أيام.


    الأحاديث في المصنفات

    السؤال: كثيراً ما أجد في الكتب أن المصنف يأتي بالأحاديث الصحيحة ثم يأتي بالأحاديث الضعيفة، وقال: إن الأحاديث الضعيفة هذه إنما هي للاعتراض، السؤال: ما هي فائدة الاعتراض مع وجود الأحاديث الصحيحة؟

    الجواب: أصلاً ما في اعتراض، أقول: كلمة الاعتراض هذه لا معنى لها في هذا المكان، ولا يفهم لها معنىً صحيح، لكن إذا كان بعض الناس يجمع ما ورد في الباب مما صح وضعف، ومن المعلوم أن ما صح يغني عما فيه ضعف، والذي فيه ضعف يدل على أن له أصلاً بحيث لو رؤي هذا الذي جاء من طريق ضعيفة، وعرف أنه جاء من طريق صحيحة يعرف أن المعنى ثابت من طريق أخرى، فيفعل هذا من يجمع ما جاء في الموضوع مما صح وضعف؛ حتى يعلم الضعيف، وحتى يعلم الصحيح، ومن حيث الثبوت فالصحيح ما يغني عن الضعيف.


    الفرق بين الصفات الذاتية والفعلية

    السؤال: ما صحة تقسيم صفات الله تعالى إلى صفات خبرية وفعلية؟

    الجواب: الصفات الخبرية هي الصفات الفعلية، وإنما التقسيم الصحيح أن تقسم إلى ذاتية وفعلية، يعني شيء لا يتعلق بالمشيئة والإرادة، هذه صفة ذاتية، مثل كونه حياً سميعاً بصيراً.. هذا ما له علاقة بالمشيئة، يعني هو حي، سميع بصير، لا تعلق لذلك بالمشيئة، لكن كونه رازقاً خالقاً.. هذا يتعلق بالمشيئة.

    والخبرية هي التي جاء الخبر فيها عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو جاء في بعض الأحاديث، ثم الخبرية قد تتعلق بذاتية، لكنها ما أثبتها العقل، وما يثبتها النقل فالمتكلمون يقولون عنها: خبرية جاءت عن طريق آحاد، فلا يعول عليها، ومن الفعلية ما هو خبري، ومن الخبري يأتي ما هو فعلي، وقد يكون أيضاً ذاتياً وهو خبري، ولا يثبته المتكلمون، وأهل السنة يثبتونه إذا صح النقل.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #487
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المزارعة

    (484)

    - تابع باب ذكر الأحاديث المختلفـة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع [3]


    بين الشرع أن كراء الأرض بالثلث والربع وغير ذلك مما هو معلوم النسبة، أن هذا سائغ وصحيح، والمزابنة هي: بيع الأوساق من التمر بالتمر على رءوس النخل، والمحاقلة جاء في بعض الروايات تفسيرها بالمزابنة، وجاء في بعضها أنها تأجير الأرض بجزء مما يخرج منها، وجاء أنها بيع الحب بالحب في السنابل وفي الزرع.
    تابع ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر

    شرح حديث: (أن رسول الله نهى عن المحاقلة والمزابنة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم حدثنا عثمان بن مرة سألت القاسم عن المزارعة فحدث عن رافع بن خديج رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة). قال أبو عبد الرحمن: مرة أخرى].
    سبق في الدروس الماضية جملة من الأحاديث المتعلقة بالمزارعة، وهذه أيضاً جملة منها، أولها حديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة)، وقد عرفنا المحاقلة والمزابنة مراراً وتكراراً؛ لأن هذين اللفظين قد مرا كثيراً، وعرفنا أن المحاقلة جاء في بعض الروايات تفسيرها بالمزابنة، وجاء في بعضها أنها تأجير الأرض بجزء مما يخرج منها، وجاء أنها بيع الحب بالحب في السنابل وفي الزرع، وعرفنا أن ما كان مما يتعلق بالتأجير بالثلث والربع فإنه سائغ وجائز، وأنه مثل المضاربة ولا بأس به، وهي مشاركة من المالك والمزارع.
    وأما التفسير الثاني وهو بيع أوسق من الحب بالحب الذي في السنابل في الزرع فهذا لا يجوز؛ لأنه من قبيل الربا، وأما المزابنة فقد عرفنا أنها بيع الأوساق من التمر بالتمر على رءوس النخل، وعلة تحريمه هو كون الربا فيه موجود وذلك من جهة أنه إن كان البيع في الحال بأن استلم هذا الأوسق من التمر، واستلم هذا التمر على رءوس النخل، ففيه التفاضل من جهة أن ما في النخل مجهول وإن كانت الأوسق التي دفعها المشتري معلومة، وذلك أن بيع الجنس بالجنس كالتمر بالتمر من شرطه التماثل والتقابض، التساوي والتقابض، ومن المعلوم أن بيع أوساق من التمر معلومة بالرطب على رءوس النخل، التساوي غير موجود، وذلك من جهة جهالة مقدار ما على رءوس النخل، ومن جهة أنه لو بيع الرطب بالتمر متساوياً فإنه لا يصح؛ لأن الرطب ينقص إذا جف، فهو بيع مثلي بمثله غير متساوي، وقد عرفنا أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، وذلك لا يجوز.
    وعلى هذا فالمحاقلة والمزابنة إذا كانت بيع أوسق معلومة بحب على رءوس الزرع، أو بتمر على رءوس النخل، فإن هذا لا يجوز، وإن كان المراد بالمحاقلة أنها تأجير الأرض بالثلث والربع والنصف فهذا لا بأس به؛ لأنها شركة سائغة، وهي مثل المضاربة تماماً، يجوز فيها ما يجوز في المضاربة، وذلك أن المضاربة جائزة ومشروعة وسائغة باتفاق العلماء، وهي شركة بين العامل وبين المالك على أن الربح بينهما على النسبة التي يتفقان عليها، فكذلك من لا يجيد البيع والشراء ولكنه يجيد الزرع، يمكنه أن يعمل مشاركة مع صاحب الأرض على وفق ما هو موجود في المضاربة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نهى عن المحاقلة والمزابنة)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عاصم].
    أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عثمان بن مرة].
    عثمان بن مرة لا بأس به، أخرج له مسلم، والنسائي، وكلمة لا بأس به تعادل صدوق.
    [عن القاسم].
    هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن رافع بن خديج].
    رافع بن خديج رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [قال أبو عبد الرحمن: مرةً أخرى].
    يعني: أنه يسوق السند برجاله وبإسناده مرةً ثانية من طريق أخرى، إلا أن اللفظ يختلف، السند واحد والمتن يختلف.
    شرح حديث: ( إن رسول الله نهى عن كراء الأرض)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي قال أبو عاصم عن عثمان بن مرة قال: سألت القاسم عن كراء الأرض؟ فقال: قال رافع بن خديج رضي الله عنه: ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض)، واختلف على سعيد بن المسيب فيه].
    أورد الطريق الثانية عن القاسم بن محمد عن رافع بن خديج وهي مثل السابقة في الإسناد، إلا أنها ليست مثلها في اللفظ، وفيها النهي عن كراء الأرض، وكراء الأرض يكون منهياً عنه فيما إذا كان بشيء مجهول بأن يقول مثلاً: أؤجرك ولي سهم، ولا يعين ذلك السهم بحيث يكون جزءاً معلوم النسبة كثلث أو ربع، وكذلك أيضاً تأجيرها بشيءٍ معلوم مما تخرجه الأرض، هذا أيضاً لا يصح؛ لأن الأرض يمكن ألا تخرج إلا هذا المقدار، فيظفر به واحد ويحرم الثاني، كذلك أن يستثني أحدهما بقعة معينة، كأن قال: ما تنبته هذه البقعة، أو ما ينبت على السواقي، أو ما ينبت في كذا.. أو في كذا، فهذا أيضاً لا يجوز؛ لأن هذا يؤدي إلى الخصومة؛ ولأنه قد لا ينبت الزرع إلا في هذه البقعة، والباقي قد لا يحصل فيه نبات الزرع، فيكون في ذلك جهالة، فالنهي عن كراء الأرض إذا كان فيه جهالة، أو كان فيه علم يؤدي إلى أن يظفر أحد المتشاركين ويختص به دون الآخر، فذلك لا يجوز.
    أما إذا كان بأجرةٍ معينة يدفعها المستأجر للمؤجر ويقبض الأرض ويتصرف فيها، ويستفيد من غلتها، وهو قد دفع الأجرة التي استأجر بها، أو استأجر بالثلث والربع أو النصف.. أو بنسبة معينة يتفقان عليها، فلا بأس بذلك، أي: إنه إذا كان التأجير على سبيل المشاركة مثل ما هو موجود في المضاربة بالنصف والربع والثلث لا بأس بذلك، وإذا كان بأجرة معلومة يدفعها المستأجر للمؤجر ثم يقبض الأرض ويتصرف فيها، وذاك قبض أجرته، وهذا قبض أرضه، فلا بأس بذلك.
    والإسناد هو نفس الإسناد.
    شرح حديث رافع بن خديج في المزارعة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن أبي جعفر الخطمي -واسمه عمير بن يزيد - قال: (أرسلني عمي وغلاماً له إلى سعيد بن المسيب أسأله عن المزارعة؟ فقال: كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يرى بها بأساً حتى بلغه عن رافع بن خديج رضي الله عنه حديث، فلقيه فقال رافع: أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني حارثة فرأى زرعاً، فقال: ما أحسن زرع ظهير، فقالوا: ليس لـظهير، فقال: أليس أرض ظهير؟ قالوا: بلى، ولكنه أزرعها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خذوا زرعكم وردوا إليه نفقته، قال: فأخذنا زرعنا، ورددنا إليه نفقته) ورواه طارق بن عبد الرحمن عن سعيد، واختلف عليه فيه].
    أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه، وأن ابن عمر رضي الله عنه كان لا يرى في تأجير الأرض بأساً، حتى لقي رافع بن خديج وأخبره بأن النبي صلى الله عليه وسلم مر ببني حارثة فوجد مزرعةً لـظهير، فقال: ما أحسن مزرعة ظهير، قالوا: إنها ليست لـظهير، إنها لشخصٍ أزرعه إياها، معناه: أجره إياها، يعني لا ندري كيفية التأجير الذي تم بينهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا زرعكم وردوا عليه نفقته)، يعني ما يصلح التأجير وإنما الذي يصلح هو الإحسان والإرفاق وأن الإنسان يزرع بنفسه أو يمنح غيره.
    قوله: (خذوا زرعكم) يعني الزرع الذي زرعه العامل خذوه لأنه حصل في أرضكم، والنفقة التي أنفقها المزارع ردوها عليه، وأعطوها إياه، وقد جاء في بعض الروايات والتي ستأتي: أن عبد الله بن عمر كان لا يرى بأساً بتأجير الأرض، وكان يؤجر أو يؤاجر أراضيه، ولما بلغه عن رافع بن خديج: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فخشي أن يكون أتى فيها شيء خلاف ما كان يعلمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فترك ذلك تورعاً، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    والأمر كما ذكرت؛ أن المنع يكون في بعض الأحوال، والجواز يكون في بعض الأحوال، فحيث يكون الغرر والجهالة، فهذا لا يجوز، وحيث يكون شيئاً معلوماً لا محظور فيه ولا جهالة، ولا يترتب عليه تضرر أحدهما، فإن هذا لا بأس به.
    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج في المزارعة
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    محمد بن المثنى هو أبو موسى العنزي الملقب بـالزمن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد].
    أبو جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن سعيد].
    هو سعيد بن المسيب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن رافع].
    رافع بن خديج قد مر ذكره.
    شرح حديث رافع بن خديج في المزارعة من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن طارق، عن سعيد بن المسيب، عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة، وقال: إنما يزرع ثلاثة: رجلٌ له أرض فهو يزرعها، أو رجلٌ منح أرضاً فهو يزرع ما منح، أو رجلٌ استكرى أرضاً بذهبٍ أو فضة) ميزه إسرائيل عن طارق فأرسل الكلام الأول، وجعل الأخير من قول سعيد].
    أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه النهي عن المحاقلة والمزابنة، وقال: إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض فهو يزرع ما ملك، ورجل منح أرضاً فهو يزرع ما منح، ورجل اكترى بذهب أو فضة، وهذا فيه التنصيص على أن الاكتراء بالذهب والفضة سائغ، وهو يخالف ما تقدم من النهي عن كراء الأرض، وهو لفظ مطلق، وهو يدل على جوازه بالذهب والفضة، يعطيه الأجرة ويقبض الأرض، هذا سلم الأرض لينتفع بها، وهذا أخذ أجرته على ذلك، فالكراء بالذهب والفضة لا بأس به، وكذلك الكراء بالثلث والربع والنصف لا بأس به.
    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج في المزارعة من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الأحوص].
    هو أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طارق].
    وهو طارق بن عبد الرحمن البجلي، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج].
    قد مر ذكرهما.
    حديث سعيد بن المسيب: (نهى رسول الله عن المحاقلة) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن طارق عن سعيد أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة) قال سعيد: فذكره نحوه، رواه سفيان الثوري عن طارق].
    ميزه إسرائيل عن طارق، فجعل في الأول الروية عن سعيد مرسلة ليس فيه ذكر طارق، وفي الثاني جعله من كلام سعيد.
    الملقي: فجعل الأول مرسلاً ليس فيه ذكر رافع، تابعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، والثاني أو الأخير جعله من كلام سعيد نفسه.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].
    هو أحمد بن سليمان الرهاوي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عبيد الله بن موسى].
    عبيد الله بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إسرائيل].
    هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طارق عن سعيد].
    طارق وسعيد قد مر ذكرهما.
    تراجم رجال إسناد مرسل سعيد بن المسيب: (نهى رسول الله عن المحاقلة)

    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].
    هو أحمد بن سليمان الرهاوي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عبيد الله بن موسى].
    عبيد الله بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إسرائيل].
    هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طارق عن سعيد].
    طارق وسعيد قد مر ذكرهما.
    شرح أثر سعيد بن المسيب: (لا يصلح الزرع غير ثلاث ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن علي -وهو ابن ميمون - حدثنا محمد حدثنا سفيان عن طارق قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: لا يصلح الزرع غير ثلاث: أرض يملك رقبتها، أو منحة، أو أرض بيضاء يستأجرها بذهب أو فضة، وروى الزهري الكلام الأول عن سعيد فأرسله].
    أورد النسائي ما تقدم عن سعيد بن المسيب ولكنه من قوله ليس مرفوعاً، وقال: لا يصلح الزرع غير ثلاثٍ.
    يعني ثلاثة أحوال يصلح فيه المزارعة:
    (أرض يملك رقبتها) يعني: يملكها؛ لأنه يقال رقبة للعين فملك رقبة الدار، أي: عين الدار، وقيل: رقبة؛ لأن في الأصل أن من ملك شيئاً من الحيوانات أخذ برقبته وقاده، فصاروا يعبرون عن الشيء الذي يملكه الإنسان بالرقبة، يعني إشارةً إلى أن ما كان من الحيوانات عندما يملك يأخذ الإنسان برقبته، معناه بملكه وقاده وحازه، فصاروا يعبرون عن كل شيءٍ معين برقبة.. رقبة الدار، رقبة السيارة، رقبة كذا، يعني تقابل العين، أو تماثل العين.
    أرض يملك رقبتها يزرعها بنفسه.
    (أو منحة)، إنسان منح أرضاً فهو يزرعها؛ لأنه منح إياها.
    (أو أرض بيضاء يستأجرها بذهب أو فضة)، وهذا مثل ما تقدم.
    وذكر أولاً أنه مرفوع، ثم ذكر في الطريق الثانية أنه مقسوم إلى قسمين: قسم أرسله سعيد، وقسم هو من قوله، ثم ذكر حديثاً آخر هو من قوله، وهو مثل الفقرة الثانية التي قال عنها في الإسناد الذي قبله: إنه من قوله؛ لأن فيه ذكر الأمور الثلاثة التي هي: كون الإنسان يزرع ما ملك، أو يزرع ما منح، أو اكترى بذهب أو فضة.
    تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن المسيب: (لا يصلح الزرع غير ثلاث ...)

    قوله: [أخبرني محمد بن علي هو ابن ميمون].
    محمد بن علي هو ابن ميمون الرقي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    وكلمة (هو ابن ميمون) هذه قالها من دون النسائي، وهذا يبين لنا أن من دون النسائي يزيد في شيوخ النسائي من يحتاج إلى إيضاحٍ وبيان ويقول: هو؛ لأن هذا لا يكون من كلام النسائي؛ لأنه لو كان من النسائي فما كان يحتاج إلى أن يقول: هو ابن ميمون، بل يقول: محمد بن علي بن ميمون الرقي، هكذا يقول بدون أن يقول: هو، لكن غير التلميذ هو الذي يقول: هو، إذا أراد أن يوضح ويبين، وهذا يبين لنا أن غير النسائي يضيف إلى كلام النسائي ما يوضحه ويبينه.
    [عن محمد].
    محمد هو ابن يوسف الفريابي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن طارق عن سعيد].
    طارق عن سعيد قد مر ذكرهما.
    حديث سعيد بن المسيب: (أن رسول الله نهى عن المحاقلة والمزابنة ...) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة)، ورواه محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة عن سعيد بن المسيب فقال: عن سعد بن أبي وقاص].
    أورد هذه الطريق الثانية وهي توافق الطريق التي قبل هذه حيث أرسل الأول وجعل الثاني من كلامه، ثم أورد إسناداً متنه يطابق ما هو من كلام سعيد، ثم ذكر إسناداً آخر وأتى بمتن يطابق ما أرسله سعيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة) وهذا مرسل؛ لأن سعيد بن المسيب قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، وما ذكر الصحابي، ما ذكر واسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمرسل هو ما يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو المرسل.
    قوله: [قال الحارث بن مسكين].
    هنا عبر بقال الحارث بن مسكين، وما قال: أخبرني الحارث بن مسكين، أو حدثني الحارث بن مسكين، وقد عرفنا من قبل أن النسائي له مع الحارث بن مسكين شيخه حالتان: حالة كان بينه وبينه وئام، وحالة كان بينه وبينه نفرة، وكان في الحالة الأولى يحضر حلقته بإذنه، فما سمع القارئ يقرأ عليه، يرويه بقوله: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، وأما إذا كان في الحالة التي كان بينه وبينه فيها عدم وفاق ووئام، فكان يأتي وقد منعه من حضور حلقته، يأتي ويجلس من وراء الستار ويسمع، والحارث بن مسكين لا يدري عنه، ويروي عنه لكن لا يقول: أخبرنا؛ لأن الحارث بن مسكين ما قصد إخباره وتحديثه؛ لأنه أتى من دون علمه، وهذا سائغ عند المحدثين كون الإنسان يروي عن الشيخ، والشيخ لا يريد له أن يروي عنه، يعني: يأتي مع الناس ويسمع مختفياً ثم يقول: قرئ عليه وأنا أسمع، أو: قال كذا وأنا أسمع، فهذا لا بأس به، ففي هذه الحالة النسائي لا يقول: أخبرنا، وإنما يقول: قال الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، والحارث بن مسكين، ثقة فقيه، مصري، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم، صاحب الإمام مالك، ثقة فقيه، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة بمذاهب أهل السنة، وهي: مذهب أبي حنيفة، ومذهب مالك، ومذهب الشافعي، ومذهب الإمام أحمد، هذه هي المذاهب الأربعة، وهي مذاهب أهل سنة، ليست مذاهب أهل بدعة كما يقال: المذاهب الثمانية، وبعض الناس يحاول أنه يجمع موسوعات لأصحاب المذاهب الثمانية، وهي مذهب الزيدية، ومذهب الإباضية، ومذهب الظاهرية، ومذهب الجعفرية، يعني المذاهب المشهورة من مذاهب أهل السنة هي هذه الأربعة، وأما غيرها فهو ليس مثلها وإن كان الظاهرية هم أخف من غيرهم، ولكنهم ابتلوا بالأخذ بالظاهر وعدم الأخذ بالقياس.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    سعيد بن المسيب قد مر ذكره.
    شرح حديث: (كان أصحاب المزارع يكرون في زمان رسول الله ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم حدثني عمي حدثنا أبي عن محمد بن عكرمة عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: (كان أصحاب المزارع يكرون في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مزارعهم بما يكون على الساقي من الزرع، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاختصموا في بعض ذلك، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكروا بذلك وقال: أكروا بالذهب والفضة) وقد روى هذا الحديث سليمان عن رافع فقال: عن رجل من عمومته].
    أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، وفيه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه كانوا يكرون على ما يكون على السواقي، معناه: أحد الاثنين يقول: لي الذي ينبت على السواقي والباقي لك، أي: الذي يكون على حافة الماء، والذي يشرب من الماء دائماً وأبداً، ويحسن ويظهر جيداً، فيكون مفيداً ومثمراً، يشترطه أحدهما، فإذا ظهر وصلح وغيره ما صلح، فيختصمون يقول: أنا اشتغلت.. أنا تعبت وما حصلت شيئاً، وأنت أخذت الذي على السواقي؛ لأنه نبت كله، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم؛ لأن فيه جهالة حيث يحوزه أحدهما دون الآخر، أما لو كان بالثلث أو النصف، ولو كان صاعاً واحداً يكون بينهما، واحد منهما له النصف والثاني له النصف الآخر، أو واحد منهما يأخذ ثلثاً، والثاني يأخذ ثلثين، أما أن يكون أحدهما له آصع معينة والباقي لفلان، أو يكون له ما ينبت على السواقي وحافة النهر وحافة الماء، والثاني له الباقي أو غير ذلك.. فهذا يؤدي إلى الخصومة والفوضى والنزاع، وهذا لا يصح ولا يسوغ، وإنما يكون بالذهب والفضة، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن يكروا بالذهب والفضة، إنسان يستأجر أرضاً، يدفع الأجرة بالذهب والفضة، ويمسك الأرض، وما يخرج منها يكون له، أي: للمزارع؛ لأنه دفع الأجرة وانتهى، وصاحب أخذ نصيبه من قبل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان أصحاب المزارع يكرون في زمان رسول الله ...)

    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم].
    هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود، الترمذي والنسائي.
    [عن عمه].
    وهو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    يعني يعقوب يروي عن أبيه، وأبوه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عكرمة].
    محمد بن عكرمة مقبول، أخرج حديثه مسلم، والنسائي.
    [عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة].
    محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة ضعيف كثير الإرسال، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص].
    سعيد بن المسيب قد مر ذكره.
    وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والحديث وإن كان في إسناده رجل ضعيف كثير الإرسال، إلا أنه قد جاء من طريق أخرى بهذا اللفظ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن تكرى الأرض بأشياء معينة تنبت على السواقي وما إلى ذلك، هذا سيأتي في حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو في معنى ما يأتي، فهذا اللفظ قد صح من طريق أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الأسئلة

    كيفية الكراء بالذهب والفضة


    السؤال: كيف يكون الكراء بالذهب والفضة؟
    الجواب: يأتي الإنسان إلى صاحب أرض ويقول: أستأجر أرضك منك هذه السنة لأزرعها وأدفع لك ألف ريال، خذها، فيأخذ الألف ريال، وهذا يقبض الأرض ثم يزرعها، وكل ما يأتي من الزرع هو للمزارع، وصاحب الأرض قبض ألف ريال هي الأجرة، هذا شيءٍ معلوم مضمون ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وفي غيره.
    بدع شهر رجب


    السؤال: نرجو من فضيلتكم أن تكلمونا عن شهر رجب وعن هذه الليلة بالخصوص؟

    الجواب: شهر رجب من الأشهر الحرم التي هي أربعة من اثني عشر شهراً، واحدٌ منها فرد وهو رجب، وثلاثةٌ منها متتالية، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، واحدٌ منها في وسط السنة وهو رجب ولهذا يقال له: رجب، الفرد؛ لأنه شهرٌ حرام مفرد ليس قبله شهرٌ حرام ولا بعده شهر حرام، وإنما جاء في وسط السنة منفرداً عن الأشهر الحرم، ولم يثبت فيه شيءٍ يخصه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    وقد جاء فيه بدعتان إحداهما: صلاة الغائب، والثانية: ليلة الإسراء والمعراج التي يحتفل بها كثير من الناس، فصلاة الغائب التي هي إحياء أول ليلة جمعة من رجب، وهذه ما ثبت فيها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي بدعة محدثة.
    والأمر الثاني: أن ما انتشر عند كثير من الناس أن ليلة سبع وعشرين هي ليلة الإسراء والمعراج، وأنها يحتفل بها بحيث تخص دون غيرها من الليالي، وهذا -أولاً- ما ثبت أن الإسراء والمعراج في هذه الليلة، لم يثبت أنه في ليلة معينة هي ليلة سبعة وعشرين أو غيرها.. لم يثبت ذلك، فيه أقوالٌ كثيرة قيل كذا، وقيل كذا، وقيل كذا.
    والصحيح: أنه لم يثبت في تعيينها شيء يدل على ذلك، ثم لو ثبت في تعيينها شيء، ما يسوغ أن تخص بشيء إلا بدليل؛ لأن العبادات مبناها على التوقيت، وليس مبناها على الابتدار، وعلى ما تهواه وتميل إليه النفوس، لو ثبت أن ليلة سبع وعشرين ليلة الإسراء والمعراج، لا يجوز لأحد أن يقدم على تخصيصها بشيءٍ من ذلك إلا بدليل؛ لأن الحق والاعتبار بما يثبت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وعلى هذا ليس هناك شيء يدل على تخصيص رجب إلا كونه من الأشهر الحرم، ولا يخص بشيءٍ دون غيره، ولم يثبت فيه شيءٍ يخصه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    أسماء الله الحسنى


    السؤال: هذا أخ أرسل لنا بطاقة مكتوب فيها: الأسماء الحسنى تسعة وتسعون، هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك.. إلى آخرها، فيسأل عن صحة هذه الأسماء؟

    الجواب: أولاً سرد الأسماء ما ثبت فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي ثبت (إن لله تسعةً وتسعين اسماً، مائةً إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة) وهذا متفق عليه، وجاء عند الترمذي سردها في بعض الروايات ولكنه عند الحفاظ مدرج، يعني من كلام بعض الرواة وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو غير ثابت سردها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا العلماء حرصوا على أن يجمعوا من الكتاب والسنة تسعة وتسعين، وقد حاول جماعة من العلماء المتقدمين والمتأخرين أن يجمعوا تسعة وتسعين، ولو كان هناك نصٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان هناك حاجة للمحاولة، بل يأخذون بالنص، لكن النص الذي ورد فيه تسعة وتسعون اسماً جاء في سنن الترمذي، ولكنه مدرج، يعني: من كلام بعض الرواة، أراد أن يبين هذه التسعة والتسعين، وليس ذلك ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #488
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المزارعة

    (485)

    - تابع باب ذكر الأحاديث المختلفـة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع [4]


    كراء الأرض بالثلث والربع ونحوه مما هو معلوم النسبة سائغ صحيح، والمزابنة هي: بيع الأوساق من التمر بالتمر على رءوس النخل، والمحاقلة جاء في بعض الروايات تفسيرها بالمزابنة، وجاء في بعضها أنها تأجير الأرض بجزء مما يخرج منها، ونهى الإسلام عن كل معاملة فيها غرر، وتؤدي إلى الخصومة والنزاع.


    ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر


    شرح حديث رافع بن خديج: (... نهانا أن نحاقل بالأرض ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني زياد بن أيوب حدثنا ابن علية أخبرنا أيوب عن يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (كنا نحاقل بالأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى، فجاء ذات يوم رجل من عمومتي فقال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر كان لنا نافعاً، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا، نهانا أن نحاقل بالأرض، ونكريها بالثلث والربع والطعام المسمى، وأمر رب الأرض أن يزرعها أو يزرعها، وكره كراءها، وما سوى ذلك أيوب لم يسمعه من يعلى )].أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، عن رجل من عمومته. (كنا نحاقل بالأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى)، يعني: ثلث ما يخرج، ربع ما يخرج، نصف ما يخرج، (والطعام المسمى) بأن يقول مثلاً: لي ألف كيلو والباقي لك، يعني إذا خرجت الثمرة، فيكون لي ألف كيلو مثلاً أو ألف صاع والباقي لك، الرسول نهاهم عن ذلك؛ لأن هذا الذي هو ألف كيلو طبعاً لا يجوز، وأما بالنسبة للثلث والربع، فقد جاء في حديث قصة خيبر، ومعاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود على أن يعملوها بنصف ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فهذا ثابت إما أن يكون هذا أولاً ثم نسخ، أو يكون الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن أن يعطوها مزارعةً بثلث أو بأي طريقة من الطرق، وأرشدهم إلى ما هو الأكمل والأفضل، وهو أن يمنحوها، ولا شك أن المنحة خير من الإيجار، وإرشاد إلى ما هو الأكمل والأفضل، وإلى ما هو الأولى، ومن حيث الثلث والربع، هذا ثابت في قصة خيبر في الصحيحين وفي غيرهما، (أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على النصف مما يخرج منها من ثمر أو زرع).
    قوله: (فجاء ذات يوم رجل من عمومتي فقال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعاً، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا).
    هذا مثل الكلام الذي تقدم في أول كتاب المزارعة، يعني من تكرار هذه العبارة عن رافع بن خديج: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان نافعاً لنا، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لنا وأنفع لنا من هذا الذي كنا نستفيد نهانا أن نحاقل بالأرض ونكريها بالثلث والربع والطعام المسمى، وأمر رب الأرض أن يزرعها أو يزرعها، وكره كراءها).
    قوله: (يزرعها) يعني: يعطيها بالمجان، يعني: يمنحها، (وكره كراءها)، يعني: كره كراءها أنها تكرى بأي طريقة من الطرق، يعني بهذه الأشياء التي ذكرت وبغيرها، ونهى عن كرائها.
    قوله: (وكره كراءها) لا أدري هل هو (ما سوى ذلك) تابعة لقوله: (كره كراءها)، ومعطوف على كراءها، وما سوى ذلك يعني: كراها بهذا الذي ذكر وبغيره، وأرشد إلى المنح فقط، ثم قال: أيوب لم يسمعه، أيوب، وهذا يصير كلاماً مستأنفاً فـأيوب لم يسمعه من يعلى.
    ثم ذكر الإسناد الذي فيه أن أيوب لم يسمع من يعلى، فيحتمل أن يكون (كره كراءها ما سوى ذلك)، يعني: أن يكون كره كراءها في الذي ذكر، وهو الثلث والربع والطعام المعين وما سوى ذلك، أيضاً، وغير ذلك من الطرق الأخرى التي يكون فيها التأجير، ويدخل في ذلك الذهب والفضة، وأن الأكمل والأفضل هو المنح والأخذ بما هو أفضل وأكمل، وهو كون الإنسان يمنحها. وقد مر جملة من الروايات العديدة التي مرت أن الإنسان (يزرعها أو يمنحها أو يمسكها، ولا يؤاجرها)، فيكون قوله: (وما سوى ذلك)، معطوفاً على الكراء، أي: (كره كراءها) بما ذكر وبما لم يذكر، أو أن قوله: (وما سوى ذلك)، يعني أيوب لم يسمعه، لكن هذا غير واضح؛ لأن ما سوى ذلك من الكلام المتقدم، وهو كلام طويل، وفيه تفصيل ذكر النهي عن المحاقلة بأمور معينة، وإرشاد إلى أن الإنسان يزرع أرضه أو يزرعها ولا يكريها.
    وهو في السنن الكبرى هنا جعل الكلام (وما سوى ذلك) مفصولاً، وجعل القوس أو التقويس قبل (وما سوى ذلك)، لكن في السنن الكبرى جعل الكلام مساقاً واحداً، ثم ابتدأ من أول السطر أيوب لم يسمعه من يعلى، وأن ذاك الكلام انتهى، ثم أتى على طريقته بعدما يذكر الأحاديث يشير إلى حديثٍ سيأتي بعد، ويقول قبله ما يريد أن يقوله، وهنا أيوب لم يسمعه، معناه: أنه ما فيه سماع، وإنما بالمكاتبة، والمكاتبة لا بأس بها؛ لأنها طريقة صحيحة، وتغني عن السماع، وتقوم مقام السماع، وهي نوع من أنواع التحمل، والتحمل بها صحيح، وقد أخذ بها البخاري وغيره، وفي صحيح البخاري في موضعٍ من المواضع قال: كتب إلي محمد بن بشار، وهو شيخه الذي يروي عنه كثيراً، فالرواية بالمكاتبة كثيرة جداً، وكذلك أيضاً في التابعين كتب فلان إلى فلان يسأله فأجابه بكذا وكذا، ثم روى عنه بالمكاتبة.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (... نهانا أن نحاقل بالأرض ...)


    قوله: [أخبرني زياد بن أيوب].ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا ابن علية].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، المشهور بـابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يعلى بن حكيم].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن سليمان بن يسار].
    ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن رافع بن خديج].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد مر ذكره، عن رجلٍ من عمومته.

    حديث رافع بن خديج: (كنا نحاقل الأرض نكريها بالثلث ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد عن أيوب قال: كتب إلي يعلى بن حكيم: أني سمعت سليمان بن يسار يحدث عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (كنا نحاقل الأرض نكريها بالثلث والربع والطعام المسمى) رواه سعيد عن يعلى بن حكيم].أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه يعني من طريقٍ أخرى، وهو مثل ما تقدم، يعني: كانوا يكرون بكذا وكذا، فنهوا وأرشدوا إلى ما هو الأولى والأفضل.
    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].
    هو زكريا بن يحيى السجزي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد بن عبيد].
    هو محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
    [حدثنا حماد].
    هو حماد بن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب قال: كتب إلي يعلى بن حكيم: أني سمعت سليمان بن يسار يحدث عن رافع بن خديج].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.
    قوله: أيوب لم يسمعه من يعلى لا يؤثر؛ لأنه قال: كتب إلي يعلى، وهذه طريقة صحيحة في الرواية والتحمل ثابتة، والأخذ بها موجود في الصحيحين وفي غيرهما، وهي معتبرة، وقد جاءت عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يأخذوا بالمكاتبة ويروون بالمكاتبة، لكن قوله: (لم يسمع) يعني: لم يحصل السماع، وإنما هو عن طريق المكاتبة، وهذا ليس قدحاً؛ لأن المكاتبة أو الرواية بالمكاتبة صحيحة ثابتة، وقد روى البخاري في صحيحه عن شيخه محمد بن بشار الذي يروي عنه كثيراً حديثاً واحداً قال فيه: كتب إلي محمد بن بشار، وأنا قد ذكرته في الفوائد المنتقاة من فتح الباري.

    حديث رافع بن خديج: (كنا نحاقل على عهد رسول الله ... ولا يكاريها بثلث ولا ربع ولا طعام مسمى) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث عن سعيد عن يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار: أن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: (كنا نحاقل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فزعم أن بعض عمومته أتاه فقال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعاً، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا، قلنا: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من كانت له أرضٌ فليزرعها، أو ليزرعها أخاه، ولا يكاريها بثلثٍ ولا ربعٍ ولا طعامٍ مسمى)، رواه حنظلة بن قيس عن رافع، فاختلف على ربيعة في روايته].يعني: أمر بأن يزرعوا أو يمنحوا، ونهاهم عن أن يزرعوها بالثلث والربع والطعام المسمى، وعرفنا التفصيل والجواب الذي فيه تفصيل ذلك، وأنه يسوغ في بعض الأحوال، ولا يسوغ في بعضها.
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا خالد بن الحارث].
    هو خالد بن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد].
    هو سعيد بن أبي عروبة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج أن بعض عمومته].
    وقد مر ذكر هؤلاء.

    شرح حديث رافع بن خديج: (أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد رسول الله ... ليس بها بأس بالدينار والدرهم) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا حجين بن المثنى حدثنا الليث عن ربيعةابن أبي عبد الرحمن عن حنظلة بن قيس عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: حدثني عمي: (أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما ينبت على الأربعاء، وشيء من الزرع يستثني صاحب الأرض، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقلت لـرافع: فكيف كراؤها بالدينار والدرهم؟ فقال رافع: ليس بها بأس بالدينار والدرهم)، خالفه الأوزاعي].أورد النسائي حديث رافع بن خديج يبين أن الذي كان نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم شيء فيه جهالة، وأنه جاء وهم يحاقلون بأن يؤجروا ما ينبت على الأربعاء، والمقصود به الربيع، يعني ما يكون على حافة النهر، وهو النهر الصغير يعني ما ينبت حوله، يستثنيه واحد منهم يقول: لي والباقي لك، أو أماكن معينة بأن يقول: البقعة الفلانية هذه لي والباقي لك، فالرسول نهاهم عن ذلك، وأرشدهم إلى أن يكروا بالذهب والفضة.
    قال السائل: فقلت: (فكيف كراءها بالدينار والدرهم؟ قال: لا بأس بذلك).

    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد رسول الله ... ليس بها بأس بالدينار والدرهم) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا حجين بن المثنى].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن].
    هو المشهور بـربيعة الرأي، وهو شيخ الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حنظلة بن قيس].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن رافع بن خديج قال: حدثني عمي ].
    وقد مر ذكر هؤلاء.

    شرح حديث رافع بن خديج: (إنما كان الناس على عهد رسول الله يؤاجرون على الماذيانات ...) من طريق خامسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني المغيرة بن عبد الرحمن حدثنا عيسى هو ابن يونس حدثنا الأوزاعي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة بن قيس الأنصاري، قال: (سألت رافع بن خديج رضي الله عنه عن كراء الأرض بالدينار والورق؟ فقال: لا بأس بذلك، إنما كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يؤاجرون على الماذيانات، وأقابل الجداول، فيسلم هذا ويهلك هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به)، وافقه مالك بن أنس على إسناده وخالفه في لفظه].أورد النسائي حديث رافع بن خديج، وفيه التفصيل يبين أن المنهي عنه أنواعاً معينة فيها جهالة، وفيها غرر.
    قوله: (كانوا يؤاجرون على الماذيانات)، يعني: أماكن تتميز بالماء، و(تروى بالماء)، وأقبال الجداول، رءوسها التي على حافتها.
    قوله: (فيسلم هذا)، يعني الذي على الماذيانات وأقبال الجداول الذي على الماء يسلم ويثمر، ويهلك الذي ليس حول الماء، وليس قريباً من الماء، (ويسلم هذا ويهلك هذا، ويهلك هذا ويسلم هذا)، فزجرهم عن ذلك؛ لأن هذا فيه غرر، وفيه جهالة، واحد يحوز الفائدة والثاني يذهب عمله بالمجان، واحد يذهب بلا شيء، والثاني يفوز بالحاصل، والثمرة هو النتيجة، فنهوا عن ذلك.
    قوله: (أما شيء معلوم مضمون فلا بأس به)، يعني: الشيء المعلوم مثل الربع والثلث؛ لأن هذا شيء مضمون ومعلوم، ما فيه جهالة، لو طلع صاع واحد يكون بينهم نصفين، ولو طلع آلاف الآصع تكون بينهم، وكذلك إذا أجر بدراهم ودنانير، يعني شيء معلوم، دفع الأجرة وهذا قبض الأرض لا بأس بذلك، شيء معلوم مضمون، وهذا يبين ما أجمل يعني فيما تقدم من النصوص التي فيها النهي، وهو عن رافع نفسه.
    ولهذا لما ذكر الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام الحديث، وهو عند البخاري، ومسلم، قال: وهذا فيه بيان لما أجمل في المتفق عليه من النهي عن كراء الأرض، يعني: أن النهي عن شيء معين فيه جهالة، أما شيء يكون معلوماً مضموناً لا جهالة فيه ولا غرر، فهذا لا بأس به.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (إنما كان الناس على عهد رسول الله يؤاجرون على الماذيانات ...) من طريق خامسة


    قوله: [أخبرني المغيرة بن عبد الرحمن].هو المغيرة بن عبد الرحمن الحراني، ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [أخبرنا عيسى بن يونس].
    هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الأوزاعي].
    الأوزاعي هو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة بن قيس عن رافع بن خديج].
    وقد مر ذكر هؤلاء.

    شرح حديث رافع بن خديج: (نهى رسول الله عن كراء الأرض ...) من طريق سادسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا مالك عن ربيعة عن حنظلة بن قيس قال: (سألت رافع بن خديج رضي الله عنه عن كراء الأرض؟ فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كراء الأرض، قلت: بالذهب والورق؟ قال: لا، إنما نهى عنها بما يخرج منها، فأما الذهب والفضة فلا بأس)، رواه سفيان الثوري رضي الله عنه عن ربيعة ولم يرفعه].أورد النسائي حديث رافع بن خديج من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، إلا أنه فيه شيء من الإجمال؛ لأنه قال:
    (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض، فقال له..).
    يعني هذا مطلق، يعني يختلف لفظ ذاك الذي تقدم ففيه التفصيل أقول: فيه التفصيل والإيضاح لما أجمل في هذه الرواية وفي غيرها، أما قوله: (في الذهب والفضة فلا بأس)، وهو لا بأس به، في الذهب والفضة، وفي أي شيء معين يدفعه المستأجر للمؤجر، وكذلك بالثلث والربع.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (نهى رسول الله عن كراء الأرض...) من طريق سادسة


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا مالك].عمرو بن علي عن يحيى القطان عن مالك، وقد مر ذكرهم.
    [عن ربيعة عن حنظلة عن رافع بن خديج].
    وكلهم مر ذكرهم.

    شرح أثر: (سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض البيضاء بالذهب والفضة فقال: حلال ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك عن وكيع حدثنا سفيان عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة بن قيس قال: سألت رافع بن خديج رضي الله عنه عن كراء الأرض البيضاء بالذهب والفضة؟ فقال: حلال لا بأس به، ذلك فرض الأرض. رواه يحيى بن سعيد عن حنظلة بن قيس، ورفعه كما رواه مالك عن ربيعة].أورد النسائي الأثر عن رافع موقوفاً عليه، (أنه سئل عن كرائها بالذهب والورق؟ فقال: لا بأس به حلال) لا بأس به.
    قوله: (ذلك فرض الأرض)، يبدو -والله أعلم- أن المقصود به أن هذا هو الذي تستحقه الأرض أو يجوز أن تستحل به الأرض، أو تؤخذ الأرض به.

    تراجم رجال إسناد أثر: (سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض البيضاء بالذهب والفضة فقال: حلال ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك عن وكيع].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، مر ذكره، ووكيع هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان الثوري، وقد مر ذكره.
    [عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة قال: سألت رافعاً].
    وقد مر ذكر هؤلاء.

    شرح حديث رافع بن خديج: (نهانا رسول الله عن كراء أرضنا ...) من طريق سابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي في حديثه عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن حنظلة بن قيس عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كراء أرضنا، ولم يكن يومئذٍ ذهبٌ ولا فضة، فكان الرجل يكري أرضه بما على الربيع والأقبال وأشياء معلومة وساقه)، رواه سالم بن عبد الله بن عمر عن رافع بن خديج، واختلف على الزهري فيه].أورد النسائي حديث رافع بن خديج من طريق أخرى، وفيه: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء أرضنا، ولم يكن يومئذ ذهب ولا فضة).
    يعني أن الشيء الذي كانوا يتعاطونه ويتعاملون فيه هو أنها بجزء منها، يعني في شيء مجهول، وفيه شيء معلوم، وقد نهوا عن ذلك وأرشدوا إلى ما هو الأكمل، والذهب والفضة ما كان متيسراً ومبذولاً عندهم، ولهذا صاروا يعني يصيرون إلى أن يؤجروا بشيءٍ مما تخرج الأرض، ومن المعلوم أن ما تخرجه الأرض فيه ما هو مجهول، كأن يقول: لي ألف صاع والباقي لك، أو لي مائة صاع والباقي لك، وفيه شيء معلوم وهو الثلث والربع والنصف وما إلى ذلك، وهذا سائغ، والذهب والفضة سائغ، يعني ما كانوا يستعملونه؛ لأن النقد بأيديهم، يعني ليس متوفراً وكثيراً في أيديهم، ولهذا يؤجرون بشيء مما تخرجه الأرض، ولكن على أشياء لا تصلح فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (فكان الرجل يكري أرضه بما على الربيع والأقبال وأشياء معلومة).
    (على الربيع)، يعني الذي هو النهر الصغير، يعني على ما يكون على حافته، (والأقبال)، يعني: أقبال الجداول يعني: رءوسها وأطرافها، وما يفعل بالماء.
    (وأشياء معلومة)، يعني كانوا يتعاملون بها.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (نهانا رسول الله عن كراء أرضنا ...) من طريق سابعة


    قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].هو يحيى بن حبيب بن عربي البصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن حماد بن زيد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حنظلة بن قيس عن رافع بن خديج].
    وقد مر ذكرهما.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #489
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المزارعة

    (486)

    - تابع باب ذكر الأحاديث المختلفـة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع [5]


    ورد النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع عن بعض الصحابة مثل: رافع بن خديج وجابر بن عبد الله، بعد أن كان البعض من الصحابة يكرون أرضهم كعبد الله بن عمر، ولكن ابن عمر بعد أن سمع حديث رافع ترك كراء الأرض احتياطاً وتورعاً.


    تابع ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر



    طريق ثامنة لحديث رافع بن خديج: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن كراء الأرض) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء عن جويرية عن مالك عن الزهري: أن سالم بن عبد الله، وذكر نحوه، تابعه عقيل بن خالد].هذه جملة من الأحاديث المتعلقة بكراء الأرض أو المزارعة، وقد مر جملة كبيرة منها في الدروس الماضية، وهذا الحديث عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن كراء الأرض، وكانوا يكرونها ما على الربيع والأقبال وأشياء معلومة، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولم يكن هناك ذهب ولا فضة، أي: أنهم إنما كانوا يكرونها بجزء مما يخرج منها، ولكنه شيء مجهول، وهو ما ينبت على الجداول، وعلى السواقي، وبجوار مجاري الماء، فيسلم ما يكون كذلك، والذي يكون بعيداً عن الماء يهلك، فكانوا يختصمون ويتنازعون في ذلك، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا، وقد عرفنا فيما مضى أن النهي بالنسبة للمزارعة فيما إذا كان في أشياء مجهولة، أو في أشياء معلومة ولكنها على سبيل المشاركة، ويستفيد بالثمرة أحد الشريكين دون الآخر، أما إذا أكريت الأرض بذهبٍ أو فضة ونقود أو بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها، فإن هذا لا بأس به كما دل على كرائها بالذهب والفضة الأحاديث المتعددة، ومنها حديث رافع وغيره، وكراؤها بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها، جاء ذلك في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم ليهود خيبر على أن يعملوها بنصف أو على النصف مما يخرج منها من ثمر أو زرع.
    ولما أورد النسائي الحديث الأول أو الحديث من الطريق الأولى عقبه بالطريق الثانية عن سالم بن عبد الله بن عمر عن رافع بن خديج، وقال: فذكر نحوه، أي: نحو ما تقدم في الطريق السابقة التي أشرت إليها، والتي هي من طريق شيخه يحيى بن حبيب بن عربي.
    قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله].
    هو الذهلي، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء].
    هو عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
    [عن جويرية].
    هو جويرية بن أسماء، وهو عم عبد الله بن محمد بن أسماء.
    وعبد الله بن محمد بن أسماء يروي عن عمه جويرية بن أسماء أخي محمد، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة بمذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم بن عبد الله].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن رافع]
    رافع بن خديج رضي الله عنه، وهو الصحابي المشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث رافع بن خديج: (... سمعت عمي يحدثان أهل الدار أن رسول الله نهى عن كراء الأرض ...) من طريق تاسعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد حدثنا أبي عن جدي أخبرني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله: (أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يكري أرضه، حتى بلغه أن رافع بن خديج رضي الله عنه كان ينهى عن كراء الأرض، فلقيه عبد الله، فقال: يا ابن خديج! ماذا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كراء الأرض؟ فقال رافع لـعبد الله: سمعت عمي -وكانا قد شهدا بدراً- يحدثان أهل الدار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض، قال عبد الله: فلقد كنت أعلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الأرض تكرى، ثم خشي عبد الله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحدث في ذلك شيئاً لم يكن يعلمه فترك كراء الأرض)، أرسله شعيب بن أبي حمزة].أورد النسائي الحديث عن طريق عبد الله بن عمر وعن رافع بن خديج عن عميه، أما حديث ابن عمر فإنه كان يعلم بأن الأرض تكرى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يفعل ذلك، أي: يكري أرضه، ولما بلغه عن رافع بن خديج رضي الله عنه النهي عن كراء الأرض، سأله عما عنده، فأخبره بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كراء الأرض، فكان عبد الله بن عمر خشي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحدث فيها شيئاً، يعني: أنه أتى بشيءٍ ناسخ، أو بشيءٍ متأخر، فكره أو فترك كراء الأرض تورعاً واحتياطاً، وإلا فإنه كان يعلم، ولكنه لما علم أن فيه نهي رواه رافع عن عميه، خشي أن يكون حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء على خلاف الذي كان يعلمه في عهده، والذي كان يعلمه من جواز النهي عن كراء الأرض، لا سيما وقصة خيبر مشهورة، وهي ثابتة في الصحيحين، والنبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على النصف مما يخرج منها من ثمر أو زرع، فدل على أن كراءها بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها لا بأس به، وأما كراؤها بالذهب والفضة فقد جاء عن رافع نفسه، في بعض الطرق أنه قال: (إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض فهو يزرع ما ملك، ورجل منح أرضاً فهو يزرع ما منح، ورجل اكترى بذهب أو فضة).
    والحاصل أن عبد الله بن عمر عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كراء الأرض سائغ، ورافع بن خديج عنده الروايات المختلفة فيها النهي عن كراء الأرض، وفيها بيان أن كون ما يمنحه لأخيه أولى وأفضل مما يؤاجره على أخيه، وكذلك أيضاً النهي عن كرائها على أوجه مختلفة فيها جهالة وفيها غرر، وكذلك ما جاء عنه من جواز تأجيرها بالذهب والفضة، وأن النهي إنما كان على الهيئة التي كانوا يفعلونها من كونهم يؤاجرون على الماذيانات وأقبال الجداول، وأماكن تصعد بالماء وتستفيد من الماء، فيسلم ذلك الذي حول الماء، ويهلك الذي هو بعيد عن الماء، فتنشأ عن ذلك الخصومات التي تجري بينهم، فيحوز الثمرة واحد منهما، ويخسر الآخر، أو يحرم الآخر، مع أن المسألة شركة، والشركة مبنية على اقتسام الثمرة واقتسام الفائدة على النسبة التي يتفقان عليها من ثلث أو ربع أو نصف أو غير ذلك.
    يقول: يحدثان عمن، يحدثان أهل الدار.
    أهل الدار يعني جماعته وهو من بني حارثة؛ لأنه جاء إليهم وقال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان نافعاً لنا، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفع لنا)، ثم قال لهم النهي الذي بلغه.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (... سمعت عمي يحدثان أهل الدار أن رسول الله نهى عن كراء الأرض ...) من طريق تاسعة


    قوله: [أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد].هو عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
    [حدثنا أبي].
    هو شعيب بن الليث، وهو كذلك ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
    [عن جدي].
    هو الليث بن سعد المصري، ثقة، فقيه، فقيه مصر ومحدثها، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عقيل بن خالد].
    هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله ].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن عبد الله بن عمر]
    رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة رضي الله عنهم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [عن رافع بن خديج].
    رافع عن عميه، وقد مر ذكره.

    شرح حديث رافع: (أن رسول الله نهى عن كراء الأرض) من طريق عاشرة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن خالد بن خلي حدثنا بشر بن شعيب عن أبيه عن الزهري بلغنا أن رافع بن خديج رضي الله عنه كان يحدث أن عميه، وكانا -يزعم- شهدا بدراً: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض)، رواه عثمان بن سعيد عن شعيب، ولم يذكر: عميه].أورد الحديث من طريق أخرى حديث رافع يقول الزهري: بلغنا أن رافعاً قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض)، وهذا لفظ مطلق، وكما ذكرت يحمل على النهي عن الأشياء التي كانوا يتعاملون عليها مع فيها من الجهالة، أما إذا كان شيئاً معلوماً، بأن يكون يدفع أجرةً له، أو يشاركه بجزء معلوم النسبة مما يخرج من الزرع، فهذا لا بأس به كما دلت عليه معاملة خيبر، وكما جاء في بعض الأحاديث عن رافع نفسه عن الاستئجار بالذهب والفضة.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع: (أن رسول الله نهى عن كراء الأرض) من طريق عاشرة


    قوله: [أخبرنا محمد بن خالد بن خلي].صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا بشر بن شعيب].
    هو بشر بن شعيب بن أبي حمزة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري والترمذي والنسائي.
    وهذا هو الذي روى له البخاري وقال عنه: تركناه حياً سنة اثنتي عشرة ومائتين، فجاء ابن حبان ونقل الكلمة عن البخاري، وأخطأ في النقل فصارت جرحاً، حيث قال: قال البخاري: تركناه، ولم يأت بما بعدها حياً، فصار يفهم منها أنه متروك، وأن البخاري ترك الرواية عنه، مع أنه روى عنه، وإنما أخطأ ابن حبان في النقل حيث ذكر الكلام، وصار مثل ما جاء: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4]، دون أن يأتي بالتي بعدها: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5]، فصار ذماً وصار عيباً وقدحاً، مع أنه لا عيب ولا ذم ولا قدح في كلام البخاري؛ لأنه قال: تركناه حياً، يعني هذا آخر عهدنا به سنة مائتين واثنا عشر، يعني تركته وهو حي، وكأنه لا يعرف سنة وفاته، وإنما أخبر عن آخر عهده به، وأنه تركه حياً، فجاء النقل من ابن حبان رحمه الله فيه خطأ، وذلك الخطأ محصله ونهايته أن بشر بن شعيب يكون مقدوحاً به، أو قدح به البخاري، حيث مقتضى كلامه الذي نقله عنه أنه تركه، يعني: ترك الرواية عنه.
    [عن أبيه].
    هو شعيب بن أبي حمزة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري بلغنا أن رافع ].
    وقد مر ذكر هؤلاء. طبعاً بلغنا يعني أنه فيه انقطاع، لكن كما هو معلوم أن الطرق المختلفة بينت الاتصال.

    شرح أثر سعيد بن المسيب: (ليس باستكراء الأرض بالذهب والورق بأس)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة حدثنا عثمان بن سعيد عن شعيب قال الزهري: (كان ابن المسيب يقول: ليس باستكراء الأرض بالذهب والورق بأس، وكان رافع بن خديج رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك)، وافقه على إرساله عبد الكريم بن الحارث].أورد الأثر عن سعيد بن المسيب يقول: [(ليس باستكراء الأرض بالذهب والورق بأس، وكان رافع بن خديج يحدث أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك)].
    يعني أن سعيد بن المسيب يقول: إنه لا بأس بذلك، وكان رافع بن خديج يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك، لكن جاء عنه من بعض الطرق الصحيحة أنه يكترى، أو يجوز الاكتراء بالذهب والفضة، حيث جاء عنه أنه قال: (إنما يزرع ثلاثة: رجل ملك أرضاً فهو يزرع ما ملك، ورجلٌ منح أرضاً فهو يزرع ما منح، ورجلٌ اكترى بذهب أو فضة).

    تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن المسيب: (ليس باستكراء الأرض بالذهب والورق بأس)


    قوله: [أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة].هو أحمد بن محمد بن المغيرة الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عثمان بن سعيد].
    هو عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
    [عن شعيب قال الزهري: كان ابن المسيب].
    شعيب والزهري قد مر ذكرهما.
    وسعيد بن المسيب: ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن رافع] وقد تقدم.

    شرح حديث رافع بن خديج: (نهى رسول الله عن كراء الأرض) من طريق حادية عشرة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع: عن ابن وهب أخبرني أبو خزيمة عبد الله بن طريف عن عبد الكريم بن الحارث عن ابن شهاب: أن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كراء الأرض. قال ابن شهاب: فسئل رافع بعد ذلك: كيف كانوا يكرون الأرض؟ قال: بشيءٍ من الطعام مسمى، ويشترط أن لنا ما تنبت ماذيانات الأرض وأقبال الجداول)، رواه نافع عن رافع بن خديج، واختلف عليه فيه].أورد النسائي حديث رافع بن خديج، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض، فسئل: كيف كانوا يكرون؟ فقال: كانوا يكرون بطعام مسمى، وما تنبت الماذيانات من الأرض وأقبال الجداول، يعني: أنهم كانوا يكرون على وجه غير سائغ فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني كراء الأرض الذي نهى عنه الرسول هو ذلك الذي كانوا يتعاملون عليه، وقد سبق أن مر بنا حديث رافع بن خديج نفسه، وفيه التفصيل أنه قال: كانوا يكرون أراضيهم بما يكون على الماذيانات وأقبال الجداول، فيهلك هذا ويسلم هذا، فيختلفون ويختصمون، فزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، أما أن يكون التأجير بشيءٍ معلومٌ مضمون فهذا لا بأس به، وهذا فيه التفصيل والبيان لما أجمل، ولما ورد في بعض الروايات من النهي، مثل النهي عن كراء الأرض أو ما إلى ذلك، فإن العلة في النهي هي وجود الجهالات، ووجود اختصاص أحد المشتركين: العامل أو صاحب الأرض بالثمرة دون الآخر، أما إذا اشتركوا فيها على النسبة التي يتفقان عليها من ثلث أو ربع أو نصف، أو كان الإيجار بالذهب والفضة أو غير ذلك من الأشياء التي تقدم على أنه أجرة فإن هذا لا بأس به.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (نهى رسول الله عن كراء الأرض) من طريق حادية عشرة


    قوله: [قال الحارث بن مسكين].ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني أبي خزيمة عبد الله بن طريف].
    مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عبد الكريم بن الحارث].
    ثقة، أخرج له مسلم والنسائي.
    [عن ابن شهاب عن رافع].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث رافع بن خديج: (أن عمومته جاءوا إلى رسول الله ... نهى عن كراء المزارع ...) من طريق ثانية عشرة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا فضيل حدثنا موسى بن عقبة أخبرني نافع أن رافع بن خديج رضي الله عنه أخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن عمومته جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم رجعوا فأخبروا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء المزارع. فقال عبد الله: قد علمنا أنه كان صاحب مزرعة يكريها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن له ما على الربيع الساقي الذي يتفجر منه الماء، وطائفةٌ من التبن لا أدري كم هي)، رواه ابن عون عن نافع فقال: عن بعض عمومته].أورد النسائي حديث رافع عن بعض عمومته جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجعوا، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع.
    قال عبد الله، أي: ابن عمر: قد علمنا أنه كان صاحب مزرعة - يعني رافع بن خديج - يكريها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن له ما على الربيع الساقي الذي يتفجر منه الماء.
    على أن له ما على الربيع الساقي، وهذا هو سبب النهي؛ لأنه شيء فيه جهالة، ما دام الكراء بهذه الطريقة وبهذا الوجه، فإن هذا ممنوع وغير سائغ؛ لأن الربح أو لأن الثمرة يحوزها أحد الشريكين دون الآخر، وأصل الشركة أنها مبنية على اقتسام الثمرة، وعلى اقتسام الربح على وجه يشترك فيه الشريكان في القليل والكثير، وهذا لا يتأتى إلا على النسبة بأن يقول: النصف بينهما، أو واحد له الربع وواحد له ثلاثة أرباع، واحد له الثلث وواحد ثلثين؛ لأن هذا لو جاء صاعاً واحد اشتركوا فيه، ولو جاء آلاف الآصع اشتركوا فيه، أما أن يكون لهذا ما ينبت في البقعة الفلانية، وما ينبت على السواقي، وما ينبت على الجداول، وما ينبت على الماذيانات، فيسلم هذا، ويهلك هذا، فهذا فيه غرر وفيه جهالة، وفيه أن أحدهما يحوز الثمرة والثاني يخسرها أو لا يكون له شيءٌ منها مطلقاً، لكن على حسب المشاركة كل يستفيد، إن قلت الثمرة فهي بينهما ولو كانت صاعاً واحداً، وإن كثرت وبلغت آلاف الآصع فإنها تكون بينهما، ولا يفوز بها أحدهما دون الآخر، فيكون الإنسان أحدهما ربح ربحاً مطلقاً، والثاني خسر خسارةً شديدة.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (أن عمومته جاءوا إلى رسول الله ... نهى عن كراء المزارع ...) من طريق ثانية عشرة


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع].ثقة، أخرج حديثه مسلم والترمذي والنسائي.
    [حدثنا فضيل].
    هو فضيل بن سليمان، وهو صدوق له خطأ كثير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا موسى بن عقبة].
    هو موسى بن عقبة المدني، ثقة، إمام في المغازي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني نافع].
    هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أن رافع بن خديج ].
    وقد مر ذكره.
    [أخبر عبد الله بن عمر].
    يعني نافع يروي عن رافع، ورافع كان يحدث عبد الله بن عمر، وذاك أخذ عنه وهو يحدث عبد الله بن عمر، ثم قال عبد الله بن عمر مبيناً السبب في المنع، وهو أن رافع كان يكري على ما يكون على الماذيانات وأقبال الجداول، وهذا فيه جهالة.
    قال في آخره: [وطائفة من التبن لا أدري كم هي].
    يعني: مقدار معين.
    على أن يأخذ مقداراً من التبن، يعني: يمكن الماذيانات وشيءٍ من التبن، أو أنها كلها شيء من التبن.

    شرح حديث رافع: (أن النبي نهى عن كراء الأرض) من طريق ثالثة عشرة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يزيد أخبرنا ابن عون عن نافع: (كان ابن عمر رضي الله عنهما يأخذ كراء الأرض، فبلغه عن رافع بن خديج رضي الله عه شيء، فأخذ بيدي فمشى إلى رافع وأنا معه، فحدثه رافع عن بعض عمومته أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض، فترك عبد الله بعد)].أورد النسائي حديث رافع رضي الله عنه عن بعض عمومته: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض)، وكان عبد الله بن عمر يكري أرضه، ولما بلغه أن رافعاً عنده شيءٌ في ذلك، ذهب إليه ومعه مولاه نافع قد أخذ بيده، فسأله فأخبره، فترك عبد الله الكراء الذي كان يفعله، وإنما تركه احتياطاً وتورعاً، وقد سبق أن مر في الحديث السابق قريباً: أن عبد الله خشي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحدث في ذلك شيئاً، أي: منع، وكان يعلم الجواز عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه خشي أن يكون هناك شيء، فترك احتياطاً من باب: (دع ما يريبك إلى ما يريبك)، ومن باب: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه).

    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (أن النبي نهى عن كراء الأرض) من طريق ثالثة عشرة


    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].هو المشهور أبوه بـابن علية، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يزيد].
    هو يزيد بن هارون الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا ابن عون].
    هو عبد الله بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع كان ابن عمر عن رافع].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث رافع: (... أن رسول الله نهى عن كراء الأرض ...) من طريق رابعة عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا إسحاق الأزرق حدثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يأخذ كراء الأرض حتى حدثه رافع عن بعض عمومته أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض، فتركها بعد)، رواه أيوب عن نافع عن رافع، ولم يذكر: عمومته].وهذه طريق أخرى، وهي مثل الطريق السابقة.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].
    هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
    [حدثنا إسحاق الأزرق].
    هو إسحاق بن يوسف الأزرق، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر ... حتى حدثه رافع ].
    وقد مر ذكر هؤلاء.

    حديث رافع: (... كان رسول الله ينهى عن كراء المزارع ...) من طريق خامسة عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد هو ابن زريع حدثنا أيوب عن نافع: (أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يكري مزارعه حتى بلغه في آخر خلافة معاوية رضي الله عنه أن رافع بن خديج رضي الله عنه يخبر فيها بنهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتاه وأنا معه فسأله، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن كراء المزارع، فتركها ابن عمر بعد، فكان إذا سئل عنها قال: زعم رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها)، وافقه عبيد الله بن عمر وكثير بن فرقد وجويرية بن أسماء].أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وكذلك ابن عمر رضي الله تعالى عنه، وهو مثل ما تقدم، يعني كان ابن عمر يكري مزارعه حتى بلغه عن رافع بن خديج في آخر خلافة معاوية عن رافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عنها، فسأله وأخبره بذلك، فترك تورعاً كما مر من قبل.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد هو ابن زريع].
    محمد بن عبد الله بن بزيع، مر ذكره، ويزيد هو ابن زريع، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع عن ابن عمر، عن رافع بن خديج].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث رافع: (... نهى رسول الله عن كراء المزراع ...) من طريق سادسة عشرة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين حدثنا شعيب بن الليث عن أبيه عن كثير بن فرقد عن نافع: (أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يكري المزارع، فحدث أن رافع بن خديج يأثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنه نهى عن ذلك، قال نافع: فخرج إليه على البلاط وأنا معه فسأله، فقال: نعم، نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كراء المزارع، فترك عبد الله كراءها)].أورد النسائي حديث رافع رضي الله عنه، وأثر عبد الله بن عمر وهو مثل ما تقدم، وفيه أنه لما أخبر بأن رافع عنده شيء ذهب إليه وسأله، وهذا فيه الاحتياط والتثبت في أخذ الأخبار وتلقيها؛ لأنه ما اكتفى بالشيء الذي بلغه، أو الشيء الذي ذكر له حتى ذهب إلى من أسند إليه الخبر، ومن عزي إليه الخبر، وأخذ منه مباشرة.
    وقوله: [فخرج إليه على البلاط].
    خرج إليه على البلاط، يعني: على مكان معين.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع: (... نهى رسول الله عن كراء الأرض ...) من طريق سادسة عشرة


    قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين].هو المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا شعيب بن الليث عن أبيه عن كثير بن فرقد].
    شعيب بن الليث عن أبيه، وقد مر ذكرهما، وكثير بن فرقد ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
    [عن نافع عن رافع بن خديج].
    مر ذكرهما.

    حديث رافع: (... أن رسول الله نهى عن كراء الأرض) من طريق سابعة عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد هو ابن الحارث حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع: (أن رجلاً أخبر ابن عمر رضي الله عنهما: أن رافع بن خديج رضي الله عنه يأثر في كراء الأرض حديثاً، فانطلقت معه أنا والرجل الذي أخبره حتى أتى رافعاً، فأخبره رافع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض، فترك عبد الله كراء الأرض)].وهذا مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا خالد هو ابن الحارث].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبيد الله بن عمر].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع عن ابن عمر عن رافع].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث رافع: (أن النبي نهى عن كراء المزارع) من طريق ثامنة عشر وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا أبي حدثنا جويرية عن نافع أن رافع بن خديج رضي الله عنه حدث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء المزارع)].أورد النسائي حديث رافع رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع)، وهذا لفظ مطلق، وعرفنا التفصيل الذي فيه.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ].
    هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا أبي].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا جويرية عن نافع أن رافع].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث رافع: (... لا تكروا الأرض بشيء) من طريق تاسعة عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هشام بن عمار حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا الأوزاعي حدثني حفص بن عنان عن نافع أنه حدثه قال: (كان ابن عمر رضي الله عنهما يكري أرضه ببعض ما يخرج منها، فبلغه أن رافع بن خديج يزجر عن ذلك، وقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، قال: كنا نكري الأرض قبل أن نعرف رافعاً، ثم وجد في نفسه، فوضع يده على منكبي حتى دفعنا إلى رافع، فقال له عبد الله: أسمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض؟ فقال رافع: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا تكروا الأرض بشيء)].أورد النسائي حديث رافع رضي الله عنه، وقد مر يعني أنه وهو مطابق لما تقدم من قوله: (لا تكروا الأرض)، أو النهي عن كراء الأرض.
    قوله: [أخبرنا هشام بن عمار].
    صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
    [حدثنا يحيى بن حمزة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الأوزاعي].
    هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حفص بن عنان].
    ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن نافع عن رافع].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث رافع: (أن رسول الله نهى عن كراء الأرض) من طريق عشرين وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حميد بن مسعدة عن عبد الوهاب حدثنا هشام عن محمد ونافع أنهما أخبراه عن رافع بن خديج رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض)، رواه ابن عمر عن رافع بن خديج، واختلف على عمرو بن دينار].أورد النسائي حديث رافع من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، نهيٌ عن كراء الأرض.
    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].
    صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الوهاب].
    هو: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام].
    هو: هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو محمد بن سيرين، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ونافع عن رافع].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث رافع: (أن رسول الله نهى عن المخابرة) من طريق حادية وعشرين


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك أخبرنا وكيع حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (كنا نخابر ولا نرى بذلك بأساً، حتى زعم رافع بن خديج رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المخابرة)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر ورافع بن خديج، قال عبد الله بن عمر: (كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى في ذلك بأساً)، يعني: يؤجرون الأرض بجزءٍ مما يخرج منها، (حتى بلغه عن رافع بن خديج أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة)، وقد مر أنه ترك ذلك احتياطاً وتورعاً خشية أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث في ذلك شيئاً، أي: أتى بحكم ينسخ ذلك المتقدم، وذلك منه على سبيل التورع والاحتياط.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع: (أن رسول الله نهى عن المخابرة) من طريق حادية وعشرين


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك أخبرنا وكيع].وكيع هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن دينار].
    هو عمرو بن دينار المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت ابن عمر ].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث رافع: (أنه سمع النبي نهى عن الخبر) من طريق ثانية وعشرين


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عبد الرحمن بن خالد حدثنا حجاج قال ابن جريج سمعت عمرو بن دينار يقول: (أشهد لسمعت ابن عمر رضي الله عنهما وهو يسأل عن الخبر فيقول: ما كنا نرى بذلك بأساً حتى أخبرنا عام الأول ابن خديج أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الخبر)، وافقهما حماد بن زيد].أورد النسائي حديث ابن عمر وحديث رافع بن خديج، وأنهم كانوا لا يرون بالخبر بأساً، أي: المخابرة، الخبر هي المخابرة، يعني: استئجار الأرض أو تأجير الأرض بجزءٍ مما يخرج منها، حتى بلغه عن رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن الخبر، أي: عن المخابرة.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع: (أنه سمع النبي نهى عن الخبر) من طريق ثانية وعشرين


    قوله: [أخبرني عبد الرحمن بن خالد].صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
    [حدثنا حجاج].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت عمرو بن دينار عن ابن عمر عن رافع].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث رافع في المخابرة: (أن نبي الله نهى عنه) من طريق ثالثة وعشرين وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي، عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (كنا لا نرى بالخبر بأساً، حتى كان عام الأول، فزعم رافع أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه)، خالفه عارم فقال: عن حماد عن عمرو عن جابر].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].
    هو يحيى بن حبيب بن عربي البصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
    [عن حماد بن زيد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن رافع].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث جابر: (أن النبي نهى عن كراء الأرض) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثني حرمي بن يونس حدثنا عارم حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض)، تابعه محمد بن مسلم الطائفي].أورد النسائي الحديث من طريق جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض)، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [حدثني حرمي بن يونس].
    حرمي لقب، واسمه إبراهيم بن يونس، وهو صدوق، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا عارم].
    هذا لقب، فيأتي باللقب أحياناً كما هنا، ويأتي بالكنية في بعض المواضع كأن يقال: أخبرنا أبو النعمان، ويأتي باسمه محمد بن الفضل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله].
    حماد بن زيد وعمرو بن دينار، قد مر ذكرهما.
    وجابر بن عبد الله هو جابر بن عبد الله الأنصاري، صحابي ابن صحابي، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث جابر: (نهاني رسول الله عن المخابرة ...) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عامر حدثنا سريج حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة)، جمع سفيان بن عيينة الحديثين فقال: عن ابن عمر وجابر].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه، (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، والمحاقلة، والمخابرة). المخابرة هي استئجار الأرض بجزء مما يخرج منها، وفسرت بتفسيرات أخرى كما ذكرنا، أو كما مر أنها بيع العنب بالكرم، أو الزبيب بالكرم، والمحاقلة فسرت بأنها بيع الحب بالحب على رءوس السنابل، أو إنها استئجار الأرض بالثلث والربع، وعرفنا أن استئجارها بجزءٍ معلوم النسبة مما يخرج منها لا بأس به، وأن بيع أوساق من الحب بالحب في السنابل لا يجوز؛ لأنه من الربا، والمزابنة هي بيع أوساق من التمر معلومة بما على رءوس النخل من التمر، وهذا لا يجوز لأنه من الربا.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (نهاني رسول الله عن المخابرة ...) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا محمد بن عامر].ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا سريج].
    هو سريج بن النعمان، وهو ثقة يهم قليلاً، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا محمد بن مسلم].
    هو محمد بن مسلم الطائفي، وهو صدوق يخطئ من حفظه، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمرو بن دينار عن جابر].
    وقد مر ذكرهما.


    الأسئلة


    ثناء الولد لوالده الذي فيه تصوف وابتداع أمام الناس


    السؤال: هل يجوز للرجل الثناء على والده على مسمع الناس والعوام، مع أن والده فيه تصوف وبدع؟

    الجواب: إذا أثنى عليه في شيء هو فيه لا بأس به، إذا أثنى عليه بشيء هو فيه، وترحم عليه، وسأل الله له المغفرة، لا بأس بذلك، لكن إذا كان فيه أشياء خطيرة، وأشياء ضارة، وقد يسمعها أحد لا يدري فقد يغتر بذلك، أما إذا كان السامع يعلم ما له وما عليه، وهو ذكر شيئاً مما فيه وأثنى عليه أو دعا له، فلا بأس بذلك.

    شراء ريالات ورقية بريالات معدنية مع المفاضلة

    السؤال: هل يجوز شراء تسع ريالات معدنية بعشر ريالات ورقية؟

    الجواب: هذه فيها خلاف بين أهل العلم في هذا الزمان، والاحتياط أن الإنسان لا يفعل ذلك.


    هجر أهل البدع

    السؤال: هل يجوز أن يكون الهجر فوق ثلاثة أيام، مع أن بعضهم من يقول: إن هذه الزيادة على ثلاثة أيام هو من آراء الرجال وعقولهم؟

    الجواب: لا، الهجر الذي ما يزيد على ثلاثة أيام هو الذي يتعلق في أمور الدنيا، وفيما يكون في النفوس من الشحناء والحزازات، أما هجر أهل البدع أو أهل المعاصي للمصلحة فإنه لا تحديد له.

    والرسول صلى الله عليه وسلم هجر كعب بن مالك خمسين ليلة لما تخلف عن تبوك، هجره خمسين ليلة حتى نزلت توبة الله عز وجل عليه، وكان لا يكلمه ولا يرد عليه السلام، فكان يأتي ويسلم على الرسول الله صلى الله عليه وسلم وينظر إلى شفتيه، هل حركهما أو ما حركهما كما جاء ذلك في حديث كعب الطويل في قصة توبته، يأتي ويسلم وينظر إلى شفتي الرسول صلى الله عليه وسلم وما يرد عليه ولا يسمع كلامه، ما يسمع عليكم السلام ولكنه ينظر إلى الشفتين هل تحركت وإلا ما تحركت، يعني فيه رد ولو كان خفياً.

    وكذلك ما جاء عن بعض الصحابة الذي كان ما أدري من هو ابن مغفل أو غيره، أنه قال لأحد أولاده أو كذا: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخذف)، فرآه يخذف بعد ذلك، يعني: بعد ما قال له، ثم زجره وقال: أقول لك: الرسول نهى عن كذا وتفعل؟ لا أكلمك، وتركه، يعني حتى جاء في بعض الروايات لا أظن هو في هذه القصة أو في غيرها حتى مات، وكذلك ما جاء في قصة أحد أولاد عبد الله بن عمر الذي لما تلا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، قال: والله لنمنعهن، فغضب عليه وقال: أقول لك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول هذا الكلام، فغضب عليه ولم يكلمه).
    فهجر أهل البدع ليس محدداً بثلاث؛ بل هو غير محدد، والمقصود منه المصلحة، فإذا كان الهجر تطول مدته ويترتب على ذلك مصلحة للشخص الذي هجر فإن هذا أمر مطلوب، والدليل ليس هو آراء الرجال، وإنما هو أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفعل صحابته الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
    فولد عبد الله بن عمر كأنه رأى أن ذهابهم فيه خطورة وكذا وكذا، وأن فيه ضرراً، يعني كأنه رأى أن الخروج فيه شيء، فقال شيئاً في نفسه، وليس معنى ذلك أنه يعارض الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما يمكن دفعه بأن يراه أو كذا، وجاء عن عائشة: (لو علم الرسول ما أحدث النساء اليوم لمنعهن)، يعني فيه شيءٍ يجعل الإنسان يتأثر مما يحصل من الأمور التي لا تليق، لكن المقصود أن ابن عمر زجره، وتكلم عليه كلاماً شديداً وهجره.

    القول بأن قصة كعب حادثة عين

    السؤال: هل مسألة كعب بن مالك ومن معه حادثة عين؟

    الجواب: طيب، وإذا كانت حادثة عين، فخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم لواحد ما هو خطاب للجميع، وتشريع الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حصلت قصة معينة، وحكى فيها بحكم فلا يقاس عليها مثلها، ولا يعامل من يناسب أن يعامل مثل هذه المعاملة، كثير من القضايا حوادث عين لكنها تشريع.


    كيفية صلة أصدقاء الأب المبتدعين الفاسقين

    السؤال: إذا كان صديق الأب فاسقاً أو مبتدعاً أو كافراً، فهل يصله الابن بعد وفاة أبيه ويكون من بره بوالده؟

    الجواب: أحسن صلة يصله بها أن ينصحه، وأن يسدي له النصيحة، هذه أحسن بر يسديه إليه؛ لأن نفع الناس وهدايتهم أمر مطلوب، وإذا وصله بأمر، أو حصلت منه الصلة بأمر ليس فيه نقص على الإنسان فلا بأس به، يعني صلة الإنسان ولو كان قريباً حتى ولو كان كافراً، يمكن أنه يوصل قضية الصلة، والله عز وجل أخبر بأن الكفار الذين ما يحصل منهم إيذاء للمسلمين وكذا، قال: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8]، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ [الممتحنة:9]، فالإحسان والصلة لمن له بالإنسان قرابة، أو له به صلة به أو لأبيه، لا بأس به، لكن لا يوصل بشيءٍ فيه نقصٌ في حق الإنسان، وأحسن صلة أو أحسن بر أو أحسن شيء يوصل إلى هذا الإنسان الذي فيه نقص أن ينصح حتى يتدارك نقصه.


    الصورة التي يظهر بها الله تعالى يوم القيامة

    السؤال: هل الصورة التي يظهر بها الله لأهل الموقف من أمة الرسول صلى الله عليه وسلم هي نفس الصورة التي يظهر بها لأهل الجنة؟

    الجواب: الله تعالى أعلم.


    المعول في فضل العمرة في رمضان


    السؤال: إذا أحرمت بالعمرة من الميقات في آخر شعبان، وأديت العمرة في أول رمضان، فهل تعتبر عمرة في رمضان أو شعبان؟ وما هو المعول عليه بالنسبة للإحرام أو أداء المناسك كالطواف والسعي؟

    الجواب: الله أعلم. يعني: هل العبرة في وقت الإحرام هو ليس في رمضان، أو العبرة وقت التنفيذ وهو في رمضان؟ لا أدري.


    القول بأن الفوائد الربوية هي مما سكت عنه الشرع وأنه يتم بالتراضي


    السؤال: ما تقولون في قول بعض المنتسبين إلى العلم في إيداع النقود في أحد البنوك بفائدة أو استقراض نقود من البنك بفائدة أنه مما سكت عنه، وليس بحرامٍ ولا بحلال ما دام فيه التراضي؟

    الجواب: وحتى الربا فيه تراضي، الربا نفسه من أوله إلى آخره هو ما يأتي إلا بالتراضي، ما يأتي عن طريق عدم التراضي، والزاني والزانية عندما يلتقون هم متراضيين على الزنا، اللهم إذا كان الزاني اعتدى على الزانية قسراً وقهراً، فهذا إكراه من أحد الطرفين للآخر، لكن الغالب أن الزناة وأن أصحاب المعاصي يتراضون عن المعاصي، فليست العبرة بتراضي أهل المعاصي على المعاصي، وإنما العبرة هو بورود الشرع، يعني: هل هذا حلال أو حرام؟ فالحرام حرام وإن حصل التراضي عليه، هذا هو الجواب.


    حديث النهي عن الانتعال قائماً

    السؤال: ماذا عن حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه نهى أن ينتعل الرجل قائماً)؟

    الجواب: نعم هذا ثابت، والمقصود منه: أن شد الرجل لنعله قائماً قد يجعله يقع، يعني: أنه عندما يشدها وهو قائم ويرفع رجله، والرجل الثانية على الأرض، يعني أنه قد يقع، وهذا إذا كانت النعال تحتاج إلى شد، فإذا كان الأمر ما يحتاج إلى هذا كأن يدخل رجليه دون ما ينزل رأسه، وينزل يديه من أجل يعني يشتغل وهو قائم فإنه لا بأس بذلك أن ينتعل قائماً، وهو ليس بالتحريم؛ ما أعلم أحد يقول: إنه يحرم على الإنسان، ولكنه طبعاً التوجيه والإرشاد أو كراهة التنزيه، وحكمته -والله أعلم- مثل ما قال بعض أهل العلم: أن الإنسان عندما يشد الحذاء قائماً أنه يحصل له وقوع، أو يحصل له مضرة في ذلك، والحديث صحيح في هذا.


    الحكم الراجح في السترة

    السؤال: ما هو الحكم الراجح في السترة؟

    الجواب: السترة جمهور العلماء على أنها مستحبة، وبعض أهل العلم يقول: إنها واجبة، والذي يبدو مما جاء في صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكعبة، وكونه صلى بين العمودين بين الساريتين، وبينه مسافة بينه وبين الجدار طويلة، أن هذا يدل على أن السترة ليست بواجبة، وأنها مستحبة، وكذلك الحديث الذي ورد في منى أنه كان يصلي إلى غير جدار.


    معنى كون سيحون وجيحون ودجلة والفرات من أنهار الجنة


    السؤال: هل ثبت بأن نهر الفرات ودجلة وسيحون وجيحون من أنهار الجنة؟ وما معنى ذلك مع أنهما في الأرض؟

    الجواب: ما أدري هل كلها أو بعضها؟ الثبوت يعني ثابت شيء في الجملة، لكن ما أتذكر هل الأربعة كلها أو بعضها؟ يعني معناها الله تعالى أعلم فيه.


    حكم البيعات الموجودة عند بعض الجماعات


    السؤال: ما حكم البيعة الموجودة عند الجماعات اليوم مثل: التبليغ؟ وهل إذا خرجت معهم أبايعهم أم لا؟

    الجواب: لا تخرج معهم ولا تبايعهم.

    وحكم البيعة يعني كما هو معلوم إنما تكون للإمام الذي ينفذ الأحكام، ويكون بيده حلٌ وعقد، أما بيعة على الهواء، فهذه وجودها مثل عدمها.

    تقبيل رؤوس أهل البدع

    السؤال: هل يجوز تقبيل رءوس أهل البدع والخرافة؟

    الجواب: أهل البدع لا يصلح أن يعظموا وأن يظهر شيء من احترامهم، أهل البدع لا يصلح أن يعاملوا هذه المعاملة التي فيها تعظيم واحترام، بل يكرهون ويبغضون في الله عز وجل، ويكفي أن الإنسان يصافح، وخير للإنسان أن ينصح.


    سنية خطبة الحاجة


    السؤال: خطبة الحاجة، هل هي سنة في كل موضع وخطبة؟

    الجواب: الذي يبدو أنها عامة، خطبة الحاجة يعني في كل شيء، وإن كان في الأصل أنها يعني كانت في النكاح، إلا أنها تستعمل بين يدي الكلام.


    حضور مجالس أهل البدع كالمتصوفة

    السؤال: إذا كان والد الرجل يجالس بعض المتصوفة في بعض اجتماعاتهم، فهل له أن يحضرها بحجة أنها صلةً لأبيه؟

    الجواب: لا، لا يحضرها، لا يحضر الاجتماعات المشبوهة، أو الاجتماعات التي فيها ابتداع ولو كان أبوه يفعل ذلك، وإذا كان أبوه حياً فليسع إلى تخليصه من هذه الورطة، وإذا تورط أبوه لا يتورط أيضاً هو كما تورط أبوه، وإنما يترك البدع ولا يحضر مجالسها، وأبوه إذا كان على قيد الحياة يسعى إلى تخليصه مما هو واقع فيه.


    وجوب التحذير من أهل البدع

    السؤال: ما رأي الشيخ فيمن يقول: إن تبديع المبتدعة والتحذير منهم لا يسأل عنه المرء يوم القيامة، فلا نبدع ولا نحذر؟

    الجواب: ما يسأل الإنسان عن الحب في الله والبغض في الله وهو أوثق عرى الإيمان؟ أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله، وتوالي في الله وتعادي في الله، نعم, المؤمن الذي هو صاحب بدعة أو صاحب معصية يعني عنده شيء يقتضي المحبة، وعنده شيء يقتضي البغض، عنده ما يقتضي البغض وما يقتضي المحبة، يجتمع في الإنسان هذا وهذا، مثل المؤمن الناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، يحب على ما عنده من الإيمان، ويبغض على ما عنده من الفسوق والعصيان، والإنسان يعني إذا فعل أمراً منكراً، وهو تقديس أهل البدع، هذا أمر منكر، ويسأل عنه يوم القيامة، وكونه لا يبالي في معاملة أهل البدع والانبساط لهم، والتحدث معهم، وكون الإنسان لا يظهر لهم شيء من البغض ومن كراهية ما هم عليه، لا شك أن هذا نقص في الدين، ونقص في الإيمان، وأوثق الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله، وتوالي في الله وتعادي في الله، وقال عليه الصلاة والسلام: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وكذلك يبغض المرء لا يبغضه إلا لله)، يعني: يكون الحب والبغض هو في الله ومن أجل الله، فأولياء الله يحبون، وأهل المعاصي والبدع يكرهون ويبغضون.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #490
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المزارعة

    (487)

    - تابع باب ذكر الأحاديث المختلفـة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع [6]


    كراء الأرض بالثلث والربع وغير ذلك مما هو معلوم النسبة سائغ وصحيح، ويدل على ذلك معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر من اليهود على أن يعملوا فيها بنصف ما يخرج منها من ثمر أو زرع.
    ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر


    شرح حديث ابن عمر وجابر: (... ونهى عن المخابرة كراء الأرض بالثلث والربع)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر وجابر رضي الله عنهم أجمعين (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، ونهى عن المخابرة كراء الأرض بالثلث والربع). رواه أبو النجاشي عطاء بن صهيب واختلف عليه فيه].فقد مر جملة كثيرة من الأحاديث المتعلقة بالمزارعة، وهذه جملة أيضاً مما أورده النسائي، وحديث جابر وابن عمر رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه)، وذلك لما يخشى أن يحصل في بيعه قبل بدو صلاحه من جائحة ومن ضرر، فنهي عن بيعه إلى أن يبدو صلاحه، وذلك بأن يحمر ويصفر ويحسن أكله ويصلح أكله، ونهى عن المخابرة كراء الأرض بشيءٍ مما يخرج منها.
    قوله: (نهى عن المخابرة كراء الأرض بالثلث والربع) فقد سبق أن مر بنا أن كراءها بالثلث والربع وغير ذلك مما هو معلوم النسبة أن هذا سائغ وصحيح، ويدل على ذلك معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر اليهود على أن يعملوها بنصف ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فيكون ما جاء من النهي عن الثلث والربع إنما كان في أول الأمر ثم نسخ، أو أن النهي إنما هو للإشارة إلى خلاف الأولى، وأن خيرٌ من أن يؤجرها بثلثٍ أو ربع أن يعطيها بالمجان، وأن يمنحها من يستفيد منها.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر وجابر: (... ونهى عن المخابرة كراء الأرض بالثلث والربع)

    قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور].هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وقد جاء يعني الفصل بين المسور وبين عبد الرحمن وهو شخص واحد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا سفيان بن عيينة].
    هو المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن دينار].
    هو عمرو بن دينار المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [وعن جابر]
    رضي الله عنه أيضاً وهو جابر بن عبد الله الأنصاري، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإذاً: فالصحابيان اللذان في هذا الإسناد هما من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم أبو هريرة، وابن عمر، وجابر، وابن عباس، وأبو سعيد، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، ستة رجال وامرأة واحدة.

    شرح حديث رافع بن خديج: (أتؤاجرون محاقلكم؟ ... لا تفعلوا؛ ازرعوها أو أعيروها ...) من طريق رابعة وعشرين


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الطبراني حدثنا عبد الرحمن بن بحر حدثنا مبارك بن سعيد حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو النجاشي حدثني رافع بن خديج رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لـرافع: (أتؤاجرون محاقلكم؟ قلت: نعم يا رسول الله! نؤاجرها على الربع وعلى الأوساق من الشعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تفعلوا، ازرعوها أو أعيروها أو أمسكوها)، خالفه الأوزاعي فقال: عن رافع عن ظهير بن رافع].أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وهو من جنس ما تقدم من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تأجير الأرض وإرشاده إلى أن يزرعها صاحبها، أو يمنحها وإلا فيمسكها، وهذا إرشاد إلى ما هو الأكمل وإلى ما هو الأفضل، وإلا فإن تأجيرها بالذهب والفضة وكذلك تأجيرها بجزءٍ معلوم النسبة مما يخرج منها هذا سائغٌ وجائز، ولا بأس به.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (أتؤاجرون محاقلكم ... لا تفعلوا؛ ازرعوها أو أعيروها ...) من طريق رابعة وعشرين


    قوله: [أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الطبراني].ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الرحمن بن بحر].
    مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا مبارك بن سعيد].
    مقبول أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبو النجاشي].
    هو عطاء بن صهيب وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثني رافع بن خديج].
    رضي الله تعالى عنه، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    حديث ظهير بن رافع: (... كيف تصنعون في محاقلكم؟ قلت: نؤاجرها ... قال: فلا تفعلوا ...) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هشام بن عمار حدثنا يحيى بن حمزة حدثني الأوزاعي عن أبي النجاشي عن رافع قال: أتانا ظهير بن رافع رضي الله عنهما فقال: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر كان لنا رافقاً، قلت: وما ذاك؟ قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو حق، سألني: كيف تصنعون في محاقلكم؟ قلت: نؤاجرها على الربع والأوساق من التمر أو الشعير، قال: فلا تفعلوا، ازرَعوها أو أزرِعوها أو أمسكوها) رواه بكير بن عبد الله بن الأشج عن أسيد بن رافع فجعل الرواية لأخي رافع].أورد النسائي حديث ظهير بن رافع وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا هشام بن عمار].
    صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
    [حدثنا يحيى بن حمزة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني الأوزاعي].
    هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي النجاشي عن رافع عن ظهير].
    أبو النجاشي عن رافع وقد مر ذكرهما، عن ظهير وهو صحابي، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، مثل الذين أخرجوا لـأبي النجاشي.

    شرح حديث أخي رافع بن خديج: (... نهى عن الحقل)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم حدثنا حبان حدثنا عبد الله بن المبارك عن ليث حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج عن أسيد بن رافع بن خديج: أن أخا رافع قال لقومه: (قد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اليوم عن شيء كان لكم رافقاً، وأمره طاعة وخير، نهى عن الحقل)].أورد النسائي حديث أخي رافع بن خديج وهو مثل ما تقدم، (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحقل) والحقل فسر بأنه تأجير الأرض بما يخرج منها أو بشيء مما يخرج منها الذي هو نفس المخابرة، وفسر بأنه بيع الحب أوساقاً من الحب بالحب على رءوس الزرع أو في السنابل، وقد عرفنا أن هذا لا يسوغ؛ لأنه ربا من جهة عدم التماثل، ومن جهة أيضاً النسيئة إذا كان سلمت الأوساق أولاً ثم بعد ذلك سلم الزرع على ما في رءوسه من الحب، فيكون في ذلك ربا فضل وربا نسيئة، وقد عرفنا أن استئجار الأرض بجزءٍ معلوم النسبة مما يخرج منها أن هذا سائغٌ وجائز، وأنه لا بأس به.

    تراجم رجال إسناد حديث أخي رافع بن خديج: (... نهى عن الحقل)


    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم].هو محمد بن حاتم بن نعيم، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا حبان].
    هو حبان بن موسى المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي والنسائي.
    [حدثنا عبد الله بن المبارك].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ليث].
    هو الليث بن سعد المصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج]
    هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أسيد بن رافع بن خديج].
    مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده
    [ أن أخا رافع قال لقومه ].

    شرح حديث أسيد بن رافع بن خديج: (أنهم منعوا المحاقلة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا شعيب بن الليث عن الليث عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز قال: سمعت أسيد بن رافع بن خديج الأنصاري يذكر أنهم منعوا المحاقلة وهي أرض تزرع على بعض ما فيها، رواه عيسى بن سهل بن رافع].أورد النسائي حديث أسيد بن رافع بن خديج.
    قوله: (يذكر أنهم منعوا المحاقلة، وهي أرض تزرع على بعض ما فيها).
    يعني: إما منعوا أي: منعهم الرسول صلى الله عليه وسلم أو منعوها امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو مثل ما تقدم.

    تراجم رجال إسناد حديث أسيد بن رافع بن خديج: (أنهم منعوا المحاقلة ...)


    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].الربيع بن سليمان يحتمل أن يكون المرادي المصري صاحب الشافعي، وأن يكون الجيزي وكل منهما ثقة.
    [حدثنا شعيب بن الليث].
    هو شعيب بن الليث بن سعد، ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن الليث].
    مر ذكره.
    [عن جعفر بن ربيعة].
    هو جعفر بن ربيعة المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن هرمز].
    هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أسيد بن رافع بن خديج].
    مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.

    شرح حديث رافع بن خديج: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن كراء الأرض) من طريق خامسة وعشرين


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم أخبرنا حبان حدثنا عبد الله عن سعيد بن يزيد أبي شجاع حدثني عيسى بن سهل بن رافع بن خديج قال: (إني ليتيم في حجر جدي رافع بن خديج رضي الله عنه، وبلغت رجلاً وحججت معه، فجاء أخي عمران بن سهل بن رافع بن خديج فقال: يا أبتاه! إنه قد أكرينا أرضنا فلانة بمائتي درهم، فقال: يا بني! دع ذاك، فإن الله عز وجل سيجعل لكم رزقاً غيره، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن كراء الأرض)].أورد النسائي حديث رافع وهو مثل ما تقدم النهي عن كراء الأرض بالدراهم والدنانير وبغير ذلك، وهذا كما عرفنا من قبل محمولٌ على الإرشاد إلى ما هو الأكمل والأفضل، وإلا فإن تأجيرها بالدراهم والدنانير جائز وقد جاء عن رافع نفسه حيث قال في الحديث: (إنما يزرع ثلاثة: رجلٌ ملك أرضاً فهو يزرع ما ملك، ورجلٌ منح فهو يزرع ما منح، ورجلٌ اكترى بذهبٍ أو فضة)، فنفس رافع جاء عنه ما يدل على الكراء بالذهب والفضة أي: بالنقود، وكذلك جاء ما يتعلق باستئجار الأرض بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها في قصة خيبر.
    قال: إني كنت يتيماً في حجر جدي يعني: أنه كان في حجر جده رافع بن خديج، وأنه بلغ رجلاً يعني: بلغ مبلغ الرجال، يعني: صار بالغاً، وصار أهلاً لأن يحج فرضه؛ لأنه قد بلغ، وحج معه، قال: بلغت رجلاً يعني بلغت مبلغ الرجال وصرت رجلاً بالغاً فحججت معه، فجاء أخي عمران بن سهل بن رافع بن خديج فقال: (يا أبتاه، إنه قد أكرينا أرضنا فلانة بمائتي درهم).
    (أكرينا أرضنا فلانة) يعني: عينها أرضنا الفلانية بمائتي درهم، فقال: (فقال: يا بني، دع ذاك، فإن الله عز وجل سيجعل لكم رزقاً غيره، إن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن كراء الأرض).
    يعني مطلقاً، ولكن جاء عنه ما يوضح بأن الممنوع فيما إذا كان شيئاً مجهولاً، أما شيء معلوم مضمون فهذا لم ينه عنه، وقد سبق الحديث في ذلك عن رافع بن خديج وفيه تفصيل لما أجمل في بعض الأحاديث مثل هذا الحديث الذي فيه النهي عن كراء الأرض، وما جاء في هذا الحديث إرشاد إلى ما هو الأكمل والأفضل، يعني كون الإنسان لا يكريها ولكن يزرعها أو يمنحها لا شك أن هذا خيرٌ وأفضل.

    تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (إن رسول الله قد نهى عن كراء الأرض) من طريق خامسة وعشرين


    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم أخبرنا حبان حدثنا عبد الله عن سعيد بن يزيد أبي شجاع].الثلاثة الأول مر ذكرهم، وسعيد بن يزيد أبي شجاع، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
    [حدثني عيسى بن سهل بن رافع بن خديج].
    مقبول أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن جده رافع].
    هو رافع بن خديج رضي الله عنه وقد مر ذكره.

    شرح حديث زيد بن ثابت: (... إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسين بن محمد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي عبيدة بن محمد عن الوليد بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: (يغفر الله لـرافع بن خديج رضي الله عنه، أنا والله أعلم بالحديث منه، إنما كانا رجلين اقتتلا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع، فسمع قوله: لا تكروا المزارع)].أورد النسائي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، وأنه قال: (يغفر الله لـرافع أنا أعلم بالحديث منه، إن رجلين اقتتلا) يعني: في خصومةٍ بأرض أجر أحدهما على الآخر، والتأجير على وجه فيه جهالة بأن يكون قال لا.... على السواقي، أو ما كان في البقعة الفلانية، فسلم هذا وهلك هذا، فاختص به أحدهما فاختصموا وتنازعوا واقتتلوا، يعني: أنه حصل بينهم خصومة ونزاعاً شديداً، ولما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان هذا شأنكم فلا تكروا) يعني: إذا كان الكراء بهذه الطريقة فلا تكروا، فأخذ رافع بقوله: (لا تكروا الأرض)، وهو مبني على قوله: (إذا كان هذا شأنكم) يعني: على الشيء الذي فيه جهالة.
    وقد جاء عن رافع نفسه كما أشرت آنفاً الحديث الذي جاء من طريق حنظلة بن قيس (أنهم كانوا يكرون على الماذيانات وأقبال الجداول وما يصعد بالماء، فيسلم هذا ويهلك هذا، فزجروا عن ذلك، وأما شيءٌ معلومٌ مضمونٌ فلا بأس به).
    فهذا يبين أن المنع إنما هو في الذي فيه جهالة، أو فيه علم أو فيه شيء معروف ولكن يختص به أحدهما على الآخر، والقضية قضية شركة، يعني فيما إذا قال: لي ألف صاع، والباقي لك، فإنه قد لا يخرج إلا ألف صاع، فيكون واحدٌ منهما حصل الثمرة كلها، والآخر ما حصل شيئاً، لكن إذا استأجر بدراهم معلومة، بأن جاء وأعطاه ألف ريال وقبض الأرض وكل ما حصل منها يكون له أي: للمزارع، أو قال: استأجرها بالثلث أو الربع أو النصف، فإذا خرج صاعاً واحد يكون بينهما نصفين، وإذا خرج آلاف الآصع يكون بينهما على النسبة التي يتفقان عليها.

    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن ثابت: (... إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع ...)


    قوله: [أخبرنا الحسين بن محمد].هو الحسين بن محمد بن أيوب وهو صدوق، أخرج له الترمذي والنسائي.
    [حدثنا إسماعيل بن إبراهيم].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق].
    صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي عبيدة بن محمد].
    هو أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر وهو مقبول، أخرج حديثه أصحاب السنن.
    [عن الوليد بن أبي الوليد].
    لين الحديث، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عروة بن الزبير].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد بن ثابت].
    رضي الله عنه وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    كتابة مزارعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو عبد الرحمن: كتابة مزارعة: على أن البذر والنفقة على صاحب الأرض، وللمزارع ربع ما يخرج الله عز وجل منها، هذا كتاب كتبه فلان ابن فلان ابن فلان في صحة منه، وجواز أمر لفلان ابن فلان، إنك دفعت إلي جميع أرضك التي بموضع كذا، في مدينة كذا مزارعةً وهي الأرض التي تعرف بكذا، وتجمعها حدود أربعة يحيط بها كلها، وأحد تلك الحدود بأسره لزيق كذا، والثاني والثالث والرابع، دفعت إلي جميع أرضك هذه المحدودة في هذا الكتاب، بحدودها المحيطة بها، وجميع حقوقها وشربها وأنهارها وسواقيها أرضاً بيضاء فارغةً لا شيء فيها من غرس ولا زرع، سنة تامة أولها مستهل شهر كذا من سنة كذا، وآخرها انسلاخ شهر كذا من سنة كذا، على أن أزرع جميع هذه الأرض المحدودة في هذا الكتاب الموصوف موضعها فيه، هذه السنة المؤقتة فيها من أولها إلى آخرها، كل ما أردت وبدا لي أن أزرع فيها من حنطة وشعير وسماسم وأرز وأقطان ورطاب وباقلاً وحمص ولوبيا وعدس ومقاثي ومباطيخ وجزر وشلجم وفجل وبصل وثوم وبقول ورياحين وغير ذلك من جميع الغلات، شتاءً وصيفاً ببزورك وبذرك، وجميعه عليك دوني، على أن أتولى ذلك بيدي وبمن أردت من أعواني وأجرائي وبقري وأدواتي، وإلى زراعة ذلك، وعمارته، والعمل بما فيه نماؤه ومصلحته، وكراب أرضه، وتنقية حشيشها، وسقي ما يحتاج إلى سقيه مما زرع، وتسميد ما يحتاج إلى تسميده، وحفر سواقيه وأنهاره، واجتناء ما يجتنى منه، والقيام بحصاد ما يحصد منه وجمعه، ودياسة ما يداس منه وتذريته، بنفقتك على ذلك كله دوني، وأعمل فيه كله بيدي وأعواني دونك، على أن لك من جميع ما يخرج الله عز وجل من ذلك كله في هذه المدة الموصوفة في هذا الكتاب من أولها إلى آخرها، فلك ثلاثة أرباعه بحظ أرضك وشربك وبذرك ونفقاتك، ولي الربع الباقي من جميع ذلك بزراعتي وعملي وقيامي على ذلك بيدي وأعواني، ودفعت إليّ جميع أرضك هذه المحدودة في هذا الكتاب بجميع حقوقها ومرافقها، وقبضت ذلك كله منك يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، فصار جميع ذلك في يدي لك لا ملك لي في شيء منه، ولا دعوى ولا طَلبة إلا هذه المزارعة الموصوفة في هذا الكتاب في هذه السنة المسماة فيه، فإذا انقضت فذلك كله مردودٌ إليك وإلى يدك، ولك أن تخرجني بعد انقضائها منها، وتخرجها من يدي ويد كل من صارت له فيها يد بسببي أقر فلان وفلان، وكتب هذا الكتاب نسختين].أورد النسائي هذه الصيغة وهي صيغة عقد من العقود التي تجري في المزارعة وهي مبنية على أساس أن المزارع تكون النفقة من صاحب الأرض، ويكون العمل من المزارع، وعلى أساس أن للمزارع الربع، ولمالك الأرض ثلاثة الأرباع من أجل أرضه ونفقته، وللعامل الربع من أجل عمله وقيامه بالزرع وما يتعلق به، ثم ذكر صيغة هذا الكتاب وهي كما هو واضح صيغة فيها دقة، وفيها ضبط، وفيها عناية.
    ومن المعلوم أن العقود كلما كانت دقيقة، وكلما كانت وافيةً بالمقصود كلما كان ذلك أسلم من النزاع والخصومات والوقوع في المشاكل التي تكون بين الطرفين، يعني عندما يخلو العقد من الدقة فيما يلزم هذا وما يكون لهذا وما على هذا تنشأ الخصومات، لكن عندما يكون في العقد التفصيل والإيضاح والبيان، وما على كل واحد، وما له وما عليه يرجع إلى العقد وكلٌ ينفذ ما هو مطلوبٌ منه فيه، ويسلمون من أن يقعوا في خصومات، ويسلم القضاة من أن يترافع إليهم الناس بسبب الخفاء في العقود وعدم ضبطها وإتقانها، نبدأ بالعقد فنقرأ:
    قوله: [قال أبو عبد الرحمن: كتابة مزارعة].
    يعني هذه صيغة الموضوع، ثم بعد ذلك يأتي صيغة الكتاب يعني كتاب المزارعة على أن العامل له ربع الثمرة، والمالك له ثلاثة الأرباع، وعلى أن صاحب الأرض يكون منه البذر.
    قوله: [على أن البذر والنفقة على صاحب الأرض، وللمزارع ربع ما يخرج الله عز وجل منها، هذا كتاب كتبه].
    هذا أول العقد، أول العقد: [هذا كتاب كتبه فلان ابن فلان ابن فلان في صحة منه، وجواز أمر].
    يعني هنا يقول: هذا كتاب فلان ابن فلان الذي هو المزارع، يعترف بأنه كتب على نفسه هذا الكتاب، وأنه ألزمه نفسه بما سيذكره، وذكر الاسم إما ثلاثي أو ثنائي؛ لأن في بعض النسخ فلان ابن فلان ابن فلان الاسم الثلاثي، وفي بعضها فلان ابن فلان، والمقصود من ذلك ذكر الشخص بما يتميز به وبما يعرف به، سواءً طال النسب أو قصر النسب، المهم أن يكون الشخص معروفاً إذا كان يتضح باثنين الاسم واسم الأب أو الاسم والشهرة، أو الاسم واسم الأب والجد المهم أن يعرف الشخص بما يتميز به في الكتابة سواءً طال النسب أو قصر، هذا كتاب فلان ابن فلان ابن فلان، أو فلان ابن فلان.
    قوله: [كتبه في صحة منه، وجواز أمر].
    يعني: في صحة من عقله، وأنه صحيح العقل وأنه سليم، (وجواز أمر) يعني: جواز التصرف يعني في أمره، وأنه رشيد وليس بسفيه وليس بمحجور عليه، فهذا فيه بيان الحالة التي يكون عليها العاقد، وأنه يكون في صحةٍ من عقله، وفي جواز تصرف في أمره، فليس غير عاقل بل هو عاقل، وليس محجوراً عليه لسفهه، والسفيه لا يجوز التصرف في أملاكه إذا كان محجوراً عليه لسفهه، لكن هذا فيه التنصيص على سلامة الشخص من هذه الأمور، وهذا جاري بين الناس في هذا الزمان عندما يكتبون العقود في صحة من عقله وجواز تصرفه أنه كذا وكذا، عندما يذكر أقر فلان ابن فلان على صحةٍ من عقله وجواز تصرفه، يعني أنه عنده عقل وعندما كتب هو عاقل وليس بمجنون وليس خالي من الإرادة، وكذلك (جواز أمره) جواز التصرف في شئونه لكونه ليس محجوراً عليه لسفهه.
    قوله: [كتبه لفلان ابن فلان].
    كتبه لفلان ابن فلان يعني مالك الأرض، هذا المزارع الذي هو العامل يكتب على نفسه لصاحب الأرض هذا الكتاب.
    تعيين الأرض المزارع عليها

    قوله: [إنك دفعت إلي جميع أرضك التي بموضع كذا، في مدينة كذا مزارعة].[إنك دفعت إلي جميع أرضك]، يعني قال: جميع أرضك، يعني ليس جزءاً منها.
    قوله: [التي بموضع كذا].
    التي في موضع كذا، من مدينة كذا، يعني مثلاً بالعوالي من المدينة، أو بالجهة الغربية أو كذا، يعني المكان الذي هو معروف البقعة التي فيها الأرض، من مدينة كذا.
    قوله: [مزارعةً].
    أي: دفعتها إلي مزارعة ما أعطيتني إياها منحةً، ولا أعطيتني إياها هديةً، ولا أعطيتني إياها لأي غرضٍ من الأغراض إلا لأجل المزارعة، يعني وهذا هو المقصود من العقد أنه مزارعة، فقوله: [دفعت إليّ أرضك التي هي كذا وكذا مزارعةً] يعني: هذا هو الغرض من دفعك إياها إلي، لأكون مزارعاً فيها، ما دفعتها إليّ هديةً فلا فيقول: أعطيتني إياها وإنها ملكي، وأنك منحتني إياها، وإنك أوهبتني إياها، وإنما يقول: مزارعةً، يعني أنه يعمل والأرض لك، وما خرج فهو على النسبة التي اتفقنا عليها.
    قوله: [وهي الأرض التي تعرف بكذا].
    وهي الأرض التي تعرف بكذا إذا كان لها اسم، واشتهرت به أرض كذا، الأرض الفلانية المعروفة بكذا.
    قوله: [وتجمعها حدود أربعة يحيط بها كلها].
    يعني: محددة بأربعة حدود تحيط بها هذه الحدود وتجمعها، وأحد هذه الحدود لزيق بكذا، يعني: جاره كذا، أو ملاصق للأرض الفلانية أو للمزرعة الفلانية أو لملك فلان، وكذلك الحد الثاني وكذلك الباقي، الحد الأول كذا يحده من الشرق كذا، ومن الغرب كذا، من الشمال كذا، من الجنوب كذا.
    قوله: [وأحد تلك الحدود بأسره لزيق كذا، والثاني والثالث والرابع، دفعت إليّ جميع أرضك هذه المحدودة في هذا الكتاب بحدودها المحيطة بها، وجميع حقوقها وشربها وأنهارها وسواقيها].
    [بجميع حقوقها]، يعني بشربها مائها وأنهارها ومكائنها وآلاتها، يعني الأشياء الموجودة فيها إذا كان موجود فيها آلات، فيذكر هذه الأشياء التي استلمها وهي لصاحبها بشربها وأنهارها وسواقيها.
    [وأنهارها وسواقيها]، سواقي الماء التي يجري منها الماء التي هيئت وأسست لتكون مجرى للماء يذهب إلى النخلات وإلى الأرض التي تزرع، يعني لا يكسرها فيأتي بدركتل ويخربها، ويجعله يحتاج إلى أنه يسوي سواقي لا يعني هي نفسها.
    قوله: [أرضاً بيضاء فارغةً لا شيء فيها من غرسٍ ولا زرع، سنة تامة أولها].
    يعني هذا مدة العقد [سنةً تامةً]، يعني مدة العقد سنة ما يكون شيئاً مجهولاً، أولها كذا، أول هذه السنة يعني غرة محرم مثلاً، أو مستهل محرم يعني أوله، وآخرها انسلاخ شهر ذي الحجة، انسلاخ شهر كذا، البداية والنهاية.

    العمل المزارع عليه ومدته

    قوله: [سنةً تامةً أولها مستهل شهر كذا من سنة كذا، وآخرها انسلاخ شهر كذا من سنة كذا، على أن أزرع جميع هذه الأرض المحدودة في هذا الكتاب الموصوف موضعها فيه، هذه السنة المؤقتة فيها من أولها إلى آخرها].المؤقتة التي هي من مستهل كذا إلى انسلاخ كذا المنصوص عليها في العقد.
    قوله: [على أن أزرعها كلما أردت وبدا لي أن أزرع فيها].
    يعني يتصرف في الزرع كيف شاء، ليس مقيداً بشيءٍ معلوم تزرع كذا وتزرع كذا فقط ولا يتجاوز إلى غيره، وإنما هو مطلق التصرف في الزراعة، فالاتفاق على أنه يزرع كل شيء.
    قوله: [كلما أردت وبدا لي أن أزرع فيها من حنطةٍ وشعيرٍ وسماسم].
    هذه أمثلة، يعني أمثلةً كثيرةً وليس المقصود الحصر وإنما المقصود التنصيص.
    قوله: [من حنطة وشعير وسماسم وأرزٍ وأقطان ورطاب وباقلاً وحمص ولوبيا وعدس ومقاثي ومباطيخ وجزر وشلجم وفجل وبصل وثوم وبقول ورياحين وغير ذلك من جميع الغلات].
    وغير ذلك، يعني لما ذكر هذه الأسماء العديدة والأنواع العديدة قال: هذه أمثلة وغير ذلك من جميع الغلات، يعني كل الأشياء التي يحتاج إلى زرعها يفعل ذلك، وطبعاً في حدود ما هو مباح، فلا يزرع فيها أموراً محرمةً؛ لأن الناس يتعاملون على أساس الحلال وليس على أساس الحرام، ولهذا ما نص على أني ما أزرع فيها كذا.
    والبذر هي: الأشياء التي تكون أصل تلك الأنواع، والبذر مثل بذر الحنطة وبذر الحب الذي ينثر في الأرض من أجل يظهر، لكن الأشياء التي هي يقال لها: بزر وبذر.
    قوله: [شتاءً وصيفاً].
    يعني طول السنة سواءً شتاءها وصيفها، ليس في وقت دون وقت.
    قوله: [ببزورك وبذرك].
    معناه أن الاتفاق على أساس أن البذر من المالك؛ لأنه الآن يقول العامل للمالك: إنها [ببزورك وبذرك] يعني: الأشياء التي تنثر في الأرض من أجل ينبت، ومن أجل يحصل نبات تلك الأنواع أنت الذي تأتي بها.
    قوله: [وجميعه عليك دوني].
    جميعه يعني هذه الأشياء الذي هي البذور عليك دوني فلا علي شيء.
    قوله: [على أن أتولى ذلك بيدي وبمن أردت من أعواني وأجرائي].
    هذا الذي على العامل، ذكر الذي على المالك، ثم ذكر الذي عليه هو على أن أتولى عمل ذلك بنفسي وبأعواني.
    قوله: [وأجرائي وبقري وأدواتي، وإلى زراعة ذلك، وعمارته، والعمل بما فيه نماؤه ومصلحته].
    يمكن وإليّ، يمكن يحتمل أنها وإليّ يعني أن هذا إليّ يعني زراعة ذلك.
    قوله: [وإليّ زراعة ذلك وعمارته والعمل بما فيه نماؤه ومصلحته].
    يعني هذه مهمة العامل، وهذه الأمور المطلوبة من العامل.
    قوله: [وكراب أرضه، وتنقية حشيشها].
    يعني: تنقيتها وإصلاحها، يعني كون الإنسان يأتي ونثر الحب فيها وأراد أنه يحرثها حتى يكون الحب في داخلها هو الذي يتولى العامل وليس المالك.
    قوله: [وكراب أرضه، وتنقية حشيشها].
    [وتنقية حشيشها] يعني: يخرج الأشياء التي فيها من الأشياء التي قد تعوق وقد تؤثر على الزرع والتي قد تنبت مع الزرع إذا لم تنظف الأرض منه يعني هو الذي يتولاه العامل.
    قوله: [وسقي ما يحتاج إلى سقيه مما زرع، وتسميد ما يحتاج إلى تسميده].
    الذي هو الأشياء التي يؤتى بها من خارج من أجل أن تكون سبباً في صلاح الزرع وفي حسنه وجودته.
    قوله: [وحفر سواقيه وأنهاره، واجتناء ما يجتنى منه، والقيام بحصاد ما يحصد منه وجمعه، ودياسة ما يداس منه وتذريته].
    [ودياسة ما يداس] يعني: كون الحبوب السنابل وما فيها حتى يداس، كانوا يأتون بدواب تدوس عليها حتى ينفصل الحب من هذا ثم يذرى في الهواء فيتميز الحب من التبن، الحب يسقط في الأرض والتبن يسوقه الهواء ويذهب إلى جهةٍ متأخرة عما يتساقط، يعني عليه الدياسة والتذرية، يعني يذرا في الهواء.
    قوله: [بنفقتك على ذلك كله دوني].
    [بنفقتك على ذلك] يعني: الأشياء التي يؤتى بها من الخارج يعني مثل البذر والبذور وما إلى ذلك يعني عليك.
    قوله: [وأعمل فيه كله بيدي وأعواني دونك، على أن لك من جميع ما يخرج الله عز وجل من ذلك كله في هذه المدة الموصوفة في هذا الكتاب من أولها إلى آخرها، فلك ثلاثة أرباعه بحظ أرضك وشربك وبذرك ونفقاتك].
    يعني لك ثلاثة الأرباع يقوله العامل للمالك بحظ يعني بسبب أرضك واستفادتك من أرضك وشربك الذي هو الماء ونفقتك يعني كونك أنفقت عليها البذر وغير البذر مما يلزم.
    قوله: [بزراعتي وعملي وقيامي على ذلك بيدي وأعواني، ودفعت إليّ جميع أرضك هذه المحدودة في هذا الكتاب بجميع حقوقها ومرافقها، وقبضت ذلك كله منك يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، فصار جميع ذلك في يدي لك لا ملك لي في شيء منه].
    هذا نفي، فإذا وقعت في يده ربما يطمع فيها وقال: أنا يدي عليها وهي لي، وأنت ليست لك فلابد أن يقول: هي لك، أنا ما لي فيها شيء أخذت منك مزارعةً.
    قوله: [فصار جميع ذلك في يدي لك لا ملك لي في شيءٍ منه ولا دعوى ولا طلبة].
    يعني لا يدعي شيئاً ولا يطالب بشيء، إلا فيما يتعلق في الذي اشتمل عليه هذا العقد من المزارعة.
    قوله: [إلا هذه المزارعة الموصوفة في هذا الكتاب في هذه السنة المسماة فيه، فإذا انقضت فذلك كله مردودٌ إليك وإلى يدك، ولك أن تخرجني بعد انقضائها منها، وتخرجها من يدي ويد كل من صارت له فيها يد بسببي، أقر فلان وفلان، وكتب هذا الكتاب نسختين].
    في الآخر أقر فلان يعني التوقيع فلان وفلان وكتب من نسختين: نسخة لكل واحد من الطرفين، كل واحد بيده نسخة من العقد، نسخة بيد العامل المزارع ونسخة بيد مالك الأرض، فهذا صيغة عقد دقيق في غاية الدقة وفي غاية الاحتياط، والبعد من وجود الثغرات التي يحصل بسببها الخلاف؛ لأن العقود إذا انبنت على إيهام أو انبنت على نقص ولم تكن وافيةً ولم تكن دقيقةً صارت عرضةً ومجالاً للاختلاف والنزاع والشقاق وإشغال المحاكم والقضاة بالاختلاف الذي ينشأ لعدم الضبط والإتقان.


    الأسئلة


    الفرق بين المغارسة والمزارعة


    السؤال: هل المزارعة والمغارسة شيء واحد أو يختلف؟

    الجواب: المغارسة تتعلق بالشجر وغرس الشجر، والمزارعة بالزرع.
    و المغارسة طبعاً تختلف؛ لأنه يعني هل هو شريكاً في النخل، أو أنه ليس له إلا شيء من الثمرة.

    حكم صيام يوم السبت تطوعاً

    السؤال: هل يجوز صوم يوم السبت، أعني صوم التطوع مع عدم التخصيص؟

    الجواب: كون الإنسان يصومه وحده يعني جاء ما يدل عليه، وأما إذا صامه ومعه غيره فقد جاء ما يدل على جوازه، وذلك في حديث جويرية رضي الله عنها الذي رواه البخاري في صحيحه (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي صائمة يوم الجمعة فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري)، فدل على أنها لو قالت: أنها ستصوم يوم السبت أنه أقرها، ولما رآها عازمةً على إفراد الجمعة بالصوم نهاها، فدل على أن صوم الجمعة ومعه يوم بعده وهو السبت أو يوم الجمعة وقبله يوم الخميس، أو السبت ومعه الأحد أنه لا بأس به.


    حكم قص الشعر للمرأة

    السؤال: هل يجوز للمرأة أن تقص شعرها إما تزيناً لزوجها أو لأن طوله يشق عليها؟

    الجواب: بقاء شعر المرأة واحتفاظها به لا شك أن هذا شيء طيب؛ لأن جمالها في ذلك، وهذا من جمالها ومن أحسن جمالها، ولكنه إذا كان كثيفاً وطويلاً جداً ويشق عليها خدمته وصيانته والمحافظة عليه، وأرادت أن تخفف فنرجو ألا يكون بذلك بأس يعني دفعاً للحرج والمشقة.


    حكم قص شعر الصغيرة

    السؤال: هل يجوز قص شعر البنت الصغيرة دون السابعة إذا كان ذلك يصلح شعرها ويكثره في المستقبل؟

    الجواب: لا بأس، أقول: لا بأس إذا كان حلق رأسها يجعله يظهر بقوة، أو أنه عمل شيء ينميه ويطوله لا بأس بذلك.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #491
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المزارعة

    (488)


    - باب ذكر اختلاف الألفاظ المأثورة في المزارعة - باب شركة عنان بين ثلاثة



    كراء الأرض بالثلث والربع وغير ذلك مما هو معلوم النسبة سائغ وصحيح، ويدل على ذلك معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر من اليهود على أن يعملوا فيها بنصف ما يخرج منها من ثمر أو زرع.

    ذكر اختلاف الألفاظ المأثورة في المزارعة


    شرح أثر محمد بن سيرين: (الأرض عندي مثل مال المضاربة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: ذكر اختلاف الألفاظ المأثورة في المزارعة:أخبرنا عمرو بن زرارة أخبرنا إسماعيل حدثنا ابن عون كان محمد يقول: الأرض عندي مثل مال المضاربة، فما صلح في مال المضاربة صلح في الأرض، وما لم يصلح في مال المضاربة لم يصلح في الأرض، قال: وكان لا يرى بأساً أن يدفع أرضه إلى الأكار على أن يعمل فيها بنفسه وولده وأعوانه وبقره، ولا ينفق شيئاً، وتكون النفقة كلها من رب الأرض].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي اختلاف الآثار في المزارعة، ونقل نقولاً عديدة أولها هذا الأثر عن محمد بن سيرين أنه قال: الأرض عندي مثل مال المضاربة، يعني مال المضاربة يدفعه المالك للعامل على أن يشتغل فيه العامل، وله في مقابل عمله النصف من الربح أو الربع أو الثلث على حسب ما يتفقان عليه، والأرض هي لصاحبها، وله النسبة التي يتفقان عليها من أجل استخدام أرضه والاستفادة من أرضه، فيقول: مثل المضاربة، يعني بعض الناس يجيد البيع والشراء وأمامه المضاربة، يأتي إنسان عنده حذق وعنده عناية في البيع والشراء وعنده خبرة في البيع والشراء ولكن ما عنده نقود، فيأتي إلى إنسانٍ عنده نقود ولكن ما عنده حذق في البيع والشراء، فيعطي هذا نقوده لهذا على أن يعمل فيها وله نصف الربح، فيكون كل من الطرفين استفاد، هذا صاحب الخبرة استغلها في مال غيره، وهذا صاحب المال استغله في خبرة غيره، والكل استفاد، هذا استفاد من ماله، وهذا استفاد من خبرته وعمله.
    المزارعة بعض الناس ما يجيد البيع والشراء لكنه يجيد بالزرع، إذاً هو مثل المضاربة، يمكن أنه يأخذ الأرض على جزءٍ معلوم بالنسبة لما يخرج منها، والمضاربة جائزة بإجماع المسلمين، فهذه مثلها، إلا أن المضاربة ما تصلح إلا لمن يجيد البيع والشراء، والمزارعة تكون لمن يجيد الحرث، فإذاً هي سائغة، وبالإضافة إلى أنها مشابهة للمضاربة المجمع عليها فقد جاءت النصوص الدالة على جوازها كما في قصة خيبر وكما في أرض خيبر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم دفعها لليهود على أن يعملوها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.
    وعلى هذا فهذا الكلام الذي ذكره ابن سيرين رحمه الله كلام يعني جيد، وفيه يعني بيان أن هذه مثل هذا، وهذه مجمع عليها وهذه مختلف فيها، لكن هذا مشابه لهذا، بعض الناس يجيد البيع والشراء أمامه المضاربة، بعض الناس ما يجيد البيع والشراء ولكنه يجيد المزارعة أمامه المزارعة، بعض الناس يعني عنده إجادة الذهاب والإياب على أن يشتغل مثلاً على دواب أو على سيارات وله النصف مما يحصل من استخدام هذه الدواب والسيارات من الثمرات التي تترتب على ذلك، إذاً كل يستفيد في حدود خبرته، ولا بأس بذلك ولا مانع من ذلك،
    يقول: [فالأرض عندي مثل مال المضاربة، فما صلح في مال المضاربة صلح في الأرض، وما لم يصلح في مال المضاربة لم يصلح في الأرض، قال: وكان لا يرى بأساً أن يدفع أرضه إلى الأكار].
    الأكار يعني: العامل الأجير أو الفلاح.
    قوله: [على أن يعمل فيها بنفسه وولده وأعوانه وبقره، ولا ينفق شيئاً، وتكون النفقة كلها من رب الأرض].
    يعني أنه يدفعها للأكار الفلاح أو العامل على أن يشتغل فيها بأدواته وبنفسه وبقره على أن النفقة تكون منه، يعني الذي هي البذور وما إلى ذلك منه، ويجوز أن تكون البذور من هذا ومن هذا على حسب ما يتفقان عليه، إن كانت على العامل لا بأس، وإن كانت على مالك الأرض لا بأس كل ذلك سائغ.

    تراجم رجال إسناد أثر محمد بن سيرين: (الأرض عندي مثل مال المضاربة ...)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن زرارة].ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي.
    [أخبرنا إسماعيل].
    هو إسماعيل بن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا ابن عون].
    هو عبد الله بن عون، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو محمد بن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (أن النبي دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر ... وأن لرسول الله شطر ما يخرج منها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم، وأن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شطر ما يخرج منها)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود أرض خيبر على أن يعملوها بأموالهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الشطر مما يخرج منها، يعني: أنه دفع إليهم مساقاةً ومزارعة، مساقاةً للنخل والشجر، ومزارعةً للأرض البيضاء حيث تزرع، ويكون لهم النصف من أجل عملهم، وله صلى الله عليه وسلم النصف من أجل أن الأرض له، وفي هذا أنهم يعملوها بأموالهم، يعني معناه البذر يكون منهم، وكل شيءٍ يكون منهم، يعني الرسول صلى الله عليه وسلم ما له إلا نصف ما يخرج منها ولا يدفع لهم شيئاً، وهذا يدلنا على أن النفقة والبذر يمكن أن يكون من المالك، ويمكن أن يكون من المزارع، وكذلك الأدوات يمكن أن تكون المكائن والمضخات وما إلى ذلك يمكن أن تكون على هذا أو على هذا، كل ذلك سائغ.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر ... وأن لرسول الله شطر ما يخرج منها)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث عن محمد بن عبد الرحمن].
    هو الليث بن سعد، ومحمد بن عبد الرحمن بن عنج مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
    [عن نافع].
    هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث : (أن النبي دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا شعيب بن الليث حدثنا أبي عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها بأموالهم، وأن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شطر ثمرتها)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.

    تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفع إلى يهود خيبر نخيل خيبر) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم].هو المصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا شعيب بن الليث حدثنا أبي].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهم جميعاً.

    شرح حديث: (كانت المزارع تكرى على عهد رسول الله ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا شعيب بن الليث عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: (كانت المزارع تكرى على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن لرب الأرض ما على الربيع الساقي من الزرع، وطائفة من التبن لا أدري كم هو)].أورد النسائي حديث ابن عمر وفيه: أن المزارع كانت تكرى بهذه الطريقة، وفيه اختصار، وقد جاء النهي بالمنع من ذلك كما جاء في الأحاديث المتعددة التي مر ذكرها، يعني أنه يكون فيها جهالة، يعني كونه على السواقي وعلى كذا وعلى طائفة معينة أو يكون له جزء معين محدد يعني بالتقدير لا بالنسبة، أما إذا كان بالنسبة فهو سائغ؛ لأن الكل يشترك في الفائدة.
    والإسناد قد مر ذكره.

    شرح أثر عبد الرحمن بن الأسود: (كان عماي يزرعان بالثلث والربع وأبي شريكهما ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود قال: كان عماي يزرعان بالثلث والربع وأبي شريكهما، وعلقمة والأسود يعلمان فلا يغيران].أورد النسائي أثر عبد الرحمن بن الأسود النخعي أنه قال: كان عماي يزرعان بالثلث والربع، وأبي شريكهما، وعلقمة والأسود يعلمان ولا يغيران، يعني: يقران ذلك، ويسكتان عليه ولا ينهيان عنه، يعني وهذا يدل على أنه معروف عندهم أن استئجار الأرض بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها أنه سائغ، ومن المعلوم أنه قد دل عليه حديث خيبر، ودل عليه أيضاً حديث رافع الذي فيه التفصيل أما شيءٍ معلوم مضمون فلم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد أثر عبد الرحمن بن الأسود: (كان عماي يزرعان بالثلث والربع وأبي شريكهما ...)

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
    [عن شريك].
    هو شريك بن عبد الله القاضي النخعي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي إسحاق].
    هو أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن الأسود].
    هو عبد الرحمن بن الأسود النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح أثر ابن عباس: (إن خير ما أنتم صانعون: أن يؤاجر أحدكم أرضه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر سمعت معمراً عن عبد الكريم الجزري قال سعيد بن جبير: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إن خير ما أنتم صانعون: أن يؤاجر أحدكم أرضه بالذهب والورق)].أورد النسائي أثراً عن ابن عباس أن كون الإنسان يؤاجر أرضه بالذهب والورق، هذا هو الذي ينبغي أن يصار إليه وينبغي أن يفعل، وهو يدل على أن ابن عباس يرى أن استئجارها بالذهب والفضة سائغ، فهذا أثر من آثار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.

    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (إن خير ما أنتم صانعون: أن يؤاجر أحدكم أرضه ...)

    قوله: [حدثنا محمد بن عبد الأعلى].ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا المعتمر].
    هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت معمراً].
    هو معمر بن راشد البصري، ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الكريم الجزري].
    هو عبد الكريم بن مالك الجزري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [قال سعيد بن جبير].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    أثر إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير: (أنهما كانا لا يريان بأساً باستئجار الأرض البيضاء) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم وسعيد بن جبير أنهما كانا لا يريان بأساً باستئجار الأرض البيضاء].أورد النسائي الأثر عن إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير: أنهما كانا لا يريان بأساً في استئجار الأرض البيضاء، يعني على أساس أن صاحبها المستأجر يستخدمها فيما استأجرها من أجله.
    قوله: [أخبرنا قتيبة حدثنا جرير]،
    جرير هو جرير بن عبد الحميد الضبي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مغيرة].
    هو مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم].
    هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [و سعيد بن جبير].
    مر ذكره.

    شرح أثر محمد بن سيرين: (لم أعلم شريحاً كان يقضي في المضارب إلى بقضاءين ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن زرارة حدثنا إسماعيل عن أيوب عن محمد قال: لم أعلم شريحاً كان يقضي في المضارب إلا بقضاءين: كان ربما قال للمضارب: بينتك على مصيبة تعذر بها، وربما قال لصاحب المال: بينتك أن أمينك خائن، وإلا فيمينه بالله ما خانك].أورد النسائي أثراً عن شريح أنه كان يقضي بقضاءين: أحدهما يتعلق بالعامل، وهو أنه إذا كان حصل شيء ادعى أنه تلف بيده فبينته على أنه حصل له مصيبة يعذر، يعني بأنه حصل حريق مثلاً وتلفت البضاعة التي في يده ما يأتي يقول: والله يعني خلاص البضاعة راحت وإلا كذا، وهو ما عنده شيء يدل على ذلك، وكذلك بالنسبة للمالك إذا قال: إن العامل خان، وأنه حصلت منه خيانة، فإنه يأتي ببينة على أنه حصل منه خيانة، وإلا فإن المالك له اليمين من العامل بأنه ما خان، يعني البينة على المدعي واليمين على من أنكر، يعني المالك إذا قال للعامل: إنه خائن، عليه أن يقيم البينة، فإن أقام بينة أخذ العامل بهذه البينة، وإن لم يأت ببينة يكون له اليمين بأنه ما خان، البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، حيث لم تأت البينة.

    تراجم رجال إسناد أثر محمد بن سيرين: (لم أعلم شريحاً يقضي في المضارب إلا بقضاءين ...)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن زرارة عن إسماعيل عن أيوب].إسماعيل هو ابن علية، وأيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد عن شريح].
    هو محمد بن سيرين، وشريح هو شريح القاضي.

    شرح أثر سعيد بن المسيب: (لا بأس بإجارة الأرض البيضاء بالذهب والفضة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا شريك عن طارق عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا بأس بإجارة الأرض البيضاء بالذهب والفضة، وقال: إذا دفع رجل إلى رجل مالاً قراضاً فأراد أن يكتب عليه بذلك كتاباً كتب: هذا كتاب كتبه فلان ابن فلان طوعاً منه في صحة منه وجواز أمره لفلان ابن فلان، أنك دفعت إليّ مستهل شهر كذا من سنة كذا عشرة آلاف درهم وضحاً جياداً وزن سبعة قراضاً، على تقوى الله في السر والعلانية وأداء الأمانة، على أن أشتري بها ما شئت منها كل ما أرى أن أشتريه، وأن أصرفها وما شئت منها فيما أرى أن أصرفها فيه من صنوف التجارات، وأخرج بما شئت منها حيث شئت، وأبيع ما أرى أن أبيعه مما أشتريه بنقد رأيت أم بنسيئة، وبعين رأيت أم بعرض، على أن أعمل في جميع ذلك كله برأيي، وأوكل في ذلك من رأيت، وكل ما رزق الله في ذلك من فضل وربح بعد رأس المال الذي دفعته المذكور إلي المسمى مبلغه في هذا الكتاب فهو بيني وبينك نصفين، لك منه النصف بحظ رأس مالك، ولي فيه النصف تاماً بعملي فيه، وما كان فيه من وضيعة فعلى رأس المال، فقبضت منك هذه العشرة آلاف درهم الوضح الجياد مستهل شهر كذا في سنة كذا، وصارت لك في يدي قراضاً على الشروط المشترطة في هذا الكتاب، أقر فلان وفلان، وإذا أراد أن يطلق له أن يشتري ويبيع، وإذا أراد ألا يطلق له أن يشتري ويبيع بالنسيئة كتب، وقد نهيتني أن أشتري وأبيع بالنسيئة].فقد ذكر النسائي فيما مضى أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة تتعلق بالمزارعة، وقد ذكر في آخرها هذا الأثر عن سعيد بن المسيب الذي فيه أنه لا بأس أن يستأجر بالذهب والفضة.
    قوله: [لا بأس بإجارة الأرض البيضاء بالذهب والفضة].
    يعني: أن استئجار الأرض لزراعتها وهي خالية ليزرع فيها ما شاء من الأصناف أنه لا بأس بها بالذهب والفضة، أي: أن كون الإنسان يدفع ذهباً أو فضة في مقابل استئجارها لمدة سنة أو أكثر أن ذلك لا بأس به، ويزرعها ثم ما حصل من ثمرة وفائدة فهي تخص المستأجر؛ لأن المؤجر أخذ الأجرة التي هي مقدارٌ معين من الذهب والفضة، وقد عرفنا أن ذلك سائغ، ولا بأس به، أي: استئجارها بالذهب والفضة، وكذلك استئجارها بجزء معلوم النسبة ثم يخرج منها أيضاً لا بأس بذلك.
    ثم ذكر أنه إذا دفع شخص لآخر مالاً على أن يعمل به العامل الذي دفع إليه مضاربةً، وحصلت الكتابة بينهما في إبرام هذا العقد فإنه يكتبه على هذه الصيغة التي أشار إليها والتي ذكرها.
    قوله: [إذا دفع رجل إلى رجلٍ مالاً قراضاً فأراد أن يكتب عليه بذلك كتاباً كتب].
    إذا دفع إلى رجل مالاً قراضاً يعني: دفعه قراضاً اللي هو المضاربة، القراض هو المضاربة يقال: وهي الاشتراك وهي شركة بين طرفين أحدهما يعمل والثاني يمول يدفع رأس مال، بحيث يبيع العامل ويشتري وما حصل من ربح فهو بينهما على النسبة التي يتفقان عليها، هذه هي المضاربة، يقال لها: قراض ويقال لها: مضاربة، والغالبة في استعمال أهل الحجاز أنهم يقولون: قراض، وفي استعمال أهل العراق يقولون: مضاربة، وهما بمعنى واحد، إلا أن هذا اللفظ غلب في العراق الذي هو المضاربة، ولهذا يأتي في كتب الحنابلة وفي كتب الحنفية المضاربة، ويأتي في كتب الشافعية والمالكية القراض، فغلب استعمال هذا اللفظ في جهة، واستعمال اللفظ الآخر في جهة، ولا فرق بينهما لفظان مؤداهما واحد، يقال لهذه المعاملة: قراض ويقال لها: مضاربة، وهي جائزة بإجماع العلماء اللي هي المضاربة، كون شخص يدفع لآخر مالاً على أن يبيع فيه ويشتري وما حصل من ربحٍ فهو بينهما على النسبة التي يتفقان عليها لا بأس بذلك، هذه جائزة بإجماع العلماء، دفع مالاً قراضاً.
    قوله: [فأراد أن يكتب عليه بذلك كتاباً كتب].
    فأراد أن يكتب عليه بذلك كتاباً كتب، ثم ذكر الصيغة صيغة العقد.

    صيغة عقد القراض


    قوله: [هذا كتاب كتبه فلان ابن فلان طوعاً منه في صحة منه وجواز أمره لفلان ابن فلان].هذا العامل كتب على نفسه هذا الكتاب فلان ابن فلان، يسمي نفسه بصحة منه وجواز أمر، يعني: أنه صحيح العقل وجائز التصرف، ليس بمجنون، وليس بسفيه محجور عليه لا يمكنه التصرف في ماله، بل هو خال من هذه الموانع التي تمنع صحة العقد منه، وتمنع صحة صدور العقد منه، بل خلى من هذين الوصفين وهما كونه يعني غير عاقل، وكونه غير سفيه يعني الذي حجر عليه بماله لسوء تصرفه، ولهذا قال: في صحة منه.
    وجواز أمره، يعني: جواز التصرف في أموره، وهذا موجود في استعمالات الناس في هذا الزمان، يقولون: في صحة من عقله وجواز تصرفه، هكذا يقول الناس في عقودهم التي يجرونها فيما بينهم.
    قوله: [أنك دفعت إلي مستهل شهر كذا من سنة كذا عشرة آلاف درهم].
    الذي هو رأس المال، يعني يذكر بدء المضاربة وحصول الدفع، ومقدار رأس المال، ورأس المال هو يختص بمالك، والعامل يبيع ويشتري، إن حصل ربح فهو بينهما، وإن حصل خسارة فهي على رب المال، ولا يجوز أن يتحمل العامل شيئاً من الخسارة، ولو اشترط أن الخسارة على العامل فإن ذلك لا يصح باتفاق العلماء، وإنما الخلاف بينهم: هل يصح العقد الذي جاء معه هذا الشرط، أو أنه يصح العقد ولكن الشرط يبطل؟
    الشرط باطل باتفاق العلماء، لكن هل بطلانه يقتصر عليه والعقد يبقى ساري المفعول، أو أنه يسري إلى أصل العقد فيبطله ويحتاج إلى عقد جديد خالي من هذا الشرط الفاسد وهذا الشرط الباطل؟ فالخسارة على رب المال، والربح بينهما، ولا يجوز أن يشترط أن الخسارة على العامل؛ لأنه لو اشترط عليه لكان العامل خسر مرتين: خسر في عمله؛ لأنه ضاع مجان وبدون مقابل، وكونه خسر أي تحمل حمولةً بالإضافة إلى ضياع عمله بدون مقابل؛ لأنه ما حصل ربح لأنه كان يعمل من أجل يحصل ربح وما حصل ربح بل حصل خسارة، فإذا تحمل هذه الخسارة اللي هو العامل يعني اجتمع له خسارتان: خسارة كون عمله ضاع بدون فائدة، وكونه تحملت ذمته شيئاً ليس له أن يتحمله، وإذا حصل ربح فهو بينهما على النسبة التي اتفقا عليها، وإن حصل خسارة فهما كلٌ خسر، هذا خسر عمله، وهذا خسر ماله، الخسارة مشتركة والربح مشترك، إن حصل خسارة في رأس المال فالعامل ضاع عليه عمله وخسر، والمالك ضاع عليه ماله، وإن حصل ربح فهو بينهما.
    قوله: [أنك دفعت إليّ مستهل شهر كذا من سنة كذا عشرة آلاف درهم وضحاً جياداً وزن سبعة قراضاً].
    هذا وصف النقود يعني في ذاك الوقت، يعني دفعتها إليّ قراضاً، يعني هكذا التنصيص في العقد قراضاً، يعني حتى يخرج أن كونه قرض يعني سلف أو كونه يعني هبة كونه عطية، يعني كلمة قراضاً يعني تبين لماذا دفعت؟ يعني أيش المقصود من دفعها؟ دفعت على أنها في شركة مضاربة، شركة قراض، من أحدهما العمل، ومن أحدهما رأس المال، وهذا تشريع أو جواز هذه العملية التي هي المضاربة لما فيها من فائدة ومصلحة؛ لأن من الناس من يكون عنده المال متكدس لكن ما عنده قدرة على التصرف، ما يجيد البيع والشراء، السلع موجودة لكن ما عنده قدرة على أن يشتغل، وبعض الناس يكون عنده حذق وفطنة وخبرة وقدرة على البيع والشراء لكن ما عنده رأس مال، فشرعت المضاربة حتى يستفيد هذا من مال هذا، وهذا يستفيد من خبرة هذا.
    قوله: [على تقوى الله في السر والعلانية وأداء الأمانة].
    يعني أنهم يتفقون على تقوى الله عز وجل، كل واحد يتقي الله في شريكه وفي أمانته، وأن كل منهما عليه مراقبة الله عز وجل، لا يخون، ولا يقصر بحق صاحبه، ولا يخون في أمانته لا يخفي شيئاً منه، ولا يختلس منها شيئاً، ولا يأكل منها شيئاً ويجحده، وإنما يتقي الله عز وجل ويؤدي الأمانة.

    عمل العامل في مال القراض

    قوله: [على أن أشتري بها ما شئت منها كل ما أرى أن أشتريه].يعني معناه: أنها مضاربة مطلقة ليست مقيدة بشيء، يشتري سيارات، يشتري دواب، يشتري حديد، يشتري اسمنت، يشتري أي نوع من أنواع السلع، أما إذا قيده في نوع يعرف أنه يجيد فيه فعليه أنه يلتزم به، إذا كان يعرف شخصاً يجيد تجارة معينة كأنه يجيد البيع في القماش والسلع الأخرى طبعاً ليس من أهلها وأراد أن يقصره عليها لا بأس.
    قوله: [وأن أصرفها وما شئت منها فيما أرى أن أصرفها فيه من صنوف التجارات، وأخرج بما شئت منها حيث شئت].
    يعني ينتقل من بلد إلى بلد، يعني: يحمل النقود معه وينتقل يعني ليس في البلد الذي هو فيه، ولا يخرج به، بل يجوز له أن يتصرف في بلده الذي هو فيه، وأن ينتقل من بلد إلى بلد يعني يضرب في الأرض للتجارة.
    قوله: [وأبيع ما أرى أن أبيعه مما أشتريه بنقد رأيت أم بنسيئة، وبعين رأيت أم بعرض].
    يعني يبيع بنقد أو نسيئة، يعني كون الثمن يقبضه أو يبيع بالغائب يعني بالمؤجل، والبيع بالناجز هذا ما فيه إشكال؛ لأن الحق مضمون، والبيع بالنسيئة هذا هو الذي فيه إشكال؛ لأنه قد يفلس الشخص الذي اشترى منه نسيئة، فيكون المال ما يمكن الاستفادة منه، يعني: إذا كان في ذمة إنسان وكان غائباً، إلا إذا حصل في رهن هذا فيه توثيق للمال؛ لأن الرهن هو توثقة دين بعين، يعني الدين الذي في ذمة إنسان يتوثق فيه بأن يربطه بعين، هذه العين إذا أفلس أو كذا تباع ويأخذ حقه منها، فهذا فيه أنه يتصرف كيف شاء يعني: بنقدٍ أو نسيئة، إن باع حاضراً أو باع غائباً له ذلك.
    قوله: [وبعين رأيت أم بعرض].
    عرض؛ لأن العين هي الشيء المعين، والعرض هو عين أيضاً كما هو معلوم، يعني عروض التجارة هي أعيان، فلا أدري يعني هل كلمة العرض هذه يراد بها يعني العرض أو عوض يعني يكون بعين أو بنقود، يعني بهذا أو بهذا، إلا أن كلمة نقد يعني فيما مضى يعني تشعر بحصول النقد، اللهم إلا أن يكون المقصود من ذلك أنما يباع به يعني يقبض، فالعرض هو الشيء الذي يعرض للبيع والشراء، عروض التجارة يعني أعيان يعني تقلب وتباع وتشترى، والعين هي عرضٌ، يعني سيارة هذه عرض فهذه عين، يعني دابة.
    قوله: [على أن أعمل في جميع ذلك كله برأيي].
    يعني: برأيه، ما يجي يستشيره، ما يقيد بأنه يعني ما يتصرف إلا بالرجوع إليه.
    قوله: [وأوكل في ذلك من رأيت، وكل ما رزق الله في ذلك من فضل وربح بعد رأس المال الذي دفعته المذكور إلي المسمى مبلغه في هذا الكتاب].
    فهو عشرة آلاف درهم الذي مرت في أول الكتاب.
    قوله: [فهو بيني وبينك نصفين].
    يعني هذا على اتفاق أن الربح نصفين، ويجوز أن يكون ثلث وثلثين، أو ربع وثلاثة أرباع، أو خمس وأربعة أخماس.. وهكذا.
    قوله: [لك منه النصف بحظ رأس مالك، ولي فيه النصف تاماً بعملي فيه].
    يعني: لك النصف بحظ رأس مالك، يعني من أجل مالك، أنت استفدت الربح من أجل مالك، وأنا لي النصف بحظ عملي من أجل عملي.
    قوله: [وما كان فيه من وضيعةٍ فعلى رأس المال].
    يعني ما كان فيه وضيعة خسارة فتكون على رأس المال، يعني ليست على العامل.
    قوله: [فقبضت منك هذه العشرة آلاف درهم الوضح الجياد مستهل شهر كذا في سنة كذا].
    يعني بدل المضاربة.
    قوله: [وصارت لك في يدي قراضاً على الشروط المشترطة في هذا الكتاب].
    يعني صارت لك في يدي قراضاً يعني ما هي بيدي أنا وديعة، أو عطية، أو سلف قرض، وإنما هي قراضاً.
    قوله: [أقر فلان وفلان].
    أقر فلان وفلان يعني هذا مثل ما يقولون: التوقيع بأسفل الكتاب، كل واحد يعني يكتب توقيعه وإقراره.
    قوله: [وإذا أراد ألا يطلق له أن يشتري ويبيع بالنسيئة كتب، وقد نهيتني أن أشتري وأبيع بالنسيئة].
    لأن الذي مر على أساس أنه أطلق له أن يبيع بالنسيئة؛ ولهذا قال: أبيع ما شئت من نقد أو نسيئة، وإذا كان أراد المالك ألا يبيع بالنسيئة يعني كتب وقد نهيتني أن أبيع بالنسيئة، يعني أنه ليس من حقي أن أبيع بالنسيئة؛ لأنك نهيتني عن ذلك ومنعتني من ذلك، هذا عقد المضاربة، وكما هو واضح فيه الدقة، وفيه الوضوح والابتعاد عن اللبس والنقص الذي يترتب عليه الخصومات والاختلاف؛ لأنه إذا كانت العقود فيها ثغرات فيكون ذلك سبباً للاختلاف بينهم، هذا يقول: أنا أردت كذا، وهذا يقول: أنا أريد كذا، وهذا يقول لي كذا، وليس لك كذا، لكن إذا كان موجود في العقد خلاص ما في مجال للأخذ والرد.

    تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن المسيب: (لا بأس بإجارة الأرض البيضاء بالذهب والفضة ...)


    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
    [عن شريك].
    هو شريك بن عبد الله النخعي القاضي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن طارق].
    هو طارق بن عبد الرحمن البجلي، وهو صدوقٌ، له أهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    شركة عنان بين ثلاثة



    صيغة شركة عنان بين ثلاثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [هذا ما اشترك عليه فلان وفلان وفلان في صحة عقولهم وجواز أمرهم، اشتركوا شركة عنان لا شركة مفاوضة بينهم في ثلاثين ألف درهم وضحاً جياداً وزن سبعة، لكل واحد منهم عشرة آلاف درهم، خلطوها جميعاً فصارت هذه الثلاثين ألف درهم في أيديهم مخلوطةً بشركةٍ بينهم أثلاثاً، على أن يعملوا فيه بتقوى الله وأداء الأمانة من كل واحد منهم إلى كل واحدٍ منهم، ويشترون جميعاً بذلك وبما رأوا منه اشتراءه بالنقد، ويشترون بالنسيئة عليه ما رأوا أن يشتروا من أنواع التجارات، وأن يشتري كل واحدٍ منهم على حدته دون صاحبه بذلك، وبما رأى منه ما رأى اشتراءه منه بالنقد، وبما رأى اشتراءه عليه بالنسيئة، يعملون في ذلك كله مجتمعين بما رأوا يعمل كل واحد منهم منفرداً به دون صاحبه بما رأى، جائزاً لكل واحد منهم في ذلك كله على نفسه، وعلى كل واحد من صاحبيه، فيما اجتمعوا عليه وفيما انفردوا به من ذلك كل واحد منهم دون الآخرين، فما لزم كل واحد منهم في ذلك من قليل ومن كثير فهو لازم لكل واحدٍ من صاحبيه، وهو واجب عليهم جميعاً، وما رزق الله في ذلك من فضل وربح على رأس مالهم المسمى مبلغه في هذا الكتاب فهو بينهم أثلاثاً، وما كان في ذلك من وضيعة وتبعة فهو عليهم أثلاثاً على قدر رأس مالهم، وقد كتب هذا الكتاب ثلاث نسخ متساويات بألفاظ واحدة في يد كل واحدٍ من فلان وفلان وفلان واحدة وثيقةً له أقر فلان وفلان وفلان].قوله: [شركة عنان بين ثلاثة].
    شركة عنان بين ثلاثة، يعني شركة العنان هي التي يكون فيها الاشتراك بالعمل والمال؛ لأن التي مرت اشتراك بعمل ومال، عمل من شخص ومال من شخص، وأما هذه كل واحد منه رأس مال، وكل واحد منه عمل، كل واحد منه رأس مال، وكل منهم له عمل، مشتركون في رأس المال وفي العمل، ولهذا قيل لها: شركة عنان يعني: أن المشتركين كأصحاب الرهان في الخيل يعني مثل ما يقال: فرسي رهان، يعني معناه: أنهم متماثلين، يعني متساويين في رأس المال، ومتماثلين في العمل.
    تعريف العنان: هي اشتراك بين الشريكين أو أكثر في المال والعمل، كلاً منه رأس مال، وكلاً منه عمل، ليست كالسابقة، السابقة واحد منه عمل، والثاني رأس مال، وهذه كلاً منه عمل ومنه رأس مال.
    قوله: [هذا ما اشترك عليه فلان وفلان وفلان في صحة عقولهم وجواز أمرهم، اشتركوا شركة عنان لا شركة مفاوضة بينهم في ثلاثين ألف درهم وضحاً جياداً وزن سبعة، لكل واحد منهم عشرة آلاف درهم، خلطوها جميعاً فصارت هذه الثلاثين ألف درهم في أيديهم مخلوطةً بشركةٍ بينهم أثلاثاً، على أن يعملوا فيه بتقوى الله وأداء الأمانة من كل واحد منهم إلى كل واحدٍ منهم، ويشترون جميعاً بذلك وبما رأوا منه اشتراءه بالنقد، ويشترون بالنسيئة عليه ما رأوا أن يشتروا من أنواع التجارات، وأن يشتري كل واحدٍ منهم على حدته دون صاحبه بذلك، وبما رأى منه ما رأى اشتراءه منه بالنقد، وبما رأى اشتراءه عليه بالنسيئة، يعملون في ذلك كله مجتمعين بما رأوا يعمل كل واحد منهم منفرداً به دون صاحبه بما رأى، جائزاً لكل واحد منهم في ذلك كله على نفسه، وعلى كل واحد من صاحبيه، فيما اجتمعوا عليه وفيما انفردوا به من ذلك كل واحد منهم دون الآخرين، فما لزم كل واحد منهم في ذلك من قليل ومن كثير فهو لازم لكل واحدٍ من صاحبيه].
    يعني: سواءً كان لهم أو عليهم، ما لزم واحد منهم لازم للجميع؛ لأنهم شركاء، يعني ما حصل من ربح من واحد فهو لهم، وما حصل من خسارة فهو عليهم جميعاً، وقد يربح أحدهم وقد يخسر الثاني، والقضية أنهم شركاء، الخسارة عليهم جميعاً، الربح لهم جميعاً.
    [وهو واجب عليهم جميعاً، وما رزق الله في ذلك من فضل وربح على رأس مالهم المسمى مبلغه في هذا الكتاب فهو بينهم أثلاثاً، وما كان في ذلك من وضيعة وتبعة فهو عليهم أثلاثاً على قدر رأس مالهم، وقد كتب هذا الكتاب ثلاث نسخ متساويات بألفاظ واحدة في يد كل واحدٍ من فلان وفلان وفلان واحدة وثيقةً له أقر فلان وفلان وفلان].
    ثم ذكر أنهم اتخذوا هذا العقد من ثلاث نسخ، وأن هذه النسخ متساوية في هيئتها وفي ألفاظها، يعني ما في أحد يزيد كلمات والثاني ينقص؛ بل الكلمات واحدة، والهيئة واحدة، وكل واحد منهم أقر وبيده نسخة؛ لأن هذه نسخ على عدد الشركاء.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #492
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المزارعة

    (489)


    - (باب شركة مفاوضة بين أربعة على مذهب من يجيزها) إلى (باب في العتق)



    المفاوضة هي اتفاق بين شخصين أو أكثر على أن يبيع كل واحد منهما ويتصرف في مال الآخر، بحيث يشتركون في المال والعمل، وهي ليست عناناً؛ لأن شركة العنان هي خلط مالين فقط.
    شركة مفاوضة بين أربعة على مذهب من يجيزها


    صيغة شركة مفاوضة بين أربعة على مذهب من يجيزها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [شركة مفاوضة بين أربعة على مذهب من يجيزها].شركة مفاوضة بين أربعة على مذهب من يجيزها، يعني فكأنه الإشارة هنا إلى أنه لا يرى جوازها، لكن هذه صيغتها على قول من يرى جوازها، هذه مثل مسألة الجد والإخوة. يعني الجد والإخوة فيه قولان: قول أنه أب فيسقط الإخوة، وقول أنه أخ فيشاركهم، والقول بأنه يشاركهم فيه تفاصيل طويلة عريضة، وقد يرى الإنسان أن الراجح أنه أب وهو الراجح أنه أب، فيسقط الإخوة ولا نصيب لهم معه، لكنه يبين تفاصيلها على قول من يجيزها، وإن كان الإنسان لا يرى جوازها، يعني يرى أن الراجح هو خلاف هذا القول، وهو أن الجد أب فيسقط الإخوة، لكنه يمكن أنه يشتغل في شيءٍ على قول من يرى أنه أصل فيشاركهم، يعني فيعلم الشيء وإن كان لا يراه، يكون على علم به ومعرفة به وإن كان يرى خلافه ولا يراه هو يعني يرى أنه أب فيسقط الإخوة وانتهى ولا في حاجة إلى العمليات والمسائل الكثيرة الطويلة العريضة المتعلقة بالجد والإخوة، لكن على قول من يجيز يمكن للإنسان يعني يذكرها ويذكر تفاصيلها يعني من باب العلم بالشيء وإن كان يرى خلافه، فكلمة هنا على قول من يجيزها يعني كأن المسألة أنه يفهم أنه لا يرى جوازها.
    والمفاوضة فسرها ابن رشد في بداية المجتهد بأنها اتفاق بين شخصين أو أكثر على أن يبيع كل واحد منهما ويتصرف في مال الآخر، يعني يشتركون في المال والعمل، وهي ليست عناناً؛ لأن العنان يعني مبين رأس المال مخلوط يعني نصيب كل واحدٍ منهم مع الآخر.
    ذكرت ذاك يخلطون العنان، وهذه يعني ما يخلطون أموالهم. ما أدري يعني أيش تفصيلها لكنه طبعاً هل من شرطها الخلطة؟ أظن أنه سيأتي يعني شيءٍ يشير إلى هذا في الكلام.
    قوله: [قال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، هذا ما اشترك عليه فلان وفلان وفلان وفلان].
    (أوفوا بالعقود) هذه كلمة عامة كل ما هو سائغ وجائز شرعاً وحصل ارتباط عليه يجب الوفاء به، أي عقد من العقود هذه آية عامة لفظ عام، ولهذا ذكر الشوكاني في فتح القدير نقلاً عن بعض المفسرين القدامى: أن جماعة أو أصحاب الفيلسوف الكندي قالوا: اعمل لنا مثل القرآن، يعني لو عملت لنا شيئا مثل القرآن، قال: سأعمل لكم مثل بعضه، فاختفى في بيته أياماً، وخرج يعلن فشله وعدم قدرته على أن يأتي بشيء مثل القرآن، وقال: إنني لما فتحت المصحف خرجت علي أول آية في سورة المائدة، فجعلت أفكر لآتي بشيء يماثلها أو شيء يقابلها فما استطعت؛ لأنها اشتملت على كذا وعلى كذا وعلى كذا وعلى كذا، واستثنى واستثنى، وجاء بمزاياها، فهنا (أوفوا بالعقود) كلمة عامة، (أوفوا بالعقود) أي عقد يرتبط به وهو سائغ شرعاً وجائز شرعاً يجب الوفاء به، يعني أي عقد من العقود، فهي جملة عامة تشمل أي عقد إذا كان ذلك العقد صحيح شرعاً.
    قوله: [هذا ما اشترك عليه فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ وفلان، بينهم شركةً مفاوضة في رأس مالٍ جمعوه بينهم من صنفٍ واحد ونقد واحد].
    جمعوه بينهم من صنف واحد، ونقد واحد.
    قوله: [وخلطوه وصار في أيديهم ممتزجاً لا يعرف بعضه من بعض].
    إذاً: يعني تشبه العنان، لكنها طبعاً يعني ليست هي عنان؛ لأن العنان يعني أمرها واضح، ولهذا ميز بينها وبين تلك؛ لأن هذه أطلقها وهذه قال: عند من يجيزها.
    قوله: [ومال كل واحد منهم في ذلك وحقه سواء، على أن يعملوا في ذلك كله وفي كل قليل وكثير، سواءً من المبايعات والمتاجرات نقداً ونسيئةً بيعاً وشراءً، في جميع المعاملات، وفي كل ما يتعاطاه الناس بينهم مجتمعين بما رأوا، ويعمل كل واحدٍ منهم على انفراده بكل ما رأى، وكل ما بدا له جائز أمره في ذلك على كل واحدٍ من أصحابه، وعلى أنه كل ما لزم كل واحد منهم على هذه الشركة الموصوفة في هذا الكتاب من حق ومن دين، فهو لازم لكل واحد منهم من أصحابه المسمين معه في هذا الكتاب، وعلى أن جميع ما رزقهم الله في هذه الشركة المسماة فيه، وما رزق الله كل واحد منهم فيها على حدته من فضلٍ وربح فهو بينهم جميعاً بالسوية، وما كان فيها من نقيصة فهو عليهم جميعاً بالسوية بينهم، وقد جعل كل واحد].
    يعني: إن هذا إذا كانوا متماثلين في رأس المال، إذا كانوا متماثلين في رأس المال يكون بالسوية، لكن لو كانوا متفاضلين ومتفاوتين تكون النقيصة على قدر رأس المال.
    قوله: [وقد جعل كل واحد من فلان وفلان وفلان، كل واحد من أصحابه المسمين في هذا الكتاب معه، وكيله في المطالبة بكل حق هو له، والمخاصمة فيه وقبضه، وفي خصومة كل من اعترضه بخصومة، وكل من يطالبه بحق، وجعله وصيه في شركته من بعد وفاته، وفي قضاء ديونه، وإنفاذ وصاياه، وقبل كل واحدٍ منهم من كل واحد من أصحابه ما جعل إليه من ذلك كله، أقر فلان وفلان].
    قوله: [وجعله وصيه في شركته من بعد وفاته وفي قضاء ديونه وإنفاذ وصاياه، وقبل كل واحدٍ منهم من كل واحد من أصحابه ما جعل إليه من ذلك كله].
    جَعل إليه قبل كل واحد ما جعل إليه، يعني: جعل كل واحد لصاحبه، قبل كل واحد منهم ما جعل عليه لعله، الذي جعل عليه، يعني الذي أضيف إليه وأسند إليه من غيره؛ لأن كل واحد جاعل ومجعول إليه، أو قبل كل واحد منهم ما جعل، يعني غيره إذا كان الفاعل محذوف.
    وقبل كل واحد منهم من كل واحد من أصحابه ما جعل؛ لأنه قال: وقبل كل واحد منهم من كل واحد من أصحابه.
    يعني: ما جعل أي كل واحد من أصحابه ماشي، ضمير مستتر يرجع إلى كل واحد.
    قوله: [ما جعل إليه من ذلك كله، أقر فلانٌ وفلان، وفلانٌ وفلان].
    شركة الأبدان


    شرح حديث عبد الله بن مسعود: (اشتركت أنا وعمار وسعد يوم بدر...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب شركة الأبدان.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان حدثني أبو إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (اشتركت أنا وعمار وسعد يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا ولا عمار بشيء)].
    أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( اشتركت أنا وعمار وسعد يوم بدرٍ، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار بشيء)، شركة الأبدان هي: التي ليس فيها رأس مال، وإنما الاشتراك في الأبدان، يعني ناس خالين اليد ما عندهم شيء، ليس عندهم رأس مال، وإنما عندهم أبدانهم، فيقولون: نحن نروح نشتغل، يعني كل واحد، ندخل السوق ونلتقي في وقت الغداء، وما حصل من أي واحد منا نحن فيه شركاء، هذه شركة أبدان؛ لأن ما فيها رأس مال، ما فيها إلا العمل فقط، يعني إما يشتركون مجتمعين أو متفرقين، ويأتي هذا بشيء وهذا بشيء ويقتسمونه، هذه شركة الأبدان.
    يعني: والرسول صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك، والمقصود من ذلك السلب الذي يحصل، يعني حيث يجعل السلب في حال الغزو، وإلا فإن الأسرى كما هو معلوم يعتبرون من الغنيمة، لكن قد يجعل السلب، وإذا كانوا مشتركين جعل السلب لمن يأتي به وقد اشتركوا، فإنه يكون بين الشركاء، إن أتوا جميعاً اشتركوا، وإن أتى واحد منهم فالباقيين شركاء له.
    أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي فيه: أنه اشتركه عمار وسعد بن أبي وقاص يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين ولم آت أنا وعمار بشيء، وقد اشتركوا في ذلك، يعني: فالحاصل من هذين الأسيرين هو بينهما على اعتبار أنها شركة أبدان.
    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن مسعود: (اشتركت أنا وعمار وسعد يوم بدر...)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان الثوري].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عبيدة].
    هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي، صحابي جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    والإسناد فيه انقطاع؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه كما قال الحافظ في التقريب والراجح أنه لم يصح سماعه من أبيه، وعلى هذا ففيه انقطاع.
    شرح أثر الزهري: (في عبدين متفاوضين كاتب أحدهما...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري: في عبدين متفاوضين كاتب أحدهما، قال: جائز إذا كانا متفاوضين يقضي أحدهما عن الآخر].أورد النسائي هذا الأثر عن الزهري في عبدين متفاوضين كاتب أحدهما، يعني حصل لأحدهما أن صار مكاتباً، قال: جائز إذا كان متفاوضين يقضي كل واحد منهما عن الآخر؛ لأن المكاتب كما هو معلوم يسعى ويأتي بمقدار معين في كل سنة على حسب النجوم أو الأقساط التي يكون عليه ويدفعها، فإذا تمكن من أنه يتصرف، وكل واحد منهما يقضي عن الآخر، ويدفع النجوم التي تلزمه في كل سنة، فإنه لا بأس بذلك.
    تراجم رجال إسناد أثر الزهري: (في عبدين متفاوضين كاتب أحدهما ...)

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا ابن المبارك].علي بن حجر، مر ذكره، وابن المبارك هو: عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي، ثم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    والذي يبدو من قوله: متفاوضين، أن هذه شركة مفاوضة.
    تفرق الشركاء عن شركهم


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تفرق الشركاء عن شركهم].يعني: عن شركتهم.
    قوله: [تفرق الشركاء عن شركهم، هذا كتابٌ كتبه فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ بينهم، وأقر كل واحدٍ منهم لكل واحد ..].
    هذا الذي يسمونه مخالصة، يعني كانوا شركاء وأرادوا أن يتفاصلوا وينهوا الشركة، ويكون لكل واحد منهم بيده وثيقة، بحيث أنه يعني لا يأتي أحد في المستقبل ويقول: إن هناك شركاء عندك كذا أو باقي عندك كذا، وأنا أطالبك بكذا، يعني يكتبون وثيقة فيما بينهم أنهم متخالصين، وأن كل واحدٍ خلص من تلك الشركة، وأنه لا طريق لأحدٍ عليه فيها، يعني هذا يسمونه مخالصة.
    قوله: [هذا كتاب كتبه فلان وفلان وفلان وفلان بينهم، وأقر كل واحد منهم لكل واحد من أصحابه المسمين معه في هذا الكتاب بجميع ما فيه في صحةٍ منه وجواز أمر، أنه جرت بيننا معاملات ومتاجرات وأشرية وبيوع وسلطة وشركة في أموال، وفي أنواع من المعاملات، وقروض ومصارفات وودائع وأمانات وسفاتج ومضاربات..].
    يعني: الاعترافات التي موجودة بهذا، حصلت من كل واحدٍ منهم في صحةٍ من عقله، وجواز تصرفه.
    وقوله: [سفاتج] هذا المقصود به جمع سفتجة، وهي الحوالة التي يعطيها المستقرض للمقرض ليقبض من نائبه أو من وكيله في مكان آخر الحق الذي له عليه، هذا يسمونه السفتجة، يعني هذا يشبه الشيك في هذا الزمان.
    وهي كلمة أعجمية، يعني ليست عربية، وقد ذكرها النووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات؛ لأنه كتاب عظيم نفيس يعني أتى بالكلمات التي جاءت في فقه الشافعية، والتي تحتاج إلى بيان، وكذلك الأشخاص الذين جاء ذكرهم في كتب الشافعية، وترجم لهم وعرف بهم، فهو كتاب نفيس ومفيد، لا سيما الكلمات التي تأتي في المبايعات وفي كتب الفقه وهي غريبة، يعني يفسرها في هذا الكتاب.
    قوله: [وسفاتج ومضاربات وعواري وديون ومؤاجرات ومزارعات ومؤاكرات].
    مؤاكرات يعني الذي هو يعني يمكن مثل أكار الذي هو الفلاح، أو الأجير.
    قوله: [وإنا تناقضنا].
    هذا المقصود من العقد، تناقضنا، يعني: تخالصنا وتفاصلنا، وأنهينا الارتباط الذي بيننا.
    قوله: [وإنا تناقضنا على التراضي منا جميعاً بما فعلنا، جميع ما كان بيننا من كل شركة، ومن كل مخالطة كانت جرت بيننا في نوع من الأموال والمعاملات، وفسخنا ذلك كله في جميع ما جرى بيننا في جميع الأنواع والأصناف، وبينا ذلك كله نوعاً نوعاً، وعلمنا مبلغه ومنتهاه، وعرفناه على حقه وصدقه، فاستوفى كل واحد منا جميع حقه من ذلك أجمع وصار في يده، فلم يبق لكل واحد منا قبل كل واحدٍ من أصحابه المسمين معه في هذا الكتاب، ولا قبل أحد بسببه ولا باسمه حق ولا دعوى ولا طلبة].
    أنا قلت: يعني طلبة، وقد راجعت القاموس ووجدت أنها طلبة بالكسر، يعني ما يطلبه الإنسان، يعني ليس معناه لأحد أن يطالبه، يعني وليس له طلبة، يعني: لا يطالبه بشيء، يعني لا يدعي عليه، ولا يطالبه بشيء، هي الآن السائغ يعني عند الناس ليس له دعوى ولا طلبة، هكذا يعني سائغ عند العوام، يقولون: يعني ما له دعوى ولا طلبة، يعني.. وهي طلِبَة، يعني هذا لفظ قديم مستعمل، والناس يستعملونه الآن بينهم العوام يقولون هكذا، يعني ما له دعوى ولا طلبة.
    قوله: [لأن كل واحدٍ منا قد استوفى جميع حقه، وجميع ما كان له من جميع ذلك كله، وصار في يده موفراً، أقر فلان..].
    يعني حقه بيده موفراً، يعني ما له عند الآخرين أي شيء.
    قوله: [أقر فلان وفلان وفلان وفلان].
    يعني: أنهم أقروا بهذا الذي أبرموه بما بينهم، وقد تخالصوا وانتهى بعضهم من بعض، ولم يبق لأحد على أحد شيء، فلا يأتي له في المستقبل يقول: أنت عندك كذا، وأنا عندي كذا، وأنا باقي كذا، يعني يبرز هذه الوثيقة ويتخلص منه.
    تفرق الزوجين عن مزاوجتهما


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تفرق الزوجين عن مزاوجتهما].هذا الخلع.
    قوله: [قال الله تبارك وتعالى: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، هذا كتابٌ كتبته فلانة بنت فلان بن فلان في صحة منها وجواز أمر لفلان بن فلان بن فلان: إني كنت زوجة لك، وكنت دخلت بي فأفضيت إلي، ثم إني كرهت صحبتك، وأحببت مفارقتك عن غير إضرار منك بي، ولا منعي لحق واجب لي عليك].
    يعني: ما قصرت في شيء، ولكني ما في قلبي لك مودة، أنا كرهتك وأبغضتك، وليس في قلبي لك مودة، وأنت ما قصرت في نفقة، ولا منعت حقاً لي عليك، بل أنت مؤد ما هو مطلوب منك، ولكن لا أجد في نفسي مودة لك،
    قوله: [وإني سألتك عندما خفنا أن لا نقيم حدود الله أن تخلعني، فتبينني منك بتطليقة بجميع مالي عليك من صداق، وهو كذا وكذا ديناراً جياداً مثاقيل، وبكذا وكذا ديناراً جياداً مثاقيل أعطيتكها].
    أي: هي متساوية لكن ما أدري يعني هل المقصود به يعني النوعين أو أن أحدهما مكرر.
    قوله: [أعطيتكها على ذلك سوى ما في صداقي، ففعلت الذي سألتك منه، فطلقتني تطليقةً بائنة بجميع ما كان بقي لي عليك من صداقي المسمى مبلغه في هذا الكتاب، وبالدنانير المسماة فيه سوى ذلك، فقبلت ذلك منك مشافهة لك عند مخاطبتك إياي به، ومجاوبةً على قولك من..].
    يعني: إيجاب وقبول، يعني خادعتك وقالت: إني قبلت، نعم، ووافقت.
    قوله: [ومجاوبةً على قولك من قبل تصادرنا عن منطقنا ذلك].
    من قبل تصادرنا، يعني: انفضاضهم أو إعراضهم عن منطقهم، يعني قبل أن ينتهي الكلام الذي بينهم، وقبل تفرقهم من المجلس، يعني فيه إشارة إلى يعني الانصراف في الكلام، والانصراف من المجلس قبل تصادرنا من منطقنا.
    قوله: [ودفعت إليك جميع هذه الدنانير المسمى مبلغها في هذا الكتاب الذي خالعتني عليها وافيةً سوى ما في صداقي، فصرت بائنةً منك مالكةً لأمري بهذا الخلع الموصوف أمره في هذا الكتاب، فلا سبيل لك علي ولا مطالبة ولا رجعة، وقد قبضت منك جميع ما يجب لمثلي ما دمت في عدة منك، وجميع ما أحتاج إليه بتمام ما يجب للمطلقة التي تكون في مثل حالي على زوجها الذي يكون في مثل حالك، فلم يبق لواحد منا قبل صاحبه حق ولا دعوى ولا طلبة، فكل ما ادعى واحد منا قبل صاحبه من حق ومن دعوى ومن طلبة بوجه من الوجوه، فهو في جميع دعواه مبطل، وصاحبه من ذلك أجمع بريء، وقد قبل كل واحد منا كل ما أقر له به صاحبه، وكل ما أبرأه منه مما وصف في هذا الكتاب مشافهةً عند مخاطبته إياه قبل تصادرنا عن منطقنا، وافتراقنا عن مجلسنا الذي جرى بيننا فيه، أقرت فلانة وفلان].
    الكتابة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الكتابة: قال الله عز وجل].الكتابة يعني: المكاتبة بين السيد وعبده على أن يحضر له مقداراً من المال منجماً، وإذا سدد آخر قسط فإنه يكون حراً بموجب عقد الكتابة.
    قوله: [قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33]. هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في صحة منه وجواز أمر لفتاه النوبي الذي يسمى فلاناً، وهو يومئذٍ في ملكه ويده، إني كاتبتك على ثلاثة آلاف درهم].
    النوبي جنس يعني من النوبة.
    قوله: [إني كاتبتك على ثلاثة آلاف درهم وضح جياد وزن سبعة منجمة عليك ست سنين متواليات، أولها مستهل شهر كذا من سنة كذا، على أن تدفع إلي هذا المال المسمى مبلغه في هذا الكتاب في نجومها، فأنت حر بها].
    يعني: إذا دفعت آخر قسط أنت حر، بمجرد ما يدفع آخر قسط يكون حراً.
    قوله: [لك ما للأحرار وعليك ما عليهم، فإن أخللت شيئاً منه عن محله بطلت].
    عن محله، يعني: ما سدد في القسط في وقته، فإنها تبطل الكتابة.
    قوله: [فإن أخللت شيئاً منه عن محله بطلت الكتابة، وكنت رقيقاً لا كتابة لك، وقد قبلت مكاتبتك عليه].
    الشيخ: وهذا المال الذي حصل هو كسب عبده، ومن المعلوم أن كسب العبد للسيد، ولم يوف بالكتابة التي بينهم، فيرجع على ما هو عليه من الرق.
    قوله: [وقد قبلت مكاتبك على الشروط الموصوفة في هذا الكتاب قبل تصادرنا عن منطقنا، وافتراقنا عن مجلسنا الذي جرى بيننا ذلك فيه، أقر فلان وفلان].
    تدبير


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تدبير: هذا كتاب].التدبير هو: العتق بعد الموت، كون الإنسان يجعل عتق عبده مرتبطاً بوفاته، قيل له: تدبير؛ لأنه جعل بعد الموت، والموت دبر الحياة.
    قوله: [هذا كتاب كتبه فلان بن فلان بن فلان لفتاه الصقلي الخباز الطباخ، الذي يسمى فلاناً، وهو يومئذٍ في ملكه ويده: إني دبرتك لوجه الله عز وجل ورجاء ثوابه، فأنت حرٌ بعد موتي، لا سبيل لأحد عليك بعد وفاتي إلا سبيل الولاء].
    وهذا طبعاً يكون من الثلث إذا كان وصية، فإنه يكون من الثلث، يعني حيث وفى به الثلث، فيكون مدبراً ويكون من الثلث.
    قوله: [فأنت حر بعد موتي لا سبيل لأحد عليك بعد وفاتي إلا سبيل الولاء فإنه لي ولعقبي].
    سبيل الولاء لا شك أن الولاء لمن أعتق، ولعقبه من بعده؛ لأن الولاء يورث.
    قوله: [إلا سبيل الولاء فإنه لي ولعقبي من بعدي، أقر فلان بن فلان بجميع ما في هذا الكتاب طوعاً في صحة منه، وجواز أمر منه، بعد أن قرئ ذلك كله عليه بمحضرٍ من الشهود المسمين فيه، فأقر عندهم أنه قد سمعه وفهمه وعرفه وأشهد الله عليه، وكفى بالله شهيداً].
    يعني: حتى لا يقول الورثة: أنه يعني ما في عتق ولا في كذا، يعني فيه توثيق.
    قوله: [ثم من حضره من الشهود عليه، أقر فلانٌ الصقلي الطباخ في صحة من عقله وبدنه، أن جميع ما في هذا الكتاب حقٌ على ما سمي ووصف فيه].
    وإقراره ما هو لازم، إقرار العبد المدبر ليس لازماً، وإنما المهم إقرار المدبر.
    عتق


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [هذا كتاب كتبه فلان بن فلان طوعاً في صحة منه وجواز أمر، وذلك في شهر كذا من سنة كذا، لفتاه الرومي الذي يسمى فلاناً، وهو يومئذ في ملكه ويده: إني أعتقتك تقرباً إلى الله عز وجل وابتغاء لجزيل ثوابه].هذا عتق ناجز، يعني: أنه في الحال أنه يعتق، بخلاف الذي قبله يكون بعد الموت.
    قوله: [عتقاً بتاً لا مثنوية فيه ولا رجعة لي عليك، فأنت حر لوجه].
    هذا زيادة في التوثيق، وإلا يكفي إن قلنا: عتقتك.
    قوله: [فأنت حر لوجه الله والدار الآخرة، لا سبيل لي ولا لأحدٍ عليك إلا الولاء، فإنه لي ولعصبتي من بعدي].
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #493
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب عشرة النساء

    (490)



    - باب حب النساء - باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض




    إن ميل الزوج إلى بعض أزواجه دون البعض الآخر جبلة بشرية، يتعلق بالميل القلبي، إلا أن ذلك ليس عذراً في وجود الميل الآخر وهو المعاملة والمبيت والنفقة.
    عشرة النساء، حب النساء


    شرح حديث أنس: (حبب إلي من الدنيا: النساء والطيب...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب عشرة النساء، باب: حب النساء.يقول الراوي: حدثنا الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن النسائي أخبرنا الحسين بن عيسى القومسي حدثنا عفان بن مسلم حدثنا سلام أبو المنذر عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حبب إلي من الدنيا: النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة)].
    يقول النسائي رحمه الله: كتاب عشرة النساء، هذا الكتاب المقصود به: معاملة الأزواج للزوجات، عشرة النساء، أي: كيف تكون معاشرة الأزواج لزوجاتهم، وكيف يكون التعامل معهن، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، وهذا الكتاب الذي أورده (عشرة النساء)، أو جاء في بعض النسخ أنه بعد كتاب النكاح، وفي بعض النسخ أنه بعد كتاب الأيمان والنذور، والمزارعة، وكونه بعد كتاب النكاح، ألصق به وهو الأنسب؛ لأن هذا يتعلق بالنكاح، ومعاشرة النساء بعدما يحصل الزواج، أي: كيف يعاشرهن؟ فذلك هو المكان المناسب لوضعه، ولكنه في بعض النسخ جاء فيه هذا الموطن الذي هو بعد الأيمان، والنذور، والمزارعة.
    أورد النسائي تحت هذه الترجمة باب حب النساء، أي: محبتهن، والميل إليهن، وقد أورد النسائي فيه حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (حبب إليّ من الدنيا النساء، والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة)، فهذا الحديث يدل على النساء، والطيب حبب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتحبيب الطيب له؛ لأنه عليه الصلاة والسلام هو أطيب الناس، وخير الناس، وكان يحب الطيب، ومن أحب الشيء إليه الطيب، وكان يحب الرائحة الطيبة، ويكره الرائحة الخبيثة، ولهذا سبق أن مر بنا في قصة عائشة، وحفصة، وما قالتاه عن العسل الذي كان يشربه عند زينب، وأنهما تواطأتا على أن تقولا: أنهما يشمان ريح مغافير، وهي رائحته ليست طيبة، والنبي صلى الله عليه وسلم تركه ولم يعد إليه؛ لأنه يكره الرائحة الكريهة، ويحب الرائحة الطيبة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    والنساء حببت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك أمور لا يفصح بها، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس حياءً، فكان أن حبب إليه النساء والزواج بهن، بل خص عن غيره من الأمة بكثرتهن، والزيادة على الأربع، وذلك ليحصل منهن تحمل الشريعة في الأمور الباطنة، والأمور الخفية التي لا يطلع عليها الرجال، والتي تكون بين الرجل وأهله، وتكون بينه وبين زوجه، فإنهن ينقلن للناس المعاملة التي كان يعاملهن بها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولهذا كانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كانت أحفظ النساء لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا سيما في الأمور البيتية، والأمور الخاصة التي تكون بين الرجل وزوجه، فكانت من أوعية السنة، من أكثر الصحابة حفظاً لها، بل إن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعة أشخاص: ستة رجال، وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ومن فضائلها أنها تحملت الشيء الكثير من سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأخذت تلك السنن عنها، فلها أجور تحمل تلك السنن وتأديتها، ولها مثل أجور كل من عمل بهذه السنن التي جاءت من طريقها، والتي أخذتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغتها للناس إلى قيام الساعة، وإلى نهاية الدنيا، كل من عمل بهذه السنن التي جاءت من طريقها، فلها مثل أجورهم جميعاً رضي الله عنها وأرضاها، وهذا من كمال فضلها، وفيه زيادة أجرها، وزيادة ثوابها، وعلو منزلتها عند الله عز وجل، رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    وتحبيب النساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس كله منحصراً في الشهوة والرغبة للنساء، وإنما كان في الغالب من أجل أنهن الوسيلة، وهن الطريق إلى حفظ السنة لا سيما فيما يتعلق في البيوت، وغير البيوت، لكن البيوت من خصائصهن رضي الله عنهن وأرضاهن، (حبب إليّ من الدنيا النساء والطيب)، وقيل: إن (من) بمعنى فيه؛ لأن هذا القصد، وهذا الشيء الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم هو من الدين؛ لأن حفظ الشريعة، ونقل الشريعة، وتحمل الشريعة هو من الدين، وعلى هذا فيقول: (حبب إليّ في الدنيا النساء والطيب)، أي: إذا كانت من بمعنى فيه، أي: أن هذه في الدنيا، ولكن المقصود منها هو الدين، وعلى أن (من) باقية على بابها فهي من أمور الدنيا، والنساء، والطيب مما حبب إلى الناس جميعاً، ولكن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تتميز على غيرها بأن فيها قصد أعظم، وأشرف، وأجل، ألا وهو تحمل هذه الشريعة، وتحمل هذا الدين، ونقله إلى الناس، ولا سيما في الأمور الخاصة التي تقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، فإن هذا لا يتأتى إلا عن طريق النساء.
    ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وجعلت قرة عيني في الصلاة)، قرة عينه أنسه، وسروره، وراحته، وطمأنينته إنما هو بالصلاة، وكان عليه الصلاة والسلام يفزع إلى الصلاة إذا حزبه أمر، وإذا أصابه شدة، وذلك لأنها قرة عينه، وبها أنسه، وبها راحته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يدلنا على عظم شأن الصلاة، وأن شأنها عظيم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفزع إليها يناجي الله عز وجل، وهذه الصلاة التي هي قرة العين هي التي فيها الخضوع، والخشوع، وفيها مراقبة الله سبحانه وتعالى، والإتيان بها على الوجه الأكمل، وعلى الوجه الأفضل، هذا هو الذي تكون به قرة العين، وأما مع السهو ومع الغفلة، فإن هذا يكون ليس فيه هذا الأمر، ولا يتحقق فيه هذا الأمر، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان أنسه، وراحته، وفرحه، وفزعه إنما هو إلى الصلاة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو يدل على عظم شأنها، وأن شأنها عظيم عند الله عز وجل، وعند رسوله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (حبب إلي من الدنيا: النساء والطيب...)

    قوله: [يقول الراوي:حدثنا الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن النسائي].يقول الراوي، أي: الذي هو تلميذ النسائي، والذي يروي عن النسائي، والنسخة أو الرواية الموجودة رواية ابن السني، فالذي يقول هذا هو ابن السني الذي يروي عن النسائي السنن، وهو في بعض الأحيان يفصح بشيخه كما هنا، ويذكر شيخه وهو من كلام التلميذ، وإلا فإن كلام الشيخ يبدأ من قوله: أخبرنا الحسين بن عيسى، هذا هو بدء كلام النسائي، وهو في مواضع نادرة وقليلة جداً يذكر اسم شيخه فيقول: حدثنا الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن النسائي، قال: حدثنا فلان.
    أبو عبد الرحمن هو: أحمد بن شعيب النسائي، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الأخرى؛ لأن بعض أصحاب السنن يروي بعضهم عن بعض، ويكون لهم ذكر في الكتب الأخرى، وأما النسائي فإنه ليس له ذكر، وذلك لأنه متأخر، هو آخر الأئمة وفاة، بل بينه وبين أواخرهم سنوات كثيرة؛ لأن ثلاثة من أصحاب السنن بين السبعين إلى الثمانين وفاياتهم، وهو تأخر عنهم جميعاً بثلاث وعشرين سنة؛ لأنه توفي سنة ثلاثمائة وثلاث، وعلى هذا فلا أحد يروي عنه؛ لأنه متأخر، بخلاف غيره، فإنه يمكن أن يأتي ذكره عندما تأتي تراجمه يذكر أن له ذكر في كتاب كذا، وأنه يعني روى عنه فلان، وأنه من رجال فلان، وهكذا.
    [أخبرنا الحسين بن عيسى].
    هو الحسين بن عيسى القومسي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا عفان بن مسلم].
    هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سلام أبو المنذر].
    هو سلام بن سليمان أبو المنذر، صدوق له أوهام، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [عن ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو: أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى توفاه الله عز وجل، وكان عمره صغيراً، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فعمر حتى كان من آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاة، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبو سعيد، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال، وامرأة واحدة، هؤلاء السبعة هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    حديث: (حبب إليّ النساء والطيب..) من طريق أخرى وتراجم رجال إسنادها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن مسلم الطوسي حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حبب إليّ النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)].ثم أورد النسائي حديث أنس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله: (حبب إليّ النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)، فهو مثل الذي قبله، من حيث المتن، واشتماله على هذه الأمور الثلاثة المحببة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [أخبرنا علي].
    هو علي بن مسلم الطوسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي. وفي أكثر النسخ المطبوعة صدوق وهو خطأ مطبعي. أما كونه ثقة كما نسخة الأشبال.
    [حدثنا سيار].
    هو سيار بن حاتم العنزي، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا جعفر].
    هو جعفر بن سليمان الضبعي، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا ثابت عن أنس].
    وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث: (لم يكن شيء أحب إلى رسول الله بعد النساء من الخيل)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (لم يكن شيءٌ أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد النساء من الخيل)].أورد النسائي حديث أنس رضي الله عنه: (لم يكن شيءٌ أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل)، والمقصود منه ذكر النساء، وحب النبي صلى الله عليه وسلم إياهن، وأنهن حببن إليه، والترجمة هي حب النساء، فهو دال على الترجمة من حيث أن النساء محببة إليه، وأنه حبب إليه النساء، وفيه أنه بعد حب النساء كان يحب الخيل، وذلك لأنهن وسيلة الجهاد في سبيل الله عز وجل، وإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ: (الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، والحديث سبق أن مر في كتاب الخيل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لم يكن شيء أحب إلى رسول الله بعد النساء من الخيل)


    قوله: [أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله].صدوق، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثني أبي].
    هو حفص بن عبد الله بن راشد السلمي، وهو صدوق، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وفيه زيادة ابن ماجه على الذين خرجوا لابنه.
    [حدثني إبراهيم بن طهمان].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن أبي عروبة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
    وقتادة مدلس، وسعيد بن أبي عروبة مدلس.
    ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض


    شرح حديث: (من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل)].
    أورد النسائي ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، المقصود بالميل هنا: كونه يميل إليها بالفعل أي فعلاً، أما الميل القلبي الذي ليس في يد الإنسان، فهذا ليس هو المعني، وليس هو المقصود، وإنما المقصود كونه يملك شيئاً، ومع ذلك يحصل منه الميل، وعدم العدل؛ لأنه قادر على العدل، ولكنه مع ذلك لا يفعله، بل يحصل منه ضده، وهو الجور، والميل، الميل الفعلي، كونه يميل إلى المرأة، ويخصها بشيء دون غيرها، سواءً كان بالعطاء، أو بالقسم مما يملكه الإنسان، هذا هو المقصود بالميل الذي ترجم له، وأورد الحديث للاستدلال عليه.
    وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له امرأتان
    يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل)، وذكر المرأتين لا مفهوم له من حيث أن الحكم مقصور على المرأتين، بل من كان له ثلاث أو أربع فالحكم واحد، إذا مال لبعضهن عن بعض؛ لأن فيه الحيف، وفيه الجور، وفيه الظلم، لكن المقصود هنا الحد الأدنى أو الإشارة إلى الحد الأدنى أنه يتأتى الميل يعني أدنى ما يتأتى الميل في اثنتين أو بين اثنتين بأن يميل إلى واحدة دون الأخرى، هذا هو المقصود من ذكر الاثنتين، فهو ليس له مفهوم من حيث العدد، وأن الأمر يختلف لو كان ثلاث أو أربع، فإذا كن ثلاث أو أربع فالحكم واحد، إذا وجد الميل إلى بعضهن دون بعض، فإن التي ميل عنها قد حصل لها الظلم، وحصلت لها الإساءة، فيعامل يوم القيامة بأن يأتي وشقه مائل، والجزاء من جنس العمل؛ لأنه لما حصل منه ميل في الدنيا من جهة أنه رجح أحد على أحد بفعله، وقدرته، ومشيئته، وإرادته، وهو شيء يملكه، ويستطيعه، وفيه عدم توازن، فإنه يأتي يوم القيامة وهو غير متوازن، بمعنى أن أحد الشقين يكون مائلاً، ويكون هذا من قبيل الجزاء من جنس العمل؛ لأنه لما مال في الدنيا جاء يوم القيامة وفيه ميل أحد شقيه لعدم التوازن، ليكون علامة على عدم عدله بين نسائه، وعلى جوره فيهن، وكثيراً ما يأتي في النصوص ذكر الجزاء من جنس العمل كما جاء في الحديث: (من نفس عن مسلم كربة نفس الله عنه بها كربة، ومن ستر مسلماً ستره الله، ومن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، الجزاء من جنس العمل، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وكما جاء (أتى محرماً عذب به)، أي: الذي أكل سماً يتحساه يوم القيامة في نار جهنم، والذي قتل نفسه بحديدة تكون حديدته في يده، فالجزاء من جنس العمل الذي عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، هكذا جاء في كثير من النصوص مثل هذا المعنى الذي جاء في الحديث، وهو أن الجزاء يكون من جنس العمل، وكما عرفنا هذا الميل الذي جاء في الحديث المقصود به الميل المقدور على تلافيه، وأن الإنسان يقدر على العدل، ولكنه ترك العدل، وجار، ومال، فإنه يعاقب بهذه العقوبة بأنه يأتي وفيه هذه العلامة التي فيها عدم توازنه ورجحان أو ميل أحد جانبيه عن بعض، كما حصل منه الميل في الدنيا يحصل ميل جسده وأحد شقيه على الآخر، بأن يكون فيه هبوط، ونزول، وميل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وكان ناقداً، ومتكلماً في الرجال كـالفلاس كثيراً ما يأتي في كتب التراجم: وثقه الفلاس، أو ضعفه الفلاس، أو وثقه ابن مهدي؛ لأنه من أئمة الجرح والتعديل، وقد ذكر الذهبي في كتابه: من يعتمد قوله في الجرح والتعديل أن يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي إذا اجتمعا على جرح شخص، فإنه يعول على كلامهم، وقد عبر عنه بعبارة فقال: إنهما إذا اجتمعا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه. معناه: أنهما يصيبان الهدف إذا اتفقا على جرح شخص، وعبد الرحمن بن مهدي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا همام].
    هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    وقد مر ذكره.
    [عن النضر بن أنس].
    ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن بشير بن نهيك].
    ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، والسبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو هريرة رضي الله عنه هو أكثرهم حديثاً، ولم يرو أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما روى أبو هريرة في الكثرة، وكان متأخر الإسلام، وكان إسلامه في السنة السابعة عام خيبر، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم مدة وجيزة، ومع ذلك فقد كان أكثر الصحابة حديثاً، وأحاديثه التي تحملها منها ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها ما يرويه عن الصحابة، ومراسيل الصحابة كما هو معلوم حجة وعمدة يعول عليها، وقد حصل لـأبي هريرة من السبب أو الأسباب التي جعلته يكثر حديثه من جهات متعددة، من جهة أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له بالحفظ، ومن جهة أنه كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا يذهبون لحوائجهم، ويذهبون لتجاراتهم ومزارعهم، وبساتينهم، وأعمالهم الخاصة، وأما أبو هريرة فهو ملازمه، يأكل مما يأكل، ويشرب مما يشرب، ويذهب معه أين ما ذهب، فكان ما يحصل من النبي صلى الله عليه وسلم يأخذه، ويتلقاه، ويحفظه، ويعيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حصل له أمر آخر، وهو أنه عاش في المدينة، ومكث في المدينة، ولازم المدينة، وكان الناس يأتون إلى المدينة ويصدرون عنها، ومن يأتي إلى المدينة يلقاه، ويأخذ عنه، ويعطيه إذا كان عنده شيئاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، فكانت هذه الأمور من الأسباب التي جعلته أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه، ولهذا فلا وجه للحاقدين الذين يبحثون عن العيوب التي يلصقونها في الصحابة، بحيث يبغضونهم، ويكرهونهم، ويذمونهم، ويشتمونهم، ويبحثون عن العيوب التي يلصقونها بهم، ويتشبثون بمثل هذه الأمور؛ لأن أبا هريرة أسلم متأخراً، والصحابة الذين هم من أقدم الناس إسلاماً، بل أقدم الناس إسلاماً ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما روى، لا سيما الخلفاء الراشدون الأربعة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن المعلوم أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم تقدمت وفاتهم، فأبو بكر عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم سنتين وأشهر، وعمر عاش اثنا عشر سنة، وعلي رضي الله عنه عاش وهو أكثرهم مدة ثلاثين سنة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أبا هريرة عاش مثلها أو أكثر منها، وكان ملازماً المدينة، ولهذا كان أكثر الصحابة على الإطلاق، فكلام الحاقدين، وكلام أعداء الدين الذين يتشبثون بمثل هذا الكلام، ما يدفعهم على ذلك إلا الحقد، وكون أبي هريرة يروي الكثير من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هم لا يريدونه، ولا يعبئون به، ولا يقيمون له وزناً، بل لا يقيمون وزناً لمن هو أجل وأعظم منه، كـأبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. وأعني بذلك الرافضة الذين هم من أشد الناس بعداً عن الحق والهدى.
    شرح حديث: (كان رسول الله يقسم بين نسائه ثم يعدل ثم يقول: اللهم هذا فعلي فيما أملك...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يزيد أخبرنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم بين نسائه ثم يعدل، ثم يقول: اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، أرسله حماد بن زيد]. أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، أي: بذلك أنه كان يقسم بينهن بالفعل فعلاً، وأما ما يقوم بالقلب من الميل، ومن المحبة أكثر، فهذا شيء لا يملكه، ولكنه صلى الله عليه وسلم مع ما جعل في قلبه من محبة بعض نسائه أكثر من بعض كان يعدل بينهن، وهو أعظم الناس عدلاً، بل هو القدوة عليه الصلاة والسلام في هذه الخصلة، وفي جميع خصال الخير صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكان يعدل بين نسائه في القسم، وفي المعاملة التي هي من فعله وكسبه، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يريد أن يرغب عن بعض نسائه، ومنهن سودة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فأرادت أن تبقى في عصمته ولو لم يقسم لها، ووهبت نوبتها لـعائشة رضي الله عنها وأرضاها، فكان يقسم لـعائشة نوبتين ولكل واحدة نوبتها، فكان لها نوبتها، ونوبة سودة، وحصل ذلك بإذنها وبموافقتها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أرادت أن تبقى في عصمته، وأن تكون من أمهات المؤمنين، وإن لم يكن لها ما يكون لغيرها من القسم، يعني تنازلت ورغبت أن تبقى في عصمته، ولا تريد أن يطلقها، وتخرج من عصمته، بل تبقى تحت عصمته وكونه زوجاً لها، وأن تكون من أمهات المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها في الدنيا والآخرة، المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقسم فيعدل في فعله، وفي ما يقدر عليه، وفي ما هو مكلف فيه،، ولو كان بعضهن أحب إليه من بعض، إلا إنه كان يقسم بينهن، ويعدل بينهن، وأما ميل القلب فليس إليه ولا يملكه، وهذا شيء طبع الله عليه الناس، وفي مقدمتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير النساء أو أفضل أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خديجة، وعائشة رضي الله عنهن وأرضاهن، وكان يحبهن، فخديجة كان يحبها، وكان يذكرها كثيراً بعد وفاتها، وكان إذا صنع طعاماً أهدى إلى صديقاتها، كل ذلك من محبته لها، وميله إليها صلوات الله وسلامه عليه ورضي الله عنها وأرضاها.
    قوله: [(اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)]، أي: الذي هو القلب، والذي هو ما يقوم بالقلب، ومن المعلوم أن هذا ليس إليه، وإنما هذا إلى الله عز وجل؛ لأن هذا هو الذي يقذف في القلوب المحبة الشديدة، أو الخفيفة، أو البغض، كل هذا من الله سبحانه وتعالى، لا يستطيع الإنسان، بل يمكن أن يكون الإنسان يبغض فيريد يعني المحبة، ولا يستطيع أن يحصلها؛ لأن هذا يملكه الله سبحانه وتعالى، والله تعالى هو الذي يقدر عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقسم بين نسائه ثم يعدل ثم يقول: اللهم هذا فعلي فيما أملك...)


    قوله: [أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم هو المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يزيد].
    هو يزيد بن هارون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا حماد بن سلمة].
    ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قلابة].
    هو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، كثير الإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن يزيد].
    هو عبد الله بن يزيد الخطمي، وهو صحابي صغير، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.
    والذي في كتب الرجال إسناد هذا الحديث إلى عبد الله بن يزيد رضيع عائشة، بل نص عليه في روايته أو في ترجمته؛ لأنه مقل من الرواية؛ لأنه ما روى إلا عن عائشة، وما روى عنه إلا أبو قلابة، والذي له في مسلم، والسنن الأربعة حديثان: أحدهما في فضل من مات وصلى عليه مائة، والثاني هذا الحديث، وهو عند أصحاب السنن الأربعة. لكنه قد جاء في إسناد أبي داود: عبد الله بن يزيد الخطمي، وجاء في إسناد أبي داود نسبته الخطمي، ولم يذكر بترجمة عائشة أنه روى عنها عبد الله بن يزيد الخطمي، وإنما الذي روى عنها ممن يسمى عبد الله بن يزيد شخص واحد الذي هو رضيع عائشة، وعلى هذا فيكون عبد الله بن يزيد رضيع عائشة، وهو وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات وقال عنه البخاري: إنه ثقة، يكون هو الراوي لهذا الحديث؛ لأنه ذكر في ترجمته، وكلمة الخطمي التي جاءت في إسناد أبي داود، لا أدري ما وجهها؟ هل يكون عبد الله بن يزيد هذا خطمي، وخطم أي: جميع أهل الأنصار، أو قبيلة من الأنصار، أو فخذ من الأنصار، أو أنه خطأ؟ والمزي في تحفة الأشراف لما ذكر في ترجمته قال: وفي إسناد أبي داود قال عنه: الخطمي، فالحاصل: أنه ينص أو يذكر عند ذكره في الإسناد بأن يقال: هو رضيع عائشة، وهو تابعي ثقة، وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات.
    وهذا الحديث سبق أن ذكرت أن الشيخ الألباني ضعفه، وقد ذكره في إرواء الغليل، وذكر أن إسناده ظاهره الصحة، وأن جميع الأئمة صححوه، قال: لكن المحققين من العلماء رجحوا أنه مرسل، وأخذوا بما أشار إليه النسائي في آخر الحديث حيث قال: أرسله حماد بن زيد، وقال: إن الذي وصله أسنده حماد بن سلمة، والذي أرسله حماد بن زيد، إذ روى بإسناده إلى أبي قلابة، ثم عزا حديثه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحذف عائشة، وحذف عبد الله بن يزيد فصار مرسلاً، والترمذي قال لما ذكر المتصل، وذكر أن جماعة رووه يعني حماد بن زيد وغيره رووه مرسلاً، قال: والمرسل أصح، الحاصل إن الكلام حول تضعيف الحديث من جهة ترجيح الإرسال على الوصل، هي مسألة مختلف فيها بين أهل العلم، من العلماء من يرجح أن من أسند، ومن وصل، فإن معه زيادة علم على من أرسل، فيقبل ما جاء به، ومنهم من قال: إن هذا ثقة، وهذا أوثق، فيكون ما جاء عن الأوثق، وعن الذي هو حماد بن زيد، يكون هو المعتبر، وعلى هذا فوجه إعلال الحديث من جهة أن حماد بن زيد أرسله، وحماد بن سلمة هو الذي وصله، والذين ضعفوه رجحوا المرسل على المسند، والذين صححوه رأوا أن مع المسند زيادة علم على من أرسل فيؤخذ بها، والحافظ حجة على من لم يحفظ.
    [عن عائشة].
    أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق التي حفظت الكثير من السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي أنزل الله عز وجل براءتها مما رميت به من الإثم من الإفك في آيات تتلى من سورة النور، وكانت مع هذا الفضل لها تتواضع لله عز وجل، وتقول عن نفسها: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى. أي: أنا أستحق أن ينزل في قرآن؟ وهذا شأن أولياء الله عز وجل، عندهم الكمال، والتواضع، بخلاف الدجالين أو بعض الدجالين الذين يدعون الولاية عندهم فهم بالحضيض، ويترفعون، ويدعون الناس إلى عبادة أنفسهم، فشأن أولياء الله عز وجل أنهم مع علوهم ورفعتهم يتواضعون لله، فهذه الصديقة بنت الصديق التي لها ما لها من المنزلة، ولها ما لها من الفضل، تقول عن نفسها: كنت أتمنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه في المنام، فيرى رؤيا يبرئني الله عز وجل بها عن طريقها، ورؤيا الأنبياء وحي وحق، لكن الذي حصل أنه نزل القرآن بآيات تتلى في براءتها، وتقول عن نفسها: ولشأني في نفسي أهون، أنا كنت أتمنى أنه يرى الرسول رؤيا يبرئني الله بها، ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى، هذا شأن أولياء الله، كمال، وتواضع، رفعة، وعلو، وتواضع لله عز وجل، و(من تواضع لله رفعه الله)، كما جاء ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والحديث تكلم فيه الألباني من جهة طرفه الأخير الذي هو قوله: [(فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)] وأما طرفه الأول، وهو كونه يقسم ويعدل، فهذا ثابت من وجوه كثيرة، ومن ذلك ما أشرت إليه بالنسبة لـسودة أنه كان لما أراد أن يطلقها تنازلت عن نصيبها من القسم لتبقى في عصمته؛ لأنه يقسم لنسائه عليه الصلاة والسلام، ولا يترك القسم لهن إلا بحصول الرضا من التي يرغب عنها، كما حصل لـسودة رضي الله عنها وأرضاها، وكونه يعدل بين نسائه ويقسم بينهن، هذا ثابت بهذا الحديث وبغيره.
    ثم قال: [أرسله حماد بن زيد]، وكانت من عادة النسائي أنه إذا أتى بمثل هذه الجملة، يذكر الإسناد الذي فيه حماد بن زيد، وفيه إرسال حماد بن زيد، لكنه هنا ما ذكره، وقد ذكر في تحفة الأشراف: أن حماد بن زيد أرسله، من أبي قلابة، أي: يكون الإرسال من جهة أبي قلابة، فالإسناد إلى أبي قلابة ثم يكون الإرسال، ولكنه من طريق حماد بن زيد، أي الإرسال أو الإسناد الذي رويا فيه هذا الحديث من طريق أبي قلابة، أي رواه حماد بن زيد بإسناده إليه وأرسله الذي هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، أي أرسله ولم يسنده ولم يذكر ما فوقه، وإنما أرسله ولم يكن متصلاً فيما فوقه، فهذا هو المقصود بكونه أرسله، لكن هذا خلاف عادة النسائي؛ لأنه كثيراً ما يذكر النسائي: أرسله فلان أو خالفه فلان، ثم يذكر إسناداً آخر فيه توضيح هذا الإرسال، وتوضيح تلك المخالفة، وهذا هنا لم يأت على هذه الطريقة، بل خرج إلى باب آخر لا علاقة له في هذا الحديث، وفي هذا الموضوع.
    الأسئلة


    وضع اليدين في الصلاة أثناء الجلوس


    السؤال: أحسن الله إليك، هذا سائل يقول يسأل عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم حديث: (نهى رجلٌ وهو جالسٌ على يده اليسرى في الصلاة، وقال: إنها صلاة اليهود)، هل النهي عام أم في الصلاة فقط؟

    الجواب: هذه الهيئة وغيرها كلها لا يجوز أن تفعل في الصلاة؛ لأن الهيئة في الصلاة هي أن توضع اليدان على الفخذين أو على الركبتين، ولا يجوز أن توضع في مكان آخر، بل حتى لو وضع يديه على الأرض هكذا بدل ما يضعها على وراءه أو كذا لو وضع يديه على الأرض، ليس له ذلك؛ لأن هيئة الصلاة معلومة، فلا يفعل سواها، واليدان توضع على الركبتين، وعلى الفخذين، في الجلوس، وفي التشهد توضع على الفخذين، والركبتين، ولا توضع على الأرض، ما أدري هل الحديث ما ورد إلا في الصلاة فقط، أو أنه ورد في غيرها؟ لا أدري، لكن بالنسبة للصلاة كما هو معلوم حتى غير هذه الهيئة لا تفعل، لا يجوز أن توضع اليدين على الأرض، لا من يمين، ولا من قدام، ولا من وراء، وإنما توضع على الركبتين، وعلى الفخذين في الجلوس، هذا موضعهما الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك لا يسوغ، لا هذه الهيئة ولا غيرها.


    حب الطيب والنساء من السنة

    السؤال: إن كان حب الطيب، والنساء الوارد في الحديث معناه كما ذكرتم: اطلاعهن على أمور لا يطلع في مثلها إلا النساء، فهل حب الطيب، والنساء من السنة؟

    الجواب: حب النساء، والطيب إذا كان لمقصد حسن، كالعفة وإعفاف النفس، وغض البصر، مثل ما أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الزواج، (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباء فليتزوج، فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، فلا شك أن النكاح والزواج من سنن المرسلين، وجاء الترغيب فيه، وهو من السنة بلا شك، وتكثير النساء من أجل تكثير النسل، وتكثير الولد، أو الإعفاف إذا كان الإنسان يحتاج إلى أكثر من واحدة أو اثنتين، كل هذا من السنة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على تزوج الودود الولود وقال: (إنه مكاثر بهم الأمم يوم القيامة)، فإذا كان له مقاصد شريفة، ومقاصد طيبة، فلا شك أنه من الدين، لا من حيث إعفاف الفرج وحفظ البصر، ولا من حيث الإحسان إلى النساء، ولا من حيث طلب النسل وكثرة النسل، كل هذه مقاصد شريفة ومقاصد مطلوبة، والإنسان هو على خير بها إذا نواها، ولكل امرئ ما نوى.


    النهي عن الجلوس معتمداً على اليد اليسرى

    السؤال: بالنسبة للحديث الإخوان أتو بكتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ الألباني وفيه: (نهى رجلاً وهو جالسٌ معتمدٌ على يده اليسرى في الصلاة، فقال: إنها صلاة اليهود)، أخرجه البيهقي، والحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي وهو مخرج مع الذي بعده في الإرواء، وفي لفظ: (لا تجلس هكذا، إنما هذه جلسة الذين يعذبون)، أخرجه أحمد، وأبو داود بسند جيد. وفي حديث آخر: (هي قعدة المغضوب عليهم)، أخرجه عبد الرزاق، وصححه عبد الحق في أحكامه، الأول هو الذي فيه ذكر الصلاة: (نهى رجلاً وهو جالسٌ معتمدٌ على يده اليسرى في الصلاة).

    الجواب: الذي يبدو أن الحكم عام ليس خاصاً في الصلاة؛ لأن الصلاة كما هو معلوم فيها ما ذكرته، وهو أن غيرها من الهيئات أيضاً لا تجوز، غيرها من الهيئات لا تجوز، إلا هيئة واحدة وهي أن اليدين توضع على الفخذين والركبتين.


    وضع البخور لعلاج الصرع

    السؤال: امرأة تصرع بالجن أحياناً، وإذا وضعت بخوراً أثناء صرعها خفف عنها، ولا يقرأ على البخور أي شيء، وإنما يوضع وتتبخر به، فهل هذا الفعل جائز؟

    الجواب: أبداً، إذا كان البخور ما هو من مشعوذين ودجالين، وإنما هو طيب وشيء طيب، فهذا علاج، إذا كان ينفع هذا العلاج، فلا بأس به، أما إذا كان يأتي عن طريق دجالين مشعوذين، فلا يجوز الذهاب إليهم، ولا العمل بما يقولون.


    التفريق بين سلام بن أبي الصهباء وسلام بن سليمان المزني

    السؤال: جرى الجمهور من علماء الجرح والتعديل على التفريق بين سلام بن أبي الصهباء وبين سلام بن سليمان المزني أبي المنذر الكوفي، ولم يفرق بينهما ابن عدي رحمه الله، فهل الأمر محتمل؟ وما رأي فضيلتكم؟

    الجواب: ما أقول: هذا يحتاج إلى نظر، هل هم في درجة واحدة أو في درجات مختلفة، وهل هم متفقون في الشيوخ، ومتفقون في التلاميذ، لأنه ما يتأتى إلا إذا تساووا في الدرجة والتلاميذ، والشيوخ، فعند ذلك يأتي الاشتباه، أما إن كان بينهم شيء من التفاوت في الطبقات، فهذا يدل على التفاوت، وكذلك كونهم يختلفون في البلدان، يختلفون في أمور أخرى، يفيد أن هذا غير هذا.


    الكذب طريق اللعن

    السؤال: وهذا يسأل عن صحة حديث: (من أراد أن يلعن نفسه فليكذب)؟

    الجواب: ما أعرف لهذا، لكن يمكن مقصوده أن الكاذبين يلعنون، لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61]، فالإنسان إذا كذب عرض نفسه للعنة، لكن هل هو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا أدري، لكن هذا معناه، الإنسان إذا كذب يعرض نفسه للعنة، لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61]، هو واحد منهم، لكن هل الحديث ثابت؟ لا أعرف عنه شيئاً، ثم الكذب لو كان ثابتاً المقصود به التهديد وليس أمر بالكذب؛ لأن الرسول لا يأمر بباطل عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا يكون من جملة الأشياء التي فيها التهديد، مثل: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، الناس ليس مخيرون بين الإيمان والكفر، وأن من يريد الكفر يكفر، والناس مأمورون به، لا، وإنما هذا للتهديد، مثل قوله: (لا تشهدني على جور اشهد على هذا غيري)، تهديداً، ليس معناه إذن له بأنه يشهد على باطل.


    خروج دم الحيض بعد أذان المغرب بفترة في رمضان

    السؤال: امرأة صامت في نهار رمضان، وبعد أذان المغرب بفترة وجدت أثر دم الحيض، ولكنها لا تعلم، هل هذا الدم قبل الأذان أو بعده؟ فهل يجب عليها قضاء ذلك اليوم؟

    الجواب: إذا كان أنها ما رأته إلا بعد الأذان بفترة، وهي مضى عليها وقت، فما يلزمها؛ لأنها ما عرفت أنها حاضت في نهار رمضان.


    تجميل الحواجب بالكحل


    السؤال: هل يجوز للمرأة تجميل حواجبها بالكحل إن كانت الحواجب خفيفة أو غير مستقيمة؟

    الجواب: المحظور والممنوع هو قضية كونها يؤخذ منها، وأما كونها تسود ما أعلم شيئاً يمنع هذا، في قضية تسويدها، أما كونها يؤخذ منها، أو تقص، أو فيما إلى ذلك، هذا هو الذي لا يجوز، وهذا الذي يسمونه تزجيج ويستشهد له في النحو: وزججنا الحواجب والعيون، أي: زججن الحواجب وكحلنا العيون، فيما إذا حذف الشيء لدلالة غيره عليه، لكن هذا طرف منه، وزججن الحواجب والعيون، أي: حذف العامل لدلالة غيره عليه.


    سماع النبي عليه الصلاة والسلام من يصلي عليه في قبره



    السؤال: هل يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره يسمع من يصلي عليه ويسلم؟

    الجواب: كونه حي في قبره حياة برزخية، هذا يقال، والرسول صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية، وأصحاب القبور أحياء في قبورهم حياة برزخية، المنعم منعم، والمعذب معذب، كما جاء ذلك في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن قضية السماع لا يثبت إلا فيما إذا ورد فيه دليل، والشيء الذي ورد فيه دليل قضية: (يسمع قرع نعالهم)، الحديث الذي فيه أنه: (يسمع قرع نعالهم عندما يدفنونه وينصرفون)، هذا ثبت، وكذلك أهل القليب الكفار الذين خاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل وجدتم ما وعدني ربي حقاً؟)، الشيء الذي ورد يثبت، والشيء الذي ما ورد يسكت عنه، لكن لا يقال: إنهم يعاملون كما يعاملون، أي: في الدنيا بأن الإنسان يأتي، ويخاطبهم ويقول: إنهم يسمعونه، ويسمعون كلامه، ويفهمون كل ما يقول؛ لأنه قد جاء في الحديث ما يدل على خلاف ذلك من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يكون على الحوض، ويذاد ناس، فيقول: (أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فلو كان يعلم الشيء الذي يجري بعد وفاته من أصحابه، ما احتاج إلى أن يقول: أصحابي أصحابي، كأن يعرف أن فيهم من ارتد وقتل على الردة، ومات على الردة، ولم يكن من أصحابه الذين وفقوا للبقاء على الحق والهدى، فقضية كون الرسول صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية، هذا بلا شك، بل إن الشهداء الذين ذكر الله تعالى حياتهم في القرآن: بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، حياته أكمل من حياتهم؛ لأنهم إنما نالوا ما نالوه من الحياة باتباعهم له، وبجهادهم في سبيل الله عز وجل امتثالاً لما جاء به من الشرع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فله من الحياة أكمل من حياتهم، لكن لا يقال: إنها مثل الحياة الدنيا، وأنه يجرى فيها ما يجري في الدنيا؛ لأنه لو كان الأمر كذلك، كان الصحابة رضي الله عنهم، لما اختلفوا رجعوا إليه وطلبوا منه أنه يفصل بينهم ويبين لهم، وهذا يبين لنا فساد ما يقوله بعض الدجالين من أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج من القبر، ويصافح بعض الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج لـأبي بكر، وفاطمة، ويخرج للدجالين في آخر الزمان من قبره يصافحهم، ويكون يقظة لا مناماً، هذا دجل، لو كان ذلك حقاً لكان أسعد الناس به أبو بكر، وفاطمة لما حصل بينهم ما حصل من الخلاف من جهة الإرث، وأبو بكر أخذ بقوله: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)، وهي طبعاً ما علمت هذا، وقالت ما قالت، وطلبت ما طلبت، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج لخرج لخير الناس، وأفضل الناس، ما يحصل هذا لخير الناس، ويحصل لبعض الدجالين في آخر الزمان.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #494
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب عشرة النساء

    (491)


    تفاوت النساء في المحبة لا ينافي العدل؛ لأنه أمر قلبي لا يملكه الإنسان، وإنما العدل فيما يملكه الإنسان، وفيما يقدر عليه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عائشة رضي الله عنها أكثر من غيرها من نسائه؛ لما لها من المميزات والفضائل، لكنه كان أعدل الناس خصوصاً مع زوجاته.


    حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض


    شرح حديث: (...إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض.أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: (أن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي، فأذن لها، فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي بنية! ألست تحبين من أحب؟ قالت: بلى. قال: فأحبي هذه، فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأخبرتهن بالذي قالت والذي قال لها، فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت فاطمة: لا والله! لا أكلمه فيها أبداً، قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم زينب بنت جحش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم أر امرأةً قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله عز وجل، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به، ما عدا سورةً من حدة كانت فيها تسرع منها الفيئة، فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع عائشة في مرطها على الحال التي كانت دخلت فاطمة عليها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، ووقعت بي فاستطالت، وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأرقب طرفه هل أذن لي فيها، فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكره أن انتصر، فلما وقعت بها لم أنشبها بشيء حتى أنحيت عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنها ابنة أبي بكر)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض، والمقصود من ذلك: بيان أن المحبة قد تحصل، وتتفاوت النساء في المحبة، لكن ذلك لا ينافي العدل، بل العدل مطلوب ولو وجدت المحبة في الشيء الذي يملكه الإنسان، لذلك الشيء الذي يملكه الإنسان يعدل فيه، والشيء الذي لا يملكه ليس إليه، ولكن لا يدفعه ما عنده من المحبة لبعضهن إلى أن يميل إلى واحدة منهن، فيميزها على غيرها في الشيء المطلوب، أو الذي ينبغي هو المساواة أو التسوية فيه، ففي الحديث الذي فيه: (أن من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل)، هذا فيما يملكه الإنسان، وفيما يقدر عليه، وهذه الترجمة فيها بيان أن المحبة تتفاوت النساء فيها، وأن الله تعالى يوقع في القلوب لبعضهن المحبة أكثر من بعض، لكن لا يصلح أن يكون هذا الذي في القلب يؤدي إلى الحيف، وإلى الميل، وإلى تمييز بعضهن على بعض فيما تلزم فيه المساواة من النفقة، والقسم، وغير ذلك مما يملكه الإنسان.
    وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، الدال على محبة النبي صلى الله عليه وسلم إياها، وأنه كان يحبها، وهو يدل على فضلها، ونبلها، ورفعة شأنها عنده عليه الصلاة والسلام، ومحبته إياها صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في أحاديث كثيرة ما يدل على محبته لها، وعلى فضلها، وعلى تفضيلها على غيرها، وقد اتفق العلماء على أن عائشة، وخديجة هما أفضل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الخلاف في أيهما أفضل، وقد قال بعض المحققين من أهل العلم: أن كل واحدة منهما لها فضيلة تتميز بها عن الأخرى، فـخديجة امتازت على عائشة بكونها كانت معه في حال الشدة والضيق، وفي حال إيذاء قريش، وكانت تواسيه، وكانت تسليه، وقصة نزول الوحي عليه في أول مرة، ومجيئه إليها فزعاً، قالت له: كلا والله ليهديك الله! إنك لتصل الرحم، وكذا، وكذا، وتبين شيئاً من صفاته الحميدة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فكان لها على عائشة هذه الميزة، وعائشة رضي الله عنها، كان لها ميزة أخرى من جهة حفظ السنة، ونقل السنة، وتحمل حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام عن رسول الله، وأدائه إلى الناس، فكل واحدة منهما لها فضيلة، ولها ميزة تميزت بها على الأخرى، وأجرهما عظيم، وثوابهما جزيل عند الله عز وجل. وقد اتفق على أن هاتين الاثنتين خديجة، وعائشة هما أفضل أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما الخلاف أيهما أفضل؟
    والحديث طويل وفيه: أن أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام أرسلن فاطمة ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبن منه العدل في ابنة أبي قحافة أي: في عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقيل: إن المقصود بذلك في المحبة، وقيل: إن المقصود من ذلك في مراعاة الإهداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوتهن؛ لأنه قد اعتاد كثير من الصحابة أنهم يتحرون اليوم الذي يكون فيه عند عائشة، فيهدون إليه الهدايا التي يريدون أن يهدونها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا أثر على أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأردن أن يكن مثلها في ذلك، وألا يكون لها هذه الميزة، فأرسلن فاطمة ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يطلبنها أن تنقل إليه منهن هذه الرغبة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة ومعها في مرطها، والمرط هو: كساء، قيل: من صوف، وقيل: من غيره، فتكلمت وأخبرت بما طلب منها أن تبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الرغبة، رغبة أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقالت: إن أزواجك أرسلنني يطلبن منك العدل في ابنة أبي قحافة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: [ (أتحبين من أحب؟ قالت: نعم، قال: فأحبي هذه) ]، يشير إلى عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فرجعت إلى أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالت لهن ما قالت، وأخبرتهن بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن لها: [ما أغنيت عنا شيئاً]، ما حصلنا على نتيجة، ما ظفرنا بالشيء الذي نريده، لكن أعيدي الكرة وارجعي مرة أخرى وابلغيه هذه الرغبة، فقالت: إنها لا تفعل ذلك، ولا ترجع إليه مرةً أخرى، ولا تفاوضه فيها أبداً، فعند ذلك صرن إلى أمر آخر، وإلى طريق أخرى، وواسطة أخرى، فطلبن من زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أنها لها من الحظوة والمنزلة يعني مثل ما لـعائشة أو قريباً منها، معناه أنها متميزة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن عائشة متميزة، فاخترنها لهذه المهمة، وهي واحدة منهن، وهي مشاركة لهن في الرغبة، وتؤدي هذه المهمة عنها، وعن غيرها من بقية أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت وقالت مثل ما قالت فاطمة: [إن أزواجك يطلبن منك العدل في ابنة أبي قحافة، ثم تكلمت على عائشة، ونالت منها، وسبتها]، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها، ما تكلمت، وما ردت عليها، صبرت وانتظرت وجعلت تنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترقب طرفه، هل يأذن لها بأن ترد عليها، وأن تجيبها على ما حصل منها من الكلام، ومن العتب، واللوم، وسبها؟ فعند ذلك فهمت عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكره أن تنتصر، فعند ذلك اتجهت إليها وكلمتها وردت عليها حتى أفحمتها، ولكن مع كلامها عليها، وبيان أنها انتصرت لنفسها، وردت عليها، ما غمطتها حقها، وما نسيت ما لها من صفات، بل أثنت عليها، وبينت خصالها الحميدة من جهة أنها وصولة للرحم، وأنها قوية في الدين، وأنها يعني تبذل نفسها في الشيء الذي تقرب به، والشيء الذي تصدق به، وأنها تجتهد في الشيء الذي تقوم به من العمل أي: عندها جد واجتهاد، وعندها نشاط، فذكرت جملة من محاسنها، وأشارت إلى الذي فيها، وأن فيها سورة، أي: حدة وسرعة غضب، ولكن مع هذا فهذا الوصف يعتبر أهون من غيره؛ لأنها تسرع الفيئة، أي: ترجع بعد قليل، ليس شأنها كالذي يصير عنده الانفعال، والشدة، ثم يركب رأسه ويستمر، ويطول معه هذا الصنيع، بل هي تبادر، وتسرع، وترجع عن ذلك الشيء الذي يحصل منها، وهذا شيء محمود، فهذا هو الذي أدركته عليها عائشة وأضافته إليها، وذمتها فيه، ولكن مدحتها فيه من جهة أنه ليس بشديد، بحيث أنها تستمر، ويطول معها، ويمكث معها، بل تسرع الفيئة، وتسرع الرجوع عن هذا الذي حصل منها من الشدة ومن الغضب ومن الانفعال، وهذه صفة محمودة بحق من يحصل له مثل هذا الوصف الذي هو الحدة، والشدة التي تحصل.
    وعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(إنها ابنة أبي بكر)]، وهذا مدح لها وثناء عليها من جهة صبرها، وتحملها، وعدم مبادرتها إلى مقابلة من تكلمت عليها، ومقاطعتها الكلام، مع أنها اشتدت عليها، وتكلمت في حقها، ونالت منها، ومع ذلك صبرت، فهذا يدل على رجحان عقلها، مع أنها صغيرة السن، ليست متقدمةً في السن، إذ توفي رسول الله صلى الله عليه الصلاة والسلام وعمرها ثمان عشرة سنةً، وكانت راجحة العقل، وهذا من رجحان عقلها، فقد أثنى عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام لهذا الذي حصل منها في مقابلتها لـزينب بنت جحش رضي الله تعالى عن الجميع.
    والحاصل: أن الحديث يدل على فضل عائشة، وعلى محبته لها أكثر من غيرها، وعلى أن زوجات رسول الله عليه الصلاة والسلام يعرفن هذه المنزلة، وأردن، ورغبن أن يحصل لهن مثل ما يحصل لها، ومن المعلوم أن المحبة القلبية هي من الله عز وجل، وأما قضية الهدايا، وكون الصحابة يختارونها في يوم عائشة، فهذا شيء لاحظوه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أراد أن يفعل ذلك، ولا يقول للناس: إذا أردتم أن تهدوا إليّ لا تجعلوا ذلك في يوم عائشة، بل وزعوه على الأيام، بل ترك ذلك ولم يتعرض له، وأشار إلى فضل عائشة وإلى نبلها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    قوله: [(ولم أر امرأةً قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله عز وجل، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقةً، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به، ما عدا سورةً من حدةٍ كانت فيها تسرع منها الفيئة)].
    هذه الصفات الحميدة التي ذكرتها عائشة في حق زينب بنت جحش، هذا من إنصافها، وعدلها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فإنها مع ما حصل لها من اللوم، ومن العتب، ومن الذنب، والسب، بينت ما هي عليه من هذه الصفات، وذكرت أن الذي تلاحظه عليها هذه الحدة التي تسرع منها الفيئة، ومن صفاتها الحميدة أنها عظيمة الصدقة، وكثيرة الصدقة، وهي التي يقال لها: أم المساكين؛ لكثرة إنفاقها، وإحسانها، ويقال ذلك أيضاً لـزينب بنت خزيمة التي توفيت في حياته صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام جاء في الحديث أنه قال: (أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً)، ولما قال ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام جعلن ينظرن إلى أيديهن وطولهن، وما عرفن المقصود من ذلك، وظنن أن الطول إنما هو في الحس، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد الطول في النفقة، ولما مات رسول الله عليه الصلاة والسلام كان أسرعهن لحوقاً به زينب بنت جحش، فعرفوا أن ذلك من أجل صدقتها، وإحسانها، وجودها، وكرمها، ولهذا يقال لها: أم المساكين لكثرة إنفاقها، وإحسانها، وعطفها على المساكين رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    قوله: [(فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع عائشة في مرطها على الحال التي كانت دخلت فاطمة عليها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، ووقعت بي فاستطالت)].
    هذا بيان أن زينب لما تكلمت وأبلغت المهمة التي طلب منها أداؤها، وقعت بها واستطالت، يعني معناه: تكلمت بها واشتدت عليها، وقعت فيها أي: ذمتها وسبتها، واستطالت عليها.
    قوله: [(وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأرقب طرفه هل أذن لي فيها؟ فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكره أن انتصر، فلما وقعت بها لم أنشبها بشيءٍ حتى أنحيت عليها)].
    ولما تكلمت زينب على عائشة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وسبتها، وكانت صامتةً ساكتةً لا ترد عليها ولا تقاطعها، وهذا لكمال عقلها، ورجحان عقلها رضي الله عنها وأرضاها، وكانت تنظر إلى طرف الرسول صلى الله عليه وسلم، وكأنها تريد أن تعرف منه هل يوافق على أن تجيب عن نفسها وأن ترد عليها؟ فاستمرت زينب بالكلام، وفهمت عائشة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يكره أن ترد عليها وأن تنتصر لنفسها، فعند ذلك لم تمهلها، بل تكلمت عليها حتى أفحمتها وأسكتتها، وعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(إنها ابنة أبي بكر)].

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة...)


    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد].هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عمي].
    هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي].
    هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن صالح].
    هو صالح بن كيسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام].
    هو أخاً لـأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، هذا أخاً أبي بكر المشهور المكثر من الرواية، هذا محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم والنسائي.
    [عن عائشة].
    أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة رجال وامرأة واحدة، هذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

    طريق ثانية لحديث: (... إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة...) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن بكار الحمصي حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أن عائشة رضي الله عنها قالت: (فذكرت نحوه، وقالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم زينب فاستأذنت فأذن لها، فدخلت فقالت نحوه)، خالفهما معمر رواه عن الزهري عن عروة عن عائشة]. قوله: [أخبرنا عمران بن بكار الحمصي].
    هو عمران بن بكار الحمصي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبو اليمان].
    هو أبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي، وهو مشهور بكنيته أبو اليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا شعيب].
    هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن عائشة قالت].
    وقد مر ذكرهم.
    وهذا الإسناد فيه ثلاثة حمصيون، وثلاثة مدنيون، فأوله الثلاثة الذين هم في أسفله حمصيون، والذين هم في أعلاه مدنيون.
    قوله: [خالفهما معمر].
    أي: في الرواية عن الزهري، ثم ذكر رواية معمر عن الزهري. أي: أنه خالف شعيباً وخالف الذي في الإسناد الأول. أي خالف صالح بن كيسان في الإسناد الأول، وشعيب بن أبي حمزة في الإسناد الثاني، فرواه من طريق أخرى غير طريقهما.
    [صالح بن كيسان].
    هو: صالح بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (... إن نساءك أرسلنني وهن ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة...) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع النيسابوري الثقة المأمون حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (اجتمعن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسلن فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلن لها: إن نساءك وذكر كلمةً معناها: ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: فدخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مع عائشة في مرطها، فقالت له: إن نساءك أرسلنني وهن ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أتحبيني؟ قالت: نعم. قال: فأحبيها. قالت: فرجعت إليهن فأخبرتهن ما قال، فقلن لها: إنك لم تصنع شيئاً فارجعي إليه، فقالت: والله لا أرجع إليه فيها أبداً! وكانت ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقاً، فأرسلن زينب بنت جحش رضي الله عنها، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: أزواجك أرسلنني وهن ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، ثم أقبلت عليّ تشتمني، فجعلت أراقب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنظر طرفه هل يأذن لي من أن انتصر منها؟ قالت: فشتمتني حتى ظننت أنه لا يكره أن انتصر منها، فاستقبلتها فلم ألبث أن أفحمتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنها ابنة أبي بكر، قالت عائشة: فلم أر امرأةً خيراً، ولا أكثر صدقةً، ولا أوصل للرحم، وأبذل لنفسها في كل شيءٍ يتقرب به إلى الله تعالى من زينب، ما عدا سورةً من حدةٍ كانت فيها توشك منها الفيئة)، قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، والصواب الذي قبله].أورد النسائي طريق معمر، وهي مثل التي قبلها، من حيث المتن، وهي الرواية السابقة الأولى التي هي رواية صالح بن كيسان عن الزهري، وفيها من الزيادة ما قيل في حق فاطمة رضي الله عنها: [أنها كانت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً]، والمقصود من ذلك كونها تشبهه في سمتها، وآدابها، وأخلاقها رضي الله عنها وأرضاها، هذا المقصود من هذه الجملة: [(وكانت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً)]، أي: أنها تشبهه في صفاتها، وفي أخلاقها، وآدابها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهو ثناء عليها، وبيان لحالها، ومشابهتها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، واتصافها بصفاته رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وكما قلت: هو مثل الذي قبله، والمخالفة لا تؤثر؛ لأنه يكون جاء عن الزهري من طريقين، ومعمر رواه من طريق، وهذا رواه من طريق، ولا تؤثر رواية على رواية، كل من الروايتين صحيح، ولا تنافي بين الروايتين، ومعناهما واحد ومؤداهما واحد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (...إن نساءك أرسلنني وهن ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع النيسابوري].ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.

    شرح حديث أبي موسى: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر يعني ابن المفضل حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)].أورد النسائي هذا الحديث في بيان فضل عائشة رضي الله عنها، وبيان ميزتها وفضلها رضي الله عنها وأرضاها، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) ]، أي: كما أن الطعام بعضه يتميز على بعض، فالنساء يتميزن على بعض، وعائشة رضي الله عنها، متميزة على النساء كما تميز الثريد على سائر الطعام، والثريد هو: طعام يجمع فيه بين الخبز ومرق اللحم، وقد يكون معه اللحم، لكن المقصود به هو: الخبز يثرد مع مرق اللحم، يثرد، ويخلط به، ويمزج حتى يكون شيئاً واحداً، فيكون أمرى أو أسهل في المضغ، وهو من أفضل الأطعمة عند العرب، ولهذا يضرب به المثل في الجودة، وقد يكون معه اللحم أي: خبز، ومرق اللحم، والنبي صلى الله عليه ضرب المثل في الشيء الذي يعرفونه، ويشاهدونه، ويعاينونه، ويميزونه عندهم وفي نظرهم، فبين أن [ (فضل عائشة رضي الله عنها وأرضاها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) ]، وفيه التشبيه، وتمثيل المعنى المعلوم بالشيء المحسوس المشاهد المعاين، وهو كما هو واضح دال على فضلها، وعلى تميزها على غيرها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)


    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود البصري أبو مسعود، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا بشر].
    هو ابن المفضل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن مرة].
    هو عمرو بن مرة الهمداني المرادي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مرة].
    هو مرة بن شراحيل الهمداني، ويقال له: مرة الطيب الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي موسى].
    هو أبو موسى الأشعري، صحابي مشهور رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكان عذب الصوت في القرآن حتى قال فيه النبي: (لقد أوتيت مزمار من مزامير آل داود).

    حديث عائشة: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن خشرم حدثنا عيسى بن يونس عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)].أورد النسائي حديث عائشة من طريقٍ أخرى في بيان فضلها، و[(أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)]، وهو مثل الذي قبله في المتن.
    قوله: [أخبرنا علي بن خشرم].
    ثقة، أخرج حديثه مسلم والترمذي والنسائي.
    [حدثنا عيسى بن يونس].
    هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي ذئب].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحارث بن عبد الرحمن].
    هو الحارث بن عبد الرحمن العامري، وهو خال ابن أبي ذئب، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثالثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها، والفقهاء السبعة ستة منهم اتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وواحد منهم اختلف فيه على ثلاثة أقوال، فالستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام الذي مر ذكره قريباً، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، أما السابع منهم فقد قيل فيه ثلاثة أقوال: فقيل: إنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الذي معنا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخو محمد الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، والثالث: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال، وهذا لقب يطلق عليهم، فعندما يأتي ذكرهم في مسائل الفقه، بدل ما يقول: وقال به سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وفلان، وفلان ويأتي بسبعة أشخاص، يكتفي بجملة: فيقال: قال به الفقهاء السبعة. فكلمة الفقهاء السبعة ترجع إلى هؤلاء، مثل زكاة عروض التجارة عندما يذكرونها يقولون: قال بها الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وقال بها الفقهاء السبعة الذين هم هؤلاء السبعة الذين ذكرتهم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #495
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب عشرة النساء

    (492)

    - تابع باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض - باب الغيرة



    المرأة مجبولة على الغيرة مهما عظم قدرها، وارتفعت منزلتها، وقد كان لنساء النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك نصيب؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عائشة أكثر من غيرها؛ لعظم شأنها وعلو منزلتها عند الله تعالى، فلم ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في لحاف امرأة إلا عائشة.

    حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض


    شرح حديث عائشة: (يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض.أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الصاغاني حدثنا شاذان حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله! ما أتاني الوحي في لحاف امرأةٍ منكن إلا هي)].
    عقد النسائي هذه الترجمة وهي: حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض، وقد مر بعض الأحاديث الداخلة تحت هذه الترجمة، وبقي بعض الأحاديث التي تندرج تحتها، ومنها حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـأم سلمة: (لا تؤذيني في عائشة، فإنه ما نزل عليّ الوحي في لحاف امرأةٍ منكن إلا هي)، هذا الحديث يدل على محبة النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة أكثر من غيرها، وقد جاء في بعض الأحاديث، أو الطرق بيان السبب لهذا الكلام، وهو: (أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن نساؤه صلى الله عليه وسلم يطلبن منه العدل في ابنة أبي قحافة أن الناس كانوا يتحرون الهدايا في نوبة عائشة، وفي يوم عائشة، فجاءت إليه، وقالت: لو أنه أبلغ الناس ألا يخص الهدايا في ذلك اليوم الذي هو في يوم عائشة)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لها ما قال: [(لا تؤذيني في عائشة، فإنه ما نزل عليّ الوحي في لحاف امرأةٍ منكن إلا هي)]، والحديث فيه دلالة على أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة إنما كان لعلو منزلتها عند الله عز وجل، وهو دال على أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه أكثر من بعض إنما هو لعظيم منزلتها عند الله سبحانه وتعالى، ولعلو منزلتها ورفعتها عند الله عز وجل، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم بين السبب في المحبة، وأن الوحي ما نزل في لحاف امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلا هي، فهو دال على فضلها ونبلها، وتميزها على غيرها.
    ولذلك أمهات المؤمنين الإحدى عشرة أفضلهن خديجة، وعائشة، وأنه ليس هناك أحد أفضل منهن، وإنما الخلاف في أيهما أفضل؟ وأن بعض المحققين من أهل العلم قال: إن لكل منهما فضيلة ليست للأخرى، فـخديجة حصل لها من المؤازرة، والنصرة، والتسلية في حال شدته، وإيذاء الكفار له بمكة، حصل منها ما حصل له من النصرة، والتأييد، وعائشة رضي الله عنها حصل لها ما اختصت به من كثرة تحملها السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملها للعلم، ونشرها له، والرجوع إليها فيه، وكان لكل واحدة منهما ميزة، وأجر الجميع عظيم عند الله عز وجل، وأيهما أفضل؟ الله تعالى أعلم، وكل منهما في القمة، وفي علو المنزلة رضي الله عنهن وأرضاهن.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة ...)


    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الصاغاني].هو محمد بن إسحاق، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا شاذان].
    هو الأسود بن عامر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد بن زيد].
    هو حماد بن زيد بن درهم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن عروة].
    هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله عز وجل براءتها في قرآن يتلى، وهي ذات المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، والخصال الحميدة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة الواحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فلم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم امرأة مثلما روت من الحديث، لا سيما ما يتعلق في الأمور البيتية التي تكون بين الرجل وأهل بيته، والتي لا يطلع عليها إلا النساء.
    قد عرفنا أن من أسباب تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم، وإباحة الله عز وجل له، والزيادة عن أربع، وهي ميزة تميز بها عن الأمة صلى الله عليه وآله وسلم، أن ذلك لأمور مهمة، ومقاصد عظيمة، أهمها وأجلها أن يتحمل نساؤه ما يجري من السنن عنه صلى الله عليه وسلم في الأمور البيتة التي تكون بين الرجل وأهله، والتي لا يطلع عليها إلا زوجاته صلى الله عليه وسلم، فـعائشة رضي الله عنها وأرضاها هي أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق رضي الله عنها وأرضاها.

    شرح حديث أم سلمة: (... لا تؤذيني في عائشة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن آدم عن عبدة عن هشام عن عوف بن الحارث عن رميثة عن أم سلمة رضي الله عنها: (أن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلمنها أن تكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وتقول له: إنا نحب الخير كما تحب عائشة، فكلمته فلم يجبها، فلما دار عليها كلمته أيضاً فلم يجبها، وقلن: ما رد عليك؟ قالت: لم يجبن، قلن: لا تدعيه حتى يرد عليك أو تنظرين ما يقول، فلما دار عليها كلمته، فقال: لا تؤذيني في عائشة، فإنه لم ينزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأةٍ منكن إلا في لحاف عائشة)، قال أبو عبد الرحمن: هذان الحديثان صحيحان عن عبدة].أورد النسائي حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها في مجيئها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإخبارها إياه برغبة أزواجه رضي الله عنهن بأنهن يحببن الخير كما تحب عائشة، وأنهن يردن أن يصير الناس إلى أن لا يخصوا يوم عائشة بالهدايا، بل يكون في يومها وغير يومها من أيام أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عن الجميع، فالحديث هو مثل الذي قبله عن عائشة رضي الله عنها، ولكن فيه بيان السبب الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: [(لا تؤذيني في عائشة، فإنه لم ينزل عليّ الوحي في لحاف امرأةٍ منكن غيرها)]، رضي الله تعالى عنها وعنهن، وعن الصحابة أجمعين.

    تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة: (... لا تؤذيني في عائشة ...)


    قوله: [أخبرني محمد].هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن عبدة].
    هو عبدة بن سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].
    هو هشام بن عروة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عوف بن الحارث].
    مقبول، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن رميثة].
    هو رميثة بنت الحارث، وهي مقبولة، أخرج حديثها النسائي وحده.
    [عن أم سلمة].
    وهي هند بنت أبي أمية، وهي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، إحدى زوجات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [قال أبو عبد الرحمن: هذان الحديثان صحيحان عن عبدة].
    قال أبو عبد الرحمن: هذان الحديثان صحيحان عن عبدة، ثم أورد بعد ذلك الطريقين عن عبدة.

    شرح حديث: (كان الناس يتحرون هداياهم يوم عائشة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه بيان السبب الذي جعل أمهات المؤمنين يطلبن من إحداهن أن تذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطلب منه أن يبلغ الناس ألا يخص الهدايا بيوم عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وبيان (أن الناس كانوا يخصون الهدايا في ذلك اليوم ابتغاء مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ لأنه حينئذ يكون عند أحبهن إليه، وعند أفضلهن وهي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان الناس يتحرون لهداياهم يوم عائشة ...)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن عبدة بن سليمان].
    وقد مر ذكره.
    [عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث عائشة: (أوحى الله إلى النبي وأنا معه ..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن هشام بن عروة عن صالح بن ربيعة بن هدير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا معه، فقمت فأجفت الباب بيني وبينه، فلما رفه عنه قال لي: يا عائشة، إن جبريل يقرئك السلام)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، [(أوحى الله إلى النبي وأنا معه)]، فقامت وأغلقت الباب بهدوء، جافته، يعني: ردته.
    قوله: [(فلما رفه عنه)]، أي: زال عنه ما يجد من المشقة عند نزول الوحي عليه، وكان يعاني مشقة، ويحصل منه في بعض الأحيان أنه في اليوم الشديد البرد يسيل أو يتفصد جبينه من العرق من شدة ما يجد عند نزول الوحي عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، [(فلما رفه عنه)]، أي: أزيل أو زال عنه ما يجده من الشدة عند الوحي، [(قال لي: يا عائشة، إن جبريل يقرئك السلام)]، وجاء في بعض الأحاديث ما يدل على هذا الحديث مما سيأتي، و(أن جبريل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرئها له السلام رضي الله تعالى عنها وأرضاها)، وهو دال على فضلها ونبلها وتميزها على غيرها من زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهن أجمعين.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا معه ..)


    قوله: [حدثنا محمد بن آدم عن عبدة].محمد بن آدم، مر ذكره، عن عبدة، قد مر ذكره، وهو ابن سليمان.
    [عن هشام بن عروة].
    مر ذكره.
    [عن صالح بن ربيعة بن هدير].
    مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.

    شرح حديث عائشة: (إن جبريل يقرأ عليك السلام ..) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا نوح بن حبيب حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: (إن جبريل يقرأ عليك السلام، قالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا نرى)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بأن: [(جبريل يقرأ عليها السلام، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا نرى)، هو دال على ما دل عليه الذي قبله من طلب جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ السلام على عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهو دال على فضلها، ونبلها.
    وقولها: [(ترى ما لا نرى)]، أي: أنه يرى ما لا يرون من الملائكة، وكونه يرى الملائكة وهم لا يرونه، فعندما يأتون بالوحي، وعندما يأتي جبريل أحياناً يأتيه على هيئة إنسان، فيرونه، ولا يعرفونه كما كان يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وكما جاء على صورة أعرابي في حديث جبريل المشهور في بيان الإيمان، والإسلام، والإحسان، وبيان شيء من أشراط الساعة، وقد أطلعه الله عز وجل على ما لا يطلعهم عليه، وأقدره على ما لا يقدرهم عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (إن جبريل يقرأ عليك السلام ..) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا نوح بن حبيب].ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث عائشة: (هذا جبريل وهو يقرأ عليك السلام ..) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني أبو سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا عائشة، هذا جبريل وهو يقرأ عليك السلام، مثله سواء)، قال أبو عبد الرحمن: هذا الصواب، والذي قبله خطأ].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال: [(هذا جبريل يقرأ عليك السلام، مثله سواء)]، هذا مثل الذي قبله، أي: بقيته مثل الذي مر، وفي هذا قوله: [(هذا جبريل يقرأ عليك السلام)]، وقولها: (ترى ما لا نرى)، هذا هو أقرب ما يكون إليه؛ لأنه قال هذا، وأشار إليه، ومعناه: أنه يراه، وهي لا تراه، ولهذا قالت في الآخر: (ترى ما لا نرى)، (هذا جبريل يقرأ عليك السلام)، الرسول صلى الله عليه وسلم يراه وهي لا تراه، ولهذا قالت في الآخر: (ترى ما لا نرى)؛ لأن بقية الحديث مثل الذي قبله، إلا أن في أوله: (هذا جبريل يقرأ عليك السلام).

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (هذا جبريل وهو يقرأ عليك السلام ..) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].هو النسائي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا الحكم بن نافع].
    هو الحكم بن نافع الحمصي، كنيته: أبو اليمان، مشهور بكنيته، ويأتي باسمه كما هنا، ويأتي بكنيته كما مر في بعض المواضع، وهذا من أنواع علوم الحديث، وهو معرفة الكنى؛ لأن فائدة معرفتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر في كنيته في موضع، وذكر باسمه في موضع آخر، يظن أن الحكم بن نافع غير أبي اليمان، لكن إذا عرف أن الحكم بن نافع يكنى بـأبي اليمان، عرف أنه سواءً جاء هذا اللفظ أو جاء هذا اللفظ النتيجة واحدة والشخص واحد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا شعيب].
    هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري ].
    قد مر ذكره.
    [أخبرني أبو سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، المدني، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.
    قول أبي عبد الرحمن: [هذا الصواب، والذي قبله خطأ].
    لا أدري ما وجهه؟ لكن لعل مما يوضح أن هذه الرواية آخرها موافق لأولها، ثم هو من حيث الإسناد الطريق غير الطريق، هذا عن الزهري عن أبي سلمة، وذاك عن الزهري عن عروة.
    الغيرة


    شرح حديث أنس: (... ويقول: غارت أمكم ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الغَيرة. أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا خالد حدثنا حميد حدثنا أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند إحدى أمهات المؤمنين، فأرسلت أخرى بقصعةٍ فيها طعام، فضربت يد الرسول فسقطت القصعة فانكسرت، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى، فجعل يجمع فيها الطعام ويقول: غارت أمكم، كلوا، فأكلوا، فأمسك حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها، فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول، وترك المكسورة في بيت التي كسرتها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الغيرة، وهي بالفتح، والمقصود بالغَيرة: كون الزوجات يغار بعضهن من بعض إذا كانت واحدة منهن لها حظوة، ولها منزلة، فإن غيرها يكون في نفسه عليها شيء، أي: تريد أن يكون لها مثل ما لها، كما سبق أن مر في بعض الروايات: وهن يحببن الخير لأنفسهن كما تحبه عائشة، فهذا هو المقصود بالترجمة، أي: ما يكون بين الزوجات من التنافس، ومن كون واحدة منهن إذا صار لها تميز، تكون الباقيات يحببن أن يكن مثلها، وألا تتميز عليهن، ويردن أن يكن سواء، وألا يفاوت بينهن، هذا هو المقصود بالترجمة.
    وقد أورد النسائي حديث أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم [(كان عند إحدى أمهات المؤمنين)]، يعني: في بيتها، أرسلت إحداهن مع رسول لها مندوب ومعه قصعة فيها طعام، فجاءت تلك التي هو في بيتها، وضربت يد الرسول الذي يحمل القصعة، فسقطت القصعة، وانكسرت، وانتثر الطعام الذي فيها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ القطعتين من هذه القصعة، وجعل بعضهما إلى بعض، وجعل يجمع الطعام فيها، ثم أخذ صحفة سليمة في بيت تلك المرأة التي كسرت القصعة، وأعطاها الرسول ليرجع بها إلى صاحبتها.
    فهذا فيه الدلالة على ما ترجم له من الغَيرة أو الغِيرة، وهو أن إحدى أمهات المؤمنين التي هو في بيتها لما جاء الرسول من تلك المرأة التي هي إحدى أمهات المؤمنين، وقع في نفسها شيء، فضربت يد الرسول حتى وقعت القصعة، فهو من التنافس، ومن الأشياء التي تكون بين الزوجات، قيل: أنهما للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما في بيوته، والصحفة السليمة التي في بيت الكاسرة التي كسرت القصعة أعطاها للتي كسرت، وأبقى تلك المكسورة في يد الكاسرة، قالوا: فهذا فيه احتمال أن الرسول أعطى هذه ما لهذه؛ لأن الكل له، وهو في بيته، وقال كثير من أهل العلم: إن الشيء إذا أتلف يضمن بالقيمة، لكن إذا كان له مثل موافق له من جميع الوجوه، وليس فيه تميز، فإنه يمكن أن يضمن من كسر له شيء مثله تماماً إذا تحقق المماثلة، أما مع وجود المماثل، فإنه يصار إلى القيمة، قيمة ذلك الذي كسر، وأما إذا وجد له مثيل من جميع الوجوه مثله تماماً، فإنه يضمن مثله، وجاء في بعض الروايات: أن الكاسرة هي عائشة، وصاحبة الصحفة أو التي أرسلت هي أم سلمة رضي الله تعالى عنهن وعن الصحابة أجمعين.

    تراجم رجال إسناد حديث أنس: (... ويقول: غارت أمكم ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو العنزي أبو موسى البصري الملقب بـالزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حميد].
    هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
    وهذا الحديث عند النسائي من أعلى الأسانيد، وهو من الرباعيات، إذ بين النسائي وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وكانت وفاته سنة ثلاثمائة وثلاث للهجرة، فأعلى أو أقل عدد يكون بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص في طرق كثيرة منها هذه الطريق التي معنا.

    شرح حديث أم سلمة: (... ويقول: كلوا غارت أمكم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا أسد بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أبي المتوكل عن أم سلمة رضي الله عنها: (أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة متزرةً بكساءٍ ومعها فهر، ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين فلقتي الصحفة، ويقول: كلوا، غارت أمكم مرتين، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمةعائشة)].أورد النسائي حديث أم سلمة رضي الله عنها، وفيه بيان يعني الرواية السابقة، إلا أن الرواية السابقة أنها (أرسلت رسول) وهنا (أتت)، ولا تنافي بينهما، يمكن أن يكون قيل: أتت؛ لأنها هي التي كانت السبب في ذلك، والمرسلة، والذي باشر هو الرسول، أي: رسول أم سلمة رضي الله تعالى عنها، ففيه بيان صاحبة الصحفة التي أرسلت وكسرت، وبيان الكاسرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم عندها في بيتها وهي عائشة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل صحفة عائشة السليمة إلى أم سلمة، بدل صحفتها المكسورة.

    تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة: (... ويقول: كلوا غارت أمكم ...)


    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].هو: الربيع بن سليمان، يحتمل أن يكون المرادي صاحب الشافعي، وأن يكون الجيزي، وكل منهما ثقة.
    [حدثنا أسد بن موسى].
    صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا حماد بن سلمة].
    هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي المتوكل].
    هو أبو المتوكل الناجي علي بن داود، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أم سلمة].
    وقد مر ذكرها.

    شرح حديث عائشة: (... فما ملكت نفسي أن كسرته ... فقال: إناء كإناء وطعام كطعام)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى عن عبد الرحمن عن سفيان عن أفلت عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما رأيت صانعة طعام مثل صفية، أهدت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إناء فيه طعام، فما ملكت نفسي أن كسرته، فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كفارته؟ فقال: إناءٌ كإناء، وطعامٌ كطعام)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: أن صفية أرسلت طعاماً في صحفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكسرته، فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لها: [(إناءٌ كإناء، وطعامٌ كطعام)].
    [(إناءٌ كإناء)]، المقصود به أنه يعطى بدل الإناء إناء، وقوله: [(طعامٌ كطعام)]، ليس المقصود به أن يرجع لها الطعام؛ لأن الطعام الذي أرسل هدية، لكن المقصود من ذلك أن الحكم يكون كذلك عندما يصير هناك ائتلاف، فإن الضمان يكون مثل الذي أتلف، فإذا أتلف طعام يضمن طعام، وإذا أتلف إناء يضمن إناء، ويكون هذا فيه زيادةً في التشريع وزيادةً في البيان، وذكر شيء لم يذكر، مثل حديث (الطهور ماؤه الحل ميتته)؛ لأنهم سألوا عن الوضوء بماء البحر، فالرسول أعطاهم هذا وزيادة، ويكون هذا من هذا القبيل، وليس المقصود من هذا أنها تضمن لها طعاماً، وأنها ترسل لها طعاماً بدل هذا الطعام؛ لأن الطعام هي أرسلته، وخرج من ملكها هديةً لتلك الذي أرسلت إليه، لكن المقصود من ذلك أن الحكم يكون كذلك، كما أن الضمان يكون في الإناء، كذلك يكون في الطعام وغيره، المتلف يضمن بمثله إذا كان مثلياً، وإذا لم يمكن فيرجع إلى القيمة.
    في أوله قوله: [(ما رأيت صانعة طعامٍ مثل صفية)]، هذا مدح لصنعتها للطعام، وإجادتها إياه، كونها أرسلت ذلك الطعام من صنعها.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... فما ملكت نفسي أن كسرته ... فقال: إناء كإناء وطعام كطعام)

    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].مر ذكره.
    [عن عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أفلت].
    هو أفلت بن خليفة، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، ويقال له: أفلت.
    [عن جسرة بنت دجاجة].
    مقبولة، أخرج حديثها أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عائشة].
    أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.

    شرح حديث عائشة: (أن رسول الله كان يمكث عند زينب فيشرب عندها عسلا ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء: أنه سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها تزعم: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش رضي الله عنها، فيشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا، وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت ذلك له، فقال: لا، بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش، ولن أعود له، فنزلت: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1] إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ [التحريم:4]، لـعائشة، وحفصة، وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا [التحريم:3]، لقوله: بل شربت عسلاً)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقد مر هذا الحديث فيما مضى، وأتى به هنا في باب الغيرة، وهو دال على الترجمة، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي زينب في نوبتها، ويشرب عندها عسلاً، تسقيه إياه، وتواصت عائشة مع حفصة أن أي واحدة منهن يأتي إليها تقول: (إنها تجد عنده ريح مغافير)، وهو نبت له رائحة كريهة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الرائحة الطيبة، ويكره الرائحة الخبيثة، ولعل النحل الذي منه العسل أنه كان يأكل من ذلك الشيء الذي ذكر، ورائحته ليست طيبة، فالرسول قال: [(لن أعود إليه)]، أي: لن أعود إلى شرب هذا العسل الذي فيه هذه الرائحة، أو الذي ذكرنا، وكل واحدة قالت ذلك من جهتها، فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1]، وقال: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ [التحريم:4]، لـعائشة، وحفصة، والضمير يرجع إليهما وهما المعنيتان، إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ [التحريم:3] حيث قال: إنه عسل وأخبر عن الشيء الذي كان يشربه عند زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها.
    المقصود: إن الحديث فيه الدلالة على الغيرة، أو هو مشتمل على الغيرة، وذلك أن عائشة، وحفصة حصل منهن هذا الذي حصل بسبب الغيرة.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أن رسول الله كان يمكن عند زينب فيشرب عندها عسلاً ...)


    قوله: [أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني].ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا حجاج].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن جريج المكي، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أنه سمع عبيد بن عمير يقول].
    عبيد بن عمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت عائشة].
    وقد مر ذكرها.

    شرح حديث: (... كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمد حرمي هو لقبه حدثنا أبي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة رضي الله عنهما حتى حرمها على نفسه، فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1]، إلى آخر الآية)].أورد النسائي حديث أنس رضي الله عنه، من جهة الغيرة، و(أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له أمة يطؤها)، وأن عائشة، وحفصة حصل منهما من مراجعته والكلام معه حتى حرمها، فأنزل الله عز وجل عليه هذه الآية، وهذا الحديث والذي قبله يدلان على ما يتعلق بالعسل، وما يتعلق بوطء الأمة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم هذا وهذا، ونزل القرآن بعتابه على ذلك، حيث قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1]، وهو يدل على أن تفسير الآية يكون بهذا وبهذا، وكل منهما صحيح.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه ...)


    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمد حرمي].هو إبراهيم بن يونس بن محمد الملقب: حرمي، فذكر اسمه وذكر لقبه، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبي].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس].
    وقد مر ذكرهم.
    الأسئلة


    السلام على النبي عليه الصلاة والسلام عند قبره

    السؤال: ما قولكم -أحسن الله إليكم وجزاكم خيراً- فيمن يقول: إذا وقفت عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأبلغته السلام، فإنه ترجع إليه روحه عليه الصلاة والسلام، فيرد على من أبلغه السلام؟ أرجو توضيح هذه المسألة، حيث أن السائل رجل كبير في السن، وهو جالس ينتظر الإجابة.
    الجواب: كون الإنسان يأتي عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ويسلم هو على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هذا سائغ، وقد جاء في الحديث: (ما من مسلم يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام)، ولا يلزم من هذا أن يكون قد يسمع الكلام، ولكن هذا فيه إثبات الدلالة على رد روحه، وأنه يرد عليه السلام، وليس فيه إثبات أنه يسمع كلامه.

    وأما قضية إرسال السلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الإنسان عندما يرسل ترد عليه روحه حتى يرد عليه السلام، فليس فيه دليل على إرسال السلام، لكن هناك شيء يغني عن إرسال السلام، وهو أن الإنسان يصلي ويسلم على رسول الله في أي مكان، والملائكة تبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم السلام، كما جاء في الحديث: (إن لله ملائكةً سياحين يبلغوني عن أمتي السلام)، فإذا صلى أحد، وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أي مكان من الأرض، فإن الملائكة تبلغ النبي عليه الصلاة والسلام ذلك السلام. والحديث الثاني يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم).
    أي: تبلغه بواسطة الملائكة، فإذا أراد أن يصل سلام الإنسان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وصلاته عليه، فليكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم في أي مكان، والملائكة تبلغه كما جاء ذلك في هذين الحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    حكم وضع الأصبعين على العينين عند سماع شهادة أن محمداً رسول الله في الأذان


    السؤال: وما صحة ما يفعله كثير من الناس عند الاستماع إلى الأذان وخاصة عند قول المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله، فيضع أصبعيه على عينيه ثم يقبلهما؟ وعندما سئل أحد هؤلاء أخبر بأن ذلك يحفظه من الرمد.

    الجواب: هذا ليس له أساس، ويحتاج مثل ذلك إلى دليل، وليس هناك دليل يدل عليه، وإنما الذي ورد أن الإنسان يجيب المؤذن (يقول مثل ما يقول المؤذن، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويدعو دعاء الوسيلة)، أما هذه الهيئة وهذه الكيفية فما ثبت فيها شيء.


    معنى الملتزم وكيفية الالتزام

    السؤال: ما هو الملتزم؟ وما هي كيفية الالتزام؟ ومتى يكون؟

    الجواب: الملتزم هو: الذي بين الباب والحجر الأسود، أو بجوار الحجر الأسود من جهة الباب، ليس من الجهة الأخرى، هذا هو الملتزم، وقد ورد فيه بعض الأحاديث، من أهل العلم من صححها، ومنهم من ضعفها، والله تعالى أعلم.

    والكيفية هو: كون الإنسان يلصق نفسه فيه، ويكون فيه، هذا هو الملتزم، سمي ملتزماً لأن الإنسان يلتزم ذلك المكان، ويلتصق به، ولا أدري متى يكون.

    حكم الالتزام بجميع نواحي البيت

    السؤال: ما حكم ما يفعله بعض الناس من الالتزام بجميع نواحي البيت؟

    الجواب: هذا طبعاً ما ورد فيه شيء، الذي ورد للملتزم هذا المكان، والأحاديث الذي فيه مختلف في صحتها أو عدم صحتها، وأما نواحي البيت فليس للإنسان أن يفعل لا في نواحي البيت لا الزوايا، ولا الجوانب، لا يفعل شيئاً لم يرد، وذلك أن أحد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كان يمسح الركنين الشاميين المقابلين للركنين اليمانيين الذي يحيط بهما الحجر، الركنان اللذان من جهة الحجر، كان يمسح الأركان، فقال له أحد الصحابة أظنه ابن عباس، والأول هو معاوية، قال: لماذا؟ قال: ليس من البيت شيء مهجور، وقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فقال: صدقت، وهذا يدلنا على أنه لا يمسح شيء، ولا يفعل شيء إلا قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    ثم هذا القول: (إن ليس من البيت شيء مهجور)، يقتضي أنه جميع الأماكن يفعل بها هذا الفعل؛ لأن كلمة (ليس من البيت مهجور) أي: خاصاً بالركنين الشاميين، والأصل هو الاقتصار على ما وردت به السنة، والسنة ما جاءت إلا بالحجر الأسود، والركن اليماني باتفاق، والملتزم على خلاف في صحة الأحاديث، وما عدا ذلك ما ورد فيه شيء، فلا يفعل إلا في حدود ما ورد وثبت.

    حكم صلاة المجاورين للمسجد في بيوتهم مؤتمين بإمام المسجد


    السؤال: منزلي في الجهة القبلية للمسجد، فهل يجوز لي أن أتبع صلاة الجماعة في داخل المنزل؟

    الجواب: لا يجوز لها أن تصلي أمام المسجد، ولا كذلك في الجهات الأخرى إلا إذا كانت الصفوف اتصلت، حتى في الجهات الأخرى، ليس لأصحاب البيوت الذين هم خلف المسجد أن يصلوا في بيوتهم بصلاة الإمام، إلا إذا كانت الصفوف اتصلت حتى وصلت إلى هذه البيوت، وصارت البيوت بين الصفوف، عند ذلك يمكن؛ لأن الصفوف وصلت إليها، أما كون الناس يصلون بصلاة الإمام في بيوتهم، يمكن للإنسان أن يصلي من مكان بعيد جداً، وهذا فيما يتعلق بالرجال ينافي ما تقتضيه صلاة الجماعة من ترك البيوت، والذهاب إلى المسجد.

    الحاصل: إنه إذا كان من جهة الأمام لا يصلى، ولا يتقدم على الإمام، وإن كان من الجهات الأخرى إذا كانت الصفوف وصلت إلى البيوت، يمكن أن يصلي الرجال والنساء، مثل ما يكون وقت الحج إذا كثر الناس، ووصلت الصفوف إلى بعض البيوت المجاورة، واتصلت بها يمكن لمن يكون فيها أن يصلي بصلاة الإمام، أما غير ذلك يخرج، ويذهب إلى المسجد، ولا يجلس في بيته يصلي صلاة الإمام.
    فإذا وصلت الصفوف إلى هذه البيوت التي هي جهة المشرق، والصفوف تروح إلى مسافة بعيدة بجوار البقيع أمام هذه البيوت، إذا كان الناس وصلوا إلى هذا، وامتلأت تلك الأماكن، يمكن لمن يصلي في بيته بصلاة الإمام تصح صلاته.
    وليس لازماً أن الإنسان ينظر إلى الإمام، مثل ذلك: سطح المسجد الناس يصلون فيه، ولا يرون الإمام، ولا يرون المأمومين.

    حكم صوم ستاً من شوال بدون قصد السنة


    السؤال: من صام ستة أيام بعد رمضان، ولم يقصد صوم الست، فهل يؤجر كمن صام الدهر كله؟

    الجواب: إذا صام ستاً من شوال بدون قصد ما جاءت به السنة، فهو يؤجر على صيامه، لكن الذي جاء في الحديث أنه شيء مقصود، وشيء يراد، حتى يضم إلى ذلك، ولا عمل إلا بنية، فإذا نوى ما جاء به الحديث من أجل أن يحصل، فهو على نيته، وإذا ما نوى، فلا يكون كمن نوى، لكنه لا شك أنه يؤجر، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان يعلم هذا الفضل ينوي هذا الفضل.


    الفرق بين فعل العبادات دون معرفة الفضل المترتب وفعل العبادات مع معرفة الفضل المترتب

    السؤال: هناك عبادات يعملها المرء ولا يعرف الفضل المترتب عليها، فهل هو ومن عرف فضل هذه العبادة سواء؟

    الجواب: من عرف لا شك أمره واضح، ومن لم يعرف ليس كذلك، لكن الإنسان عندما يفعل الشيء من أجل أنه ورد فيه فضل معين، هذا هو الذي يحصل أجراً، أما إنسان ما درى عن هذا الفضل، وإنما فعل ذلك وما قصد ذلك الذي جاء من التنويه، يبدو أنه ليس مثل الذي قبله، والعلم عند الله عز وجل.


    دعوى تعارض حديث: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) وذكر الصحابة لأحوالهم في الجاهلية


    السؤال: كيف الجمع بين الحديثين: الأول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون)، وكون الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا يجلسون عند الرسول صلى الله عليه وسلم يذكرون ما كان من أحوالهم من أمور الجاهلية وهم يضحكون، والرسول صلى الله عليه وسلم يبتسم، فهل يجوز أن يذكر الشخص شيئاً من معاصيه فيما قبل تحدثاً بنعمة الله عليه بالتوبة منها؟

    الجواب: أمور الجاهلية، والتحدث بأخبار الجاهلية ما فيه شيء يدل على أنهم يتحدثون عن معاصي، وإنما يتحدثون عن أشياء كانت في الجاهلية مذمومة، وعن أمور، وقصص كانت في الجاهلية، وتقتضي الضحك، والرسول صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك، لكن كون الإنسان يقول: أنا فعلت، وأنا فعلت، لا يتحدث بالمعاصي، بل يستتر بستر الله عز وجل، ويتوب إلى الله عز وجل، ولا يبين للناس معاصيه التي كانت في الماضي، وإنما يستتر بستر الله ويبقى على الستر الذي ستره الله عز وجل عليه، ويندم على ما قد حصل، ويتوب إلى الله عز وجل، ولا يتحدث بالمعاصي، وما حصل من الجاهلية من أن الصحابة ليس معارض لقوله: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون)، يعني: أولئك ما جاهروا بالمعاصي، وإنما تحدثوا عن أمور ماضية تقتضي التعجب، وتقتضي الضحك.

    موقع قراءة الاستعاذة والبسملة عند قراءة القرآن في الصلاة

    السؤال: هل الاستعاذة قبل قراءة القرآن، وقراءة البسملة قبل قراءة القرآن في الصلاة؟

    الجواب: الإنسان كما هو معلوم قبل القراءة الأولى التي هي بداية القرآن يستعيذ بالله عز وجل، ويسمي، إذا قرأ القرآن يستعيذ بالله ويسمي إذا كان عنده بسملة، أما إذا لم توجد بسملة فلا يسمي، مثل: إذا قرأ من أثناء سورة ما يسمي عندما يأتي يقرأ من أثناء السورة، لكن إذا كان من أول السورة يأتي بالبسملة، لكنها تكون سراً في حق الإمام، وكذلك المأمومين، فالمأمومين ليس عندهم إلا السر، لكن الإمام يسر في البسملة، سواءً في الفاتحة وفي غير الفاتحة، من سور القرآن إذا قرأ سورة، وأما الاستعاذة فتكون في البداية، إذا بدأ الإنسان الصلاة يستعيذ بالله، ويسمي، وبعد ذلك يقرأ الإنسان بدون استعاذة في بقية الركعات، أي: ما يستعيذ عند كل ركعة من الركعات، وإنما يستعيذ في البداية، يستعيذ ويسمي إذا كان في بداية سورة، أما إذا لم يكن في بداية السورة يستعيذ بالله فقط، ويقرأ ما تيسر من القرآن إذا لم يكن في بداية السورة بدون تسمية.


    دعوى أن الاستعاذة والبسملة قبل تكبيرة الإحرام


    السؤال: هل الاستعاذة والبسملة قبل تكبيرة الإحرام؟

    الجواب: ما ورد؛ لأن اسم الله موجود في الله أكبر، الله أكبر هو اسم الله، وذكر الله عز وجل، وما جاء أنها تسبق الله أكبر باستعاذة وبسملة، وإنما الذي جاء أن الصلاة يبدأ بها بالتكبير، وهو ذكر الله عز وجل، ما خرج عن كونه ذكر الله، مثل ما إن الخطب تبدأ بحمد الله ما تبدأ بـ بسم الله الرحمن الرحيم، الإنسان عندما يخطب يقول: الحمد لله نحمده، ونستعينه، ليس لازماً أنه يؤتى بالبسملة قبل الحمدلة؛ لأن الحمد ذكر لله عز وجل مثل البسملة، كلها ذكر لله عز وجل وثناء عليه.


    الفرق بين عبارة أهل الحديث، والمحدث

    السؤال: هل هناك فرق بين عبارة أهل الحديث والمحدث؟

    الجواب: أهل الحديث ذكر جماعة، والمحدث إشارة إلى شخص واحد، أو الكلام على شخص واحد، شخص من أهل الحديث، فيمكن أن يكون بينهما فرق: محدث هذا لقب رفيع، وعالي، وإذا قيل: من أهل الحديث ينتسب إلى أهل الحديث، وقد لا يكون بهذا الوصف.


    معنى قول الإمام أحمد: (إن لم يكن أهل الحديث فلا أدري من هم في الفرقة الناجية)


    السؤال: ما معنى قول الإمام أحمد رحمه الله في الفرقة الناجية: إن لم يكن أهل الحديث فلا أدري من هم؟

    الجواب: أن أهل الحديث لا شك أنهم هم الذين يظهر له أنهم هم المعنيون بهذا؛ لأنهم هم الذين يتبعون السنة، ويأخذون بالسنة، وهم الذين يعلمون السنة؛ لأن الأخذ بالسنة مبني على العلم بها، والعلم إنما هو عند أهل الحديث، أهل الحديث الذين يعرفون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفقهه، ويعملون به، هذا هو المقصود، المقصود به الذين هم معنيون، أو حريصون على معرفة سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وحديثه، حيث يعملون بها؛ لأنهم عرفوا الحق، واتبعوه، بخلاف الذي ما يعرف الحق قد يحصل منه الخطأ، وقد يحصل منه العمل على غير هدى، لكنه إذا عرف الحق وعمل به، يكون بذلك جمع بين الحسنيين: معرفة الحق، واتباعه كما قال الله عز وجل: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، فعندهم إيمان على علم، وعمل بالعلم ودعوة إليه، وتواصي على ما يحصل من الأذى في ذلك السبيل.

    التوفيق بين الأمر بوجوب الإمام من قريش وقوله: (وإن تأمر عليكم عبد حبشي)


    السؤال: ما وجه التوفيق بين أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بوجوب الإمامة من قريش، وقوله: (وإن تأمر عليكم عبدٌ حبشي)؟

    الجواب: لا تنافي بينهما؛ لأن حديث: (الأئمة من قريش)، معناه: في الاختيار، الناس إذا اختاروا يعني يكون على هذا الوصف، لكن من تأمر غلب، وتسلط يسمع له، ويطاع، معناه إذا حصلت الغلبة، والتغلب من شخص غير قرشي، وخضع الناس له، وغلب الناس بقوته، وسوطه، وقهره، وغلبته، يسمع الناس؛ لأن الخروج عليه يترتب عليه من الفتن ما لا يحصى، ولا يعد، ولهذا العلماء وفقوا بين هذا الحديث وغيره من الأحاديث الأخرى الدالة على أن العبد لا يكون أميراً ولا يولى؛ لأنه يولى الأحرار ولا يولى العبيد؛ لأن من شرط الإمام أن يكون حراً، لا أن يكون عبداً، فقوله: (وإن تأمر عبدٌ) المقصود من ذلك: أنه تغلب ولهذا قال: تأمر، ما أمر، لا يصلح أن يؤمر في الاختيار. وقيل: إن المقصود من ذلك: الولاية الخاصية الجزئية، التي هو كون الوالي يوليه على قرية أو على ناحية، يختاره لذلك ويوليه، فيسمع له، ويطاع، لكن الممنوع هو أن يتولى الإمامة العظمى، ويكون الخليفة، هذا هو الذي لا يصلح في حق العبد، ويكون (تأمر) كما قلت إما أن يكون تغلب، وقهر، أو أنه يقصد به أمير ناحية معينة ولاه الإمام، فإنه في هذه الحالة لا بأس به يسمع ويطاع؛ لأن الإمام هو الذي ولاه.

    دعوى أن ذكر الغيرة بين أمهات المؤمنين من ذكر الصحابة بسوء


    السؤال: ما سمعناه من الكلام عن الغيرة بين أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أليس هذا من الخلق السيئ، فهل يعتبر ذلك من ذكر الصحابة بسوء؟

    الجواب: ليس من ذكرهم بسوء، وإنما هذا في بيان السنن، وبيان ما يحصل بين النساء، وأنه إذا كان هذا في أمهات المؤمنين، وهن في القمة، فإن في ذلك تسلية لمن بعدهن إذا وجد شيء من الغيرة، والأزواج ما يجري بين زوجاتهم من الغيرات، يعرفون بأن من هو أكمل منهن، ما عصم من ذلك، وما حصلت له العصمة، فيكون في ذلك مدعاة إلى الصبر، والتحمل؛ لأن هذا جبلت عليه النساء حتى أمهات المؤمنين حصل منهن ما حصل من كون كل واحدة تريد الخير لنفسها، وتريد الحظوة لنفسها، وهذا شيء جبل الله عليه الناس، كل يريد أن يكون على وجه حسن.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #496
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب عشرة النساء

    (493)

    تابع باب الغيرة



    فطر الله سبحانه وتعالى النساء على الغيرة من بعضهن، وقد كان هذا بين نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت عائشة تغار من نسائه الأخريات فكانت تستيقظ من نومها ولا تجد رسول الله بجوارها فتظن أنه خرج لبعض نسائه فإذا به صلى الله عليه وسلم يصلي أو يخرج لإجابة جبريل.

    تابع الغيرة


    شرح حديث عائشة: (التمست رسول الله فأدخلت يدي في شعره فقال: قد جاءك شيطانك ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يحيى هو ابن سعيد الأنصاري عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت: أن عائشة رضي الله عنها قالت: (التمست رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأدخلت يدي في شعره، فقال: قد جاءِك شيطانك، فقلت: أما لك شيطان؟ فقال: بلى، ولكن الله أعانني عليه فأسلم)].يقول النسائي رحمه الله في باب: الغيرة، وقد مر أحاديث في هذا الباب، وبقي بعض الأحاديث، هذا منها، وهو حديث عائشة رضي الله عنها:
    التمست النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أي: أنها فقدته والتمسته فوجدته، فأدخلت يدها في شعره لتعرف هل فيه رطوبة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [(أجاءك شيطانك؟)]، فأوقع في نفسها أنه ذهب إلى بعض نسائه فجامعهن، واغتسل، فعدلت عن ذلك الكلام إلى كلام آخر، ووجهت السؤال إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (ألك شيطان يا رسول الله، فأجابها بأنه له ولكن الله أعانه عليه فأسلم)، والمقصود من حديث الترجمة هو الغيرة، وذلك أن عائشة رضي الله عنها، لما فقدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووجدته، أدخلت يدها في شعره، خشيت أو ظنت أنه ذهب إلى بعض نسائه، وهذا من الغيرة التي تكون بين النساء، حيث ينقدح في ذهنها الشيء، وإن لم يكن حاصلاً، وإن لم يكن واقعاً، وإنما ذلك بسبب الغيرة، وكون كل واحدة منهما تحب الخير لنفسها، وتريد النبي صلى الله عليه وسلم لنفسها، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه، ويعدل عليه الصلاة والسلام.
    وقوله: [(أجاءك شيطانك؟)]، المقصود من ذلك: القرين الذي يكون مع الإنسان، وقد جاء في الحديث في صحيح مسلم: (ما منكم من أحدٍ إلا وله قرينٌ من الجن، وقرين من الملائكة، قالوا: وأنت يا رسول الله، قال: وأنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فصار لا يأمرني إلا بخير)، وقوله: [(أجاءك شيطانك؟)]، أي: القرين الذي يأمر بالشر، أو الذي يوقع الشر في القلب وفي النفس، وهي قد فهمت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، وأن هذا من عمل الشيطان، وأن هذا مما يوحيه ويقذفه الشيطان في قلب الإنسان، ووجهت السؤال إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: [(ألك شيطان؟)]، فأجابها بأنه كغيره، ولكن الله أعانه عليه، فأسلم، كلمة أسلم، تحتمل أن تكون أسلم من الإسلام، وهو: الاستسلام، والانقياد، وهو الإذعان، أو أنه مضارع من سلم يسلم، فأنا أسلم منه، أي: بدل أسلمَ أسلمُ، فالرواية تحتمل أن تكون أسلمَ، وتحتمل أن تكون أسلمُ، وأسلمُ نتيجة أسلمَ؛ لأنها نتيجة الإسلام السلامة؛ لأن الأول من الإسلام، والثاني من السلامة، الإسلام هو: الاستسلام، والانقياد، والإذعان، وأسلمُ من السلامة، وهو أنه لا يحصل منه له شر، ولهذا جاء بيانه في حديث آخر الذي في صحيح مسلم: (فأسلم، فصار لا يأمرني إلا بخير)، أي: ما يحصل له منه شر؛ لأنه أذعن، واستسلم، وانقاد.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (التمست رسول الله فأدخلت يدي في شعره فقال: قد جاءك شيطانك ...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري ، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى هو: ابن سعيد الأنصاري].
    هو المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والليث إنما عبر بـيحيى فقط، ولم يضف إليها شيئاً، ولكن من دون الليث هو الذي أضاف كلمة: هو: ابن سعيد الأنصاري؛ ليبين من هو ذلك الشخص المهمل الذي ذكره الليث ولم ينسبه، فالذي دون الليث وهو قتيبة أو النسائي أو من دون النسائي هم الذين أضافوا هذا البيان لمعرفة هذا المهمل الذي اقتصر الليث عند ذكر التحديث عنه، بذكر اسمه فقط دون أن ينسبه، فمن دونه نسبه، وبين أنه هو: ابن سعيد الأنصاري.
    [عن عبادة بن الوليد بن عبادة].
    هو عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله براءتها في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، براءتها مما رميت به من الإفك، وهي من أوعية السنة، وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث عائشة: (فقدت رسول الله ذات ليلة ... فتحسسته فإذا هو راكع أو ساجد)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن الحسن المقسمي عن حجاج عن ابن جريج عن عطاء أخبرني ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (فقدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة، فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتجسسته فإذا هو راكعٌ أو ساجد يقول: سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت، فقلت: بأبي وأمي إنك لفي شأن وإني لفي شأن آخر)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهي أنها فقدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبحثت عنه، وظنت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فبحثت عنه وجدته راكعاً أو ساجداً وهو يقول: [(سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت)]، أي: وجدته يصلي، وتبين لها أن ما ظنته أنه على غير صواب، وأنه في شأن آخر غير الشأن الذي انقدح في ذهنها، ولهذا لما وجدته يصلي قالت له: بأبي أنت وأمي، أي: أنت مفدي بأبي وأمي، هذا ليس قسم وليس حلف بأبيها وأمها، وإنما هذا تفدية، أي: أنت مفدي بأبي وأمي، فداؤك أبي وأمي، فكلمة بأبي وأمي، أنت مفدي بأبي وأمي، وليس من باب القسم؛ لأنه لا يقسم إلا بالله عز وجل، لا يقسم بالآباء، والأمهات كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (لا تحلفوا بآبائكم، ولا بأمهاتكم، ولا تحلفوا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)، وإنما المقصود بأبي وأمي، أي: أنت مفدي بأبي وأمي، هذا هو المقصود من هذه الجملة.
    ثم قالت: إنك لفي شأن وأنا في شأن، أنت في صلاة، وأنا أفكر بأنك ذهبت إلى بعض نسائك، أنت في شأن في عبادة الله عز وجل، وأنا وقع في ذهني أنك ذهبت إلى بعض نسائك، ولهذا قالت: [(أنت مفديٌ بأبي وأمي إنك لفي شأن وأنا في شأن، أنت في صلاة وأنا ظننت شيئاً آخر)]، أنا في وادي، وأنت في واد آخر.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (فقدت رسول الله ذات ليلة ... فتحسسته فإذا هو راكع أو ساجد)


    قوله: [أخبرني إبراهيم بن الحسن المقسمي].ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن حجاج].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، يرسل ويدلس وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني ابن أبي مليكة].
    هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.

    حديث عائشة: (افتقدت رسول الله ذات ليلة فتحسست ثم رجعت، فإذا هو راكعٌ أو ساجد ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة: أن عائشة رضي الله عنها قالت: (افتقدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة، فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتجسست ثم رجعت، فإذا هو راكعٌ أو ساجد يقول: سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت، فقلت: بأبي وأمي إنك لفي شأنٍ وإني لفي آخر)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].
    هو: إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا عبد الرزاق].
    هو: عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة عن عائشة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

    شرح حديث عائشة في انطلاقها في إثر النبي حين خرج إلى البقيع


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن جريج عن عبد الله بن كثير: أنه سمع محمد بن قيس يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (ألا أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعني؟ قلنا: بلى، قالت: لما كانت ليلتي انقلب، فوضع نعليه عند رجليه، ووضع رداءه، وبسط إزاره على فراشه، ولم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقدت، ثم انتعل رويداً، وأخذ رداءه رويداً، ثم فتح الباب رويداً، وخرج، وأجافه رويداً، وجعلت درعي في رأسي فاختمرت، وتقنعت إزاري، وانطلقت في إثره حتى جاء البقيع، فرفع يديه ثلاث مرات، وأطال القيام، ثم انحرف وانحرفت، فأسرع، فأسرعت، فهرول، فهرولت، فأحضر، فأحضرت، وسبقته، فدخلت، وليس إلا أن اضطجعت، فدخل، فقال: ما لك يا عائش، رابية؟ قال سليمان حسبته قال: حشيا، قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي! فأخبرته الخبر، قال: أنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت: نعم، فلهدني لهدةً في صدري أوجعتني، قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله عز وجل، قال: نعم، قال: فإن جبريل عليه السلام أتاني حين رأيت، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، فناداني فأخفى منك، فأجبته وأخفيته منك، وظننت أنك قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي، فأمرني أن آتي أهل البقيع، فأستغفر لهم)، خالفه حجاج بن محمد فقال: عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن محمد بن قيس].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، الذي فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها كان في نوبتها وليلتها، وأنه جاءه جبريل وناداه، وأنه قام إليه مخفياً نفسه، وبخفية منها، ولم يرد أن يوقظها أو يعلمها بما حصل له، وكان جبريل أخفى نفسه، وهو أخفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يذكر لها الذي قد حصل، وقام رويداً بخفية، حتى خرج، وبلغه جبريل ما بلغه، وهو أنه يذهب إلى البقيع، ويستغفر لهم، فذهب، وهي قامت، وتبعته والرسول صلى الله عليه وسلم سار، فسارت كسيره، أسرع، فأسرعت، وهرول، فهرولت، وأحضر، فأحضرت، تتابعه في هيأته التي كان عليها في السير صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم رجع، وانصرف، فهي انصرفت، وسبقته ونامت في فراشها، ولما رجع إليها وإذا بطنها منتفخ وقد كان نفسها ثائر، وذلك لشدة ما حصل من الإسراع؛ لأنه عند الإسراع ينتفخ البطن ويثور النفس، فالرسول صلى الله عليه وسلم وجدها كذلك، له أثر العدو أو الإسراع، فقال: [(ما لك يا عائشة رابية؟)]، وقال سليمان الذي هو شيخ النسائي: حشيا، أي: نفسها ثائر، وكل منهما قد حصل رابية أي: انتفاخ البطن من شدة السرعة، وثوران النفس، كذلك من شدة السرعة نفسها متتابع نتيجة للإسراع الذي قد حصل في الاثنين، كل منهما قد حصل، كونها رابية، وكذلك كون النفس يظهر منها بسرعة نتيجة الإسراع، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(ما لك لتخبرني أو ليخبرني العليم الخبير، قالت: بأبي أنت وأمي)]، أي: أنت مفدي بأبي وأمي، ثم أخبرته، وقال: [(أنت السواد الذي رأيته؟ قالت: نعم)]، والمقصود بالسواد أي: الشخص الذي يرى، ولا يعرف شخصه كما يرى الشخص من بعيد، ويرى سواده يقال: سواد الإنسان، أي شخص يرى من بعد، أي: يرى شخصه ولا يعرف عينه هذا يقال له: سواد، هكذا يعبرون عنه بالسواد، بأنه يرى منه سواد قد يكون رجلاً، ولكن شخص من بعيد يكون بهذه الهيئة، فيعبر عنه بسواد، والمراد به الشخص، ثم قالت: [(أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟)]، أي: ظننت أنه يكون قد ذهب إلى بعض نسائه، وهذا هو المقصود بالترجمة فيما يتعلق بالغيرة، أي: أنها ظنت أن يكون حصل شيء غير هذا الذي وقع، وهو أن جبريل جاء إليه، وأمره بأن يذهب إلى البقيع، ويستغفر لهم، وهي ظنت شيئاً آخر، قال: (أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت: ما يفعله الناس يعلمه الله عز وجل، قال: نعم) أي: ليس قوله: ما يفعله الناس يعلمه الله سؤال؟ وإنما إخبار عن الواقع، والرسول قال: نعم صدقها بهذا الكلام، وليس المقصود سؤال، ولكن المقصود من ذلك بيان الواقع، والحال، وأن الذي في قلبها يعلمه الله، وأن الذي في يخفيه الناس يعلمه الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: [(نعم)]، الأمر كذلك، وهذا المقصود بهذا الكلام، وهذا الجواب بقوله: [(نعم)]، عليه الصلاة والسلام، وهو نعم تصديق وتأييد، وليس جواباً لسؤال.
    قوله: [(فإن جبريل عليه السلام أتاني حين رأيت، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك)].
    أي: هو لا يدخل عليها وقد وضعت ثيابها، ولهذا ناداه حتى يخرج إليه.
    قوله: [(فناداني فأخفى منك، فأجبته وأخفيته منك، وظننت أنك قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي، فأمرني أن آتي أهل البقيع فأستغفر لهم)].
    فأمره بوحي من الله عز وجل أن يذهب إلى أهل البقيع، فيستغفر لهم، وقد فعل، وقد تبعته ولحقته رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحصل ما حصل، وقال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ يعني: أنه حصل منه شيء بأن ينقصها حقها، ويذهب إلى غيرها، ويعطيها ذلك الحق الذي هو ليس لها، فكان عليه الصلاة والسلام يقسم بين نسائه، ويعدل، وإذا ذهب إليهن، فيكون هذا عن علم من هن بطريقته صلى الله عليه وسلم، أما أن يكون يذهب بخفية وبشيء غير معلوم لهن، فهذا لا يحصل منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في انطلاقها في إثر النبي حين خرج إلى البقيع


    قوله: [أخبرنا سليمان بن داود].هو المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [أخبرنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني ابن جريج].
    مر ذكره.
    [عن عبد الله بن كثير].
    هو عبد الله بن كثير المكي، وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم، والنسائي.
    [أنه سمع محمد بن قيس].
    هو محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب المطلبي، يقال: له رؤية، وثقه أبو داود وغيره، وحديثه أخرجه مسلم، وأبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي.
    [سمعت عائشة].
    وقد مر ذكرها.

    حديث عائشة في انطلاقها في إثر النبي حين خرج إلى البقيع من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرنا عبد الله بن أبي مليكة: أنه سمع محمد بن قيس بن مخرمة يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها تحدث قالت: (ألا أحدثكم عني وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلنا: بلى. قالت: لما كانت ليلتي التي هو عندي-تعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم-انقلب، فوضع نعليه عند رجليه، ووضع رداءه وبسط طرف إزاره على فراشه، فلم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقدت، ثم انتعل رويداً، وأخذ رداءه رويداً، ثم فتح الباب رويداً، وخرج وأجافه رويداً، وجعلت درعي في رأسي واختمرت، وتقنعت إزاري، فانطلقت في إثره حتى جاء البقيع فرفع يديه ثلاث مرات وأطال القيام، ثم انحرف، فانحرفت، فأسرع، فأسرعت، فهرول، فهرولت، فأحضر، فأحضرت، وسبقته، فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال: ما لك يا عائشة حشيا رابية؟ قالت: لا. قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي فأخبرته الخبر، قال: فأنت السواد الذي رأيته أمامي؟ قالت: نعم. قالت: فلهدني في صدري لهدةً أوجعتني، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله، قال: نعم. قال: فإن جبريل عليه السلام أتاني حين رأيت، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، فناداني فأخفى منك، فأجبته فأخفيت منك، فظننت أن قد رقدت، وخشيت أن تستوحشي، فأمرني أن آتي أهل البقيع، فأستغفر لهم)، رواه عاصم عن عبد الله بن عامر عن عائشة رضي الله عنها على غير هذا اللفظ].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة في القصة والذي حصل، وهي مماثلة للطريقة السابقة.
    قوله: [أخبرني يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي].
    ثقة، أخرج له حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا حجاج].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، وقد مر ذكره.
    [عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن محمد بن قيس بن مخرمة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم جميعاً.

    شرح حديث عائشة في انطلاقها في إثر النبي حين خرج إلى البقيع من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا شريك عن عاصم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (فقدته من الليل)، وساق الحديث].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وذكر بعضه وأحال على باقيه، حيث قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرواية السابقة أو الروايات السابقة فيها أنها كان عندها، وأنه كان نائماً على الهيئة التي وصفتها، وأنه حصل منه أن أخذ نعليه رويداً رويداً ورداءه، وخرج، وأجاف الباب، ولحقته، وهنا يقول: فقدته، وبقية الحديث يعني كما ذكر بأنها ذهبت، وطلبته، ولحقته، وأسرع، وأسرعت إلى آخره، حتى رجع وقال لها ما قال.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في انطلاقها في إثر النبي حين خرج إلى البقيع من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
    [أخبرنا شريك].
    هو شريك بن عبد الله النخعي القاضي، وهو صدوق كثير الخطأ، وقد أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عاصم].
    هو عاصم بن عبيد الله العمري، وهو ضعيف، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، وأصحاب السنن الأربعة.


    الأسئلة


    الجهر بالدعاء عند السجود

    السؤال: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر في دعائه في السجود؟

    الجواب: الدعاء قد يسمع من الساجد، وإن لم يكن جهراً، الجهر الذي يكون كالقراءة؛ لأنه يظهر منه وإن كان يخفيه، لكنه ليس قراءة؛ لأن القراءة فيها رفع صوت، وأما السجود فكان يسمع منه، في سجوده بعض الأدعية مما يفيد، ومما يدل على أنه يخفيه، لكنه يسمع منه، لكن ليست القراءة، وأن صوته بالدعاء في السجود والركوع كصوته بالقراءة، الإنسان الذي يدعو سراً يسمع منه أحياناً، وهو يقال له: سر وما يقال له: جهر؛ لأن الجهر هو رفع الصوت مثل القراءة التي يرفع بها الصوت.
    لا ندري هل هي قصة واحدة أو أنها مسألتين أو أنها مسألة واحدة؟ لكن الذي يبدو إنها قصة ثانية؛ لأنها لما وجدته يصلي؛ ولهذا بينت أنها حصل منها خلاف، فاللفظ يشعر بأنها ليست هذه القصة القصة السابقة؛ لأنه كان يصلي ما راحت تبحث في رأسه، وتلمس رأسه وهو يصلي، وإنما وجدته في صلاة وما وجدته ذاهباً إلى بعض نسائه، فالذي يفهم -والله أعلم- أن هذه غير هذه.

    ضابط لفظة (المقسمي)

    السؤال: المقسمي بكسر الميم وإلا بفتحها؟

    الجواب: ما أدري، لكن كان في بالي إنها بكسر الميم، في التقريب ما ذكر ضبطها، لكن أنا أنطقها المقسمي ما أدري، لكن ينظر فيه، يمكن في اللباب في تهذيب الأنساب، أو الأنساب للسمعاني أو اللباب لـابن الأثير الذي هو خلاصة الأنساب؛ لأن هذا هو الذي يبين ضبط الأنساب، يذكر النسب ثم يذكر ضبطه بالحروف المقسمي وغيره، أي نسب؛ لأنه خاص بهذا الموضوع، أي: الأنساب للسمعاني، وهو واسع، وكبير، واللباب الذي هو اختصاره وهو لـابن الأثير.


    خصوصيته صلى الله عليه وسلم برفع اليدين للدعاء لأهل البقيع

    السؤال: النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه ثلاث مرات، في زيارته لأهل البقيع فهل ذلك خاص للنبي صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب: لعله يبدو أنه خاصاً به؛ لأنه أمر بأن يذهب في ذلك الوقت، وأن يستغفر لهم، فما يدل على أنه عندما يزور؛ لأن الزيارة ما نعلم أنه كان يرفع يديه، ولكن هذا شيء أوحي إليه بأن يخرج، وأن يدعو لأهل البقيع، وفعل ذلك، فلا يقال: إنه يشرع للناس أنهم إذا ذهبوا يرفعون أيديهم.


    معنى: (ووضع رداءه، وبسط إزاره على فراشه) في حديث عائشة رضي الله عنها


    السؤال: في أول حديث: قالت عائشة: (لما كانت ليلتي انقلب فوضع نعليه عند رجليه، ووضع رداءه، وبسط إزاره على فراشه) ما معنى ذلك؟

    الجواب: معنى أنه متهيئ للنوم، أو مستعد للنوم، وبعد ذلك: (ألا أخبركم بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعني)، أي: وعن خبري، المقصود بها: عن خبرها وقصتها، هذا المقصود حديثها عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنها، أي: ما حصل لها وله، وما جرى منها، أخبركم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعني، أو أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعني.

    الوضع يمكن أنه وضع أي: رفع، وليس لازماً الوضع على الفراش، الوضع بدل ما يكون على كتفيه يتخلص منه، بأن يضعه سواءً على مشجب، أو في ناحية، أو على فراشه، وكما هو معلوم الإنسان يتخلى من ثوبه، أو ينزع ثوبه، هذا هو رفع الثوب، تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ [النور:58]، أي: تتخلصون منها، وترفعونها، وتضعونها في أماكنها على الأرض، أو على المشجب أو في أي مكان.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #497
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (494)


    - (باب تحريم الخمر) إلى (باب خليط الزهو والرطب)


    حرم الشرع الكريم الخمر؛ وذلك لعظم خطرها وضررها -وقد حرمها على مراحل- وبين أن الخمر قد تكون من التمر أو الزبيب أو منهما جميعاً، أو من خليط الزهو مع البلح.
    تحريم الخمر

    شرح حديث عمر: (... اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الأشربة: باب تحريم الخمر:
    قال الله تبارك وتعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ )[المائدة:90-91].
    أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السني قراءة عليه في بيته أخبرنا الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي رحمه الله تعالى أخبرنا أبو داود حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (لما نزل تحريم الخمر قال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً؛ فنزلت الآية التي في البقرة، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً؛ فنزلت الآية التي في النساء: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى )[النساء:43] ، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقام الصلاة نادى: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً؛ فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ: ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ )[المائدة:91]؛ قال عمر رضي الله عنه: انتهينا انتهينا) ].
    يقول النسائي رحمه الله: كتاب الأشربة.
    والأشربة: هي جمع شراب، والمراد به: الأشربة المحرمة التي لا يجوز تعاطيها، والمقصود من الكتاب: هو ما يتعلق بالخمر وتحريمها، كالأشربة المسكرة التي فيها الإسكار؛ فإنها محرمة.
    والأشربة على سبيل العموم ما كان منها مسكراً؛ فهو محرم لإسكاره، وما كان غير مسكر؛ ولكنه يلحق ضرر بشربه؛ فإنه لا يجوز شربه من أجل الضرر، وإن كان غير مسكر، وإذا لم يكن لا هذا ولا هذا؛ فإنه يكون حلالاً. والأصل في الأشربة الحل، إلا إذا جاء شيء طارئ؛ إما شراب اتصف بالإسكار، أو شراب عرف أن به مضرة، وأنه يترتب عليه مضرة؛ فهذان لا يجوز تعاطيهما، وما عداها فإنه حلال؛ لأن الأصل في المياه وفي الأشياء المشروبة الحل، إلا إذا وجد ما يدل على التحريم. أما الخمر فالترجمة معقودة لتحريمه، فإن الخمر كانت تشرب في الجاهلية، وجاء الإسلام وهي تشرب، وبقي من يشربها على شربها حتى نزل تحريمها.
    مراحل تحريم الخمر وتعريفه ودليل حرمته

    والتحريم نزل على ثلاث مراحل:
    المرحلة الأولى: أنهم لما سألوا عن الخمر قال الله عز وجل: ( قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا )[البقرة:219]، فإذاً: فيها إشارة إلى أن فيهما نفع وضر؛ ولكن الضرر أكبر، فهذه المرحلة الأولى في تحريم الخمر، وهذا فيه إشارة إلى أن الذي ينبغي هو تركها, ما دام ضررها أكبر من نفعها فإنها تترك.
    المرحلة الثانية في التحريم؛ وهي: أنهم لا يصلون وهم سكارى, بمعنى: أنه إذا قرب وقت الصلاة، أو كانت الصلاة قريبة؛ فإنهم لا يشربون الخمر؛ لئلا يأتي وقت الصلاة وهم سكارى.
    المرحلة الثالثة: تحريم الخمر في آية المائدة, وهي: قول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ )[المائدة:91]، يعني: انتهوا؛ لأن قوله: ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ )، أي: انتهوا.
    والخمر: مأخوذة من الغطاء، والأصل أن ما فيه غطاء, أو ما فيه تغطية يقال له: تخمير، ولهذا يقال للخمار الذي تغطي به المرأة وجهها ورأسها خمار؛ لأنه يغطي ويستر، والرسول صلى الله عليه وسلم في قصة الرجل الذي وقصة دابته قال: ( ولا تخمروا رأسه ووجهه )، يعني: لا تغطوه.
    والخمر هي كل شراب مسكر، وقيل لها: خمر؛ لأنها تغطي العقل، وتحجبه، فلا يكون صاحبه ذا عقل سليم، بل يكون من جملة المجانين، أو أشبه ما يكون بالمجانين؛ لأن الخمر غطت عقله؛ فصار كالبهيمة، أو كالمجنون، أو هو مجنون، فإذاً: الخمر الأصل فيه التغطية؛ ولهذا قيل للخمار خمار، وللغطاء خمار، وقيل للخمر: خمر؛ لأنها تخمر العقل أي تغطيه، فالخمر كل ما أسكر.
    ( ما أسكر كثيره فقليله حرام )؛ لأن القليل وسيلة إلى شرب الكثير، وما دام أن الكثير يسكر؛ فإن القليل حرام، فالذي يسكر حرم لأنه غاية، والقليل الذي لا يسكر حرم لأنه وسيلة إلى غاية، ولهذا فالخمر ما أسكر، وكل مسكر خمر، وكل خمر حرام، وما أسكر كثيره فلا يجوز شرب قليله، ولو لم يسكر؛ لأن شربه وسيلة إلى شرب الكثير؛ فحرمت الوسيلة للغاية.
    وتحريم الوسائل لكونها تؤدي إلى غايات, هذا من مقاصد الشريعة ومن أسسها: أن الوسائل لها حكم الغايات، وأن الشيء الذي يؤدي إلى محرم يكون حراماً؛ لأن الوسائل لها أحكام الغايات.
    وعلى هذا: فالخمر هي كل مسكر، سواء كان مشروباً, أو مطعوماً، وسواء كان يابساً, أو سائلاً, أو جامداً إذا تعوطي وحصل تغطية العقل والإسكار؛ فإنه يكون حراماً.
    والنسائي رحمه الله أورد الآية في أول الباب، وليس من عادته أن يذكر آيات، بل هو إما أن يذكر آية وهي في الترجمة فيقول: تأويل قول الله عز وجل كذا، ثم يأتي بأحاديث فيها تفسير لها؛ لكن كونه يأتي بآية يستدل بها على تحريم شيء, ليس هذا من عادته.
    والله تعالى يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ )[المائدة:90] ، وقد قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا)، فأصغ لها سمعك؛ فإنه خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه، يعني: بعد قوله: (يا أيها الذين آمنوا) إما أمر بخير وإما نهي عن شر، وهذه الآية الكريمة فيها نهي عن شر. وابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال هذه الكلمة، وقد ذكر الآثار عن ابن مسعود، ابن كثير في أول تفسير سورة المائدة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )[المائدة:1]، وهذا على خلاف المألوف في المظنة؛ لأن المظنة أن يكون الكلام هذا في أول موضع في القرآن (يا أيها الذين آمنوا)، وقد جاء في القرآن في سورة البقرة وفي آل عمران: (يا أيها الذين آمنوا)، وفي النساء، ومع ذلك ما ذكر ابن كثير رحمة الله عليه في الآثار عن ابن مسعود إلا في أول سورة المائدة؛ ولكن المظنة إنما تكون في أول موضع في القرآن، هذا مظنة الشيء، من أراد أن يبحث يرجع إلى أول موضع؛ لكن من رجع إلى أول موضع لا يجد هذه الفائدة، ولكن هذه الفائدة في: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) التي هي أول سورة المائدة، ذكر رحمه الله الأثر عن ابن مسعود : (إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا؛ فأصغ لها سمعك، فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه).
    قال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ )[المائدة:90] ، الخمر هي: كل مسكر، وسواء أسكر كثيره أو قليله، وما أسكر كثيره وقليله لا يسكر، فهو حرام؛ لأنه وسيلة إلى غاية محرمة. وابن القيم رحمه الله ذكر في (كتابه إعلام الموقعين): تسعة وتسعين مثالاً للأشياء التي حرمت؛ لأنها تؤدي إلى غاية محرمة، أي: وسائل تؤدي إلى غايات، فقد ذكر تسعة وتسعين دليلاً في كتابه إعلام الموقعين، كلها من باب سد الذرائع، فيها آيات, وأحاديث, وآثار تشتمل على سد الذرائع، يعني: أمور محرمة؛ لأنها وسيلة وذريعة إلى أمر محرم، ذكرها وقال: إنه أورد تسعة وتسعين، وقال: إنها بعدد ما جاء في الحديث: ( لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحد، من أحصاها دخل الجنة )، اقتصر على هذا العدد.
    وكتاب (إعلام الموقعين) كتاب نفيس عظيم، مشتمل على فوائد جمة، ومن ذلك هذه القاعدة: تحريم الوسائل التي تؤدي إلى غاية محرمة، التي هي قاعدة: سد الذرائع، وأتى بتسعة وتسعين دليلاً، من آية, وحديث, وأثر عن صحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وختمها بجمع عثمان للقرآن على حرف واحد، واقتصاره على حرف واحد؛ لأنه لو يبقى على الأحرف السبعة يؤدي إلى الاختلاف، فرأى أن يقتصر الناس على حرف واحد مشتمل على القراءات، هذا هو آخر الأمثلة التسعة والتسعين, التي هي أمثلة لقاعدة سد الذرائع.
    قوله: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ )[المائدة:90]، الميسر: هو القمار، (وَالأَنصَابُ )[المائدة:90]، هي: الحجارة التي يذبحون عليها لغير الله عز وجل، ( وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ )[المائدة:3] ، (وَالأَزْلامُ )[المائدة:90]، هي: الاستقسام بالأزلام، وكانوا يستقسمون بها، قال: (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ([المائدة:90]، أي: الرجس هي هذه الأمور التي مرت؛ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90]، ثم قال: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة:91]؛ لأنها تؤدي إلى العداوة، وتؤدي إلى البغضاء, وإلى الشحناء, وإلى الاقتتال, وما إلى ذلك من الشرور التي لا حد لها، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ [المائدة:91]، يعني: بهذه الأمور، فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، يعني: انتهوا.
    وقد أورد النسائي أثر عمر رضي الله عنه لما نزل تحريم الخمر، أي: لما أراد الله أن يحرم الخمر، وليس المقصود أنه لما نزل قال عمر : اللهم بين لنا؛ لأن المقصود: أن عمر وفق في السؤال في أن يبين لهم في الخمر بياناً شافياً، فنزل قول الله عز وجل: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219] ، فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، يعني: ما جاء؛ لأن هذه هي الخطوة الأولى التي فيها بيان الضرر والخير، وأن الضرر أشد من الخير, وأكثر من الخير؛ فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43] ، والمقصود من ذلك: أنهم يمتنعون عن شرب الخمر إذا كانوا مقبلين على وقت الصلاة؛ لئلا يأتي وقت الصلاة وهم سكارى، وليس المقصود أنه مخاطبة لمن كان سكراناً؛ لأنه غير عاقل، ولكن المقصود من ذلك: أنهم نهوا أن يتعاطوا الخمر في الوقت الذي يكونون مقبلين فيه على الصلاة؛ لئلا يأتي وقت الصلاة وهم سكارى، فقال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً؛ فلما نزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ [المائدة:90] إلى قول الله عز وجل: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] ، قال عمر رضي الله عنه: انتهينا انتهينا, يعني: هذا هو البيان الشافي، وهو أنها محرمة.
    التحذير من الخمر وخطره

    والخمر هي أم الخبائث، وهي رأس الخبائث؛ لأنها توقع في الخبائث كلها، لأن الإنسان إذا فقد عقله، وصار أشبه ما يكون بالمجنون؛ سهل عليه أن يفعل كل محرم, سهل عليه الزنا، بل بمحارمه، وقد يزني بأمه, أو بنته, أو أخته؛ لأنه لا عقل له، فهي خبيثة تجر إلى الخبائث، ولهذا قيل لها: أم الخبائث.
    ومن العجيب الغريب أن من يكون ذا عقل يسعى إلى أن يفقد عقله، ويسعى إلى أن يكون من جملة المجانين، مع أن الجنون نقص وخلل، والناس يكرهون الجنون، ويكرهون كون الإنسان يتصف بالجنون؛ لكن مع هذا فشارب الخمر يسعى إلى أن يكون مجنوناً، ويعمل على أن يكون من جملة المجانين؛ ولهذا يقول ابن الوردي في قصيدته:
    كيف يسعى في جنون من عقل؟!!
    كيف يسعى إنسان عاقل أعطاه الله تعالى عقل إلى أن يكون مجنوناً؟ ويعمل على أن يكون مجنوناً، كيف يسعى لذلك؟ هذا هو شأن الخمر، الله سبحانه وتعالى يعطيه العقل، ثم بعد ذلك يسعى إلى أن يكون من جملة المجانين.
    هذا هو الأثر الذي جاء عن عمر رضي الله عنه، والذي فيه الدلالة على أن الخمر مر تحريمها بمراحل، وأنه حصل تدرج؛ لأنهم كانوا قد ألفوها؛ فجاء تحريمها على سبيل التدريج؛ ولكن بقي بعد ذلك الحكم ثابتاً مستقراً بأنها حرام، وجاءت النصوص الكثيرة في تحريمها، وبيان أن كل من شارك فيها, وكل من عمل فيها, أو ساعد عليها, فإنه ملعون، والرسول صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة: لعن شاربها, وبائعها, ومبتاعها, وحاملها, والمحمولة إليه، وكل من له علاقة بها، وكل من له مساهمة في الوصول إليها, أو الدلالة عليها، جاء ما يدل على أن كل هؤلاء ملعونون، كل من له علاقة بها, بدلالة, أو بيع, أو شراء, أو حمل, أو وسيلة من أي وسائل، كل ذلك يدل على أنه محرم.
    تراجم رجال إسناد حديث عمر: (... اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ...)


    قوله:[ أخبرنا أبو داود ].
    هو سليمان بن سيف الحراني ، وهو ثقة, أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ حدثنا عبيد الله بن موسى ].
    هو الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا إسرائيل ].
    هو ابن أبي إسحاق ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي إسحاق ].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي ميسرة ].
    هو عمرو بن شرحبيل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [ عن عمر ].
    هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أمير المؤمنين, وثاني الخلفاء الراشدين، الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    كلام ابن القيم في مفاسد الخمر وأضراره


    وبالمناسبة أنا أتيت بأوراق مصورة من كتاب (حادي الأرواح)، ما دمنا نتكلم على مفاسد الخمر, وأضرار الخمر، أحب أن تقرأ هذه الأضرار التي ذكرها ابن القيم عند كلامه على أنهار الجنة في أثناء الصفحة في وسطها.
    يقول: كما ينفي عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع, والغول, واللغو, والإنزاف, وعدم اللذة؛ فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا، تغتال العقل ويكثر اللغو على شربها، بل لا يطيب لشاربها ذلك إلا باللغو، وتنزف في نفسها، وتنزف المال، وتصدع الرأس، وهي كريهة المذاق، وهي رجس من عمل الشيطان، توقع العداوة, والبغضاء بين الناس، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتدعو إلى الزنا، وربما دعت إلى الوقوع على البنت, والأخت, وذوات المحارم، وتذهب الغيرة، وتورث الخزي, والندامة, والفضيحة، وتلحق شاربها بأنقص نوع الإنسان وهم المجانين، وتسلبه أحسن الأسماء والسمات، وتكسوه أقبح الأسماء والصفات، وتسهل قتل النفس, وإفشاء السر الذي في إفشائه مضرته أو هلاكه، ومؤاخاة الشياطين في تبذير المال الذي جعله الله قياماً له، ولم يلزمه مؤنته، وتهتك الأستار، وتظهر الأسرار، وتدل على العورات، وتهون ارتكاب القبائح والمآثم، وتخرج من القلب تعظيم المحارم، ومدمنها كعابد وثن، وكم أهاجت من حرب وأفقرت من غني، وأذلت من عزيز ووضعت من شريف، وسلبت من نعمة وجلبت من نقمة، وفسخت من مودة, ونسجت من عداوة، وكم فرقت بين رجل وزوجته، فذهبت بقلبه وراحت بلبه، وكم أورثت من حسرة, وأجرت من عبرة، وكم أغلقت في وجه شاربها باباً من الخير , وفتحت له باباً من الشر، وكم أوقعت في بلية، وعجلت من منية، وكم أورثت من خزية، وجرت على شاربها من محنة، وجرت عليه من سفلة، فهي جماع الإثم, ومفتاح الشر، وسلابة النعم وجالبة النقم، ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد, كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من شرب الخمر في الدنيا؛ لم يشربها في الآخرة ) لكفى، وآفات الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا، وكلها منتفية عن خمر الجنة.
    هذه من جملة الأضرار والمفاسد التي في الخمر، وقد ذكرها ابن القيم في كتابه حادي الأرواح في باب أنهار الجنة؛ لأنه ذكر أبواباً عديدة, وفيها باب أنهار الجنة، ولما جاء عند ذكر الأنهار، وفيها أنهار من خمر لذة للشاربين، تكلم على خمر الدنيا, ومفاسدها, وأضرارها، وقال: إن مفاسدها وأضرارها أضعاف ما ذكرنا، بعد أن ذكر هذا العدد الكثير من أضرارها ومخازيها، قال: وهي أضعاف ما ذكرنا، يعني: ما تركه أكثر مما ذكره.

    ذكر الشراب الذي أهريق بتحريم الخمر

    شرح حديث: (إنها حرمت الخمر ... فقلت لأنس: وما هو؟ قال: البسر والتمر ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر الشراب الذي أهريق بتحريم الخمر:
    أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله - يعني: ابن المبارك - عن سليمان التيمي أن أنس بن مالك أخبرهم قال: (بينا أنا قائم على الحي وأنا أصغرهم سناً على عمومتي، إذ جاء رجل فقال: إنها قد حرمت الخمر، وأنا قائم عليهم أسقيهم من فضيخ لهم، فقالوا: اكفأها، فكفأتها، فقلت لـأنس: ما هو؟ قال: البسر والتمر). قال أبو بكر بن أنس : كانت خمرهم يومئذٍ فلم ينكر أنس ].
    لما أورد النسائي هذه الرواية في الخمر لما أهريقت لتحريم الخمر, ذكر الشراب الذي أهريق بتحريم الخمر، يعني: لما جاء تحريم الخمر والشراب موجود، وأهريق يعني: كفئ وأتلف؛ لأن الخمر حرمت، فبادروا إلى إتلافها, والتخلص منها رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، أي: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه كان يسقي جماعة من حيه ومن أقاربه وعمومته الخمر، وكان أصغرهم سناً وكان يدور عليهم ليسقيهم، فجاء رجل وقال: (إن الخمر حرمت)؛ فقالوا: (اكفأها)، يعني: أرقها، فبادروا إلى التخلص منها لما سمعوا بأنها حرمت، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الالتزام بما جاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنهم قبل ذلك كانوا يشربون، ولما جاء تحريم الشيء الذي كانوا يشربونه؛ لم يروا أن يبقوه، أو يفكروا في بيعه على أحد، حتى ولو كان كافراً، بل بادروا إلى إهراقه, وإلى إتلافه, والتخلص منه، وكان شرابهم يومئذ أو كان يسقيهم من فضيخ، والفضيخ هو: شراب يكون من البسر والتمر، بمعنى: أنهم يأخذون البسر وهو البلح، والتمر فينبذونه مع بعض، ويبقى مدة حتى يصل إلى أن يكون خمراً فيشربونه، فهذا هو شرابهم يومئذ، الذي كانوا يشربوه، لما نزل تحريم الخمر وبلغهم ذلك وهم يشربونه؛ فقاموا بإحراقه والتخلص منه, رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    والحاصل: أن الخمر كلما أسكر سواء كان من التمر أو البسر أو من أحدهما أو من مجموع الاثنين، وسواء كان من العنب, أو الشعير, أو من البر, أو من أي شيء كان كل ما وصف بأنه خمر؛ فإنه حرام قليله وكثيره.
    تراجم إسناد حديث: (... إنها حرمت الخمر ... فقلت لأنس: وما هو؟ قال: البسر والتمر ...)


    قوله: [ أخبرنا سويد بن نصر ].
    هو سويد بن نصر المروزي ثقة، أخرج حديثه الترمذي , والنسائي .
    [ أخبرنا عبد الله -يعنى: ابن المبارك - ].
    هو المروزي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سليمان التيمي ].
    هو سليمان بن طرخان التيمي, وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أن أنس بن مالك ].
    رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة , وابن عمر , وابن عباس, وأبو سعيد , وجابر , وأنس , وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين، ستة رجال وامرأة واحدة.
    قوله: [ فقلت لـأنس : ما هو؟ قال: البسر والتمر، قال أبو بكر بن أنس : كانت خمرهم يومئذ، فلم ينكر أنس ].
    أي: الفضيخ، وقيل للخمر: فضيخ؛ لأنه يكسر, ويشقق, ثم يرمى به في الماء، وهو خليط، أي: ذلك الشراب الذي نزل تحريم الخمر وهم يشربونه مكون من البسر ومن التمر، خليط من هذا وهذا.
    قوله: [ قال: أبو بكر بن أنس: كانت خمرهم يومئذ، فلم ينكر أنس ] يعني: هذا النوع الذي هو مكون من البسر والتمر هذا هو خمرهم يومئذ، فلم ينكر أنس يعني: سكت، يعني أنه أقر كلامه بأنها هي خمرهم يومئذ؛ لكن كما هو معلوم :كما جاء في بعض الأحاديث: ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام )، يعني: كل ما كان مسكراً سواء كان من هذا النوع, أو من أي نوع آخر؛ لأن القضية هي قضية الإسكار، وتغطية العقل، فأي نوع كان، سواء كان سائلاً, أو جامداً, أو مسحوقاً, أو على أي حالة كان ما دام أنه يسكر فإنه حرام قليله وكثيره.

    شرح حديث: (... نزل تحريم الخمر ... وما هي يومئذ إلا الفضيخ: خليط البسر والتمر ...) من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا سويد بن نصر ، قال: أخبرنا عبد الله -يعنى: ابن المبارك - عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ( كنت أسقي أبا طلحة وأبي بن كعب وأبا دجانة رضي الله عنهم في رهط من الأنصار، فدخل علينا رجل فقال: حدث خبر، نزل تحريم الخمر؛ فكفأنا، قال: وما هي يومئذ إلا الفضيخ: خليط البسر والتمر، قال: وقال أنس : لقد حرمت الخمر وإن عامة خمورهم يومئذ الفضيخ ) ].
    هنا أورد النسائي حديث أنس من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله، وفيه تسمية بعض الصحابة الذين كانوا يشربون الخمر قبل أن ينزل تحريمها، ولما نزل تحريمها وجاءهم الرجل الذي أخبرهم؛ أكفؤها وتخلصوا منها، والفضيخ هو النبيذ المتكون من هذين الشيئين: البسر والتمر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... نزل تحريم الخمر ... وما هي يؤمئذ إلا الفضيخ: خليط البسر والتمر ...) من طريق ثانية

    قوله: [ أخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله عن سعيد بن أبي عروبة ].
    سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن قتادة ].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أنس ].
    قد مر ذكره.

    شرح حديث: (حرمت الخمر حين حرمت وإنه لشرابهم البسر والتمر) من طريق ثالثة
    قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا سويد بن نصر قال: أخبرنا عبد الله عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ( حرمت الخمر حين حرمت، وإنه لشرابهم البسر والتمر ). ].
    أورد النسائي حديث أنس: (وأن الخمر حرمت يوم حرمت وشرابهم يومئذ البسر والتمر)، وهو مثل ما تقدم، والبسر والتمر، يعني: الشراب الذي ينتج عن انتباذهما هو شرابهم يومئذ، فهو مطابق للشيء الذي قاله أبو بكر بن أنس ، ولم ينكر أنس رضي الله عنه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (حرمت الخمر حين حرمت وإنه لشرابهم البسر والتمر) من طريق ثالثة


    قوله: [ أخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله عن حميد الطويل ].
    هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس]
    قد مر ذكره.
    والحديث من رباعيات النسائي التي هي أعلى ما يكون عند النسائي .

    استحقاق الخمر لشراب البسر والتمر

    شرح أثر جابر: (البسر والتمر خمر)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ استحقاق الخمر لشراب البسر والتمر:
    أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن شعبة عن محارب بن دثار عن جابر -يعني: ابن عبد الله - رضي الله عنه قال: ( البسر والتمر خمر ). ].
    أورد النسائي: استحقاق الخمر لشراب البسر, والتمر.
    استحقاق الخمر، يعني: إطلاق اسم الخمر على شراب البسر والتمر، والمقصود من ذلك ليس الحصر، وإنما المقصود المثال، وأن ما كان من البسر, والتمر وهو مسكر؛ فإنه خمر؛ ولكن لا يعني أن الخمرة محصورة في هذا النوع، وأنه لو كان شيء من الزبيب أو شيء من العنب أو شيء من الأصناف الأخرى لا يكون خمراً، بل الخمر كل ما أسكر.. كل ما أسكر كثيره, فقليله حرام، كل مسكر خمر, وكل خمر حرام، فالمقصود من هذا: أن ما كان من هذا النوع يطلق عليه خمر، لكن لا يعني أن ما سواه لا يقال له: خمر، بل الكل يقال له: خمر، ولكن هذا لكونه جاء النص عليه أن الشراب من البسر والتمر خمر.
    ثم ذكر حديث جابر : ( البسر والتمر خمر )، يعني: الشراب الذي حصل من هذا وهذا ووصل إلى حد الإسكار فهو خمر، هذا هو المقصود؛ والحديث موقوف لكنه سيأتي مرفوعاً.
    تراجم رجال إسناد أثر جابر: (البسر والتمر خمر)

    قوله: [ أخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله عن شعبة ].
    سويد بن نصر وعبد الله مر ذكرهما، وشعبة بن الحجاج الواسطي البصري ثقة, وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محارب بن دثار ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن جابر يعني: ابن عبد الله ].
    هو الأنصاري ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    أثر جابر: (البسر والتمر والخمر) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن سفيان عن محارب بن دثار أنه قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: ( البسر والتمر خمر )، رفعه الأعمش ].
    أورد النسائي أثر جابر من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [ أخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله عن سفيان ].
    سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة, فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محارب بن دثار عن جابر ].
    قد مر ذكرهما.

    شرح حديث جابر: (الزبيب والتمر هو الخمر) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا القاسم بن زكريا قال: أخبرنا عبيد الله عن شيبان عن الأعمش عن محارب بن دثار عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( الزبيب والتمر هو الخمر ). ].
    أورد النسائي الحديث عن جابر؛ ولكن فيه مع التمر الزبيب، وأنه خمر، وأورده مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما هو معلوم ليس المقصود هو الحصر في هذين النوعين، لا على سبيل الانفراد، ولا على سبيل الاجتماع، فما جاء من الزبيب وحده فهو خمر، وما جاء من الخمر وحده خمر، وما جاء من خلطهما فهو خمر، وكل ما اتخذ من أي شيء كان وأكثر؛ فإنه خمر ويكون حراماً.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (الزبيب والتمر هو الخمر) من طريق ثالثة

    قوله: [ أخبرنا القاسم بن زكريا ].
    ثقة، أخرج حديثه مسلم , والترمذي , والنسائي , وابن ماجه.
    [ أخبرنا عبيد الله ].
    هو ابن موسى ، وقد مر ذكره.
    [ عن شيبان ].
    هو شيبان بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الأعمش ].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب واسمه سليمان .
    [ عن محارب بن دثار عن جابر ].
    قد مر ذكرهما.

    نهي البيان عن شرب نبيذ الخليطين الراجعة إلى بيان البلح والتمر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [بيان النهي عن شرب نبيذ الخليطين الراجعة إلى بيان البلح والتمر ].
    قوله: [ الراجعة إلى بيان البلح والتمر ].
    تفسير الخليطين، يعني: المفسران بأنهما بلح وتمر، ويقول: المحشي في إحدى النسخ النظامية: إنباذ، بدل بيان, يعني تكون: بيان النهي عن شرب نبيذ الخليطين الراجعة إلى إنباذ البلح والتمر.
    ففي هذه الحالة تستقيم، إنباذ البلح والتمر؛ لأنه نبذهما، لكن الكلام عن النسخة الأول الذي فيها نهي البيان، لعلها: بيان النهي عن الخليطين.
    شرح حديث: (أن النبي نهى عن البلح والتمر والزبيب والتمر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرحمن عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن البلح والتمر, والزبيب والتمر ). ].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: بيان النهي عن الخليطين الذين هما البلح والتمر، المقصود من ذلك: ذكر الخليطين، وأنهما إذا اجتمعا فإن ذلك يكون حراماً؛ لكن ليس المقصود الاقتصار على الخلط، بل لو جاءت الخمر من البلح وحده، أو من التمر وحده، أو منهما مجتمعين كل ذلك خمر، وكل ذلك حرام؛ لكنه أراد أن يبين ما جاء في الحديث من ذكر هذه الأشياء متماثلة.
    قوله: [( أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن البلح والتمر, والزبيب والتمر ).].
    نهى عن البلح والتمر، يعني: عن نبذهما، أو النبيذ الناتج عن خلطهما، عن البلح والتمر وعن الزبيب والتمر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي نهى عن البلح والتمر والزبيب والتمر)

    قوله: [ أخبرنا إسحاق بن منصور ].
    هو الكوسج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود .
    [ أخبرنا عبد الرحمن ].
    هو عبد الرحمن بن مهدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن شعبة عن الحكم ].
    شعبة مر ذكره، والحكم هو ابن عتيبة ، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن أبي ليلى ].
    هو عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    قوله: [ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ].
    أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام المجهول فيهم في حكم المعلوم؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم، فالجهالة فيهم لا تضر، أما غيرهم فالجهالة فيه تضر، ويعل به الحديث، أما إذا كان صحابياً فلو كان مجهولاً فجهالته لا تؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل، ما دام أنه وصف بأنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكفي ذلك؛ لأن الصحابي يكفيه شرفاً أن يكون صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا عندما يترجم العلماء للصحابة لا يحتاج إلى شيء إلا أن يقول: صحابي، لا يقول: ثقة؛ لأن ثقة هذه ما تكون لهم، تكون لمن يحتاجون إلى توثيق، أما من عدلهم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يحتاجون إلى تعديل المعدلين, وتوثيق الموثقين.
    خليط البلح والزهو

    شرح حديث ابن عباس: (نهى رسول الله عن الدباء ... وأن يخلط البلح والزهو)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ خليط البلح والزهو:
    أخبرنا واصل بن عبد الأعلى حدثنا ابن فضيل عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدباء, والحنتم, والمزفَّت, والنقير، وأن يخلط البلح والزهو ). ].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي خليط البلح والزهو، البلح هو: الأخضر من تمر النخل، حيث يكون أخضر يقال له: بلح، فإذا احمر واصفر؛ يقال له: زهو، والمقصود من ذلك: أن البلح الذي هو أخضر مع الزهو الذي هو أصفر أو أحمر إذا جمع بينهما ووجدت الخمر بهما؛ فهي من جملة المحرمات ومن جملة الخمر، ولا يعني هذا: أن الحكم بالخلط، بل البلح إذا نبذ وحده وأسكر يكون حراماً، والزهو وحده إذا نبذ ووصل إلى حد الإسكار, فإنه يكون حراماً، فإذا ليست القضية قضية الخلط.
    وقد أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنهما ( أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء )، والمقصود بالدباء: الوعاء الذي كانوا يتخذونه من الدباء، وينبذون به هذه الأشياء التي قد تصل إلى الخمر، فيأتون للقرع الذي هو الدباء فيأخذون لبه، ثم يبقى قشره وييبس، فييبسونه فيصير وعاءً صلباً، قاسياً يابساً، فالمقصود بالدباء أي: الانتباذ في الوعاء الذي اتخذ من الدباء، حيث استخرج اللب وبقي القشر ويبس؛ فصار وعاءً من الأوعية.
    والحنتم: هي جرار خضر، نهي عن الانتباذ فيها.
    والمزفت: هو الذي طلي بالزفت.
    والنقير: هو جذع النخل ينقرونه فيكون وعاءً، فينبذون فيه تلك الأشياء، وإنما كان هذا التحريم في أول الأمر؛ لأن هذه صلبة وقوية، فيمكن أن يحصل الإسكار، ولا يتبين على غلافها من الخارج، بخلاف الجلود وغيرها من الأشياء التي ليست صلبة، فإنه إذا حصل الإسكار من الداخل؛ تبين على الغلاف وعلى الوعاء من الخارج تغيره، مما يشعر بأنه وصل إلى حد الإسكار، فكانوا نهوا أن ينتبذوا في الأشياء التي قد يصل إلى حد الإسكار وهم ما عرفوا؛ لسماكته ولغلظه، ولكونه لا يظهر على غلافه من الخارج ما يشير إلى وصوله إلى حد الإسكار، ولكنه بعد ذلك أحل لهم كما جاء في حديث بريدة بن الحصيب : ( كنت نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية، ألا فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً )، ومعناه: أنهم ينتبذون في أي وعاء سواء كان قاسياً, أو ليناً؛ لكن بشرط أن يتحققوا أنه ما وصل إلى حد الإسكار، وكذلك أيضاً الخلط، يعني: كونه يخلط هذا وهذا، قالوا: لأن الخلط يكون سبباً في سرعة الإسكار، إذا خلط الشيئان مع بعض ونبذا؛ فيكون أسرع في حصول الإسكار، والجمهور على أن الخلط سائغ؛ لكن بشرط ألا يكون هناك شرب لمسكر، بحيث يتحقق أنه لن يصل إلى حد الإسكار، فإن وصل إلى حد الإسكار؛ فيجب إراقته وإتلافه.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (نهى رسول الله عن الدباء ... وأن يخلط البلح والزهو)

    قوله: [ أخبرنا واصل بن عبد الأعلى ].
    ثقة، أخرج حديثه مسلم , وأصحاب السنن.
    [ عن ابن فضيل ].
    هو محمد بن فضيل وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حبيب بن أبي عمرة ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة, إلا أبا داود بل أخرج له في الناسخ والمنسوخ.
    [ عن سعيد بن جبير ].
    ثقة, فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب , ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة, من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم وأرضاهم، وهم: عبد الله بن عباس , وعبد الله بن الزبير , وعبد الله بن عمر , وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث ابن عباس: (نهى رسول الله عن الدباء ... وأن يخلط البلح مع الزهو) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدباء, والمزفَّت -وزاد مرة أخرى: والنقير-, وأن يخلط التمر بالزبيب, والزهو بالتمر ). ].
    أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، والمقصود: أن هذه الأشياء نهي عنها في أول الأمر؛ لأنها كانت يحصل فيها الإسراع إلى الإسكار، والمقصود: أنه يشرب كل شراب بشرط ألا يكون مسكراً.
    قوله: [وأن يخلط التمر بالزبيب ].
    يعني: ينبذان معاً، والزهو بالتمر، الزهو الذي هو: احمر واصفر.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (نهى رسول الله عن الدباء ... وأن يخلط البلح مع الزهو) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه.
    [ أخبرنا جرير ].
    هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ].
    قد مر ذكر الثلاثة.
    حديث أبي سعيد الخدري: (نهى رسول الله عن الزهو والتمر والزبيب والتمر) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا الحسين بن منصور بن جعفر حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا الأعمش عن حبيب عن أبي أرطاة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزهو والتمر, والزبيب والتمر ). ].
    أورد حديث أبي سعيد الزهري وهو في خلط هذين الصنفين: الزهو والتمر، والزبيب والتمر، وهو مثل ما تقدم.
    قوله:[ أخبرنا الحسين بن منصور بن جعفر ].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري , ومسلم , والنسائي .
    [حدثنا عبد الله بن نمير ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الأعمش عن حبيب ].
    الأعمش مر ذكره، وحبيب هو: ابن أبي ثابت ، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي أرطأة ].
    هو أبو أرطأة الكوفي مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن أبي سعيد ].
    هو سعد بن مالك الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بكنيته أبي سعيد , وبنسبته الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    خليط الزهو والرطب

    شرح حديث أبي قتادة :(لا تجمعوا بين التمر والزبيب ولا بين الزهو والرطب)

    قال المصنف رحمه الله: [خليط الزهو والرطب:
    أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن الأوزاعي حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( لا تجمعوا بين التمر والزبيب، ولا بين الزهو والرطب )].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: خليط الزهو والرطب، خليط الزهو الذي قد احمر واصفر، والرطب الذي حصل بعد هذه الحالة وهو كونه صار رطباً ولم يكن تمراً؛ لأن التمر هو ما يبس، وأما ما دام أنه فاكهة, وما دام أنه في حال استوائه؛ فإنه يقال له: رطب، فالفرق بين الرطب والتمر: أن التمر هو الذي يبس ومضى عليه وقت، وأما الرطب فهو الذي تحول من كونه زهواً إلى أن صار رطباً، فالخلط بين كل هذه الأصناف، يعني: بين الزبيب والتمر, وبين الزهو والرطب، كل ذلك منع منه؛ ولكن كما عرفنا المقصود هو: جواز الانتباذ في كل وعاء، وسواء كان على سبيل الإفراد, أو على سبيل الخلط؛ لكن بشرط ألا يشرب الناس مسكراً.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة :(لا تجمعوا بين التمر والزبيب ولا بين الزهو والرطب)

    قوله: [ أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن الأوزاعي ].
    سويد بن نصر وعبد الله بن المبارك مر ذكرهما.
    والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، فقيه الشام, ومحدثها، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يحيى بن أبي كثير ].
    هو اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن أبي قتادة ].
    هو الأنصاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث أبي قتادة: (لا تنبذوا الزهو والرطب جميعاً ...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا علي -وهو ابن المبارك - عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لا تنبذوا الزهو والرطب جميعاً، ولا تنبذوا الزبيب والرطب جميعاً )].
    أورد النسائي حديث أبي قتادة وهو مثل الذي قبله, ولكن هنا قال: (( لا تنبذوا))، وهناك قال: ((لا تجمعوا)) أي: لا تجمعوا بينهما في الانتباذ، فالعبارة مختلفة، والمؤدى واحد.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة: (لا تنبذوا الزهو والرطب جميعاً ...) من طريق أخرى

    قوله:[أخبرنا محمد بن المثنى ].
    هو الزمن أبو موسى العنزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [ عن عثمان بن عمر ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن علي هو ابن المبارك].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير اليمامي]. وقد مر ذكره.
    [ عن أبي سلمة ].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة, فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثلاثة في التابعين ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي قتادة ].
    قد مر ذكره.

    الأسئلة


    حكم بعض المشروبات الموجودة في الأسواق كالبيرة والموسي
    السؤال: جزاكم الله خيراً! وبارك الله فيكم! ونفعنا الله بما قلتم.

    وردت من الإخوان عن هذه الأشربة الموجودة الآن في الأسواق مثل: البيرة والموسي ونحو ذلك، بعضهم يقول: إن فيها نسبة ضئيلة من الكحول، وهي مكتوب عليها في الظاهر: خال من الكحول، فما رأيكم فيها؟
    الجواب: لا نعرف عنها شيئاً؛ لكن إذا كان كثيرها يسكر؛ فقليلها حرام، وإذا كانت غير مسكرة فإنها لا تحرم.

    الخلاف بين أهل الكوفة والجمهور في حد المسكر

    السؤال: ما يذكره الفقهاء من الخلاف بين أهل الكوفة وغيرهم في هذا الباب، قضية الانتباذ؟
    الجواب: نعم، فيما يتعلق بالخمر: أهل الكوفة يجعلون كل مسكر حرام عندهم؛ ولكن الفرق بينهم وبين جمهور العلماء أنه ما لم يكن من العنب، العنب قليله يكون حراماً إذا كان لا يسكر، وأما الأشياء الأخرى فإن المسكر منها حرام، والقليل منها لا يكون حراماً، ولكن ما جاء: ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) يدل على أن ما قل من أي نوع من الأنواع ما دام أن الكثير منه حرام، فالقليل منه يكون حراماً.
    والقول الصحيح هو ما قاله جمهور العلماء، وليس ما قاله فقهاء الكوفة: من أن بعض الأشربة التي يسكر كثيرها وقليلها لا يسكر؛ فإنه لا يكون حراماً، بل كل ما أسكر كثيره فقليله حرام من أي نوع كان، سواء كان من العنب, أو غير العنب.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #498
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (495)

    - (باب خليط الزهو والبسر) إلى (باب الرخصة في الانتباذ في الأسقية التي يلاث على أفواهها)



    نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن خلط التمر بالزبيب والزهر بالتمر وكل شيئين مختلفين يسرع الإسكار إليهما عند الخلط، مع أنه يجوز استعمال الخليط قبل أن يصل إلى حد الإسكار، وقد كان نهى النبي عن الانتباذ في أوعية الدباء والحنتم والمزفت والنقير ثم رخص في ذلك بشرط ألا يصل إلى حد الإسكار.

    خليط الزهو والبسر


    شرح حديث أبي سعيد الخدري: (نهى رسول الله أن يخلط التمر والزبيب وأن يخلط الزهو والتمر ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ خليط الزهو والبسر. أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثني إبراهيم هو ابن طهمان عن عمر بن سعيد عن سليمان عن مالك بن الحارث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخلط التمر والزبيب، وأن يخلط الزهو والتمر، والزهو والبسر ) ].
    يقول النسائي رحمه الله: خليط الزهو والبسر، والبسر هو الذي طاب واحمر, أو اصفر؛ لأنه قبل أن يطيب ويصفر ويحمر يقال له: بسر، وإذا تغير لونه من الخضرة إلى الحمرة أو الصفرة قيل له: زهو. والترجمة هي خليط الزهو والبسر، يعني: الذي لم يصل إلى حد الاحمرار والاصفرار, مع الذي وصل إلى حد الاحمرار والاصفرار، بأن يخلطا, وينبذا جميعاً، والمقصود النهي عن نبذ شيئين مختلفين؛ لأن الإسكار يسرع مع الخلط.
    والنهي قيل: إنه للتنزيه، وأنه إذا كان الخلط استفيد منه قبل أن يصل إلى حد الإسكار فإنه لا بأس به، وإنما المحذور هو أن يوجد الإسكار، وهكذا ما جاء من ذكر الخلط بين شيئين مختلفين، أو الانتباذ في أوعية غليظة لا يظهر عليها أثر الإسكار إذا حصل فيها إسكار لغلظ الغلاف، كما جاء في أحاديث مر جملة منها، وسيأتي ذكرها أيضاً.
    وقد أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن أن يخلط التمر والزبيب )، أن يخلط التمر: وهو الذي تحول من كونه رطباً إلى كونه تمراً؛ لأن الرطب والتمر شيئان، والرطب هو الذي حصل طيبه وإرطابه، وإذا مضى عليه وقت ويبس صار تمراً، ولهذا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر قال: ( أينقص الرطب إذا جف؟ قالوا: نعم، قال: فلا )، إذاً: لا يباع الرطب بالتمر؛ لأن الرطب إذا يبس وإذا جف نقص، ولا بد من بيع الجنس بمثله مثلاً بمثل من غير زيادة، ولهذا لا يجوز بيع الرطب بالتمر؛ لأن الرطب إذا جف نقص، ولا بد من التساوي بين الجنس الواحد في بيعهما.
    قوله: ( وأن يخلط الزهو والتمر ) يعني: الأحمر والأصفر الذي لم يصل إلى حد الرطب وذلك بأن يخلط مع التمر.
    قوله: ( والزهو والبسر ).
    والزهو: هو الذي طاب واحمر أو اصفر، والبسر: الذي لا يزال أخضر ولم يصل إلى حد الاحمرار والاصفرار.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري: (نهى رسول الله أن يخلط التمر والزبيب وأن يخلط الزهو والتمر ...)


    قوله: [أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله[ .هو أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد النيسابوري ، وهو صدوق, أخرج حديثه البخاري , وأبو داود , والنسائي .
    [حدثني أبي].
    هو حفص بن عبد الله بن راشد النيسابوري وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري , وأبو داود , والنسائي , وابن ماجه .
    [ حدثني إبراهيم هو ابن طهمان ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمر بن سعيد].
    هو عمر بن سعيد بن مسروق, أخو سفيان بن سعيد الثوري ،وهو ثقة, أخرج له مسلم , وأبو داود , والنسائي.
    [عن سليمان] .
    هو الأعمش , سليمان بن مهران الكاهلي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن مالك بن الحارث ].
    هو مالك بن الحارث السلمي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد, ومسلم , وأبو داود , والنسائي .
    [ عن أبي سعيد] .
    هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بنسبته الخدري , وبكنيته: أبي سعيد وهو صحابي جليل مشهور مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة , وابن عمر , وابن عباس , وأبو سعيد , وأنس , وجابر , وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهم الذين يقول فيهم السيوطي في الألفية:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبي
    البحر أي: ابن عباس .


    خليط البسر والرطب


    شرح حديث جابر: (أن النبي نهى عن خليط التمر والزبيب والبسر والرطب)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ خليط البسر والرطب.أخبرنا يعقوب بن إبراهيم عن يحيى، وهو ابن سعيد عن ابن جريج أخبرني عطاء عن جابر رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن خليط التمر والزبيب, والبسر والرطب ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة؛ خليط البسر والرطب، البسر هو: الذي لم يطب ولا يزال أخضر، والرطب هو الذي تحول من كونه زهواً إلى كونه رطباً، والترجمة في خليط البسر والرطب، وأورد حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خليط التمر والزبيب والبسر والرطب ).

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (أن النبي نهى عن خليط التمر والزبيب والبسر والرطب)


    قوله:[أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ].هو الدورقي ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، أخرجوا عنه مباشرة وبدون واسطة، وكانت وفاته سنة (252هـ)، وهو من صغار شيوخ البخاري ، وهناك اثنان آخران ماتا في تلك السنة، وهي سنة (252هـ)، وهم جميعاً شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وهم يعقوب بن إبراهيم الدورقي هذا، ومحمد بن مثنى العنزي , ومحمد بن بشار الملقب بندار .
    [ عن يحيى وهو ابن سعيد ].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن جريج ].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة, فقيه، يرسل ويدلس, وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرني عطاء ].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن جابر ].
    جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث جابر: (لا تخلطوا الزبيب والتمر ولا البسر والتمر) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا عمرو بن علي عن أبي داود حدثنا بسطام حدثنا مالك بن دينار عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لا تخلطوا الزبيب والتمر، ولا البسر والتمر ) ]. أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه من طريق أخرى: ( لا تخلطوا الزبيب والتمر، ولا البسر والتمر )، وهذا فيه ذكر البسر والتمر، وهو لا يتفق مع الترجمة التي هي البسر والرطب؛ لأن التمر غير الرطب، التمر هو الذي يبس، فالرطب إذا يبس يقال له: تمر، وقبل أن ييبس يقال له: رطب.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (لا تخلطوا الزبيب والتمر ولا البسر والتمر) من طريق ثانية


    قوله:[أخبرنا عمرو بن علي ].هو الفلاس ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي داود ].
    هو سليمان بن داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً, ومسلم , وأصحاب السنن الأربعة.
    [ حدثنا بسطام ].
    هو بسطام بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد, وأبو داود في المسائل, والنسائي , وابن ماجه .
    [ عن مالك بن دينار] .
    صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً, وأصحاب السنن.
    [ عن عطاء عن جابر ].
    عطاء بن أبي رباح وجابر بن عبد الله قد مر ذكرهما.


    خليط البسر والتمر


    حديث جابر: (... ونهى أن ينبذ البسر والتمر جميعاً) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ خليط البسر والتمر.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن عطاء عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( أنه نهى أن ينبذ الزبيب والتمر جميعاً، ونهى أن ينبذ البسر والتمر جميعاً ) ].
    لعل الترجمة متأخرة؛ لأنها إذا كانت قبل الحديث السابق يكون داخل تحت الترجمة؛ لأنه بسر وتمر، والترجمة السابقة بسر وزهو، فوجوده تحت الترجمة السابقة، وهو ليس مطابقا لها، بل هو مطابق للترجمة اللاحقة، قد يفهم منه أن الترجمة تأخرت عن محلها، وكان محلها ينبغي أن يكون قبل الحديث الذي قبل هذا، فيحتمل أن يكون كذلك والله تعالى أعلم.
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة: وهي خليط البسر والتمر، وقد أورد فيه النسائي حديث جابر من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا قتيبة ].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث ].
    هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة, فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء عن جابر ].
    عطاء بن أبي رباح وجابر قد مر ذكرهما.
    والحديث من رباعيات النسائي ، وهي أعلى ما يكون عند النسائي ؛ يعني: بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وأنزل ما يكون عنده العشاريات التي يكون بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أشخاص، وقد سبق أن مر بنا حديث في فضل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] إسناده عشرة رجال بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    شرح حديث: (نهى رسول الله عن الدباء والحنتم... وعن البسر والتمر أن يخلطا ...)


    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا واصل بن عبد الأعلى عن ابن فضيل عن أبي إسحاق عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدباء, والحنتم, والمزفت, والنقير، وعن البسر والتمر أن يخلطا، وعن الزبيب والتمر أن يخلطا، وكتب إلى أهل هجر: ألا تخلطوا الزبيب والتمر جميعاً ) ]. أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفيه النهي عن خلط التمر والبسر، ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير )، وقد سبق أن مر ذكر هذه الأربعة، والدباء هو القرع.
    والمقصود بالحديث أنهم كانوا يستخرجون لب الدباء، ويبقى قشرها حتى ييبس، فيصير وعاءً يضعون فيه الأشياء التي يريدون وضعها فيه من الأشياء السائلة، يعني: مثل اللبن، ومثل النبذ، يعني: ينبذون فيه الأشياء، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ بها، نهى عن الدباء يعني: الانتباذ بها، وليس النهي عن أكلها؛ لأن الدباء حلال، فهي مما أحل الله عز وجل، وكان عليه الصلاة والسلام يعجبه الدباء، ويحبه، وقد جاء عن أنس رضي الله عنه أنه كان يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرآه يمد يده إلى الدباء إذا كانت فوق جانبه، فلما رآه أنس يحب الدباء جعل يأخذ الدباء ويضعها على جهته صلى الله عليه وسلم.
    والمقصود بالنهي عن الدباء أي: عن اتخاذها وعاء ينبذ به، حيث يستخرج اللب ويبقى الغلاف وييبس, ويصير يابساً، فيصير وعاء من الأوعية (عن الدباء، والحنتم) وهي جرار خضر، جرار جمع جرة، وهي التي يتخذونها للانتباذ، (والمزفت) الذي طلي بالزفت، (والنقير) جذوع النخيل، ينقرونها فيكون وعاء يضعون فيه الأشياء التي يريدون انتباذها.
    وكان النهي في أول الأمر في أول الإسلام، كما جاء في حديث وفد عبد القيس أن الرسول أمرهم بأشياء ونهاهم عن أشياء، ومما نهاهم هذه الأشياء، التي هي الدباء, والمزفت, وكذا.. إلى آخره، قال: والسر في ذلك أن الغلاف يكون سميكاً وغليظاً، فقد يصل إلى حد الإسكار, ولا يتنبهون له، كانوا نهوا عن ذلك في أول الأمر، وبعد ذلك نسخ هذا النهي بحديث بريدة بن الحصيب : ( كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، ألا فادخروا، ونهيتكم عن زيارة القبور فزورها، ونهيتكم عن الانتباذ في أوعية فانتبذوا في كل وعاء، ولا تشربوا مسكراً )، انتبذوا في كل وعاء: في أي وعاء؛ سواء كان سميكاً, أو خفيفاً, أو رقيقاً, أو قاسياً، لكن بشرط ألا تشربوا مسكراً، لا تتركوه يصل إلى حد الإسكار، بل انتفعوا به قبل أن يصل إلى حد الإسكار.
    قوله: ( وعن البسر والتمر أن يخلطا ).
    لأنه يسرع إليه الإسكار، لكن إذا استعمل قبل أن يصل -في فترة وجيزة لا يصل إلى حد الإسكار- يجوز ذلك.
    قوله: ( وكتب إلى أهل هجر ألا تخلطوا الزبيب والتمر جميعاً ).
    هجر قيل: هي البحرين التي هي الأحساء الآن، وكان يقال لها: البحرين؛ لأن البحرين كانت تطلق على المنطقة المطلة على الساحل، يعني: غير الإطلاق في الوقت الحاضر؛ لأنها تطلق الآن على جزر في الخليج، جزر معينة، وقبل ذلك كانت تطلق على هذه المنطقة التي هي على الساحل كلها، يقال لها: البحرين، ويطلق أيضاً هجر على قرية أو مكاناً حول المدينة، لكن المكان المعروف بالتمر هو هجر، ولهذا يقولون في المثل: كجالب التمر إلى هجر، الإنسان إذا أتى بالشيء إلى مكانه الذي هو مصدره, ومكان كثرته, ووجوده يضرب به المثل فيقال: جالب التمر إلى هجر.

    تراجم رجال اسناد حديث: (نهى رسول الله عن الدباء والحنتم... وعن البسر والتمر أن يخلطا ...)


    قوله:[أخبرنا واصل بن عبد الأعلى ].ثقة، أخرج حديثه مسلم , وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن ابن فضيل ].
    هو محمد بن فضيل وهو صدوق, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي إسحاق] .
    هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حبيب بن أبي ثابت] .
    ثقة, كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن جبير ].
    ثقة, فقيه, أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عباس ].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح أثر ابن عباس: (البسر وحده حرام ومع التمر حرام ...)


    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يزيد أخبرنا حميد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: البسر وحده حرام، ومع التمر حرام ]. أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: البسر وحده حرام، يعني: إذا نبذ ووصل إلى حد الإسكار، أما إذا نبذ ولم يصل إلى حد الإسكار فلا بأس، وكذلك البسر مع التمر حرام إذا وصل إلى حد الإسكار، وأما إذا لم يصل إلى حد الإسكار فإنه لا بأس به.

    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (البسر وحده حرام ومع التمر حرام ...)


    قوله:[أخبرنا أحمد بن سليمان ].هو أحمد بن سليمان الرهاوي ، وهو ثقة, أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يزيد].
    هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا حميد].
    هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عكرمة ].
    هو عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.
    وهذا الحديث موقوف, والحديث الموقوف يكون له حكم الرفع أحياناً، وأحياناً لا يكون له حكم الرفع، ولكن هذا الحديث له حكم الرفع؛ لأنه متفق مع الأحاديث الأخرى التي هي: ( كل مسكر حرام ).


    خليط التمر والزبيب


    حديث: ( نهى رسول الله عن خليط التمر والزبيب...) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ خليط التمر والزبيب.أخبرنا محمد بن آدم وعلي بن سعيد قالا: حدثنا عبد الرحيم عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن خليط التمر والزبيب، وعن التمر والبسر ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي خليط التمر والزبيب، وأورد حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خليط التمر والزبيب, وعن خليط التمر والبسر), وهو مثل ما تقدم.
    قوله:[أخبرنا محمد بن آدم].
    هو محمد بن آدم بن سليمان الجهني ، وهو صدوق, أخرج حديثه أبو داود , والنسائي .
    [وعلي بن سعيد].
    هو ابن مسروق الكندي وهو صدوق، أخرج حديثه الترمذي , والنسائي .
    [ عن عبد الرحيم].
    هو عبد الرحيم بن سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حبيب بن أبي عمرة ].
    ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود ففي الناسخ والمنسوخ.
    [ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس].
    سعيد بن جبير ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، عن ابن عباس وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (نهى رسول الله عن التمر والزبيب...)


    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا قريش بن عبد الرحمن الباوردي عن علي بن الحسن أخبرنا الحسين بن واقد حدثني عمرو بن دينار سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن التمر والزبيب، ونهى عن التمر والبسر أن ينبذا جميعاً ) ]. أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن التمر والزبيب، ونهى عن التمر والبسر أن ينبذا جميعاً )، والمقصود بالنهي عن التمر والزبيب أي: أن ينبذا جميعاً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن التمر والزبيب...)


    قوله:[أخبرنا قريش بن عبد الرحمن الباوردي].ليس به بأس, وأخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن علي بن الحسن ].
    هو علي بن الحسن بن شقيق ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب.
    [أخبرنا الحسين بن واقد] .
    ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً, ومسلم, وأصحاب السنن.
    [ عن عمرو بن دينار ].
    هو عمرو بن دينار المكي ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت جابر بن عبد الله].
    وقد مر ذكره.


    خليط الرطب والزبيب


    حديث: (... لا تنبذوا الرطب والزبيب جميعاً ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ خليط الرطب والزبيب.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( لا تنبذوا الزهو والرطب، ولا تنبذوا الرطب والزبيب جميعاً ) ].


    خليط البسر والزبيب


    حديث: (نهى أن ينبذ الزبيب والبسر جميعاً ...) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ خليط البسر والزبيب.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه ( عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى أن ينبذ الزبيب والبسر جميعاً، ونهى أن ينبذ البسر والرطب جميعاً ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي خليط البسر والزبيب، وأورد فيه حديث جابر رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مشتمل على ذلك.
    قوله:[أخبرنا قتيبة].
    مر ذكره.
    [ عن الليث].
    مر ذكره.
    [ عن أبي الزبير].
    هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي, صدوق يدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    وقد مر ذكره.


    ذكر العلة التي من أجلها نهى عن الخليطين، وهي ليقوى أحدهما على صاحبه


    شرح حديث: (نهى رسول الله أن نجمع شيئين نبيذاً يبغي أحدهما على صاحبه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر العلة التي من أجلها نهى عن الخليطين، وهي ليقوى أحدهما على صاحبه.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن وقاء بن إياس عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نجمع شيئين نبيذاً يبغي أحدهما على صاحبه، قال: وسألته عن الفضيخ فنهاني عنه، قال: كان يكره المذنِّب من البسر مخافة أن يكونا ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: (ذكر العلة التي من أجلها نهى عن الخليطين، وهي ليقوى أحدهما على صاحبه)، يعني: معناه أنه يسرع إليه الإسكار، يعني: إذا كان وحده يختلف عما إذا أضيف إليه غيره، والخليطان أو الشيئان يسرع إليهما الإسكار، فأورد حديث أنس بن مالك رضي الله عنه, وفيه ذكر العلة، وهي كون أحدهما يبغي على صاحبه، بمعنى أنه يحصل من اجتماعه بصاحبه أن يسرع الإسكار إليه فيصل إلى حد المحرم، فمن أجل ذلك نهي عن هذا، وكما هو معلوم إذا تحقق أو استعمل قبل أن يحصل الإسراع فإن ذلك لا بأس به.
    قوله: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نجمع شيئين نبيذاً ).
    يعني: يجعل اثنان في وعاء ليكون نبيذاً، نهى عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تلك الأشياء التي مرت؛ خليط كذا, وخليط كذا, وخليط كذا, وخليط كذا؛ لأنها جمع بين شيئين، والعلة أنه يبغي أحدهما على صاحبه فيسرع إليه الإسكار.
    قوله: ( قال: وسألته عن الفضيخ فنهاني عنه ).
    الفضيخ هو البسر إذا قطع ونبذ، وسواء كان وحده, أو معه غيره كما عرفنا سابقاً.
    قوله: ( قال: كان يكره المذنِّب من البسر مخافة أن يكونا شيئين فكنا نقطعه ).
    (المذنب من البسر) يعني: الذي أرطب فصار جزء منه رطباً, وجزء منه زهواً، فكانوا يخشون أن يكون شيئين: رطباً وزهواً، فكانوا يقرضونه؛ يقصونه يعني: هذا المذنب الذي هو طرف البسرة التي حصل إرطابها, حتى لا يكون رطباً وبسراً؛ لئلا يكون شيئين، فكانوا يقطعونه، يعني: يقصون هذا الطرف الذي أرطب، ولا يخلطون هذا مع هذا؛ لئلا يكونوا فعلوا شيئين، أو نبذوا شيئين، وهما في الحقيقة ليسا شيئين، وإنما هو شيء واحد، ولكن هذا من باب الاحتياط, والابتعاد عن الوقوع في النهي، ولو كان للتنزيه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فكان الطرف؛ الذنب والذي حصل إرطابه يقصونه؛ حتى يكون الرطب على حدة, والبسر على حدة, أو الزهو على حدة، ولا يجعلون الذي قد صار بعضه رطباً وبعضه زهواً مع بعض؛ لئلا يكون شيئين خلطوهما، قال: فكانوا يقطعونه ويقصونه، وهذا مبالغة في اجتناب الشيء الذي نهي عنه، ولو كان على سبيل التنزيه.
    وإذا قيل: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجمع الشيئين نبيذاً، هل هو مطلق أو يقيد بما ذكر من الأنواع السابقة يعني: بسر وتمر أو بسر وزبيب؟
    نقول: الذي يبدو أنه كل الأشياء التي يسرع إليها الإسكار، يعني: مثلاً لو جمعنا الآن زبيباً ومشمشاً مثلاً أو تيناً، الذي يبدو أنه يكون مثله؛ لأن هذا يسكر, وهذا يسكر، إذا جمع بينهما يسرع إليه الإسكار, وإنما المذكور تمثيل بالأشياء التي كانت سائدة عندهم، وأشياء معروفة عندهم التي هي تمر وعنب، وما كان قبل التمر؛ الذي هو رطب وزهو وبسر، والزبيب وقبل ذلك الذي هو عنب.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله أن نجمع شيئين نبيذاً يبغي أحدهما على صاحبه ...)


    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن وقاء بن إياس ].سويد بن نصر وعبد الله مر ذكرهما، ووقاء بن إياس لين الحديث, أخرج له أبو داود في القدر, والنسائي .
    [عن المختار بن فلفل].
    صدوق، له أوهام، أخرج حديثه مسلم , وأبو داود , والترمذي , والنسائي .
    [عن أنس بن مالك].
    رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح أثر: (شهدت أنس بن مالك أتي ببسر مذنب فجعل يقطعه منه)

    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن هشام بن حسان عن أبي إدريس أنه قال: شهدت أنس بن مالك رضي الله عنه أتي ببسر مذنب، فجعل يقطعه منه ]. أورد النسائي أثر أنس: أنه أتي ببسر مذنب، يعني: قد أرطب طرفه وذنبه، وهو الطرف المقابل لأصله الذي يكون في الشمراخ؛ لأن الإرطاب يبدأ من آخره، وأما إذا كان الشيء رديئاً, أو فيه خلل, أو كذا فإنه يكون إرطابه عند أصله, فإذا أرطب عند أصله، وليس عند ذنبه لا يكون جيداً، يعني: فيه رداءة، والأصل أنه يرطب من ذنبه، يعني: الطرف المقابل لأصله، المقابل للثابت في الشمراخ.
    فجعل يقطعه منه، يعني: يقص القطعة التي حصل إرطابها، ويبقي الأصل الذي لم يرطب؛ لئلا يكون جمع بين شيئين: رطب وبسر، أو رطب وزهو.

    تراجم رجال إسناد أثر: (شهدت أنس بن مالك أتي ببسر مذنب فجعل يقطعه منه)


    قوله:[أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن هشام بن حسان].سويد بن نصر وعبد الله مر ذكرهما، وهشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إدريس].
    هو أبي إدريس البصري, وهو مقبول, أخرج حديثه النسائي وحده.
    [شهدت أنس بن مالك].
    وقد مر ذكره.

    شرح أثر: (كان أنس يأمر بالتذنوب فيقرض)


    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا سويد أنبأنا عبد الله عن سعيد بن أبي عروبة أنه قال قتادة : كان أنس رضي الله عنه يأمر بالتذنوب فيقرض ]. أورد النسائي أثراً عن أنس : [أنه كان يأمر بالتذنوب فيقرض]، يعني: وهو الجزء الذي أرطب من البسر (فيقرض) يعني: يقص، والمقصود من ذلك: ألا يكون خلطاً بين رطب وبسر وخلطاً بين رطب وزهو.

    تراجم رجال إسناد أثر: (كان أنس يأمر بالتذنوب فيقرض)


    قوله: [أخبرنا سويد أنبأنا عبد الله عن سعيد بن أبي عروبة].سويد بن نصر وعبد الله مر ذكرهما، وسعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [كان أنس].
    وقد مر ذكره.

    شرح أثر أنس: (أن أنساً كان لا يدع شيئاً قد أرطب إلا عزله عن فضيخه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن حميد عن أنس رضي الله عنه: أنه كان لا يدع شيئاً قد أرطب إلا عزله عن فضيخه ].أيضاً أورد أثراً عن أنس: [أنه كان لا يدع شيئاً أربط إلا وعزله عن فضيخه]، يعني: هذا يحتمل أن يكون يعزل الرطب عن الفضيخ؛ الذي هو البسر، أو أنه يقرض الذي أرطب، ويعزله عن أصله الذي لم يرطب، يعني: يحتمل هذا وهذا، لكن إيراده بعد الآثار السابقة يفيد بأن المقصود منه: مثلما تقدم؛ أنه كان يقرضه، ويحتمل أن يكون يعزل البسر عن الرطب.
    قوله: [ أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن حميد عن أنس ].
    قد مر ذكر الأربعة، وهذا من الأسانيد العالية، وهو موقوف.


    الترخص في إنباذ البسر وحده وشربه قبل تغيره في فضيخه.


    شرح حديث: (لا تنبذوا الزهو والرطب جميعاً... وانبذوا كل واحد منهما على حدته)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الترخص في إنباذ البسر وحده وشربه قبل تغيره في فضيخه.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد يعني: ابن الحارث حدثنا هشام عن يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لا تنبذوا الزهو والرطب جميعاً، ولا البسر والزبيب جميعاً، وانبذوا كل واحد منهما على حدته ) ].
    أورد النسائي الترجمة، وهي الترخص في إنباذ البسر وحده وشربه قبل تغيره في فضيخه, يعني: الذي هو البسر إذا نبذ قبل أن يتغير إلى الإسكار، يعني: يجوز أن ينبذ ويستعمل قبل أن يصل إلى حد الإسكار، فإن وصل إلى حد الإسكار فإنه يحرم لإسكاره، وقد أورد النسائي حديث أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: ( لا تنبذوا الزهو والرطب جميعاً, ولا البسر والزبيب جميعاً، وانبذوا كل واحد على حدة ), يعني: التمر على حدة، والبسر على حدة, والزبيب على حدة، ولكن يشرب قبل أن يصل إلى التغير الذي يكون معه الإسكار، وهو أن يشتد ويغلي, ويقذف بالزبد, ويصل إلى حد الإسكار.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تنبذوا الزهو والرطب جميعاً... وانبذوا كل واحد منهما على حدته)

    قوله:[أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ حدثنا خالد يعني: ابن الحارث ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا هشام عن يحيى ].
    هشام هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي, ويحيى هو يحيى بن أبي كثير .
    [عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه].
    وقد مر ذكرهم جميعاً.


    الرخصة في الانتباذ في الأسقية التي يلاث على أفواهها


    شرح حديث: (... لتنبذوا كل واحد منهما على حدة في الأسقية التي يلاث على أفواهها)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الرخصة في الانتباذ في الأسقية التي يلاث على أفواهها.أخبرنا يحيى بن درست حدثنا أبو إسماعيل حدثنا يحيى أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن خليط الزهو والتمر، وخليط البسر والتمر، وقال: لتنبذوا كل واحد منهما على حدة في الأسقية التي يلاث على أفواهها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الرخصة في الانتباذ في الأسقية التي يلاث على أفواهها، يعني: تربط أفواهها، يعني: سقاء يربط فمه ويشد, وهي مرخصة فيها؛ لأنها لما حرم الانتباذ في الأوعية الغليظة فإن هذه كان قد رخص فيها؛ لأن الإسكار يظهر التغير على جلدها, وعلى غلافها من الخارج؛ لأنه إذا حصل التغير من الداخل ظهر أثره على الجلد من الخارج، لكن النقير, والمزفت, والدباء, والحنتم, والأشياء الغليظة, والسميكة, هذه كانوا نهوا عنها؛ لأنه لا يظهر التغير على غلافها، وأما تلك فإنه كان رخص لهم؛ لأنه يظهر على غلافها؛ لكونها رقيقة, وغير غليظة, وغير قاسية، فيظهر على الجلد التأثر من الخارج إذا تأثر ما في الداخل، وكما هو معلوم جاء بعد ذلك نفس الانتباذ في الأوعية, وأنه ينتبذ في كل وعاء بشرط ألا يشرب الناس مسكراً كما جاء في حديث بريدة بن الحصيب الذي أخرجه مسلم في صحيحه, والذي أشرت إليه آنفاً.
    قوله: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن خليط الزهو والتمر، وخليط البسر والتمر، وقال: لتنبذوا كل واحد منهما على حدة في الأسقية التي يلاث على أفواهها).
    نعم؛ لأن هذه هي التي كان يتبين فيها الإسكار أو يتبين التغير على الغلاف من الخارج إذا حصل التغير في الداخل، وهذا لم يكن ممنوعاً، وإنما الممنوع الأشياء الغليظة، وقد عرفنا أن ذلك نسخ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( انبذوا في كل وعاء، ولكن لا تشربوا مسكراً ).

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لتنبذوا كل واحد منهما على حدة في الأسقية التي يلاث على أفواهها)


    قوله:[أخبرنا يحيى بن درست].ثقة، أخرج حديثه الترمذي , والنسائي , وابن ماجه .
    [عن أبي إسماعيل].

    هو أبو إسماعيل القناد هو إبراهيم بن عبد الملك ، وهو صدوق, في حفظه شيء، أخرج حديثه الترمذي , والنسائي .
    [ حدثنا يحيى أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه عن أبيه].
    يحيى هو يحيى بن أبي كثير وعبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قد مر ذكرهم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #499
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (496)


    - (باب الترخص في انتباذ التمر وحده) إلى (باب تحريم الأشربة المسكرة من الأثمار والحبوب كانت على اختلاف أجناسها لشاربيها)



    رخص الشرع في انتباذ التمر والزبيب والبسر بشرط عدم الإسكار, ثم بعد ذلك حرم المسكر منها، وبين أن الخمر قد يكون من غيرهما كالعسل والحنطة, وبين تعريفاً جامعاً للخمر وهو: كل ما خامر العقل سواء كان من الحبوب أو الثمار أو غيرهما.
    الترخص في انتباذ التمر وحده


    شرح حديث أبي سعيد الخدري: (نهى رسول الله أن يخلط بسر وتمر... وقال: من شربه منكم فليشرب كل واحد منه فرداً ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الترخص في انتباذ التمر وحده.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن إسماعيل بن مسلم العبدي حدثنا أبو المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخلط بسر بتمر، أو زبيب بتمر، أو زبيب ببسر، وقال: من شربه منكم فليشرب كل واحد منه فرداً؛ تمراً فرداً، أو بسراً فرداً، أو زبيباً فرداً ) ].
    يقول النسائي رحمه الله: (الترخص في انتباذ التمر وحده)، لما ذكر في التراجم السابقة ذكر الخليطين من أصناف من الثمار، وأن ذلك منهي عنه، ذكر في هذه الترجمة: الترخص في انتباذ التمر وحده، أي: أن انتباذ التمر وحده يسوغ أن يتخذ، ولكن كما هو معلوم لابد من استعماله قبل أن يصل إلى حد الإسكار، أما إذا وصل إلى حد الإسكار، فسواء كان من صنف واحد, أو من صنفين مخلوطين مع بعضهما، والحد الفاصل هو الإسكار وعدمه، فإذا وصل إلى حد الإسكار, فإنه يحرم سواءً كان من جنس أو جنسين، وسواءً كان مخلوطاً مع غيره أو مفرداً لم يخلط معه غيره، وإذا لم يصل إلى حد الإسكار, فإنه يجوز استعماله ويحل استعماله. (وقد أورد النسائي: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: [( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلط بسر بتمر أو زبيب بتمر أو زبيب ببسر، وقال: من شربه منكم فليشرب كل واحد منه فرداً )] يعني: أنه بين النهي عن الخلط وأباح استعمال ذلك على سبيل الانفراد أي: التمر وحده أو البسر وحده أو الزبيب وحده، لكن كما هو معلوم لابد من قيد إباحة الشرب بأن يكون غير مسكر، أما إن كان مسكراً أو وصل إلى حد الإسكار, فإنه يحرم سواءً كان وحده أو كان معه غيره.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري: (نهى رسول الله أن يخلط بسر وتمر... وقال: من شربه منكم فليشرب كل واحد منه فرداً ...)


    قوله:[أخبرنا سويد بن نصر [.هو سويد بن نصر المروزي ثقة، أخرج حديثه الترمذي , والنسائي .
    [أخبرنا عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي ,ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ إسماعيل بن مسلم العبدي].
    ثقة، أخرج مسلم , والترمذي, والنسائي .
    [عن أبي المتوكل ].
    هو أبو المتوكل الناجي علي بن داود الناجي , وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سعيد].
    وأبو سعيد الخدري هو: سعد بن مالك بن سنان الخدري, صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة, وابن عمر, وابن عباس, وأبو سعيد, وأنس, وجابر, وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    حديث أبي سعيد الخدري: (نهى أن يخلط بسراً بتمر... وقال: من شرب منكم فليشرب كل واحد منه فرداً) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا أحمد بن خالد حدثنا شعيب بن حرب حدثنا إسماعيل بن مسلم حدثنا أبو المتوكل الناجي حدثني أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يخلط بسراً بتمر، أو زبيباً بتمر، أو زبيباً ببسر، وقال: من شرب منكم فليشرب كل واحد منه فرداً )، قال أبو عبد الرحمن : هذا أبو المتوكل اسمه علي بن داود ]. أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله:[أخبرنا أحمد بن خالد ].
    هو أحمد بن خالد الخلال ، وهو ثقة, أخرج حديثه الترمذي , والنسائي .
    [ حدثنا شعيب بن حرب].
    ثقة, أخرج حديثه البخاري , وأبو داود , والنسائي .
    [ حدثنا إسماعيل بن مسلم حدثنا أبو المتوكل الناجي حدثني أبو سعيد الخدري ].
    وقد مر ذكر الثلاثة.
    انتباذ الزبيب وحده


    شرح حديث أبي هريرة: (نهى رسول الله أن يخلط البسر والزبيب... وقال: انبذوا كل واحد منهما على حدة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ انتباذ الزبيب وحده.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن عكرمة بن عمار حدثنا أبو كثير سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخلط البسر والزبيب، والبسر والتمر، وقال: انبذوا كل واحد منهما على حدة ) ].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: انتباذ الزبيب وحده، يعني: مثلما قيل في التمر يقال في الزبيب؛ أن التمر ينتبذ وحده, والزبيب ينتبذ وحده، ولكن كما هو معلوم: لا بد في كل شيء ينتبذ وحده, أو معه غيره أنه لا يحل شربه إذا وصل إلى حد الإسكار، ويجوز شربه إذا لم يسكر.
    وقد أورد النسائي:حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو مثل حديث أبي سعيد المتقدم: [أنه نهى عن انتباذ الزبيب مع البسر والزبيب مع التمر، وقال: (انبذوا كل واحد منهما على حدة)] يعني: من هذين اللذين نهيا عن جمعهما.
    وقد عرفنا في الدرس الماضي: أن الحكمة في النهي عن جمع الشيئين؛ لأنه يسرع الإسكار إلى هذا الذي تكون من شيئين، ولكنه إذا انتبذ وحده أو انتبذ ومعه غيره ولم يصل إلى حد الإسكار فهو حلال، وإن وصل إلى حد الإسكار فهو حرام.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (نهى رسول الله أن يخلط البسر والزبيب... وقال: انبذوا كل واحد منهما على حدة)

    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن عكرمة بن عمار].سويد بن نصر وعبد الله بن المبارك المروزيان مر ذكرهما، وعكرمة بن عمار صدوق يغلط، وأخرج حديثه البخاري تعليقاً, ومسلم , وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا أبو كثير].
    هو يزيد بن عبد الرحمن السحيمي, وهو ثقة, أخرج له البخاري في الأدب المفرد, ومسلم , وأصحاب السنن الأربعة.
    [سمعت أبا هريرة [.
    هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي, صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.
    الرخصة في انتباذ البسر وحده


    شرح حديث أبي سعيد الخدري:( أن النبي نهى أن ينبذ التمر والزبيب... وقال: انتبذوا الزبيب فرداً ... والبسر فرداً) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الرخصة في انتباذ البسر وحده.أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار حدثنا المعافى يعني: ابن عمران عن إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن ينبذ التمر والزبيب، والتمر والبسر، وقال: انتبذوا الزبيب فرداً، والتمر فرداً، والبسر فرداً )، قال أبو عبد الرحمن : أبو كثير اسمه يزيد بن عبد الرحمن ].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: (الرخصة في انتباذ البسر وحده)، وهذا مثل الترجمتين السابقتين بالنسبة للتمر والزبيب، يعني: يقال هنا ما قيل هناك. وقد أورد النسائي: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو مثلما تقدم.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري:( أن النبي نهى أن ينبذ التمر والزبيب... وقال: انتبذوا الزبيب فرداً ... والبسر فرداً) من طريق ثالثة

    قوله:[أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار].هو محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي, وهو ثقة, أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن المعافى يعني: ابن عمران].
    هو الموصلي أيضاً، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري , وأبو داود , والنسائي .
    [عن إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري].
    وقد مر ذكر الثلاثة.
    قوله: [قال أبو عبد الرحمن : أبو كثير اسمه يزيد بن عبد الرحمن].
    هذا بيان لهذا الشخص الذي ذكر بكنيته ذكر اسمه مثلما ذكر أيضاً في أبي المتوكل الذي قبله حيث قال: هو علي بن داود ، يعني: أنه توضيح لصاحب الكنية هذا الذي اشتهر بكنيته ذكر اسمه.
    تأويل قول الله تعالى: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً)


    شرح حديث: (الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تأويل قول الله تعالى: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا [النحل:67].أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن الأوزاعي حدثني أبو كثير ح وأخبرنا حميد بن مسعدة عن سفيان بن حبيب عن الأوزاعي حدثنا أبو كثير سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( الخمر من هاتين )، وقال سويد : ( في هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تأويل قول الله عز وجل: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا [النحل:67]، هذه الآية الكريمة فيها ذكر أن الله عز وجل جعل من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة؛ أن الناس يأخذون منهما ما يكون رزقاً حسناً، وما يكون سكراً، أي: يتخذ منه ما يصل إلى حد الإسكار. وقيل: وهذا يدل على أن ذلك كان مباحاً، يعني: قبل أن ينزل التحريم.
    ومن المعلوم أنهم كانوا يشربون الخمر ولم يكونوا نهوا عن ذلك، ولما نزل النهي على درجات، ووصلهم الخبر أو وصل بعضهم الخبر, كما مر بنا في حديث أنس بن مالك (تركوا وأكفئوا ما كان معهم مما كانوا يشربونه من المسكر)، قيل: إن هذه الآية فيها ذكر الامتنان الله عز وجل على الناس لما يتخذونه من هاتين الشجرتين، ولكنه حرم بعد ذلك ما يتعلق بالسكر الذي هو المسكر، وبقي الرزق الحسن الذي هو حلال، وهو ما كان يابساً من هاتين الشجرتين كالتمر والزبيب، أو ما كان اتخذ منه وهو غير مسكر، مثل العنب, ومثل الدبس, الذي يتخذ من التمر، وكذلك غير ذلك مما يستفاد من هاتين الشجرتين مما لم يصل إلى حد الإسكار، ثم إنه نزل تحريم الخمر من هاتين الشجرتين ومن أي شيء كان من الثمار, والمأكولات, والمطعومات إذا كان يصل إلى حد الإسكار، حرم ذلك، وبقي الحكم محرماً، وصار عليه الحد الذي جاء بيانه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة عدة أحاديث منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة ) وقال سويد : في هاتين، أي الشجرتين، والمقصود من ذلك: ليس الحصر، ولكن هذا هو الذي كان مشهوراً، وهو الذي نص عليه في القرآن: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ [النحل:67] ولكن لا يعني: أن الرزق الحسن لا يكون إلا من هاتين الشجرتين، والسكر لا يكون إلا من هاتين الشجرتين، بل الرزق الحسن يكون من غيرهما كالتجارة وغير ذلك، والحرفة والأعمال السائغة المشروعة، والخمر أو السكر أو المسكر يكون من غير هاتين الشجرتين، كما جاء في السنة في الأحاديث الأخرى التي فيها ذكر العسل, وذكر الشعير وذكر الحنطة، وما إلى ذلك من الأشياء.
    والحاصل: أن السكر لا ينحصر خراجه من الشجرتين؛ النخلة والعنبة، وكذلك الرزق الحسن لا يكون منهما فقط، وإنما السكر يكون منهما ومن غيرهما، والرزق الحسن يكون فيهما وفي غيرهما.
    تراجم رجال إسناد حديث: (الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة)


    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن الأوزاعي]. سويد بن نصر وعبد الله قد مر ذكرهما، والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي ثقة, فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي كثير].
    هو يزيد بن عبد الرحمن السحيمي وقد مر ذكره.
    [(ح) وأخبرنا حميد بن مسعدة].
    ثم قال: (ح) وهي: للتحول من إسناد إلى إسناد، وحميد بن مسعدة البصري وهو صدوق, أخرج حديثه مسلم, وأصحاب السنن.
    [عن سفيان بن حبيب].
    ثقة, أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد, وأصحاب السنن.
    [عن الأوزاعي حدثنا أبو كثير سمعت أبا هريرة].
    وقد مر ذكرهم.
    شرح حديث: (الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا ابن علية حدثنا الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو كثير عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة ) ].وفي هذا الحديث: دليل على أن الخمر تكون من غير العنب؛ لأنه قال: من هاتين الشجرتين ولم يقتصر على العنب، بل ذكر العنب والنخل، وفي هذا دليل: على أن الخمر ليست خاصة بالعنب, كما يقوله فقهاء الكوفة الذين يقولون: الخمر هو ما كان من العنب، وهو الذي يحرم كثيره وقليله، وتكون الخمر أيضاً من غير العنب، ولكن كثيره الذي يسكر يحرم، وقليله الذي لا يسكر يكون حلالاً، فإن كل ما أسكر كثيره فقليله حرام ,كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالحديث بين على أن الخمر يكون من هذه ومن هذه، وأنها تطلق على هذا وعلى هذا، والحديث نص في هذا؛ لأنه قال: إن الخمر تكون ( من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة ).
    إذاً: هذا فيه بيان عدم صحة ما قاله فقهاء الكوفة: من أن الخمر إنما هي اسم لما يكون من العنب، وهو الذي يحرم قليله وكثيره، بل الخمر تكون من العنب وغير العنب، (وكل ما أسكر كثيره فقليله حرام) من أي نوع كان، ولا يختص التحريم في القليل, أو الكثير في العنب فقط، ثم ما عدى ذلك ما أسكر حرم وما لم يسكر يحل، ليس هذا بصحيح، بل الصحيح ما عليه جمهور الفقهاء وجمهور العلماء على أن (ما أسكر كثيره فقليله حرام) من أي نوع كان، وهذا فيه: من تحريم الوسائل التي تؤدي إلى الغايات المحرمة؛ لأنه وإن لم يسكر القليل, فإنه وسيلة إلى استعمال الكثير، مادام الكثير يسكر فاستعمال القليل قد يؤدي إلى الإسكار، وحرمت الوسيلة من أجل الغاية.
    تراجم رجال إسناد حديث: (الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا زياد بن أيوب].ثقة, أخرج حديثه البخاري , وأبو داود , والترمذي , والنسائي .
    [ حدثنا ابن علية ].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم, المشهور بـابن علية ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الحجاج الصواف].
    هو الحجاج بن أبي عثمان الصواف ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبو كثير عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما.
    شرح أثر الشعبي وإبراهيم النخعي: (السكر خمر)


    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن شريك عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي قالا: السكر خمر ]. أورد النسائي هذا الأثر عن الشعبي, وعن إبراهيم النخعي أنهما قالا: [السكر خمر]، يعني: المراد بالسكر هو: الخمر، والخمر حرام، لكنها قبل ذلك لم تكن محرمة، وكان الصحابة يشربونها، وكان ذلك مشهوراً عنهم، ولم يمنعوا من ذلك حتى نزل التحريم.
    تراجم رجال إسناد أثر الشعبي وإبراهيم النخعي: (السكر خمر)

    قوله:[ أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله].وقد مر ذكرهما.
    [عن شريك].
    هو شريك بن عبد الله النخعي القاضي ، وهو صدوق, يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً, ومسلم , وأصحاب السنن.
    [عن مغيرة].
    هو مغيرة بن مقسم الكوفي, وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم].
    هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشعبي].
    هو عامر بن شراحيل الشعبي, ثقة, فقيه, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر سعيد بن جبير: (السكر خمر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سفيان عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير أنه قال: السكر خمر].أورد النسائي الأثر عن سعيد بن جبير ، وهو مثلما تقدم عن النخعي والشعبي .
    تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن جبير: (السكر خمر)

    قوله: [ أخبرنا سويد قال: أخبرنا عبد الله عن سفيان].سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حبيب بن أبي عمرة ].
    ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة, إلا أبا داود ففي الناسخ والمنسوخ.
    [ عن سعيد بن جبير ].
    ثقة, فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    أثر سعيد بن جبير: (السكر خمر) من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن حبيب وهو: ابن أبي عمرة عن سعيد بن جبير أنه قال: السكر خمر ].أورد النسائي الأثر عن سعيد بن جبير وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي ، وهو ثقة, وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة, إلا ابن ماجه.
    [أخبرنا جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير].
    وقد مر ذكرهما.
    شرح أثر سعيد بن جبير: (السكر خمر) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد قال: أخبرنا عبد الله عن سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير أنه قال: السكر حرام، والرزق الحسن حلال]. أورد النسائي الأثر عن سعيد بن جبير: [السكر حرام والرزق الحسن حلال]، السكر الذي هو: المسكر هو حرام، وقد نزل تحريمه، وقبل ذلك لم يكن محرماً، بل كان مباحاً، ولكنه حرم بعد ذلك، فصار الحكم المستقر أن [السكر حرام والرزق الحسن حلال].
    تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن جبير: (السكر خمر) من طريق ثالثة

    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سفيان عن أبي حصين].سويد وعبد الله وسفيان قد مر ذكرهم، وأبو حصين هو عثمان بن عاصم, وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن جبير ].
    وقد مر ذكره.
    ذكر أنواع الأشياء التي كانت منها الخمر حين نزل تحريمها


    شرح أثر عمر: (... نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة: من العنب ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر أنواع الأشياء التي كانت منها الخمر حين نزل تحريمها.أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية حدثنا أبو حيان حدثنا الشعبي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت عمر رضي الله عنه يخطب على منبر المدينة فقال: أيها الناس ألا إنه نزل تحريم الخمر يوم نزل، وهي من خمسة: من العنب, والتمر, والعسل, والحنطة, والشعير، والخمر ما خامر العقل ].
    أورد النسائي هذه الترجمة, وهي: الأشياء التي كانت منها الخمر حين نزل تحريمها، يعني: التي كان الناس يتعاطونها، وكان منها الخمر فيما اشتهر بين الناس، وهذا لا يعني: أن الخمر منحصرة فيها، بل تكون في كل ما يحصل منه الإسكار من أي شيء كان، لكن هذا ذكر ما كان مستعملاً, وما كان موجوداً وما كان معروفاً عندهم في ذلك الوقت.
    ثم أورد النسائي: [أثر عمر رضي الله عنه وهو يخطب على منبر المدينة]، أي: منبر هذا المسجد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ أيها الناس ألا إنه نزل تحريم الخمر يوم نزل، وهي من خمسة], يعني: الذي كان موجوداً، وهذا لا يعني انحصار الحكم فيها؛ لأن الحكم أنيط بالإسكار، وقد جاءت أحاديث عامة تدل على أن (ما أسكر كثيره فقليله حرام)، إذاً القضية لا ترتبط في أصناف معينة، ولكن هذه أمثلة وهي لشيء معروف موجود حين نزول تحريم الخمر عند الناس، ولكن الحكم عام, وشامل لكل ما يحصل منه الإسكار, من أي شيء كان، سواءً كان من هذه الخمسة, أو من غيرها، وسواءً كان سائلاً, أو جامداً, أو مسحوقاً, أو ما إلى ذلك, كل ذلك حرام, (ما أسكر كثيره فقليله حرام).
    قوله: [من العنب والتمر].
    وهذا هو الذي مر في الروايات الكثيرة السابقة التي فيها ذكر الزبيب, وذكر العنب, وذكر البسر, وذكر الزهو، وذكر الرطب, وذكر التمر، كل هذه أصناف لهاتين الشجرتين، اللتين هما: العنبة والنخلة؛ لأن العنبة: منها الزبيب والعنب، والنخلة: منها البسر والزهو، والرطب والتمر.
    قوله: [والعسل والحنطة والشعير].
    وهذه أصناف ثلاثة أخرى, غير ما تقدم في الأحاديث الكثيرة التي مرت في هذا الدرس والدرسين الماضيين, من ذكر ما يتعلق بالتمر, والزبيب, والزهو, والعنب, والرطب, والبسر، وما يخلط ويخرج وما إلى ذلك.., كل ما تقدم يتعلق في هاتين الشجرتين.
    قوله: [والخمر ما خامر العقل].
    يعني: أن هذه هي الخمر التي كانت مشهورة عند الناس، ولكن الخمر هو: ما خامر العقل يعني: من أي نوع كان، سواء كان من هذه الخمس التي كانت معروفة عند نزول آية التحريم, أو غيرها؛ لأن الخمرة هي: مأخوذة من التغطية، وهو كل ما يغطي العقل ويحجبه, ويجعل صاحبه أشبه ما يكون بالمجانين, ويخرجه من جملة العقلاء.
    تراجم رجال إسناد أثر عمر: (... نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة: من العنب ...)


    قوله:[ أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ].هو الدورقي ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، روى عنهم مباشرة وبدون واسطة.
    [ عن ابن علية حدثنا أبو حيان].
    ابن علية مر ذكره، وأبو حيان هو يحيى بن سعيد التيمي أبو حيان مشهور بكنيته، وهو من طبقة يحيى بن سعيد الأنصاري, وقد سبق أن ذكرت فيما مضى أن من يسمى يحيى بن سعيد يطلق على أربعة أشخاص، اثنان في طبقة, واثنان في طبقة، فـيحيى بن سعيد الأنصاري ويحيى بن سعيد التيمي هذا في طبقة متقدمة، وهي: طبقة صغار التابعين، أما يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن سعيد الأموي فهما متأخران, يعني: في طبقة متأخرة عن هذين وهي: طبقة شيوخ شيوخ البخاري , وطبقة صغار التابعين: يحيى بن سعيد التيمي هذا الذي معنا أبو حيان المشهور بكنيته، ويحيى بن سعيد الأنصاري.
    [حدثنا الشعبي عن ابن عمر].
    الشعبي مر ذكره، وابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وهم: ابن عمر, وابن عمرو , وابن عباس , وابن الزبير ، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [عن عمر بن الخطاب].
    رضي الله تعالى عنه، هو أمير المؤمنين, وثاني الخلفاء الراشدين, الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وفي خطبة عمر رضي الله عنه في هذا البيان الذي بينه في خطبته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ما يدل على عناية الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم, بإبلاغ السنن وإعلانها على المنابر, وتبليغها للناس، وأنهم يبينون للناس الأحكام الشرعية, وما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في خطبهم على المنابر، فهو دال على فضلهم, وعلى نصحهم أي: الصحابة، وعنايتهم ببيان السنن، حيث يبينونها على سبيل العموم وعلى سبيل الخصوص؛ على سبيل العموم حيث يخطبون بها على المنابر، وعلى سبيل الخصوص حيث يحذر الشخص شخصاً آخر.
    أثر عمر: (... نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة: العنب...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن إدريس عن زكريا وأبي حيان عن الشعبي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أما بعد: فإن الخمر نزل تحريمها، وهي من خمسة: من العنب, والحنطة, والشعير, والتمر, والعسل ]. أورد النسائي الأثر عن عمر رضي الله عنه، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [ أخبرنا محمد بن العلاء].
    هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا ابن إدريس].
    هو عبد الله بن إدريس الأودي ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن زكريا ].
    هو زكريا بن أبي زائدة, وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي حيان] .
    هو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا.
    [ عن الشعبي عن ابن عمر عن عمر ].
    وقد مر ذكرهم.
    شرح أثر ابن عمر: (الخمر من خمسة: من التمر...)

    قال: [ أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن أبي حصين عن عامر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: الخمر من خمسة: من التمر, والحنطة, والشعير, والعسل, والعنب ]. أورد النسائي الأثر: عن ابن عمر وهو في الرواية السابقة يرويه عن أبيه، وأنه خطب بذلك على المنابر. والمقصود من ذلك: بيان أنها من خمسة ليس الحصر، ولكن بيان ما هو موجود ومتداول عند نزول آية الخمر، كما جاء ذلك مبيناً في روايته عن أبيه، كالروايتين السابقتين.
    فقوله: [الخمر من كذا وكذا] التي هي خمسة ليس المقصود فيها الحصر، وإنما بيان الواقع الذي كان سائداً وكان معروفاً ومشهوراً وموجوداً عند نزول تحريم الخمر.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن عمر: (الخمر من خمسة: من التمر...)


    قوله: [ أخبرنا أحمد بن سليمان] .هو أحمد بن سليمان الرهاوي ، وهو ثقة, أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ حدثنا عبيد الله].
    هو ابن موسى الكوفي ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن إسرائيل] .
    هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي حصين عن عامر ].
    أبو حصين قد مر ذكره , وعامر هو عامر الشعبي ، لأنه يأتي بذكر اسمه أحياناً, ويأتي بنسبته أحياناً، ومعرفة أسماء أصحاب الكنى, أو أصحاب النسب من الأمور المهمة؛ لأنه إذا لم يعرف الإنسان ذلك يظن أنه إذا جاء عامر في إسناد والشعبي في إسناد أن عامر غير الشعبي ، لكن من يعرف أن عامر هو الشعبي ، فسواء جاء باسمه عامر ، أو جاء بنسبته الشعبي لا يلتفت على ذلك، لا يظن الشخص الواحد شخصين، وهذا مثل: سليمان والأعمش ، يأتي ذكر الأعمش بلقبه وباسمه، أحياناً، فأحياناً يأتي سليمان وأحياناً يقال الأعمش .
    [ عن ابن عمر] .
    وقد مر ذكره.
    تحريم الأشربة المسكرة من الأثمار والحبوب كانت على اختلاف أجناسها لشاربيها


    شرح أثر: (... وأشهد الله عليك أنهاك عن المسكر قليله وكثيره ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ تحريم الأشربة المسكرة من الأثمار والحبوب كانت على اختلاف أجناسها لشاربيها.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن ابن عون عن ابن سيرين أنه قال: جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: إن أهلنا ينبذون لنا شراباً عشياً، فإذا أصبحنا شربنا، قال: أنهاك عن المسكر قليله وكثيره، وأشهد الله عليك أنهاك عن المسكر قليله وكثيره، وأشهد الله عليك أن أهل خيبر ينتبذون شراباً من كذا وكذا، ويسمونه كذا وكذا، وهي الخمر (وإن أهل فدك ينتبذون شراباً من كذا وكذا، ويسمونه كذا وكذا، وهي الخمر), حتى عد أشربةً أربعةً, أحدها العسل ].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: (تحريم الأشربة المسكرة من الأثمار والحبوب كانت على اختلاف أجناسها لشاربيها)، المقصود من هذه الترجمة: هو بيان جملة من الأشياء التي تتخذ منها الخمر وهي حرام، وليس المقصود بذلك: الحصر في هذه الأشياء الأربعة التي جاء ذكرها في الحديث حديث ابن عمر المتقدم.
    وهنا جاء رجل إلى ابن عمر وقال: [إن أهلنا ينبذون شراباً العشي ونشربه في الصباح، فقال: أنهاك عن المسكر قليله وكثيره وأشهد الله عليك]؛ لأنه لما قال: [ينبذون كذا العشي ويعطونه الصباح]، ما قال: إن هذا حرام، وإنما بين أن التحريم يكون بالمسكر؛ لأنه إذا كانت الفترة قليلة, والفترة وجيزة ولا يصل إلى حد الإسكار لا يكون مسكراً ويجوز استعماله، وإنما الممنوع أن يصل إلى حد الإسكار، وهو رضي الله عنه أتى بالشيء المحرم الذي هو منوط بعلة، وأنه لا فرق بين القليل والكثير, بالنسبة للمسكر، لا فرق بين القليل والكثير بالنسبة للمسكر، سواء أسكر القليل أو أسكر الكثير فهو حرام، وما أسكر كثيره فإن قليله وإن لم يسكر يكون حراماً؛ لأنه وسيلة إلى استعمال المسكر الكثير الذي يسكر كثيراً، ثم قال: [إن أهل خيبر ينتبذون شراباً من كذا وكذا ويسمونه كذا وكذا، وأن أهل فدك ينتبذون شراباً من كذا وكذا, ويسمونه كذا وكذا، ثم ذكر أجناساً أربعة وفيها العسل].
    والمقصود: أن هذه الأشياء الأربعة التي ذكرها وهي من الحبوب والثمار, أنها هي من الخمر، ولكن الحكم هو هذا الحكم العام الذي ذكره عبد الله بن عمر رضي الله عنه لهذا الرجل الذي سأله وقال: [أنهاك عن المسكر قليله وكثيره وأشهد الله عليه]، فبين تحريم المسكر، سواء كان قليلاً أو كثيراً، وسواء أسكر كثيره ولم يسكر قليله, فإنه يكون ممنوعاً ومحرماً، ثم قال: [وأشهد الله عليك]، يعني: أنني قد بلغتك، فهذا فيه زيادة في التأكيد في تأكيد الإبلاغ، وبيان خطورة هذا الشيء الذي بلغ إياه، وبين له أنه حرام وأشهد الله عليه، حيث كلمه (بذلك)، هذا فيه زيادة في التأكيد, وفي التغليظ, والتخويف, والزجر؛ لأنه يقول: أنهاك عن كذا وأشهد الله عليك أني نهيتك، وأنك قد علمت أن هذا محرم، وأنه لا يجوز لك أن تتعاطى ذلك؛ لأنني قد بلغتك وأشهدت الله على أنني بلغتك، فهذا فيه زجر, وفيه تخويف، وفيه تحذير، وتنفير, من أن يقع في أمر محرم علم حرمته، ومن أبلغه بالتحريم أشهد الله عليه بأنه قد بلغه.
    تراجم رجال إسناد أثر: (... وأشهد الله عليك أنهاك عن المسكر قليله وكثيره ...)


    قوله: [ أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن ابن عون] .عبد الله هو ابن المبارك وابن عون هو عبد الله بن عون ، وهو ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن سيرين ].
    هو محمد بن سيرين البصري, ثقة, أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عمر].
    وقد مر ذكره.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #500
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (497)


    - باب إثبات اسم الخمر لكل مسكر من الأشربة - باب تحريم كل شراب أسكر



    الخمر هو ما خامر العقل سواء كان من الحبوب أو الثمار أو غيرهما، فيطلق اسم الخمر على كل مسكر، وقد بين نبينا أن كل مسكر حرام.
    إثبات اسم الخمر لكل مسكر من الأشربة


    شرح حديث ابن عمر: (كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ إثبات اسم الخمر لكل مسكر من الأشربة.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر ) ].
    يقول النسائي رحمه الله: (إثبات اسم الخمر لكل مسكر من الأشربة)، المقصود من هذه الترجمة أن اسم الخمر يطلق على كل مسكر من أي نوع كان، سواء كان من العنب أو من التمر أو من الزبيب أو من الشعير أو من الحنطة أو من العسل، أو من أي شيء كان، وسواء كان سائلاً أو جامداً أو مسحوقاً، أو ما إلى ذلك، مادام أن وصف الإسكار موجود فإن اسم الخمر يطلق عليه؛ لأن الخمر هي مأخوذة من التغطية أو الغطاء، والإسكار فيه تغطية العقل.
    وإذاً: فكل ما يغطي العقل فإنه يقال له خمر، ولا يقتصر الاسم على نوع معين من الأنواع، بل إنه يعم كل شيء يغطي العقل ويحجبه ويستره، حتى يكون صاحبه ليس من العقلاء، وإنما هو من جملة المجانين، فاسم الخمر يطلق على كل مسكر؛ لأن الإسكار فيه تغطية العقل، فإذاً: كل ما فيه تغطية العقل وحجبه بحيث صاحبه يكون شبيهاً بالمجانين مجنوناً أو شبيهاً بالمجنون فإنه يقال له خمر.
    ثم أورد النسائي عدة أحاديث أولها حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( كل مسكر حرام وكل مسكر خمر )، فهذا الحديث مشتمل على جملتين، وهما قاعدتان، أو هما شيئان عامان، كل واحد منهما يدل على العموم، أما الجملة الأولى وهي: كل مسكر حرام، فتدل على تحريم كل مسكر، وأن وصف الإسكار يحصل معه التحريم، كلما وجد الإسكار وجد التحريم لذلك الذي يسكر، وأما الجملة الثانية فهي في التسمية والإطلاق، فكل مسكر خمر، يعني: أنه يطلق على كل مسكر أنه خمر.
    فإذاً: الجملة الأولى تتعلق ببيان الحكم الذي هو التحريم لكل مسكر، والثانية تتعلق في إطلاق اسم الخمر على كل مسكر دون تقييده بنوع من الأنواع وتخصيصه بشيء من الأشياء، وهذه من القواعد العامة في الشريعة، ومن العموميات، والشريعة تأتي بالقضايا العامة والأمور العامة التي يدخل تحتها ما كان معروفاً وما يجد مما ليس بمعروف، ولكنه يشترك مع ما هو معروف؛ لأنه يحجب العقل ويستره، فيشترك معه في الحكم الذي هو التحريم؛ لأن علة التحريم هي الإسكار، فكلما وجد الإسكار وجد التحريم، كلما وجد الإسكار في أي شراب أو أي مطعوم فإنه يطلق عليه خمر ويكون حكمه التحريم.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر)

    قوله:[ أخبرنا سويد بن نصر ].هو سويد بن نصر المروزي ، وهو ثقة أخرج حديثه الترمذي والنسائي .
    [أخبرنا عبد الله] .
    هو عبد الله بن المبارك المروزي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حماد بن زيد ].
    هو حماد بن زيد بن درهم البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا أيوب ].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن نافع] .
    هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر]
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، صحابي ابن صحابي أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، والعبادلة الأربعة كلهم من أبناء الصحابة، صحابة أبناء صحابة: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير ، فهم صحابة أبناء صحابة، ولقب العبادلة الأربعة يطلق على هؤلاء من الصحابة، وإن كان من يسمى عبد الله كثير في الصحابة؛ إلا أن اللقب يطلق على هؤلاء الأربعة، إذا قيل: العبادلة الأربعة، وهو -أي ابن عمر- أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    حديث ابن عمر: (كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسين بن منصور بن جعفر حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر )، قال الحسين : قال أحمد : وهذا حديث صحيح ].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنهما من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله: (كل مسكر حرام وكل مسكر خمر)، فهو مثل المتن الذي قبله تماماً.
    قوله:[ أخبرنا الحسين بن منصور بن جعفر].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري والنسائي .
    [ حدثنا أحمد بن حنبل ].
    أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الرحمن بن مهدي] .
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر] .
    وقد مر ذكر الأربعة في الإسناد الذي قبل هذا، ثم قال بعد ذلك: قال الحسين ، أي: شيخ النسائي ، الحسين بن منصور بن جعفر ، قال أحمد : يعني: يحكي عن شيخه الإمام أحمد في هذا الإسناد: أنه قال: هذا حديث صحيح، أي: أن الإمام أحمد بن حنبل الذي يروي عن الحسين بن منصور هذا الحديث قال عنه الإمام أحمد أي عن هذا الحديث: وهذا حديث صحيح، وهذا من الأمثلة التي تذكر بالتصحيح، وحصول التصحيح من الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
    وسبق أن سئلت هنا عن الإمام أحمد هل هو يصحح أو يأتي عنه الأحكام على الأحاديث وعلى الأسانيد؟ وكنت في ذهني حديث ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في آداب المشي إلى الصلاة، وعزا تجويد إسناده إلى الإمام أحمد حيث قال: ولا يمشى بالنعل في المقبرة للحديث، قال أحمد : وإسناده جيد، يعني: الحديث الذي في المشي بالنعل في المقبرة، والحديث سبق أن مر بنا في سنن النسائي ، حديث صاحب السبتيتين، يعني: النعلين، السبتيتين، فهذا مما يذكر مما جاء عن الإمام أحمد في تصحيحه.
    شرح حديث ابن عمر: (كل مسكر خمر) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن درست حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كل مسكر خمر ) ].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه الاقتصار على إحدى الجملتين السابقتين، وهو: (كل مسكر خمر)، وهذا هو المقصود من إثبات الترجمة؛ لأن الترجمة هنا إثبات اسم الخمر على كل ما أسكر من الأشربة، فالحديث جاء عن ابن عمر مختصراً في بعض الطرق كهذه الطريق، ومطولاً ومشتملاً على الجملتين كما في الطريقين السابقين لهذه الطريق.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (كل مسكر خمر) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا يحيى بن درست] .ثقة، أخرج حديثه الترمذي وابن ماجه.
    [حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ].
    حماد هو ابن زيد ، وأيوب ونافع وابن عمر قد مر ذكرهم.
    حديث ابن عمر: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن ميمون حدثنا ابن أبي رواد حدثنا ابن جريج عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام ) ].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مشتمل على الجملتين، والكلام فيه كما تقدم.
    قوله: [أخبرني علي بن ميمون] .
    هو علي بن ميمون الرقي ، وهو ثقة أخرج حديثه النسائي وابن ماجه .
    [حدثنا ابن أبي رواد] .
    هو عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، وهو صدوق يخطئ أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
    [حدثنا ابن جريج ].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أيوب عن نافع عن ابن عمر] .
    وقد مر ذكر الثلاثة.
    حديث ابن عمر: (كل مسكر حرام ، وكل مسكر خمر) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر ) ].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله] .
    سويد هو ابن نصر أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك وقد مر ذكرهما.
    [ عن محمد بن عجلان] .
    هو محمد بن عجلان المدني وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
    [ عن نافع عن ابن عمر] .
    وقد مر ذكرهما.
    تحريم كل شراب أسكر


    شرح حديث ابن عمر: (كل مسكر حرام) من طريق سادسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ تحريم كل شراب أسكر.أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( كل مسكر حرام ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: (تحريم كل شراب أسكر)؛ لأن التراجم السابقة تتعلق بشمول اسم الخمر لكل مسكر، وهنا هذه الترجمة تتعلق بشمول التحريم لكل مسكر، يعني: أن التحريم الذي هو الحكم بالحرمة يكون لكل مسكر، والترجمة السابقة: إثبات أن الخمر تطلق على كل مسكر، فكل مسكر فهو خمر، وكل مسكر فهو حرام، فالمقصود من الترجمات السابقة إثبات اسم الخمر لكل مسكر من أي نوع كان، وقد مر ذكر الأحاديث حديث ابن عمر من طرق متعددة، وفيه أو في كل الطرق السابقة ذكر تحريم كل مسكر وإطلاق الخمر على كل مسكر، إلا في موضع واحد فإنه جاء أو إطلاق الخمر على كل مسكر، ثم أتى بهذه الترجمة إثبات ما دلت عليه الطرق السابقة؛ وهو أن كل ما يسكر يكون حكمه التحريم، يعني: لا يجوز شربه ولا يجوز تعاطيه، وقد أورد حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( كل مسكر حرام )، يعني: أن كل ما وجد فيه الإسكار فإنه يكون حراماً، قاعدة عامة شاملة لا يخرج عنها أي مسكر، بل يدخل فيها كل مسكر من أي نوع كان، سواء كان مطعوماً أو مشروباً أو غليظاً أو جامداً أو سائلاً، مادام وجد الإسكار فإنه يحصل التحريم. نعم.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (كل مسكر حرام) من طريق سادسة

    قوله:[ أخبرنا محمد بن المثنى] .هو أبو موسى العنزي، الملقب الزمن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا يحيى بن سعيد ].
    هو القطان البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محمد بن عمرو ].
    هو ابن علقمة بن وقاص الليثي ، وهو صدوق له أوهام أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي سلمة ].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن المدينة اشتهر فيها في عصر التابعين سبعة أشخاص محدثون فقهاء، اشتهروا بلقب الفقهاء السبعة، ولهذا يأتي في بعض المسائل، إذا كان هؤلاء الفقهاء متفقين على حكمها يقولون: وقال بها الفقهاء السبعة، مثل مسألة وجوب الزكاة في عروض التجارة، يقولون فيها: وقال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، يعني: قال بها الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد ، وقال بها الفقهاء السبعة، الذين هم فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهؤلاء السبعة ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع اختلف فيه على ثلاثة أقوال، فالستة هم -أي المتفق على عدهم-: هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسعيد بن المسيب ، هؤلاء ستة معدودون في الفقهاء السبعة باتفاق، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هذا الذي معنا في الإسناد، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب .
    [ عن ابن عمر ].
    وقد مر ذكره.
    حديث أبي هريرة: (كل مسكر حرام) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كل مسكر حرام ) ].أورد النسائي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، يعني: أن هذا الحديث بهذا الإسناد جاء عن ابن عمر كما في الإسناد السابق، وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه كما في هذا الإسناد، وكل منهما صحيح، وهو مثل لفظ حديث ابن عمر المتقدم: كل مسكر حرام، أي: أن هذا المتن أو هذا اللفظ جاء عن ابن عمر وعن أبي هريرة بإسناد واحد.
    قوله:[ أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ].
    وقد مر ذكر هؤلاء ما عدى الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه، وهو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
    شرح حديث أبي هريرة: (أن رسول الله نهى أن ينبذ في الدباء ... وكل مسكر حرام)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر عن إسماعيل عن محمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت والنقير والحنتم، وكل مسكر حرام ) ].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت والنقير والحنتم، وكل مسكر حرام)، فالمقصود من إيراد الحديث قوله: وكل مسكر حرام، يعني: إثبات التحريم لكل مسكر، أو بيان أن التحريم يشمل كل ما كان مسكراً فإنه يكون حراماً، وأما الدباء والنقير والمزفت والحنتم فقد مر ذكرها قريباً، والدباء هي المقصود الانتباذ بها؛ وذلك بأن يؤخذ الدباء فيستخرج لبها، ويبقى غلافها وقشرها حتى ييبس فيكون وعاء يوضع فيه الحليب وينتبذ فيه، فهذا هو المقصود بالدباء، أي: اتخاذ الوعاء من الدباء بحيث يستخرج لبها ويبقى غلافها وقشرها حتى ييبس ويكون وعاءً توضع به الأشياء.
    ثم بعد ذلك المزفت، وهو الذي طلي بالزفت، والنقير هو جذوع النخل الذي ينقر وسطها ثم ينتبذ فيها فتكون وعاء، يعني: جذع النخل أو ساق النخل ينقر فيه بحيث يستخرج منه وتبقى الجوانب والغلاف على ما هو عليه، ولكن ينبذ به، والحنتم هي جرار خضر كانوا ينتبذون بها.
    وكل مسكر حرام، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث تحت الترجمة.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (أن رسول الله نهى أن ينبذ في الدباء ... وكل مسكر حرام)

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر ].هو علي بن حجر بن إياس المروزي السعدي ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي .
    [ عن إسماعيل] .
    هو ابن جعفر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محمد عن أبي سلمة ].
    محمد هو: ابن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة وقد مر ذكرهم.
    شرح حديث عائشة: (لا تنبذوا في الدباء ... وكل مسكر حرام)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو داود حدثنا محمد بن سليمان حدثنا ابن زبر عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( لا تنبذوا في الدباء ولا المزفت ولا النقير، وكل مسكر حرام ) ].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من هذه الطريق، وهو مثل حديث أبي هريرة الذي قبل هذا، إلا أنه ليس فيه ذكر الحنتم، وإنما فيه ذكر النهي عن الانتباذ في الدباء والنقير والمزفت، وكل مسكر حرام، ومن المعلوم أن هذه الأشياء كان منع منها في أول الأمر كما جاء ذلك في حديث وفد عبد القيس، وكانوا جاءوا في أول الإسلام في أول الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وكانوا من البحرين، وقالوا: إنا لا نصل إليك إلا بشهر حرام، فمرنا بأمر نأخذ به ونبلغه من وراءنا، فأمرهم بأشياء ونهاهم عن أشياء، وكان مما نهاهم به الانتباذ في أوعية، ولكن ذلك نسخ كما جاء في حديث بريدة بن الحصيب الذي رواه مسلم في صحيحه: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها، وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، ألا فادخروا، وكنت نهيتكم عن الانتباذ في أوعية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً ).
    وإنما نهي عن تلك في أول الأمر لأنها أوعية غليظة سميكة قد يحصل الإسكار فيها ولا يتبين على غلافها، بخلاف الأسقية مثل الجلود فإنه إذا وجد التغير في الداخل يظهر أثره على الظاهر، بخلاف الغليظ السميك فإنه يتغير داخله ولا يظهر على غلافه من الخارج شيء.
    الحاصل: أن الانتباذ في الأوعية كان منهياً عنه في أول الأمر، ولكنه بعد ذلك أبيح، لكن بشرط أن لا يشرب الناس مسكراً.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (لا تنبذوا في الدباء ... وكل مسكر حرام)

    قوله:[ أخبرنا أبو داود ].هو سليمان بن سيف الحراني ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد بن سليمان ].
    هو محمد بن سليمان بن أبي داود وهو صدوق أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا ابن زبر] .
    هو عبد الله بن العلاء بن زبر ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
    [ عن القاسم بن محمد ].
    هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عائشة ].
    هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق وهي واحدة ممن حفظ الله تعالى بهم سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث وعت الكثير وحفظت الكثير، ولاسيما ما يتعلق في الأمور البيتية التي تكون في البيوت والتي تكون بين الرجل وأهل بيته، فإن الله تعالى حفظ بها السنن الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن أبيها وأمها والصحابة أجمعين.
    حديث عائشة: (كل شراب أسكر فهو حرام) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وقتيبة عن سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كل شراب أسكر فهو حرام )، قال قتيبة : عن النبي صلى الله عليه وآله سلم ].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: ( كل شراب أسكر فهو حرام )، وهي قضية عامة كالطرق السابقة التي مرت في حديث عائشة وغيرها من أن كل ما أسكر فهو حرام، فإطلاق اسم التحريم على كل مسكر.
    قوله:[ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [ وقتيبة ].
    وقتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان ].
    هو ابن عيينة المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزهري ].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي سلمة عن عائشة ].
    عن أبي سلمة عن عائشة وقد مر ذكرهما.
    بيان دقة المحدثين في نقل الأحاديث النبوية

    وقال في آخر الحديث: وقال قتيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم، المقصود بذلك أن إسحاق بن إبراهيم عباراته عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما قتيبة فروايته عنه أنه قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: ما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يبين لنا دقة المحدثين في إثبات الروايات والألفاظ التي تأتي عن الرواة، ومن المعلوم أنه لا فرق بين قال وعن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا، لكن المقصود إثبات الواقع، وهو أن هذين الشيخين للنسائي لم يتفقا على إضافة عائشة الحديث، أو على صيغة إضافة عائشة الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم، بل إسحاق بن إبراهيم الذي هو الشيخ الأول والذي ساق النسائي الحديث على لفظه أو اللفظة أو السياق على لفظه: عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وأما قتيبة فقد قال عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا؛ لأن هذا عبر برسول وهذا عبر بالنبي، وهذا عبر بـ(قال)، وهذا عبر بـ(عن)، والنتيجة واحدة والمؤدى واحد، ولكن هذا يبين الدقة ومحافظتهم على الألفاظ.
    حكم إطلاق لفظ السيد على النبي صلى الله عليه وسلم


    وهذا يبين لنا ما ذكرته سابقاً من أن بعض الناس في هذا الزمان لا يأتي بكلمة رسول عليه الصلاة والسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم أو أي واحد من الصحابة إلا ويقول: سيدنا، قال سيدنا رسول الله، قال سيدنا فلان الصحابي، أي واحد من الصحابة لا يعبر إلا ويقول: سيدنا، لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا وسيد البشر، ولكن الصحابة ما كانوا يطلقون ذلك عليه باستمرار، ولهذا نجد الأحاديث تنتهي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيقول الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كذا، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، أمر بكذا، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، ليس فيها قال سيدنا، بل إنهم يبينون اختلاف الألفاظ كما هنا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا جاء التعبير بالنبي ذكروه، وإذا جاء التعبير بالرسول ذكروه، وإذا جاء التعبير بـ(عن) ذكروه، وإذا جاء التعبير بقال ذكروه، فلو كانت سيدنا موجودة ما كانوا يحذفونها وهم يحافظون على كلمة رسول وكلمة نبي، ويأتون بالشخص الذي قال نبي والذي قال رسول، فلو كان هذا شغلهم وهذا ديدنهم ما كانوا يتركونه، ولكن هذا يبين لنا أن هذا منهجهم وطريقتهم، ويبتعدون عن كل شيء يؤدي إلى الغلو، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث، لما قيل: ( يا سيدنا ويا خيرنا، قال عليه الصلاة والسلام: قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    شرح حديث عائشة: (كل شراب أسكر حرام) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك ح وأخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن البتع، فقال: كل شراب أسكر حرام ) اللفظ لـسويد ].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن البتع، فقال: كل شراب أسكر فهو حرام )، والبتع: هو شراب يتخذ من العسل، والرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن أمر خاص معين وأتى بحكم عام يدل على المحرم، ما كان متصفاً بهذا الوصف فهو حرام، وما لم يكن متصفاً بهذا الوصف فهو حلال، فسئل عن البتع، والرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يبين الحكم الشرعي فيما يحرم وما سواه هو حلال، قال: ( كل شراب أسكر فهو حرام )، سواء كان من هذا النوع أو غيره، وما لم يسكر فحكمه الحل.
    فإذاً: الرسول عليه الصلاة والسلام يسأل بسؤال خاص، ثم يأتي بالحكم العام؛ ليبين أن الحكم هو معتبر بهذا الوصف الذي هو الإسكار: أن التحريم معتبر بهذا الوصف الذي هو الإسكار، الوصف الذي هو العلة التي حرم المسكر من أجلها، التي حرم من أجلها ذلك المشروب؛ لأنه متصف بالإسكار، فكان حراماً، وهذا من كمال بيانه وفصاحته وبلاغته عليه الصلاة والسلام، حيث يسأل عن الشيء المعين فيأتي بما هو أوسع منه، سواء باللفظ أو بأن أضيف لفظ آخر، مثلما سئل عن الوضوء من ماء البحر، فقال: ( هو الطهور ماءه الحل ميتته )، يعني: فأتى بالمسئول عنه، وأتى بزيادة عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كل شراب أسكر حرام) من طريق ثانية

    قوله:[ أخبرنا قتيبة عن مالك ].قتيبة مر ذكره، مالك هو: ابن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ ح وأخبرنا سويد بن نصر ].
    ثم قال: ح وهي للتحول من إسناد إلى إسناد، سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك وقد مر ذكرهما.
    [ عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة ].
    وقد مر ذكر الجميع.
    [قال: اللفظ لـسويد ].
    واللفظ لـسويد ؛ لأنه ذكر الحديث من طريقين، الطريق الأول فيه قتيبة ، والثاني فيه: سويد ، ثم بعدما فرغ من إيراد الحديث قال: اللفظ لـسويد ، يعني: أنه مسوق للشيخ الثاني، يعني: أن السياق واللفظ إنما هو على الشيخ الثاني الذي هو سويد بن نصر .
    شرح حديث عائشة: (كل شراب أسكر فهو حرام) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن البتع، فقال: كل شراب أسكر فهو حرام ) والبتع من العسل ].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو مثلما تقدم، إلا أن فيه قوله: والبتع من العسل، وهذا ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو مدرج بدليل أنه سيأتي في الباب الذي بعد هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ( لما سئل عن أشربة تكون في اليمن هي البتع والمزر، فقال: ما البتع؟ قالوا: شراب يتخذ من العسل، قال: كل مسكر حرام )، يعني: معناه الرسول صلى الله عليه وسلم استفسر عن البتع هذا الذي يسألون عنه ما هو؟ فقالوا: إنه شراب يتخذ من العسل، فهذا يبين بأن هذا اللفظ ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: والبتع من العسل ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام بعض الرواة ليفسر البتع الذي جاء ذكره في الحديث؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعرف البتع، حتى سأل عنه وأخبر بأنه شراب يتخذونه من العسل، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعطى حكماً عاماً، فقال: كل مسكر حرام، يعني: معناه إذا كان يسكر فهو حرام، وإذا كان لا يسكر فهو حلال.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كل شراب أسكر فهو حرام) من طريق ثالثة

    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن معمر ].معمر هو: ابن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة ].
    وقد مر ذكر الثلاثة.
    حديث عائشة: (كل شراب أسكر فهو حرام) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن ميمون حدثنا بشر بن السري عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن البتع فقال: كل شراب أسكر فهو حرام ) والبتع: هو نبيذ العسل ].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى وهو مثلما تقدم.
    قوله:[ أخبرنا علي بن ميمون ].
    علي بن ميمون هو: الرقي ، وقد مر ذكره.
    [حدثنا بشر بن السري ].
    ثقة، أخرج له أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الرزاق ].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة ].
    وقد مر ذكر الأربعة.
    حديث أبي موسى الأشعري: (كل مسكر حرام) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سويد بن منجوف وعبد الله بن الهيثم عن أبي داود عن شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كل مسكر حرام ) ].أورد النسائي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل مسكر حرام )، وهو مثلما جاء عن ابن عمر وعائشة وأبي هريرة ، كل هذه الألفاظ بهذا اللفظ الذي جاء بالمعوم جاء عن هؤلاء الصحابة الأربعة كما جاء في هذه الأحاديث نعم، والكلام فيه كالذي قبله.
    قوله: [ أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سويد بن منجوف ].
    أحمد بن عبد الله بن سويد بن منجوف ، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
    [ وعبد الله بن الهيثم ].
    عبد الله بن الهيثم ، وهو لا بأس به أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن أبي داود ].
    هو سليمان بن داود الطيالسي ، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
    [ عن شعبة ].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن أبي بردة ].
    هو سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبيه ].
    عن أبيه أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    عن أبي موسى الأشعري : عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث أبي موسى الأشعري: (اشرب ولا تشرب مسكراً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن عبد الله بن علي حدثنا عبد الرحمن عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا ومعاذ رضي الله عنه إلى اليمن فقال معاذ : إنك تبعثنا إلى أرض كثير شراب أهلها، فما أشرب؟ قال: اشرب ولا تشرب مسكراً ) ].أورد النسائي حديث أبي موسى : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه هو ومعاذ إلى اليمن قال له معاذ : إنك تبعثنا إلى أرض كثير شرابها فما أشرب؟ قال: اشرب ولا تشرب مسكراً )، يعني: اشرب ما شئت، بشرط أن لا تشرب مسكراً، يعني: معناه أن الأصل في الأشربة هو الحل، حتى يوجد ما يمنع ذلك بوجود ذلك الوصف الذي يطرأ عليه، وهو الإسكار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: اشرب، يعني: اشرب ما شئت، لكن بشرط أنك ما تشرب مسكر.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى الأشعري: (اشرب ولا تشرب مسكراً)

    قوله:[ أخبرنا أحمد بن عبد الله بن علي].هو: أحمد بن عبد الله بن علي بن أبي المضاء المصيصي القاضي .
    [حدثنا عبد الرحمن عن إسرائيل ].
    عبد الرحمن هو: ابن مهدي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    عن إسرائيل ، وهو: ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق ].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي بردة عن أبيه ].
    وهو: أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه أبي موسى وقد مر ذكرهما.
    حديث أبي موسى الأشعري: (كل مسكر حرام) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن موسى البلخي حدثنا أبو داود حدثنا حريش بن سليم حدثنا طلحة اليامي عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كل مسكر حرام ) ].أورد النسائي حديث أبي موسى من طريق أخرى، يقول فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( كل مسكر حرام )، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا يحيى بن موسى البلخي ].
    يحيى بن موسى البلخي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
    [حدثنا أبي داود ].
    هو الطيالسي مر ذكره.
    [ حدثنا حريش بن سليم ].
    مقبول أخرج له أبو داود والنسائي .
    [ حدثنا طلحة اليامي ].
    هو طلحة بن مصرف ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي بردة عن أبيه ].
    وقد مر ذكرهما.
    شرح أثر عطاء بن أبي رباح: (كل مسكر حرام)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله أخبرنا الأسود بن شيبان السدوسي سمعت عطاء سأله رجل فقال: إنا نركب أسفاراً، فتبرز لنا الأشربة في الأسواق لا ندري أوعيتها؟ فقال: كل مسكر حرام، فذهب يعيد، فقال: كل مسكر حرام، فذهب يعيد، فقال: هو ما أقول لك ].أورد النسائي هذا الأثر عن عطاء بن أبي رباح أنه سأله رجل، قال: إنا كنا نكون في السفر، فتبرز لنا الأشربة في الأسواق لا ندري أوعيتها، يعني: هل هذه الأوعية التي تكون فيها تكون غليظة فلا يتضح الإسكار فيها، أو تكون ليست كذلك، أي: خفيفة كالجلود؟ فقال: كل مسكر حرام، يعني: كل ما أسكر، سواء كان في أي وعاء، سواء كان غليظ أو خفيف، المهم أن وصف الإسكار هو الذي يكون معه التحريم، وإذا لم يوجد وصف الإسكار فإنه ينتهي ذلك الحكم الذي هو التحريم، ثم ذهب يعيد، يعني: أعاد السؤال، فقال له ما قال، ثم كرر عليه، قال: هو ما أقول لك؛ يعني الكلام واحد.
    تراجم رجال إسناد أثر عطاء بن أبي رباح: (كل مسكر حرام)

    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله أخبرنا الأسود بن شيبان السدوسي ].الأسود بن شيبان السدوسي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
    [ سمعت عطاء ].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    أثر ابن سيرين: (كل مسكر حرام) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن هارون بن إبراهيم عن ابن سيرين أنه قال: كل مسكر حرام ].أورد الأثر عن ابن سيرين قال: كل مسكر حرام.
    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن هارون بن إبراهيم ].
    هارون بن إبراهيم وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [ عن ابن سيرين ].
    هو محمد بن سيرين البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر عمر بن عبد العزيز: (كل مسكر حرام)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن عبد الملك بن الطفيل الجزري قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز : لا تشربوا من الطلاء حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، وكل مسكر حرام ].أورد النسائي الأثر عن عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، أنه قال: لا تشربوا من الطلاء إلا ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، وكل مسكر حرام، والطلاء هو شراب يكون غليظاً يعني: كالطلاء الذي تطلى به الإبل قيل له طلاء لأنه يشبه الطلاء في ثخونته وشدته وعدم لينه، فقال: لا تشربوا إلا ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، يعني: إذا طبخ وتبخر وذهب ثلثاه وبقي ثلثه اشربوه، ثم قال: وكل مسكر حرام على أي حالة كان وعلى أي وجه كان، وسيأتي للنسائي ترجمة ما يجوز من الطلاء وما لا يجوز، يعني: ما يحل من الطلاء وما لا يحل في التراجم الآتية.
    الطلاء هو عصير يكون شديداً ثخيناً، يشبه الطلاء الذي تطلى به الإبل من الجرب الذي هو القطران، وأثر عمر رضي الله عنه أنه يطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه مع كثرة الطبخ.
    وسيأتي آثار عديدة عن عمر بن الخطاب وغيره في هذا، وهي متفقة مع هذا الأثر الذي جاء عن عمر بن عبد العزيز .
    تراجم رجال إسناد أثر عمر بن عبد العزيز: (كل مسكر حرام)

    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن عبد الملك بن الطفيل الجزري ].سويد عن عبد الله مر ذكرهما، عن عبد الملك بن الطفيل الجزري مقبول أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن عمر بن عبد العزيز ].
    عمر بن عبد العزيز الخليفة، وهو أمير المؤمنين، وأحد الخلفاء المشهورين، وهو أحد الخلفاء الاثنا عشر الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة )، وهم الخلفاء الراشدون الأربعة، وثمانية من بني أمية أحدهم عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    أثر عمر بن عبد العزيز: (كل مسكر حرام) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن الصعق بن حزن أنه قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة : كل مسكر حرام ].أورد النسائي الأثر عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عدي بن أرطأة : كل مسكر حرام، وهو مثلما تقدم.
    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن الصعق بن حزن ].
    سويد عن عبد الله وقد مر ذكرهما، عن الصعق بن حزن ، وهو صدوق يهم أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود في المراسيل والنسائي .
    [ عن عمر بن عبد العزيز ].
    وقد مر ذكره.
    حديث أبي موسى الأشعري: (كل مسكر حرام) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أبو داود حدثنا حريش بن سليم حدثنا طلحة بن مصرف عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( كل مسكر حرام ) ].أورد النسائي الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه: ( كل مسكر حرام )، وهو مثلما تقدم.
    قوله:[ أخبرنا عمرو بن علي ].
    عمرو بن علي هو الفلاس ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي داود حدثنا حريش بن سليم ].
    أبو داود حدثنا حريش بن سليم حدثنا طلحة بن مصرف ، وهو طلحة اليامي الذي مر هناك، طلحة اليامي ، وهنا طلحة بن مصرف وهو شخص واحد.
    [ عن أبي بردة عن أبي موسى ].
    وقد مر ذكرهم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •