تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (469)
صــ 201 إلى صــ 215
9094 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن [ ص: 201 ] أشعث ، عن الشعبي قال : قال عبد الله : الأمة إحصانها إسلامها .
9095 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال مغيرة : أخبرنا عن إبراهيم أنه كان يقول : فإذا أحصن ، يقول : إذا أسلمن .
9096 - حدثنا أبو هشام قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن أشعث ، عن الشعبي قال : الإحصان الإسلام .
9097 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن برد بن سنان ، عن الزهري قال : جلد عمر رضي الله عنه ولائد أبكارا من ولائد الإمارة في الزنا .
9098 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فإذا أحصن ، يقول : إذا أسلمن .
9099 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن سالم والقاسم قالا : إحصانها إسلامها وعفافها في قوله : فإذا أحصن .
وقال آخرون : معنى قوله : فإذا أحصن ، فإذا تزوجن .
ذكر من قال ذلك :
9100 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : فإذا أحصن ، يعني : إذا تزوجن حرا .
9101 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : [ ص: 202 ] أخبرنا حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ : ( فإذا أحصن ) . يقول : إذا تزوجن .
9102 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عكرمة : أن ابن عباس كان يقرأ : فإذا أحصن ، يقول : تزوجن .
9103 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت ليثا ، عن مجاهد قال : إحصان الأمة أن ينكحها الحر ، وإحصان العبد أن ينكح الحرة .
9104 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة : أنه سمع سعيد بن جبير يقول : لا تضرب الأمة إذا زنت ، ما لم تتزوج .
9105 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : عن الحسن في قوله : فإذا أحصن . قال : أحصنتهن البعولة .
9106 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فإذا أحصن ، قال : أحصنتهن البعولة .
9107 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني عياض بن عبد الله ، عن أبي الزناد : أن الشعبي أخبره ، أن ابن عباس أخبره : أنه أصاب جارية له قد كانت زنت ، وقال : أحصنتها .
قال أبو جعفر وهذا التأويل على قراءة من قرأ : ( فإذا أحصن ) بضم " الألف " وعلى تأويل من قرأ : " فإذا أحصن " بفتحها . وقد بينا الصواب من القول والقراءة في ذلك عندنا .
[ ص: 203 ] القول في تأويل قوله ( فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : فإن أتين بفاحشة ، فإن أتت فتياتكم - وهن إماؤكم - بعد ما أحصن بإسلام ، أو أحصن بنكاح " بفاحشة " وهي الزنا فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، يقول : فعليهن نصف ما على الحرائر من الحد ، إذا هن زنين قبل الإحصان بالأزواج .
و " العذاب " الذي ذكره الله تبارك وتعالى في هذا الموضع ، هو الحد ، وذلك النصف الذي جعله الله عذابا لمن أتى بالفاحشة من الإماء إذا هن أحصن - خمسون جلدة ، ونفي ستة أشهر ، وذلك نصف عام . لأن الواجب على الحرة إذا هي أتت بفاحشة قبل الإحصان بالزوج - جلد مائة ونفي حول . فالنصف من ذلك خمسون جلدة ، ونفي نصف سنة . وذلك الذي جعله الله عذابا للإماء المحصنات إذا هن أتين بفاحشة ، كما :
9108 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب . . . . . .
[ ص: 204 ] 9109 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، خمسون جلدة ، ولا نفي ولا رجم .
فإن قال قائل : وكيف قيل فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ؟ وهل يكون الجلد على أحد ؟
؛ قيل : إن معنى ذلك : فلازم أبدانهن أن تجلد نصف ما يلزم أبدان المحصنات ، كما يقال : " علي صلاة يوم " بمعنى : لازم علي أن أصلي صلاة يوم و " علي الحج والصيام " مثل ذلك . وكذلك : " عليه الحد " بمعنى لازم له إمكان نفسه من الحد ليقام عليه .
القول في تأويل قوله ( ذلك لمن خشي العنت منكم )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ذلك " هذا الذي أبحت أيها الناس ، من نكاح فتياتكم المؤمنات لمن لا يستطيع منكم طولا لنكاح المحصنات المؤمنات - أبحته لمن خشي العنت منكم ، دون غيره ممن لا يخشى العنت .
واختلف أهل التأويل في هذا الموضع .
فقال بعضهم : هو الزنا .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 205 ] 9110 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت ليثا ، عن مجاهد قوله : لمن خشي العنت منكم ، قال : الزنا .
9111 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن العوام ، عمن حدثه ، عن ابن عباس أنه قال : ما ازلحف ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلا .
9112 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : العنت الزنا .
9113 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبيد بن يحيى قال : حدثنا شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : العنت الزنا .
9114 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير قال : ما ازلحف ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلا ذلك لمن خشي العنت منكم .
9115 - حدثنا أبو سلمة قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير نحوه .
9116 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية في قوله : ذلك لمن خشي العنت منكم ، قال : الزنا .
9117 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي حماد قال : حدثنا فضيل ، عن عطية العوفي مثله .
[ ص: 206 ] 9118 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : لمن خشي العنت منكم ، قال : الزنا .
119 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبيدة ، عن الشعبي وجويبر ، عن الضحاك قالا : : العنت الزنا .
9120 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية : ذلك لمن خشي العنت منكم ، قال : العنت الزنا .
وقال آخرون : معنى ذلك : العقوبة التي تعنته ، وهي الحد .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في قوله : ذلك لمن خشي العنت منكم ، ذلك لمن خاف منكم ضررا في دينه وبدنه .
قال أبو جعفر : وذلك أن " العنت " هو ما ضر الرجل . يقال منه : " قد عنت فلان فهو يعنت عنتا " إذا أتى ما يضره في دين أو دنيا ، ومنه قول الله تبارك وتعالى : ( ودوا ما عنتم ) [ سورة آل عمران : 118 ] . ويقال : " قد أعنتني فلان فهو يعنتني " إذا نالني بمضرة . وقد قيل : " العنت " الهلاك .
فالذين وجهوا تأويل ذلك إلى الزنا ، قالوا : الزنا ضرر في الدين ، وهو من العنت .
والذين وجهوه إلى الإثم ، قالوا : الآثام كلها ضرر في الدين ، وهي من العنت .
والذين وجهوه إلى العقوبة التي تعنته في بدنه من الحد ، فإنهم قالوا : الحد مضرة على بدن المحدود في دنياه ، وهو من العنت .
[ ص: 207 ] وقد عم الله بقوله : لمن خشي العنت منكم - جميع معاني العنت . ويجمع جميع ذلك الزنا ، لأنه يوجب العقوبة على صاحبه في الدنيا بما يعنت بدنه ، ويكتسب به إثما ومضرة في دينه ودنياه . وقد اتفق أهل التأويل الذي هم أهله ، على أن ذلك معناه . فهو وإن كان في عينه لذة وقضاء شهوة ، فإنه بأدائه إلى العنت - منسوب إليه موصوف به ، إذ كان للعنت سببا .
القول في تأويل قوله ( وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم ( 25 ) )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بذلك : " وأن تصبروا " أيها الناس ، عن نكاح الإماء " خير لكم " " والله غفور " لكم نكاح الإماء أن تنكحوهن على ما أحل لكم وأذن لكم به - وما سلف منكم في ذلك ، إن أصلحتم أمور أنفسكم فيما بينكم وبين الله " رحيم " بكم ، إذ أذن لكم في نكاحهن عند الافتقار وعدم الطول للحرة .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
9121 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير : وأن تصبروا خير لكم ، قال : عن نكاح الأمة .
9122 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت ليثا [ ص: 208 ] 103 عن مجاهد : وأن تصبروا خير لكم ، قال : عن نكاح الإماء .
9123 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وأن تصبروا خير لكم ، يقول : وأن تصبر ، ولا تنكح الأمة ، فيكون ولدك مملوكين - فهو خير لك .
9124 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وأن تصبروا خير لكم ، يقول : وأن تصبروا عن نكاح الإماء - خير لكم ، وهو حل .
9125 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وأن تصبروا خير لكم ، يقول : وأن تصبروا عن نكاحهن - يعني : نكاح الإماء - خير لكم .
9126 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية في قوله : وأن تصبروا خير لكم ، قال : أن تصبروا عن نكاح الإماء ، خير لكم .
9127 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان قال : حدثنا ابن المبارك قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرنا ابن طاوس ، عن أبيه : وأن تصبروا خير لكم ، قال : أن تصبروا عن نكاح الأمة خير لكم .
9128 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " وأن تصبروا خير لكم " قال : وأن تصبروا عن الأمة - خير لكم .
و " أن " في قوله : وأن تصبروا في موضع رفع ب " خير " بمعنى : والصبر عن نكاح الإماء خير لكم .
[ ص: 209 ] القول في تأويل قوله ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ( 26 ) )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : يريد الله ليبين لكم ، حلاله وحرامه ويهديكم سنن الذين من قبلكم ، يقول : وليسددكم سنن الذين من قبلكم ، يعني : سبل من قبلكم من أهل الإيمان بالله وأنبيائه ، ومناهجهم فيما حرم عليكم من نكاح الأمهات والبنات والأخوات وسائر ما حرم عليكم في الآيتين اللتين بين فيهما ما حرم من النساء ويتوب عليكم ، يقول : يريد الله أن يرجع بكم إلى طاعته في ذلك ، مما كنتم عليه من معصيته في فعلكم ذلك قبل الإسلام ، وقبل أن يوحي ما أوحى إلى نبيه من ذلك " عليكم " ؛ ليتجاوز لكم بتوبتكم عما سلف منكم من قبيح ذلك قبل إنابتكم وتوبتكم " والله عليم " يقول : والله ذو علم بما يصلح عباده في أديانهم ودنياهم وغير ذلك من أمورهم ، وبما يأتون ويذرون مما أحل أو حرم عليهم ، حافظ ذلك كله عليهم " حكيم " بتدبيره فيهم ، في تصريفهم فيما صرفهم فيه .
واختلف أهل العربية في معنى قوله : " يريد الله ليبين لكم " .
فقال بعضهم : معنى ذلك : يريد الله هذا من أجل أن يبين لكم . وقال : ذلك كما قال : ( وأمرت لأعدل بينكم ) [ سورة الشورى : 15 ] بكسر " اللام " لأن معناه : أمرت بهذا من أجل ذلك .
[ ص: 210 ] وقال آخرون : معنى ذلك : يريد الله أن يبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم . وقالوا : من شأن العرب التعقيب بين " كي " و " لام كي " و " أن " ووضع كل واحدة منهن موضع كل واحدة من أختها مع " أردت " و " أمرت " . فيقولون : " أمرتك أن تذهب ، ولتذهب " و " أردت أن تذهب ولتذهب " كما قال الله - جل ثناؤه - : ( وأمرنا لنسلم لرب العالمين ) [ سورة الأنعام : 71 ] ، وقال في موضع آخر : ( قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ) [ سورة الأنعام : 14 ] ، وكما قال : ( يريدون ليطفئوا نور الله ) [ سورة الصف : 8 ] ، ثم قال في موضع آخر ، ( يريدون أن يطفئوا ) [ سورة التوبة : 32 ] . واعتلوا في توجيههم " أن " مع " أمرت " و " أردت " إلى معنى " كي " وتوجيه " كي " مع ذلك إلى معنى " أن " لطلب " أردت " و " أمرت " الاستقبال ، وأنها لا يصلح معها الماضي ، لا يقال : " أمرتك أن قمت " ولا " أردت أن قمت " . قالوا : فلما كانت " أن " قد تكون مع الماضي في غير " أردت " و " أمرت " وكدوا لها معنى الاستقبال بما لا يكون معه ماض من الأفعال بحال ، من " كي " و " اللام " التي في معنى " كي " . قالوا : وكذلك جمعت العرب بينهن أحيانا في الحرف الواحد ، فقال قائلهم في الجمع :
أردت لكيما أن تطير بقربتي فتتركها شنا ببيداء بلقع
[ ص: 211 ] فجمع بينهن ، لاتفاق معانيهن واختلاف ألفاظهن ، كما قال الآخر :
قد يكسب المال الهدان الجافي بغير لا عصف ولا اصطراف
فجمع بين " غير " و " لا " توكيدا للنفي . قالوا : إنما يجوز أن يجعل " أن " مكان " كي " و " كي " مكان " أن " في الأماكن التي لا يصحب جالب ذلك ماض من الأفعال أو غير المستقبل . فأما ما صحبه ماض من الأفعال وغير المستقبل ، فلا يجوز ذلك . لا يجوز عندهم أن يقال : " ظننت ليقوم " ولا " أظن ليقوم " بمعنى : أظن أن يقوم لأن " أن " التي تدخل مع الظن [ ص: 212 ] تكون مع الماضي من الفعل ، يقال : " أظن أن قد قام زيد " ومع المستقبل ، ومع الأسماء .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي - قول من قال : إن " اللام " في قوله : " يريد الله ليبين لكم " بمعنى : يريد الله أن يبين لكم ، لما ذكرت من علة من قال إن ذلك كذلك .
القول في تأويل قوله عز وجل ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ( 27 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : والله يريد أن يراجع بكم طاعته والإنابة إليه ، ليعفو لكم عما سلف من آثامكم ، ويتجاوز لكم عما كان منكم في جاهليتكم من استحلالكم ما هو حرام عليكم من نكاح حلائل آبائكم وأبنائكم وغير ذلك مما كنتم تستحلونه وتأتونه ، مما كان غير جائز لكم إتيانه من معاصي الله ويريد الذين يتبعون الشهوات ، يقول : ويريد الذين يطلبون لذات الدنيا وشهوات أنفسهم فيها أن تميلوا عن أمر الله تبارك وتعالى ، فتجوروا عنه بإتيانكم ما حرم عليكم وركوبكم معاصيه ميلا عظيما ، جورا وعدولا عنه شديدا .
[ ص: 213 ] واختلف أهل التأويل في الذين وصفهم الله بأنهم " يتبعون الشهوات " .
فقال بعضهم : هم الزناة .
ذكر من قال ذلك :
9129 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ويريد الذين يتبعون الشهوات ، قال : الزنا أن تميلوا ميلا عظيما ، قال : يريدون أن تزنوا .
9130 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما أن تكونوا مثلهم ، تزنون كما يزنون .
9131 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ويريد الذين يتبعون الشهوات ، قال : الزنا أن تميلوا ميلا عظيما ، قال : يزني أهل الإسلام كما يزنون . قال : هي كهيئة : ( ودوا لو تدهن فيدهنون ) [ سورة القلم : 9 ] .
9132 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ويريد الذين يتبعون الشهوات ، قال : الزنا أن تميلوا ، قال : أن تزنوا .
وقال آخرون ، بل هم اليهود والنصارى .
ذكر من قال ذلك :
9133 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ويريد الذين يتبعون الشهوات ، قال : هم اليهود والنصارى " أن تميلوا ميلا عظيما " .
[ ص: 214 ] وقال آخرون : بل هم اليهود خاصة ، وكانت إرادتهم من المسلمين اتباع شهواتهم في نكاح الأخوات من الأب . وذلك أنهم يحلون نكاحهن ، فقال الله تبارك وتعالى للمؤمنين : ويريد الذين يحللون نكاح الأخوات من الأب - أن تميلوا عن الحق فتستحلوهن كما استحلوا .
وقال آخرون . معنى ذلك : كل متبع شهوة في دينه لغير الذي أبيح له .
ذكر من قال ذلك :
9134 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : ويريد الذين يتبعون الشهوات الآية ، قال : يريد أهل الباطل وأهل الشهوات في دينهم - أن تميلوا في دينكم ميلا عظيما ، تتبعون أمر دينهم ، وتتركون أمر الله وأمر دينكم .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب - قول من قال : معنى ذلك : ويريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم من أهل الباطل ، وطلاب الزنا ونكاح الأخوات من الآباء وغير ذلك مما حرمه الله أن تميلوا عن الحق ، وعما أذن الله لكم فيه ، فتجوروا عن طاعته إلى معصيته ، وتكونوا أمثالهم في اتباع شهوات أنفسكم فيما حرم الله ، وترك طاعته ميلا عظيما .
وإنما قلنا : ذلك أولى بالصواب ، لأن الله عز وجل عم بقوله : ويريد الذين يتبعون الشهوات ، فوصفهم باتباع شهوات أنفسهم المذمومة ، وعمهم بوصفهم بذلك ، من غير وصفهم باتباع بعض الشهوات المذمومة . فإذ كان ذلك كذلك ، فأولى المعاني بالآية ما دل عليه ظاهرها ، دون باطنها الذي لا شاهد عليه من أصل [ ص: 215 ] أو قياس . وإذ كان ذلك كذلك كان داخلا في " الذين يتبعون الشهوات " اليهود ، والنصارى ، والزناة ، وكل متبع باطلا . لأن كل متبع ما نهاه الله عنه ، فمتبع شهوة نفسه . فإذ كان ذلك بتأويل الآية أولى ، وجبت صحة ما اخترنا من القول في تأويل ذلك .
القول في تأويل قوله ( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ( 28 ) )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : يريد الله أن يخفف عنكم ، يريد الله أن ييسر عليكم ، بإذنه لكم في نكاح الفتيات المؤمنات إذا لم تستطيعوا طولا لحرة وخلق الإنسان ضعيفا ، يقول : يسر ذلك عليكم إذا كنتم غير مستطيعي الطول للحرائر ، لأنكم خلقتم ضعفاء عجزة عن ترك جماع النساء ، قليلي الصبر عنه ، فأذن لكم في نكاح فتياتكم المؤمنات عند خوفكم العنت على أنفسكم ، ولم تجدوا طولا لحرة ، لئلا تزنوا ، لقلة صبركم على ترك جماع النساء .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
9135 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يريد الله أن يخفف عنكم في نكاح الأمة ، وفي كل شيء فيه يسر .