تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 24 من 26 الأولىالأولى ... 14151617181920212223242526 الأخيرةالأخيرة
النتائج 461 إلى 480 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #461
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الطلاق

    (458)

    - (باب نفقة البائنة) إلى (باب الرجعة)




    المطلقة طلاقاً بائناً ليس لها حق في نفقة أو سكنى، إلا إذا كانت حاملاً فينفق عليها للحمل، أما المطلقة طلقة أولى وثانية فتشرع مراجعتها لأنها لم تبن، فإن انتهت عدتها قبل المراجعة فلا ترجع إلى الزوج إلا بعقد ومهر جديدين.

    نفقة البائنة


    شرح حديث فاطمة بنت قيس في نفقة البائنة


    (قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نفقة البائنة.أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي بكر بن أبي الجهم قال: دخلت أنا وأبو سلمة على فاطمة بنت قيس قالت: ( طلقني زوجي فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة، قالت: فوضع لي عشرة أقفزة عند ابن عم له: خمسة شعير وخمسة تمر، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له ذلك، فقال: صدق وأمرني أن أعتد في بيت فلان، وكان زوجها طلقها طلاقاً بائناً ) ].
    يقول النسائي: نفقة البائنة، أي: المطلقة طلاقاً بائناً، والمقصود من الترجمة: أنه ليس لها نفقة، والحديث الذي أورده تحت هذه الترجمة حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، أورده للاستدلال على ذلك، وهو أن زوجها لما طلقها الطلقة الثالثة التي بانت بها، وضع عند وكيله طعاماً لها، ولكنه لم يعجبها، فسخطته، وقال لها وكيله: إنه ليس لك سكنى ولا نفقة، ويعني: أن هذا الذي أعطيت إياه إنما هو إحسان وجميل ومعاملة حسنة، وإلا فإنه ليس بواجب عليه، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: صدق، والحديث فيه اختصار؛ لأن المقصود: ليس لها سكنى ولا نفقة، وقد سبق موضحاً في بعض الروايات، وهنا جاءت (صدق) وليس فيها ذكر الشيء الذي حصل التصديق عليه، وهو أنه ليس لها سكنى ولا نفقة.
    ( وأمرني أن أعتد في بيت فلان ).
    وأمرها أن تعتد في بيت فلان وهو عبد الله بن أم مكتوم.
    ( وكان زوجها طلقها طلاقاً بائناً ).
    وكان زوجها طلقها طلاقاً بائناً أي: ليس طلاقاً رجعياً، لأن المطلقة طلاقاً رجعياً هي زوجة، ونفقتها واجبة على زوجها، وأما البائن فإنه ليس لها سكنى ولا نفقة، كما جاء ذلك موضحاً في حديثنا هذا حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وأرضاها.

    تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس في نفقة البائنة


    قوله: [أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم ].هو ثقة أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [ عن محمد بن جعفر ].
    هو: محمد بن جعفر غندر البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن شعبة ].
    هو: شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي بكر بن أبي الجهم ].
    أبو بكر بن أبي الجهم، ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [ وأبو سلمة عن فاطمة بنت قيس].
    فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأما أبو سلمة في الحديث فليس من رواة الإسناد وإنما أخبر أبو بكر بن أبي الجهم أنه دخل معه على فاطمة، وقد مر الحديث من طرق عديدة عن أبي سلمة، لكنه في هذا الإسناد ليس من رجاله.


    نفقة الحامل المبتوتة


    شرح حديث فاطمة بنت قيس في نفقة الحامل المبتوتة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ نفقة الحامل المبتوتة.أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار حدثنا أبي عن شعيب قال الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ( أن عبد الله بن عمرو بن عثمان طلق ابنة سعيد بن زيد وأمها حمنة بنت قيس ألبتة، فأمرتها خالتها فاطمة بنت قيس بالانتقال من بيت عبد الله بن عمرو وسمع بذلك مروان فأرسل إليها فأمرها أن ترجع إلى مسكنها حتى تنقضي عدتها، فأرسلت إليه تخبره أن خالتها فاطمة أفتتها بذلك، وأخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتاها بالانتقال حين طلقها أبو عمرو بن حفص المخزومي، فأرسل مروانقبيصة بن ذؤيب إلى فاطمة فسألها عن ذلك فزعمت أنها كانت تحت أبي عمرو لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على اليمن خرج معه، فأرسل إليها بتطليقة وهي بقية طلاقها، فأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقتها، فأرسلت إلى الحارث وعياش تسألهما النفقة التي أمر لها بها زوجها فقالا: والله مالها علينا نفقة إلا أن تكون حاملاً، وما لها أن تسكن في مسكننا إلا بإذننا، فزعمت فاطمة أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فصدقهما، قالت: فقلت: أين أنتقل يا رسول الله؟ فقال: انتقلي عند ابن أم مكتوم، وهو الأعمى الذي عاتبه الله عز وجل في كتابه فانتقلت عنده، فكنت أضع ثيابي عنده حتى أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم زعمت أسامة بن زيد ) ].
    أورد النسائي سابقاً ذكر المطلقة طلاقاً بائناً، وهي ليست بحامل، وليس لها نفقة ثم ذكر في هذه الترجمة: المبتوتة: المطلقة طلاقاً بائناً وهي حامل وبينّن أن لها النفقة، وذلك أن الإنفاق عليها إنما يكون من أجل الجنين وليس من أجلها هي، ولا تجب السكنى لها، وإنما النفقة من أجل الجنين، وقد أورد النسائي حديث فاطمة بنت قيس من بعض طرقه، وفيه أن الوكيلين اللذين وكلهما زوجها في الإنفاق عليها قالا: إنه ليس لك علينا نفقة إلا أن تكوني حاملاً، أما إذا لم تكوني كذلك، فإنما هو تفضل وإحسان إذا حصل شيء من الإسكان والإنفاق فهو فضل، وامتنان، وإلا فإنه ليس حقاً واجباً.
    ثم ذكر بقية الحديث وما حصل منها من إخبارها بذلك لما أرسل إليها مروانقبيصة بن ذؤيب يسألها وأخبرته بالذي حصل بينها وبين وكيلي زوجها ثم مجيئها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمره إياها بأن تعتد عند ابن أم مكتوم ثم إنه أرشدها أو أشار عليها بأن تنكح أسامة بن زيد فنكحت أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

    تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس في نفقة الحامل المبتوتة


    قوله: [ أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار ].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [ عن أبيه ].
    هو عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [ عن شعيب ].
    هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزهري ].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ].
    عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، ثقة، فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين أخرج له أصحاب الكتب الستة، وفقهاء المدينة السبعة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: إنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقد مر ذكرها.


    الأقراء


    شرح حديث فاطمة بنت أبي حبيش: (إنما ذلك عرق ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الأقراء.أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن بكير عن عبد الله بن الأشج عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته ( أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الدم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق، فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي، فإذا مر قرؤك فلتطهري، قال: ثم صلي ما بين القرء إلى القرء ) ].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الأقراء والمراد بالأقراء: الحيض، وقيل: الأطهار التي بين الحيض، وهو من الألفاظ المشتركة التي تطلق على الضدين: على الطهر، وعلى الحيض؛ لأن هناك ألفاظاً يقال عنها من الأضداد، يطلق اللفظ على الشيء وضده، فالحيض يقال له: قرء، والطهر يقال له: قرء، ومثل عسعس بمعنى: أقبل وأدبر، والإقبال والإدبار متضادان، فهذا اللفظ لفظ مشترك بين الضدين وهما القرء والطهر، وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها، الذي فيه أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وشكت إليه الدم الذي يسيل من فرجها بصفة دائمة، وهو الذي يسمى استحاضة، وهو غير الحيض، فالرسول عليه الصلاة والسلام، أمرها بأن تنتظر مجيء قرئها الذي هو الحيض، وذلك بما يحصل لها من وجود الدم الذي يختلف عن هذا الدم المستمر معها والذي يعرف برائحته وبلونه ويختلف عن دم الاستحاضة، فإذا أقبل امتنعت عن الصلاة، وإذا أدبر صلت ما بين القرئين، أي: أن المستحاضة دمها مستمر، إلا أنها عندما تأتيها العادة يتغير لون الدم، فهي تنتظر وتعرف مجيء حيضها فتجلسه، فإذا طهرت فإنها تصلي وتصوم وتفعل ما تفعله الطاهرات، حتى تأتي الحيضة الثانية، وهذا الحديث فيه إطلاق القرء على الحيض؛ لأنها تصلي ما بين القرئين يعني: ما بين الحيضتين.
    [(أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكت إليه الدم)].
    أي: دم الاستحاضة الذي استمر معها ولم ينقطع منها.
    [ ( فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق، فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي ) ].
    إنما ذلك عرق يعني: ذلك الدم الذي يسيل إنما يخرج من عرق، وليس الحيض الذي يأتي ويتكرر من وقت إلى وقت على حسب ما اعتادته المرأة، فإذا جاء قرؤها أمسكت عن الصلاة؛ لأنها حائض وأما ذاك الدم الذي معها وهو دم الاستحاضة فإنه لا يمنعها من الصلاة والصيام، ولا يمنع الزوج من إتيانها، بل تفعل ما تفعل الطاهرات؛ لأن هذا شيء ابتليت به واستمر معها فلا تعامل معاملة الحُيَّض، بل تعامل معاملة الطاهرة، وإنما تعامل معاملة الحائض إذا جاء دم الحيض في وقت العادة، والذي تعرفه النساء بلونه ورائحته.
    [ ( فإذا مر قرؤك فلتطهري، قال: ثم صلي ما بين القرء إلى القرء ) ].
    إذا مر قرؤك أي: انتهى، طهرت، لكن عليها أن تتطهر وتغتسل من الحيض، وفي حال استحاضتها تتوضأ لكل صلاة، ولا يكفي الوضوء لصلاة واحدة تصلي به عدة فروض، بل تتوضأ لكل صلاة؛ لأن الدم الذي يخرج من فرجها دم نجس، ولابد من الطهارة، فيلزمها أن تتوضأ لكل صلاة، وإذا انقضى القرؤ أي: الحيض الذي جاء خلال تلك الاستحاضة فإنها تتطهر من حيضها، وتصلي ما بين القرئين؛ لأنها بمثابة الطاهرة، وحكمها حكمها، والدم المستمر معها يختلف عن الحيض من حيث اللون والرائحة لا يمنعها من الصلاة، ولا من الصيام، ولا من مجامعة زوجها لها.

    تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت أبي حبيش: (إنما ذلك عرق ...)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور ].هو عمرو بن منصور هو النسائي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن عبد الله بن يوسف ].
    هو عبد الله بن يوسف التنيسي، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [ عن الليث ].
    هو الليث بن سعد المصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يزيد بن أبي حبيب ].
    هو يزيد بن أبي حبيب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن بكير ].
    هو بكير بن عبد الله بن الأشج، وعندكم فيه تصحيف ابن تصحفت إلى عن، عن بكير عن عبد الله بن الأشج، وهو عن بكير بن عبد الله بن الأشج شخص واحد يتكرر ذكره وهو مصري ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهذا التصحيف أيضاً موجود في الكبرى والذي في تحفة الأشراف بكير بن عبد الله فليس شخصين وإنما هو شخص واحد وإنما تصحفت ابن إلى عن فكان يوهم أنه شخصان، مع أنه شخص واحد.
    [ عن المنذر بن المغيرة ].
    المنذر بن المغيرة، مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [ عن عروة بن الزبير ].
    هو: عروة بن الزبير بن العوام، ثقة، فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن فاطمة بنت أبي حبيش ].
    هي فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها، وهي صحابية لها هذا الحديث في الاستحاضة، وحديثها أخرجه أبو داود، والنسائي وابن ماجه.


    نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث


    شرح أثر ابن عباس في قوله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث.حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا علي بن الحسين بن واقد حدثني أبي حدثنا يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه، في قوله: ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ([البقرة:106] وقال: ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ ([النحل:101] وقال: ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )[الرعد:39] فأول ما نسخ من القرآن القبلة وقال: وَالْمُطَلَّقَا تُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] إلى قوله: إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً [البقرة:228] وذلك بأن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها، وإن طلقها ثلاثاً، فنسخ ذلك وقال: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] ].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث، مراجعة الزوج لزوجته إذا طلقها تكون بعد الأولى وبعد الثانية، أما بعد الثالثة فإنها تبين منه، وقد كان الأمر قبل ذلك جواز المراجعة بعد الثلاث، ولكن جاء الحكم واستقر على أن الزوج له تطليقتان يمكنه في أية واحدة منهما أن يراجع زوجته، فإذا طلق الثالثة، فإنها تبين منه، والحكمة في عدم جعل التطليق مطلقاً بيد الزوج من غير حصر: إبعاد الإضرار بالزوجة، فلو يطلقها ثم يراجع، ثم يطلقها، ثم يراجع فسيلحق بها ضرراً، فالمراجعة محصورة في تطليقتين، ثم بعدها تبين منه فلا يتمكن من إلحاق الضرر بها كما يريد، ثم لم تجعل مرة واحدة؛ لأن هذا قد يلحق الضرر بالزوج؛ لكونها تبين بمرة واحدة، فيكون بذلك مشقة وضرر عليه، فجاءت الشريعة في جعل المراجعة بعد الأولى وبعد الثانية، أما بعد الثالثة فإن الذي كان موجوداً من قبل نسخ في قوله سبحانه وتعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229] أي: الطلاق الذي تكون معه المراجعة مرتان؛ لأن بعدها: إما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، أما الثالثة فليس هناك إمساك بمعروف؛ إذ لا سبيل إلى الإمساك بعد الثالثة، وإنما فيه التسريح، أما الذي يمكنه أن يخير بين الإمساك والتسريح، فهو بعد الأولى والثانية؛ لأنه يمكن أن يراجعها فتبقى في عصمته، ويمكن إذا خرجت عدتها أن ينتهي منها، ويمتعها متاعاً حسناً.
    حديث ابن عباس ذكر أن الرجل يراجع زوجته بعد ثلاث تطليقات فنسخ ذلك بقوله: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229] ثم قال بعد ذلك: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة:230] أي: طلقها الثالثة، فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة:230] يعني بعد الثالثة، أما بعد الأولى والثانية فيراجع، وأما بعد الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
    وقد ذكر الآيات التي فيها نسخ، والحديث قد مر بنا، وكلها تدل على أصل النسخ، ثم ذكر بعض الأمثلة من النسخ مثل: نسخ القبلة، ثم ذكر المقصود من الترجمة، والمقصود من إيراد الحديث تحتها وهو نسخ المراجعة بعد الثلاث إلى أنه لا مراجعة إلا بعد الأولى والثانية فقط.
    وتفسير قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] أي: في غير اللوح المحفوظ، مثل: صحف الحفظة وفي ما ينزله الله عز وجل مما يريد إثباته وما يريد نسخه، وأما الذي في اللوح المحفوظ فإنه لا يتغير ولا يتبدل، وإنما التغيير والتبديل لما يكون في أيدي الملائكة، فالملائكة يكون بأيديهم شيء ثم ينسخه الله عز وجل، أو يثبته إذا شاء إثباته، لكن الذي في اللوح المحفوظ لا تغيير فيه ولا تبديل.
    وقوله: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228].
    يعني: من الولد من الحيض؛ لأن المرأة قد تقول: إنها حاضت، وهي ما حاضت، وتخبر عن نفسها بشيء خلاف الواقع، والمعنى: لا تعمل شيئاً من الكذب من أجل أن تتخلص من الزوج.

    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في قوله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها)


    قوله: [ حدثنا زكريا بن يحيى ].هو زكريا بن يحيى السجزي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن إسحاق بن إبراهيم ].
    إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه الحنظلي المروزي ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، والنسائي يروي عنه كثيراً بدون واسطة، ولكنه أحياناً يروي عنه بالواسطة كما هنا.
    [ عن علي بن الحسين بن واقد ].
    علي بن الحسين بن واقد، صدوق، يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم في المقدمة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن أبيه ].
    أبوه هو الحسين بن واقد، ثقة، له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن يزيد النحوي ].
    هو يزيد بن أبي سعيد النحوي ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن عكرمة ].
    عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عباس ].
    هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وأنس بن مالك، وجابر، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ستة رجال وامرأة واحدة.


    الرجعة


    شرح حديث ابن عمر: (مره أن يراجعها فإذا طهرت، فإن شاء فليطلقها)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجعة.أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت يونس بن جبير قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( طلقت امرأتي وهي حائض، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم عمر فذكر له ذلك فقال النبي صلى الله عليه سلم: مره أن يراجعها، فإذا طهرت، يعني: فإن شاء فليطلقها )، قلت لـابن عمر: فاحتسبت منها؟ فقال: ما يمنعها، أرأيت إن عجز واستحمق ].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الرجعة، يعني: أن الزوج إذا طلق زوجته طلاقاً رجعياً، وهو الطلاق السني الذي يكون واحدة أو اثنتين، فله حق المراجعة، وإذا طلقها طلاقاً بائناً أو كانت الفرقة بخلع فليس له حق المراجعة، وإنما يكون للزوج حق المراجعة لزوجته وتعتبر زوجة له في عدتها إذا كانت بعد التطليقة الأولى، أو الثانية؛ لأنها ما زالت زوجة في تلك الحال حتى تخرج من العدة، ولو مات ورثته، ولو ماتت ورثها ما دامت في العدة، فالمطلقة طلاقاً رجعياً لزوجها أن يراجعها، وقيل له: طلاق رجعي؛ لأن المطلق يملك حق الرجعة إليها، أورد حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، في قصة تطليق زوجته وهي حائض وأن عمر رضي الله عنه وأرضاه، ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (مره فليراجعها)، معناه: أمره بالمراجعة، وهذا دليل على الرجعة بعد التطليقة الأولى أو الثانية، ثم قال: هل احتسبت هذه التطليقة عليها؟ قال: نعم، يعني: أنها احتسبت عليها، (أرأيت إن عجز أو استحمق)، أي: إن حصل منه تباطؤ، وتهاون، وتكاسل ثم خرجت من العدة، فإنها وقعت عليها تلك الطلقة وكذلك لو استحمق وركب رأسه، ولم يمتثل ما جاء من المراجعة في حال الحيض، وخرجت من العدة فإن الطلاق قد وقع، وخرجت من العدة بمضي الثلاث الحيضات التي تكون بعد تلك الحيضة التي حصلت فيها التطليقة.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (مره أن يراجعها فإذا طهرت، فإن شاء فليطلقها)


    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى عن محمد].محمد هو ابن جعفر الملقب بغندر البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن شعبة عن قتادة ].
    شعبة وقد مر ذكره، وقتادة هو: ابن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يونس بن جبير ].
    يونس بن جبير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عمر ].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حديث ابن عمر: (مره أن يراجعها فإذا طهرت، فإن شاء فليطلقها) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا بشر بن خالد أنبأنا يحيى بن آدم عن ابن إدريس عن محمد بن إسحاق ويحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ح وأخبرنا زهير عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قالوا: ( إن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فذكر عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: مره فليراجعها حتى تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها، فإنه الطلاق الذي أمر الله عز وجل به قال تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] ) ].ثم أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن يأمر ابنه عبد الله بأن يراجعها ويمسكها حتى تطهر، فإن شاء بعد ذلك أن يمسكها وإن شاء أن يطلقها؛ لأن الله عز وجل أمر بتطليق النساء لعدتهن أي: مستقبلات عدتهن، فالحديث يدل على الرجعة، أي: إرجاع الزوجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مره فليراجعها ).
    قوله: [حدثنا بشر بن خالد].
    هو بشر بن خالد العسكري، ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [ عن يحيى بن آدم ].
    يحيى بن آدم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن إدريس ].
    هو: عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محمد بن إسحاق ].
    هو: محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ ويحيى بن سعيد ].
    ويحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ وعبيد الله بن عمر ].
    وعبيد الله بن عمر العمري، عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن نافع ].
    نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عمر ].
    وقد مر ذكره.
    [ح وأخبرنا زهير ].
    ثم قال: ح وأخبرنا زهير وهو زهير بن معاوية والإسناد ليس من أوله، لأن زهير هو في أثناء الإسناد، يروي عنه يحيى بن آدم، فقوله: وأخبرنا زهير، الذي قاله هو يحيى بن آدم؛ لأنه روى عن عبد الله بن إدريس عن الثلاثة ثم روى عن زهيراً عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر، أي: أن الإسناد هو هو، إلا أن يحيى بن آدم رواه من طريقين، وبشر بن خالد رواه عن يحيى بن آدم، ويحيى بن آدم رواه من طريقين: الطريق الأول الذي فيه الثلاثة والطريق الثاني الذي فيه زهير بن معاوية، وموسى بن عقبة، وزهير يروي عن موسى بن عقبة، فهو زهير عن موسى بن عقبة، وليس زهير وموسى بن عقبة، وإنما زهير يروي عن موسى بن عقبة، وموسى بن عقبة المدني إمام في المغازي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن نافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث ابن عمر في مراجعة المطلقة رجعياً من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا علي بن حجر أنبأنا إسماعيل عن أيوب عن نافع كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سئل عن الرجل طلق امرأته وهي حائض فيقول: أما إن طلقها واحدة أو اثنتين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمره أن يراجعها ثم يمسكها حتى تحيض حيضة أخرى، ثم تطهر ثم يطلقها قبل أن يمسها، وأما إن طلقها ثلاثاً فقد عصيت الله فيما أمرك به من طلاق امرأتك وبانت منك امرأتك ].ثم أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنه، أنه كان إذا سئل عن طلاق المرأة في حيضها قال: أتعرف عبد الله بن عمر؟ يعني: أنك على الخبير سقطت، أنت تسأل عن شيء وأنا خبير به، فقوله: أتعرف عبد الله بن عمر؟ يريد أن يبين له تحققه من الحديث كما أنه متحقق بأن من يخاطبه عبد الله بن عمر، وأخبر بأنه النبي صلى الله عليه وسلم.
    [ كان ابن عمر رضي الله عنهما، إذا سئل عن الرجل طلق امرأته وهي حائض، فيقول: أما إن طلقها واحدة أو اثنتين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمره أن يراجعها ثم يمسكها حتى تحيض حيضة أخرى ثم تطهر ثم يطلقها قبل أن يمسها، وأما إن طلقها ثلاثاً فقد عصيت الله فيما أمرك به من طلاق امرأتك وبانت منك امرأتك ].
    هذا ما فيه ذكر قصته في تطليق زوجته ولكن فيه الإخبار بالتفصيل بما يكون عليه الحال فيما إذا طلقها طلاقاً رجعياً، فإنه يراجع حتى تحيض حيضة أخرى ثم تطهر، وأما إن كان طلقها ثلاثاً، فإنه قد عصى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: عصيت الله فيما أمرك به من طلاق امرأتك، يعني: أنه يطلق واحدة، أو اثنتين ولا يطلق ثلاثاً، وأنه يملك الأولى والثانية، والثالثة تبين منه بها، وإذا طلق بهذا العدد فإنه يكون عصى فيما أمر به من الطلاق، وبانت امرأته منه بكونه طلقها ثلاثاً.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في مراجع المطلقة رجعياً من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا علي بن حجر ].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن إسماعيل].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، ثقة، مشهور بابن علية، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أيوب ].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن نافع عن ابن عمر ].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث ابن عمر في مراجعة المطلقة رجعياً، من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا يوسف بن عيسى المروزي قال: حدثنا الفضل بن موسى قال: حدثنا حنظلة عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فراجعها ].ثم أورد النسائي حديث ابن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم، فراجعها يعني: الحديث في الرجعة وهو دال على المراجعة إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض، وهو مختصر هنا، ذكره مختصراً.
    قوله: [ أخبرنا يوسف بن عيسى المروزي ].
    هو يوسف بن عيسى المروزي، ثقة، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي.
    [ عن الفضل بن موسى ].
    هو الفضل بن موسى المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حنظلة ].
    هو حنظلة بن أبي سفيان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سالم ].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر رحمة الله عليه، ثقة، فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عمر ].
    ابن عمر رضي الله عنهما وقد مر ذكره.

    حديث ابن عمر في مراجعة المطلقة رجعياً من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم قال: ابن جريج أخبرنيه ابن طاوس عن أبيه أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يسأل عن رجل طلق امرأته حائضاً، فقال: أتعرف عبد الله بن عمر؟ قال: نعم، قال: فإنه طلق امرأته حائضاً فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فأمره أن يراجعها حتى تطهر، ولم أسمعه يزيد على هذا ].ثم أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو أن ابن عمر رضي الله عنه، عندما يسأل عن طلاق الرجل زوجته وهي حائض يقول له: أتعرف عبد الله بن عمر يريد: سؤالك جاء إلى شخص له علم في هذه المسألة، وهو أن ابن عمر رضي الله عنه، طلق زوجته فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يراجعها.
    قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ].
    هو الفلاس ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي عاصم ].
    هو الضحاك بن مخلد النبيل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن جريج ].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي، ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن طاوس].
    هو عبد الله بن طاوس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبيه ].
    هو طاوس بن كيسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عمر ].
    ابن عمر، وقد مر ذكره.

    شرح حديث طلاق رسول الله حفصة ومراجعته إياها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عبدة بن عبد الله أنبأنا يحيى بن آدم ح وأنبأنا عمرو بن منصور حدثنا سهل بن محمد أبو سعيد قال: نبئت عن يحيى بن زكريا عن صالح بن صالح عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عمرو: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان طلق حفصة ثم راجعها والله أعلم ].ثم أورد النسائي حديث عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها، أي أن فيه إثبات الرجعة، ودلالة على الرجعة وإرجاع الزوجة، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء ذلك من قوله ومن فعله، من قوله كونه أمر بالمراجعة ومن فعله كونه طلق حفصة رضي الله عنها، ثم راجعها.

    تراجم رجال إسناد حديث طلاق رسول الله حفصة ومراجعته إياها


    قوله: [ أخبرنا عبدة بن عبد الله ].هو عبدة بن عبد الله الصفار ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن يحيى بن آدم ].
    يحيى بن آدم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ ح وأنبأنا عمرو بن منصور ].
    ثم قال: ح وأنبأنا عمرو بن منصور هو النسائي وقد مر ذكره ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن سهل بن محمد ].
    هو سهل بن محمد بن الزبير العسكري ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [ قال: نبئت عن يحيى بن زكريا ].
    قال: نبئت يعني: يقول سهل بن محمد العسكري نبئت عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهذا بالنسبة للطريق الثانية، أما يحيى بن آدم فهو روى عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة بدون قوله: نبئت؛ لأن نبئت تشعر بالواسطة وأن هناك واسطة بينه وبينه، لكن جاء في سنن أبي داود أن سهل بن محمد العسكري هذا قال: حدثنا يحيى بن زكريا.
    وهنا قال: نبئت، والإسناد الأول يحيى بن آدم عن يحيى بن زكريا.
    [ يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ].
    يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن صالح بن صالح ].
    هو صالح بن صالح بن حي الهمداني الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سلمة بن كهيل ].
    سلمة بن كهيل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن جبير ].
    سعيد بن جبير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عباس ].
    ابن عباس وهو أحد العبادلة الأربعة وقد مر ذكره.
    [ عن عمر ].

    رضي الله عنه، وهو ثاني الخلفاء الراشدين، وصاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #462
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الخيل

    (459)

    - مقدمة كتاب الخيل




    الخير معقود في نواصي الخيل أبداً، وهي محبوبة عند الناس لذلك، حيث تستعمل في الجهاد في سبيل الله، وقد جاء الترغيب في صفات منها معلومة، كما كره اتخاذها لمن لم يؤد حق الله فيها.

    كتاب الخيل



    شرح حديث سلمة بن نفيل الكندي: (والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الخيلأخبرنا أحمد بن عبد الواحد حدثنا مروان وهو ابن محمد حدثنا خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح المري حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه أنه قال: (كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رجل: يا رسول الله! أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوجهه وقال: كذبوا، الآن الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفناداً يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشام)].
    يقول النسائي رحمه الله: كتاب الخيل، المقصود من الترجمة ذكر الأحاديث التي وردت مشتملة على بيان أحكام الخيل، وفي بعض النسخ: كتاب الخيل والسبق والرمي، وهذان لهما صلة بالخيل من جهة أن الخيل يكون فيها الاستعداد للجهاد في سبيل الله، والسبق والرمي أيضاً فيه تمرن واستعداد لمعرفة القتال في مثل هذه الآلات والوسائل.
    وذكر الخيل أو كتاب الخيل في هذا الموضع بعد كتاب الطلاق، وقبل كتاب الإحباس -الوقف- ليس له مناسبة، والمناسبة التامة أن يكون كتاب الخيل والسبق والرمي بعد كتاب الجهاد؛ لأنه هو الألصق به؛ ولأنه متعلق به، وهو كذلك موجود في السنن الكبرى على هذا الترتيب؛ بحيث أورد كتاب الخيل بعد كتاب الجهاد، وهذا هو الأليق الأنسب، والكتابان بعضها متصل ببعض، مثل اتصال كتاب الطلاق بكتاب النكاح، وهما يتعلقان بأحكام النساء، والجهاد والخيل مرتبط بعضهما ببعض، ومتصل بعضهما ببعض، فالترتيب الذي في السنن الكبرى، وهو كون كتاب الخيل يأتي عقب كتاب الجهاد مباشرة، هو الأليق والأنسب.
    ثم أورد النسائي حديث [سلمة بن نفيل الكندي رضي الله تعالى عنه أنه قال: (كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رجل: يا رسول الله! أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوجهه وقال: كذبوا، الآن الآن جاء القتال)].
    فقوله: [(أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح)]، قيل: معناه أنهم امتهنوها واستسهلوا في شأنها، فأهانوها، ولم يحترموها ويوقروها، ولم يعنوا بها العناية التامة، بل إنهم تركوها وأرسلوها، فلم يربطوها ويعدوها للجهاد في سبيل الله عز وجل.
    [وضعت الحرب أوزارها]، أي: انتهت الحرب، ولم يكن هناك جهاد، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كذبوا)، أي: لم ينته الجهاد، ولم تضع الحرب أوزارها، بل الآن جاء القتال؛ لأن المقصود من ذلك أنه في أول الأمر كان القتال في نفس البلاد التي هي حول المدينة، ومن ذلك فتح مكة، ثم إن الناس بعد ذلك هم بحاجة إلى أن يخرجوا من ديارهم، وأن يتجهوا إلى بلاد الكفار ليدعوهم إلى الله عز وجل، ويدخلوهم في هذا الدين الحنيف، ويخرجوهُم بإذن ربهم من الظلمات إلى النور، فالجهاد باق ولا ينقطع ولا ينتهي، فقولهم: إن الحرب قد قد وضعت أوزارها، وأنه لا جهاد، هذا كذب وليس بصحيح، بل الآن جاء القتال؛ لأن المسلمين عندما حصلت لهم القوة والتمكن والغلبة في بلاد العرب، فإنهم ينتقلون إلى بلاد أخرى، ويقاتلون الكفار، ويخرجون الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم.

    جهاد الدفع وجهاد الطلب

    والجهاد ليس دفاعاً فقط عن البلاد، وإنما هو ذهاب إلى بلاد الكفار، ونشر لهذه العقيدة والتوحيد، ودعوة الناس إلى عبادة الله عز وجل، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وليس مجرد أن الناس يبقون في بلادهم، وأنهم إن جاءهم أحد ردوه، فإن الدفاع شيء فطر الناس عليه، وحتى الحيوانات تدافع عن نفسها إذا حصل لها شيء يضطرها إلى أن تدافع، وأنها ما تجد أمامها إلا أن تدافع عن نفسها، فهي تدافع عن نفسها، وكون الجهاد هو دفاع فقط، وليس انتقالاً من بلاد المسلمين إلى بلاد الكفار ليدعوهم إلى الله عز وجل، وليدخلوهم في هذا الدين، وليحكموهم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ليس شأن الجهاد مجرد الدفاع، والرسول صلى الله عليه وسلم جاهد وأمر بالجهاد، وذهب إلى الروم وغزاهم حين ذهب إلى تبوك، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبوا إلى الشام وفتحوها، وإلى بلاد العراق وفارس وفتحوها، وأنفقوا كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الناس عندما ضعفوا واشتد ضعهم، صار الجهاد عندهم مجرد دفاع، وأن الكفار لا يؤذون ولا يذهب إليهم في بلادهم، وإنما يكون دفاعاً، ويكون دعوة بدون قتال وجهاد.ومن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ذهبوا إلى بلاد فارس والروم، وقضوا على الدولتين العظميين في ذلك الزمان؛ دولة فارس ودولة الروم، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن كنوز كسرى وقيصر ستنفق في سبيل الله، وقد أنفقت في سبيل الله على يد الفاروق، الخليفة الراشد الثاني من الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، حيث جاءت الكنور، وأتي بالذهب والفضة إلى هذه المدينة، وقسمه عمر رضي الله عنه وصرفه في مصالح المسلمين كما أمر الله عز وجل، وكما جاء في سنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    قوله: [(ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق)]، أي: لا يزال في هذه الأمة من يقاتل على الحق، ومن يعنى بنشر هذا الدين، ويحرص على نشره، ولا ينقطع ذلك ولا ينتهي حتى يأتي أمر الله، أي: عند قرب قيام الساعة، وعند نهاية الدنيا، إلى الوقت الذي تخرج فيه الريح اللينة التي تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ولا يبقى بعد ذلك إلا شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة، فلا يزال أمر الله ماضياً، ولا يزال الحق له من ينصره ويؤيده، ولا تخلو الأرض من قائم لله بحجته، فلا يحصل في وقت من الأوقات أن تخلو الأرض من الحق وأهله بحيث يسود الباطل، ولا يبقى للحق وجود، ولا يبقى له نفوذ.. لا يكون هذا، ولكن الأمر يختلف في بعض الأوقات من حال إلى حال، فقد يضعف في بعض الأحوال، وقد يقوى في بعض الأحوال، والغالب أن كل زمان دون الذي قبله، وقد يأتي زمان يكون أشد وأعظم نفعاً من الذي قبله.
    وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه)، ليس على إطلاقه، بل قد يأتي أعوام أحسن وأفضل من التي قبلها، بمعنى أن بعض الناس يرى أن في هذا خللاً، وأن هذا لم يحصل استمرار ذلك، ثم يتكلم في الحديث أو يقدح فيه، وهو في صحيح البخاري؛ لأن العلماء من قديم الزمان فسروه وفهموه، وقالوا: هو من العام المخصوص، وليس من العام الباقي على عمومه، وأنه ما من عام إلا وهو أسوأ من الذي قبله، ولا يكون خلاف ذلك أبداً؛ لأن ابن حبان رحمه الله قال: وما جاء في هذا الحديث مخصوص في بعض الأحوال، ومن ذلك ما جاء في أحاديث المهدي، وأنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ونقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري، فالزمان الذي ملئت فيه الأرض عدلاً، هو أحسن من الذي قبله، الذي ملئت فيه الأرض جوراً، ومعنى هذا أن قوله: (لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه)، المقصود به أن هذا في غالب الأحوال وأكثرها، وقد يكون في بعض الأحوال الأمر بخلاف ذلك.
    وهنا قال: [(حتى يأتي أمر الله)]، وأمر الله المقصود به واحد الأمور، وليس واحد الأوامر؛ لأن الأمر قد يأتي ويراد به واحد الأوامر، مثل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90]، فهذا المقصود الأوامر التي هي ضد النواهي، وقد يأتي الأمر ويراد به الشأن والحال، ومنه: (حتى يأتي أمر الله)، يعني: حتى يأتي الشيء الذي أراده الله وقدره، من أنه تخرج ريح لينة روح تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ثم لا يبقى إلا شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة.
    قوله: [(ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله)].
    أي: من أجل جهادهم، وكونه يحصل لهم الزيغ فيحصل جهادهم، ويحصل لهم الأجر بجهادهم، ويحصل لهم الغنيمة المعجلة في الدنيا، وهي رزق الله عز وجل لهم من هؤلاء الذين يقاتلونهم من أجل إدخالهم في هذا الدين، فهذا مصدر رزق عظيم، وهو رزق المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث جاء في الحديث: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي)، أي: أنه من الغنائم ومن الفيء الذي يفيء الله على المسلمين، وهذا في الجهاد في سبيل الله، قال: (وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)، وهو حديث عظيم رواه الإمام أحمد في المسند، وشرحه الحافظ ابن رجب في جزء لطيف، وهو من أجزائه الحديثية اللطيفة التي تشتمل على حكم وآثار كثيرة عن السلف، وهو المعنون: الحكم الجديرة بالإشاعة في شرح حديث: (بعثت بين يدي الساعة)، وبالمناسبة فالأجزاء الحديثية لـابن رجب هي أجزاء مفيدة ونفيسة، وتشتمل على الآثار والحكم، وعلى الكلمات الجميلة التي تؤثر عن سلف هذه الأمة في مختلف الموضوعات.
    قوله: [(ويرزقهم منهم)]، أي: بالجهاد، فالغنائم يغنمونها حيث يقاتلونهم ويعملون على إخراجهم من الظلمات إلى النور، فيدخل من يدخل في الإسلام، ويدفع الجزية من يدفع الجزية، ويغنمون ما يغنمون من الكفار، وذلك هو خير مصادر الرزق.

    الخيل من وسائل الجهاد

    قوله: [(والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)].وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث في كتاب الخيل، قال: (والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، وهذا يدل على عظم شأن الخيل وأهميتها، وأن الخير معقود في نواصيها، وأنه لا ينتهي الأمر باستغناء الناس عنها في وقت من الأوقات، فقد يأتي الوقت الذي يحتاجون فيه إلى الخيل، بل قد جاء في الأحاديث ما يدل على استعمال الخيل والجهاد عليها في سبيل الله في آخر الزمان، فقوله صلى الله عليه وسلم: (معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، معناه أنها لا تنتهي الحاجة إليها، ولا ينتهي الانتفاع بها، ولا ينتهي كونها وسيلة من وسائل الجهاد في سبيل الله؛ فإن الأمر وإن حصل في هذا الزمان من وجود الوسائل الحديثة، فلا يعني ذلك أن الخيل والحاجة إليها قد انتهت، وأنه لا اعتبار لها في المستقبل؛ لأن بعض المغرورين عندما يسمع بعض الأحاديث التي تتعلق بهذه الوسائل التي كانت موجودة بعد زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعده بفترة طويلة، ووجود الأمور التي تغيرت، والصناعات الحديثة، هذا يجعل بعض الناس يقدم على بعض النصوص فيقدح فيها ويقول: إنها موضوعة، وإنها غير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنها في صحيح البخاري وصحيح مسلم، مثلما جاء عن محمد فريد وجدي صاحب دائرة معارف القرن العشرين، عندما ذكر أحاديث الدجال، وجاء ذكر الدجال، مع أن الدجال أحاديثه متواترة، بل شرع الدعاء في الصلاة بالاستعاذة من فتنة المسيح الدجال، ثم يأتي مثل هذا الشخص ويتكلم ويقول: إن الأحاديث عند الدجال كلها موضوعة وملفقة، وهي غير صحيحة، ثم يأتي إلى حديث قصة يأجوج ومأجوج، وأنهم (يرمون بنبلهم، ويقولون: قضينا على من في الأرض فلنقض على من في السماء، فيرسلون نبلهم إلى السماء فترجع إليهم مخضوبة دماً)، فيقول: إن الذي وضع هذا الحديث لم يدر أنه لن يمض كذا إلا ويحصل كذا، وأنه لا يمضي كذا إلا وحصل من الطائرات والقنابل والأشياء كذا وكذا.. إلى آخره، قال: فهذا يدل على وضع الحديث، وأن الذي وضعه قاصر نظر..، والحديث في صحيح مسلم ! لكن وجدي ما يدري أن هذه الوسائل يمكن أن يأتي عليها وقت من الأوقات تتوقف، ولا تحصل الفائدة منها، وهذه الوسائل الحديثة من الطائرات والسيارات لو انقطع النفط لبقيت في الأرض ركاماً من الحديد البارد، لا يستفاد منها بشيء، وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، من الأحاديث يجب تصديقه، وأن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم حق وصدق، وأنه لا يغتر بكلام الذين يحكمون عقولهم، ويقدمون على الأحاديث فيقدحون فيها -وهي صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- بمجرد أنهم فهموا فهماً خاطئاً، وتصوروا تصوراً خاطئاً، وحكموا على أن المستقبل لابد وأن يكون دائماً على ما عقلوه وشاهدوه، فقد يتغير الحال ويرجع الناس إلى تلك الوسائل، بل قد جاء ما يدل على استخدامهم لتلك الوسائل، وهو كونهم يغزون على الخيل في سبيل الله عز وجل في آخر الزمان.
    وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، يعني: معناه إلى نهاية الدنيا، والخير فسر بأنه الأجر والمغنم كما جاء في بعض الأحاديث التي ستأتي، والأجر هو: أجر من يجاهد عليها في سبيل الله، وكذلك الغنيمة التي يحصلونها، وهي أحسن الرزق وأجمله وأفضله، والتي هي رزق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكذلك أيضاً ما يحصل للمسلمين من العزة والقوة والغلبة على أعدائهم، ففيه دحر الأعداء وظهور المسلمين، وفيه حصول الأجر للمجاهدين، وفيه حصول الغنيمة التي يغنمونها في الجهاد في سبيل الله.
    فقوله عليه الصلاة والسلام: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) يدل على أن نفعها لا ينقطع ولا ينتهي، وأنه لا يكون زمن تنتهي فيه الحاجة إليها، فالأحاديث جاءت بأنها ستستخدم، وأنها سيجاهد عليها في سبيل الله، وهذا الحديث يدل على استمرار ذلك إلى يوم القيامة.
    وقوله: [(والخيل معقود في نواصيها)]، ليس هذا تخصيص لها، فالناصية هي مقدمتها، وهي التي جاء فيها أحاديث تخصها، وأيضاً عندما يذكر الشيء من أنه يؤخذ بناصيته، فيؤخذ بناصيتها عندما تقاد، وكذلك عندما يمسح عليها كما سيأتي فيما يتعلق بنواصيها، أنه يمسح عليها ويفتلها، يعني: يحركها بأصابعه كهيئة الفاتل، فيمكن والله أعلم أن المقصود به ليس هو الخصوص، وإنما المقصود الخيل كلها فيها الخير، ولكن ذكرت النواصي لأنها هي المقدمة، ولهذا عندما يؤخذ بشيء قال: يؤخذ بناصيته: فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ [الرحمن:41].
    قوله: [(وهو يوحي إلي أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفناداً)].
    وهو عليه الصلاة والسلام يوحى إليه أنه مقبوض: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، وهو لم يعمر، والخلد ليس لأحد، ولو كان الخلد لأحد لكان أولى الناس به رسول الله عليه الصلاة والسلام، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء:34]، بل لابد من الموت، وكل حي من المخلوقين سيموت، ولابد للناس أن يموتوا، طالت أعمارهم أو قصرت، والرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق، يموت الموتة التي هي: الانتقال من الدار الدنيا إلى الدار الآخرة وإلى البرزخ، ولكنه يكون في قبره حياً حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، لكنها تختلف عن الحياة التي كان عليها في الدنيا؛ لأن حياة الآخرة غير حياة الدنيا، والنعيم والعذاب الذي يكون في القبر، يختلف عن النعيم والعذاب الذي يكون في الدنيا، فالعذاب الذي يكون في الدنيا يكون مشاهداً ومحسوساً، والعذاب الذي يكون في القبر والنعيم الذي يكون في القبر يحصل وإن لم يشاهد الناس ذلك، بحيث لو فتحوا القبر لا يجدون فيه جنة ولا ناراً، مع أن الجنة والنار موجودة، ولكنها أمور مغيبة، فهو عليه الصلاة والسلام مقبوض غير ملبث، أي: غير خالد، وغير باق، وغير لابث في الدنيا إلى نهايتها، وإنما له أجل ينتهي إليه، وقد انتهى أجله بعد أن كان عمره ثلاثاً وستين سنة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    ومثله أبو بكر رضي الله عنه، توفي وعمره ثلاث وستون سنة، وعمر رضي الله عنه توفي وعمره ثلاث وستون سنة، وعلي رضي الله عنه توفي وعمره ثلاث وستون سنة، فالرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون الثلاثة عمر كل واحد منهم ثلاث وستون سنة، أما عثمان رضي الله عنه فعمره زاد على الثمانين، ولهذا بعض الكتاب يقدحون في خلافته، ويتكلمون في خلافته في القرن الرابع عشر، ويقولون: أدركته الشيخوخة، فكانت خلافته فيها ما فيها، وهذا كما قال بعض أهل العلم: قائل ذلك لا يضر إلا نفسه، أي: القدح في أحد من الصحابة لا يضر الصحابة شيئاً، وإنما يضر القادح نفسه، حيث يتكلم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يليق وبما لا ينبغي، فخلافته خلافة نبوة، وهو على هدى وعلى صراط مستقيم، وهو أحد الخلفاء الراشدين الهادين المهديين الذين أمرنا باتباعهم، والسير على منوالهم في قوله عليه الصلاة والسلام: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة).
    قوله: [(وأنتم تتبعوني أفناداً)]، أي: جماعات يتبع بعضهم بعضاً، ويحصل أن بعضهم يضرب رقاب بعض، ويحصل أن بعضهم يقتل بعضاً.
    وقوله: [(وعقر دار المؤمنين الشام)]، أي: أصل دار المؤمنين، فالعقر هو الأصل، والمقصود من ذلك أن الشام في وقت الفتن وفي آخر الزمان هي التي يكون فيها الحشر الدنيوي، حيث يذهبون إلى الشام ويجتمعون هناك، فهذا من الأحاديث الدالة على فضلها، أي: فضل الشام، وستكون في آخر الزمان هي الموئل الذي يفد إليه المسلمون، ويحشرون إليه.

    تراجم رجال إسناد حديث سلمة بن نفيل الكندي: (والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)


    قوله: [أخبرنا أحمد بن عبد الواحد].أحمد بن عبد الواحد صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن مروان].
    وهو مروان بن محمد الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح المري].
    خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح المري ثقة، أخرج حديثه أبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن إبراهيم بن أبي عبلة].
    إبراهيم بن أبي عبلة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي.
    [عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي].
    الوليد بن عبد الرحمن الجرشي هو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جبير بن نفير].
    جبير بن نفير ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سلمة بن نفيل الكندي].
    سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه النسائي وحده.

    شرح حديث أبي هريرة: (والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن يحيى بن الحارث حدثنا محبوب بن موسى حدثنا أبو إسحاق يعني: الفزاري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الخيل ثلاثة: فهي لرجل أجر، وهي لرجل ستر، وهي على رجل وزر، فأما الذي هي له أجر فالذي يحتبسها في سبيل الله فيتخذها له، ولا تغيب في بطونها شيئاً إلا كتب له بكل شيء غيبت في بطونها أجر، ولو عرضت له مرج)، وساق الحديث].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة).
    (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث، ثم ذكر أنها ثلاثة أقسام، أي: ثلاثة أصناف، وأصحابها أيضاً ثلاثة أصناف، هي لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، يعني: أحد تكون له أجراً، وأحد تكون له ستراً، وأحد تكون عليه وزراً، ثم ذكر بعض ما يتعلق بذلك، وهو الصنف الأول الذي تكون له أجراً، فقال: (فأما الذي هي له أجر فالذي يحتبسها في سبيل الله فيتخذها له)، أي: يوقفها؛ لأن الحبس هو التوقيف، يحتبسها معناه: يوقفها للجهاد في سبيل الله، ومنه ما جاء في حديث قصة ابن جميل وخالد، قال: (إنكم تظلمون خالداً وقد احتبس أدراعه)، أي: أوقف، يعني: خرج من هذه العدد وجعلها في سبيل الله عز وجل، احتبس، أي: أوقف، يحتبسها، يعني: يوقفها، والاحتباس غير الاحتساب، فالاحتساب هو نتيجة الاحتباس؛ لأنه يحتسب الأجر، وسيأتي بعد هذا الكتاب الذي هو كتاب الخيل كتاب الإحباس الذي هو الوقف، الذي هو التوقف، يعني أتى به بلفظ الإحباس، والوقف كما قالوا في تعريفه: هو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، يعني: الأصل لا يباع ولا يشترى، ومنفعته تصرف في وجوه الخير والبر، يحتسبها في سبيل الله فهي له، يعني: فهذه تكون له أجراً؛ لأنه أوقفها للجهاد في سبيل الله، وهو مأجور على ذلك، ثم ذكر أمثلة من سعة فضل الله عز وجل لحصول الأجر لهذا الذي احتبسها, فقال: (فأما الذي هي له أجر فالذي يحتبسها في سبيل الله فيتخذها له، ولا تغيب في بطونها شيئاً إلا كتب له بكل شيء غيبت في بطونها أجر، ولو عرضت له مرج).
    قوله: [(ولا تغيب في بطونها شيئاً)]، يعني: لا تأكل ولا تدخل في بطونها شيئاً، سواء كان مرعى أو ماء، سواء كان مأكولاً أو مشروباً، إلا كان له بذلك الذي غيبته في بطونها أجر على ذلك، (ولو عرضت له مرج)، المرج هي الروضة أو الأرض الواسعة التي فيها نبات، أي: فأكلت منها، فإنه يكون فيما أكلته يكون له فيه أجر.
    ثم قال: وساق الحديث، فلم يسقه بتمامه، لكن الحديث الذي بعده عن أبي هريرة في الطريق الثانية هي التي ساق فيها ألفاظه بتمامها، فأورد تفصيل ما يتعلق بالقسم الأول الذي تكون له أجراً، والقسم الثاني الذي تكون له ستراً، والقسم الثالث الذي تكون عليه وزراً.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن يحيى بن الحارث].عمرو بن يحيى بن الحارث هو الحمصي، ثقة، أخرج له النسائي.
    [عن محبوب بن موسى].
    محبوب بن موسى صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن أبي إسحاق يعني: الفزاري].
    أبو إسحاقالفزاري هو إبراهيم بن محمد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سهيل بن أبي صالح].
    سهيل بن أبي صالح حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والبخاري روى له تعليقاً ومقروناً، أي: أنه لم يورد له استقلالاً، ولكنه جاء مقروناً، ذكروه ضمن رجال البخاري، فرمز له المزي ومن تبعه بأنه من رجال الجماعة، والبخاري إنما خرج له مقروناً، وهذا يدلنا على أن المزي ومن تبعه عندما يكون الإنسان جاء في الأصول وفي الأسانيد، ولو لم يكن مستقلاً ومنفرداً بالرواية، وإنما جاء مقروناً مع غيره، فإنه يعتبر من رجال الجماعة، ولهذا قال الحافظ في التقريب: روى له البخاري مقروناً وتعليقاً، ورمز لكونه من رجال الجماعة، أي: لم يرمز له بالتعليق فقط؛ لأنه وجد كونه من رجال الأصول، ولكن ليس على سبيل الاستقلال، بل على سبيل كونه مقروناً مع غيره في الإسناد، يعني: حدثنا فلان وفلان، أخبرنا فلان وفلان.
    [عن أبيه].
    وهو أبو صالح، واسمه ذكوان، ولقبه السمان، ويقال: الزيات، نسبة إلى بيع السمن وإلى بيع الزيت، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فرضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث أبي هريرة في أقسام الخيل

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك في المرج أو الروضة كان له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها ذلك فاستنت شرفاً أو شرفين كانت آثارها -وفي حديث الحارث: وأرواثها- حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن تسقى، كان ذلك حسنات فهي له أجر، ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ولم ينس حق الله عز وجل في رقابها ولا ظهورها، فهي لذلك ستر، ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء لأهل الإسلام، فهي على ذلك وزر، وسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الحمير؟ فقال: لم ينزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8])].
    معنى سبيل الله

    ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه تفصيل الأقسام الثلاثة التي هي كونها لرجل أجراً، ولرجل ستراً، وعلى رجل وزراً، فقال في الذي هي له أجر: (فرجل ربطها في سبيل الله)، رجل ربطها في سبيل الله أي: للجهاد في سبيل الله؛ لأن كلمة (في سبيل الله) عند إطلاقها يراد بها الجهاد في سبيل الله، وهذا هو المعنى الخاص لها، وتأتي في سبيل الله بالمعنى العام، وهو أوجه الخير والبر كلها، يقال لها كلها: في سبيل الله؛ لأنها في طريق الإحسان والمعروف، لكن في سبيل الله يراد به الجهاد في سبيل الله، ولما ذكرت مصارف الزكاة الثمانية، ذكر من بينها في سبيل الله، والمقصود به: الجهاد في سبيل الله؛ لأن وجوه البر الأخرى هي كلها في سبيل الله؛ فإن إعطاء الفقراء هو في سبيل الله بالمعنى العام، وكذلك إعتاق الرقاب هو في سبيل الله بالمعنى العام، فإذاً يراد بسبيل الله المعنى الخاص، الذي هو الجهاد، ولا يراد به المعنى العام، ولهذا لا يجوز بناء المساجد، وبناء الأربطة، وتعبيد الطرق من الزكوات والصدقات التي جاء توزيعها في كتاب الله عز وجل على ثمانية أصناف، فإنه ليس منها هذه الأشياء، ولا يقال: إنها تدخل في سبيل الله؛ لأن تلك الأمور الأخرى هي في سبيل الله، ولو كان المقصود في سبيل الله المعنى العام، ما ذكر مع إعتاق الرقاب، ومع إعطاء ابن السبيل، ومع إعطاء الفقراء والمساكين؛ لأن هذا كله في سبيل الله بالمعنى العام، وأيضاً في سبيل الله المقصود به الجهاد، وعلى هذا فالزكاة تصرف في مصارفها الثمانية التي ذكرها الله عز وجل في كتابه، ولا تصرف في غيرها من وجوه البر الأخرى التي ما جاءت ضمن هذه الثمانية.قوله: [(فأطال لها في مرج أو روضة)].
    وأطال لها أي: ربطها وأطال الرباط بحيث وضع وتداً ثابتاً في الأرض، أو في شجرة غليظة بحيث يربط فيها طرف الخيط أو طرف الحبل، والطرف الآخر يكون في يد الفرس، فتستدير حول هذه المنطقة وترعى، ولا تذهب على رأسها أو تنفلت، ولكنه يطيل حتى يكون عندها مجال واسع، بحيث تأكل من هذه الأرض التي حولها، فما حصل لها في ذلك التحرك في ضمن هذه الدائرة المحدودة التي هي في حدود الحبل الذي جعله طويلاً حتى يكون لها مجال، إلا كان له حسنات، يعني: ما تأكله وما تتحركه، كل ذلك يكون له حسنات.
    (فأطال لها في مرج أو روضة)، الروضة هي: الأرض التي فيها خضرة، والمرج هو الأرض الواسعة التي فيها خضرة وفيها نبات، فمعناهما واحد، يعني: إما كذا أو كذا، فالمرج هو الروضة، والروضة هي المرج.
    قوله: [(فما أصابت في طيلها ذلك في المرج أو الروضة كان له حسنات)].
    أي: حدود هذا الحبل الذي تستدير فيه في هذه الدائرة، كل ما تصيبه في ذلك يكون له حسنات.
    (ولو أنها قطعت طيلها)، يعني: هذا الحبل لو قطعته ثم أسرعت وجرت شرفاً أو شرفين فيما إذا انطلقت؛ لأن المربوط إذا أطلق يجري ويسرع، ولهذا يقولون عن البعير إذا أرادوه أن يتحرك، خاصة إذا كان فيه هزال مثلاً، يشدون عليه في العقال ثم يطلقونه، وإذا انطلق يكون ذلك أدعى إلى كونه يقوم، ولهذا يقولون: كأنما نشط من عقال، يعني: مثل يضرب على الإنسان يصير عنده نشاط، فيكون مثل ذلك البعير الذي تربط يده بالعقال ثم تحل، فإنه عندما تحل يسرع ويحاول أن يقوم، وكذلك الذي هو مربوط في دائرة إذا انقطع رباطه، فإنه يجري، فما يحصل منه لو انقطع رباطه.
    (واستن شرفاً أو شرفين)، استن: أسرع وجرى، (شرفاً أو شرفين)، يعني: إما مكان عال؛ لأن الشرف هو المكان العالي، أو جرى على أي حالة كانت، فإن الله يكتب آثاره، أي: خطواته التي يخطوها، وفي بعض الروايات: وأرواثه، كل ذلك يكتب له حسنات.
    قوله: [(ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن تسقى، كان ذلك حسنات فهي له أجر)].
    ولو أنه مر بنهر يريد أن يجتاز، ولكنها أرادت الماء فانعطفت على الماء، وهو ما كان في نيته أنه يسقيها، ولكنها هي نفسها أرادت الماء فشربت، فله أجر بذلك، وإذا كان هذا في الشيء الذي ما قصده، فمن باب أولى أن الشيء الذي قصده يكون له فيه أجر، ولا يعارض الحديث العام الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، وهو ما نوى أنه يعمل هذا الشيء بالنسبة لها؛ لأن نيته أصلاً في تحبيسها، يعني: أن كل ما تفعله يرجع إليه أجره، فالنية العامة موجودة في أصل التحبيس والتوقيف، وفي أصل ربطها لهذا الغرض ولهذا الخصوص، فيكون له أجر، ولكن ذكر كونه يؤجر على ذلك وهو لم يقصد ذلك بالخصوص، وإن كان قد أراده في أصل التحبيس، ففيه إشارة وتنبيه إلى أنه إذا كان هذا في شيء ما قصده، فمن باب أولى أن يكون كل شيء أراده، وكل شيء قصده أنه يؤجر عليه، فهي لمن يكون كذلك أجر، هي لرجل أجر، فهذه الصفات والأحوال التي يكون فيها الأجر لمن ربطها واحتبسها في سبيل الله.
    قوله: [(ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ولم ينس حق الله عز وجل في رقابها ولا ظهورها، فهي لذلك ستر)].
    ورجل هي له ستر، الإنسان الذي ربطها لحاجته، وإظهار لغناه وعدم حاجته للناس، (وتعففاً)، أي: استغناء عن الناس، وعن كونه يطلب من الناس أموالهم أن يستفيد بها، فعنده ما يكفيه، وربط شيئاً يكفيه، ولم ينس أيضاً حق الله في ظهورها ورقابها، بأنه إذا حصل أمر يستدعي أنه يجعلها في الجهاد في سبيل الله، وكذلك من جهة أنه يحسن إلى الناس بالإعارة، أو بكونه يعير الفحل لينزوا على أنثى لغيره، كل هذا يدخل تحت كونه يستفيد ويفيد، فهو يستفيد بنفسه ويستغني عن الناس، ويتعفف فلا يحتاج إلى الناس، ويكون عنده ما يغنيه ويكفيه، وكذلك أيضاً لا ينسى أن يعدي النفع إلى الغير، وأن يحسن إلى الناس، فهي لهذا ستر؛ لأنه ستر يقيه، أي: كونه يحتاج إلى الناس ويضايق الناس في أموالهم، أو يطلب منهم شيئاً قد يكون في نفوسهم شيء من عدم الإعطاء، فهو يستغني بذلك عن الناس، وإذا احتيج إليه فعنده الاستعداد لأن يفيد غيره كما أفاد نفسه، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).
    وقوله: [(ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء لأهل الإسلام، فهي على ذلك وزر)].
    ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء لأهل الإسلام، يعني: معاداة لهم، أو نكاية بهم، أو ما إلى ذلك، فهي لهذا وزر، وليست له أجر؛ لأنه ما ربطها للجهاد ولا للاستغناء بها، وإنما للفخر والخيلاء والرياء والكيد بأهل الإسلام، ومعاداة أهل الإسلام.
    ثم سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحمير بعدما ذكر الخيل، وما فيها من الأجر، وأن الخيل معقود بنواصيها، وأن الناس فيها ثلاثة أصناف، سئل عن الحمير؟ يعني: كيف الحال فيها؟ قال: ما عندي فيها، أو لم ينزل علي فيها ولا في غيرها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، الإنسان إذا أحسن إلى ما في يده، فإنه يؤجر على ذلك، وهذه ليست خاصة بالحمير، بل هي عامة في كل إحسان، من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره؛ لأنها في جميع وجوه الخير وفي جميع وجوه الشر، فالخير ولو كان قليلاً، إذا قدمه أمامه وجده، والشر ولو كان قليلاً، فإنه إذا قدمه يجده أمامه.
    وقوله: الجامعة؛ لأنها عامة تشمل كل شيء، ويدخل في ذلك الحمير، وإفادة الناس ونفعهم بها، والفاذة: المنفردة التي هي جامعة، ومع ذلك منفردة في عموم ما فيها من النفع، وما فيها من الخير.
    وأما السيارات فلا شك أن كون الإنسان يصير عنده وسيلة من الوسائل، ويحسن إليها ويحسن فيها، هي داخلة في هذه الآية الفاذة الجامعة.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في أقسام الخيل

    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    الحارث بن مسكين].
    هو الحارث بن مسكين المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك بن أنس].
    مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، الإمام المشهور، صاحب أحد المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد بن أسلم].
    زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما.

    الأسئلة


    الجمع بين قول الله تعالى: (لا إكراه في الدين) وقتال الكفار على الإسلام


    السؤال: قول الله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256]، هل هذه الآية تدل على حرية الاعتقاد أو تساوي الأديان كما يزعمه بعض الناس، وكيف يجمع مع مشروعية الجهاد وقهر الكفار على الإسلام؟الجواب: معلوم أن الجهاد في سبيل الله قائم ومستمر، لكن إذا حصل الجهاد في سبيل الله لا يكره الناس على أن يدخلوا في الدين، بل إذا أعطوا الجزية ورضخوا لأحكام الإسلام، ودخلوا في أحكام الإسلام، فإنهم يتركون على ما هم عليه ولا يقاتلون؛ لأنه قد يكون دفعهم الجزية وسيلة إلى أنهم يشاهدون أحكام الإسلام، وما جاء في الإسلام من الخير، فيكون ذلك أدعى إلى دخولهم في الإسلام، وإلى دخولهم في هذا الدين الحنيف، وأيضاً المسلمون عندما يمسكون أي إنسان لا يقال: إما أن تسلم، وإما قتلناك، فلا يكون الأمر كذلك، وبالمقابل لا يعني أن الناس يجلسون في دورهم وفي أماكنهم ولا يخرجون لقتال الناس وجهادهم في سبيل الله عز وجل، حتى يخرجوا من دين الضلالة إلى دين الهدى.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #463
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الخيل

    (460)

    - (باب حب الخيل) إلى (باب شؤم الخيل)




    جبل الإنسان على حب الخيل لما تتمتع به من صفات كريمة، ومع ذلك فإن في بعض الخيل صفات مكروهة كالشكال، والذي فسره البعض بأنه وجود التحجيل في اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، أو في اليد اليسرى مع الرجل اليمنى، وهو ما يسميه البعض التحجيل من خلاف.

    حب الخيل


    شرح حديث: (لم يكن شيء أحب إلى رسول الله بعد النساء من الخيل)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب حب الخيل.أخبرني أحمد بن حفص حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد النساء من الخيل)].
    يقول النسائي رحمه الله: حب الخيل، الخيل تحب؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها أحاديث، منها: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، فهذا يبعث على محبتها، وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث أنس رضي الله تعالى عنه، أنه قال: (لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل)، الحديث فيه دلالة على محبة الخيل، وأنه يلي محبة النساء، وقد جاء في الحديث: (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب)، وقيل: إنه لعله لم يذكر الخيل مع النساء والطيب؛ لأن حب الخيل من الدين، ولأنها من أسباب الانتصار، ومن أسباب الخير للمسلمين، وأما النساء والطيب فهي محببة من الأمور الدنيا، ولكن الخيل لم تذكر معها لكونها تتخذ للجهاد في سبيل الله، وفيه إعلاء كلمة الله، وإظهار دين الله، فلم تذكر مع الاثنتين اللتين هما النساء والطيب، ولكن الذي يدل على محبتها، وعلى الرغبة فيها، ما أخبر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم،عنها بقوله: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، وقد مر جملة من الطرق لهذا الحديث، ويأتي أيضاً جملة من الطرق له.
    وهذا الحديث ضعفه الألباني، ولعل السبب في ذلك وجود مدلسين، هما: سعيد بن أبي عروبة، وكذلك أيضاً قتادة، وكل منهما مدلس، وقد جاء الحديث بالعنعنة عن كل واحد منهما.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لم يكن شيء أحب إلى رسول الله بعد النساء من الخيل)


    قوله: [أخبرني أحمد بن حفص].هو أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد النيسابوري، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أبيه].
    هو حفص بن عبد الله بن راشد النيسابوري، وهو صدوق، خرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، أي: زيادة على ابنه خرج له ابن ماجه.
    [عن إبراهيم بن طهمان].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن أبي عروبة].
    ثقة، كثير التدليس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك].
    رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة، وقد عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والسبعة المعروفون بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.


    ما يستحب من شية الخيل


    شرح حديث أبي وهب الجشمي في شية الخيل


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يستحب من شية الخيل.أخبرنا محمد بن رافع حدثنا أبو أحمد البزاز هشام بن سعيد الطالقاني حدثنا محمد بن مهاجر الأنصاري عن عقيل بن شبيب عن أبي وهب وكانت له صحبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن، وارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأكفالها، وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار، وعليكم بكل كميت أغر محجل، أو أشقر أغر محجل، أو أدهم أغر محجل)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: شية الخيل، يعني: صفة الخيل، والأشياء التي يحرص عليها، ويرغب فيها أن تكون عليها الخيل، أورد النسائي حديث أبي وهب الجشمي رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن).
    قوله: (تسموا بأسماء الأنبياء)، أمر بالتسمي بأسماء الأنبياء، والحديث في إسناده رجل مجهول وهو عقيل بن شبيب، ولكن جاء ما يدل على مقتضى هذه الجملة، وذلك في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من قوله صلى الله عليه وسلم، لما ولد ابنه إبراهيم، قال: (ولد الليلة لي غلام وسميته باسم أبي إبراهيم)، فهذا يدل على التسمي بأسماء الأنبياء؛ لأنه ما قال: سميته إبراهيم وسكت، وإنما قال: سميته باسم أبي إبراهيم.
    (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) هذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التعبيد لله عز وجل، وأن يعبد بأسمائه هذا ثابت، لكن الحديث الذي فيه: (خير الأسماء ما عبد وحمد)، هذا غير ثابت، لكن الثابت قوله: (عبد الله وعبد الرحمن)، هذان هما أحب الأسماء إلى الله عز وجل، والتعبيد لله عز وجل بهذين الاسمين لا شك أنه أفضل من غيره؛ لأن هذين الاسمين اسمان مختصان بالله عز وجل لا يطلقان على غيره، فلا يطلق الله إلا على الله، ولا يطلق الرحمن إلا على الله، وهناك أسماء أيضاً لا تطلق إلا على الله، مثل: الصمد والخالق وبعض الأسماء، لكن الحديث جاء بالتنصيص على هذين الاسمين، وهما: الله والرحمن، وأن أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، فهذه الجملة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديث آخر.
    ثم قال: [(وارتبطوا الخيل)]، وربط الخيل للجهاد في سبيل الله، وحبسها في سبيل الله أيضاً ثابت، وسبق أن مر بنا حديث الرجل الذي له فيها أجر، وهو رجل ربطها واحتبسها في سبيل الله، ويكون له كذا وكذا من الأجر، فارتباط الخيل في الجهاد في سبيل الله ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [(وامسحوا بنواصيها وأكفالها)].
    نواصيها مقدمتها، وأكفالها أفخاذها، قيل: إن المقصود من ذلك الاستئناس بها وتأنيسها، وكونها تستأنس بصاحبها عندما يمسح عليها، فإن ذلك فيه استئناس له، واستئناس لها بمسها والقرب منها، وقيل: إن المقصود من ذلك معرفة حالها وجس سمنها، بكونه يمسح على أفخاذها، وقيل: إن المقصود من ذلك هو إزالة الغبار عنها بكون الإنسان ينفض ذلك عنها بيده ويزيله عنها.
    قوله: [(وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار)]، قيل: إن المقصود بقوله: قلدوها، أي: يعدونها لإعلاء كلمة الله عز وجل، وللجهاد في سبيل الله، فكأن هذا أمر لازم لزوم القلادة للعنق، وقيل: ولا تقلدوها الأوتار، يعني: لا تقلد للفخر والخيلاء وأخذ الثأر، وما يحصل بين القبائل من الاقتتال بغير حق، لا تتخذ الخيل لتستعمل لهذه الأغراض، وقيل: إن المقصود: لا تقلدوها الأوتار، أي: أنها لا تقلد الأوتار في أعناقها، إما لكون ذلك سبباً في اختناقها عندما ترعى في شجرة وليس عندها أحد، فيعلق عود من الأعواد بها، فيؤدي ذلك إلى اختناقها، وقيل: إن المقصود بذلك أنهم في الجاهلية كانوا يقلدونها الأوتار لتحميها من العين، وحتى لا يصيبها عين بسبب ذلك، فالمنع لهذه الأغراض.
    قوله: [(وعليكم بكل كميت أغر محجل)].
    وهذه هي الصفات المرغوبة في الخيل، والتي هي المقصودة بالترجمة، بقوله: شية الخيل، أي: صفتها وعلامتها، وقال: (عليكم بكل كميت أغر محجل)، والكميت هو الذي اختلطت الحمرة فيه بالسواد، أي: ليست حمرة خالصة ولا سواداً خالصاً، وإنما بين بين، والأغر هو الذي في ناصيته ووجهه بياض، هذا هو الأغر، والمحجل هو الذي في قوائمه بياض، يعني: تحت الركبتين وفوق الحافر، فتكون تلك المنطقة فيها بياض.
    قوله: [(أو أشقر أغر محجل)]، والأشقر هو الأحمر الخالص الحمرة، (والأدهم الأغر المحجل هو الأسود)، فهذه هي الصفات المرغوبة: الكميت، وهو: بين الحمرة والسواد، والأحمر الخالص، والأسود الخالص، وفي جميع الأحوال يكون أغر محجلاً.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي وهب الجشمي في شية الخيل


    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].محمد بن رافع النيسابوري القشيري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه.
    [عن أبي أحمد البزاز هشام بن سعيد الطالقاني].
    صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي.
    [عن محمد بن مهاجر الأنصاري].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عقيل بن شبيب].
    مجهول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أبي وهب].
    أبو وهب وله صحبة، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي.
    والحديث في سنده ذلك المجهول، لكن بعضه له شواهد تدل على ما جاء فيه، مثلما جاء في أوله، وما جاء من التسمية بأسماء الأنبياء، وكذلك التسمية بعبد الله وعبد الرحمن، وكذلك ارتباط الخيل للجهاد في سبيل الله، كل ذلك له شواهد.


    الشكال في الخيل


    شرح حديث: (كان النبي يكره الشكال من الخيل)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الشكال في الخيل.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وأنبأنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر حدثنا شعبة عن عبد الله بن يزيد عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يكره الشكال من الخيل)، واللفظ لـإسماعيل].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الشكال في الخيل، الشكال صفة من صفات الخيل، وهي مكروهة، وقد جاءت الأحاديث بكراهيتها، والشكال في الخيل فسر بعدة تفسيرات، منها ما فسره النسائي في آخر الأحاديث الواردة في الباب، أي: فسره في آخر الباب بعد الحديث الثاني: وهو أن تكون القوائم الثلاث محجلة وواحدة مطلقة، يعني: ليس فيها تحجيل، أو العكس، بأن تكون ثلاث قوائم مطلقة ورجل محجلة، وفسر التحجيل بتفسيرات أخرى، لكن أحسنها كما قاله السندي في الحاشية: أن تكون إحدى اليدين مع الرجل التي هي مخالفة لها محجلة، بحيث يكون التحجيل في اليد اليمنى والرجل اليسرى، أو اليد اليسرى والرجل اليمنى، يعني من خلاف، هذا هو أرجح ما قيل في الشكال؛ لأنه ورد عند أبي داود بعد ذكر الحديث تفسير الشكال بهذا المعنى، وهو ليس مبيناً أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا من كلام غيره، فإن كان من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فذلك واضح، وإن كان ليس من كلامه، وإنما من كلام بعض الرواة، فأيضاً تفسير الرواة له وجاهة وترجيح، وهو أن يكون التحجيل بين يد ورجل من خلاف، ما يكون في يد يمنى ورجل يمنى، أو يد يسرى ورجل يسرى، وإنما في يد يمنى ورجل يسرى، أو يد يسرى ورجل يمنى، ليس على التساوي بين اليد والرجل، وإنما فيه مخالفة بين الرجل واليد، فهذا هو أحسن ما قيل في تفسير الشكال.
    وإنما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم، الشكال في الخيل؛ لأن هذا مما جرب فلم يكن فيه نجابة، أي: بالتجربة ظهر أنه ليس فيه نجابة، كما قيل ومن المعلوم أن الدواب في ألوانها وفي أشكالها لها ميزة عند أهلها، ولهذا في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي يوم خيبر قال: (خير لك من حمر النعم)، يعني: هذا اللون وهذه الصفة هي من أنفس ما يكون عند العرب، فأشكالها وألوانها وهيئاتها مفضلة بعضها على بعض، ولها ميزة بعضها على بعض، ثم أيضاً من حيث التجربة، هذه الصفات تكون غالباً على هيئة حسنة، وعلى هيئة مرغوب فيها، من الوجوه المختلفة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي يكره الشكال من الخيل)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه.
    [عن محمد بن جعفر].
    هو الملقب غندر البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ح وأنبأنا إسماعيل بن مسعود].
    هو البصري أبو مسعود، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن بشر].
    بشر بن المفضل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة عن عبد الله بن يزيد].
    شعبة عن عبد الله بن يزيد، وهو النخعي، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وذكر الحافظ ابن حجر: أن الإمام أحمد قال: إنه سلم بن عبد الرحمن النخعي، وأن شعبة أخطأ في اسمه، لكن هذا ذكر له ترجمة، وذكر من خرج له، وذاك ذكر له ترجمة وذكر من خرج له، وهما متفاوتان؛ لأن هذا خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وذاك الذي سيأتي في الحديث الذي بعد هذا، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وجاء في الإسناد الذي بعد هذا سالم بن عبد الرحمن، وهو سلم بن عبد الرحمن وليس سالم، ونحن ما ندري من المصيب أحمد أم شعبة، وعلى كل، فكل منهما صدوق، سواء كان هذا أو هذا.
    [عن أبي زرعة].
    هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    في سنن الترمذي قال شعبة: حدثنا عبد الله بن يزيد، أو قال: حدثنا سالم أو سلم بن عبد الرحمن، لأنه في طبعة محمد عوامة رمز لـعبد الله بن يزيد فقط مسلم، والنسائي، وهنا سلم بن عبد الرحمن، أصحاب السنن كلهم أخرجوا له مع الإمام مسلم، فطبعة أبي الأشبال هو الذي زاد فيها الترمذي، وفي تحفة الأشراف: ميم سين، أي: مسلم، والنسائي اتفقا على إخراجه من هذا الطريق: عبد الله بن يزيد عن أبي زرعة عن أبي هريرة، لكن ما أدري عن زيادة الترمذي، لكن ذكر الرمز ما يلزم أن يكون في نفس الإسناد، فالمقصود بالرمز الكتاب كله كما هو معلوم؛ لأن عبد الله بن يزيد ما روى عن أبي زرعة إلا هذا الحديث، فلذلك في التقريب قال: عبد الله بن يزيد النخعي الكوفي، عن أبي زرعة في شكال الخيل، فقال: صدوق وهكذا، ومعنى هذا أنه ينظر في الترمذي، فإن كان فيه، وإلا فالتاء فيه تعتبر زائدة.

    حديث: (كان النبي يكره الشكال من الخيل) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا سفيان حدثني سلم بن عبد الرحمن عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه كره الشكال من الخيل)، قال أبو عبد الرحمن: الشكال من الخيل أن تكون ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة، أو تكون الثلاثة مطلقة ورجل محجلة، وليس يكون الشكال إلا في رجل ولا يكون في اليد].ثم أورد النسائي حديث: أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم، وذكر النسائي بعد ذلك تفسير الشكال، ولكن التفسير الذي بعد الحديث مباشرة في سنن أبي داود هو الأقرب والأظهر، مثلما قال السندي في الحاشية.
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].
    هو الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سلم بن عبد الرحمن].
    هو سلم بن عبد الرحمن النخعي، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي زرعة عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما.


    شؤم الخيل


    شرح حديث: (الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب شؤم الخيل.أخبرنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن منصور واللفظ له قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار)].
    ثم ذكر هذه الترجمة وهي: شؤم الخيل، والمقصود من ذلك ما ورد فيما يتعلق بالشؤم في الخيل، وما ذكر معها من المرأة والدار، وفسر الشؤم بأن هذه الثلاثة الأشياء جعلها الله عز وجل أسباباً، وقد يحصل بسببها ضرر، فقالوا: فإذا اعتقد بأن غير الله عز وجل يؤثر، وأن تلك مؤثرة، فذلك باطل وغير سائغ، وأما إذا كانت أسباباً، يكون فيها الخير، ويكون فيها الشر، وهي ملازمة للإنسان، وتكون معه باستمرار، ويحصل الضرر بها، فقد يكون في نفسه منها شيء، فهذا من شؤمها، وقيل: إن هذا اللفظ الذي جاء وهو الشؤم في ثلاث، إنه جاء في بعض الأحاديث بألفاظ أخر، وهي: (إن يكن الشؤم في شيء ففي ثلاث)، وليس يلزم أن يكون، ولكن إشارة إلى أنه لو كان أو إن كان، فإنه يكون في هذه الأشياء لملازمة الإنسان لها؛ لأن الإنسان يلازم البيت، ويلازم المركوب، ويلازم المرأة، فإن كان شؤم فإنه فيها، ولفظ (إن) أحياناً يأتي ولا يكون، مثلما جاء في نصوص كثيرة كقوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يشرك، فلا يحبط عمله، ولا يلزم من حصول الشرط أن يقع جوابه، وإنما هو على سبيل الفرض، أي: لو حصل كذا لكان كذا وكذا، فإن كان الشؤم في شيء فإنه يكون في هذه الأشياء، مع أن الشؤم لا يكون، ولا يتشاءم الإنسان في شيء، وإنما ترجع الأمور كلها إلى الله عز وجل، ويعتمد على الله ويتوكل عليه، وعلى هذا فالروايات التي جاء فيها: (إن يكن الشؤم في شيء ففي ثلاث..)، قال الشيخ الألباني: إنها هي المحفوظة.
    وأما ما جاء في هذا اللفظ الذي هو بغير الشرط، فإنه يكون شاذاً؛ لأن هذا فيه إثبات الشؤم، وذاك ليس فيه إثبات الشؤم، ولكن فيه إثبات أنه لو كان فإنه يكون في هذه الأشياء، وليس من شرط أو أنه يلزم من وجود الشرط أن يوجد جوابه، لكن المقصود من ذلك أنه إن كان فإنه يكون، وليس بلازم أن يكون الشؤم في هذه الثلاث: الفرس، والمرأة، والدار، وإنما ذكرت هذه الأشياء لملازمة الإنسان لها.
    وعلى من يقول برواية الباب، يكون المراد أن هذه الأشياء الثلاث هي أسباب عادية لحصول الشر، كما أنها تكون أيضاً أسباباً عادية لحصول الخير، فإذا لوحظ أنه يحصل فيها لملازمتها شيء من الشر، فليس من قبيل كون هذه الأشياء مؤثرة، وأن تلك الأسباب يحصل منها شيء بغير إذن الله عز وجل، ولهذا قال المحشي: إن كان هذا من هذا القبيل يكون جائزاً، لكن الأظهر والأقرب التفسير الثاني الذي هو أن (إن) شرطية، وليس من لازم وجود الشرط أن يكون حاصلاً جوابه الذي هو وجود الشؤم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار)


    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ومحمد بن منصور].
    هو محمد بن منصور الجواز المكي، ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهو صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حديث: (الشؤم في الدار والمرأة والفرس) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الشؤم في الدار والمرأة والفرس)].ذكر حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرني هارون بن عبد الله].
    هو الحمال البغدادي، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن معن].

    هو معن بن عيسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وهو الإمام المشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [و الحارث بن مسكين].
    هو شيخ النسائي، أي: هذا إسناد آخر يرجع إلى هارون؛ لأن هارون شيخه والحارث بن مسكين شيخه، ولكن هنا ما ذكر حاء التحويل، والمقصود أن الحارث بن مسكين معطوف على هارون؛ لأن هذا إسناد آخر يبدأ من جديد، والحارث بن مسكين ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن مالك عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر].
    حمزة هو شقيق سالم بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمر].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (إن يك في شيء ففي الربعة والمرأة والفرس)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن يك في شيء ففي الربعة، والمرأة، والفرس)].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه: (إن يك) -أي: الشؤم- (في شيء ففي الربعة والمرأة والفرس)، والمقصود بالربعة الدار، الربعة والربع الدار، ولهذا جاء في الحديث لما أراد أن يدخل إلى مكة، أتنزل في دارك؟ قال: وهل ترك لنا عقيل من رباع؟ أي: هل ترك لنا من دور؟ فالرباع هي الدور، والربعة هي الدار، فهي مثل الحديث الذي مر، أي: فيه لفظ الدار، والمقصود به الدار أو المنزل، والربع أو الربعة هي الدار، والحديث مثل الأحاديث الأخرى التي جاءت بلفظ: (إن يك الشؤم ففي كذا).

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن يك في شيء ففي الربعة والمرأة والفرس)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزبير].
    هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #464
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الخيل

    (461)

    - باب بركة الخيل - باب فتل ناصية الفرس



    الخيل من الحيوانات المباركة التي كتب الله فيها الخير إلى يوم القيامة؛ لما فيها من النفع في الدنيا والآخرة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بها ويستأنس لها، ويوصي بها خيراً.
    بركة الخيل

    شرح حديث أنس: (البركة في نواصي الخيل)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب بركة الخيل.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا النضر حدثنا شعبة عن أبي التياح سمعت أنساً، ح وأنبأنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى حدثنا شعبة حدثني أبو التياح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (البركة في نواصي الخيل)].
    أورد النسائي بركة الخيل، وقد جعل الله فيها البركة، ومن بركتها ما جاء في الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، فهذا يدل على بركتها، وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (البركة في نواصي الخيل)، ويفسر البركة الحديث الآخر الذي جاء من طرق عديدة: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، وجاء في بعض الروايات: (الأجر والمغنم)، فهي بركة تحصل فائدتها في الدنيا وفي الآخرة؛ في الدنيا بحصول المغنم، والغنائم التي تكون في الجهاد في سبيل الله، وكذلك نصرة الإسلام وأهله، وعزة المسلمين، وغلبتهم، وكذلك بالنسبة للآخرة؛ لأن الأجر العظيم يكون في الدنيا وفي الآخرة.

    تراجم رجال إسناد حديث أنس: (البركة في نواصي الخيل)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن راهويه، وقد مر ذكره.
    [عن شعبة].
    قد مر ذكره.
    [عن أبي التياح].
    هو يزيد بن حميد الضبعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [ح وأنبأنا محمد بن بشار عن يحيى].
    وقد ذكر أن أبا التياح من الطبقة الخامسة، وأنساً من الطبقة الأولى، طبقة الصحابة، فالذي في الخامسة يروي عمن في الأولى؛ لأن أنساً من صغار الصحابة، وقد عمر، وأدركه من أدركه، وعاش بعده مدة طويلة، ولهذا أبو التياح من الطبقة الخامسة، ويروي عن أنس وهو من الطبقة الأولى، فالطبقات كما هو معلوم يكون فيها الكبار، وفيها المتوسطون، وفيها الصغار، ولا يلزم أن يكون الراوي يروي عمن فوقه في الطبقة الثانية عن الأولى أو الثالثة عن الثانية.. وهكذا؛ لأن الأحاديث الثلاثية، وهو كون البخاري يروي حديثاً بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، ثلاثة أشخاص، إنما جاء بكون الشخص يكون معمر، ويروي عن شخص متقدم، ثم يعمر ويروي هذا في صغره ويموت هذا في نهاية حياته، ثم هذا يعمر طويلاً.. وهكذا، فيأتي ثلاثة أشخاص يعادلون إحدى عشرة طبقة؛ لأن الذي من شيوخ البخاري في الطبقة العاشرة، وشيوخ البخاري يروون عن التابعين، والتابعون يروون عن الصحابة، ولهذا نجد أن النسائي عنده رباعيات وعنده عشاري وتساعي، هذا العدد الكبير الذي هو العشاري والتساعي مع أنه له رباعيات، إنما جاء من كون أصحاب الطبقة يروي بعضهم عن بعض، وقد يروي شخص متأخر في طبقة متأخرة عن شخص متقدم؛ لأنه أدركه.
    [ح وأنبأنا محمد بن بشار عن يحيى].
    ثم ذكر إسناداً آخر: محمد بن بشار مر ذكره، ويحيى القطان مر ذكره.
    [عن شعبة عن أبي التياح عن أنس].
    مر ذكرهم.


    فتل ناصية الفرس


    شرح حديث جابر: (رأيت رسول الله يفتل ناصية فرس بين إصبعيه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فتل ناصية الفرس.أخبرنا عمران بن موسى حدثنا عبد الوارث حدثنا يونس عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جرير رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يفتل ناصية فرس بين إصبعيه، ويقول: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر، والغنيمة)].
    أورد النسائي: فتل ناصية الفرس، الفتل هو: كون الإنسان يحركها بأصبعه كهيئة الفاتل، وليس معنى ذلك أنه يفتلها ويعملها مثل الحبل، وإنما الفتل هو كونه يعمل هذه الهيئة التي مثل الفتل، أي: تشبه الفتل، ولكنه ليس الفتل المعروف الذي هو فتل الحبال، يفتل الخيوط ويجعلها حبلاً؛ لأن الحبل يتكون من خيوط، خيط يضم إلى خيط فيفتل، ويصير حبلاً، فهذا ليس من هذا القبيل، وإنما هو تحريكه استئناساً به، أي: مثلما جاء في الحديث الذي مر وفيه ضعف: (وامسحوا بنواصيها، وأفتالها)، أي: يستأنس بها، ويحرك ناصيتها أو شعر ناصيتها بأصبعيه كهيئة الفاتل، ومن هذا القبيل ما يذكر عن عمر رضي الله عنه: أنه كان يفتل شاربه، ولا أدري عن صحته، ولكن بعض الناس يفهم من هذا أنه يطول الشارب، أبداً، إنما الفتل هو كون الإنسان يسوي هكذا، يعني يعمل أصبعين ولو كان الشعر قصيراً، هذا يقال له: فتل، هذه هيئة الفتل، فكان يفتل ناصية فرسه بين أصبعيه، أي: يحركها كهيئة الفاتل، والمقصود من ذلك كما هو معلوم الاستئناس بالفرس، وتأنيس الفرس؛ لأن الفرس إذا جعل صاحبه يمسح عليه ويلمسه يستأنس به، وصاحبه يستأنس بقربه ولمسه والمسح على ناصيته أو فتل ناصيته، ثم قال عليه الصلاة والسلام، وهو يعمل هذه الهيئة: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والغنيمة)، وهذا في تفسير الخير الذي في الخيل، وهو الأجر والغنيمة، الغنيمة التي تحصل في الدنيا مما يغنمه المسلمون من الكفار، وهو خير مصادر الرزق، وأفضل مصادره، وهذا منه رزق المصطفى صلى الله عليه وسلم، الحديث: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري)، والأجر الثواب عند الله عز وجل في الدار الآخرة، ففيه حسنة في الدنيا وحسنة في الآخرة، أي: يحصل من الخيل حسنة في الدنيا وحسنة في الآخرة: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، من حسنات الدنيا الرزق الوافر والخير الكثير، وحسنة الآخرة الأجر العظيم عند الله سبحانه وتعالى، ففي الخيل من الخير ما يكون في الدنيا وفي الآخرة، وما هو من حسنة الدنيا ومن حسنة الآخرة.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتل ناصية فرس بين إصبعيه ...)


    قوله: [أخبرنا عمران بن موسى].صدوق، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عبد الوارث].
    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو يونس بن عبيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن سعيد].
    هو عمرو بن سعيد الثقفي، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي زرعة].
    وقد مر ذكره.
    [عن جرير].
    هو جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأبو زرعة يروي عن جده جرير؛ لأن أبا زرعة بن عمرو بن جرير، وهو يروي عن جده جرير، من رواية الحفيد عن الجد.

    شرح حديث ابن عمر: (الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، ولكن ليس فيه ذكر فتل ناصية الفرس؛ لأن الترجمة الذي يشهد لها هو الحديث الأول، وأما الأحاديث الأخرى فليس فيها ذكر الفتل، وإنما فيها ذكر الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، والحديث كما أشرت ورد من طرق عديدة عن جماعة من الصحابة، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري في الجزء السادس صفحة ستة وخمسين الصحابة الذين رووا هذا الحديث، والأئمة الذين خرجوا هذا الحديث: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، وذكر جماعة عدداً من الصحابة، ومن الأئمة الذين خرجوا هذا الحديث، وأنا ذكرته في الفوائد المنتقاة من فتح الباري، وكتب أخرى، والحديث كما قلت: ليس فيه شاهد للترجمة إلا الحديث الأول، فهذه أحاديث عديدة في فضل الخيل، وبركة الخيل، والذي يطابق الترجمة هو الحديث الأول.
    والحديث ليس محكوما عليه بالتواتر، وإنما قال: الحديث -حديث الخيل- رواه فلان وفلان، أي: جاء عن فلان صحابي خرجه فلان، وعن فلان الصحابي خرجه فلان، وعن فلان الصحابي خرجه فلان، وعدد ما أتذكر كم يبلغون، لكنهم عدد لا بأس به.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)

    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].مر ذكره.
    [عن الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو مولى ابن عمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    وقد مر ذكره.
    وهذا من رباعيات النسائي؛ لأن فيه بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص: قتيبة، والليث، ونافع، وابن عمر.

    شرح حديث عروة البارقي: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء أبو كريب حدثنا ابن إدريس عن حصين عن عامر عن عروة البارقي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)].أورد النسائي حديث عروة البارقي رضي الله عنه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، وهو مثلما تقدم.
    وعروة هذا هو ابن أبي الجعد، أي: يأتي في بعض الأحاديث وبعض الروايات يقال له: البارقي، وفي بعضها يقال له: ابن أبي الجعد، وهو شخص واحد.

    تراجم رجال إسناد حديث عروة البارقي: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)


    قوله: [حدثنا محمد بن العلاء أبو كريب].ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن إدريس].
    هو عبد الله بن إدريس الأودي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حصين].
    هو حصين بن عبد الرحمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عامر].
    هو عامر بن شراحيل الشعبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة].
    هو عروة بن أبي الجعد البارقي، صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الصحابي الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ديناراً ليشتري به شاة، فاشترى بالدينار شاتين، فباع إحدى الشاتين بدينار وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار، فدعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بالبركة، فكان ما اشترى شيئاً إلا وربح به، هذا هو صاحب هذه القصة الذي هو: عروة بن أبي الجعد البارقي رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث عروة البارقي: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، قالا: حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن حصين عن الشعبي عن عروة بن أبي الجعد أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم)].أورد النسائي حديث عروة رضي الله عنه: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم)، وقد مر ذكره.
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى].
    وهما من شيوخ أصحاب الكتب الستة، بل إنهما متفقان في أمور كثيرة؛ في سنة الولادة، وسنة الوفاة، والشيوخ، والتلاميذ، وكونهما من أهل البصرة، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: وكانا كفرسي رهان، أي: متماثلين، ما يسبق أحدهما الآخر، وماتا في سنة واحدة، وهي: سنة اثنين وخمسين ومائتين قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وهما من شيوخ أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي عدي].
    هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة عن حصين عن الشعبي عن عروة بن أبي الجعد].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

    حديث عروة البارقي: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي أنبأنا محمد بن جعفر أنبأنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن عروة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم)].أورد النسائي حديث عروة البارقي رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن جعفر].
    الملقب غندر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    مر ذكره.
    [عن عبد الله بن أبي السفر].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن الشعبي عن عروة].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث عروة البارقي: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن أنبأنا شعبة أخبرني حصين وعبد الله بن أبي السفر أنهما سمعا الشعبي يحدث عن عروة بن أبي الجعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم)].أورد النسائي حديث عروة البارقي من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    قد مر ذكره.
    [عن عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    مر ذكره.
    [عن حصين وعبد الله بن أبي السفر عن الشعبي].
    وقد مر ذكرهم.


    الأسئلة


    مدى صحة اعتبار الرحمة الواردة في حديث: (إن الله خلق مائة رحمة ...) من صفات الله تعالى


    السؤال: جزاكم الله خيراً، يذكر الأخ حديث رواه الإمام مسلم: (إن الله خلق مائة رحمة، أنزل واحدة منها، وادخر تسعة وتسعين)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فهل الرحمة في هذا صفة لله؟
    الجواب: لا، هذه مخلوقة؛ لأنه قال: خلق مائة رحمة، وهي من آثار الصفة؛ لأن الرحمات المخلوقة هي من آثار الصفة، كما قال الله عز وجل: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم:50]، فالمطر رحمة، ولكنه من آثار الرحمة التي هي الصفة، والرحمة التي هي المطر مخلوقة، وقد جاء في الجنة وصفها بأنها رحمة، حيث جاء في الحديث: (إنك -الجنة- رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها)، فقال عن الجنة: أنها رحمة، وهي رحمة مخلوقة، وهذه الرحمات المخلوقات هي من آثار الرحمة التي هي الصفة، فالحديث واضح بأن هذه الرحمات مخلوقة، وصفات الله غير مخلوقة، بل صفات الله قائمة به، ولكن المخلوق أثر الصفة وهي الرحمات المخلوقة التي منها الجنة، كما جاء في الحديث: (وإنك -الجنة- رحمتي أرحم بك من أشاء)، هي من آثار الصفة.


    قراءة القرآن على شخص

    السؤال: إذا كنت أقرأ على شخص القرآن، وقرأت آية فيها سجدة، هل أسجد أنا، وأعتبر إماماً للسامع فأكبر عند السجود والرفع، وأسلم وهو يتابعني، أو أن كل واحد منا يسجد ويرفع على حدة؟

    الجواب: القارئ يسجد، والمستمع يسجد معه، وهو تابع له؛ لأنه جاء في الأثر عن عمر قال: اسجد فأنت إمام. فيسجد الذي يقرأ، والمستمع تابع للقارئ، لكن لا يكبر إلا عند السجود فقط، ثم إذا رفع يرفع ذاك الذي بجواره معه.

    فسجود التلاوة ليس فيه تكبير عند الرفع، وليس فيه تسليم أيضاً.
    وهل يسجد كل من سمع السجدة؟
    السامع لا يسجد، وإنما المستمع هو الذي يسجد، الذي يتابع يسجد، والسامع الذي يسمع الصوت وهو ليس متابعاً هذا لا يسجد؛ لأن هنا فرق بين المستمع والسامع، فالمستمع هو المتابع للقارئ الذي يتأمل ويتابع، والسامع يسمع الصوت، وقد يكون لاهياً غافلاً ليس له علاقة بالاستماع.


    خروج المرأة للعمل

    السؤال: كيف نوفق بين قوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، وبين الحديث: (جذي نخلك لعلك أن تصدقي أو تفعلي معروفاً)؛ لأن بعض الناس استدل به على خروج النساء للعمل بدون ضرورة؟

    الجواب: ما دام أنها هي صاحبة نخلها، وهي بحاجة إلى جذه، وقد لا يكون هناك أحد يقوم مقامها، فخروج المرأة للضرورة هذا لا إشكال فيه، وخروجها للحاجة أيضاً لا إشكال فيه، مثل كون المرأة تعمل مدرسة أو موظفة بين النساء وفي محيط النساء، هذا عمل من الأعمال، وخروجها له لا بأس به، وإنما تخرج ملتزمة، ومحتشمة، وبعيدة عن كل ما لا يسوغ لها أن تكون متصفة به وهي خارجة من بيتها، لا من حيث اللباس، ولا من حيث الطيب، ولا من أي شيء يؤثر، ويثير غرائز الرجال، ويطمع السفهاء ومرضى القلوب.

    وقوله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، أي: الزمن البيوت، فيلزمن البيوت، ولكنهن يخرجن للحاجة، ويخرجن للضرورة.


    ضابط كون الاسم من أسماء الله تعالى

    السؤال: ما هو ضابط كون الاسم من أسماء الله تعالى؟

    الجواب: ورود الأحاديث الدالة على ذلك، وكذلك الصفات أيضاً، وجود الأحاديث المثبتة لذلك، والدالة على صفة من صفاته سبحانه وتعالى.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #465
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الخيل

    (462)

    – (باب تأديب الرجل فرسه) إلى (باب إضمار الخيل للسبق)




    الاهتمام بالخيل وإعدادها للجهاد في سبيل الله أمر حث عليه الشرع، فشرع تأديب الخيل، وتضميرها، والمسابقة عليها. وحذر في المقابل من كل ما يوحي بالتهاون بها أو يؤدي إلى قطع نسلها، ومن ذلك إركاب الحمير عليها.

    تأديب الرجل فرسه


    شرح حديث عقبة بن عامر في تأديب الرجل فرسه


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تأديب الرجل فرسه.أخبرنا الحسن بن إسماعيل بن مجالد حدثنا عيسى بن يونس عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني أبو سلام الدمشقي عن خالد بن يزيد الجهني قال: (كان عقبة بن عامر رضي الله عنه، يمر بي فيقول: يا خالد، اخرج بنا نرمي، فلما كان ذات يوم أبطأت عنه فقال: يا خالد، تعال أخبرك بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيته، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة؛ صانعه يحتسب في صنعه الخير، والرامي به، ومنبله، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، وليس اللهو إلا في ثلاثة: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته امرأته، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه؛ فإنها نعمة كفرها أو قال: كفر بها)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب: تأديب الرجل فرسه. تأديبه هو تهيئته وإعداده للكر، والفر، والجهاد في سبيل الله، وتعويده على ذلك، هذا هو المقصود بتأديبه، وقد أورد النسائي حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه، أنه قال لـخالد بن يزيد الجهني: تعال يا خالد نرمي، فأبطأ عليه يوماً من الأيام، فقال له: تعال أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إليه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر: صانعه يحتسب الخير، وراميه ومنبله)، هؤلاء الثلاثة:
    أولهم الصانع الذي صنع النبل، إذا كان صنعه يريد بذلك الخير، ويريد بذلك الإعداد للجهاد في سبيل الله، فهو على أجره، والرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وراميه الذي أطلقه وأرسله، ومنبله، قيل: إن المنبل هو الذي يساعد الرامي بأن يكون بجواره أو من ورائه، بحيث يناوله النبل بعد النبل، وقيل: إنه هو الذي يعطيه للمجاهد وللرامي، بمعنى أنه يمكنه منه، ويعطيه إياه، فقيل فيه: أنه الذي يساعد ويعين، وقيل: إنه الذي يمكنه من استعماله، ويهبه له، ويعطيه إياه ليستفيد منه، ثم قال: (وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا)، أي: يرموا استعداداً وتعوداً للرمي، وإصابة الهدف، وكذلك اركبوا، أي: تعودوا الركوب، والتمكن منه، والقرار على ظهر المركوب؛ لأن هذا يكون بالتعود وبالتعلم، والإنسان الذي ما تعلم يسقط من على ظهر المركوب، والبوصيري في البردة له أبيات جميلة، وأبيات سيئة، لكن من أبياته الجميلة يصف الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يقول:
    كأنهم في ظهور الخيل نبت ربا من شدة الحزم لا من شدة الحزمِ
    كأنهم في ظهور الخيل نبت ربا، أي: مثل الشجرة التي على رأس رابية، فهي ثابتة مستقرة بعروقها وأساسها، فيصف الصحابة بأنهم ثابتون على الخيل، وأنهم متمكنون من ركوب الخيل، وأن الواحد منهم كأنه شجرة على رابية على مكان مرتفع، والشجرة ثابتة لا تتحرك ولا تتزعزع، أصلها ثابت في الأرض، من شدة الحزم، أي: من قوتهم، وصلابتهم، وجدهم.
    لا من شدة الحزم، أي: ما هم كالذي يكون مربوطاً بشيء، أو مثبتاً على شيء، وإنما لجلدهم، ولتحملهم، وقوتهم، وقدرتهم، بهذا الوصف.
    كأنهم في ظهور الخيل نبت ربا من شدة الحزم لا من شدة الحزمِ
    فالمقصود: (ارموا واركبوا)، يعني: أنهم يتعلمون الرماية، ويتعلمون الركوب، (وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا)؛ لأن الرمي يعم بخلاف الركوب؛ لأن الركوب يختص بمن يركب، لكن الرمي يكون للراكب، والماشي، والإنسان إذا كان رامياً يتمكن من ذلك في حال مشيه، وفي حال ركوبه، أما الركوب فهو مختص في حالة الركوب على الخيل، وكل منهما مطلوب، وكل منهما مرغب فيه، وكل منهما من إعداد العدة، والتهيؤ، والتمكن من القدرة على الجهاد، وعلى الكر، والفر، (وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا).
    وقوله: [(وليس اللهو إلا في ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته امرأته، ورميه بقوسه ونبله)]، أي: اللهو في هذه الأشياء، وكون الإنسان يلهو بها، ويشتغل بها؛ ذلك مما هو مباح ومما هو مشروع، تأديب الرجل فرسه؛ لأن هذا فيه استعداد للجهاد في سبيل الله، وملاعبته لأهله، وهذا فيه إدخال السرور، وحصول المودة، وحصول الألفة بين الطرفين، ورميه بقوسه ونبله؛ لأن هذا فيه استعداد للجهاد في سبيل الله، وفيه التهيؤ بالقوة، والإعداد للقوة. ماذا بعده؟
    قوله: [(ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه؛ فإنما هي نعمة كفرها أو نعمة كفر بها)]، هذا إذا كان تركه رغبة عنه، وعن المراد به، وعن المقصود به، الذي هو الجهاد في سبيل الله عز وجل، (فإنما هي نعمة كفرها)، الله تعالى أنعم عليه بنعمة وضيعها، وكفر بهذه النعمة، كان عنده القدرة، وعنده التمكن، فترك ذلك الشيء المطلوب المهم، وأعرض عنه ونسيه، أو أعرض عن الغاية التي يراد بها، وذلك أخطر وأشد.

    تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر في تأديب الرجل فرسه

    قوله: [أخبرنا الحسن بن إسماعيل بن مجالد].الحسن بن إسماعيل بن مجالد، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عيسى بن يونس].
    هو: عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر].
    وهو: عبد الرحمن بن زيد بن جابر، أي: أكثر ما يطلق عليه: عبد الرحمن بن زيد، ويقال له: عبد الرحمن بن يزيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلام الدمشقي].
    أبو سلام الدمشقي، هو: ممطور الأسود الحبشي، وهو ثقة يرسل، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن خالد بن يزيد الجهني].
    خالد بن يزيد الجهني، مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن عقبة بن عامر الجهني].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    والإسناد فيه: خالد بن يزيد الجهني، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، والألباني ضعف هذا الحديث، ولعله بسبب خالد هذا، وأما ما جاء فيه من ذكر اللهو، فقد جاء من غير هذا الطريق، ومن غير هذا الوجه الذي هو ذكر الأمور الثلاثة.
    ثم فيما يتعلق ببعضه، له شواهد مثل الرمي، والأمر بالرمي، وكذلك فيما يتعلق بالركوب فيه ما يشهد له، ومن ذلك ما جاء في نص الحديث الذي جاء ما يدل عليه من وجه آخر، وهو تأديب الرجل فرسه؛ لأن هذا يتعلق بالركوب.


    دعوة الخيل


    شرح حديث أبي ذر في دعوة الخيل

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب دعوة الخيل.أخبرنا عمرو بن علي أنبأنا يحيى حدثنا عبد الحميد بن جعفر حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن أبي ذر رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من فرس عربي إلا يؤذن له عند كل فجر بدعوتين: اللهم خولتني من خولتني من بني آدم، وجعلتني له، فاجعلني أحب أهله وماله إليه، أو من أحب ماله وأهله إليه)].
    ذكر النسائي دعوة الفرس، أي: الدعاء الذي يدعو به الفرس، وقد أورد النسائي حديث أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه أنه: (ما من فرس عربي إلا ويؤذن له في فجر كل يوم بدعوتين: اللهم خولتني من خولتني من بني آدم، وجعلتني له، فاجعلني أحب أهله وماله إليه، أو من أحب ماله وأهله إليه)، والمقصود بالدعوتين أن يكون من أحب أهله وأحب ماله، وهذا فيه الدلالة على أن الخيل أو أن بعض الخيل يدعو بهذا الدعاء، والله تعالى ألهمه بذلك، وهو مثال من أمثلة ما جاء في الآية الكريمة: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44]، فإن المخلوقات قد ألهمها الله عز وجل التسبيح، ولكن لا يفقه الناس تسبيحهم، ولا يفهمونه، وهذا يدخل تحت عموم ما جاء؛ لأن هذا من الدعاء لله عز وجل، وفي هذا أن الحيوانات يحصل منها الدعاء، ومن ذلك الحديث الذي فيه النملة التي كانت تستسقي، والتي جاء ذكرها في خبر سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام، وهي نملة مستلقية على ظهرها وتقول: اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنعنا فضلك.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي ذر في دعوة الخيل

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو: عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [عن يحيى].
    هو: يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الحميد بن جعفر].
    عبد الحميد بن جعفر، وهو صدوق، ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب].
    هو: يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سويد بن قيس].
    هو: سويد بن قيس التجيبي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن معاوية بن حديج].
    معاوية بن حديج، صحابي صغير، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أبي ذر].
    وهو: جندب بن جنادة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    التشديد في حمل الحمير على الخيل


    شرح حديث علي في النهي عن حمل الحمير على الخيل


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التشديد في حمل الحمير على الخيل.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن ابن زرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بغلة فركبها، فقال علي: لو حملنا الحمير على الخيل لكانت لنا مثل هذه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون)].
    أورد النسائي بعد ذلك هذه الترجمة، وهي: التشديد في حمل الحمر على الخيل، يعني: في إنزائها عليها، يعني: كون الحمير تنزوا على الخيل، وتلد البغال، هذا هو المقصود، أي: ذمه والتشديد فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يفعل ذلك الذي لا يعلمون)، وهذا ذم لمن يفعل ذلك، وهذا هو المقصود من قوله: التشديد، أي: الترهيب، والتحذير، والتنفير من إنزاء الحمير على الخيل؛ لأنها تلد البغال.
    وأورد فيه النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، أهديت إليه بغلة فركبها، فقال علي رضي الله عنه: لو حملنا الحمر على الخيل لكان لنا مثل هذه، يكون عندنا البغال، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون)، أي: الذين ينزون الحمير على الخيل هؤلاء هم الذين لا يعلمون، فهو ذم لهم، وتنفير من هذا الفعل، وترهيب منه، ولهذا عبر في الترجمة بالتشديد، التشديد من حمل الحمير على الخيل.
    وقد جاء في القرآن ذكر البغال، والحمير، والخيل، وامتنان الله عز وجل بها، وأنها من نعم الله، ومنة امتن الله تعالى بها، فقد يستنبط من الآية أن إيجاد البغال عن طريق إنزاء الحمير على الخيل حتى توجد البغال مما امتن الله عز وجل به، وهذا الحديث يدل على التحذير من ذلك، فكيف يوفق بين ما جاء في الآية من ذكر الامتنان بهذه الدواب ومنها البغال، وما جاء في الحديث من التنفير من إنزاء الحمير على الخيل لتلد البغال؟
    قال بعض أهل العلم: إن وجود البغال يمكن أن يكون بدون إنزاء، أي: بدون ما يفعل الإنسان هذا، يمكن يأتي الحمار ويعلو الفرس ويوجد بدون إنزاء، فالبغال توجد باتصال الحمير بالخيل بدون عمل من صاحبها، فتوجد البغال بذلك، أو أن المراد بها أنها إذا وجدت، فإنها نعمة ومنة، وتكون من جنس الصور، تصوير الصورة في ثوب لا يجوز، لكن إذا وجدت ما يلزم إحراق الثوب وإتلاف الثوب وعدم الاستفادة من الثوب، بل يستفاد منه، فراش، ووسائد، ويمتهن، لكن لا يجوز عمل الصور على القماش، فابتداؤه محرم، وإذا وجد فهو مباح الاستعمال في أمور معينة، كالافتراش، وعلى هذا فأصل التصوير على القماش وعلى الفراش لا يجوز، والذي يفعله يأثم، لكن إذا وجد ما هو طريق التخلص منه، هل يحرق ويتلف، أو أنه يستعمل بعد أن وجد، مع أنه محرم؟ فكذلك إنزاء الحمار على الخيل إذا أنزيت، وحصل الولد الذي هو البغال، فتستعمل البغال وهي نعمة، وتكون من جنس ذلك الذي يفترش ويمتهن.
    والحاصل: أن النبي صلى الله عليه وسلم، حذر ورهب من هذا العمل، وذكر البغال في القرآن، وامتنان الله عز وجل بها، ولا يعني أن الناس يقصدون هذا الفعل الذي تحصل به البغال، وإنما يمكن أن تحصل بدون إنزاء، وإن حصلت عن طريق المعصية، فإن استعمال النتيجة وهي البغال التي تولدت من هذا الإنزاء مباح، والحديث ورد في إنزاء الحمير على الخيلة والعكس ما جاء شيء يدل عليه، ويمكن أن يكون ملحقاً به من جهة القياس، ولأن فيه قطعاً لنسل الخيل إذا كانت تنزى على الحمير، ويوجد النسل من غير الخيل، فإن ذلك عمل على قطع نسلها، فمن العلماء من قاس ورأى أن العكس ملحق بما جاء في الحديث، ومنهم من قال: إنه لا بأس به؛ لأنه ما جاء النهي عنه، لكن المحذور في كون الخيل إذا أنزيت على غير الخيل، فإن ذلك من أسباب قطع نسلها، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها البركة كما قال ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    تراجم رجال إسناد حديث علي في النهي عن حمل الحمير على الخيل

    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب ].
    هو يزيد بن أبي حبيب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الخير].
    وهو مرثد بن عبد الله اليزني المصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن زرير].
    وهو عبد الله بن زرير، ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن علي بن أبي طالب].
    هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وصهره على ابنته فاطمة، وأبو الحسن، والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيدي شباب أهل الجنة، وهو رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو ذو المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    شرح حديث ابن عباس في النهي عن إنزاء الحمير على الخيل

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حميد بن مسعدة حدثنا حماد عن أبي جهضم عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، قال: (كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما فسأله رجل: أكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: لا، قال: فلعله كان يقرأ في نفسه، قال: خمشاً، هذه شر من الأولى، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد أمره الله تعالى بأمره فبلغه، والله ما اختصنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاثة: أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، ولا ننزي الحمر على الخيل)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن رجلاً سأله: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر، يعني: في الصلاة السرية؟ فقال: لا، وقيل: إن هذا الجواب من ابن عباس على حسب ظنه، وأنه ما كان بلغه ذلك، أي: القراءة، وقيل: إن المقصود من ذلك أنه في آخر الصلاة التي هي الثالثة والرابعة، والمقصود من ذلك غير الفاتحة، وقال: لعله كان يقرأ سراً، قال: خمشاً، وهي ذم له، والخمش هو حك الجلد حتى يتأثر، وحتى يخرج منه الدم، هذا يقال له: خمش، وخموش، ثم إنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم عبد أمره الله عز وجل فبلغ ما أمر به، وأنه ما اختصنا بشيء دون الناس إلا بثلاث، وهي: إسباغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي الحمير على الخيل)، ومن المعلوم أن القراءة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة السرية، في الفاتحة، وغير الفاتحة، وقد كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يستدلون على قراءته في الصلاة باضطراب لحيته كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة، أي أنه كان أمامهم، وكانت لحيته عارضيه يرونها تتحرك، فيستدلون بها على قراءته صلى الله عليه وسلم في الصلاة السرية، فمعنى باضطراب لحيته، أي: بتحركها؛ لأن الذي يقرأ يحصل تحرك للحيته، وهم كانوا يرون جانبي اللحية وهي العوارض، يرون ذلك من ورائه وهم في الصلاة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وجاءت أيضاً أحاديث تدل على أن الرسول كان يسمعهم الآية أحياناً في الصلاة السرية، حتى يعرفوا السورة التي قرأ بها، وجاء في بعض الأحاديث بيان مقدار ما كان يقرأ به في الصلاة، أي: مقدار قراءة كذا، وكذا، فهو عليه الصلاة والسلام، يطيل القيام؛ وذلك أنه كان يقرأ فيه، وكانوا يعلمون ذلك في الصلاة السرية باضطراب لحيته كما أشرت إلى ذلك كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ثم ذكر أنه (ما خصنا بشيء دون الناس)، أي: ما خص أهل البيت بشيء دون الناس إلا في هذه الثلاث، وهذه الثلاث يمكن أنه أكد عليهم بها، وإلا فإنها ليست خاصة بهم إلا الصدقة، فإنها خاصة بهم، فلا تحل لهم الصدقة، كما جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أما إسباغ الوضوء فهذا مطلوب منهم ومن غيرهم، وعدم إنزاء الحمير على الخيل مطلوب منهم ومن غيرهم، ولعل ذكر كونه خصهم بذلك، أو أمرهم بذلك، أي: للتأكيد عليهم في ذلك، وإلا فلا يختص بهم إلا الصدقة، فإن عدم أكلها مختص بهم؛ لأنه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن آل محمد لا يأكلون الصدقة).
    ومحل الشاهد منه للترجمة -وهو التشديد في حمل الحمير على الخيل- ما جاء في آخره، (وأن لا ننزي الحمر على الخيل)، إنزاؤها تمكينها، أي: كونها تمسك الفرس، ويمكن الحمار من أن يعلوها وأن ينزوا عليها.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في النهي عن إنزاء الحمير على الخيل


    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].حميد بن مسعدة، صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن حماد].
    حماد، هو: ابن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي جهضم].
    أبي جهضم، هو: موسى بن سالم، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس].
    عبد الله بن عبيد الله بن عباس، ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن عباس].
    هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    علف الخيل


    شرح حديث: (من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً لوعد الله كان شبعه ... حسنات في ميزانه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب علف الخيل.قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع: عن ابن وهب حدثني طلحة بن أبي سعيد: أن سعيداً المقبري حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً لوعد الله، كان شبعه، وريه، وبوله،ه وروثه، حسنات في ميزانه)].
    أورد النسائي علف الخيل، أي: ما جاء فيه من الفضل، وأن في ذلك أجر عظيم، وقد أورد النسائي فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن من احتبس فرساً في سبيل الله كان شبعه، وريه، وبوله، وروثه، حسنات في ميزانه)، أن ما يعلفه، وما يسقى إياه، فيكون الشبع الذي هو نتيجة للإطعام، والري الذي هو نتيجة للشرب، والروث الذي يحصل منه فضلات الإطعام، والبول الذي هو نتيجة الشرب، كل ذلك حسنات له يوم القيامة، وهذا يدل على فضل احتباس الخيل في سبيل الله، وكون الإنسان يحتبسها، أي: يوقفها، ويهيئها للجهاد في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده، ليس مجرد أنه يفعل ذلك بدون نية، فلابد من النية، فهو يؤمن بالله، وبما جاء عنه، ويحتسب الأجر، والوعد الذي وعد الله تعالى به، ويرجوه من هذا العمل الذي عمله، وهو احتباس الخيل في سبيل الله، أي: جعلها وقفاً لهذا العمل الجليل، وهو الجهاد في سبيل الله عز وجل.
    وفيه: وزن الأعمال، وأن تلك الأدران التي تكون نتيجة للأكل والشرب من الشبع، والري، والبول، والروث، أنها تكون في الميزان، كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً لوعد الله كان شبعه ... حسنات في ميزانه)


    قوله: [قال الحارث بن مسكين قراءة].الحارث بن مسكين، ما قال: أخبرنا الحارث بن مسكين، النسائي له مع الحارث بن مسكين حالتان: حالة تراضي، ووئام، ووفاق، وكان أذن له بأن يسمع منه، فكان يعبر عما حصل في تلك الحال بقوله: أخبرنا، وفي بعض الحالات حصل بينه وبينه وحشة، فكان يمنعه من الجلوس في درسه وفي مجلسه، فكان يأتي من وراء الستار، ويسمع، ويعبر عن ذلك بقوله: الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، ما يقول: أخبرنا؛ لأنه ما قصد إخباره، وما أراد إخباره، وإنما كان يفعل ذلك من غير علمه ومن غير رضاه، فكان يميز بين ما سمعه منه في حال التراضي بينهما وجلوسه، في حلقته فيقول: أخبرنا، وبين الشيء الذي كان يأخذه وهو وراء الستار، ولم يكن يريد الحارث أن يأخذ عنه، يقول: الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، والحارث بن مسكين مصري، ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    هو: عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن طلحة بن أبي سعيد].
    طلحة بن أبي سعيد، ثقة، أخرج حديثه البخاري، والنسائي.
    [عن سعيد المقبري].
    هو: سعيد بن أبي سعيد المقبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً عنه عليه الصلاة والسلام.


    غاية السبق للتي لم تضمر


    شرح حديث ابن عمر في غاية السبق للخيل التي لم تضمر

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب غاية السبق للتي لم تضمر.حدثنا قتيبة أخبرنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سابق بين الخيل، يرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر، وكان أمدها من الثنية إلى مسجد بني زريق)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: غاية السبق للتي لم تضمر، غاية السبق، أي: الغاية التي تجعل نهاية للمتسابقين على الخيل، أي: الهدف الذي ينتهون إليه، وإذا وصلوه يتبين من سبق ومن لم يسبق، أو يصلونه سوياً، ويكون كما يقولون: كفرسي رهان، أي: أنهم متساويان ما أحد يسبق الثاني لتساويهما، أو بسبق أحدهما، ووصوله إلى الغاية المحددة، والخيل التي لم تضمر، أي: التي ما حصل إعدادها بهذه الطريقة التي هي التضمير، وتضمير الخيل، قالوا فيه: أنه يقلل علفها، وتدخل في مكان في بيت فيه حرارة، وتجلل حتى تعرق، ثم يجف عرقها، وييبس لحمها، فيكون ذلك أقوى لها، وأسرع في جريها، وأمكن لها في الجري، وقيل: إنها التي تسمن، ثم يترك الإكثار لها من العلف، ويقلل حتى تكون تلك القوة التي اكتسبتها عن طريق التسمين، ثم حصل التخفيف عليها في الأكل حتى يبست على ما فيها من حياة، وعلى ما فيها من السمن، فيكون ذلك قوة لها، وهذه هي المضمرة، والتي لم تضمر هي: التي لم يفعل معها هذا الفعل، ولم يحصل تهيئتها؛ لأن هذا يتخذ لسبقها ولتحملها، وقد جاء في القرآن: وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27]، لأن التي تكون مضمرة، وتكون ضامراً عندها من القوة، والقدرة على المشي، وعلى الحركة، وعلى السير، ما لا يكون للتي لا تكون كذلك، والغاية للخيل التي لم تضمر، أي: الهدف الذي ينتهي إليه المنتهون على الخيل التي لم تضمر، والنبي صلى الله عليه وسلم، عمل المسابقة بين الخيل التي لم تضمر والتي ضمرت، وكان أمد التي لم تضمر أقل من التي ضمرت؛ لأن أمد التي تكون ضمرت أبعد، وقد ذكر النسائي حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع، من الحفياء، قالوا: هو مكان على أميال من المدينة، وهذا أمد بعيد، إلى ثنية الوداع، وهي: الغاية التي ينتهي عندها التسابق، هذه غاية الخيل المضمرة، وأما الخيل التي لم تضمر فمن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق، وهي مسافة أقل، أي: تبدأ من ثنية الوداع وتنتهي بمسجد بني زريق، والمقصود من الترجمة هو الثاني؛ لأن الغاية للتي لم تضمر، مسافة المسابقة فيها أقل من التي ضمرت، وهي من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في غاية السبق للخيل التي لم تضمر

    قوله: [حدثنا قتيبة].قتيبة، مر ذكره.
    [عن الليث].
    الليث، مر ذكره.
    [عن نافع].
    نافع، هو: مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    وهو: عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من رباعيات النسائي التي هي أعلى ما يكون عنده؛ لأن أعلى ما يكون عند النسائي الرباعيات، يكون بين النسائي فيها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهنا: قتيبة، والليث، ونافع، وابن عمر، أربعة أشخاص.


    إضمار الخيل للسبق


    شرح حديث ابن عمر في إضمار الخيل للسبق من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إضمار الخيل للسبق.أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وأن عبد الله كان ممن سابق بها)].
    أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن الترجمة هنا: إضمار الخيل للسبق، أي: تهيئتها للسبق، وكونها تكون سباقة، وعندها قدرة على الجري، وعلى الإسراع فيه، وذلك فيه إعداد للجهاد في سبيل الله عز وجل، وأورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في إضمار الخيل للسبق من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو: محمد بن سلمة المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [و الحارث بن مسكين].
    والحارث بن مسكين، مر ذكره.
    [عن ابن القاسم].
    هو: عبد الرحمن بن القاسم، صاحب الإمام مالك، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك بن أنس].
    وهو إمام دار الهجرة، إمام مشهور من أئمة أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.


    الأسئلة


    معرفة مكان الحفياء وبني زريق

    السؤال: هذه الأماكن معروفة الآن الحفياء وبني زريق؟

    الجواب: أنا لا أعرفها.

    معرفة كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء

    السؤال: الأخ يسأل عن كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لـابن حبان ؟


    الجواب: كتاب نفيس، كتاب مفيد مشتمل على حكم نثرية، وشعرية، وعلى بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه فوائد عظيمة، فهو كتاب نفيس ومفيد، مشتمل على حكم نثرية وشعرية، وهو صاحب الصحيح.


    مقصود الرمي

    السؤال: في قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن ترك الرمي بعدما علمه)، هل يدخل في ذلك الرمي بالأسلحة الحديثه؟


    الجواب: نعم؛ لأن المقصود هو: الإعداد للحرب، فالذي يتعلم الشيء ثم يعرض عنه، وينساه، لا شك أنه كفر هذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه.


    نظر المأموم في الصلاة

    السؤال: فيما ذكرتم من أن الصحابة ينظرون إلى عارضي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، هل يستدل على ذلك بأن الإنسان لا ينظر إلى موقع سجوده، ولكن ينظر إلى الإمام؟

    الجواب: جاء في الحديث أنه ينظر إلى موضع سجوده، لكنهم كانوا ينظرون إليه ليقتدوا به عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، فهم ينظرون إلى أماكن سجودهم، ولكن ينظرون إليه ليعرفوا الطريقة والكيفية التي تكون بها الصلاة.


    حكم لحم البغال

    السؤال: يسأل عن حكم لحم البغال؟

    الجواب: لحم البغال مثل لحم الحمير لا تؤكل.


    تعريف التيس المستعار

    السؤال: ما هو التيس المستعار، وهل له شروط؟

    الجواب: هو المحلل الذي يستأجر ليتزوج زواجاً مؤقتاً، ليحلل المطلقة ثلاثاً لزوجها الأول؛ لأن الله تعالى يقول: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، حتى تنكح زوجاً آخر، فهو مثل التيس المستعار الذي يؤتى به لينزو على العنز، ثم يرجع، هذا هو معنى كونه تيس مستعار، أو شبيه بالتيس المستعار؛ لأن المقصود منه ليس التأبيد في الزواج، وإنما استعير ليتزوج حتى يحل الزوجة لمن حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره.


    حكم استعارة الحيوان في الإنزاء على حيوان

    السؤال: ما هو التيس المستعار، وهل هناك شروط في الاستعارة، وهل تصلح الاستعارة في الخيل؟


    الجواب: إنزاء الحصان على الفرس، وإنزاء الدواب على الدواب، وعسب الفحل، هذه من الأمور التي على الناس أن يتسامحوا فيها، وأن يبذلها بعضهم لبعض، وأن لا يأخذ إنسان على ذلك أجراً، وقد جاء في الحديث (النهي عن عسب الفحل)، وهو أخذ القيمة على ذلك، أو أخذ الأجرة على ذلك، والتيس لا مانع أن يستعار من أجل أن ينزو على العنز، وإنما المحذور هو الذي شبه به، وهو الرجل الذي تزوج من أجل التحلل، هذا هو التيس المستعار المذموم، مشبه بالتيس المستعار، وأما استعارة التيس أو استعارة الحمار لينزو على الأتان، أو الثور لينزوا على البقرة، أو البعير لينزوا على الناقة، أو غير ذلك، فهذا من الأمور التي تبذل، ولا يؤخذ عليها أجر؛ لأن هذه المنفعة غير متحققة، فقد لا يحصل إنزال، وهو المقصود، يمكن ينزو ولا ينزل، فهو أخذ شيء على شيء مجهول غير مقدور على تسليمه، وهذا الماء الذي يضعه الذكر في الأنثى، إذا أخذ الإنسان عليه شيء معناه أخذ شيء على شيء غير مقدور على تسليمه؛ لأن هذا يرجع للفحل وشهوته، وكونه ينزل أو ما ينزل، فلا يجوز لذلك، وقد جاء في الصحيح النهي عن عسب الفحل.


    خدمة المرأة لزوجها

    السؤال: هل يجب على المرأة خدمة زوجها وجوباً؟


    الجواب: نعم يجب عليها، والمسألة فيها خلاف، لكن يجب عليها أن تخدم زوجها؛ لأن هذا هو الشيء الذي كان عليه الصحابة وعليه من بعدهم، والشيخ ناصر الألباني ذكر الأقوال في المسألة، والأدلة في كتابه آداب الزفاف.


    فائدة الاكتحال

    السؤال: هل اكتحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتجمل أو الاستحباب؟


    الجواب: قد جاء أنه يجلو البصر، معناه أن فيه فائدة، فهو يجعله قوياً، وينظفه.


    زواج المسيار معناه وحكمه

    السؤال: ما هو زواج المسيار، وما حكمه؟


    الجواب: زواج المسيار الذي اشتهر في هذا الزمان عند كثير من الناس: أن الإنسان يكون عنده زوجة، ويريد أن يتزوج ولا يريد أن تعلم بزواجه، وتكون بعض النساء ما حصلت على زوج، وفاتها الزواج، وهي تريد أن تحصل زوجاً ولو لم يقسم لها، ولو لم يكن يساويها بالأولى، وإنما يكفيها منه أن يأتيها في أي وقت من الأوقات يتيسر له، فتستأنس به، وتحصل ولداً، وتبقى في عصمته، ويقوم بما تحتاج إليه، وقد تكون غنية عنه لجود مالها، ولكنها ما حصلت الزوج الذي يناسبها، فهي بدلاً من كونها تبقى بدون زوج، وتستمر أيماً بدون زوج، فإنها تريد أن تظفر به بهذه الطريقة، ومثل هذا الذي يبدو أنه لا بأس به، ولا مانع منه؛ لأنه زواج شرعي، ومن المعلوم أن المرأة كونها تعف نفسها بالحلال، وتحصل الولد، هذا أمر مقصود، ولأنه فاتها أن تحصل الزوج المناسب؛ لأنها يمكن أن تكون امتنعت من الزواج في وقت الزواج لتكمل الدراسة مثلاً كما ابتلي به كثير من النساء في هذا الزمان، يأتيها الخاطب الكفؤ، فتمتنع لتكمل الدراسة، فإذا أكملت الدراسة، وتوظفت، ومضى عليها وقت، فكرت، وتألمت، وحصل لها ما حصل من التألم، فعند ذلك تفرح وترضى بأن يحصل لها مثل هذا الزواج الذي لا يكون على التمام، والكمال، ولكن فيه الإحصان، وفيه تحصيل الولد، فما أعلم شيئاً يمنع من ذلك.

    المرأة يمكن أن تبقى في عصمة الرجل، وتتنازل عن ليلتها لامرأة أخرى، أو تتنازل عن بعض حقها لأخرى؟ وليس فيه بأس. ما لا يدرك كله لا يترك جله كما يقولون، إذا ما حصل الشيء الكامل ما يترك الشيء الوسط، ما يكون الأمر كما يقول القائل: إما سراجان وإما ظلام، أي: إما كمال وإما لا شيء، إذا حصل سراج واحد أحسن من الظلام، ما هي القضية إما كمال وإما ضياع، وإما فوات، السراج الواحد هو دون السراجين، ولكنه أحسن من الظلام.

    طلاق المرأة من المحكمة

    السؤال: حصل نزاع بين امرأة وزوجها، ورفع النزاع إلى محكمة، فحكمت المحكمة بطلاقها من زوجها، ثم استأنف الزوج هذا الحكم، فهل تعتبر المرأة طالق بطلاق المحكمة مع استئناف الزوج لهذا الحكم؟


    الجواب: المحكمة إذا قضت بالطلاق، فالطلاق قد حصل، وقد وجد، أما إذا كان الطلاق فيه شيء من ناحية الحكم، وأنه فيه غلط، وخطأ من القاضي، فهذا شيء آخر، أما إذا كان القاضي حكم بالطلاق، فالمرأة قد طلقت.

    ومادام القضية عند المحكمة فهي التي تفصل في الموضوع، وينتهي الأمر على ما يقوله القاضي، ولا حاجة للمفتي مادام المسألة عند القاضي.

    توقيف الخيل في سبيل الله

    السؤال: يقول: هل يمكن للإنسان أن يشتري الخيل الآن ويوقفها في سبيل الله؟


    الجواب: والله في هذا الزمان كما هو معلوم الخيل لا يجاهد عليها، ولكن كون الإنسان يقتني الخيل، ويبقي عليها، وعلى تناسلها، إذا كانت نيته أنه قد يحتاج إليها، فالأمر في ذلك على حسب نيته، وأما في هذا الزمان فالمسلمون وضعهم يختلف عما كانوا عليه من قبل.


    حكم المجسمات على شكل الكعبة

    السؤال: هناك بعض المجسمات على شكل الكعبة أو المسجد، هل من امتهنها أو جعلها في الأرض عليه شيء؟


    الجواب: ليس عليه شيء؛ لأن كون السجادة يكون عليها صورة الكعبة، أو كذا، ما يضر ذلك؛ لأنه ليس مقصوده الامتهان، إنما المقصود علامة القبلة، ولو كانت السجاجيد خالية من أي صورة لكان أولى، لكن ما يقال: أن وضع صورة الكعبة على السجادة، وأن الإنسان يصلي عليها، طبعاً هو يصلي عليها، أي: يكون قدمه ليس عليها، وإنما تكون أمامه، لكن لو أخليت السجاجيد من الألوان ومن الصور، أي: ولو كانت صورة الكعبة، فلا شك أن هذا هو الأولى؛ لأن الألوان تشوش على الإنسان في صلاته.


    إهداء براويز فيها آيات قرآنية

    السؤال: أهدي إلي براويز فيها آيات قرآنية، هل يجوز لي أن أهديها لشخص آخر؟


    الجواب: يجوز أن تهديها.


    التعفف من أكل الصدقات

    السؤال: هل على الإنسان بأس إذا تعفف عن أكل الصدقات، ومنها الذي يجعل في رمضان لإفطار الصائم؟


    الجواب: ليس عليه بأس، إذا كان أتى بشيء يغنيه، لا بأس أنه يتعفف، ويترك الطعام لمن يحتاج إليه مادام غنياً عنه.


    المحذور في الاستناد على الكف

    السؤال: ما هو الوصف المحذور في الاستناد على الكف، وهل هو خاص باليد اليسرى فقط، أو هو عام في اليدين؟


    الجواب: لا أدري.


    حضور مائدة الطعام مع وجود الرافضة فيها

    السؤال: هل يجوز حضور مائدة طعام يحضرها بعض الرافضة، مع العلم بأن عدم الحضور يغضب الداعي؟


    الجواب: الابتعاد عن الرافضة مطلوب، ومن الخير للإنسان أن لا يكون له علاقة بالرافضة إلا إذا ابتلي بهم، وحصل ابتلاء بهم، فالإنسان يبغضهم، ولا ينبسط لهم؛ لأنهم من أبعد الناس عن الحق والهدى، وأشد الناس عداوة لأهل السنة والجماعة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #466
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الخيل

    (463)

    - (باب السبق) إلى (باب سهمان الخيل)




    الإسلام دين العزة والقوة، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وقد دعا الإسلام أفراده إلى المسابقة في حيازة القوة، وأخبر أنه لا سبق إلا في الرماية والركوب، فهما أساس ومعيار القوة.

    السبق


    شرح حديث: (لا سبق إلا في نصل أو حافر أو خف)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: السبق.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا سبق إلا في نصل، أو حافر، أو خف)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب السبق، والسبق بفتح الباء هو: ما يجعل من المال للمتسابقين ليأخذه من يسبق لسبقه، وجاء في ذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعل هذا السبق يكون في أمور ثلاثة، وهي: النصل، وهو ما يتعلق بالرماية، والخف والحافر، يعني: البعير والفرس؛ لأن البعير، والفرس هما وسيلة الحرب، والرماية هي من الأمور التي لها أهمية في الحرب، فجاءت الشريعة دالة على جواز اتخاذ المال الذي يعد من أجل المسابقة في هذه الأمور الثلاثة؛ لأنها تتعلق بالإعداد للحرب والجهاد في سبيل الله عز وجل، وفيها ترغيب في تعلم الرماية، وكذلك المسابقة على الخيل والإبل؛ لأنها هي وسيلة الحرب وسيلة الجهاد في سبيل الله عز وجل، ويلحق بها ما كان في معناها مما له أثر في الحرب وفي الجهاد في سبيل الله عز وجل.
    وقد أورد حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا سبق إلا في نصل، أو حافر، أو خف)، الحافر المقصود به: الفرس، أو إشارة إلى الفرس، والخف خف البعير، أي: الإشارة إلى البعير، والمسابقة على الإبل والخيل هي التي يكون فيها السبق؛ لأن هذين النوعين من الحيوان هما الوسيلة التي تتخذ للجهاد في سبيل الله عز وجل في زمن الصحابة، وبعد زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا سبق إلا في نصل، أو حافر أو خف)


    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [عن خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي ذئب].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع بن أبي نافع].
    وهو نافع بن أبي نافع البزاز، وهو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    حديث: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن أبو عبيد الله المخزومي حدثنا سفيان عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن أبو عبيد الله المخزومي].
    سعيد بن عبد الرحمن أبو عبيد الله المخزومي ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [عن سفيان].
    سفيان هو ابن عيينة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    وليس الثوري؛ لأن الثوري متقدم، وما أدركه شيوخ النسائي؛ لأنه توفي سنة: (161هـ)، وابن عيينة توفي: (198هـ)، فإذا جاء من شيوخ النسائي من يروي عن سفيان فالمراد به ابن عيينة.
    لأن الجماعة الذين هم الكبار من شيوخ النسائي مثل قتيبة، وكان عمره تسعين سنة، ما أدرك سفيان الثوري ولا روى عنه، وإنما رواية من يروي عن سفيان، وهو من شيوخ النسائي، فـسفيان يكون ابن عيينة وليس الثوري.
    [عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (لا يحل سبق إلا على خف أو حافر) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب حدثنا ابن أبي مريم أنبأنا الليث عن ابن أبي جعفر عن محمد بن عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي عبد الله مولى الجندعيين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لا يحل سبق إلا على خف، أو حافر].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة قال: [لا يحل سبق إلا على خف، أو حافر]، وهذا بعض ما تقدم، يعني: تقدم فيه النصل، والخف، والحافر، وهذا فيه اثنان منهما، وقد جاء عن أبي هريرة مرفوعاً ذكر الثلاثة التي هي: الخف، والحافر، والنصل.
    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].
    هو إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن ابن أبي مريم].
    هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي جعفر].
    وهو عبيد الله بن أبي جعفر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عبد الرحمن].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل أبو الأسود، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان بن يسار].
    سليمان بن يسار، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عبد الله مولى الجندعيين].
    وهو كما في تحفة الأشراف وكما في السنن الكبرى: أبو عبد الله مولى الجندعيين، وقيل: هو نافع بن أبي نافع، وهو ثقة أخرج له النسائي وحده.
    [عن أبي هريرة رضي الله عنه].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (إن حقاً على الله أن لا يرتفع من الدنيا شيء إلا وضعه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى عن خالد حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناقة تسمى العضباء، لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق على المسلمين، فلما رأى ما في وجوههم، قالوا: يا رسول الله! سبقت العضباء، قال: إن حقاً على الله أن لا يرتفع من الدنيا شيء إلا وضعه)].أورد النسائي حديث [أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له ناقة يقال لها العضباء لا تسبق، وجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين وقالوا: يا رسول الله، سبقت العضباء، فقال: إن حقاً على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه الله)]، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: إن للرسول صلى الله عليه وسلم ناقة يقال لها العضباء لا تسبق، أي: أنها كانت سباقة، وجاء أعرابي له قعود، والقعود: هو ما كان فوق السنتين ودون الست، هذا يقال له قعود، وإذا تجاوز ذلك يقال له: جمل، فسبقها فشق ذلك على المسلمين؛ كون ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم سُبقت، فقال: (إن حقاً على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه)، أي: لا يرتفع شيء من الدنيا، أما ما رفعه الله عز وجل فإنه لا يوضع، فالذي رفعه الله هو المرفوع، وهو الذي لا يوضع، ولكن ما كان في الدنيا مما عند الناس فإنه يكون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حقاً على الله أنه ما ارتفع شيء من الدنيا إلا وضعه الله عز وجل.
    والمقصود من ذكر الحديث المسابقة، وأن المسابقة كانت على الإبل، فهذا مثال من أمثلة المسابقة، وهي إحدى الجهات الثلاث، أو إحدى الأنواع الثلاثة التي يكون فيها السبق، ويجوز فيها السبق، وهنا القضية قضية مسابقة، وحصول سباق بين هذه الناقة وبين القعود الذي كان لذلك الأعرابي.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن حقاً على الله أن لا يرتفع من الدنيا شيء إلا وضعه)


    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى، الملقب: بـالزمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد].
    هو ابن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد].
    هو ابن أبي حميد الطويل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية عند النسائي، التي هي أعلى الأسانيد عنده؛ لأن أعلى ما يكون عند النسائي الرباعيات، وهذا منها.

    شرح حديث: (لا سبق إلا في خف أو حافر) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن موسى حدثنا عبد الوارث عن محمد بن عمرو عن أبي الحكم مولى لبني ليث عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا سبق إلا في خف، أو حافر)].أورد النسائي حديث أبي هريرة قال: (لا سبق إلا في خف أو حافر)، وهذا مثلما تقدم، والذي سبق لم يرفعه، وهنا رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه الاثنان من الثلاثة، وهما ما يتعلق بالمركوبات وهي الإبل، والخيل، والحديث الذي سبق أن مر اشتمل على الثلاثة؛ التي هي: النصل، والخف، والحافر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا سبق إلا في خف أو حافر) من طريق رابعة

    قوله: [أخبرنا عمران بن موسى].عمران بن موسى صدوق أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عبد الوارث].
    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عمرو].
    هو محمد بن عمرو بن علقمة، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الحكم مولى لبني ليث].
    أبو الحكم مولى لبني ليث مقبول،
    أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.


    الجلب


    شرح حديث: (لا جلب ولا جنب ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجلب.أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد وهو ابن زريع حدثنا حميد حدثنا الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا جلب، ولا جنب، ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نهبة فليس منا)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الجلب، والمقصود بالجلب هنا في باب المسابقة هو: أن يتخذ الفارس معه شخصاً على فرس من أجل أن يزجر فرسه، ويصيح بها حتى تجري، وحتى يحصل منها سرعة الجري، فهذا هو الجلب، ويأتي في باب الزكاة، وهو أن العامل الذي يجبى الزكاة لا يذهب للناس على مياههم، بل يكون في جهة ويرسل أحداً يأتي بالناس يسوقهم إليه، فيتحملون المشاق وينتقلون من مياههم إلى أماكن من أجل المتصدق.
    الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(لا جلب)]، أي: لا يجوز هذا العمل، بل المصدق يذهب إلى الناس لأخذ زكاتهم على مياههم، ولا يحملهم مشقة أن ينتقلوا إليه، بل هو ينتقل إليهم، فالجلب يأتي في الزكاة، ويأتي في المسابقة، وهو في المسابقة أن يتخذ الفارس معه رجلاً آخر على فرس يصيح بفرسه حتى يحصل منها الجري، وحتى يحصل منها السبق. وقوله: [(لا جلب ولا جنب)].
    والجنب يكون في الزكاة، ويكون في السبق أو السباق، وهو في الزكاة أن يكون العامل على جانب ويجعل الناس يأتون إليه من أجل أن يأخذ زكاتهم، فيكون على جانب وعلى ناحية، وفي السباق أن يتخذ فرساً بجواره حتى إذا تعبت المركوبة يتحول من فرس إلى فرس تعقبها وتحل محلها، وتمشي إلى جنبها، ثم يتحول منها إلى تلك الفرس الأخرى، إذا تعبت الفرس التي هو عليها.
    (فلا جلب، ولا جنب، ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نهبة فليس منا) قد مر ذكر الشغار في كتاب النكاح، وأنه لا يجوز.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا جلب ولا جنب ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع].محمد بن عبد الله بن بزيع ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن يزيد وهو: ابن زريع].
    يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد].
    حميد هو الطويل وقد مر ذكره.
    [عن الحسن].
    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمران].
    هو عمران بن حصين أبي نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الجنب


    شرح حديث: (لا جلب ولا جنب ..) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجنب.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن أبي قزعة عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (لا جلب، ولا جنب، ولا شغار في الإسلام)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الجنب، وقد عرفناها، وأورد حديث عمران بن حصين من طريق أخرى، وفيه نفي الجلب، والجنب، ونفي الشغار في الإسلام، وهو قريب من الذي قبله، إلا أن الذي قبله فيه زيادة النهبة.

    تراجم رجال إسناد حديث: : (لا جلب ولا جنب ..) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].محمد بن بشار هو الملقب بندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو محمد بن جعفر الملقب غندر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قزعة].
    أبو قزعة هو سويد بن حجير، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الحسن عن عمران بن حصين].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (حق على الله ألا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلا وضعه الله) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير حدثنا بقية بن الوليد حدثني شعبة حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (سابق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعرابي فسبقه، فكأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجدوا في أنفسهم من ذلك، فقيل له في ذلك، فقال: حق على الله أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلا وضعه الله)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وهو مثل ما تقدم من جهة المسابقة، والعضباء كانت لا تسبق، وأنها سبقت فشق ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له في ذلك: (حق على الله عز وجل أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلا وضعه الله)، وهو مثل الذي قبله أو قريب منه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (حق على الله ألا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلا وضعه الله) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن بقية بن الوليد].
    بقية بن الوليد صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن شعبة عن حميد الطويل عن أنس].
    وقد مر ذكرهم.


    سُهمان الخيل


    شرح حديث عبد الله بن الزبير في سُهمان الخيل

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: سهمان الخيل.قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع: عن ابن وهب أخبرني سعيد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن جده رضي الله عنه أنه كان يقول: (ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام خيبر للزبير بن العوام رضي الله عنه أربعة أسهم، سهماً: للزبير وسهماً لذي القربى لـصفية بنت عبد المطلب أم الزبير وسهمين للفرس)].
    أورد النسائي سهمان الخيل، يعني: ما يكون لها من السهام من الغنيمة، وأنه يكون لها سهمان، وأورد النسائي حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر ضرب أربعة أسهم للزبير واحد له، وواحد لذي القربى؛ لأمه صفية ...)؛ لأنها من قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها عمة الرسول عليه الصلاة والسلام، (واثنان لفرسه)، يعني: سهم له وسهمان لفرسه.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن الزبير في سُهمان الخيل

    قوله: [قال الحارث بن مسكين].الحارث بن مسكين سبق أن عرفنا أن النسائي له مع شيخه الحارث بن مسكين حالتان:
    حالة لم يكن بينهما وفاق ووئام، حيث منعه من حضور مجلسه، فكان يحضر ويجلس من وراء الستار، ويسمع قراءة من يقرأ عليه فيتحمل بهذه الطريقة، ويعبر عن ذلك بأن يقول: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
    وله حالة أخرى: وهي أنه كان حصل بينهما شيء من الاتفاق والوئام، حيث أذن له في حضور مجلسه، فكان إذا سمع أحداً يقرأ عليه تحمل، وعبر عن ذلك بقوله: أخبرنا، ففي الحالة التي كان قد أذن له يعبر بأخبرنا، والحالة التي لم يرد الحارث أن يأخذ عنه النسائي، ما كان يقول: أخبرنا؛ لأنه ما قصد إخباره هو، ولكنه كان يقول: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، والحارث بن مسكين ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن عبد الرحمن].
    هو سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن هشام بن عروة].
    هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير].
    يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جده].
    هو عبد الله بن الزبير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأول مولود في المدينة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها؛ لأنه ولد في قباء عندما قدم رسول الله صلى الله عليه وسل المدينة مهاجراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الأسئلة


    حكم صاحب الكبيرة

    السؤال: هل يصح كلام من يقول: إن صاحب الكبيرة الواحدة يستحق الوعيد ولو كان له حسنات كثيرة عظيمة؟


    الجواب: نعم، كلام صحيح؛ لأن من ارتكب كبيرة، ولم يتب منها، ومات عليها، فهو متوعد بما توعد به، وأمره إلى الله عز وجل، إن شاء عفا عنه وتجاوز عنه، وإن شاء عذبه.


    رفع اليدين عند السجود والرفع منه

    السؤال: هل رفع اليدين عند السجود والرفع منه يكون بصفة مستمرة أو أحياناً، وقد جاء بذلك حديث في سنن النسائي ؟


    الجواب: نعم، جاء في ذلك حديث، لكن كونه باستمرار ما أعرف، ولكن الذي أعرف أن الذي ثبت في الصحيحين، وفي أحدهما -صحيح البخاري- أربعة مواضع، وجاء من حديث أبي حميد الساعدي في صحيح البخاري عند القيام من التشهد الأول، وأما المواضع الأخرى فقد جاء فيها أحاديث، واختلف في صحتها وثبوتها، منهم من صححها وأثبتها، ومنهم من ضعفها، ولا أدري هل يكون ذلك بصفة مستمرة، أو ليس بصفة مستمرة عند من يقول ذلك، لا أدري.


    رفع اليدين في صلاة العيدين والاستسقاء

    السؤال: ما قولكم في رفع اليدين في صلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء؟

    الجواب: الذي يبدو أنها لا ترفع؛ لأنه ما ثبت فيها شيء، فلا ترفع اليدين في غير التكبيرة الأولى، التي هي تكبيرة الإحرام، أما ما عداها فلم يثبت فيه شيء، وصلاة العيدين والاستسقاء صفتهما واحدة في الصلاة.


    تقسيم الدين إلى أصول وفروع

    السؤال: قرأت في كتاب لـابن القيم، وذكر فيه أن تقسيم الدين إلى أصول وفروع بدعة، فما المراد به؟

    الجواب: أين كتاب ابن القيم هذا، أي كتاب، الدين له أصول وفروع، أصول ليس فيها مجال للاجتهاد، وفروع فيها مجال للاجتهاد، فأين يوجد كلام ابن القيم هذا.
    البدعة هو قول من يقول: إن الدين فيه قشور ولباب، يعني: العبارات التي جاءت في هذا الزمان يقولون: فيه قشور، ولباب، وهذا غير صحيح بل كله لباب وليس فيه قشور، فهذا من أسوأ الكلام، ومن أفسد الكلام أن يستهان في بعض الأشياء ويقال: إنها قشور، وتقسيمه إلى قشور ولباب، هذا هو القول المبتدع، وهذا هو التعبير الخاطئ، وأما أصول وفروع، بمعنى أصول ليس فيها مجال للاجتهاد، وفروع فيها مجال للاجتهاد، فهذا ليس ببدعة.

    الدين أصول وفروع

    السؤال: بدعية تقسيم الدين إلى أصول وفروع، نقل هذا الشيخ ابن عثيمين في كتاب العلم: أن ابن القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية ذكروا هذا، وكذلك ذكره بكر أبو زيد في معجم المناهي اللفظية؟


    الجواب: أقول: لا أعرف هذا، لكن معلوم أن الدين أصول وفروع، ليس كله فروعاً وليس كله أصولاً، يعني: باعتبار أنها متساوية؛ لأن هناك شيء يسوغ فيه الاجتهاد، وشيء لا يسوغ فيه الاجتهاد، فالفروع يسوغ فيها الاجتهاد، والأصول لا يسوغ فيها الاجتهاد، ولا يقال: الاجتهاد لا يسوغ مطلقاً، ولا يقال: إنه يسوغ في كل شيء، وإنما يسوغ في الفروع دون الأصول، وأنا لا أعرف هذا الكلام، وقد يكون التبس على الناقل، وقد يكون أن الأمر في غير هذه الصورة وفي غير هذه المسألة.


    المسابقة في غير النصل والخف والحافر

    السؤال: هل تجوز المسابقة في غير الثلاثة المذكورة في الحديث، كالمسابقة في حفظ القرآن، أو حفظ الأحاديث، وآخر يقول: المسابقة الآن في السيارات هل تقاس على الفرس؟


    الجواب: المسابقة في السيارات لا تكون؛ لأن المسابقة في السيارات معناه هلاكها، والمسألة ليست هي مسألة سرعة السيارة، فالسيارة إذا أعطاها نهايتها في السرعة وصل للهاوية وأشرف على الموت، أو ألقى بنفسه إلى التهلكة، وهذا لا يجوز، وليست القضية قضية قوة، كونه يضع رجله على البنزين وتطير السيارة بسرعة فائقة، أقول: الطفل الصغير يستطيع أن يضع رجله على البنزين ويطير بالسيارة، وليست هذه شجاعة أو قوة، بل هذا تهور وسفه، لأنه يؤدي إلى الهلاك، وإنما القوة والشجاعة في ركوب الخيل والإبل، وكون الإنسان يثبت عليها ولا يسقط، وأما كونه جالس بمجرد أن يطأ على البنزين، تطير السيارة، ويهلك نفسه، ويهلك الناس معه.. هذا ليس بشيء.

    وفيما يتعلق بالمسابقة التنافس في الخير، فهذا لا بأس به، ومن ذلك المسابقة في القرآن، وفي حفظ الحديث، وغير ذلك، فإذا حصل تنافس في هذا، فهذا شيء طيب ولا في بأس فيه.
    والسبق: هو الجائزة التي لا تجوز إلا في الأمور الثلاثة، والمسابقة أصلها في الأقدام، وليس بذلك بأس، لكن لا يؤخذ عليها سبق، أي: الجائزة.
    فالمسابقة في القرآن والأحاديث مثلاً يقول: من حفظ كذا، فله كذا، ومن كان متقناً لكذا، فله كذا، فهذا جعل في وجوه الخير، لا بأس به، وهذا يقال له تنافس، والمسابقة على الأرجل وعلى كذا... مما هو موجود الآن كالسيارات ليس من هذا القبيل، فالمسابقة في القرآن والحديث هذا تنافس في الخير، وتسابق إلى الخيرات.
    فلا يجوز لنا أن نجعل جعلا للمتسابقين على الأرجل؛ لأنه قال فيما يتعلق في المسابقة: (لا سبق إلا في خف)، لا على السيارات، ولا على الحمير، ولا على الأرجل، هذا كله لا يجوز؛ بل يقتصر على الثلاثة التي هي من وسائل الجهاد في سبيل الله عز وجل.

    حديث: (لا يحل السبق إلا على خف أو حافر) موقوفاً ومرفوعاً


    السؤال: الحديث: (لا يحل السبق إلا على خف أو حافر) جاء موقوفاً على أبي هريرة وجاء مرفوعاً، كيف ذلك؟

    الجواب: المرفوع هو المعتبر، والموقوف يكون شاهداً له، والمرفوع كان فيه شخص مقبول، لكن الأحاديث التي مضت قبل ذلك كلها تؤيده؛ لأنها ثابتة.


    لا تجتمع الأمة على ضلال


    السؤال: عصمت هذه الأمة عن الضلال، هل عصمت كذلك عن الخطأ، وما هو الفرق بينهما؟الجواب: نعم، هي عصمت عن الخطأ جميعها، أي: عصمت عن أن تخطئ وتجتمع على خطأ، كذلك لا تجتمع على ضلالة بأجمعها، أما كونه يحصل أن بعضها يخطئ، وبعضها يضل، وبعضها يسيء، فهذا هو الواقع وهذه سنة الله في خلقه: أن فيهم كذا، وفيهم كذا.
    نعم يمكن أن يحصل خطأ فيما يتعلق ببعض العبادات، لكن هذا الخطأ لا يضرهم، مثل لو شهد شهود زور بأن الشهر أي: شهر الصوم أو الحج داخل في كذا، ثم بعد ذلك تبين أنهم غير صادقين، والناس قد صاموا أو حجوا وأكملوا، وقفوا في عرفة في يوم غير يوم عرفة، فحجهم صحيح، ووقفوهم صحيح، وقد حصل الخطأ، لكنه ليس باجتهادهم كلهم، وإنما بحصول شيء عن طريق شرعي تبين أنه غير صحيح، أي: بالخطأ، فيمكن أن يحصل على الناس خطأ في الحج، لكن لا يقال: ليس لهم حج، بل لهم حج، والحج يوم يحج الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، فإذا حصل أن تبين خطأ فيما بعد، وأنهم قد حجوا فحجهم صحيح، ولو حصل ذلك عن طريق الخطأ، وكذلك الصيام، أما أن يجتمعوا على خطأ في أمر من الأمور، وفي مسألة من المسائل الاجتهادية، أو يجتمعوا على ضلالة فهذا لا يحصل أبداً.

    قراءة المأموم بالفاتحة في الصلاة الجهرية

    السؤال: ما هو القول الراجح في المسائل التالية: قراءة المأموم بالفاتحة في الصلاة الجهرية؟


    الجواب: الراجح أنه يقرأها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم -كما جاء في الحديث- كان أحد الناس يقرأ وهو يقرأ فقال: (لعلكم تقرءون، ما لي أنازع القراءة، لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)، أي: لا تقرءوا والإمام يقرأ إلا بفاتحة الكتاب، فدل على أنها واجبة.


    النزول إلى السجود على اليدين أو الركبتين


    السؤال: النزول إلى السجود على اليدين أو الركبتين؟

    الجواب: المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، ورد فيها حديثان، كل واحد منهما فيه مقال، فمنهم من قوى ذلك الحديث الذي فيه تقديم الركبتين، ومنهم من قوى الحديث الذي فيه تقديم اليدين، حديث أبي هريرة فيه تقديم اليدين، وحديث وائل بن حجر فيه تقديم الركبتين، وكل منهما فيه من هو متكلم فيه، حديث أبي هريرة فيه عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وحديث وائل بن حجر فيه شريك بن عبد الله القاضي النخعي، فالعلماء اجتهدوا، منهم من رأى أن حديث شريك بن عبد الله النخعي مقدم، ومنهم من رأى تقديم حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي، فمن ثبت عنده أن أحد الحديثين أصح، فعليه أن يأخذ به، ومن لم يثبت عنده شيء فيه سعة، لكن على جميع الأحوال ليس له أن يفعل كما يفعل البعير من حيث الهوي بقوة، وبحيث يكون ليديه أو رجليه إذا وصلت الأرض صوت، مثلما يحصل للبعير إذا هوى، حيث يسمع صوت جثومه على الأرض بركبتيه أو بيديه.


    تحريك الإصبع أو عدمه في جلوس التشهد

    السؤال: ما حكم تحريك الإصبع في جلوس التشهد؟

    الجواب: هناك تحريك، لكن لا تحرك باستمرار، وإنما يكون التحريك عند الدعاء، فعندما يدعو الإنسان يحركها.


    وضع اليدين على الصدر بعد القيام من الركوع


    السؤال: وضع اليدين على الصدر بعد القيام من الركوع؟

    الجواب: نعم، فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: توضع بعد الركوع كما توضع قبل الركوع، والدليل على ذلك ما جاء عن بعض الصحابة أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة وضع اليمين على الشمال)، وكلمة قائماً وصف القيام، وهو إحدى الحالات الأربع للمصلي؛ لأن المصلي له أربع حالات لا خامس لها، فهو إما قائم قبل الركوع وبعده، وإما راكع، وإما ساجد، وإما جالس بين السجدتين أو في التشهد، هذه أحوال المصلي الأربع، فقوله: إذا كان قائماً في الصلاة وضع اليمين على الشمال، يشمل لفظ قائم ما قبل الركوع وما بعده.

    وقول آخر قال به بعض العلماء: لا توضع اليدين على الصدر بعد الركوع، قالوا: لأن الذين وصفوا صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالتفصيل ما ذكروا شيئاً عما يكون بعد الركوع، كل الذين وصفوا صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالتفصيل؛ يفعل كذا ثم يفعل، وإذا صار كذا عمل كذا.. ما تعرضوا لذكر اليدين بعد الركوع، لكن هذا الحديث الذي أشرت إليه يدل بعمومه على أن حالة ما بعد الركوع كحالة ما قبل الركوع؛ لأنها كلها يقال لها قيام.

    ذبح الإبل في العقيقة

    السؤال: هل من الإبل يجوز أن يذبح عقيقة عن الذكر أو الأنثى، وإذا كان يجوز فهل يكفي عن واحد، أو عن مجموعة بحيث يشترك شخصان في واحد، وهل يشترط له ما يشترط للأضحية من ناحية السن؟

    الجواب: العقيقة جاء بأن الغلام له شاتان، والجارية لها شاة، وهي إحدى المسائل الخمس التي فيها الأنثى على النصف من الذكر، وهي مسألة العقيقة، ومسألة الميراث، ومسألة العتق، ومسألة الدية، ومسألة الشهادة، يعني: خمس مسائل النساء على النصف من الرجال فيها، فالعقيقة هي إحدى هذه المسائل الخمس، الغلام له شاتان والجارية لها شاة، فهذا هو المشروع، أما لو ذبح شيئاً كبيراً فهو يجزئ في الأضحية فهذا ليس فيه إشكال، أما ما دون ذلك فلا أدري.


    تمييز قبور الرجال عن النساء

    السؤال: اعتاد البعض بوضع خشبتين على قبر المرأة، وواحدة على قبر الرجل للتمييز بين قبور الرجال والنساء، فهل هذا ثابت عن السلف؟


    الجواب: أبداً، لا نعلم لهذا أساساً، لكن كونه يوضع علامات على القبر، ليعرف بها قبر معين، فهذا لا بأس به، أما أن يميز الرجال عن النساء، والنساء عن الرجال بهيئة وبصفة لا أعلم لهذا أساساً، ولا أعلم له وجهاً.


    التكبير في الرفع من سجود التلاوة

    السؤال: عند الرفع من سجود التلاوة في الصلاة، هل ينتقل من السجود للقيام بالتكبير أو بقراءة القرآن؟


    الجواب: إذا كان الإنسان في الصلاة فينتقل بالتكبير؛ لأنه يدخل تحت عموم قوله: (كان يكبر عند كل خفض ورفع)، فينتقل إذا كان في الصلاة بالتكبير؛ لأنه داخل تحت كونه يكبر عند كل خفض ورفع، وهذا خفض ورفع، فهو يكبر عند هذا الخفض، ويكبر عند الرفع، أما إذا كان في غير الصلاة فلا يكبر عند الرفع، ولا يسلم.


    دليل من يقول بعدم وقوع الطلاق البدعي

    السؤال: ما دليل من يقول بعدم وقوع الطلاق البدعي؟الجواب: لا أدري.

    أجر الجماعة الثانية

    السؤال: من صلى في الجماعة الثانية بعد انتهاء الجماعة الأولى، هل له أجر الجماعة؟

    الجواب: له أجر الجماعة الثانية، وأما أجر الجماعة الأولى التي أذن لها، والتي حصل إدراك صلاتها، لا شك أنها أفضل نعم، هذه جماعة وهذه جماعة، لكن فرق بين الجماعتين، وكل منهما لها أجر، وهذه الجماعة الثانية لا تخلو من إحدى حالتين: إما أن تكون الجماعة الثانية أقيمت حيث جاءوا وقد فاتتهم الأولى وكانوا حريصين على إدراكها، فهؤلاء يجوز لهم أن يصلوا جماعة، وإما أنهم لا يريدون أن يصلوا وراء الإمام، بل يتحينون انتهاءه حتى يصلوا وحدهم، وهؤلاء يأثمون على هذا القصد، وعلى هذه النية.


    جواز إقامة الجماعة الثانية

    السؤال: من يقول لا جماعة أخرى بعد الجماعة الأولى ما قولكم في رأيه؟


    الجواب: الذي يبدو لي أن الصواب هو خلافه، وأن الجماعة الثانية يجوز إقامتها إذا كانت المسألة ليست بالحالة التي أشرت إليها، وهي: عدم إرادة الصلاة وراء الإمام، وإيجاد الجماعات، وإيجاد التفرق، وأنهم لا يريدون أن يصلوا وراء الإمام الراتب.. هذا لا يجوز، أما إذا كان الأمر كما ذكرت وأنه فاتتهم الصلاة وكانوا يريدون أن يصلوا، ولكن جاءوا وقد فرغ من الصلاة، فلهم أن يصلوا، والدليل على هذا الأحاديث التي وردت في الجماعة، وصلاة الثلاثة أحسن من الاثنين وهكذا ...، ثم الحديث الذي فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من يتصدق على هذا فيصلي معه؟)، شخص جاء وحده، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد واحداً من الذين صلوا أن يتصدق عليه ويصلي معه، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إقامة الصلاة ولو عن طريق الصدقة، فكيف لا تجوز من غير حاجة إلى صدقة، فإذا جاءنا واحد، نقول: واحد نصلي معه، وإذا جاءنا اثنان نقول: كل واحد يرجع ويصلي في بيته! هذا غير مستقيم، إذا جازت عن طريق الصدقة فتجوز عن غير طريق الصدقة، وما الفرق بين مجيء واحد يبحث عن واحد يصلي معه لتوجد الجماعة في المسجد، وبين اثنين يأتيان وليسا بحاجة إلى صدقة، ويقال لهما: كل واحد يذهب ويصلي في بيته، فلا يستقيم هذا؛ إذ ليس بواضح.


    حكم المسابقة بالطير

    السؤال: هل تجوز المسابقة في الطير، حيث أنه ورد حديث موضوع فيه زيادة: جناح؟


    الجواب: أقول: مادام أن السؤال فيه أنه حديث موضوع، فمعناه أن الجواب موجود في السؤال.


    حكم أخذ ما زاد من مال الحج لمن ناب عن غيره


    السؤال: أعطاني رجل مالاً لأحج عن أبيه، فتكلف الحج مالاً أقل، فهل يجوز لي أن آخذ بقية المال وقد تعمدت تكلفة أقل؟


    الجواب: لا بأس أن تأخذ المال، مادام أنك أعطيت من أجل أن تحج، وقد أتيت بالحج على التمام والكمال، وزاد عندك المال، فلك أن تأخذه.


    قلب الرداء في صلاة الاستسقاء بالنسبة للمأمومين والنساء

    السؤال: بالنسبة لقلب الرداء في صلاة الاستسقاء هل هو سنة؟ وهل هو وخاص للإمام أو للمأمومين؟ وهل يشمل الرجال والنساء؟


    الجواب: الذي يبدو أنه عام ليس خاصاً بالإمام، بل هو للإمام والمأمومين، وكذلك للرجال والنساء؛ لأن النساء كمثل الرجال في الأحكام إلا إذا جاء شيء يخصهن ويميزهن عن الرجال، وإلا فالأصل التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام.


    عقيدة الإمام الشوكاني رحمه الله

    السؤال: ما هي عقيدة الإمام الشوكاني رحمه الله؟

    الجواب: الإمام الشوكاني رحمه الله له مؤلفات تدل على سلامة وحسن اعتقاده، وعنده شيء من الأخطاء القليلة، لكن الغالب على كتبه وعلى ما يتعلق بعقيدته السلامة، وأما كتبه فهي مفيدة، فيحرص عليها، ويستفاد منها.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #467
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإحباس

    (464)

    - باب كيف يكتب الحبس




    إن الأنبياء لا يورثون ديناراً ولا درهماً، وإن ما خلفه النبي عليه الصلاة والسلام فإنه يوضع في سبيل الله، وقد ثبت مشروعية الوقف، ووضع مال في سبيل الله جل وعلا ليتوالى الأجر لصاحبه بعد موته.

    الإحباس


    شرح حديث عمرو بن الحارث: (ما ترك رسول الله ديناراً ولا درهماً... إلا بغلته ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب: الإحباسأخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه، أنه قال: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ديناراً ولا درهماً، ولا عبداً ولا أمة، إلا بغلته الشهباء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضاً جعلها في سبيل الله)، وقال قتيبة مرة أخرى: (صدقة)].
    ثم أورد النسائي كتاب الإحباس، والإحباس هو: التوقيف؛ لأنه من حبس وأحبس إذا وقف، وهو الوقف أو التوقيف، والتحبيس والتسبيل، ويقولون في تعريف الوقف: هو: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، أي: أن الأصل يوقف فلا يباع ولا يتصرف فيه، ومنفعته تصرف في وجوه الخير التي نص في الوقف على أنها تصرف فيها، فيبقى الأصل دون أن يباع؛ لأنه صار وقفاً على جهة معينة، ومنفعته تصرف في حق تلك الجهة التي أوقف عليها، فإذا أوقف مثلاً داراً على أن تكون للمساكين، فتكون هذه الدار أصلها خرجت من ملك مالكها، ومنفعتها تكون لأولئك المساكين سواء سكنوها، أو أجرت وقسمت أجرتها عليهم، فهو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، هذا هو المقصود بالإحباس، وهو من أحبس وحبس، أي: إذا وقف.
    وقد مر ذكر الاحتباس في الخيل يحتبسها للجهاد في سبيل الله، أي: يوقفها، والاحتباس غير الاحتساب، الاحتساب أن يحتسب الأجر ويريده، وأما الاحتباس هو توقيف العين لأمر من الأمور، أو في جهة من جهات الخير، سواء كان جهاداً أو غير جهاد.
    أورد النسائي حديث [عمرو بن الحارث رضي الله عنه قال: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ديناراً ولا درهماً، ولا عبداً ولا أمة، إلا بغلته الشهباء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضاً جعلها في سبيل الله)]، قوله: (إلا بغلته) هذا استثناء منقطع، أي: لكن ترك بغلته؛ لأن الاستثناء المنقطع هو ما يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه؛ لأن الذي مر دراهم ودنانير، وإماء وعبيد، فجاءت البغلة وهي ليست من جنسها، فيكون استثناء منقطعاً، ويمكن أن يكون استثناء متصلاً على حذف مفعول، أي: ولا شيئاً، أي: ما ترك عبداً، ... ولا شيئاً إلا بغلته، فيكون استثناء متصلاً إذا كان المقدر شيئاً، وأما على حالته فإنه استثناء منقطع، أي: لكن ترك بغلته، وهي من غير جنس ما تقدم.
    قوله: (الشهباء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضاً جعلها في سبيل الله)، فالنبي عليه الصلاة والسلام جاء الحديث عنه أنه قال: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)، فكل ما تركه صدقة، يعني: البغلة، والسلاح، والأرض كل ذلك في سبيل الله عز وجل، لكن هذه الأرض جعلها في سبيل الله عز وجل، وأما الأموال الأخرى التي هي السلاح، والبغلة فهي أيضاً في سبيل الله عز وجل، وهي صدقة جارية، وذلك مما كان يصرف على الفقراء والمساكين، يرصد ويعد للجهاد في سبيل الله كالبغلة، وكالسلاح، فيجعل في الجهة التي تناسبه.
    [وقال قتيبة مرة أخرى صدقة]، أي: بدل في سبيل الله، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة)، هكذا جعل الله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنهم لا يورث عنهم المال؛ لأنهم ما جاءوا لجمع المال وتوريثه لأقاربهم كغيرهم من الناس الذين يجمعون المال ويرثهم أقاربهم، هم جاءوا لهداية البشر، وهداية الخلق بإخراجهم من الظلمات إلى النور، وجاءوا بالعلم النافع الذي هو ميراث مشاع مبذول لكل من أراده، وليس خاصاً بالقرابات، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)، فميراث النبوة هو: العلم النافع، وهذا الميراث ليس خاصاً بقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مبذول، ومشاع، ومشترك، وكل من أراده فهو أمامه، لا يرد عنه أحد، ولا يختص بأحد دون أحد، لكن غيرهم من الناس يجمعون المال، ويرثهم أقرباؤهم الذين فرض الله لهم الفرائض في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: (ما ترك ديناراً، ولا درهماً)، وقال: (وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً، ولا درهماً)؛ لأنهم ما جاءوا لجمع المال، وإنما جاءوا لنشر الحق، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ودعوة الناس إلى الصراط المستقيم، وميراثهم عام لكل من أراده ممن وفقه الله عز وجل.

    تراجم إسناد حديث عمرو بن الحارث: (ما ترك رسول الله ديناراً ولا درهماً ... إلا بغلته ...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الأحوص].
    هو أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق].
    هو أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن الحارث].
    عمرو بن الحارث رضي الله عنه أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث عمرو بن الحارث: (ما ترك رسول الله إلا بغلته البيضاء ...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سفيان حدثني أبو إسحاق سمعت عمرو بن الحارث رضي الله عنه يقول: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضاً تركها صدقة)].أورد النسائي حديث عمرو بن الحارث رضي الله عنه، وليس فيه ذكر الأشياء التي نفيت قبل البغلة، وإنما قال: ما ترك إلا بغلته، يعني: ما ترك شيئاً إلا بغلته.

    تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن الحارث: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بغلته البيضاء ...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق عن عمرو بن الحارث].
    قد مر ذكرهما.

    حديث عمرو بن الحارث: (رأيت رسول الله ما ترك إلا بغلته ..) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه قال: سمعت عمرو بن الحارث رضي الله عنه يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ترك إلا بغلته الشهباء، وسلاحه، وأرضاً تركها صدقة)].أورد النسائي حديث عمرو بن الحارث رضي الله عنه وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    عمرو بن علي مر ذكره.
    [عن أبي بكر الحنفي].
    هو عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس بن أبي إسحاق].
    هو يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه عن عمرو بن الحارث].
    قد مر ذكرهما.


    كيف يكتب الحبس، وذكر الاختلاف على ابن عون في خبر ابن عمر فيه رضي الله عنهما


    شرح حديث عمر: (أصبت أرضاً من أرض خيبر ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف يكتب الحبس، وذكر الاختلاف على ابن عون في خبر ابن عمر فيه رضي الله عنهما.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا أبو داود الحفري عمر بن سعد عن سفيان الثوري عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (أصبت أرضاً من أرض خيبر، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: أصبت أرضاً لم أصب مالاً أحب إلي ولا أنفس عندي منها، قال: إن شئت تصدقت بها، فتصدق بها على أن لا تباع ولا توهب؛ في الفقراء، وذي القربى، والرقاب، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف غير متمول مالاً، ويطعم)].
    يقول النسائي رحمه الله: [كيف يكتب الحبس، وذكر الاختلاف على ابن عون في حديث ابن عمر فيه].
    الحبس: هو الوقف، والإحباس هو التوقيف، يقال: أحبسه وحبسه إذا أوقفه ووقفه، وقيل للوقف حبساً لأن فيه منعاً من أن يتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم بالبيع، والشراء، والهبة، وما إلى ذلك، فإن الوقف ليس فيه هذه الأمور؛ لأنه حصل فيه الحبس الذي هو المنع من أن يتصرف فيه هذا التصرف.
    [وكيف يكتب الحبس؟] أي: كيف يكتب الوقف، وما هي الكيفية التي يكتب بها الوقف، والتي يوقف الإنسان بها ما يريد من المال على أن يكون عيناً جارية، وعلى أن يكون صدقة جارية، ومالاً تتوالى منافعه بين وقت وآخر، ويعود ذلك إلى من أوقفه، ويكون لمن أوقفه ثواب هذه الصدقة الجارية؛ لأن الصدقة صدقتان:
    صدقة منتهية: وهي الصدقة العينية التي يضعها الإنسان في يد محتاج، وصدقة جارية: وهي التي تكون مستمرة ودائمة، مثل أن يبني مسجداً فيصلي الناس فيه، فتدوم فيه هذه المنفعة، ويؤجر على كل ما يصلى فيه من الصلوات على ممر السنين والأيام، وكذلك إذا حبس داراً على أن يكون ريعها للفقراء والمساكين، أو يسكن فيها الفقراء والمساكين، فإنها صدقة جارية، وهو الوقف الذي يوقفه الإنسان ويستمر نفعه، ويكثر أجره ويتوالى لمن حبسه ووقفه.
    وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما عن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه أصاب أرضاً من خيبر لم يصب أرضاً مثلها، وليس عنده مال أنفس منها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له ذلك وأنها أنفس وأحب مال إليه، وهو يستأذنه ويستأمره ويطلب منه الأمر بأي وجه من وجوه الخير يضعها؟، فالنبي صلى الله عليه وسلم، أمره بأن يتصدق بها صدقة جارية، وهو أن يحبس أصلها، ويتصدق بثمرتها، بأن تصرف الثمرة في وجوه الخير والبر التي يذكرها وينص عليها، ففعل ذلك عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكانت كيفية تحبيسه وتوقيفه أنه حبسها بحيث لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، وهذا هو شأن الوقف؛ لأن الوقف إذا خرج من ذمة الإنسان ومن ملك الإنسان، وصار في وجوه البر التي جعله فيها، فلا سبيل إلى بيعه، ولا إلى هبته، وليس مالاً يورث من بعده؛ لأنه خرج من ملكه في حياته بتلك الطرق التي جعله فيها، وهي الوقف.

    مصرف وقف سيدنا عمر

    وذكر أن هذه المنفعة التي تنتج من وراء هذه الأرض، والثمرة التي تخرج منها تكون في الفقراء، والمساكين، وذي القربى، وإعتاق الرقاب، والضيف، وفي سبيل الله، وابن السبيل، هذه هي المصارف ووجوه البر التي جعلها عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه مصرفاً لهذا الوقف الذي وقفه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإرشاده وتوجيهه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.فبين أن الوقف يكون بأن يحبس ويمنع من التصرف فيه، وأن ثمرته ومنافعه تكون في وجوه البر التي يذكرها، ووجوه البر التي أرادها ونص عليها عمر هي هذه الوجوه؛ في الفقراء، والمساكين، وذي القربى يعني: قرابته هو، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، والضيف، وابن السبيل هذه وجوه البر والخير التي جعلها عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه مصرف وقفه يصرف فيها.
    ثم ذكر أن من وليها فلا جناح عليه أن يأكل غير متمول مالاً، معناه: أنه لا يأخذ منها شيئاً يتموله، وإنما يأكل ويأخذ منها بالمعروف، دون أن يتمول مالاً منها يجعله ضمن ماله يتجر فيه ويستعمله، وكذلك يطعم بالمعروف، ويحسن إلى من هو محتاج.
    [قال عمر رضي الله عنه: (أصبت أرضاً من أرض خيبر، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: أصبت أرضاً لم أصب مالاً أحب إلي، ولا أنفس عندي منها، قال: إن شئت تصدقت بها)].
    هو يريد أن ينفق خير ماله وأحب ماله إليه، والله تعالى يقول: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، فهو يقول: إن هذه الأرض هي أحب مالي إلي، ولم أصب أنفس منها ولا أحب إلي منها، وهو يستشير الرسول صلى الله عليه وسلم، كيف يضعها، وكيف ينفقها؟ فأشار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يحبسها، وأن يجعل ثمرتها في وجوه الخير ففعل، ماذا قال؟
    قوله: [(قال: إن شئت تصدقت بها)].
    أي: جعلتها وقفاً؛ لأنه جاء في بعض الروايات أنه (يحبس أصلها، ويسبل ثمرتها)، فقوله: (تصدقت بها) أي: صدقة جارية؛ لأن الصدقة بالأصول صدقة جارية، وأما الصدقة بالثمرة في وقت من الأوقات، أو في زمن من الأزمان، وفي حين من الأحيان هذه صدقة منتهية، لكن إذا حبس الأصل الذي هو النخل، وصارت ثمرته تصرف في كذا وكذا كل سنة، فعندما تأتي الثمرة تؤخذ ثمرته وتصرف في كذا وكذا، فتكون صدقة جارية.
    قوله: [(فتصدق بها على أن لا تباع ولا توهب)].
    أي: اجعلها صدقة جارية على أن لا تباع ولا توهب، فهي أصول موقوفة لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، أي: ليست مالاً له يورث من بعده يحصله الورثة؛ لأن هذا خرج من ملكه في حياته، وصار في وجوه الخير، ووجوه البر التي جعله فيها؛ لأن هذا هو شأن الوقف، والفرق بين الوقف والوصية أن الوقف خروج من المال في الحياة، وأما الوصية فهي بعد الموت، وتكون في حدود الثلث فأقل يجعلها في وجوه الخير والبر، والوقف: هو خروج من المال في الحياة، يخرج من ملكه في حياته، فلا يكون من ماله، ولا يورث من بعده، ولا يتمكن هو من بيعه أو هبته، وكذلك غيره لا يتمكن من بيعه، ولا هبته إلا إذا تعطلت منافعه، فالوقف إذا تعطلت منافعه فإنه يمكن أن يباع، وأن يصرف في مثله.
    قوله: [(فتصدق بها على أن لا تباع ولا توهب في الفقراء وذي القربى)].
    على أن لا تباع، ولا توهب، هذا هو تحبيس الأصل، ثم قوله (في الفقراء) يعني: منفعتها وثمرتها وفائدتها تكون في المصارف الآتية: وهي في الفقراء.
    وقوله: [(وذي القربى، والرقاب، والضيف، وابن السبيل)].
    هذه وجوه البر التي جعل عمر رضي الله عنه وأرضاه مصارف وقفه فيها.
    قوله: [(لا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف غير متمول مالاً، ويطعم)].
    الذي يليها له أن يأكل بالمعروف، ولا يتمول مالاً بمعنى: أنه يأخذ شيئاً يتموله، ويجعله مالاً يتجر به، أو يتصرف فيه كيف يشاء، وإنما يأكل بالمعروف، ويطعم منه، ويحسن منه، أي: يطعم صديقه، ويطعم جاره.. لا بأس بذلك، لكن بالمعروف دون أن يكون هناك تمول واتجار بشيء من هذا الوقف ومن ثمرات هذا الوقف.

    تراجم رجال إسناد حديث عمر: (أصبت أرضاً من أرض خيبر ...)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن أبي داود الحفري عمر بن سعد].
    أبو داود الحفري هو عمر بن سعد، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سفيان الثوري].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عون].
    هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [عن عمر].
    هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثاني الخلفاء الراشدين، الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، ولي الخلافة عشر سنوات وأشهراً، حصلت فيها الفتوحات، واتسعت فيها رقعة البلاد الإسلامية، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وقضي على الدولتين العظيمتين في زمانه، وهما: دولة فارس، والروم، وأنفقت كنوز كسرى وقيصر، كسرى ملك الفرس، وقيصر ملك الروم، وأنفقت في سبيل الله، وتحقق بذلك ما أخبر به رسول الله عليه الصلاة والسلام من أن كنوزهما لتنفقن في سبيل الله، وقد كان إنفاقها في زمن الفاروق، وعلى يد الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    طريق أخرى لحديث عمر: (أصبت أرضاً من أرض خيبر ...) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق الفزاري عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه].أورد النسائي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه دون أن يذكر متنه، ولكنه أحال على ما قبله بنحوه، أي: أن لفظ المتن الذي لم يذكر قريب من لفظ المتن المذكور قبله، وهذا هو معنى نحوه، أي: أنه متفق في المعنى ويختلف في الألفاظ، وهذا بخلاف كلمة مثله؛ فإنها تعني المماثلة باللفظ والمعنى، وأما نحوه فتعني: الموافقة بالمعنى مع الاختلاف باللفظ.

    تراجم رجال إسناد حديث عمر بن الخطاب (أصبت أرضاً من أرض خيبر..) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرني هارون بن عبد الله].هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن معاوية بن عمرو].
    هو معاوية بن عمرو المعني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق الفزاري].
    وهو إبراهيم بن محمد بن الحارث أبو إسحاق الفزاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عون].
    وفي تحفة الأشراف: عن أبي إسحاق الفزاري عن ابن عون، وفي السنن الكبرى أخذ من المجتبى، وذكر أيوب.
    [عن نافع عن ابن عمر عن عمر].
    قد مر ذكرهم.

    شرح حديث ابن عمر: (... إن شئت جبست أصلها وتصدقت بها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حميد بن مسعدة حدثنا يزيد وهو ابن زريع حدثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: (أصاب عمر أرضاً بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس عندي، فكيف تأمر به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق بها على أن لا تباع، ولا توهب، ولا تورث؛ في الفقراء، والقربى، والرقاب، وفي سبيل الله، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً غير متمول فيه)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر عن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو مثلما تقدم من كونه أصاب الأرض، وأنها أنفس ماله، وأنه جاء يستشير النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة بها، فأمره بأن يحبس أصلها ويتصدق بها، أي: بالثمرة والريع والنتاج ويكون ذلك في الفقراء، وذي القربى، وابن السبيل، والرقاب، والضيف، وأن الولي له أن يأكل بالمعروف، ويطعم صديقاً غير متمول فيه، أي: كونه يأكل ويطعم صديقه دون أن يكون متجراً فيه، متخذه تجارة أو مالاً يتموله ويتصرف فيه، وإنما المقصود هو انتفاع وأكل دون أن يتجر فيه.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (... إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ...)

    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].حميد بن مسعدة هو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن يزيد هو ابن زريع].
    يزيد هو ابن زريع، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر عن عمر].
    قد مر ذكرهم.

    حديث ابن عمر: (... قال: إن شئت حبست أصلها ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر عن ابن عون قال: وأنبأنا حميد بن مسعدة حدثنا بشر حدثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (أصاب عمر أرضاً بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاستأمره فيها، فقال: إني أصبت أرضاً كثيراً لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمر فيها؟ قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، فتصدق بها على أنه لا تباع، ولا توهب، فتصدق بها في الفقراء، والقربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح -يعني: على من وليها- أن يأكل أو يطعم صديقاً غير متمول) اللفظ لـإسماعيل].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل ما تقدم.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (.. قال: إن شئت حبست أصلها ..) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن بشر].
    هو بشر بن مفضل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عون].
    قد مر ذكره.
    [وأنبأنا حميد بن مسعدة].
    قد مر ذكره.
    [عن بشر عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر عن عمر].
    قد مر ذكرهم.

    حديث ابن عمر: (... فقال: إن شئت حبست أصلها ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا أزهر السمان عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن عمر أصاب أرضاً بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستأمره في ذلك، فقال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فحبس أصلها أن لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، فتصدق بها على الفقراء، والقربى، والرقاب، وفي المساكين، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقه غير متمول فيه)].أورد النسائي حديث عمر من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (.. فقال: إن شئت حبست أصلها ..) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].إسحاق بن إبراهيم مر ذكره.
    [عن أزهر السمان].
    أزهر السمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر عن عمر].
    قد مر ذكر هؤلاء.

    شرح حديث: (اجعلها في قرابتك ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن نافع حدثنا بهز حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (لما نزلت هذه الآية: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] قال أبو طلحة رضي الله عنه: إن ربنا ليسألنا عن أموالنا، فأشهدك يا رسول الله! أني قد جعلت أرضي لله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اجعلها في قرابتك؛ في حسان بن ثابت، وأبي بن كعب)].أورد النسائي حديث أنس رضي الله عنه: أن أبا طلحة لما نزل قول الله عز وجل: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، قال: (إن ربنا ليسألنا عن أموالنا)، يعني أي يطلب منا أن نتصدق من أموالنا، وأن تكون الصدقة في الأحب والأنفس؛ لأن الله يقول: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، فهذا فيه حث وتنبيه إلى التصدق والإنفاق، وأن يكون ذلك بالأحب، وبالأنفس والأرغب عند الإنسان، فقال: [(أشهدك يا رسول الله! أني قد جعلت أرضي لله)].
    أي: أنه جعلها في سبيل الله عز وجل، يرجو ثواب الله عز وجل من هذا المال الذي هو أحب ماله إليه، أو من أحب ماله إليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمره بأن يجعلها في قرابته في حسان بن ثابت وأبي بن كعب، وهذا يدلنا على أن الأقربين هم أولى بالمعروف، وأنهم أولى الناس ببر القريب وإحسانه، ولهذا عمر رضي الله عنه جعل للقربى أي قرابته لهم نصيب من هذا المال، أو من هذا الوقف، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد أبا طلحة بأن يجعل ذلك في قرابته المحتاجين، فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (اجعلها في قرابتك ...)

    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن نافع].أبو بكر بن نافع هو محمد بن أحمد بن نافع، وهو صدوق، أخرج حديثه: مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن بهز].
    هو بهز بن أسد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد].
    هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويخبر عن أبي طلحة وهو زوج أمه أم سليم رضي الله تعالى عنها وعنه وعن الصحابة أجمعين، فهو يخبر عما حصل من زوج أمه أبي طلحة رضي الله عنه من مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ورغبته في التصدق في جعل أرضه في سبيل الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم أشار إليه بأن يجعلها في القربى.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #468
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإحباس

    (465)

    - باب حبس المشاع




    دل الله العباد على كل خير، وحذرهم من كل شر، ومن خير ما دلهم عليه حبس المال ووقفه في طاعته سبحانه، فيبقى الأجر ما بقي هذا الوقف، حيث يحفظ أصله، وتوضع منفعته في الخير.

    حبس المشاع


    شرح حديث عمر: (احبس أصلها وسبل ثمرتها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: حبس المشاع.أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (قال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن المائة سهم التي لي بخيبر لم أصب مالاً قط أعجب إلي منها، قد أردت أن أتصدق بها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: احبس أصلها وسبل ثمرتها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: حبس المشاع، والمشاع: هو المشترك الغير متميز؛ لأن التحبيس يكون للمعين المتميز، وللمشترك غير المتميز، أي: مثل ربع أو كذا سهم من أسهم أرض أو بستان، فإن هذا مشاع؛ لأن معنى كونه مشاع أن حق كل واحد منهم مشاع في الكل، لا يستطيع أحد أن يقول: هذه القطعة لي وهذه القطعة لك، بل كل قطعة صغيرة فهي مشتركة، ولكل واحد حق فيها مادام أن الأرض لم تقسم ويعرف كل حقه بالتحديد، فإن كل واحد من المشتركين له نصيب في كل جزء من جزئيات الأرض المشاعة المشتركة، وعمر رضي الله عنه له مائة سهم في أرض مشاعة في خيبر، وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يتصدق بهذا المال بأن يجعله صدقة جارية، فالنبي صلى الله عليه وسلم، أمره بأن يحبس أصلها، ويسبل منفعتها.
    يحبس الأصل: بأن يمتنع من بيعه، وشرائه، وهبته، وعدم التمكن من إرثه؛ لأنه خرج من ملك صاحبه بالتحبيس.
    ويسبل المنفعة، يجعلها في سبيل الله عز وجل تصرف في وجوه الخير التي أرادها، ولهذا الفقهاء أخذوا من هذا الحديث تعريف الحبس أو التحبيس فقالوا: هو: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، بمعنى: أن الأصل يحبس فلا يتصرف فيه مالكه ببيع أو هبة، ولا يورث من بعده إذا مات؛ لأنه خرج من ملك صاحبه، وأما المنفعة التي تخرج منه فإنها تصرف في سبيل الله، النخل والزرع فالأرض المحبسة التي فيها نخل عندما يجز النخل، النخل أصله وقف، وثمرته وقف، فتصرف في وجوه البر، فإذا جذ فإنه يصرف في وجوه الخير التي جعله فيها، والأصل ثابت محبس لا يتصرف فيه، ولا يتمكن صاحبه من بيعه وهبته؛ لأنه خرج من ملكه بالتوقف.
    فالوقف تعريفه عند الفقهاء: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، أي: يحبس الأعيان، ويجعل ثمراتها وريعها ونفعها يصرف في وجوه البر، لا يباع هو، ويصرف قيمته في وجوه البر؛ لأنه لا يباع؛ لأن الأصل ثابت، وإنما الذي يصرف في وجوه البر هو الثمرة، والمنفعة التي تخرج منه، فالعمارة إذا وقفها لا يتمكن من بيعها، بل يصرف قيمتها في الفقراء والمساكين، وقيمتها ثابتة فيها وباقية فيها، لكن إجارها كل سنة -هذه منفعة أخذ مقابلها أجرة- هذه الأجرة تصرف في وجوه البر، فتكون العين ثابتة مستقرة، والمنفعة تصرف في وجوه البر، كلما جاءت المنفعة صرفت في وجوه البر، فالحديث فيه اعتماد الفقهاء على تعريف الوقف، حيث قالوا: هو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، والنبي صلى الله عليه وسلم، قال: (احبس أصلها، وسبل ثمرتها).
    وذكر المشاع مأخوذ من قوله: [(مائة سهم)]، معناه أن فيه أسهماً، وأنها ليست لشخص واحد وليس مستقلاً بها؛ لأن الأسهم كما هو معلوم هذا له مائة، وهذا له مائة، وهذا له مائة، وهكذا، فكل صاحب سهم لا يستطيع أن يقول: هذه القطعة لي، أو هذا الجزء لي، بل كل جزء من جزئياته لكل شريك فيه نصيب؛ لأنه مشاع.

    تراجم رجال إسناد حديث عمر: (احبس أصلها وسبل ثمرتها)


    قوله: [أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن].هو سعيد بن عبد الرحمن المكي المخزومي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن سفيان بن عيينة].
    هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن عمر].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث عمر: (فاحبس أصلها وسبل الثمرة) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي ببيت المقدس حدثنا سفيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله! إني أصبت مالاً لم أصب مثله قط، كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها، وإني قد أردت أن أتقرب بها إلى الله عز وجل، قال: فاحبس أصلها وسبل الثمرة)].أورد النسائي حديث ابن عمر عن عمر قال: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي يحكي ابن عمر راوياً عن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن عنده مائة رأس، اشترى بها مائة سهم من أرض خيبر، وهو يستشيره في أن يتصدق بها، فقال عليه الصلاة والسلام: (احبس أصلها وسبل ثمرتها).

    تراجم رجال إسناد حديث عمر: (فاحبس أصلها وسبل الثمرة) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي].هو محمد بن عبد الله بن بكر الخلنجي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن عيينة، وقد مر ذكره.
    [عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (احبس أصلها وسبل ثمرتها) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن مصفى بن بهلول حدثنا بقية عن سعيد بن سالم المكي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أرض لي بثمغ، قال: احبس أصلها، وسبل ثمرتها)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن عمر رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أرض لي بثبغ، وهي موضع من المدينة، فقال: احبس أصلها، وسبل منفعتها)، وهو مثلما تقدم في أرض خيبر: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة.

    تراجم رجال إسناد حديث عمر: (احبس أصلها وسبل ثمرها) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا محمد بن مصفى بن بهلول].محمد بن مصفى بن بهلول صدوق له أوهام، ويدلس، وأخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن بقية].
    هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سعيد بن سالم المكي].
    سعيد بن سالم المكي صدوق يهم، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر].
    وقد مر ذكرهم.


    الأسئلة

    ضياع شيء في الجمرات


    السؤال: شخص ضاع منه عند رمي الجمرات حذاؤه لشدة الزحام، فأخذ نعلين مختلفين من نفس المكان وأتى المدينة، فما الذي عليه؟


    الجواب: والله الذي يبدو أنه ليس عليه شيء؛ لأن النعال التي تكون في ذلك المكان هي مال ضائع وصاحبه لا يبحث عنه، ولا يأتي أحد يبحث عن نعاله في تلك الأكوام التي حول الجمرات، فإذا أخذ شيئاً من ذلك وانتفع به بدل نعاله التي ضاعت، فإنه أخذ بشيء مبذول، أي: لا أحد يبحث عنه، فلا بأس بأخذه من ذلك المكان.. من تلك الأكوام، وما دام أنه استفاد منه واستغنى عنه، فلو تصدق به عن صاحبه لكان أولى، ولكن كونه يأخذه ويستفيد منه فلا بأس؛ لأن هذا المال صاحبه لا يبحث عنه، ولا يسأل عنه.


    الفرق بين كتاب المجتبى والسنن الكبرى

    السؤال: هل هناك فرق بين كتاب المجتبى والسنن الكبرى؟

    الجواب: إي نعم هناك فرق، المجتبى هو مختصر، مثل اسمه مجتبى، وفي السنن الصغرى ما ليس في الكبرى، أي: فيها زيادات ليست موجودة في الكبرى، وفي الكبرى أحاديث كثيرة لا وجود لها في الصغرى، بل هناك أبواب، وقد سبق أن مر بنا في كتاب الصيام أنه انتقى منه في مواضع كثيرة، ثم أبواب عديدة توجد في الكبرى ولا توجد في الصغرى، توجد بعد نهاية أحاديث أبواب الصغرى جاءت أبواب عديدة بعدها في الكبرى، ولا وجود لها في الصغرى، على أنه يوجد في الصغرى أحاديث لا توجد في الكبرى، وهي منصوص عليها في بعض المواضع في تراجم الأبواب مما لا يوجد في الكبرى، وقد أحال عليها الشيخ عبد الصمد شرف الدين رحمه الله في مقدمته للسنن الكبرى، أو مقدمته لتحفة الأشراف، ما أتذكر ...، لكن في إحداهما نص على ذكر ما يتعلق بالكبرى والصغرى، وذكر أن في الصغرى أحاديث لا توجد في الكبرى، وأشار إلى مكانها، والترجمة فيها التنصيص على أنه ليس بالكبرى.


    المراد من كلمة الوقف للضيف

    السؤال: ما المراد بالوقف للضيف؟

    الجواب: أي: يجعل للضيفان وقف، لاسيما إذا كان المكان الذي فيه فقراء، ولا يتمكنون من تضييف من يمر بهم ويأتي إليهم، فإذا جعل شيئاً يخصص بأن يصرف للضيفان فهذا هو الوقف للضيف.


    معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا جناح طائر ما لم تعبر)


    السؤال: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا جناح طائر ما لم تعبر)؟

    الجواب: لا أدري.


    صرف الزكاة

    السؤال: هل يجوز إخراج الزكاة لأختي من الرضاعة الفقيرة الأرملة والتي ترعى أيتاماً؟


    الجواب: يجوز، بل حتى أخته من النسب يجوز له أن يعطيها من زكاة ماله؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة، لكن ينبغي أن يعلم أن القريب له حق غير الزكاة، فلا يجعل الإنسان الزكاة وقاية لماله بأن يقول: الزكاة ستخرج لا محالة، وإن لم أعطهم من الزكاة سأخرج من مالي، فأنا بدلاً من أن أعطيهم من مالي أعطيهم الزكاة، وأتخلص من ذلك الحق، لا يجوز أن تجعل الزكاة وقاية للمال، تقي الحقوق التي في المال، لا يجوز ذلك، لكن إذا كان المال قليلاً والزكاة قليلة، فأولى بها القريب مثل الأخت، سواء كانت من النسب أو من الرضاع، إلا إذا كان ما هناك من هو أولى منه، أما إذا كان المال قليلاً والصدقة قليلة، فالأولى بها الأقارب.


    أوقاف الصحابة موجودة

    السؤال: هل الأوقاف التي أوقفها الصحابة مثل وقف عمر، وأبي طلحة رضي الله عنهما موجودة حتى الآن؟


    الجواب: لا شك أن المكان موجود، لكن هل هو معروف ومحدد؟ لا يعرف؛ لأن هذه أمور مضى عليها مئات السنين واندثرت، ولا يعرف نصيب هذا من نصيب هذا، كما أنه لا تعرف الآن الدور في المدينة، دار فلان أين هي، ودار فلان أين هي، ودار فلان لمن هي؟ وهكذا لا يعرف مثل هذه الوقوف.


    الوصية بالوقف بعد الموت

    السؤال: رجل له بيت لا يملك غيره، وأوصى أن يحبس بعد موته، فهل له ذلك؟


    الجواب: ليس له ذلك إذا كان وصية؛ لأنه لا يملك أن يحبس إلا ثلثه فقط؛ والرجل الذي كان له ستة أعبد وجعلهم وصية بعده، فعمل الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم قرعة، جعلهم أثلاثاً وعمل قرعة، فالذين خرجت لهم القرعة وهم اثنان، نفذت فيهم الوصية، والباقي رجع.


    الوقف للأقارب الأغنياء

    السؤال: هل يجوز إيقاف عقار على أقارب أغنياء فقط؟

    الجواب: لا يوقف على الأغنياء؛ لأن الغني غني بماله، فكيف يوقف عليه ويزاد ماله مالاً، فالغني هو بحاجة إلى أن يوقف، وبحاجة إلى أن يتصدق، وإنما الإيقاف على الأقارب المحتاجين، وهم أولى من غيرهم، أما الأغنياء فلا يوقف عليهم، بل يوقف على الأقارب المحتاجين.


    بيع أصل الوقف بعد وفاة الواقف

    السؤال: هل يجوز للأقارب بعد وفاة الواقف أن يبيعوا الأصل على اتفاق منهم؟

    الجواب: ليس لهم ذلك؛ لأن الأصل محبس، إنما هو المنفعة فقط، حتى الواقف نفسه لا يجوز له بيعه؛ لأنه خرج من ملكه، وهم إنما حصلت لهم منفعة الأصل، ومنفعة المحبس، وليس أصل المحبس.


    الحرص والجد وعدم الهزل واللعب


    السؤال: مجموعة من الشباب من طلبة العلم الحريصين يجتمعون كل أسبوع، ويلعبون الكرة بعد صلاة العشاء، هل في فعلهم هذا من عيب أو بأس؟


    الجواب: والله ما دام أنهم حريصون ومجدون ومجتهدون، فليجعلوا المسألة كلها جد، ولا يجعلوا لهم نصيباً من الهزل واللعب؛ لأن هذه المدة يمكن أنها تجر وتولد وتتسع، حتى يطغى اللعب على الجد، فالإنسان عليه أن يعود نفسه الجد ولا يعودها اللعب.


    كلام أهل العلم على اللعب بالكرة

    السؤال: هل تحفظون عن بعض أهل العلم كلاماً في حكم لعب الكرة؟

    الجواب: كان شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه شديداً على الكرة وعلى اللعب بها، ويكره ذلك ويمقته، ويذم اللعب بها، وما رأيت أشد منه على هذه الألعاب، وقال: إن هذه هي التي فتنت الناس وضيعتهم، وجعلت الكثير من الشباب مفتونين بها، فهو من أشد من عرفت ذماً وعيباً لها.


    الهدي على من حج من أهل مكة

    السؤال: هل على أهل مكة هدي؟

    الجواب: إذا حج متمتعاً فما عليه هدي، أهل مكة ليس عليهم هدي، فالمتمتع والقارن من أهل مكة ما عليه هدي.


    الصدقة للفاسق من الأقارب

    السؤال: الصدقة على الأقارب، الذين عندهم ذنوب ومعاصي، وما تقولون فيها؟

    الجواب: إذا كنت ترى فيهم أموراً منكرة، أو أن فيهم فسقاً، وأن إعطاء القريب الصدقة تعينه بها على فسقه، فلا تفعل، وأما إذا كان إحسانك إليه سبباً في هدايته، وسبباً في تركه لما هو فيه من الأمر المنكر، فهذا مقصد طيب إذا كان سيترتب عليه فائدة، أما إذا لم يترتب عليه فائدة، فكونك تعطي الصدقة للقريب المحتاج الذي لا يرى منه فسوق، هذا أولى.


    التهاون في صلاة الجماعة

    السؤال: ما حكم من يتهاون بصلاة الجماعة؟

    الجواب: التهاون بصلاة الجماعة، وكون الانسان لا يصلي في الجماعة، هذه من علامات النفاق، ومن علامات المنافقين أنهم لا يصلون الجماعة مع الناس.


    الزكاة إذا دار عليها الحول

    السؤال: عندي شيء من الغنم لم تبلغ الأربعين، ولكن عندما انتصف الحول ابتدأ وحصل منها شيء ناتج، بلغت أكثر من الأربعين، هل فيها زكاة؟


    الشيخ: إذا ما غلقت أربعين، ابدأ واحسب حولاً من الوقت الذي تكمل فيها أربعين، ابدأ احسب سنة.


    المسح على الخفين

    مداخلة: متى يحسب المسح على الخفين للمقيم؟

    الجواب: يوم وليلة، وتبدأ من وقت المسح أو من الحدث، أما إذا كنت على طهارة، وما لبست الشراب بعد فما تحسب هذه المدة التي كنت فيها على طهارة، وإنما تحسب مدة المسح من وقت الحدث، أو من وقت المسح بعد الحدث.


    أجر من توضأ في بيته ثم قصد الصلاة في مسجد قباء

    السؤال: لو توضأ رجل في بيته، وصلى المغرب في المسجد النبوي، ثم ذهب إلى مسجد قباء، وصلى فيه ركعتين، هل يأخذ أجر عمرة؟


    الجواب: الحديث واضح الدلالة على أن الإنسان إذا توضأ في بيته، وهو يريد أن يذهب إلى مسجد قباء، وذهب إليه: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء)، يعني: معناه تطهر ليذهب إلى مسجد قباء، أما إنسان صلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك طرأ له أن يذهب إلى قباء، هذا ما حصل فيه هذا القيد، وهو على خير وعلى أجر، لكن الحديث الذي ورد: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء)، معناه تطهر ليذهب إلى مسجد قباء، ثم ذهب إليه.


    طرق معرفة الحديث الصحيح من الضعيف


    السؤال: ما الطرق التي يتمكن بها طالب العلم من معرفة الحديث الصحيح من الضعيف، وبيان علل الحديث الضعيف؟


    الجواب: الطرق لمعرفة الضعيف: أولاً يعرف كلام أهل العلم، ثم يعرف الرجال، ويعرف الثقات، ويعرف الاتصال وعدم الاتصال، ويعرف التدليس وعدم التدليس.

    فتعريف الصحيح عند العلماء قالوا: هو ما روي بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل، ولا شاذ.
    ما روي بنقل عدل، أي: السند كله عدول، والسند كله متصل ليس فيه انقطاع بين واحد والذي فوقه، ليس فيه انقطاع، ولا تدليس، والراوي الذي يكون عدلاً تام الضبط، معناه مسلم وحافظ، وأن يكون مع ذلك غير معلل ولا شاذ، أي: ليس فيه علة خفية قادحة، وليس فيه ثقة خالف من هو أوثق منه، هذا تعريف الحديث الصحيح، فيمكن للإنسان أن يعرفه عن طريق تطبيقه إذا تمكن، أو عن طريق كلام أهل العلم الذين هم متمكنون في ذلك، وهذا لا يحصل إلا بالممارسة، وكثرة القراءة، وكثرة المذاكرة والاطلاع، ومعرفة أحوال الرجال، ومعرفة الطبقات، ومعرفة الاتصال والانقطاع، فهذه الطرق هي التي تجعل الإنسان يتمكن من معرفة كون الحديث صحيحاً أو غير صحيح، ويمكن أن يكون غير صحيح، ويكون دونه، أي: حسن، ولكنه معتبر وحجة كالصحيح، إلا أنه أقل منه؛ لأن الصحيح والحسن مقبولان، والقسم الثالث الضعيف الذي هو مردود، فإذا توفرت فيه الشروط، وخف الضبط، فهو الحسن الذي يعتبر مقبولاً، ولكنه دون الصحيح.

    الصلاة في مسجد قباء


    السؤال: الأخ الذي سأل عن الصلاة في قباء، يقول: هو عنده نية أن يذهب إلى قباء من قبل، لكن حتى لا يفوت الصلاة في المسجد النبوي فعل هذا؟


    الجواب: على كل إن شاء الله هو على خير، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم واضح الدلالة بأنه توضأ ليذهب إلى مسجد قباء، وإذا جاء إلى المسجد النبوي يحصل ألف صلاة، وإذا راح إلى قباء، إن شاء الله هو على خير، ويحصل أجراً عظيماً.


    الذهاب إلى مسجد قباء ماشياً وراكباً

    السؤال: الذهاب إلى قباء سواء كان ماشياً أو راكباً، هل الأجر إن شاء الله حاصل؟


    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا وهذا، والأجر حاصل بهذا وبهذا.


    الراجح في مكان مال عمر رضي الله عنه الذي أوقفه


    السؤال: في حديث عمر في باب حبس المشاع: أن لي مالاً بخيبر، وفي الحديث الأخير: له مال بمثمغ، فما الراجح؟


    الجواب: الذي يبدو أنه يمكن أن يكون كل منهما حصل بخيبر أو بالمدينة.


    حكم الدفاع عن الصوفية المتقدمين

    السؤال: شخص يدافع عن الصوفية، لاسيما من تقدم منهم، وخاصة عن أبي نعيم صاحب الحلية، ويقول: ليتني أحشر معه، وقد رآه البعض يلحس الغبار في الروضة ويقول: الله، فهل نحكم على هذا بأنه صوفي، وما رأيكم في أبي نعيم أصوفي هو؟


    الجواب: والله إن هذا ليس على طريقة أبي نعيم، أبو نعيم ما يلحس الغبار، أبو نعيم عنده حديث، وعنده إسناد، وعنده مؤلفات عظيمة واسعة، وإذا كان عنده تصوف، فليس من قبيل لحس الغبار، وهذا الشخص ليس على طريقة أبي نعيم، أبو نعيم مؤلف، مصنف واسع الاطلاع ،كثير الرحلة وكثير التأليف مع تأخر وفاته -سنة: (430هـ)- رحمة الله عليه، وأما هذا الذي ذكر عن هذا الشخص، وكونه يقول بمقالات الصوفية، فهذه الصوفية المحدثة التي هي شر من صوفية المتقدمين؛ لأنها جمعت أسوأ ما عند المتقدمين، وأضافت إليها أشياء أخرى جديدة، فجمعت بين مختلف أنواع السوء بالنسبة لما عليه المتأخرون، فـأبو نعيم كما هو معلوم ليس على هذا المنهج، ولا على هذه الطريقة، وهذا الشخص لا شك أنه على طريقة خاطئة، وعليه أن يرجع إلى الله عز وجل، وأن يبحث عن سيرة السلف الصالح، وأن يسير على نهجهم وعلى منوالهم، وليس هناك بعد الأنبياء والمرسلين خير من أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وما عرف عنهم شيء من هذه الترهات، وهم خير الناس، ولو كان ذلك خيراً لسبقوا إليه، لكنه كان شراً فحمى الله خيار هذه الأمة، وابتلي به من ابتلي ممن تأخر زمانه.


    الاختلاف على ابن عون في خبر ابن عمر


    السؤال: قال الإمام النسائي: كيف يكتب الحبس.. وذكر الاختلاف على ابن عون في خبر ابن عمر فأي اختلاف هذا؟


    الجواب: اختلاف الروايات؛ لأن الذي رواه عن ابن عون كثيرون، هذا يروي عن كذا، وهذا عن كذا.. فتأتي الألفاظ مختلفة، هذا هو الاختلاف على ابن عون فيه، يعني: يروونه عنه بطرق متعددة، ومع ذلك تكون الألفاظ مختلفة.


    كيفية زكاة العملات المعاصرة ومعرفة نصابها

    السؤال: ما مقدار المال بالريال السعودي الذي تجب فيه الزكاة، وما الطريقة التي نعرف بها ذلك، وكذلك الذهب كيف نعرف زكاته؟

    الجواب: الذهب اثنان وتسعون غراماً، إذا بلغ الذهب اثنين وتسعين غراماً، وحال عليه الحول، وجبت فيه الزكاة، وإن نقص عن ذلك فلا زكاة فيه، وأما الفضة فهي بالريالات السعودية ستة وخمسين ريالاً سعودياً من الفضة، وأما من الورق إذا كانت قيمتها في السوق مثلاً الريال من الفضة بعشرة ريالات، يصير النصاب خمسمائة وستين، وهذا يحتاج إلى معرفته إذا قل المال، وأما إذا كان المال كثيراً بالآلاف، فلا يحتاج أن يسأل عن مقدار النصاب، يخرج ربع العشر وانتهى، أما إذا كانت قليلة يحتمل أن يزكى، ويحتمل أن لا يزكى، محتمل أنه يبلغ النصاب، ومحتمل أنه لم يبلغ، فهذا هو الذي يحتاج إلى معرفته عن طريق معرفة سعره في السوق، أي: الريال الفضة كم قيمته من الورق.


    الاستفادة من الروضة، وبداية المجتهد، وسبل السلام

    السؤال: ما مدى الاستفادة من كتاب الدراري المضيئة للإمام الشوكاني، وبداية المجتهد لـابن رشد، وسبل السلام للصنعاني، وهل هناك تعليق عليها؟


    الجواب: هي كلها من كتب العلم المفيدة، والشوكاني رحمه الله معلوم عنه في سعة اطلاعه، وكثرة عنايته وحرصه على معرفة الدليل.

    وكذلك الصنعاني رحمه الله في شرحه لبلوغ المرام في سبل السلام، يحرص على ترجيح الراجح، ومعرفة الدليل، والأخذ بما يعضده.
    وأما بداية المجتهد لـابن رشد فهو مؤلف فقهي اعتنى به في ترتيبه وتنظيمه، وتفصيله على طريقة جيدة، وعلى طريقة حسنة، وهو معني بكلام الفقهاء، وذكر أقوال أصحاب المذاهب، ومنشأ الخلاف، وأدلتهم، ولا يرجح، وإنما يذكر الخلاف ويسكت، قال فلان كذا، وقال فلان كذا، وأحياناً يرجح ويشير إلى الترجيح، ولكن الغالب أنه يسكت.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #469
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإحباس

    (466)

    - باب وقف المساجد




    من الأعمال التي تدوم للمسلم بعد مماته الوقف؛ فإن أجره يبقى ما بقي نتاجه، ومن ذلك بناء مسجد، وحفر بئر، أو إصلاح طريق، فعلى المسلم أن يقدم لنفسه في حياته ما ينفعه بعد مماته.

    وقف المساجد


    شرح حديث عثمان في وقف المساجد


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: وقف المساجد.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا المعتمر بن سليمان سمعت أبي يحدث عن حصين بن عبد الرحمن عن عمر بن جاوان رجل من بني تميم؛ وذاك أني قلت له: (أرأيت اعتزال الأحنف بن قيس ما كان؟ قال: سمعت الأحنف يقول: أتيت المدينة وأنا حاج، فبينا نحن في منازلنا نضع رحالنا إذ أتى آت فقال: قد اجتمع الناس في المسجد، فاطلعت فإذا الناس مجتمعون، وإذا بين أظهرهم نفر قعود، فإذا هو علي بن أبي طالب، والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، فلما قمت عليهم قيل: هذا عثمان بن عفان رضي الله عنه قد جاء، قال: فجاء وعليه ملية صفراء، فقلت لصاحبي: كما أنت حتى أنظر ما جاء به، فقال عثمان: أهاهنا علي؟ أهاهنا الزبير ؟ أهاهنا طلحة؟ أهاهنا سعد؟ قالوا: نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له، فابتعته، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: إني ابتعت مربد بني فلان، قال: فاجعله في مسجدنا وأجره لك، قالوا: نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع بئر رومة غفر الله له، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: قد ابتعت بئر رومة، قال: فاجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك، قالوا: نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يجهز جيش العسرة غفر الله له، فجهزتهم، حتى ما يفقدون عقالاً ولا خطاماً؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)].
    يقول النسائي رحمه الله: [باب: وقف المساجد]، أي: ما فيه من الفضل، وما فيه من الأجر، ومن المعلوم أن الوقف يكون للأعيان التي تبقى، ويستمر نفعها، هذا هو الوقف، يكون لأعيان نفعها مستمر، والمساجد هي من هذا القبيل؛ لأنه إذا بنيت المساجد ووقفت فإن الناس يصلون فيها باستمرار، ومادام أنه يصلى فيها باستمرار فإن أجر تلك الاستفادة منها في أي وقت يعود إلى الذي أوقف ذلك المسجد، والذي بنى ذلك المسجد، وهو صدقة جارية، ومنفعة دائمة، ومن المعلوم أن الوقف لا يكون إلا فيما له عين فيها منفعة دائمة؛ لأنه لا يكون في أعيان معينة تنتهي، ولا يقال لمثل هذا وقف، فمائة كيلو من التمر -مثلاً- هذا لا يقال له وقف، بل هذا يعطى ويؤكل وينتهي، لكن إذا وقفت نخلات كل سنة تثمر، وتؤخذ ثمرتها ويتصدق بها في كل عام، هذه هي الصدقة الجارية، وهو الذي ينطبق عليه الوقف، أما المنفعة المنتهية كمقدار معين من التمر فإن هذا يؤكل وينتهي ولا يدوم، لكن النخل يدوم، والبيت الذي يوقف وريعه للمساكين، أو لأي وجه من وجوه البر في كل سنة، إما يسكنه فقراء ومساكين، ويستغلون منفعته أو يؤجر وتؤخذ أجرته وتصرف للفقراء والمساكين.. في كل عام يكون له منفعة، وفي كل عام يكون فيه أجرة، فهذا هو شأن الأوقاف، ووقف المساجد هو من هذا القبيل، شراء الأراضي وبناء المساجد عليها، وتسبيلها للناس يصلون فيها، هذه صدقة جارية ومنفعة دائمة.
    أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عثمان عندما حصر في داره رضي الله عنه، وذلك في أواخر خلافته وأواخر أيامه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان أن خرج أو جاء من بيته، وخاطب بعض الصحابة الذين هم أهل فضل ونبل، وهم ممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كما حصل لـعثمان من أنه من أهل الجنة، وخاطب أربعة من العشرة المبشرين بالجنة، وهم الذين يعرفون فضل ومناقب عثمان، والأمور العظيمة التي حصلت لـعثمان، فاستشهدهم وطلب منهم أن يخبروا بما عندهم من تلك المآثر التي أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبناها عثمان بن عفان رضي الله عنه وقام بها.
    ومنها أن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لما ضاق بالناس وكان فيه مربد -وهو الأرض التي ينشف وينشر فيها التمر في الشمس- قال: من يشتريه؟ فاشتراه عثمان رضي الله عنه من ماله، وأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يجعله توسعة للمسجد، فوسع مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان الذي اشتراه عثمان من ماله، وجعله وقفاً في سبيل الله، فأضيف إلى المسجد وألحق بالمسجد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يفعل ذلك غفر الله له)، فكان الذي فعل ذلك عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهي من مناقبه الجمة، وفضائله الكثيرة، وجوده وبذله في سبيل الله عز وجل، وكان من أثرياء الصحابة، لكن ذلك الثراء إنما يصرف وينفق في سبيل الله، رضي الله تعالى عن عثمان وأرضاه.
    وهذا هو المقصود من إيراد الحديث، وكان أن الأحنف بن قيس -التابعي المخضرم- جاء إلى المدينة في طريقه إلى الحج، وعندما كانوا في منازلهم يحطون رحالهم جاءهم آت وقال: إن الناس اجتمعوا في المسجد وإنهم قد فزعوا، فجاء هو وصاحبه إلى المسجد وإذا الناس مجتمعون، وإذا فيهم أشخاص في وسطهم قعود، وإذا طلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعلي بن أبي طالب، هؤلاء جالسون في المسجد والناس حولهم، فخرج عثمان، وجاء في بعض الروايات (أشرف عليهم)، وقال: أفيكم فلان، أفيكم فلان، أفيكم فلان، حتى علم بأن هؤلاء موجودون، وهم: سعد، والزبير، وطلحة، وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فاستشهدهم وقال: أشهدكم بالله، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يشتري مربد آل فلان، والمربد هو: الأرض التي يجفف فيها التمر، وييبس فيها التمر، ينشر فيها حتى يجف، ثم يدخلونه إلى منازلهم، فاشتراه من ماله، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اجعله في المسجد، فأضيف إلى المسجد، وكان توسعة لمسجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، وهي: باب وقف المساجد؛ لأنه رضي الله عنه، جعل هذه البقعة التي اشتراها من ماله وقفاً، حيث أضافها إلى المسجد فصارت من جملة المسجد، وزيد المسجد في زمانه صلى الله عليه وسلم بهذه البقعة التي اشتراها عثمان من ماله، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    ثم سألهم: [هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يشتري بئر رومة وله الجنة؟)]، فاشتراها رضي الله عنه، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجعلها للمسلمين يستقوا منها، ويأخذوا الماء العذب منها، فشهدوا له بذلك، ثم قال: أنشدكم بالله، هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يجهز هذا الجيش) الذي هو جيش العسرة.. جيش غزوة تبوك (غفر الله له، أو وله الجنة) كما جاء في بعض الروايات، فكان من عثمان رضي الله عنه أن جهز عدداً كبيراً من الإبل والدواب عليها أقتابها، وجاء في بعض الروايات: أن الذي جهزه ثلاثمائة بعير عليها أحلاسها وأقتابها ما يفقد منها عقال ولا خطام، أي: حتى العقال الذي تعقل به يدها، والخطام الذي يوضع في رقبتها هو موجود معها، جهز هذا العدد الكبير من الجيش وكان الناس في عسرة، والناس في حرارة الشمس وفي شدة الصيف والشقة، والمسافة بعيدة؛ لأنه سيذهب إلى الشام ولغزو الروم، فكان من عثمان رضي الله عنه أن أنفق ذلك في سبيل الله، والحديث سبق أن ذكره النسائي فيما تقدم في الجهاد: باب: فضل من جهز غازياً، أتى به من أجل ما حصل من عثمان رضي الله عنه في غزوة تبوك من تجهيز هذا العدد الكبير من الجيش الذي استفاد منه، وكان ثرياً، وبذل ماله في سبيل الله، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فشهدوا له بذلك.
    ثم إنه بعد ذلك قال: [اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد]، وكان قصده من هذا السؤال أن يسمع الذين قاموا عليه، والذين آذوه، والذين حاصروه في داره، والذين أساءوا إليه، ليعلموا فضله ومناقبه بشهادة هؤلاء الخيار، وهؤلاء الفضلاء الذين هم من العشرة المبشرين بالجنة، وهم هؤلاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكان في ذلك إقامة الحجة عليهم، وكونهم يعلمون أن صاحبهم الذين آذوه وألحقوا به الأذى هذه سوابقه، وهذا فضله ونبله، ولكن يوجد في الناس أوباش لا خير فيهم، حصل منهم ما حصل، وحصل أن آذوا هذا الرجل العظيم الذي هو خير الأمة بعد أبي بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وكانت النهاية أن قتلوه في داره، وكان شهيداً كما أخبر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث كان هو وأبو بكر، وعمر على الجبل واهتز الجبل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اسكن فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)، وأحد الشهيدين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه فكان شهيداً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والحاصل: أن عثمان رضي الله عنه أراد أن يسمع هؤلاء الأعداء الذين آذوه، وألحقوا به ما ألحقوا من الأذى، أراد أن يسمعوا ما له من المناقب، وما له من الفضل، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضله، ومع ذلك فإن هؤلاء الذين آذوه حصل منهم من الأذى ما حصل له، وانتهى الأمر إلى أن قتلوه، وكان شهيداً بذلك رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    يقول حصين بن عبد الرحمن لـعمر بن جاوان: [أرأيت اعتزال الأحنف بن قيس ما كان؟] يعني: ما سببه؟ وكان اعتزل علياً ومعاوية رضي الله تعالى عنهما وما جرى بينهما، وكان يعرف القصة التي حصلت لـعثمان، وما حصل له، وما أوذي به، وأنه قتل مظلوماً، واعتزل حتى لا يحصل على يديه إلحاق أذى بأحد من الناس بكونه يكون مع أحد الطرفين.
    ومن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم اجتهدوا في تلك الفتن، فمنهم من رأى أن يكون مع معاوية، ومنهم من رأى أن يكون مع علي، ومنهم من اعتزل الفريقين، والأحنف بن قيس ممن اعتزل الفريقين، وكان يتذكر ما حصل لـعثمان وأنه حصل بسبب الخروج عليه ما حصل من الإيذاء له وقتله، وما انتهى إليه أمره من قتله، فكان أن سئل عمرو بن جاوان عن اعتزال الأحنف ما سببه، فأخبر أن سببه الذي حصل أو الذي رواه وبلغه عن عثمان، وما حصل له من الأذى رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    [(قال: فجاء عثمان وعليه ملية صفراء)]، جاء في بعض الروايات: أنه تقنع بها، أي: قنع بها رأسه، فعليه إزار وعليه تلك الملية الصفراء التي غطى بها رأسه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، واستشهد هؤلاء الصحابة، وهم من أولياء الله، وخيار خلق الله، حتى يسمع هؤلاء الذين آذوه ما عنده هؤلاء مما له من الفضل والنبل، ومع ذلك يؤذيه هؤلاء الذين آذوه ويلحقون به ما ألحقوا من الأذى، وهو صابر محتسب، وقد منع الناس من أن يدافعوا عنه، فكان ما كان وانتهى الأمر إلى ما انتهى إليه من قتله، ونيله الشهادة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن المعتمر بن سليمان].
    هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حصين بن عبد الرحمن].
    حصين بن عبد الرحمن هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمر بن جاوان].
    عمر أو عمرو بن جاوان سبق أن مر في كتاب الجهاد عمرو بن جاوان، وجاء هنا عمر، ويقال له عمر، ويقال له عمرو، وهو مقبول أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن الأحنف بن قيس].
    هو الأحنف بن قيس التميمي، وهو ثقة مخضرم، ومشهور بالحلم هو وقيس بن عاصم التميمي.. مشهوران بالحلم والأناة، والأحنف بن قيس تابعي مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    عثمان رضي الله عنه وعن هؤلاء الصحابة أيضاً الأربعة كلهم أقروا وشهدوا بهذا، فهذه المناقب التي جاءت عن عثمان والتي ذكرها، شهد بها هؤلاء الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فتلك جاءت عن هؤلاء الخمسة، عن عثمان، وعن الأربعة الذين استشهدهم، وشهدوا وقالوا: اللهم نعم، أي: حصل كذا، وحصل كذا، وحصل كذا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا.
    جاء في متن الحديث عندما ذكر الصحابة الأربعة: (رحمة الله عليهم)، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يترحم عليهم ويترضى عنهم، لكن الذي غلب في استعمال العلماء قديماً وحديثاً أن الصحابة يترضى عنهم، ويترحم على من بعدهم، وقد يترضى عن غير الصحابة ويترحم على الصحابة، لكن الذي غلب في الاستعمال الترضي عن الصحابة والترحم على من بعدهم، ويحصل العكس، بأن يترحم على الصحابة مثلما جاء في هذا الحديث الذي معنا، ويترضى عن غير الصحابة؛ لأن الدعاء بالرضا هو دعاء، والدعاء بالرحمة هو دعاء، لكن الذي غلب في الاستعمال أن الصحابة يترضى عنهم، وغيرهم يترحم عليهم، ويجوز أن يترحم على الصحابة، وأن يترضى عن غير الصحابة.

    شرح حديث عثمان في وقف المساجد من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا عبد الله بن إدريس سمعت حصين بن عبد الرحمن يحدث عن عمر بن جاوان عن الأحنف بن قيس قال: (خرجنا حجاجاً فقدمنا المدينة ونحن نريد الحج، فبينا نحن في منازلنا نضع رحالنا إذ أتانا آت فقال: إن الناس قد اجتمعوا في المسجد وفزعوا، فانطلقنا فإذا الناس مجتمعون على نفر في وسط المسجد، وإذا علي، والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، فإنا لكذلك إذ جاء عثمان بن عفان رضي الله عنه عليه ملاءة صفراء قد قنع بها رأسه، فقال: أهاهنا علي؟ أهاهنا طلحة ؟ أهاهنا الزبير؟ أهاهنا سعد ؟ قالوا: نعم، قال: فإني أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له، فابتعته بعشرين ألفاً، أو بخمسة وعشرين ألفاً، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: اجعلها في مسجدنا وأجره لك، قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع بئر رومة غفر الله له، فابتعته بكذا وكذا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: قد ابتعتها بكذا وكذا، قال: اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك، قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر في وجوه القوم فقال: من جهز هؤلاء غفر الله له -يعني جيش العسرة- فجهزتهم حتى ما يفقدون عقالاً ولا خطاماً؟ قالوا: اللهم نعم، قال: اللهم اشهد، اللهم اشهد)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.

    تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].إسحاق بن إبراهيم مر ذكره.
    [عن عبد الله بن إدريس].
    هو عبد الله بن إدريس الأودي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حصين بن عبد الرحمن عن عمر بن جاوان عن الأحنف بن قيس عن عثمان].
    مر ذكر هؤلاء جميعاً.

    شرح حديث عثمان في وقف المساجد من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني زياد بن أيوب حدثنا سعيد بن عامر عن يحيى بن أبي الحجاج عن سعيد الجريري عن ثمامة بن حزن القشيري قال: (شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان رضي الله عنه، فقال: أنشدكم بالله وبالإسلام: هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال: من يشتري بئر رومة، فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي، فجعلت دلوي فيها مع دلاء المسلمين، وأنتم اليوم تمنعوني من الشرب منها حتى أشرب من ماء البحر، قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم بالله والإسلام: هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم بالله، والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي فزدتها في المسجد، وأنتم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم بالله، والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان على ثبير مكة، ومعه أبو بكر، وعمر، وأنا فتحرك الجبل فركضه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجله، وقال: اسكن ثبير، فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان، قالوا: اللهم نعم، قال: الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة، أي: أني شهيد)].أورد النسائي الحديث، وهو: حديث عثمان رضي الله عنه واستشهاده للصحابة الأربعة من العشرة المبشرين بالجنة، وشهادتهم له بذلك، وهو من طريق ثمامة بن حزن القشيري، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه ذكر الشهادة، وذكر كونهم شهدوا له بأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما تحرك الجبل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)]، وفيهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، فيكون بذلك شهد له رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنه شهيد، وقد نال الشهادة بهذا العمل الذي عمله به هؤلاء الذين خرجوا عليه وقتلوه وهو يتلو القرآن في داره رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    وفيه ما جاء بذكر سؤالهم بالله وبالإسلام، أي: ما تربطه وإياهم من الرابطة، وهي: رابطة الإسلام، يسألهم بالله وما بما لهم من الرابطة التي تربطهم، وهو من جنس ما جاء في القرآن: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1]، أي: يتساءلون به وبالأرحام، أي: ما بينه وبينهم من القرابة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يطلب من الكفار في مكة أنه لما بينه وبينه من القرابة أن يتركوه يبلغ رسالة ربه، وهو الذي جاء تفسير قوله: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23]، يعني: ما بيني وبينكم من القرابة، وما بيني وبينكم من الصلة يقتضي منكم أن تتركوني أبلغ رسالة ربي، وأن لا تحولوا بيني وبينها، فالسؤال بالإسلام بما يربطهم به، وبما يجمعه وإياهم يسألهم بهذا وبهذا.
    قال: [(اشتريت بئر رومة من صلب مالي)].
    من صلب مالي: من أصل مالي، أي: من ماله، والصلب هو: الأصل، وهو الذي يقال له: رأس المال، ويقولون: إن رأس المال وصلب المال أعز على الإنسان من غيره، أي: أن الإنسان إذا كان عنده غنم ثم توالدت، فهذا نسل لها، لكن الأصل يكون عند صاحبه أهم مما نتج عنه، ومما تفرع عنه.
    قال فيه: [(وأنتم اليوم تمنعوني من الشرب منها حتى أشرب من ماء البحر)].
    أي: حاصروه في داره، ومنعوا الناس من الوصول إليه، وكان يشرب من البئر التي في البيت، وماؤها مالح كماء البحر، ومع ذلك لا يتمكن من أن يحصل ماءً من هذه البئر التي أوقفها واشتراها من ماله، وجعلها للمسلمين يستعذبون منها الماء العذب، فهو قد أوقفها، ولم يمكن من الاستفادة منها إذ حصروه في داره، فكان يشرب من البئر التي ماؤها مالح كماء البحر.

    تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرني زياد بن أيوب].زياد بن أيوب، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن سعيد بن عامر].
    سعيد بن عامر هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي الحجاج].
    يحيى بن أبي الحجاج هو لين الحديث، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن سعيد الجريري].
    هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثمامة بن حزن القشيري].
    ثمامة بن حزن القشيري هو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن عثمان].
    عثمان رضي الله عنه هو ثالث الخلفاء الراشدين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، ومنها هذه الأشياء التي جاءت في هذا الحديث.
    وفي هذا الذي فعله عثمان: بيان أن الإنسان إذا احتاج إلى أن يظهر شيئاً من مناقبه عند الحاجة إليها، فذلك لا بأس به؛ لأن عثمان رضي الله عنه وأرضاه أراد أن تظهر هذه الأشياء ويعلمها هؤلاء الذين خرجوا عليه؛ لأنه احتاج إلى ذكرها واحتاج إلى أن يعلم هؤلاء الأعداء الذين آذوه وحصل منهم ما حصل، أن يعرفوا هذا الذي يعلمه عنه هؤلاء الخيار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العشرة المبشرين بالجنة، وفيه إقامة الحجة عليهم، وأنه يؤذون شخصاً هذه حاله، وهذه صفاته ومناقبه، وهذه شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم له.
    ويشبه هذا أو قريب من هذا ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الأنصار لما قسم الرسول صلى الله عليه وسلم غنائم حنين، والأنصار وجدوا في أنفسهم واجتمعوا في خيمة من الخيام، وكانوا يقولون: سيوفنا تقطر من دمائهم ثم يعطيهم الغنائم ولا يعطينا!
    فبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ما في نفوسهم، فجاء إليهم وكانوا مجتمعين، وذكر الذي أنعم الله عليهم به، وهو مما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي، وكنتم أذلة فأعزكم الله بي؟)، وفي كل مرة يجيبون: نعم هذا الذي حصل، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين لهم السبب في كونه يعطي هؤلاء، قال: هؤلاء أعطيهم لقرب عهدهم بالكفر، ويريد أن يتألفهم، وأن يقوى إيمانهم، وأما هؤلاء فتركهم لما عندهم من قوة الإيمان، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (الأنصار شعار، والناس دثار، لو سلك الأنصار وادياً وسلك غيرهم وادياً، لسلكت وادي الأنصار، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟)، فأعطاهم من هذا الكلام العظيم الجميل، وهذا الكلام البليغ الذي طابت به نفوسهم ورضوا بما رضي به رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    والمقصود من ذلك: أنه أظهر لهم هذه الأمور التي حصلت لهم بسببه حيث قال: (ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي، ألم آتكم عالة، فأغناكم الله بي، ألم آتكم كذا.. ألم آتكم كذا؟) في كل ذلك يقولون: نعم. فهذا الذي حصل من عثمان هو من هذا القبيل، يعني: أراد أن تظهر هذه الفضائل، وأن ينطق أهل العلم بها، وأن يسمعها هؤلاء الأعداء الذين يفعلون بمن هذا فضله وهذا نبله ما فعلوا.

    شرح حديث عثمان في وقف المساجد من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن بكار بن راشد حدثنا خطاب بن عثمان حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن أبي إسحاق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: (أن عثمان رضي الله عنه أشرف عليهم حين حصروه فقال: أنشد بالله رجلاً سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم الجبل حين اهتز فركله برجله، وقال: اسكن فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان، وأنا معه؟ فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله رجلاً شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بيعة الرضوان يقول: هذه يد الله وهذه يد عثمان، فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم جيش العسرة يقول: من ينفق نفقة متقبلة، فجهزت نصف الجيش من مالي، فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من يزيد في هذا المسجد ببيت في الجنة، فاشتريته من مالي، فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله رجلاً شهد رومة تباع، فاشتريتها من مالي، فأبحتها لابن السبيل، فانتشد له رجال)].أورد النسائي حديث عثمان رضي الله عنه وأرضاه من طريق، أبي سلمة بن عبد الرحمن: أنه جاء وانتشد، وقال: أنشد رجلاً علم كذا وكذا فشهد له، وهو مثلما تقدم، إلا أن فيه إضافة بيعة الرضوان، وأن عثمان رضي الله عنه أرسله رسول الله إلى أهل مكة رسولاً منه إليهم ليفاوضهم، وليتكلم معهم، فهو الواسطة والرسول بين أهل مكة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما أشيع بأن عثمان قد قتل، بايع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أي أهل بيعة الرضوان، فبايعوه على القتال والجهاد في سبيل الله، وكان عثمان رضي الله عنه لما لم يكن موجوداً وكانت المبايعة حصلت من الحاضرين، وكانوا ألفاً وأربعمائة أهل بيعة الرضوان، وقد قال عليه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة)، فهذا فضل لهم جميعاً، وعثمان رضي الله عنه وأرضاه منهم، ولكنه لما لم يكن موجوداً بايع عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ووضع إحدى يديه على الأخرى وقال: هذه لـعثمان، أي أنه بايع نيابة عن عثمان.
    وجاء في هذا الحديث [يد الله]، ومن المعلوم أن الذي وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم، يداً على يد، واحدة عن عثمان وواحدة منه صلى الله عليه وسلم تقابل اليد الأخرى، وقال: يد الله؛ لأن الله تعالى قال في أهل بيعة الرضوان: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، أي: كأنما يبايعون الله، ومن المعلوم أن المبايعة للرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الله تعالى أخبر أنهم إنما يبايعون الله، ثم قال: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، والمقصود بقوله: يد الله فوق أيديهم، أنه فوقهم فيده فوق أيدهم، وليس معنى ذلك: أن يده تخالطهم وتماسهم، وإنما الله تعالى على العرش مستو، فوق خلقه، فهو فوقهم، ويده فوق أيديهم، هذا هو المقصود من قوله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، وهم إنما يبايعون الله، فمبايعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي مبايعة لله، وهذا العقد الذي عقدوه مع الرسول صلى الله عليه وسلم إنما عقدوه مع الله، وأنه يلزمهم أن يوفوا بهذا الذي عقدوا عليه، والشيء الذي وضعوا الأيدي في يد الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل إتمامه وإنهائه، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فقال: هذه يد الله، إشارة إلى ما جاء في قوله: إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] فهذا هو الذي فيه، والباقي هو مثلما تقدم.
    قوله: (انتشد له رجال)، يعني: هؤلاء الأربعة الذي كان نشدهم وكان سألهم، ويمكن أن يكون غيرهم كذلك شهد بما شهدوا به، ومعنى هذا أن الجيش كان ستمائة بعير؛ لأن الستمائة منه، ويمكن أن يكون النصف الذي جهز، أي: كل خرج ببعيره، أي: الذي جهز نصف جيش العسرة هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، فيحتمل أن يكون المقصود الستمائة هي التي جهزت، وبذلت من الأثرياء والأغنياء، ولكن نصف هذا المبلغ الذي جهز للغزاة هو من عثمان رضي الله عنه وأرضاه، ولهذا جاء في بعض الأحاديث أنه ثلاثمائة بعير.

    تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا عمران بن بكار بن راشد].هو عمران بن بكار بن راشد، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن خطاب بن عثمان].
    خطاب بن عثمان هو ثقة، أخرج حديثه البخاري، والنسائي.
    [عن عيسى بن يونس].
    هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    وهو يونس بن أبي إسحاق صدوق يهم قليلاً، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، أصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي إسحاق].
    هو أبو إسحاق السبيعي بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عثمان].
    عثمان رضي الله عنه.

    حديث عثمان في وقف المساجد من طريق خامسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن وهب حدثني محمد بن سلمة حدثني أبو عبد الرحيم حدثني زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: لما حصر عثمان رضي الله عنه في داره، اجتمع الناس حول داره، قال: فأشرف عليهم.. وساق الحديث].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، ولكنه أحال على الطريق السابقة.

    تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد من طريق خامسة


    قوله: [أخبرني محمد بن وهب].هو محمد بن وهب الحراني، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن محمد بن سلمة].
    هو محمد بن سلمة الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي عبد الرحيم].
    وهو خالد بن أبي يزيد الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن زيد بن أبي أنيسة].
    زيد بن أبي أنيسة هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق].
    أبو إسحاق قد مر ذكره.
    [عن أبي عبد الرحمن السلمي].
    وهو عبد الله بن حبيب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عثمان].
    وقد مر ذكره.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #470
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الوصايا

    (467)


    - باب الكراهية في تأخير الوصية



    حث الشرع الحكيم المسلم على الصدقة في حال الصحة والغنى، وبين له أن ذلك هو ماله الحقيقي الذي سينفعه عند الله، ومن آخر الطرق إلى هذا الخير الإيصاء بذلك قبل الموت إلى حدود الثلث، مع استحباب المبادرة إلى كتابة الوصية قبل مرض الموت خصوصاً فيما يتعلق بالحقوق التي هي له أو عليه.

    الوصايا


    شرح حديث: (... ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الوصايا. الكراهية في تأخير الوصية.
    أخبرنا أحمد بن حرب حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح، شحيح، تخشى الفقر، وتأمل البقاء، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا وقد كان لفلان)].
    يقول النسائي رحمه الله: كتاب الوصايا، الوصايا: جمع وصية، وهي: تطلق في الشرع إطلاقين: أحدهما: عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت، في مال أو غيره، والإطلاق الثاني: أنها تطلق على ما فيه الحث على فعل المأمورات، والزجر عن فعل المنهيات، هذه وصية في الشرع، والمقصود من الترجمة هو الأول، أي: العهد الخاص الذي يكون لما بعد الموت، والغالب أن يراد بها ما يتعلق بالمال، ويراد بها غيره مما ليس بمال.
    وقد أورد النسائي باب كراهية تأخير الوصية، أو الكراهية في تأخير الوصية، أي: أن الإنسان عليه أن يبادر إلى أن يوصي بالشيء الذي يحتاج إلى أن يوصي به، فلا يؤخر ولا يمهل، فقد يفجأه الموت دون أن يبين ما يريد، ودون أن يبين ما له وما عليه، فالذي عنده شيء يريد أن يوصي به عليه أن يبادر به، وأن لا يتهاون فيه، وأن لا يمهل حتى لا يفجأه الموت وهو لم يوص بالشيء الذي يريد الوصية به.
    وقد أورد النسائي عدة أحاديث أولها: حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أي الصدقة أعظم أجراً؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أن تتصدق وأنت صحيح، شحيح، تخشى الفقر، وتأمل البقاء)، هذا هو الذي يكون أعظم في الصدقة، وهذا يدل على أن تصدق الإنسان ونفقته في حياته في سبيل الله، خير من أن يمهل ويؤخر لما بعد الموت؛ لأن خير الصدقة ما كان بهذه الطريقة، وهي كون الإنسان في صحة وعافية، والمال غالٍ عنده وليس برخيص؛ لأنه يطمع في الحياة حال الصحة والعافية، فهو يخشى الفقر، ويأمل الغنى، فهذا هو خير الصدقات، ما كان في الصحة والطمع في الحياة، وفي حال قوته وعافيته، وعزة المال عنده، وكونه غالياً لديه، وهذا يدل على أن الصدقة في الحياة في حال صحة الإنسان وعافيته أفضل من الشيء الذي يجعله بعد الموت، وإن كان ذلك فيه أجر عظيم، وثواب جزيل، لكن هذا أعظم أجراً، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (أن تتصدق وأنت صحيح شحيح)، صحيح في عافية ليس في مرض، وليس في مرض الموت، وليس في مرض منهك يجعله يزهد في الحياة، ولا يطمع فيها، فيجعله يندفع إلى أن يتصدق، بل إذا تصدق وهو في صحته، وعافيته فهذا خير عظيم، وكذلك في حال كون المال عزيزاً عنده، وغالياً في نفسه؛ لأنه يخشى الفقر، ويأمل البقاء، أما الإنسان الذي يتصدق في مرضه أو يتصدق عند يأسه من الحياة فهذا ليس كالذي تصدق حال صحته، وعافيته، وطمعه في البقاء، كما أرشد إلى ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، في هذا الحديث: (أن تتصدق وأنت صحيح شحيح)، (صحيح) يرجع إلى الصحة والعافية، و(شحيح) يرجع إلى الطمع في البقاء، والرغبة في الدنيا، والحرص على المال، فإذا كان في حال حرصه على المال وفي حال حرصه على البقاء، وفي حال صحته، وعافيته فإن الصدقة في تلك الحال تكون أعظم أجراً، وأعظم ثواباً عند الله عز وجل.
    قوله: [(ولا تمهل)]، أي: يمهل الإنسان من أن يتصدق، وأن يتهاون في الصدقة، حتى إذا بلغت الروح الحلقوم، أي: جاء عند نهاية حياته ويأس من الحياة عند ذلك يقول: لفلان كذا، ويعطي لفلان كذا، ويوصي بكذا، والوصية في حدود الثلث سائغة في أي وقت، ولو كان في مرض الموت، ولكن نفقة الإنسان من ماله في حال صحته وعافيته هي الأفضل، قيل: إن قوله: (وقد كان لفلان كذا)، أي: كان للوارث كذا، وكذا من الميراث، أي: قد قارب أن يكون له؛ لأن الميراث ليس منه، بل هو من الله عز وجل، وينتقل المال من المورث إلى الوارث بالموت بدون اختيار للإنسان فيه، لا للمورث، ولا للوارث؛ لأن هذا شيء فرضه الله تعالى، فإذا مات أخرج الدين، والوصية، والحقوق التي تكون عنده للناس، والباقي يكون للورثة، والمورث لا يستطيع أن يمنع الميراث عن أحد الورثة؛ لأن هذا حق الله تعالى جعله له، وإن لم يسع إليه ولم يكدح فيه ولم يفكر، فهو حق ينتقل من مالك إلى مالك، (قلت: لفلان كذا)، أي: يخبر بأنه يوصي بكذا أو أنه يكون كذا، وقد كان لفلان كذا، أي: قارب أن يكون للورثة ما ورثهم؛ لأنهم بمجرد موته يستحقون الميراث، ويستحقون الإرث.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ...)


    قوله: [أخبرنا أحمد بن حرب].هو أحمد بن حرب الموصلي، صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن محمد بن فضيل].
    هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي، صدوق رمي بالتشيع، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والكلام الذي قيل فيه من أجل التشيع ينقضه ما جاء عنه أنه قال كلمة عظيمة تدل على سلامته من التشيع، وهي قوله: رحم الله عثمان أي: ابن عفان ، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان ، وهذا ليس من شأن الشيعة، وليس من شأن الرافضة أنهم يترحمون على عثمان ، بل يبغضون عثمان، ويسبونه، ويتكلمون فيه، فهذا يدل على سلامته وعلى أن ما أضيف إليه هو بريء منه؛ بل يدعو على من لا يترحم على عثمان أن لا يرحم، وهذا يدل على سلامته.
    من وصف بعض الرواة له بالتشيع، وهو من رجال الكتب الستة، ويأتي ذكره في مواضع عديدة.
    وأبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي جاء عنه كلمة عظيمة تشبه الكلمة التي جاءت عن محمد بن فضيل ، وهي قوله رحمه الله: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية ، أي: الملائكة الذين يكتبون الحسنات، والسيئات ما كتبت السيئات أنه سب معاوية .
    وهذا معناه: أنه سليم من هذه البدعة بدعة التشيع.
    ومن المعلوم أن سب معاوية عند الرافضة من أسهل الأشياء، بل هذا قدر مشترك مع الزيدية الذين هم أخف الشيعة، فهم يشتمون معاوية، ويسبونه ويلعنون،
    [عن عمارة بن القعقاع].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي زرعة].
    هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق؛ لأن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة سبعة وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة ، هؤلاء أكثر الصحابة حديثاً، وأبو هريرة أكثر هؤلاء السبعة، رضي الله تعالى عنه وعنهم وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (... مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أخرت)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله! ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اعلموا أنه ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله، مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أخرت)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في جماعة من أصحابه، فقال: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل هذا السؤال ليبني عليه شيئاً، أي: بعد أن يستقر، ويتضح يبين الذي يريد أن يقوله، وهذا من كمال بيانه عليه الصلاة والسلام ومن كمال نصحه لأمته عليه الصلاة والسلام، أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: ما منا أحد إلا وماله أحب إليه من مال وارثه، المال الذي بحوزة الإنسان والذي بيد الإنسان أحب إليه من المال الذي يرثه، فالنبي صلى الله عليه وسلم، قال عند ذلك: (ما منكم من أحد إلا ومال وارثه أحب إليه من ماله)، يريد بذلك عليه الصلاة والسلام، أن المال الذي يبقيه في يده حتى يموت وهو في يده هو مال الوارث، أما الذي أنفقه، وتصدق به، وأخرجه في سبيل الله فهذا هو ماله حقاً؛ لأن هذا يجده أمامه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، ثم هذا الوارث قد يجازي بالجميل، فيتصدق عن المورث، ويدعو له، وقد يكون -والعياذ بالله- على خلاف ذلك، فلا يدعو، بل قد يستعمل هذا المال الذي ورثه والذي ورث له في معصية الله عز وجل.
    فبين عليه الصلاة والسلام بهذا المثال، وبهذا التمهيد، وبهذا الإيضاح والبيان: أن ما يقدمه الإنسان ويخرجه في سبيل الله هو ماله حقاً، الذي تعود منفعته عليه، ويجد عاقبة هذا المال عندما ينتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، ولهذا قال: (ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر)، يعني: المال الذي أخرجه في صحته، وعافيته، وأخرجه في حياته هذا مال قدمه يجده أمامه، أما ما أخره فإنه مال الوارث، وملك الوارث، وقد ينفع الوارث مورثه وقد لا ينفعه، فهذا من كمال بيانه ومن كمال نصحه عليه الصلاة والسلام، حيث سأل هذا السؤال ومهد بهذا التمهيد ليصل إلى بيان أن ما يقدمه الإنسان هو ماله حقاً، وما يؤخره وراءه ويموت وهو بحوزته هو مال وارثه، هذا هو المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم، فماله ما هو بالمال الذي في حوزة أولاده؛ لأن هذا مالهم بأيديهم، لكن المال الذي هو له حقيقة هو ما يتصدق به وينفقه في سبيل الله، ومن ماله ما لا يكون له، وهو الذي يموت وهو بحوزته فيصير إلى الورثة، ولهذا بين عليه الصلاة والسلام في آخر الأمر حيث قال: (ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت)

    قوله: [أخبرنا هناد بن السري].هو هناد بن السري أبو السري الكوفي، ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي معاوية].
    هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم التيمي].
    هو إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، ثقة يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهو غير إبراهيم النخعيهو إبراهيم بن يزيد بن قيس، وهذا إبراهيم بن يزيد بن شريك، وهذا التيمي، وذاك النخعي، فالذي يأتي ذكره كثيراً في الأسانيد هو النخعي، وأما التيمي فهو من رجال الكتب الستة، ولكن ليس عنده من الحديث مثل ما لـإبراهيم النخعي .
    [عن الحارث بن سويد].
    هو الحارث بن سويد التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من فقهاء الصحابة وعلمائهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (... يقول ابن آدم: مالي مالي وإنما مالك ما أكلت فأفنيت ... أو تصدقت فأمضيت)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا شعبة عن قتادة عن مطرف عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2]، قال: يقول ابن آدم: مالي مالي، وإنما مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت)].أورد النسائي حديث عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2])، أي: ألهاكم التكاثر في الدنيا لجمعها وتكثيرها، حتى زرتم المقابر أي: متم، وانتقلتم إلى المقابر، وصرتم من أهلها؛ لأن هذا هو المقصود بزيارة المقابر أي: الموت، والمقصون: يزورنها ميتين، وليس معناه: يزورونها ويرجعون، فإنهم قد يزورنها، وهم متمسكون بالدنيا، وحريصون عليها: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2]، ثم قال: يقول ابن آدم: مالي مالي)، أي: مالي مالي، يعني: تكثراً، وحرصاً، وشدة رغبة، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وإنما مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت)، أي: هذا هو مالك الذي أنفقته على نفسك، واكتسيت به، وتصدقت منه فأمضيته ووجدته أمامك، هذا مالك، أما ما سوى ذلك فهو مال غيرك.
    ثم قوله: [(أكلت فأفنيت، ولبست فأبليت)] إشارة إلى أن هذا الذي فني، وبلي ليس له أهمية كالذي ذكر بعده وهو قوله: (أو تصدقت فأمضيت)، وفسر التصدق بتفسيرين: تصدقت أي: أردت التصدق، فأمضيت: عزمت على إخراج تلك الصدقة والمعنى: أردت ونفذت، أو تصدقت فأمضيت، أي: باشرت، ونفذت، وأمضيته بحيث تجده أمامك، وكلا المعنيين صحيح، هذا هو شأن الصدقة التي تنفع صاحبها عند الله، وهذا من جنس قوله فيما تقدم: (ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر)، وهنا قال: وإنما مالك ما استفدت منه في حياتك فاقتت منه، ولبست منه، أو تصدقت فأمضيت، ووجدته أمامك، وهذا هو الذي منفعته باقية للإنسان وهي الصدقة التي يمضيها ويجدها أمامه كما قال الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [الزلزلة:7] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:8]، وقال في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) والمقصود من ذكر هذا الحديث والذي قبله هو: الحث على الصدقة، وكون الإنسان يتصدق في حال صحته وعافيته هذا هو الأفضل، وإذا أوصى بثلث ماله أو بأقل من ذلك بأعمال بر يعود نفعها إليه فذلك خير، ولكن الصدقة الماضية في حال الصحة والعافية خير من الصدقة التي ليست كذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... يقول ابن آدم: مالي مالي وإنما مالك ما أكلت فأفنيت ... أو تصدقت فأمضيت)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مطرف].
    هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الله بن الشخير، صحابي من مسلمة الفتح، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    شرح حديث: (مثل الذي يعتق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعدما يشبع)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة سمعت أبا إسحاق سمع أبا حبيبة الطائي قال: أوصى رجل بدنانير في سبيل الله فسئل أبو الدرداء فحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (مثل الذي يعتق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعد ما يشبع)].أورد النسائي حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(مثل الذي يعتق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعد ما يشبع)].
    يعني: أن الصدقة في آخر الحياة عندما يكون الإنسان زاهداً في الحياة، وعندما يكون مشرفاً على الموت، ليس كالذي يتصدق في حال صحته وعافيته؛ لأن من يتصدق بالشيء وهو قد يئس من الحياة أدنى بكثير ممن هو طامع فيها، وممن هو في حال الصحة والعافية ولكن ذلك لا يعني أن الوصية ولو كانت في مرض الموت لا تعتبر بل هي تعتبر، سواء كان في مرض موته أو قبل ذلك، لكن الشيء الذي يمضيه الإنسان في حال الصحة والعافية خير وأعظم أجراً عند الله عز وجل، وإذا كانت الوصية في حدود الثلث، في أي وقت من أوقات حياة الإنسان، ولو كان في مرض موته، فإن ذلك مفيد، والحديث في إسناده من هو مقبول لا يعتبر إلا إذا توبع، ففيه ضعف من حيث المعنى، لكن لا شك أن الصدقة في حال الصحة والعافية خير كما جاء في الحديث الأول، وإذا وجدت الصدقة، أو الوصية بعد الموت فهي معتبرة كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الوصية معتبرة مطلقاً، ولو كان في مرض الموت، لكن أن تكون في حدود الثلث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما زار سعد بن أبي وقاص وكان مريضاً وسأله وقال: أوصي بكذا حتى وصل إلى الثلث قال: (الثلث والثلث كثير) ولهذا جاء عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الخمس لكان أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والثلث كثير).

    تراجم رجال إسناد حديث: (مثل الذي يعتق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعدما يشبع)


    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو ابن جعفر الملقب غندر وإذا جاء محمد غير منسوب، ويسمى المهمل، وهو يروي عنه محمد بن بشار وهو يروي عن شعبة فالمراد به: محمد بن جعفر الملقب: غندر، وهو البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن أبي إسحاق].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي حبيبة الطائي].
    مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبي الدرداء].
    هو أبو الدرداء عويمر بن زيد رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بكنيته أبي الدرداء، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الفضيل عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو دال على المبادرة إلى الوصية إذا كان الإنسان عنده شيء يريد أن يوصي به، فلا ينبغي له أن يمهل، بل عليه أن يبادر بالوصية وينص على ما يوصي به، وأن يكون ذلك مكتوباً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)، يعني: لا يليق بالمسلم الذي عنده شيء يريد أن يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده، فهذا يدلنا على المبادرة إلى الوصية، وأن تكون مكتوبة؛ لأن الكتابة فيها توثق، وفيها إثبات، وسواء كتبها هو أو كتبها غيره، ويكفي لو كتبها بدون إشهاد وبخطه، فإن ذلك يكفي في ثبوت الوصية، ما دام أن الخط خطه فإن ذلك معتبر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)

    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان: قرية من قرى بلخ، وثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الفضيل].
    هو الفضيل بن عياض، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر، وهو المصغر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو نافع مولى ابن عمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    شرح حديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن القاسم عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)، وقد جاء في بعض الروايات ثلاث ليال، والمقصود من ذكر الليلتين والثلاث دون أن يقول: ليلة، أو يقول: من حين يبادر بدون تأخير ولا ليلة: حتى يكون عنده مهلة يفكر ويدون، فأعطي هذه المهلة التي هي مقدار هذه المدة، ليتمكن الإنسان من أن يفكر بالشيء الذي يريد أن يوصي به، فلا يكون ليس أمامه إلا ليلة واحدة، بل ليلتان أو ثلاث، كما جاء في بعض الروايات، فهو مثل ما تقدم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك].
    هو: مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، الإمام، الفقيه، المشهور.
    [عن نافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.

    طريق ثالثة لحديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم حدثنا حبان أنبأنا عبد الله عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله].أورد النسائي الحديث وهو من قول ابن عمر يعني: أنه موقوف عليه؛ لأنه قال: (قوله) أي: من قول: ابن عمر قال: (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)، يعني: جاء موقوفاً ومرفوعاً.
    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم].
    هو محمد بن حاتم بن نعيم المروزي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن حبان].
    هو حبان بن موسى المروزي، ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عون].
    هو عبد الله بن عون، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (ما حق امرئ مسلم تمر عليه ثلاث ليال إلا وعنده وصيته ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: فإن سالماً أخبرني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما حق امرئ مسلم تمر عليه ثلاث ليال إلا وعنده وصيته، قال عبد الله بن عمر: ما مرت علي منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه ذكر الثلاث الليالي، وفيه أيضاً مبادرة ابن عمر إلى الامتثال، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من اتباع ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، والمبادرة إلى امتثال أمره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما لما سمع الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما مرت عليّ يعني: هذه المدة إلا ووصيتي مكتوبة)، أي: تنفيذاً لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما حق امرئ مسلم تمر عليه ثلاث ليال إلا وعنده وصيته ...)

    قوله: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى].هو يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي، ثم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر، ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    وقد مر ذكره.

    حديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه فيبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان سمعت ابن وهب أخبرني يونس وعمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه فيبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم في الطريق السابقة، وفيه ذكر الثلاث الليالي بدل الليلتين.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان].
    أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان، ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب عن يونس].
    وقد مر ذكرهما.
    [وعمرو بن الحارث].
    هو عمرو بن الحارث المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه].
    وقد مر ذكرهم.


    الأسئلة


    حكم التمسح بتراب حجرة النبي صلى الله عليه وسلم وروضته


    السؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن يتمسح بتراب حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروضته محتجاً بصنيع الصحابة حينما تمسحوا بعرقه وآنيته؟


    الجواب: تمسح الصحابة بعرقه، وتبركهم بشعره، وبعرقه، وبفضل وضوئه، هذا ثابت، وهذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الذي يسوغ في حقه ذلك لمن أدركه ولمن تشرف بصحبته من أصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، أما التبرك والتمسح بجدران، أو بأرض، فإن هذا لا يسوغ ولا يجوز؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ومن جاء بعدهم ممن صار على منوالهم ما كانوا يفعلون ذلك، وما كانوا يتبركون إلا بشخصه صلى الله عليه وسلم، بعرقه وبشعره، وبفضل وضوئه، هذا هو الذي ثبت وكانوا يفعلون ذلك وقد أقرهم عليه عليه الصلاة والسلام، ولم يفعله الصحابة مع خير الصحابة مع أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وهم خير الناس، فدل هذا على أنه غير سائغ، وقد ذكر الشاطبي في الاعتصام الإجماع على أنهم اعتبروا هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فلا يتبرك بأحدٍ سواه لا بعرقه ولا بفضلاته ولا غير ذلك؛ لأن الصحابة عدلوا عن التبرك بخير الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أصحابه الكرام وفي مقدمتهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وعلى هذا فالقياس غير صحيح؛ لأن الذين هم خير هذه الأمة ما فعلوا هذا، مع النبي صلى الله عليه وسلم، وما فعلوه في الجدران، ولا في الأرض ولا في غير ذلك.


    التبرك والتداوي بتراب المدينة


    السؤال: يقول: ثم هل نفهم من الحديث الصحيح (بتربة أرضنا يشفى سقيمنا) هل يجوز التبرك والتداوي بتراب المدينة، وما معنى الحديث؟


    الجواب: كون الإنسان يرقي، ويفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن يبل أصبعه ويمسحه، ويقول هذا الدعاء الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثابت وصحيح، لكن في غير الرقية، وفي غير وضعه في الموضع الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسوغ ذلك ولا يجوز.

    السؤال: ما حكم الاشتراك في الأسهم التي في شركة الراجحي حيث نشتريها بثلاثين مثلاً، ونعطى على ذلك أرباحاً بنسبة عشرين بالمائة تقريباً؟
    الجواب: لا أدري.

    صحة صنيع من أعطى جميع أمواله لأولاده وزوجته ومن يرثه بقدر إرثهم

    السؤال: ما حكم من مات ولكنه قبل موته قد أعطى جميع أمواله لأولاده وزوجته، فما مات إلا وقد انتهى ماله؟


    الجواب: إذا كان أعطاهم وفرق بينهم على قدر إرثهم، فهذا صحيح له ذلك، للإنسان أن يعطي ورثته على قدر إرثهم في حياته، فإذا كان فعل ذلك، فإنه قد وضع الشيء في موضعه.


    النساء في الجنة

    السؤال: قد ورد أن للرجال من نعيم الجنة الحور العين، فهل للنساء كذلك الحور العين من الرجال؟


    الجواب: في الجنة النساء يتمتعن بالأزواج، ويجدن المتعة معهم، فمن دخل الجنة فهو في خير، المهم أن الإنسان يدخل الجنة، وإذا دخلها يجد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، سواء كان رجلاً أو امرأة، والله تعالى خلق الحور العين في الجنة يتمتع بهن أهل الجنة، وهن يستمتعن بهم، والاستمتاع موجود من الطرفين إلا أن أولئك خلقن في الجنة، وأما نساء الدنيا، فإنهن ينشأن إنشاءً فيجعلن أبكاراً، عرباً، أتراباً، ويستمتعن بالرجال كما يستمتع الرجال بهن.


    حكم النظر للمرأة الكبيرة أو غير الجميلة

    السؤال: هل يجوز النظر إلى المرأة الكبيرة والمرأة غير الجميلة ولو لم تكن كبيرة؟


    الجواب: لا يجوز النظر إلى النساء، فعلى الإنسان أن يعود نفسه أن لا ينظر إلى النساء: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] فيغض بصره عن المرأة الأجنبية مطلقاً.


    حكم الوصية للابن بالمكتبة العلمية

    السؤال: هل يمكن أن أوصي بمكتبتي التي جمعت فيها بحمد الله تعالى كتباً نافعاً في العلوم الشرعية لابني دون الورثة حرصاً على مواصلته التعلم؟

    الجواب: ما يخصص الابن بالوصية؛ لأنه إذا وصي بها ملكها، وإذا ملكها هي لها قيمة وهي مال، فيكون معناه: خصه بدون الورثة بالمال، ولا وصية لوارث، لكنه إذا أراد أن يوصي يمكن أن يوصي بها للمطالعة، ويجعله ناظراً عليها، يعني: ليس مالكاً لها، بل هو ناظر للوقف ويستفيد منه، فإذا كان مقصوده بأن ولده يستفيد منها وتحصل الفائدة بكونه يجعله ناظراً عليها فلا بأس، أما أن يوصي بها له يبيع منها ما يبيع ويتصرف فيها بالبيع فإن هذه وصية بمال، ولا وصية لوارث إلا إذا أجاز الورثة.


    حكم من قيل فيه: صدوق يتشيع

    السؤال: سمعت أنه إذا قيل في راوٍ مثلاً: صدوق ولكنه يتشيع، ليس معناه بأنه شيعي، وإنما كان يفضل علياً على أبي بكر وعمر فهل هذا صحيح؟


    الجواب: لا، التفضيل على أبي بكر وعمر هذا ليس بصحيح، وأما تفضيل علي على عثمان فهذا قال به بعض أهل السنة، ولم يعتبروا ذلك منهم بدعةً تقتضي أن يقدح فيهم؛ لأنه جاء عن بعض السلف ذلك، مثل: عبد الرحمن بن أبي حاتم، والأعمش، وابن جرير، وعبد الرزاق، جاء عنهم ما يدل على تفضيل علي على عثمان، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر الواسطية: إن هذه ليست من المسائل التي يبدع بها، وإنما يبدع بها لو قال: إن علياً، أحق بالخلافة من عثمان، هذه يبدع من يقول بها؛ لأن فيها اعتراضاً على اختيار الصحابة، وعلى تقديمهم لـعثمان، على علي، وقول: إن علياً، أفضل من عثمان، فهذا ليس هو القول المشهور عن أهل السنة، وإنما قال به عدد قليل منهم، لكنهم قالوا: إنه لا يبدع من يقول بذلك، أما أن يفضل عليَّ على أبي بكر، وعمر فهذا شأن أهل البدع، وعلي رضي الله عنه وأرضاه قال: (لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر، وعمر إلا جلدته جلد المفتري).


    معنى قول أهل الجرح والتعديل: يتشيع

    السؤال: قول أهل الجرح والتعديل: يتشيع، هل المراد به شيعي رافضي؟


    الجواب: لا، كلمة (يتشيع) إذا جاءت في الأشخاص الذين هم معتبرون، ومعتمدون، فالمقصود منه في الغالب، أنه عنده ميل إلى علي، أو أنه يفضل علياً على عثمان، ومثل هذا لا يقدح، قضية تفضيل علي على عثمان لا تعتبر قدحاً فيمن حصل منه ذلك، وإن كان خلاف المشهور عن أهل السنة.

    السؤال: نرى في بعض المكتبات رسالة باسم وصية شرعية، فهل هناك وصية جامعة شرعية، وما رأي فضيلتكم فيما جمعوه في هذه الرسالة؟
    الجواب: لا أعرف شيئاً عن هذه الرسالة.


    حكم إعطاء البنك أجرة لتحويل المال

    السؤال: اقترضت من أخ بمصر ألف جنيه، فأرسلها عن طريق بنك الراجحي، والبنك بمصر يأخذ أجرة على هذا التحويل فهل يتكلف هذه الأجرة؟

    الجواب: نعم يتكلف هذه الأجرة؛ لأن الحق مطلوب منه أن يوصل، وذاك يوصل إليه حقه كاملاً غير منقوص، وإذا كان الإيصال يترتب عليه تكلفة فإن الذي عليه الحق هو الذي تلزمه إلا إذا سامحه ذاك وقبل منه بعض حقه على أن يكون ذلك البعض هو ما صرفه في مقابل الأجرة، الأصل أن الإنسان إذا كان عليه شيء فعليه أن يوصله إلى من له الحق، ولا يخصم منه شيئاً إلا إذا رضي ووافق على أنه يتنازل عن ذلك الذي كان وسيلة إلى وصول حقه إليه لا بأس بذلك.


    حكم الرجوع عن الوصية


    السؤال: هل يجوز أن يتراجع عن وصيته؟


    الجواب: يجوز، الإنسان إذا وصى له أن يرجع في الوصية، له أن يغير، وله أن يعدل؛ لأنها ما تستقر إلا بالموت، وليست مثل الوقف، الوقف ليس له أن يغير ويبدل؛ لأنه ناجز، وأما الوصية ليست ناجزة، بل هي معلقة بالموت.


    حال ما نسب لعمر بن الخطاب من قوله لجاريته: (خلقك الذي خلق الجن والشياطين)


    السؤال: ما صحة ما نسب لـعمر رضي الله عنه أنه كان يقول لجاريته: خلقني الذي خلق الملائكة، وخلقك الذي خلق الجن والشياطين، فتغضب من ذلك؟


    الجواب: أقول ما أعرف هذا، ويبعد أن يقول ذلك عمر رضي الله عنه وأرضاه، الله تعالى خلق كل شيء، لكن مثل ذلك ما أظن أنه يصدر من عمر ولا أعرف ثبوته عنه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #471
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الوصايا

    (468)

    - باب هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم - باب الوصية بالثلث




    أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته بكتاب الله عز وجل، والسنة داخلة في هذه الوصية؛ لأن كتاب الله أمر بالأخذ بها، ولم يوص عليه الصلاة والسلام في شيء من المال أو الخلافة لأحد كما تزعم الرافضة، كما حث أيضاً عليه الصلاة والسلام على ترك الإنسان ورثته أغنياء، ولم يجز الوصية بأكثر من الثلث.

    هل أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم



    شرح حديث ابن أبي أوفى في الوصية بكتاب الله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [هل أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث حدثنا مالك بن مغول حدثنا طلحة قال: (سألت ابن أبي أوفى: أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: لا، قلت: كيف كتب على المسلمين الوصية؟ قال: أوصي بكتاب الله)].
    يقول النسائي رحمه الله: هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    هذا الاستفهام في هذه الترجمة يحتمل أن يكون المراد به الوصية بالمال، والوصية بالخلافة، والوصية التي هي الحث على كتاب الله عز وجل، وما جاء به رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، أما بالنسبة للمال فالنبي صلى الله عليه وسلم ما خلف مالاً يكون شيء منه وصية، وشيء منه ميراثاً، كما هو الحال في شأن أمته صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة) فهم لا يورث عنهم المال صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم، وإنما يورث عنهم العلم النافع الذي من أخذ به اهتدى وصار إلى الله عز وجل على بصيرة، وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث ومنها ما سيأتي ومنها ما مر: (ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً، ولا شاتاً ولا بعيراً)، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظٍ وافر) فهم لا يورث عنهم المال، وما تركه النبي صلى الله عليه وسلم من بعده فهو صدقة في سبيل الله عز وجل.
    أما الوصية بالخلافة فلم يحصل منه وصية مكتوبة، أو بلفظٍ صريح يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: الخليفة بعدي فلان، ما جاء عنه ذلك عليه الصلاة والسلام، وإنما جاء عنه نصوص فيها إشارة قوية ودلالات واضحة على أن أبا بكر رضي الله عنه هو الخليفة من بعده، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام في حديث جندب بن عبد الله البجلي، قبل أن يموت بخمس ليال، قال عليه الصلاة والسلام: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم في صحيحه.
    والجملة الأولى منه دالة على أن أبا بكر رضي الله عنه هو الأولى بالأمر من بعده عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قال ذلك في مرض موته قبل أن يموت بخمس قال: (ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً).
    وكذلك أمره عليه الصلاة والسلام أبا بكر، أن يصلي بالناس في مرض موته، وقد روجع في ذلك مراراً وفي كل مرة يقول: (مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس) قالوا: وهذا فيه إشارة إلى أنه الأحق بالأمر من بعده صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال له عمر رضي الله عنه يوم السقيفة: رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا أفلا نرتضيك لأمر دنيانا؟!
    ومن الألفاظ التي جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام وهي قوية الإشارة وواضحة الدلالة على أولويته، وأحقيته رضي الله عنه من بعده أي: من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: (ادعي لي أباك وأخاك لأكتب كتاباً لـأبي بكر، فإني أخشى أن يتمنى متمن أو يقول قائل -ثم قال عليه الصلاة والسلام-: يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر) وترك الكتابة، يعني: أنه ليس هناك حاجة للكتابة؛ لأن المسلمين سيجتمعون باختيارهم، وإرادتهم وطوعهم على أبي بكر، سيجتمعون عليه، ويختارونه، فهو قد أخبر عن أمرٍ مغيب، وعن أمرٍ مستقبل وهو من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، وقد كان ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، فقد أبى الله والمسلمون إلا أبا بكر، واختاروا أبا بكر خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن أبي بكر وعن الصحابة أجمعين.
    ولم يوص لـعلي، رضي الله تعالى عنه وأرضاه كما تزعمه الرافضة، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لـعلي، أو لغيره، لبادر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تنفيذ هذه الوصية، ولو كان عند علي رضي الله عنه شيء يدل على أنه الأحق بالأمر من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لأظهر ذلك، وأعلن ذلك، ولم يخف ذلك وهو القوي الشجاع رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فلو كان عنده شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر لما توقف، ولو كان هناك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان الصحابة رضي الله عنهم يوم السقيفة سيقول بعضهم لبعض: اجتماعكم هذا لا حاجة إليه وتداولكم في أمر الخلافة لا حاجة إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، ولم يقل أحد هذا الكلام ولا أحد أشار إلى هذا الكلام، وإنما اتفقوا على أن يجعلوا أبا بكر رضي الله عنه خليفة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحقق بذلك ما أخبر به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله: (يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر).
    وعلى هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يوص لـعلي بالخلافة، وما أوصى لـأبي بكر بالخلافة بالنص، يعني: يقول أبو بكر هو الخليفة من بعدي، ولكنه قال مقالة واضحة الدلالة على ذلك حيث قال: (يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر) يعني: أن المسلمين سيتفقون عليه باختيارهم وإرادتهم ورغبتهم في توليته رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وعلى هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم ما أوصى بالخلافة نصاً صريحاً لأحد، لا مكتوباً ولا غير مكتوب.

    وصية النبي بكتاب الله

    أما بالنسبة للوصية بكتاب الله عز وجل، فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الله، وكتاب الله عز وجل هو القرآن، وتكون السنة داخلة في قوله سبحانه وتعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فالوصية بكتاب الله هي وصية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من كتاب الله عز وجل قول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ولهذا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه لما ذكر النامصة، والحالقة، وما ذكر معها قال: (ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجود في كتاب الله، وهناك امرأة من الصحابيات رضي الله تعالى عنها جاءت إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقالت: يا أبا عبد الرحمن، إنك قلت هذه الكلمة وإنني قرأت المصحف من أوله إلى آخره فما وجدت فيه الوصية بالنامصة، والمتنمصة، فقال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]).إذاً: كل المناهي التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة تحت قوله: وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فوصيته بكتاب الله إما أن يكون المقصود بالكتاب القرآن، وتكون السنة داخلة فيه كما في هذه الآية الكريمة، وكما جاء توضيح ذلك وبيانه عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وإما أن يكون المراد به دين الله عز وجل الذي هو: الكتاب، والسنة.
    وقد سبق أن عرفنا أن الوصية تطلق في الشرع إطلاقين، تطلق بعهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت وقد يصحبها التبرع بالمال، وتطلق أيضاً على الزجر عن فعل المنهيات، والحث على فعل المأمورات، فهذا يقال له وصية في الشرع، ومنه هذا الذي جاء في حديث عبد الله بن أبي أوفى: (أوصى بكتاب الله)، يعني: حث على كتاب الله، ورغب في العمل بكتاب الله، وحث على الأخذ بكتاب الله، الذي هو كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما أوصى لأحد بالخلافة نصاً صريحاً وجاء عنه دلالات، وإشارات قوية على أولوية أبي بكر رضي الله عنه بالخلافة، وكذلك أيضاً جاء عنه ما يدل على أن ما يخلفه الرسول صلى الله عليه وسلم هو صدقة حيث قال: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة) و(النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك درهماً ولا ديناراً، ولا بعيراً ولا شاةً)، يعني: ما جمع المال وخلف المال، ولكنه خلف كما مر أرضاً جعلها في سبيل الله، وبغلته، وأدرعه، وأعتده صلى الله عليه وسلم وهي في سبيل الله.
    فرسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كغيره من أمته الذين إذا ماتوا ورثهم أقرباؤهم على وفق ما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم ما جاءوا بجمع المال، وإنما جاءوا بالحق والهدى الذي هو مبذول لكل من وفقه الله عز وجل، وهو أمام كل من يريد أن يأخذ من هذا الميراث ميراث النبوة، وهو العلم النافع، (وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظٍ وافر)، هكذا قال رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه أن طلحة بن مصرف قال له: (هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا ما أوصى -يعني: ما أوصى بالخلافة لأحد، ولا أوصى بمالٍ لأحد- وقال له: كيف كتب الوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله)، هذا هو الذي أوصى به رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجاء عنه في مرض موته وصايا خاصة منها ما جاء عن علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) الصلاة الصلاة يعني: حث على الصلاة، وكذلك ملك اليمين حث على الإحسان إليه، قال علي رضي الله عنه: وهؤلاء الكلمات هن آخر شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، معنى هذا أن علياً ما سمع صوت رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد أن سمعه يقول: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)، فأوصى بوصايا خاصة مثل هذه الوصية التي جاءت عن علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأوصى بوصية عامة، وهي: كتاب الله عز وجل الذي هو الكتاب والسنة.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن أبي أوفى في الوصية بكتاب الله

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن خالد بن الحارث].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك بن مغول].
    هو مالك بن مغول، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طلحة].
    هو طلحة بن مصرف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي أوفى].
    هو عبد الله بن أبي أوفى، رضي الله تعالى عنه، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (ما ترك رسول الله ديناراً ولا درهماً... ولا أوصى بشيء)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا مفضل عن الأعمش وأنبأنا محمد بن العلاء وأحمد بن حرب قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ديناراً ولا درهماً ولا شاةً ولا بعيراً ولا أوصى بشيء].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها أن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً، ولا شاةً ولا بعيراً) يعني: ما ترك المال وراءه، لا الدراهم، ولا الدنانير، ولا الإبل، والغنم، ولا أوصى لأحد بشيء بعده، بأن فلاناً يعطى كذا، وفلاناً يعطى كذا، وإنما أوصى وصايا عامة، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (ما تركناه صدقة)، وكذلك كان له أرض تركها صدقة، فهذا يدلنا على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أوصى بوصية مالية، ولا أوصى بالخلافة أيضاً، لكن قوله: ولا أوصى بشيء، مع ذكر الدراهم والدنانير والإبل والغنم، يشعر بأن المقصود أنه ما أوصى بمال لأحدٍ صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكنه أوصى بكتاب الله الذي هو الميراث، ميراث النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو مبذول لكل أحد، لكل من وفقه الله عز وجل أمام هذا الميراث.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما ترك رسول الله ديناراً ولا درهماً ... ولا أوصى بشيء)


    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].محمد بن رافع وهو: النيسابوري القشيري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن يحيى بن آدم].
    يحيى بن آدم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مفضل].
    مفضل بن مهلهل، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن الأعمش].
    الأعمش وهو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [وأنبأنا محمد بن العلاء].
    ثم قال النسائي: وأنبأنا محمد بن العلاء، يعني: هذا إسناد جديد يبدأ من النسائي بعد أن وصل الإسناد إلى الأعمش أتى بإسناد آخر، وقال: أنبأنا محمد بن العلاء وهو أبو كريب، مشهور بكنيته، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [وأحمد بن حرب].
    وأحمد بن حرب الموصلي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي معاوية].
    وهو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش عن شقيق].
    والأعمش هذا هو آخر الإسناد الأول والالتقاء عند شقيق، وشقيق، هو ابن سلمة الكوفي كنيته أبو وائل مشهور بكنيته، ومشهور باسمه، يأتي كثيراً بكنيته أبي وائل، ويأتي باسمه كما هنا شقيق وهو ثقة، مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسروق].
    هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها، وهي من أوعية السنة، وحفظة الحديث، لا سيما ما يتعلق بالأمور التي تقع بين الرجل وأهل بيته، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حديث عائشة: (ما ترك رسول الله درهماً ولا ديناراً ... وما أوصى) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن رافع حدثنا مصعب حدثنا داود عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم درهماً ولا ديناراً ولا شاة ولا بعيراً، وما أوصى].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرني محمد بن رافع].
    محمد بن رافع مر ذكره.
    [عن مصعب].
    هو مصعب بن المقدام، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن داود].
    هو: داود بن نصير الطائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

    شرح حديث: (ما ترك رسول الله درهماً ولا ديناراً ... ولا أوصى) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا جعفر بن محمد بن الهذيل وأحمد بن يوسف قالا: حدثنا عاصم بن يوسف حدثنا حسن بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم درهماً ولا ديناراً ولا شاةً ولا بعيراً ولا أوصى)، لم يذكر جعفر: (ديناراً ولا درهماً)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى وهو من شيوخه، وهو مثل ما تقدم إلا أن أحد الشيخين ما ذكر الدينار أو الدرهم، وإنما قال: ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم شاة، ولا بعيراً، ولا أوصى، وما ذكر ديناراً، ولا درهماً، وإنما الذي ذكر الدينار والدرهم هو الشيخ الثاني، وهو أحمد بن يوسف هذا هو الذي ذكره بكامله، والنسائي أورده على لفظ الشيخ الثاني، وأشار إلى أن الشيخ الأول الذي هو جعفر، ليس عنده دينار ولا درهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما ترك رسول الله درهماً ولا ديناراً ... ولا أوصى) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا جعفر بن محمد بن الهذيل].جعفر بن محمد بن الهذيل، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [وأحمد بن يوسف].
    وأحمد بن يوسف، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عاصم بن يوسف].
    عاصم بن يوسف، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، والترمذي، والنسائي.
    [عن حسن بن عياش].
    حسن بن عياش وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن الأعمش].
    الأعمش، قد مر ذكره.
    [عن إبراهيم].
    وهو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود].
    وهو: خاله الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    عائشة وقد مر ذكرها.

    شرح حديث عائشة في إنكارها أن يكون النبي أوصى لأحد قبل موته


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أزهر أنبأنا ابن عون عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى إلى علي رضي الله عنه، لقد دعا بالطست ليبول فيها فانخنثت نفسه وما أشعر، فإلي من أوصى؟)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهو أنها قالت: (يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لـعلي)، ثم قالت: (لقد دعا بالطست ليبول فيها)، يعني: في مرضه، يعني: كان لا يستطيع الحركة والانتقال، فدعا بالطست ليبول فيها.
    قوله: [(فانخنثت نفسه وما أشعر)].
    يعني: مال وسقط وحصل له الموت وما تشعر بذلك يعني: حتى رأت موته بهذه الطريقة التي هي كونه مال ووقع وانخنثت نفسه، فإلى من أوصى؟ يعني: تقول: إنها ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، وقد مات وهو في حجرها، كما جاء في بعض الأحاديث: (على حاقنتي وذاقنتي)، وتعرف ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في أحواله تلك، ولم يحصل منه شيء يعني: على ما نسب إلى أنه أوصى لـعلي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وإنما وصيته كما جاء عنها أنه أراد أن يوصي لأبيها ولكنه ترك؛ لأن المسلمين يجتمعون على أبي بكر كما أشرت إلى الحديث الذي تقدم في ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إنكارها أن يكون النبي أوصى لأحد قبل موته


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن أزهر].
    هو أزهر بن سعد بن السمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن ابن عون].
    هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

    شرح حديث عائشة في إنكارها أن يكون النبي أوصى لأحد قبل موته من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني أحمد بن سليمان حدثنا عارم حدثنا حماد بن زيد عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس عنده أحد غيري قالت: ودعا بالطست)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، يعني: قولها هناك أنه دعا بالطست ليبول فيها)، وأنها (انخنثت نفسه) أي: أنه مات، وهنا قالت: (توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وما عنده أحد غيري)، يعني: ما قال النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في أواخر أيامه وفي أواخر لحظاته، وهي من أعلم الناس به، بل أعلم الناس به؛ لأنها هي الملازمة له عليه الصلاة والسلام، وقد خرجت روحه صلى الله عليه وسلم وخرجت نفسه، وهو مسند ظهره إليها ورأسه على صدرها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها، يعني: معنى هذا أنه ما حصل منه وصية لأحد، لا بالخلافة ولا بغير الخلافة.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إنكارها أن يكون النبي أوصى لأحد قبل موته من طريق أخرى


    قوله: [أخبرني أحمد بن سليمان].هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [عن عارم].
    وهو محمد بن فضل أبو النعمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بلقبه عارم، ويأتي ذكره باسمه، وبلقبه وكنيته: أبو النعمان.
    [عن حماد بن زيد].
    هو حماد بن زيد بن درهم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.


    الوصية بالثلث


    شرح حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوصية بالثلث. أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد حدثنا سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (مرضت مرضاً أشفيت منه، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعودني، فقلت: يا رسول الله، إن لي مالاً كثيراً، وليس يرثني إلا ابنتي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير لهم من أن تتركهم عالة يتكففون الناس)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الوصية بالثلث، يعني: أن من أراد أن يوصي بشيء من ماله فليوص بحدود الثلث فأقل، والباقي يكون للورثة، وإذا أوصي بشيء أزيد من الثلث فهذا يتوقف على إجازة الورثة، إن أجاز الورثة الوصية فتنفذ؛ لأن الحق لهم، فإذا أجازوا فالحق لا يعدوهم، وإذا لم يجيزوا فلا تكون الوصية إلا بالثلث وما دونه، وأورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص وأنه مرض بمكة، وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، وفي هذا دليل على ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام من عيادته لأصحابه عليه الصلاة والسلام فكان يعودهم، وكان يأتي إلى المريض ويدعو له ويؤنسه، وهذا من أخلاقه الكريمة وأخلاقه العظيمة عليه الصلاة والسلام، هو عالي المنزلة، ورفيع المنزلة، ويأتي إلى أصحابه يزورهم في مرضهم ويدعو لهم عليه الصلاة والسلام، فقال له سعد: (إن لي مالاً كثيراً ولا يرثني إلا ابنة)، والمقصود من ذلك أنه لا يرثه من أصحاب الفروض، ولا يعني أنه ليس له أحد يرثه من العصبات؛ لأن له أقارب، ولكن المقصود من قوله (لا يرثني) يعني: من أصحاب الفروض أو من الذين يخشى عليهم الضياع، يعني: مثل النساء، أو من نسله، أو من صلبه، يعني: لا يرثه إلا ابنة، وقد عاش وولد له، ولكن كان رضي الله عنه له أقارب من عشيرته ومن قبيلته يرثونه بالتعصيب، والأقارب هم الذين يأخذون ما أبقت الفروض فهم موجودون لــسعد رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    قوله: [(أفأتصدق بثلثي مالي؟ يعني: بالثلثين قال: لا، كونه يوصي وصية بعد الموت، قال: لا، قال: فالشطر؟ أي: النصف قال: لا. قال: الثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير)]. يعني: أوص بالثلث أو تصدق بالثلث، (والثلث كثير)، وقد جاء عن ابن عباس كما سيأتي: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث والثلث كثير) أخذه من قوله: والثلث كثير، يعني: كونه ينقص عنه، لكن هذا هو الحد الأعلى الذي ليس له أن يوصي إلا به، وما زاد عن ذلك كما قلت يحتاج إلى إجازة الورثة إن أجازوه وإلا فهو حقهم يكون لهم.
    ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إنك أن تذر ورثتك أغنياء) هنا قال: ورثة، فهذا يدل على أن له غير هذه البنت من الأقارب الذين هم من العصبة، قال: إنك أن تذر ورثتك أغنياء أي: تركك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة أي: فقراء يتكففون الناس ويمدون أكفهم للناس ليضعوا في أيديهم شيئاً، فهم يكونون سائلين وغيرهم يكون معطياً، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى) واليد العليا هي المعطية، واليد السفلى هي الآخذة أو السائلة.
    فالترجمة هي: الوصية بالثلث، وهذا هو الذي دل عليه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

    تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث

    قوله: [أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد].هو عمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن سفيان].
    وهو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عامر بن سعد].
    هو عامر بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور وأحمد بن سليمان واللفظ لـأحمد قالا: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن سعد رضي الله عنه أنه قال: (جاءني النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعودني وأنا بمكة، قلت: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال: لا، قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس، يتكففون في أيديهم)].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى، وفيه أنه قال: أتصدق بمالي كله؟ ومعنى هذا أنه قال أولاً: المال كله، ثم نزل للثلثين، ثم نزل للنصف، ثم نزل إلى الثلث، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما وصل إلى الثلث قال: [(الثلث والثلث كثير)]، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه ذكر التصدق بالمال كله، والذي قبله فيه الثلثين والجمع بينها أن يكون قال: هذا، وهذا، وحصل اختصار في بعض الروايات، فيكون قال الأول: المال كله، ثم قال: الثلثين، ثم قال: النصف، ثم قال: الثلث، وعند ذلك وقف وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [(الثلث والثلث كثير)].

    تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [وأحمد بن سليمان].
    هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وقد مر ذكره.
    [عن أبي نعيم].
    هو أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد قيل عنه: إنه كان يتشيع، وقد جاء عنه كلمة عظيمة أنه قال: (ما كتبت عليّ الحفظة أنني سببت معاوية)، وهذا يدل على سلامته من هذه البدعة؛ لأن معاوية رضي الله عنه سبه عند الشيعة قدر مشترك، حتى الزيدية، الذين هم أهون الشيعة وأخفهم لا يتورعون عن شتم معاوية، وسب معاوية، بل يسبونه، ويشتمونه.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد بن إبراهيم].
    هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عامر بن سعد عن أبيه].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده وهو بمكة، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: رحم الله سعد بن عفراء أو يرحم الله سعد بن عفراء، ولم يكن له إلا ابنة واحدة، قال: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال: لا، قلت: النصف؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ما في أيديهم)].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة إلا أن فيها زيادة: كان يكره أن يموت بمكة، وهي أيضاً في الطريق السابقة، وذلك أنهم كانوا يكرهون أن يموتوا في المكان الذي هاجروا منه وهو مكة، فهم يريدون أن يموتوا بمهاجرهم، ولا يموتوا في المكان الذي هاجروا منه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: [(يرحم الله سعد بن عفراء)] وهو أحد الصحابة الذين ماتوا بمكة، وقد هاجر منها، وبقية الحديث هي مثل الرواية التي قبله، فهو لا يريد أن يكون في ذلك المكان الذي تركه من أجل الله؛ لأنه ترك بلده، الذي نشأ فيه يريد نصرة هذا الدين، فهو يريد أن يموت في مهاجره، ولا يريد أن يكون في المكان الذي هاجر منه.

    تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وقد مر ذكره.
    [عن عبد الرحمن].
    وهو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن أبيه].
    وسفيان هو الثوري، وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

    حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا أبو نعيم حدثنا مسعر عن سعد بن إبراهيم قال: حدثني بعض آل سعد قال: (مرض سعد رضي الله عنه فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال: لا) وساق الحديث].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى، وأحاله على المتن الذي قبله، وفيه أنه قال عن بعض آل سعد، وقد مرت الروايات السابقة أنه عامر بن سعد يعني: ذلك الذي حدث به هو عامر بن سعد.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان عن أبي نعيم].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن مسعر].
    هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد بن إبراهيم عن بعض آل سعد عن سعد].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق خامسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا عبد الكبير بن عبد المجيد حدثنا بكير بن مسمار سمعت عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه: (أنه اشتكى بمكة فجاءه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآه سعد بكى، وقال: يا رسول الله، أموت بالأرض التي هاجرت منها؟ قال: لا، إن شاء الله، وقال: يا رسول الله، أوصي بمالي كله في سبيل الله؟ قال: لا، قال: يعني بثلثيه؟ قال: لا، قال: فنصفه؟ قال: لا، قال: فثلثه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الثلث والثلث كثير، إنك إن تترك بنيك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس)].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، [(أنه اشتكى بمكة فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه سعد بكى، فقال: يا رسول الله، أموت بالأرض التي هاجرت منها؟ قال: لا إن شاء الله)].
    هذا مثل الذي قبله، وقوله: (لا، إن شاء الله)، معناه: أنه يموت في مكان آخر، وقد كان كذلك، فإنه لم يمت بمكة، وقد عاش وتولى الجيوش التي حصل فيها قتال الفرس، والقادسية كانت على يديه رضي الله عنه وأرضاه، وعمر وعاش، وفتح الله على يديه الفتوح، ولم يمت في الأرض التي هاجر منها، وقد حصل وتحقق ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: [(لا، إن شاء الله)].

    تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق خامسة

    قوله: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري].هو العباس بن عبد العظيم العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الكبير بن عبد المجيد].
    عبد الكبير بن عبد المجيد، وهو: أبو بكر الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكير بن مسمار].
    بكير بن مسمار، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن عامر بن سعد عن أبيه].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق سادسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا جرير عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: (عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضي فقال: أوصيت؟ قلت: نعم، قال: بكم؟ قلت: بمالي كله في سبيل الله، قال: فما تركت لولدك؟ قلت: هم أغنياء، قال: أوص بالعشر، فما زال يقول وأقول حتى قال: أوص بالثلث والثلث كثير أو كبير)].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ويختلف عن حديثه السابق من طرق متعددة؛ لأن حديثه السابق يفيد بأنه يريد أن يوصي ويستشير الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن يوصي بالمال كله، ثم يتنزل حتى وصل إلى الثلث، فالتدرج تدرج تنازلي حيث بدأ بأنه يريد أن يتصدق بالمال كله، ثم إلى الثلثين، ثم إلى النصف، ثم إلى الثلث، ثم قال: (الثلث والثلث كثير) وهذا يخالف ذاك تماماً؛ لأنه جاء وسأله: هل أوصيت؟ الرسول سأله: هل أوصيت؟ قال: نعم، قال: بكم قال: بمالي كله، قال له: فما تركت لولدك؟ قال: هم أغنياء. ليسوا بحاجة إلى شيء.
    ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوص بالعشر، فبدأ بمقدار قليل ثم ما زال يقول وأقول حتى وصل إلى الثلث، معناه: تدرج تصاعدي، بدءاً بالعشر وهو يطلب منه الزيادة حتى وصل إلى الثلث، وهذا يخالف ما تقدم من أنه كان تنازلياً، وليس تصاعدياً، فهنا بدأ من العشر وصعد حتى الثلث، وهناك بدأ بالمال كله، ثم ثلثيه، ثم نصفه، ثم ثلثه، وعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الثلث والثلث كثير)، والحديث في إسناده عطاء بن السائب، وقد اختلط، ومعلوم أن المختلط يقبل ما سمع منه قبل الاختلاط هذا هو المعتبر، وما سمع منه بعد الاختلاط لا يعتد به، وقد روى هذا الحديث عنه، جرير بن عبد الحميد البصري، وهو ليس من الذين سمعوا منه قبل الاختلاط، وعلى ذلك فهو ضعيف، ومع ذلك فهو مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وفي غيرهما من أنه بدأ أولاً بالمال كله، ثم الثلثين، ثم النصف، ثم الثلث.

    تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق سادسة


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه بن مخلد الحنظلي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد الضبي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن السائب المكي، وهو صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي عبد الرحمن].
    وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد].
    وقد مر ذكره.

    حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا وكيع حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن سعد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاده في مرضه فقال: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال: لا، قال: فالشطر؟ قال: لا، قال: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير أو كبير)].أورد النسائي الحديث أي: حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى، وهو مثل الطرق المتقدمة التي فيها طلب الوصية بالمال كله، ثم النصف، ثم الثلث، والنبي صلى الله عليه وسلم قال له: [(الثلث والثلث كثير)].
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    إسحاق بن إبراهيم مر ذكره.
    [عن وكيع].
    هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن عروة].
    هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد].
    وقد مر ذكره.

    حديث عائشة في الوصية بالثلث وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن الوليد الفحام حدثنا محمد بن ربيعة حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سعداً يعوده فقال له سعد: يا رسول الله، أوصي بثلثي مالي؟ قال: لا، قال: فأوصي بالنصف؟ قال: لا، قال: فأوصي بالثلث؟ قال: نعم، الثلث والثلث كثير أو كبير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون)].أورد النسائي حديث سعد من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن الوليد الفحام].
    محمد بن الوليد الفحام وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن محمد بن ربيعة].
    وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث ابن عباس في الوصية بالثلث


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لو غض الناس إلى الربع؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الثلث والثلث كثير أو كبير)].أورد النسائي هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو أنه قال: (لو أن الناس غضوا) يعني: نقصوا في الوصية من الثلث، إلى الربع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(الثلث والثلث كثير)] وهو من أجل كلمة (كثير) يقول: (لو أن الناس غضوا في وصيتهم من الثلث إلى الربع لكان أولى)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الثلث بأنه كثير.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في الوصية بالثلث


    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    وهو ابن عيينة وقد مر ذكره.
    [عن هشام بن عروة عن أبيه].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق ثامنة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا همام عن قتادة عن يونس بن جبير عن محمد بن سعد عن أبيه سعد بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءه وهو مريض فقال: إنه ليس لي ولد إلا ابنة واحدة، فأوصي بمالي كله؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا، قال: فأوصي بنصفه؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا، قال: فأوصي بثلثه؟ قال: الثلث والثلث كثير)].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص وهو سعد بن مالك؛ لأن أباه مالك وأبوه مشهور بكنيته ولهذا قال: سعد بن أبي وقاص، وقد ذكر باسم أبيه في هذه الرواية، وفي الروايات السابقة ذكر بكنية أبيه المشهور بها، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى، الملقب بالزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن حجاج بن المنهال].
    حجاج بن المنهال، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن همام].
    هو همام بن يحيى، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس بن جبير].
    يونس بن جبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن سعد].
    هو محمد بن سعد بن أبي وقاص، وهنا يرويه ابنه محمد، والروايات التي مرت عن طريق عامر بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود فإنه لم يخرج له في السنن، بل أخرج له في المراسيل.
    [عن أبيه سعد بن مالك].
    وقد مر ذكره.


    الأسئلة


    حكم شراء سلعة بفواتير من أجل تقديمها لجهة رسمية لاستيفاء قيمة سلعة أقدم من نفس النوع


    السؤال: جزاك الله خيراً، أنا طالب في جامعة، وطلب مني بحث عن عسل أشتريه، ثم أحصل على قيمته من الجامعة، وقدر الله أنني لم أحصل على فواتير لأعطيها للجامعة وآخذ قيمة العسل، فاضطررت أن أشتري عسلاً آخر مثل السابق لبيتي، وأعطي فواتيره للجامعة لتعطيني قيمة العسل السابق؛ لأنهم طلبوا مني الفواتير، فهل عملي هذا جائز؟


    الجواب: ما أدري، هل هو عند شرائه العسل الأول طلبوا منه فواتير، معناه: أنه شراه من أماكن متعددة؛ لأن الفواتير جمع فاتورة، ومعنى هذا أنه شراه من أماكن، وهنا اشترى شيئاً لنفسه، وهو غير المطلوب، فالذي قدمه ما شراه من أجل هذا الموضوع، وإنما شراه لنفسه، فيبدو أن المسألة ليست سليمة؛ لأن الشراء ما كان لهذا الغرض، وإنما المناسب أن يأتي إليهم ويخبرهم بالواقع، فإن أعطوه فذاك، وإلا فإنه استفاد من هذا البحث وإن لم يحصل من ورائه مقابلاً، فالإنسان يحرص على الصدق، ويلتزم بالصدق، ولو كان في مثل هذه الأمور.


    حكم الإنكار على من ترك تحية المسجد في أوقات النهي

    السؤال: أدخل المسجد قبيل المغرب وأجلس بدون أن أصلي ركعتين، فينكر عليّ بعض الإخوة إنكاراً شديداً، فهل إنكارهم هذا صحيح؟


    الجواب: لا يصلح الإنكار على أحد، من دخل المسجد في وقت النهي إن جلس لا ينكر عليه، وإن صلى لا ينكر عليه، اللهم إلا إذا كان عند الغروب نفسه عند حال الغروب، أو حال طلوع الشمس، أو حال قيام الشمس، هذه الأوقات القصيرة لا يصلى فيها، ولا يدفن فيها الموتى، كما جاء ذلك في الحديث، لكن أوقات النهي الطويلة، مثل بعد العصر إلى المغرب، ومن بعد الفجر إلى طلوع الشمس، من دخل وجلس لا ينكر عليه، ومن دخل وصلى لا ينكر عليه؛ لأن من دخل وجلس عنده عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس) ومن دخل وصلى عنده عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين).


    معنى قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء)

    السؤال: ما معنى قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا [فصلت:11]؟


    الجواب: استوى معناها: علا وارتفع، واستوى جاءت لأربعة معان، منها: ارتفع وعلا.


    حكم السلام على الرافضة ومصافحتهم

    السؤال: قال: أنا موظف، ومعي في العمل بعض الرافضة، فهل أبدؤهم بالسلام؟ وهل أصافحهم؟ وهل أرد عليهم السلام إذا سلموا؟


    الجواب: معلوم أن من كان يعتقد من الرافضة ما يستوجب الكفر، فإنه يحكم بكفره، وقد جاء في كتبهم بعض النصوص، فمن يعتقدها لا يكون مسلماً، من جنس ما جاء في كتاب الكافي: (باب أنه ليس هناك شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وكل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل) أي: أن ما لم يخرج من الأئمة فهو باطل، ومن المعلوم أن القرآن الذي بأيدينا إنما خرج على يد عثمان رضي الله عنه وأرضاه، هذا المصحف هو جمع عثمان، وصحيح البخاري وصحيح مسلم، وهي أصح الكتب بعد كتاب الله جاءت عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي هريرة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والمعروف عن الرافضة أنهم يكفرون الصحابة أو يفسقونهم، إلا نفراً يسيراً منهم، ومعنى هذا أن السنة من أولها إلى آخرها مرفوضة إذا كانت لم تأت عن طريق الأئمة الاثني عشر عندهم، فمن يعتقد هذه العقائد يقال بكفره، إذا كانوا يعتقدون ما في هذه الكتب وحكم بكفرهم كتاب الكافي أصح كتاب عندهم، مثل صحيح البخاري عندنا وفيه هذا الكلام، فمن يعتقد أنه ليس هناك شيء من الحق إلا ما خرج من الأئمة، معناه: القرآن ما خرج من عند الأئمة والسنة ما خرجت من عند الأئمة، السنة التي هي في مقدمتها صحيح البخاري، وصحيح مسلم، التي حفظت بها سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمن يكون كذلك ومن يعتقد هذه العقيدة لا يستحق أن يسلم عليه، وأن يبدأ بالسلام، ولكنه إذا سلم يرد عليه، ونحن لا نعرف بالنسبة لكل واحد أيش عقيدته، لكن نحن نحكم على ضوء ما هو موجود من النصوص في كتبهم، نقول: من يعتقد هذه العقيدة يكون حكمه كذا وكذا.


    حكم السلام على المخالفين للسنة

    السؤال: نمر في الطريق على أناس أشكالهم شبيهة بالرافضة الموجودين عندنا، ولم نتأكد أنهم منهم، فهل نسلم عليهم؟


    الجواب: الأشخاص الذين لم يتحقق وقوعهم أو حصولهم أو اتصافهم بالصفة المذمومة يسلم عليهم، الأصل هو السلام، حتى يعرف ما يدل على أنه لا يستحق أن يسلم عليهم.


    حكم الوصية

    السؤال: ما حكم الوصية؟ هل هي واجبة؟


    الجواب: اختلف فيها العلماء، فبعضهم قال بوجوبها، وكثير من أهل العلم قالوا باستحبابها وأنها مستحبة، لكن كما هو معلوم فيما يتعلق بالحقوق اللازمة والأمور التي لا بد منها، فالوصية فيها واجبة ولازمة، وأما إذا كانت في أمور مستحبة فالأمر في ذلك واسع.


    زمن ظهور بدعة الوصية لعلي

    السؤال: هل ظهرت بدعة القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي رضي الله عنه في زمن الصحابة؟


    الجواب: أي نعم، موجودة ولهذا عائشة رضي الله عنها قالت هذا الكلام، يقولون: أوصى لـعلي وقد حصل كذا وكذا، يعني: مات الرسول صلى الله عليه وسلم وتوفي وهي عنده وما حصل منه شيء يدل على ما يقولون، بل جاء عنها ما يدل على أنه أراد أن يوصي لأبيها ولكنه ترك؛ لأن الناس سيجتمعون على أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #472
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الوصايا

    (469)

    - (باب قضاء الدين قبل الميراث) إلى (باب إبطال الوصية للوارث)




    لقد جاء الإسلام بحفظ حقوق الآخرين، ومن أجل تحقيق هذه الغاية العظمى قدم الشرع الدين على الوصية، ثم بيّن أن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث.

    قضاء الدين قبل الميراث وذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر جابر فيه



    شرح حديث جابر في قضاء دين أبيه


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قضاء الدين قبل الميراث وذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر جابر فيه.أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار حدثنا عبيد الله عن شيبان عن فراس عن الشعبي حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن أباه استشهد يوم أحد وترك ست بنات وترك عليه ديناً، فلما حضر جداد النخل أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد وترك ديناً كثيراً، وإني أحب أن يراك الغرماء قال: اذهب فبيدر كل تمر على ناحية، ففعلت ثم دعوته، فلما نظروا إليه كأنما أغروا بي تلك الساعة، فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدراً ثلاث مرات، ثم جلس عليه، ثم قال: ادع أصحابك، فما زال يكيل لهم حتى أدى الله أمانة والدي وأنا راض أن يؤدي الله أمانة والدي لم تنقص تمرة واحدة)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب قضاء الدين قبل الميراث.
    الدين هو من الحقوق اللازمة التي هي متعلقة بذمة الإنسان، وهو مقدم على الميراث؛ لأنه حق ثابت عليه فلابد أن يؤدى ذلك الحق، وإن فضل شيء بعد ذلك أمكن أن يكون هناك ميراث، أما إذا استغرق الدين ما خلفه الميت فإنه لا يكون هناك ميراث، بل الميراث هو آخر الحقوق المتعلقة بالمال بعد موت المورث، وهي خمسة حقوق، هي أولاً مئونة التجهيز، كالكفن، وحفر القبر، وتغسيله، وما إلى ذلك من الأمور التي لا بد منها لتجهيز الميت، ثم الحقوق المتعلقة برهن، يعني: الدين المتعلق برهن، فإنه يكون مقدماً على غيره من الديون المطلقة التي ليست موثقة برهن؛ لأنه من المعلوم أن المفلس إذا أفلس وهناك دين برهن فإن صاحب الدين الذي برهن مقدم على الغرماء، وليس أسوة الغرماء، وإنما يوفى حقه من الرهن الذي وثق به حقه ووثق به دينه.
    ثم بعد ذلك الدين، يعني: بعد مئونة التجهيز، وبعد الحقوق المتعلقة بعين التركة، أي: حصل رهن بعين فإن تلك العين يوفى منها حق الدائن الذي وثق دينه بتلك العين، ثم بعد ذلك الديون المطلقة، التي ليست موثقة برهون، ثم بعد ذلك الوصايا، ثم بعد ذلك الميراث، وقد جاء في القرآن الكريم في ذكر آية المواريث عندما يذكر ميراث صنف من الأصناف، يقال: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] أولاً قال: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11] ثم قال: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] ثم قال: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] أربعة مواضع جاء فيها ذكر أن الميراث بعد الوصية والدين، والدين مقدم على الوصية؛ لأن الوصية تبرع وإحسان، والدين حق ثابت، ولهذا قضى الرسول صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية؛ لأن الدين مقدم على الوصية، ثم بعد الحقوق المتعلقة بالرهن والديون المطلقة الوصايا، وتكون في حدود الثلث، ثم بعد ذلك الميراث، فهذه هي الحقوق المتعلقة بالتركة، وقد قال أحد الشعراء في نظمها:
    يبدأ من المتروك قيمة الكفن مع مؤنة يحتاجها ويدفن
    ثم الحقوق اللاء قد تعلقت بعين متروك فدين قد ثبت
    ثم الوصايا ثم وارث يلي فافهم فهذا مذهب ابن حنبل
    فهذه مرتبة على حسب هذا الترتيب في مذهب الإمام أحمد، ومن العلماء من قال: إن الحقوق المتعلقة بالدين الموثقة برهن مقدمة على مئونة التجهيز؛ لأن هذا حق ثابت في هذه العين، ومئونة التجهيز على أقاربه، أو على المسلمين أن يقوموا بما يلزم له، لكن من العلماء من قال: إن مئونة التجهيز مقدمة على الحقوق المتعلقة بالدين الموثق، أو الدين الموثق برهن، ومن العلماء من قدم الدين الموثق على مئونة التجهيز، وهذه الأبيات التي قدم فيها مئونة التجهيز على الديون الموثقة برهن على مذهب الإمام أحمد.
    والنسائي يقول: قضاء الدين قبل الميراث؛ لأن الدين حق لازم في ذمة الإنسان، فيجب أداؤه، فإن كان هناك شيء بعد ذلك فالوصية في حدود الثلث، والباقي بعد ذلك يكون ميراثاً، وإن لم يكن هناك وصية فكل ما يخلفه يكون ميراثاً بعد قضاء الديون، وإن كان هناك وصية في حدود الثلث فإنها تخرج قبل قسمة الميراث، وقبل توزيع الباقي على الورثة.
    ثم أورد النسائي بعد ذلك حديث جابر رضي الله عنه من طرق متعددة، والنسائي رحمه الله ذكر في آخر الوصية بالثلث طريقا من طرق حديث جابر، وهي ليس فيها شيء يدل على الثلث، ولا علاقة لهذا الحديث بباب الوصية بالثلث، بل علاقته بالباب الذي بعده وهو: قضاء الدين قبل الميراث، جاء هذا الحديث في كتاب النسائي المجتبى، وكذلك في الكبرى، في آخر الباب الذي هو الوصية بالثلث، والواقع أنه متعلق بالباب الذي يليه، الذي هو قضاء الدين قبل الميراث، وحديث جابر في قضاء دين أبيه، كلها جاءت في هذا الباب، وهذا واحد منها، فمحله المناسب له أن يكون في أول الباب الذي يليه، لكن الذي وجد في الكبرى، ووجد في الصغرى، أن هذا الحديث في آخر باب الوصية بالثلث، ولعل الباب أخر عن محله في الموضعين، فجاء الحديث الأول من الطريق الأولى من حديث جابر في باب الوصية بالثلث، مع أن محلها أن تكون أول باب قضاء الدين قبل الميراث.
    والنسائي ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر جابر فيه، وليس فيه ذكر الشعبي.
    إذاً: فمحله المناسب له أن يكون أول الباب الذي يليه، الذي هو قضاء الدين قبل الميراث، فحديث جابر رضي الله عنه أن عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر بن عبد الله استشهد يوم أحد، وقصته مشهورة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ولما مات شهيداً كان قد خلف ديناً وترك ست بنات، وقد سبق أن مر بنا أن جابراً رضي الله عنه تزوج امرأة ثيبة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) وكان من جوابه أنه اختار امرأة ترعى أخواته، وتحسن إلى أخواته، فآثر مصلحة أخواته على مصلحته رضي الله عنه، فتزوج ثيباً، ولم يتزوج بكراً حتى تكون أعرف منهن، وتحسن إليهن وترعاهن رضي الله عن جابر وعن الصحابة أجمعين، قال: وترك ديناً ولم يترك وفاءً، وعنده نخل، ولكن ثمر ذلك النخل لا يؤدي ذلك الدين ولا قريباً من أدائه، وكان الغرماء يطالبونه، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يحضر إلى بستانه ليراه الغرماء، فلعلهم إما أن يضعوا عنه شيئاً أو يؤخروا المطالبة بجميع حقهم، فيأخذوا البعض ويؤخروا المطالبة بالبعض، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم أن يجد النخل، وأن يجعله أكواماً كل نوع على حدة، أي: كل صنف من أصناف التمر على حدة، فقال: (بيدر) يعني: كونه في البيدر، وهو المكان الذي يخصص لوضع التمر بعدما يجد، وهو المربد أيضاً وسبق أن مر المربد، وهو: المكان الذي يوضع فيه التمر ويجف فيه، ففعل ذلك وجاء الغرماء، ولما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم لزموا جابراً يعني: يريدون حقهم، وكأنما أغروا به، معناه: يتزاحمون عليه ويأتون أمامه، ويقربون منه، فالرسول صلى الله عليه وسلم جعل يطيف بكومٍ من تلك الأكوام، ويدعو بالبركة ثم قال له: كل لغرمائك، فصار يكيل لهم حتى استوفوا حقوقهم من كومٍ واحد، وبقيت الأكوام الأخرى، لم ينقص منها شيء، فأدى جابر أمانة أبيه وأوفى الحق الذي على أبيه وهو راضٍ بذلك، وقد كان راضٍ ألا يبقى له شيء، وإنما يهمه أن يوفى دين أبيه، وما كان يفكر أن يبقى له بقية، بل كان يعتقد أن الثمرة لا تفي بالدين، ولا توفي الحق الذي على أبيه، وأن الدين سيبقى في ذمته لأعوامٍ أخرى غير هذه السنة، وهو يريد من الغرماء أن يؤخروا المطالبة؛ لأن الدين قد حل، وهو يريد إما الوضع وإما التأخير.
    ولما كال لهم ودعا النبي صلى الله عليه وسلم، وبارك الله في ذلك الطعام ونما وكثر حتى أوفى الغرماء، وما كان يتطلع إلى أن يبقى منه شيء، ولم ينقص منه تمرة، ويحتمل أن يكون معنى: لم ينقص منه تمرة، أن الحق الذي على أبيه وفي كاملاً لم ينقص منه تمرة، أو أن الذي بقي بعد أن كال للغرماء كأنه ما نقص منه تمرة، يعني: كأنه على وضعه الذي كان عليه قبل أن يكال للغرماء، وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، حيث دعا وبارك الله تعالى في ذلك الطعام، وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام حيث يدعو في الشيء القليل فيكثره الله عز وجل وينميه كما حصل في قضايا وفي مسائل عديدة بارك الله تعالى في الطعام الذي يكون في حضرته، والذي تمسه يده، ويدعو فيه حتى يكفي الفئة من الناس إذا كان مقدماً للأكل، وحتى أوفى الديون التي كانت الثمرة كلها لا تفي ببعضها، فإذا ببعض تلك الثمرة أوفى بذلك، وكأنه لم ينقص منه شيء ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
    والحديث شاهد على تقديم الدين على الميراث؛ لأن جابراً أراد أن يوفي دين أبيه وهو راضٍ ألا يبقى له شيء يرثه هو وأخواته رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في قضاء دين أبيه


    قوله: [أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار].وهو ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا عبيد الله].
    هو عبيد الله بن موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شيبان].
    هو شيبان بن عبد الرحمن النحوي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن فراس].
    هو فراس بن يحيى، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشعبي].
    هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي أثرت عنه الكلمة المشهورة في بيان سوء الرافضة، وهو أنه قال: إن اليهود والنصارى قد فاقوا الرافضة بخصلة، يعني: تميز اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، ذلك أن اليهود لو قيل لهم: من خير أهل ملتكم لقالوا: أصحاب موسى، والنصارى لو قيل لهم من خير أهل ملتكم لقالوا: أصحاب عيسى، والرافضة إذا قيل لهم: من شر أهل ملتكم قالوا: أصحاب محمد، فاليهود والنصارى فاقوا الرافضة بهذه الخصلة؛ لأن أولئك يعظمون أصحاب موسى وعيسى، وهؤلاء يسبون أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، وهذه المقولة التي قالها الشعبي جاءت على لسان شاعر من شعرائهم يعني: بلغت به الخسة، والوقاحة، والسوء إلى أن ألف قصيدة طويلة فيها سب الصحابة، وذم الصحابة، وهذه الكلمة التي قالها الشعبي قالها في بيت من أبيات قصيدته الخبيثة حيث يقول:
    أهم خير أمة؟ استفهام إنكار.
    أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها
    أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات يعني: بعد هذا، بل أشقاها أي: أشقى أمة أخرجت للناس، نفس الكلام الذي قاله الشعبي رحمة الله عليه قاله ذلك الرافضي الخبيث في هذه القصيدة الخبيثة.
    [حدثني جابر بن عبد الله].
    وهو صحابي ابن صحابي أبوه استشهد يوم أحد رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجابر بن عبد الله أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم، وعن الصحابة أجمعين.
    مداخلة: أحسن الله إليك، ذكرت أن الدين مقدم على الوصية، وفي الآيات التي ذكرتها قد ذكر الله فيها الوصية قبل الدين؟
    الشيخ: العطف بالواو لا يقتضي الترتيب؛ لأنها لمطلق الجمع، ولهذا تأتي أمور متعاطفة بالواو والمتأخر يقدم على المتقدم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية، وهذا دل على أن الدين مقدم، والدين حق ثابت والوصية تبرع؛ فبعد أن توفى الديون تأتي التبرعات والمواريث.
    مداخلة: أحسن الله إليك، هل لشخص أن يعمل مثل عمل جابر، يطلب من شخص له وجاهة ومنزلة أن يأتي حتى يحترمه مثلاً الغرماء؟
    الشيخ: كونه يشفع أحد له منزلة ما فيه بأس، وأما كونه يأتي ويطلب منه الدعاء بالبركة فليس له ذلك؛ لأن هذا من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد كان يكثر الله الطعام بين يديه، وأما غيره فلا يفعل معه ذلك، ولكن كون الإنسان ينظر لأحد له منزلة ويطلب منه أن يتوسط لدى الغريم بأن يؤخر الدين، أو يؤخر بعض الدين، أو يضع بعضه لا بأس بهذا؛ لأن الشفاعة مستحبة، وقد يتحقق على يديه أن تقبل شفاعته، لكن قضية أنه يؤتى به للتبرك به، ويطلب منه أن يدعو لتحصيل البركة ويحصل النماء في هذا المال مثل ما حصل لرسول الله عليه الصلاة والسلام ليس له هذا؛ لأن الصحابة ما كانوا يفعلون هذا مع أحد سواه عليه الصلاة والسلام.

    شرح حديث جابر في قضاء دين أبيه من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام حدثنا إسحاق وهو الأزرق حدثنا زكريا عن الشعبي عن جابر رضي الله عنه: (أن أباه توفي وعليه دين، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إن أبي توفي وعليه دين، ولم يترك إلا ما يخرج نخله، ولا يبلغ ما يخرج نخله ما عليه من الدين دون سنين فانطلق معي يا رسول الله، لكي لا يفحش علي الغرام، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور بيدراً بيدراً، فسلم حوله ودعا له ثم جلس عليه، ودعا الغرام فأوفاهم وبقى مثل ما أخذوا)].أورد النسائي حديث جابر من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، وفيه الإشارة إلى أن الدين يحتاج إلى سنين أخرى غير هذه السنة، يعني: من حيث الثمرة، فيحتاج إلى ثمرة سنين غير هذه السنة حتى يقضي الدين، ولكن بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وحصول البركة بهذا الدعاء وفى الدين، وبقي مثل ما حصل، بل جاء في بعض الروايات كأنه ما نقص منه شيء صلوات الله وسلامه وبركاته على رسوله.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في قضاء دين أبيه من طريق ثانية

    قوله:[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام].لا بأس به، وهي تعادل صدوق، وأخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا إسحاق وهو: الأزرق].
    هو إسحاق بن يوسف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا زكريا].
    هو زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشعبي عن جابر].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث جابر في قضاء دين أبيه من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (توفي عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه وترك ديناً فاستشفعت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على غرمائه أن يضعوا من دينه شيئاً، فطلب إليهم فأبوا، فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اذهب فصنف تمرك أصنافاً العجوة على حدة وعذق ابن زيد على حدة وأصنافه، ثم ابعث إلي، قال: ففعلت فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجلس في أعلاه أو في أوسطه ثم قال: كل للقوم، قال: فكلت لهم حتى أوفيتهم ثم بقي تمري كأن لم ينقص منه شيء)].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، وجابر رضي الله عنه أراد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع عند الغرماء بأن يضعوا من الدين، ولكنهم ما وافقوا على وضع شيء منه، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من جابر أن يجد النخل، وأن يجعل كل صنف على حدة، وهذا يدل على أنه ينبغي أن تكون التمور مميزة بعضها عن بعض، ولا يخلط بعضها مع بعض، فتكون أصنافاً مخلوطة الجيد منها مع الرديء، وإنما يكون أصنافاً، كل صنف يكون على حدة، قال: [(العجوة على حدة، وعذق ابن زيد على حدة)] عذق ابن زيد يعني: نوع من النخل يسمى عذق بن زيد، وأصنافه أي: الأصناف الأخرى كل صنف منها في موضع يخصه، ولا يخلط بعضها ببعض؛ لأن الأنواع فيها الجيد وفيها الرديء فيكون الجيد على حدة، والرديء يكون على حدة، ولا يخلط جيد برديء.
    قوله: [(فإذا فعلت ذلك فآذني)]، أي: أخبرني، فجاء، وطاف بها ودعا، ثم كال للغرماء وأوفاهم الحق الذي عليه، وبقي كأنه لم ينقص منه شيء ببركة دعاء النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    قوله: [(فجلس في أعلاه أو في أوسطه)].
    يعني: أعلى البيادر أو أوسطها، يعني: إما أن يكون المقصود أعلاه الذي هو أجوده، ووسطه الذي هو أوساط الثمر، أو أنه أعلاه من حيث الموضع، أو أوسطه من حيث الموضع.
    وفي الذي قبله: (ثم جلس عليه).
    ما يفهم منه الجلوس على التمر، وإنما الجلوس على ناحيته بجواره يعني: يجلس عنده، وذلك مثل ما يكون الإنسان إذا أراد أن يكيل من الطعام، أو يلمس الطعام، فيأتي بجواره ويلمسه في ناحية من نواحي الكوم.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في قضاء دين أبيه من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد الضبي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مغيرة].
    هو مغيرة بن مقسم الضبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشعبي عن جابر].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث جابر في قضاء دين أبيه من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمد حرمي حدثنا أبي حدثنا حماد عن عمار بن أبي عمار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كان ليهودي على أبي تمر، فقتل يوم أحد وترك حديقتين، وتمر اليهودي يستوعب ما في الحديقتين، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل لك أن تأخذ العام نصفه وتؤخر نصفه؟ فأبى اليهودي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل لك أن تأخذ الجداد فآذني فآذنته، فجاء هو وأبو بكر فجعل يجد ويكال من أسفل النخل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو بالبركة حتى وفيناه جميع حقه من أصغر الحديقتين فيما يحسب عمار، ثم أتيتهم برطب وماء فأكلوا وشربوا، ثم قال: هذا من النعيم الذي تسألون عنه)]أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله من طريق أخرى، وفيه: أن من الغرماء يهودي كان له عليه دين كثير، وهذا لا يعني أن الدين ليهودي واحد؛ لأن الطرق التي مرت فيها غرماء، وأنهم كانوا أغروا به، وكانوا يلتفون حوله يريدون حقوقهم، وقد مر أن الرسول صلى الله عليه وسلم شفع عندهم وأبوا، وهذا الحديث يبين أن الذي شفع عنده يهودي، وطلب منه أن يأخذ نصف حقه من هذه الثمرة، ويؤخر النصف الثاني إلى ما بعد فأبى، فالرسول صلى الله عليه وسلم طلب من جابر أن يجد النخل، وأن يؤذن النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك فجاءوا إلى إحدى الحديقتين وجدوا منها وكالوا حتى أوفيت الحقوق التي على والد جابر رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين.
    في آخره: [ثم أتيتهم برطب وماء فأكلوا وشربوا].
    ثم أتيتهم يعني: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ومن معهم برطب، فأكلوا، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: [(إن هذا من النعيم الذي تسألون عنه)] كما قال الله عز وجل: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:8].

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في قضاء دين أبيه من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمد حرمي].حرمي هذا لقب؛ لأنه ذكر نسبه ثم ذكر لقبه في الآخر، فجمع بين نسبه ولقبه، بين اسمه واسم أبيه وجده ولقبه، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبي].
    وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد].
    هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمار بن أبي عمار].
    صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جابر بن عبد الله].
    وقد مر ذكره، وهذا ليس من طريق الشعبي، بل من طرق أخرى غير طريق الشعبي، الطرق التي مرت كلها من طريق الشعبي، وهذا طريق آخر.

    شرح حديث جابر في قضاء دين أبيه من طريق خامسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى عن حديث عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (توفي أبي وعليه دين، فعرضت على غرمائه أن يأخذوا الثمرة بما عليه فأبوا، ولم يروا فيه وفاءً فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، قال: إذا جددته فوضعته في المربد فآذني، فلما جددته ووضعته في المربد أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فجلس عليه ودعا بالبركة، ثم قال: ادع غرماءك فأوفهم، قال: فما تركت أحداً له على أبي دين إلا قضيته وفضل لي ثلاثة عشر وسقاً، فذكرت ذلك له فضحك وقال: ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما ذلك، فأتيت أبا بكر وعمر فأخبرتهما فقالا: قد علمنا إذ صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما صنع أنه سيكون ذلك)].أورد النسائي حديث جابر من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، وفي آخره أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من جابر لما جاء وأخبره بوفاء الدين والانتهاء من قضاءه بأكمله، أمره بأن يخبر أبا بكر وعمر لأنهما كانا معه، وكانا يعلمان الذي قد حصل، فأخبرهما وقالا: إننا قد علمنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما فعل ذلك أنه سيحصل الوفاء، يعني: الدين، وأنه سيبقى بقية؛ لأن هذا هو الذي عهدوه من بركة الطعام الذي يكون بين يديه، ويدعو فيه عليه الصلاة والسلام.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في قضاء دين أبيه من طريق خامسة


    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو أبو موسى العنزي الملقب: الزمن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [عن حديث عبد الوهاب].
    هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن وهب بن كيسان].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن جابر بن عبد الله].
    وقد مر ذكره.


    إبطال الوصية للوارث


    شرح حديث: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إبطال الوصية للوارث.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة رضي الله عنه أنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث).
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [إبطال الوصية للوارث]، يعني: بعد أن فرض الله الفرائض وبين المواريث للأقرباء، نسخ ما كان مشروعاً من قبل من الوصية للوالدين والأقربين، عند ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخطب: [(إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث)] يعني: أن أصحاب الحقوق الذين هم الورثة يكفيهم ما قدر الله لهم، وفرض لهم من الحقوق سواء كانت فرضاً أو تعصيباً، أما إذا كان غير وارث، فإنه يوصى له، ولا بأس من الوصية له؛ لأن المنع إنما هو لمن يرث، أما إذا أوصى لغير الوارث كأن يكون له ابن وابن ابن وأوصى لابن ابنه، فابن الابن لا يرث مع وجود الابن، فإذا أوصى للقريب الغير الوارث، وذلك في حدود الثلث فأقل فإنه لا بأس بذلك، والمنع إنما هو من الوصية لوارث، وكانت الوصية قد كتبت من قبل على الناس للوالدين والأقربين إذا ترك خيراً، وبعد ما أنزل الله آية المواريث التي فيها بيان الحقوق، وبيان استحقاق كل وارث عند ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث).
    وقوله: [(لوارث)] معناه: أن المنع إنما هو لمن يرث، أما من كان قريباً لا يرث بأن كان محجوباً ولا نصيب له من الميراث لوجود من هو أقرب منه ومن يحجبه، فيجوز الوصية لذلك الغير الوارث، ولكن بالثلث فما دون.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث)


    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي عوانة].
    هو الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو عوانة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شهر بن حوشب].
    وهو صدوق، كثير الإرسال والأوهام، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الرحمن بن غنم].
    هو عبد الرحمن بن غنم، وهو مختلف في صحبته، وقال العجلي: هو من ثقاة كبار التابعين، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمرو بن خارجة].
    هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والإسناد وإن كان فيه شهر بن حوشب وهو كثير الإرسال والأوهام، إلا أنه جاء من طرق أخرى، ومنها إحدى الطرق التي ستأتي بعد هذا، وهي ليست من طريق شهر بن حوشب.

    شرح حديث: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا شعبة حدثنا قتادة عن شهر بن حوشب أن ابن غنم ذكر أن ابن خارجة رضي الله عنه ذكر له أنه: (شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب الناس على راحلته، وأنها لتقصع بجرتها وإن لعابها ليسيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته: إن الله قد قسم لكل إنسان قسمه من الميراث فلا تجوز لوارث وصية)].أورد النسائي حديث عمرو بن خارجة رضي الله عنه وهو مثل ما قبله، في أن الله تعالى أعطى كل من له نصيب في الميراث نصيبه، وبين في كتابه العزيز فلا تجوز لوارث وصية، فهو مثل الذي قبله في بيان أن الوصايا للورثة لا تجوز.
    قال: [(إنه خطب الناس على راحلته وهي تقصع بجرتها)] قيل: تقصع يعني: تمضغ وتحرك فمها بالطعام، وجرتها: ما تسحبه من جوفها وتجعله في فمها وتلوكه فيه، وهذا يحصل من الناقة إذا كانت مستريحة ومطمئنة، أما إذا كانت في شدة وفي خوف فإنه لا يحصل منها هذا الاجترار.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا قتادة عن شهر بن حوشب أن ابن غنم ذكر أن ابن خارجة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

    شرح حديث: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي أنبأنا عبد الله بن المبارك أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد عن قتادة عن عمرو بن خارجة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله عز اسمه قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث)].أورد النسائي حديث عمرو بن خارجة رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي].صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [أنبأنا عبد الله بن المبارك].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة عن عمرو بن خارجة].
    وقد مر ذكرهما.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #473
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الوصايا

    (470)

    - باب إذا أوصى لعشيرته الأقربين - إذا مات الفجأة هل يستحب لأهله أن يتصدقوا عنه




    لقد حث الإسلام على الإحسان إلى الأقارب، وإذا أوصى شخص لعشيرته الأقربين تناولت الوصية كل من يدخل تحت هذا الاسم، وأما الميت فيستحب لأهله أن يتصدقوا عنه، سواء مات فجأة أو غير فجأة.

    إذا أوصى لعشيرته الأقربين



    شرح حديث أبي هريرة في إنذاره صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا أوصى لعشيرته الأقربين. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (لما نزلت (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ )[الشعراء:214] دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريشاً فاجتمعوا فعم وخص فقال: يا بني كعب بن لؤي، يا بني مرة بن كعب، يا بني عبد شمس، ويا بني عبد مناف، ويا بني هاشم، ويا بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، ويا فاطمة، أنقذي نفسك من النار، إني لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [إذا أوصى لعشيرته الأقربين]، أي: فإن الوصية تعم العشيرة إذا لم يخصص أحداً منهم بعينه أو بوصفه بأن يقول: آل فلان، فإنه يعم العشيرة كلها، فكل من يدخل تحت اسم العشيرة فإنه تشمله الوصية؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ )[الشعراء:214] عم وخص فذكر الخاصين الذين هم أقرب الناس إليه، كابنته، وعمته، ومن هم فوق ذلك أيضاً الذين هم قريش التي هي عشيرته، فعم وخص، فالمقصود من الترجمة: أنه إذا أوصى لعشيرته الأقربين فيشمل كل العشيرة، إلا إذا عين الفخذ، أو عين الجماعة من العشيرة، فإنه يقتصر عليه، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ )[الشعراء:214] عم وخص في الإنذار، فذكر على سبيل العموم حيث قال: يا بني كعب بن لؤي، يا بني مرة بن كعب، وهذا من أجداده الذي بينه وبينهم مسافة، وقال في بعض الأحاديث: يا معشر قريش، وهذا أيضاً فوق كعب بن لؤي وبين مرة بن كعب؛ لأن قريشاً هم أبناء فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وكعب بن لؤي دون فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، فعشيرته هم: قريش فيشمل القريب والبعيد منهم، ما دام أنه بلفظ العشيرة، ولا يخص قريباً دون بعيد، والرسول صلى الله عليه وسلم عم وخص، ثم ذكر الصحابي ذلك التعميم وذلك التخصيص فقال: [(يا بني كعب بن لؤي، يا بني مرة بن كعب)]، وهذا من التعميم؛ لأن هؤلاء من أعلى من ذكر في الحديث، وجاء في بعض الروايات: يا معشر قريش، وقريش فوق كعب بن لؤي، ونسب الرسول صلى الله عليه وسلم، آباؤه الذين اتفق النسابون على ذكرهم واحد وعشرون، بدءاً من عبد الله وانتهاءً إلى عدنان، وبعد ذلك إلى إسماعيل مختلف فيه، وقريش المراد بها: أولاد فهر بن مالك الذي هو الأب الحادي عشر، منتصف الآباء الذين هم واحد وعشرون، وهو الذي تنتسب إليه قريش والذي تفرعت منه قريش.
    وبالمناسبة أذكر نسب الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نعرف الذين مر ذكرهم من أجداد الرسول صلى الله عليه وسلم، وطبقتهم في الآباء فهو عليه الصلاة والسلام: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، هذا الأب الذي تنتسب إليه قريش ابن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، واحد وعشرون أباً للرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم عم وخص في العشيرة وذكر من هم عامون ومن هم خاصون.
    قوله: [(يا بني كعب بن لؤي)]، وهذا أعلى من ذكر في هذا الحديث، [(يا بني مرة بن كعب)] فذكر واحد من أبنائه وهو مرة.
    قوله: [(يا بني عبد شمس)]، وهو من أولاد عبد مناف أخو هاشم؛ لأن أولاد عبد مناف أربعة: هاشم، والمطلب، ونوفل، وعبد شمس، والرسول صلى الله عليه وسلم جعل بني المطلب مثل بني هاشم فأعطاهم من الخمس، ولم يعط بني نوفل وبني عبد شمس، فجاء عثمان بن عفان العبشمي، وجبير بن مطعم النوفلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنك أعطيت بني المطلب ونحن وإياهم سواء، فقال: إنهم كانوا معنا في السراء والضراء، وكانوا معنا في الشعب لما حصل حصارهم وحصل الإيذاء لهم، فكان أن أعطاهم، ولهذا يقولون: لا تدفع الزكاة إلى مطلبي وهاشمي؛ لأنهم يعطون من الخمس، ومنهم من قال: إنها لا تدفع إلى هاشمي بخلاف المطلبي.
    قوله: [(يا بني عبد مناف)] وهو أعلى من عبد شمس.
    قوله: [(يا بني هاشم)]، وهو في طبقة عبد شمس الذي هو جد الرسول صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [(يا بني عبد المطلب)]، الذي هو ولد هاشم، وهكذا.
    قوله: [(أنقذوا أنفسكم من النار)]، أي: أنقذوها بالابتعاد عما يسخط الله عز وجل وفعل ما يرضيه، فعل ما طلب منكم فعله، واجتناب ما طلب منكم اجتنابه، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، ما تقولون: يكفينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم منا، والنبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، من بطأ به عمله عن دخول الجنة، ليس نسبه هو الذي يسرع به إليها، وإنما ينفع الإنسان عمله الصالح، فالنبي صلى الله عليه وسلم يرشدهم إلى ألا يتكلوا على القرابة، وإنما يأخذون بالأسباب التي شرعها الله عز وجل، وهي تقوى الله عز وجل، والله تعالى يقول: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أتقاكم )[الحجرات:13].
    ويقول الشاعر:
    لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
    فقد رفع الإسلام سلمان فارسٍ وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب
    فـأبو لهب صاحب نسب وهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد وضعه الشرك، وحطه الشرك، وخفضه الشرك، وسلمان الفارسي من الفرس، ولكن رفعه الإسلام وأعلاه الإسلام.
    قوله: [(ويا فاطمة أنقذي نفسك من النار)].
    وهذا من التخصيص؛ لأنه عم بالجد الأعلى، ثم دونه وهكذا حتى وصل إلى عبد المطلب الذي هو جده الأول، ثم بدأ بالتخصيص فذكر فاطمة ابنته باسمها.
    قوله: [(إني لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها)].
    يعني: ما تقولون نحن أقرباء الرسول عليه الصلاة والسلام فيكفينا قرابته، وإن لم نعمل ويجبر النقص، بل اعملوا، وأنقذوا أنفسكم من النار، إني لا أملك لكم من الله شيئاً.
    ومن المعلوم: أن الشفاعة أعطيت للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ادخر شفاعته لأمته يوم القيامة، لكن الشفاعة كما هو معلوم تتوقف على أمرين: إذن الله للشافع أن يشفع، ورضاه عن مشفوعه وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28]، فإذا أذن الله للشافع أن يشفع ورضي عن المشفوع له، فعند ذلك تكون الشفاعة؛ لأن الشفاعة لله عز وجل.
    قوله: [(غير أن لكم رحماً)]، أشار إلى أن بينه وبينهم رحم سيصلها في هذه الحياة الدنيا، يعني: يصل هذه الرحم يبلها ببلالها، والبلال قيل: هو ما يبل به الحلق، والمقصود من ذلك: أنه يحصل منه الإحسان إليهم كما يحصل الإحسان إلى من يسقى ماءً فيبل حلقه بذلك الماء، فيكون أحسن إليهم بصلتهم بقدر ما يستطيع سواء كان بالمال أو بغير المال، وأما الشفاعة فإنها تكون لكل مؤمن.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في إنذاره صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد مر ذكره.
    [عن عبد الملك بن عمير].
    وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن موسى بن طلحة].
    هو موسى بن طلحة بن عبيد الله، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.

    شرح حديث أبي هريرة في إنذاره صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا عبيد الله بن موسى أنبأنا إسرائيل عن معاوية وهو ابن إسحاق عن موسى بن طلحة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا بني عبد مناف! اشتروا أنفسكم من ربكم إني لا أملك لكم من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب، اشتروا أنفسكم من ربكم إني لا أملك لكم من الله شيئاً، ولكن بيني وبينكم رحم أنا بالها ببلالها)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم أو أخصر مما تقدم، وقوله: [(اشتروا أنفسكم)] يعني: اعملوا الأعمال الصالحة التي تنقذون أنفسكم بعد رحمة الله تعالى بسببها من عذاب الله عز وجل، فاشتروها بأن تعملوا الأعمال الصالحة، وتبتعدوا عن الأعمال التي توصلكم إلى النار، فتكونوا بذلك ربحتم، وأفلحتم، وفزتم بالسعادة.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في إنذاره صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبيد الله بن موسى].
    مر ذكره.
    [أنبأنا إسرائيل].
    هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن معاوية بن إسحاق].
    صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في القدر، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما.
    والحديث مرسل، ولكنه كما هو معلوم الحديث الذي قبله فيه بيان الواسطة فهو صحيح بما قبله.

    شرح حديث أبي هريرة في إنذاره صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعال: [أخبرنا سليمان بن داود عن ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أنزل عليه وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] قال: (يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب! لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب! لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد! سليني ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم إلا أن فيه ذكر بعض الأشخاص الذين خصهم الرسول عليه الصلاة والسلام، وهم: عمه، وعمته، وابنته، وهذا من التخصيص والتعميم؛ لأن التعميم كما مر في بعض الروايات السابقة، أن ذكر أجداداً له ونسلهم، وهنا ذكر عدداً من أقربائه بأسمائهم وهم من أقرب أقربائه.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في إنذاره صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا سليمان بن داود].هو سليمان بن داود أبو الربيع المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني سعيد بن المسيب].
    وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وأبو سلمة بن عبد الرحمن].
    وأبو سلمة كذلك أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث أبي هريرة في إنذاره صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا أوصى لعشيرته الأقربين.أخبرنا محمد بن خالد حدثنا بشر بن شعيب عن أبيه عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أنزل عليه وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] فقال: يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد مناف! لا أغني عنكم من الله شيئاً يا عباس بن عبد المطلب! لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة! سليني ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً)].
    المقصود من الحديث أنه إذا أوصى لعشيرته الأقربين، فإنه يعمهم ولا يختص بأحدٍ دون أحد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أنزل عليه: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] عم وخص فكان الحكم عاماً وخاصاً، فلا يكون لأحد دون أحد، ولهذا عمم في الخطاب والنداء وخص أقرباءه الذين هم من أخص الناس به عليه الصلاة والسلام، وأنذرهم وأخبرهم بأن عليهم أن يعملوا الأعمال الصالحة، وأن يشتروا أنفسهم من الله، وذلك بفعل الطاعات والابتعاد عن المعاصي، وأن كل واحد منهم يقدم الأعمال الصالحة؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] وألا يعولوا على النسب وعلى القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) أي: من أخره عمله عن دخول الجنة فليس نسبه هو الذي يسرع به إلى الجنة، ولهذا قال: يا معشر قريش أولاً، فذكر أعم شيء وهو القبيلة؛ لأنه من قريش، وقد بين عليه الصلاة والسلام اصطفاء الله عز وجل من بني إسماعيل قريشاً، ومن قريش بني هاشم، ومن بني هاشم محمداً عليه الصلاة والسلام، ثم بعد أن ذكر قريشاً وخاطبهم قال: يا معشر قريش، وهذا يعم أولاد أبيه الحادي عشر، وهو: فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، بعد ذلك ذكر واحداً من آبائه القريبين وهو: عبد مناف، وقال: يا بني عبد مناف، وعبد مناف، هو: أبو هاشم، وأبو عبد شمس، وأبو نوفل، وأبو المطلب، أي: أن هؤلاء الأربعة أولادهم هم أولاد عبد مناف، فهو خطاب لهؤلاء جميعاً.
    ثم ذكر ثلاثة من أخص الناس به، وهم عمه العباس، وعمته صفية، وابنته فاطمة، وكل يقول له: اشتر نفسك من الله لا أغني عنك من الله شيئاً، وقال لـفاطمة: سليني ما شئت لا أغني لك من الله شيئاً، يعني: سليني عن الشيء الذي أقدر عليه من أمور الدنيا، أما بالنسبة لأمور الآخرة فإن على كل إنسان أن يعمل الأعمال الصالحة، وأن يتقرب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة ليجد ذلك أمامه كما قال الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [الزلزلة:7] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:8].
    والحديث سبق أن مر من طرق متعددة، وهذه واحدة من تلك الطرق.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في إنذاره صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا محمد بن خالد].هو محمد بن خالد بن خليل، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا بشر بن شعيب].
    هو بشر بن شعيب بن أبي حمزة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، والترمذي، والنسائي، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب في ترجمة هذا الرجل: أن ابن حبان نقل عن البخاري كلمة حيث قال: قال البخاري: تركناه هكذا، وقد أخطأ ابن حبان في نقل هذه الكلمة عن البخاري؛ لأن البخاري قال: تركناه حياً سنة 212هـ وهذا من القدح، لكن كلمة تركناه هكذا قدح شديد، يعني: البخاري تركه، ولا يروي عنه، وإنما البخاري قال: تركناه حياً، معناه: أنه آخر عهده به أنه رآه سنة 212هـ حياً، وهذا آخر عهده به، هذا هو المقصود من كلمة البخاري، وليس فيها قدح، ولكن ابن حبان أخطأ حيث وهم في نقله عن البخاري أنه قال: تركناه دون أن يضيف إليها شيئاً.
    والواقع أنه مضاف إليها شيء، وبدون إضافة الشيء إليها تكون قدحاً شديداً، والواقع أنه لا قدح من البخاري.
    [عن أبيه].
    هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    وهو تابعي من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [وأبو سلمة].
    هو: ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [أن أبا هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً رضي الله عنه وأرضاه.

    شرح حديث عائشة في إنذاره صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا أبو معاوية حدثنا هشام وهو: ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لما نزلت هذه الآية وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا فاطمة ابنة محمد، يا صفية بنت عبد المطلب! يا بني عبد المطلب! لا أغني عنكم من الله شيئا، سلوني من مالي ما شئتم)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، في معنى حديث أبي هريرة المتقدم، وهو يتعلق بإنذار الرسول عليه الصلاة والسلام وامتثاله لأمر ربه قوله: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] فإنه أنذرهم، وعم وخص وكان ممن خصه عمه، وعمته، وابنته فاطمة، وقال لهم: سلوني من مالي ما شئتم لا أغني عنكم من الله شيئاً، معناه: بالنسبة للدار الآخرة اشتغلوا، اجتهدوا، اعملوا، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8] كما قال الله عز وجل وكما قال في الحديث القدسي: (يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إنذاره صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه.
    [أنبأنا أبو معاوية].
    هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام وهو: ابن عروة].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    وهو عروة بن الزبير، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    إذا مات الفجأة هل يستحب لأهله أن يتصدقوا عنه


    شرح حديث التصدق عن الأم التي افتلتت نفسها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا مات الفجأة هل يستحب لأهله أن يتصدقوا عنه. أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن القاسم عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن أمي افتلتت نفسها، وإنها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم فتصدق عنها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [إذا مات الفجأة هل يستحب لأهله أن يتصدقوا عنه] يعني: إذا مات فجأة، ولم يصبه مرض يتمكن معه من أن يرى أنه أقبل على الآخرة، ويستعد للموت بأن يوصي، ولكنه مات دون أن يوصي ودون أن يتصدق؛ دون أن يخرج شيئاً يتصدق به أو يوصي بشيء من ماله يتصدق به، هل يستحب لأهله أن يتصدقوا عنه؟ نعم يستحب لهم أن يتصدقوا عنه، قوله: [هل يستحب]، يعني: أنه ما يجب إنما يستحب.
    أورد النسائي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: [(إن أمه أفتلتت نفسها)] معناه: أنها ماتت وخرجت نفسها فجأة، وهذا هو المقصود من الترجمة، قوله: [(وأراها لو تكلمت تصدقت)]، يعني: لو أصابها مرض وتمكنت من الكلام في أثنائه لتصدقت، ولكنها ماتت فجأة لم تتمكن من أن تعمل شيئاً، أفينفعها أن يتصدق عنها؟ قال عليه الصلاة والسلام: نعم. فتصدق عنها نفذ الشيء الذي هم به وأراده. وهذا يدلنا أولاً: على ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام من الحرص على نفع أقربائهم، وعلى بر آبائهم، وأمهاتهم، لأن هذا الرجل جاء يسأل: هل ينفعها أن يتصدق عنها بعد أن ماتت؟ وفيه أيضاً دليل على أن الصدقة عن الميت تنفع، وأنها ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكون الإنسان يتصدق عن قريبه عن أمه، أو أبيه، أو غيرهم فإن ذلك ينفعه؛ لأن الصدقة على الأموات سائغة، جاءت بها السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وفي غيره من الأحاديث، وقد جاء أيضاً انتفاع الميت بأعمال الأحياء فبما يتعلق بالحج والعمرة، وكذلك فيما يتعلق بالدعاء، وكذلك فيما يتعلق بالصيام يعني: صيام الواجب، وكذلك قضاء النذر، كل هذا جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى من أراد أن ينفع موتاه أن ينفعهم في حدود ما ورد، وقد اختلف العلماء، في ما لم يرد فيه شيء هل يقاس على غير ما ورد؟ أو يقتصر على ما ورد؟ قولان لأهل العلم، منهم من قال: إنه يقاس على الأعمال التي ما وردت مثل قراءة القرآن وإهداء ثوابه للأموات، وهو لم يرد فيقاس على ما ورد، ومنهم من قال: إنه يقتصر على ما ورد، ومن أراد أن ينفع موتاه فلينفعهم في حدود الوارد، ولا شك أن من اقتصر على ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو متمسك بالدليل ولا إشكال في الحجة معه، وأما القياس: فهو محل نظر، من العلماء من قاس ومنهم من لم يقس، والذين قالوا بالقياس قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو سئل لأجاب، سئل عن أشياء معينة فأجاب، ولم يسئل عن أشياء معينة ولو سئل عنها لأجاب، وقولهم: لو سئل عنها لأجاب هذا غير مسلم؛ لأن الجواب قد يخالف الشيء الذي أجاب به، وقد ورد لذلك نظائر، الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء من لحم الغنم فقال: إن شئتم، وسئل عن الوضوء من لحم الإبل فقال: (توضئوا من لحوم الإبل) فلو سأل السائل واقتصر على واحدة منهما ولم يسأل عن الأمر الثاني هل يقال: إن هذا الذي لم يسأل عنه مثل الذي سئل عنه مع أن الجواب مختلف، فقولهم: إنه لو سئل عن الأمور الأخرى لأجاب هذا غير مسلم، وهناك فرق بين هذا وهذا، ولا شك أن من اقتصر على ما وردت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ظفر بالدليل، وسعد بالدليل، ونفع موتاه في أمرٍ جاءت به السنة وفي أمرٍ محقق، وأما ما عدا ذلك فالأمر فيه ليس بواضح، والأولى والأفضل للإنسان أن ينفع موتاه في حدود ما ورد، لا سيما الصدقة التي شأنها عظيم وأمرها عظيم، وبعض الناس يذهب يستأجر أناساً يقرءون القرآن ليهدوا ثوابه للأموات، ولو أنه تصدق بهذه الصدقة عن الأموات، وأعطاها للفقراء والمساكين، لا لهؤلاء الذين يتكسبون بالقرآن، لكان في ذلك اتباع للسنة، وكان في ذلك فعل الشيء المحقق وصوله إلى الأموات بثبوت السنة فيه عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث التصدق عن الأم التي افتلتت نفسها


    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام، المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (هل ينفعها أن أتصدق عنها ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أنبأنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم عن مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: (خرج سعد بن عبادة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض مغازيه وحضرت أمه الوفاة بالمدينة فقيل لها: أوصي، فقالت: فيم أوصي؟ المال مال سعد، فتوفيت قبل أن يقدم سعد، فلما قدم سعد ذكر ذلك له، فقال: يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، فقال سعد: حائط كذا وكذا صدقة عنها لحائط سماه)].أورد النسائي حديث سعد بن عبادة أو سعيد بن سعد بن عبادة أنه كان في بعض المغازي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أمه مرضت وطلب منها أن تتصدق فقالت: بأي شيء أتصدق؟ المال مال سعد وماتت، ولما قدم سعد وأخبر بما حصل، جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسأله: هل ينفعها أن يتصدق عنها؟ قال: نعم، فتصدق لها بحائط كذا وكذا، معناه: أن هذا الذي كنى عنه كذا وكذا صدقة لأمه، وأنه سماه الحائط الفلاني، والحائط الفلاني، ولكنه لم يسمه هنا بالرواية، ولكن قال: كذا وكذا اختصاراً وعدم تعيين، فالحديث يدل على ما دل عليه ما تقدم من الصدقة عن الميت، إلا أن الأول مطابق للترجمة من حيث الفجأة وموت الفجأة، وأما هنا فليس الموت فجأة، وهو يدل على أنه ينفع الميت إذا تصدق عنه سواء مات فجأة أو ليس بفجأة، فالأول فيه أنها ماتت فجأة: افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت، وأما هنا فمرضت، وكان ابنها غائباً وقيل لها تصدقي، فقالت: المال مال سعد مالي شيء أتصدق به، ولما ماتت في غيبة ابنها جاء ابنها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال الذي قال، وسأله: هل ينفعها أن يتصدق عنها؟ فدل هذا على الصدقة عن الميت، سواء افتلتت نفسه ومات فجأة، أو مات غير فجأة، وأن كل ذلك ينفع، وأن الصدقة على الأموات نافعة مطلقاً، وقد جاءت فيها السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (هل ينفعها أن أتصدق عنها ...)

    قوله: [أنبأنا الحارث بن مسكين].الحارث بن مسكين المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن القاسم عن مالك].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل].
    هو سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده، جاء عند المزي في تحفة الأشراف ذكره من مسند سعد، وذكره من مسند سعيد عن أبيه، وسعيد صحابي صغير، وأما سعد فهو صحابي معروف وهو سيد الخزرج؛ لأن الأوس والخزرج هما قبيلتا الأنصار، وسيد الأوس: سعد بن معاذ الذي استشهد يوم الخندق، ومات بسبب الجراح التي حصلت له، وكان يعوده النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وكان في الخيمة، وبعد ذلك سأل الله عز وجل إذا لم يبق شيء يحصل فيه مقاتلة للمشركين أنه يفجر هذا الجرح، فانفجر جرحه، ومات بسببه، فكان شهيداً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو كذلك الذي حكم في بني قريضة، وأما سعد بن عبادة فهو سيد الخزرج، وقد عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي همت الأنصار أن يجعلوه خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اجتمعوا في السقيفة، وأرادوا أن يؤمروه حتى جاءهم المهاجرون وأخبروهم أن الأمر في قريش، وعند ذلك اتفقوا على بيعة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    وسعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده، وأما أبوه فهل هو أبوه القريب الذي هو: عمرو بن شرحبيل وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي، أو أنه سعيد الصحابي الصغير، أخرج حديثه النسائي وابن ماجه، أما سعد بن عبادة، فقد أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    وهذا الحديث جاء بطرق أخرى في قصة سعد وتصدقه عن أمه وهي ثابتة، ومنها ما سيأتي، فالحديث هذا ثابت كما أن غيره مما سيأتي ثابت.


    الأسئلة


    الأشياء التي تفعل للميت

    السؤال: بالنسبة للأشياء التي تفعل عن الميت لو ذكرتموها مرة ثانية؟

    الجواب: الأشياء التي وردت بها السنة: الصدقة، والحج، والعمرة، وكذلك الدعاء، والاستغفار، وكذلك الصوم الواجب عن الميت يعني: سواء كان فرضاً فرضه الله الذي هو شهر رمضان، أو نذر نذره على نفسه، فإنه يؤدى عنه، هذا هو الذي وردت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما عداها قاسه بعض العلماء، والأولى الاقتصار على ما ورد.

    مداخلة: يريد أن يحج عنه حجاً نفلاً؟
    الشيخ: يجوز، ما دام أنه ثبت بالنيابة في الأصل، فيجوز سواء حج عنه فرضاً أو حج عنه نفلاً.
    مداخلة: بالنسبة للأضحية تدخل في الصدقة أو أنه شيء خاص؟
    الشيخ: الأضحية يمكن أن تدخل؛ لأنه ورد دخولها في العموم، في أضحية الرسول عن أمته عن من لم يضح من أمته، ومن المعلوم أن من لم يضح من أمته فيهم الأحياء وفيهم الأموات، فهذا يدل في الجملة على أنه يضحى عن الأموات، والأضحية صدقة، ويضاف إلى كونها صدقة أنها قربة، وهي سفك الدم تقرباً إلى الله عز وجل.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #474
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الوصايا

    (471)

    شرع التصدق عن الميت، وإيفاء النذر عن الميت إن كان عليه نذر، كما أن من أفضل القربات إلى الله تعالى التصدق بالماء عند الحاجة الشديدة.

    فضل الصدقة عن الميت
    شرح حديث: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل الصدقة عن الميت.
    أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل حدثنا العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: فضل الصدقة عن الميت ومعناها: الأحاديث التي مرت وفيها إثبات الصدقة وأنه يتصدق عن الميت، وهذا فيه إثبات فضلها، وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في قوله عليه الصلاة والسلام: [(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له)].
    الصدقة الجارية هي محل الشاهد من إيراد الحديث، فهذه الصدقة الجارية إذا خلفها بأن يكون وقف شيئاً دائماً في حياته وبعد وفاته فإنها تصرف ثمرتها في وجوه الخير، ويعود نفعها عليه باستمرار فهذه صدقة جارية أي: مستمرة، هي غير منتهية كأن يكون إنسان أعطى مائة ريال لفقير انتهت هذه الصدقة، لكنه لو يوقف عمارة تؤجر وإجارتها في كل سنة يتصدق بها على الفقراء والمساكين، ويأتي نفعها، وريعها باستمرار، فهي صدقة جارية، أو يوقف بستان نخل في كل سنة ثمرته يتصدق بها عنه أو عن غيره، وسواء كان هذا النفع منه بأن وقف في حياته، أو أوصى به بعد وفاته في حدود الثلث في أمرٍ يكون صدقة جارية، كمسجد يبنى، وينتفع الناس بالصلاة فيه بصفة مستمرة، كل ذلك شيء جارٍ، أو غيره تصدق عنه بصدقة جارية، وهذا هو الذي يدخل تحت الترجمة؛ لأن الترجمة: فضل الصدقة عن الميت، معناه: أن الصدقة الجارية إذا فعلها غير الميت عن الميت تنفعه، والحديث يشمل ما إذا كان الإنسان عمل صدقة جارية إما وقفاً أو وصيةً بعد موته، أو غيره يتصدق عنه بصدقة جارية؛ لأن الصدقة عن الميت تنفع سواء كانت جارية مستمرة أو منتهية.
    فالمقصود أن النسائي رحمه الله أتى بهذا اللفظ العام الذي يشمل ما إذا تصدق هو بصدقة جارية في حياته، أو بعد وفاته أو تصدق عنه غيره بصدقة جارية، فكل ذلك ينفعه؛ لأن الصدقة عن الأموات تنفعهم سواء كانت محددة ومؤقتة أو مستمرة ودائمة: [(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به)] بأن يكون له تلاميذ أخذوا عنه وأعطوا لمن وراءهم فيكون هذا النفع الذي يحصل من تلاميذه من بعده يرجع إليه، فهم يثابون وهو يثاب؛ لأنه هو الذي تسبب في وصول هذا العلم إليهم، وكذلك إذا ألف مؤلفات وبقيت بعده، وتناقلها الناس، وتداولها الناس واستفاد منها الناس، فإن هذا علم ينتفع الإنسان.
    قوله: [(أو ولد صالح يدعو له)]؛ لأن الولد الذي يدعو له هو سبب وجوده، فينفعه دعاء ولده وولد ولده له بصفة دائمة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ...)

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].
    هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن إسماعيل].
    هو: إسماعيل بن جعفر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن العلاء].
    هو العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الرحمن بن يعقوب، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    فضيلة الصدقة عن الميت

    مداخلة: أحسن الله إليك، هل في هذا الحديث دليل على أن الصدقة عن الميت والدعاء له أفضل من الاعتمار والحج عنه؟
    الشيخ: لا شك أن الصدقة أفضل لأن نفعها متعدٍ، والحج فيه نفع متعدٍ لكنه ليس كالصدقة التي هي الفاقة وسد الحاجة، والكل فيه خير كثير، لكن ورد من الحث على الصدقة ما لم يرد فيما يتعلق بالحج، ولا شك أن الصدقة تطفئ الخطيئة، وهي وقاية من النار، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) فالصدقة شأنها عظيم، وسد العوز وسد الفاقة هذا أمر عظيم، وتصدق الإنسان أو التصدق عنه أولى من الحج عنه، وإن جمع بين الاثنين فخير إلى خير ونور إلى نور.

    انتفاع الميت بدعاء الأحياء من غير أولاده

    مداخلة: وهل في قوله: (وولد صالح يدعو له) قيد؟
    الشيخ: الذي يبدو أنه ليس بقيد؛ لأنه إذا وجد له أناس آخرون يدعون له وهم ليسوا من أولاده فإن ذلك ينفعه؛ لأن دعاء الأحياء للأموات ينفعهم مطلقاً، سواء كانوا أولاداً أو غير أولاد، لكن نص على الولد؛ لأنه به أخص، ومن بره أن يدعو لأبويه ولا يقال: إن هذا لا يكون، لكن في الغالب أن الأبناء هم الذين يكون استغفارهم ودعاؤهم لآبائهم مستمراً، فخيرهم لو وجد فإنه يعود إليه وينفعه ولكن ليس هذا حصراً على ولده، فإذا وجد مثلاً من تلاميذه، أو من أقربائه ومن له به علاقة، ومن بينه وبينه صداقة شديدة ومحبة ووفاق وكان يدعو له بصفة دائمة ينفعه، والصالح هو الذي من شأنه الدعاء بخلاف الطالح، فإن الطالح لا ينفع نفسه ولا ينفع غيره.

    شرح حديث: (... إن أبي مات وترك مالاً ولم يوص فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر أنبأنا إسماعيل عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن أبي مات وترك مالاً ولم يوص، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم)].
    أورد النسائي حديث أبي هريرة، وأن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: إن أباه مات وترك مالاً ولم يتصدق، أفينفعه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم، وهذا يدلنا على ثبوت الصدقة على الأموات، وأنه ينفع الأموات أن يتصدق عنهم الأحياء، لكن ليس فيه شيء يدل على الفضل؛ لأن هذا سأله هل ينفعه أو لا ينفعه؟ فقال: إنه ينفعه، لكن الفضل هو في الحديث الذي تقدم (إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، ولا شك أن هذا فيه فضل، لكن كونه فيه حنث ليس فيه شيء، وإنما فيه استفتاء وإفتاء بأنه ينفعه، فهو يدل على الفضل من ناحية أن فيه براً وإحساناً، أما أن يكون فيه شيء قاله الرسول ابتداءً يرغب فيه، ويدل على عظم فضله ما فيه شيء يدل عليه، ولكن يدل على أنه ينفع، ولا شك أنه إذا كانت الصدقة تنفع الأموات بعد موتهم من الأحياء فهذا فيه فضل؛ لأن فيه براً، وإحساناً من الحي للميت.
    وقوله: فهل يكفر عنه؟ يدل على الفضل، ويحتمل أن يكون المقصود يكفر الخطايا، ويحتمل أن يكون مقصوده: يكفر عن كونه ما تصدق، أو كونه ما أخرج شيئاً، فيكون هذا عوضاً عن الشيء الذي فاته أن يفعله، وهو أنه يتصدق، ولا شك أن قوله: هل يكفر؟ بعمومها تدل على الفضل؛ لأن تكفير السيئات فيه ولا شك.
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر عن إسماعيل].
    وقد مر ذكرهما.
    [ عن العلاء ].
    العلاء، وقد مر ذكره
    [ عن أبيه عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (... إن أمي أوصت أن تعتق عنها رقبة، وإن عندي جارية نوبية أفيجزئ عني أن أعتقها عنها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا موسى بن سعيد حدثنا هشام بن عبد الملك حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن الشريد بن سويد الثقفي رضي الله عنه أنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: إن أمي أوصت أن تعتق عنها رقبة، وإن عندي جارية نوبية أفيجزئ عني أن أعتقها عنها؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: من ربك؟ قالت: الله، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: فأعتقها، فإنها مؤمنة)].
    أورد النسائي حديث الشريد بن سويد: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أن أمه أوصت أن يعتق عنها رقبة، وكأن من شأن هذه الرقبة أن تكون مؤمنة، ولما قال له: إن عندي جارية، قال: ائتني بها، فسألها عن ربها وعن نبيها فأجابت: بأن ربها الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيها، فقال: أعتقها، فإنها مؤمنة، والحديث يدل أيضاً على الإعتاق عن الأموات ينفعهم، وهذا الحديث يدل عليه؛ لأن المرأة أوصت أن يعتق عنها، وابنها استفتى هل ينفعها أن يعتق عنها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ينفعها، فهذا أيضاً مما وردت به السنة فيما ينتفع به الأموات من سعي الأحياء.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن أمي أوصت أن تعتق عنها رقبة، وإن عندي جارية نوبية أفيجزئ عني أن أعتقها عنها...)

    قوله: [أخبرنا موسى بن سعيد ].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن هشام بن عبد الملك ].
    هو هشام بن عبد الملك الطيالسي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حماد بن سلمة ].
    هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن محمد بن عمرو ].
    هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقد مر ذكره.
    [عن الشريد بن سويد ].
    صحابي، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.

    حديث الباب غير حديث معاوية بن الحكم السلمي مع الجارية

    مداخلة: هل هذا الحديث هو نفسه ذاك الذي فيه أنه سألها: أين الله؟
    الشيخ: لا، ذلك غير، ذاك حديث آخر.
    مداخلة: ما قولكم في قول السندي: (فإنها مؤمنة) يفيد أنه لا حاجة في الإيمان إلى البرهان بل التقليد كاف؟
    الشيخ: نعم، الرسول ما سألها وإنما اكتفى بأن قال: من ربك ومن نبيك؟ فإقامة البرهان من كل من يدخل الإسلام، واشتراط العلم والأدلة غير صحيحة؛ لأنه لو كان لازماً لسأل عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فكلام السندي صحيح، فالمسلم ينشأ على الإسلام وأبواه ينشآنه على الفطرة؛ لأنه يولد عليها، وإذا كانوا ضلالاً حرفوه عن الفطرة، ولكنه لابد أنه ينشأ شيئاً فشيئاً، ويحصل المعلومات، ويتعلم ويعرف أصول الإيمان، ويعرف ما هو مطلوب منه تدريجياً، لكن العوام كما هو معلوم ما عندهم إلا أنهم نشأوا على الفطرة وعاشوا مع المسلمين الذين يؤمنون بما يؤمنون به.
    ثم أيضاً من المعروف عن المتكلمين أن الدخول في الإسلام عندهم لابد فيه من أمور قبل الإسلام كالنظر أو القصد إلى النظر، ثم بعد ذلك يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويدخل في الإسلام، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال لـمعاذ: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله )، فما قال له: مرهم أن ينظروا، وأن يفكروا أولاً ولا يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بعد أن يحصل منهم هذا وهذا، بل عليهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وبذلك يدخلون الإسلام.

    حديث (... إن أمي ماتت ولم توص أفأتصدق عنها؟ قال: نعم) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسين بن عيسى أنبأنا سفيان عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن سعداً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي ماتت ولم توص أفأتصدق عنها؟ قال: نعم)].
    أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة سعد بن عبادة وقد مر، وقد أخبر عن أمه أنها ماتت، ولم توص، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، وهو مثل الطريق السابقة التي مرت في أن الصدقة عن الميت تنفعه.
    قوله: [أخبرنا الحسين بن عيسى].
    صدوق، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن سفيان ].
    هو سفيان بن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو].
    هو عمرو بن دينار المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عكرمة].
    هو عكرمة مولى ابن عباس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (إن أمي توفيت، أفينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن الأزهر حدثنا روح بن عبادة حدثنا زكريا بن إسحاق حدثنا عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس (أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن أمه توفيت أفينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، قال: فإن لي مخرفاً، فأشهدك أني قد تصدقت به عنها)].
    أورد النسائي حديث ابن عباس وهو مثل ما تقدم والرجل مبهم، ويبدو أنه سعد بن عبادة، وهو متفق مع ما تقدم من أنه تصدق عنها بحائط وببستان؛ لأن سؤاله عن أن أمه ماتت ولم توص وينفعها أن يتصدق عنها وأجابه أنه تصدق بمخرف وهو: البستان أو النخل.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن الأزهر].
    صدوق، أخرج له النسائي، وابن ماجه.
    [عن روح بن عبادة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن زكريا بن إسحاق ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس].
    وقد مر ذكر الثلاثة.

    شرح حديث سعد بن عبادة: (إن أمي ماتت وعليها نذر أفيجزئ عنها أن أعتق عنها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا عفان حدثنا سليمان بن كثير عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن سعد بن عبادة رضي الله عنهم أجمعين (أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر أفيجزئ عنها أن أعتق عنها؟ قال: أعتق عن أمك)].
    أورد النسائي حديث ابن عباس في قصة سعد بن عبادة أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: [(إن أمي ماتت وعليها نذر أفيجزئ عنها أن أعتق عنها؟ قال: أعتق عن أمك)]
    يعني: كأنه كان عليها نذر عتق، فسأل عن ذلك، فقال له رسول الله: (أعتق عن أمك)].
    وهذا يدل على الوفاء بالنذر عن الميت، إذا كان عتقاً.

    تراجم رجال إسناد حديث سعد بن عبادة: (إن أمي ماتت وعليها نذر أفيجزئ عنها أن أعتق عنها)

    قوله: [أخبرني هارون بن عبد الله].
    هو الحمال البغدادي، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن عفان ].
    هو عفان بن مسلم الصفار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سليمان بن كثير ].
    لا بأس به في غير الزهري، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهنا يروي عن الزهري ولكن لا يؤثر؛ لأن كلام ابن حجر في روايته عن الزهري شيء، والحديث جاء من طرق متعددة من غير هذا الطريق، فلا يؤثر كونه يرويه عن الزهري.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [عن عبيد الله بن عبد الله ].
    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، تابعي، ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عباس عن سعد بن عبادة ].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث سعد بن عبادة: (أنه استفتى النبي في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن أحمد أبو يوسف الصيدلاني حدثنا عيسى وهو ابن يونس عن الأوزاعي عن الزهري أخبره عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن سعد بن عبادة (أنه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقضه عنها)].
    أورد النسائي حديث سعد بن عبادة من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، إلا أنه ما فيه ذكر تعيين النذر، والذي مر أنه عتق، وقد أمره بأن يقضي عنها، وهو يدل على أن النذر يقضى عن الميت.
    قوله: [أخبرنا محمد بن أحمد أبو يوسف الصيدلاني].
    ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    وهو: محمد بن أحمد وليس محمد بن محمد.
    [حدثنا عيسى وهو ابن يونس ].
    وعيسى الأولى زائدة (عن عيسى قال: حدثنا عيسى وهو ابن يونس) هذه زائدة ليست موجودة في السنن الكبرى، وفي السنن الكبرى أحمد بدل محمد، والخطأ هو في الذي بين أيدينا لا من جهة اسم الأب، ولا من جهة زيادة عن عيسى ، ومحمد بن أحمد أبو يوسف الصيدلاني يروي عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أ صحاب الكتب الستة.
    [عن الأوزاعي].
    هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي فقيه الشام، ومحدثها، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن سعد بن عبادة ].
    وقد مر ذكر الأربعة.

    حديث سعد بن عبادة: (أنه استفتى النبي في نذر كان على أمه فماتت قبل أن تقضيه ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن صدقة الحمصي حدثنا محمد بن شعيب عن الأوزاعي عن الزهري أنه أخبره عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن سعد بن عبادة (أنه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه، فماتت قبل أن تقضيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقضه عنها)].
    أورد النسائي حديث سعد بن عبادة من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم استفتاء سعد عن قضاء النذر عن أمه وقد أفتاه بأن يقضي النذر عنها.
    قوله: [أخبرنا محمد بن صدقة الحمصي].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن محمد بن شعيب].
    صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [عن الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن سعد بن عبادة].
    وقد مر ذكر الخمسة.

    حديث ابن عباس: (استفتى سعد رسول الله في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي حدثنا الأوزاعي أخبرني الزهري أن عبيد الله بن عبد الله أخبره عن ابن عباس قال: (استفتى سعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقضه عنها)].
    أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى وهو يتعلق باستفتاء سعد بن عبادة عن نذر كان على أمه وأن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاه بأن يقضي عنها.
    قوله: [أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد].
    صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن أبيه].
    ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس].
    والأربعة مر ذكرهم.
    ذكر الاختلاف على سفيان
    حديث ابن عباس: (أن سعد بن عبادة استفتى النبي في نذر كان على أمه ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على سفيان.
    قال: الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس (أن سعد بن عبادة استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه، فقال: اقضه عنها)].
    أورد النسائي حديث ابن عباس في قصة استفتاء سعد وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [قال الحارث بن مسكين ].
    ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [ عن سفيان ].
    هو سفيان بن عيينة، وقد مر ذكره .
    [عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث سعد بن عبادة: (ماتت أمي وعليها نذر فسألت النبي فأمرني أن أقضيه عنها) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن سعد أنه قال: (ماتت أمي وعليها نذر، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أقضيه عنها)].
    أورد النسائي حديث سعد بن عبادة من طريق أخرى، وهو يتعلق باستفتائه عن نذر أمه، فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقضيه عنها.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].
    هو المقرئ المكي، ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [عن سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن سعد].
    وكل هؤلاء مر ذكرهم.

    حديث ابن عباس: (استفتى سعد بن عبادة الأنصاري رسول الله في نذر كان على أمه...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه قال: (استفتى سعد بن عبادة الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقضه عنها)].
    أورد النسائي حديث ابن عباس في قصة استفتاء سعد، وهو يتعلق بالنذر على أمه، وإفتاء النبي صلى الله عليه وسلم إياه بأن يقضي عنها، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث ابن عباس: (جاء سعد إلى النبي فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن إسحاق الهمداني عن عبدة عن هشام هو ابن عروة عن بكر بن وائل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: (جاء سعد بن عبادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر ولم تقضه، قال: اقضه عنها)].
    أورد النسائي حديث ابن عباس في قصة نذر أم سعد بن عبادة وإفتاء النبي صلى الله عليه وسلم لـسعد بأن يقضي عنها، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا هارون بن إسحاق الهمداني].
    صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عبدة].
    هو: عبدة بن سليمان، وقد مر ذكره.
    [ عن هشام هو ابن عروة].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن بكر بن وائل ].
    صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث سعد بن عبادة: (... إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا وكيع عن هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة أنه قال: (قلت: يا رسول الله، إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء)].
    أورد النسائي حديث سعد بن عبادة حيث استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أمه ماتت وأنه يريد أن يتصدق عنها، وأي الصدقة أفضل؟ فقال: سقي الماء، يعني: أن سقي الماء إذا كان الناس محتاجين إلى الماء أفضل من غيره؛ لأن به حياة الناس، وإذا قل الماء عن الناس، ولم يتمكنوا من الحصول عليه، فإنه ينالهم الضرر البالغ، فسقي الماء عند شدة الحاجة إليه من أفضل القربات، ومن أفضل الأعمال؛ لأن به حياة الناس، والله تعالى جعل من الماء كل شيء حي.
    قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ].
    هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، ثقة، أخرج حديثه البخاري و...
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #475
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النحل والهبة

    (472)

    - (باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر النعمان بن بشير في النحل) إلى (باب ذكر الاختلاف على طاوس في الراجع في هبته)

    أمر الله تعالى الآباء بالعدل بين أبنائهم، فلا يعطي الأب أحد أولاده شيئاً يميزه عن بقية إخوانه ويدع الباقين، كما نص الشرع على تحريم أن يعود الواهب في هبته إلا الوالد مع ولده، وقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم العائد في الهبة كالكلب يعود في قيئه.

    ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر النعمان بن بشير في النحل


    شرح حديث: (... لا أشهد على جور)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا أبو نعيم حدثنا زكريا عن عامر حدثني عبد الله بن عتبة بن مسعود ح، وأنبأنا محمد بن حاتم أنبأنا حبان أنبأنا عبد الله عن زكريا عن الشعبي عن عبد الله بن عتبة بن مسعود : (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم -وقال: محمد أتى النبي صلى الله عليه وسلم- فقال: إني تصدقت على ابني بصدقة فاشهد فقال: هل لك ولد غيره؟ قال: نعم قال: أعطيته كما أعطيته قال: لا. قال: لا أشهد على جور)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عتبة بن مسعود: (أن رجلاً جاء إلى النبي، وقال: إني تصدقت على ابني بصدقة).
    يعني: هنا لم يسمّ الذي جاء، ويبدو أن القصة واحدة، وأن المقصود به: بشير بن سعد، حيث أعطى ابنه، والحديث أورد تحت نحلة بشير بن سعد لابنه النعمان، وهو مثل ما تقدم، الرسول صلى الله عليه وسلم سأل وقال: (أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ قال: لا، قال: أشهد على جور؟) يعني: هو يريد أن يشهده على تلك العطية.
    (أشهد)، يعني: حذف الاستفهام؛ لأنه أحياناً يحذف همزة الاستفهام يعني: أأشهد، فحذفت الهمزة الأولى، وبقي أشهد على جور، ولكنه يفهم من كلام الإنسان عندما ينطق به أنه استفهام، ولكن من حيث الكتابة، قد يحذف حرف الاستفهام، ولكنه مفهوم من السياق، وفي الغالب أيضاً في الكتابة يجعل علامة الاستفهام بعده، يعني: طريقة الإملاء أنها تجعل علامة الاستفهام بعد الاستفهام، سواء كان فيه همزة استفهام، أو أداة استفهام، أو ما فيه، هذا فيه استفهام إنكاري.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لا أشهد على جور)

    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان عن أبي نعيم].الشيخ أحمد بن سليمان مر ذكره، وأبو نعيم، هو الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن زكريا].
    هو زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عامر].
    هو الشعبي، وقد مر ذكره.
    [عن عبد الله بن عتبة بن مسعود].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، ثم ذكر (ح) التحويل.
    [وعبد الله بن عتبة].
    يقول ابن حجر: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ووثقه العجلي وجماعة.
    لكن ما يدل إن كونه ولد ف عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون صحابياً.
    وقد قال المزي في (تحفة الأشراف) عن النبي صلى الله عليه وسلم: وقد رآه، وهو غلام خماسي أو سداسي.
    وعلى كل، إذا كان حصلت له الرؤية فإنه يكون صحابياً، لكنه وثقه العجلي، يعني: على أساس أنه تابعي، فهو إما أن يكون صحابياً صغيراً، أو أنه ليس بصحابي، وإن ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فالمخضرمون فيهم من ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم من ولد قبل ذلك، فما دام لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعتبر صحابياً، ولكن إن لقيه وهو صغير، فهو من حيث الرؤية يعتبر صحابياً، إذا كان لا يتحمل، وإن كان يتحمل، فيكون من حيث الرؤية، ومن حيث الرواية. نعم.
    [ح وأنبأنا محمد بن حاتم].
    (ح)، وهي (ح) التحويل؛ للتحول من إسناد إلى إسناد، ومحمد بن حاتم بن نعيم المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن حبان].
    هو حبان بن موسى المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن زكريا عن الشعبي عن عبد الله بن عتبة بن مسعود].
    وقد مر ذكر هؤلاء، ولعل الفرق بين الإسنادين أنه ذكر الشعبي في إسناد، وذكر عامراً في إسناد، فيكون جاء باسمه وجاء بنسبته، والإسناد يلتقي قبل الشعبي، فالتقاء الإسنادين بعد زكريا بن أبي زائدة.
    عن الشعبي.
    لأنه جاء عامر في إسناد، وجاء الشعبي في إسناد، فالأول: فيه عامر والثاني: فيه الشعبي.

    شرح حديث النعمان بن بشير: (ذهب بي أبي إلى النبي يشهده على شيء أعطانيه...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد عن يحيى عن فطر حدثني مسلم بن صبيح سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول: (ذهب بي أبي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشهده على شيء أعطانيه، فقال: ألك ولد غيره؟ قال: نعم، وصفَّ بيده بكفه، أجمع كذا، ألا سويت بينهم)].أورد النسائي حديث النعمان بن بشير، وهو مثل ما تقدم، في قصة ذهاب أبيه به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقر تلك العطية، وأشار بيده أجمع يعني: هكذا، أي: ألا سويت بينهم، ويمكن أن يكون أشار بالنفي، وأصابعه مجتمعة، أو أنه أراد أن يسوي بينهم، كما يحصل التسوية بين الأصابع، بحيث يكون كلهم على وتيرة واحدة، إما أن يعطيهم جميعاً، وإما أن يمنعهم جميعاً، وهذا كما عرفنا بالنسبة للعطاء والتمليك، أما فيما يتعلق بالنفقة فيختلف الحكم.

    تراجم رجال إسناد حديث النعمان بن بشير: (ذهب بي أبي إلى النبي يشهده على شيء أعطانيه...)

    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد السرخسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [عن يحيى].
    هو يحيى القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن فطر].
    هو فطر بن خليفة، وهو صدوق، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن مسلم بن صبيح].
    هو أبو الضحى، مشهور بكنيته، يأتي كثيراً بكنيته، ويأتي باسمه كما هنا، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن النعمان بن بشير].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث النعمان بن بشير: (انطلق بي أبي إلى رسول الله يشهده على عطية أعطانيها...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم أنبأنا حبان أنبأنا عبد الله عن فطر عن مسلم بن صبيح قال: سمعت النعمان رضي الله عنه يقول وهو يخطب: (انطلق بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهده على عطية أعطانيها، فقال: هل لك بنون سواه؟ قال: نعم، قال: سوِّ بينهم)].أورد النسائي حديث النعمان بن بشير من طرق أخرى، وهو مثل ما تقدم، إلا أن فيه أنه كان يخطب، وهذا فيه دلالة على إعلان السنن وإبلاغها للناس؛ لأنه كان يبلغهم بهذه القصة التي حصلت له، وهو يخطب؛ لأن إعلان السنن على المنابر وبالخطب، وذكر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، يكون سبباً في إبلاغ كثير من الناس؛ لأن من يسمع الخطبة كثير لاسيما مع رفع الصوت، ومع كثرة الناس، فيكثر النقلة والآخذون لتلك السنن والأحاديث.

    تراجم رجال إسناد حديث النعمان بن بشير: (انطلق بي أبي إلى رسول الله يشهده على عطية أعطانيها...) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم عن حبان عن عبد الله عن فطر عن مسلم بن صبيح عن النعمان].وكلهم مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث: (اعدلوا بين أبنائكم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن سفيان حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حاجب بن المفضل بن المهلب عن أبيه قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما يخطب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم)].أورد النسائي حديث النعمان بن بشير، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول بعدما ذكر قصة النعمان، وإعطاء أبيه له تلك العطية، قال: [(اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم)] وجاء عند غير النسائي: (اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم) في آخر الحديث: (فلا تشهدني على جور، اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم) والتكرار: (اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم) للتأكيد.
    تراجم رجال إسناد حديث: (اعدلوا بين أبنائكم)
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن سفيان].ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن سليمان بن حرب].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد بن زيد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حاجب بن المفضل بن المهلب].
    ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن أبي].
    وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن النعمان بن بشير].
    وقد مر ذكره.
    كتاب الهبة (هبة المشاع)
    شرح حديث: (ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الهبة (هبة المشاع).أخبرنا عمرو بن يزيد حدثنا ابن أبي عدي حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أتته وفد هوازن، فقالوا: يا محمد، إنا أصل وعشيرة، وقد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فامنن علينا، من الله عليك، فقال: اختاروا من أموالكم، أو من نسائكم وأبنائكم، فقالوا: قد خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، بل نختار نساءنا وأبناءنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، فإذا صليت الظهر فقوموا، فقولوا: إنا نستعين برسول الله على المؤمنين، أو المسلمين في نسائنا وأبنائنا، فلما صلوا الظهر قاموا فقالوا ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقالت الأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة بن حصن: أما أنا وبنو فزارة فلا، وقال العباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا، فقامت بنو سليم فقالوا: كذبت، ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أيها الناس ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم، فمن تمسك من هذا الفيء بشيء فله ست فرائض من أول شيء يفيئه الله عز وجل علينا، وركب راحلته، وركب الناس، اقسم علينا فيئنا، فألجئوه إلى شجرة فخطفت رداءه، فقال: يا أيها الناس، ردوا علي ردائي، فوالله لو أن لكم شجر تهامة نعماً قسمته عليكم، ثم لم تلقوني بخيلاً، ولا جباناً، ولا كذوباً، ثم أتى بعيراً، فأخذ من سنامه وبرة بين إصبعيه، ثم يقول: ها إنه ليس لي من الفيء شيء ولا هذه إلا خمس، والخمس مردود فيكم، فقام إليه رجل بكبه من شعر فقال: يا رسول الله، أخذت هذه لأصلح بها بردعة بعير لي، فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك، فقال: أو بلغت هذه فلا أرب لي فيها فنبذها، وقال: يا أيها الناس! أدوا الخياط والمخيط، فإن الغلول يكون على أهله عاراً وشناراً يوم القيامة)].
    أورد النسائي كتاب الهبة، وقد عرفنا في الماضي أن النحل والهبة بمعنى واحد، ولعل النسائي فرق بينهما؛ لأن قصة النعمان بن بشير كثر فيها ذكر النحلة، والنحلة هي: الهبة وهي العطية، والتفريق كما أشرت بوجود ذلك في الحديث، في قصة النعمان بن بشير، وكل الأحاديث التي أوردها في ذلك الكتاب تتعلق بقصة النعمان بن بشير، وأن أباه نحله غلاماً، وفيها ذكر الطرق المختلفة في ذلك.
    وعلى هذا، فالبابان موضوعهما واحد، ومؤداهما واحد، وقال النسائي بعد ذلك: هبة المشاع، والمشاع هو: المشترك غير المتميز، معناه: إذا كان هناك مثلاً عبد رقيق بين اثنين، فإنه مشاع، وكذلك إذا كان الإنسان له قطعة أرض مشترك فيها مع آخر فهي لهما جميعاً، وكل واحدٍ منهما لا يختص بقطعة منها مهما صغرت، بل أي شيء ولو قل فلكل منهما نصيب منه، حتى يميز بالقسمة، فيما يقبل القسمة كالأرض، أما بالنسبة للعبيد، والأرقاء، فإن الاشتراك مشاع، ولا يكون إلا مشاعاً.
    وأورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، في قصة هوازن بعدما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم منهم الغنائم، وفيها النساء والأولاد، وفيها الأموال العظيمة، جاءوا تائبين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبوا منه أن يرد عليهم ما أخذ منهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام خيرهم بين أن يرد عليهم من أموالهم، أو من أبنائهم ونسائهم، قالوا: خيرتنا فنختار أحسابنا النساء والأولاد، يعني: ما دام المسألة فيها تخيير بين النساء والأولاد، وبين المال، فسنأخذ النساء والأولاد، ونخلصهم من الرق، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما كان لي وابني عبد المطلب فهو لكم)، يعني: ما يتعلق بالخمس والذي يرجع قسمته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والاستحقاق فيه للرسول صلى الله عليه وسلم ولأهل بيته، يقول: فهو لكم، وأنا متنازل عنه وأعطيكم إياه، لكن يبقى الأربعة الأخماس التي هي للغانمين، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى طريقة، وهي: أنهم إذا صلوا الظهر يقومون ويعلنون حاجتهم، ويقدمون الطلب الذي كانوا طلبوه منه بينهم وبينه، حتى يجيبهم بنفس الجواب الذي أجابهم، ثم بعد ذلك يمكن للناس أن يتابعوه، وأن يصيروا إلى ما صار إليه عليه الصلاة والسلام، فنفذوا، وهذا من نصحه صلى الله عليه وسلم، وشفقته، وحرصه على ما يعود بالخير والمنفعة.
    فقال لهم: [(إذا صليتم الظهر فقوموا وقولوا: كذا وكذا)]، يعني: هذا الكلام الذي قلتموه لي، اذكروه بعد صلاة الظهر أمام الناس، حتى يجيبهم بنفس الجواب، ويترتب على ذلك أنه إذا أجابهم بهذا الجواب الذي أعطاهم إياه بينهم وبينه إذا أجابهم به أمام الناس فإنه يمكن للناس أن يتابعوه، فتابعه المهاجرون والأنصار، ولكن بعض القبائل تمسك بحقه، فقالت الأنصار: (ما كان لنا فهو لرسول الله) يعني: نحن متنازلون، والمهاجرون قالوا كذلك والأقرع بن حابس التميمي قال: (أما أنا وبنو تميم فلا)، وعيينة بن حصن الفزاري قال: (أما أنا وبنوا فزارة فلا)، والعباس بن مرداس قال: (أما أنا وبنو سليم فلا)، فقامت جماعة من بني سليم، وقالوا: (كذبت، ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم).
    فالنبي عليه الصلاة والسلام خاطب الناس خطاباً عاماً، وقال: (يا أيها الناس، ردوا عليهم سبيهم، ومن تمسك بحقه فإنا معطوه ست فرائض من أول ما يفيء الله علينا)، والفرائض قيل: المراد بها: الإبل، وقد جاء في بعض الأحاديث، يعني: في بعض الروايات من غير النسائي وهي في الصحيحين أو في أحدهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له شيء فنحن نرد عليه من أول ما يفيء الله علينا)، يعني: الشيء الذي يستحقه، وهو سيرد لهم بنين ونساء؛ لأن هذا هو الذي اختاروه، فردوا عليهم سبيهم، وبعد ذلك أحاط الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون منه القسمة، يعني: قسمة المال، فألجؤوا النبي عليه الصلاة والسلام إلى شجرة، وهم يحيطون به، فخطفت رداءه، فقال عليه الصلاة والسلام: ردوا ردائي عليّ، فلو كان لي مثل شجر تهامة نعماً لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذوباً، يعني: أن المال مهما بلغ، ومهما كثر، فإنه لكم، وأخذ وبرة من بعير، وجعلها بين أصابعه بجانب يده، وقال: ليس لي من هذه إلا الخمس وهو مردود عليكم.
    فلما رأى رجل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ هذه الوبرة، وهي قطعة من شعر أخذها من ظهر بعير، وقال: حتى هذه ليس لي منها إلا مقدار الخمس، وكان قد أخذ شعراً يقال له: كبة، يعني: مجموعة من الشعر ملتم بعضه إلى بعض، يريد أن يصلح به برذعة بعيره، والمقصود بها: الحلس الذي يوضع تحت الركاب؛ لأن الرحل يكون من خشب، ويكون تحت الخشب وقاء، يعني: يكون بين جلد البعير وبين الخشب الذي يكون منه الرحل، هذا يسمى حلساً، ويسمى: برذعة، ويأتي غالباً ذكر البرذعة مع الحمير، وهنا جاء إطلاقها فيما يتعلق بالإبل.
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان لي منها ولبني عبد المطلب فهو لكم)، فلما رأى الأمر هكذا، مع أن هذه الوبرة ليس لها أهمية، وليس لها قيمة، ومع ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ما كان لي منها وبني عبد المطلب فهو لك، فقال: أو بلغت هذه، يعني: إلى هذا الحد، إذاً لا أرب لي فيها ورماها، معناه: أنه لا يأخذها، ما دام الأمر هكذا، وإن كان قليلاً، فإنه يعتبر غلولاً. وقال: (يا أيها الناس، أدوا الخياط والمخيط).
    أدوا الخياط والمخيط، يعني: الإبرة، والمراد أنه ولو كان شيئاً قليلاً هو مقدار إبرة، فإنه يؤدى، قال: (فإن الغلول عار وشنار على أهله يوم القيامة)، وهذا يدل على خطورة الغلول، وأنه وإن كان قليلاً فلا يحق لأحدٍ أن يأخذه، بل يتركه في الغنائم، ويقسم كما تقسم الغنائم، ففيه التحذير من الغلول.
    ومحل الشاهد من إيراد الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما كان لي ولبني المطلب فهو لكم)؛ لأنه وهبهم الشيء الذي يستحقه، والمقصود أنه من هبة المشاع؛ لأن الغنائم قبل أن تقسم مشاعة، كل واحدٍ من الغانمين، وكل من له حق، فله نصيب في كل شيء حتى يقسم، وإذا قسم وصار لكل عين يختص بها ذهبت الإشاعة، وبقي غير مشاع بل متعين.
    ومقصود النسائي من إيراد الحديث بطوله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم)، يعني: وهبهم، والمقصود أنه عند الهبة فإن كل شيء من الغنيمة فهو مشاع مشترك بين الناس، أما إذا عين لكل واحد نصيبه فإنه لا يكون مشاعاً، فحيث يختص الشخص برقيق واحد، وبعبدٍ واحد، فإنه يملكه، ولا يكون مشاعاً.
    يقول في الحديث: (وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس، ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم، فمن تمسك من هذا الفيء بشيء فله ست فرائض من أول شيء يفيئه الله).
    يعني: من تمسك بحقه ولم يتنازل؛ لأن الناس تنازل بعضهم، وبعضهم ما تنازل، فقال: الذي تمسك بحقه فكل ما أخذ منهم من السبي فإنه يرد، والذي طابت نفسه وتنازل عن ماله فقد انتهى أمره، أما من لم يرد مثل الأقرع بن حابس، ومثل عيينة بن حصن الذين كل واحد منهم قال: لا، قال: إننا معطوه من أول ما يفيئه الله لنا ست فرائض، وبعض الأحاديث ليس فيه ذكر ست فرائض وإنما فيه نرد عليه، يعني: استحقاقه، أو مثل ما أخذ منه في أول فيء يفيئه الله علينا، والحديث ورد في البخاري وفي غيره، وكان فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لهم: إن هؤلاء جاءوا تائبين، وإننا نريد أن نرد عليهم فيئهم، فمن منكم طيب، قالوا: طيبنا، طيبنا، يا رسول الله، معناه: كلنا سمحنا، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا ندري من طيب ومن لم يطيب، لكن ليذهب عرفاؤكم، وليأت إلينا عرفاؤكم يعني: كل واحد يأتي عن جماعته يخبر بالذي حصل، من طيب فذاك، ومن لم يطيب يعني: نفسه ما طابت فإنا سنرد عليه، لكن هؤلاء يرجع لهم ما أخذ منهم من السبي، ولكننا نعوض من لم تسمح نفسه، ولم تطب نفسه، نعوضه من أول ما يفيء الله علينا.
    قوله: (وركب راحلته وركب الناس، اقسم علينا فيئنا).
    ركب راحلته، يعني: يريد أن يمشي، والناس ركبوا، وأحاطوا به يقولون: اقسم المال.
    وهؤلاء هم أصحاب الغنائم، ليسوا هوازن؛ لأن هوازن كل من أخذ منه أهله وأولاده فسيرجعون إليه، ولا قسمة لهم، وإنما قسمة المال، لأصحاب الغنائم الذين استحقوها؛ لأنه أعطاهم النساء والأولاد، وبقي المال ما أعطاهم إياه، وسيقسم، ولهذا أعطى على مائة من الإبل تأليفاً للقلوب.
    فالمقصود بالقسمة الغانمون الذين بقي لهم المال، وذهب النساء والأطفال، فهم يريدون أن يقسم المال عليهم.
    قوله: (ليس لي إلا الخمس، والخمس مردود فيكم).
    (مردود فيكم) معناه: هو في مصالح أهل البيت، وفي مصالح المسلمين.
    وما كان منه للرسول فهو ينفقه في سبيل الله عز وجل، يعني: هو يقسم أقسام، له ولذي القربى يعني: الجهات التي ذكرها الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن يزيد].هو عمرو بن خالد بن يزيد، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن ابن أبي عدي].
    هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد بن سلمة].
    ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن محمد بن إسحاق].
    هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمرو بن شعيب].
    هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وجزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جده].
    هو عبد الله بن عمرو ولا يروي عن أبيه محمد، وقد قال الحافظ في التقريب: صدوق، ثبت سماعه من جده عبد الله بن عمرو، وعلى هذا فهو متصل؛ لأن عمراً يروي عن أبيه شعيب، وشعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، وليست الرواية عن أبيه محمد؛ لأن محمداً ليس صحابياً، ويكون مرسلاً، لكن ثبت سماع شعيب من جده عبد الله، بل جاء في بعض الروايات عند النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

    رجوع الوالد فيما يعطي ولده وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك

    شرح حديث عبد الله بن عمرو في العائد في هبته

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [رجوع الوالد فيما يعطي ولده وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك. أخبرنا أحمد بن حفص حدثنا أبي حدثني إبراهيم عن سعيد بن أبي عروبة عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يرجع أحد في هبته إلا والد من ولده، والعائد في هبته كالعائد في قيئه)].
    أورد النسائي رجوع الوالد فيما يعطي ولده، يعني: أن الهبة إذا أعطاها الإنسان، لا يجوز له أن يرجع فيها، فلا يأتي بعدما يستلمها الإنسان، ويقول: أنا عجزت عن الهبة، فأرجع إليّ ما أعطيتك، لا يجوز ذلك، وإنما يجوز للوالد أن يرجع؛ لأن الوالد قد يحصل منه عدم العدل، مثل ما حصل في قصة النعمان بن بشير بن سعد حين أعطى أحد بنيه، وكان يجب عليه التسوية، وقد طلب منه التي أن يرده، وأن يسوي بينهم في العطاء أو المنع، فالوالد مستثنى في منع الرجوع في الهبة على ولده، وقد يكون الرجوع لأمر لا بد منه كالعدل والبعد عن الجور، وأما غيره فليس له ذلك.
    والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه لا يرجع أحد في هبته إلا الوالد، وضرب لذلك مثلاً فيه التنفير من هذا العمل، وقال: (إن العائد في هبته كالكلب يقيء فيعود في قيئه)، يعني: يأكل حتى يشبع، ثم يقيء، ثم بعد ذلك يرجع ويأكل قيئه، فهذا تمثيل وتشبيه بعمل الكلب، فهو تقبيح للعمل، وبيان لفظاعته، وأنه سيء للغاية، حيث شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بعمل الكلب، والكلب معروف في خسته ودنائته، وأن من يكون كذلك فعمله قبيح، فهذا فيه التنفير، وبعض العلماء قال: إن هذا يدل على التحريم، وبعضهم قال: يدل على التقبيح، وأن هذا شيء ليس بسائغ، ولو رجع في هبته لجاز، لكن هذا التمثيل، وهذا المنع في قوله: (لا يحل)، يدل على التحريم.
    وفي الحديث ضرب الأمثال لتقريب الشيء في صورة المحسوس، حتى يتمكن في النفوس.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في العائد في هبته

    قوله: [أخبرنا أحمد بن حفص].هو أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد النيسابوري، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أبيه].
    صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن إبراهيم].
    هو إبراهيم بن طهمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن أبي عروبة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عامر الأحول].
    هو عامر بن عبد الواحد الأحول، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث ابن عباس وابن عمر في العائد في هبته وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن حسين عن عمرو بن شعيب حدثني طاوس عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يرفعان الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يحل لرجل يعطي عطية، ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي عطية ثم يرجع فيها، كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء، ثم عاد في قيئه)].أورد النسائي حديث ابن عمر، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل ما تقدم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    محمد بن المثنى، وهو الزمن أبو موسى العنزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي عدي].
    مر ذكره.
    [عن حسين].
    هو ابن ذكوان المعلم، وهو ثقة، أخرج له اصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن شعيب].
    وقد مر ذكره.
    [عن طاوس].
    هو طاوس بن كيسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومثله عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما.

    حديث ابن عباس في العائد في هبته وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي المقدسي حدثنا أبو سعيد وهو مولى بني هاشم عن وهب حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)].أورد النسائي حديث ابن عباس وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي المقدسي].
    هو محمد بن عبد الله بن بكر الخلنجي المقدسي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي سعيد مولى بني هاشم].
    هو عبد الرحمن بن عبد الله، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري، وأبو داود في فضائل الأنصار، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن وهب].
    هو وهيب بن خالد، هنا وهب وهو: وهيب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن طاوس].
    هو عبد الله بن طاوس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث طاوس في العائد في هبته وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن نعيم حدثنا حبان أنبأنا عبد الله عن إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم عن طاوس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحل لأحد أن يهب هبة ثم يرجع فيها إلا من ولده -قال طاوس: كنت أسمع وأنا صغير، عائد في قيئه، فلم ندر أنه ضرب له مثلاً- قال: فمن فعل ذلك فمثله كمثل الكلب يأكل ثم يقيء ثم يعود في قيئه)].ثم أورد النسائي الحديث، ولكنه مرسل، أرسله طاوس، وقد مر أنه يرويه عن ابن عباس، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن نعيم عن حبان عن عبد الله].
    مر ذكر الثلاثة.
    [عن إبراهيم بن نافع].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن بن مسلم].
    هو الحسن بن مسلم بن يناق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن طاوس].
    وقد مر ذكره.
    [قال طاوس: كنت أسمع وأنا صغير: عائد في قيئه فلم ندر أنه ضرب له مثلاً].
    يعني: يسمعون عائد في قيئه، وبعد ذلك تبين من الحديث أنه ضرب مثل، وأن ذلك مثل الكلب، وأن العائد في هبته كالكلب العائد في قيئه؛ لأن الناس كما هو معلوم لا يعود أحدهم في قيئه، ولكن من يفعل هذا الفعل، وهو أن يأخذ الهبة، وقد أخرجها، فإنه كالكلب الذي يعود في قيئه، وإلا فإنهم يعرفون الناس أنهم ما يعودون في قيئهم، ولكن المقصود هو ضرب المثل.

    ذكر الاختلاف لخبر عبد الله بن عباس فيه

    حديث ابن عباس في العائد في هبته من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف لخبر عبد الله بن عباس فيه. أخبرنا محمود بن خالد حدثنا عمر عن الأوزاعي حدثني محمد بن علي بن حسين حدثني سعيد بن المسيب حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم (مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب يرجع في قيئه فيأكله)].
    ثم أورد النسائي حديث ابن عباس وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمود بن خالد].
    هو محمود بن خالد الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عمر].
    هو عمر بن عبد الواحد الدمشقي، وهو مثله، ثقة، وأخرج له مثل الذي أخرج لتلميذه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن الأوزاعي].
    هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن علي بن الحسين].
    هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو: محمد بن علي الباقر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عباس] مر ذكره.

    حديث ابن عباس في العائد في هبته من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الصمد حدثنا حرب وهو ابن شداد حدثني يحيى هو ابن أبي كثير حدثني عبد الرحمن بن عمرو هو الأوزاعي أن محمد بن علي بن حسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثه عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مثل الذي يتصدق بالصدقة ثم يرجع فيها كمثل الكلب قاء ثم عاد في قيئه فأكله)].أورد النسائي حديث ابن عباس وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].
    هو إسحاق بن منصور الكوسج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [عن عبد الصمد].
    هو عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حرب هو ابن شداد].
    حرب هو ابن شداد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن يحيى هو ابن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأوزاعي عن محمد بن علي بن الحسين عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.
    وقال الأوزاعي عن محمد بن علي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولكنه قال ابن فاطمة يعني: لبيان الشرف الذي حصل له، وهو أبوة الرسول صلى الله عليه وسلم له، وأنه من أبناء الرسول عليه الصلاة والسلام.

    حديث ابن عباس في العائد في هبته من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الهيثم بن مروان بن الهيثم بن عمران حدثنا محمد وهو ابن بكار بن بلال حدثنا يحيى عن الأوزاعي أن محمد بن علي بن الحسين حدثه عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يعود في قيئه) قال الأوزاعي: سمعته يحدث عطاء بن أبي رباح بهذا الحديث].أورد النسائي حديث ابن عباس مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا هيثم بن مروان بن الهيثم بن عمران].
    هيثم بن مروان بن الهيثم، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن محمد هو ابن بكار].
    محمد هو ابن بكار بن بلال، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن حمزة الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأوزاعي عن محمد بن علي عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.
    [قال الأوزاعي: سمعته يحدث عطاء بن أبي رباح بهذا الحديث].
    يعني الأوزاعي يقول: سمع محمد بن علي بن الحسين يحدث عطاء بن أبي رباح بهذا الحديث يعني: كان يحدث غيره فسمع منه.

    حديث ابن عباس في العائد في هبته من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (العائد في هبته كالعائد في قيئه)].أورد النسائي حديث ابن عباس وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    مر ذكره.
    [عن عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث ابن عباس في العائد في هبته من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو الأشعث حدثنا خالد حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه)].أورد النسائي حديث ابن عباس وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا أبو الأشعث].
    هو أحمد بن مقدام أبو الأشعث العجلي بصري، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن خالد].
    هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.
    شرح حديث ابن عباس في العائد في هبته من طريق سابعة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا أبو خالد وهو سليمان بن حيان عن سعيد بن أبي عروبة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالعائد في قيئه)].أورد النسائي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالعائد في قيئه)].
    قوله: [(العائد في هبته كالعائد في قيئه)]، يعني: كالكلب العائد في قيئه، قوله: [(ليس لنا مثل السوء)]، يعني: ليس من شأننا، ولا يليق بنا أن ينطبق علينا ذلك المثل، وهو: أن يكون الإنسان مثل الكلب يقيء، فيعود في قيئه فيأكله، يعني: فلا يعود أحد في هبته، وهذا فيه التنفير وأن هذا مثل السوء، وأنه قبح ودناءة ورداءة بالرجل أن يكون مشابهاً الكلاب في أفعالها.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في العائد في هبته من طريق سابعة

    قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي خالد].
    أبو خالد الأحمر وهو سليمان بن حيان، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن أبي عروبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عكرمة].
    هو عكرمة مولى ابن عباس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.

    حديث ابن عباس في العائد في هبته من طريق ثامنة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن زرارة حدثنا إسماعيل عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه)].وحديث ابن عباس مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن زرارة].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [عن إسماعيل].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس].
    وقد مر ذكر الثلاثة.

    حديث ابن عباس في العائد في هبته من طريق تاسعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم حدثنا حبان أنبأنا عبد الله عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: (ليس لنا مثل السوء الراجع في هبته كالكلب في قيئه)].أورد النسائي حديث ابن عباس وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم عن حبان عن عبد الله].
    أولئك مروزيون عبد الله بن المبارك، وقد مروا.
    [عن خالد].
    هو خالد بن مهران الحذاء، وهو صدوق، سيئ الحفظ أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن عكرمة عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهما.

    ذكر الاختلاف على طاوس في الراجع في هبته

    شرح حديث ابن عباس في العائد في هبته من طريق عاشرة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على طاوس في الراجع في هبته.أخبرني زكريا بن يحيى حدثنا إسحاق حدثنا المخزومي حدثنا وهيب حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)].
    سبق أن مرت أحاديث عديدة في بيان التحذير من الرجوع في الهبة، وأنه لا يجوز رجوع الواهب في هبته، إلا الوالد فيما يهبه لولده، وأما غيره فإنه لا يجوز، وقد شبه ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام بعمل الكلب الذي يقيء، ثم بعد ذلك يرجع إلى قيئه فيأكله، وهو تشبيه في غاية الوضوح في سوء العمل، وقد مر في بعض الأحاديث: (ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه).
    والطريق الذي مر مع الطريقين الذي قبله صدر بقول: [(ليس لنا مثل السوء)]؛ لأن هذا مثل فيه تشبيه يدل على سوء المشبه، وأن تشبيهه بالمشبه به، الذي هو الكلب وعمله، فيه خسة وفيه دناءه، وفيه قبح، فلا يليق بالمسلم أن يكون شأنه هكذا، بل إذا أعطى الهبة، فإنه يخرجها من نفسه، ولا تتعلق نفسه بها.
    والحديث مر من طرق عديدة، وهذا من هذه الطرق.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في العائد في هبته من طريق عاشرة

    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].هو زكريا بن يحيى السجزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن إسحاق].
    هو إسحاق بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    وإسحاق بن راهويه كثيراً ما يروي عنه النسائي مباشرة، إلا أنه في بعض المواضع يروي عنه بواسطة، يعني: رواياته كثيراً ما تكون عن إسحاق بن راهويه الذي هو شيخ للنسائي، ولكنه يروي عنه بواسطة بعض شيوخه الآخرين، وقد تكرر ذلك في حق زكريا بن يحيى السجزي.
    [عن المخزومي].
    هو أبو هشام المغيرة بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن وهيب].
    هو وهيب بن خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن طاوس].
    عبد الله بن طاوس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو طاوس بن كيسان، ثقة، أيضاً أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أبو هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

    حديث ابن عباس في العائد في هبته من طريق حادية عشرة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن حرب حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن حرب].
    هو أحمد بن حرب الموصلي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي معاوية].
    هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حجاج].
    هو حجاج بن أرطأة، وهو صدوق، كثير الخطأ والتدليس، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي الزبير].
    هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن طاوس عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث ابن عمر وابن عباس في العائد في هبته من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام حدثنا إسحاق الأزرق حدثنا به حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحل لأحد أن يعطي العطية فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية فيرجع فيها، كالكلب يأكل حتى إذا شبع قاء ثم عاد فرجع في قيئه)].أورد النسائي حديث ابن عباس وابن عمر، وهما مثل ما تقدم، ينصان على تحريم العود في الهبة، وأن الذي يفعل ذلك كمثل الكلب الذي يأكل حتى إذا شبع قاء، ثم يرجع إلى قيئه فيأكله، وهذا شيء مستقذر لا يفعله الناس، وينفرون منه أشد النفرة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يوضح قبح هذا العمل، وأن الذي يفعل هذا كالذي يعود في قيئه مع كون الناس يستقذرونه، على ذلك تشبيهه بعمل الكلب.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر وابن عباس في العائد في هبته من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام].لا بأس به، وهي تعادل صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن إسحاق الأزرق].
    هو إسحاق بن يوسف الأزرق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حسين المعلم].
    هو حسين بن ذكوان المعلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن شعيب].
    هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن طاوس عن ابن عمر وابن عباس].
    طاوس، وقد مر ذكره.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
    [ابن عباس].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث طاوس في العائد في هبته من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الحميد بن محمد حدثنا مخلد حدثنا ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يحل لأحد يهب هبة، ثم يعود فيها إلا الوالد -قال طاوس: كنت أسمع الصبيان يقولون: يا عائداً في قيئه، ولم أشعر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب ذلك مثلا، حتى بلغنا أنه كان يقول- مثل الذي يهب الهبة ثم يعود فيها -وذكر كلمة معناها- كمثل الكلب يأكل قيئه)].أورد النسائي الحديث، ولكنه مرسل عن طاوس، وطاوس معلوم أنه يروي عن ابن عباس، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وأكثر الروايات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، فهو متصل وإن كان جاء مرسلاً، وهو مثل الذي قبله، وفيه قصة طاوس وأنه قال: كنت أسمع الصبيان يقولون: يا عائداً في قيئه، يعني: يعير بعضهم بعضاً، إذا عاد في هبته؛ لأنهم قد سمعوا بقصة التشبيه بالكلب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الذي يعود في هبته، كالعائد في قيئه، قال: ولم أكن أدري حتى علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه).
    تراجم رجال إسناد حديث طاوس في العائد في هبته من طريق ثانية
    قوله: [أخبرنا عبد الحميد بن محمد].عبد الحميد بن محمد، هو الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [عن مخلد].
    هو مخلد بن يزيد، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن بن مسلم].
    هو الحسن بن مسلم بن يناق، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن طاوس].
    وقد مر ذكره.

    حديث طاوس في العائد في هبته من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم حدثنا حبان أنبأنا عبد الله عن حنظلة أنه سمع طاوساً يقول: أخبرنا بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (مثل الذي يهب فيرجع في هبته كمثل الكلب يأكل فيقيء ثم يأكل قيئه)].أورد النسائي حديث طاوس، وقد أسنده إلى بعض من لقي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكر الحديث مسنداً عن ابن عباس، وعن ابن عمر، والمتن مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم].
    وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن حبان].
    هو حبان بن موسى المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حنظلة].
    هو حنظلة بن أبي سفيان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طاوس عن بعض من أدرك النبي].
    طاوس عن بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #476
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الرقبى

    (473)

    - باب ذكر الاختلاف في خبر زيد بن ثابت في الرقبى - باب ذكر الاختلاف على أبي الزبير في الرقبى





    أقر الإسلام بعض المعاملات التي كانت في الجاهلية مما فيه خير للناس، ومن ذلك الرقبى والعمرى، ومع ذلك فقد كرهت هذه المعاملة لما يخشى من حصول ندم المعطي على إثرها، وصار الأولى لمن أراد الخير لغيره في هذا الباب أن يهبه هبة مطلقة.

    كتاب الرقبى ذكر الاختلاف على ابن أبي نجيح في خبر زيد بن ثابت فيه

    شرح حديث: (الرقبى جائزة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الرقبى. (ذكر الاختلاف على ابن أبي نجيح في خبر زيد بن ثابت فيه).
    أخبرنا هلال بن العلاء حدثنا أبي حدثنا عبيد الله وهو ابن عمرو عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن طاوس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الرقبى جائزة)].
    أورد النسائي: كتاب الرقبى، والرقبى لها صلة بالهبة، ولهذا يذكرها بعض العلماء، ويفردها بكتاب، كما فعل النسائي ، وكذلك العمرى، ومنهم من يجعلها داخلة ضمن أبواب الهبة؛ لأنها نوع من أنواعها، ولكن لها وضعها الخاص؛ ولهذا جعل بعض العلماء فيما يتعلق بالرقبى، والعمرى، ضمن كتاب الهبة كما فعل البخاري والحاصل: أن الرقبى يجعلها بعض العلماء كتاباً مستقلاً، ومنهم من يجعلها ضمن كتاب الهبة، والرقبى معناها: أن يقول شخص لآخر: أسكنتك هذه الدار، فإن مت قبلي رجعت إليّ، وإن مت قبلك فهي لك، وقيل لها: رقبى؛ لأن كل واحد منهما يرقب الآخر، وينتظر موته حتى يحصلها.
    وكانت موجودة في الجاهلية، وكذلك العمرى التي ستأتي، وقد جاء الإسلام بإقرارها وجوازها مع النهي عنها فقيل: إن النهي للتحريم أو للتنزيه، وإنما نهي عنها مع أنها لو وجدت فهي معتبرة وثابتة؛ لأنه لا يكون للنفس ارتياح بعد ما يتصرف الإنسان ويحصل منه أن يرقب، فقد يندم، بعدما أعطى شيئاً يرجو ثوابه؛ ولهذا نهي عنها، إما تحريماً، وإما تنزيهاً، ولكن إذا فعلت، فإنها معتبرة وثابتة.
    ثم أورد النسائي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: [(الرقبى جائزة)] يعني: كانت في الجاهلية، وأقرت في الإسلام، وصار حكمها مستمراً، وتكون لمن أرقب، أي: المعطى، ولا ترجع إلى الذي أرقب الذي هو المعطي.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الرقبى جائزة)

    قوله: [أخبرنا هلال بن العلاء].
    هو هلال بن العلاء بن هلال، صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبي].
    هو العلاء بن هلال، وفيه لين، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبيد الله بن عمرو وهو ابن عمرو].
    هو عبيد الله بن عمرو الرقي، وثقة، ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي نجيح].
    وهو عبد الله بن أبي نجيح، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طاوس عن زيد بن ثابت].
    طاوس وقد مر ذكره، وزيد بن ثابت رضي الله عنه حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    الرقبى تكون للمرقب ولورثته

    مداخلة: أحسن الله إليك، يقولون: إنها لا ترجع لمن أرقبها حتى لو مات المرقب قبل من أرقب، مع أنكم ذكرتم في تعريفها أنها مأخوذة من المراقبة، حيث إن كل واحد يرقب موت الآخر؟
    الشيخ: لا، هي تكون له ولورثته، كما سيأتي، وحكمها أنها تكون للموهوب، لكن من حيث التسمية قيل لها رقبى؛ لأن كل واحد يرقب الآخر، وكانت هذه في الجاهلية، والإسلام جاء وأقرها، ولكن جعلها للمرقب.

    شرح حديث: (الرقبى للذي أرقبها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن علي بن ميمون حدثنا محمد وهو ابن يوسف حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن طاوس عن رجل عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الرقبى للذي أرقبها)].
    أورد النسائي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: الرقبى لمن أرقبها، أي: تكون للمرقب الذي هو المعطى ولا تكون للمرقب؛ لأنها هبة وعطية فلا يرجع بها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الرقبى للذي أرقبها)

    قوله: [أخبرنا محمد بن علي بن ميمون].
    محمد بن علي بن ميمون، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد وهو ابن يوسف].
    هو محمد بن يوسف الفريابي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان الثوري، وقد مر ذكره.
    [عن ابن أبي نجيح عن طاوس عن رجل].
    الرجل ما أدري، جاء مسمى في بعض الروايات التي ستأتي أنه حجر بن قيس المدري، يرويه طاوس عنه، وحجر بن قيس، ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. وابن أبي نجيح وطاوس قد مر ذكرهما.
    [عن زيد بن ثابت].
    وقد مر ذكره.

    شرح أثر ابن عباس: (لا رقبى، فمن أرقب شيئا فهو سبيل الميراث)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن طاوس لعله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لا رقبى، فمن أرقب شيئاً فهو سبيل الميراث)].
    أورد النسائي هذا الأثر ولعله عن ابن عباس قال: (لا رقبى، فمن أرقب شيئاً فهو سبيل الميراث)، يعني: أنه يكون للمرقب، وحكمه حكم الميراث، فيملكه ويستفيد منه في حياته، وإذا مات فإنه يرثه ورثة المرقب ولا يعود إلى المرقب.
    قوله: [(لا رقبى)].
    نفي لها، والمقصود من ذلك النهي، إما للتحريم، وإما للتنزيه، والمقصود من ذلك: أنه لا يليق بالإنسان أن يعمل مثل هذا العمل، ثم يحصل منه الندم، ويفكر أو يطمع أو يأمل أن يرجع إليه؛ ولهذا قال: فمن أرقب فحكمه حكم الميراث، أي: أنه يكون للمرقب، شأنه شأن الميراث، إذا مات المرقب فإنه يكون لورثته، ولا يرجع إلى المرقب، وعلى هذا فالإرقاب منهي عنه لما فيه من الندم، من شبه العود في الهبة، ومن أراد أن ينفع أحداً لا ينفعه بطريقة الرقبى، وإنما يسكنه حيث شاء، ولا يضيف ذلك إلى عمره، وإنما يقول: استفد من هذه الدار واسكن فيها وانتفع بها، فتكون من قبيل العارية، ثم بعد ذلك يستردها منه، أما أن يربط ذلك بالموت، فهذا هو الذي له حكم يخصه، ويجري مجرى الهبة الثابتة المنتهية.

    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (لا رقبى، فمن أرقب شيئا فهو سبيل الميراث)

    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].
    زكريا بن يحيى مر ذكره.
    [عن عبد الجبار بن العلاء].
    لا بأس به وهي بمعنى صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا سفيان].
    سفيان، ابن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي نجيح عن طاوس لعله عن ابن عباس].
    ابن أبي نجيح وطاوس لعله ابن عباس، الروايات عن زيد بن ثابت وهنا فيها شك.
    ذكر الاختلاف على أبي الزبير

    شرح حديث: (لا ترقبوا أموالكم فمن أرقب شيئاً فهو لمن أرقبه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على أبي الزبير.
    أخبرنا محمد بن وهب حدثنا محمد بن سلمة حدثني أبو عبد الرحيم حدثني زيد عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا ترقبوا أموالكم، فمن أرقب شيئاً فهو لمن أرقبه)].
    أورد النسائي حديث ابن عباس: لا ترقبوا أموالكم، أي: لا تخرجوها بهذه الطريقة التي كانت معروفة في الجاهلية: إن مت قبلي فلي، وإن مت قبلك فلك، ولكن من حصل منه الإرقاب فإنه يكون للمرقب، أي: للموهوب له.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا ترقبوا أموالكم فمن أرقب شيئاً فهو لمن أرقبه)

    قوله: [أخبرنا محمد بن وهب].
    هو محمد بن وهب الحراني، صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن محمد بن سلمة الحراني].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، ومحمد بن سلمة هذا غير محمد بن سلمة الذي يروي عنه النسائي كثيراً؛ لأن ذاك مصري وهذا حراني، والمصري هو من شيوخه، وأما الحراني من طبقة شيوخ شيوخه كما هنا، فإنه يروي عنه بواسطة، فهما متفقان في الاسم واسم الأب وأحدهما المصري من شيوخه، والحراني من شيوخ شيوخه.
    [حدثني أبو عبد الرحيم].
    وهو خالد بن أبي يزيد الحراني، ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثني زيد].
    هو زيد بن أبي أنيسة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزبير].
    أبو الزبير مر ذكره.
    [عن طاوس عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث ابن عباس في ذكر العمرى والرقبى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن حرب حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (العمرى جائزة لمن أعمرها، والرقبى جائزة لمن أرقبها، والعائد في هبته كالعائد في قيئه)].
    أورد النسائي حديث ابن عباس في ذكر الرقبى ومعها العمرى: [(العمرى جائزة لمن أعمرها، والرقبى جائزة لمن أرقبها، والعائد في هبته كالعائد في قيئه)]، الرقبى مر ذكرها، والعمرى ليس فيها شيء من الطرفين كما يكون في الرقبى التي فيها كل واحد يرقب موت الآخر، وإنما هي من طرف واحد، يقول: ملكتك وأسكنتك، أو منحتك، وأعطيتك هذه الدار لتسكنها مدة حياتك، وقالوا: إن لها ثلاثة أحوال: الحال الأولى: أن يقول: هي لك ولعقبك، أعطيتك هذه الدار، أو أسكنتك هذه الدار لك ولعقبك، فهذه أمرها واضح؛ لأن الواهب لا ترجع إليه؛ لأنها له ولعقبه. الحال الثانية: أن يقول: هي لك تسكنها مدة حياتك، وإذا مت تعود إليّ، وهذه فيها خلاف بين أهل العلم، فكثير منهم قال: إنها تكون عارية حتى الممات، وإذا مات المعار ترجع إلى المعير، وبعض العلماء يقول: إنها كالأولى التي قال فيها: هي لك ولعقبك ومعناه ها الاستمرار، والحال الثالثة: أن تكون مطلقة، كأن يقول: أسكنتك مدة حياتك وما قال: لعقبك، وما قال: إنها ترجع لي إن مت، وإنما أطلق وقال: أسكنتك إياها مدة حياتك، قالوا: هذه مطلقة فتحمل على الطريقة الأولى، وفيها أيضاً خلاف، ولكن المسألة الثانية هي التي فيها خلاف قوي لأهل العلم، فكثير منهم قالوا: إنها من قبيل العارية، وليست من قبيل العمرى التي تكون للوارث، وتكون للمعمر ولورثته.
    الحاصل: أن العمرى تختلف عن الرقبى من جهة أن الرقبى فيها جانبان، وكل واحد يرقب موت الآخر ليرجع إليه، أو ليحصل الشيء الذي حصل إرقابه، وأما العمرى فليس فيها شيء من الطرفين، وإنما هي من طرف واحد لطرف آخر، وتكون فيها ذكر العقب، وهذه أمرها واضح ولا إشكال فيها، أو مقيدة بالوفاة، وإذا مات ترجع إليه، وتكون من قبيل العارية على قول كثير من أهل العلم، وعلى قول بعضهم: إنها كالحالة الأولى، والحالة الثالثة أنها مطلقة، وفيها خلاف، والمشهور أنها كالحالة الأولى.
    فالعمرى جائزة لمن أعمرها مثل جواز الرقبى لمن أرقبها، وعلى قول بعض أهل العلم تكون العمرى للمعمر مطلقاً، وفصل بعض أهل العلم في المسألتين الأخيرتين التي فيهما الشرط.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن حرب].
    أحمد بن حرب مر ذكره.
    [عن أبي معاوية عن حجاج عن أبي الزبير].
    كل الإسناد مر ذكره.

    شرح أثر ابن عباس: (العمرى والرقبى سواء)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (العمرى والرقبى سواء)].
    أورد النسائي أثر ابن عباس: (العمرى والرقبى سواء) أي: حكمهما واحد، وهذا يقتضي أن تكون العمرى كالرقبى في كونها للموهوب، كما تكون له الرقبى أيضاً.

    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (العمرى والرقبى سواء)

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].
    محمد بن بشار الملقب بـ بندار بصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان الثوري، وقد مر ذكره.
    [عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.
    وهو موقوف عليه.

    شرح أثر ابن عباس: (لا تحل الرقبى ولا العمرى ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يعلى حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لا تحل الرقبى ولا العمرى، فمن أعمر شيئاً فهو له، ومن أرقب شيئاً فهو له)].
    أورد النسائي أثر ابن عباس: لا تحل الرقبى ولا العمرى، هذا مثل قوله: لا ترقبوا ولا تعمروا، فمعناه: النهي، وهذا النهي للتحريم، أو للتنزيه، على خلاف بين أهل العلم، وعلى كل حال إذا وجد مع أنه منهي عنه فإنه يكون لمن أرقب فيه رقبى وعمرى.

    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (لا تحل الرقبى ولا العمرى...)

    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].
    هو أحمد بن سليمان الرهاوي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يعلى].
    هو يعلى بن عبيد، ثقة إلا في حديث الثوري ففيه لين، وهذا من حديث الثوري ولكن جاء من طرق أخرى، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح أثر ابن عباس: (لا تصلح العمرى ولا الرقبى ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا محمد بن بشر حدثنا حجاج عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لا تصلح العمرى ولا الرقبى، فمن أعمر شيئاً أو أرقبه فإنه لمن أعمره وأرقبه حياته، وموته أرسله حنظلة)].
    أورد النسائي الحديث موقوفاً على ابن عباس: لا تصلح الرقبى ولا العمرى، ومن أرقب شيئاً، أو أعمره، فهو لمن أرقب، ولمن أعمر، وهو مثل ما تقدم.
    وقوله: [(حياته وموته)].
    معناه: شأنه شأن المال الموروث، يكون له في حياته وبعد وفاته، يرثه ورثته كما جاء في الحديث أنه للوارث.

    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (لا تصلح العمرى...)

    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان عن محمد بن بشر].
    الإسناد مر كله إلا محمد بن بشر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال في آخره: أرسله حنظلة].
    أرسله حنظلة، ثم ذكر الحديث، أو الطريق التي فيها إرسال حنظلة.

    شرح حديث: (لا تحل الرقبى..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم أنبأنا حبان حدثنا عبد الله عن حنظلة أنه سمع طاوساً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تحل الرقبى، فمن أرقب رقبى فهو سبيل الميراث)].
    أورد النسائي الحديث ولكنه مرسل، أرسله طاوس قال: (لا تحل الرقبى فمن أرقب شيئاً فهو سبيل الميراث) أي: على طريقة الميراث، يملكه في حياته، ويرثه ورثته بعد وفاته.
    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم عن حبان عن عبد الله عن حنظلة عن طاوس].
    كلهم مر ذكرهم.
    شرح حديث: (العمرى ميراث)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عبدة بن عبد الرحيم عن وكيع حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن طاوس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (العمرى ميراث)].
    أورد النسائي حديث زيد بن ثابت أن النبي قال: (العمرى ميراث) معناه: أنها تكون للمعمر تكون ولورثته.

    تراجم رجال إسناد حديث: (العمرى ميراث)

    قوله: [أخبرني عبدة بن عبد الرحيم].
    عبدة بن عبد الرحيم، صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي.
    [عن وكيع].
    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان الثوري، وقد مر ذكره.
    [عن ابن أبي نجيح عن طاوس عن زيد بن ثابت].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (العمرى للوارث) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن حجر المدري عن زيد رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (العمرى للوارث)].
    أورد النسائي حديث زيد بن ثابت [(العمرى للوارث)]، أي: إذا مات المعمر فإنها تكون لوارثه.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].
    هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا سفيان].
    سفيان هو ابن عيينة، وقد مر ذكره.
    [عن ابن طاوس عن أبيه].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن حجر المدري].
    هو حجر بن قيس المدري، ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن زيد].
    هو زيد بن ثابت وقد مر ذكره.

    حديث: (العمرى جائزة) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبيد حدثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن حجر المدري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (العمرى جائزة)].
    أورد النسائي حديث زيد: [(العمرى جائزة)] وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد].
    محمد بن عبيد هو المحاربي، صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عبد الله بن المبارك].
    عبد الله بن المبارك مر ذكره.
    [عن معمر].
    معمر هو ابن راشد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن طاوس عن أبيه عن حجر المدري عن زيد بن ثابت].
    وقد مر ذكرهم جميعاً.

    حديث: (العمرى للوارث) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبيد عن ابن المبارك عن معمر عن عمرو بن دينار عن طاوس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (العمرى للوارث)].
    أورد النسائي حديث زيد بن ثابت وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد عن ابن المبارك عن معمر].
    وقد مر ذكرهم.
    [عن عمرو بن دينار].
    هو عمرو بن دينار المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طاوس عن زيد].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث: (العمرى للوارث) من طريق خامسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن حاتم أنبأنا حبان أنبأنا عبد الله عن معمر سمعت عمرو بن دينار يحدث عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (العمرى للوارث) والله أعلم].
    أورد النسائي حديث زيد بن ثابت من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم أنبأنا حبان أنبأنا عبد الله عن معمر سمعت عمرو بن دينار يحدث عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت].
    والإسناد قد مر ذكر رجاله كلهم.
    قوله: [عن معمر سمعت عمرو بن دينار يحدث عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت].
    والإسناد قد مر ذكر رجاله كلهم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #477
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإيمان والنذور

    (474)

    - (باب الحلف بعزة الله) إلى (باب الحلف بالكعبة)




    من تعظيم الله تعالى وتوحيده الحلف بأسمائه وصفاته كصفة العزة، وأما الحلف بغيره كالحلف بالآباء والأمهات والكعبة، أو بملة من الملل كاليهودية والنصرانية فهذا مما ينافي هذا التعظيم، فيجب تجنبه.
    الحلف بعزة الله تعالى

    شرح حديث: (لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل عليه السلام إلى الجنة ... وعزتك لا يسمع بها أحد إلا أدخلها...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحلف بعزة الله تعالى أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا الفضل بن موسى حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل عليه السلام إلى الجنة فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فنظر إليها فرجع فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بها فحفت بالمكاره، فقال: اذهب إليها فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فنظر إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره، فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد، قال: اذهب فانظر إلى النار وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضاً، فرجع فقال: وعزتك لا يدخلها أحد، فأمر بها فحفت بالشهوات، فقال: ارجع فانظر إليها فنظر إليها فإذا هي قد حفت بالشهوات فرجع، وقال: وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها )].
    أورد النسائي: الحلف بعزة الله، والعزة هي صفة من صفات الله عز وجل، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة بعزة الله: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر).
    وجاء في هذا الحديث الذي يحكيه عن جبريل أنه أقسم بعزة الله، فقال: وعزتك، يخاطب الله عز وجل.
    أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن الله عز وجل لما خلق الجنة والنار قال لجبريل: اذهب إلى الجنة وانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب إليها ورجع وقال: وعزتك! لا يسمع بها أحد إلا دخلها) ما دام أنها على هذا الوصف كل يطمع فيها، وكل يحرص عليها ولا يبقى أحد إلا وقد دخلها، فأمر بها فحفت بالمكاره.
    ثم قال له: (ارجع إليها وانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فقال: وعزتك! لقد خشيت أن لا يدخلها أحد) يعني: أنها بعدما حفت بالمكاره وصار العمل الموصل إليها شاقاً ويحتاج إلى صبر ومجاهدة النفوس، فإن الوصول إليها ليس بالهين، ولهذا يحتاج من يكون من أهلها إلى أن يصبر على الطاعات ولو شقت على النفوس، ويصبر عن المعاصي ولو مالت إليها النفوس.
    ثم إنه قال له: (اذهب إلى النار وانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها)، فذهب وإذا بعضها يركب بعضاً من شدة هولها وعظيم ضررها وخطرها، ثم رجع وقال: (وعزتك! لا يدخلها أحد) يعني: لشدتها ونفرة الناس منها وعظم شأنها، ثم أمر بها فحفت بالشهوات فقال: (اذهب إليها وانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب وقال: وعزتك لا ينجو منها أحد إلا دخلها) يعني: بسبب الشهوات التي تستميل الناس ويتجهون إليها ولا يفكرون في العواقب فينتهي بهم الأمر إلى أن يقعوا في الهاوية، ولهذا جاء في بعض الأحاديث الثابتة في الصحيحين: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، وجاء: (حجبت الجنة بالمكاره، وحجبت النار بالشهوات) يعني: أن الطريق الموصل إلى الجنة فيه مشقة، ويحتاج إلى صبر، ويحتاج إلى احتساب الأجر عند الله عز وجل، وأن الإنسان يجاهد نفسه.
    فمن أمثلة ذلك: كون الإنسان في الشتاء مثلاً مستغرقاً في النوم، وطاب له الفراش، وفي مكان دافئ، وتحت غطاء، ولا يحس بشيء من البرد مع أن البرد موجود خارج المنزل لكنه في مكان دافئ، فيسمع: (حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم) فيهب من هذا الذي هو مرتاح إليه، ويعلم أن ما يدعى إليه خير مما هو متلذذ فيه؛ لأن قول المؤذن: (الصلاة خير من النوم) يعني: هذا النوم الذي أنت مطمئن إليه ومرتاح فيه ومنشرح الصدر وهادئ البال في كنفه، هذا الذي تدعى إليه خير من الذي أنت فيه، (الصلاة خير من النوم)، يهب من فراشه ويقوم ويتوضأ وقد يكون الماء بارداً فيصبر على البرودة، ثم يذهب إلى المسجد وفيه الهواء القارس ويصلي.
    فهذه من الأمور التي حفت بها الجنة، فالوصول إليها يحتاج إلى صبر على طاعة الله ولو شقت على النفوس، وإلى صبر عن معاصي الله ولو مالت إليها النفوس؛ فكون الإنسان يصبر والعاقبة طيبة وينتهي إلى خير، فهذا هو شأن العاقل الناصح لنفسه، أما إنسان تحدثه نفسه الأمارة بالسوء بأن يقدم على شيء تميل إليه نفسه، ولكن العاقبة وخيمة تفضي إلى الحسرة والندامة والعذاب، فهذا ليس شأن من يكون عاقلاً، ومن يكون ناصحاً لنفسه، ومن يريد الخير لها، فالجنة حفت بالمكاره، وليس الطريق إليها مفروشاً بالورود والرياحين، وإنما فيه التعب والنصب، وما دام أن العاقبة حميدة فعلى الإنسان أن يصبر على تلك الطريق الموصلة إلى هذه الغاية الطيبة، ولو كان هناك مشقة.
    أما إرخاء العنان للنفس وتمكينها من ملذاتها من ما حل وحرم، وكون الإنسان لا يبالي في الإقدام على ما تميل إليه نفسه وهو محرم، ثم لا يفكر في العواقب، ويوصله الأمر إلى أن يقع في النار، وإلى أن يتعرض لعذاب الله وسخطه ومقته، فهذا ليس شأن من عنده العقل والإدراك والنصح لنفسه.
    فهذا حديث عظيم، وهو من أحاديث الترغيب والترهيب، الترغيب بالجنة والصبر على ما يوصل إليها، والتحذير من النار والصبر عن الملذات والشهوات التي تفضي إليها والتي حفت بها.
    وفي الحديث أيضاً دليل على وجود الجنة والنار؛ لأنه لما خلق الجنة قال لجبريل: (اذهب إليها وانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها).
    والأحاديث كثيرة في أن الجنة موجودة وأن النار موجودة، وأن الجنة قد هيئت لأولياء الله، والنار هيئت لأعداء الله، وهذه أعدت للمتقين، وهذه أعدت للكافرين، فهما موجودتان الآن، ولكن لا يعني أنه قد تكامل خلقهما، بل الله عز وجل ينشئ ويوجد فيهما ما يوجده، ولكن الوجود للجنة والنار قد حصل، والنبي صلى الله عليه وسلم، لما صلى بالناس الكسوف عرضت عليه الجنة والنار، ورأى عناقيد العنب متدلية، ورأى النار يحطم بعضها بعضاً، وأقدم ليأخذ عنقوداً من العنب وترك، ليبقى الناس على الإيمان بالغيب، ويتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لو أخذت منه أي: عنقود العنب، لأكلتم ما بقيت الدنيا)، ولما رأى النار تكأكأ ورجع القهقرى، وأخبر أصحابه بذلك.
    والحديث الذي معنا يدل على وجود الجنة وعلى وجود النار، وأن الإنسان عليه أن يحرص على أن يكون مهيئاً نفسه ومستعداً بالأعمال الصالحة لأن يكون من أهل الجنة، وأن يحذر أن يفعل الأمور التي حفت بها النار وإن كانت تميل إليها النفوس، فلا يعرض نفسه للوقوع فيها؛ لأن المشقة التي يعقبها سرور ونعيم دائم يصبر الإنسان عليها؛ لأن الغاية حميدة، واللذة التي تعقبها الحسرة والعذاب شأن العاقل أن يكون حذراً منها وأن يكون يقظاً، بعيداً من أن يعرض نفسه لذلك.
    والإنسان يحرص على طريق الخير ولو قل سالكوها، ولا يغتر بطريق الباطل ولو كثر سالكوها؛ لأنه كما قال الحسن البصري رحمه الله: ليس العجب ممن هلك كيف هلك، إنما العجب ممن نجا كيف نجا؛ لأن الهالكين هم الكثير، والناجين هم القليل، والإنسان يحرص على أن يكون من القليل الناجي ويحذر أن يكون من الكثير الهالك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل عليه السلام إلى الجنة ... وعزتك لا يسمع بها أحد إلا أدخلها...)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن الفضل بن موسى].
    هو الفضل بن موسى المروزي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عمرو].
    هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن أبي هريرة].
    هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.


    التشديد في الحلف بغير الله تعالى

    شرح حديث: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التشديد في الحلف بغير الله تعالى.أخبرنا علي بن حجر عن إسماعيل وهو ابن جعفر حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله، وكانت قريش تحلف بآبائها فقال: لا تحلفوا بآبائكم)].
    ثم ذكر التشديد في الحلف بغير الله، يعني: أن الواجب هو الحلف بالله عند الإقسام، لا يجوز الحلف بغير الله، وأورد حديث ابن عمر: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله)، أي: إذا كان لا بد من الحلف؛ لأن قوله: (من كان حالفاً) يشعر بأن الحلف ما ينبغي الإقدام عليه بتهاون وبتساهل، بل من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله، أي: عليه أن تكون حلفه مقصورة بالله عز وجل، وليس معنى ذلك أنها بلفظ الله، وإنما المقصود بالله عز وجل وبأسمائه وصفاته، والمقصود من ذلك أن لا يحلف بغير الله، وإذا حلف بالله أو حلف باسم من أسمائه أو بصفة من صفاته فهو حلف به سبحانه وتعالى، وإذا كانت بعزة الله، وجلال الله، وكبرياء الله، وعظمة الله، وحياة الله وغير ذلك من صفات الله، أو بالرحمن، والرحيم، والسميع، والبصير، والرحيم، والغفور، والودود وما إلى ذلك، فهو كله حلف بالله عز وجل ليس بغيره؛ لأن الله تعالى بذاته وصفاته الله تعالى هو الخالق ومن سواه مخلوق، فالحلف يكون بالخالق ولا يكون بالمخلوق، فهذا فيه قصر يعني: قصر الحلف على أن يكون بالله وحده ولا يكون بغيره.
    (وكانت قريش تحلف بآبائها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحلفوا بآبائكم) مع أنه عمم بأن الحلف لا يكون إلا بالله، ونص على النهي عن الحلف بالآباء؛ لأنهم كانوا يحلفون بالآباء، فجاء التنصيص بذكر الآباء لبيان الشيء الذي اعتادوه، ليتركوا هذه العادة السيئة وهي الحلف بآبائهم، فلم يرد ذكر الآباء لغير غرض، بل هو لغرض، وهو أنهم كانوا يحلفون بآبائهم، هذا هو السر الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تحلفوا بآبائكم) مع أنه عمم في الحكم بقوله: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله)، ومع ذلك نص على بعض أفراد العام فقال: (لا تحلفوا بآبائكم) مع أنه لا يحلف لا بالآباء، ولا الأمهات، ولا الملائكة، ولا الإنس، ولا الجن، ولا الرسل، ولا الكعبة، ولا أي مخلوق من مخلوقات الله عز وجل، فالحلف لا يكون إلا بالله عز وجل ولا يكون بغيره.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله...)


    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، ثقة أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن إسماعيل].
    هو ابن جعفر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن دينار].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    وقد مر ذكره.

    حديث: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني زياد بن أيوب حدثنا ابن علية حدثنا يحيى بن أبي إسحاق حدثنا رجل من بني غفار في مجلس سالم بن عبد الله قال سالم بن عبد الله: سمعت عبد الله يعني ابن عمر رضي الله عنهما وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)].ثم أورد النسائي حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)، وقد عرفنا السر في ذلك في الحديث الذي قبل هذا، وهو أن قريشاً كانت تحلف بآبائها فنهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن الحلف بالآباء.
    قوله: [أخبرني زياد بن أيوب].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن ابن علية].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، مشهور بـابن علية.
    [عن يحيى بن أبي إسحاق].
    صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن رجل من بني غفار].
    عن رجل من بني غفار لا أدري من هو.
    [عن سالم بن عبد الله].
    وقد مر ذكره.
    [عن عبد الله].
    وقد مر ذكره،
    لكن كون الحديث فيه رجل مجهول لا يؤثر؛ لأن الحديث جاء من طرق كثيرة عن ابن عمر، وهو ثابت عنه بالأسانيد المتصلة، وبالثقات المعروفين المشهورين، فوجود رجل مبهم في إسناده لا يؤثر على صحته؛ لأنه ما جاء من هذه الطريق وحدها، بل جاء من طرق كثيرة.


    الحلف بالآباء

    شرح حديث: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحلف بالآباء.أخبرنا عبيد الله بن سعيد وقتيبة بن سعيد واللفظ له قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه: (أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عمر مرة وهو يقول: وأبي وأبي، فقال: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فو الله ما حلفت بها بعد ذاكراً ولا آثراً)].
    ثم أورد النسائي حديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر وهو يقول: وأبي وأبي)، أي: يحلف بأبيه على ما كانوا اعتادوه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحلفوا بآبائكم) وهذا هو السبب في كون النبي ينص على الآباء؛ لأنه لما سمع من يحلف بأبيه قال: (لا تحلفوا بآبائكم)، وكان هذا من عادة العرب أن يحلفوا بآبائهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم، جاء عنه قوله: (لا تحلفوا بآبائكم) أي: أن الحلف لا يكون إلا بالله، هذا الذي أنتم اعتدتموه لا تفعلوه، بل اتركوه، ثم قال: (فوالله ما حلفت بعد ذلك ذاكراً ولا آثراً) وهذا مشهور عن عمر في الروايات الآتية، فيكون هذا الكلام مأثوراً عن عمر، ونقله عبد الله بن عمر عن أبيه أن عمر رضي الله عنه من حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهاه وقال له: (لا تحلفوا بآبائكم) أنه ترك ذلك، وقال: إنه ما كان يفعله أي: ما كان يحلف لا ذاكراً ولا آثراً، يعني: لا فاعلاً ذلك من نفسه ابتداءً بأن يقول: وأبي، ولا أن يحكي أيضاً عن واحد حلف بأبيه فقال: قال فلان: وأبي، والمقصود:أنه ما جرى على لسانه الحلف بالآباء، لا ذاكراً، ولا آثراً.
    وليس المقصود من قوله: (ما حلفت بذلك ذاكراً ولا آثراً) بأن الذي يحكي حلف غيره يكون حالفاً، بل الذي يحكي حلف غيره لا يكون حالفاً، إذا قلت: قال فلان والله كذا، ما كنت أنا حلفت وإنما حكيت حلفه.
    وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم وأرضاهم من الاستسلام والانقياد لاتباع السنن، وأنهم إذا بلغتهم السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أخذوا بها وتركوا الشيء الذي نهاهم عنه؛ لأن عمر رضي الله عنه لما حصل النهي وكان قبل ذلك يقول: وأبي وأبي يكرر، لما سمع النهي أعرض وأمسك، ولم يفعل ذلك في مستقبل حياته لا مبتدئاً الحلف، ولا عازياً الحلف إلى غيره.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد وقتيبة بن سعيد].عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    وقتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن سالم عن أبيه].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد وسعيد بن عبد الرحمن واللفظ له قالا حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، قال عمر: فو الله ما حلفت بها بعد ذاكراً ولا آثراً)]. فيه بيان أن عمر رضي الله عنه التزم واستسلم وانقاد، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد وسعيد بن عبد الرحمن].
    محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    وسعيد بن عبد الرحمن بن حسان، ثقة أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن سفيان].
    سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن سالم عن أبيه].
    الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    حديث: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد حدثنا محمد وهو ابن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه أخبره عن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، قال عمر: فو الله ما حلفت بها بعد ذاكراً ولا آثراً)].ثم أورد النسائي حديث عمر من طريق أخرى وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد].
    هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن محمد وهو ابن حرب].
    هو ابن حرب الحمصي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزبيدي].
    هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.


    الحلف بالأمهات

    شرح حديث: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحلف بالأمهات.أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)].
    أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الحلف بالأمهات، والمقصود: أنه كما يمنع الحلف بالآباء كذلك يمنع الحلف بالأمهات، وإنما ذكر الآباء والأمهات؛ لأنهم أقرب الناس للإنسان، ولقوة صلتهم بهم، ولأنهم سبب وجودهم، ولتمكنهم منهم، فكانوا يحلفون بآبائهم وهذه عادة قريش كما جاء في الحديث، فنهوا عن الحلف بالآباء والأمهات، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه فيه النهي عن الحلف بالآباء والأمهات.
    قال:(لا تحلفوا بالآباء ولا الأمهات ولا بالأنداد) الأنداد: هي الأصنام التي كانوا يحلفون بها في الجاهلية، فيقول: واللات والعزى، غير ذلك من الأصنام التي كانوا يعظمونها ويحلفون بها، ومن المعلوم أنهم لما دخلوا في الإسلام منعوا، وجاء التنصيص على الأشياء التي كانت موجودة عندهم، والتي كانوا ألفوها واعتادوها.
    (ولا تحلفوا إلا بالله) لما ذكر النهي عن الأمور الثلاثة أتى بجملة تشملها وتشمل غيرها، قال: (لا تحلفوا إلا بالله) أي: الثلاثة التي هي الآباء والأمهات والأصنام وغيرها كلها لا يحلف به، بل الحلف يجب أن يكون مقصوراً على الله وحده لا شريك له، (ولا تحلفوا إلا بالله)، وإذا حلفتم بالله (لا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)، أيضاً الحلف إذا حصل بالله لا يكون على كذب، بل يكون على صدق، فهو فيه قصر الحلف على أن يكون بالله، وقصر الحلف بالله على أن يكون بالصدق، لا بالكذب.
    والحلف بغير الله عز وجل شرك، والحلف بالله عز وجل توحيد، وقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لأن أحلف بالله كاذباً، أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً)؛ لأن الحلف بالله توحيد، وكونه يكذب، فالكذب معصية، والحلف بغير الله شرك، والشرك يجب الحذر منه، وكونه حلف بغير الله وهو صادق، أي: الصدق وإن كان مطلوباً إلا أن المطلوب هو ترك الشرك والابتعاد عنه، فالحلف بالله وإن كان الإنسان كاذباً، أهون من الحلف بغير الله صادقاً؛ لأن حسنة التوحيد وإن كان فيها معصية الكذب، أهون من سيئة الشرك وإن كان فيها طاعة الصدق.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم...)


    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي].هو أحمد بن علي المروزي ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [عن عبيد الله بن معاذ].
    هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أبيه].
    هو معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عوف].
    هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن سيرين].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.


    الحلف بملة سوى الإسلام

    شرح حديث: (من حلف بملة سوى الإسلام كاذباً فهو كما قال...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحلف بملة سوى الإسلامأخبرنا قتيبة حدثنا ابن أبي عدي عن خالد ح وأخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد حدثنا خالد عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف بملة سوى الإسلام كاذباً فهو كما قال. قال قتيبة في حديثه: متعمداً. وقال يزيد: كاذباً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به في نار جهنم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الحلف بملة سوى الإسلام، يعني: أنه أكد الشيء بانتسابه إلى دين غير دين الإسلام بأن قال: هو يهودي إن فعل كذا وكذا، أو نصراني إن فعل كذا وكذا، أو ما إلى ذلك، أي: أن معناه يعظم الشيء بانتسابه إلى ذلك الدين، وإضافة نفسه إلى ذلك الدين.
    أورد النسائي حديث ثابت بن الضحاك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بملة سوى الإسلام كاذباً فهو كما قال) يعني: أنه يكون من أهل ذلك الدين، وهذا فيه تفصيل لأهل العلم، يقول: (من حلف بملة سوى الإسلام) أي: راضياً معظماً لهذا الدين ومستحسناً له، فإنه كما قال، أما إذا كان لا يقصد ذلك وإنما قصد استبعاد أن يحصل منه ذلك الشيء الذي أراده، فإنه لا يكون كافراً بذلك، لكن لا يجوز له أن يأتي بهذه الألفاظ الخبيثة والقبيحة التي هي كونه يحلف بملة سوى الإسلام، ويضيف نفسه إلى ملة سوى الإسلام.
    (ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله تعالى به يوم القيامة) من قتل نفسه بسم، فإنه يتحساه في نار جهنم، ومن رمى نفسه من شاهق، فإنه يهوي في جهنم، وجاء في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك وأنه يعذب بذلك الشيء الذي قتل نفسه به يوم القيامة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من حلف بملة سوى الإسلام كاذباً فهو كما قال...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة عن ابن أبي عدي].مر ذكره.
    [عن ابن أبي عدي].
    هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد].
    هو خالد بن مهران الحذاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإنما لقب الحذاء؛ لأنه كان يجالس الحذائين، وليس منسوباً إلى بيع الأحذية ولا صناعتها، ولكن كان يأتي إلى الحذائين ويجلس عندهم، فقيل له: الحذاء، وهي مما يقولون عنه: نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن، والذي يسبق إلى الذهن أن الحذاء هو الأحذية الذي يصنع.
    [ح وأخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع].
    ثم أتى بـ(ح) وهي تحول من إسناد إلى إسناد، فقال:ح وأخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن يزيد].
    هو ابن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد].
    هو خالد الحذاء وقد مر ذكره.
    [عن أبي قلابة].
    هو عبد الله بن زيد الجرمي، ثقة كثير الإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثابت بن الضحاك].
    رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (من حلف بملة سوى الإسلام كاذباً فهو كما قال...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمود بن خالد حدثنا الوليد حدثنا أبو عمرو عن يحيى أنه حدثه قال: حدثني أبو قلابة قال: حدثني ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من حلف بملة سوى الإسلام كاذباً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به في الآخرة)].أورد النسائي حديث ثابت بن الضحاك من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرني محمود بن خالد].
    هو محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن الوليد].
    هو الوليد بن مسلم ثقة، كثير التدليس والتسوية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عمرو].
    هو أبو عمرو الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو، ثقة، فقيه الشام ومحدثها، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك].
    وقد مر ذكرهما.


    الحلف بالبراءة من الإسلام

    شرح حديث: (من قال: إني بريء من الإسلام فإن كان كاذباً فهو كما قال...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحلف بالبراءة من الإسلام.أخبرنا الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً لم يعد إلى الإسلام سالماً)].
    أورد النسائي: الحلف بالبراءة من الإسلام، أورد النسائي فيه حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من قال: إني بريء من الإسلام فإن كان كاذباً..).
    لما ذكر النسائي في الترجمة السابقة: الحلف بملة سوى الإسلام يعني كون الإنسان يضيف نفسه إلى دين غير دين الإسلام إن حصل كذا وكذا، ذكر هنا عكس ذلك وهو: أنه ينص على براءته من الإسلام، أي: أنه يقول في حلفه: أنا بريء من الإسلام إن حصل كذا وكذا، قال: (فإن كان كاذباً فهو كما قال) يعني: مثلما تقدم.
    (وإن كان صادقاً لم يعد إلى الإسلام سالماً) يعني أنه لا بد له من نقص وخلل إذا عاد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من قال: إني بريء من الإسلام فإن كان كاذباً فهو كما قال...)


    قوله: [أخبرنا الحسين بن حريث].هو الحسين بن حريث المروزي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن الفضل بن موسى عن حسين بن واقد].
    الفضل بن موسى مر ذكره، والحسين بن واقد المروزي ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله بن بريدة].
    هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه]
    هو بريدة بن الحصيب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الحلف بالكعبة

    شرح حديث: (... فأمرهم النبي إن أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحلف بالكعبة.أخبرنا يوسف بن عيسى حدثنا الفضل بن موسى حدثنا مسعر عن معبد بن خالد عن عبد الله بن يسار عن قتيلة امرأة من جهينة رضي الله عنها: (أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنكم تنددون وإنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، ويقولون: ما شاء الله ثم شئت)].
    ثم أورد النسائي: الحلف بالكعبة، أي: أنه لا يجوز؛ لأنها مخلوقة، والحلف بالمخلوق لا يجوز، لكن الإنسان الذي عود نفسه أن يحلف بمخلوق وله تعظيم، فعليه أن يضيف إليه كلمة رب قبل ذلك المخلوق فالإنسان إذا كان يحلف بالكعبة يأتي بكلمة رب قبل الكعبة ويقول: ورب الكعبة، وكذلك إذا كان يحلف بالنبي يقول: ورب النبي.
    أورد النسائي حديث قتيلة الجهنية أن يهودياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إنكم تنددون) أي: تجعلون لله أنداداً، (وتشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة)، تقولون: ما شاء الله وشئت فيجمعون بين مشيئة الله ومشيئة غيره، ويحلفون بغير الله عز وجل، يحلفون بالكعبة، قال: إنكم تنددون وتشركون، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، أن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت، بأن يأتوا بكلمة (ثم) التي تدل على عدم التماثل والتساوي، وأن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل، وكذلك أيضاً يأتون برب قبل الكعبة فيقولون: ورب الكعبة بدل والكعبة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فأمرهم النبي إن أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة...)


    قوله: [أخبرنا يوسف بن عيسى].هو المروزي، ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن الفضل بن موسى].
    مر ذكره.
    [مسعر بن كدام]
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن معبد بن خالد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن يسار].
    ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن قتيلة].
    هي قتيلة الجهنية وهي صحابية خرج حديثها النسائي.


    الأسئلة


    التخرص في معرفة المحب والمبغض في لعبة العقد


    السؤال: نرجو من فضيلتكم البيان والتفصيل في هذا الأمر الذي سنعرضه عليكم وهو ظاهرة قد انتشرت وللأسف الشديد بين الفتيات في المدارس بصورة ملفتة، بل ومحزنة والله المستعان وهي أن تسأل الطالبة من قبل صديقاتها عن تحديد اسم مقرب إلى نفسها أو اسم تحبه بصرف النظر عن كون هذا الاسم يخص الرجل أو المرأة، ثم تأتي بسلسال عادي وهو ما تلبسه المرأة في عنقها ويوضع على كف التي سألت بشكل حلزوني فتقوم تلك بجمع كفيها وتحريكها أو خفضها وقراءة بعض السور القصيرة عدة مرات كالفاتحة أو الإخلاص أو غيرها من السور، ثم تفتح يدها بعد الانتهاء من القراءة وترى إذا عقدت السلسلة وتشابكت مع بعضها تكون تلك التي أشارت إلى اسمها تحبها، وإذا لم تعقد كان العكس، والله المستعان.

    تقول هذه: إنه والله لأمر ينفطر القلب كمداً لأجله، والمصيبة الأعظم من ذلك حين سألنا بعضهن عن سبب فعلها ذلك وبينا لها أن ذلك استهزاء بالقرآن وآياته وفيه نوع من البدع على حسب اجتهادنا، قالت متحججة بأنها تمزح وهي غير قاصدة، فما قول فضيلتكم في ذلك مع بيان حكم تلك الفعلة، وتوجيه كلمة لكل من وقعت في شراك تلك الفعلة، وجزاكم الله خيراً.
    الجواب: الواجب هو الالتزام بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، وإذا أرادت الواحدة أو الإنسان أن يعمل شيئاً يبحث عنه أولاً هل هو سائغ أو غير سائغ، هل هو مشروع أو غير مشروع، والرجوع في ذلك إلى أهل العلم؛ لأن الله تعالى يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، هذا هو الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يكون متبعاً، لا أن يكون مبتدعاً، ولا أن يكون تابعاً لمن يبتدع أو من يأتي بشيء غير صحيح، بل الواجب هو الحذر من الأمور المنكرة ومن كل شيء يشين، ومن كل أمر ليس طاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وذكر مثل هذه الأمور استهزاء أمر خطير، لا أن يكون جداً ولا أن يكون استهزاء، فكله خطير، فالواجب هو الحذر من الوقوع في أي شيء ليس طاعة لله عز وجل وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى كل إنسان سواء كان رجل أو امرأة أن يكون متبعاً، وإذا التبس عليه الأمر أو أشكل، فإنه يسأل من عنده علم ويأخذ بالحق ويحذر ما هو باطل لا يسوغ، وهذا هو الجواب على هذا السؤال وعلى غيره مما يشابهه ويماثله، القضية قضية اتباع وحذر من أمور محدثة ليس لها أساس من الدين وليس لها أصل في دين الله عز وجل.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #478
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإيمان والنذور

    (475)

    - (باب الحلف بالطواغيت) إلى (باب الكفارة بعد الحنث)


    الحلف تعظيم للمحلوف به وهذا لا يكون إلا لله تعالى؛ ولهذا حرم الحلف بغير الله كالحلف بالطواغيت واللات والعزى، ومن حلف بذلك فليقل: لا إله إلا الله، ومن حق المسلم على المسلم إبرار قسمه إذا لم يترتب على ذلك ضرر، ومن حلف على شيء فرأى غيره خيراً منه فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير.
    الحلف بالطواغيت
    شرح حديث: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحلف بالطواغيت.
    أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يزيد أخبرنا هشام عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت)].
    يقول النسائي رحمه الله: الحلف بالطواغيت، والطواغيت هي: الأصنام التي تعبد من دون الله عز وجل، وقد كانت عادتهم في الجاهلية قبل أن يدخلوا في الإسلام أن يحلفوا بآبائهم وأمهاتهم، ويحلفوا بالأصنام والأنداد والطواغيت، فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحلفوا بهذه الأيمان التي كانوا اعتادوها في الجاهلية.
    وقد مر في بعض الأحاديث أن قريشاً كانت تحلف بآبائها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم)، وجاء أيضاً في الحديث: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)، والأنداد هي: الأصنام، وإنما قيل لهم ذلك ونص على هذه الأشياء؛ لأنها هي التي كانوا يحلفون بها كما جاء عن عمر رضي الله عنه أنه: (أدركه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: وأبي وأبي) جرياً على ما كانوا عليه في الجاهلية، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحلفوا بآبائكم) فاستسلم وانقاد عمر رضي الله عنه، وهذا شأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، قال عمر: (فوالله ما حلفت بها ذاكراً ولا آثراً) يعني: ما فعل الحلف بتلك اليمين المنهي عنها، بل ولا حكى حلف غيره بها، عندما يتحدث ويخبر، لا يقول: فلان قال: وأبي أو فلان حلف بأبيه، وإنما كانوا يعرضون عن هذا الشيء الذي نهي عنه، لا بفعلهم ولا بحكاية فعل غيرهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فهم السباقون إلى كل خير، وهم الحريصون على كل خير، والخير كل الخير في الاقتداء بهم والإتساء بهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    والطواغيت كما ذكرت هي الأصنام وهي الأنداد، وسبب ذكرها كونهم اعتادوها في الجاهلية، ولهذا سيأتي في بعض الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من قال: واللات أو من حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله) يعني: من جرى على لسانه الحلف الذي اعتاده في الجاهلية؛ لأنهم ألفوا ذلك واعتادوه، ويجري على لسانهم من غير قصد، فعلى كل من حصل منه ذلك أن يبادر إلى أن يغسل هذه الكلمة ويمحوها بذكر التوحيد والإتيان به، حتى يكون ذكر الله عز وجل هو الجاري على لسانه، وحتى يذكر الله عز وجل الذي تعظيمه هو التعظيم المطلق، وتعظيم غيره إنما يكون في حدود ما شرعه، وجاء عنه على لسان رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت)


    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].
    هو أحمد بن سليمان الرهاوي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن يزيد].
    هو يزيد بن هارون الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].
    هو هشام بن حسان القردوسي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، يقول ابن حجر: روايته عن الحسن وعطاء فيها مقال؛ قيل: لأنه كان يرسل عنهما، لكنه كما هو معلوم لا يؤثر؛ لأن الذي جاء في هذا الحديث من طريق هشام بن حسان جاء عن طريق غيره، يعني النهي عن الحلف بالآباء والأنداد، وجاء أيضاً في صحيح مسلم النهي عن الحلف بالطواغيت، والأحاديث التي مرت بنا أيضاً: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم وبالأنداد) والأنداد هي الطواغيت.
    [عن الحسن].
    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن سمرة].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الحلف باللات
    شرح حديث: (من حلف منكم فقال: باللات فليقل: لا إله إلا الله...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحلف باللات.
    أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف منكم فقال: باللات فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الحلف باللات، واللات صنم من الأصنام، ووثن من الأوثان كانوا يعبدونها في الجاهلية، وقد جاء القرآن فيها: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:19-20] وكانوا يحلفون بها ويحلفون بغيرها من الأصنام، ولما دخلوا في الإسلام، وهم حديثو عهد بالإسلام، صار يجري على لسانهم بعد الإسلام ما كان يجري عليها قبل أن يسلموا، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أنه من بدر منه مثل هذا اللفظ على ما ألفه في الجاهلية فعليه أن يبادر إلى ذكر الله عز وجل وأن يقول: لا إله إلا الله حتى يكون ذكر الله عز وجل على لسانه، وحتى يغفر بهذه الكلمة ما جرى على لسانه من الباطل مما كانوا ألفوه في الجاهلية واعتادوه في الجاهلية.
    و(لا إله إلا الله) هي كلمة الإخلاص وهي كلمة التوحيد مشتملة على النفي والإثبات، نفي عام وإثبات خاص، نفي عام في أولها وإثبات خاص في آخرها، وهو أن الإنسان عندما يقول: لا إله إلا الله ينفي العبادة عن كل ما سوى الله بقوله: لا إله، ويثبتها لله وحده بقوله: إلا الله، فهي مشتملة على ركنين: نفي عام وهو نفي العبادة عن كل ما سوى الله، وإثبات خاص وهو إثباتها أي: العبادة لله عز وجل.
    ثم قال: [(ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق)] وكانوا أيضاً يستعملون القمار، وكانوا يتقامرون في الجاهلية وجاء الإسلام وحرم ذلك، وكان يحصل منهم ما كانوا ألفوه، فالنبي صلى الله عليه وسلمن أرشد من تفوه بهذه الكلمة التي اعتادوها أن يبادر إلى الصدقة، وأن يتصدق بشيء يخرجه لله عز وجل، فيكون ذلك كفارة لتلك الكلمة الباطلة التي قالها، وهي قوله: (تعال أقامرك)، قال عليه الصلاة والسلام: (ومن قال: تعال أقامرك فليتصدق) أي: أن هذا المال الذي كان يريد أن يحصله عن طريق الباطل، أمره بأن يخرج منه ما يعود عليه نفعه في الدنيا والآخرة وهو الصدقة التي تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) فأمر عليه الصلاة والسلام من حصلت منه تلك الكلمة الباطلة السيئة الخبيثة وهي الدعوة إلى القمار، بأن يبادر بعدها إلى الصدقة بالمال؛ لأنه بكلمته الأولى أراد أن يحصل باطلاً وهو هنا أريد منه أن يحصل أجراً وثواباً بأن يتصدق مما عنده لله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من حلف منكم فقال: باللات فليقل: لا إله إلا الله...)

    قوله: [أخبرنا كثير بن عبيد].
    هو كثير بن عبيد الحمصي، ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن محمد بن حرب].
    هو محمد بن حرب الحمصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزبيدي].
    هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد بن عبد الرحمن].
    هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    الحلف باللات والعزى
    شرح حديث سعد بن أبي وقاص: (...فحلفت باللات والعزى ... فقال لي: قل: لا إله إلا الله...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى:[الحلف باللات والعزى
    أخبرنا أبو داود حدثنا الحسن بن محمد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كنا نذكر بعض الأمر وأنا حديث عهد بالجاهلية، فحلفت باللات والعزى، فقال لي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ما قلت، ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره فإنا لا نراك إلا قد كفرت، فأتيته فأخبرته فقال لي: قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ثلاث مرات، وتعوذ بالله من الشيطان ثلاث مرات، واتفل عن يسارك ثلاث مرات ولا تعد له)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الحلف باللات والعزى، وأورد فيها حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، وهو يفيد أنه كان يحصل منهم ذلك؛ لأنهم ألفوه في الجاهلية، واعتادوه فيها ولهذا قال: (إنه حديث عهد بجاهلية) أي: هذا شيء يجري على ألسنتهم، ولما قال هذه الكلمة أنكر ذلك عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: [(ما نراك إلا قد كفرت، فاذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه وقال له: قل: لا إله إلا الله ثلاث مرات، وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، واتفل عن يسارك ثلاث مرات ولا تعد لهذا)]، فدل هذا على أن من حصل منه ذلك فعليه أن يذكر الله عز وجل ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويتفل عن يساره، والحديث الذي مر أنه يقتصر على قول: لا إله إلا الله؛ لأنه قال: (من حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله) ولم يزد على ذلك، وفي هذا الحديث هذه الزيادة، والشيخ الألباني ضعف الحديث وذكر في إرواء الغليل أن فيه أبا إسحاق السبيعي وقد اختلط وقد عنعنه، وهو في هذا الإسناد الذي معنا من طريقين جاء في أحدهما التصريح بالسماع من مصعب بن سعد؛ لأنه قال: حدثني مصعب بن سعد، فالطريق الأولى فيها العنعنة، والطريق الثانية فيها التصريح بالتحديث وقد ذكر أنه اختلط وقد عنعنه، فالعنعنة إنما صارت في طريق واحد، والطريق الأخرى فيها التصريح بالسماع.
    تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص: (...فحلفت باللات والعزى ... فقال لي: قل: لا إله إلا الله...)
    قوله: [أخبرنا أبو داود].
    هو سليمان بن سيف الحراني، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن الحسن بن محمد].
    هو الحسن بن محمد بن أعين، صدوق، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [عن زهير].
    هو زهير بن معاوية أبو خيثمة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مصعب بن سعد].
    هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    حديث سعد بن أبي وقاص: (حلفت باللات والعزى ... فقال: قل: لا إله إلا الله...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الحميد بن محمد حدثنا مخلد حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه حدثني مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (حلفت باللات والعزى فقال لي أصحابي: بئس ما قلت، قلت هجراً، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال: قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وانفث عن يسارك ثلاثاً وتعوذ بالله من الشيطان ثم لا تعد)].
    أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى وهو قريب من الذي قبله، وفيه أنهم قالوا له: لقد قلت هجراً. والهجر هو الكلام القبيح.
    قوله: [أخبرنا عبد الحميد بن محمد].
    هو الحراني، ثقة، أخرج له النسائي.
    [أخبرنا مخلد بن يزيد الحراني].
    صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن يونس بن أبي إسحاق].
    هو يونس بن أبي إسحاق السبيعي، صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه عن مصعب عن سعد].
    وقد مر ذكرهم.

    إبرار القسم

    شرح حديث: (أمرنا رسول الله بسبع... وإبراء القسم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إبرار القسم.
    أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار عن محمد حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم عن معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبع: أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وتشميت العاطس، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، وإبرار القسم، ورد السلام)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إبرار القسم، يعني: إذا أقسم إنسان على إنسان بقسم، فيستحب له أن يبر بقسمه، وأن لا يجعله حانثاً بقسمه، وهذا فيما إذا لم يكن هناك مضرة، وإلا فإنه إذا كان يترتب على ذلك مضرة فإنه لا يتعين ذلك ولا يلزم ذلك، وإنما له أن يقول له: لا تحلف أو لا تقسم أو ما ينبغي أنك تقسم، ولا يلزمه أن يبر قسمه.
    وقد جاء في بعض الأحاديث أن أبا بكر رضي الله عنه لما ذكر رجل رؤيا رآها، وجاء للنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يعبرها فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبرها، فأذن له فعبرها، فسأله وحلف عليه أن يخبره بإصابته أو كذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقسم) ولم يبر قسمه، فهذا يدل على أنه ليس كل قسم يبر، ولكن حيث لا يترتب على ذلك محذور، أو مضرة، فإنه يستحب للإنسان أن يبر قسم أخيه وأن لا يجعله حانثاً.
    وقد أورد النسائي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: [(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإبرار القسم، وإجابة الداعي، وتشميت العاطس)] إذا حمد الله يشمت ويقال: يرحمك الله.
    [(ونصر المظلوم، ورد السلام)] هذه أمور مأمور بها، منها ما هو واجب مثل رد السلام، ومنها ما هو مستحب، وكلها مأمور بها وهي من السبع التي هي من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، والمقصود منها هنا: وإبرار القسم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أمرنا رسول الله بسبع... وإبراء القسم ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو الملقب الزمن أبو موسى العنزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومثله محمد بن بشار الذي ذكر معه، وهو بندار بصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو محمد بن جعفر الملقب غندر البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث.
    [عن الأشعث بن سليم].
    هو أشعث بن أبي الشعثاء، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن معاوية بن سويد بن مقرن].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء بن عازب].
    رضي الله تعالى عنه وعن أبيه وعن الصحابة أجمعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها
    شرح حديث: (ما على الأرض يمين أحلف عليها فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيته)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها.
    أخبرنا قتيبة حدثنا ابن أبي عدي عن سليمان عن أبي السليل عن زهدم عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما على الأرض يمين أحلف عليها فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيته)].
    أورد النسائي: إذا حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها ماذا يفعل؟ أي: أنه يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه، وهذا من تيسير الله عز وجل في شرعه، فالإنسان إذا حلف على شيء وهو عازم على فعله، فله المخرج من تلك اليمين، وليس ملزماً بها أو يتعين عليه وفاؤها، وقد يندم ويتبين أن عدمها خير منها، وأن الأولى هو عدم هذا الذي حلف عليه؛ فلهذا جعل الله تعالى مخرجاً للإنسان من هذه اليمين بأن يكفر عنها ويأتي الذي هو خير، وليس بملزم أن يستمر عليها وأن ينفذها، بل هناك مندوحة وهناك مخرج يمكن للإنسان أن يتخلص من هذا الذي وقع فيه ويريد الخلاص منه بأن يكفر ويأتي الذي يريد مما هو خير.
    وأورد النسائي حديث أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(ما على الأرض يمين أحلف عليها فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيته)] أي: أتى هذا الذي يريد أن يأتيه؛ لأنه يرى أنه خير.
    وقوله: [(ما على الأرض يمين أحلف عليها)]، يعني: عام في المحلوف عليه أنه إذا حلف على شيء ثم تبين له أن غير المحلوف عليه أولى منه، فإنه بإمكانه أن يكفر وأن يأتي الذي هو خير، وهنا ما ذكرت الكفارة لكنها ذكرت في الطرق الأخرى وفي الأحاديث الأخرى.
    وأما إذا استثنى فما تلزم كفارة؛ لأنه سيأتي أن الاستثناء في اليمين لا تلزمه كفارة؛ لأنه علق الأمر بمشيئة الله عز وجل، فيمكنه أن لا يحنث بيمينه ولا تلزمه كفارة، يمكنه أن يمضي اليمين ويمكنه أن يتركها وليس عليه كفارة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما على الأرض يمين أحلف عليها فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيته)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي عدي].
    هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان].
    هو سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي السليل].
    هو ضريب بن نقير، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن زهدم].
    هو زهدم بن مضرب، ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبي موسى].
    هو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه، وهو مشهور بكنيته: أبي موسى واسمه: عبد الله بن قيس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الكفارة قبل الحنث
    شرح حديث أبي موسى الأشعري: (... إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الكفارة قبل الحنث.
    أخبرنا قتيبة حدثنا حماد عن غيلان بن جرير عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رهط من الأشعريين نستحمله فقال: والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم، ثم لبثنا ما شاء الله فأتي بإبل فأمر لنا بثلاث ذود، فلما انطلقنا قال بعضنا لبعض: لا يبارك الله لنا، أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نستحمله فحلف أن لا يحملنا، قال أبو موسى: فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: ما أنا حملتكم، بل الله حملكم، إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير)].
    أورد النسائي: باب الكفارة قبل الحنث، فالإنسان عندما يرى أن غير المحلوف عليه أولى من المحلوف عليه وأنه يريد أن يرجع في يمينه ولا يريد أن يمضي فيها، بل يريد الحنث فيها، فإن الله قد يسر وخفف فيما شرع إذ جعل للإنسان مخرجاً من هذا الذي ألزم نفسه به.
    ثم هل الحنث قبل الكفارة أو الكفارة قبل الحنث؟ كل ذلك سائغ، إن كفَّر قبل أن يحنث وأن يفعل الشيء الذي أراد أن لا يفعله وفعله ثم كفَّر بعد ذلك، أو قدم الكفارة ثم فعل الشيء الذي رأى أنه خير وترك تلك اليمين التي حلف عليها أو الشيء الذي حلف عليه، كل ذلك سائغ.
    وقد أورد النسائي بابين: الحنث قبل الكفارة، والكفارة قبل الحنث، وأورد الأحاديث التي وردت في كل منهما، وفي بعضها ذكر الحنث أولاً والتكفير ثانياً، وفي بعضها ذكر التكفير أولاً والحنث ثانياً، وهذا يدلنا على أن الأمر في ذلك واسع، فله أن يكفر قبل أن يحنث وله أن يكفر بعد أن يحنث.
    أورد النسائي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
    [(أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رهط من الأشعريين نستحمله فقال: والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم)].
    أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يخبر أنه جاء في رهط من الأشعريين جماعته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحمله يطلب منه إبلاً يركبون عليها ليجاهدوا في سبيل الله، وألحوا عليه فحلف وقال: (والله لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم)، ثم بعد ذلك جاءته إبل فأعطاهم ثلاث ذودٍ، أي: ثلاثاً من الإبل، فأخذوها وما ذكروه بالحلف الذي كان حلف أن لا يحملهم وهو مع ذلك أعطاهم، فتحدثوا فيما بينهم وقالوا: لا يبارك لنا في هذا الشيء الذي أخذناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعله نسي اليمين التي حلف عليها فلو أخبرناه، فرجعوا وأخبروه فقالوا: إنك قلت كذا وكذا، فقال: ما أنا حملتكم بل الله حملكم، هو الذي ساق هذا إليكم ورزقكم ذلك، وهو عليه الصلاة والسلام أخبر بأنه لا يحلف على يمين فيرى غيرها خيراً منها إلا كفَّر عن يمينه وأتى الذي هو خير.
    فهذا يدل على أن الحلف إذا لم يرد تنفيذه فهناك طريق التخلص من إمضائه، وذلك بالكفارة ثم لا يمضي ذلك الشيء الذي حلف عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى الأشعري: (... إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    مر ذكره.
    [عن حماد].
    هو ابن زيد، وإذا جاء قتيبة يروي عن حماد، فالمراد به ابن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن غيلان بن جرير].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بردة].
    هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو أبو موسى وقد مر ذكره.

    شرح حديث عبد الله بن عمرو: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى عن عبيد الله بن الأخنس حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير)].
    أورد النسائي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: [(من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير)] وهو مثلما تقدم، وأورده النسائي في باب الكفارة قبل الحنث؛ لأنه بدأ بالكفارة قبل الحنث حيث قال: (فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير) فبدأ بالكفارة فدل هذا على أن الكفارة تقدم، والأحاديث التي ستأتي في الباب الذي يليه فيها الحنث قبل الكفارة وأنه يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه، فدل هذا على أن الأمر سائغ هذا وهذا، كل ذلك صحيح، إن فعل هذا فهو حق، وإن فعل هذا فهو حق.
    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن الأخنس].
    صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن شعيب].
    هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو شعيب بن محمد، وهو كذلك صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وجزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جده].
    هو عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث عبد الرحمن بن سمرة: (إذا حلف أحدكم على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه...) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر عن أبيه عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إذا حلف أحدكم على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه ولينظر الذي هو خير فليأته)].
    أورد النسائي حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه وهو مثلما تقدم، وفيه تقديم الكفارة على الحنث، وهذا مقصود الترجمة.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
    هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن المعتمر].
    هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو سليمان بن طرخان، وقد مر ذكره.
    [عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة].
    وقد مر ذكرهما.


    حديث عبد الرحمن بن سمرة: (إذا حلفت على يمين فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا عفان حدثنا جرير بن حازم سمعت الحسن حدثنا عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا حلفت على يمين فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير)].
    أورد النسائي حديث عبد الرحمن بن سمرة من طريق أخرى وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].
    مر ذكره.
    [عن عفان].
    هو ابن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جرير بن حازم].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة].
    وقد مر ذكرهما.


    حديث عبد الرحمن بن سمرة: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن يحيى القطعي عن عبد الأعلى وذكر كلمة معناها حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير)].
    ذكر النسائي حديث عبد الرحمن بن سمرة من طريق أخرى وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى القطعي].
    صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الأعلى].
    هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [وذكر كلمة معناها].
    وذكر كلمة معناها قال: حدثنا، أي: أنه ما ضبط صيغة الأداء فذكرها بالمعنى قال: معناها كذا.
    [حدثنا سعيد].
    هو سعيد بن أبي عروبة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة].
    وقد مر ذكرهما.

    الكفارة بعد الحنث
    شرح حديث عدي بن حاتم: (من حلف على يمين فرآى غيرها خيراً منها ...)



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الكفارة بعد الحنث.
    أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت عبد الله بن عمرو مولى الحسن بن علي يحدث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الكفارة بعد الحنث، الترجمة الأولى: الكفارة قبل الحنث، وهنا الكفارة بعد الحنث، فالأمر في ذلك واسع، الأحاديث وردت بهذا وبهذا، فدل على أن ذلك كله سائغ، ويمكن أن يقال: إنه قد تكون الكفارة مقدمة على الحنث إذا كان الأمر لا يقتضي استعجالاً في إتيان المحلوف عليه؛ لأن في المبادرة إليها تخلصاً من ذلك الواجب فلا يتأخر ولا ينسى، ولكن إذا كان الأمر يقتضي المبادرة إلى الحنث، وأن الكفارة تحتاج إلى وقت كأن يكون شيء حلف عليه ويراد إنهاؤه في الحال، ولا يتطلب الأمر أن يذهب ليشتري له كفارة ثم يتصدق بها، فيبادر إلى ذلك إذا كانت المصلحة في المبادرة إليه، لكن إذا كان الأمر لا يتطلب استعجالاً، فإن المبادرة في الكفارة فيها تخلص من ذلك الواجب وتخلص من ذلك الدين الذي هو حق من حقوق الله عز وجل على الإنسان، وكما قلت: الأمر في ذلك واسع، إن قدم هذا سائغ وإن أخر هذا سائغ، لكن قد يكون تقديم الكفارة أولى في بعض الأحوال، وقد يكون تقديم الحنث أولى في بعض الأحوال.
    أورد حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه وهو بهذا المعنى، وفيه تقديم إتيان الذي هو خير على الكفارة، وهو مقصود الترجمة.


    تراجم رجال إسناد حديث عدي بن حاتم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها ...)



    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].
    هو إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [عن عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    مر ذكره.
    [عن عمرو بن مرة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمرو مولى الحسن بن علي].
    مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عدي بن حاتم].
    رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    حديث عدي بن حاتم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليدع يمينه ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري حدثنا أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليدع يمينه وليأت الذي هو خير وليكفرها)].
    أورد النسائي حديث عدي بن حاتم من طريق أخرى وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا هناد بن السري].
    هو هناد بن السري أبو السري الكوفي، ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي بكر بن عياش].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا مسلم في المقدمة.
    [عن عبد العزيز بن رفيع].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن تميم بن طرفة].
    ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عدي بن حاتم].
    وقد مر ذكره.


    شرح حديث عدي بن حاتم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير...) من طريق ثالثة



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن يزيد حدثنا بهز بن أسد حدثنا شعبة أخبرني عبد العزيز بن رفيع سمعت تميم بن طرفة يحدث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف على يمين فرأى خيراً منها فليأت الذي هو خير وليترك يمينه)].
    أورد النسائي حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه وهو مثلما تقدم إلا أن فيه اختصاراً؛ لأنه ليس فيه ذكر الكفارة ولكن الأحاديث الأخرى التي جاءت من طرق متعددة عنه والتي مر جملة منها فيها تأخير الكفارة على الحنث.


    تراجم رجال إسناد حديث عدي بن حاتم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير...) من طريق ثالثة



    قوله: [أخبرنا عمرو بن يزيد].
    هو الجرمي، صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن بهز بن أسد].
    هو بهز بن أسد العمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم].
    وقد مر ذكرهم جميعاً.


    شرح حديث مالك بن نضلة: (... فأمرني أن آتي الذي هو خير وأكفر عن يميني)



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حدثنا أبو الزعراء عن عمه أبي الأحوص عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قلت: (يا رسول الله! أرأيت ابن عم لي أتيته أسأله فلا يعطيني ولا يصلني ثم يحتاج إلي فيأتيني فيسألني وقد حلفت أن لا أعطيه ولا أصله؟ فأمرني أن آتي الذي هو خير وأكفر عن يميني)].
    أورد النسائي حديث مالك بن نضلة رضي الله تعالى عنه أنه كان له ابن عم فكان يذهب إليه ويسأله إذا احتاج فلا يعطيه، ثم يأتي ذلك الشخص الذي سئل ولم يعط يطلب منه الحاجة فأراد أن يقابله بالمثل، وأن لا يحقق له ما يريد، وقد حلف على أن يعامله بالمثل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بأن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه، يأتي الذي هو خير وهو كونه يصله وإن لم يصله ذاك؛ لأنه كما جاء: (ليس الواصل بالمكافئ وإنما الواصل هو الذي إذا قطعت رحمه وصلها) ليست صلة الإنسان عن طريق المبادلة تعطيني وأعطيك وتصلني وأصلك، وإنما هو نفسه يصل على الدوام، لا إن وصله قريبه أو قطعه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يبر قريبه، وأن يصله وإن لم يصله هو، وكون الإنسان يحسن ويقابل إساءة من أحسن إليه بالإحسان أيضاً خير من أن يقابل الإساءة بالإساءة.


    تراجم رجال إسناد حديث مالك بن نضلة: (... فأمرني أن آتي الذي هو خير وأكفر عن يميني)



    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].
    هو محمد بن منصور الجواز المكي، ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزعراء].
    هو عمرو بن عمرو بن مالك بن نضلة الجشمي، ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عمه].
    أبو الأحوص وهو عوف بن مالك بن نضلة الجشمي، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو مالك بن نضلة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد، وأصحاب السنن الأربعة.


    شرح حديث عبد الرحمن بن سمرة: (إذا آليت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير...)



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا هشيم أخبرنا منصور ويونس عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: (قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا آليت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك)].
    أورد النسائي حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا آليت) يعني: حلفت، لأن الإيلاء هو: الحلف، لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [البقرة:226] يعني: يحلفون، فالإيلاء هو الحلف، (إذا آليت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك) وفيه تقديم الحنث على الكفارة.


    تراجم رجال إسناد حديث عبد الرحمن بن سمرة: (إذا آليت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير...)



    قوله: [أخبرنا زياد بن أيوب].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن هشيم].
    هو هشيم بن بشير الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو منصور بن زاذان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكان عابداً، ومما ذكر عنه: أن بعض العلماء قال: إن منصور بن زاذان لو قيل له: ملك الموت على الباب، ما كان عنده زيادة على الشيء الذي كان يعمله من قبل؛ لأنه كان ملازماً للعبادة رحمة الله عليه.
    [ويونس].
    هو يونس بن عبيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة].
    وقد مر ذكرهما.


    حديث عبد الرحمن بن سمرة: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا ابن عون عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: قال يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير منها وكفر عن يمينك)].
    أورد النسائي حديث عبد الرحمن بن سمرة وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    مر ذكره.
    [عن يحيى].
    هو يحيى القطان مر ذكره.
    [عن ابن عون].
    هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة].
    وقد مر ذكرهما.


    حديث عبد الرحمن بن سمرة: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن قدامة في حديثه عن جرير عن منصور عن الحسن البصري قال: قال عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك)].
    أورد النسائي حديث عبد الرحمن بن سمرة من طريق أخرى وهو مثلما تقدم، وفيه كالذي قبله تقديم الحنث على الكفارة.
    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].
    هو محمد بن قدامة المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [في حديثه عن جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد الضبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة].
    وقد مر ذكرهما.



    الأسئلة



    حكم كتابة القصص المتخيلة لغرض الدعوة إلى الله


    السؤال: هل يجوز كتابة القصص المتخيلة والتي يحدث مثلها في الواقع كثيراً من أجل الدعوة إلى الله بها؟

    الجواب: ليس للإنسان أن يأتي بقصص متخيلة، وهي غير صحيحة، ويكفيه الواقع، وخير ما يقص على الناس هو القصص التي جاءت في القرآن، وكذلك القصص التي جاءت عن أصحاب رسول الله رضي الله تعالى عنهم وكذلك التي جاءت في الأحاديث، ففي الصدق ما يغني عن الكذب.


    الجلوس على السجاجيد المرسوم عليها المسجد الحرام أو الكعبة



    السؤال: يقوم كثير من طلاب المدارس وغيرهم بوضع سجادة على الكرسي ويجلسون عليها أو على الطاولة ويكون مرسوماً على السجادة صورة المسجد الحرام والكعبة المشرفة أو صورة المسجد النبوي، فهل هذا الصنيع جائز؟

    الجواب: أقول: لا بأس بذلك، ولكن لا ينبغي أن يكون في هذه السجاجيد هذه الرسومات، وهذه الصور الكعبة وغير الكعبة، لكنها إذا وجدت وجلس الإنسان عليها فلا بأس به.


    حكم سماع الأغاني بدون موسيقى


    السؤال: سئل بعض طلبة العلم في محاضرة له عن سماع الأغاني بدون موسيقى فأجاب بجواز ذلك إن كانت الأغنية طيبة الكلمات وليس فيها ما يخالف الشرع، فهل فتواه هذه صحيحة؟

    الجواب: الأحاديث وردت مطلقة عامة، فلا تخصص بشيء دون شيء، والإنسان عليه أن يحذر من الأغاني مطلقاً، وأن يصون سمعه عن سماع الأغاني، بل يشغله بسماع كلام الله عز وجل، والكلام الحق الذي لا غبار عليه ولا شيء فيه، هذا هو الذي على الإنسان أن يفعله، والأغاني مطلقاً ليس للإنسان أن يسمعها، ولو كانت معانيها جميلة معانيها طيبة؛ لأن المقصود هو الأغاني نفسها وعشق الأصوات والتمتع بالغناء وهو محرم، لكنه إذا صار في أمر محرم والكلام الذي يقال أمر محرم فيصير حشفاً وسوء كيلة، وضرراً إلى ضرر وشراً إلى شر، المعنى فاسد وكذلك الأداء أو التغني.


    توجيه حديث: (أفلح وأبيه إن صدق)



    السؤال: ما توجيه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أفلح وأبيه إن صدق) ؟

    الجواب: (أفلح وأبيه إن صدق) جاءت في صحيح مسلم، وقد ذكر العلماء لها أجوبة منها جوابان: أحدهما: أن ذلك كان قبل النهي، وهذا هو أمثل القولين، والوجه الثاني قالوا: إن هذا مما كانوا يألفونه أو يجري على ألسنتهم دون أن يقصدوا معناه مثلما كانوا يقولون: عقرى حلقى، وثكلتك أمك، وهي عبارات تطلق ولا يراد معناها، لكن القول الأول أو التوجيه الأول هو الأولى، وبعض أهل العلم قال: إنها مصحفة من: (والله)؛ لأن (وأبيه) قريب رسمها من (والله)، لكنها ثابتة وليست مصحفة، والجواب عنها أو توجيهها هو ما ذكرت.


    حال حديث: (إن الأرض لتضج من نومة العلماء في الضحى)



    السؤال: وهذا يسأل عن صحة حديث: (إن الأرض لتضج إلى الله من نومة العلماء في الضحى) ؟

    الجواب: لا أعرف عن هذا شيئاً.


    دخول أماكن النجاسة بما فيه ذكر الله


    السؤال: وهذا يسأل عن دخول الحمام وفي جيبه نقود فيها لا إله إلا الله أو أوراق فيها ذكر اسم الله؟

    الجواب: هذه أمور عمت بها البلوى، والناس مضطرون إليها ولا يتمكنون من ذلك فنرجو أن ذلك لا بأس به إن شاء الله.


    حكم سب الأديان غير الإسلام


    السؤال: هل يجوز للإنسان سب دين غير دين الإسلام مثل الوثنية؟ وإذا كان هناك وثني هل يجوز سب دينه؟ وهل يجوز سب دين غير الإسلام مطلقاً؟

    الجواب: الأديان غير الصحيحة تسب وهي أهل للسب، لكن إذا كان هذا السب الذي هو حق، سيترتب عليه باطل بأن يقابل أولئك الذين سُبت أديانهم بأن يسبوا هذا الدين، أو يسبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز ذلك؛ لقوله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108] يعني: أن الحق إذا كان سيترتب عليه باطل فإنه يترك بشرطه خشية ترتب مفسدة أكبر من المصلحة، للآية السابقة، وأما الأديان المنزلة، فمعلوم أنها قبل أن تحرف وتبدل هي على حق فلا تسب، وإنما يسب ما حصل فيه التحريف والتبديل، والذي هو بأيدي اليهود والنصارى، وأما المنزل من عند الله عز وجل فنحن نؤمن ونصدق به؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقالوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم) فنحن نؤمن بالمنزل عليهم، ولكن الذي بأيديهم حرفوه وبدلوه، فهو بذلك باطل، ويشتمل على حق أيضاً لم يحرف فلا يسب، إذا ترتب على سبه سب الله أو سب الدين الإسلامي.


    حكم إقامة الصلاة بدون إذن الإمام


    السؤال: هل يجوز لمؤذن المسجد غير الراتب أن يقيم الصلاة دون إذن الإمام الراتب إذا حضر وقت الإقامة علماً بأن المؤذن لا يسمح؟

    الجواب: هذا تطفل، ليس للإنسان أن يفعل؛ لأن الإقامة للإمام، فهو الذي يأمر بها؛ لأنه هو الذي يتولى الصلاة، إلا إذا كان بينه وبين المؤذن مواطأة على أنه في الوقت الفلاني، أو أن يكون مثلاً ما عنده ساعة وقال لشخص كالمؤذن: إذا جاء الوقت أو مضى كذا يقيم الصلاة فلا بأس بذلك، أما أن يأتي واحد غير المؤذن والإمام فيقيم بدون إذن الإمام والمؤذن موجود فهذا لا يجوز، ولا يسوغ أن يقدم عليه؛ لأن هذا ليس من حقه.


    جمع وتفريق صيام الاثنين والخميس والثلاثة الأيام من كل شهر



    السؤال: أيهما أفضل: صيام الاثنين والخميس أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر؟

    الجواب: صيام الاثنين والخميس وصيام ثلاثة أيام من كل شهر جاءت بذلك السنة، وإذا كان الإنسان يصوم الاثنين والخميس ويصوم ثلاثة أيام من كل شهر التي هي أيام البيض فهذا شيء جيد، وإذا كانت الثلاثة الأيام يومي اثنين وخميس، أو خميسين واثنين فهذا جيد، وإن جعلها في الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حسن، والأمر في ذلك واسع.


    معنى اللام في قوله تعالى: (لعمرك)
    السؤال: ما معنى قوله تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72]؟

    الجواب: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72] قيل: إن هذا قسم، ومن أهل العلم من قال: إنه ليس بقسم، وإنما هي أداة من أدوات توكيد الكلام، مثل: حقاً، ولا جرم، فهي ألفاظ يؤتى بها لتوكيد الكلام، وليست من باب القسم، والشيخ حماد الأنصاري كتب في هذا بحثاً منشوراً في مجلة الجامعة ذكر فيه النقول على أنها لتوكيد الكلام، وليست بقسم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #479
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإيمان والنذور

    (476)

    (باب اليمين فيما لا يملك) إلى (باب في اللغو والكذب)



    الله تعالى أمر عباده بطاعته، وتكفل لهم برزقه، وكره لهم النذر وبين أنه إنما يستخرج من البخيل، ومع ذلك فمن نذر طاعة فعليه الوفاء وإلا فعليه كفارة يمين، ومن نذر معصية حرم عليه الوفاء.

    النهي عن النذر


    شرح حديث ابن عمر في النهي عن النذر


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن النذر.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن شعبة أخبرني منصور عن عبد الله بن مرة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير، إنما يستخرج به من البخيل)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النهي عن النذر، والإنسان لا ينبغي أن يقدم على النذر، وخير له أن لا ينذر، والنذر قد جاء النهي عنه في أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما نهي عنه لأن القربة إلى الله عز وجل ليست متمحضة خالصة عندما ينذر الإنسان، وإنما هو نذر في مقابل، يعني: طاعة في مقابل، بمعنى: إن حصل له كذا، فهو يفعل كذا، ثم مع كونه قربة مشروطة في مقابل، أو مبنية على حصول مقابل أيضاً، فقد يندم ويحصل الندم عندما يحصل المقصود، فالذي نذر ثم أراد أن يكفِّر، يندم ويتلكأ، ويكون مقدماً رجلاً ومؤخراً أخرى، يعني ما هو مرتاح لذلك الشيء، ففيه المحذور من جهتين: من جهة أن القربة مشروطة في مقابل.
    والأمر الثاني: أنه عند التنفيذ يحصل منه الندم فلا يكون منشرح الصدر لهذه القربة، ولهذه الطاعة، فلهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذر.
    ويحتمل أن يكون النهي عن النذر للتحريم، ويحتمل أن يكون للتنزيه، لكن النذر إذا وجد فإنه يجب الوفاء به، وهذا يشبه ما تقدم قريباً عن العمرى والرقبى، والنهي عنهما، وأنه إذا حصل وأعطي شيء بذلك فإنه يثبت ويستقر، وإن كان قد نهي عنه، والنهي كما أشرنا لما يترتب على ذلك من الندم، وكون الإنسان ما ينشرح صدره لهذه القربة، قالها في أول الأمر تلهفاً وتشوقاً إلى حصول ذلك الذي يريده من شفاء، أو رد غائب، أو ما إلى ذلك من الأشياء، فإذا شفي ورد الغائب وجاء وقت الوفاء إذا نفسه لا ترتاح ولا تطمئن لهذه القربة، يكون الخلل فيها من جهتين.
    وقوله: [(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير)] أي: لا يأتي بخير للإنسان، والمعني: لم يقدر الله له شيئاً فيقدر بسببه، فالذي قدره الله كائن لا محالة، ثم الإنسان أيضاً يصيبه ما يصيبه من الندم والحسرة، وهذا ليس بخير، فهذا فيه إخلال بفعل القربة والطاعة.
    [(وإنما يستخرج به من البخيل)] يعني: النتيجة أن البخيل الذي لا ينفق يلزم نفسه بشيء، ثم يترتب عليه أنه يجب عليه أن يخرج ذلك الذي ألزم نفسه به.
    إذاً: هو لا يأتي بخير، وإنما البخيل الذي لا ينفق يلزم نفسه بشي، إن حصل كذا، فلله عليّ أن أفعل كذا وكذا، فيستخرج منه، حيث يتصدق البخيل وهو لا يريد أن يتصدق؛ لكونه نذر وألزم نفسه، وكان شحيحاً مسيكاً لا تجود يده بشيء، ولا ينفق شيئاً يتقرب به إلى الله عز وجل، ولكنه لمحبته لأمر من الأمور علق القربة عليه، فقال: إن رد الله غائبي، أو شفى الله مريضي، أو إن شفاني الله، أو حصل لي كذا وكذا، فعليّ لله أن أفعل كذا وكذا.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في النهي عن النذر


    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة عن منصور].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن عبد الله بن مرة].
    وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمر].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث ابن عمر في النهي عن النذر من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن منصور عن عبد الله بن مرة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن النذر وقال: إنه لا يرد شيئاً، إنما يستخرج به من الشحيح)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى وفيه مثل الذي قبله، وأن النذر لا يرد من قضاء الله شيئاً، فالذي قدره الله سيكون نذر أو لم ينذر، فما قدره الله كائن، فهو لا يرد من قدر الله شيئاً، فإن كان الله قد قدر الشفاء، فسيأتي الشفاء، وإن كان الله قدر أن لا يشفى، فلن يشفى، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
    إذاً: النذر لا يقدم ولا يؤخر، ولا يترتب على كونه ينذر أنه يحصل شيء خلاف المقدر أو أنه يتحول؛ لأن المقدر ما يغير ولا يبدل، فالنذر لا يرد شيئاً قدره الله، فإذا كان الله قدر أنه سيشفى هذا المريض شفي، وإن قدر أنه لا يشفى، لا يشفى سواءً نذر أو ما نذر.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في النهي عن النذر من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].هو عمرو بن منصور النسائي ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي نعيم].
    هو أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور عن عبد الله بن مرة عن عبد الله بن عمر].
    وقد مر ذكرهم.


    النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره


    شرح حديث: (النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره. أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان عن منصور عن عبد الله بن مرة عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره، إنما هو شيء يستخرج به من الشحيح)].
    أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم إلا أن فيه: [لا يقدم شيئاً ولا يؤخره]، وهو بمعنى أنه لا يتغير شيء مقدر، فالمقدر كائن لا محالة، وعبر بالشحيح بدل البخيل، والشح: هو شدة البخل، فالبخل أوسع وأعم، والشح أخص، والفرق بين البخل والشح: أن الشح هو شدة البخل، يعني: بخل شديد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره ...)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان عن منصور عن عبد الله بن مرة عن ابن عمر].كلهم قد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (لا يأتي النذر على ابن آدم شيئاً لم أقدره عليه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يأتي النذر على ابن آدم شيئاً لم أقدره عليه، ولكنه شيء أستخرج به من البخيل)].يقول النسائي: النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره، ومقصود النسائي من هذه الترجمة كما عرفنا من قبل: أن الإنسان عندما ينذر فنذره ليس هو الذي يحقق له ما يريد بأن يقدم شيئاً أو يؤخره، أو يحصل شفاءً، أو يحصل أي مصلحة نذر عليها، وما قدره الله وقضاه كائن لا بد منه، وإنما النذر يستخرج به من البخيل الذي لا ينفق ابتداءً، ولكنه يربط إنفاقه بشيء يرجوه ويؤمله، وإذا حصل ذلك الشيء الذي يرجوه ويؤمله، فعند ذلك لا ينفق، فهو لا ينفق ابتداءً ولكنه عندما يطمع في شيء، أو يرغب في شيء، أو يحب شيئاً، ينذر بأنه إذا حصل فإنه يتصدق، أو أنه يخرج ذلك الذي نذره، فيكون إنفاقه وإحسانه، أو صرفه في وجوه الخير ليس ابتداءً، وإنما كان في مقابل حصول شيء يريده، أي: إن حصل كذا فأنا أفعل كذا، إن حصل الشفاء فأنا أفعل كذا، فكأنه معاوضة، وكأنه لا يتصدق ولا يحسن إلا بعوض وبمقابل، وهو حصول ما يريده، ثم إذا وجد ذلك الشيء الذي نذر الشيء على حصوله، فإنه يتلكأ ويبحث عن مخرج للتخلص من ذلك الإنفاق، فيندم على ما حصل منه فينفق وهو كاره، فيكون فيه مضرتان:
    إحداهما: كونه لا ينفق إلا في مقابل.
    الثانية: كونه يندم ويبحث عن مخرج للتخلص من ذلك النذر، ثم إذا كان ولا بد وأخرج فإنه يخرج وهو كاره.
    وهذا النذر الذي حصل من الإنسان لا يقدم شيئاً ولا يؤخره، فإذا كان الله قدر الشفاء فالشفاء حاصل، وليس النذر هو الذي يأتي به، وإذا كان الله قدر عدم الشفاء فالشفاء لا يحصل، والنذر ليس هو الذي يأتي به، بل ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
    وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو بمعنى ما ذكره المصنف، وهو على صفة وصيغة الحديث القدسي؛ لأن الحديث القدسي: هو الذي تكون الضمائر فيه راجعة إلى الله عز وجل، وليس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا غيره، وإنما تعود إلى الله، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي) فلا يقول: (يا عبادي!) إلا رب العباد وهو الله عز وجل، فهو كلام مضاف إلى الله ومسند إليه، ولهذا فالحديث القدسي: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أسنده إلى ربه، يعني: هو من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن لفظه إلا أنه أسنده إلى الله، ولهذا فالضمائر فيه إلى الله عز وجل.
    وغالباً ما يتقدمه: فيما يرويه عن ربه، أو قال الله عز وجل في الحديث القدسي، أو فيما رواه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه، يعني: هذه هي الصيغ التي تدل عليه، وهذا الحديث ليس فيه صيغة تدل عليه إلا الضمير الذي يرجع إلى الله عز وجل، وهو قوله: (لا يأتي النذر على ابن آدم شيئاً لم أقدره عليه) الذي يصدق عليه أن يقول: لم أقدره هو الله، ولا يصلح أن يضاف ذلك إلى أحد سوى الله، فصيغة الحديث القدسي وهيئة الحديث القدسي الضمير فيه يرجع إلى الله عز وجل.
    (لا يأتي النذر على ابن آدم شيئاً لم أقدره عليه) يعني: لم أقدره له أو أقدره عليه، يعني: أن الشيء الذي قدره الله عليه، أو قدره له ليس النذر هو الذي يقدم أو يؤخر، بل المقدر كائن لا محالة نذر أو لم ينذر، ولكن النذر يستخرج به من البخيل، وقوله: (ولكنه شيء أستخرج به من البخيل) يعني: شيء جعله الله عز وجل سبباً في حصول استخراج شيء من بخيل لا ينفق، ولكنه ينفق في مقابل فيستخرج به منه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يأتي النذر على ابن آدم شيئاً لم أقدره عليه ...)


    قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن].هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزناد].
    هو عبد الله بن ذكوان المدني، وهو مشهور بلقبه أبي الزناد، وأبو الزناد لقب على صفة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن، ولقبه أبو الزناد، فهو لقب ليس بكنية ولكنه على هيئة الكنية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    وهو عبد الرحمن بن هرمز لقبه: الأعرج المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو كثيراً ما يروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، والأعرج لقب لـعبد الرحمن بن هرمز، وألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، فائدة معرفتها: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فإن من لا يعرف يظن أن هذا شخص وهذا شخص، لكنه عندما يعرف أن عبد الرحمن بن هرمز لقب الأعرج.. فإذا جاء الأعرج بدون ذكر الاسم عرف الشخص، وإذا قال عبد الرحمن بن هرمز عرف أنه الأعرج، ولا يلتبس عليه أنهما شخصان مع أنهما شخص واحد.
    وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    النذر يستخرج به من البخيل


    شرح حديث: (لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النذر يستخرج به من البخيل.أخبرنا قتيبة حدثنا عبد العزيز عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النذر يستخرج به من البخيل، يعني: ما هي النتيجة التي تترتب على النذر؟ هل يقدم ويؤخر؟ لا يقدم ولا يؤخر، ولا يرد من قدر الله شيئاً، وقدر الله نافذ لا محالة، ولكن الذي يترتب عليه والنتيجة التي تترتب عليه، أنه يستخرج به من البخيل الذي لا ينفق، ولكنه ينفق وهو كاره إذ ألزم نفسه بمناسبة شيء يؤمله ويرجوه، ثم بعد ذلك يتعين عليه أن يأتي بالنذر، فتكون النتيجة أنه يستخرج به من البخيل، وإلا فإنه لا يأتي بخير ولا يقدم شيئاً ولا يؤخره، ولا يحصل بسببه شفاء، ولا يحصل بسببه رد غائب علق الناذر نذره عليه، أو غير ذلك من أنواع النذور، وإنما النتيجة التي تترتب على ذلك أن البخيل لا ينفق إلا وهو كاره لسبب النذر الذي ألزم نفسه به، ولهذا يقال في تعريف النذر: إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر، يعني: يوجب الإنسان على نفسه شيئاً ليس بواجب عليه، بل ذلك الشيء الواجب منوط ومربوط بحدوث أمر، يعني: إن شفى الله مريضي.. أدفع كذا وكذا، أو لله عليّ كذا وكذا إن رد غائبي، وإن شفاني الله عز وجل أفعل كذا وكذا، وإن حصل كذا أفعل كذا وكذا.
    ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [(لا تنذروا)] وهو نهي عن النذر، وذلك لما يشتمل عليه النذر من ربط الإحسان بالمقابل وليس ابتداءً، بل إن حصل كذا فأنا أفعل كذا وكذا، (لا تنذروا)؛ لأن النذر في مقابل هذا لا يصلح، بل الإنسان يتقرب إلى الله عز وجل بالقربة ابتداءً وبدون ربطها بشيء، وأمر آخر وهو أنه لا يعرض نفسه للندم فيما إذا حصل له الشيء الذي نذره، فيترتب على ذلك أنه يستخرج به من البخيل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً ...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد العزيز].
    هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن العلاء].
    هو العلاء بن عبد الرحمن الحرقي الجهني، وهو صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي الجهني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.


    النذر في الطاعة


    شرح حديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النذر في الطاعة.أخبرنا قتيبة عن مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)].
    أورد النسائي: النذر في الطاعة، أي: إذا وجد النذر، وإلا فالنذر منهي عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنذروا) ولكنه إذا وجد فليكن في طاعة لا في معصية، وإذا نذر في طاعة فعليه الوفاء، وإذا نذر في معصية فلا يجوز له الوفاء بالنذر، ولهذا ساق النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها: [(من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)] فدل هذا على أن النذر إنما يكون في الطاعة، وأنه عليه أن ينفذ ويأتي بالطاعة التي نذرها، أما النذر في المعصية فإنه لا يجوز، يعني: إذا كان النذر من أصله منهي عنه (لا تنذروا) حتى في الطاعة، فإذا كان في معصية فإنه منع على منع؛ ممنوع منه من جهتين: من جهة أن النذر لا يصلح ولا ينبغي أن يكون ولو كان في الطاعة، ومن جهة أنه مع كونه منهي عنه ولو كان في الطاعة، فهو أيضاً من باب أولى منهي عنه في المعصية، فمن نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه، ولا يجوز له الوفاء بذلك النذر.
    وعليه أن يكفِّر على خلاف بين أهل العلم في ذلك، والكفارة كفارة يمين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهي: مذهب أبي حنيفة، ومذهب مالك، ومذهب الشافعي، ومذهب أحمد، وهم أربعة اشتهروا بالفقه وبالعلم، وكان لهم أتباع عنوا بجمع كلامهم وأقوالهم، فاشتهرت هذه المذاهب وانتشرت، ولم يكن الفقه منحصراً فيهم بل كان في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم أئمة أجلة عندهم علم واسع، مثل: الليث بن سعد في مصر، ومثل: عبد الرحمن الأوزاعي في الشام، ومثل: سفيان الثوري في الكوفة، ومثل: سفيان بن عيينة في مكة، ومثل: إسحاق بن راهويه في مرو، وغيرهم أئمة أجلة وفقهاء معروفون بالفقه، وكذلك سعيد بن المسيب في التابعين، وفي كبار التابعين الفقهاء السبعة المشهورون في المدينة في عصر التابعين.. فقهاء كثيرون، وفي الصحابة قبلهم يعني: منهم مشهورون بالفقه، ومنهم من هو معروف بالفقه، ولكن اشتهر هذا الذكر للأئمة الأربعة الذين هم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد؛ لأن الله هيأ لهم أصحاباً وتلاميذ عنوا بجمع أقوالهم وآرائهم، وتنظيمها وترتيبها، والتأليف فيها، فصار لهم الاشتهار الذي ما كان لغيرهم، ولا يعني هذا حصر المسألة فيهم كما أشرت إليه؛ لأن هناك من هو مثلهم كثير، ولكن ما رزقوا مثل ما رزق هؤلاء أصحاب يعنون بجمع كلامهم، وجمع أقوالهم وترتيبها، وتنظيمها، ونشرها، والتأليف فيها، وما إلى ذلك مما يتعلق بها، ولهذا اشتهروا بهذه الشهرة، وهي من مذاهب أهل السنة.
    ولا يصلح أن يقال: إن مذاهب أهل البدع هي من جنس هذه المذاهب، وأن مذهب الجعفرية، أو مذهب سائر الفرق والمذاهب المنحرفة من أهل البدع أنها مثلها، وأنه لا فرق بينها إلا أن هذا كذا وهذا كذا، فيقال: حنفي، وشافعي، ومالكي، وجعفري.. لا، أهل السنة كلامهم مبني على الكتاب والسنة، أما أولئك فأقوالهم مبنية على باطل، فمثال الرافضة الجعفرية الذين يجعلون أو يسندون ما يقولونه من الفقه إلى ما خرج من عند الأئمة، ويقولون: إن كل شيء لم يخرج من عند الأئمة فهو باطل، فهذه مذاهب ابتداع وانحراف وخروج عن الجادة، وليست مثل هذه المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
    [عن طلحة بن عبد الملك].
    هو طلحة بن عبد الملك الأيلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن القاسم].
    هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق المدني، ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير بن العوام، وسليمان بن يسار، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن عائشة].
    هي عائشة أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، ذات المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، والتي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا سيما ما يكون بين الرجل وأهل بيته، لا سيما ما يكون في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنها وعت وحفظت الكثير، وأدت إلى الناس الشيء الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهم ستة رجال وامرأة واحدة، هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة واحدة.


    النذر في المعصية


    شرح حديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه..) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النذر في المعصية.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا مالك حدثني طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النذر في المعصية، وهو مثل الترجمة السابقة: النذر في الطاعة. وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو باللفظ المتقدم: [(من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)]، أورده في الباب السابق من أجل الجملة الأولى، وأورده في هذا الباب من أجل الجملة الثانية.
    ونذر المعصية لا يجوز كما ذكرت من جهتين: من جهة أن النذر من أصله -ولو كان طاعة- منهي عنه، فإذا كان في معصية فهو نهي على نهي، وشيء إلى شيء آخر، يعني: منعاً إلى منع، ونهياً إلى نهي، وكما ذكرت أن أهل العلم متفقون على أنه لا يجوز الوفاء به، ولكنهم اختلفوا في الكفارة، فمنهم من قال: إن فيه كفارة يمين، ومنهم من قال: إنه لا كفارة فيه، ولا يوفى به، وقد جاء في بعض الأحاديث أن النذر كفارته كفارة يمين، فيدخل فيه نذر المعصية، والنذر فيما لا يملكه الإنسان، وغير ذلك من النذور.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه..) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هوعمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

    شرح حديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه..) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس عن عبيد الله عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم في لفظه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه..) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].هو محمد بن العلاء بن كريب، كنيته: أبو كريب، وهو مشهور بها، ويذكر أحياناً باسمه فيقال: محمد بن العلاء، وأحياناً بكنيته فقط فيقال: أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن إدريس].
    هو عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المصغر، يعني تمييزاً له عن أخيه عبد الله المكبر؛ لأن هذا عبيد الله وذاك عبد الله، وعبيد الله ثقة، وعبد الله ضعيف، فيميزون أحدهما عن الآخر بأن يقولوا: المصغر والمكبر، وعبيد الله ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طلحة عن القاسم عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.


    الوفاء بالنذر


    شرح حديث: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوفاء بالنذر. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن أبي جمرة عن زهدم سمعت عمران بن حصين رضي الله عنه يذكر: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، فلا أدري أذكر مرتين بعده أو ثلاثاً، ثم ذكر قوماً يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن). قال أبو عبد الرحمن: هذا نصر بن عمران أبو جمرة].
    أورد النسائي الترجمة وهي: الوفاء بالنذر، والنذر منهي عنه، ولكنه إذا وجد في طاعة فيجب الوفاء به، وإذا كان في معصية فلا يجوز الوفاء به، والنذر منهي عنه؛ لأنه لا يأتي بخير للناذر، ولا يترتب على نذره حصول شيء يريده، بل الأمر كما قدر الله وقضاه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولكنه يستخرج به من البخيل، فإذا وجد النذر وكان طاعة، وجب الوفاء به باتفاق، وإذا وجد النذر وكان معصية، فلا يجوز الوفاء به باتفاق.
    وهل تجب الكفارة في نذر المعصية أو لا تجب؟ خلاف في ذلك بين أهل العلم بالنسبة للكفارة.
    وقد جاء في القرآن مدح الذين يوفون بالنذر في سورة الإنسان: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7]، فمدحهم وأثنى عليهم بأنهم يوفون بالنذر إذا وجد النذر، فالنذر منهي عنه، ولكنه إذا وجد يجب الوفاء به، ومن أوفى بنذره فهو محمود، ومن لم يوف بنذره فهو مذموم، ويكون جمع بين مصيبتين: كونه نذر وقد نهي عن النذر، وكونه نذر طاعة ولم يوف بها، ولكنه يتعين على كل من نذر طاعة أن يفي إذا كان يقدر على ذلك، وإن لم يقدر فإنه يأتي بكفارة يمين.
    أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وهو الحديث الذي يتعلق بفضائل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، والذي فيه بيان أوصاف الناس الذين يأتون بعدهم مخالفين لمنهجهم وطريقتهم، فقال: [(خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)].
    (خيركم قرني)، أي: القرن الذي بعث فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: الصحابة الذين رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذين تشرفوا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل لما بعث رسوله الكريم، اختار له أصحاباً هم خير أمته، وهم أفضل أمته على الإطلاق؛ لأنهم هم الذين أكرمهم الله بصحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجاهدوا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وذبوا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتلقوا الكتاب والسنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتشرفوا برؤية النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحياة الدنيا يقظة لا مناماً، وتشرفوا بسماع صوته وكلامه من فمه الشريف صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وتحملوا الكتاب والسنة وأدوها إلى الناس، فهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما عرف الناس كتاباً ولا سنة، ولا عرف الناس حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة، فإذا قدح في هذه الطريق، فإنه قدح في الكتاب والسنة، ولهذا جاء عن أبي زرعة الرازي كلام في غاية الحسن، يستحق أن يقال فيه الكلمة المشهورة عند الناس: يكتب بماء الذهب، أو يستحق أن يكتب بماء الذهب، الكلام الذي يعبرون به عن الشيء النفيس، والشيء الجميل، يقولون فيه هذا الكلام.
    أبو زرعة الرازي قال كلمة عظيمة من أحسن الكلام، ومن أوضح الكلام، ومن أجمل الكلام، وقد ذكر هذا عنه الخطيب البغدادي في كتاب الكفاية بإسناده إليه، قال: إذا رأيتم أحداً ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق. ثم بين السبب، فقال: وذلك أن الرسول حق، والكتاب حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: نحن ما عرفنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا عرفنا ما جاء عن الرسول إلا عن طريق الصحابة، الأسانيد التي جاءت عن طريق الصحابة، وفيها أن الرسول قال كذا، وأنه جاء بكذا وبكذا، فالناس ما عرفوا الحق والهدى الذي جاء به الرسول إلا عن طريق الصحابة، الكتاب جاء عن طريق الصحابة، والسنة جاءت عن طريق الصحابة.
    وذلك أن الرسول حق، والكتاب حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة -أي: قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره- أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهم الواسطة بيننا وبين الرسول عليه الصلاة والسلام، لم نصل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام إلا عن طريق الصحابة، ولم يصل إلينا الحق والهدى إلا عن طريق الصحابة، عن طريق أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وأبو هريرة، وسعد، وغيرهم من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذين دونت أحاديثهم وروايتهم في كتب السنة: في الصحاح، والسنن، والمسانيد، والمعاجم، وغيرها، فكلها تنتهي إلى الصحابة، والصحابة يقولون: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، وذلك أن الرسول حق، والكتاب حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. الذين يقدحون في الصحابة يريدون أن يجرحوا شهودنا، وما هي النتيجة من جرح الشهود؟
    النتيجة إبطال الكتاب والسنة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة؛ لأن من يقطع صلته بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهم الصحابة، فلا صلة له بالرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا فإن الرافضة من كلامهم الموجود في كتاب الكافي، باب تحته أحاديث: باب ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، يعني: جاء عن طريق أبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وأبي هريرة هذا كله باطل، القرآن جمعه أبو بكر، وعثمان، والسنة جاءت عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فمن يجرح الواسطة إنما يقدح في الكتاب والسنة؛ لأن القدح في الناقل قدح في المنقول، ولهذا عند ورود الأسانيد يقولون: فلان ضعيف لا يحتج بحديثه، معناه: أن المنقول ما له قيمة، وإذا كان ثقة قالوا: يحتج به، ويعمل به، ويعول عليه، وإذا كان غير معول عليه وغير حجة، فهو قدح، وإذا كان الصحابة مقدوح فيهم، فمعناه إلغاء الكتاب والسنة، وإبطالها، وهذا هو الخذلان بعينه، وهذا هو الخذلان الذي ليس وراءه خذلان.
    قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم قرني)، أي: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حصل لهم شرف ما حصل لغيرهم، أبصارهم تشرفت بالنظر إلى طلعته صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا يقظة لا مناماً، وأسماعهم سمعت صوته صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نقلوا الحق والهدى إلى الناس، فلهم أجور أعمالهم، ولهم أجور كل من استفاد خيراً بسببهم بهذه السنن التي نقلوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من دل على خير فله مثل أجر فاعله.

    فضل التابعين وأتباعهم

    [(خيركم قرني، ثم الذين يلونهم)]، الذين هم التابعون الذين رأوا الصحابة.(ثم الذين يلونهم)، أتباع التابعين الذين رأوا التابعين، ولهذا جاء في بعض الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟)، يعني هل فيهم صحابة وإلا لا؟ (فيقولون: نعم فينا فلان وفلان، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام)، يعني: جماعات، (فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟)، مَن هو مِن التابعين، (فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من صحب من صاحب أصحاب رسول الله؟)، يعني: هل فيكم من رأى من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لأن الصحابة رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم، والتابعون رأوا العيون التي رأت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأتباع التابعين رأوا الأشخاص الذين رأوا من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم خير القرون، (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، يعني: أصحاب رسول الله، ثم التابعين، ثم أتباع التابعين.
    قوله: [(فلا أدري أذكر مرتين بعده أو ثلاثاً)]، يعني: الشك في أنه مرتين بعده أو ثلاثاً، لكن جاء في بعض الأحاديث التنصيص على الثلاثة بعد قرنه، وقد جاء في كثير من الأحاديث ذكر القرنين بعد قرنه، أي: القرون الثلاثة المفضلة جاءت في كثير من الأحاديث، عن عمران، وعن غيره، والحديث الذي أشرت إليه، والذي ليس فيه التنصيص على القرون، ولكن فيه التنصيص على الفئام التي تغزوا، ويفتح لهم إذا كان فيهم أحد من هؤلاء، وهم الصحابة والتابعون وأتباع التابعين.
    قوله: [(ثم ذكر قوماً يخونون ولا يؤتمنون)].
    أي: تظهر فيهم الخيانة، ولا تكون فيهم الأمانة، أي: يخونون ولا يؤتمنون.
    قوله: [(ويشهدون ولا يستشهدون)]، يعني: لا يطمع الناس بشهادتهم، ولا يرغب الناس بشهادتهم، وهم يدلون ويأتون بالشهادة، والناس لا يريدونهم أن يشهدوا؛ لأنهم يشهدون زوراً، فهم ليسوا أهلاً للشهادة، فهم يشهدون ولا يستشهدون.
    قوله: [(وينذرون ولا يوفون)]، وهذا محل الشاهد: الوفاء بالنذر، يعني: ذم الذين ينذرون ولا يوفون، وعليه: فالذين يوفون بالنذر بعد أن يقعوا فيه محمودون، محمودون ومثنى عليهم، وضدهم مذموم؛ لأنه نذر وقد نهي، ثم لم يوف، فجمع بين مصيبتين، وجمع بين خصلتين ذميمتين: النذر وهو ابتداء مذموم، وعدم الوفاء به ثانياً وهو مذموم، فجمع الذم من جهتين، فكان كما يقولون في المثل: حشفاً وسوء كيلة.
    قوله: [(ويظهر فيهم السمن)]، يعني: همهم الدنيا، والافتتان في المطاعم والمشارب والمآكل، ونتيجة ذلك أن يظهر فيهم السمن.
    قال أبو عبد الرحمن: هذا...، يعني: الذي ذكر بلقبه هو: أبو جمرة، وهو نصر بن عمران الضبعي، يعني: سماه لأنه ذكر في الإسناد بكنيته أبو جمرة، وأبو عبد الرحمن النسائي أراد أن يبين من هو فقال: هذا نصر بن عمران الضبعي.
    فإذا كانوا موجودين في ذلك الوقت، مع قرب العهد بالنبوة، فوجودهم ذلك من باب أولى؛ لأنه لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه كما جاء ذلك في الحديث، ولكن ينبغي أن يفهم أن الحديث ليس على إطلاقه دائماً وأبداً، فقد يأتي في بعض الأزمان زمن يكون خيراً من الذي قبله، كما جاء في أحاديث المهدي: (يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً)، معناه: الزمان الذي هو فيه خير من الزمان الذي قبله، ولهذا ذكر الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: (لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه)، قال: قال ابن حبان: هو مخصوص في بعض الأوقات، وفي بعض الأزمان، ويدل على ذلك أحاديث المهدي، وأنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، فإن قوله: (يملؤها عدلاً)، معناه: أن الزمن الذي فيه المهدي خير من الذي قبله، فليس هذا الحديث على إطلاقه: أنه لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه دائماً وأبداً، ولكن هذا غالب وكثير، ولكنه ليس على إطلاقه دائماً وأبداً كما قال ذلك أهل العلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي جمرة].
    هو أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن زهدم].
    هو زهدم بن مضرب، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن عمران بن حصين].
    هو عمران بن حصين أبي نجيد، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الأسئلة


    حكم الوفاء بالنذر المكروه

    السؤال: إذا نذر الإنسان نذراً مكروهاً، أي: نذر على أمر مكروه، فما حكم الوفاء به؟

    الجواب: الشيء المكروه لا يفعله الإنسان، أقول: لا يفعله؛ لأنه ما دام منهياً عنه فإنه لا يفعله.


    تعريف الزنديق

    السؤال: ما معنى كلمة زنديق؟ كما نقلتم ذلك عن أبي زرعة؟
    الجواب: الزنديق: هو الملحد الذي ليس أمامه إلا السيف، على خلاف بين أهل العلم: هل يستتاب أو لا؟ كثير من أهل العلم يقولون: الزنديق لا يستتاب، بل يقتل ويستراح منه، ومنهم من يقول: إنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.

    المراد بالقرن

    السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (خيركم قرني)، ما المراد بالقرن؟
    الجواب: القرن قيل: إنهم الجماعة الذين اشتركوا في عصر من العصور، أو في وقت من الأوقات، مثل قرن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم؛ لأنهم كلهم اشتركوا في أمر، وهو لقي النبي صلى الله عليه وسلم، هذا قدر مشترك بينهم وإن كانوا متفاوتين، منهم من رآه كثيراً، ومنهم من رآه قليلاً، ومنهم من رآه صغيراً، ومنهم من رآه كبيراً، وهكذا.. فهم أشخاص متقاربون.

    ومن العلماء من يقول: إن القرن هو مائة سنة؛ لأن الغالب على أهل القرن أنهم ينقضون عن آخرهم عند مائة سنة إلا ما خرج من النوادر بأن زاد عمره على المائة، ولهذا يقولون في القرون الثلاثة؛ القرن الأول: المائة الأولى، والقرن الثاني: المائة الثانية، والقرن الثالث: المائة الثالثة.

    كفارة النذر

    السؤال: ما المراد بقول الشارح: ولتركب إذا عجزت، قال: وعليها الهدي؟
    الجواب: قوله: عليها الهدي؛ لأنه جاء في بعض الروايات: (أنها تهدي)، أي: عليها هدي، فيحتمل أن يكون المراد بالهدي أنه شيء يلزمها كما جاء في بعض الروايات: أنها بدنة، ويحتمل أن تكون المقصود بها الشاة التي هي الكفارة، والمقصود بذلك هدي، أو ما يقوم مقامه من الصيام الذي جاء في الرواية التي بعد هذا، وهي صيام ثلاثة أيام.

    أما كفارة النذر فكما هو معلوم أن الصيام ثلاثة أيام لا يأتي إلا بعد العجز عن العتق، وعن الإطعام وعن الكسوة، يعني إذا لم يستطع أياً من ذلك، فإنه يصوم ثلاثة أيام، ولا يجوز له أن يصوم مع القدرة، لكن يمكن أن يكون الذي جاء في الحديث: أنه تهدي بدنة، أو أنه كما جاء في بعض الأحاديث المطلقة التي هي: (كفارة النذر كفارة يمين)، فيما إذا كان معصية أو لا يقدر عليه، أو يكون مثلاً كما جاء في بعض الروايات: هدي بدنة، أنه يهدي بدنة، لكن الأحاديث المطلقة التي جاءت في ذكر الكفارة، وأن كفارة النذر كفارة يمين، سواء كان معصية، أو في شيء لا يقدر على الوفاء به، فإن عليه كفارة يمين، والحديث الذي سيأتي تكلم في ثبوته، وأما من حيث اليمين فإن الصيام لا يأتي ابتداءً، وإنما يأتي عند العجز عن الأمور الثلاثة: العتق، والكسوة، والإطعام لعشرة مساكين، ولم يطق أحدها، عند ذلك يصوم ثلاثة أيام.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #480
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,964

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإيمان والنذور

    (477)

    (باب اليمين فيما لا يملك) إلى (باب في اللغو والكذب)




    نهى الشرع الحكيم عن النذر واليمين فيما لا يملك الإنسان، لكن إذا استثنى في يمينه أو نذره فقد صار له الخيار في المضي أو الترك، كما أن النية معتبرة في باب اليمين، وليس في لغو اليمين شيء.

    اليمين فيما لا يملك


    شرح حديث: (لا نذر ولا يمين فيما لا تملك ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اليمين فيما لا يملك.أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثنا يحيى عن عبيد الله بن الأخنس أخبرني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر ولا يمين فيما لا تملك، ولا في معصية، ولا قطيعة رحم)].
    يقول النسائي رحمه الله: اليمين فيما لا يملك، فمراد النسائي من هذه الترجمة: أن اليمين فيما لا يملك، ليس للإنسان أن يعقدها ويأتي بها، وإنما يعقد اليمين فيما يملكه، والشيء الذي لا يملكه، وليس تحت قدرته، وليس من إمكانه أن يفعله، لا يحلف عليه.
    وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نذر ولا يمين فيما لا تملك) هنا نفي يراد به النهي، يعني: لا ينذر ولا يحلف على شيء لا يملكه، (ولا في معصية ولا في قطيعة رحم) يعني: لا يحلف على معصية، ولا على قطيعة رحم، كذلك ولا ينذر في معصية ولا قطيعة رحم.
    ومقتضى هذا النهي، أو هذا النفي الذي هو بمعنى النهي: أن اليمين لا تنعقد ولا يلزم الإنسان شيء، وإنما لا يفي بذلك الشيء إذا كان معصية، أو كان في قطيعة رحم.
    ومن أهل العلم من قال: إن عليه كفارة، يعني: هذه اليمين تكون سبباً في حصول الكفارة، وأن الإنسان إذا نذر معصية، أو نذر قطيعة رحم، أو حلف على معصية أو قطيعة رحم فإن عليه الكفارة، فهذه اليمين لا يوفى بها، ولكن يترتب عليها أن الإنسان يكفِّر عن هذا الذي حلف عليه، أو الشيء الذي نذره وهو يتعلق بمعصية، أو بقطيعة رحم، أو بشيء لا يملكه.
    وقوله: [(ولا في معصية، ولا قطيعة رحم)].
    يعني: لا نذر ولا حلف في معصية، ولا في قطيعة رحم، والكلام في الثلاثة واحد.
    من أهل العلم من قال: إنه لا ينعقد ولا يترتب عليه كفارة، ومنهم من قال: إنه لا ينعقد ولكن تترتب عليه الكفارة، يعني: المعصية، وكذلك قطيعة الرحم، وكذلك الشيء الذي لا يملكه، فكونه نذر أو حلف فإن عليه أن يكفِّر كفارة، حتى يكون ذلك أدعى إلى كونه لا يقدم على هذه الأشياء؛ لأنه سيرتب عليها كفارة، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أن الإنسان يكفِّر في هذه الأمور، والكفارة هي نفس كفارة اليمين، وهو الأظهر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا نذر ولا يمين فيما لا تملك ...)

    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن محمد].هو إبراهيم بن محمد الطيبي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن الأخنس].
    صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن شعيب].
    صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وجزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله بن عمرو بن العاص].
    هو جد شعيب؛ لأنه شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو ، فـعمرو يروي عن أبيه شعيب وشعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو، ولا يروي عن أبيه محمد وإنما روايته عن جده عبد الله بن عمرو، وعلى هذا فالحديث يكون متصلاً؛ لأنه رواية حفيد عن جد، وقد ثبت سماعه من جده عبد الله بن عمرو، فهو متصل. وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أصحاب الكتب الستة، وعبد الله بن عمرو هو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس.


    من حلف فاستثنى


    شرح حديث: (من حلف فاستثنى فإن شاء مضى، وإن شاء ترك غير حنث)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من حلف فاستثنى.أخبرني أحمد بن سعيد حدثنا حبان حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من حلف فاستثنى، فإن شاء مضى، وإن شاء ترك غير حنث)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: (من حلف فاستثنى)، أي: فقال إن شاء الله، هذا هو الاستثناء في اليمين، والاستثناء يكون متصلاً، يعني يحلف الحلف ويكون الاستثناء متصلاً، ولو لقن فقيل له: قل: إن شاء الله، فقال: إن شاء الله، فإن ذلك ينفع ما دام أنه متصل باليمين، فهو مخير بين أن يفعل أو أن يترك، وليس عليه كفارة؛ لأنه بالخيار بين الفعل والترك؛ لأن الاستثناء لا يجعل اليمين منعقدة لازمة، بل الأمر يرجع إليه: إن أراد أن يمضي أمضى، وإن أراد أن يترك ترك وهو غير حنث، ولهذا قال: (وإن شاء ترك غير حنث) يعني: ليس بحانث وإنما هو بالخيار، وسبب ذلك اليمين؛ لأنه أرجعه إلى مشيئة الله عز وجل، فهو إن فعل فقد شاء الله عز وجل أن يفعل، وإن لم يفعل فقد شاء الله أن لا يفعل، فالأمر يرجع إليه وهو بالخيار، وهذا يدل على أن الاستثناء في اليمين لا يجعل صاحبها ملزماً بالوفاء، بل بإمكانه أن ينفذ ما حلف عليه، وبإمكانه أن يترك ما حنث عليه، ولا يترتب عليه ما حلف عليه، كما لا يترتب عليه حنث فيلزمه كفارة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من حلف فاستثنى فإن شاء مضى، وإن شاء ترك غير حنث)


    قوله: [أخبرني أحمد بن سعيد].هو المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا حبان].
    حبان بن هلال أو حبان بن موسى كل منهما ثقة، إلا أن حبان بن هلال أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحبان بن موسى أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الوارث].
    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    النية في اليمين


    شرح حديث: (إنما الأعمال بالنية ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النية في اليمين. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم عن سليمان بن حيان حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إنما الأعمال بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النية في اليمين، ويعني: أنها معتبرة؛ لأن العبرة تكون بالنية، وما عقدت عليه اليمين، ولا بد في ذلك من النية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إنما الأعمال بالنية)، وفي بعض الروايات: (بالنيات)، ولا تنافي بين النية والنيات؛ لأن النية لفظ مفرد محلاً بالألف واللام فيعم، وليس المقصود به نية واحدة، وإنما المقصود النية لكل عمل، فكل عمل له نية، ولا تنافي بين رواية النيات ورواية النية؛ لأنها على صيغة الإفراد اسم جنس، فيكون عاماً، وعلى صيغة العموم هو العموم، فيكون على ظاهره.
    قوله: [(وإنما لكل امرئ ما نوى)] يعني: ما نوى في عمله وفي قوله، ثم بعد ذلك فسر وأتى بجملتين توضحان ما يقوم في القلب، وأن ما يجري على الجوارح، إنما هو تابع لما يكون في القلب، قال: [(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله)] يعني: من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصداً، فهجرته إلى الله ورسوله فعلاً.. يعين بالفعل، ولا يقال: إن الشرط والجزاء متحدان فلا يستقيم؛ لأن الفرق بينهما بالتقدير، الأول بالنية والثاني بالعمل، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية، فهجرته إلى الله ورسوله فعلاً، ومن كان قصده بالهجرة الله ورسوله ففعله تابع لقصده.
    [(ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)] سواءً كان امرأة، أو دنيا، أو غير ذلك، فهجرته إلى ما نواه وقصده، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، إن كان أمراً شرعياً يثاب عليه، فهو يؤجر على ذلك، وإن كان أمراً مباحاً، فهو لذلك الذي هو مباح، وإن كان لأمر محرم، فنيته تابعة لذلك الأمر المحرم، وهو يأثم عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إنما الأعمال بالنية ...)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن سليمان بن حيان].
    هو سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن إبراهيم].
    هو محمد بن إبراهيم التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن علقمة بن وقاص].
    هو علقمة بن وقاص الليثي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمر بن الخطاب].
    عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه هو ثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    أمثلة على الحديث الغريب

    وهذا الحديث فيه أربعة أشخاص، وجاء مفرداً، يعني: ما جاء إلا من ذلك الطريق، يعني ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عمر، وما رواه عن عمر إلا علقمة، وما رواه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم وما رواه عن محمد بن إبراهيم إلا يحيى بن سعيد، وبعد يحيى بن سعيد انتشر وكثر الرواة والآخذون عنه، حتى صار عدداً كبيراً عظيماً، وهذا من غرائب الصحيح، يعني: من الأشياء التي هي غريبة، وجاءت من طريق واحد، وليس معنى الغريب أن يكون منتقداً؛ لأن الغريب يأتي بمعنى: الطريق الوحيد، أو الطريق الذي ما جاء إلا منه، ومع ذلك فهو في غاية الصحة، وفي غاية السلامة، فيكون ثابتاً ولا يؤثر ذلك.. الغرابة ما تؤثر إلا إذا كان الشخص لا يحتمل تفرده، فهذا هو الذي يؤثر إذا جاء الغريب من طريقه، أما إذا كان انفراده يحتمل، ويعتمد، ويقبل، فإن هذا يسمونه من غرائب الصحيح؛ لأن في الصحيح ما هو غريب، يعني ما جاء إلا من طريق واحد، صحابي ما رواه غيره، ورواه عن الصحابي تابعي ما رواه غيره، وهكذا قد ينزل كما نزل هذا الحديث إلى أربعة أشخاص.
    ثم هذا الحديث في إسناده ثلاثة من التابعين: علقمة بن وقاص من كبار التابعين، ومحمد بن إبراهيم من أوساط التابعين، ويحيى بن سعيد من صغار التابعين، فاجتمع فيه ثلاثة من التابعين، ولكنهم في الدرجات الثلاث، وفي الأحوال الثلاث، وفي الطبقات الثلاث للتابعين: طبقة كبارهم، وطبقة أوساطهم، وطبقة صغارهم.
    وهذا الحديث هو أول حديث في صحيح البخاري، وآخر حديث في صحيح البخاري هو كذلك غريب من هذا القبيل: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) فهو من غرائب الصحيح؛ لأنه جاء مفرداً من طريق أبي هريرة، وأبو هريرة من طريقه أبو زرعة، وأبو زرعة من طريقه عمارة بن القعقاع.
    وهكذا حديث بيع الولاء وهبته، فهو عن ابن عمر، وهو من غرائب الصحيح، ومثله حديث ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) الحديث المشهور، وقد قال الحافظ ابن حجر في شرحه: وهو من غرائب الصحيح، ولم يرد في مسند الإمام أحمد على سعته. يعني: على سعة مسند الإمام أحمد، وكونه فيه أربعون ألف حديث، ما جاء فيه هذا الحديث عن ابن عمر.
    وكما ذكرت في مناسبات كثيرة أن الحديث عند العلماء هو باعتبار الصحابي لا باعتبار المتن؛ لأن المتن قد يكون موجوداً عن صحابي آخر، ولكنه ينفى وجوده عن طريق صحابي آخر، مثل حديث: (أمرت أن أقاتل الناس) موجود في مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، لكنه ليس من حديث ابن عمر ، وهو الذي نفاه ابن حجر وقال: وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، وكونه يبلغ أربعين ألف حديث ليس فيه حديث ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) لكن هو موجود في المسند من حديث أبي هريرة، وعلى هذا فالحديث عندما يثبت أو ينفى من رواية شخص آخر، لا يعني أنه لا يوجد برواية غيره من الصحابة، يعني مثل حديث جبريل، هو من مسند عمر ولا وجود له في صحيح البخاري، بل هو من أفراد مسلم، وهو من حديث أبي هريرة متفق عليه عند الشيخين، فهو من حديث عمر عند مسلم ، فهو من أفراد مسلم بالنسبة لحديث عمر، ولهذا الذين يحصون الأحاديث ويجمعونها، يجمعونها باعتبار الصحابي، ثم لو صار فيه تكرار واختصروه فيكون بالنسبة للصحابي، لا بالنسبة للصحابة المتعددين، بل كل صحابي واحد، فإذا جاء الحديث من طريقه اعتبروه حديثاً، وإذا تكرر اقتصروا على موضع واحد من المواضع التي يرد فيها.


    تحريم ما أحل الله عز وجل


    شرح حديث عائشة في تواطئها مع حفصة على النبي حتى حرم على نفسه العسل

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تحريم ما أحل الله عز وجل.أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول: (سمعت عائشة رضي الله عنها، تزعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما، فقالت ذلك له، فقال: لا، بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له، فنزلت: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1] إلى: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ [التحريم:4] عائشة وحفصة، وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا [التحريم:3] لقوله: بل شربت عسلاً)].
    أورد النسائي: تحريم ما أحل الله، يعني: أنه يعامل معاملة اليمين؛ لأن الله تعالى ذكر في القرآن أن هذا التحريم الذي حصل، شرعت له الكفارة، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2]، والمقصود منه: أن ذلك الذي حرمه على نفسه، وهو ترك العسل، وأنه لا يعود لشربه، حيث أطلق اللفظ اعتبر يميناً، وعومل معاملة اليمين، فاحتاج إلى كفارة، وقال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2] وهو إنما حصل منه التحريم: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1]، فأورده النسائي بهذه الترجمة هنا في كتاب الأيمان، لأنه عومل معاملة اليمين، وشرعت فيه الكفارة التي هي كفارة اليمين؛ لقول الله عز وجل: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2]، ثم ذكر الحديث الذي كان سبباً في نزول هذه الآية، وأن عائشة وحفصة رضي الله عنهما تواطأتا على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء إليهما، تقول أي واحدة منهما: إنك أكلت مغافير، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الرائحة الطيبة، ويكره الرائحة الخبيثة، فلما قلن له ذلك ظن أن هذا الشيء الذي استعمله فيه شيء من هذه الرائحة الكريهة، والمغافير: هو نوع من النبات أو الشجر، يقال له: مغافير، وله رائحة كريهة.
    ويحتمل أنه قد يفهم أن النحل قد أكل من ذلك الشيء الذي هذا رائحته، فالرسول صلى الله عليه وسلم فهم أو قد ظن أن هذا الذي قالتاه أن فيه رائحة كريهة، وكان يكره الرائحة الكريهة ويبتعد عنها، ويحرص على الرائحة الطيبة، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقال: (حُبب إلي من دنياكم: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة) فالطيب محبب إليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولما جاء إلى إحداهما قالت له ذلك الذي تواطأتا عليه، فقال: (بل شربت عسلاً) وأخبر بالشيء الذي كانت تطعمه إياه زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها، فنزلت الآية: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ [التحريم:1] إلى قوله: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا [التحريم:3].

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في تواطئها مع حفصة على النبي حتى حرم على نفسه العسل


    قوله: [أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني].ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن حجاج].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [زعم عطاء].
    زعم: تأتي للخبر المحقق، ولا تأتي للزعم الباطل أو الكلام المردود أو الذي يوصف بغير ما هو حق فقط، بل تأتي زعم للخبر المحقق، وهنا هي من هذا القبيل، فزعم عطاء، وهو عطاء بن أبي رباح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن عمير].
    عبيد بن عمير ثقة، هو عبيد بدون إضافة لفظ الجلالة والحديث سبق أن مر وليس فيه عبيد الله بن عمير، في اسم عبيد، يعني: أنها زائدة، وهو والصواب عبيد بن عمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ذات المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ستة رجال، وامرأة واحدة، هي هذه المرأة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.


    إذا حلف أن لا يأتدم فأكل خبزاً بخل


    شرح حديث: (...كل فنعم الإدام الخل)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا حلف أن لا يأتدم فأكل خبزاً بخل.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا المثنى بن سعيد حدثنا طلحة بن نافع عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (دخلت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيته فإذا فلق وخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كل، فنعم الإدام الخل)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إذا حلف أن لا يأتدم فأكل خبزاً بخل، فالمقصود من هذه الترجمة هو أن من حلف أن لا يأتدم، فإن أكل خبزاً بخل، يقال له إدام فتنطبق عليه اليمين، والحديث الذي أورده النسائي ليس فيه ذكر الحلف، ولكن فيه أن الخل إدام، فلو حلف ألا يأتدم، أي: حتى الخل، فإن الخل يعتبر إداماً فلا يستعمله، وإن استعمله فإنه يكفِّر عن يمينه.
    والمقصود من هذا: أن الخل وصف بأنه إدام، وأن من حلف أن لا يأتدم، فالخل نوع من أنواع الإدام، فإن أكله فإنه يكون حانثاً في يمينه، إلا إذا أراد عند يمينه شيئاً معيناً، فله ما نوى؛ لأنه كما سبق أن عرفنا إنما الأعمال بالنيات، فإذا كان يقصد نوعاً معيناً من الإدام، فهذا بينه وبين الله عز وجل، إذا كان في نيته أنه ما يأتدم، ويقصد بذلك نوعاً معيناً من الإدام، فإن اليمين تقتصر على الشيء الذي نواه، والخل هو هذا المائع الحامض الذي يوضع مع الطعام، سواءً كان أسود وإلا أبيض.
    قوله: [(دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم، بيته فإذا فلق)] الفلق هي: الكسر والقطع من الخبز، [وخل]، فكان يأتدم به، يعني: يغمس القطعة من الخبز بالإدام، ثم يأكل؛ لأنه يلينه ويشهيه، يعني فيكون في الإدام فائدتان: تليين الخبز إذا كان قاسياً، أو إذا كان فيه شيء من الصلابة، وفيه النبي صلى الله عليه وسلم كان يشتهيه ويأكله، بخلاف ما لو أكله بدون أن يكون معه إدام.

    تراجم رجال إسناد حديث: (...كل فنعم الإدام الخل)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن المثنى بن سعيد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طلحة بن نافع].
    صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وعن أبيه، وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    في الحلف والكذب لمن لم يعتقد اليمين بقلبه


    شرح حديث: (... يا معشر التجار! إن هذا البيع يحضره الحلف والكذب، فشوبوا بيعكم بالصدقة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [في الحلف والكذب لمن لم يعتقد اليمين بقلبه.أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان عن عبد الملك عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة قال: (كنا نسمى السماسرة، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نبيع، فسمانا باسم هو خير من اسمنا، فقال: يا معشر التجار! إن هذا البيع يحضره الحلف والكذب، فشوبوا بيعكم بالصدقة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: في الحلف والكذب لمن لم يعتقد اليمين بقلبه، وهذا هو لغو اليمين، مثل ما جاء عن عائشة: (لغو اليمين: لا والله، وبلى والله) فكون الإنسان يقول هذا الكلام، وما أراد عقد اليمين على شيء يؤكده، وإنما جرى على لسانه، مثل: لا والله، وبلى والله، فهذا من لغو اليمين الذي لا يؤاخذ عليه ولا يكون فيه كفارة، والكذب إذا كان حصل منه من غير قصد ونية -كونه جرى على الإنسان شيء من الكذب- هذا يكفِّره الصدقة.
    وأما إذا تعمد الكذب في بيعه وشرائه، فهذا من الكبائر، وقد جاء في الكذب أحاديث كثيرة تدل على تحريمه، وعلى خطورته، لكن إذا جرى شيء على الإنسان من غير قصده، ومن غير أن ينويه، فهذا هو الذي تكفِّره الصدقة، وأما إذا كان كذب، أو حلف في يمين كذب فيها، فيكفِّر ذلك أن يتوب إلى الله عز وجل، وإذا كان حالفاً كذباً على أمر ماض، فهذه يمين غموس، تغمس صاحبها في الإثم، وهذا يدل على أن الإنسان الذي يشتغل في البيع والشراء، يمكن أن يجري على لسانه حلف من غير قصد ونية، وكذلك قد يجري على لسانه شيء من الكذب ولا يتذكره، فيشرع له أن يتصدق صدقة يكفِّر الله عز وجل بها ذلك الشيء الذي حصل منه، أما إذا تعمد الكذب فهذا لا يكفِّره إلا التوبة.
    قوله: [(كنا نسمى السماسرة)]، السماسرة: جمع سمسار، وأصلها كلمة أعجمية؛ كون العجم هم الذين كانوا مشتهرين بالبيع والشراء، فانتقلت إلى العرب واستعملوها، وجرت على ألسنتهم وهي ليست عربية، والرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءهم وهم يبيعون قال: [(يا معشر التجار)] فأطلق عليهم اسماً هو خير من ذلك الاسم الذي ورد ووفد عليهم وليس من لغتهم، فسماهم باسم هوك التجار، قال: (يا معشر التجار) ما قال يا معشر السماسرة! قال: فسمانا باسم هو خير لنا من ما سمينا به أنفسنا، ومن ما كان يسمينا به غيرنا.
    [(إن هذا البيع يحضره الحلف والكذب)]، يعني: لا يسلم من الحلف والكذب، ولكن الإنسان عليه أن يخلط ذلك بالصدقة، فتكون هذه الصدقة مكفرة للغو اليمين، وكذلك الكذب الذي يحصل بدون قصد الإنسان، أو لا يتذكره وليس على باله، فعليه أن يتصدق، والصدقة تكون كفارة لهذه الأمور الصغيرة، أما الكبيرة فتكفيرها إنما هو بالتوبة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... يا معشر التجار! إن هذا البيع يحضره الحلف والكذب فشوبوا بيعكم بالصدقة)


    قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن].هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سفيان بن عيينة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الملك].
    هو عبد الملك بن أعين، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي وائل].
    هو أبو وائل شقيق بن سلمة الكوفي، ثقة، مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قيس بن أبي غرزة].
    صحابي، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

    شرح حديث: (... يا معشر التجار... إن هذا البيع يحضره الحلف والكذب...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد عن سفيان عن عبد الملك وعاصم وجامع عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه أنه قال: (كنا نبيع بالبقيع، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكنا نسمى السماسرة فقال: يا معشر التجار! فسمانا باسم هو خير من اسمنا، ثم قال: إن هذا البيع يحضره الحلف والكذب، فشوبوه بالصدقة)].أورد النسائي حديث قيس بن أبي غرزة، وقد مر ما يتعلق بالحديث في الذي قبله .. أصل الحديث وسببه.
    وفي هذه الرواية بيان مكان البيع، وأنه في البقيع، ويعني: مكان عند البقيع وليس في نفس البقيع إذ البقيع مقبرة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... يا معشر التجار! ... إن هذا البيع يحضره الحلف والكذب...) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].هو المقرئ المكي، ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة، وقد مر ذكره.
    [عن عبد الملك].
    مر ذكره.
    [و عاصم].
    هو ابن أبي النجود، صدوق له أوهام، وهو عاصم بن بهدلة، وبهدلة كنية والده أبي النجود، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وروايته في الصحيحين مقرونة، أي: أنه لم يرو له استقلالاً، وإنما روي له عن طريق المتابعة وكونه مقروناً بغيره، وهذا يبين لنا أن اصطلاح المزي وغيره أنهم يرمزون برمز الأصل فيما ليس بتعليق، ولو كان لم ينفرد وإنما كان متابعاً.
    [و جامع].
    هو جامع بن أبي راشد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة].
    وقد مر ذكرهما.
    وبالنسبة لـعبد الملك بن أعين أظنه مثل عاصم، قال فيه: روايته في الصحيحين مقرونة أو متابعة، وهو الظاهر، على أنه وصفه بأنه شيعي؛ فلذلك اعتذر عنه، وفي التقريب قال: صدوق، شيعي، له في الصحيحين حديث واحد متابعة.
    يعني: ليس استقلالاً، فهو مثل عاصم، يعني هذا متابع وذاك مقرون، المتابعة يقول: تابعه فلان، والمقرون فلان وفلان.
    في اللغو والكذب


    شرح حديث: (... إن هذه السوق يخالطها اللغو والكذب، فشوبوها بالصدقة) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [في اللغو والكذب.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن مغيرة عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه أنه قال: (أتانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن في السوق فقال: إن هذه السوق يخالطها اللغو والكذب، فشوبوها بالصدقة)].
    أورد النسائي حديث قيس بن أبي غرزة وهو مثل الذي قبله: [(إن هذه السوق يخالطها اللغو والكذب)] واللغو أعم من اللغو في اليمين؛ لأن اللغو يعني: الكلام الذي ليس فيه فائدة، ولغو اليمين هو أن يقول: لا والله، وبلى والله، الشيء الذي ما عقد قلبه عليه، فكلمة اللغو تكون في اليمين وفي غير اليمين، يعني لغو اليمين والشيء الذي لا قيمة له، أي: الكلام الذي لا فائدة من ورائه، ولا يترتب عليه فائدة ومصلحة، هذا هو اللغو فسواء كان يميناً أو غير يمين، وكذلك الكذب الذي يجري على لسان الإنسان من غير قصده أو ما يشعر به، يعني: ليس شيئاً متعمداً، كل تلك تكفرها الصدقة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن هذه السوق يخالطها اللغو والكذب فشوبوها بالصدقة) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو محمد بن بشار الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن جعفر].
    هو محمد بن جعفر غندر البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مغيرة].
    هو مغيرة بن مقسم الضبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (... يا معشر التجار! إنه يشهد بيعكم الحلف والكذب فشوبوه بالصدقة) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر ومحمد بن قدامة قالا: حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه: أنه قال: (كنا بالمدينة نبيع الأوساق ونبتاعها، وكنا نسمي أنفسنا السماسرة ويسمينا الناس، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم، فسمانا باسم هو خير من الذي سمينا أنفسنا وسمانا الناس، فقال: يا معشر التجار! إنه يشهد بيعكم الحلف والكذب، فشوبوه بالصدقة)].أورد النسائي الترجمة السابقة وهي في اللغو والكذب، وهنا ذكر الحلف والكذب، والترجمة في اللغو والكذب، يعني: المقصود به لغو اليمين، لكن اللفظ الأول أعم من الحلف؛ لأن اللغو يكون في الحلف، وفي غير الحلف، وهنا ذكر الحلف والكذب، وهو ألصق بالترجمة السابقة التي فيها ذكر الحلف والكذب، لكن يريد من ذلك أن الحلف بمثل: لا والله، وبلى والله من لغو اليمين الذي يكفِّره كون تصدق الإنسان بصدقة غير معينة ويتصدق بما تيسر، وليست كفارة معينة محدودة مقدرة وإنما بما يتيسر.
    وقوله: [(كنا بالمدينة نبيع الأوساق ونبتاعها)].
    والأوساق جمع وسق وهو: المقدار من الطعام، والمقدار من المكاييل، وكما هو معلوم أن الزكاة خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... يا معشر التجار! إنه يشهد بيعكم الحلف والكذب فشوبوه بالصدقة) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس المروزي السعدي، ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [و محمد بن قدامة].
    هو محمد بن قدامة المصيصي، ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة].
    وقد مر ذكرهما.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •