عيد أضحى مبارك
تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 22 من 26 الأولىالأولى ... 121314151617181920212223242526 الأخيرةالأخيرة
النتائج 421 إلى 440 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #421
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجهاد

    (418)

    - (باب من غزا في سبيل الله ولم ينو من غزاته إلا عقالاً) إلى (باب من قاتل في سبيل الله فارتد عليه سيفه فقتله)



    العمل لا يكون مقبولاً عند الله إلا إذا كان خالصاً لوجهه، مطابقاً لسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، والمجاهد إذا أخلص عمله لله كافأه الله بالأجور العظيمة، فمن قاتل في سبيل الله زمناً يسيراً وجبت له الجنة، ومن رمى بسهم في سبيل الله، سواء بلغ العدو فأصابه، أو لم يبلغه ولم يصبه، كان له كعتق رقبة، ومن جرح في سبيل الله جاء جرحه يوم القيامة يسيل دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك.
    من غزا في سبيل الله ولم ينو من غزاته إلا عقالاً

    شرح حديث: (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالاً فله ما نوى)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من غزا في سبيل الله ولم ينو من غزاته إلا عقالاً.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن جده رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالاً فله ما نوى)].
    يقول النسائي رحمه الله: من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالاً، أي: فله ما نوى، والمقصود من هذه الترجمة: أن من كان يريد بجهاده الدنيا، فإنه قد يحصل الشيء الذي نواه، وقد لا يحصله، ولكنه لا يحصل الأجر، والثواب الذي أعده الله عز وجل للمجاهدين؛ لأن من جاهد للغنيمة، ومن قاتل من أجل أن يحصل دنيا، فليس عنده الإخلاص، وليس عنده ابتغاء وجه الله عز وجل في الجهاد، وإنما أراد بجهاده ابتغاء الدنيا، فقد يحصل هذا الذي نواه وقد لا يحصله، ولكنه لا يحصل الأجر؛ لأنه ما نواه وما قصده، والله عز وجل إنما يثيب من جاهد ابتغاء وجه الله عز وجل وإعلاء كلمته، كما قال عليه الصلاة والسلام، في حديث أبي موسى: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العلياء، فهو في سبيل الله)، أي: وغيره فإنه ليس في سبيل الله، وإنما هو بحسب نية صاحبه، إن كان يريد غنيمة، أو يريد ذكراً، أو يريد رياء وسمعة، ولكن الذي يحصل الثواب والأجر عند الله عز وجل من قاتل الكفار ابتغاء وجه الله، وإعلاء كلمة الله عز وجل.
    وقد أورد النسائي حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالاً فله ما نوى)، من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا أن يحصل شيئاً من الدنيا، ولو كان قليلاً الذي هو العقال: وهو الحبل الذي يربط به البعير، وتشد به يد البعير، هذا هو العقال، وقد جاء في حديث في قصة أبي بكر رضي الله عنه ومناظرة عمر له: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، لقاتلتهم على منعه، وفي بعض الروايات: لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها، فالعقال هو: الحبل الذي يربط به البعير، والمقصود به: أنه إذا كان يريد غنيمة ولو كانت قليلة، مادام أن قصده الدنيا فإنه لا يحصل أجر المجاهدين، ولكن له ما نوى وهو هذه الدنيا، ولو كان هذا الذي يريده قليلاً منها.
    ويوضح هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فكذلك من قاتل من أجل أن يحصل الدنيا، فإن له نيته وقصده الذي نواه، وقد يحصل هذا الأجر الدنيوي، وقد لا يحصله، فيكون إن حصل أجراً، وحصل غنيمةً، فقد حصل ما يريد، وما نواه، وإن لم يحصل، فإنه اجتهد وتعب، ولكنه ما حصل مراده الدنيوي، ولم يرد الأخروي، فلم يحصل لا الدنيوي ولا الأخروي.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالاً فله ما نوى)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد بن سلمة].
    هو حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جبلة بن عطية].
    ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [عن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت].
    مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن جده].
    هو عبادة بن الصامت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (من غزا وهو لا يريد إلا عقالاً، فله ما نوى) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من غزا وهو لا يريد إلا عقالاً، فله ما نوى)].ثم أورد حديث عبادة بن الصامت من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].
    هو الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا يزيد بن هارون].
    هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت].
    وقد مر ذكر هؤلاء.


    من غزا يلتمس الأجر والذكر

    شرح حديث: (أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من غزا يلتمس الأجر والذكر.أخبرنا عيسى بن هلال الحمصي حدثنا محمد بن حمير حدثنا معاوية بن سلام عن عكرمة بن عمار عن شداد أبي عمار عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا شيء له، فأعادها ثلاث مرات؛ يقول له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا شيء له، ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتغي به وجهه)].
    أورد النسائي: من غزا يلتمس الأجر والذكر، يعني: يريد الثواب من الله عز وجل، ويريد أن يذكر، وأن يثنى عليه، وأورد النسائي في هذه الترجمة حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله تعالى عنه: [أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، عن رجل غزا يلتمس الأجر والذكر، فقال عليه الصلاة والسلام: لا شيء له]؛ لأنه لم يخلص جهاده لله، وإنما أراد من جهاده الأجر، وأراد أن يذكر؛ وأن يثنى عليه، وأن يشار إليه بالبنان، وأن يقال: إنه شجاع، أو جريء أو ما إلى ذلك من الأوصاف التي يرغب بها بعض الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: [لا شيء له]؛ لأنه ما أخلص قصده لله، وما أخلص عمله لله.
    والعمل الذي يكون مقبولاً عند الله: هو الذي يكون خالصاً لوجه، ومطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يكن العمل خالصاً لوجه سبحانه وتعالى، فإنه لا يستفيد منه صاحبه شيئاً، فأعادها عليه مراراً، وكلها يجيبه بما أجاب به عليه الصلاة والسلام، ثم قال: [إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، وابتغي به وجهه]، ابتغي به الدار الآخرة، وابتغي به رضا الله سبحانه وتعالى، فهذا هو الذي ينفع صاحبه.
    أما إذا كان المقصود أن يذكر، فهذا ليس في سبيل الله، فقد مر في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن رجلاً سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن رجل يقاتل شجاعة، يقاتل ليذكر، ويقاتل للغنيمة، ويقاتل ليرى مكانه: أي ذلك في سبيل الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله)، وتلك الأمور الأخرى ليست في سبيل الله، لا كون الإنسان يريد الذكر، وهو أن يذكر، ويثنى عليه، ولا كونه يريد الغنيمة، وهي الحظ العاجل، ولا كونه يريد أن يرى مكانه، أي: بأن تعرف منزلته ويعرف قدره، ويشار إليه بالبنان، قال عليه الصلاة والسلام: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله)، وهنا قال في آخر الحديث: [(إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، وابتغي به وجهه)].

    تراجم رجال إسناد حديث: (أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ...)

    قوله: [أخبرنا عيسى بن هلال الحمصي].صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا محمد بن حمير].
    هو محمد بن حمير الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا معاوية بن سلام].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عكرمة بن عمار].
    صدوق يغلط، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن شداد أبي عمار].
    هو شداد بن عبد الله أبي عمار، وهو ثقة، يرسل، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي أمامة].
    هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    ثواب من قاتل في سبيل الله فواق ناقة


    شرح حديث: (من قاتل في سبيل الله عز وجل من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثواب من قاتل في سبيل الله فواق ناقة.أخبرنا يوسف بن سعيد سمعت حجاجاً أخبرنا ابن جريج حدثنا سليمان بن موسى حدثنا مالك بن يخامر: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه حدثهم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: (من قاتل في سبيل الله عز وجل من رجل مسلم فواق ناقة، وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل من عند نفسه صادقاً، ثم مات أو قتل، فله أجر شهيد، ومن جرح جرحاً في سبيل الله، أو نكب نكبة، فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت؛ لونها كالزعفران، وريحها كالمسك، ومن جرح جرحاً في سبيل الله، فعليه طابع الشهداء)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: ثواب من قاتل في سبيل الله فواق ناقة، أي: زمناً قليلاً، أي: ولو كان زمناً قليلاً، يسيراً، وفواق الناقة فسر بأنه ما بين الحلبتين، يعني: كونها تحلب، ثم تترك حتى يعود اللبن، أو حتى يحصل اللبن في الضرع مرةً أخرى، وفسر بما هو أقل من ذلك، وأنه ما بين الحلبة والحلبة، التي هي كونه يجر الثدي، ثم يتركه، ثم يعود إليه مرةً أخرى، فيكون ما بين جره، ثم جره المرة التي تليها، وهو زمن يسير جداً، فإن من جاهد في سبيل الله عز وجل ولو كان زمناً يسيراً جداً، الذي هو فواق الناقة، وجبت له الجنة.
    ثم أورد حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة، وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل من عند نفسه صادقاً، ثم مات أو قتل، فله أجر شهيد).
    أي: من عند نفسه من قلبه، صادقاً، وأكد بقوله: [من عند نفسه، فمات أو قتل، فله أجر شهيد]، سواء حصل القتل في سبيل الله، أو أنه مات بدون قتل في سبيل الله، فله أجر الشهيد.
    قوله: [(ومن جرح جرحاً في سبيل الله، أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت؛ لونها كالزعفران وريحها كالمسك)].
    والمقصود من هذا: أنه إذا جرح في سبيل الله، أو حصل له نكبة، بأن حصل له جرح في سبيل الله من غير الأعداء، فإنه يأتي يوم القيامة بهذا الوصف الذي بينه رسول الله عليه الصلاة والسلام، اللون لون الزعفران، والريح ريح المسك.
    قوله: [(ومن جرح جرحاً في سبيل الله، فعليه طابع الشهداء)].
    أي: الخاتم الذي يختم به، معناه: عليه العلامة التي تدل على الشهادة، والجرح إذا حصل للإنسان، ثم استمر معه، ثم مات، فإنه يكون بذلك شهيداً، ولو لم يمت في الحال ولو ما كان إلا بعد مدة طويلة، ولهذا قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه، سيد الأوس لما طعن، أو لما جرح يوم الخندق، وكان في خيمة في المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فكاد أن يبرأ، ثم سأل الله عز وجل الشهادة، فانفجر الجرح ومات، فصار شهيداً بذلك رضي الله تعالى عنه وأرضاه؛ لأن هذا الجرح حصل في سبيل الله، ولكنه اندمل، ثم انفتح ومات بسبب ذلك، فيكون له أجر الشهادة، وهنا يقول: [فله طابع الشهداء]، أي: هذه علامة الشهادة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من قاتل في سبيل الله عز وجل من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة...)


    قوله: [أخبرنا يوسف بن سعيد].هو يوسف بن سعيد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [سمعت حجاجاً].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وبالمناسبة سبق أن مر في حديث مضى عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن حجاج عن حماد بن سلمة، وذكرت في ذاك الوقت أن حجاجاً هذا هو ابن محمد الأعور المصيصي هذا الذي معنا في الإسناد، وكنت قلت: إن هذا في تحفة الأشراف نص عليه أنه الأعور، لكن الأمر ليس كذلك، إنما الذي نص على ذكر الأعور في ترجمة إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني في تهذيب التهذيب، فإنه ذكر في شيوخه حجاج بن محمد الأعور ولم يذكر غيره، فأنا فهمت من هذا أنه هو، لكن عند الرجوع إلى ترجمة حجاج بن محمد الأعور في تهذيب التهذيب ليس فيه أنه روى عنه إبراهيم الجوزجاني، ولا روى عن حماد بن سلمة، لكن كونه روى عنه إبراهيم الجوزجاني موجود في تهذيب التهذيب، بل لم يذكر من شيوخه ممن يسمى حجاجاً إلا حجاج الأعور، لكن في تهذيب التهذيب في ترجمة حجاج بن منهال البصري روى عنه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وهو روى عن حماد بن سلمة، وكذلك عن حماد بن زيد، فعلى هذا الشخص الذي سبق أن مر في الإسناد السابق هو: حجاج بن منهال، روى عنه أصحاب الكتب الستة، وليس حجاج بن محمد الأعور الذي روى عنه أصحاب الكتب الستة، فيصحح الخطأ هناك.
    [أخبرنا ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سليمان بن موسى].
    صدوق في حديثه بعض لين، أخرج حديثه مسلم في المقدمة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا مالك بن يخامر].
    له صحبة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن.
    [أن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه حدثهم].
    حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل

    شرح حديث عمرو بن عبسة: (...ومن رمى بسهم في سبيل الله تعالى بلغ العدو أو لم يبلغ كان له رقبة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل.أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير حدثنا بقية، عن صفوان حدثني سليم بن عامر عن شرحبيل بن السمط أنه قال لـعمرو بن عبسة رضي الله عنه: يا عمرو، حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من شاب شيبةً في سبيل الله تعالى كانت له نوراً يوم القيامة، ومن رمى بسهم في سبيل الله تعالى، بلغ العدو أو لم يبلغ، كان له كعتق رقبة، ومن أعتق رقبةً مؤمنةً، كانت له فداءه من النار عضواً بعضو)].
    أورد النسائي الترجمة وهي: ثواب من رمى بسهم في سبيل الله، أي: بيان هذا الثواب، وأورد النسائي حديث عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه أن شرحبيل بن السمط قال: [حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عمرو رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من شاب شيبة في سبيل الله، كانت له نوراً يوم القيامة)].
    وفسر ذلك: بأنه عمل في الجهاد في سبيل لله، فحصل له الشيب، أو حصل له شيء من الشيب، وهو في هذا العمل الجليل الذي هو الجهاد في سبيل الله، وفسر بما هو أعم من ذلك، لكن الأقرب، والمتبادر أن المقصود به: الجهاد في سبيل الله، وأنه عندما ينصب، ويتعب، ويكثر الجهاد، ويحصل له الشيب في هذا السبيل الذي هو سبيل الله عز وجل، فإنه يكون له نوراً يوم القيامة.
    قوله: [(ومن رمى بسهم في سبيل الله تعالى، بلغ العدو أو لم يبلغ، كان له كعتق رقبة)].
    يعني: هذا السهم بلغ العدو فأصابه، أو لم يبلغه ولم يصبه، كان له كعتق رقبة؛ لأنه عمل هذا العمل الذي هو في سبيل الله، وسواء أصاب العدو، أو لم يصب العدو، كان كعتق رقبة؛ لأن هذا العمل القليل، وهذا العمل اليسير في سبيل الله عز وجل الذي هو إرسال سهم واحد يكون كعتق رقبة.
    قوله: [(ومن أعتق رقبةً مؤمنةً كانت له فداءه من النار عضواً بعضو)].
    يعني: أنه إذا أعتق عبداً، فإن الله عز وجل يعتق من النار أعضاء ذلك المعتق عضواً بعضو، يعني: كل عضو من أعضاء العتيق يعتق الله به عضواً من أعضاء المعتق، ويكون ذلك فكاكاً من النار، وفداءً له من النار، وقد جاء في بعض الأحاديث (أن من أعتق جاريتين كانتا فكاكه من النار، وأن من أعتق عبداً كان فكاكه من النار)، وهنا ذكر إعتاق العبد، وأنه يكون فكاكه من النار، وهو من المواضع التي يفرق فيها بين الذكور والإناث.
    وقد ذكر ابن القيم: أن النساء على النصف من الرجال في خمسة أمور، منها العتق: (أن من أعتق عبداً كان فكاكه من النار، ومن أعتق جارتين كانتا فكاكه من النار)، فجعل الجاريتين فيهما الفكاك، والعبد فيه الفكاك، فالمرأة على النصف من الذكر، وكذلك في الميراث، وكذلك في الشهادة، وفي العقيقة؛ الغلام يعق عنه شاتين، والجارية يعق عنها بشاة، والخامس في الدية، فإن المرأة على النصف من الرجل، فهذه خمسة أمور النساء فيها على النصف من الرجال، في العتق، والميراث، والعقيقة، والشهادة، والدية.


    تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن عبسة: (...ومن رمى بسهم في سبيل الله تعالى بلغ العدو أو لم يبلغ كان له رقبة...)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا بقية].
    هو بقية بن الوليد، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن صفوان].
    هو صفوان بن عمرو، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني سليم بن عامر].
    ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن شرحبيل بن السمط].
    صحابي، له وفادة، أي: له صحبة، وقال في تحفة الأشراف: له صحبة، والوفادة يعني: أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقيه، فيكون صحابياً، هذا هو المقصود بالوفادة، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمرو بن عبسة].
    رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.


    شرح حديث عمرو بن عبسة: (من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له درجة في الجنة ...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا هشام حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي نجيح السلمي رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من بلغ بسهم في سبيل الله، فهو له درجة في الجنة، فبلغت يومئذ ستة عشر سهماً، قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يقول: من رمى بسهم في سبيل الله، فهو عدل محرر)].أورد النسائي حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه، وهو أبو نجيح، وهي كنيته ذكره في الأول باسمه، وذكره في هذه الطريق بكنيته، وهو شخص واحد.
    ومعرفة الكنى نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدتها: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما يأتي في الإسناد، مثلاً: عمرو بن عبسة، ويأتي في الإسناد الثاني: أبو نجيح السلمي، فمن لا يعرف يظن هذا شخص وهذا شخص، لكن الواقع أنه شخص واحد ذكر مرة باسمه ومرة بكنيته، ويوافق عمرو بن عبسة في هذه الكنية: العرباض بن سارية رضي الله عنه، فكنيته أبو نجيح كـعمرو بن عبسة.
    وأورد النسائي حديث عمرو بن عبسة أبي نجيح رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من بلغ بسهم في سبيل الله، فهو له درجة في الجنة)].
    أي: من أرسله إلى العدو، فله درجة في الجنة، وهذا ثوابه وهذا أجره.
    قوله: [(فبلغت يومئذ ستة عشر سهماً)]. أي: ويكون له بذلك ست عشرة درجة؛ لأن من بلغ سهماً إلى العدو، كان له به درجة في الجنة، فـعمرو بلغ ستة عشر سهماً، أي: فيكون له بذلك ست عشرة درجة في الجنة.
    قوله: [(وسمعته يقول: من رمى بسهم في سبيل الله، فهو عدل محرر)].
    أي: عتق رقبة، وهنا قال: [عدل محرر]، وهناك قال: [عتق رقبة]، وهما بمعنى واحد.

    تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن عبسة: (من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له درجة في الجنة ...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم بن أبي الجعد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن معدان بن أبي طلحة].
    ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن.
    [عن أبي نجيح].
    هو أبو نجيح عمرو بن عبسة، وقد مر ذكره.

    شرح حديث كعب بن مرة: (...ارموا، من بلغ العدو بسهم رفعه الله به درجة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط قال لـكعب بن مرة: (يا كعب، حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحذر، قال: سمعته يقول: من شاب شيبة في الإسلام في سبيل الله، كانت له نوراً يوم القيامة، قال له: حدثنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واحذر، قال: سمعته يقول: ارموا، من بلغ العدو بسهم رفعه الله به درجة، قال ابن النحام: يا رسول الله، وما الدرجة؟ قال: أما انها ليست بعتبة أمك، ولكن ما بين الدرجتين مائة عام)].أورد النسائي حديث كعب بن مرة رضي الله عنه، وفيه: أن شرحبيل بن السمط سأل كعب بن مرة أن يحدثه حديثاً عن رسول الله ويحذر، أي: يحذر من السهو، أو الزيادة، أو النقصان، أي: يأتي به على وجهه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [(من شاب شيبة في الإسلام في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة)].
    وهذا مثلما جاء في حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه المتقدم.
    قوله: [(ثم قال له: حدثنا واحذر، قال: سمعته يقول: ارموا، من بلغ العدو بسهم رفعه الله به درجة)].
    وهذا أيضاً مثلما جاء في حديث عمرو بن عبسة الذي قال: (فبلغت ستة عشر سهماً)، أي: فيكون له ست عشرة درجة، [ثم قال ابن النحام: وما الدرجة؟ قال: أما إنها ليست كعتبة أمك، إنما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض]، أي: أن الدرجة في الجنة المسافة فيها بعيدة، وليست كالدرجات التي تكون فيما يشاهده الناس، وهي عتبة الباب، أو الدرج الذي يكون عند الباب، وهي مسافة قصيرة، فقال: [إنها ليست كعتبة أمك]، أي: ليست كعتبة داركم، و[إنما بين العتبتين كما بين السماء والأرض].
    قوله: [(ولكن ما بين الدرجتين مائة عام)].
    يعني: مسيرة مائة عام.


    تراجم رجال إسناد حديث كعب بن مرة: (...ارموا، من بلغ العدو بسهم رفعه الله به درجة...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].هو محمد بن العلاء أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو معاوية].
    هو محمد بن خازم الضرير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن مرة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم بن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن كعب بن مرة].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.
    [قال: ابن النحام].
    وهو صحابي ولكن ليس من رواة الحديث، والحديث عن كعب بن مرة، وهو يحكي عن الذي حصل، وابن النحام سأل عن الدرجة، والرسول أجاب بالذي أجاب، وما أدري في تسميته.
    ولكن هناك واحد جزار يقال له: ابن النحام.

    شرح حديث عمرو بن عبسة: (من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ العدو أخطأ أو أصاب كان له كعدل رقبة...) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر سمعت خالداً يعني ابن زيد أبا عبد الرحمن الشامي يحدث عن شرحبيل بن السمط عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، أنه قال: قلت: [يا عمرو بن عبسة، حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، ليس فيه نسيان ولا تنقص. قوله: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ العدو أخطأ أو أصاب، كان له كعدل رقبة، ومن أعتق رقبة مسلمة، كان فداء كل عضو منه عضواً منه من نار جهنم، ومن شاب شيبة في سبيل الله، كانت له نوراً يوم القيامة)].
    وهذا حديث عمرو بن عبسة مثلما تقدم من الطرق التي اشتملت على حديثه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    وقوله: [ليس فيه نسيان ولا تنقص] والمقصود بالنقص: أن لا يكون فيه سهو، ولا يكون فيه زيادة ولا نقص.

    تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن عبسة: (من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ العدو أخطأ أو أصاب كان له كعدل رقبة...) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر].محمد بن عبد الأعلى، قد مر ذكره، والمعتمر هو ابن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت خالداً يعني: ابن زيد أبا عبد الرحمن الشامي].
    لا بأس به، وهو بمعنى صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [يحدث عن شرحبيل بن السمط عن عمرو بن عبسة].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (إن الله عز وجل يدخل ثلاثة نفر الجنة بالسهم الواحد ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد عن الوليد عن ابن جابر عن أبي سلام الأسود عن خالد بن يزيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله عز وجل يدخل ثلاثة نفر الجنة بالسهم الواحد: صانعه يحتسب في صنعه الخير، والرامي به، ومنبله)].أورد النسائي حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه: [(إن الله يدخل ثلاثة نفر الجنة بالسهم الواحد: صانعه يحتسب في صنعه الخير، والرامي به، ومنبله)]، أي: الذي صنع السهم، وهو مسلم يحتسب الخير بصنعه إياه، أي: ليجاهد به في سبيل الله؛ فعله لهذا الغرض، وكذلك الذي يرمي به ويباشر الرمي، وكذلك منبله، وفسر بأنه هو الذي يكون معه يعطيه ويناوله، أو الذي مكنه من ذلك بشرائه وتزويده به، يعني: بكونه اشتراه من ماله، وأعطاه إياه كل هذا يصلح أن يكون منبله، سواء كان يناوله، أو يشتريه ويعطيه إياه، يشتريه بماله ويعطيه من يجاهد به في سبيل الله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل يدخل ثلاثة نفر الجنة بالسهم الواحد ...)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد].وقد مر ذكره.
    [عن الوليد].
    هو الوليد بن مسلم، وهو ثقة، كثير التدليس والتسوية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جابر].
    هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلام الأسود].
    هو ممطور الحبشي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن خالد بن يزيد].
    هو خالد بن يزيد الجهني، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن عقبة بن عامر].
    هو عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث ذكره الألباني في الضعيفة في سنن النسائي، ولعل السبب في ذلك هو خالد بن يزيد الجهني الذي يروي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه.


    من كلم في سبيل الله عز وجل


    شرح حديث: (لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من كلم في سبيل الله عز وجل.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً؛ اللون لون دم والريح ريح المسك)].
    أورد النسائي الترجمة وهي: من كلم في سبيل الله، أي: ما هو ثوابه، والكلم: هو الجرح، ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: [(لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون دم والريح ريح المسك)].
    [لا يكلم]، يعني: لا يجرح أحد في سبيل الله، ثم قال: [والله أعلم بمن يكلم في سبيله]، يعني: الله أعلم بمن يكون مجاهداً حقاً إذا كلم يكون له هذا الثواب، وإذا جرح يكون له هذا الثواب؛ لأن هذا مشروط بالإخلاص؛ لأن هذا الثواب الذي يحصل عليه من يُكلَم في سبيل الله، أن يكون مخلصاً في قصده لله عز وجل، يريد بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة، لا يريد رياءً ولا سمعةً، ولا يريد غنيمةً، ولا يريد شيئاً من تلك الأمور، وإنما يريد بذلك إعلاء كلمة الله، وحصول الثواب والأجر من الله سبحانه وتعالى في الدار الآخرة: [والله أعلم من يكلم في سبيله]، هذه مثل: والله أعلم من يجاهد في سبيله، يعني: أن هذا الثواب إنما يكون لمن أخلص لله عز وجل في قصده ونيته [إلا جاء يوم القيامة يثعب جرحه]، يعني: يسيل ويصب [اللون لون الدم، والريح ريح المسك].


    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو محمد بن منصور الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزناد].
    هو عبد الله بن ذكوان لقبه: أبو الزناد وكنيته: أبو عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.


    شرح حديث: (زملوهم بدمائهم، فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمى...) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (زملوهم بدمائهم، فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمي، لونه لون دم، وريحه ريح المسك)].وهذا الحديث مثل الذي قبله، وقوله: [(زملوهم)]: يعني: غطوهم، وادفنوهم بثيابهم.
    قوله: [(فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمي، لونه لون دم، وريحه ريح المسك)].
    يعني: ليس جرح يجرح في سبيل الله، إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمي، لونه لون دم، وريحه ريح المسك، هو مثل الحديث الذي مر قبل هذا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (زملوهم بدمائهم، فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمى...) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا هناد بن السري].هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن المبارك].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن ثعلبة].
    صحابي له رؤية، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود، والنسائي. قال الحافظ: له رؤية ولم يثبت له سماع، ومن المعلوم الذين لهم رؤية فقط أنهم من حيث الصحبة صحابة، ولكن من حيث الرواية هم من كبار التابعين، ولكن الحديث مثل الذي قبله؛ لأنه بمعنى الذي قبله من جهة أن صاحب الكلم وهو الجرح، يأتي جرحه يوم القيامة يدمى، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فهو بمعنى حديث أبي هريرة المتقدم قبل هذا.


    ما يقول من يطعنه العدو

    شرح حديث: (... لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يقول من يطعنه العدو.أخبرنا عمرو بن سواد أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب وذكر آخر قبله، عن عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (لما كان يوم أحد وولى الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في ناحية في أثنى عشر رجلاً من الأنصار، وفيهم طلحة بن عبيد الله، فأدركهم المشركون، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من للقوم؟ فقال طلحة: أنا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كما أنت، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فقال: أنت، فقاتل حتى قتل، ثم التفت فإذا المشركون، فقال: من للقوم؟ فقال طلحة: أنا، قال: كما أنت، فقال رجل من الأنصار: أنا، فقال: أنت، فقاتل حتى قتل، ثم لم يزل يقول ذلك، ويخرج إليهم رجل من الأنصار فيقاتل قتال من قبله، حتى يقتل، حتى بقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطلحة بن عبيد الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من للقوم؟ فقال طلحة: أنا، فقاتل طلحة قتال الأحد عشر، حتى ضربت يده فقطعت أصابعه، فقال: حس، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو قلت: بسم الله، لرفعتك الملائكة والناس ينظرون، ثم رد الله المشركين)].
    أورد النسائي ما يقول من يطعنه العدو، يعني: أنه يقول: بسم الله، هذا هو المقصود من الترجمة؛ لأنه أورد الحديث، وفيه: [أنه لو قال: بسم الله، لرفعته الملائكة] عندما طعن، فالمقصود: أنه يقول: بسم الله.
    أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما كان يوم أحد، وكان معه جماعة اثني عشر، وفيهم طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه، وأكثرهم من الأنصار، أو غالبهم من الأنصار [والرسول صلى الله عليه وسلم قال: من للقوم؟ فقال طلحة رضي الله عنه: أنا، فقال: كما أنت]، يعني: ابق كما أنت، فقال واحد من الأنصار: أنا يا رسول الله، فقال: أنت، فتقدم وقاتل حتى قتل، ثم كل مرة يقول: من للقوم، حتى انتهى الإحدى عشر من الصحابة الذين كانوا معه، وبقي رسول الله عليه الصلاة والسلام وطلحة، [ثم قال: من للقوم؟ فقال: أنا، فقاتل حتى قطعت أصابعه، وقال عند ذلك: حس]، وهي كلمة تقال عند الوجع، وعند التألم، فالنبي صلى الله عليه وسلم، قال له: [لو قلت: بسم الله، لرفعتك الملائكة والناس ينظرون]، ماذا بعد ذلك؟ انصرف المشركون..
    قوله: [(ثم رد الله المشركين)].
    والمقصود من الحديث هو قوله: [(لو قلت: بسم الله، لرفعتك الملائكة، والناس ينظرون)]، وهذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، يمكن أن يكون ذلك خاصاً بـطلحة بن عبيد الله، ولا يلزم أن يكون كل من يجاهد في سبيل الله فيصاب، ثم يقول: بسم الله، فالملائكة ترفعه، والناس ينظرون، وإنما هذا حصل لـطلحة، وقد يحصل لغيره، لكنه لا يلزم أن يكون كل من يكلم في سبيل الله، ويقول هذه الكلمة، أن الملائكة ترفعه، والناس ينظرون.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون ...)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد].هو عمرو بن سواد المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    وهو مصري، مكتوب البصري في نسخة أبي الأشبال، والتصحيف بين البصري والمصري يكثر، وهو المصري، وفي تهذيب التهذيب: المصري، ويروي عن ابن وهب، وهو مصري، فنسبته مصري وليس بصري.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني يحيى بن أيوب].
    صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [وذكر آخر قبله].
    يعني: مذكور معه، وهو قبله في الذكر، يعني: ليس بعده وإنما قبله، ولكن النسائي حذفه، ولم يذكره.
    [عن عمارة بن غزية].
    لا بأس به، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي الزبير].
    هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر بن عبد الله].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    من قاتل في سبيل الله فارتد عليه سيفه فقتله

    شرح حديث: (...يقولون: رجل مات بسلاحه، فقال: مات جاهداً مجاهداً)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قاتل في سبيل الله فارتد عليه سيفه فقتله.أخبرنا عمرو بن سواد أخبرنا ابن وهب أخبرنا يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن، وعبد الله ابنا كعب بن مالك: أن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالاً شديداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في ذلك، وشكوا فيه: رجل مات بسلاحه، قال سلمة: فقفل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر، فقلت: يا رسول الله، أتأذن لي أن أرتجز بك، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اعلم ما تقول، قلت: والله لولا الله ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صدقت، فأنزلن سكينة علينا، وثبت الأقدام إن لاقينا، والمشركون قد بغوا علينا، فلما قضيت رجزي، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قال هذا؟ قلت: أخي، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يرحمه الله، فقلت: يا رسول الله، والله إن ناساً ليهابون الصلاة عليه، يقولون رجل مات بسلاحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مات جاهداً مجاهداً)، قال ابن شهاب: ثم سألت: ابنا لـسلمة بن الأكوع فحدثني عن أبيه مثل ذلك، غير أنه قال: (حين قلت: إن ناسا ليهابون الصلاة عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كذبوا، مات جاهداً مجاهداً، فله أجره مرتين، وأشار بأصبعيه)].
    أورد النسائي الترجمة، وهي: باب: من قاتل في سبيل الله فارتد عليه سيفه فقتله، أي: فإنه لا يكون قاتلاً لنفسه؛ لأن ارتداد سيفه عليه، وكونه حصل له قتل بذلك، لا يعتبر قاتلاً لنفسه، ولا يعتبر غير مجاهد، بل هو مجاهد، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إنه جاهد مجاهد)]، وقد أورد النسائي حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه: أن عمه عامر، وجاء في الحديث أنه أخوه، لكن في الحقيقة عمه، ولعل الأخوة، يعني: أخوة إسلام أو تجوز، وإلا فإنه عمه كما ثبت ذلك، واسمه عامر، وهو الذي كان يرتجز بهذا الرجز الذي أنشده سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، [(لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالاً شديداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتد عليه سيفه فقتله)].
    فشكوا فيه وتكلموا فيه، وقالوا: ارتد عليه سيفه، فقتله، يعني: فكأنه قاتل لنفسه، ولما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: [ائذن لي -يعني: سلمة - أن أرتجز، فأذن له، وأتى بهذا الرجز، ولما فرغ قال: من قال هذا؟ قال: أخي، قال: يرحمه الله]، فلما قال يرحمه، قال: [(إن ناساً ليهابون الصلاة عليه، يقولون: رجل مات بسلاحه)].
    والمقصود: أنهم يهابون الصلاة عليه، أي: الدعاء عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم، دعا له، حيث قال: [يرحمه الله]، فهو عندما قال: يرحمه الله، قال: [إن الناس يهابون الصلاة عليه]، والمراد بالصلاة: الدعاء، يعني: أنهم شكوا فيه، وأنه قتله سلاحه، أو قتل بسلاحه، فيكون كأنه قاتل لنفسه، والرسول صلى الله عليه وسلم، بين أنه جاهد مجاهداً، وأنه ليس قاتلاً لنفسه، وأنه لا يشك فيه، بل هو كما قال عليه الصلاة والسلام الصلاة والسلام: [(جاهداً مجاهداً)]، جاهداً يعني: جاهداً مجتهداً في الجهاد في سبيل الله، مجاهد للأعداء ومقاتل للإعداء.
    [قال ابن شهاب: ثم سألت ابنا لـسلمة بن الأكوع فحدثني عن أبيه مثل ذلك، غير أنه قال: (حين قلت: إن ناساً ليهابون الصلاة عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كذبوا، مات جاهداً مجاهداً، فله أجره مرتين، وأشار بأصبعيه)].
    ثم ذكر هذه الطريق الأخرى من ابن شهاب وسؤاله أحد أبناء سلمة بن الأكوع، وأنه قال مثلما قال ذاك، وفيه زيادة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (...يقولون: رجل مات بسلاحه، فقال: مات جاهداً مجاهداً)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد أخبرنا ابن وهب].وقد مر ذكرهما.
    [أخبرنا يونس].
    هو ابن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره.
    [أخبرني عبد الرحمن وعبد الله ابنا كعب بن مالك].
    عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأخوه: عبد الله، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [أن سلمة بن الأكوع].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #422
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجهاد

    (419)

    - (باب تمني القتل في سبيل الله) إلى (باب مسألة الشهادة)




    طلب الشهادة في سبيل الله دأب الصالحين، ونيلها أمنية المتقين؛ لعظيم شأنها، ورفعة درجتها عند الله، ورغم ما للشهادة من النعيم وتكفير السيئات إلا أنها لا تسقط الديون؛ فحقوق الناس مبنية على المشاحة، فينبغي للمسلم في مسألة الدين أن يُحجم ولا يُقدم إلا للضرورة.

    تمني القتل في سبيل الله تعالى


    شرح حديث: (... لوددت أني قتلت في سبيل الله ثم أحييت ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تمني القتل في سبيل الله تعالى.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى يعني ابن سعيد القطان عن يحيى يعني ابن سعيد الأنصاري حدثني ذكوان أبو صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لولا أن أشق على أمتي لم أتخلف عن سرية، ولكن لا يجدون حمولة، ولا أجد ما أحملهم عليه، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، ولوددت أني قتلت في سبيل الله، ثم أحييت، ثم قتلت، ثم أحييت، ثم قتلت، ثلاثاً)].
    يقول النسائي رحمه الله: تمني القتل في سبيل الله. أي: ما جاء في تمني القتل في سبيل الله عز وجل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تمناه، وورد في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية، ولا أجد حمولة أحملهم)]، يعني: لا يجد من الرواحل، والدواب ما يحمل هؤلاء الذين لا يستطيعون الذهاب معه للجهاد في سبيل الله، ولا يستطيعون.
    قوله: [(ويشق عليهم أن يتخلفوا عني)].
    يعني: لو ذهب عليه الصلاة والسلام، وهم باقون، وهم لا يجدون ما يركبون، وهو لا يجد ما يحملهم، ويشق عليهم أن يتخلفوا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لما تخلف عن سرية، أي: أنه يكون مع كل سرية، ولكنه كان يترك ذلك رفقاً بأمته وشفقة عليها، ولكونه عليه الصلاة والسلام لا يجد ما يحملهم عليه، وهم لا يجدون ما يتمكنون به من السفر، ويشق عليهم أن يتخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من شفقته بأمته، ورأفته بها، ورحمته بها عليه الصلاة والسلام، وقد وصفه الله عز وجل بأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، كما قال عز وجل: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].
    ثم قال عليه الصلاة والسلام: [(ولوددت أني قتلت في سبيل الله، ثم أحييت، ثم قتلت، ثم أحييت، ثم قتلت ثلاثاً)]؛ وذلك لعظيم أجر الشهادة، وعظيم ثواب الشهادة عند الله عز وجل، فإن النبي عليه الصلاة والسلام يتمنى أن يقتل ويحيا، ثم يقتل، ثم يحيا، وإن كان الله عز وجل قدر أن من مات فإنه لا يعود؛ ولكن هذا لبيان عظيم شأن الشهادة، وحرص الرسول صلى الله عليه وسلم، على ذلك، وبيان عظيم شأن ذلك عند الله عز وجل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تمنى أن يقتل، ثم يحيا، ثم يقتل، ثم يحيا، ثم يقتل؛ وذلك لعظيم شأن الشهادة، ورفعة درجتها عند الله عز وجل، وهذا من كمال بيانه عليه الصلاة والسلام، وإلا فإنه عليه الصلاة والسلام على أي حالة كانت هو أعلى الناس درجة، وهو خير الناس، وأفضل الناس، وسيد الناس، وهو أعلى الناس درجة عند الله عز وجل، سواء حصل له هذا الذي تمناه، أو لم يحصل له عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا لبيان عظيم شأن الشهادة في سبيل الله عز وجل، وأن شأنها عظيم، حتى تفهم ذلك أمته، وحتى تحرص على نيلها إذا استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لوددت أني قتلت في سبيل الله ثم أحييت ...)

    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي .
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة: يعني ابن سعيد القطان، هذه التي قالها من دون عبيد الله بن سعيد، أي: النسائي، أو من دون النسائي؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول: يعني، وإنما ينسب شيخه كما يريد، يمكن أن يأتي بنفسه، ويطيل في نسبه وأوصافه، ولا يحتاج إلى أن يقول: يعني، وإنما الذي يحتاج أن يقول: يعني من دون التلميذ، إذا اقتصر التلميذ على لفظ معين، فمن دونه يأتي بما يوضح ويبين، فيأتي بكلمة يعني.
    [حدثني ذكوان].
    هو ذكوان أبو صالح، وقد ذكر باسمه وكنيته، وهو أبو صالح السمان، ويقال: الزيات، اسمه ذكوان وكنيته: أبو صالح ولقبه: السمان، ويقال أيضاً: الزيات؛ لأنه كان يجلب السمن، والزيت، ويبيعها، فوصف بهذا الوصف الذي هو السمان نسبة إلى بيع السمن، والزيات نسبة إلى بيع الزيت، والنسب تأتي على هذه الصيغة التي هي على لفظ المبالغة، وإن لم يكن فيه مبالغة، أي: منسوب إلى كذا، وتأتي بالياء المضافة في آخر الكلمة، كأن يقال: البصري وغير ذلك، ويأتي بهذا الوصف الذي هو الزيات والسمان، أي: المنسوب إلى بيع الزيت، أو إلى بيع السمن، وذكوان أبو صالح السمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً عنه.

    حديث: (... لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل.. ثم أحيا ثم أقتل) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد حدثنا أبي عن شعيب عن الزهري حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (والذي نفسي بيده، لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم بأن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه؛ ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده، لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (... لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل.. ثم أحيا ثم أقتل) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد].هو الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [حدثنا أبي].
    هو عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن شعيب].
    هو ابن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني سعيد بن المسيب].
    وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (ولأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل الوبر والمدر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن ابن أبي عميرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من الناس، من نفس مسلمة يقبضها ربها تحب أن ترجع إليكم، وأن لها الدنيا وما فيها غير الشهيد)، قال ابن أبي عميرة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ولأن أقتل في سبيل الله، أحب إلي من أن يكون لي أهل الوبر والمدر)].أورد النسائي حديث ابن أبي عميرة رضي الله تعالى عنه، وفيه قوله عليه الصلاة والسلام: [(ما من الناس، من نفس تقبض، وتحب أن ترجع إلى الدنيا)]، أي: أنها تحصل خيراً عند الله عز وجل في الآخرة، فهي لا تود أن ترجع إلى الدنيا، ولو أعطيت الدنيا، إلا من قتل في سبيل الله، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا ليقتل، وليجاهد، ثم يقتل؛ وذلك لما يرى من عظم أجر الشهادة، فهو يريد أن يزداد رفعة بذلك، فهو يتمنى أن يرجع إلى الدنيا؛ لا ليحصل ما فيها، بل ما عند الله خير، وأبقى، ولكن يريد أن يحصل درجات في الجنة، وعلو درجات في الجنة بسبب تكرار الشهادة، وتكرر الشهادة لو كان ذلك ممكناً؛ وذلك لا يكون، ولكن هذا من بيان النبي صلى الله عليه وسلم، لعظيم شأن الشهادة، وعظم أجرها عند الله عز وجل، وأنه ما من إنسان يقبض ويجد خيراً في الآخرة يود أن يرجع إلى الدنيا، ولو أعطي الدنيا بما فيها، إلا الشهيد فإنه يود أن يرجع لا ليحصل الدنيا، ولكن ليحصل قتلاً في سبيل الله مرة أخرى؛ لما في ذلك من علو الدرجة، وعلو المنزلة عند الله عز وجل لمن يكون كذلك.
    وفي آخره يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [(ولأن أقتل في سبيل الله، أحب إلي من أن يكون لي أهل الوبر والمدر)].
    أي: أنه يملكهم عبيداً، ويعتقهم في سبيل الله عز وجل؛ ذلك خير له من هذا، أي: خير له من أن يرجع إلى الدنيا، وله هذا القدر من المماليك الذين يملكهم، ويعتقهم، والمراد بأهل الوبر: أهل البوادي، وأهل المدر: أهل الحاضرة؛ لأن المدر هو اللبن، وهو البنيان، أي: إشارة إلى البنيان، والوبر إشارة إلى بيوت الشعر التي تتخذ من وبر الإبل، ويتخذونها بيوتاً يحملونها، ويستفيدون منها، فكنى عن البادية بأهل الوبر، وكنى عن الحاضرة بأهل المدر، أي: أنه لو كان له هذا المقدار، وهذا العدد الكبير، فإنه لا يريد أن يرجع إلى الدنيا، وأن يكون له هذا المقدار.
    قوله: [(ولأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل الوبر والمدر)].
    يعني: معنى ذلك أن قتله في سبيل الله خير له من هذا المقدار الذي هو أهل الوبر، والمدر، يملكهم، ويعتقهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ولأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل الوبر والمدر)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].وقد مر ذكره.
    [حدثنا بقية].
    هو ابن الوليد، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن بحير بن سعد].
    ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، وفي الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن خالد بن معدان].
    ثقة، يرسل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جبير بن نفير].
    ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن أبي عميرة].
    هو عبد الله بن أبي عميرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه الترمذي، والنسائي.


    ثواب من قتل في سبيل الله عز وجل


    شرح حديث جابر: (أرأيت إن قتلت في سبيل الله أين أنا؟ قال: في الجنة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثواب من قتل في سبيل الله عز وجل.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو سمعت جابراً رضي الله عنه، يقول: (قال رجل يوم أحد: أرأيت إن قتلت في سبيل الله، فأين أنا؟ قال: في الجنة، فألقى تمرات في يده، ثم قاتل حتى قتل)].
    أورد النسائي : ثواب من قتل في سبيل الله، أي: أنه يكون في الجنة، وأورد فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم، يوم أحد: أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أين أنا؟ قال: في الجنة، وكان بيده تمرات فألقاهن -يعني: ولم يأكلهن- وقاتل حتى قتل)، رضي الله تعالى عنه.
    وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، من الحرص على الجهاد في سبيل الله، وعلى نيل الشهادة، وعلى زهدهم في الدنيا وإقبالهم على الآخرة، فإنه كان بيده تمرات، ومع ذلك لم يأكلها، وقاتل في سبيل الله حتى قتل.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (أرأيت إن قتلت في سبيل الله أين أنا؟ قال: في الجنة...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو محمد بن منصور الجواز المكي، وأخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو].
    هو ابن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت جابراً].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي هي الرباعيات، وأنزل ما عنده العشاريات، وقد سبق أن مر بنا حديث في فضل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وهو مشتمل على عشرة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، وأنزلها عنده العشاريات.


    من قتل في سبيل الله تعالى وعليه دين


    شرح حديث أبي هريرة: (أرأيت إن قاتلت في سبيل الله صابراً محتسباً... أيكفر الله عني سيئاتي؟ قال: نعم إلا الدين...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من قتل في سبيل الله تعالى وعليه دين.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يخطب على المنبر، فقال: أرأيت إن قاتلت في سبيل الله صابراً، محتسباً، مقبلاً غير مدبر، أيكفر الله عني سيئاتي؟ قال: نعم، ثم سكت ساعةً، قال: أين السائل آنفاً؟ فقال الرجل: هاأنا ذا، قال: ما قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً، محتسباً، مقبلاً غير مدبر، أيكفر الله عني سيئاتي؟ قال: نعم، إلا الدين، سارني به جبريل آنفاً)].
    أورد النسائي : من قتل في سبيل الله وعليه دين، يعني: هل يكفر ذلك عنه، أو أن الدين باقٍ عليه؟ فالمقصود بالدين هو المظالم التي تكون للناس، يعني: من مال، أو غير مال؛ لأن هذا كله يقال له: دين، وحقوق الناس مبنية على المشاحة، ومن المعلوم أن من كان له حقوق على الناس، فإنه يحرص على أن يحصلها في الدار الآخرة؛ لأنه اليوم الذي لا ينفع فيه إلا الأعمال الصالحة، وليس فيه إلا الحسنات والسيئات، ولهذا إذا تجاوز أهل الجنة النار، فإنهم يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، ويقتص من بعضهم لبعض، أي: أن ذلك يكون بأخذٍ من الحسنات تضاف إلى آخرين، وهم سلموا من العذاب؛ لأنهم تجاوزوا النار، ولكن الفرق بينهم هو إنما هو بالدرجات، فإذا كان لأحدٍ على أحدٍ شيء، فإنه يؤخذ من الذي له إلى الذي عليه، فيكون ذلك رفعةً في درجة ذلك الذي حصل هذه الحسنات من غيره، ويحصل نقص على من حصل منه، أو عليه حقوق لغيره، ثم أخذ ذلك الغير مقابلها حسنات.
    وعلى هذا فإن هذا الذي يكون لأهل الجنة، والذين يتجاوزوا النار للاقتصاص، إنما هو فيما يتعلق بالحسنات، ويترتب على ذلك رفعة الدرجات، وعلو الدرجات.
    فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب فجاءه رجل وقال: [(أرأيت يا رسول الله، إن قاتلت في سبيل الله صابراً محتسباً، أيكفر ذلك سيئاتي؟ فقال عليه الصلاة والسلام: نعم، ثم إنه مكث ساعةً، ثم قال: أين السائل آنفاً؟ قال: هاأنا ذا يا رسول الله، فقال: ماذا قلت؟ فأعاد إليه السؤال، فقال: نعم إلا الدين سارني به جبريل آنفاً)]، يعني: الجواب الذي قاله له من قبل فيه استثناء، وهذا الاستثناء ساره به جبريل، يعني: أسر به إليه جبريل، وأن الدين باقٍ لصاحبه، ويكون الاقتصاص بين الناس إنما هو بالحسنات، وإلا فإنه لا يؤثر ذلك عليه، إذا كان نال الشهادة في سبيل الله عز وجل، وكان من أهل الجنة، فإن كون عليه دين لا يكون سبباً في دخوله النار؛ لأنه يتجاوز النار، ولكن يكون هذا الحساب، وهذا الاقتصاص من بعضهم لبعض؛ إنما هو بعلو الدرجات، ورفعة الدرجات، فيترتب على ذلك علو الدرجات ورفعة الدرجات.
    وهذا الحديث يدل على خطورة الدين، وأن المسلم عليه أن يحرص على أن لا يبتلى به، وأن يبتعد عنه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن لا يقدم عليه إلا لضرورة لابد منها، وأما التساهل في ذلك، وكون الإنسان يقدم عليه لأمور ليست بضرورية، فإنه يعرض نفسه لخطر عظيم.
    وقوله: [(إلا الدين سارني به جبريل)]، يدل على أن ما يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث إنما هو من عند الله، وأنه وحي من الله عز وجل، وأنه ليس من تلقاء نفسه عليه الصلاة والسلام، كما قال عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، وهنا قال: [(سارني به جبريل آنفاً)]، يعني: أن كلمة (الدين) استثنيت بوحي جاء به جبريل إليه وساره به، فهذا يدل على أن السنة هي من الله، وأنها وحي من الله، وأنها مثل القرآن، إلا أن القرآن وحي متلو متعبد بتلاوته والعمل به، وأما السنة فمتعبد بالعمل بها، فهي مثل القرآن في العمل، والله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فالحديث يدل على أن السنة إنما هي وحي من الله، ولهذا قال: [(سارني به جبريل آنفاً)]، يعني: هذا الاستثناء جاء به جبريل واستثناه له من الإطلاق الأول، الذي أوحي إليه به أولاً.
    وقد سبق أن مر بنا الحديث الطويل في الزكاة، في قصة الأنصبة، وفيه قال: [(هذه فريضة الصدقة التي فرضها الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم)]، وقد ذكر تفاصيلها، ولكن في أولها: [فرضها الله على رسوله]، يعني: أنها وحي من الله، وأن هذا الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو من الله سبحانه وتعالى.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (أرأيت إن قاتلت في سبيل الله صابراً محتسباً... أيكفر الله عني سيئاتي؟ قال: نعم إلا الدين...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب: بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو عاصم].
    هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو عاصم هو من شيوخ البخاري، ولم يدركه النسائي، وعلى هذا فإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخ النسائي من يكنى بأبي عاصم فالمراد به: النبيل الضحاك بن مخلد، وإذا جاء في طبقة شيوخه أبو عاصم فهو: خشيش بن أصرم النسائي الذي يأتي ذكره مراراً، من شيوخ النسائي أبو عاصم.
    [حدثنا محمد بن عجلان].
    هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، حديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سعيد المقبري].
    هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    حديث أبي قتادة الأنصاري: (... أيكفر الله عني خطاياي؟ ... قال: نعم إلا الدين ...) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً، محتسباً، مقبلاً غير مدبر، أيكفر الله عني خطاياي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، فلما ولى الرجل ناداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو أمر به فنودي له، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كيف قلت؟ فأعاد عليه قوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، إلا الدين، كذلك قال لي جبريل عليه السلام)].أورد النسائي حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، وهو مثل حديث أبي هريرة المتقدم، يعني: السؤال، والجواب، والاستثناء، مثله تماماً.
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].
    هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه . ومحمد بن سلمة شخصان في طبقة شيوخ النسائي، وفي طبقة شيوخ شيوخه، فالذي من طبقة شيوخه هو: محمد بن سلمة المرادي المصري، والذي من طبقة شيوخ شيوخه هو: محمد بن سلمة الباهلي، فهذا من طبقة شيوخ شيوخه، فإذا جاء في طبقة شيوخ النسائي محمد بن سلمة فالمراد به: المصري المرادي، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه محمد بن سلمة فالمراد به: الباهلي.
    [و الحارث بن مسكين].
    هو الحارث بن مسكين المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي .
    [حدثني مالك].
    هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو الأنصاري، وقد مر ذكره.
    [عن سعيد بن أبي سعيد].
    هو المقبري، وقد مر ذكره.
    [عن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو الحارث بن ربعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته أبو قتادة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث أبي قتادة الأنصاري: (أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أيكفر الله عني خطاياي؟..) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه قام فيهم فذكر لهم: أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله، أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أيكفر الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، إلا الدين، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك)].أورد النسائي حديث أبي قتادة رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه بيان سبب سؤال هذا السائل للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لهم فضل الجهاد، والإيمان بالله عز وجل، فعند ذلك سأل هذا الرجل هذا السؤال؛ لأنه قاله بعدما سمع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، في فضل الجهاد في سبيل الله، فسأل كونه يقاتل في سبيل الله، فيقتل، فأجابه عليه الصلاة والسلام بأنه إذا صار صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، فإن ذلك يكفر سيئاته، إلا الدين، كما قال ذلك جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة الأنصاري: (أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أيكفر الله عني خطاياي؟..) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث بن سعد المصري].
    ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه].
    سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه، وقد مر ذكرهم.

    حديث أبي قتادة الأنصاري (... أيكفر الله عني خطاياي؟ ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان عن عمرو أنه سمع محمد بن قيس عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه، أنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن ضربت بسيفي في سبيل الله صابراً، محتسباً، مقبلاً غير مدبر حتى أقتل، أيكفر الله عني خطاياي؟ قال: نعم، فلما أدبر دعاه، فقال: هذا جبريل يقول: إلا أن يكون عليك دين)].أورد النسائي حديث أبي قتادة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء].
    لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي .
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن دينار].
    وقد مر ذكره.
    [أنه سمع محمد بن قيس].
    هو محمد بن قيس المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه].
    وقد مر ذكرهما.


    ما يتمنى في سبيل الله عز وجل


    شرح حديث: (... إلا القتيل، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يتمنى في سبيل الله عز وجل.أخبرنا هارون بن محمد بن بكار حدثنا محمد بن عيسى وهو ابن القاسم بن سميع حدثنا زيد بن واقد عن كثير بن مرة: أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه حدثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير، تحب أن ترجع إليكم، ولها الدنيا إلا القتيل، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يتمنى في سبيل الله عز وجل، وهو الشهادة، وتكرار الشهادة.
    أورد النسائي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: [(ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير تحب أن ترجع إليكم، ولها الدنيا إلا القتيل)].
    يعني: لا أحد من الناس يموت، ويجد خيراً عند الله عز وجل، يحب أن يرجع إلى الدنيا، إلا القتيل، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا لا من أجل الدنيا، والرغبة فيها، بل من أجل أن يجاهد مرةً أخرى، ثم يقتل؛ وذلك لعظم شأن الشهادة، وعظم أجرها عند الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إلا القتيل، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى)


    قوله: [قال: أخبرنا هارون بن محمد بن بكار].صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
    [حدثنا محمد بن عيسى وهو ابن القاسم بن سميع].
    صدوق يخطئ، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن كثير بن مرة].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أن عبادة بن الصامت حدثهم].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    ما يتمنى أهل الجنة


    شرح حديث: (... فيقول: سل وتمن، فيقول: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك عشر مرات...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يتمنى أهل الجنة.أخبرنا أبو بكر بن نافع حدثنا بهز حدثنا حماد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب، خير منزل، فيقول: سل وتمن، فيقول: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك عشر مرات؛ لما يرى من فضل الشهادة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يتمنى أهل الجنة، وقد أورد النسائي فيه حديث: أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(يؤتى بالرجل من أهل الجنة، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب، خير منزل، فيقول: سل وتمن)].
    يعني: يؤتى بالرجل من أهل الجنة، فيقال له: كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب، خير منزل، فيقال: تمنى، فيتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات؛ لما يرى من عظيم أجر الشهادة، وثواب الشهادة. وهو مثلما تقدم من الأحاديث في معناها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فيقول: سل وتمن، فيقول: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك عشر مرات...)


    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن نافع].هو محمد بن أحمد، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي .
    [حدثنا بهز].
    هو بهز بن أسد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد].
    هو حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك، رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    ما يجد الشهيد من الألم


    شرح حديث: (الشهيد لا يجد مس القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة يقرصها)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يجد الشهيد من الألم.أخبرنا عمران بن يزيد حدثنا حاتم بن إسماعيل عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الشهيد لا يجد مس القتل، إلا كما يجد أحدكم القرصة يقرصها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يجد الشهيد من الألم، أي: صفته وبيان وصفه، ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: [(الشهيد لا يجد مس القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة يقرصها)].
    يعني: أنه شيء يسير يحصل له كالقرصة التي تحصل للإنسان، ثم بعد ذلك لا يحس بها، ومعنى هذا: أن القتيل يحصل له هذا القتل الذي به تنتهي حياته، ولا يجد من الألم إلا مثلما يجد من قرص قرصة، وانتهت تلك القرصة، فلا يحس بشيء بعد ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الشهيد لا يجد مس القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة يقرصها)


    قوله: [أخبرنا عمران بن يزيد].هو عمران بن خالد بن يزيد، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا حاتم بن إسماعيل].
    صدوق يهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عجلان].
    وقد مر ذكره.
    [عن القعقاع بن حكيم].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي صالح].
    هو ذكوان السمان، وقد مر ذكره.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.


    مسألة الشهادة


    شرح حديث: (من سأل الله عز وجل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [مسألة الشهادة.أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب حدثني عبد الرحمن بن شريح: أن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف حدثه عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من سأل الله عز وجل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه)].
    ثم أورد النسائي : مسألة الشهادة، يعني: كون الإنسان يسأل الشهادة، ويطلب الشهادة، ويرجو الشهادة من الله عز وجل، أورد فيه حديث سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه)]، يعني: أنه سأل الله عز وجل وطلب منه أن يرزقه الشهادة راغباً في ذلك محتسباً، فإن الله تعالى يبلغه منازل الشهداء، وإن مات على فراشه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من سأل الله عز وجل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء...)

    قوله: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى].هو يونس بن عبد الأعلى الصدفي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني عبد الرحمن بن شريح].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف].
    ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو أبو أمامة، وله صحبة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جده].
    هو سهل بن حنيف صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب حدثنا عبد الرحمن بن شريح عن عبد الله بن ثعلبة الحضرمي: أنه سمع ابن حجيرة يخبر عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد: المقتول في سبيل الله شهيد، والغرِق في سبيل الله شهيد، والمبطون في سبيل الله شهيد، والمطعون في سبيل الله شهيد، والنفساء في سبيل الله شهيد)].أورد النسائي حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد، من قتل في سبيل الله شهيد)]، وهذا شهيد المعركة، [(ومن غرق في سبيل الله شهيد)].
    قوله: [(والمبطون في سبيل الله شهيد)].
    أي: الذي أصابه البطن، وداء البطن شهيد.
    قوله: [(والمطعون شهيد )]، أي: الذي أصابه الطاعون، الذي أصيب بمرض الطاعون.
    قوله: [(والنفساء في سبيل الله شهيد)]، يعني: هذا الحديث فيه ذكر خمسة وصفوا بأنهم شهداء، وفيه وصف كل واحد منهم بأنه في سبيل الله والأول أمره واضح، في سبيل الله الذي قتل، وأما الباقون، فيمكن أن يكون المراد بذلك في سبيل الله، وأنه إذا حصل ذلك لهم ولو لم يحصل قتل، فإنهم يكونون شهداء، كما مر بأن الذي يموت في سبيل الله، ويحصل ذلك الأجر، وإن لم يحصل له القتل، وقد جاء في بعض الأحاديث ذكرها مطلقة بدون تقييد في سبيل الله، والمقصود: أن هؤلاء وإن لم يكونوا في سبيل الله، وإن لم يجاهدوا في سبيل الله، وإنما ماتوا على فرشهم، فلهم أجر الشهداء؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ذكر ذلك مطلقاً بدون تقييد بأن يكون في سبيل الله، ولا شك أن من حصل له ذلك في سبيل الله، فهو شهيد، وله أجر الشهادة، ولكن أيضاً من لم يكن ذلك وهو سائر للجهاد، ومات بهذه الأسباب فهو شهيد، أي: له أجر الشهادة.
    وقد عقد النووي في كتاب رياض الصالحين ترجمة أورد فيها أحاديث، قال في هذه الترجمة: باب: ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة، ويغسلون ويصلى عليهم، يعني: أنهم شهداء في ثواب الآخرة، وليسوا شهداء معركة، ولكنهم ملحقون بالشهداء في الثواب، ولكن ليسوا كالشهداء الذين لا يغسلون، ولا يصلى عليهم، بل هؤلاء يغسلون ويصلى عليهم، ولكنهم ألحقوا بالشهداء، ونسبت إليهم الشهادة، وحصلت لهم الشهادة، أي: من حيث الأجر، والثواب، لا من حيث أنهم حصل لهم ما حصل لمن قتل في سبيل الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد ...)


    قوله: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب حدثنا عبد الرحمن بن شريح].وقد مر ذكرهم.
    [عن عبد الله بن ثعلبة الحضرمي].
    مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [أنه سمع ابن حجيرة].
    هو عبد الرحمن بن حجيرة، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [يخبر عن عقبة بن عامر].
    هو عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثنا بحير عن خالد عن ابن أبي بلال عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا في الذين يتوفون من الطاعون، فيقول الشهداء: إخواننا قتلوا كما قتلنا، ويقول المتوفون على فرشهم: إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا، فيقول ربنا: انظروا إلى جراحهم، فإن أشبه جراحهم جراح المقتولين، فإنهم منهم ومعهم، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم)].أورد النسائي حديث أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: [(يختصم المتوفون على فرشهم إلى ربهم في الذين ماتوا في الطاعون، فيقول الشهداء: إنهم مثلنا قتلوا كما قتلنا)] يعني: أنهم أصابهم الطاعون الذي به هلكوا، وماتوا، كما حصل لهم القتل، أي: أنه يشبه هذا الذي جرى لهم ما جرى للشهداء، [(وقال المتوفون على فرشهم: هم إخواننا ماتوا كما متنا على فرشنا)]، والمقصود من ذلك: أنهم يريدون أن يلحقوا بهم، كما أن أولئك شهداء، فهم يريدون أن يكونوا مثلهم في الأجر والثواب، يعني: هذا هو المقصود من كون المتوفين على فرشهم، يقولون: إنهم مثلنا، أي: فنحن نرجو أن تعطينا ما أعطيتهم، وأن تثيبنا ما أثبتهم؛ لأنهم ماتوا على فرشهم، ونحن مثلهم متنا على فرشنا، فيقال: انظروا إلى جراحهم، فإن أشبهت جراح الشهداء فإنهم منهم ومعهم، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم، يعني: أنهم مثل الشهداء.

    تراجم رجال إسناد حديث: (يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم ...)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثنا بحير عن خالد عن ابن أبي بلال].وقد مر ذكرهم.
    [عن ابن أبي بلال].
    هو عبد الله بن أبي بلال، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي .
    [عن العرباض بن سارية].
    هو أبو نجيح، حديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #423
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجهاد

    (420)

    - (باب اجتماع القاتل والمقتول في سبيل الله في الجنة) إلى (باب غزوة الهند)




    من الأشياء المسلم بها عند المسلمين أن الإسلام يجب ما قبله، فالقاتل والمقتول في الجنة يجتمعان إذا أسلم القاتل وقاتل فقتل. والمرابطة في سبيل الله يوم واحد تعدل أجر صيام شهر وقيامه، والجهاد في البحر له من الأجر العظيم ما لا يحصى.

    اجتماع القاتل والمقتول في سبيل الله في الجنة


    شرح حديث: (إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه... ثم يدخلان الجنة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اجتماع القاتل والمقتول في سبيل الله في الجنة.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، وقال مرة أخرى: ليضحك من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، ثم يدخلان الجنة)].
    يقول النسائي رحمه الله: اجتماع القاتل والمقتول في سبيل الله في الجنة، المقصود من هذه الترجمة: بيان ما اشتمل عليه الحديث الذي سيق تحتها من جهة أن قاتلاً ومقتولاً في سبيل الله عز وجل اجتمعا في الجنة، القاتل الذي هو كافر قتل مسلماً يجاهد في سبيل الله، فكان ذلك المقتول في سبيل الله شهيداً، ويكون من أهل الجنة، ثم إن هذا الكافر القاتل من الله عليه بالإسلام، وقاتل حتى استشهد في سبيل الله، فاجتمع القاتل والمقتول في الجنة.
    وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يعجب الله من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، وقال مرة: ليضحك من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، ثم يدخلان الجنة)، والحديث جاء بلفظ العجب، وجاء بلفظ الضحك، وهما صفتان لله عز وجل ثابتتان؛ العجب ثابت في السنة، والضحك ثابت في السنة كما في هذا الحديث، والعجب أيضاً ثابت في القرآن على إحدى القراءتين، أو على إحدى القراءات الثابتة في قول الله عز وجل: بل عجبتُ ويسخرون، على قراءة أن المتكلم بذلك هو الله عز وجل، وهي من آيات الصفات، أما على قراءة: بَلْ عَجِبْتَ [الصافات:12]، يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي ليست من آيات الصفات، وعلى هذا، فالعجب والضحك صفتان من صفات الله عز وجل ثابتتان لله عز وجل، وهما على ما يليق بكماله وجلاله دون مشابهة لخلقه على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في جميع الصفات؛ يثبتون لله عز وجل كل ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، بل على ما يليق بكمال الله وجلاله، على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فإن هذه الآية الكريمة هي عمدة أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات مع التنزيه؛ لأن قول الله عز وجل في آخر الآية: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فيه الإثبات للسمع والبصر، وقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، التنزيه لله عز وجل من أن يكون سمعه وبصره كأسماع المخلوقين وأبصارهم؛ بل سمعه وبصره كما يليق به من غير مشابهة لخلقه.
    وأهل السنة والجماعة في باب الصفات وسط بين المعطلة والمشبهة، فالمشبهة أثبتوا وشبهوا، والمعطلة عطلوا ونزهوا، وأهل السنة والجماعة أثبتوا ونزهوا، فالمشبهة عندهم حق وهو الإثبات إذ لم يعطلوا، ولكن عندهم باطل وهو التشبيه، والمعطلة عندهم نفي وعندهم تنزيه، وأهل السنة والجماعة تركوا النفي وتركوا التشبيه، وصاروا إلى الإثبات مع التنزيه؛ فيثبتون لله عز وجل ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله على وجه يليق بكماله وجلاله، مع تنزيهه عن مشابهة المخلوقين، بل صفاته كما يليق به سبحانه وتعالى، فهم وسط بين المشبهة والمعطلة، المشبهة أثبتوا وشبهوا، وأهل السنة أثبتوا ولم يشبهوا، والمعطلة نفوا ونزهوا، وأهل السنة أثبتوا ونزهوا، فلم ينفوا ولم يعطلوا، بل هم مثبتة منزهة، ومثبتة غير معطلة ومشبهة، بل هم منزهة لله عز وجل عن مشابهته لخلقه سبحانه وتعالى، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في صفات الله عز وجل على سبيل العموم، أي: بالنسبة لجميع الصفات، كلها من باب واحد، وكلها على طريقة واحدة، كل ما ثبت في الكتاب والسنة يثبت على ما يليق بالله عز وجل من غير تشبيه ومن غير تعطيل، بل على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه... ثم يدخلان الجنة)


    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو محمد بن منصور الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزناد].
    هو عبد الله بن ذكوان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو الزناد لقب، وكنيته: أبو عبد الرحمن، واسمه: عبد الله بن ذكوان.
    [عن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، مشهور بلقبه: الأعرج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    تفسير ذلك


    شرح حديث: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر... ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تفسير ذلك.أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة؛ يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: تفسير ذلك، يعني: تفسير كون القاتل والمقتول في سبيل الله عز وجل يجتمعان في الجنة، تفسير ذلك هو كما قال: يقاتل المسلم في سبيل الله، فيقتل، ثم الكافر الذي قتله يتوب الله عز وجل عليه فيسلم، ثم يجاهد في سبيل الله عز وجل فيستشهد، فيلتقي القاتل والمقتول في الجنة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر... ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
    [و الحارث بن مسكين].
    هو مصري ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [حدثني مالك].
    وهو إمام دار الهجرة، المحدث، المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.


    فضل الرباط


    شرح حديث: (من رابط يوماً وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل الرباط.قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن شريح عن عبد الكريم بن الحارث عن أبي عبيدة بن عقبة عن شرحبيل بن السمط عن سلمان الخير رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من رابط يوماً وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً أجري له مثل ذلك من الأجر، وأجري عليه الرزق، وأمن من الفتان)].
    أورد النسائي فضل الرباط، أي: الرباط في سبيل الله، والرباط: هو المكث في الثغور التي فيها الحراسة لبلاد المسلمين من الكفار حتى لا يهجموا عليها، وحتى يكونوا على علم بما يحصل من تحركات الأعداء، فهم مرابطون ماكثون مقيمون في المكان يحرسون المسلمين من أن يهجم عليهم أعداؤهم، أو يتعرفون إلى ما يحصل من الأعداء حتى يخبروا المسلمين بذلك، فيستعدوا ويتهيأوا لصدهم عن المسلمين، فهذا هو الرباط.
    وقد أورد النسائي حديث سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(من رابط يوماً وليلة في سبيل الله كان كأجر صيام شهر وقيامه)]، وهذا يدل على فضل المرابطة في سبيل الله، وأن يوماً وليلة مرابطتها في سبيل الله تعدل صيام شهر وقيامه، وهذا فضل عظيم وثواب جزيل؛ فهو يدل على سعة الثواب، وعلى كثرة الثواب لمن رابط في سبيل الله عز وجل.
    قوله: [(ومن مات مرابطاً أجري له مثل ذلك من الأجر)].
    يعني: أنه كل يوم وليلة يحصل له أجر كأجر صيام شهر وقيامه، وهذا من فضل الله عز وجل وكرمه، وأنه إذا مات وهو في هذا العمل الجليل الذي هو المرابطة في سبيل الله عز وجل فإن الله تعالى يجري له ذلك الثواب الذي هو كون كل يوم وليلة يحصل له أجر يعدل صيام شهر وقيامه.
    قوله: [(وأجري عليه الرزق)].
    يعني: أنه يرزق بعد موته، كما قال الله عز وجل عن الشهداء: بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، يعني: ويجري لهم الرزق والعطاء الذي يعطيهم الله عز وجل وينعمهم به، فهو ينعم، ويجري الرزق الذي هو تنعيمه، وكونه ينعم في نعيم الجنة، هذا هو رزقه، كما قال الله عز وجل في حق الشهداء: بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169].
    قوله: [(وأمن من الفتان)]، والفتان: هو الشيطان الذي يأتي بأسباب الفتن؛ فهو يؤمن من الفتان الذي يوقعه في الفتن ويوصله إليها، فيكون سالماً من ذلك، وقيل: أنه الفُتان بالضم، وأن المراد بذلك: فتنة منكر ونكير التي تحصل للناس في قبورهم، فإنهم يأمنون من ذلك، بمعنى: أنهم يسلمون، وأنه لا يضرهم ما يحصل منهم من الفتنة والاختبار للناس؛ لأن هذا مات مرابطاً في سبيل الله، وله هذا الأجر العظيم والثواب الجزيل، وله السلامة من الفتان أو الفُتان.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من رابط يوماً وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه)


    قوله: [قال الحارث بن مسكين].مر ذكره، وهذه العبارة التي هي: [قال الحارث بن مسكين] سبق أن ذكرت، ومعناها: أن النسائي له مع الحارث بن مسكين حالتان: حالة قد رضي وأذن له في حضور مجلسه وتلقي الحديث عنه، فهو في هذه الحال يقول: أخبرنا الحارث بن مسكين، وحالة كان يمنعه من أن يحضر درسه، وأن يتلقى عنه الحديث لوحشة حصلت بينه وبينه، فكان يحضر من وراء الستار، ويسمع ويروي بهذا اللفظ، ولا يقول: أخبرنا؛ لأنه لم يقصد إخباره، ولم يقصد تحديثه، فكان يقول العبارة المطابقة للواقع التي يعزو فيها الشيء إليه، وليس فيها ذكر التحديث والإخبار.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عبد الرحمن بن شريح].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الكريم بن الحارث].
    ثقة، أخرج له مسلم والنسائي.
    [عن أبي عبيدة بن عقبة].
    هو أبو عبيدة بن عقبة بن نافع، وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم والنسائي.
    [عن شرحبيل بن السمط].
    له صحبة، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سلمان الخير].
    هو سلمان الفارسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (من رابط في سبيل الله يوماً وليلة كانت له كصيام شهر وقيامه...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني أيوب بن موسى عن مكحول عن شرحبيل بن السمط عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من رابط في سبيل الله يوماً وليلة كانت له كصيام شهر وقيامه، فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأمن الفتان، وأجري عليه رزقه)].أورد النسائي حديث سلمان من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].
    هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الله بن يوسف].
    هو عبد الله بن يوسف التنيسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب بن موسى].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مكحول].
    هو مكحول الشامي، وهو ثقة يرسل كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن شرحبيل بن السمط عن سلمان].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن زهرة بن معبد حدثني أبو صالح مولى عثمان سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل)].أورد النسائي حديث عثمان رضي الله عنه المتعلق بفضل الرباط، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: [(رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل)]، يعني: من الأعمال، فإن رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم في عمل آخر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث].وقد مر ذكرهم.
    [عن زهرة بن معبد].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني أبي صالح مولى عثمان].
    مقبول، أخرج حديثه الترمذي والنسائي.
    [سمعت عثمان بن عفان].
    هو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، ذو النورين رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا ابن المبارك حدثنا أبو معن حدثنا زهرة بن معبد عن أبي صالح مولى عثمان قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه)].أورد النسائي حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الرحمن بن مهدي].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن المبارك].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي معن].
    هو محمد بن معن، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن زهرة بن معبد عن أبي صالح مولى عثمان قال عثمان].
    وقد مر ذكرهم.


    فضل الجهاد في البحر


    شرح حديث: (...غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر، ملوك على الأسرة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل الجهاد في البحر.أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام بنت ملحان تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فأطعمته، وجلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوك على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة، شك إسحاق، فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نام، وقال الحارث: فنام ثم استيقظ فضحك، فقلت له: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، ملوك على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة، كما قال في الأول، فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، فركبت البحر في زمان معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: فضل الغزو في البحر، يعني: كون الجهاد في سبيل الله يكون بركوب البحر، والانتقال إلى البلدان التي يراد جهاد أهلها، وركوب البحر للوصول إلى ذلك، هذا هو المقصود من الترجمة. وقد أورد النسائي حديث أنس رضي الله تعالى عنه، [(أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يذهب إلى قباء، ويمر على أم حرام ويقيل عندها، فتطعمه من الطعام وتفلي رأسه، وقد نام عندها، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: ما الذي أضحكك يا رسول الله؟ قال: أناس من أمتي عرضوا علي يركبون ثبج هذا البحر غزاة في سبيل الله، هم ملوك على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نام مرة أخرى، فاستيقظ وهو يضحك، وسألته فأخبرها بأنه رأى مثل الذي رأى في الرؤيا السابقة، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، ثم إنها في زمن معاوية رضي الله تعالى عنه وأرضاه سافرت مع زوجها عبادة بن الصامت، وكان ذهب للجهاد في سبيل الله وركب البحر، ولما رجعوا، وخرجوا من البحر، جاءوا إلى البر، وركبت على دابة، فسقطت منها فماتت رضي الله تعالى عنها)].
    والمقصود من الحديث هو أن النبي عليه الصلاة والسلام بين أن هؤلاء الغزاة الذين يغزون في سبيل الله، والذين رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في رؤيا مرتين، وأنهم يركبون ثبج هذا البحر، أي: وسطه أو معظمه، معناه: أنهم يتعمقون في البحر، ويذهبون إلى الجهات التي يريدون فتحها وإدخال أهلها في الإسلام، وأنهم بهذا الوصف الذي هو أهل شرف وعزة، وأنهم ملوك على الأسرة، أو كالملوك على الأسرة، وفيه فضيلة هذه المرأة وهي: أم حرام، وهي أنها طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله أن يجعلها منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت وحصل لها الموت في سبيل الله بعد أن خرجت من البحر عائدين، وركبت على دابة، فسقطت منها، وماتت رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    وما جاء في الحديث من دخول النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وكونه يجلس معها وتفليه، هذا الذي ورد في الحديث أحسن ما قيل فيه: أنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جاء عنه عليه الصلاة والسلام ما يدل على امتناع الخلوة، وعدم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، وكذلك كون المرأة تمس الرجل وهي أجنبية منه، هذا الذي حصل في الحديث من قيامها بهذه المهمة، وكونه يقيل عندها، وكونها تفليه وتفتش رأسه، فتخرج ما فيه من القمل وتقتله، قيل: إن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وهو لا يحل في حق أمته، ومن العلماء من قال: إن فيه محرمية من جهة أن أخوال الرسول صلى الله عليه وسلم من الأنصار، وهي أنصارية، لكن الأمر الواضح الذي هو الأقرب والأظهر، والأمر الذي هو بين أن يقال: إن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وليست الأمة مثله في ذلك؛ لأنه جاء ما يدل على منعها من ذلك فيما يتعلق بتحريم الخلوة، وفيما يتعلق بمس المرأة للرجل الأجنبي.

    تراجم رجال إسناد حديث: (...غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر، ملوك على الأسرة...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة].وقد مر ذكرهم.
    [عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    [عن أم حرام بنت ملحان].
    هي خالة أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وعنها وعن الصحابة أجمعين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

    شرح حديث: (رأيت قوماً من أمتي يركبون هذا البحر كالملوك على الأسرة...) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أنس بن مالك عن أم حرام بنت ملحان رضي الله عنهما أنها قالت: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال عندنا، فاستيقظ وهو يضحك، فقلت: يا رسول الله! بأبي وأمي ما أضحكك؟ قال: رأيت قوماً من أمتي يركبون هذا البحر كالملوك على الأسرة، قلت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: فإنك منهم، ثم نام، ثم استيقظ وهو يضحك، فسألته فقال: يعني مثل مقالته، قلت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، فتزوجها عبادة بن الصامت، فركب البحر وركبت معه، فلما خرجت قدمت لها بغلة فركبتها فصرعتها، فاندقت عنقها)].ثم أورد النسائي حديث أم حرام بنت ملحان، وهو من مسندها، قالت: [(أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال عندنا)].
    يعني: نام في القيلولة، (قال) من القيلولة، وليس من القول؛ لأن قال تأتي من القيلولة وتأتي من القول، وهنا بمعنى القيلولة: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال عندنا)، أي: أنه نام في القيلولة عندنا، وهذا من جنس ما جاء في الحديث: (مثل الدنيا كراكب قال في ظل دوحة)، يعني: نام في القيلولة تحت ظل شجرة ثم قام وتركها، فهذا هو مثل الدنيا.
    قوله: [(قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما الذي أضحكك؟)].
    يعني: أنت مفدي بأبي وأمي، وليس قسم بالأب والأم، وإنما هو تفدية، أنت مفدي بأبي وأمي يا رسول الله! ما الذي أضحكك؟ فأخبرها عليه الصلاة والسلام بالقوم الذين عرضوا عليه يركبون البحر غزاة في سبيل الله، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، ثم نام مرة أخرى، واستيقظ وهو يضحك، فأخبرته، وأخبرها كالخبر الذي قاله أولاً، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، يعني: مع الجماعة الأولى الذين رآهم في النومة الأولى، فذهبت مع زوجها عبادة بن الصامت، ولما خرجت من البحر عائدين قدمت لها بغلة تركبها فركبتها، فسقطت منها واندقت عنقها وماتت رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فالحديث مثل الذي قبله، إلا أن هذا من مسند أم حرام خالة أنس، والأول من مسند أنس.
    وقوله: [(كالملوك على الأسرة)].
    يعني: ملوكاً على الأسرة، معناه أنهم عندهم شرف وعندهم عزة وعلو ورفعة، فهم ملوك على الأسرة أو كالملوك على الأسرة، يعني: شك الراوي، هل قال ملوك أو قال: كالملوك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت قوماً من أمتي يركبون هذا البحر كالملوك على الأسرة...) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا حماد].
    هو حماد بن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن يحيى بن حبان].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك عن أم حرام].
    وقد مر ذكرهما.


    غزوة الهند


    شرح حديث: (وعدنا رسول الله غزوة الهند...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [غزوة الهند.أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا زكريا بن عدي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن سيار، ح وأخبرنا هشيم عن سيار عن جبر بن عبيدة، وقال عبيد الله: عن جبير عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (وعدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة الهند، فإن أدركتها أنفق فيها نفسي ومالي، فإن أقتل كنت من أفضل الشهداء، وإن أرجع فأنا أبو هريرة المحرر)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: غزوة الهند، يعني: ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من كون المسلمين يغزون الهند، وأورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: [(وعدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة الهند، فإن أدركتها أنفق فيها نفسي ومالي)]، يعني: أنه يخرج بنفسه وماله.
    قوله: [(فإن أقتل كنت من أفضل الشهداء وإن أرجع فأنا أبو هريرة المحرر)].
    يعني: المحرر من الذنوب، والذي تخلص من الذنوب، يعني أنه إن قتل فهو من أفضل الشهداء، وإن عاد فإنه يرجع سالماً وخالياً من الذنوب، هذا هو معنى هذا الحديث.

    تراجم رجال إسناد حديث: (وعدنا رسول الله غزوة الهند...)


    قوله: [أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم].ثقة، أخرج له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.
    [حدثنا زكريا بن عدي].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا عبيد الله بن عمرو].
    هو عبيد الله بن عمرو الرقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد بن أبي أنيسة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن سيار أبو الحكم].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ح وأخبرنا هشيم].
    (ح) هذه تدل على التحول من إسناد إلى إسناد، وهذا الإسناد الثاني لا يرجع إلى النسائي، بل هو تحول من إسناد إلى إسناد، ولكن في أثنائه وليس من أوله؛ لأن هشيم بن بشير الواسطي من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، يعني: متقدم ولم يدركه، فالتحويل هو للتحول إلى إسناد من أثنائه، وليس من أوله. وهشيم هو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سيار].
    وقد مر ذكره.
    [عن جبير].
    هو جبير بن عبيدة، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [وقال عبيد الله: عن جبير].
    وقال: عبيد الله، يعني: وفي السياق الذي تقدم أنه جبر بن عبيدة، وهذا بإسناد هشيم، وقال: عبيد الله، أي: ابن عمرو الذي هو في الإسناد الأول، والذي روى عنه زكريا بن عدي، قال: قال جبير بن عبيدة، ويقصد بذلك جبر بن عبيدة الذي تقدم في إسناد هشيم؛ لأنه في إسناد هشيم: جبر بن عبيدة، وفي إسناد عبيد الله بن عمرو الرقي الذي هو الأول: جبير بن عبيدة؛ لأنه باسمه واسم أبيه، يعني: إما يقال: جبر بن عبيدة، أو جبير بن عبيدة.
    [عن أبي هريرة].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد مر ذكره.

    حديث: (وعدنا رسول الله غزوة الهند...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يزيد أخبرنا هشيم حدثنا سيار أبو الحكم عن جبر بن عبيدة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (وعدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة الهند، فإن أدركتها أنفق فيها نفسي ومالي، وإن قتلت كنت أفضل الشهداء، وإن رجعت، فأنا أبو هريرة المحرر)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].
    هو المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يزيد].
    هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا هشيم حدثنا سيار عن جبر بن عبيدة عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار عصابة تغزو الهند...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم حدثنا أسد بن موسى حدثنا بقية حدثني أبو بكر الزبيدي عن أخيه محمد بن الوليد عن لقمان بن عامر عن عبد الأعلى بن عدي البهراني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار: عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع ابن مريم عليهما السلام)].أورد النسائي حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار)، أي: أنجاهما من النار وخلصهما من النار: (عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع ابن مريم عليهما السلام)، والمقصود من ذلك هو الجملة الأولى التي هي قوله: (عصابة تغزو الهند)؛ لأن هذا هو محل الشاهد لغزوة الهند، والجماعة التي تغزو الهند، والجماعة التي ستكون مع عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام عندما ينزل في آخر الزمان من السماء، ويقتل الدجال، ويحصل ما يحصل على يديه، فهاتان العصابتان أحرزهما الله عز وجل من النار، أي: خلصهما من النار، ونجاهما من النار.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم].
    ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
    [حدثنا أسد بن موسى].
    المشهور بـأسد السنة، وهو صدوق يغرب، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا بقية].
    هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، فحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني أبو بكر الزبيدي].
    هو أخو محمد بن الوليد الزبيدي، وهو مجهول الحال، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أخيه محمد بن الوليد].
    هو محمد بن الوليد الزبيدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن لقمان بن عامر].
    صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في التفسير.
    [عن عبد الأعلى بن عدي البهراني].
    ثقة، أخرج له أبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن ثوبان].
    مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    وهذا الحديث الأخير في إسناده أبو بكر الزبيدي أخو محمد بن الوليد الزبيدي، وهو مجهول الحال، لكن الحديث جاء من طريق أخرى فيها شخص آخر ثقة قرن بأبي بكر الزبيدي هذا، وقد صححه الألباني، وذكره في الأحاديث الصحيحة برقم: (1934)، وجاء في بعض الطرق أنه قرن به شخص ثقة، فإذاً: المعول على الثقة، وليس على هذا المجهول الحال.
    أما الحديث الذي قبله فقد ضعفه الألباني، ولعله بسبب جبر بن عبيدة، أو جبير بن عبيدة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #424
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجهاد

    (421)


    - (باب غزو الترك والحبشة) إلى (باب فضل النفقة في سبيل الله)



    أخبر الرسول الكريم أن أموراً غيبية ستقع في المستقبل منها: قتال الترك والحبشة، وحث الناس على النفقة في سبيل الله، وخصوصاً لتجهيز الغزاة؛ لحصولهم على الأجور العظيمة والمنازل الرفيعة.

    غزوة الترك والحبشة


    شرح حديث: (... دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [غزوة الترك والحبشة.أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا ضمرة عن أبي زرعة السيباني عن أبي سكينة رجل من المحررين، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورضي الله عنه، قال: (لما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحفر الخندق، عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخذ المعول، ووضع رداءه ناحية الخندق، وقال: تمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم، فندر ثلث الحجر، وسلمان الفارسي قائم ينظر، فبرق مع ضربة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برقة، ثم ضرب الثانية، وقال:
    تمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم، فندر الثلث الآخر، فبرقت برقة، فرآها سلمان، ثم ضرب الثالثة وقال: تمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم، فندر الثلث الباقي، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ رداءه وجلس، قال سلمان: يا رسول الله، رأيتك حين ضربت ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا سلمان، رأيت ذلك؟ فقال: إي والذي بعثك بالحق يا رسول الله، قال: فإني حين ضربت الضربة الأولى رفعت لي مدائن كسرى وما حولها، ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعيني، قال له من حضره من أصحابه: يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا، ويغنمنا ديارهم، ويخرب بأيدينا بلادهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، ثم ضربت الضربة الثانية فرفعت لي مدائن قيصر، وما حولها حتى رأيتها بعيني، قالوا: يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا، ويغنمنا ديارهم، ويخرب بأيدينا بلادهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، ثم ضربت الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة، وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذلك: دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم)].

    يقول النسائي رحمه الله: غزو الترك والحبشة، المراد بهذه الترجمة: الإشارة إلى ما ورد من الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يتعلق بغزو الترك والحبشة، وهما جنسان من الناس، أورد النسائي في هذه الترجمة حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي عليه الصلاة والسلام لما حفروا الخندق، عرضت لهم صخرة كبيرة ما استطاعوا تكسيرها وزحزحتها، فالنبي صلى الله عليه وسلم نزل وأخذ المعول، وهو: الآلة التي يكسر بها، ويحفر بها، فضرب ضربةً، فحصل بريق ولمعان، وانكسرت قطعة منها تأتي مقدار ثلثها، ثم ضرب ضربةً ثانيةً، وحصل مثل الأولى بريق ولمعان، وانكسر ثلث، ثم بعد ذلك ضرب ضربةً، وحصل بريق ولمعان، وانكسر باقيها.
    عند ذلك خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ رداءه، وكان قد وضعه قبل أن ينزل لكسرها، فسأله سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، عن الذي حصل من هذا البريق واللمعان؟ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: عند المرة الأولى عرضت عليه مدائن كسرى وما حولها، وسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسول: أن يدعو الله عز وجل بأن يغنمهم إياها، وأن يفتحها عليهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وضرب الضربة الثانية، وحصل بريق ولمعان فعرضت له مدائن قيصر وما حولها، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يمكنهم منها، وأن يفتحها عليهم ويغنمهم الغنائم، ويمكنهم من أخذ الكنوز، فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المرة الثانية عرضت له بلاد الحبشة، وما حولها من القرى، ولم يحصل مثلما حصل في المرتين السابقتين، من الدعاء بأن يفتحها الله عز وجل عليهم، وأن يغنمهم إياها.
    عند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: [(دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم)]، وقيل: إن ما جاء في هذا الحديث أنه منسوخ، وأن هذا كان في أول الأمر في حال ضعف المسلمين، وأنه بعد ذلك في حال قوتهم نسخ ذلك، وتكون البلاد كلها، والمشركون كلهم أمر المسلمون بقتالهم، حيث قال الله عز وجل: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم ْ كَافَّةً [التوبة:36]، قالوا: فهذا ناسخ بما جاء في هذا الحديث، وأن هذا كان في أول الأمر، وأنه في حال ضعف المسلمين، وأنه في حال قوتهم يتغير الوضع، وأنهم يقاتلون من أمكنهم قتاله.
    وقد حصل بالنسبة لبلاد كسرى، وقيصر أن فتحها الله عز وجل للمسلمين، وغنموا منها ما غنموا، وكنوز كسرى وقيصر أنفقت في سبيل الله، وذلك في زمن الفاروق، حيث قضي على الدولتين العظميين في ذلك الزمان؛ دولة فارس، والروم، وأتي بالذهب، والكنوز التي لكسرى، وقيصر، وأنفقت في سبيل الله على يد الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وذلك في زمن خلافته رضي الله عنه، فدعاء النبي صلى الله عليه وسلم استجابه الله عز وجل، بل قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الإخبار بأن كنوز قيصر، وكسرى ستنفق في سبيل الله، وقد تحقق ذلك، ووقع ما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام من إنفاق الكنوز التي لكسرى وقيصر، وأنها أنفقت في سبيل الله، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا من دلائل نبوته حيث يخبر بالأمر المستقبل، ثم يقع طبقاً لما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم.
    وأما بالنسبة للترك والحبشة: فلم يحصل مثلما حصل لهم من الدعاء عليهم: بأن يغنم الله عز وجل المسلمين الغنائم منهم، وبعض أهل العلم قال: إن هذا منسوخ، وبعضهم قال: إنه غير منسوخ، وأن السبب في ذلك أن بلاد الحبشة بينها، وبين بلاد العرب البحر، والمسافة بعيدة، وفيه كلفة ومشقة، وبالنسبة للترك بلادهم باردة، وهي تختلف عن بلاد العرب التي هي بلاد حارة، فيكون في ذلك مشقة بالغة، وضرر كبير على المسلمين، ومن العلماء كما قلت: من قال: إن هذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حق الترك والحبشة إنما كان هذا في أول الأمر، وأنه في حال ضعف المسلمين، وأنه في حال قوتهم يكون الأمر بالعكس، وأن المسلمين مأمورون بمقاتلة الكفار جميعاً، كما أنهم يقاتلون المسلمين جميعاً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم)


    قوله: [أخبرنا عيسى بن يونس].صدوق ربما أخطأ، أخرج له النسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا ضمرة].
    هو ضمرة بن ربيعة، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي زرعة السيباني].
    اسمه يحيى بن أبي عمرو، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي سكينة].
    هو رجل من المحررين، يعني: ممن أعتقوا وحصلت لهم الحرية بعد الرق، وهو مختلف في صحبته، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي.
    [عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم].
    وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهالة فيهم لا تضر ولا تؤثر، والمجهول فيهم في حكم المعلوم، وهذا فيهم خاصة، أما غيرهم فيحتاج الأمر إلى معرفته، ومعرفة حاله من الثقة والضعف، وما يتعلق بذلك، وأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم وحدهم الذين لا يحتاجون إلى مثل ذلك، وهذه من خصائصهم رضي الله عنهم وأرضاهم، ولهذا فإن العلماء يكتفون بأن يذكر الشخص أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك كافٍ في تعديله، وفي معرفته وفي الاحتجاج بما جاء فيه؛ لأن المجهول فيهم، أي: في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في حكم المعلوم.
    وقد ذكر الخطيب البغدادي أنه قال: ما من رجل من رجال الإسناد إلا ويحتاج إلى معرفة حاله، ما عدى أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه لا يحتاج فيهم ما يحتاج في غيرهم، فالمجهول فيهم في حكم المعلوم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم؛ لأنهم لا يحتاجون إلى تزكية بعد تعديل الله عز وجل لهم، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

    شرح حديث: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا يعقوب عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك؛ قوماً وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [(لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك؛ قوماً وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر)]، وهذا يستدل به على أن الترك يقاتلون، وأنه لا تقوم الساعة حتى يحصل قتالهم من المسلمين، وفي الحديث بيان أوصافهم، وأن وجوههم كالمجان المطرقة، والمجن هو: الترس الذي يتقى به سهام الأعداء، والمطرقة أو المطرقة هي: التي يجعل طبقات من الحديد، يعني: طبقةً فوق طبقةٍ، مثلما يقال في النعال: طبقةً فوق طبقة، ويوصل بعضها ببعض، فقيل: إن وجه الشبه من جهة الشدة والقوة، وقيل: الاستدارة، يعني: وجه الشبهة.
    وقوله: [يلبسون الشعر]، أي: أنهم يتخذون هذا اللباس الذي هو الصوف، الذي هو يتخذ من الشعر؛ وذلك لأن بلادهم باردة، فهم بحاجة إلى مثل هذا اللباس للتدفئة، [ويمشون في الشعر]، أي: أن نعالهم أيضاً تكون من الشعر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك ...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يعقوب].
    هو يعقوب بن عبد الرحمن القاري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن سهيل].
    هو سهيل بن أبي صالح، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو أبو صالح السمان ذكوان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً رضي الله تعالى عنه.


    الاستنصار بالضعيف


    شرح حديث: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاستنصار بالضعيف.أخبرنا محمد بن إدريس حدثنا عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه: (أنه ظن أن له فضلاً على من دونه من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم)].
    أورد النسائي الاستنصار بالضعيف، أي: طلب النصر من الله عز وجل بالضعفاء؛ وذلك لصلاحهم، وصلاتهم، وإخلاصهم، وأن الله عز وجل ينصر بسببهم، أي: بسبب الضعفاء المسلمين، ولهذا جاء الحديث في ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، [أنه رأى أن له فضلاً على من دونه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم)]، أي: بكونهم مخلصين لله عز وجل، وكونهم يدعون الله عز وجل، وكونهم يصلون فيستجيب الله عز وجل دعاءهم، وينصر المسلمين بسببهم، وهذا من أسباب النصر، وأسباب النصر كثيرة، وهذا منها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها)


    قوله: [أخبرنا محمد بن إدريس].هو أبو حاتم الرازي، وهو ثقة حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي وابن ماجه في التفسير.
    [حدثنا عمر بن حفص بن غياث].
    ثقة ربما وهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن أبيه].
    هو حفص بن غياث، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسعر].
    هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن طلحة بن مصرف].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن مصعب بن سعد].
    هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (ابغوني الضعيف، فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن عثمان حدثنا عمر بن عبد الواحد حدثنا ابن جابر حدثني زيد بن أرطاة الفزاري عن جبير بن نفير الحضرمي: أنه سمع أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ابغوني الضعيف، فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)].أورد النسائي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(ابغوني الضعيف)]، أي: اطلبوا لي الضعيف، [(فإنكم إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم)]، يعني: أن هذا من أسباب الرزق، ومن أسباب النصر، والله عز وجل يرزق العامة بسبب البعض، كما أنه يرزق الناس المطر بسبب الحيوانات، وأن الله عز وجل ينزل المطر لها، فتستفيد، ويستفيد غيرها، فكذلك الضعفاء ينصر الله عز وجل بسببهم، ويرزق بسببهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ابغوني الضعيف، فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)


    قوله: [أخبرنا يحيى بن عثمان].هو يحيى بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، أحرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا عمر بن عبد الواحد].
    ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا ابن جابر].
    هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني زيد بن أرطأة].
    ثقة، أخرج حديثه: أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن جبير بن نفير].
    هو جبير بن نفير الحضرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أنه سمع أبا الدرداء].
    هو أبو الدرداء عويمر بن زيد رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    فضل من جهز غازياً


    شرح حديث: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل من جهز غازياً.أخبرنا سليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من جهز غازياً في سبيل الله، فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير، فقد غزا)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: فضل من جهز غازياً، جهزه أي: هيأ له ما يحتاج إليه من المركوب، والمتاع الذي يحتاج إليه مع المركوب في السفر.
    وقد أورد النسائي حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من جهز غازياً في سبيل الله،فقد غزا)]، أي: أنه جهزه بالمال، فهذا جاهد وغزا بنفسه، وذاك جعله يغزو بالمال، وهو المركوب، وما يحتاج إليه، [(فقد غزا)]، أي: أنه يعتبر بمنزلة الغازي، وبمثابة الغازي؛ لأنه مكن الغازي من الغزو، وبدون ذلك لا يتمكن الغازي من الغزو، ولهذا اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم من جهز الغازي، بأنه قد غزا، وكذلك من خلفه بأهله في خير، فقد غزا، أي: الغازي إذا خُلف، أو خلفه أحد في أهله، بأن رعى شئونهم، وحافظ عليهم، وأعانهم فيما يحتاجون إليه، وقام مقام الغازي في سبيل الله في مصالح أهله وعائلتهم، وما إلى ذلك مما يحتاجون إليه، فإن هذا أيضاً بمثابة من غزا، وهو يدل على تفضيل مجهز الغازي، وكذلك من خلف الغازي في أهله بخير، فكل منهم وصف بأنه غازي، أي: أنه يحصل الأجر والثواب الذي يحصله الغازي في سبيل الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا...)


    قوله: [أخبرنا سليمان بن داود].هو أبو الربيع المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [و الحارث بن مسكين].
    مصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي أيضاً.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عمرو بن الحارث].
    هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكير بن الأشج].
    هو بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن بسر بن سعيد].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد بن خالد].
    هو زيد بن خالد الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (من جهز غازياً فقد غزا ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي حدثنا حرب بن شداد عن يحيى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا)].أورد النسائي حديث زيد بن خالد الجهني من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو الملقب الزمن أبو موسى العنزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حرب بن شداد].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (... من يجهز هؤلاء غفر الله له ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن إدريس سمعت حصين بن عبد الرحمن يحدث عن عمرو بن جاوان عن الأحنف بن قيس قال: (خرجنا حجاجاً فقدمنا المدينة، ونحن نريد الحج، فبينا نحن في منازلنا نضع رحالنا، إذ أتانا آتٍ فقال: إن الناس قد اجتمعوا في المسجد وفزعوا، فانطلقنا، فإذا الناس مجتمعون على نفر في وسط المسجد، وفيهم علي، والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، فإنا لكذلك إذ جاء عثمان رضي الله عنه عليه ملاءة صفراء، قد قنع بها رأسه، فقال: أهاهنا طلحة؟ أهاهنا الزبير؟ أهاهنا سعد ؟ قالوا: نعم، قال: فإني أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع مربد بني فلان، غفر الله له، فابتعته بعشرين ألفاً، أو بخمسة وعشرين ألفاً فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: اجعله في مسجدنا، وأجره لك؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من ابتاع بئر رومة، غفر الله له، فابتعتها بكذا وكذا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: قد ابتعتها بكذا وكذا، قال: اجعلها سقايةً للمسلمين، وأجرها لك؟ قالوا: اللهم نعم، قال:
    أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر في وجوه القوم، فقال: من يجهز هؤلاء، غفر الله له -يعني: جيش العسرة- فجهزتهم حتى لم يفقدوا عقالاً ولا خطاماً؟ فقالوا: اللهم نعم، قال: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)].
    ثم أورد النسائي حديث عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في قصة ما حصل له من الإيذاء، والكلام فيه والقدح فيه، وما أدى إليه الأمر في آخر الأمر من الخروج عليه، وقتله في داره رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد أورد النسائي حديث الأحنف بن قيس أنه قال: خرجنا حجاجاً، فلما وصلنا المدينة أتانا آتٍ وقال: إن الناس في المسجد وأنهم أصابهم فزع، فذهبوا، ووجدوا الناس مجتمعين، وبينهم طلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، فجاء عثمان بن عفان رضي الله عنه وسأل عن طلحة، والزبير، وسعد، فسألهم بالله عز وجل عن أمور حصلت فيه، في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها فضله، وفيها الدلالة على فضله، ومناقبه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومنها شراؤه المربد، الذي هو مكان يجفف فيه التمر، وإضافته إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك شراؤه بئر رومة، وتسبيلها لسقيا المسلمين، وكذلك تجهيزه لجيش العسرة، وهو جيش غزوة تبوك، وفي كل منها يكون عثمان بن عفان رضي الله عنه هو الذي يقوم بهذه المهمة، التي هي شراء القطعة من الأرض، وكذلك شراء البئر، وكذلك تجهيز جيش العسرة.
    ومحل الشاهد من إيراد الحديث هو: الجملة الأخيرة التي هي: تجهيز جيش العسرة، وأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قام بذلك، وهذه الأمور الثلاثة التي جاءت في هذا الحديث، وإن كان الذي في الإسناد رجل مقبول، وهو: عمرو بن جاوان، إلا أن لها شواهد من حيث شراء بئر رومة، فهذا ثابت، وكذلك تجهيز جيش العسرة ثبت ذلك، وقد جهز ذلك الجيش بثلاثمائة بعير عليها أحلاسها وأقتابها، وفي هذا الحديث يقول: إنه لم يفقد منها عقال ولا خطام، أي: أنها كاملة التجهيز، حتى العقال الذي يعقل به البعير، وحتى الخطام الذي يقاد به البعير، هذه الإبل الكثيرة التي جهز فيها جيش العسرة، وهي تبلغ ثلاثمائة بعير لم يفقد فيها خطام ولا عقال، دال على فضله ونبله.
    والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الله تعالى يغفر لمن يقوم بهذه المهمة، فكلهم شهدوا، وأيدوا ما قال، وفيه: أن الذين خرجوا عليه وآذوه، آذوا ولياً من أولياء الله، ورجلاً من خيار عباد الله، بل هو خير ممن مشى على الأرض بعد أبي بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهما، ومع ذلك لقي ما لقي من الأذى، وهو هذا الرجل العظيم، الرجل الذي بهذه المنزلة، ومع ذلك لم يسلم من أذى الأشرار، وأذى السفهاء والأغمار الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... من يجهز هؤلاء غفر الله له ...)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا عبد الله بن إدريس].
    هو عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت حصين بن عبد الرحمن].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [يحدث عن عمرو بن جاوان].
    مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن الأحنف بن قيس].
    ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عثمان].
    هو عثمان بن عفان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثالث الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    فضل النفقة في سبيل الله تعالى


    شرح حديث أبي هريرة: (من أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل نودي في الجنة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل النفقة في سبيل الله تعالى.أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل، نودي في الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة، دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة، دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان، فقال أبو بكر رضي الله عنه: هل على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة؟ فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: فضل النفقة في سبيل الله، وقد أورد تحتها حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل نودي في الجنة: يا عبد الله هذا خير)].
    قوله: [(من أنفق زوجين)]، أي: شيئين من أي صنف من الأصناف، والمقصود به تكرار الإنفاق، وأنه لا يكون الإنفاق بشيء واحد، وإنما مع ذلك تكرار الإنفاق، ولهذا قال: [زوجين]، أي: شيئين من أي شيء، يعني: بعيرين، أو شيء من الأشياء، يخرج وينفق منه شيئين، أي: أكثر من واحد، [نودي: يا عبد الله هذا خير]، أي: هذا الذي فعلته هو خير، ويدعى من الباب الذي يناسب إنفاقه، وبذله في سبيل الله، قال: [(فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان)].
    وكل باب من الأبواب المذكورة الأربعة فهو مطابق لاسم العمل إلا الصيام، فإن الباب باسم الريان، وليس باسم الصيام، والسبب في ذلك: أن الريان يشعر بالري، والصائم قد عطش نفسه في سبيل الله، فهو يدخل من باب يسمى بهذا الاسم، فيفيد أن من دخله لا يظمأ أبداً، وأنه يحصل الري التام؛ لأنه عطش نفسه لله، فيحصل الري في الجنة جزاءً وفاقاً، [(قال أبو بكر رضي الله عنه: هل على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة؟)]، أي: ليس كما جاء في بعض الروايات: (ليس عليه ضرورة أن يدعى من أي باب)؛ لأن من دعي من أي باب، فذلك خير، وذلك كافٍ، لكن [(هل يدعى أحد من الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم)]؛ وذلك لأنه يكون من أهل هذه الأعمال، فيستحق أن يدعى من هذه الأبواب كلها، وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه هو خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين، وأفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين، وهو الذي حصلت منه الأعمال الجليلة في مختلف الأعمال رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو السباق إلى الخيرات، والذي لا يماثله أحد، ولا يدانيه أحد، وأراد عمر رضي الله عنه في يوم من الأيام أن يسبق أبا بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة، فأتى بنصف ماله، وأبو بكر أتى بماله كله، فلم يتمكن عمر من أن يسبق أبا بكر رضي الله عنه في ذلك اليوم الذي رغب أن سبقه، وذلك بأنه أتى بنصف ماله، فأتى أبو بكر بجميع ماله.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (من أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل نودي في الجنة...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن الحارث بن مسكين].
    مر ذكره.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [حدثني مالك بن أنس].
    وقد مر ذكره.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد بن عبد الرحمن].
    هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث أبي هريرة: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة...) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن الأوزاعي حدثني يحيى عن محمد بن إبراهيم أخبرنا أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة من أبواب الجنة: يا فلان هلم فادخل، فقال أبو بكر: يا رسول الله ذاك الذي لا توى عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني لأرجو أن تكون منهم)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة من أبواب الجنة)]، أي: من أبواب الجنة كلها. فقال أبو بكر رضي الله عنه: [(ذاك الذي لا توى عليه)]، أي: لا نقص عليه؛ لأنه حصل الخير العظيم، والخير الكثير، من كونه يدعى من هذه الأبواب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـأبي بكر: [(إني لأرجو أن تكون منهم)]، أي: من الذين يدعون من جميع الأبواب.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة ...) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
    [حدثنا بقية].
    هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الأوزاعي].
    هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، فقيه الشام، ومحدثها، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني يحيى].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن إبراهيم].
    هو محمد بن إبراهيم التيمي المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا أبو سلمة عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث أبي ذر: (ما من عبد مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر بن المفضل عن يونس عن الحسن عن صعصعة بن معاوية قال: (لقيت أبا ذر رضي الله عنه قال: قلت: حدثني، قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من عبد مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله، إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن كانت إبلاً فبعيرين، وإن كانت بقراً فبقرتين)].أورد النسائي حديث أبي ذر رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله، وفيه: بيان الزوجين، [(ما من عبد مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن كانت إبلاً فبعيرين، وإن كانت بقراً فبقرتين)]، وهذا هو معنى الزوجين، وأنه ينفق زوجين في سبيل الله عز وجل، أي: من كل شيء اثنين، فالمقصود من ذلك التكرار، وعدم الاقتصار على شيء واحد، وإنما يكرر ويكون أكثر من ذلك، أي: أكثر من الواحد.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي ذر: (ما من عبد مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة...)


    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا بشر بن المفضل].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو يونس بن عبيد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن].
    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن صعصعة بن معاوية].
    له صحبة وقيل: مخضرم، وقيل: ثقة مخضرم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي ذر].
    هو أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: جندب بن جنادة وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن أبي النضر حدثنا أبو النضر حدثنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن الركين الفزاري عن أبيه عن يسير بن عميلة عن خريم بن فاتك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أنفق نفقة في سبيل الله، كتبت له بسبعمائة ضعف)].أورد النسائي حديث خريم بن فاتك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف)]، أي: أن الله عز وجل يضاعفها أضعافاً مضاعفةً إلى هذا الحد الذي هو سبعمائة ضعف.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف)


    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن أبي النضر].هو أبو بكر بن النضر بن أبي النضر، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا أبي النضر].
    هو هاشم بن القاسم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبيد الله الأشجعي].
    هو عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [عن سفيان الثوري].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الركين الفزاري].
    هو الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو الربيع بن عميلة بالفتح وقيل: عُميلة بضم العين، لكن ضبط المصنف عَميلة بفتح أوله، في ترجمة حفيدة ركين بن الربيع بن عُميلة، وفي ترجمة ابنه نسير بن عُميلة فليحرر.
    ولا لبس، فإذا كان ضبطه وقال: بالفتح نص عليها، فيكون تضارب مع كلمة مصغر؛ لأن عُميلة هو المصغر.
    ففيه تضارب بين عَميلة وعُميلة، بين قوله: مصغراً وبين قوله: بفتح المهملة. وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن نسير بن عميلة].
    قال في التقريب: يسير بن عَمِيلة بفتح المهملة، وكسر الميم الفزاري، ويقال له: أسير أيضاً، ثقة من الثالثة.
    ويسير بن عميلة أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن خريم بن فاتك].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #425
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجهاد

    (422)


    - (باب فضل الصدقة في سبيل الله) إلى (باب من خان غازياً في أهله)



    الصدقة في الجهاد لها فضائل جمَّة، منها أن الله يضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وتندرج تحت نوع من أنواع الجهاد وهو الجهاد بالمال، وهذا لعظم الجهاد، ولذا كان نساء المجاهدين حرام كحرمة الأمهات، وذلك في الاحترام والتوقير وليس في المحرمية، فإذا أخلف المجاهد رجلاً على أهله فلم يقم بالأمانة التي كلف بها، جاء يوم القيامة ليأخذ المجاهد من حسناته ما شاء.

    فضل الصدقة في سبيل الله عز وجل


    شرح حديث: (... ليأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقةٍ مخطومة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل الصدقة في سبيل الله عز وجل.أخبرنا بشر بن خالد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سليمان سمعت أبا عمرو الشيباني عن أبي مسعود رضي الله عنه: (أن رجلاً تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ليأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقة مخطومة)].
    يقول النسائي رحمه الله: فضل الصدقة في سبيل الله، أورد النسائي تحت هذه الترجمة عدة أحاديث، أولها: حديث أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري البدري رضي الله تعالى عنه: [أن رجلاً تصدق بناقة مخطومة في الجهاد في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقة مخطومة)]. المقصود من هذا: أن قوله: [تصدق بناقة مخطومة]، أي: أنه جعلها في سبيل الله عز وجل، وأنها كاملة التجهيز حتى خطامها معها، معناه: أنه تصدق بالناقة، وما يلزم لها من رحل حتى الخطام التي تقاد بها موجود معها، أي: أنها كاملة التجهيز في الجهاد في سبيل الله.
    المقصود من قوله: [أنه يأتي بسبعمائة ناقة مخطومة]، أن الله تعالى يضاعف له الثواب على هذه الناقة الواحدة، حتى يكون ذلك بسبعمائة ضعف، أي: أن الله عز وجل يضاعف هذه المضاعفة، وهذا مثل الحديث الذي مر قبل هذا في آخر الباب الذي قبله، قوله: [(من أنفق نفقة في سبيل الله، كتبت له بسبعمائة ضعف)].
    أي: أن الله تعالى ضاعفها هذه المضاعفة العظيمة، التي هي سبعمائة ضعف، ويأتي للحساب وعنده هذه الحسنات، وهذا الثواب العظيم الذي ضوعف سبعمائة ضعف.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ليأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقةٍ مخطومة)


    قوله: [أخبرنا بشر بن خالد].ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا محمد بن جعفر].
    الملقب غندر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان].
    هو الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أبا عمرو الشيباني].
    اسمه: سعد بن إياس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي مسعود].
    هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مشهور بكنيته: أبو مسعود، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن بحير عن خالد عن أبي بحرية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد، كان نومه ونبهه أجراً كله، وأما من غزا رياءً وسمعةً، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنه لا يرجع بالكفاف)].أورد النسائي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الغزو غزوان)، يعني: صنفان، الغزو في سبيل الله صنفان.
    قوله: [(فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد)].
    يعني: خمسة أشياء.
    قوله: [(كان نومه ونبهه أجراً كله)].
    يعني: جميع حركاته، وجميع أحواله أنها تكون له أجراً، يعني: حيث يكون نائماً، وحيث يكون مستيقظاً، كل ذلك يكتب له في سبيل الله عز وجل إذا ابتغى وجه الله عز وجل، بأن كان مخلصاً في قصده وجهاده في سبيل الله؛ يريد بذلك أن تكون كلمة الله هي العليا، كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري: (لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو سبيل الله )، فأن يكون مخلصاً لله عز وجل في قصده ونيته، وأن يكون منفقاً للكريمة، أي: النفيسة، وهي مثلما جاء في حديث معاذ الذي في وصية النبي صلى الله عليه وسلم له لما بعثه إلى اليمن، قال: (فإن أجابوك لذلك -أي: للصلاة-، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أجابوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم)، أي: احذر أن تأخذ الكريمة النفيسة العزيزة على أهلها، التي يحرصون عليها، لا تأخذها، وإنما يأخذ المصدق من الوسط، ولا يأخذ الكريم النفيس الغالي، ولا يأخذ الهزيل الرديء، وإنما يكون من أوساط المال.
    قوله: [(ياسر الشريك)].
    يعني: أنه عامل الشريك والصاحب، معاملةً طيبةً، بيسر وسهولة، تكون معاملته معاملةً طيبةً، معاملةً حسنةً، يخالق بأخلاق حسنة، ويعامل معاملةً حسنةً.
    قوله: [(وأطاع الإمام)].
    يعني: أنه امتثل أمر الإمام حيث يأمره بطاعة، حيث لا يأمره بمعصية، وإنما يأمره بطاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يسمع، ويطيع.
    قوله: [(واجتنب الفساد)]، أي: اجتنب الأمور المحرمة، والأمور التي لا تسوغ، فإنه إذا كان كذلك، غزوه على هذه الصفات، فإن نومه ونبهه يكون أجراً كله.
    وقد ضبط السندي (نبهه): ضبطها بالضم، والسيوطي في أبي داود بالفتح، والسيوطي في حاشية النسائي ضبطها بالكسر.
    قوله: [(وأما من غزا رياءً وسمعةً)].
    يعني: يقابل ابتغاء وجه الله عز وجل؛ لأن الذي مر، أنه غزا يبتغي وجه الله، فهذا يقابله رياءً وسمعةً، ما يريد وجه الله، وإنما يريد مراعاة الناس، وأن يذكره الناس، وأن يشيدوا به، فيكون السماع عنه حسناً، هذا قصده، وهذا نيته، [وعصى الإمام]، مقابل: أطاع الإمام فيما مضى، [وأفسد في الأرض]، مقابل: واجتنب الفساد فيما مضى، [فإنه لا يرجع بالكفاف]، يعني: أنه لا يرجع بشيء، وإنما يرجع كما كان، على الحالة التي كان عليها قبل، يرجع ولم يحصل على طائل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله...)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].هو عمرو بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا بقية].
    هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن بحير].
    هو بحير بن سعد، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وفي خلق أفعال العباد، وأصحاب السنن.
    والأصل أنه لا يكرر الكتب الأخرى التي خارج الصحيح، وإنما يذكر أشهرها، وأشهرها الأدب المفرد؛ لأنه أشهر من خلق أفعال العباد، فالأدب المفرد كبير، وخلق أفعال العباد صغير، وغالباً ما يذكر إلا أشهرها.
    [عن خالد].
    هو خالد بن معدان، وهو ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بحرية].
    هو عبد الله بن قيس، أظنه ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه].
    هو أبو عبد الرحمن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    حرمة نساء المجاهدين


    شرح حديث: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حرمة نساء المجاهدين.أخبرنا حسين بن حريث ومحمود بن غيلان واللفظ لـحسين، قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل يخلف في امرأة رجلاً من المجاهدين، فيخونه فيها إلا وقف له يوم القيامة، فأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم؟!)].
    أورد النسائي حرمة نساء المجاهدين، أي: عظم شأنهن، ووجوب احترامهن، وإكرامهن، والقيام بشئونهن على القاعدين.
    وقد أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم)]، وهذا فيه بيان عظم شأن التحريم، وأنه تشبيه بالأمهات، فالمقصود من ذلك: في الاحترام والتوقير، وليس في المحرمية؛ لأن الأمهات حرمتهن مؤبدة، واحترامهن دائماً وأبداً لا ينقطع ولا ينتهي، وأما المجاهدون ففي حال غيبتهم يكون من يخلفهم في مدة غيبته، يكون على عناية، وعلى اهتمام، وحرص على رعاية شئونهن، والذب عنهن، وتحصيل الخير لهن، ودفع الضرر عنهن.
    وتشبيهه بالأمهات بيان عظم شأن هذا الأمر، ولكن الأمر يختلف عن الأمهات؛ لأن الأمهات هذه الحرمة دائمة، ومستمرة، ومؤبدة، وأما بالنسبة لنساء المجاهدين فإنها مؤقتة، أي: في حال غيبة أزواجهن عنهن، فيقومون برعاية مصالحهن، ولا يخونونه فيهن بأن يقصروا، وأن يأخذوا شيئاً من المال الذي جعل لهن للإنفاق لهن، أو ما إلى ذلك من الأمور التي فيها إخلال وإضرار بهن.
    قوله: [(وما من رجل يخلف في امرأة رجل من المجاهدين، فيخونه فيها)].
    يعني: لا يقوم بالأمانة في هذه الولاية، وهذه النيابة، [(إلا وقف له يوم القيامة فأخذ من عمله ما شاء)]، معناه: أنه ارتكب جرماً كبيراً؛ لأنه خان الذي أنابه، ولم يقم بالأمانة التي كلف فيها، وشأن المجاهدين عظيم، ويوقف له، فيأخذ من حسنته ما شاء.
    قال عليه الصلاة والسلام: [(فما ظنكم؟!)]، وقد جاء تفسيرها في حديث رواية أخرى ستأتي: (هل يترك من حسنته شيء)، مادام أنه مكن من أن يأخذ من حسنته ما شاء، معناه: هل يبقي له شيء، وقد مكن من أن يأخذ من حسنته ما شاء؟! وقد مر في الحديث عظم شأن من يخلف الغازي في أهله، وأنه يكون بمثابة من غزا، حيث جاء في بعض الأحاديث المتقدمة: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير، فقد غزا) [من خلفه بخير]، يعني: أنه قام بخلافته إياه بالأمانة، والعناية، والحرص على رعاية المصالح، وإذا كان الإنسان بخلافه، فإنه يمكن ذلك المجاهد من أن يأخذ من حسنات ذلك الذي خلفه وخانه في خلافته، وولايته، يأخذ من حسنته ما شاء.

    تراجم رجال إسناد حديث: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ...)


    قوله: [أخبرنا حسين بن حريث].هو حسين بن حريث المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [و محمود بن غيلان].
    هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا وكيع].
    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن علقمة بن مرثد].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان بن بريدة].
    هو سليمان بن بريدة المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو بريدة بن الحصيب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    من خان غازياً في أهله


    شرح حديث: (... وإذا خلفه في أهله فخانه قيل له يوم القيامة: هذا خانك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من خان غازياً في أهله.أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وإذا خلفه في أهله، فخانه قيل له يوم القيامة: هذا خانك في أهلك، فخذ من حسناته ما شئت، فما ظنكم؟)].
    أورد النسائي حديث بريدة من طريق من أخرى، وهو مثل الطريق السابقة، وأورده تحت ترجمة: (من خان غازياً في أهله)، أي: ماذا عليه؟ وقد بين ذلك في الحديث؛ بأنه يقال له: خذ من حسناته ما شئت، وعند ذلك قال عليه الصلاة والسلام: (فما ظنكم؟)، أي: هل يبقي من حسناته شيء.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... وإذا خلفه في أهله فخانه قيل له يوم القيامة: هذا خانك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا حرمي بن عمارة].
    صدوق يهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه].
    وقد مر ذكر الأربعة.

    شرح حديث: (... يا فلان! هذا فلان فخذ من حسناته ما شئت...) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان حدثنا قعنب كوفي، عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين في الحرمة كأمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله إلا نصب له يوم القيامة فيقال: يا فلان، هذا فلان فخذ من حسناته ما شئت، ثم التفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه فقال: ما ظنكم، ترون يدع له من حسناته شيئاً)].أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم، إلا أن فيه في آخره بيان ما أجمل في الروايات السابقة في قوله: [(فما ظنكم؟)]، حيث بينها بقوله: [(ترون يترك من حسناته شيئاً؟)] إذا قيل له: خذ ما شئت، أو خذ من حسناته ما شئت.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... يا فلان! هذا فلان فخذ من حسناته ما شئت...) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن].هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المخرمي، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا قعنب].
    هو قعنب التميمي الكوفي، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

    شرح حديث: (جاهدوا بأيديكم، وألسنتكم، وأموالكم)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (جاهدوا بأيديكم، وألسنتكم، وأموالكم)].أورد النسائي حديث أنس هذا وما بعده من الأحاديث إلى آخر الباب، وهي لا علاقة لها بالباب الذي هو: من خان غازياً في أهله، وهي ليست موجودة في السنن الكبرى في هذا المكان، بل ذكر النسائي الأحاديث الثلاثة في الباب، وانتهى كتاب الجهاد عند الحديث الذي مضى، وليس في كتاب الجهاد في السنن الكبرى بعد الحديث المتقدم هذه الأحاديث التي أولها: حديث أنس في قوله صلى الله عليه وسلم: [(جاهدوا بأيديكم، وألسنتكم، وأموالكم)]، وقد سبق أن مر الحديث بهذا اللفظ إلا أن فيه: (جاهدوا المشركين بأيديكم، وأموالكم، وألسنتكم)، ومن المعلوم: أن المقصود هو جهاد المشركين، كما أنه هنا غير موجود مفعول المجاهدة، إلا أنهم مشركون، كما جاء ذلك مبيناً في الرواية السابقة.
    والحديث اشتمل على أنواع الجهاد الثلاثة، التي سبق أن أشرت إليها، وذكرت أنها أربعة، ذكرها ابن القيم في زاد المعاد، ذكر هذه الثلاثة، وذكر الجهاد بالنية والقصد، وهو الذي جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن في المدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً، إلا كانوا معكم حبسهم العذر)، أي: أنهم مجاهدون بنياتهم وقصدهم، والحديث الذي معنا مشتمل على أنواع الجهاد الثلاثة، التي هو: الجهاد باليدين الذي هو النفس، والجهاد بالأموال، والجهاد بالألسنة، أي: في بيان محاسن الإسلام، والحجج على أعداء الإسلام، وكذلك ذمهم بالشعر وغير الشعر، فإن ذلك كله داخل تحت الجهاد بالألسنة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (جاهدوا بأيديكم، وألسنتكم، وأموالكم)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد بن سلمة].
    هو حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن حميد].
    هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك، رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعائشة، ستة رجال وامرأة واحدة.

    شرح حديث: (أمر بقتل الحيات، وقال: من خاف ثأرهن فليس منا)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو محمد موسى بن محمد هو الشامي حدثنا ميمون بن الأصبغ حدثنا يزيد بن هارون حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله رضي الله عنه: (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الحيات، وقال: من خاف ثأرهن، فليس منا)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحيات، وقال: من خاف ثأرهن فليس منا)، يعني: من خاف من قتلهن، وثأرهن، أي: الانتقام، بأن ينتقمن منه، (فليس منا)، معناه: تحريض على القتل للحيات، وقد جاء في بعض الأحاديث (النهي عن قتل الحيات)، أي: حيات البيوت، (وعوامر البيوت)، أي: ساكناتها (إلا بعد إيذانهن ثلاثاً)، وقد مرت بعض الأحاديث في ذلك، فيمكن أن الأمر كان أولاً، ثم حصل النهي، ويمكن أن يكون الأمر محمولاً على حال، ويكون النهي محمولاً على حال، وهو أن يكون إيذانهن وتحذيرهن ثلاثاً، وعند ذلك يقتلهن، يعني: إذا لم يخرجن، ويمكن أن يحمل أيضاً على الأمر بالقتل مطلقاً على ما كان في غير البيوت؛ لأن النهي عن البيوت كان مقيداً بتحذيرهن، وإيذانهن، وأما في غير البيوت فإن الأمر على بابه وعلى أصله، وقد جاء في الأحاديث المتقدمة في الحج: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم)، خمس فواسق ومنهن الحية.
    والحديث ما يظهر حتى علاقته بالجهاد، يعني: ذكره يتعلق بقتل الحيات، ومن خاف ثأرهن، فليس منا، فهو ما يظهر علاقته في الجهاد، اللهم إلا أن يكون له سبب، وأنه كان في جهاد وما إلى ذلك، لا أدري.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أمر بقتل الحيات، وقال: من خاف ثأرهن فليس منا)


    قوله: [أخبرنا أبو محمد موسى بن محمد].مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا ميمون بن الأصبغ].
    هو أيضاً مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يزيد بن هارون].
    هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شريك].
    هو: شريك بن عبد الله القاضي النخعي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي إسحاق].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن القاسم بن عبد الرحمن].
    هو القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن مسعود].
    هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الإسناد فيه مقبولان، وفيه شريك القاضي الذي يخطئ كثيراً، لكن فيما يتعلق بالأمر بقتل الحيات، فقد جاء في ذلك أحاديث منها ما أشرت إليه، وأما ما يتعلق بقوله: [(ومن خاف ثأرهن فليس منا)]، فلا أدري هل جاء في أحاديث أخرى؟ فـالألباني ذكر الحديث من جملة ما هو صحيح ثابت.

    شرح حديث: (...وما تعدون الشهادة إلا من قتل في سبيل الله؟!...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا جعفر بن عون عن أبي عميس عن عبد الله بن عبد الله بن جبر عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاد جبراً رضي الله عنه، فلما دخل سمع النساء يبكين، ويقلن: كنا نحسب وفاتك قتلاً في سبيل الله، فقال: وما تعدون الشهادة إلا من قتل في سبيل الله؟! إن شهداءكم إذاً لقليل، القتل في سبيل الله شهادة، والبطن شهادة، والحرق شهادة، والغرق شهادة، والمغموم -يعني: الهدم- شهادة، والمجنوب شهادة، والمرأة تموت بجمع شهيدة، قال رجل: أتبكين ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد؟ قال: دعهن، فإذا وجب، فلا تبكين عليه باكية)].أورد النسائي حديث عبد الله بن جبر: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد جبراً )]، الذي هو: جبر بن عتيك بن قيس الأنصاري رضي الله عنه.
    قوله: [(فلما دخل سمع النساء يبكين، ويقلن: كنا نحسب وفاتك قتلاً في سبيل الله)].
    أي: فلما دخل وهو لم يمت، وإنما على قيد الحياة، وكن يبكين يخشين أن يكون موته ليس في الجهاد، وكونهن يحسبن أنه يموت في الجهاد؛ لعل ذلك لكثرة جهاده، وأنهن يتمنين أن يكون شهيداً، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال، [(فقال: وما تعدون الشهادة إلا من قتل في سبيل الله؟ إن شهداءكم إذاً لقليل)]، إذا كان الشهادة لا تكون إلا في القتل في سبيل الله، إذاً: الشهداء قليلون، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أصنافاً عدة، أنهم في حكم الشهداء، والمقصود: أنهم في حكمهم في ثواب الآخرة، بخلاف أحوال الدنيا فإنها تجري عليهم أحكام أمثالهم ممن يموت في غير المعركة، بأنهم يغسلون، ويصلى عليهم، وأما شهداء المعركة فهم الذين يدفنون في ثيابهم، ولا يغسلون، ولا يصلى عليهم، وجاء في بعض الأحاديث: أنه يصلى عليهم، لكن كونهم لا يغسلون ويدفنون في ثيابهم، هذا حكم يختص بالمجاهدين في سبيل الذين يقتلون في المعركة ويموتون في المعركة، فإنهم يدفنون في ثيابهم.
    قوله: [(القتل في سبيل الله شهادة)].
    وهذا هو الأصل الذي جاءت الأحاديث الكثيرة في وصف أهله بأنهم شهداء، ثم ذكر أصنافاً أخرى ملحقة به من حيث الثواب لا من حيث الأحكام في الدنيا؛ من حيث التجهيز، وما إلى ذلك، فإن شهيد المعركة يختلف عن غيره.
    قوله: [(والبطن شهادة)].
    أي: المبطون الذي أصيب بوجع البطن، وهو الاستسقاء، أو الإسهال الذي مات بسبب ذلك، فإنه يكون شهادة.
    قوله: [(والحرق شهادة)].
    أي الحريق الذي مات محترقاً بالنار أيضاً شهادة.
    قوله: [(والغرق شهادة)].
    الذي يغرق في الماء، ويموت في الماء، فإنه يكون شهيداً.
    قوله: [(والمغموم -يعني: الهدم- شهادة)].
    يعني: الذي مات في هدم، أيضاً شهيد.
    قوله: [(والمجنوب شهادة)].
    والمجنوب: وهو الذي أصيب بذات الجنب، مرض يقال له: ذات الجنب، أيضاً شهادة.
    قوله: [(والمرأة تموت بجمع شهيدة)].
    وقيل في تفسيرها: إنها هي التي تموت وولدها في بطنها، أي: أنها مجموع معها غيرها، وقيل: إنها البكر التي تموت بكراً لم تتزوج.
    قوله: [(قال: رجل أتبكين ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد؟ قال: دعهن، فإذا وجب فلا تبكين عليه باكية)]
    يعني: أن هذا البكاء الذي يكون على قيد الحياة، ليس بكاء على مصيبة؛ لأن المصيبة ما وجدت، وقد يحصل الشفاء، ويعيش، وتموت هذه الباكية قبل ذلك، ولكن المحذور هو إذا حلت المصيبة، ووجدت المصيبة، ثم وجد البكاء، والصياح، فإن هذا هو الذي يكون محذوراً، ثم الأولى أن يبتعد عن ذلك، وأن يجتنب، وأن لا يوجد الصياح، وأما البكاء الذي هو دمع العين، فسواء كان قبل الوفاة، أو بعد الوفاة، فإن ذلك ثابت، ولا بأس به، والنبي صلى الله عليه وسلم بكى عندما مات ابنه إبراهيم، ولما قيل له في ذلك قال: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون).
    قوله: [(فإذا وجب، فلا تبكين عليه باكية)].
    المقصود من ذلك: الصياح، وأما حصول دمع العين، فهذا لا بأس به، ولا مانع منه، ولا محذور فيه، وقد فعل ذلك رسول الله، وقد حصل ذلك من رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (...وما تعدون الشهادة إلا من قتل في سبيل الله؟!...)


    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا جعفر بن عون].
    صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عميس].
    هو عتبة بن عبد الله بن عتبة المسعودي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عبد الله بن جبر].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الله بن جبر بن عتيك بن قيس الأنصاري، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [عن جبر].
    هو جبر بن عتيك بن قيس الأنصاري، وهو صحابي، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    وهنا الحكاية أي: الحديث كأنه من مسند عبد الله بن جبر ويحكي عن أبيه، لكن في سنن ابن ماجه عن أبيه عن جده، فيكون من مسند جبر، وعلى هذا فهو متصل، فعبد الله بن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله، وعبد الله الذي هو ابن جبر يروي عن جبر، وهو على سياق هذا الإسناد الذي معنا كأنه مرسل؛ لأنه يحكي شيئاً حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو لم يدركه، لكن الموجود في سنن ابن ماجه: أنه يرويه عن أبيه عن جده, وقد مر الحديث من طريق أخرى عن الإمام مالك في كتاب الجنائز، وهو بغير هذا السياق: عبد الله بن عبد الله بن جبر يروي عن جده لأمه عتيك بن حارثة، وعتيك بن حارثة يروي عن جبر بن عتيك الذي معنا في هذا الإسناد.

    شرح حديث: (... دعهن يبكين ما دام بينهن فإذا وجب فلا تبكين باكية) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن يحيى حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا داود يعني: الطائي عن عبد الملك بن عمير عن جبر رضي الله عنه: (أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ميت، فبكى النساء، فقال جبر: أتبكين ما دام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً؟ قال: دعهن يبكين ما دام بينهن، فإذا وجب فلا تبكين باكية)].وهذا الحديث فيه: أن جبراً ليس هو الذي حصلت عيادته كما جاء في الرواية السابقة، وإنما كان مصاحباً للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يعود شخصاً آخر، وقد مر في الحديث الذي في كتاب الجنائز: أنه يعود عبد الله بن ثابت، أي: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودان عبد الله بن ثابت، وقد سمي في الرواية السابقة في كتاب الجنائز، وقال: يعود ميت هنا، وهو لم يمت؛ لأنه قال: دعهن، فإذا وجبت فلا تبكين باكية، معناه: أنه ليس بميت، ولكن أطلق عليه أنه ميت؛ لأنه في الاحتضار، وقد يطلق على من يكون كذلك أنه ميت، وقد جاء إطلاقه في الحديث الثابت، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة)، فالمقصود أنه لم يمت، ولكنه قريب من الموت، فوصف بذلك لقربه منه، ولأن التلقين إنما يكون في الحياة، ولهذا قال في آخر الحديث: (فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة)، أي: يلقن وهو حي.
    إذاً: قوله: يعود ميتاً، يعني: محتضراً، أو شخصاً في الاحتضار ولم يمت بعد.
    وأيضاً مثله الحديث الآخر على فرض صحته، وهو: (اقرءوا على موتاكم ياسين)، والحديث ضعيف لم يثبت، ولو كان ثابتاً، فإنه يفسر بالمحتضر الذي يقرأ عليه وهو حي، ولا يقرأ عليه بعد الموت، فلو كان ثابتاً، فإنه يحمل على أن المقصود بالأموات المحتضرون؛ لأن قراءة القرآن، وسماعهم القرآن ينفعهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... دعهن يبكين ما دام بينهن فإذا وجب فلا تبكين باكية) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا أحمد بن يحيى].هو أحمد بن يحيى بن زكريا، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا إسحاق بن منصور].
    هو إسحاق بن منصور السلولي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والنسائي يروي عن إسحاق بن منصور، يعني: يروي عن شخصين: أحدهما من شيوخه، والثاني من شيوخ شيوخه، فإذا جاء إسحاق بن منصور في طبقة شيوخه فالمراد به: إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج، وهو ثقة، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه كما هنا، فالمراد به: السلولي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا داود يعني: الطائي].
    هو داود بن نصير الطائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عبد الملك بن عمير].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جبر].
    هو جبر بن عتيك بن قيس الأنصاري، وقد مر ذكره، وحديثه أخرجه النسائي وابن ماجه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #426
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (423)

    - باب ذكر أمر الرسول في النكاح وأزواجه وما أباح الله لنبيه وحظره على خلقه



    العدل صفة بارزة في النبي صلى الله عليه وسلم، وتبرز واضحة وجلية في قسمته لنسائه، فكان يقسم لكل واحدة منهن ليلة واحدة ينام عندها ويأكل عندها.

    كتاب النكاح ذكر أمر رسول الله وأزواجه، وما أباح الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وحظره على خلقه زيادة في كرامته وتنبيهاً لفضيلته


    شرح حديث: (إن رسول الله كان معه تسع نسوة فكان يقسم لثمان وواحدة لم يكن يقسم لها)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب النكاح. ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه، وما أباح الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وحظره على خلقه زيادة في كرامته وتنبيهاً لفضيلته.أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف حدثنا جعفر بن عون أخبرنا ابن جريج عن عطاء أنه قال: (حضرنا مع ابن عباس رضي الله عنهما، جنازة ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسرف، فقال ابن عباس: هذه ميمونة إذا رفعتم جنازتها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان معه تسع نسوة فكان يقسم لثمانٍ وواحدة لم يكن يقسم لها)].
    يقول النسائي رحمه الله: كتاب النكاح، النكاح في اللغة قيل: هو الضم والتداخل، وفي الشرع: يطلق على العقد وعلى الوطء، فيطلق عليهما جميعاً، فيأتي في نصوص الكتاب والسنة النكاح يراد به العقد ويراد به الوطء، فهو حقيقة في الاثنين يطلق على هذا ويطلق على هذا، لكن إطلاقه على العقد أكثر من إطلاقه على الوطء، ويقولون: إذا قيل: نكح رجل ابنة فلان أي عقد عليها وتزوجها، وإذا قيل: نكح زوجته فالمراد به الوطء، فيأتي في الكتاب والسنة ذكر النكاح يراد به العقد ويراد به الوطء، ومن الأمثلة الواضحة لإطلاق النكاح على العقد قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُن َّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا )[الأحزاب:49]، فإنه قال هنا (نكحتم) ثم قال: (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) يعني أطلق على العقد دون الوطء، وإن لم يكن معه وطء، ومن أمثلة إطلاقه على الوطء قوله سبحانه وتعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]؛ لأن هذا النكاح يراد به الوطء؛ لأن السنة قد جاءت ببيان أن المراد به الوطء كما جاء في حديث الصحابي أو (المرأة التي جاءت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتذكر كونها عند زوجٍ أول وأنه طلقها وبت طلاقها، وتزوجت من رجلٍ آخر وأنه ليس معه إلا مثل هدبة الثوب، وقال عليه الصلاة والسلام: أتريدين أن ترجعي إلى فلان؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)، فبين عليه الصلاة والسلام أن المراد بالنكاح هنا الوطء وليس العقد، وأنه لا يكفي مجرد العقد بما يتعلق بتحليلها أو بحلها للزوج الأول الذي طلقها ثلاثاً.
    والنسائي رحمه الله، أورد أول الأبواب باب يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم وما خصه الله عز وجل به وما أكرمه الله عز وجل به، وفيه إظهار لفضيلته، فقال: باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح وأزواجه وما أباح الله له وحظره على غيره من الخلق تكريماً له وبياناً لفضيلته صلى الله عليه وسلم.
    وقول النسائي رحمه الله في الترجمة: باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح، ليس المقصود الأمر الذي هو الحث والترغيب، وواحد الأوامر بل هو واحد الأمور؛ لأن الأمر يجمع على أمور ويجمع على أوامر، وهنا من قبيل ما يجمع على أمور بمعنى الشأن، يعني شأن الرسول صلى الله عليه وسلم في النكاح وما يتعلق به، وليس المقصود الأمر الذي هو واحد الأوامر بمعنى حث وترغيب على النكاح؛ لأن هذا سيأتي له باب يخصه وهو الترغيب في النكاح، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، هذا أمر من أحد الأوامر وهو قوله: (فليتزوج)، لكن الأمر في قوله: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في النكاح وأزواجه صلى الله عليه وسلم وما خصه الله تعالى به وحظره على غيره، هذا واحد الأمور وليس واحد الأوامر، ويأتي كثيراً في الكتاب والسنة ذكر الأمر يراد به واحد الأوامر، مثل قوله: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [طه:93]، يعني ما أمر به، وكذلك يأتي بمعنى واحد الأمور مثل الدعاء الذي فيه: يَسِّرْ لِي أَمْرِي [طه:26]، يعني شأني.
    فهنا قول النسائي: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في النكاح -يعني شأنه الذي هو واحد الأمور- وأزواجه، يعني وكونه انفرد عن غيره من الأمة بأن تزوج بعدد لا يحل لأحد في أمته أن يتزوج بمثل هذا العدد، فلا يجوز لأحد في هذه الأمة أن يزيد على الأربع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج إحدى عشرة امرأة مات منهن اثنتان في حياته عليه الصلاة والسلام، وهما خديجة أول زوجاته وزينب بنت خزيمة، والتسع الباقيات توفي عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء الإحدى عشرة امرأة أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، فقد قال الله عز وجل: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، فهن أمهات المؤمنين، أمومة دينية تتطلب الاحترام والتوقير والإكرام وليست هذه الأمومة من قبيل ما يتعلق بالنسب من جهة التحريم وما إلى ذلك، وإنما هي من جهة الحرمة والاحترام، وليس من جهة التحريم، وأنهن بمثابة الأمهات اللاتي ولدن، فالأمومة دينية، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، اللاتي تزوج بهن، وهن أمهات المؤمنين، إحدى عشرة، توفي في حياته اثنتان، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع رضي الله تعالى عن الجميع وهذه مرتبات على حسب زواج النبي صلى الله عليه وسلم بهن: سودة، ثم عائشة، ثم حفصة، ثم أم سلمة، ثم زينب بنت جحش، ثم أم حبيبة بنت أبي سفيان، ثم جويرية بنت الحارث، ثم صفية بنت حيي، ثم ميمونة بنت الحارث الهلالية، وهي آخرهن.
    وما أباح الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وحظره على خلقه إلا تكريماً له وإبانة لفضيلته صلى الله عليه وسلم، أي أن الوصول إلى هذا العدد الذي هو إحدى عشرة، وكونه جمع بين تسع توفي عنهن، هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم تكريماً له وإبانة لفضيلته صلى الله عليه وسلم، وكون النبي عليه الصلاة والسلام، تزوج بهذا العدد، لذلك حكم منها وهو من أهمها: يعني مصاهرة عدد كبير من القبائل؛ ليكون بذلك المودة والعون على النصرة في الدين، وكذلك أيضاً لكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله وهناك أمور لا يطلع عليها إلا الزوجات، فشرع له هذا العدد حتى يحصل منهن تلقي سنته المتعلقة بالبيوت والتي تكون بين الرجل أهل بيته، فيكون في ذلك اطلاع أو وقوف على شيء لا يقف عليه سواهن، فأباح الله عز وجل لنبيه هذا العدد أو هذا التعدد الذي لم يبحه لغيره من أمته لهذه الحكم ولغيرها، وأورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو أن عطاء بن أبي رباح قال: حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بنت الحارث الهلالية إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وهي آخر زوجاته اللاتي تزوج بهن، أي آخرهن زواجاً؛ لأنه لم يتزوج ميمونة، أحدا فحضروا جنازتها بسرف -وهو موضع قريب من مكة- ولما أرادوا أن يرفعوها قال: إذا رفعتموها [(فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها)]، يعني يريد بذلك الرفق بها وأنها محترمة في حياتها وبعد وفاتها، فإنه أرشدهم إلى أن يرفقوا بها، فلا ينزعوها بقوة وبشدة ولا يحركوها تحريكاً شديداً يحصل به اضطراب الجسد بسبب هذا التحريك وهذه الزعزعة، ومقصوده من ذلك هو الإشارة إلى الرفق والتوقير والتعظيم والاحترام لها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ثم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع، وكان يقسم لهن إلا واحدة لم يكن يقسم لها، والمقصود من ذلك: أن ميمونة واحدة من التسع، يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع وهي من جملتهن، وهي من أمهات المؤمنين لها حق الاحترام والتوقير والتعظيم رضي الله تعالى عنها وأرضاها، (فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان معه تسع نسوة)، ومن بينهن كما هو معلوم هذه المرأة التي هي ميمونة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهذا هو المقصود يعني من ذكر الحديث؛ لأنها من جملة هؤلاء التسع اللاتي كن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لها حق التوقير والتعظيم والاحترام، وهذا هو مقتضى الأمومة الدينية الذي يتطلب توقيراً واحتراماً وتعظيماً ومحبة وترضياً وثناءً عليهن بما يليق بهن رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وهن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وقد حرم الله نكاحهن من بعده عليه الصلاة والسلام.
    قوله: [(فكان يقسم لثمانٍ وواحدةٌ لم يكن يقسم لها)].
    يعني من هؤلاء التسع وهن من عدا سودة بنت زمعة؛ لأنه جاء في الحديث الذي بعد هذا أنها وهبت يومها وليلتها لـعائشة، فكان يقسم لـعائشة نوبتها ونوبة سودة، وكل واحدة من الباقيات يعطيها نوبتها رضي الله تعالى عنهن أجمعين، فـسودة رضي الله عنها تنازلت وجعلت يومها وليلتها لـعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فكان يقسم لثمان من التسع، والتي لا يحصل لها قسم هي سودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم، تزوج أكثر من أربع، وأن هذا من خصائصه، وهو مباح له تكريماً له، وإبانة لفضيلته، ولا يجوز لأحد من أمته أن يزيد على أربع، وهذا من الحكم في كونه تزوج الأربع الذي أشار إليه كون تكريماً له، وإبانة لفضيلته، لكن أيضاً مع ذلك ما ذكره أهل العلم مما أشرت إليه آنفاً، وهو كونه يصاهر عدداً كبيراً من القبائل، فيكون في هذه المصاهرة مصلحة في الدعوة، وفي تبليغ الرسالة، وفي تأييده ونصرته صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً فيه تكريم لهؤلاء الذين صاهرهم، ثم أيضاً ما يترتب على ذلك من تلقي السنن، ومعرفة الأشياء التي لا يطلع عليها إلا ربات البيوت، فيبلغن هذه السنن عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان معه تسع نسوة فكان يقسم لثمان وواحدة لم يكن يقسم لها)

    قوله: [أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف].هو الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن جعفر بن عون].
    صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام الذين اشتهروا بهذا اللقب، وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذين هم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    شرح حديث: (توفي الرسول وعنده تسع نسوة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا سفيان حدثني عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده تسع نسوة يصيبهن إلا سودة فإنها وهبت يومها وليلتها لـعائشة)].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو في معنى ما تقدم من كون النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بهؤلاء التسع، والمقصود أنه توفي عنهن كما في كلام ابن عباس رضي الله عنه، وإلا فالزواج بإحدى عشرة، ولكن اللاتي توفي عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان يصيبهن إلا واحدة وهي سودة بنت زمعة التي وهبت يومها وليلتها لـعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها ورضي الله تعالى عن أزواجه وعن الصحابة أجمعين. فكان يقسم لهؤلاء إلا سودة، فهذا الحديث فيه بيان المرأة التي ذكرت في الحديث الأول مبهمة، والتي كان لا يقسم لها فبين هذا الحديث أنها سودة بنت زمعة، والسبب في ذلك أنها وهبت يومها وليلتها لـعائشة رضي الله تعالى عنها.
    وفي الحديث دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه لكل واحدة يوم وليلة، وهذا هديه صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا أرفق؛ لأن اللقاء يكون متقاربا، بخلاف ما لو يكون عند المرأة عدد من الأيام، ثم يأتي إلى الثانية عدد من الأيام فإنه يطول الالتقاء بينهم، فهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه التيسير والتسهيل، وهو أنه كان يقسم لكل واحدة اليوم والليلة معاً ثم يذهب إلى الثانية.

    تراجم رجال إسناد حديث: (توفي الرسول وعنده تسع نسوة ...)

    قوله: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب].هو الجوزجاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن ابن أبي مريم].
    هو سعيد بن الحكم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن دينار].
    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    قد مر ذكره.
    [عن ابن عباس].
    قد مر ذكره.


    شرح حديث: (كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود عن يزيد وهو ابن زريع حدثنا سعيد عن قتادة أن أنساً رضي الله عنه حدثهم: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذٍ تسع نسوة)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذٍ تسع نسوة)، يعني معناه: أنه يطوف في الليلة الواحدة على تسع نسوة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد عرفنا فيما مضى أنه كان يقسم لهن، وأن كل واحدة لها يوم وليلة، وهذا الحديث فيه أنه كان يطوف عليهن في الليلة وهن تسع، فكيف يوفق بين هذا وما تقدم من أنه كان يقسم لهن وأنه يكون لواحدة يوم وليلة وهنا فيه أنه يطوف عليهن في الليلة الواحدة وهن تسع رضي الله تعالى عنهن، وأجيب عن ذلك بأجوبة قيل: إنه كان برضاهن وأنه برضا صاحبة النوبة أنه يطوف على نسائه في ليلتها، وقيل غير ذلك من التعليلات، لكن هذا أقربها، وقيل: إنه كان يفعل ذلك؛ لأن القسم ليس واجباً عليه وإنما هو كان يقسم تفضلاً منه وإحساناً إليهن جميعاً، ومن العلماء من قال: إنه لم يكن واجباً عليه ومنهم من قال: كان واجباً عليه، فيكون هذا القسم امتثالاً لما هو واجب عليه، والفريق الثاني يقول: إنه ليس واجبا ولكنه مع ذلك كان يقسم إحساناً إليهن وإدخالاً للسرور عليهن جميعاً، وإن كان ذلك غير واجب عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة)

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن يزيد وهو ابن زريع].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة هو ابن زريع هذه أتى بها النسائي أو من دون النسائي؛ لأن مثل هذه الجملة يؤتى بها لتوضيح الشخص؛ لأن تلميذه ما زاد على كلمة: يزيد، لكن من دون التلميذ أضاف كلمة: ابن زريع، وأتى قبلها بهو حتى يعلم بأنها ليست من التلميذ، ولكنها جاءت ممن دونه من أجل الإيضاح والبيان لهذا الذي أهمل فلم ينسب فذكر النسبة؛ لأنه لو أتى بها بدون هو لظن أن هذا لفظ التلميذ، وأن التلميذ نسب شيخه في هذا الإسناد، لكن أتي بكلمة هو حتى يتبين أنها ليست من التلميذ وأن التلميذ اقتصر على الاسم فقط، وأن من دون التلميذ زاد هذه النسبة وأتى بهذا اللفظ حتى يعلم بأنها ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ وهذا فيه الدقة والاحتياط في النقل.
    [عن سعيد].
    هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة يدلس، وهو من أثبت الناس في قتادة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وهو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن للنبي ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال: حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأقول: أو تهب الحرة نفسها؟ فأنزل الله عز وجل: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51]، قلت: والله ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك)]. أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أنها قالت: (كنت أغار على اللاتي يهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم)، تغار عليهن يعني تكره منهن مثل هذا الصنيع، وتعيب عليهن في ذلك وتقول: أو تهب الحرة نفسها؟ يعني تريد بذلك عيب هذا العمل وأنه ما كان ينبغي لهن ذلك، وهي تريد الحظوة به صلى الله عليه وسلم وألا تكثر مشاركة غيرها له صلى الله عليه وسلم، فكانت تعيب على من تأتي تهب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن الواهبات معذورات في ذلك وحق لهن أن يهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهن يردن أن يحصلن شرفاً عظيماً في أن يكن من أزواجه وأن يكن من أمهات المؤمنين، فالمرأة إذا وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم أو رغبت بأن يتزوجها رسول الله وعرضت نفسها على رسول الله فهي تريد الخير وتريد القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتريد أن تكون من أمهات المؤمنين فهي معذورة إذا فعلت ذلك، وهذا الذي تطلبه شرف عظيم لها، لكن عائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت تغار وتعيب ذلك عليهن وتقول: أو تهب الحرة نفسها؟ يعني معناه أن هذا شيء لا ينبغي، وأن هذا شيء معيب، لكن كونها تهب نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم هذا شيء عظيم وشرف كبير إذا حظيت به المرأة فقد حظيت بالخير الكثير والنفع العظيم والقرب من رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكان بعض النساء يهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51]، قالت عائشة رضي الله عنها: (ما أرى الله يسارع إلا في هواك)، يعني الشيء الذي يعجبك وترتضيه الله تعالى يعجل لك الشيء الذي فيه تحقيق رغبتك، هذا هو معنى كلام عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وفي هذا دليل على أن الآية وهي قوله: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ [الأحزاب:51] يراد بها الواهبات، يعني اللاتي يهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم له أن يأخذ منهن من يريد وأن يترك من يريد، وله أن يترك ما يريد، تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ [الأحزاب:51]، أي من الواهبات أنفسهن لك، وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51]، يعني إذا شئت أن تؤوي إليك أحداً من الواهبات وتتزوجها فلك ذلك، وإن شئت أن ترجي وتؤخر فلك ذلك، فكانت عائشة رضي الله عنها تعيب على من تهب نفسها، ولما أنزل الله عز وجل هذه الآية التي فيها أنه يأخذ من يشاء من الواهبات ويترك من يشاء من الواهبات، قالت هذه المقالة وهي أن الله تعالى أكرمه بأن يؤوي من يشاء إليه فيتزوجها ويرجي من يشاء منهن فلا يتزوجها، وقيل: إن المقصود بالضمير في (منهن) أنه يرجع إلى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه يقسم لمن شاء منهن ويترك من شاء، وأن القسم ليس واجباً عليه، ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم تفضلاً منه وإحساناً منه إلى زوجاته، ومن العلماء من قال: إنه لا مانع أن تشمل الآية الأمرين: تشمل ما يتعلق بالواهبات وأن الرسول له أن يأخذ منهن ما يشاء ويترك ما يشاء كما دل عليه حديث عائشة هذا، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بزوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأن له أن يرجي منهن من يشاء، ويؤوي منهن من يشاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن للنبي ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي].ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أبي أسامة].
    هو أبو أسامة حماد بن أسامة، وافقت كنيته اسم أبيه، فكنيته أبو أسامة وأبوه أسامة، ومن أنواع علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه لئلا يظن التصحيف فيما لو جاء حماد أبو أسامة وهو مشهور بـحماد بن أسامة، فإن كل ذلك صحيح، إذا جاء حماد بن أسامة فهو صحيح وإن جاء حماد أبو أسامة فهو صحيح، ومن كان يعرف أنه حماد بن أسامة، ولا يعرف أنه أبو أسامة، لقال: أبو مصحفة من ابن لكن من يعرف الحقيقة لا يظن هذا الظن؛ وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن عروة].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة المعروفين بهذا اللقب في عصر التابعين، وهم عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهؤلاء ستة متفق على عدهم من الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، ذات الفضائل الكثيرة والمناقب الجمة، وهي التي رميت بالإفك وأنزل الله عز وجل براءتها في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، وهي المرأة الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابيات رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة رجال وامرأة واحدة وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.


    شرح حديث: (أنا في القوم إذ قالت امرأة: إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أنه قال: (أنا في القوم إذ قالت امرأة: إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله، فرى في رأيك، فقام رجل فقال: زوجنيها، فقال: اذهب فاطلب ولو خاتماً من حديد، فذهب فلم يجد شيئاً ولا خاتماً من حديد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمعك من سور القرآن شيء؟ قال: نعم، قال: فزوجه بما معه من سور القرآن)].أورد النسائي حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه في قصة إحدى الواهبات اللاتي وهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم، والنسائي رحمه الله لما ذكر الحديث الذي قبله وفيه ذكر الواهبات وأن عائشة كانت تغار وتعيب عليهن هبتهن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم، عقب بذلك بهذا الحديث الذي فيه ذكر خبر واحدة من الواهبات اللاتي وهبن أنفسهن للرسول عليه الصلاة والسلام، وسهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: أنا في القوم، يعني في القوم الذين في مجلسه صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة وقالت: إني وهبت نفسي لك يا رسول فرى في رأيك، يعني الذي تراه فيَّ افعله، وهي قد بذلت نفسها ووهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم تريد أن تكون زوجة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لتحصل الشرف، والمنقبة، والفضل العظيم الذي حظيت به واختصت به أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، والحديث هنا مختصر فالرسول صلى الله عليه وسلم صوب فيها النظر وخفضه ثم سكت فتكلم رجل من القوم وقال: (زوجنيها يا رسول الله)، فسأله هل عنده شيء يدفعه مهراً لها؟ فقال: لا، ثم قال له: (التمس ولو خاتماً من حديد) يعني ابحث عن شيء ولو كان قليلاً حتى ولو كان خاتماً من حديد، فذهب وجاء ولم يجد حتى الخاتم من حديد، فالرسول صلى الله عليه وسلم سأله: (هل عندك شيء من سور القرآن؟ فأخبره بأن عنده سور كذا وكذا فزوجه إياها بما معه من القرآن)، أي على أنه يعلمها هذه السور ويكون هذا العمل هو مهرها؛ لأنه تكلف هذا العمل الذي هو تعليمها ويكون بذلك مهرها، والمقصود من ذلك أن المهر مطلوب وأنه لا بد منه، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إليه ولو كان شيئاً يسيراً وأنه إذا لم يوجد فيمكن أن ينتقل إلى شيء يقوم مقامه من عمل يقوم به فيه مصلحة للزوجة تعود منفعته عليها وعلى أهلها، فهنا سأله عن شيء من القرآن معه، فأخبره بأن عنده سور كذا وكذا، فكان مهرها أن يعلمها شيئاً من القرآن الذي عنده.
    والمقصود من هذا الحديث: ذكر هبة النساء أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم وأنه يأخذ من شاء منهن ويترك، وهذه ممن تركها ولم يحقق رغبتها، ثم حصلت هذه المحاورة بينه وبين ذلك الرجل من الصحابة حتى انتهى الأمر إلى تزويجه إياها بأن يمهرها تعليمها شيئاً من القرآن، وليس المقصود من ذلك أنه زوجها إياه بدون مهر تكريماً له لأن عنده شيء من القرآن، فإن كونه يحمل شيئاً من القرآن هذا شيء يعود إليه وشيء نفعه له، ولكن المقصود النفع الذي يتعدى إليها والمصلحة التي ترجع إليها وهي كونها تعلم ويحبس نفسه شيئاً من الوقت لتعليمها، ولكونها تكون على علم بشيء من القرآن لم تكن تعلمه، فهو يدل على أن المهر لا بد منه ولو كان بالشيء اليسير، ويدل على أنه إذا لم يوجد المال فإنه يمكن الانتقال إلى شيء يقوم مقام المال من تحصيل منافع وأعمال يقوم بها الزوج للزوجة يكون بذلك العمل الذي عمله وهو تدريسه إياها وتعليمه إياها شيئاً من القرآن مهراً لها.


    تراجم رجال إسناد حديث: (أنا في القوم إذ قالت امرأة: إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ].هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي وابن ماجه.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وقد مر ذكره.
    [عن أبي حازم].
    هو أبو حازم سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سهل بن سعد].
    هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو العباس ويقال: إنه ليس في الصحابة من يكنى بأبي العباس إلا هو وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما فإن كلاً منهما يكنى بأبي العباس، وحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #427
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (424)

    - باب ما افترض الله عز وجل على رسوله وحرمه على خلقه ليزيده قربة إليه - باب الحث على النكاح


    خص الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام بأمور وأحكام في أمور الزواج، من ذلك تخيير نسائه بين البقاء معه والدار الآخرة، وبين الدنيا وزينتها، وأبيح له من النساء ما شاء حتى نزل عليه تحريم الزيادة، وهذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام.

    ما افترض الله عز وجل على رسوله عليه السلام، وحرمه على خلقه ليزيده إن شاء الله قربةً إليه



    شرح حديث عائشة في تخيير أمهات المؤمنين


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما افترض الله عز وجل على رسوله عليه السلام، وحرمه على خلقه ليزيده إن شاء الله قربة إليه.أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد النيسابوري حدثنا محمد بن موسى بن أعين حدثنا أبي عن معمر عن الزهري حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها أخبرته: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه، قالت عائشة: فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني ذاكر لك أمراً، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك، قالت: وقد علم أن أبوي لا يأمراني بفراقه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ [الأحزاب:28]، فقلت: في هذا أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة)].
    يقول النسائي: ما افترض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وحرمه على خلقه ليزيده إن شاء الله بذلك قربة عند الله عز وجل، ذكر الافتراض في الترجمة غير واضح من حيث أن ما ذكر مفروض عليه، وأنه واجب عليه؛ لأن الذي ذكر تحت هذه الترجمة هو: كونه أحل الله له من النساء ما شاء، وأنه لم يمت حتى أحل له من النساء ما شاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والافتراض غير واضح في ذلك، ثم تخيير المرأة بين البقاء عند زوجها وبين فراقه ليس من خصائصه عليه الصلاة والسلام، بل يجوز للإنسان أن يخير امرأته بين أن تبقى معه، وبين أن يفارقها، ولكن الذي اختص به عليه الصلاة والسلام هو ما أنزل الله عز وجل عليه من القرآن في تخيير نسائه، وكونه خيرهن بين أن يبقين بعصمته مع عدم السعة في الرزق، وأن يفارقهن إذا كن يردن الدنيا وزينتها، فاخترن البقاء معه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو إذا أُريد من هذه الناحية أنه اختص بهذا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه فله وجه، وإلا فإن الأحاديث التي وردت في الباب ليست من قبيل الافتراض، وإنما هي من قبيل الإباحة له صلى الله عليه وسلم، وأنه يجوز له أن يتزوج من النساء ما شاء، ولم يكن ذلك مفترضاً عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها في التخيير، وهو: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنّ َ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28]، فبدأ بـعائشة رضي الله عنها وأرضاها وخيرها، ثم خير نساءه بعدها، والكل اختار الله عز وجل ورسوله والدار الآخرة، وهو دال على فضلهن جميعاً، ونبلهن جميعاً، حيث آثرن البقاء مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن كان العيش قليلاً، وليس هناك سعة في المآكل والمشارب، لكنهن آثرن الله عز وجل والدار الآخرة، وصبرن في الدنيا على ما يحصل لهن من قلة ذات اليد، والله تعالى يثيبهن على ذلك الأجر العظيم، والثواب الجزيل رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن.
    وعائشة رضي الله عنها وأرضاها، لما خيرها الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأ بها، قبل أن يذكر لها التخيير مهد لذلك بتمهيد وقال: [(إني ذاكرٌ لك أمراً، فلا عليك أن تعجلي حتى تستأمري أبويك)]، يعني: تستشيريهما، وتحصل منك طلب مشورتهما، ولعل النبي عليه الصلاة والسلام مهد بهذا التمهيد لكونها شابة، وصغيرة، وقد يكون عندها شيء من التطلع إلى الدنيا وزينتها، فأراد أن تأخذ برأي الأكابر، وقد قالت رضي الله عنها وأرضاها: وقد علم أن أبوي لا يأمراني بفراقه، فعندما خيرها قالت: [إنها تختار الله عز وجل ورسوله والدار الآخرة]، أي: الجانب الثاني من التخيير؛ لأن الله تعالى قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنّ َ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28]، فهذا تخيير، وهذا أحد الشيئين المخير فيهما، فاختارت الشيء الثاني: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:29]، فهي قالت: أريد الله، ورسوله، والدار الآخرة، يعني: كما جاء في القرآن، فكان التخيير بين شيئين: الدنيا وزينتها مع فراقه عليه الصلاة والسلام، والله عز وجل والدار الآخرة مع البقاء في عصمته عليه الصلاة والسلام، فاختارت الله، ورسوله، والدار الآخرة، وهذا يدل على فضلها، ونبلها، ورجاحة عقلها مع صغر سنها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وعمرها ثماني عشرة سنة، وكان التخيير قبل ذلك وسنها صغير، ولكن لفضلها، ونبلها، ورجاحة عقلها اختارت الرسول صلى الله عليه وسلم، والبقاء في عصمته، والصبر على ما يحصل من قلة ذات اليد؛ رجاء ما عند الله عز وجل والدار الآخرة، ثم ما يترتب على البقاء في عصمته من تلقي السنن، ومعرفة الأحكام الشرعية لا سيما المتعلقة بالبيوت، والتي لا يطلع عليها إلا الأزواج، وخاصة الأمور التي تجري بين الرجل وأهله مما لا يعرفه إلا النساء، ولا يطلع عليه إلا النساء، فكانت رضي الله تعالى عنها وأرضاها من أوعية السنة، وكانت حافظة للسنن، وروت الحديث الكثير عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم امرأة مثلما روت، كثرة، وسعة، وشمولاً رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فاختارت الله عز وجل، ورسوله، والدار الآخرة، وكذلك غيرها من زوجات الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنهن أجمعين.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في تخيير أمهات المؤمنين

    قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد النيسابوري].هو المشهور بـالذهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا محمد بن موسى بن أعين].
    صدوق، أخرج له البخاري، والنسائي.
    [حدثنا أبي].
    هو موسى بن أعين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، ذات الفضائل الكثيرة، والمناقب الجمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصحابية الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقد كان الذين عرفوا بالكثرة من أصحابه سبعة، ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    بيان فضل الصحابة رضي الله عنهم لدلالتهم الأمة

    ومن المعلوم: أن من روى عن النبي عليه الصلاة والسلام سنناً وحفظها عنه، وأداها إلى من بعده، فإن له مثل أجور كل من عمل بهذه السنن إلى يوم القيامة؛ لأنه كان سبباً في وصول هذا الخير إليهم، وفي معرفة هذا الحق والهدى، ولهذا فإن الله عز وجل بعث رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، فدلهم على كل خير، وحذرهم من كل شر، وله عليه الصلاة والسلام أجور أعماله، وله مثل أجور أمته كلها من أولها إلى آخرها؛ لأنه هو الذي دل على هذا الهدى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من دل على هدى فله مثل أجر فاعله)، فإذا أراد الإنسان أن يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بسببه درجات ورفعة في الدرجات، فعليه أن يتابع الرسول عليه الصلاة والسلام، ويعمل بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم الله عز وجل يثيبه على عمله، ويثيب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما أثابه؛ لأنه هو الذي دل على هذا الهدى، وعلى هذا الخير، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، وأوفر الناس حظاً ونصيباً بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، الذين تلقوا السنن عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وكانوا الواسطة بين الناس وبين الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يعرف الناس الحق والهدى إلا عن طريق الصحابة، وكل حق وهدى إنما وصل إلى الناس عن طريقهم، فالقرآن ما عرف إلا عن طريق الصحابة، والسنن والأحاديث ما عرفت إلا عن طريق الصحابة، فكل صحابي روى حديثاً أو أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أي إنسان عمل بهذه السنن التي رواها ذلك الراوي من الصحابة، فإن الله تعالى يثيب ذلك الصحابي مثل أجور كل من عمل بهذه السنن التي تلقاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشرها وأعطاها لغيره، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها، هي الصحابية الوحيدة التي روت الآلاف من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلها أجور أعمالها، ولها مثل أجور كل من عمل بالسنن والأحاديث التي وردت عنها، ومن طريقها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهذا يدل على فضل الصحابة رضي الله عنهم، وتميزهم على غيرهم.

    شرح حديث: (قد خير رسول الله نساءه أو كان طلاقاً؟)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا بشر بن خالد العسكري حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سليمان سمعت أبا الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (قد خير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساءه أو كان طلاقاً؟)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام خير نساءه)]، وهو يتعلق بالحديث الذي قبله، من حيث التخيير ودليل التخيير، لكن هذا الحديث يدل على أن هذا التخيير الذي حصل لهن، واخترن الرسول عليه الصلاة والسلام، أنه لم يكن طلاقاً؛ وإنما يكون طلاقاً لو اختارت المرأة نفسها، لكن بعض أهل العلم قال: إنها إذا خيرها بين البقاء وعدم البقاء فاختارت نفسها، فإنها تكون بائناً، وإذا اختارت زوجها، فإنها تكون طلقة رجعية، وهذا ليس بصحيح، بل الأمر كما جاء في هذا الحديث، فإذا اختارت المرأة زوجها فليس بطلاق، إذا قال لها: اختاري أن تبقي أو لا تبقي؟ فقالت: اختار أن أبقى، فالعصمة باقية على ما هي عليه، وما حصل طلاق حتى يحصل مراجعة، وعلى هذا فالنبي عليه الصلاة والسلام خير نساءه فاخترن البقاء معه، فبقين في عصمته وما كان طلاقاً؛ لأن بقاءهن معه يحتاج إلى رجعة لو كان طلاقاً، ولم يأت أن النبي صلى الله عليه وسلم راجعهن بعد أن اخترنه، فدل هذا على أنه ليس هناك طلاق، ولهذا قالت عائشة: (أو كان طلاقاً؟) أي: فلم يكن طلاقاً، حيث اخترنه عليه الصلاة والسلام، وإنما يكون كذلك لو اختارت المرأة نفسها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (قد خير رسول الله ساءه أو كان طلاقاً؟)

    قوله: [أخبرنا بشر بن خالد العسكري].ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا غندر].
    هو لقب لـمحمد بن جعفر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يأتي بلقبه كما هنا، ويأتي باسمه كثيراً، فيقال: محمد بن جعفر، ويأتي كثيراً غير منسوب إذا كان الراوي عنه محمد بن المثنى أو محمد بن بشار، فهو يروي عن شعبة، ويأتي غير منسوب، فيكون المراد به: غندر هذا، ويأتي ذكره باسمه وذكره بلقبه، ومعرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر باسمه مرة، ثم ذكر بلقبه مرة أخرى، فإن من لا يعرف أن هذا لقب لفلان يظن أن غندراً شخص، وأن محمد بن جعفر شخص آخر، لكن من عرف أن محمد بن جعفر يلقب غندر، فسواءً جاء في الإسناد محمد بن جعفر أو جاء غندر، فإن من يعرف ذلك لا يلتبس عليه الأمر، وإنما يلتبس الأمر على من لا يعرف ذلك، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذه من أرفع صيغ التعديل وأعلاها، كون الشخص يوصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، هذا لقب رفيع، ووصف عال لم يظفر به إلا القليل من المحدثين، منهم: شعبة هذا، وسفيان الثوري، والدارقطني، والبخاري، وإسحاق بن راهويه، وعدد من المحدثين وصفوا بهذا اللقب، فـشعبة بن الحجاج الواسطي لقب بهذا اللقب، وهو دال على علو منزلته، وضبطه، وإتقانه رحمة الله عليه.
    [عن سليمان].
    هو غير منسوب، وهو سليمان بن مهران الكاهلي، ولقبه: الأعمش، يأتي في بعض الأسانيد الأعمش، وفي بعضها سليمان، وكثيراً ما يكون غير منسوب كما هنا، وهو: الأعمش، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويقال فيه ما قيل في غندر الذي ذكر بلقبه، وهنا ذكر الأعمش باسمه.
    [سمعت أبا الضحى].
    هو مسلم بن صبيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسروق].
    هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها.

    شرح حديث: (خيرنا رسول الله فاخترناه..) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: (خيرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاخترناه، فلم يكن طلاقاً)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، [(خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه، فلم يكن طلاقاً)]، يعني: لما اخترن الرسول عليه الصلاة والسلام بقين في عصمته، فلم يكن هناك طلاق، والرواية السابقة، (أو كان طلاقاً)، يعني: أنه لم يحصل، وهنا قالت: [(فاخترناه فلم يكن طلاقاً)]، وإنما يكون طلاقاً لو اختارت المرأة نفسها عندما تخير، لكن كونها تختار زوجها، فالأمور باقية على ما هي عليه، ما حصل شيء جديد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (خيرنا رسول الله فاخترناه..) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، من أئمة الجرح والتعديل، وكذلك عمرو بن علي الفلاس من أئمة الجرح والتعديل، وحديث عبد الرحمن بن مهدي أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، ثقة فقيه، معروف بالفقه، والحديث، ووصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل وأرفعها كما مر عند ذكر شعبة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن إسماعيل].
    هو ابن أبي خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشعبي].
    هو عامر بن شراحيل، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي يؤثر عنه في الرافضة قوله: إن الرافضة فاقوا اليهود والنصارى بخصلة، فاليهود لو قيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب موسى، والنصارى لو قيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب عيسى، والرافضة إذا قيل لهم: من شر أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب محمد، وهذا الذي قاله الشعبي رحمة الله عليه، قاله رافضي في قصيدة سيئة مملوءة من الوقاحة، والخبث، والذم، والعيب لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهي قوله في قصيدته:
    أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها
    هيهات ذاك، يعني: هذا لا يكون، بل أشقاها، أي: أشقى أمة أخرجت للناس، يقصد بذلك أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    فهذا الخبث المتناهي، وهذه الوقاحة وهذه الخسة، وهذا الحقد الدفين على أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام الذين هم خير القرون، لا يصدر إلا من قلب ممتلئ بالخبث، والخسة، والسوء والعياذ بالله.
    [عن مسروق عن عائشة].
    وقد مر ذكرهما.


    شرح حديث: (ما مات رسول الله حتى أحل له النساء)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حفظناه من عمرو عن عطاء قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (ما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أحل له النساء)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام ما مات حتى أحل له النساء)]، يعني: أن يتزوج من النساء ما شاء، قالوا: والمقصود بذلك قوله: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ [الأحزاب:50]، وقالوا: إنها ناسخة للآية التي بعدها: لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ [الأحزاب:52]، فلم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له من النساء ما شاء، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام: أنه يتزوج ما شاء من النساء من غير قيد بعدد، لكنه عليه الصلاة والسلام لم يزد على التسع اللاتي كن في عصمته رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وهن اللاتي توفي عنهن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن الله قد أباح له ذلك، ولم يحرم عليه، وكان قد منع من ذلك، وقيل له: لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ [الأحزاب:52]، ثم قالوا: فنسختها الآية التي قبلها وهي: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ [الأحزاب:50]، فلم يبق المنع على ما كان عليه، بل رفع المنع، وأبيح للرسول صلى الله عليه وسلم الزواج كيف شاء، ولكنه عليه الصلاة والسلام بقي على ما كان عنده من النساء التسع اللاتي مات عنهن صلى الله عليه وسلم.


    تراجم رجال إسناد حديث: (ما مات رسول الله حتى أحل له النساء)


    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عمرو].
    هو ابن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قالت عائشة].
    وقد مر ذكرها.


    شرح حديث: (ما توفي رسول الله حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا أبو هشام وهو المغيرة بن سلمة المخزومي حدثنا وهيب حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه قولها: [(ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء)]، يعني: رفع عنه المنع الذي كان قد حصل، وأبيح له أن يتزوج ما شاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا من خصائصه التي اختص بها دون غيره من سائر الأمة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.


    تراجم رجال إسناد حديث: (ما توفي رسول الله حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو المخرمي، وهو بالراء المشددة المكسورة، وقد ذكر هذا الصنعاني في تهذيب الأنساب، وأورده ابن الأثير في اللباب في تهذيب الأنساب، وقال: إنها نسبة إلى محل ببغداد، والمخرمي هذا بغدادي، وينسب إلى بغداد، فيقال: البغدادي، ففي اللباب في تهذيب الأنساب ذكر أن هذه النسبة المخرمي هي بكسر الراء المشددة إلى محلة ببغداد، فهو بغدادي مخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا أبي هشام وهو المغيرة بن سلمة المخزومي].
    محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي عندما روى الحديث عن أبي هشام لم يزد على الكنية، فقال: عن أبي هشام، فجاء النسائي أو من دون النسائي وأرادوا أن يوضحوا من هو أبو هشام هذا؟ فذكروا أنه المغيرة بن سلمة المخزومي، فأتوا بكلمة هو، (وهو): المغيرة بن سلمة المخزومي؛ حتى يعرف بأن هذه الزيادة التي بعد (هو) ليست من التلميذ الذي هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وإنما هي من النسائي الذي روى عنه أو ممن دونه ولو قال: عن أبي هشام المغيرة بن سلمة المخزومي؛ لفهم أن هذا كلام التلميذ، لكن لما جاءت (هو) عرف أن هذا ليس من كلام التلميذ، وإنما هو من كلام من دون التلميذ، وهذا يدل على دقة علماء الحديث في التعبير، والإتيان بالألفاظ التي تدل على الاحتياط، والتوقي، والورع، وأن الواحد منهم يوضح ويبين ما فيه لبس، دون أن يغفل أو يخلي المقام مما يوضح أن هذه الزيادة ليست من التلميذ، بل هي ممن دون التلميذ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا وهيب].
    هو وهيب بن خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد بن عمير].
    هو عبيد بن عمير الليثي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين وقد مر ذكرها.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #428
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (425)

    - باب النهي عن التبتل - باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف


    حث الشارع الحكيم على تزوج الودود الولود لتكثير هذه الأمة، ونهى في مقابل ذلك عن التبتل ولو كان بقصد التفرغ للعبادة، وبين أن فاعل ذلك مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته، كما نهى من خشي العنت على نفسه من الاختصاء، ووعده الله أن يعينه إذا أراد النكاح للعفاف.
    النهي عن التبتل

    شرح حديث سعد بن أبي وقاص: (لقد رد رسول الله على عثمان التبتل ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن التبتل.أخبرنا محمد بن عبيد حدثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: (لقد رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عثمان التبتل، ولو أذن له لاختصينا)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب النهي عن التبتل. لما ذكر النسائي في الترجمة السابقة: الحث على النكاح وأتى بالأحاديث التي فيها الترغيب فيه، أتى بهذه الترجمة التي فيها النهي عن تركه لمن هو قادر عليه وأراد تركه تبتلاً، يعني انقطاعاً للعبادة وإعراضاً عن الزواج، فأورد هذه الترجمة بعد تلك الترجمة؛ لأن الترجمة السابقة فيها ترغيب وهذه الترجمة فيها نهي ومنع من التبتل، والتبتل هو ترك الزواج والإعراض عنه مع القدرة عليه؛ انصرافاً وإقبالاً على العبادة.
    وقد أورد النسائي عدة أحاديث في هذه الترجمة، أولها حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام رد على عثمان تبتله، أي أنه نهاه، فـعثمان أراد التبتل والرسول صلى الله عليه وسلم رد عليه ذلك الذي أراده ونهاه عنه، وقوله: (ولو أذن له لاختصينا)، يعني لو أذن له في ترك الزواج والانقطاع للعبادة لاختصينا، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: [(اختصينا)] أتينا بالأسباب التي تقطع الشهوة أو التي تقلل الشهوة وتمنع منها ليكون الإنسان منشغل في العبادة، ومن ذلك الصيام الذي يضعف الشهوة ويقللها، وقد عرفنا في الأحاديث السابقة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، أي بمثابة الخصاء؛ لأنه أخذ بهذا السبب الذي يضعف الشهوة فيحتمل أن يكون قوله: (لاختصينا)، يعني أخذنا بالأسباب التي تضعف الشهوة، ويكون من بين ذلك الصيام كما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ويحتمل أن يكون المراد من ذلك حقيقته ويكون الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ظنوا أن ذلك سائغ، فبين لهم أنه غير سائغ.
    ولا يجوز للإنسان أن يختصي بل هو مرغب في الزواج ومحثوث عليه؛ لتكثير النسل لتكثر هذه الأمة، ومن أسباب هذا الزواج، ومن فوائد الزواج كثرة النسل وكثرة الأمة، والنبي عليه الصلاة والسلام حث على تزوج من تلد فقال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة)، فإذاً من مقاصد الشريعة في الزواج مع إحصان الفرج وغض البصر كثرة النسل وكثرة أمة محمد عليه الصلاة والسلام -أمة الإجابة- وعلى هذا فالتبتل -ترك الزواج والانقطاع للعبادة- نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء هنا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

    تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص: (لقد رد رسول الله على عثمان التبتل ...)

    قوله: [محمد بن عبيد].هو المحاربي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله بن المبارك].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ينسب إلى جده زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد بن أبي وقاص].
    رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة الذين عهد عمر رضي الله تعالى إليهم وجعل الأمر شورى بينهم يختارون واحداً منهم لخلافة المسلمين والولاية عليهم، وكان مجاب الدعوة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث عائشة: (أن رسول الله نهى عن التبتل) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن أشعث عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن التبتل)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو بمعنى حديث سعد فقالت عائشة رضي الله عنها: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبتل).
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أشعث].
    يحتمل أن يكون أشعث بن عبد الملك الحمراني، ويحتمل أن يكون أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني، والحمراني ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن، والحداني صدوق، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، فيحتمل هذا ويحتمل هذا وكل واحد منهما معتبر ومحتج به، إلا أن أشعث بن عبد الملك الحمراني ثقة، وأما أشعث بن جابر الحداني فهو صدوق، وكل منهما أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة؛ لأن خالد بن الحارث روى عن الاثنين وهما يرويان عن الحسن.
    [عن الحسن].
    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد بن هشام].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أكثر الصحابيات حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    حديث سمرة بن جندب: (أن النبي نهى عن التبتل) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه نهى عن التبتل)، قال أبو عبد الرحمن قتادة أثبت وأحفظ من أشعث وحديث أشعث أشبه بالصواب، والله تعالى أعلم].أورد النسائي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، وهو مثل حديث عائشة المتقدم، (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبتل).
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن معاذ بن هشام].
    هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو صدوق ربما وهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن].
    قد مر ذكره.
    [عن سمرة بن جندب].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وفي سماع الحسن من سمرة أقوال ثلاثة قيل: إنه لم يسمع منه، وقيل: إنه سمع منه، وقيل: إنه سمع حديث العقيقة، وكما هو معلوم الحديث الذي قبله هو بمعناه وهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون كل من الحديثين ثابت، وموضوع الحديثين وهو النهي عن التبتل، فهو ثابت من حديث عائشة ومن حديث سمرة ومن حديث سعد بن أبي وقاص المتقدم ومن حديث غيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عن الجميع.
    [قول أبي عبد الرحمن].
    فـأبو عبد الرحمن يقارن بين الإسنادين، فقال: إن حديث أشعث أولى بالصواب، وإن كان قتادة بن دعامة أحفظ وأثبت، ولا أدري الوجه في ذلك لكن من حيث الثبوت الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الطرق المختلفة.

    شرح حديث: (إني رجل شاب قد خشيت على نفسي العنت... أفأختصي ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن موسى حدثنا أنس بن عياض حدثنا الأوزاعي عن ابن شهاب عن أبي سلمة: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله إني رجل شاب قد خشيت على نفسي العنت ولا أجد طولاً أتزوج النساء أفأختصي؟ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى قال ثلاثاً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا هريرة، جف القلم بما أنت لاقٍ فاختص على ذلك أو دع)، قال أبو عبد الرحمن: الأوزاعي لم يسمع هذا الحديث من الزهري، وهذا حديث صحيح قد رواه يونس عن الزهري].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني رجل أخشى على نفسي العنت)، يعني عنده شدة الشهوة ويخشى على نفسه أن يقع في أمر محرم أو أن يتعرض لأمر لا ينبغي، ولا يجد طولاً حتى يتزوج يعني لا يجد مالاً وقدرةً مالية يتمكن بها من الزواج، فعرض عليه أن يختصي، والمراد أن يعمل بنفسه شيئاً حتى لا يكون له شهوة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عنه ولم يجبه حتى كرر ذلك ثلاثاً، ثم قال: (يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاقٍ)، يعني ما قدر لك في جميع أحوالك ومنها هذه الحالة التي تذكرها، يعني سبق به القضاء والقدر، وما قدره الله وقضاه فلا بد أن يكون، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطريقة التي تسلك عندما لا يستطيع الإنسان الزواج، وهي الصوم حتى يحصل إضعاف هذه الشهوة وإضعاف هذه القوة في الإنسان ولم يأذن له أن يختصي؛ لأن هذا سبب غير مشروع وفيه إلحاق ضرر بالإنسان، وقد يستغني الإنسان في المستقبل ويكون جنى على نفسه بكونه اختصى وقطع هذا النسل أو قطع هذه القوة التي فيه، لكن له استعمال ما يمكنه استعماله من علاج مؤقت، وأفضل ما يكون الصوم الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من لا يستطيع الزواج، هذا هو الذي ينبغي أن يسلكه المسلم.
    ولما أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن القضاء والقدر سبق بما هو كائن وبما هو لاق وبما هو حاصل من غنى وفقر وقدرة وضعف وما إلى ذلك، وأن ما قدره الله وقضاه لا بد أن يكون، وأنه لا تسلك الأسباب التي فيها مضرة، وإنما يأخذ بالأسباب التي تنفع ويخلص الإنسان مما يخافه ويحذره مؤقتاً، وإذا يسر الله عز وجل عليه فتكون عنده القدرة البدنية فإذا انضمت إليها القدرة المالية أمكنه أن يتزوج، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: (جف القلم بما أنت لاقٍ فاختص على ذلك أو دع)، أي ودع الاختصاء، وليس المقصود منه التخيير له وأنه مخير بين أن يختصي وألا يختصي، بل هذا تهديد وتوبيخ وإنكار؛ لأنه أرشده إلى ما سبق به القضاء والقدر، والإنسان يصبر على ما أصابه، ولا يجوز له أن يفعل مثل هذا الفعل الذي فيه جناية على نفسه وإتلاف لهذه المنفعة وهذه القدرة التي قد يحتاج إليها، فقد يغنيه الله عز وجل في المستقبل فيحصل مالاً يتزوج به فيستفيد من هذه القدرة وهذه المنفعة التي أودعها الله فيه، فهو من جنس قول الله عز وجل في سورة الكهف: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]؛ لأنه ليس تخييراً بين الإيمان والكفر وإنما هذا تهديد وتخويف.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إني رجل شاب قد خشيت على نفسي العنت ... أفأختصي ...)


    قوله: [أخبرنا يحيى بن موسى].هو يحيى بن موسى البلخي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أنس بن عياض].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأوزاعي].
    هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي، إمام أهل الشام، الفقيه، المحدث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بهذه النسبة الأوزاعي.
    [عن ابن شهاب].
    قد مر ذكره، وهو الزهري.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    قال أبو عبد الرحمن: الأوزاعي لم يسمع هذا الحديث من الزهري، وهذا حديث صحيح قد رواه يونس عن الزهري.
    لما كان الحديث فيه رواية الأوزاعي عن الزهري، قال: إنه لم يسمعه من الزهري، وإن كان سمع من الزهري إلا أنه لم يسمع هذا الحديث، لكنه بعد ذلك استدرك وبين أن الحديث صحيح، وأن كونه لم يسمعه من الزهري لا يؤثر؛ لأنه ثابت من طرق أخرى أو من طريق أخرى، وهي يونس عن الزهري، فيونس بن يزيد الأيلي، ثقة، مكثر من الرواية عن الزهري، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    يعني إذا كان الزهري معروفاً بالتدليس أو أنه موصوفاً بالتدليس لكنه معروف بالتدليس النادر، والكلام الآن مع الأوزاعي، فلا أدري عنه من حيث كونه مدلس أو غير مدلس لكن من حيث السماع فـالأوزاعي سمع من الزهري وروى عن الزهري، هذا ثابت، وإنما الكلام في هذا الحديث.

    شرح أثر عائشة: (إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا حصين بن نافع المازني حدثني الحسن عن سعد بن هشام: أنه دخل على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال: قلت: إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل، أما سمعت الله عز وجل يقول: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38]، فلا تتبتل].أورد النسائي هذا الأثر عن عائشة رضي الله عنها بعد أن سألها سعد بن هشام عن التبتل فنهته عن ذلك عن التبتل، وأوردت الآية: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38]، يعني هذه سنة المرسلين وهذه طريقة المرسلين عليهم الصلاة والسلام وأن الله جعل لهم أزواجاً وذرية -نسل من هؤلاء الأزواج- فطريقة المرسلين هي الزواج وليس ترك الزواج والانقطاع عن الزواج، والآية تدل على أن هذه طريقة المرسلين وأن هذا منهج المرسلين عليهم الصلاة والسلام، أن الله جعل لهم أزواجاً ذرية فليسوا منقطعين عن الزواج ولهم نسل، فهذا الأثر موقوف عليها وهي استدلت بالآية وأشارت إلى أن هذه طريقة المرسلين، لكن الأحاديث التي مرت، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه النهي عن التبتل، يعني ثبوت ذلك بالأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    تراجم رجال إسناد أثر عائشة: (إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي].صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي سعيد مولى بني هاشم].
    هو عبد الرحمن بن عبد الله، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في فضائل الأنصار، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن حصين بن نافع المازني].
    لا بأس به، أخرج حديثه النسائي وحده، ولا بأس به تعادل صدوق.
    [عن الحسن عن سعد بن هشام عن أم المؤمنين عائشة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

    شرح حديث: (... وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، وقال بعضهم: أصوم فلا أفطر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوامٍ يقولون كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)].هنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدثوا فيما بينهم فيما يتعلق بالعبادة والانقطاع لها، وقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ونحن بحاجة إلى أن نكثر من العبادة، وتذاكروا فيما بينهم على أن يأخذوا بالأسباب التي ينقطعون بها للعبادة، فمنهم من قال: إنه لا يتزوج النساء؛ حتى لا يشتغل بالزوجات والأولاد وإنما ينقطع للعبادة، ومنهم من قال: إنه لا يأكل اللحم، أي: يترك التنعم بالمآكل والمشارب، وبعضهم قال: إنه يقوم الليل فلا ينام يعني يواصل قيام الليل فلا ينام.
    [(لا أنام على فراش)]، معناه أنه يقضي ليله يصلي فلا ينام على فراش، يعني أنه لا ينام انقطاعاً لقيام الليل أو اشتغالاً بقيام الليل.
    [(وبعضهم قال: أصوم فلا أفطر)]، يعني أنه يواصل الصيام أبداً، فبلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام فخطب الناس، قام وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله حتى تعم الفائدة وحتى تؤخذ عنه هذه السنة وحتى يعلم الناس جميعاً بهذا الهدي من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي هذا دليل على أنه بين يدي الخطب وبين يدي الكلمات النافعة والمفيدة، أن يبدأ بحمد الله والصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يفعلون ذلك.
    ثم إنه أشار إلى ما بلغه ولكن لم يسم الأشخاص، وقال: (ما بال أقوامٍ يقولون كذا وكذا)، وهذا من هديه عليه الصلاة والسلام أنه ما كان يسمي الأشخاص عندما يتحدث عن أمر يريد أن ينبه عليه، يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، فالذي يعلم من نفسه أنه يحصل منه هذا الشيء يعلم أنه هو المقصود أو موافق لمن هو مقصود، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغه عن أشخاص سموا والرسول لم يسمهم، ولكن قال: (ما بال أشخاصٍ يفعلون كذا وكذا)، وهذه الطريقة فيها إعلان الفائدة وذكر الأمر الذي لا يجوز وأنه قد وقع من بعض الناس دون تسميته ودون تعيينه، فالذي حصل منه ذلك يتنبه إلى أنه قد حصل منه خطأ، والذي ما حصل منه ذلك يعرف أن هذا خطأ وأن هذا لا يجوز وأنه لا يجوز له أن يقدم عليه.
    ثم أخبر عليه الصلاة والسلام بأنه أخشى الناس لله وأتقاهم له عليه الصلاة والسلام ومع ذلك فإنه لم ينقطع للعبادة، ولم يترك هذه الأمور التي أباحها الله عز وجل وشرعها، فقال: (أما إني أصوم وأفطر) يعني لا أصوم أبداً كما أراد هؤلاء، (وأصلي وأنام) يعني لا أقوم الليل كله، (وأتزوج النساء)، فلا أترك، فهذه النعمة وهذه المصلحة وهذه المنفعة وهذا الذي في هذه الجملة مطابق لما جاء في الآية التي استدلت بها عائشة أن الرسل قبله لهم أزواج وذرية وهو كذلك عليه الصلاة والسلام له أزواج وله ذرية فهذا طريق المرسلين وهذه سبيل المرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم، ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام ممن أكثر من الزواج وأحل الله عز وجل له من الزوجات ما لم يحل لغيره؛ للأسباب وللحكم التي مرت الإشارة إلى بعضها فيما مضى من الأبواب.
    قوله: [(وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)]، السنة هي الطريقة والمنهج، يعني طريقته وهديه وما جاء به من الشرع، وهي أعم من أن تكون واجبة أو مندوبة، وأما إطلاق السنة على المندوب فهذا اصطلاح الفقهاء فيطلقون السنة على المندوب والمستحب، والسنة هي دون الواجب، فيقولون في حدها: يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، فهذا غير ما جاء في هذا الحديث، والذي جاء في الأحاديث أن السنة تطلق على كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد تأتي ويراد بها كل شيء ومنه هذا الحديث: (من رغب عن سنتي فليس مني)؛ لأن هذا يشمل ما جاء في الكتاب وما جاء في السنة، كل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو داخل تحت السنة بالمعنى الأعم، (ومن رغب عن سنتي) يعني طريقتي ومنهجي، (فليس مني)، وتكون السنة كما قلت: في اصطلاح الفقهاء يراد بها ما دون الواجب وهو المستحب الذي لا يعاقب فاعله؛ لأنه لم يترك أمراً واجباً، وتأتي السنة ويراد بها الحديث فهي شقيقة القرآن أو قرينة القرآن، ومنه قول الفقهاء وقول المحدثين عند مسألة من المسائل: دل عليها الكتاب والسنة والإجماع فالمراد بالسنة الحديث، فتأتي السنة يراد بها ما هو إطلاق عام يشمل الكتاب والسنة، ومنه: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وتأتي يراد بها ما يقابل البدع ويقال: أهل السنة يعني في مقابل أهل البدعة، ومن ذلك الكتب الكثيرة التي ألفها العلماء المحدثون أو بعض علماء الحديث فيما يتعلق بالسنن التي فيها مجانبة للبدع ومخالفة للبدع، فيأتون مثلاً بكتب باسم السنة، يقصدون بذلك ما يتعلق بالعقيدة، وهذا أخص من الذي قبله، فالكتب باسم السنة مثل السنة لـابن أبي عاصم، السنة للطبراني، السنة للإمام أحمد، السنة لـعبد الله ابن الإمام أحمد، السنة للالكائي كتب كثيرة باسم السنة والمقصود بها ما يتعلق بالعقيدة، وأبو داود في كتابه السنن أتى باسم كتاب السنة، وأتى فيه بأحاديث تتعلق بالعقيدة، فهي تطلق في مقابلة البدعة، وفي مقابل ما يعتقد وفقاً للدليل، وهو مخالف للبدعة أو للبدع.
    ولكن الحديث هنا (من رغب عن سنتي) هو بالمعنى الأعم الذي يشمل ما جاء به من الحق والهدى كتاباً أو سنة، وإذا كانت الرغبة عن السنة إعراضاً عنها وترجيحاً لغيرها عليها وأن غيرها أولى منها فهذا كفر؛ لأن هذا فيه تقديم للشيء أو للأشياء على ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فكون يعتقد أن هذا الفعل الذي هو مخالف للسنة أولى من الأخذ بالسنة، فهذا فيه إعراض ورد لسنن الرسول صلى الله عليه وسلم، أما إذا لم يكن رداً ولم يكن إعراضاً ولم يكن تفضيلاً لغيرها عليها، وإنما حصل عن طريق تساهل وتهاون مع معرفة أن هذا خطأ فالأمر في ذلك أخف.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وقد مر ذكره.
    [عن عفان].
    هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد بن سلمة].
    ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ثابت بن أسلم البناني].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.


    معونة الله الناكح الذي يريد العفاف

    شرح حديث: (ثلاثة حق على الله عز وجل عونهم... والناكح الذي يريد العفاف ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف. أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن محمد بن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ثلاثةٌ حقٌ على الله عز وجل عونهم المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي معونة الله عز وجل للناكح الذي يريد العفاف، أي قصده التعفف، والتحصن، وغض البصر، وحفظ الفرج، الله تعالى يعينه ويرزقه على فعله الذي قصده وهو مقصد حسن، وقد أورد النسائي فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه (ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم المكاتب الذي يريد الأداء)، وهو العبد الذي يكاتب سيده على مقدار من المال يأتي به منجماً ثم يذهب يكتسب ليجمع له هذا المبلغ ويسلمه إياه على حسب النجوم أو الأقساط، ثم إذا أدى آخر قسط فإنه يحصل على الحرية بذلك، فالمكاتب الذي يريد الأداء الله تعالى يعينه، والناكح الذي يريد العفاف الله تعالى يعينه والمجاهد في سبيل الله، ومحل الشاهد منه الناكح الذي يريد العفاف، وقد جاء في القرآن ما يدل على ما دل عليه الحديث، وهو قول الله عز وجل: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]، (إن يكونوا فقراء يغنهم الله) فقد يكون هذا الزواج مع قلة ذات اليد سبباً في تحصيل الرزق وفي تحصيل الغنى من الله عز وجل، فإن ما جاء في هذه الآية يماثل ويطابق ما جاء في هذا الحديث فيما يتعلق بالنسبة للناكح الذي يريد العفاف.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاثة حق على الله عز وجل عونهم ... والناكح الذي يريد العفاف ...)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عجلان].
    هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سعيد].
    هو سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    أبو هريرة، وقد مر ذكره.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #429
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (426)


    - (باب نكاح الأبكار) إلى (باب الحسب)




    الزواج سنة الأنبياء، وفطرة البشر الأسوياء، فيستحب لكل من أراده تقديم نكاح الأبكار لبركتهن وحداثتهن، كما يستحب أيضاً التماثل والتقارب في السن بين الرجل والمرأة؛ لأنه أدعى للألفة والمودة بينهما.
    نكاح الأبكار

    شرح حديث جابر في نكاح الأبكار

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نكاح الأبكار.أخبرنا قتيبة حدثنا حماد عن عمرو عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (تزوجت، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أتزوجت يا جابر ؟ قلت: نعم. قال: بكراً أم ثيباً؟ فقلت: ثيباً. قال: فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك)].
    يقول النسائي رحمه الله: نكاح الأبكار، المقصود من هذه الترجمة بيان أنه ينبغي للإنسان إذا تمكن أن ينكح بكراً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد من تزوج الثيب أن يتزوج بكراً، قد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه [(أن النبي عليه الصلاة والسلام سأله: هل تزوجت؟ فقال: نعم. قال: بكراً أم ثيباً؟ فقال: بل ثيباً، قال: هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك )].
    أي هلا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد جابراً رضي الله عنه إلى أنه كان الأولى له أن يتزوج بكراً؛ لأن البكر التمتع بها يختلف عن غيرها، ثم أيضاً البكر قلبها صافٍ ولم تتعلق بأحد وخالية الذهن، بخلاف الثيب، فإنها قد يكون قلبها تعلق بالزوج السابق، وهذا ليس موجوداً في البكر.
    وفي هذا دليل على نكاح الكبير الصغيرة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد جابراً أن يتزوج صغيرة بكراً، وقوله: [(هلا بكراً)]، أي هلا تزوجت بكراً، وهذا مما حذف فيه الفعل؛ والفاعل لأن بكراً مفعول حذف فعله وفاعله؛ لأن الفعل والفاعل تزوجت بكراً، وقد فهم من السياق والمعنى واضحٌ لا لبس فيه وحيثما علم فهو جائز؛ لأنه هنا قد علم الفعل والفاعل من سياق الكلام، ويشبه هذا ما مر بنا قريباً حيث حذفت كان واسمها (التمس ولو خاتماً من حديد)، يعني ولو كان الملتمس خاتماً من حديد، فحذفت كان وحذف اسمها معها، وبقي خبرها؛ لأن السياق فيه ما يدل عليه، فهذا من هذا القبيل (فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك). وجابر رضي الله تعالى عنه وأرضاه إنما اختار الثيب؛ لأنه كان له أخوات وأراد أن يستفيد منها لرعاية أخواته، وللاستفادة منها في هذه الحالة وهذه المصلحة آثر مصلحة أخواته على مصلحته، واستفادة أخواته على استفادته هو رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في نكاح الأبكار

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قريةٌ من قرى بلخ، وهو ثقةٌ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد].
    هو ابن زيد البصري، وهو ثقةٌ، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء حماد غير منسوب ويروي عنه قتيبة فالمراد به: حماد بن زيد.
    [عن عمرو].
    هو ابن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
    وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي ؛ لأن النسائي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، الذي هو قتيبة، وحماد بن زيد، وعمرو بن دينار، وجابر بن عبد الله الأنصاري، فهذا من أعلى الأسانيد عند النسائي ؛ وليس عنده ثلاثيات بل أعلى ما عنده الرباعيات، وأنزل ما عنده العشاريات التي يكون فيها عشرة أشخاص بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر بنا أحاديثٌ قال عنها: إن هذا أطول إسناد، وهو حديثٌ في فضل ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))[الأخلاص:1]، فيه بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام عشرة أشخاص، وأطول إسنادٍ عنده العشاري وأعلى إسنادٍ عنده هو الرباعي، وهذا الذي معنا من أعلى الأسانيد عنده.
    فأصحاب الكتب الستة، ثلاثةٌ منهم أعلى ما يكون عندهم الثلاثيات، وثلاثةٌ منهم أعلى ما يكون عندهم الرباعيات، فالذين عندهم الثلاثيات البخاري، والترمذي، وابن ماجه، فـالبخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثية، بين البخاري فيها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص، صحابي، وتابعي، وتابع تابعي، والترمذي عنده حديثٌ واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية ولكنها كلها بإسنادٍ واحد، وذلك الإسناد إسناد ضعيف، أما الباقون وهم مسلم، وأبو داود، والنسائي فهؤلاء أعلى ما يكون عندهم الرباعيات، وهذا الذي معنا هو من أمثلة الأسانيد العالية عند الإمام النسائي رحمة الله عليه.
    وأما الإمام أحمد ففي مسنده أكثر من ثلاثمائة حديث كلها ثلاثية وقد جمعها السفاريني وشرحها في كتابٍ مطبوع.

    حديث جابر في نكاح الأبكار من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسن بن قزعة حدثنا سفيان وهو ابن حبيب عن ابن جريج عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا جابر هل أصبت امرأةً بعدي؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: أبكراً أم أيماً؟ قلت: أيماً قال: فهلا بكراً تلاعبك)].أورد النسائي حديث جابر من طريقٍ أخرى، وهو مثل الذي قبله.

    تراجم رجال إسناد جابر في نكاح الأبكار من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا الحسن بن قزعة].وهو صدوق، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن سفيان].
    هو ابن حبيب، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء]
    هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    وقد مر ذكره.


    تزوج المرأة مثلها في السن

    شرح حديث بريدة بن الحصيب في تزوج المرأة مثلها في السن


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تزوج المرأة مثلها في السن. أخبرنا الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (خطب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاطمة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنها صغيرة، فخطبها علي فزوجها منه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي تزوج المرأة مثلها في السن، يعني من يكون مثلها في السن أو يكون مقارباً لها، والترجمة السابقة التي في حديث جابر فيها الدلالة على تزوج الكبير الصغيرة؛ لأن جابراً كان كبيراً وأرشده إلى أن يتزوج بكراً، وقال له: (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك)، ثم عقب هذه الترجمة بهذه الترجمة وهي تزوج المرأة مثلها في السن، يعني الرجل الذي يكون مثلها في السن، أو مقارباً لها في السن، وأورد فيه حديث بريدة بن حصيب رضي الله عنه [(أن أبا بكر وعمر خطبا فاطمة رضي الله تعالى عنها، فقال عليه الصلاة والسلام: إنها صغيرة، فخطبها علي فزوجه؟)].
    قوله: [(فخطبها علي فزوجها منه)].
    ومحل الشاهد منه كون علي لما خطبها زوجها منه وأنه ليس بكبير فزوجها منه عليه الصلاة والسلام وهذا محل الشاهد للترجمة، وفي الحديث: [(أن أبا بكر، وعمر خطباها وقال: إنها صغيرة)] فيحتمل أن يكون قد مضى على خطبتهما وقت وأنها كانت صغيرة، ويحتمل أنها لم يمض عليها وقت ولكنه رغب أن يكون لها من يكون مقارباً لها في السن، وقد تزوجها ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي نشأ في حجره ومعه صلى الله عليه وسلم، فكان في زواجه منها ما يدل على الترجمة التي عقدها.
    وخطبة أبي بكر، وعمر لـفاطمة رضي الله تعالى عنها دليل على الحرص من هؤلاء الصحبة الكرام على مصاهرة الرسول صلى الله عليه وسلم والقرب منه، وأن يكون لهم نصيبٌ من نسله وذريته صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي حصل أن الخلفاء الراشدين الأربعة كلهم أصهارٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فـأبو بكر، وعمر تزوج منهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعثمان، وعلي تزوجا من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـعثمان تزوج اثنتين رقية، ثم أم كلثوم بعد وفاتها، ولهذا يقال له: ذو النورين ؛ لتزوجه ابنتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي تزوج فاطمة رضي الله تعالى عن الجميع، فهؤلاء الخلفاء الراشدون الهادون المهديون كلهم لهم قرابة ولهم صلة وثيقة برسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث المصاهرة.

    تراجم رجال إسناد حديث بريدة بن الحصيب في تزوج المرأة مثلها في السن

    قوله: [أخبرنا الحسين بن حريث].هو الحسين بن حريث المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن الفضل بن موسى].
    هو الفضل بن موسى المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسين بن واقد].
    هو الحسين بن واقد المروزي، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله بن بريدة].
    هو عبد الله بن بريدة بن حصيب الأسلمي وهو مروزيٌ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الإسناد كل رجاله مروزيون ينسبون إلى مروز إلا بريدة بن الحصيب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    تزوج المولى العربية

    شرح حديث فاطمة بنت قيس في تزوج المولى العربية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تزوج المولى العربية. أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: (أن عبد الله بن عمرو بن عثمان طلق وهو غلامٌ شابٌ في إمارة مروان ابنة سعيد بن زيد وأمها بنت قيس ألبتة، فأرسلت إليها خالتها فاطمة بنت قيس رضي الله عنها تأمرها بالانتقال من بيت عبد الله بن عمرو، وسمع بذلك مروان فأرسل إلى ابنة سعيد فأمرها أن ترجع إلى مسكنها، وسألها ما حملها على الانتقال من قبل أن تعتد في مسكنها حتى تنقضي عدتها؟ فأرسلت إليه تخبره أن خالتها أمرتها بذلك، فزعمت فاطمة بنت قيس أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص فلما أمّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب على اليمن خرج معه وأرسل إليها بتطليقة هي بقية طلاقها، وأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقتها، فأرسلت إلى الحارث وعياش تسألهما الذي أمر لها به زوجها، فقالا: والله ما لها عندنا نفقة إلا أن تكون حاملاً وما لها أن تكون في مسكننا إلا بإذننا، فزعمت أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فصدقهما، قالت فاطمة: فأين انتقل يا رسول الله؟! قال: انتقلي عند ابن أم مكتوم الأعمى الذي سماه الله عز وجل في كتابه، قالت فاطمة: فاعتددت عنده، وكان رجلاً قد ذهب بصره فكنت أضع ثيابي عنده، حتى أنكحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسامة بن زيد، فأنكر ذلك عليها مروان وقال: لم أسمع هذا الحديث من أحدٍ قبلك وسآخذ بالقضية التي وجدنا الناس عليها)، مختصر].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تزوج المولى العربية، يعني: أن ذلك سائغ، وجاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن الكفاءة في الدين، والله تعالى يقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، فهذا هو المعتبر، أن الكفاءة إنما تكون في الدين، ولا تكون في أمورٍ أخرى، وقد جاء عن كثير من الفقهاء اعتبار التكافؤ من حيث الأنساب والقبائل، والنسائي رحمه الله أورد الترجمة لبيان أن تزوج المولى بالعربية سائغ؛ لأن المعتبر هو التقوى، والمعتبر هو الكفاءة في الدين، هذا هو المعتبر والمعول عليه في ذلك، وقد أورد النسائي حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها الذي فيه:
    [(أن عبد الله بن عمرو بن عثمان طلق وهو غلامٌ شابٌ في إمارة مروان ابنة سعيد بن زيد -وأمها بنت قيس- ألبتة، فأرسلت إليها خالتها فاطمة بنت قيس تأمرها بالانتقال من بيت عبد الله بن عمرو، وسمع بذلك مروان، فأرسل إلى ابنة سعيد فأمرها أن ترجع إلى مسكنها، وسألها: ما حملها على الانتقال من قبل أن تعتد في مسكنها حتى تنقضي عدتها؟ فأرسلت إليه تخبره: أن خالتها أمرتها بذلك، فزعمت فاطمة بنت قيس أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص، فلما أمّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب على اليمن، خرج معه وأرسل إليها بتطليقةٍ هي بقية طلاقها، وأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقتها، فأرسلت زعمت إلى الحارث وعياش تسألهما الذي أمر لها به زوجها، فقالا: والله مالها عندنا نفقة إلا أن تكون حاملاً، ومالها أن تكون في مسكننا إلا بإذننا، فزعمت أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، فصدقهما، قالت فاطمة: فأين أنتقل يا رسول الله؟ قال: انتقلي عند ابن أم مكتوم الأعمى الذي سماه الله عز وجل في كتابه، قالت فاطمة: فاعتددت عنده، وكان رجلاً قد ذهب بصره، فكنت أضع ثيابي عنده، حتى أنكحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسامة بن زيد، فأنكر ذلك عليها مروان، وقال: لم أسمع هذا الحديث من أحدٍ قبلك، وسآخذ بالقضية التي وجدنا الناس عليها)].
    هذا الحديث بطوله أورده النسائي من أجل هذه الجملة التي جاءت في آخره، وأنها بقيت عنده حتى أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وهو مولى، وهي عربية، فهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث، وأما الحديث فهو يشتمل على أمور متعددة.
    قوله: [(أن عبد الله بن عمرو بن عثمان طلق وهو غلامٌ شابٌ في إمارة مروان ابنة سعيد بن زيد -وأمها بنت قيس- البتة)].
    نعم طلقها طلاقاً بائناً، وأمرتها خالتها فاطمة بنت قيس أن تخرج من بيته، ولم يعلم بذلك مروان، وكان أميراً على المدينة، فسألها: لماذا خرجت؟ فقالت: إن خالتها أشارت عليها بذلك، فقال: ارجعي.
    قوله: [(وسمع بذلك مروان فأرسل إلى ابنة سعيد، فأمرها أن ترجع إلى مسكنها، وسألها: ما حملها على الانتقال من قبل أن تعتد في مسكنها حتى تنقضي عدتها؟ فأرسلت إليه تخبره: أن خالتها أمرتها بذلك، فزعمت فاطمة بنت قيس أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص)].
    المقصود من ذلك أن خالتها أشارت أو ذكرت لها أن تخرج؛ لأنها بائن ليس لها نفقة ولا سكنى، فأرادت منها أن تنتقل عن مسكنه، والعلماء اختلفوا في هذه المسألة، وحديث فاطمة بنت قيس يدل على أنه لا سكنى ولا نفقة، ومروان بن الحكم الذي رأى الناس عليه أنه يكون لها السكنى، وقد جاء أن مروان رجع عن هذا الذي كان يقول به إلى ما جاء في حديث فاطمة بنت قيس الذي ذكره النسائي هنا.
    قوله: [(فزعمت فاطمة بنت قيس أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص)].
    يعني: أرادت فاطمة أن تبين الدليل الذي تستند إليه في كونها طلبت من ابنة أختها أن تخرج من بيت زوجها الذي طلقها البتة، وأخبرت بأنها كانت عند أبي عمرو بن حفص، وأنه ذهب مع علي لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فطلقها تطليقةً هي بقية طلاقها، معناه: طلقها قبل ذلك اثنتين، وبقيت الثالثة التي تبين بها، وتكون بها بائناً، فطلقها هذه الطلقة، وهي بقية ما لها من الطلقات، فأوصى لها بنفقة، ولكن الذين أوصاهما قالوا: إنه لا نفقة لها، وحتى السكنى ليس لها إلا بإذنهما، فذكرت أنها ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدقهما، يعني: أقرهما على ما قالا، وصدقهما على أنه ليس لها نفقة ولا سكنى، فقالت: أين أنتقل؟ قال: انتقلي إلى ابن أم مكتوم، فإنه أعمى، وقد وصفه الله عز وجل بهذا الوصف في قوله: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى [عبس:1-2]، هذا هو مقصودها الذي سماه الله عز وجل في كتابه، يعني: سماه أعمى.
    قوله: [(قالت فاطمة: فاعتددت عنده، وكان رجلاً قد ذهب بصره، فكنت أضع ثيابي عنده، حتى أنكحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..)].
    معناه: كانت عنده، وكانت تضع ثيابها عنده، معناه: أنها لا تحتجب منه؛ لأنه أعمى لا يبصر، وهذا إذا كان العمى محققاً، وليس فيه شيءٍ من الإبصار مطلقاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)، فإذا كان البصر غير موجود أصلاً، ولا يمكن معه الرؤية، فإنه يمكن عدم الاحتجاب من الأعمى الذي ليس عنده شيءٍ من النور، وليس عنده شيءٌ من الإبصار مطلقاً، أما إذا كان عنده شيءٍ ولو كان يسيراً، وأنه يمكن أن يرى ولو في بعض الأحيان، فهذا لا يجوز، ويجب الاحتجاب منه؛ فالاستئذان جعل من أجل البصر، فيستأذن الإنسان حتى لا يطلع على العورات، يعني: من حيث المشاهدة والمعاينة، فقولها: [(فكنت أضع ثيابي عنده)]، وكان أعمى لا يبصرها، يعني يوضحه قوله: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر).
    قوله: [(حتى أنكحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسامة بن زيد، فأنكر ذلك عليها مروان)].
    وهذا محل الشاهد، أنكحها أسامة بن زيد، فأنكر عليها ذلك مروان، يعني: أنكر عليها قضية كونه لا نفقة ولا سكنى، والخروج من مسكن الزوج، وعدم الاعتداد في مسكنه، أنكر مروان عليها ذلك، ولهذا أرشد ابنة أختها أن ترجع إلى بيت زوجها الذي طلقها، وأن تعتد في بيته، وأن لها السكنى، وكان يرى أن لها السكنى، وقد قال بهذا كثيرٌ من أهل العلم، وذكر أن مروان رجع عن قوله هذا إلى ما جاء في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها.
    قوله: [(وقال: لم أسمع هذا الحديث من أحدٍ قبلك، وسآخذ بالقضية التي وجدنا الناس عليها)].
    ومن المعلوم: أن رواية الحديث من شخص واحد، سواء كان رجلاً أو امرأة، فإنه معتبر وحجة عند العلماء، ولعل مروان خاف أن يكون قد حصل لها وهم أو ما إلى ذلك، ولكنه في الآخر رجع إلى ما جاء عنها من أنه لا سكنى لها ولا نفقة، أي: المطلقة طلاقاً بائناً.

    تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس في تزوج المولى العربية

    قوله: [أخبرنا كثير بن عبيد].هو كثير بن عبيد الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن محمد بن حرب].
    هو محمد بن حرب الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزبيدي].
    هو محمد بن الوليد الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، مكثر من الرواية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة].
    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن فاطمة].
    هي فاطمة بنت قيس، وهي صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (أن أبا حذيفة بن عتبة تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن بكار بن راشد حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها: (أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس -وكان ممن شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- تبنى سالماً، وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وهو مولىً لامرأةٍ من الأنصار، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيداً، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس ابنه، فورث من ميراثه، حتى أنزل الله عز وجل في ذلك: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5]، فمن لم يعلم له أب كان مولىً وأخاً في الدين)، مختصر].أورد النسائي عن عائشة رضي الله تعالى عنها: [أن أبا حذيفة تبنى سالماً].
    سالم هو مولى لامرأة من الأنصار أنكحه ابنة أخيه، وهي عربية، وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث للترجمة، وهو تزوج المولى العربية؛ لأن العبرة هو المكافئة في الدين.
    قوله: [(كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيداً)].
    كانوا من قبل يتبنى الرجل الواحد فينسب إليه، ويرث منه، حتى نزل القرآن فنسخ ذلك ومنع منه، وأمر بأن يدعوا لآبائهم، ولا يدعون لمن تبناهم، وإذا لم يعلم له أب فهو أخٌ في الدين ومولى، ولكن لا يقال له: ابن فلان، وإنما يقال له: مولى آل فلان؛ فالبنوة مقصورة على النسب، والانتساب إنما هو للنسب، وليس من أجل التبني؛ لأن التبني نسخ وانتهى، ولم يبق له اعتبار.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن أبا حذيفة بن عتبة تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه ...)


    قوله: [أخبرنا عمران بن بكار بن راشد].وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي اليمان].
    هو الحكم بن نافع الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعيب].
    هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [عن عروة بن الزبير].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي عائشة أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، وهي الصحابية التي روت الحديث الكثير عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث عائشة وأم سلمة في زواج المولى بالعربية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن نصر حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال قال يحيى يعني ابن سعيد: وأخبرني ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير وابن عبد الله بن ربيعة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم رضي الله عنهما: (أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس -وكان ممن شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- تبنى سالماً وهو مولىً لامرأةٍ من الأنصار، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة، وأنكح أبو حذيفة بن عتبة سالماً ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وكانت هند بنت الوليد بن عتبة من المهاجرات الأول، وهي يومئذٍ من أفضل أيامى قريش، فلما أنزل الله عز وجل في زيد بن حارثة: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5]، رد كل أحد ينتمي من أولئك إلى أبيه، فإن لم يكن يعلم أبوه رد إلى مواليه)].أورد النسائي حديث عائشة، وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما، وهو يدل على ما دل عليه الذي قبله، وهو مثل الذي قبله من جهة زواج المولى بالعربية، وهو مثل الذي قبله من جهة أن سالماً مولى أبي حذيفة زوجه مولاه ابنة أخيه، وهذا هو محل الشاهد، وهو نفس الذي تقدم في الحديث الذي قبل هذا.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة وأم سلمة في زواج المولى بالعربية

    قوله: [أخبرنا محمد بن نصر].هو محمد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أيوب بن سليمان بن بلال].
    وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبي بكر بن أبي أويس].
    هو عبد الحميد بن عبد الله، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن سليمان بن بلال].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى يعني ابن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير، وابن عبد الله بن ربيعة].
    وقد مر ذكر الاثنين، ابن شهاب، وعروة بن الزبير. وابن عبد الله بن ربيعة ذكر الحافظ ابن حجر أنه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله وأما أبو عائذ الله فمجهول، وقال عنه: إنه مقبول، وذكر أنه أخرج له مسلم، وأبو داود في المراسيل، والنسائي. كما أخرج له ابن ماجه.
    وكونه مقبولاً ما يؤثر؛ لأن العمدة على عروة بن الزبير وهو الثقة الفقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة، وابن عبد الله بن ربيعة إضافة وزيادة، هناك قال يحيى بن سعيد: (وأخبرني الزهري)، كلمة (وأخبرني) يقولون: فيها الإشارة إلى إسنادٍ قبله، حذفه وأتى بالمعطوف عليه الذي هو محل الشاهد، وهذا يأتي في الأسانيد إشارةً إلى أن هناك إسنادٌ قبله لا يتعلق بالموضوع، فحذف وأبقي المعطوف عليه الذي هو الإسناد المعطوف عليه، وجاءت واو العطف حتى يتبين أنها جاءت على وضعها، وعلى لفظ الراوي، وفيها إشارةٌ إلى المعطوف عليه الذي حذف، والذي لا علاقة له في الموضوع، ولكن هذا إبقاء للفظ على ما هو عليه، وإشارةً إلى أن هذا الذي ذكره قد حذف شيءٌ قبله لا تعلق له بالموضوع.
    [عن عائشة وأم سلمة].
    عائشة، مر ذكرها، وأم سلمة هي هند بنت أبي أمية، وهي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الحسب

    شرح حديث: (إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحسب. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبو تميلة عن حسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الحسب، والمقصود به الشيء الذي يدفع الناس إلى التقارب وإلى المصاهرة هو المال، فهو الذي يعولون عليه، وهو الذي يحرصون على صاحبه؛ لأنهم حريصون على المال، فيحرصون على من كان عنده المال، والحسب الذي هو الشرف، وعلو الرفعة والمنزلة، إذا وجد معه الإيمان والتقى والصلاح، هذا شيءٍ مطلوب، وأما إذا كان يتعلق بأمورٍ دنيوية، مع غض النظر عن الأمور المعتبرة في الشرع، فإن هذا ليس بشيء، وهذا هو الذي أشار إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: [(إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال)]، فهذا هو المعتبر عند أهل الدنيا، يعني: يميلون إلى من عنده المال، وليس هذا معتبراً في الشرع، بل المعتبر أن المرأة إذا كانت ذات حسب ونسب، وذات سمعةً طيبة مع الإيمان والتقوى، فهذا خيرٌ إلى خير، وشيءٌ طيب إلى شيءٍ طيب، أما إذا كان هذا الحسب يتعلق بمطامع، ويتعلق بدنيا، فإن هذا مذموم، وهذا شأن أهل الدنيا، وأحساب أهل الدنيا إنما هي من هذا القبيل، كما دل عليه هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال)


    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة، وبدون واسطة.
    [عن أبي تميلة].
    هو يحيى بن واضح، وهو ثقة، أخرج له أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حسين بن واقد].
    قد مر ذكره.
    [عن ابن بريدة عن أبيه].
    هو عبد الله بن بريدة، عن أبيه، وقد مر ذكرهم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #430
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (427)


    - (باب على ما تنكح المرأة) إلى (باب كراهية تزويج الزناة)




    المرأة تنكح لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فإذا جمعت مع الدين صفة أخرى فحسن، لكن إذا انفردت صفاتها فأرشد الشرع المسلم إلى تقديم ذات الدين على من سواها، وعليه لا يتزوج المسلم بالزانية من باب أولى.
    على ما تنكح المرأة

    شرح حديث: (... إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب على ما تنكح المرأة.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن عبد الملك عن عطاء عن جابر رضي الله عنه: (أنه تزوج امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلقيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أتزوجت يا جابر ؟ قال: قلت: نعم، قال: بكراً أم ثيباً؟ قال: قلت: بل ثيباً، قال: فهلا بكراً تلاعبك، قال: قلت: يا رسول الله، كن لي أخوات فخشيت أن تدخل بيني وبينهن، قال: فذاك إذاً، إن المرأة تنكح على دينها، ومالها، وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك)].
    يقول النسائي رحمه الله: على ما تنكح المرأة، يعني المقصود من هذه الترجمة ذكر البواعث التي تبعث الرجل على الزواج بالمرأة أو تحمله على الزواج بالمرأة، هذا هو المقصود منها كما جاء الحديث في ذلك الذي أورده النسائي، وهو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه الذي جاء في آخره: (أنها تنكح المرأة لمالها، وجمالها، ولدينها)، وحديث جابر هذا مر ذكر أوله في بعض الروايات المتقدمة في نكاح الأبكار، وأورده هنا من أجل ما جاء في آخره من ذكر الأمور التي تبعث وتحمل الناس على الزواج، وهي الدين والمال والجمال، والرسول صلى الله عليه وسلم لما سأل جابراً: (بكراً أم ثيباً؟ أجابه بأنها ثيب، فقال: هلا بكراً تلاعبك؟)، فأخبر رضي الله عنه أن الذي بعثه على اختيار الثيب والعدول عن البكر هو أن له أخوات وخشي أن تدخل بينه وبينهن، وذلك أن البكر تكون صغيرة ولا يكون عندها من العقل والرزانة مثل ما عند الكبيرة، فقد يكون هناك اختلافٌ بينها وبين أخواتها الصغار اللاتي هي قريبةٌ منهن، فيكون هناك شيءٌ من الأمور التي تنفر، ولا تجعل المودة، والوفاق، أو ما يترتب على ذلك من إلحاق ضرراً بأخواته، فمن أجل ذلك اختار كبيرة أرجح منهن عقلاً وترعاهن وتحسن إليهن وتقوم بما يلزم لهن، فالرسول صلى الله عليه وسلم عند ذلك قال: (فذاك إذاً) يعني هذا الذي عملته يعني هو المناسب وهو خيرٌ وهو طيب، وأنه مقصد حسن من أجل أنها تكون كبيرة تحسن إلى أخواته ولا تكون صغيرة تكون مثل أخواته في العقل، فيكون بينها وبين أخواته شيء من الوحشة، وفي الحديث بيان ما كان عليه جابر رضي الله عنه من الإحسان والبر بأخواته، إذ آثر مصلحتهن في اختيار زوجةً ثيب تحسن إليهن على مصلحته، في كونه يختار بكراً يكون الاستمتاع بها أحسن ويكون الوئام والاستفادة منها أكثر من الثيب، لكنه آثر مصلحة أخواته على مصلحته رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام بين البواعث التي تبعث على النكاح أو على اختيار النساء فقال: (تنكح المرأة على أربع على مالها، وجمالها، ودينها).
    يعني هذه الأمور التي تبعث على الزواج وتبعث على اختيار الزوجة، ولكن المهم في الأمر هو الدين، ولهذا قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، (فاظفر بذات الدين)، يعني احرص عليها؛ لأن الدين هو الذي يحرص على صاحبته من تكون ذات دين، وأما الجمال إذا كان مع غير الدين فهو خطير، وكذلك المال إذا كان مع غير الدين فضرره كبير، لكنه إذا وجد الدين فسواء إن ضاف إليه غيره أو بقي وحده فهو خير وبركة، وهذا هو الذي ينبغي أن يحرص عليه ويفرح به، وقوله: [(تربت يداك)]، هذه كلمة اعتادها العرب أنهم يقولونها ولا يريدون معناها من جهة أن معنى: (تربت يداك) أنك افتقرت، أو لصقت بالتراب من الفقر، فهي كلمة جارية على الألسنة ولا يراد معناها، وهي من جنس الكلمات الأخرى التي هي كثكلتك أمك، وعقرى حلقى، وما إلى ذلك من الكلمات التي تذكر ولا يراد معناها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك)


    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الملك].
    هو عبد الملك بن أبي سليمان العزرمي، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.


    كراهية تزويج العقيم

    شرح حديث: (... تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كراهية تزويج العقيم. أخبرنا عبد الرحمن بن خالد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا المستلم بن سعيد عن منصور بن زاذان عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أصبت امرأةً ذات حسب ومنصب إلا أنها لا تلد، أفأتزوجها؟ فنهاه ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فنهاه، فقال: تزوجوا الولود الودود فإني مكاثرٌ بكم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كراهة تزويج العقيم؛ لأنه يفوت مع الزواج بالعقيم عدم حصول النسل الذي رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال إنه (مكاثرٌ بهم الأمم)، وأورد النسائي فيها حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه: أنه جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: إن امرأةً لا تلد وأنه يريد الزواج منها، ويسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه، ثم عاد إليه فنهاه، ثم عاد إليه فنهاه، وقال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم)، أي مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى المقصد الذي ينبغي أن يحرص على الزواج من أجله وهو جود النسل الذي يحصل به كثرة الأمة، ويحصل به أيضاً وجود من يحسن إليه عند كبره وعند حاجته إلى غيره، ثم أيضاً ما يحصل له من الأجر والثواب بسببه فيما إذا أحسن إليه في بعد وفاته من الصدقة عنه أو كان يدعو له كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٌ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له)، وهناك فوائد كثيرة وعظيمة تحصل للإنسان وتحصل لهذه الأمة، تحصل في الأمة أنها تكثر، ويحصل للإنسان فوائد في حياته عند حاجته وشيخوخته وكذلك بعد وفاته كما جاء ذلك مبيناً في الأحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقوله: إنها لا تلد. يمكن أن يكون فهم ذلك من كونها لا تحيض، أو أنها متزوجة من قبل. وأنها لم تلد، والحاصل أنه علم عنها أنها لا تلد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزوج بها، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر بأنه مكاثر بهذه الأمة الأمم يوم القيامة، لكن لا يعني ذلك أنه يحرم أن تتزوج العقيم فالنساء بحاجة إلى الرجال والرجال بحاجة إلى النساء، لكن عند الاختيار يختار الإنسان من تلد ومن يحصل من ورائها أو بالزواج منها كثرة النسل، ويعرف كثرة النسل عن طريق معرفة أقاربها وقريباتها وأنهن من بيت منجب، فإن هذه من العلامات التي يستدل بها على كثرة الإنجاب.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم)


    قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن خالد].هو عبد الرحمن بن خالد الواسطي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن يزيد بن هارون].
    هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن المستلم بن سعيد].
    صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [عن منصور بن زاذان].
    ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر في ترجمته من كثرة عبادته، واجتهاده في العبادة، أن قال بعض أهل العلم عنه: لو قيل لـمنصور بن زاذان: إن ملك الموت بالباب لم يكن بإمكانه أن يزيد شيئاً على ما كان يفعله من قبل أن يخبر بهذا الخبر، يعني إشارة إلى كثرة عبادته وملازمته للطاعة وأنه لو حضره الموت أو لو قيل له: إن الموت وصل إليك، لم يكن عنده شيء يزيد فيه على ما كان يفعله، إشارة إلى كثرة عبادته وإلى ملازمته للطاعة رحمة الله عليه.
    [معاوية بن قرة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن معقل بن يسار].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    تزويج الزانية

    شرح حديث عبدالله بن عمرو في نهي النبي مرثداً عن نكاح عناق


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تزويج الزانية. أخبرنا إبراهيم بن محمد التيمي حدثنا يحيى وهو ابن سعيد عن عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي -وكان رجلاً شديداً وكان يحمل الأسارى من مكة إلى المدينة- قال: فدعوت رجلاً لأحمله، وكان بمكة بغي يقال لها: عناق وكانت صديقته، خرجت فرأت سوادي في ظل الحائط فقالت: من هذا؟ مرثد ؟ مرحباً وأهلاً يا مرثد انطلق الليلة فبت عندنا في الرحل، قلت: يا عناق إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم الزنا، قالت: يا أهل الخيام هذا الدلدل هذا الذي يحمل أسراءكم من مكة إلى المدينة، فسلكت الخندمة فطلبني ثمانية فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا فطار بولهم علي وأعماهم الله عني، فجئت إلى صاحبي فحملته فلما انتهيت به إلى الأراك فككت عنه كبلة، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناقاً؟ فسكت عني فنزلت: الزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور:3]، فدعاني فقرأها علي وقال: لا تنكحها)].
    أورد النسائي رحمه الله باب تزويج الزناة، والمقصود من هذه الترجمة أن الزانية لا يتزوج بها وذلك لما هي متلبسةٌ به من الفجور، والوقوع في الفاحشة، والزواج بالزانية يترتب عليه تلويث الفراش واختلاط الأنساب وأن يلحق بالرجل ما ليس منه، فمن يعلم زناها ولم يعلم لها توبة فإنه لا يجوز للإنسان أن يتزوجها، لكن إذا تابت وحسنت توبتها وعرف صلاحها واستقامتها فإن التزويج منها لا بأس به، وإنما المحظور فيما إذا كانت لم يعرف لها توبة أو لم تحصل منها التوبة، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أخبر أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي وكان رجلاً شديداً -يعني قوياً نشيطاً عنده جلد وصبر- وكان يحمل الأسارى من مكة إلى المدينة ويذهب بهم خفية، وكان في مكة وكان واعد رجلاً ليحمله وجلس في في ضوء القمر في ظل جدار، وكان هناك امرأة بغي يقال لها: عناق ورأت سواده -أي: رأت شخصه- فجاءت إليه، والسواد المقصود به الشخص الذي لا يعرف، وإنما يعرف شخصه ولا تعرف عينه، فلما رأت سواده جاءت إليه وعرفته وكان صديقاً لها -يعني كان يزني بها-، وكان بينه وبينها معرفة، فقالت: مرثد؟ قال: مرثد، قالت: مرحباً وأهلاً اذهب فبت معنا في الرحل -فمعناه تريد أنه يبيت عندها ليزني بها كما اعتادته من قبل-، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الزنا، فلما رأته على هيئةٍ تخالف ما كانت تألف منه من الموافقة على ما تريد منه وامتنع من ذلك، وأخذ بما ذكره من أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء بتحريم الزنا غضبت عليه إذ لم يحقق لها ما تريد، ولم يستجب لها فقامت ونادت في الناس: هذا الدلدل الذي يحمل أسراكم، والدلدل قيل: هو القنفذ الذي يظهر في الليل ويختفي في النهار، فهرب فلحقه ثمانية يبحثون عنه، فصاروا قريبين منه حتى حصل البول من بعضهم فطار عليه ولكن الله تعالى أعماهم عنه فلم يهتدوا إليه، ثم إنه جاء إلى صاحبه الذي كان تواعد معه على أن يحمله وهو أسير مكبل بالحديد فجاء وحمله وسلك طريقاً يقال لها: الخندمة حتى جاء الأراك -يعني شجر- ففك قيده الذي كان قد قيد به أي ذلك الأسير وذهب به إلى المدينة، حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أنكح عناقاً؟ يعني هل أتزوجها، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [النور:3]، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا عليه الآية ونهاه عن نكاحها، وهذا يدل على أن الزانية لا يجوز التزوج بها؛ لما يحصل على التزوج بالزانيات من المفاسد الكثيرة، ومن أعظمها وأشدها وأسوأها اختلاط الأنساب، وأن يضاف إلى الرجل من ليس منه بسبب الفراش وبسبب كونه زوجاً، لكونها تزني قد تحمل من الزاني فيضاف إلى صاحب الفراش، فالرسول صلى الله عليه وسلم دعاه وتلا عليه الآية، ونهاه عن زواجها، وهذا يدل على تحريم ذلك، وهذا فيما إذا لم تتب، أما إذا تابت فإن الله تعالى يتوب على من تاب ويصح الزواج حينئذ.

    تراجم رجال إسناد حديث عبدالله بن عمرو في نهي النبي مرثداً عن نكاح عناق


    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن محمد التيمي].إبراهيم بن محمد التيمي وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن يحيى وهو ابن سعيد].
    يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن الأخنس].
    عبيد الله بن الأخنس، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن شعيب].
    هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو كذلك صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة، وكذلك أصحاب السنن الأربعة.
    [عن جده].
    هو عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير بن العوام، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    وهذا الإسناد الذي هو عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده اختلف العلماء فيه، وأحسن ما قيل فيه: أنه إذا صح الإسناد إلى عمرو بن شعيب فإنه يكون حديثاً حسناً، فإن حديثه يكون حسناً إذا صح الإسناد إليه، قالوا: والمراد بأبيه عن جده، يعني أن عمرو يروي عن أبيه شعيب، وشعيب يروي عن جده هو عبد الله بن عمرو، ولا يروي عن أبيه محمد الذي هو جد عمرو، وإنما عمرو يروي عن أبيه شعيب، وشعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو، وليس محمداً؛ لأنه لو كانت الرواية عن محمد لكان مرسلاً؛ لأن محمداً لم يدرك الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الرواية هي من شعيب عن عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه صح سماعه من جده عبد الله بن عمرو بن العاص، فيكون الإسناد إذا صح إليه يكون من قبيل الحديث الحسن؛ لأن عمراً صدوق، وشعيباً صدوق.

    معنى الآية: (الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك)

    مداخلة: أحسن الله إليك. ما معنى الآية: الزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور:3]؟الشيخ: الآية ذكر في تفسيرها أن الزاني لا يطاوعه على الزنا إلا زانية مثله أو مشركة لا تمانع وترى حل ذلك، وليس عندها دين ووازع يمنعها من ذلك، فقالوا: وأن المقصود بها المطاوعة وأنه لا يحصل منه الوطء وتمكينه من ذلك إلا من مثله أو من مشركة لا تبالي، وكذلك أيضاً من حيث الزواج أن الزاني يرغب بالزانية، ولكن من حيث التزوج المشركة لا يجوز التزوج بها من مسلم مطلقاً، لكن الذي عنده المعصية فهو يرغب في مثله، وكما يقولون: الطيور على أشباهها تقع فالزاني يرغب بالزانية، والذي ذكره ابن كثير وغيره وعزاه إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن معناها أن الذي يتفق بالنسبة للزانية والمشركة هو الرغبة، الزاني لا يطاوعه على زناه إلا مثله من هو عاص أو من كان مشركاً.

    شرح حديث ابن عباس في التعامل مع الزوجة التي لا ترد يد لامس


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يزيد حدثنا حماد بن سلمة وغيره عن هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير وعبد الكريم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس عبد الكريم يرفعه إلى ابن عباس وهارون لم يرفعه قالا: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن عندي امرأةً هي من أحب الناس إليّ وهي لا تمنع يد لامس، قال: طلقها قال: لا أصبر عنها قال: استمتع بها)، قال أبو عبد الرحمن: هذا الحديث ليس بثابت، وعبد الكريم ليس بالقوي، وهارون بن رئاب أثبت منه، وقد أرسل الحديث، وهارون ثقة، وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم].أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن امرأتي لا ترد يد لامس، فقال: طلقها، قال: لا أصبر عنها، قال: استمتع بها)، وأورد النسائي هذا الحديث في باب تزويج الزناة؛ لأن له علاقة به من جهة الاحتمال لا من جهة النص، وقد قالوا في معنى إنها لا ترد يد لامس يعني من يراودها على شيء فإنها توافقه، ومنهم من قال: إن عندها تساهل في الكلام مع الرجال والممازحة معهم فيكون عندها هذه الأمور التي هي محظورة، ولكنها لا تصل إلى حد الفاحشة ولا يحصل منها فعل الفاحشة، وأنه كره منها هذا الشيء، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عنها فقال: [(طلقها)] يعني هذه المرأة التي تكون هكذا مع الرجال أمره بتطليقها، فقال: إنه لا يستطيع الصبر عنها قال: امسكها، فقال العلماء: فلو كانت زانية ما أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم للإبقاء على الزانية؛ لأن بقاء الزانية في عصمة الرجل سبب في تلويث فراشه وإضافة نسلٍ إليه ليس منه وهي مفسدة عظيمة ومضرة كبيرة، ولهذا قال بعض أهل العلم: والأولى أن يكون هذا معنى الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشده على الإبقاء عليها، ولا يرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يبقي على زانية تمكن غيره من نفسها، وتلوثه فراشه، وإنما المقصود من ذلك أمورٌ تحصل منها فيها تساهل وعدم احتشام من الرجال، لكن لا يصل إلى حد الزنا والعياذ بالله، وهذا هو الذي يناسب إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم له إلى أن يستمتع بها وأن يبقي عليها، والعلماء اختلفوا في ثبوت الحديث والنسائي ذكر أنه غير ثابت، وعلى هذا فيكون معناه أنه قد يكون المراد به الزنا، ولكنه غير ثابت فلا يحتج به، ولا عبرة به فلا يدل على أن الزاني أو أن الزانية يتزوجها الإنسان؛ لأن الحديث غير ثابت لكن من أثبت الحديث حمله على ما ذكرت، ومنهم من فسره بتفسيرٍ آخر، وهو لامس يعني مبتغٍ مالاً، قالوا: وهذا لا يستقيم؛ لأن هذا لا يناسب هذا المعنى، بل الذي يناسبه هو ملتمس؛ لأن الذي يطلب المال يلتمس ولا يلمس، ثم أيضاً إعطاء المال وبذل المال -يعني إن كان بغير موافقته-، فيمكنه أن يحفظ ماله عنها وألا يمكنها من ماله ويأخذ احتياطاتٍ أخرى، لكن الموضوع يتعلق بالمس.
    والحديث جاء من طرق أخرى غير هذه الطريق التي ضعفها النسائي وقد ذكر ابن كثير في تفسيره طرقاً أخرى من غير هذا الطريق، وهي من رواية عكرمة عن ابن عباس، ولهذا صحح جماعةٌ من أهل العلم هذا الحديث واعتبروه ثابتاً، ولم يضعفوه كما ذكر النسائي، لكن يحمل معناه على ما أشرت إليه مما ذكره بعضهم من أن المقصود من ذلك ما عندها من التساهل وعدم الاحتشام من الرجال وأنها لا تبالي بالكلام مع الرجال والضحك معهم، واللعب معهم، ومغامزتهم وما إلى ذلك، لكن لا يصل إلى حد الفاحشة، ولهذا أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإبقاء عليها.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في التعامل مع الزوجة التي لا ترد يد لامس

    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن يزيد].
    هو ابن هارون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد بن سلمة].
    هو حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [وغيره].
    وغيره، يعني معه غيره.
    [عن هارون بن رئاب].
    هارون بن رئاب، هو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن عبد الله بن عبيد بن عمير].
    عبد الله بن عبيد بن عمير، هو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [وعبد الكريم].
    عبد الكريم، يعني هذا معطوف على الذي قبله حماد بن سلمة؛ لأنه قال: حدثنا حماد بن سلمة وغيره عن هارون بن رئاب، يعني يصير عن هارون، وعن عبد الكريم، وعبد الكريم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، معناه أن حماد بن زيد يرويه من طريقين من طريق هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس ولا يذكر ابن عباس يعني مرسلاً، ومن طريق عبد الكريم بن أبي المخارق عن ابن عباس مسنداً موصولاً، وعبد الكريم بن أبي المخارق هذا ضعيف، وقد ذكر الحافظ أنه رمز له في البخاري، ومسلم، وأبو داود في المسائل، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، لكن البخاري ليس له عنده إلا زيادة في حديثٍ واحد في قيام الليل، ومسلم في المقدمة وقال: إن النسائي روى عنه أحاديث قليلة، ثم ذكر النسائي أن حديث هارون أولى بالصواب؛ لأنه ثقة وهذا ليس بالقوي وهو ضعيف، والثقة أرسل ولم يسند، والذي أسند هو الضعيف الذي هو عبد الكريم بن أبي المخارق، لكن كما ذكرت جاء من طرقٍ أخرى موصولاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها طريق عكرمة عن ابن عباس، وقال الحافظ ابن كثير: إن هذا إسنادٍ جيد.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
    قال: عبد الكريم يرفعه إلى ابن عباس، وهارون لم يرفعه، يعني الرفع هنا ليس المراد الاصطلاحي.
    لأنه مرسل، يعني لا يذكر ابن عباس، وهذا يذكر ابن عباس.


    كراهية تزويج الزناة

    شرح حديث: (... فاظفر بذات الدين تربت يداك)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهية تزويج الزناة. أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تنكح النساء لأربعة: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب كراهية تزويج الزناة، وهذا إذا لم يتوبوا وأما إذا تابوا فإن الله تعالى يتوب على من تاب، ومن تاب من الذنب وصدق في توبته فهو كمن لا ذنب له.
    وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: [(تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)]، يعني هذا ليس أمراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن ينكحوا النساء لهذه الأربع، وإنما هذا إخبار عن البواعث التي تبعث الناس على اختيار النساء، فمنهم من يختار المرأة لمالها ولا يبحث عن شيءٍ آخر، ومنهم من يختارها لجمالها ولا يبحث عن شيءٍ آخر، ومنهم من يبحث عن حسبها ولا يبحث عن شيءٍ آخر، ومنهم يتزوجها لدينها وهذا هو المهم، سواء وجد وحده أو وجد ومعه غيره، فليس أمراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ينكح الناس النساء من أجل هذه الأمور وإنما هذا إخبار بالبواعث التي تبعث الناس، ولما كانت هذه بواعث الناس أرشد عليه الصلاة والسلام إلى الذي يحرص عليه والذي يفرح به ويرغب به وهو ذات الدين، وإذا وجد مع الدين أمور أخرى طيبة فذاك خير إلى خير، لكن إذا كانت الرغبة في غير الدين، فقد تكون تلك الأسباب يترتب عليها مضرة من جهة المال، ومن جهة الجمال، ومن جهة الحسب، لكن إذا وجدت هذه الأشياء مع الدين وكان المقصود هو الدين وغير الدين تابع له فهذا حسن.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فاظفر بذات الدين تربت يداك)


    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [عن يحيى].
    هو القطان، وقد مر ذكره.
    [عن عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن أبي سعيد].
    هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو كيسان أبو سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    وإيراد الحديث النسائي في هذه الترجمة من جهة أنه أرشد إلى الحرص على ذات الدين، والتي تكون زانية هي بخلاف ذات الدين فيكون مرغباً عنها، الذي يبدو أنها للتحريم إذا كان من غير توبة؛ لأنه كما عرفنا يكون فيه تلويث الفراش.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #431
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (428)


    - (باب أي النساء خير) إلى (باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه)




    المرأة الصالحة هي خير متاع الدنيا، وما من رجل عاقل إلا ويحرص على نكاحها، ويستحب لمن أقدم على النكاح النظر إلى المرأة حال الخطبة، حتى يكون بينهما وئام ومودة، ومن كانت مخطوبة إلى رجل لم يجز لغيره خطبتها إلا إذا ترك الأول.
    أي النساء خير

    شرح حديث: (قيل لرسول الله: أي النساء خير؟ ..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أي النساء خير؟أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره)].
    يقول النسائي: [أي النساء خير؟] هذه الترجمة أتى بها على وفق ما جاء في الحديث الذي أدخله تحتها، وهو [(أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل: أي النساء خير؟ فأجاب بأنها التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره)]، والمراد من ذلك: أن هذه من خيرة النساء.
    وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي النساء خير؟ وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين سألوه أرادوا أن يختاروا من تكون خيراً، ومن تكون أفضل من غيرها، والتي يبين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الصفات التي تكون فيها، فقال: [(خير النساء التي إذا نظر إليها سرته)]، يعني: الزوجة التي إذا نظر إليها الإنسان سرته، تسره في منظرها وجمالها، وتسره في حسن تصرفها وأخلاقها الحسنة، وكذلك تمتثل أمره ولا تعص له أمراً، ومن المعلوم: أن هذا في حدود طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
    وقوله: [(لا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره)]، معناه: لا تعمل شيئاً، أو تأذن لأحد، أو تدخل أحداً في بيتها، أو تعمل شيئاً يسيء إليه وإليها بما يتعلق بنفسها، وكذلك بمالها؛ لأن المال الذي بيدها له وتحافظ عليه، وتصرفه في الطريق التي أراد أن تصرف فيه، وكذلك المال الذي يكون لديها.. مالها الخاص تستشيره في التصرف، وفي الشيء الذي تضعه فيه، ولا تشتغل بمالها دون أن تأخذ رأيه؛ فإن هذا مما يكسب المودة والألفة، ويكون الوئام بين الرجل والمرأة، كونها تستشيره فيما يخصها، وتطيعه فيما يأمر به، وكذلك تسره فيما إذا نظر إليها، لجمالها أو لحسن أخلاقها، أو لهما جميعاً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (قيل لرسول الله: أي النساء خير؟ ..)


    قوله: [أخبرنا قتيبة]هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو ابن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عجلان].
    هو المدني، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سعيد المقبري].
    هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    المرأة الصالحة

    شرح حديث: (... وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ المرأة الصالحة. أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا أبي حدثنا حيوة، وذكر آخر أخبرنا شرحبيل بن شريك: أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: المرأة الصالحة، والمقصود من ذلك: بيان ما ورد بشأنها وخيرتيها، وهي التي تكون صالحة مستقيمة على طاعة الله، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، من أهل الصلاح والتقى، فيقول عليه الصلاة والسلام: [(الدنيا متاع)]، يعني: هي متاع منته وزائل، ولذة منتهية، ولكن خير المتاع الذي يستمتع به في هذه الحياة الدنيا الزوجة الصالحة، التي تكون معاشرتها حسنة، تطيع أمره، وتسره إذا نظر إليها، ولا يكون في أخلاقها ما تعاب به، بل هي حسنة الأخلاق، حسنة التعامل، تحسن ولا تسيء، وتنفع ولا تضر، لاستقامتها على طاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام.
    فبين عليه الصلاة والسلام أن الدنيا متاع، يعني: ليست دار قرار، وليست نهاية، بل هي ممر ومعبر إلى الدار الآخرة، والإنسان يستمتع بها بما أحل الله له، لكن خير هذا المتاع، وأفضل هذا المتاع الزوجة الصالحة، ففيه: دلالة على الحث على اختيار الزوجة الصالحة، التي تحفظ الإنسان في نفسها ومالها، وتسره في أخلاقها وتعاملها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وابن ماجه.
    [عن أبيه].
    هو عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حيوة].
    هو حيوة بن شريح المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    قوله: [وذكر آخر]، يعني لم يرد النسائي أن يذكر هذا الآخر، ولم يحذفه ويكتفي بالرواية عن حيوة بن شريح، بل أراد أن يبقي السياق على ما هو عليه، واللفظ على ما هو عليه، ولكنه لا يصرح بالشخص الذي لا يريد الرواية عنه، فاكتفى بقوله: ورجل آخر؛ لأنه لو قال في الإسناد: عن عبد الله بن يزيد عن حيوة عن فلان، كأنه حكى عن عبد الله بن يزيد ذكر حيوة فقط، وكأنه ما قال إلا حيوة، مع أن عبد الله بن يزيد المقرئ ذكر شخصين: أحدهما حيوة، والثاني رجل آخر، وهذا الرجل الآخر الظاهر أنه عبد الله بن لهيعة الذي كان كثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد مقروناً مع غيره، لا يذكره وإنما يكتفي بالإشارة إليه بالإبهام، فيقول: ورجل آخر، وهذا من الدقة والاحتياط؛ لأنه لو لم يقل: ورجل آخر؛ لما فهم منه أن عبد الله بن يزيد عندما روى إنما روى عن شخصين، فهو أبقى على ذكر الشخصين، وسمى من أراد تسميته، وأبهم من لم يرد تسميته.
    [عن شرحبيل بن شريك].
    صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وإلا البخاري، فإنه لم يخرج له في الصحيح، بل أخرج له في الأدب المفرد.
    [عن أبي عبد الرحمن الحبلي].
    هو عبد الله بن يزيد، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله بن عمرو بن العاص].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    المرأة الغيراء

    شرح حديث: (يا رسول الله! ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: إن فيهم لغيرة شديدة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [المرأة الغيراء. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر حدثنا حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله عن أنس رضي الله عنه: (قالوا: يا رسول الله، ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: إن فيهم لغيرة شديدة)].
    أورد النسائي: المرأة الغيراء، وكأن فيه الإشارة إلى أن الأولى عدم زواجها؛ لما يحصل من غيرتها وكثرة مؤاخذتها من المشاكل التي تترتب على ذلك، فالمرأة الغيراء هي التي فيها غيرة، يعني: التي تغار والتي تحاسب الزوج على كل شيء، ولا سيما إذا كان له زوجة أخرى، فإنها تحاسب على الدقيق والجليل، وتكون دائماً في كلام، ودائماً في خصام، فهذا هو المقصود بالمرأة الغيراء، وأورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قيل له: [(ألا تتزوج من الأنصار؟)]؛ لأن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم كلهن من المهاجرات، [(قال: إن فيهم لغيرة شديدة)]، فكأن هذا فيه: إشارة إلى سبب الامتناع من الزواج منهم، وأن في نسائهم هذا الوصف الذي هو الغيرة، وقد جاء في حديث أم سلمة وزواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها، وأنها كانت امرأة لها غيرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(أدعو الله لك أن يذهب عنك الغيرة)]، فالترجمة مقصود بها: ذكر ما يتعلق بالمرأة الغيراء، والحديث فيه إشارة إلى أن عدم اختيارها هو الأولى.


    تراجم رجال إسناد حديث: (يا رسول الله! ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: إن فيهم لغيرة شديدة)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن النضر].
    هو ابن شميل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد بن سلمة].
    ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن إسحاق بن عبد الله].
    هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.


    إباحة النظر قبل التزويج

    شرح حديث أبي هريرة: (خطب رجلٌ امرأةً من الأنصار فقال له رسول الله: هل نظرت إليها؟ ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إباحة النظر قبل التزويج.أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا مروان حدثنا يزيد وهو ابن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (خطب رجلٌ امرأةً من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل نظرت إليها؟ قال: لا. فأمره أن ينظر إليها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إباحة النظر قبل التزويج، أي: إباحة النظر إلى المخطوبة قبل التزويج، ومن المعلوم: أن النظر إلى الأجنبية حرام، فلا يجوز النظر إليها، بل الواجب هو غض البصر، والحذر من النظر إلى الأجنبيات؛ لأن العين تزني وزناها النظر، ولكن هذا المحظور وهذا الممنوع الذي منع منه، وهو النظر إلى الأجنبيات، رخص فيه في بعض الأحوال للحاجة إلى ذلك، وهو ما إذا كان الإنسان يريد الزواج من امرأة، فإن له أن ينظر إليها وهي أجنبية قبل أن يعقد عليها، وقبل أن يكون هناك زواج، فينظر إلى ما يظهر منها عند محارمها من وجهها ويديها، ومع الاحتشام، وهذا النظر أبيح وخص من المنع من النظر إلى الأجنبيات للمصلحة وللفائدة؛ لأنه يترتب على ذلك مصلحة الحياة الزوجية واستمرارها، وقد يكون الإنسان بمجرد ما ينظر إليها يجد في نفسه ما يمنعه، أو يجد في نفسه ما يرغبه، فيكون الإقدام والإحجام على بينة، ولكن هذا إنما هو بعد ما يحصل الركون إلى المرأة وإلى الزوج، وأنه رغب فيها، وأنهم أجابوه، وحصلت الخطبة ولم يبق إلا الزواج، فعند ذلك ينظر، أما كونه ينظر إليها وهو لم يتقدم لخطبتها، ولو تقدم قد يرفض، فإن هذا ليس له أن ينظر، وينبغي لمن ينظر أن يكون النظر باختلاس.. بأن ينظر إليها من فرجة أو من باب أو ما إلى ذلك، هذا هو الذي ينبغي، ولو حصل أنه رآها وهي عند محارمها، فنرجو ألا يكون بذلك بأس، لكن الأولى هو عدم هذا، فينظر إليها وهي على حالة محتشمة، يعني: بأن يمكنه أهلها من ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (خطب رجلٌ امرأةً من الأنصار فقال له رسول الله: هل نظرت إليها؟ ...)


    قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم].هو الملقب دحيم، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن مروان].
    هو ابن معاوية الفزاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقالوا عنه: إنه كان يدلس تدليس الشيوخ، وتدليس الشيوخ غير تدليس الإسناد، تدليس الإسناد هو: أن يروي الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع كعن أو قال، هذا تدليس الإسناد، لكن تدليس الشيوخ هو: أن يذكر شيخه بشيء لم يشتهر به، يأتي باسمه واسم أبيه، أو يأتي باسمه وكنيته، أو باسمه واسم جده، ويترك شهرته التي اشتهر بها، هذا يسمى تدليس الشيوخ، ومعنى أنه يذكر شيوخه بلفظ موهم أي: يجعل من يسمعه يبعد عن ذهنه ذاك الشخص المشهور بما اشتهر به؛ لأنه ذكر بغير ما اشتهر به، فيكون في ذلك وعورة في الوصول إلى معرفته، وقد يقال: إنه لا يعرف، مع أنه معروف، وإنما يذكر بغير ما اشتهر به.
    [عن يزيد].
    هو ابن كيسان، وهو صدوق، يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي حازم].
    هو سلمان الأشجعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    قد مر ذكره.

    شرح حديث المغيرة بن شعبة: (خطبت امرأة على عهد رسول الله ... قال: فانظر إليها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة حدثنا حفص بن غياث حدثنا عاصم عن بكر بن عبد الله المزني عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: (خطبت امرأةً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنظرت إليها؟ قلت: لا، قال: فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما)].ثم أورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وهو أنه [(خطب امرأةً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما)]، يعني: أجدر أن يكون بينكما الوئام والمودة، بأن يكون كل واحد على معرفة بشخص الآخر، وعلى علم بشخص الآخر، لكونه نظر إليها، وهي أيضاً يمكن أن تنظر إليه، نعم الحديث جاء في كون الرجل ينظر إلى المرأة، والمرأة أيضاً، لها أن تنظر إلى الرجل؛ لأنها تحتاج إلى ما يحتاج إليه الرجل، وتريد ما يريده الرجل، فللرجل أن ينظر إلى المرأة، وللمرأة أن تنظر إلى الرجل، وهذا كما عرفنا مما أبيح، وأخرج من النهي عن النظر إلى الأجنبيات.

    تراجم رجال إسناد حديث المغيرة بن شعبة: (خطبت امرأة على عهد رسول الله ... قال: فانظر إليها ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة].ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن.
    [عن حفص بن غياث].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم].
    هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكر بن عبد الله المزني].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن المغيرة بن شعبة].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    التزويج في شوال

    شرح حديث عائشة: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شوال..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التزويج في شوال.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني إسماعيل بن أمية عن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شوال، وأدخلت عليه في شوال، وكانت عائشة تحب أن تدخل نساءها في شوال، فأي نسائه كانت أحظى عنده مني؟)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التزويج في شوال، يعني: في شهر شوال.
    أورد النسائي تحت ذلك حديث عائشة رضي الله عنها [(أن الرسول تزوجها في شوال، وأدخلت عليه في شوال، وكانت تحب أن تدخل النساء على الأزواج في شوال، وقالت: أي امرأةٍ أحضى عنده مني؟)]، يعني: عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    مقصودها من ذلك قيل: إنهم كانوا في الجاهلية يتشاءمون من التزويج في شوال، فأرادت أن تبين أن هذا الكلام باطل، وأن هذه العقيدة باطلة، وأنها هي نفسها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، ودخل عليها في شوال، وهي أحظى نسائه عنده صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنها وأرضاها، ففيه: بيان إبطال هذه العقيدة الفاسدة، وهذا التشاؤم السيئ من الزواج في شوال، وأن هذا الذي كان في الجاهلية قد حصل في الإسلام، هذا الزواج المبارك زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بـعائشة رضي الله عنها وأرضاها في ذلك الشهر، ففي هذا: بيان أن هذا التشاؤم وهذه الكراهية التي كانت في الجاهلية لا يصلح ولا يجوز أن يلتفت إليها، ولا أن تقع في أذهان أحد من الناس، فيكره الزواج في شوال على العادة الجاهلية، بل جميع الشهور يكون بها الزواج، ولا يتشاءم ولا يكره الزواج في شهر، بل يكون الزواج في جميع أيام السنة، وفي جميع شهور السنة، وهذا الشهر بالذات الذي كان أهل الجاهلية يتشاءمون فيه وهو الذي نوهت بشأنه عائشة، وأخبرت بحصول الزواج، وأنها أحضى أزواجه صلى الله عليه وسلم عنده، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.


    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شوال ..)


    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [عن يحيى].
    هو يحيى القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن إسماعيل بن أمية].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عروة].
    هو عبد الله بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي الصحابية التي روت الألوف من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.


    الخطبة في النكاح

    شرح حديث فاطمة بنت قيس: (خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الخطبة في النكاح.أخبرني عبد الرحمن بن محمد بن سلام حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث سمعت أبي حدثنا حسين المعلم حدثني عبد الله بن بريدة حدثني عامر بن شراحيل الشعبي: أنه سمع فاطمة بنت قيس رضي الله عنها -وكانت من المهاجرات الأول- قالت: (خطبني عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في نفرٍ من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وخطبني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مولاه أسامة بن زيد، وقد كنت حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أحبني فليحب أسامة، فلما كلمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت: أمري بيدك فأنكحني من شئت، فقال: انطلقي إلى أم شريك -وأم شريك امرأةٌ غنيةٌ من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله عز وجل، ينزل عليها الضيفان- فقلت: سأفعل، قال: لا تفعلي، فإن أم شريك كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم -وهو رجلٌ من بني فهر- فانتقلت إليه)، مختصر].
    أورد النسائي: الخطبة في النكاح. والمقصود منها: التقدم لطلب الزوجة للتزويج، هذا يقال له: الخِطبة بكسر الخاء، وأما الخُطبة بضم الخاء فهي شيء آخر، فخطبة النكاح غير الخطبة في النكاح؛ لأن الخطبة التقدم لطلبها، هذه يقال له: خِطبة بالكسر، وأما الخُطبة -بالضم- فهو الكلام الذي يؤتى به بين يدي العقد: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، فالذي معنا هو بكسر الخاء، وهو التقدم لطلب الزوجة والرغبة في زواجها، التقدم لها أو لوليها بإبداء الرغبة في زواجها.
    أورد النسائي حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها، وقد ذكره وفيه تقديم وتأخير؛ لأنه ذكر في أوله الخطبة وأنها خطبت، وأنها أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم، وعرض عليها أن تتزوج بـأسامة بن زيد، وقالت: أمري بيدك فزوجني من شئت، وذكر بعد ذلك شيئاً متأخراً، ولكنه متقدم من حيث الزمان، وهو أنه لما طلقها زوجها، وكان طلاقاً بائناً، وخرجت أو أرادت أن تخرج من مسكن زوجها بعد أن طلقها طلاقاً بائناً، فأخبرها الرسول صلى الله عليه وسلم في المكان الذي تكون فيه بعد أن طلقت ذلك الطلاق البائن، وهو عند أم شريك، ثم إنه عدل عن ذلك لما يحصل عندها من كثرة الضيفان، وأنه قد يحصل منها شيء يرى منها ما تكره، فأرشدها إلى أن تذهب إلى ابن أم مكتوم، وهو رجل أعمى لا يبصرها لو ظهر منها شيء كما مر في الحديث السابق، وبقيت عند ابن أم مكتوم، ولما فرغت عدتها أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم بمن خطبها.
    الحاصل: أن فيه ذكر الخطبة، وهو الذي جاء في أول الحديث: خطبني عبد الرحمن بن عوف برجال، يعني: مع رجال من أصحاب الرسول، فخطبها عدة أشخاص، معناه أن فيه الدلالة على الترجمة من حيث حصول الخطبة، والتقدم للمرأة لخطبتها، وإبداء الرغبة في زواجها، والحديث كما أشرت فيه تقديم وتأخير؛ لأن قضية كونه قيل لها: تكون في مكان كذا أو تنتقل إلى كذا، هذا في زمن العدة، وأما الإخبار بأنه خطبني فلان وفلان، فهذا بعد الفراغ من العدة، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشدها أو أشار عليها بأن تنكح أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه.

    تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس: (خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ...)


    قوله: [أخبرني عبد الرحمن بن محمد بن سلام].لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن عبد الصمد بن عبد الوارث].
    صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حسين المعلم].
    هو حسين بن ذكوان المعلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن بريدة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عامر بن شراحيل الشعبي].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن فاطمة بنت قيس].
    فاطمة بنت قيس صحابية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.


    النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه

    شرح حديث ابن عمر: (لا يخطب أحدكم على خطبة بعض)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة بعضٍ)].
    أورد النسائي النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، والمقصود من هذه الترجمة: هو أن من خطب امرأة وحصل الركون إليه، فإنه لا يجوز أن يتقدم لخطبة تلك المرأة التي خطبها حتى يتبين الأمر، إما زواج، وإما عدول وترك، وهذه الغاية المقصود بها تبين الأمر، فإذا حصل التواطؤ أو التقارب بين الخاطب والمخطوبة أو ولي المخطوبة، فلا يجوز أن يخطب على خطبته حتى يتبين الأمر، إما بأن يتزوج، وبذلك لم يبق هناك مجال لما فكر فيه ذلك الخاطب، أو يترك فيخطبها، ويحصل منه الخطبة وطلب الزواج منها، وهذا هو المقصود من النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه.
    وأورد النسائي حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لا يخطب أحدكم على خطبة بعضٍ)]، يعني: أنه إذا خطب أحد امرأة، وحصل التقارب والتواعد فيما بينهم، فلا يجوز لأحد علم ذلك أن يتقدم للخطبة؛ لأن هذا يفضي ويؤدي إلى أن يتركوا ما حصل ما بينهم من التواعد ومن التقارب، ولكنه ينتظر إذا كان يرغب في هذه المرأة المخطوبة، فإن تزوجت يبحث عن غيرها، وإن رفض وحصل عدم وفاق، أو هو عدل، أو هم عدلوا ورفضوا وتركوا، فإنه يتقدم للخطبة.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (لا يخطب أحدكم على خطبة بعض)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].مر ذكره.
    [عن الليث عن نافع].
    الليث مر ذكره، ونافع هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمر].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث من الرباعيات التي هي من أعلى ما يكون عند النسائي، وهي: قتيبة عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر.

    شرح حديث أبي هريرة: (... لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور وسعيد بن عبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال محمد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في إنائها)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد ذكر النسائي عند ذكر أبي هريرة أن الشيخين اللذين ذكرهما واحد منهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أن هذين الشيخين شيخا النسائي، وهما: سعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن منصور، وهذا هو الذي قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي قال: قال رسول الله سعيد بن عبد الرحمن، فـالنسائي أتى به على سياق سعيد بن عبد الرحمن، ثم أشار إلى مخالفة محمد له باللفظ الذي قاله أبو هريرة مضيفاً إياه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فـسعيد بن عبد الرحمن الشيخ الثاني قال في تعبيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، والشيخ الأول هو محمد بن منصور قال في تعبيره عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    قوله: (لا تناجشوا)، النجش هو: أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، بل يريد أن يرغب الذي يسومها بها، ويكون بذلك تسبب في أن يزاد في القيمة حتى يستفيد البائع، وقال: [(لا تناجشوا)]، يعني: من التفاعل على اعتبار أن هذا الذي حصل منه النجش للشخص، وهو ينتظر منه أن يرد عليه ذلك؛ لأنه إذا أراد أن يشتري سلعة، فيكون هذا الذي زاد من أجله، هو يقابله فيزيد من أجله، فحرم ذلك؛ لأنه فيه إضرار بالمشتري وجلب شيء للبائع، هذا هو النجش، فلا يجوز للإنسان أن يزيد في السلعة إلا إذا أراد شراءها.
    قوله: [(ولا يبع حاضرٌ لباد)]، البادي هو: الذي يأتي من البادية، ومعه السمن، والغنم، والأقط، والأشياء التي تجلب، يبيع ويترك البادي هذا يبيع، لكن ما يأتي إنسان من الحاضرة ويقول: لا تبعها، دعها عندي وأنا أبيعها لك، يعني: أعطني إياها وأنا أبيعها، فيحول بينه وبين أن يبيعها على الناس وينتهي، فيختص بها هو ويطلب أن يحوزها، وأن يتولى بيعها من أجل أن يحصل شيئاً يخصه، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لبادي، لكن لو أن البادي رغب وقال للحاضر: خذ هذه السلعة وأبقها عندك، أنا ما أريد أن أبيعها الآن، لا بأس بذلك.
    قوله: [(ولا يبع الرجل على بيع أخيه)]، إذا كان عند إنسان سلعة وباعها على رجل، وحصل اتفاق بينهما قبل أن يحصل التقابض، فعندما يعرف أنه تم الاتفاق فيما بينهم، يأتي شخص آخر عنده سلعة أخرى، فيأتي ويقول للمشتري: لا تشتر هذه السلعة.. اتركها، هذه السلعة التي سيبيعها عليك فلان بكذا، اتركها وأنا أبيع عليك هذه السلعة بأرخص منها.. بأقل ثمن، هذا هو البيع على بيع أخيه، يعني: أن بائعاً آخر يأتي بسلعة، ويعرض على المشتري الذي اتفق مع البائع الأول على شراء السلعة، يعرض عليه أن يترك البيع، وأن يتخلى عن البيع، وهو مثلاً في زمن الخيار فيقول: دعها.. اتركها وأنا أبيعك السلعة في أقل منها سعراً، هذا لا يجوز.
    ومثله الشراء على شرائه والذي ما جاء ذكره، مثلاً: عندما يعلم أن مشترياً اشترى من بائع سلعة وتواطأ معه عليها، يأتي آخر يريد السلعة للبائع، فيقول له وهو في زمن الخيار: اترك البيع على هذا الشخص، وأنا أشتريها منك بأكثر ثمن، أنا أزيدك زيادة في الثمن، وهذا الشخص الذي أنت متفق معه على الشراء اتركه، فهذا شراء على الشراء، وهو لا يجوز، والذي في الحديث بيع على بيع، وكل ذلك لا يجوز.
    قوله: [(ولا يخطب على خطبة أخيه)]، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذه الترجمة، وقد مر ذكر ذلك.
    قوله: [(ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في إنهائها)]، وفي بعض الروايات: (لتكفأ ما في صحفتها)، فالمقصود من ذلك: أن المرأة عندما تخطب، والخاطب عنده زوجة في عصمته، فتقول المخطوبة: طلق زوجتك التي عندك، وأنا أقبل الزواج منك، يعني: أنا لا أتزوجك إلا إذا طلقت زوجتك التي في عصمتك، طلقها وأنا أستجيب لطلبك، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(ولا تسأل المرأة طلاق أختها)]، يعني: من الخاطب الذي جاء يخطبها، لا تسأل طلاق أختها التي هي في عصمته، وهي أخوة في الدين، وليست أخوة في النسب؛ لأن الجمع بين الأختين في النسب كما هو معلوم لا يجوز، وفي هذا إشارة إلى أنه من القبيح، أن تفعل المرأة مع أختها في الدين مثل هذا العمل، قال: [(لتكفأ ما في صحفتها)]؛ لأن المرأة التي هي في عصمة زوج هي بمثابة المرأة التي معها إناء فيه ماء، فتأتي امرأة وتقلبه، فينسكب ما فيه من الماء على الأرض، فتحرم إياه تلك المرأة، فشبه المرأة في عصمة الرجل وكونها تستفيد منه وتستمتع به، وينفق عليها ويسكنها ويؤويها، وعندها بيدها خير منه، وتأتي امرأة مخطوبة فتطلب الطلاق للأولى فيتخلى عنها ويتركها، هي بمثابة التي معها صحفة فيها ماء أو فيها لبن فتقلبها، فينسكب ذلك التي فيها في الأرض فتحرمه، وذلك لا يجوز، بل إذا كان الرجل عنده زوجة، وجاء يخطب امرأة، فلا يحل لها أن ما تقول له: طلق زوجتك، وإنما تقول: أنا لا أرغب في الزواج.. ما توافق، أما أن تقول: طلق وأوافق، فإن هذا لا يجوز.
    وهناك مسألة أخرى لها علاقة بهذه المسألة وهي: لو أن إنساناً خطب امرأة وهو ليس عنده زوجة، واشترطت عليه المخطوبة ألا يتزوج عليها، فهذه الصورة غير السابقة؛ فالسابقة فيها شيء باليد حاصل يراد إبطاله، وأما هذه الصورة.. تقول: والله أنا ما أستطيع.. ما أصبر على الجارة والضرة، فأنت إن كان يعجبك أن تتزوج بي ولا تتزوج علي، فأنا موافقة، وإلا ابحث لك عن غيري، فأنا في سعة وأنت في سعة، لكن تلك التي في الصورة السابقة امرأة في عصمة زوج، وإذا طلب زواج أخرى فرق بين الزوجين، وأما هذه الصورة فليس فيه شيء، رجل يريد أن يعدد، وهذه المرأة لا ترغب بالتعديد، بل تريد أن تبقى وحدها، وإن كان هناك جارة فهي أمرها بيدها، ومثل هذا لا بأس منه، ولا مانع يمنع منه؛ لأن هذا الشرط لا يترتب عليه مضرة حاصلة، والمرأة قد لا تتمكن من الصبر على جارة، فهي تريد أن تكون من البداية على بينة من أمرها، وإذا أراد أن يتزوج ووافقت فهذا إليها، وإن لم توافق فيكون أمرها بيدها، لكن فرق بين المسألتين؛ لأن المسألة التي في الحديث التي ورد فيها النهي هي: إتلاف شيء موجود، وإضاعة منفعة حاصلة، وأما هذه المسألة فليس فيها شيء، بل تريد أن تدخل على بينة، وهذا ما ورد فيه شيء يدل على المنع منه.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (... لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي].
    ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، مكثر من الرواية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد].
    هو سعيد بن المسيب، وهو ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    حديث أبي هريرة: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك (ح) والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم حدثني مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه: [(لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)]، وقد عرفنا ما يتعلق بذلك.
    قوله: [أخبرني هارون بن عبد الله].
    هو الملقب الحمال، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن معن].
    هو معن بن عيسى المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    ثم قال النسائي: [(ح)]، وهذه علامة للتحول من إسناد إلى إسناد، بمعنى: أن النسائي عندما ذكر الإسناد، ومشى فيه إلى أثنائه، أراد أن يبدأ إسناداً آخر يستمر حتى يتلاقى مع الإسناد الأول عند شخص، ثم يستمران في طريق واحد بعد ذلك، فـ (ح) هذه تدل على التحول من إسناد إلى إسناد.
    قوله: [(ح) والحارث بن مسكين]، ما قال: وأخبرني الحارث بن مسكين، وقد عرفنا فيما مضى أن للنسائي حالتين مع شيخه الحارث بن مسكين: حالة هي أنه غضب عليه ومنعه من أن يجلس في حلقته وأن يروي عنه، فكان في تلك الحال لا يمتنع، ولكنه يأتي ويجلس وراء الستار ويسمع ويروي، وفي حالة أخرى حصل بينهما انسجام وتراضي، فكان يأذن له، ففي الحالات التي كان مأذوناً له يقول: وأخبرني، والحالات التي ما كان مأذوناً له يقول: والحارث بن مسكين، أو الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع؛ لأنه ما أراد إخباره.
    [والحارث بن مسكين].
    هو المصري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك].
    وهو ملتقى الطريقين، ومن مالك يتحد الإسناد إلى أعلاه.
    [عن محمد بن يحيى بن حبان].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعرج لقب له، ويأتي ذكره باللقب كما هنا، ويأتي ذكره بالاسم أحياناً فيقال: عبد الرحمن بن هرمز، ومعرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، فائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باللقب، ومرة بالاسم، من لا يعرف يظن أن الأعرج شخص، وأن عبد الرحمن بن هرمز شخص آخر، ومن يعلم أن هذا لقب لهذا لا يلتبس عليه الأمر.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث أبي هريرة: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، [(لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك)]، يعني: حتى يتبين الأمر، إما أن يتم الزواج، وبذلك انتهى ولا مجال للخطبة، أو يتم الرفض وعند ذلك يكون هناك مجال للخطبة، وهذا كما قلت: فيما إذا حصل تقارب واتفاق، أما إذا لم يحصل اتفاق وتواطؤ، وما حصل تقارب، فإنه لا بأس بالخطبة على الخطبة؛ لأنه ما حصل اتفاق وتقارب حتى ينكح، يعني: يتم الزواج أو يتم الترك.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ...) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرني يونس بن عبد الأعلى].هو يونس بن عبد الأعلى المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث أبي هريرة: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا غندر عن هشام عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    قتيبة قد مر ذكره.
    [عن غندر].
    يأتي أحياناً ذكره باسمه، وأحياناً ذكره بلقبه كما هنا، فـغندر لقبه، واسمه محمد بن جعفر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].
    هو ابن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو ابن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    قد مر ذكره.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #432
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (429)

    - (باب خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له) إلى (باب صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها)




    اهتم الإسلام بحقوق الآخرين واحترامها، ومراعاة مشاعرهم، ومن ذلك أنه عند خطبة الرجل لأي امرأة فإنه لا يجوز لأحد أن يخطب هذه المرأة إلا عند إعراض هذا الخاطب الأول عنها، أو إذنه لشخص آخر أن يخطبها، كل ذلك حفظاً لأخوة الإسلام.

    خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له


    شرح حديث: (... ولا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له. أخبرني إبراهيم بن الحسن حدثنا الحجاج بن محمد قال ابن جريج: سمعت نافعاً يحدث: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب)].
    يقول النسائي رحمه الله: خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له، يريد النسائي بهذه الترجمة: أن النهي الذي ورد في خطبة الرجل على خطبة الرجل يكون مقيداً فيما إذا لم يترك الخاطب، أو لم يأذن الخاطب له بأن يخطب تلك المرأة، فإذا ترك وعدل عن الخطبة فلغيره أن يتقدم لخطبتها، وكذلك إذا أذن وقال لشخص من الناس: اخطبها، فإن هذا له حق الخطبة، أما إذا لم يكن كذلك بأن تقدم للخطبة وركن إليه، فليس لأحد أن يتقدم للخطبة حتى يتبين الأمر بكونه يتزوجها، أو بكونه يتركها، أو بكونه يأذن لشخص من الناس أن يتقدم لخطبتها؛ لأن إذنه لشخص من الناس للتقدم لخطبتها رغبة عنها وعدول عنها.
    وقد أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعضٍ)، ومعنى [بيع البعض على بيع البعض]: أن يكون إنسان عنده سلعة باعها على إنسان وتم البيع وهما في مدة خيار.. فيأتي شخص من الناس إلى المشتري في مدة الخيار ويقول له: اترك هذه السلعة، أو اعدل عن شرائها وأنا أبيعك مثلها بأرخص منها، هذا لا يجوز، وهو بيع البعض على بيع البعض.
    ومثله الشراء على الشراء، بأن يكون إنسان باع سلعةً على إنسان، وهما في مدة خيار، فيأتي شخص إلى هذا البائع ويقول له: اعدل عن بيعك لهذا الشخص المشتري، وأنا أشتريها منك بأغلى مما بعتها به عليه، هذا شراء على شراء، أي: يحول بين المشتري وبين السلعة بأن يأخذها من البائع بأغلى منها، وهذا لا يجوز أيضاً، وقد جاء الحديث بالنهي عن البيع على البيع، والشراء على الشراء.
    قوله: [(ولا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب)].
    أي: حتى يترك الخاطب الأول ويعدل، أو يقول له: اخطبها؛ لأن قوله: اخطبها معناه ترك لها، ورغبة وعدول عنها.
    والحاصل أن النهي عن الخطبة على الخطبة فيما إذا لم يحصل الترك، أو لم يحصل الإذن، أما إذا وجد الترك، أو وجد الإذن للخاطب الثاني أن يخطب، فإن الخطبة في هذه الحالة مأذون ومرخص فيها كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ولا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله...)


    قوله: [أخبرني إبراهيم بن الحسن].هو إبراهيم بن الحسن المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن الحجاج بن محمد].
    هو المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، فهؤلاء اشتهروا بلقب العبادلة الأربعة، وأيضاً هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة.

    شرح حديث فاطمة بنت قيس: (... ومن خطبك؟ فقلت: معاوية ورجل آخر من قريش...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني حاجب بن سليمان حدثنا حجاج حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري ويزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان: (أنهما سألا فاطمة بنت قيس رضي الله عنها عن أمرها؟ فقالت: طلقني زوجي ثلاثاً، فكان يرزقني طعاماً فيه شيء، فقلت: والله لئن كانت لي النفقة والسكنى لأطلبنها ولا أقبل هذا، فقال الوكيل: ليس لك سكنى ولا نفقة، قالت: فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ليس لك سكنى ولا نفقة، فاعتدي عند فلانة، قالت: وكان يأتيها أصحابه، ثم قال: اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه أعمى، فإذا حللت فآذنيني، قالت: فلما حللت آذنته، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ومن خطبك؟ فقلت: معاوية ورجلٌ آخر من قريش، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أما معاوية فإنه غلامٌ من غلمان قريش لا شيء له، وأما الآخر فإنه صاحب شرٍ لا خير فيه، ولكن انكحي أسامة بن زيد، قالت: فكرهته، فقال لها ذلك ثلاث مرات، فنكحته)].أورد النسائي حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها، في قصة طلاقها من زوجها طلاقاً بائناً، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تعتد عند أم شريك، وهي امرأة غنية كثيرة الضيفان، ثم عدل عن ذلك وأرشدها إلى أن تعتد عند ابن أم مكتوم ؛ لأنه رجل أعمى لا يبصر، وقال: (إذا حللت -أني إذا انتهيت من العدة- فآذنيني)، يعني: أخبريني وأعلميني بانتهائك، ولما انتهت من عدتها أخبرته بأنها خطبها معاوية ورجل آخر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما معاوية فإنه غلامٌ من غلمان قريش لا شيء له)، يعني: لا مال له، وقد جاء في بعض الروايات: (صعلوكٌ لا مال له). قال: (وأما الآخر فصاحب شرٍ لا خير فيه)، والمقصود من ذلك: أن فيه شر على النساء من جهة أنه يضربهن، وليس معنى ذلك أنه خال من الخير مطلقاً، بل المقصود أنه في تعامله مع النساء عنده شر، وأنه لا خير فيه للنساء من حيث التعامل معهن، وأنه ضراب للنساء، وجاء في بعض الأحاديث أنه أبو جهم.
    قال: (ولكن انكحي أسامة بن زيد)، فلم يعجبها ذلك، فكرر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم فنكحته، فتزوجها رضي الله تعالى عنها.
    والمقصود من الترجمة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطبها لـأسامة بن زيد، وكانت قد خطبت من قبل، وقد عرفنا فيما مضى أن المنع من الخطبة على الخطبة إذا حصل الركون والتقارب؛ لأن هذا فيه إفساد لما قد تم، وهي قد أخبرت بأنه خطبها عدة أشخاص، ولكنها تريد أن تعرف أيهما أولى لها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أشار عليها بألا تتزوج واحداً منهما، وبين العلة في ذلك، وأرشدها أو أشار عليها بأن تتزوج أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو مولى، فتوقفت في ذلك أولاً، ثم بعد أن كرر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم المشورة، انقادت واستسلمت لما أشار به عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( معاوية غلامٌ من غلمان قريش لا مال له، وأن هذا صاحب شرٍ لا خير فيه)، فيه بيان: أن من استشير في شخص فعليه أن يبين حاله، ولا يعتبر هذا من الغيبة المحرمة، بل هذا مما استثني من الغيبة التي هي ذكرك أخاك بما يكره، فكون الإنسان يستشار في شخص ليزوج أو ليكون شريكاً، أو ما إلى ذلك من الأمور التي يحتاج الناس إلى ارتباط بعضهم ببعض، فعليه أن يبين حاله، ولا يعتبر هذا من الغيبة.
    وكذلك مما استثني من الغيبة، يتعلق في الرواية والكلام في الرواة، وبيان أحوالهم، وبيان ضعفهم، أيضاً هذا ليس من الغيبة المحرمة؛ لأن هذا من قبيل النصح للمسلمين، ومعرفة ما يثبت من الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما لا يثبت بسبب ضعف حملته ونقلته.

    تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس: (... ومن خطبك؟ فقلت: معاوية ورجل آخر من قريش...)


    قوله: [أخبرني حاجب بن سليمان].صدوق يهم، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن حجاج].
    هو حجاج بن محمد، وقد مر ذكره.
    [عن ابن أبي ذئب].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ويزيد بن عبد الله بن قسيط].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحارث بن عبد الرحمن].
    وهذا معطوف على الزهري، يعني يروي عنه ابن أبي ذئب؛ لأن ابن أبي ذئب يرويه من طريقين: من طريق الزهري ويزيد بن عبد الله بن قسيط، ومن طريق خاله الحارث بن عبد الرحمن، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أنهما سألا].
    والمقصود بهما: محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
    [سألا فاطمة بنت قيس].
    صاحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكرها مراراً في هذا الحديث.


    إذا استشارت المرأة رجلاً فيمن يخطبها، هل يخبرها بما يعلم؟

    شرح حديث فاطمة بنت قيس: (... فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني ...) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا استشارت المرأة رجلاً فيمن يخطبها، هل يخبرها بما يعلم؟أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، واللفظ لـمحمد عن ابن القاسم عن مالك عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: (أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائبٌ، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله مالك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ليس لك نفقة، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: تلك امرأةٌ يغشاها أصحابي، فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجلٌ أعمى، تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوكٌ لا مال له، ولكن انكحي أسامة بن زيد فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة بن زيد فنكحته، فجعل الله عز وجل فيه خيراً، واغتبطت به)].
    أورد النسائي هذه الترجمة: إذا استشارت امرأة رجلاً فيمن يخطبها، هل يخبرها بما يعلم؟ يريد بذلك أنه يخبرها بما يعلم، وهذا ليس من الغيبة، بل هو من النصيحة والمشورة على المستشير، وقد أورد النسائي حديث فاطمة بنت قيس من طريق أخرى، وهو أنها لما طلقها زوجها البتة وكان غائباً، وكان له وكيل، فأرسل لها طعاماً فلم يعجبها وسخطته، يعني: لم ترض به، فقال: ليس عندنا لك شيء، فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما حصل، فقال: (ليس لك عليه نفقة)، وأيضاً لا سكنى، وأمرها بأن تعتد عند أم شريك، ثم عدل عن ذلك فقال: [تلك امرأة يغشاها أصحابي]؛ لأنها كثيرة الضيفان، ولكن اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه أعمى لا يبصر، فلما فرغت وانتهت عدتها أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه خطبها معاوية، وأبو جهم، فقال عليه الصلاة والسلام: (أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه)، وفسر عدم وضعه العصا عن عاتقه بأنه كثير الضرب للنساء، وهذا هو الذي يطابق ما جاء في الروايات السابقة: (صاحب شرٍ، لا خير فيه)، وجاء في بعضها: أنه كثير الأسفار، يعني: أنه كثير الغيبة عن المرأة، (وأما معاوية فصعلوكٌ لا مال له)، يعني: فقير لا مال له.
    ثم قال: (انكحي أسامة بن زيد )، فكرهت ذلك، فأعاد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتزوجها، واغتبطت به رضي الله تعالى عنها وعنه وعن الصحابة أجمعين.

    تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس: (... فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني ...) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [والحارث بن مسكين].
    هو الحارث بن مسكين المصري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن عبد الله بن يزيد].
    هو عبد الله بن يزيد المخزومي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس].
    أبو سلمة بن عبد الرحمن، وفاطمة بنت قيس، قد مر ذكرهما.


    إذا استشار رجل رجلاً في المرأة، هل يخبره بما يعلم؟

    شرح حديث: (... ألا نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا استشار رجل رجلاً في المرأة، هل يخبره بما يعلم؟ حدثنا علي بن هاشم بن البريد عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: (جاء رجلٌ من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني تزوجت امرأةً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألا نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً)، قال أبو عبد الرحمن: وجدت هذا الحديث في موضع آخر عن يزيد بن كيسان: أن جابر بن عبد الله حدث، والصواب أبو هريرة].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إذا استشار رجل رجلاً في امرأة هل يخبره بما يعلم؟ يعني عكس التي قبلها أو مثل التي قبلها، إلا أن ذاك رجل استشير في رجل، وهنا رجل استشير في امرأة، وأورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني تزوجت امرأةً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألا نظرت إليها؟ فإن في أعين الأنصار شيئاً).
    الذي يبدو أنه أراد أن يتزوجها، ولهذا جاء يستشير، وأما إذا تزوجها وانتهى الأمر ودخل عليها، فما يبقى هناك مجال للمشورة، ويوضح هذا الحديث الذي بعده: أنه أراد أن يتزوج امرأة، فقوله: (تزوجت امرأة)، يعني: أردت أن أتزوجها، وليس المقصود أنه تزوجها؛ لأنه إذا تزوج بالفعل، فليس هناك فائدة فيما إذا تم؛ لأن هذا يؤدي إلى الفرقة، وإلى عدم الانسجام بين الرجل والمرأة، ولكنه قبل أن يتم شيء، هذا هو الذي يكون فيه مجال، فقال: (ألا نظرت إليها؟ فإن في أعين الأنصار شيئاً)، وهذا المقصود من الترجمة، (فإن في أعين الأنصار شيئاً)، يعني: الكلام في الوصف، وقيل: إن المقصود بذلك صغر العيون، وقيل: إنه عدم جمال، والصغر كذلك هو من هذا القبيل، لكن شيء أعم من الصغر، لكن القضية هي قضية غالبة، والمراد بها هو صغر العيون.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ألا نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن آدم].هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن علي بن هاشم].
    هو علي بن هاشم بن البريد، وهو: بفتح الموحدة وبعد الراء تحتانية ساكنة، وهو: صدوق يتشيع، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن يزيد بن كيسان].
    صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي حازم].
    هو أبو حازم سلمان الأشجعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.
    قال في آخره: [قال أبو عبد الرحمن: وجدت هذا الحديث في موضع آخر عن يزيد بن كيسان: أن جابر بن عبد الله حدث..]
    يعني: معنى هذا أن النسائي يرى أن الصواب هو ما تقدم من رواية يزيد بن كيسان عن أبي هريرة، وليس رواية يزيد بن كيسان عن جابر.

    شرح حديث: (... انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأةً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو يوضح الطريقة السابقة، وأن المراد: من أراد أن يتزوج امرأة، وهذا هو المجال الذي يكون فيه نظر واختيار، ورغبة أو عدول، أما إذا حصل الزواج فإنه لا مجال لشيء من ذلك، وهو يوضح الرواية السابقة من قوله (تزوج).. أي: أراد أن يتزوج.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، ثقة، أخرج له النسائي، وابن ماجه.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.


    عرض الرجل ابنته على من يرضى

    شرح حديث: (... فلقيت أبا بكر فقلت: إن شئت أنكحك حفصة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب عرض الرجل ابنته على من يرضى. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما قال: (تأيمت حفصة بنت عمر رضي الله عنها من خنيس -يعني ابن حذافة، - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن شهد بدراً، فتوفي بالمدينة، فلقيت عثمان بن عفان رضي الله عنه فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فقال: سأنظر في ذلك، فلبثت ليالي فلقيته فقال: ما أريد أن أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فلم يرجع إلي شيئاً، فكنت عليه أوجد مني على عثمان رضي الله عنه، فلبثت ليالي فخطبها إليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئاً، قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعن حين عرضت عليّ أن أرجع إليك شيئاً، إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكرها، ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو تركها نكحتها)].
    أورد النسائي ترجمة: عرض الرجل ابنته على من يرضى، يعني: كونه يعرض ابنته على شخص يرضاه ليتزوجها؛ رغبةً في مصاهرته وكونه يتزوج ابنته، أورد النسائي في ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لما تأيمت ابنته حفصة من زوجها خنيس بن حذافة رضي الله تعالى عنه، وجاء إلى عثمان رضي الله عنه فعرضها عليه وقال: [إن شئت أنكحتك حفصة]، وعثمان رضي الله عنه كان يعلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكرها، فقال: سأنظر، ثم لقيه بعد ذلك فقال: إنني لا أريد الزواج في يومي هذا، أي: في الوقت الحاضر ما أرغب في أن أتزوج، ثم جاء إلى أبي بكر فعرضها عليه، فسكت ولم يجبه شيئاً، فكان في نفسه شيء من كونه لم يرد عليه جواباً، وجواب عثمان كان أنسب عنده من فعل أبي بكر رضي الله عنه؛ لأن عثمان قال: سأنظر، ثم قال: لا أريد الزواج في وقتي هذا، وأما أبو بكر فسكت ولم يجب، ثم بعد ذلك خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه، ثم جاء أبو بكر معتذراً عما حصل له من عدم الجواب فيما مضى، وقال: لعلك وجدت في نفسك علي شيئاً إذ لم أرد عليك؟ قال: نعم، قال: إنه ما منعني إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكرها، ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لتزوجتها.
    محل الشاهد من هذا أن عمر رضي الله عنه عرضها على أبي بكر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، وهو يدل على الترجمة، وأن الشخص الذي يرغب فيه ويفرح في مصاهرته، إذا عرض الإنسان ابنته عليه، فإن ذلك لا بأس به، وقد دل عليه هذا الدليل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فلقيت أبا بكر فقلت: إن شئت أنكحك حفصة...)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه المروزي الحنظلي، ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر].
    هو ابن راشد البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [عن سالم].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن ابن عمر].
    وقد مر ذكره.
    [عن عمر].
    هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    عرض المرأة نفسها على من ترضى

    شرح حديث: (جاءت امرأةٌ إلى رسول الله فعرضت عليه نفسها...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب عرض المرأة نفسها على من ترضى.أخبرنا محمد بن المثنى حدثني مرحوم بن عبد العزيز العطار أبو عبد الصمد سمعت ثابتاً البناني يقول: (كنت عند أنس بن مالك رضي الله عنه وعنده ابنةٌ له، فقال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعرضت عليه نفسها، فقالت: يا رسول الله! ألك في حاجة؟)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: عرض المرأة نفسها على من ترضى، فهذه الترجمة تقابل الترجمة السابقة، فهناك عرض الرجل ابنته على من يرضى، وهنا عرض المرأة نفسها على من ترضى، فهناك يعرضها وليها، وهذه فيها عرض المرأة نفسها على من ترضاه.
    أورد النسائي فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن امرأةً جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعرضت نفسها عليه وقالت: ألك بي حاجة؟) يعني: تريد الزواج.

    تراجم رجال إسناد حديث: (جاءت امرأةٌ إلى رسول الله فعرضت عليه نفسها...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو محمد بن المثنى أبو موسى الملقب الزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [عن مرحوم بن عبد العزيز العطار].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
    وهذا الإسناد من رباعيات النسائي ؛ لأن فيه محمد بن المثنى، عن مرحوم بن عبد العزيز، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند النسائي.

    شرح حديث: (أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ...) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا مرحوم حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن امرأةً عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فضحكت ابنة أنس، فقالت: ما كان أقل حياءها! فقال أنس: هي خيرٌ منك عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وفيه: أن امرأةً عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. (أن امرأةً عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فضحكت ابنة أنس، فقالت: ما كان أقل حياءها!).
    يعني ابنة أنس وهي تسمع أباها عندما حدث بالحديث ضحكت وقالت: ما كان أقل حياءها، تعني هذه المرأة التي جاءت تعرض نفسها على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال أنس: (هي خيرٌ منك، إنما عرضت نفسها على رسول الله عليه الصلاة والسلام)، وهذا فخر وشرف عظيم، وهو خير الأزواج عليه الصلاة والسلام، وإنما طمعت في خير الناس وفي أفضل الناس، وكونها تطلب هذا الشرف فإنما يدل على فضلها وعلى خيريتها، وعلى إرادتها أن تكون عند خير الناس عليه الصلاة والسلام، فما كان هناك مجال لأن يتنقص منها أو تعاب، بل إنها أرادت شرفاً، وأرادت فضلاً، فهي خير منك حيث كان قصدها ذلك، وأقدمت على ذلك؛ لأنها تريد الخير، وأنت ضحكت من تصرفها وعبتيها على هذا التصرف، وهي ليست معيبة؛ لأنها أرادت خيراً لنفسها أن تكون من أمهات المؤمنين، وأن تكون زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحديث فيه عرض المرأة نفسها على من ترضى.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ...) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. وهو ومحمد بن المثنى الذي في الإسناد السابق متماثلان في أمور كثيرة، اتفقا في سنة الولادة، وسنة الوفاة، وفي كثير من الشيوخ والتلاميذ، ولهذا قال الحافظ ابن حجر في التقريب: وكانا كفرسي رهان، وماتا في سنة واحدة، ولدا في سنة وماتا في سنة، وكل منهما من أهل البصرة، وهما متفقان في الشيوخ، وفي التلاميذ، ولهذا قال: وكانا كفرسي رهان، وكانت وفاتهما سنة اثنتين وخمسين ومائتين، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، فهما من صغار شيوخ البخاري.
    [عن مرحوم عن ثابت عن أنس].
    وبقية الإسناد كالذي قبله.


    صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها


    شرح حديث: (... يا زينب أبشري! أرسلني إليك رسول الله يذكرك، فقالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى استأمر ربي ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها. أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: أنه قال: (لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لـزيد: اذكرها علي، قال زيد: فانطلقت فقلت: يا زينب! أبشري، أرسلني إليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكرك، فقالت: ما أنا بصانعةٍ شيئاً حتى أستأمر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل بغير أمرٍ)].
    أورد النسائي صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها، المقصود من هذا: أن الزواج من الأمور التي يستخار الله عز وجل فيها، وصلاة الاستخارة مشروعة في مثل هذا الأمر، وفي الأعمال التي يحتاج إليها الإنسان والتي لا يعرف نتائجها، هل تكون طيبة أو غير طيبة؟ فيستخير الله عز وجل، وسيأتي في الباب الذي بعد هذا بيان الاستخارة ودعاء الاستخارة.
    وقد أورد النسائي حديث أنس: أن زينب رضي الله تعالى عنها لما طلقها زوجها زيد رضي الله تعالى عنه، والرسول صلى الله عليه وسلم بعدما فرغت من العدة. قال له: (اذهب فاذكرها)، معناه: أن يخطبها زيد له صلى الله عليه وسلم، فذهب وقال: أبشري.. يذكرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: (ما أنا بصانعةٍ شيئاً حتى أستأمر ربي)، يعني معناه: تستخيره، فقامت إلى مصلاها وصلت، وأنزل الله عز وجل القرآن: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37]، فقام ودخل عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام بهذا التزويج من الله عز وجل لها، وهذه الاستخارة ليست في كونها تتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا تتزوجه، وهل مناسب أن تتزوجه أو ما تتزوجه؟ وإنما قال بعض أهل العلم: إن هذا يرجع إلى ترددها، هل تقوم بواجبها نحوه؟ وهل تتمكن من أن تقوم بما يجب له عليها؟ فهذا هو مجال الاستخارة، لا من أجل أنه هل تستجيب للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتزوجها أو لا تستجيب؟ فإن الظفر بالرسول صلى الله عليه وسلم وكون المرأة تكون في عصمته، هذا شرف لا يماثله شرف في حق النساء؛ لأنهن يكن بذلك من أمهات المؤمنين، ولهن الفضل الذي لهن رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، ولكن هذه الاستخارة إنما هي في ترددها في كونها تستطيع أن تقوم بما يجب عليها له صلى الله عليه وسلم أو لا، رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    وفيه: بيان نزول القرآن في ذلك، وسمي زيد رضي الله تعالى عنه باسمه في القرآن، فقال: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37].

    تراجم رجال إسناد حديث: (... يا زينب أبشري! أرسلني إليك رسول الله يذكرك، فقالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى استأمر ربي ...)


    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان بن المغيرة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثابت عن أنس].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (كانت زينب بنت جحش تفخر على نساء الرسول...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن يحيى الصوفي حدثنا أبو نعيم حدثنا عيسى بن طهمان أبو بكر سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تقول: إن الله عز وجل أنكحني من السماء، وفيها نزلت آية الحجاب)].أورد النسائي حديث أنس رضي الله تعالى عنه: أن زينب رضي الله عنها، كانت تفخر على نساء الرسول صلى الله عليه وسلم وتقول: (إن الله عز وجل أنكحني من السماء)، وفي بعض الروايات: (زوجكن أهاليكن، وأنا زوجني الله من فوق سبع سموات)، والمقصود بقولها: (من السماء)، أي: من العلو؛ لأن الله تعالى في العلو فوق السموات مستو على العرش، وليس المقصود بالسماء المبنية، فإن الله تعالى فوق العرش، وهو في السماء العلو؛ لأن كل ما على وارتفع يقال له: سماء، وقول الله عز وجل: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]، أي: في العلو، وليس المقصود بذلك السماء المبنية التي هي سبع سموات خلقها الله كما خلق الأرض، فالله عز وجل ليس حالاً في المخلوقات، والمخلوقات ليست حالة به سبحانه وتعالى، بل هو مستو على عرشه فوق خلقه، والسماء يطلق على العلو، كل ما علا فهو سماء، يعني ما فوق العرش يقال له: سماء؛ لأنه علو، فتقول: (أنكحني الله من السماء)، أي: نزل بذلك القرآن بأن يتزوجني رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان زواجها بهذا القرآن الذي نزل، وبدون ولي وبدون عقد، بل بهذا القرآن الذي نزل؛ لأنه قام ودخل عليها عليه الصلاة والسلام، ولهذا كانت تفتخر على النساء، وهذا من الأدلة التي يستدل بها على العلو لله عز وجل، وعلى صفة العلو، وأن الله تعالى في السماء، أي: في العلو، أي: فوق العرش عال على خلقه، بائن من خلقه، ليس حالاً في المخلوقات، ولا المخلوقات حالةً فيه سبحانه وتعالى.
    (وفيها نزلت آية الحجاب)، يعني: وأيضاً في زينب بنت جحش نزلت آية الحجاب.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كانت زينب بنت جحش تفخر على نساء الرسول...)


    قوله: [أخبرنا أحمد بن يحيى الصوفي].هو أحمد بن يحيى بن زكريا الصوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي نعيم].
    هو الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، ويأتي بكنيته كما هنا، ويأتي باسمه ونسبه فيقال: الفضل بن دكين، وأبو نعيم متقدم، والنسائي يروي عنه بواسطة كما هنا، وهو من كبار شيوخ البخاري، وقد اشتهر بهذه الكنية شخص آخر متأخر صاحب المؤلفات.. صاحب الحلية وغيرها، وهو: أبو نعيم الأصبهاني، وقد توفي سنة ثلاثين وأربعمائة، وأما هذا متقدم.
    [عن عيسى بن طهمان].
    صدوق، أخرج له البخاري، والترمذي في الشمائل، والنسائي.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد مر ذكره.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #433
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (430)

    - (باب كيف الاستخارة) إلى (باب إنكاح الرجل ابنته الكبيرة)




    كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة في الأمر كله كما يعلمهم السورة من القرآن، فيعلمهم صفتها والدعاء الذي يذكر فيها، كما يعلمهم الأوقات التي يشرع لهم الإتيان بها فيها.
    كيف الاستخارة

    شرح حديث جابر في صفة الاستخارة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف الاستخارة.أخبرنا قتيبة حدثنا ابن أبي الموال عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستعينك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر، ولا أقدر، وتعلم، ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري، وآجله فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، قال: ويسمي حاجته)].
    يقول النسائي رحمه الله: كيف الاستخارة، لما ذكر في الترجمة السابقة قصة زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها، وأنه لما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: إنها ليست بصانعة شيئاً حتى تستأمر ربها، فذهبت إلى مصلاها، وصلت صلاة الاستخارة، وقد عرفنا فيما مضى: أن صلاتها واستخارتها لم يكن لترددها في الزواج من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل تتزوج أو لا تتزوج؟ وإنما كان من أجل خوفها من تقصيرها في حقه صلى الله عليه وسلم، رضي الله تعالى عنها وأرضاها، لما ذكر النسائي استخارة زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها، عقبه بهذه الترجمة فقال: كيف الاستخارة، أي ما هي كيفية الاستخارة؟ فأورد حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن)، كان عليه الصلاة والسلام يعلمهم الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمهم السورة من القرآن الذي هو كلام الله عز وجل، يعني أنه كان يهتم، ويعتني بتعليمهم الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، وهذا فيه دليل على الاهتمام، والعناية بهذا الأمر، وأن الإنسان عندما يريد أن يقدم على أمر من الأمور، فإنه يشرع له، ويستحب أن يستخير الله عز وجل، بأن يصلي صلاة الاستخارة، ثم يدعو بهذا الدعاء الذي جاء في حديث جابر رضي الله عنه هذا، وذلك أن الإنسان لا يعلم ما هو الخير له في الأمور، ولكنه يسأل الله عز وجل، ويطلب منه أن يختار له ما فيه الخيرة، وأن ييسر له الأمر الذي يكون فيه الخير له.
    وقوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن)]، المراد بالأمور التي يستخار فيها، من العلماء من قال: الاستخارة في الأمور كلها من العام المراد به الخصوص، يعني لا يراد به أن كل شيء يستخار فيه، فإن الإنسان عندما يتقرب إلى الله عز وجل بعبادة لا يستخير الله عز وجل، هل يتقرب بها أو لا يتقرب بها؟ هل يفعلها أو لا يفعلها؟ وإنما يستخير في الأمور التي هي مباحة، والتي هي مترددة بين هل الإنسان يفعلها أو لا يفعلها، أما ما كان مشروعاً أو كان لازماً، فإن هذا لا يستخير فيه الإنسان، يعني كون الإنسان يريد أن يصلي صلوات، لا يستخير الله في أنه يصلي، كون الإنسان يريد أن يحج، لا يستخير الله في أنه يحج؛ لأن هذه أمور مشروعة، ومطلوبة، والخير في فعل العبادة والتقرب إلى الله عز وجل في العبادة؛ لأن فعل العبادة خير للإنسان، وهو قربة للإنسان يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، قالوا: فهو من العام المراد به الخصوص، أي: أنه ليس باقياً على عمومه، [(كما يعلمنا السورة من القرآن)]، أي: للاهتمام والعناية في ذلك، فيقول في تعليمهم الاستخارة: إذا هم أحدكم بالأمر، يعني: إذا قصد أمراً من الأمور، مثل كونه يريد أن يسافر سفراً لأمر ما، لتجارة أو لغير ذلك من الأمور، أو أراد أن يتزوج، أو أراد أن يدخل في عمل من أمور الدنيا كمشروع من المشاريع الدنيوية، بأن يتجه إلى وجهة من الوجهات يطلب الرزق فيها، ويطلب الربح فيها، فهنا يصلي صلاة الاستخارة، وصلاة الاستخارة هي أن يصليها ركعتين، [(إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة)]، يعني ما تكون الصلاة التي يستخير الله عز وجل فيها صلاة فريضة، قيل: ولا الرواتب، التي هي تابعة للفريضة؛ لأنها متعلقة، وإنما يصلي صلاةً قصده من هذه الصلاة أنه يستخير الله عز وجل في هذه الصلاة، يركع ركعتين من غير الفريضة، يصلي هاتين الركعتين، ثم يدعو بالدعاء، ويكون هذا الدعاء بعد الفراغ من الصلاة، يدعو بهذا الدعاء الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، واهتم واعتنى به حتى قال الصحابي: (كما يعلمهم السورة من القرآن)، ثم يقول: [(اللهم إني أستخيرك بعلمك)]، يعني: أطلب منك الخير، أو أطلب منك الخيرة، [(بعلمك)]، أي: بما كنت تعلمه مما هو الخير لي؛ لأن الله عز وجل بكل شيء عليم، يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وكل شيء مقدر، جف القلم بما هو كائن، وقد مر بنا قريباً حديث أبي هريرة: (جف القلم بما أنت لاقٍ)، لكن الله عز وجل شرع للناس مع هذا أن يدعوا الله عز وجل، والدعاء عبادة، ولا يقال: إن الله عز وجل إذا كان قد قدر شيئاً للإنسان، فهذا الذي قدره الله عز وجل ما يحتاج إلى أن يفعل أشياء كالدعاء؛ لأن المقدر كائن؛ لأن الله عز وجل يقدر السبب، ويقدر المسبب، يقدر الأسباب، والمسببات، فالمسبب يقدر له سبباً، ويكون السبب مقدرا، والمسبب مقدراً، ويكون من أسباب حصول المقدر الذي هو مقصود، ومطلوب، أن الإنسان يدعو، فيكون الله عز وجل قدر هذا الذي قدره مما يريده الإنسان، وقدر شيئاً يفعل للوصول إليه كالدعاء، وكالأفعال التي يفعلها الإنسان للوصول إلى ما يريد، (احرص على ما ينفعك واستعن بالله)، يعني الإنسان يبذل الأسباب، ويفعل الأسباب للوصول إلى ما يريد، والمقدر كائن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أخبرهم بالقدر، وبأن كل شيء مقدر، قالوا: (أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل قال: لا، اعملوا، فكلٌ ميسرٌ لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، والله عز وجل كتب أن هذا يكون من أهل الجنة، وهذا يكون من أهل النار، وكتب أسباباً توصل إلى الجنة، وتوصل إلى النار، والسبب لا بد وأن يقع إذا كان مقدراً، ويقع المسبب بعده أو معه؛ لأن كل ما هو كائن، وكلما هو واقع، فهو بقضاء الله وقدره، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

    شرح دعاء الاستخارة

    وقوله: [(اللهم إني أستخيرك بعلمك)]، يعني: أطلب منك الخير لكونك تعلم ما هو الخير، وتعلم عواقب الأمور، ونتائج الأشياء، وما يترتب عليها، فأنت الذي تعلم الغيب والشهادة، (أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك)، في اللفظ الذي معنا: (وأستعينك بقدرتك)، لكن أكثر الروايات وفي البخاري وفي غيره: (وأستقدرك بقدرتك)، يعني: أسألك أن تقدرني، يعني: أطلب منك أن تقدرني على ما تعلم أنه خير لي، تقدرني على فعله، وعلى فعل الأسباب التي توصل إليه، (وأستقدرك بقدرتك)، لكونك القادر على كل شيء، وأنت الخالق لكل شيء، خالق العباد، وخالق أفعال العباد، وكل ما يقع من العباد من حركة أو سكون فهو بعلم الله، وقد كتبت في اللوح المحفوظ، وحصلت بمشيئة الله، وحصلت بخلق الله سبحانه وتعالى؛ لأن كل مقدر لا بد فيه من أربعة أمور: سبق علم الله عز وجل بهذا الذي قدره الله، وكتابة الله عز وجل له في اللوح المحفوظ، ومشيئة الله عز وجل أن يقع، وإيجاده، وخلقه، كل هذه الأمور لا بد منها في كل ما هو مقدر، (وأستقدرك بقدرتك)، أي: أطلب منك أن تقدرني على ما تعلم أنه خير لي، وقيل: إن المقصود من قوله: (وأستقدرتك بقدرتك)، يعني: أطلب منك أن تقدر لي ما هو الخير، والمقصود من ذلك: التيسير، وليس أن يكتب له في اللوح المحفوظ شيئاً هو خير له؛ لأن الذي في اللوح المحفوظ لا يغير، ولا يبدل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (جف القلم بما أنت لاقٍ)، وقال: (رفعت الأقلام وجفت الصحف)، فما كتب في اللوح المحفوظ وقدر لا بد وأن يكون، لكن هذا الذي كتب في اللوح المحفوظ قدر بأن يكون له أسباب توصل إليه، فالأسباب مقدرة، والنتائج مقدرة، الوسائل مقدرة، والغايات مقدرة، والإنسان عنده عقل وإرادة ومشيئة، وقد بين له طريق الخير، وطريق الشر، فإن حصل له التوفيق من الله عز وجل سلك طريق الخير، وإن حصل له خذلان -والعياذ بالله- فإنه حاد عن طريق الخير، وصار إلى طريق الشر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة)، يعني أن الله قدر السعادة، وقدر أسباباً توصل إلى السعادة، والله عز وجل يوفق من شاء وقدر له السعادة، وفعل الأفعال التي توصل إلى السعادة تكون بتوفيق الله عز وجل وتيسيره، وكذلك (أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، من كتب الله أنه شقي فإنه يعمل الأعمال بمشيئته وإرادته التي توصله إلى تلك الغاية السيئة والعياذ بالله.قوله: [(وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم)]، وهذا فيه بيان أن كل خير فهو من الله عز وجل تفضلاً، وامتناناً، وإحساناً إلى عباده، فهو الذي يجود، ويتكرم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لن يدخل أحدكم بعمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة وفضل)؛ لأن العمل هو من الله عز وجل بتوفيقه وتيسيره، فهو الذي تفضل بتيسير العمل، وهو الذي تفضل بالنتائج الطيبة التي تترتب على هذا العمل، فالغاية التي هي حسنة هي بفضل من الله، والوسيلة التي توصل إليها هي بفضل الله سبحانه وتعالى وتيسيره، وتوفيقه، إذ يسر لمن شاء من عباده أن يفعل الأسباب التي توصل إلى السعادة، وتوصل إلى النتائج الطيبة، فما من أحد يدخل الجنة بعمله، يعني: أن القضية معاوضة، وأن الله عز وجل كل ما يحصل للناس ولو كان بأعمالهم، فإن أعمالهم هي فضل من الله عز وجل، توفيق الله عز وجل لهم للأعمال الصالحة هو فضل، فالعمل الصالح هو بفضل الله، وتيسيره، والنتائج الطيبة التي تترتب عليه، وهي السعادة ودخول الجنة، والسلامة من النار، هو بفضل الله عز وجل، فكل خير يحصل للناس فهو بفضل الله وإحسانه، وكل شر يحصل للناس فهو بعدله، وبكسب العباد وبمشيئتهم وإرادتهم، ولهذا يحمدون على ما يحصل منهم من أفعال طيبة، ويذمون على ما يحصل منهم من أعمال سيئة، ويستحقون العقاب في الدنيا وفي الآخرة على ما يحصل منهم من أعمال سيئة، ويستحقون الثواب في الدنيا وفي الآخرة على ما يحصل منهم من أعمال حسنة، (وأسألك من فضلك العظيم).
    ثم أثنى على الله عز وجل وعظمه بعد أن طلب منه وسأله، وبين أن كل شيء يرجع إلى علمه وإلى تقديره، وإلى قدرته سبحانه وتعالى، قال: (فإنك تعلم ولا أعلم)، يعني: (أستخيرك بعلمك)؛ لأنك تعلم، ولا أعلم، (وأستقدرك بقدرتك)، فإنك تقدر، ولا أقدر، فأنت الذي تعلم السر والعلن، والغيب والشهادة، (وأنت الذي تقدر على كل شيء)، والإنسان لا يعلم إلا ما علمه الله، ولا يقدر إلا على ما أقدره الله عز وجل عليه، والقدر مما اختص الله تعالى بعلمه، فلم يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، والناس لا يعلمون المقدر إلا بأمرين، لا يعلمون الشيء المقدر إلا بأمرين: أحدهما: وقوع الشيء ووجوده، فإذا وقع شيء ووجد، علم أنه مقدر، سواءً كان خيراً أم شراً؛ لأنه لا يقع في الكون إلا ما شاءه الله عز وجل، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ما شاء الله لا بد من وجوده، وما لم يشأه فلا سبيل إلى وجوده، فإذا وقع الشيء علمنا أنه مقدر، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء)، يعني: إذا فعلت الأسباب واستعنت بالله، وحصل لك شيء خلاف ما تريد، ووقع لك مصيبة أو نكبة، أو غير ذلك مما يلحقك فيه ضرر (فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا)، (فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)، يعني هذا الذي وقع قدر الله، وما شاء فعل، المهم أن الإنسان يفعل الأسباب التي توصل إلى الخير، فإن حصلت الغاية التي يريد فذاك فضل من الله، وإن حصل خلافها فلا يلوم، ولا يتذمر، ولا يقول: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، وما يدريك لو أنك فعلت لكان كذا وكذا، هذا علمه عند الله عز وجل، يمكن أن تفعل، ولا يكون؛ لأن الإنسان قد يشاء شيئاً ولا يكون؛ لأن الله ما شاءه، ولا يشاء شيئاً فيكون؛ فما شئت كان، وإن لم أشأ، أي: ما شئت يا الله كان، وإن لم أشأ أنا، وما شئت إن لم تشأ لم يكن، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، (فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب)، ثناء عظيم على الله سبحانه وتعالى، بعد أن سأل ما فيه الخير، فطلب أن يقدره على ما يريد بقدرة الله عز وجل، وسأله من فضله العظيم، وأثنى على الله عز وجل، وبين أن الأمر كله يرجع إليه؛ يرجع إلى علمه، ويرجع إلى قدرته، فقال: (إنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب)، ثم بعد هذا التمهيد، وبعد هذا الثناء على الله عز وجل، وبعد أن سأل هذا السؤال العام، يأتى إلى الشيء الخاص الذي يريده.
    ثم يقول: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر، ويسميه، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الزواج خير لي، اللهم إن كنت تعلم أن هذا السفر خير لي، اللهم إن كنت تعلم أن هذا المشروع، اللهم إن كنت تعلم أن دخولي في هذه التجارة المعينة، اللهم إن كنت تعلم أن سلوكي هذا المسلك، يعين يسمي حاجته التي يطلب من الله عز وجل الخيرة فيها، (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر)، هذا الأمر لفظ مبهم، والمقصود أنه يسميه؛ لأنه قال في آخره: (ويسمي حاجته)، فبدلاً من أن يقول: هذا الأمر يأتي بالمراد بالأمر، والذي يعنيه بالأمر، فيقول: اللهم إن كنت تعلم أن هذا السفر الذي هو أمر من الأمور، أو هذا الزواج الذي هو أمر من الأمور، أو دخول في تجارة معينة، أو في وظيفة معينة، فلا يقول الإنسان وهو يدعو: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر، وإنما يقول كما قال الرسول في آخر الحديث: (ويسمي حاجته)، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الزواج، هذا السفر، هذه التجارة، هذا كذا، يسميه.
    وقوله: [(إن كنت تعلم أنه خيرٌ لي في ديني)]، قدم الدين؛ لأنه الأساس، وهو أهم الأشياء وأعظم الأشياء شأناً وقدراً؛ لأن الإنسان أهم شيء بالنسبة له أن يحصل له الصلاح في دينه؛ لأن صلاحه في دينه يعود نفعه عليه في الدنيا والآخرة، ويستفيد من ذلك في الدنيا والآخرة، (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي)، يعني: في ديني ودنياي؛ لأن المعاش المقصود به الحياة التي يعيش فيها الإنسان، (وعاقبة أمري)، يعني: نهايته، وغايته، وفي بعض الروايات بدلاً عن: (عاقبة أمري) قال: (عاجل أمري وآجله)، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسميه، خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري، وآجله.
    قوله: [(فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه)]، اقدره لي ليس المقصود أن يقدره له، وأن يجعله في اللوح المحفوظ؛ لأن الذي في اللوح المحفوظ انتهى، (جف القلم بما أنت لاقٍ)، لا تغيير لما في اللوح المحفوظ، ما قدره الله وكتبه في اللوح المحفوظ، فإنه لا يكون خلافه، مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22]، مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ [الحديد:22]، يعني: في اللوح المحفوظ، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]، الذي كتبه الله عز وجل لا بد أن يكون، ولكن المقصود بقوله: (اقدره)، أي: يسره لي، يسر لي السبيل الموصلة إليه، وأقدرني عليه، وأقدرني على فعله وعلى فعل ما يوصل إليه وينتهي إليه.
    قوله: [(ويسره لي، ثم بارك لي فيه)]، يعني: بعد ما يحصل له هذا الشيء الطيب، وييسر له هذا الأمر، وهو خير له، يجعل فيه البركة، يعني: بعدما يحصل ويتم يسأل الله عز وجل البركة فيه.
    قوله: [(وإن كنت تعلم أن هذا الأمر)]، أي: هذا الزواج أو هذا السفر، (شرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري، وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه)، اصرفه عني، يعني: هذا الشر، واصرفني عنه: حل بيني وبينه، واجعلني لا أقدم عليه؛ لأنه لا يقع شيء إلا بخلق الله، وإيجاد الله، وقدرة الله سبحانه وتعالى، (واصرفني عنه)، ثم قال: (واقدر لي الخير)، يعني: إذا سلمتني من هذا الشر، وصرفت عني هذا الشر، لا يكتفي الإنسان عند هذا الحد، وإنما يسأله أن ييسر له ما هو الخير، فيسأله عز وجل أن يجعل بدل هذا الذي صرف عنه، والذي كان أراده، وهو ليس خيراً له أن يقدر له ما هو الخير، (واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، ويسمي حاجته)، ويسمي حاجته هذا يرجع إلى هذا الأمر، فيسمي حاجته فيقول: هذا السفر، هذا الزواج، هذا التجارة، هذا المشروع، هذه الوظيفة، هذا الذي كذا.. إلى آخره، أي عمل من الأعمال التي يستخار الله عز وجل فيها يسميه، ويعينه.
    هذا دعاء عظيم مشتمل على طلب وعلى ذكر، وعلى ثناء على الله عز وجل وتعظيم، ونسبة القدرة إليه، والعلم إليه، وأنه علام الغيوب، وأن علمه محيط بكل شيء، وقدرته شاملة لكل شيء، والإنسان يطلب ممن هو عالم بكل شيء وقادر على كل شيء أن ييسر له ما يعلم أنه خير له، وأن يقدره على فعل ما يعلم أنه خير له، وبذلك يحصل ما يريد، وإذا كان هذا الذي يريده، سبق في علم الله أنه شر، وأن به مضرة، فإنه يسأل الله عز وجل أن يصرفه عنه؛ أن يصرف هذا الشر عنه، ويصرفه عن هذا الشر، ويحول بينه وبينه، وأن يعوضه عن هذا الذي أراده مما علم الله أنه شر له، أن ييسر له ما هو الخير، وأن يجعله يرضى بذلك الذي قدره الله عز وجل له من الخير.
    وهذا الذي جاء من ذكر الدين والمعاش جاء في قوله عليه الصلاة والسلام، في دعاء عظيم (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموت راحةً من كل شر)، هذا دعاء عظيم، وهو شامل لخيري الدنيا والآخرة، وشامل للدين والدنيا، (أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموت راحةً لي من كل شر)، وهو دعاء جاء في حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في صفة الاستخارة

    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن أبي الموال].
    هو عبد الرحمن، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن محمد بن المنكدر].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري الذي معنا في الإسناد، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فهؤلاء سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم هذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، أربعة أشخاص: قتيبة بن سعيد، وعبد الرحمن بن أبي الموالي، ومحمد بن المنكدر، وجابر بن عبد الله، وهذا من أعلى ما يكون عند النسائي، وكذلك عند مسلم أعلى ما عنده الرباعيات، وأبو داود أعلى ما عنده الرباعيات، وأما البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، وعند الترمذي حديث واحد ثلاثي، وعند ابن ماجه خمسة أحاديث ثلاثية، وكلها بإسناد واحد، وذلك الإسناد ضعيف.

    ما يعرف به القدر

    مداخلة: أحسن الله إليك. ذكرت أن القدر يعرف بأمرين: وقوعه، وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم؟الشيخ: إي نعم، الأمر الأول: وقوعه، والأمر الثاني: إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر لم يقع بأنه سيقع، مثل إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدجال، وعن الساعة، وعن عذاب القبر، ونعيمه، وعن خروج يأجوج ومأجوج، وعن نزول عيسى بن مريم، فهذه أمور مستقبلة غيب، لكننا عرفنا أنها مقدرة، وأنها ستقع بإخبار الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أخبر عن خبر ماضٍ، فلا بد وأن يوجد خبره طبقاً لما أخبر، كإخباره عن بدء الدنيا، وعن الخلق، وعن خلق آدم، وعن خلق الجن، وعن خلق الملائكة، وما إلى ذلك، فهذه أمور مضت، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بها، وقد علمنا أنها وقعت طبقاً لما أخبر، وكذلك أمور مستقبلة أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها ستقع، فنحن نعلم أنها مقدرة، وأنها ستقع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أخبر عن أمر سيكون علمنا أنه مقدر، وأنه لا بد وأن يوجد طبقاً لما أخبر به عليه الصلاة والسلام، فبهذين الأمرين نعرف أن الشيء مقدر، فالشيء الذي وقع علمنا بأنه مقدر، والشيء الذي لم يقع لا ندري، لكن إذا جاءنا خبر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنه سيكون كذا، وأنه سيوجد كذا، وسيحصل كذا، نعلم أن هذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم سيقع وأنه مقدر، وأنه لا بد وأن يوجد، وبغير هذين الأمرين لا نعلم الشيء المقدر.


    إنكاح الابن أمه

    شرح حديث أم سلمة في إنكاح الولد أمه


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إنكاح الابن أمهأخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يزيد عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني أخبرني ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أم سلمة رضي الله عنها: (لما انقضت عدتها بعث إليها أبو بكر يخطبها عليه، فلم تزوجه، فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمر بن الخطاب يخطبها عليه، فقالت: أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أني امرأة غيراء، وأني امرأة مصبية، وليس أحد من أوليائي شاهد، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر ذلك له، فقال: ارجع إليها فقل لها: أما قولك: إني امرأة غيراء، فسأدعو الله لك فيذهب غيرتك، وأما قولك: إني امرأة مصبية، فستكفين صبيانك، وأما قولك: أن ليس أحد من أوليائي شاهد، فليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك، فقالت لابنها: يا عمر! قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فزوجه)، مختصر].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [إنكاح الابن أمه]، يعني: كون الابن يزوج أمه ويعقد لها، فالابن إذا كان كبيراً يزوج أمه، وهو من أوليائها، لكن إذا كان صغيراً لا يزوجها، فلا يكون ولياً؛ لأنه يحتاج هو إلى ولاية، فلا يكون ولياً لغيره؛ لأنه يحتاج إلى أن يولى عليه، ولهذا لا يصلح أن يكون محرماً في سفر؛ لأنه ليس عنده القدرة على ما شرع المحرم أو السفر مع المحرم من أجله؛ لأنه ضعيف، وليس عنده القدرة على ذلك.
    أورد النسائي في هذا حديث أم سلمة رضي الله عنها، لما مات أبو سلمة وانتهت عدتها، تقدم إليها أبو بكر يخطبها فلم تزوجه، أي: ما قبلته، ولم تجبه، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت لـعمر وهو الذي أرسل للخطبة: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرين: أنني امرأة غيراء، يعني: عندها غيرة، ولعلها تخشى أن تقصر لغيرتها في حقه، أو يحصل منها شيء لا ينبغي بسبب الغيرة، قد لا يرضاها رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويحصل منها تقصير في حقه بسبب ذلك، وأني أيضاً امرأة مصبية، يعني: عندي صبيان، وليس من أوليائي أحد شاهد، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخبرها بأن كونها غيراء، سيدعو الله عز وجل أن يذهب عنها ذلك، وكونها مصبية، ستكفى مئونة صبيانها، وكونه ليس من أوليائها شاهد، فليس هناك أحد شاهد أو غائب يكره ذلك؛ لأن الكل يحب القرب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعتبر ذلك شرف، وخير الأزواج هو رسول الله عليه الصلاة والسلام، قالت: قم يا عمر فزوج رسول الله، وابنها عمر صغير، فزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أي: أنه عقد له، الحديث ذكر الشيخ الألباني أنه ضعيف، لكن ما يتعلق بالغيرة، وكونها مصبية، والخطبة، وما إلى ذلك، هو ثابت في صحيح مسلم، لكن الذي فيه التزويج جاء في هذا الحديث، وأن ابنها عمر هو الذي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صغير، ومما يدل على عدم سلامة هذا اللفظ الذي جاء في أثنائه من قولها: ليس من أوليائي أحد شاهد، ومع ذلك ابنها كان موجوداً، فهو شاهد يعني: حاضر، فهذا أيضاً مما يبين أن ما يتعلق بقصة تزويج عمر لها يعني يوجد في نفس الحديث، يعني ما لا يتفق معه؛ لأنها نفت أن يكون أحد من أوليائها شاهداً، مع أنه ولي، لكن هو صغير، والصغير لا يكون أهلاً، ولا يكون له ولاية النكاح، لكن الكبير له أن يزوج أمه؛ لأنه من أوليائها، والسبب في الكلام في هذا الحديث من جهة ابن عمر الذي يروي عن أبيه، فإنه قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، وقال عنه غيره: إنه مجهول، قال: وعلى هذا فلا يعتمد على ما جاء من طريقه، لكن ما يتعلق بذكر الغيرة، وذكر الخطبة، وذكر الصبيان، فقد جاء من غير هذا الطريق الذي فيه ابن عمر بن أبي سلمة.

    تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في إنكاح الولد أمه


    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].هو المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وأبوه أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو ثقة، مشهور، من رجال الكتب الستة، وأما ابنه محمد هذا فهو من رجال النسائي وحده، وهو ثقة.
    [حدثنا يزيد].
    هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد بن سلمة].
    هو حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني ابن عمر بن أبي سلمة].
    اختلف في اسمه على أقوال متعددة، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، وأخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن أبيه].
    هو عمر بن أبي سلمة ربيب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أم سلمة].
    هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    إنكاح الرجل ابنته الصغيرة

    شرح حديث عائشة: (أن رسول الله تزوجها وهي بنت ست...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إنكاح الرجل ابنته الصغيرة.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها وهي بنت ست، وبنى بها وهي بنت تسع)].
    النسائي هذه الترجمة وهي: [إنكاح الرجل ابنته الصغيرة]، يعني: ينكحها من غير أن يستأذنها؛ لأن كونها صغيرة ما عندها التمييز والإدراك، بخلاف البالغة، فإن التي هي مكلفة، والتي تشتهي الرجال، وتميل إلى الرجال، وعندها الحاجة التي تدفعها إلى الرجال، هذه تختلف عن الصغيرة؛ لأن المقصود بالصغيرة غير البالغة، غير المكلفة، هذا هو المقصود بهذه الترجمة، وكونه ينكحها، أي: يزوجها بغير إذن لها.
    والمقصود من الترجمة: أن الصغيرة تنكح إذا تقدم لها من هو كفء، ويفرح به، ويغتبط به، وأما استئذانها فهي ليست محلاً للإذن؛ لأنها ليس عندها القدرة، والمعرفة، فهي تزوج بدون استئذان خشية فوات الكفء؛ لأنها ليست من أهل الاستئذان، وإذا لم يجب هذا الذي خطبها، وهو كفء يفرح به، ويغتبط به، ويسارع إلى الظفر به، فإنه يخشى فواته، فيكون أبوها هو الذي يرى المصلحة لها، بأن يكسب هذا الرجل الذي لو فوته، يمكن أن يذهب إلى غيرها، ثم لا تظفر به ابنته، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، وفيها خلاف لأهل العلم، لكن منهم من رأى أن الصغيرة تزوج بدون استئذان تداركاً للكفء الذي تقدم لخطبتها، وخشية فواته، ولا تستأذن؛ لأنها ليست أهلاً للإذن ما دام أنها صغيرة، وليس عندها الميل إلى الرجال، وليس عندها الخبرة التي تكون عند من بلغت سن النكاح، وسن البلوغ، ومن العلماء من قال: إنها لا تزوج الصغيرة؛ لأنه لا بد من الإذن، وهي ليست من أهل الإذن، فإذاً لا تزوج.
    والنسائي رحمه الله ذكر هذه الترجمة، واستدل عليها بحديث عائشة في تزويج أبي بكر إياها لرسول عليه الصلاة والسلام، وكانت صغيرةً في سنها، وأورد فيها حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي ابنة سبع، وبنى بها وهي ابنة تسع)، وجاء في بعض الأحاديث: (أنه توفي عنها وهي ابنة ثمان عشرة سنة)، قالوا: فهذا فيه دليل على أن الصغيرة يزوجها أبوها من غير إذنها إذا جاء كفء يخشى فواته، كما حصل من أبي بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن تحصيل زواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها شرف، فيبادر إليه، قالوا: فكذلك إذا كان هناك أحد له منزلة رفيعة، وله مكانة طيبة، وهو أهل لذلك، ويغتبط به، ويفرح به، فتزوج وهي صغيرة بسبب ذلك أو من أجل ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أن رسول الله تزوجها وهي بنت ست...)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أخبرنا أبو معاوية].
    هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام بن عروة].
    هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة ربما وهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، تابعي من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، صاحبة المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، والتي حفظ الله تعالى بها الشيء الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    شرح حديث عائشة: (تزوجني رسول الله لسبع سنين..) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن النضر بن مساور حدثنا جعفر بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسبع سنين، ودخل علي لتسع سنين)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، لكن هناك في الحديث السابع (وهي بنت ست)، والذي معنا: (لسبع)، ولعل القول بالسبع أن عمرها كان ستاً وكسراً، والذي قال ست حذف الكسر.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (تزوجني رسول الله لسبع سنين..) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا محمد بن النضر بن مساور].صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا جعفر بن سليمان].
    صدوق يتشيع، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث عائشة: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسع سنين..) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا عبثر عن مطرف عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة: قالت عائشة رضي الله عنها: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لتسع سنين، وصحبته تسعاً)].أورد النسائي حديث عائشة وهو (أن الرسول تزوجها لتسع سنين، وصحبته تسعاً)، يعني: بقيت في عصمته تسع سنوات، ومات عنها وهي ابنة ثمان عشرة سنة؛ لأن تسعاً قبل الدخول عليها، وتسعاً كانت في عصمته، فمات وعمرها ثماني عشرة سنة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسع سنين..) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا قتيبة].مر ذكره.
    [حدثنا عبثر].
    هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مطرف].
    هو مطرف بن طريف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عبيدة].
    هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قالت عائشة].
    وقد مر ذكرها.

    شرح حديث عائشة: (تزوجها رسول الله وهي بنت تسع..) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن العلاء وأحمد بن حرب، قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها: (تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم: كونه تزوجها وهي ابنة تسع، وصحبته تسع سنوات، أي: أنه مات عنها وهي ابنة ثماني عشرة سنة.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (تزوجها رسول الله وهي بنت تسع..) من طريق رابعة

    قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].هو محمد بن العلاء أبو كريب، مشهور بكنيته، يأتي بكنيته ويأتي باسمه، وهنا جاء باسمه ونسبه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [وأحمد بن حرب].
    هو أحمد بن حرب الموصلي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبي معاوية].
    هو محمد بن خازم، وقد مر ذكره.
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم].
    هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود].
    هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.


    إنكاح الرجل ابنته الكبيرة

    شرح حديث عمر بن الخطاب في إنكاحه حفصة بعدما تأيمت


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إنكاح الرجل ابنته الكبيرة. أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله: أنه سمع عبد الله بن عمر يحدث: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حدثنا قال: (تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتوفي بالمدينة، قال عمر: فأتيت عثمان بن عفان رضي الله عنه، فعرضت عليه حفصة بنت عمر، قال: قلت: إن شئت أنكحتك حفصة ؟ قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثم لقيني، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر، فلم يرجع إلي شيئاً، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئاً؟ قال عمر: قلت: نعم. قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك شيئاً فيما عرضت علي إلا أني قد كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ذكرها، ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبلتها)].
    أورد النسائي إنكاح الرجل ابنته الكبيرة، والكبيرة تستأذن، سواءً كانت بكراً أو ثيباً، البنت الكبيرة تستأذن، سواءً كانت بكراً أو ثيباً كما ستأتي الأحاديث في ذلك، يعني أن (الثيب أحق بنفسها)، وفي بعض الروايات: (الأيم أحق بنفسها)، وهو يشمل أي امرأة بلا زوج، سواءً كانت بكراً أو ثيباً، فالمقصود من الترجمة أن الرجل يزوج ابنته الكبيرة، لكن الكبيرة تستأذن في الزواج، ولا تزوج بغير إذنها، وقد أورد النسائي حديث عمر رضي الله عنه في قصة عرضه ابنته على عثمان ثم على أبي بكر بعد أن تأيمت من زوجها خنيس بن حذافة السهمي رضي الله عنه، وعثمان رضي الله عنه قال: سأنظر في أمري، وأجابه بعد مدة بأنه بدا له ألا يتزوج في الوقت الحاضر، وأبو بكر رضي الله عنه سكت ولم يجبه بشيء، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجها إياه، وبعد ذلك.. بعد أن صار ذلك السر علانية جاء أبو بكر إلى عمر ليعتذر، وقال: لعلك وجدت في نفسك إذ لم أرد عليك جواباً؟ قال: نعم، قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكرها، ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجبه بشيء، وما قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم خطبها، فأنا لا أريد أن أتزوجها وقد ذكرها.. هو لم يخطبها، وإنما كان يذكرها، ويتحدث مع كبار أصحابه أو مع بعض كبار أصحابه بشأنها، فعلموا بأنه يريدها، فلم يجب أبو بكر رضي الله عنه عمر بشيء، واعتذر له بهذا العذر، وقال: لم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لتزوجتها، لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم عدل عنها، ولم يرد الزواج منها، لحققت لك ما أردت مني من الزواج منها، والمقصود من الحديث: كون عمر رضي الله عنه زوج ابنته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي كبيرة، وعرضها على عثمان، وعلى أبي بكر وهي كبيرة، يعني متوفى عنها وثيب رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    تراجم رجال إسناد حديث عمر بن الخطاب في إنكاحه حفصة بعدما تأيمت


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن صالح].
    هو صالح بن كيسان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني سالم بن عبد الله].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [سمع عبد الله بن عمر].
    هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
    [أن عمر بن الخطاب].
    وهو الخليفة الراشد، ثاني الخلفاء الراشدين، الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وقد مكث في الخلافة عشر سنوات وأشهراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #434
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (431)

    - (باب استئذان البكر في نفسها) إلى (باب البكر يزوجها أبوها وهي كارهة)



    البكر عند إرادة زواجها تستأذن، ويطلب منها الموافقة، ولا يلزم في موافقتها النطق، بل يكفي الصمت، وإن رفضت فلا يجوز إجبارها على من لا ترتضيه، والثيب كالبكر إلا أنها إذا صمتت فلا يعني صمتها الموافقة؛ لأن الغالب عليها أنه ليس فيها حياء البكر.

    استئذان البكر في نفسها


    شرح حديث ابن عباس في استئذان البكر في نفسها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [استئذان البكر في نفسها.أخبرنا قتيبة حدثنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها)].
    يقول النسائي رحمه الله: استئذان البكر في نفسها، أي: أنها عند إرادة زواجها تستأذن، ويطلب منها الموافقة على ذلك الزواج، وموافقتها لا يلزم أن تكون بالنطق، بل يكفي الصمات، والصمت لحيائها، فيكفي في إجابتها الصمت، وألا ترد جواباً، وإن أجابت بالرفض، فإنها لا تجبر على من لا ترتضيه.
    وقد أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها)].
    قوله: [(الأيم أحق بنفسها)]، يراد بالأيم هنا: الثيب؛ لمقابلتها بالبكر، لكن الأيم في الأصل تطلق على كل من ليست بذات زوج، سواءً كانت بكراً، أو ثيباً، وسواءً كانت متوفى عنها أو مطلقة، كل ذلك يدخل تحت كلمة: الأيم، يقول الله عز وجل: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ [النور:32]، يعني: الذين هم الأيامى اللاتي لسن ذات أزواج يزوجن.
    فإذاً: الأيم في الحديث تحمل على نوع من أنواع الأيامى، وهن: الثيبات؛ لحصول المقابلة بالبكر، فهي أحق بنفسها من وليها، يعني: من حيث الموفقة، وأما من حيث العقد، فليس لها حق العقد، بل العقد إنما هو للولي؛ لأنه (لا نكاح إلا بولي)، والمرأة لا تعقد لنفسها، ولكن هذه الأحقية من حيث الاختيار والرضا، والموافقة للزوج الذي تقدم لخطبتها، فإنها أحق بنفسها، بمعنى: أن الأمر يرجع إليها، وليس لوليها أن يجبرها.
    (والبكر تستأذن) كذلك أيضاً يطلب منها الموافقة، ولكن لا يلزم منها أن تنطق بالجواب، بل يكفي أن تصمت، وألا ترد بالرفض، فإن ردت بالرفض اعتبر قولها، وإن سكتت اعتبر موافقة منها.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في استئذان البكر في نفسها


    قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة، هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن الفضل].
    عبد الله بن الفضل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع بن جبير بن مطعم].
    هو نافع بن جبير بن مطعم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وهم: ابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    حديث ابن عباس في استئذان البكر في نفسها من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن مالك بن أنس سمعته منه بعد موت نافع بسنة وله يومئذ حلقة أخبرني عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الأيم أحق بنفسها من وليها، واليتيمة تستأمر، وإذنها صماتها)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو بلفظ الذي قبله، إلا أن فيه: [(تستأمر، وإذنها صماتها)]، وكلمة اليتيمة هنا، يحتمل أن تكون المراد بها: الصغيرة التي لم تبلغ، ويحتمل أن يكون المراد بها: التي بلغت، ولكن المراد بذلك باعتبار ما كان؛ لأن اليتم يكون قبل البلوغ، وإذا وجد البلوغ انتهى اليتم، (لا يتم بعد احتلام)، فهي إما أن يكون المراد بها أنها على بابها، وأنها تستأذن وهي صغيرة لم تبلغ، أو أن المراد بها التي بلغت، ولكن اليتم باعتبار ما كانوا، وليس باعتبار الحال، ومثل قول الله عز وجل: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، فهم يتامى باعتبار ما كان، وهو مثل الذي قبله من حيث اللفظ، إلا أن فيه لفظ: اليتيمة بدل البكر.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في استئذان البكر في نفسها من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا أبو داود].
    أبو داود هو سليمان بن داود أبو داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك أخبرني عبد الله بن الفضل عن نافع عن ابن عباس].
    وهؤلاء الأربعة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن أبي داود حدثنا شعبة عن مالك بن أنس، قال: سمعته منه بعد موت نافع بسنة، وله يومئذ حلقة].
    هذا كلام يعني أن: شعبة، سمعه من مالك بعد موت نافع.

    شرح حديث ابن عباس في استئذان البكر في نفسها من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني أحمد بن سعيد الرباطي حدثنا يعقوب حدثني أبي عن ابن إسحاق حدثني صالح بن كيسان عن عبد الله بن الفضل بن عباس بن ربيعة عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الأيم أولى بأمرها، واليتيمة تستأمر في نفسها، وإذنها صماتها)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى: (الأيم أحق بنفسها، واليتيمة تستأذن، وإذنها صماتها)، فهو مثل الذي قبله.


    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في استئذان البكر في نفسها من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرني أحمد بن سعيد الرباطي].أحمد بن سعيد الرباطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا يعقوب].
    هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبي].
    هو إبراهيم بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن ابن إسحاق].
    وهو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني صالح بن كيسان].
    وهو صالح بن كيسان المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن الفضل بن عباس بن ربيعة عن نافع بن جبير عن ابن عباس].
    وهؤلاء الثلاثة مر ذكرهم في الأسانيد الماضية.

    شرح حديث ابن عباس في استئذان البكر في نفسها من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن صالح بن كيسان عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ليس للولي مع الثيب أمرٌ، واليتيمة تستأمر، فصمتها إقرارها)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو: أنه قال: [(ليس للولي مع الثيب أمرٌ)]، معناه: من حيث الإلزام للزواج، أما من حيث العقد فالمرأة لا تعقد لنفسها، بل يعقد لها وليها، وهو مثل قوله: (الأيم أحق بنفسها من وليها)، أو (الثيب أحق بنفسها من وليها)، يعني: أنها هي التي يرجع إليها في اعتبار الموافقة، فلا تزوج إلا بموافقتها وحصول النطق منها بذلك، بخلاف البكر، فإنه يكفي الصمت.
    قوله: [(واليتيمة تستأمر، وصمتها إقرارها)]، حصول الصمت منها: إقرار لما جبلت عليه من الحياء، وكونها لم تكن لها صلة بالأزواج من قبل، بخلاف الثيب التي قد سبق لها التجربة، والاتصال بالزوج، فإن تلك تختلف عن البكر التي لم يحصل لها اتصال بالأزواج، فهي كثيرة الحياء، فيكفي في إذنها الصمت، ولا يلزم الإقرار، بل صمتها إقرار.
    وكيف يعرف أنه حياء؟ يمكن أنه عدم موافقة؛ لأن الثيب الغالب عليها عدم الحياء؛ لأنها قد تزوجت واختلطت بالزوج، وصار لها معرفةً بالأزواج، فإذا عرف منها يعني أنها تستحي، مثلاً بعض نسائها عرفن منها ذلك، وعرفن من عادتها يعني هذا الشيء، فإذا كان هذا يعني معلوماً ومحققاً، وأن هذا حياء، فلا بأس يمكن، وهذا نادر إذا وجد، لكن المعروف أن الثيبات لا يستحين لخبرتهن ولصلتهن بالأزواج.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في استئذان البكر في نفسها من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. وهو من شيوخ الإمام مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم، وصحيفة همام بن منبه التي أورد مسلم في صحيحه منها أحاديث كثيرة يرويها بهذا الإسناد الذي هو: محمد بن رافع عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، فشيخه هذا قد أكثر من الرواية عنه، وهو يتفق معه في كونه من بلده ومن قبيلته، فهو قشيري، ومسلم قشيري نسباً، وهو نيسابوري، ومسلم نيسابوري وطناً.
    [حدثنا عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معمر].
    هو معمر بن راشد البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن صالح بن كيسان عن نافع بن جبير عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.

    معنى سكوت الثيب حياءً

    مداخلة: الثيب لو سكتت حياءً، هل يعني هذا عدم الموافقة؟الشيخ: معناه عدم الموافقة؛ لأن الثيب الغالب عليها عدم الحياء، لأنها قد تزوجت واختلطت بالزوج، وصار لها معرفة بالأزواج، فإذا عرف منها أنها تستحي مثلاً: بعض النساء عرف من عادتهن هذا الشيء، فإذا كان هذا معلوماً ومحققاً، وأن هذا حياء، فلا بأس يمكن، وهذا نادر إذا وجد، لكن المعروف أن الثيبات لا يستحين لخبرتهن ولصلتهن بالأزواج.


    استئمار الأب البكر في نفسها

    شرح حديث: (الثيب أحق بنفسها والبكر يستأمرها أبوها ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [استئمار الأب البكر في نفسها. أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن زياد بن سعيد عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الثيب أحق بنفسها، والبكر يستأمرها أبوها، وإذنها صماتها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: استئمار الأب البكر في نفسها، وهنا التنصيص في الترجمة على الأب، والترجمة السابقة مطلقة ليس فيها تنصيص، وإنما استئمار البكر، واستئذان البكر، واستئذان الثيب، استئمار الثيب، وأما هنا فذكر الأب، وهذا لأنه جاء في الحديث التنصيص على الأب، وقد ذكر الشيخ الألباني أن هذه اللفظة غير محفوظة، لعل ذلك لأن الروايات التي جاءت عن ابن عباس من طريق نافع بن جبير، والتي تقدم جملة منها، كلها ليس فيها ذكر الأب، وهي طرق متعددة وهذه الطريق فيها ذكر الأب، ويحتمل أن تكون محفوظة، ويكون المقصود من ذلك: التنبيه بالأعلى على ما دونه، وأنه إذا كان الأب يعني: وهو أبوها الذي هو أخص الناس بها، وأعرف الناس بمصالحها، وأحرص الناس على مصالحها، يحصل منه ذلك، وأنه لا يجبرها، بل يستأذنها ويستأمرها، فإذاً غيره من الأولياء الذين هم دونه من باب أولى، كالأخ، والعم، وابن الأخ، وابن العم، وغيرهم من العصبة الذين لهم حق الولاية على المرأة في عقد النكاح.
    ثم أورد النسائي حديث ابن عباس: قوله: [(الثيب أحق بنفسها، والبكر يستأمرها أبوها، وإذنها صماتها)]، والمقصود من ذلك: أن البكر يستأذنها أبوها وغير أبيها، معناه: أنها تستأذن، وإذا كان الأب يستأذنها، فغيره من باب أولى.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الثيب أحق بنفسها والبكر يستأمرها أبوها...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].محمد بن منصور، هو: الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن زياد بن سعيد].
    هو زياد بن سعد وليس ابن سعيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة..
    [عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.


    استئمار الثيب في نفسها

    شرح حديث: (لا تنكح الثيب حتى تستأذن ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [استئمار الثيب في نفسها. أخبرنا يحيى بن درست حدثنا أبو إسماعيل حدثنا يحيى: أن أبا سلمة حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تنكح الثيب حتى تستأذن، ولا تنكح البكر حتى تستأمر. قالوا: يا رسول الله! كيف إذنها؟ قال: إذنها أن تسكت)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: استئمار الثيب في نفسها، يعني: العبارات التي ذكرها النسائي، في ذكر الاستئذان وذكر الاستئمار، وهما بمعنىً واحد، وهنا قال: استئمار الثيب، ولكن الحديث الذي أورده فيه استئذان الثيب، والاستئمار للبكر، فهو لا يطابق الترجمة من حيث اللفظ، وإن كان المعنى واحداً، فالاستئذان هو: الاستئمار، والأحاديث التي جاءت في هذا: (تستأمر، وإذنها صماتها)، فالاستئمار هو: الاستئذان، لكن الترجمة تتعلق باستئمار الثيب بلفظ، والاستئمار هو: طلب الأمر، وبيان رأيها في أمرها، وما تراه في نفسها، فهما يتفقان من حيث المعنى، وهو بمعنى الأحاديث المتقدمة، إلا أنه هنا جاء لفظ: الاستئمار، وقبل جاء لفظ، الاستئذان، وهما بمعنىً واحد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تنكح الثيب حتى تستأذن...)


    قوله: [أخبرنا يحيى بن درست].يحيى بن درست، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا أبو إسماعيل].
    أبو إسماعيل هو القناد، هو: إبراهيم بن عبد الملك البصري، وهو صدوق، في حفظه شيء، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا يحيى].
    يحيى، هو: ابن أبي كثير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أن أبا سلمة حدثه].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن أبي هريرة].
    أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.


    إذن البكر

    شرح حديث عائشة في إذن البكر


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذن البكر. أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج سمعت ابن أبي مليكة يحدث عن ذكوان أبي عمرو عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (استأمروا النساء في أبضاعهن، قيل: فإن البكر تستحي وتسكت؟ قال: هو إذنها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إذن البكر، أي: يعني ما المراد بإذن البكر؟ أي: الصمت، والأحاديث التي مرت كلها بهذا المعنى، ولكن النسائي رحمه الله، يكثر من التراجم، وينوع التراجم ويورد الأحاديث بطرق مختلفة، وهي تدل على الترجمة، فالمقصود هنا: إذن البكر، وكيف يكون ذلك، والمراد بذلك الصمت، أي: أن إذنها أن تصمت، ولو حصل منها النطق فالأمر واضح، لكن الغالب على الأبكار أنهن لا ينطقن، وقد حصل في هذا الزمان مع كثرة الاختلاط، وكثرة الاتصال، وحصول الدراسة والاختلاط بالفتيات، وأن الأبكار كثير منهن مثل الثيبات في أنها لا يحصل منها الحياء وأن تصمت، بل تتكلم، بل بعض الفتيات قد تتكلم في مسألة الزواج وما إلى ذلك بدون حياء، لكن الغالب على النساء الأبكار أنهن يستحين، فيكون إذنهن بالصمت، ولو نطقت فهذا يعني: هو الأوضح والأصل.
    وقوله: [(استأمروا النساء في أبضاعهن)]، يعني: استأذنوهن في فروجهن؛ لأن البضع هو: الفرج، فالزواج الذي هو استباحة البضع وهو الفرج.
    وقوله: [(استأمروهن)]، أي: خذوا إذنهن فيمن يتقدم لخطبتهن، فلما قال: (استأمروا النساء في أبضاعهن) وكان المعروف عن الأبكار أنهن يستحين، [(قيل: فإن البكر تستحي وتسكت؟ قال: هو إذنها)]، أي: صمتها وسكوتها هو إذنها، لا يلزم أن تنطق، وإن نطقت فالأمر واضح.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: في إذن البكر

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].إسحاق بن منصور، هو: ابن بهرام المشهور: بـالكوسج المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    ابن جريج، هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت ابن أبي مليكة].
    ابن أبي مليكة، هو: عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    يحدث [عن ذكوان أبي عمرو].
    هو: ذكوان أبي عمرو مولى عائشة، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن عائشة].
    عائشة، هي: أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق التي هي أكثر صحابية روت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي الصحابية الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنها وأرضاها.

    شرح حديث أبي هريرة في إذن البكر

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد وهو ابن الحارث حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني أبو هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، كيف إذنها؟ قال: أن تسكت)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في إذن البكر


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].محمد بن عبد الأعلى، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    وهو: ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام].
    هشام، هو: ابن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة حدثني أبي هريرة].
    قد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.


    الثيب يزوجها أبوها وهي كارهة

    شرح حديث خنساء بنت خذام في تزويج الثيب وهي كارهة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثيب يزوجها أبوها وهي كارهة. أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم]
    فيها تحويل، لكنه ليس هنا تحويل، ولكن المكان أو الموضع موضع تحويل، وهو التحول من إسناد إلى إسناد.
    [أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا عبد الرحمن بن القاسم عن مالك حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية الأنصاري عن خنساء بنت خذام رضي الله عنها: (أن أباها زوجها وهي ثيبٌ فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرد نكاحه)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الثيب يزوجها أبوها وهي كارهة، يعني: لما ذكر فيما مضى الأحاديث التي فيها استئذان الثيب، وأنها أحق بنفسها من وليها، أتى بهذه الترجمة وهي: ما إذا زوجت وهي كارهة فما الحكم؟ ما إذا زوجت وهي كارهة، ولم يؤخذ رأيها، ولم تؤخذ موافقتها، أو أخذ رأيها، ولكنها رفضت ولم توافق، فزوجها أبوها، فإن هذا يرجع إليها، فإن أقرت هذا الزواج فالزواج يكون صحيحاً، وإن رفضت فإنه يرد الزواج.

    تراجم رجال إسناد حديث خنساء بنت خذام في تزويج الثيب وهي كارهة

    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا البخاري، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا معن].
    هو معن بن عيسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا مالك].
    هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، وقد تقدم ذكره قريباً.
    [عن عبد الرحمن بن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا محمد بن سلمة].
    ثم أتى بإسناد آخر، والأصل في هذا أن يكون في حاء، حاء التحول من إسناد إلى إسناد، محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا عبد الرحمن بن القاسم].
    عبد الرحمن بن القاسم، وهو صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك حدثني عبد الرحمن بن القاسم].
    مالك، وعبد الرحمن بن القاسم، وهو الذي مر ذكره؛ لأن الإسنادين يلتقيان عند عبد الرحمن بن القاسم الذي هو شيخ الإمام مالك؛ لأن هذا الإسناد للإمام مالك فيه شيخ اسمه: عبد الرحمن بن القاسم، وله تلميذ اسمه: عبد الرحمن بن القاسم، فاتفقا اسم التلميذ واسم الشيخ، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث يسمونه تشابه الطرفين، يعني فهو متوسط بين تلميذه وشيخه، وقد اتفقا في الاسم والنسب، فـعبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك الذي يروي عنه كثيراً، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر شيخ الإمام مالك.
    هذا النوع يسمونه تشابه الطرفين، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، وقال: إن هذا لم يذكر مما يستدرك، يعني: نوع من أنواع علوم الحديث ما ذكره ابن الصلاح، فيضاف إلى أنواع علوم الحديث.
    لكن أظن أن الحافظ ابن حجر ذكره في النخبة، واستدركه على من قبله، لكنه ذكر في الفتح وقال: إنه تشابه الطرفين، وهو أن يتفق اسم شيخ الراوي وتلميذه ولم يذكره السيوطي.
    [عن أبيه].
    هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية الأنصاري].
    عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية الأنصاري، أولاً: عبد الرحمن بن يزيد بن جارية، وهو ثقة، يقال: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، فهو إن كان رأى النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحابي، وإلا فهو من ثقات التابعين، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن. وأما أخوه: مجمع بن يزيد بن جارية فهو صحابي، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن خنساء بنت خذام].
    وهي: خنساء بنت خذام الصحابية، وحديثها أخرجه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.


    البكر يزوجها أبوها وهي كارهة

    شرح حديث عائشة في البكر يزوجها أبوها وهي كارهة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [البكر يزوجها أبوها وهي كارهة. أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا علي بن غراب حدثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عائشة رضي الله عنها: (أن فتاةً دخلت عليها فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة، قالت: اجلسي حتى يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها، فقالت: يا رسول الله! قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم أللنساء من الأمر شيء؟)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: البكر يزوجها أبوها وهي كارهة، يعني: ما حكم هذا الزواج؟ هل الأمر ينفذ ولا رأي لها، أو أن الأمر يرجع إليها؟ الأمر يرجع إليها، إن أقرت فذاك، وإن لم توافق فالأمر بيدها، وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: أن فتاةً جاءت إلى عائشة رضي الله عنها وأرضاها، [وقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته]، يعني: أنه رديء، وأنه أراد أن يرفع من شأنه بتزويجه من ابنته، والمراد بالخساسة هنا: الدناءة، يعني: أن فيه عيباً، وفيه نقصاً، وفيه خللاً، ولكنه أراد أن يرفع من شأنه بأن يزوجه، وهي كارهة ذلك الزواج لم توافق عليه، فطلبت عائشة منها أن تجلس، وتنتظر مجيء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فلما جاء عليه الصلاة والسلام أخبرته عائشة بخبرها، فدعا أباها، وجعل الأمر إليها، فقالت: أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم أللنساء شيء؟ أي: أللنساء شيء من الأمر؟ وأن الأمر يرجع إليهن، أم أن الأمر بيد الأولياء، وأنه لا رأي لهن؟
    فالحديث فيه: أن ذلك الزواج معلق برضاها، فإن أقرته فذاك، وإن لم تقره فإن الأمر بيدها، وقد أقرته، فبقي ذلك الزواج، من صنيعها هذا أرادت أن تستظهر وتعلم أللنساء شيء فيما يتعلق بأبضاعهن وفي زواجهن، وقد تبين لها أن الأمر يرجع إليهن.
    وفيه: دليل على استئذان البكر، وأن الأب يستأذن البكر ولا يزوجها وهي كارهة، وهو يتفق مع ما تقدم، والبكر يستأذنها أبوها، وإذا كان أبوها يستأذنها ولا يزوجها وهي كارهة، وهو أولى أولياء المرأة، فغيره ممن دونه من باب أولى.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في البكر يزوجها أبوها وهي كارهة

    قوله: [أخبرنا زياد بن أيوب].زياد بن أيوب، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا علي بن غراب].
    علي بن غراب صدوق يدلس، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا كهمس بن الحسن].
    كهمس بن الحسن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن بريدة].
    هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.

    شرح حديث (تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها)].أورد النسائي حديث أبي هريرة: (تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها)، يعني: ليس لأحد إلزامها، وأن الأمر يرجع إليها، وهذا مثل الذي قبله بأن البكر لا تزوج وهي كارهة، وكذلك الثيب لا تزوج وهي كارهة، وإنما تزوج برضاها، وكل هذه الأحاديث تدل على استئذان البكر، وأن الأمر يرجع إليها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].عمرو بن علي، هو: الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة، وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا محمد بن عمرو].
    هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي سلمة عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما.
    والحديث هذا إسناده صحيح، وهو ثابت. ويوضحه الحديث الذي مر: (والبكر يستأذنها أبوها)، ثم الأحاديث التي مرت بعده يعني: وهي عامة، وإنها إن أبت فلا جواز عليها، وإن أقرت فذاك.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #435
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (432)

    - باب الرخصة في نكاح المحرم - باب النهي عن نكاح المحرم




    اختلفت الأدلة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة هل تزوجها وهو حلال أم وهو محرم؟ ولا يمكن الجمع والنسخ؛ لأن القصة واحدة، فبقي الترجيح، فرجح بعض العلماء كونه تزوجها وهو حلال وذلك لأمور منها: أن هذه الرواية جاءت عن ميمونة نفسها، وكذلك جاءت عن أبي رافع وهو الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة، فصاحب القصة أدرى من غيره.

    الرخصة في نكاح المحرم


    شرح حديث ابن عباس في زواج النبي بميمونة وهو محرم


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في نكاح المحرم.أخبرنا عمرو بن علي عن محمد بن سواء حدثنا سعيد عن قتادة ويعلى بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما إنه قال: (تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ميمونة بنت الحارث وهو محرم، وفي حديث يعلى بسرف)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الرخصة في نكاح المحرم، وهذا على اعتبار أن الأحاديث التي وردت في زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من ميمونة أنها ثابتة، فعبر النسائي بهذه الترجمة: الرخصة في زواج المحرم، يعني: أن ذلك سائغ، لكن الأحاديث التي وردت في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من ميمونة عن ابن عباس قد جاء ما يخالفها مما هو أولى منها، وجاء أيضاً ما يدل على ذلك الذي يخالفها من الأحاديث الأخرى التي ليس لها علاقة في الموضوع نفسه؛ لأن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من ميمونة جاء في قصة الزواج: (أنه تزوجها وهو حلال)، (وأنه تزوجها وهو محرم)، وهي قصة واحدة، بعض العلماء قال: إن الأحاديث تحمل على أن قوله: [(وهو محرم)]، يعني: في الحرام، يعني: محرم في الحرم، وليس معناه: أنه في الإحرام، وهذا فيما يبدو يعني: غير واضح، وإنما القضية هي التوفيق بين الدليلين، ومن المعلوم: أن الجمع ما أمكن، والنسخ ما يمكن؛ لأن القصة واحدة ليس فيها ناسخ ولا منسوخ، فبقي الترجيح، والترجيح قال بعض أهل العلم: رجح كونه تزوجها وهو حلال، على كونه تزوجها وهو محرم، ووجوه الترجيح منها: أن زواجها وهو حلال جاء عن ميمونة نفسها، وجاء عن أبي رافع الذي هو الواسطة بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم أصحاب القصة، وأدرى من غيرهم فيها، وفي الوجوه التي يرجح بها أن صاحب القصة يكون أدرى من غيره ممن ليس هو صاحب القصة، وميمونة صاحبة الزواج وصاحبة القصة، وأبو رافع أيضاً له علاقة بصاحبة القصة، وهو أنه الواسطة بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    والأمر الثاني: أن هذا الذي جاء في حديث ميمونة وحديث أبي رافع المخالف لحديث ابن عباس، يؤيده ما جاء في حديث عثمان الذي سيأتي النهي عن نكاح المحرم، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب)، حتى مجرد الخطبة، فكل شيء يتعلق بالنساء عقداً، أو خطبةً، أو ما إلى ذلك، لا يجوز للمحرم أن يفعله.
    فإذاً القول: بأن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، يكون أرجح مما جاء من أنه تزوجها وهو محرم؛ لهذين الوجهين اللذين أشرت إليهما، والذين ذكرهما أهل العلم. فإذاً: حديث ابن عباس هذا يكون مخالفاً لما جاء في حديث ميمونة، وأبي رافع، وعلى هذا فلا يكون ثابتاً من جهة أنه لا يمكن الجمع، ولا مجال للنسخ، فلم يبق إلا الترجيح، والترجيح بالوجوه التي أشرت إليها.
    قوله: [(تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ميمونة بنت الحارث وهو محرم)].
    وفي حديث يعلى (بسرف)، يعني: بيان المكان الذي حصل فيه الزواج، ومن المعلوم: أن سرف مكان خارج من مكة، وليس يعني: في الحرم، حتى كلمة (وهو محرم) بمعنى: أنه في الحرم، اللهم إلا أن يكون العقد حصل في الحرم، والدخول حصل في خارج الحرم، لكن الأوضح كما قلت: هو تعارض الحديثين، وترجيح أحدهما على الآخر، والراجح هو كونه تزوج وهو حلال.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في زواج النبي بميمونة وهو محرم


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وقد مر ذكره.
    [عن محمد بن سواء].
    محمد بن سواء، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة كلهم إلا أبا داود، فإنه لم يخرج له في السنن، بل في الناسخ والمنسوخ.
    [حدثنا سعيد].
    هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة بن دعامة السدوسي].
    وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يعلى بن حكيم].
    وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن عكرمة].
    عكرمة وهو: مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.

    حديث ابن عباس في زواج النبي بميمونة وهو محرم من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي الشعثاء: أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة وهو محرم)].ثم أورد حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان].
    محمد بن منصور عن سفيان، وقد مر ذكرهما.
    [عن عمرو].
    عمرو، وهو: ابن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الشعثاء].
    أبو الشعثاء، وهو: جابر بن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أن ابن عباس أخبره].
    ابن عباس، وقد مر ذكره.

    شرح حديث ابن عباس في زواج النبي بميمونة وهو محرم من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عثمان بن عبد الله حدثني إبراهيم بن الحجاج حدثنا وهيب عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نكح ميمونة وهو محرم، جعلت أمرها إلى العباس فأنكحها إياه)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، يعني: من جهة أن الرسول نكح وهو محرم.
    وفيه زيادة: [(جعلت أمرها إلى العباس فأنكحها إياه )]، يعني: زوجها أو عقد لها.


    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في زواج النبي بميمونة وهو محرم من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا عثمان بن عبد الله].وهو عثمان بن عبد الله بن خرزاذ، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثني إبراهيم بن الحجاج].
    هو: إبراهيم بن الحجاج البصري، وهو ثقة، ويهم قليلاً، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا وهيب].
    هو: وهيب بن خالد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    ابن جريج، وقد مر ذكره.
    [عن عطاء].
    وهو: عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    ابن عباس، وقد مر ذكره.

    حديث ابن عباس في زواج النبي بميمونة وهو محرم من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن نصر حدثنا عبيد الله وهو ابن موسى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة وهو محرم)].أورد حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن نصر].
    هو النيسابوري، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عبيد الله].
    هو عبيد الله بن موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس].
    وهؤلاء قد مر ذكرهم.


    النهي عن نكاح المحرم

    شرح حديث: (لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن نكاح المحرم. أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم حدثني مالك عن نافع عن نبيه بن وهب: أن أبان بن عثمان قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النهي عن نكاح المحرم، وأورد فيه حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب)]، وقوله: [(لا ينكح)]، يعني: لا يتزوج، [(ولا ينكح)]، لا يزوج، بأن يكون ولياً لامرأة يعقد لها وهو محرم، ليس له ذلك، بل [(ولا يخطب)]، مجرد الخطبة كذلك لا يجوز.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب)

    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.
    [حدثنا معن حدثنا مالك].
    وقد مر ذكرهما.
    [والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع].
    والحارث بن مسكين، قد مر ذكره أيضاً، والحارث بن مسكين معطوف على هارون بن عبد الله.
    [عن عبد الرحمن بن القاسم حدثني مالك].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن نافع].
    نافع، هو: مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة
    [عن نبيه بن وهب].
    نبيه بن وهب، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أن أبان بن عثمان قال].
    أبان بن عثمان، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [سمعت عثمان بن عفان].
    وهو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثالث الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الأشعث حدثنا يزيد وهو: ابن زريع حدثنا سعيد عن مطر ويعلى بن حكيم عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه حدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب)]. قوله: [حدثنا أبو الأشعث].
    أبو الأشعث، هو: أحمد بن مقدام، وهو صدوق، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا يزيد وهو ابن زريع].
    هو يزيد بن زريع، هو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد].
    سعيد، هو: ابن أبي عروبة، وقد مر ذكره.
    [عن مطر الوراق].
    وهو صدوق كثير الخطأ، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ويعلى بن حكيم].
    يعلى بن حكيم قد مر ذكره. أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #436
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (433)

    - (باب ما يستحب من الكلام عند النكاح) إلى (باب النكاح الذي تحل به المطلقة ثلاثاً لمطلقها)



    للنكاح شروط وواجبات وسنن، فمن تلك السنن خطبة الحاجة تبدأ عند العقد، فيستحب قراءة خطبة الحاجة في النكاح، ويكره فيها أشياء كقول القائل في خطبة الحاجة ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى.
    ما يستحب من الكلام عند النكاح


    شرح حديث ابن مسعود: (علمنا الرسول التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يستحب من الكلام عند النكاح.أخبرنا قتيبة حدثنا عبثر عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة، قال: التشهد في الحاجة: أن الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ويقرأ ثلاث آيات)].
    يقول النسائي رحمه الله: ما يستحب من الكلام في النكاح، أي: بين يدي عقد الزواج، وهو ما يذكر بين يديه من الحمد، والثناء على الله، والشهادة بأن لا إله إلا هو، وأن محمداً عبده ورسوله، ثم يقرأ ثلاث آيات، أول سورة النساء، وفي أثناء سورة آل عمران، وفي آخر سورة الأحزاب. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يستحب من الكلام في النكاح، أي: في عقد النكاح، أي: بين يديه، وقبله حيث يأتي العقد بعد ذلك.
    وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أنه قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة)، التشهد في الصلاة جاء في حديث ابن مسعود وهو: (التحيات لله، والصلوات والطيبات)، والتشهد للحاجة وهو هذا الذي أورده هنا: (أن الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، ثم يقرأ ثلاث آيات: فاتحة ومطلع سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1]، وفي أثناء سورة آل عمران: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وفي آخر سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [الأحزاب:70-71]، هذه هي خطبة الحاجة التي تكون بين يدي الحاجة، والحاجة قيل: إنها عامة تشمل كل حاجة، وأنه يكون بين يديها هذه الخطبة، قالوا: فتكون بين يدي العقود، ومنهم من قال: إنها تخص بعقد النكاح فتكون بين يديه، قالوا: وهو الذي يناسب الآية في أول سورة النساء، فإنها تتعلق بالتناسل الذي يترتب على الزواج، والذي ينتج عن الزواج، ويقال لها: خطبة الحاجة، فمنهم من عممها في كل حاجة، ومنهم من خصصها في حاجة الزواج والنكاح، وهو حمد لله، وثناء عليه، وشهادةٌ له بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، واعترافٌ بأن المهتدي من هداه الله، والضال من أضله الله، (وأن من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له) وفيه تقديم الحمد، وفيه ذكر الاستعانة، وذكر الاستغفار.

    تراجم رجال إسناد حديث: (علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة ...)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبثر].
    هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب.
    [عن أبي إسحاق].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، مشهور بكنيته، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الأحوص].
    هو عوف بن مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة، وليس هو من العبادلة الأربعة المشهورين، بل العبادلة الأربعة هم متقاربون في السن، وهم من صغار الصحابة، وأما عبد الله بن مسعود فكان من كبار الصحابة، وكان ممن توفي في زمنٍ مبكر، وعاش بعده العبادلة الأربعة في حدود ثلاثين سنة، وأدركهم من لم يدرك عبد الله بن مسعود، وقد ذكر بعض العلماء أن الرابع فيهم عبد الله بن مسعود، ولكن قال بعض أهل العلم: إن ذلك ليس بصحيح، بل الصحيح أنهم الذين هم متقاربون في السن: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وذلك أنهم متقاربون في السن، وكانوا من صغار الصحابة، وأدركهم أناسٌ ما أدركوا ابن مسعود، لكونه بين وفاته، ووفاتهم ما يقارب ثلاثين سنة؛ لأن ابن مسعود توفي سنة اثنين وثلاثين.

    شرح حديث ابن عباس في خطبة الحاجة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا محمد بن عيسى حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن داود عن عمرو بن سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رجلاً كلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شيء، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد)].أورد النسائي حديث ابن عباس، وهو يتعلق بخطبة الحاجة، وهو يدل على العموم في ذلك، وأنها لا تخص النكاح، وإن كان النكاح هو من أولى ما يؤتى بها بين يديه، أي: بين يدي عقد النكاح، لكن يمكن أن يؤتى بها في غيره، يعني في الخطب، وبين يدي الحديث في شيء، والكلام في شيء، فيحمد الله، ويثني عليه، ويأتي بالشهادتين، ثم أما بعد، ويذكر ما يريد.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في خطبة الحاجة

    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد بن عيسى].
    وهو ابن نجيح البغدادي بن الطباع، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة].
    يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن داود].
    هو داود بن أبي هند، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمرو بن سعيد].
    هو عمرو بن سعيد الثقفي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سعيد بن جبير].
    سعيد بن جبير ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    ما يكره من الخطبة

    شرح حديث عدي بن حاتم فيما يكره في الخطبة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يكره من الخطبة.أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن عبد العزيز عن تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: (تشهد رجلان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أحدهما: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بئس الخطيب أنت)].
    أورد النسائي ما يكره من الخطبة، يعني: من الإجمال الذي يكون فيها، والمقام يقتضي التفصيل والإظهار والبيان.
    فأورد حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله تعالى عنه: (أن رجلين تشهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال: بئس خطيب القوم أنت)، وبين له كما في بعض الروايات أن يقول: (ومن يعص الله ورسوله)، يعني بدل: (ومن يعصهما فقد غوى)، ومحل الرد عليه والذم كونه جمع بين الضمير لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ومن يعصهما فقد غوى)، لكن جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، في بعض الأحاديث أنه جمع الضميرين يعني جمع بين الضمير الذي يرجع إلى الله، والضمير الذي يرجع إلى رسوله، قال: (ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه)، في بعض الأحاديث عند أبي داود، وهو يعارض ما جاء في هذا الحديث.
    وأجيب أو وفق بين ما جاء هنا وما جاء هناك: بأن المقام الذي يقتضي البسط، ويقتضي الإظهار والبيان ما يصلح فيه الإجمال، وإن كان جمع الضميرين سائغاً، وممكناً، وجاء في كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وجاء في القرآن، جمع ضمير يرجع إلى الله عز وجل وإلى الملائكة، كقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ [الأحزاب:56]، وكلمة (يصلون) يعني: يرجع إلى الله، وإلى الملائكة، فجمع ضمير لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم سائغ، ولكن ليس في كل مقام، وليس في كل مجال، بل من المقامات، والمجالات ما يقتضي البسط والإيضاح، ومنها ما يناسب فيه الإجمال، ولكل مقامٍ مقال كما يقولون.

    تراجم رجال إسناد حديث عدي بن حاتم فيما يكره في الخطبة

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].وهو الكوسج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [أخبرنا عبد الرحمن].
    وهو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد العزيز].
    هو عبد العزيز بن رفيع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن تميم بن طرفة].
    تميم بن طرفة ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عدي بن حاتم].
    هو عدي بن حاتم الطائي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الكلام الذي ينعقد به النكاح

    شرح حديث سهل بن سعد في الكلام الذي ينعقد به النكاح


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الكلام الذي ينعقد به النكاح. أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان سمعت أبا حازم يقول: سمعت سهل بن سعد رضي الله عنهما يقول: (إني لفي القوم عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقامت امرأةٌ فقالت: يا رسول الله! إنها قد وهبت نفسها لك، فرأ فيها رأيك، فسكت فلم يجبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشيء، ثم قامت فقال: يا رسول الله! إنها قد وهبت نفسها لك، فرأ فيها رأيك، فقام رجلٌ فقال: زوجنيها يا رسول الله! قال: هل معك شيء؟ قال: لا، قال: اذهب فاطلب ولو خاتماً من حديد، فذهب فطلب ثم جاء فقال: لم أجد شيئاً، ولا خاتماً من حديد، قال: هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم، معي سورة كذا وسورة كذا، قال: قد أنكحتكها على ما معك من القرآن)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الكلام الذي ينعقد به النكاح، يعني: اللفظ الذي يتم به عقد النكاح، والمقصود به لفظ الإنكاح كما جاء في الحديث، وكذلك التزويج الذي جاء أيضاً في أول الحديث في قوله: (زوجنيها يا رسول الله!)، قال: زوجنيها، وقال في الآخر: (أنكحتكها على ما معك من القرآن)، فالحاصل أن المقصود به: اللفظ الذي يتم به عقد النكاح، وهو لفظ إنكاح، ومثله لفظ التزويج؛ لأنها كلها بمعنىً واحد، والكل جاء في الحديث، الصحابي قال: زوجنيها، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أنكحتكها)، فإذا قال: زوجتك وقال: أنكحتك، كل ذلك صحيح، ويتم به عقد الزواج، وعقد النكاح.
    وأورد في ذلك حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، في قصة الواهبة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت إليه عليه الصلاة والسلام، وكان بحضرة الناس، وقالت: إنها وهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم، فرأ في رأيك، أو رأ فيها رأيك، يعني على الحكاية، أنه يحكي كلامها على ضمير الغيب، وجاء في بعض الروايات على ضمير التكلم، (إني وهبت نفسي فرأ في رأيك)، والرسول صلى الله عليه وسلم، أعرض عنها، ولم يجبها، فقام رجل من الحاضرين وقال: (زوجنيها يا رسول الله)، وفي بعض الروايات: (إن لم يكن لك حاجة بها زوجنيها)، فالرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (أمعك شيء)؟ يعني: عندك شيءٍ تدفعه مهراً، وهذا يدلنا على أن المهر لا بد منه في الزواج.
    قوله: (لا، قال: اذهب فالتمس، ولو خاتماً من حديد)، يعني: التمس شيئاً من المال، ولو كان يسيراً جداً كالخاتم من الحديد، فذهب، والتمس، ولم يجد شيئاً، وهذا يدل على ما كان عليه الصحابة من قلة ذات اليد، وأن الواحد منهم يكون معدماً إلى هذه الغاية، بحيث أنه لا يجد شيئاً يسيراً مثل الخاتم من حديد، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل معك شيءٍ من القرآن؟ فقال: معي سورة كذا وكذا، قال: اذهب فقد أنكحتكها على ما معك من القرآن)، يعني: على أن يعلمها شيئاً من القرآن؛ لأنه ما دام ما حصل لها عين، يعني تسلم بيدها تتملكها، فيقوم مقام ذلك عند الحاجة منفعة تبذل لها، وهي تعليمها سور من القرآن، تكون استفادت منه لكونه علمها، ويكون ذلك مهرها، يعني هذه المنفعة التي بذلت لها، وهي تعليمها شيء من القرآن، وهو محتاج إلى الزواج، وهي محتاجة إلى الزواج، ولم يكن هناك شيء، ولا خاتماً من حديد، عند ذلك ينتقل إلى مثل هذه المنفعة التي هي التعليم، تعليم شيءٍ معين، (فقد أنكحتكها على ما معك من القرآن)، ومحل الشاهد من إيراد الحديث قوله: [(قد أنكحتكها)]؛ لأن هذا هو الذي ينعقد به لفظ النكاح، ومثله لفظ: التزويج.

    تراجم رجال إسناد حديث سهل بن سعد في الكلام الذي ينعقد به النكاح


    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].وهو محمد بن منصور الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سفيان].
    وهو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أبا حازم].
    هو سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت سهل بن سعد].
    هو سهل بن سعد الساعدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    الشروط في النكاح

    شرح حديث: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج)




    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الشروط في النكاح. أخبرنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج)].
    أورد النسائي الترجمة وهي: الشروط في النكاح، يعني: أن ما اشترط في النكاح مما هو سائغ، فإنه أولى وأحق بأن يوفى به.
    وقد أورد النسائي حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج)، يعني هذا فيه بيان تأكيد، ولزوم، وتعين الوفاء بالشروط التي تشترط عند العقد بين الرجل، والمرأة، فإذا التزم لها بشيء، واشترطت عليه شيء، والتزم به، فإنه عليه أن يوفي به، بل هو أحق بالوفاء، ولهذا أشار إلى أنه استحل به الفرج، فعلى من اشترط عليه شرط، وقد استحل الفرج بالنكاح المشروط به هذا الشرط، عليه أن يوفي به.
    وقوله: [(استحللتم به الفروج)]، فيه حظ، وتحريض على الوفاء بالشروط؛ لأن هذا حصل به الاستحلال، وما دام الاستحلال قد وجد، وما كان من عندها قد بذل، فعليه أن يبذل ما كان عنده، وما كان عليه مما اشترط عليه؛ لأن البضع قد استحل، وكان استحلاله بعقد مبني على شرط، فعلى من اشترط عليه شرط سائغ، وصحيح، وغير باطل أن يبادر إلى الوفاء به؛ لأنه قد استحل به الفرج.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج)


    قوله: [أخبرنا عيسى بن حماد].هو عيسى بن حماد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [أخبرنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب].
    هو يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الخير].
    هو مرثد بن عبد الله اليزني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عقبة بن عامر].
    هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد مسلسل بالمصريين؛ لأن كل رجاله مصريون.

    حديث: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به من الفروج) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم سمعت حجاجاً، يقول: قال ابن جريج: أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب: أن أبا الخير حدثه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج)].أورد النسائي حديث عقبة بن عامر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم].
    وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [سمعت حجاجاً].
    حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال ابن جريج].
    عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني سعيد بن أبي أيوب].
    سعيد بن أبي أيوب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه عن عقبة بن عامر].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الشروط في النكاح. أخبرنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج)].
    أورد النسائي الترجمة وهي: الشروط في النكاح، يعني: أن ما اشترط في النكاح مما هو سائغ، فإنه أولى وأحق بأن يوفى به.
    وقد أورد النسائي حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج)، يعني هذا فيه بيان تأكيد، ولزوم، وتعين الوفاء بالشروط التي تشترط عند العقد بين الرجل، والمرأة، فإذا التزم لها بشيء، واشترطت عليه شيء، والتزم به، فإنه عليه أن يوفي به، بل هو أحق بالوفاء، ولهذا أشار إلى أنه استحل به الفرج، فعلى من اشترط عليه شرط، وقد استحل الفرج بالنكاح المشروط به هذا الشرط، عليه أن يوفي به.
    وقوله: [(استحللتم به الفروج)]، فيه حظ، وتحريض على الوفاء بالشروط؛ لأن هذا حصل به الاستحلال، وما دام الاستحلال قد وجد، وما كان من عندها قد بذل، فعليه أن يبذل ما كان عنده، وما كان عليه مما اشترط عليه؛ لأن البضع قد استحل، وكان استحلاله بعقد مبني على شرط، فعلى من اشترط عليه شرط سائغ، وصحيح، وغير باطل أن يبادر إلى الوفاء به؛ لأنه قد استحل به الفرج.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج)

    قوله: [أخبرنا عيسى بن حماد].هو عيسى بن حماد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [أخبرنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب].
    هو يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الخير].
    هو مرثد بن عبد الله اليزني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عقبة بن عامر].
    هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد مسلسل بالمصريين؛ لأن كل رجاله مصريون.

    حديث: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به من الفروج) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم سمعت حجاجاً، يقول: قال ابن جريج: أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب: أن أبا الخير حدثه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج)].أورد النسائي حديث عقبة بن عامر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم].
    وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [سمعت حجاجاً].
    حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال ابن جريج].
    عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني سعيد بن أبي أيوب].
    سعيد بن أبي أيوب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه عن عقبة بن عامر].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

    النكاح الذي تحل به المطلقة ثلاثاً لمطلقها

    شرح حديث عائشة في النكاح الذي تحل به المطلقة ثلاثاً لمطلقها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النكاح الذي تحل به المطلقة ثلاثاً لمطلقها. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءت امرأة رفاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: (إن رفاعة طلقني فأبت طلاقي، وإني تزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وما معه إلا مثل هدبة الثوب، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته)].
    أورد النسائي الترجمة: النكاح الذي تحل به المطلقة ثلاثاً لمطلقها، جاء في القرآن أن الإنسان إذا طلق الطلقة الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً، يعني آخر، فهذا الزوج الآخر الذي تزوجها بعد أن طلقها الذي بت طلاقها، متى تحل لزوجها الأول إذا طلقها الثاني؟ هل بمجرد العقد يكفي؟ المقصود أنه لا يكفي، وأنه لا بد من النكاح، ولا بد من الوطء، ولا بد من ذوق العسيلة، وحصول الاستمتاع بالزواج، وحصول فائدته، ولذته.
    وفي هذا الحديث بيان أن المقصود بقوله: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، يعني النكاح هنا المقصود به الوطء وليس مجرد العقد، وكما عرفنا من قبل يأتي النكاح للعقد، ويأتي للوطء، وهذا مما جاء به النكاح مراداً به الوطء كما فسرته بذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك).
    وقد أورد النسائي في ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها: أن امرأة رفاعة القرظي، وهي امرأته باعتبار ما كان، وإلا فإنها في عصمة زوجٍ آخر، لكنها أخبرت عنها باعتبار ما سبق لها، وما سلف لها من الزوجية، جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: (إن رفاعة طلقني فأبت طلاقي، وأنه تزوجني عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب)، يعني قيل: إنه رخو، إما أنه مثل الثوب يعني: في الرخاوة، أو في الصغر الشديد، فالرسول صلى الله عليه وسلم ضحك؛ لأنها ذكرت رفاعة، هي ما جاءت تتكلم في عبد الرحمن، وتشتكي عبد الرحمن، بل ذكرت الذي مضى من شأنها، وأن هذا طلقها، وبت طلاقها، وتزوجها فلان، وما قالت: إني أريد أن أرجع إلى فلان، لكن هذا التمهيد يفهم منه، ولهذا الرسول ضحك، لأنها عرضت بأنها تريد الرجوع، تريد أن تتخلص من عبد الرحمن بن الزبير وترجع إلى زوجها الذي بت طلاقها.
    قال: (لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة)، يعني بكونها قالت: إن رفاعة طلقني؛ لأن لو كانت القضية قضية شكوى لـعبد الرحمن، تقول: يا رسول الله! إن عبد الرحمن بن الزبير تزوجته، وأنه كذا وكذا، لكنها جاءت بالزوج الأول، وأنه طلقها وبت طلاقها، وأن هذا تزوجها، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا)، يعني: لا يحصل ذلك، ولا يتم ذلك، ولا يكون ذلك، يعني أنك ترجعين إلى رفاعة، حتى يكون حصل لها ذوق العسيلة، يعني منه أو من غيره، تذوق عسيلة الزوج الثاني، أو الزوج الآخر الذي يتزوجها، فإذا تزوجها شخص لا يقدر على الجماع، أو ما يحصل به المقصود من لذة الجماع، فإن ذلك لا يغني، ولو طلقها، ولا يكفي؛ لأنه ما ذاق عسيلتها، وما ذاقت عسيلته، لكن إذا حصل هذا الذي بينه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وحصل الطلاق، وكان الزواج زواج رغبة، وليس زواج تحليل، وطلقها الزوج الثاني، فإنها تحل للأول، ثم يرجع إليها بثلاث طلقات؛ لأن الثلاث التي ذهبت انتهت بهذا الزواج الذي حصل، ثم يرجع إليها، ويكون أمامه ثلاث طلقات يستأنفها من جديد.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في النكاح الذي تحل به المطلقة ثلاثاً لمطلقها


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أخبرنا سفيان].
    وهو ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، ذات المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وهي من أوعية السنة، وحفظتها، وحفظ الله تعالى بها الشيء الكثير من سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لا سيما ما يتعلق فيما يجري بين الرجل، وأهل بيته، وما يجري بين الرجل، وزوجته، فإنها حفظت الكثير وروت الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.


    الأسئلة

    وجه ذكر ضمير الجمع أو نون نستعينه ونستغفره في خطبة الحاجة؟


    السؤال: ما وجه ذكر ضمير الجمع أو نون نستعينه ونستغفره في خطبة الحاجة؟

    الجواب: كما هو معلوم أن ذكر النون تأتي أحياناً.. المتكلم يأتي بضمير الجمع الذي هو النون الدالة على الجمع، ويمكن أن يكون المراد به المتكلم، والحاضرون، لكن بالنسبة للشهادة ما يؤتى بها بضمير الجمع، وإنما يؤتى بها بالإفراد؛ لأن الإنسان هو الذي ينطق بالشهادة، ويشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأما بالنسبة للاستعانة، والاستغفار فالكل يطلق على الجميع، وأما لفظ الشهادتين، فإنما يؤتى به على سبيل الإفراد، ولا يؤتى به على سبيل الجمع.


    المراد بشرور النفس

    السؤال: ما المراد بشرور النفس؟

    الجواب: شرور النفس كل ما هو ضار مما يحصل منها النفس الأمارة بالسوء، يعني السوء الذي تأمر به هو الشرور.


    حكم قول جوزتك وغيرها من اللهجات العامية بدلاً من زوجتك

    السؤال: هل يصح قول جوزتك وغيرها من اللهجات العامية بدلاً من زوجتك؟

    الجواب: إذا كان ما يستطيع ينطق بزوجتك صح لأن المهم المعنى، لكنه إذا قال: جوزتك يعني زوجتك يعاد عليه الكلام ويقول: زوجتك.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #437
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (434)

    - (باب تحريم الربيبة التي في حجره) إلى (باب تحريم الجمع بين المرأة وخالتها)



    يحرم على الرجل نكاح ربيبته وهي بنت زوجته المتربية في حجره، كما يحرم عليه الجمع بين المرأة وأمها، وكذلك الجمع بين الأختين، والجمع بين المرأة وعمتها، أو خالتها.
    تحريم الربيبة التي في حجره

    شرح حديث عروة في تحريم الربيبة التي في حجره

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تحريم الربيبة التي في حجره. أخبرنا عمران بن بكار حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب أخبرني الزهري أخبرني عروة (أن زينب بنت أبي سلمة وأمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت: يا رسول الله! انكح أختي بنت أبي سفيان، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أو تحبين ذلك؟ فقلت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من يشاركني في خير أختي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن أختك لا تحل لي، فقلت: والله يا رسول الله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة، فقال: بنت أم سلمة ؟ فقلت: نعم. فقال: والله لولا أنها ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن)].
    يقول النسائي رحمه الله: تحريم الربيبة التي في حجره، تحريم الربيبة وهي: ابنة الزوجة، وقال: (التي في حجره) كما جاء في القرآن وكما جاء في الحديث، يقول الله عز وجل: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23]، وذكر الحجر جمهور العلماء على أنه خرج مخرج الغالب، وأنه لا مفهوم له، وأن الصفة كاشفة وليست مخصصة، وأنه لا مفهوم لها بحيث تكون التي ليست في حجره تحل له، وبنات الزوجات يحرمن على الأزواج، سواءً كن هؤلاء البنات لتلك الزوجات من أزواج سابقين، وحتى أيضاً لو كان من أزواج بعده، حيث طلقها وتزوجت وأنجبت، فلا يحل له أن ينكح ابنتها سواءً كانت من زوج قبله أو من زوج بعده؛ لأنها داخلة في أنها بنت زوجة، وداخلة في أنها ربيبة، ولما كان الغالب على النساء المتزوجات أن بناتهن يكن مع أزواجهن لحاجتهن إلى الأمهات والأزواج يقدمون على ذلك، جاء ذكر الربيبة، وجاء ذكر التي في الحجر، أي: أن المقصود أن هذا هو الغالب، وليس المقصود من ذلك أنها إذا لم تكن في حجره أنها تحل له، وهناك قول لبعض أهل العلم يقول: إن الصفة مخصصة، وإن التحريم يكون خاصاً فيما إذا كانت في حجره، أما إذا لم تكن في حجره فإنها تحل له، والصحيح هو ما عليه جمهور أهل العلم من أن بنت الزوجة لا تحل مطلقاً للزوج، أي: لزوج أمها إذا كان قد دخل بأمها، أما إذا لم يكن دخل بأمها فإنه لا حرج؛ لقول الله عز وجل: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23].
    والصفة أحياناً يؤتى بها للإيضاح والبيان لا للتخصيص والمفهوم، من جنس قول الله عز وجل: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ [المؤمنون:117]، فكلمة (لا برهان له به) هذه صفة كاشفة؛ لأنه لا يمكن أن يأتي أحداً يكون له إلهاً عنده في برهان، وهذه أيضاً التي في الآية: اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ [النساء:23] أيضاً صفة كاشفة، وليست مخصصة.
    أورد النسائي حديث أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها أنها حدثت زينب بنت أبي سلمة أنها عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أختها بنت أبي سفيان، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [(أو تحبين ذلك؟)]، المعروف أن المرأة لا تحب أن يكون معها من يشاركها في الزوج، قال: [(أو تحبين ذلك؟ قالت: نعم، لست لك بمخلية)]، يعني: ما أنا منفردة بك، بل هناك من شاركني فيك، وخير من شاركني في خير أختي، ما دام الشركة موجودة والمشاركة موجودة، فكون أختي تحظى بهذا الشرف، ويكون لها نصيب منك، وتكون زوجة لك، هذا يعجبني وأحبه؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إنها لا تحل لي)]؛ لأن الجمع بين الأختين لا يجوز، قال: [(إنها لا تحل لي، قالت: فإن كنا نسمع أو نتحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال: بنت أم سلمة ؟ قالت: نعم، فقال عليه الصلاة والسلام: إنها لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي، فإنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن)].
    فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن هناك سببان مانعان من الزواج بـبنت أم سلمة، أحدهما: أنها ربيبة، وأنها بنت الزوجة، والثاني: أنها بنت أخ من الرضاعة، فهو يقول: لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، مع أن كونها ربيبة لا تحل له بذلك، يعني: لو كانت ليس عندها هذا المانع الذي هو كونها ربيبة لم تحل؛ لأنها بنت أخ من الرضاعة، فإذاً: اجتمع سببان مانعان من الزواج: كونها بنت زوجة، وكونها بنت أخ من الرضاعة، وبين عليه الصلاة والسلام كيف هذه الأخوة من الرضاعة بالنسبة لـأبي سلمة فقال: [(أرضعتني وأبا سلمة ثويبة)]، أي: ثويبة مولاة أبي لهب.
    قال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: [(فلا تعرضن عليّ أخواتكن ولا بناتكن)]؛ لأن الأخوات ممنوع من الزواج منهن مؤقتاً وليس على التأبيد، ما دامت أختها في عصمته، أما لو لم تكن الأخت في عصمته -بأن طلقت وخرجت من العدة- فإن له أن يتزوج أختها؛ لأن التحريم إنما هو مؤقت بسبب الجمع، أما تحريم البنات الذي هن بنات الزوجات المدخول عليهن فهو مؤبد، الزوجات المدخول بهن تحريم بناتهن مؤبد، وقوله صلى الله عليه وسلم: [(لا تعرضن عليّ بناتكنّ)]، يعني: هذا العموم في ذكر البنات يشمل بنات الزوجات، وبنات بنات الزوجات، بل وحتى بنات أبناء الزوجات؛ لأن الجميع داخلات تحت قوله: [(وبناتكن)]؛ لأن بنت الربيبة ربيبة، وبنت الربيب ربيبة، وكلهن داخلات في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: [(لا تعرضن عليّ بناتكن)]؛ لأن بنت الزوجة بنت للزوجة، وبنت ابن الزوجة بنت للزوجة، فيكن داخلات في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تعرضن عليّ بناتكن)، فبنت الربيبة ربيبة، بل وبنت الربيب ربيبة الذي هو ابن الزوجة، ابن الزوجة بناته لا تحل لزوج أمه؛ لأنها داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن).

    تراجم رجال إسناد حديث عروة في تحريم الربيبة التي في حجره

    قوله: [أخبرنا عمران بن بكار].عمران بن بكار، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبي اليمان].
    أبو اليمان هو: الحكم بن نافع، مشهور بكنيته أبي اليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعيب].
    هو شعيب بن أبي حمزة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني الزهري].
    الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن زينب بنت أبي سلمة].
    زينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أن أم حبيبة].
    أم حبيبة هي رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها، أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    تحريم الجمع بين الأم والبنت

    شرح حديث أم حبيبة في تحريم الجمع بين الأم والبنت

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تحريم الجمع بين الأم والبنت. أخبرنا وهب بن بيان حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه عن زينب بنت أبي سلمة أن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: (يا رسول الله! انكح بنت أبي -تعني أختها- فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وتحبين ذلك؟ قالت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شركتني في خيرٍ أختي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن ذلك لا يحل، قالت أم حبيبة: يا رسول الله! والله لقد تحدثنا أنك تنكح درة بنت أبي سلمة، فقال: بنت أم سلمة ؟ قالت أم حبيبة: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فوالله لو أنها لم تكن ربيبتي في حَجري ما حلت، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن )].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة: تحريم الجمع بين الأم والبنت، هذه الترجمة غير واضحة؛ لأنه ليس المقصود التحريم للجمع، بل حتى لو تزوجها مفردة، يعني: لو لم يجمعها مع أمها، بل تزوجها بعد أمها وأمها لم تكن في عصمته، فإن ذلك لا يجوز إذا كان دخل بأمها، فالجمع بين المرأة والبنت ليس مجرد الجمع، بل مجرد الزواج، فإذا كان قد دخل بالأم فلا يجوز له أن يتزوجها؛ لو ماتت أمها، أو طلق أمها، فإنه لا يحل له أن يتزوجها، والذي يحرم للجمع، ويجوز النكاح على سبيل الانفراد، بأن تكون هذه تزوجها ثم ماتت وتزوج ابنتها، وهذا بالنسبة لمن يتزوج الأم ثم يتزوج البنت، أما البنت فإذا عقد عليها فإن الأم تحرم عليه على التأبيد بمجرد العقد، يعني: ما يشترط في البنت من أنه يدخل بها بل بمجرد أن يعقد على البنت حرمت عليه الأم أبداً، والأم إذا عقد عليها حرمت عليه البنت إذا كان دخل بأمها، أما إذا لم يدخل بأمها فإنه لا بأس، ولا حرج أن يتزوجها، كما جاء منصوصاً عليه في القرآن الكريم، وعلى هذا فبنت الزوجة يحرم تزوجها مطلقاً إذا دخل بأمها.
    وأورد حديث أم حبيبة من طريق أخرى، والعبارة التي فيه أوضح من السابقة في قوله: [(لو لم تكن في حجري ما حلت لي)]؛ لأن هناك [(لولا أنها في حجري ما حلت لي، أو إن تكن لتحل لي)]، فهي غير واضحة، إلا إذا كان فيها حذف (لولا أنها ربيبتي في حجري ما حلت لي)، فالعبارة ليست بواضحة؛ لأن المقصود لو لم تكن ربيبتي معناه: هناك سببان مانعان: سبب هو كونها ربيبة، وسبب كونها ابنة أخ من الرضاعة، وهنا الحديث في الرواية الثانية: (لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت).

    تراجم رجال إسناد حديث أم حبيبة في تحريم الجمع بين الأم والبنت


    قوله: [أخبرنا وهب بن بيان].وهب بن بيان، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا ابن وهب].
    ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب أن عروة حدثه عن زينب بنت أبي سلمة أن أم حبيبة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

    حديث أم حبيبة في تحريم الجمع بين الأم والبنت من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنا قد تحدثنا أنك ناكح درة بنت أبي سلمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعلى أم سلمة؟ لو أني لم أنكح أم سلمة ما حلت لي، إن أباها أخي من الرضاعة)].أورد النسائي حديث أم حبيبة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    قتيبة، هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب].
    هو يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عراك بن مالك].
    عراك بن مالك، هو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة].
    وقد مر ذكرهما.


    تحريم الجمع بين الأختين


    شرح حديث أم حبيبة في تحريم الجمع بين الأختين


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تحريم الجمع بين الأختين. أخبرنا هناد بن السري عن عبدة عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم حبيبة أنها قالت: (يا رسول الله! هل لك في أختي؟ قال: فأصنع ماذا؟ قالت: تزوجها، قال: فإن ذلك أحب إليك؟ قالت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من يشركني في خيرٍ أختي، قال: إنها لا تحل لي، قالت: فإنه قد بلغني أنك تخطب درة بنت أم سلمة، قال: بنت أبي سلمة؟ قالت: نعم. قال: والله لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تحريم الجمع بين الأختين، وهذا جاء منصوصاً عليه في القرآن: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ [النساء:23]، يعني حرم الله عز وجل ذلك، وفي هذا الحديث الذي هو حديث أم حبيبة ما يدل على ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: [(لا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن)].
    فقوله: [(ولا أخواتكن)]، يدل على أنه لا يجوز الجمع بين الأختين؛ لأن المرأة لا يجوز لها أن تعرض أختها، وقول الرسول: [(إنها لا تحل لي)]، لما قالت له: [(انكح أختي، قال: أو تحبين ذلك؟ قالت: نعم، لست بك مخلية، قال: إنها لا تحل لي، فقالت: إنا كنا نتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة، ثم قال: لا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن)]، فيستدل على تحريم الجمع بين الأختين من قوله صلى الله عليه وسلم: [(لا تحل لي)]، ومن قوله: [(لا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن)]، والسبب في تحريم الجمع بين الأختين هو ما يكون في الزوجات من الاختلاف، وما ينشأ عنه من شحناء وما إلى ذلك، وحصول الجمع بينهما يترتب عليه قطع الأرحام، والتباعد، والتنافر الذي يكون بين القريبتين والأختين.

    تراجم رجال إسناد حديث أم حبيبة في تحريم الجمع بين الأختين


    قوله: [أخبرنا هناد بن السري].هناد بن السري، هو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبدة].
    هو عبدة بن سليمان، وهو ثقة، أخرج حدثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].
    هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه عن زينب عن أم حبيبة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.


    الجمع بين المرأة وعمتها

    شرح حديث أبي هريرة: (لا يجمع بين المرأة وعمتها)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجمع بين المرأة وعمتها. أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الجمع بين المرأة وعمتها، يعني: أن ذلك لا يجوز، وأورد فيه النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [(لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بينها وبين خالتها)]، يعني: سواء كانت العمة جاءت أخيراً، أو جاءت أولاً، كل ذلك لا يجوز، وسواءً كانت العمة عنده فلا يتزوج بنت أخيها، وسواءً كانت امرأته عنده فلا يجوز أن يتزوج عمتها، يعني: سواء كانت هي متقدمة أو متأخرة، سواء كانت هي الأولى أو الثانية، فلا يجوز له أن يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وبنت أخيها، يعني: عكسه، فكل ذلك لا يسوغ؛ لأنه جمع بين المرأة وعمتها، والسبب في ذلك المنع هو ما يقال في قضية الجمع بين الأختين، وما يترتب عليه من قطع الأرحام بسبب ما يحصل بين الزوجات من سوء تفاهم يؤدي إلى الشحناء والبغضاء.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (لا يجمع بين المرأة وعمتها)

    قوله: [أخبرني هارون بن عبد الله].هارون بن عبد الله، هو: الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا معن].
    هو معن بن عيسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزناد].
    أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني، وأبو الزناد لقب على صيغة الكنية وليس كنية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، والأعرج لقبه، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.

    حديث أبي هريرة: (نهى رسول الله أن يجمع بين المرأة وعمتها) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن يعقوب بن عبد الوهاب بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام حدثنا محمد بن فليح عن يونس قال ابن شهاب: أخبرني قبيصة بن ذؤيب أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها)، والكلام فيه هو كالذي قبله؛ لأنه بلفظ واحد، ومؤداه واحد.
    قوله: [أخبرنا محمد بن يعقوب بن عبد الوهاب بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام].
    هذا النسائي رحمه الله ذكر شيخه، وسرد نسبه حتى وصل إلى الزبير بن العوام، وقد عرفنا أن الراوي يذكر شيخه كما يريد، قد يطول في نسبه، وقد يختصر في نسبه، ويفعل ما يريد، لكن إذا اختصر النسب، وأراد غيره أن يضيف شيئاً يوضح فيحتاج إلى كلمة هو أو كلمة يعني، وأما التلميذ نفسه فإنه ينسب شيخه كما يريد بدون أن يقول: هو أو كذا إلى آخره، وإنما ينسبه، وهنا نسب شيخه فقال: محمد بن عبد الله بن عبد الوهاب بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام، سطر كامل وزيادة كلها في ذكر شخص واحد، والذي هو شيخ النسائي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد بن فليح].
    وهو صدوق يهم، وحديثه أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه.
    [عن يونس].
    [عن يونس قال ابن شهاب].
    يونس بن يزيد الأيلي وابن شهاب، وقد مر ذكرهما.
    [أخبرني قبيصة].
    هو قبيصة بن ذؤيب، له رؤية، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو قبيصة بفتح القاف.
    [أنه سمع أبي هريرة].
    أبو هريرة رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

    حديث أبي هريرة: (نهى أن تنكح المرأة على عمتها) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب أن جعفر بن ربيعة حدثه عن عراك بن مالك وعبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها)].أورد حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم: [(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها)]، أي أنه لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بينها وبين خالتها.
    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].
    هو الجوزجاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
    [حدثنا ابن أبي مريم].
    ابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى بن أيوب].
    يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن جعفر بن ربيعة].
    جعفر بن ربيعة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عراك بن مالك].
    وقد مر ذكره.
    [وعبد الرحمن الأعرج].
    قد مر ذكره.
    [عن أبي هريرة].
    أبو هريرة، قد مر ذكره.

    شرح حديث أبي هريرة: (نهى عن أربع نسوة يجمع بينهن: المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أربع نسوة يجمع بينهن: المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه النهي عن أربع نسوة يجمع بينهن، والمقصود من ذلك: يعني جمع اثنتين، المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، فلا يجمع بين المرأة وعمتها، وهاتان اثنتان، ولا بين المرأة وخالتها، وهاتان اثنتان، فلا يجمع بين هؤلاء الأربع، بأن يتزوج المرأة وعمتها، أو المرأة وخالتها.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (نهى عن أربع نسوة يجمع بينهن: المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد].قتيبة عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب، وقد مر ذكرهم.
    [عن عراك بن مالك].
    عراك بن مالك، وقد مر ذكره.
    [عن أبي هريرة].
    أبو هريرة، وقد مر ذكره.

    حديث أبي هريرة: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث أخبرني أيوب بن موسى عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن عبد الملك بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)].أورد حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].
    هو: عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الله بن يوسف].
    هو: عبد الله بن يوسف التنيسي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد، وقد مر ذكره.
    [أخبرني أيوب بن موسى].
    أيوب بن موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكير بن عبد الله بن الأشج].
    بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان بن يسار].
    سليمان بن يسار، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الملك بن يسار].
    عبد الملك بن يسار، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي هريرة].
    أبو هريرة، وقد مر ذكره.

    حديث أبي هريرة: (نهى رسول الله أن تنكح المرأة على عمتها أوخالتها) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا مجاهد بن موسى حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا مجاهد بن موسى].
    هو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا ابن عيينة].
    ابن عيينة هو: سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن دينار].
    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    حديث أبي هريرة: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن درست حدثنا أبو إسماعيل حدثنا يحيى بن أبي كثير أن أبا سلمة حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا يحيى بن درست].
    يحيى بن درست، هو ثقة، أخرج حديثه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
    [حدثنا أبي إسماعيل].
    أبو إسماعيل هو إبراهيم بن عبد الملك القناد، وهو صدوق في حفظه شيء، أخرج حديثه الترمذي والنسائي، وهو مشهور بكنيته أبي إسماعيل.
    [حدثنا يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. ويحيى بن أبي كثير اليمامي هو الذي روى عنه مسلم في صحيحه بإسناده إليه قوله: لا يستطاع العلم براحة الجسم، يعني: أن العلم لا يحصل إلا بالتعب، ولا يحصل إلا بالمشقة؛ لأنه من أراده فلا يحصله بالراحة، والإخلاد إلى الراحة؛ لأن هذا من الأماني، فكون الإنسان يريد أن يحصل شيئاً بلا شيء هذا من الأماني، لكن من أراد شيئاً فليبذل أشياء، لا يستطاع العلم براحة الجسم، هكذا قال يحيى بن أبي كثير اليمامي رحمه الله.
    [أن أبا سلمة حدثه عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما.


    تحريم الجمع بين المرأة وخالتها

    حديث أبي هريرة: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) من طريق ثامنة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تحريم الجمع بين المرأة وخالتها. أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى حدثنا هشام حدثنا محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة: تحريم الجمع بين المرأة وخالتها بعدما ذكر الترجمة السابقة، وأورد أحاديث عديدة من طريق أبي هريرة وهي تدل على تحريم الاثنتين: الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها. أفرد الخالة والجمع بينها وبين بنت أختها بترجمة، وأورد ما يدل على ذلك من طرق أخرى غير الطرق المتقدمة في ذكر الجمع بين المرأة وعمتها، فأورد حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو مثل ما تقدم: (لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها)].
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].
    هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي.
    [حدثنا يحيى].
    يحيى هو ابن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام].
    هشام هو ابن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا محمد].
    هو محمد بن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    أبو هريرة، وقد مر ذكره.

    حديث أبي هريرة: (نهى رسول الله أن تنكح المرأة على عمتها...) من طريق تاسعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المعتمر عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تنكح المرأة على عمتها، والعمة على بنت أخيها)].أورد النسائي حديث أبي هريرة [(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها، والعمة على بنت أخيها)]، وهذا ليس فيه دليل على ذكر الخالة، ولكن جاء من طرق متعددة عن أبي هريرة الجمع بين المرأة وعمتها، ويمكن أن يكون هنا ذكر اختصار، بأن ذكرت العمة وما يقابلها، يعني: لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين العمة وبنت أخيها، والتي معنا المرأة وبنت أختها التي هي: الخالة.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أخبرنا المعتمر].
    هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن داود بن أبي هند].
    داود بن أبي هند، هو ثقة أيضاً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الشعبي].
    الشعبي هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وعامر بن شراحيل الشعبي هو الذي اشتهرت عنه الكلمة المأثورة، وهي قوله: إن اليهود والنصارى فاقوا الرافضة بخصلة؛ وذلك أن اليهود إذا قيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، والنصارى إذا قيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، والرافضة إذا قيل لهم: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد، فهم أسوأ من اليهود من هذه الحيثية؛ لأن أولئك يعظمون أصحاب أنبيائهم، وأما هؤلاء فهم يعيبون، ويذمون، ويشتمون، ويكفرون، ويفسقون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الكلام الذي قاله الشعبي عن الرافضة، قاله رافضي في قصيدة طويلة يقول فيها:
    أهم خير أمة أخرجت للناس؟ استفهام إنكار يقصد الصحابة.
    أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها
    وهو شخص من الرافضة، ولهم فيه كلام في مدحه والثناء عليه، وهذا كلامه الذي هو من أخبث الكلام وأسوأ الكلام في حق الصحابة الكرام، ولكن كما يقولون: لا يضر السحاب نبح الكلاب، فهؤلاء الذين يسبون الصحابة ويعيبونهم لا يضرونهم.
    وقد جاء حديث لا أدري شيئاً عن صحته، وهو في جامع الأصول مسنداً إلى رزين، وهو من زيادات رزين العبدري على الكتب الستة، ورزين له زيادات في جامع الأصول يذكرها ابن الأثير في كتابه الذي هو أصل جامع الأصول، وابن الأثير يذكرها ولكن بدون أن يكون أمامها رموز لأصحاب الكتب، إذا جاء الحديث غفلاً ليس أمامه رمز فهو من زيادات رزين، وهذا الحديث من زيادات رزين التي ذكرها ابن الأثير في جامع الأصول، وقد ذكره شارح الطحاوية، وعزاه إلى مسلم فوهم، وهو ليس في مسلم، وهو أنه قيل لـعائشة: إن أناساً يسبون أبا بكر وعمر ؟! قالت: وما ذاكم؟ انقطع عنهم العمل فأحب الله ألا ينقطع عنهم الأجر. وهذا عزاه شارح الطحاوية إلى مسلم وهو وهم؛ لأنه ليس في مسلم، بل ولا في بقية الكتب الستة، ولكنه في جامع الأصول من الزيادات التي زادها رزين في كتابه الذي هو: أصل جامع الأصول، ولعل شارح الطحاوية وهم بـ عائشة رضي الله عنها، وهو في آخر التفسير من صحيح مسلم، وهو أنها قالت في قصة الذين تكلموا على عثمان ونالوا منه وعابوه، قالت: أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبوهم، وهذا أورده في آخر الصحيح في التفسير عند قوله: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:10]، فلعل شارح الطحاوية وهم بهذا الحديث وعزاه إلى مسلم، وهو يريد هذا الحديث، وذكر هذا الحديث الذي لا يوجد في صحيح مسلم، بل ولا في بقية الكتب الستة، وإنما هو من زيادات رزين كما أشرت.
    والمقصود من ذلك: أنهم إن كان لهم حسنات الذين هم الرافضة، فإن لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيب منها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم عنده ولا متاع، قال عليه الصلاة والسلام: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وزكاةٍ وصيام وحج)، لا شك أن الذي ما عنده درهم ولا متاع مفلس، لكن هذا مفلس الدنيا، وأعظم إفلاساً منه مفلس الآخرة، فهو أشد إفلاساً وأعظم إفلاساً من المفلس في الدنيا، فهم لما قال: (أتدرون من المفلس؟)، انقدح في أذهانهم المفلس في الدنيا، فقالوا: (من لا درهم عنده ولا متاع)، قال عليه الصلاة والسلام: (المفلس) أي: المفلس حقاً، وإن كان هذا مفلس الذي هو من لا درهم عنده ولا متاع، إلا أن الذي هو مفلس حقاً (هو الذي يأتي يوم القيامة بصلاة، وزكاة، وصيام، وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار).
    [عن أبي هريرة]
    وقد مر ذكره.

    حديث جابر: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة أخبرني عاصم قال: قرأت على الشعبي كتاباً فيه: عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)، قال: سمعت هذا من جابر].ثم أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، وهو بمثل حديث أبي هريرة المتقدم من طرق عديدة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها).
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
    هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    خالد هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عاصم].
    هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    (قال: قرأت على الشعبي كتاباً فيه: عن جابر).
    قال: قرأت على الشعبي كتاباً فيه: عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)، ثم قال: وسمعته من جابر، يعني: الشعبي قال: هذا الذي قرأه عليه سمعه من جابر.

    حديث جابر: (نهى رسول الله أن تنكح المرأة على عمتها وخالتها) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن آدم عن ابن المبارك عن عاصم عن الشعبي سمعت جابر بن عبد الله يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تنكح المرأة على عمتها وخالتها)].أورد النسائي حديث جابر من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن آدم].
    هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
    [عن ابن المبارك].
    ابن المبارك هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم عن الشعبي عن جابر].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث جابر: (نهى رسول الله أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها)].أورد حديث جابر من طريق أخرى: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها، أو على خالتها)، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن].
    هو المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا حجاج].
    هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    ابن جريج، هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزبير].
    هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو الصحابي الجليل، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #438
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (435)

    - (باب ما يحرم من الرضاع) إلى (باب لبن الفحل)


    تنتشر الحرمة في حال الرضاع خمس رضعات فأكثر، فيحرم على الرضيع أمه من الرضاعة وأقاربها، وكذلك يحرم الأب من الرضاعة؛ لأن الأب من الرضاعة -زوج المرضعة- هو صاحب اللبن، فيحرم هو وأقاربه، وكذلك إن كان له زوجات أخر فيحرمن على الرضيع أيضاً.

    ما يحرم من الرضاع
    شرح حديث: (ما حرمته الولادة حرمه الرضاع)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يحرم من الرضاع.
    أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى حدثنا مالك حدثني عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما حرمته الولادة حرمه الرضاع)].
    يقول النسائي رحمه الله: ما يحرم من الرضاع. مقصود النسائي من هذه الترجمة: أن الرضاع يحصل به التحريم، وما الذي يحرمه هذا الرضاع. وقد أورد الأحاديث العديدة الدالة على أن الرضاع يحرم به ما يحرم من النسب، وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء شيء من ذلك في القرآن، لكن هذا الحديث من الأحاديث الجامعة التي هي: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، فهو لفظ عام يدل على أن الرضاع مثل النسب، وأنه يحرم منه، أي: من الرضاع، ما يحرم من النسب.
    وقد أورد النسائي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما حرمته الولادة حرمه الرضاع). المراد بالولادة: النسب، ومعنى هذا: أن ما يحرم بالنسب يحرم بالرضاع، كالأب من الرضاع، والابن من الرضاع، والأخ من الرضاع، كل هؤلاء يعتبرون إخوة، فإذا كان هناك رجل له أخت من الرضاع، له بنت من الرضاع، له أم من الرضاع، له كذا، كل هذا له حكم النسب، بمعنى أنه (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما حرمته الولادة حرمه الرضاع)


    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].
    هو عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا مالك].
    هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني عبد الله بن دينار].
    هو عبد الله بن دينار المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان بن يسار].
    هو سليمان بن يسار المدني، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين أيضاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق، وهي أكثر الصحابيات روايةً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    شرح حديث: (... فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) من طريق ثانية



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها أخبرته: (أن عمها من الرضاعة يسمى أفلح استأذن عليها فحجبته، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: لا تحتجبي منه، فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)].
    أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو أن عمها من الرضاعة أفلح أخا أبي القعيس، واستأذن عليها فحجبته، يعني: امتنعت من أن يلتقي بها بدون حجاب، وامتنعت من ذلك، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام فنهاها أن تحتجب منه، وقال: (إنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، يعني: أرشدها إلى هذا الحكم، وأعطى القاعدة العامة، وبهذه الكلمة الجامعة: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، فالعم من الرضاع كالعم من النسب، وعائشة رضعت من لبن أبي القعيس، وأفلح هو أخو أبي القعيس، فيكون أبي القعيس أبوها من الرضاع، وأفلح عمها من الرضاع.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) من طريق ثانية



    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب].
    هو يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عراك بن مالك].
    هو عراك بن مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)].
    أورد حديث عائشة، وهو مثل ما تقدم، الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].
    هو الملقب بـبندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب، رووا عنه مباشرة، وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى].
    وهو ابن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    وقد مر ذكره.
    [عن عبد الله بن أبي بكر].
    هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرة].
    هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة رضي الله عنها].
    وقد مر ذكرها.


    حديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبيد حدثنا علي بن هاشم عن هشام بن عروة عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة أنها قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة)].
    حديث عائشة من طريق أخرى: (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة).
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد].
    هو المحاربي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
    [حدثنا علي بن هاشم].
    وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن هشام بن عروة].
    هشام بن عروة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن أبي بكر].
    وقد مر ذكره.
    [عن أبيه].
    وهو: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرة أنها قالت: سمعت عائشة].
    وقد مر ذكرهما.

    تحريم بنت الأخ من الرضاعة
    شرح حديث علي في تحريم بنت الأخ من الرضاعة



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تحريم بنت الأخ من الرضاعة.
    أخبرنا هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (قلت: يا رسول الله! مالك تنوق في قريش وتدعنا؟ قال: وعندك أحد؟ قلت: نعم، بنت حمزة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة)].
    ثم أورد هذه الترجمة وهي: تحريم بنت الأخ من الرضاعة، يعني: كما أن بنت الأخ من النسب تحرم، فبنت الأخ من الرضاعة تحرم؛ لأنه (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)، وقد أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (مالك تنوق في قريش وتدعنا؟)، يعني: تختار من النساء، وتتزوج، (وتدعنا معشر بني هاشم)، والمقصود من قوله: قريش، يعني: سوانا؛ لأن بنو هاشم هم من قريش، وإنما المقصود منه أنه يأخذ من قريش يعني سوى بني هاشم، ولهذا قال: تدعنا، يعني: تدعنا معشر بني هاشم من قريش، قال: (وهل عندك أحد؟)، يعني: هل هناك أحد تقترحه وتذكره؟ (قال: ابنة حمزة، قال: إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة)، فإن عمه حمزة قد رضع هو وإياه، فجمعهما الرضاعة، (ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).


    تراجم رجال إسناد حديث علي في تحريم بنت الأخ من الرضاعة



    قوله: [أخبرنا هناد بن السري].
    هو أبو السري الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي معاوية].
    هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد بن عبيدة].
    سعد بن عبيدة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عبد الرحمن السلمي].
    وهو عبد الله بن حبيب، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن علي].
    هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، وأبو الحسنين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    شرح حديث: (ذكر لرسول الله بنت حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة)



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن محمد حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنت حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة)، قال شعبة: هذا سمعه قتادة من جابر بن زيد].
    ثم أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ابنة حمزة)، يعني: ذكرت له من أجل الزواج، يعني: ذكر له يعني زواجها، وعرض عليه زواجها، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنها ابنة أخي من الرضاع)، وبنت الأخ من الرضاع لا تحل، كما أن بنت الأخ من النسب لا تحل، ثم قال: قال شعبة: هذا سمعه قتادة من جابر بن زيد، أي: أن قتادة مدلس، وهذا فيه التصريح بأنه سمع، لكن من الأمور المشهورة المعروفة أن شعبة هو الذي قال هذا، فشعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالسماع، يعني: ما أمن تدليسهم فيه؛ ومن القواعد التي تذكر في علم المصطلح أن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما أُمن تدليسهم فيه، وهذا فيه زيادة التصريح من شعبة بأنه سمع، أي أن: قتادة سمع من جابر بن زيد.


    تراجم رجال إسناد حديث: (ذكر لرسول الله بنت حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة)



    قوله: [أخبرني إبراهيم بن محمد].
    هو إبراهيم بن محمد التيمي، ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن يحيى بن سعيد].
    وقد مر ذكره.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر بن زيد].
    وهو أبو الشعثاء، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.


    شرح حديث: (أن رسول الله أريد على بنت حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة) من طريق ثانية



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن الصباح بن عبد الله حدثنا محمد بن سواء حدثنا سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أريد على بنت حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة، وإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)].
    أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، قال فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أريد)، أريد منه، وطلب منه، ورغب منه أن يتزوج بنت حمزة، فقال: (إنها ابنة أخي من الرضاع)، يعني: فهي لا تحل لي؛ لأنه (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).


    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أريد على بنت حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة) من طريق ثانية



    قوله: [أخبرنا عبد الله بن الصباح بن عبد الله].
    عبد الله بن الصباح بن عبد الله، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا محمد بن سواء].
    وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فقد خرج له في الناسخ والمنسوخ.
    [حدثنا سعيد].
    هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة في الإسناد الذي قبل هذا.

    القدر الذي يحرم من الرضاعة
    شرح حديث عائشة في القدر الذي يحرم من الرضاعة



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القدر الذي يحرم من الرضاعة.
    أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان فيما أنزل الله عز وجل، وقال الحارث: فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي مما يقرأ من القرآن)].
    أورد النسائي بعد أن ذكر الترجمة أو التراجم المتعلقة بالتحريم بالرضاع، وهي مطلقة، تحتمل أن يكون القليل والكثير يحصل به التحريم لإطلاقها وعدم تقييدها؛ لأنه قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وتحرم الرضاعة ما تحرمه الولادة، فهو لفظ مطلق يحتمل الرضعة الواحدة، والثنتين، والثلاث، والأكثر من ذلك، بعد هذا عقد هذه الترجمة التي فيها التقييد، وبيان أن هناك حد أدنى إذا وصل إليه حصل التحريم، وإذا لم يوصل إليه فإنه لا تنتشر الحرمة، وهو الخمس الرضاعات، فالرضعة، والرضعتان والثلاث والأربع لا يحصل بها تحريم، وإنما التحريم يحصل بالخمس فما فوق، فأتى بالترجمة المقيدة التي تدل على أنه ليس كل رضاع يحرم، وليس كل مقدار من الرضاع يحرم، بل المقدار الذي يحرم هو ما كان خمس رضعات فما فوق، وما قل عنها فإنه لا يحصل به التحريم، والمقصود بالرضعة يعني: كون الطفل يلتقم الثدي، ويرضعه ثم يطلقه، ثم يعود فيرضعه ثم يطلقه، فهذه رضعتان، ليس معنى ذلك: أنه يجلس في حجر المرأة، أو يوضع في حجر المرأة ويرضع ما شاء، وتكون رضعة، لا، وإنما الرضعة هي التقام الثدي، وحصول الرضاع منه ثم إطلاقه، فهذه رضعة من الرضعات الخمس، فقد تجتمع الخمس في مكان واحد، وفي جلسة واحدة، ولا يلزم تعدد الأماكن ولا تعدد الجلسات، بل يمكن أن تتعدد بأن يكون في جلسة واحدة يرضع مرة واحدة بأن يلتقم الثدي ثم يطلقه، وقد يكرر ذلك في جلسة واحدة، فتكون كل التقامة للثدي وإطلاقه إياه تعتبر رضعة واحدة.
    وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل عشر رضعاتٍ معلومات يحرمن، فنسخن بخمسٍ معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن)، هذا الحديث فيه دليل على أنه كان في أول الأمر أن التحريم يكون بعشر رضعات، وقد نزل بذلك قرآن ثم نسخ، والناسخ له خمس رضعات معلومات يحصل بهن التحريم، ثم قالت: (فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن).
    ومن المعلوم أنه لا وجود لهذه الرضعات في القرآن التي بين أيدينا، قالوا: فنسخ أيضاً هذا من حيث التلاوة وبقي الحكم، وكان بعض الصحابة لكون النسخ كان متأخراً ولم يعلم بالناسخ، كان يفهم أنها من القرآن، وأنها تقرأ من القرآن، حتى علم الناسخ بعد ذلك، فقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها مبني على هذا، على أساس أن هذه الخمس ما كانت تعلم أنها نسخت فقالت هذه المقالة.
    وهذا الحديث فيه مثال لمسألتين أو لصورتين من صور النسخ في التلاوة والحكم؛ فإن فيه مثال في نسخ التلاوة والحكم وهو العشر الرضعات، كانت قد أنزلت وأنها عشر تحرم، فنسخت التلاوة ونسخ الحكم، نسخت التلاوة فلا تقرأ، ولا وجود لها في القرآن، ونسخ الحكم فلا تحرم العشر الرضعات، بل يحرم ما دونها وهو الخمس، فهذا منسوخ التلاوة والحكم، وهذا مثال لما نسخت تلاوته وحكمه. أما الثاني وهو الخمس الرضعات، فهو مثال لما نسخت تلاوته وبقي حكمه، وهذا مثل الرجم أيضاً، وقضية الرجم كان موجوداً في القرآن وهي آية الرجم، ثم نسخت وبقي حكمها، فالخمس الرضعات مثل قصة الرجم، يعني: منسوخ التلاوة باقي الحكم.


    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في القدر الذي يحرم من الرضاعة



    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].
    هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا معن].
    هو: معن بن عيسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا مالك].
    وقد مر ذكره.
    [والحارث بن مسكين قراءةً].
    شيخ النسائي، وهذا إسناد آخر، والحارث بن مسكين ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
    [حدثني ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم، صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن عمرة].
    وقد مر ذكرهما.


    ترك الرضيع للثدي بغير طواعية واحتسابها رضعة


    مداخلة: ولو ترك الثدي بغير طواعية، مثلاً أراد أن يتنفس يشرب ثم يتنفس، كذلك أيضاً نفس الشيء، يعني حتى لو أطلق من أجل التنفس، مع أنه يعني غالباً الأطفال يرضعون وهم يتنفسون، أقول: يتنفس وهو يرضع، لكن لو أطلقه لأي سبب من الأسباب فإنه تعتبر واحداً، وإن كان بفعل الآدمي المرضع نفسها هي التي تجر الثدي تعتبر رضعة، ولا يقال: إنها غير رضعة.

    شرح حديث: (لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن الصباح بن عبد الله حدثنا محمد بن سواء حدثنا سعيد عن قتادة وأيوب عن صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أم الفضل رضي الله عنها: (أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الرضاع؟ فقال: لا تحرم الإملاجة، ولا الإملاجتان)، وقال قتادة: (المصة والمصتان)].
    أورد النسائي حديث أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها، وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تحرم الإملاجة، ولا الإملاجتان)، وقال قتادة: (المصة والمصتان)؛ لأنه ذكر الإسناد فيه قتادة، وأيوب، وكان لفظ أيوب (الإملاجة والإملاجتان)، وأشار إلى لفظ قتادة الذي لم يسق لفظه تبعاً للإسناد، فقال: قال قتادة: (المصة والمصتان)، يعني هذا عبر بالإملاجة والإملاجتان، وهذا عبر بالمصة والمصتان، وهما بمعنىً واحد، إلا أن اللفظ اختلف، فـأيوب عبر بالإملاجة والإملاجتين، وقتادة عبر بالمصة والمصتين، والمقصود أنها لا تحرم، وليس معنى ذلك أن ما فوقها يحرم، وهو الثلاث والأربع، فإن هذا ليس فيه نص على ما فوق، وهو مفهوم، لكن جاء ما يدل على أنه لا يحرم إلا ما كان خمساً فأكثر، فصارت الثالثة والرابعة يعني دل على عدم اعتبارهما حديث الخمس الرضعات المعلومات التي يحرمن، وقد جاء في بعض الروايات: أنه سئل عن الإملاجة والإملاجتين، والمصة والمصتين فأجاب، فلعل الجواب جاء طبقاً للسؤال، يعني المصة والمصتين، فأجاب أو حصل الجواب بأنها لا تحرم المصة والمصتين، ولو أنه جاء ابتداءً فإن فإنه ما فوقه يعتبر مفهوم، وما جاء في حديث: (فنسخن بخمسٍ معلومات)، يعني: يدل على أنه لا يحرم ما دون الخمس، فتكون الثالثة والرابعة غير محرمة.


    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان)



    قوله: [أخبرنا عبد الله بن الصباح بن عبد الله حدثنا محمد بن سواء حدثنا سعيد عن قتادة].
    هؤلاء مر ذكرهم.
    [وأيوب]
    هو: ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سعيد بن أبي عروبة وقتادة].
    مر ذكر هؤلاء.
    [عن صالح أبي الخليل].
    وهو: صالح بن أبي مريم أبي الخليل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن الحارث بن نوفل].
    هو: عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أم الفضل].
    وهي: أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية، زوجة العباس بن عبد المطلب، وأم أولاده، وأكبرهم الفضل؛ ولهذا يقال لها: أم الفضل، فهي أم الفضل وأم عبد الله، وهي أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    حديث عبد الله بن الزبير: (لا تحرم المصة ولا المصتان) وتراجم رجال إسناده



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا شعيب بن يوسف عن يحيى عن هشام حدثني أبي عن عبد الله بن الزبير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تحرم المصة والمصتان)].
    ثم أورد حديث عبد الله بن الزبير، وهو بمعنى الحديث المتقدم، (لا تحرم المصة ولا المصتان).
    قوله: [أخبرنا شعيب بن يوسف].
    هو شعيب بن يوسف النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن يحيى].
    هو يحيى القطان، وقد مر ذكره.
    [عن هشام].
    هو هشام بن عروة، وهو ثقة، يدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبي].
    وقد مر ذكره.
    [عن عبد الله بن الزبير].
    هو عبد الله بن الزبير بن العوام، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    حديث عائشة: (لا تحرم المصة ولا المصتان) وتراجم رجال إسناده



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا ابن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تحرم المصة ولا المصتان)].
    أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحرم المصة ولا المصتان)، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا زياد بن أيوب].
    وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
    [حدثنا ابن علية].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    وهو السختياني، وقد مر ذكره.
    [عن ابن أبي مليكة].
    وهو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن الزبير عن عائشة].
    وقد مر ذكرهما.


    شرح حديث: (لا تحرم الخطفة والخطفتان)



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد يعني ابن زريع حدثنا سعيد عن قتادة كتبنا إلى إبراهيم بن يزيد النخعي نسأله عن الرضاع؟ فكتب أن شريحاً حدثنا أن علياً وابن مسعود رضي الله عنهما كانا يقولان: يحرم من الرضاع قليله وكثيره، وكان في كتابه: أن أبا الشعثاء المحاربي حدثنا أن عائشة حدثته رضي الله عنها: أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: (لا تحرم الخطفة والخطفتان)].
    أورد حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحرم الخطفة والخطفتان)، والمقصود من ذلك الرضعة السريعة أنها لا تحرم، وكذلك أيضاً كما عرفنا حتى الثالثة، والرابعة، لا يحصل بها التحريم، وكذلك لا السريعة، ولا البطيئة، يعني سواءً صارت قليلة أو كثيرة، ما دام أنها في حدود الأربع فأقل فهي غير محرمة، طالت أم قصرت، وإنما يحرم الخمس فما فوق.


    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تحرم الخطفة والخطفتان)



    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع].
    وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم والترمذي والنسائي.
    [حدثنا يزيد يعني ابن زريع].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة: يعني ابن زريع هذه الذي قالها النسائي أو من دونه، ولا يقولها تلميذه الذي هو محمد بن بزيع، وإنما يقولها من دون التلميذ، وهو النسائي أو من دون النسائي، وكلمة (يعني) مثل (هو)، هو ابن فلان؛ لأنهم يعبرون بهو ابن فلان أو يقول: يعني ابن فلان، وكلمة (يعني) فعل مضارع فاعله ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، والذي قال كلمة يعني هو من دون التلميذ، فإذاً كلمة يعني لها قائل قالها، ولها فاعل، وهو ضمير مستتر فيها، وذلك الضمير المستتر يرجع إلى التلميذ، والقائل لهذه الكلمة هو من دون التلميذ، فإذاً هذه الكلمة لها فاعل، وهو ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، ولها قائل الذي تلفظ بها، وهو من دون التلميذ، ويزيد بن زريع ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وقد مر بنا في الحديث الماضي أن النسائي نسب شيخاً من شيوخه بمقدار سطر وزيادة حتى أوصله إلى الصحابة، وهو محمد بن عبد الله بن عبد الوهاب بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام، سردهم إلى الزبير بن العوام، فالتلميذ يذكر شيخه كما يريد، يمكن أنه يطول في نسبه، ويمكن أنه يختصر في نسبه لكن إذا اختصر في نسبه، وجاء غيره ليوضح هذا المهمل فعليه أن يأتي بكلمة (هو)، أو يأتي بكلمة (يعني) حتى يعلم أن ما وراء (هو)، ووراء (يعني) ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ، وهذا من دقة المحدثين، وعنايتهم بالضبط، وعدم الزيادة على ما يقوله التلميذ، ومع إرادتهم الإيضاح، والبيان، يأتون باللفظ الذي يوضح، ويبين، والذي يدل على أنه من عند من دون التلميذ.
    [عن سعيد عن قتادة].
    وقد مر ذكرهما.
    [يقول: كتبنا إلى إبراهيم بن يزيد النخعي].
    يقول قتادة: كتبنا إلى إبراهيم بن يزيد النخعي نسأله عن الرضاع؟ فقال: إن شريحاً حدث عن علي وابن مسعود أنهما كانا يقولان: يحرم الرضاع القليل والكثير، يعني معناه: أن التحريم مطلق وليس مقيداً بعدد، فالرضعة الواحدة تحرم، ثم ذكر في كتابه، يعني بعدما نقل عن شريح عن عبد الله، وعن علي أنهما يقولان: بتحريم الرضاع القليل والكثير.
    [عن عائشة].
    عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحرم الخطفة والخطفتان)، وهي من قليل الرضاع، ومع ذلك غير محرمة في نص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فالذي ذكره شريح عن علي وابن مسعود أن القليل والكثير يحرم، والذي ساقه بالإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن القليل الذي هو الواحدة والاثنتين أنها لا تحرم.
    [أن أبا الشعثاء المحاربي]
    هو: سليم بن الأسود المحاربي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة
    [أن عائشة].
    عائشة رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.


    شرح حديث: (... فإن الرضاعة من المجاعة)



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري في حديثه عن أبي الأحوص عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه عن مسروق قالت عائشة رضي الله عنها: (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعندي رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه، ورأيت الغضب في وجهه، فقلت: يا رسول الله! إنه أخي من الرضاعة، فقال: انظرن ما إخوانكن، ومرة أخرى: انظرن من إخوانكن من الرضاعة، فإن الرضاعة من المجاعة)].
    ثم أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل قاعد، فاشتد الغضب، وظهر الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنه أخي من الرضاعة، فقال عليه الصلاة والسلام: انظرن من إخوانكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة، يعني: ما كل رضاعة تحرم، فلا بد من الاحتياط، ولا بد من معرفة أن التحريم حاصل، فلا يكون الرضاع أقل من خمس؛ لأن الرضاع أقل من خمس لا يحرم ويكون أجنبياً، يعني إذا حصل الرضاع في واحد، أو اثنتين، أو ثلاث، أو أربع، فما حصلت القرابة، وما حصلت الصلة بينهما بسبب ذلك، وكذلك أيضاً أمر آخر، وهو أن الرضاع المحرم هو الذي يكون في الصغر، وهو الذي يسد الجوع، وليس كل رضاع محرم، فما كان بعد الحولين، وما كان في الكبر، فإنه لا يحصل به التحريم؛ لأنه يتغذى بغير اللبن، وبغير رضاع الثدي، فالقليل من الرضاع لا يحرم، وتعتبر أجنبية وهو أجنبي منها، والرضاع بعد الحولين، وهو رضاع الكبير الذي استغنى عن الرضاع وعن التغذي باللبن لبن المرأة فأيضاً كذلك لا يحصل به التحريم.
    فقوله صلى الله عليه وسلم: (انظرن من إخوانكن من الرضاعة، فإن الرضاعة من المجاعة)، يعني: هناك نوع من أنواع الرضاع، أو حالة من حالات الرضاع لا يحصل بها التحريم، وهو رضاع الكبير الذي لا يتغذى بالرضاع، ولهذا قال: (إنما الرضاعة من المجاعة)، يعني: ما سد الجوع، يعني جوع الصبي الرضيع، هذا هو الذي ليس بالتحريم، وأما إذا كان يتغذى بالطعام ولا يتغذى باللبن، أو كان كبيراً، فهؤلاء لا يحصل تحريم في حقهم، بل هم أجانب.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... فإن الرضاعة من المجاعة)



    قوله: [أخبرنا هناد بن السري].
    مر ذكره.
    [وأبو الأحوص].
    هو سلام بن سليم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أشعث بن أبي الشعثاء].
    هو سليم المحاربي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه أبي الشعثاء].
    وهو الذي مر قبل ذلك، سليم بن الأسود المحاربي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسروق].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة]
    وقد مر ذكرها.

    لبن الفحل
    شرح حديث: (... إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة)



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [لبن الفحل.
    أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة أن عائشة رضي الله عنها أخبرتها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عندها، وأنها سمعت رجلاً يستأذن في بيت حفصة، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله! هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أراه فلاناً لعم حفصة من الرضاعة، قالت عائشة: فقلت: لو كان فلانٌ حياً لعمها من الرضاعة دخل علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: لبن الفحل، يعني: أن الحرمة تنتشر من قبل صاحب اللبن الذي هو الزوج، زوج المرأة المرضعة، فالتحريم لا يختص بالمرأة بأن يكون أبناؤها إخواناً للرضيع، وإخوانها أخوالاً للرضيع، وأبوها أب للرضيع وما إلى ذلك، بل حتى أيضاً الزوج الذي هو صاحب اللبن، فإنه تنتشر الحرمة إلى أقاربه، فيكون هو أب للرضيع، وإخوانه أعمام للرضيع، وأولاده إخوان للرضيع.. وهكذا، ولو كان من عدة زوجات، ما دام أنه قد رضع من لبنه، فلو كان له عدة زوجات، وله منهن بنات، فإنهن أخوات لأولاد ذلك الرجل من جميع الزوجات؛ لأن العبرة بكونها رضعت من لبنه، فجميع من رضع من لبنه يعتبرون إخواناً له، سواءً كانوا من زوجات متعددات أو من زوجة واحدة، فالحرمة تنتشر إلى الجميع، ولهذا لو رضع طفل من امرأة خمساً فأكثر؛ فإن أولادها سواءً كانوا من ذلك الزوج الذي هو صاحب اللبن أو من أزواج آخرين هم إخوان له من الرضاعة من الأم، يعني إذا كانوا من أزواج آخرين، وكذلك ذلك الرضيع ابن لزوجها صاحب اللبن من الرضاعة، وهو أخ لجميع أولاده إذا كان له زوجات متعددات، معنى هذا: أن الحرمة تنتشر إلى أقارب الزوجة الذي هو الأم المرضعة، وكذلك إلى الزوج الذي هو صاحب اللبن، فتنتشر الحرمة إلى أقاربه.
    وأورد هنا حديث عائشة رضي الله عنها: وأن رجلاً استأذن في بيت حفصة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: عمها من الرضاع؛ لأنه أخو أبيها من الرضاع، يعني أبوها من الرضاع الذي هو صاحب اللبن والذي هو الفحل أخوه يعتبر عماً لها، فالرسول لما قال: عمها من الرضاع، يعني: أخو أبيها من الرضاع، أبوها من الرضاع، وهذا عمها من الرضاع، قالت: [(لو كان فلانٌ حياً لعمها من الرضاعة دخل علي)]، يعني: تريد أو تشير إلى عمها من الرضاعة فلان ابن فلان، هو عم لها من الرضاع، دخل علي؟ قال: نعم، إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة، ففيه الدلالة على ما ترجم له من لبن الفحل؛ لأنه جعل صاحب اللبن أباً، وجعل أخاه عماً، فانتشرت الحرمة إلى جانب الزوج صاحب اللبن مع انتشارها إلى أقارب الزوجة المرضعة.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة)



    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن].
    وقد مر ذكرهما.
    [حدثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة].
    وهؤلاء كلهم مر ذكرهم.


    شرح حديث عائشة: (جاء عمي أبو الجعد من الرضاعة فرددته... فقال رسول الله: ائذني له)



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرنا عطاء عن عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاء عمي أبو الجعد من الرضاعة فرددته، قال: وقال هشام: هو أبو القعيس، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ائذني له)].
    أورد النسائي حديث عائشة، وهو أنه جاء عمها من الرضاع أبو الجعد أو أبو القعيس، وأنها رددته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ائذني له)؛ لأن العم من الرضاع هو محرم من محارم المرأة، له حق الدخول عليها، وله أن يسافر بها، وله أن يخلو بها؛ لأنه يعتبر من محارمها، والمقصود من ذلك أن فيه إثبات لبن الفحل وأن الحرمة تنتشر به، إثبات أن الحرمة تنتشر بلبن الفحل كما تنتشر إلى أقارب المرضعة.


    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (جاء عمي أبو الجعد من الرضاعة فرددته ... فقال رسول الله: ائذني له)



    قوله: [أخبرني إسحاق بن إبراهيم].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أخبرنا عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا ابن جريج].

    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا عطاء].
    وهو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة أن عائشة].
    وقد مر ذكرهما.


    شرح حديث عائشة في أمر النبي لها أن تأذن لأخي أبي القعيس بالدخول عليها



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي عن جده عن أيوب عن وهب بن كيسان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن أخا أبي القعيس استأذن على عائشة بعد آية الحجاب فأبت أن تأذن له، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ائذني له، فإنه عمك، فقلت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، فقال: إنه عمك فليلج عليك)].
    أورد النسائي حديث عائشة في قصة عمها من الرضاع أبي القعيس وعدم إذنها له، وأنه لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال: (إنه عمك من الرضاع فليلج عليك)، وهي أيضاً راجعته، وقالت: إن ما أرضعتني المرأة وليس الرجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ائذني له فليلج عليك)؛ لأن المرأة إنما حصل لها اللبن من الحمل الذي كان من ذلك الزوج، فتكون هي أماً للرضيع من الرضاعة، وزوجها صاحب اللبن يكون أباً للرضيع من الرضاعة، ثم تنتشر الحرمة إلى أقاربه، فإخوانه أعمام، وأولاده إخوان وهكذا.


    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في أمر النبي لها أن تأذن لأخي أبي القعيس بالدخول عليها



    قوله: [أخبرنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث].
    وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم والترمذي، والنسائي وابن ماجه، وهذا عبد الوارث الحفيد الذي هو عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث؛ لأن فيه عبد الوارث الجد، وعبد الوارث الحفيد، فالحفيد صدوق.
    [عن حدثني أبي].
    هو عبد الصمد بن عبد الوارث، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جده].
    هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب السختياني، وقد مر ذكره.
    [عن وهب بن كيسان].
    وهب بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهما.


    حديث عائشة في أمر النبي لها أن تأذن لأخي أبي القعيس بالدخول عليها من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن عبد الله أخبرنا معن حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان أفلح أخو أبي القعيس يستأذن علي وهو عمي من الرضاعة، فأبيت أن آذن له، حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: ائذني له فإنه عمك، قالت عائشة: وذلك بعد أن نزل الحجاب)].
    أورد النسائي حديث عائشة في قصة عمها من الرضاع أبي القعيس، وهي مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله أخبرنا معن حدثنا مالك عن ابن شهاب].
    وهؤلاء مر ذكرهم جميعاً.
    [عن عروة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم أيضاً.


    حديث عائشة في أمر النبي لها أن تأذن لأخي أبي القعيس بالدخول عليها من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء عن سفيان عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (استأذن علي عمي أفلح بعدما نزل الحجاب فلم آذن له، فأتاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألته، فقال: ائذني له فإنه عمك، قلت: يا رسول الله! إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، قال: ائذني له تربت يمينك، فإنه عمك)].
    أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء].
    عبد الجبار بن العلاء، وهو لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن سفيان].
    وهو: ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة].
    وهؤلاء مر ذكرهم جميعاً.


    حديث عائشة في أمر النبي لها أن تأذن لأخي أبي القعيس بالدخول عليها من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده



    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود حدثنا أبو الأسود وإسحاق بن بكر قالا: حدثنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن فقلت: لا آذن له حتى استأذن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت له: جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن، فأبيت أن آذن له، فقال: ائذني له فإنه عمك، قلت: إنما أرضعتني امرأة أبي القعيس ولم يرضعني الرجل، قال: ائذني له فإنه عمك)].
    أورد النسائي حديث عائشة في قصة عمها من الرضاع أفلح أخي أبي القعيس، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود].
    هو الربيع بن سليمان بن داود الجيزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
    [حدثنا أبي الأسود].
    هو النضر بن عبد الجبار، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي، وابن ماجه.
    [وإسحاق بن بكر].
    هو إسحاق بن بكر بن مضر، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم والنسائي.
    [عن بكر بن مضر المصري].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن جعفر بن ربيعة].
    جعفر بن ربيعة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عراك بن مالك].
    عراك بن مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة عن مالك].
    وقد مر ذكرهما.


    الأسئلة

    معنى الإمارة الشرعية وما يدخل تحتها
    السؤال: ما هي الإمارة الشرعية؟ بعض الجماعات الدعوية عندنا في الكويت تنصب لها أميراً يسمونه أميراً تربوياً أو دعوياً، ويقولون: إن طاعته واجبة، علماً بأنهم لم يأخذوا إذناً من الإمام على هذا.


    الجواب: الإمامة الشرعية أو الإمارة الشرعية هي التي يكون بيدها الحل والعقد، وتجوز الإمارة أو وضع الإمارة يعني على غير هذا في السفر، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه إذا سافر جماعة يؤمرون واحداً منهم، وهذه الإمارة المقصود منها أن يكون مرجعاً لهم يستأذنونه إذا أراد أحد أن يذهب، وكذلك يرجعون إليه عند الاختلاف في كونهم ينزلون أو يواصلون؛ لأنهم لو لم يكن لهم أميراً يرجعون إليه، يمكن أن يكون كل واحد منهم يذهب بنفسه ولا يدرى عنه، لكن إذا جعلوا أميراً استأذنوه ورجعوا إليه، فهذه الإمارة التي جاءت في السنة لغير الأمير الذي هو الوالي الذي بيده الحل والعقد، وبيده الأمر، وبيده التنفيذ، وله السلطة على الناس، يعني هذا هو الذي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #439
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (436)


    - (باب رضاع الكبير) إلى (باب حق الرضاع وحرمته)




    رضاع الكبير لا يغير شيئاً في انتشار المحرمية، وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم، وما ورد في حديث سالم مولى أبي حذيفة إنما هي رخصة خاصة به، فلا تتعداه إلى غيره. ووطء الحامل والمرضع لا بأس به، ولا مانع منه؛ لأن النبي إنما همّ أول الأمر أن ينهى عنه ولكنه تركه لأنه لا يضر الأولاد، وإن أراد الزوج العزل فإن كانت أمةً فله وجه في عزلها من جهة أنه لا يستطيع التصرف في بيعها، وإن كانت حرةً فلا يجوز العزل إلا بإذنها وموافقتها كما ذكره العلماء.
    رضاع الكبير

    شرح حديث عائشة: (في رضاع الكبير)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رضاع الكبير.أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب: أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه، قال: سمعت حميد بن نافع يقول: سمعت زينب بنت أبي سلمة تقول: سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تقول: (جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله، إني لأرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم علي، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أرضعيه، قلت: إنه لذو لحية، فقال: أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة، قالت: والله ما عرفته في وجه أبي حذيفة بعد)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب رضاع الكبير، أي: حكمه، هل يكون به التحريم، أو أنه لا يفيد شيئاً في انتشار المحرمية بالرضاع الذي حصل من الكبير؟ هذا هو مقصود النسائي من الترجمة، أي بيان الحكم.
    وقد أورد النسائي حديث عائشة من طرق في قصة سالم مولى أبي حذيفة، وكان قد تبناه، وكان يدخل عليهم ويخرج، وكانت يشق عليها الاحتجاب منه، ولكثرة دخوله وخروجه عليهم في بيتهم، وقد تكون على حالة غير متحجبة، وكان يظهر في وجه زوجها أبي حذيفة الكراهية لهذا الصنيع، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءت زوجته سهلة بنت سهيل رضي الله تعالى عنها، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: [(أرضعيه، قالت: إنه لذو لحية -يعني: كبير- قال: أرضعيه، يذهب ما في وجه أبي حذيفة، ثم قالت: إنها لم تر في وجه أبي حذيفة شيءٍ بعد)]، أي: شيء يكره بعد أن فعلت هذا الذي أرشدها إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
    وقد اختلف العلماء في رضاع الكبير، هل تنتشر به المحرمية أو لا تنتشر به؟ فذهب بعض أهل العلم إلى تأثيره، وأنها تنتشر به المحرمية، وعمدتهم في ذلك ما جاء في هذا الحديث الذي جاء من طرق عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، في قصة إرضاع سالم مولى أبي حذيفة من زوجة أبي حذيفة لـسالم، وهو كبير، قالوا: فهذا يدل على أن رضاع الكبير يؤثر، وذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا تأثير لرضاع الكبير، وأن ما ورد في حديث سالم إنما هي رخصة خاصة به، لا تتعداه إلى غيره، وممن رأى ذلك سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه صلى الله عليهم وسلم سوى عائشة، فإنهن رأين أن هذه رخصة لـسالم لا تتعداه إلى غيره، وأن الأصل هو عدم انتشار الحرمة برضاع الكبير، قالوا: ويدل على ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الرضاعة من المجاعة)، وهذا إنما يتأتى في حق الصغير الذي دون الحولين، أما من كان كبيراً لا سيما إذا كان كبيراً جداً كصاحب اللحية، فإنه لا يؤثر فيه الرضاع من المرضعة شيئاً، لا يؤثر فيه، ولا يشبع، ولا يسد جوعاً في حقه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الرضاعة من المجاعة).
    الحديث مر بنا أن عائشة رضي الله عنها قالت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل وعندي رجلٌ هو أخوها من الرضاعة، فقال عليه الصلاة والسلام: انظرن من إخوانكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة)، يعني: ليست كل رضاعة تؤثر، بل التي تؤثر هي رضاعة من المجاعة، والكبير رضاعه ليس من هذا القبيل، فإذاً ما جاء في قوله: (إنما الرضاعة من المجاعة)، يدل على عدم تأثير الرضاع الكبير، وقد رأى ذلك سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة، وقالوا: إن ما جاء في حديث عائشة في قصة سالم مولى أبي حذيفة، إنما هي رخصة خاصة بـسالم رضي الله تعالى عنه.
    وحديث عائشة هذا يدل على تأثير رضاع الكبير، لكنه كما قال سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم غير عائشة: أنها رخصة لـسالم فلا تتعداه إلى غيره، وذكرت أنه مما يوضح ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الرضاعة من المجاعة)، فرضاع الكبير لا يؤثر، ولا تنتشر فيه محرمية، وما جاء فيه من الحديث فهو رخصة خاصة بـسالم مولى أبي حذيفة رضي الله تعالى عنهما.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (في رضاع الكبير)

    قوله: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى].هو يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، ابن ماجه.
    [حدثنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني مخرمة بن بكير].
    هو مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أبيه].
    هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت حميد بن نافع].
    حميد بن نافع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت زينب بنت أبي سلمة].
    زينب بنت أبي سلمة، وهي:صحابية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت عائشة].
    وهي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي أكثر الصحابيات اللاتي روين الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، هي أكثرهن حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنها وعن الصحابة أجمعين.

    حديث عائشة في رضاع الكبير من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان سمعناه من عبد الرحمن وهو ابن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم علي، قال: فأرضعيه، قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فقال: ألست أعلم أنه رجل كبير؟ ثم جاءت بعد فقالت: والذي بعثك بالحق نبياً، ما رأيت في وجه أبي حذيفة بعد شيئاً أكرهه)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة في قصة سالم مولى أبي حذيفة، وإرضاع سهلة بنت سهيل له، وأنها حرمت عليه بذلك، وقد عرفنا أن هذا خاص به، فلا يتعداه إلى غيره.
    قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن].
    هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المخرمي، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا سفيان].
    وهو ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن].
    وهو ابن القاسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.

    شرح حديث عائشة في رضاع الكبير من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن يحيى بن الوزير سمعت ابن وهب أخبرني سليمان عن يحيى وربيعة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالماً مولى أبي حذيفة حتى تذهب غيرة أبي حذيفة، فأرضعته وهو رجل، قال ربيعة: فكانت رخصةً لـسالم)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله من جهة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، لزوجة أبي حذيفة بأن ترضع سالماً مولاه، وأنه بذلك يذهب ما في وجه أبي حذيفة من الكراهية، قالوا: فهذا يدل على رضاع الكبير، ولكن عرفنا أن قول الجمهور على أنه لا يؤثر، وأن هذه رخصة خاصة بـسالم مولى أبي حذيفة.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في رضاع الكبير من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا أحمد بن يحيى بن الوزير].وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    وقد مر ذكره.
    [سمعت سليمان].
    هو: سليمان بن بلال، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني يحيى].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [وربيعة].
    هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن المعروف بـربيعة الرأي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن القاسم عن عائشة].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث عائشة في رضاع الكبير من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حميد بن مسعدة عن سفيان وهو ابن حبيب عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (جاءت سهلة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله! إن سالماً يدخل علينا وقد عقل ما يعقل الرجال، وعلم ما يعلم الرجال، قال: أرضعيه تحرمي عليه بذلك)، فمكثت حولاً لا أحدث به، ولقيت القاسم فقال: حدث به ولا تهابه].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم في إرضاع الكبير، وعرفنا أن هذه رخصة خاصة لـسالم مولى أبي حذيفة، وفيه أن أحد رواته مكث مدة يعني لا يحدث بالحديث، وبعد ذلك لقي القاسم وقال: حدث به ولا تهابه.
    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].
    حميد بن مسعدة، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سفيان وهو ابن حبيب].
    هو سفيان بن حبيب ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي مليكة].
    وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي مليكة المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن القاسم عن عائشة].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث عائشة في رضاع الكبير من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي عن عبد الوهاب حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها: (أن سالماً مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم، فأتت بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: إن سالماً قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوه، وإنه يدخل علينا، وإني أظن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أرضعيه تحرمي عليه، فأرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة، فرجعت إليه فقلت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة)].أورد حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [عن عبد الوهاب].
    هو عبد الوهاب بن عبد المجيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

    شرح حديث عائشة في رضاع الكبير من طريق سادسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس ومالك عن ابن شهاب عن عروة قال: (أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضعة أحدٌ من الناس يريد رضاعة الكبير، وقلن لـعائشة: والله ما نرى الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سهلة بنت سهيل إلا رخصةً في رضاعة سالم وحده من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله لا يدخل علينا أحدٌ بهذه الرضعة، ولا يرانا)].أورد النسائي هذا الأثر عن عروة بن الزبير يحكي عن أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، يعني سوى عائشة، وقوله: سائر، يعني: الباقي، أي غير عائشة، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت ترى أن رضاع الكبير يؤثر، وأن هذا لا يختص بـسالم مولى أبي حذيفة، وأما بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سواها فإنهن يرين أن التحريم لا ينتشر برضاع الكبير، وأن ما جرى في حديث سهلة بنت سهيل إنما هي رخصة خاصة لـسالم مولى أبي حذيفة، فلا تتعداه إلى غيره، وكما ذكرت يوضح ذلك ما جاء في الحديث: (إنما الرضاعة من المجاعة)، فيكون التأثير إنما هو للرضاعة الذي يكون به سد الجوع، وانتفاع الرضيع بالرضاع، وليس الكبير كذلك، فما جاء في حق سالم يكون رخصة خاصة به لا تتعداه إلى غيره، كما قال ذلك سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في رضاع الكبير من طريق سادسة


    قوله: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب].وقد مر ذكرهما.
    [أخبرني يونس].
    وهو ابن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ومالك].
    هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة بمذاهب أهل السنة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة].
    هو: عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.

    شرح حديث أم سلمة في رضاع الكبير


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث أخبرني أبي، عن جدي حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة أن أمه زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تقول: (أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة، وقلن لـعائشة: والله ما نرى هذه إلا رخصةً رخصها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خاصة لـسالم، فلا يدخل علينا أحدٌ بهذه الرضاعة، ولا يرانا)].أورد النسائي هذا الأثر عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن، وهو أنهن كن يرين، أي: سوى عائشة، أن ذلك الذي جاء في حق سالم إنما هو خاص به، وأنهن لا يسمحن لأحد أن يراهن بسبب تلك الرضاعة، وأن ما جاء في رضاع الكبير فهو عندهن خاص بـسالم مولى أبي حذيفة لا يتعداه إلى غيره.

    تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في رضاع الكبير

    قوله: [أخبرنا عبد الملك بن شعيب].هو عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [أخبرني أبي].
    هو: شعيب بن الليث، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي أيضاً.
    [عن جدي].
    هو الليث بن سعد، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني عقيل].
    هو عقيل بن خالد بن عقيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره.
    [أخبرني أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ].
    أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [أن أمه زينب بنت أبي سلمة أخبرته].
    زينب بنت أبي سلمة، وهي صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
    [عن أمها أم سلمة].
    وهي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الغيلة

    شرح حديث: (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الغيلة. أخبرنا عبيد الله وإسحاق بن منصور عن عبد الرحمن عن مالك عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن جدامة بنت وهب حدثتها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، حتى ذكرت أن فارس، والروم يصنعه -وقال إسحاق: يصنعونه- فلا يضر أولادهم)].
    أورد النسائي: الغيلة، وهي: وطء المرأة الحامل أو المرضع، والنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة، وهو حديث جدامة بنت وهب قالت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن فارس والروم يصنعه -وفي لفظ إسحاق شيخه الثاني: يصنعونه- فلا يضر أولادهم)، يعني: فلم ينه عنه، أي: أن وطء الحامل، وكذلك وطء المرضع، أنه لا بأس به، ولا مانع منه، والحمل بلا شك لا يترتب عليه مضرة، وأما بالنسبة للمرضع، فهو يؤثر على الرضيع إذا حملت أمه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء في هذا الحديث همّ أن ينهى عنه، ولكنه تركه؛ لأن فارس، والروم يفعلونه، ولا يضر أولادهم شيئاً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ...)


    قوله: [أخبرنا عبيد الله].وهو ابن سعيد السرخسي اليشكري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [وإسحاق بن منصور].
    هو:إسحاق بن منصور الكوسج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [عن عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    وقد مر ذكره.
    [عن أبي الأسود].
    وهو محمد بن عبد الرحمن النوفلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة، عن عائشة].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن جدامة بنت وهب].
    وهي صحابية، أخرج حديثها مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.


    العزل

    شرح حديث أبي سعيد الخدري في العزل

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب العزل. أخبرنا إسماعيل بن مسعود، وحميد بن مسعدة قالا: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا ابن عون عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود ورد الحديث حتى رده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه قال: (ذكر ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وما ذاكم؟ قلنا: الرجل تكون له المرأة فيصيبها، ويكره الحمل، وتكون له الأمة فيصيب منها، ويكره أن تحمل منه، قال: لا، عليكم أن لا تفعلوا، فإنما هو القدر)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: العزل، والعزل هو إذا وصل الإنزال ينزع، ويفرغ خارج الفرج، هذا هو العزل، وكانوا يفعلونه من أجل ألا يحصل الحمل، لا سيما إذا كانت أمة؛ لأن الأمة إذا حملت يكون لها حال تختلف عن حالها، وهي غير أم ولد؛ لأنها إذا حملت من سيدها صارت أم ولد، فيكون لها أحكام تخصها يعني أنها لا تباع على خلاف بين أهل العلم في المسألة، فكانوا يعزلون عن الإماء، خشية أن يحملن فلا يتمكنون من التصرف فيهن بالبيع، وكذلك يعزلون عن نسائهم من أجل ألا يحملن.
    وبالنسبة للعزل عن الأمة له وجه من جهة أنه لا يستطيع التصرف فيها بعد أن تحمل، وتكون أم ولد، وأما بالنسبة للحرة فقد ذكر العلماء أنه لا يعزل عنها إلا بإذنها وبموافقتها، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن العزل إذا قدر الله عز وجل الولد، فإنه يكون مع وجود العزل، وذلك بأنه قد يحصل خروج قطرة من غير أن يريد ذلك فيكون بها الحمل؛ لأنه كما جاء في صحيح مسلم: (ليس من كل المني يكون الولد)، ليس معنى ذلك أنه إذا أنزل من المني الذي يكون يحصل إنزاله عند الجماع، كله يكون منه الحمل، لا، بل قطرة واحدة يكون منها الحمل، أي شيء يسير يكون منه الحمل، ولو أخرج باقيه من الخارج، فإذا انطلق منه قطرة من غير إرادته، والله تعالى قدر ذلك، فلا يستطيع منع ذلك، وقد يحصل الجماع ثم تنطلق قطرة قبل أن ينزع، فيكون منها الولد، فإذا قدر الله عز وجل ذلك حصل، ووجد ما قدره الله عز وجل، وإن كان الإنسان أراد عدم الحمل، وكما ذكرت في صحيح مسلم: (ليس من كل المني يكون الولد)، يعني: أنه يكون من قطرة، فليس معنى هذا أنه كلما حصل العزل يؤمن من الحمل، فقد يكون الجماع ثم تنطلق قطرة يكون بها الحمل، وإن نزع وأفرغ خارج الفرج.
    أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه ذكر العزل، وقال: (لا، عليكم أن تفعلوا، فإنما هو القدر)، يعني: الشيء الذي قدره الله عز وجل لا بد وأن يوجد، ومن المعلوم أن قضاء الله وقدره أنه لا يكون الولد إلا عن طريق المني الذي يكون من الرجل، لا يأتي الولد بغير هذه الطريق، وبغير هذه الوسيلة، لكن المقصود من هذا أنه مع العزل فإذا شاء الله الولد انطلقت قطرة، ونزلت مع حرصه على عدم نزولها، ثم يقع ما قدره الله وقضاه، فالمقدر كائن، ولو وجد العزل، لكن ليس معنى ذلك أنه يوجد الحمل دون مني، بل لا يكون إلا من مني، هكذا إرادة الله، ومشيئة الله، والمقصود من ذلك أنه يحصل شيء يسير من غير إرادة الرجل، ويحصل بها خلاف ما يريد؛ لأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فما شئت كان، وإن لم أشأ، وما شئت إن لم تشأ لم يكن، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن العزل إذا قدر الله الولد، فإنه لا يمنع منه العزل؛ لإمكان أن ينطلق منه شيء يسير فيذهب إلى الرحم، ويكون به الحمل بإذن الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري في العزل

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].وهو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [وحميد بن مسعدة].
    مر ذكره.
    [قالا: حدثنا يزيد بن زريع].
    يزيد بن زريع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن عون].
    هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن سيرين].
    وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود].
    وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
    هو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    شرح حديث أبي سعيد الزرقي في العزل

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار عن محمد حدثنا شعبة عن أبي الفيض سمعت عبد الله بن مرة الزرقي عن أبي سعيد الزرقي رضي الله عنه: (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن العزل؟ فقال: إن امرأتي ترضع، وأنا أكره أن تحمل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن ما قد قدر في الرحم سيكون)].أورد النسائي حديث أبي سعيد الزرقي، وهو بمعنى ما تقدم، وذلك أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، عن العزل، وأن امرأته ترضع، ويكره أن تحمل، يعني خشية أن يتأثر الولد بعدم الرضاع، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما قدر في الرحم سيكون)، وهذا مثل قوله: (إنما هو القدر)، يعني الذي قدره الله سيكون، وما قدر في الرحم سيكون يعني من انطلاق قطرة يكون بها الحمل، مع حرص الرجل على عدم نزول تلك القطرة، فتخرج من غير إرادته ومشيئته، ويكون ما قدره الله عز وجل وقضاه؛ لأنه كما قلت في الحديث الذي في صحيح مسلم: (ليس من كل المني يكون الولد)، يعني بل يكون بقطرة يسيرة منه يحصل بها الولد بإذن الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الزرقي في العزل

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو محمد بن بشار الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [عن محمد].
    وهو ابن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ومحمد إذا جاء مهمل غير منسوب يروي عنه محمد بن بشار أو محمد بن المثنى، وهو يروي عن شعبة فالمراد به غندر.
    [حدثنا شعبة].
    وهو: شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الفيض].
    وهو موسى بن أيوب، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [سمعت عبد الله بن مرة الزرقي].
    وهو مجهول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي سعيد الزرقي].
    وهو صحابي، أخرج حديثه النسائي وابن ماجه.
    والحديث فيه مجهول، فكما هو معلوم ليست العمدة عليه، بل العمدة على الأحاديث الكثيرة التي جاءت في معناه، يعني فله أصل، وليس الحديث جاء من هذه الطريق وحدها، بل جاء من طرق متعددة وله شواهد، فيها ذكر العزل، وأن ما قدره الله عز وجل لا بد وأن يوجد.


    حق الرضاع وحرمته

    شرح حديث حجاج بن مالك في حق الرضاع وحرمته

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حق الرضاع وحرمته. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى عن هشام قال وحدثني أبي عن حجاج بن حجاج عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (قلت: يا رسول الله، ما يذهب عني مذمة الرضاع؟ قال: غرة عبدٍ أو أمة)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: حق الرضاع وحرمته، المراد من هذه الترجمة يعني ما يحصل للمرضعة بسبب الرضاع من الحق. أورد النسائي في ذلك حديث حجاج بن مالك رضي الله تعالى عنه، حيث سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يذهب عني مذمة الرضاع؟) وقيل بالمذمة: أنها يعني من الذمام، وليست من الذنب، يعني الحق الذي يكون من أجل الرضاع، (فقال: غرة عبدٍ أو أمة)، يعني أنه يعطى، أو تعطى المرضعة في مقابل إرضاعها غرة عبد أو أمة، والحديث ما جاء إلا من هذه الطريق، وفيه شخص مقبول، والمقبول كما هو معلوم لا يعتمد حديثه إلا إذا توبع، وعلى هذا فهو غير ثابت، أي: هذا الحديث الذي فيه بيان هذا الحق الذي هو غرة عبد أو أمة، والغرة يعني: عبد أو أمة، وقد فسرها بقوله: (عبد أو أمة).
    ويعني: غرة، أي: ناصيته، كأنه يعني يسلم له هذا وهذا، مثل ما جاء في قضية الجنين، والجناية على الجنين، وأن ديته غرة عبد أو أمة، فكأنه ناصية، كأنه يسلم له.
    الغرة هي في الأصل البياض الذي يكون في الوجه، أو بياض (غراً محجلين)، والمقصود بالغرة هنا عبد مملوك، سواءً ذكر أو أنثى يقال له: غرة.

    تراجم رجال إسناد حديث حجاج بن مالك في حق الرضاع وحرمته

    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].
    هو هشام بن عروة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال وحدثني أبي].
    وهو عروة، ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حجاج بن حجاج].
    وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبيه].
    هو حجاج بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #440
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب النكاح

    (437)

    - (باب الشهادة في الرضاع) إلى (باب التزويج على سور من القرآن)



    من أنواع الأنكحة المحرمة: الشغار، ونكاح ما نكح الآباء، ونكاح المحصنات من النساء، فأما الشغار فهو: أن يزوج الرجل موليته على أن يزوجه الآخر موليته، سواء كان هناك صداق أو لم يكن هناك صداق، وأما نكاح ما نكح الآباء فهو محرم تحريماً مؤبداً، سواء دخل بها أو لم يدخل بها؛ فتحرم بمجرد العقد، وأما المحصنات من النساء وهن ذوات الأزواج، فهنَّ حرام على غير أزواجهن حرمة مؤقتة.
    الشهادة في الرضاع

    شرح حديث عقبة بن الحارث في الشهادة في الرضاع

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الشهادة في الرضاع.أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل عن أيوب عن ابن أبي مليكة حدثني عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث وسمعته من عقبة ولكني لحديث عبيد أحفظ، قال: (تزوجت امرأةً فجاءتنا امرأةٌ سوداء فقالت: إني قد أرضعتكما، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأخبرته، فقلت: إني تزوجت فلانة بنت فلان، فجاءتني امرأة سوداء فقالت: إني قد أرضعتكما، فأعرض عني، فأتيته من قبل وجهه فقلت: إنها كاذبة، قال: وكيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما، دعها عنك)].
    يقول النسائي رحمه الله: الشهادة في الرضاع. يعني: الإخبار عن حصول الرضاع، وذلك ممن يعتمد قوله لأهليته، وعدالته، فإنه يعول على تلك الشهادة.
    وقد أورد النسائي حديث عقبة بن الحارث، رضي الله تعالى عنه: أنه تزوج امرأةً، فجاءت امرأة سوداء وقالت: إني قد أرضعتكما، أي: هو ومن تزوجها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره بتركها، ثم أعرض عنه فذهب إليه ولقيه من الجانب الآخر وقال: إنها كاذبة، (وكيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما، دعها عنك)، الرسول صلى الله عليه وسلم، لما جاءه أمره بتركها، ثم إنه قال له: إنها كاذبة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما، دعها عنك)، يعني: دع عنك هذه المرأة التي تزوجتها؛ لأنه وجد مانع يمنع من الزواج وهو الرضاع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
    وهذا إذا كان الشاهد عدلاً مأموناً، ويكون الرضاع قد وصل إلى الحد الذي يحصل به التحريم، فإذا كانت الشهادة على الرضاع بأنها دون الحد دون الخمس، وأنها رضعة أو رضعتين، أو ثلاث، أو أربع، فإنه لا يؤثر؛ لأن الحد الأدنى هو الخمس، فما زاد عليها يكون به التحريم، وما نقص عنها لا يحصل به تحريم، ثم أيضاً كون الشاهد موثوقاً، ومأموناً، فإذا حصل هذا، وهذا، فإنه يحصل التحريم بذلك الرضاع، ولا يجوز الزواج، ولا الاستمرار على ذلك الزواج الذي ثبت أنه حصل الرضاع الذي يقتضي عدم زواج هذين المرتضعين، زواج الرجل بتلك المرأة التي رضع معها من ثدي واحد، ومن لبن واحد.
    وفيه أيضاً دلالة على أنه يكفي في ذلك شهادة المرأة الواحدة في ذلك، وأنه لا يحتاج إلى عدد أكثر من الواحد، فإذا حصلت الشهادة ممن هو محل لها، وفيه الأهلية لها، لا سيما في هذه الأمور التي غالباً ما تكون من النساء، والتي يطلع عليها النساء، وهي مسائل الرضاع، فإن ذلك يكون كافياً، ومعتبراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بشهادة هذه المرأة، وأمره بأن يدعها، وأن يتركها، وقد أخذ بعض أهل العلم بظاهر هذا الحديث وقالوا: إنه لا يجوز الزواج ممن تكون كذلك، ولا الاستمرار في الزواج إذا ثبت أن الرضاع قد حصل، وجمهور أهل العلم قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أرشده إلى ما هو الأحوط، وإلى ما هو الأولى، لكن الذي يظهر من الحديث أن القضية ليست فيها إرشاد إلى الأحوط، وإلى الأولى، بل هو إرشاد إلى أن ذلك لا يجوز، وأنه لا يسوغ؛ لأن الرضاع قد وجد، والرضاع يحصل به التحريم كما يحصل التحريم بالنسب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).

    تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن الحارث في الشهادة في الرضاع

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا إسماعيل].
    هو ابن علية، إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي مليكة].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي مليكة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني عبيد بن أبي مريم].
    مقبول، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن عقبة].
    وهو عقبة بن الحارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    والحديث رواه ابن أبي مليكة بإسناد عالٍ، وإسناد نازل، الإسناد العالي هو أنه سمعه من عقبة بدون واسطة، وسمعه منه بواسطة، ولكنه لحديث الواسطة أحفظ منه للإسناد العالي، ولهذا أورد الإسناد عن عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث، وأخبر أنه سمعه من عقبة، ولكنه لحديث عبيد أحفظ، ولهذا أورده بالإسناد النازل، وذكر عبيد بن أبي مريم، ووجود عبيد بن أبي مريم، وهو مقبول، ويحتاج إلى متابعة، لا يؤثر؛ لأن الحديث ثابت بدونه؛ لأن ابن أبي مليكة يرويه عن عقبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، ويرويه بواسطة.
    فإذاً وجود الواسطة التي فيها كلام لا يؤثر على ثبوت الحديث؛ لأنه موجود عنده بدون هذه الواسطة، ولكنه ذكر الإسناد النازل الذي فيه عبيد بن أبي مريم؛ لأنه أحفظ، وإن كان حافظاً لهذا، ولهذا، إلا أنه أحفظ لهذا، أي: الحديث الذي أخذه بالإسناد النازل أحفظ منه للحديث الذي أخذه بالإسناد العالي، فإذاً الحديث أصله، ومقتضاه، ومؤداه ثابت، بدون عبيد بن أبي مريم، فإنه بإسناد عالٍ، وإسناد نازل.


    نكاح ما نكح الآباء

    شرح حديث البراء في نكاح ما نكح الآباء


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نكاح ما نكح الآباء. أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا أبو نعيم حدثنا الحسن بن صالح عن السدي عن عدي بن ثابت عن البراء رضي الله عنه أنه قال: (لقيت خالي ومعه الراية، فقلت: أين تريد؟ قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رجلٍ تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه أو أقتله)].
    أورد النسائي هذه الترجمة: نكاح ما نكح الآباء، يعني: أنه حرام، وأنه لا يجوز، وهذا بإجماع، وقد جاء به القرآن، وجاءت به السنة، والله عز وجل يقول: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22]، فجاء تحريمه بنص القرآن، فمنكوحة الأب ولو كان مجرد العقد، فإنها تحرم على الابن على التأبيد، بمجرد العقد عليها، وإن لم يدخل بها، فإنها تحرم على ولد الرجل الذي عقد عليها على التأبيد، ليست القضية قضية كونه دخل أو ما دخل، وإنما مجرد العقد، فهذا الحكم جاء بنص القرآن.
    وقد أورد النسائي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: أنه لقي خاله، ومعه الراية، فعرف أنه أمير للجماعة الذين هو فيهم؛ لأن معه الراية يعني أنه هو الأمير، فسأله: أين تذهب؟ قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم، أرسلني إلى فلان نكح امرأة أبيه، وأمرني أضرب عنقه أو أقتله، شك من الراوي هل قال: أضرب عنقه أو قال: أقتله؟ والنتيجة واحدة، وإنما الكلام في أي اللفظين قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل قال: يضرب عنقه، أو قال: أنه يقتله؟ والنتيجة واحدة، ولكنه إشارة إلى عدم الجزم بأي اللفظين من الراوي، الراوي شك في أي اللفظين قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وكان من عادة أهل الجاهلية أنهم ينكحون منكوحة الأب، ويعتبرون ذلك إرثاً يرثونه من مورثهم، فجاء الإسلام، وأبطل هذا، ومنع منه ومن أخذ به واستحله فإنه يكون مرتداً، ويقتل على الردة؛ لأنه أنكر شيئاً معلوماً جاء القرآن، وجاء الحديث في ثبوته، ألا وهو تحريم نكاح ما نكح الآباء، فإذاً يقتل على الردة، فالمسلم الذي يستحل منكوحة الأب، ويتزوجها وهو يعلم، فإنه يكون مرتداً، ويقتل على الردة.

    تراجم رجال إسناد حديث البراء في نكاح ما نكح الآباء


    قوله: [أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم].وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا أبو نعيم].
    هو الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو نعيم.
    [حدثنا الحسن بن صالح].
    هو الحسن بن صالح بن حي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن السدي].
    هو إسماعيل بن عبد الرحمن، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عدي بن ثابت].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء].
    هو البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن خاله].
    هو أبو بردة بن نيار، وحديثه أخرج له أصحاب السنن، وهو: صاحب الأضحية الذي ذبح أضحيته قبل الصلاة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (شاتك شاة لحم).

    شرح حديث البراء في نكاح ما نكح الآباء من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء عن أبيه رضي الله عنه، قال: (أصبت عمي ومعه راية، فقلت: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلى رجلٍ نكح امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه، وآخذ ماله)].أورد النسائي حديث البراء بن عازب من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله: أنه يضرب عنقه ويأخذ ماله، وهذا فيه إضافة أخذ المال، وهذا على أنه فيء؛ لأن المرتد لا يورث، وإنما ماله يكون فيئاً للمسلمين، فهذا الذي فعل هذا الفعل، قتل على الردة، وأخذ ماله، والرسول صلى الله عليه وسلم، بعث إليه من يقوم بهذه المهمة، وهي القتل وأخذ المال؛ لأنه مرتد بذلك عن دين الإسلام.

    تراجم رجال إسناد حديث البراء في نكاح ما نكح الآباء من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].هو: عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الله بن جعفر].
    هو عبد الله بن جعفر الرقي، وهو ثقة لكنه تغير بأخرة فلم يفحش اختلاطه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبيد الله بن عمرو]
    هو عبيد الله بن عمرو الرقي، ثقة فقيه ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد].
    هو ابن أبي أنيسة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عدي بن ثابت].
    وقد مر ذكره.
    [عن يزيد بن البراء].
    صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن البراء بن عازب].
    وقد مر ذكره.
    [عن عمه].
    ففي التقريب فصل المبهمات يقول: البراء بن عازب عن عمه ورمز له بدال، وسين في قتل الرجل الذي نكح امرأة أبيه، وقيل: عن خاله، ورمز له تاء، وسين، وقاف، فأما عمه فلم أر من سماه، وأما خاله فجاء أنه أبو بردة بن نيار، وجاء في هذا الحديث أنه الحارث بن عمرو.
    وقد جاء في هذا الحديث أنه الحارث بن عمرو عند ابن ماجه. وفي رواية عن البراء عن أناس وهو في النسائي، وفي رواية عنه عن رهط، وهو في النسائي كذلك.
    أقول: القصة واحدة، لكن أيها أثبت وأيها أولى، ويمكن أن يكون عماً، وأن يكون خالاً يعني خالاً من جهة النسب، وعماً من جهة المصاهرة، وما إلى ذلك يحتمل، فيكون الرمز له بأربعة هو تجميع لهذه الروايات.
    لأن معناه أنه شخص واحد، وهذا ما حصل إلا في طبعة أبي الأشبال، أما محمد عوامة رمز له في عمه دال سين، وخاله رمز له بتاء سين.


    تأويل قول الله عز وجل: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت إيمانكم)

    شرح حديث أبي سعيد الخدري في تأويل قوله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تأويل قول الله عز وجل: وَالْمُحْصَنَات ُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24].أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث جيشاً إلى أوطاس، فلقوا عدواً فقاتلوهم، وظهروا عليهم، فأصابوا لهم سبايا لهن أزواج في المشركين، فكان المسلمون تحرجوا من غشيانهن، فأنزل الله عز وجل: وَالْمُحْصَنَات ُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، أي: هذا لكم حلال إذا انقضت عدتهن)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تأويل قول الله عز وجل: (وَالْمُحْصنات مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )[النساء:24]، أي: تفسير هذه الآية، والمقصود منها: أن المحصنات، أي: المزوجات ذوات الأزواج، هنّ حرام على غير أزواجهن، وهذه الحرمة كما هو معلوم مؤقتة؛ لأنها ما دامت في عصمة الرجل فهي حرام على رجل آخر؛ لأنها ذات زوج، فلا تزوج وهي ذات زوج، ولكن هذه الحرمة مؤقتة، يعني معناه: أنه لو مات عنها أو طلقها، فإنه تحل، وإنما هذا التحريم ما دام أنها في عصمة رجل، ولكن يستثنى من ذلك، أي: تحريم المحصنات المزوجات ذوات الأزواج ملك اليمين، الإنسان إذا ملك امرأةً، فإنه يكون له بضعها حلال له، ولكن بعد اعتدادها، واعتدادها إنما هو بحيضة، فإذا سبيت وهي ذات زوج، فإنها تحل للسابي، وتحل له لمن هي له من الجيش، إذا مر حيضة عليها حتى يتبين سلامة رحمها من أن يكون فيه ولد، فتعتد بحيضة واحدة.
    فإذاً قول الله عز وجل: وَالْمُحْصَنَات ُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24]، معطوف على قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ [النساء:23]، ثم قال: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:23]، ثم قال: وَالْمُحْصَنَات ُ [النساء:24]، فهي من جملة المعطوفات على المحرمات في قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23]، وهي مثل الجمع بين الأختين تحريم مؤقت، وليس بدائم، ما دامت الأخت في العصمة، فأختها حرام عليه، وإذا ماتت الأخت أو طلقت، وخرجت من العدة، فإن أختها تحل له، وهذا كذلك المحصنات من النساء محرمات مؤقتاً ما دمن في عصمة الأزواج، فإذا مات عنهن أزواجهن أو طلقن، وخرجن من العدة، حللن لغيرهم، ويستثنى من ذلك ملك اليمين؛ ولذلك قال: وَالْمُحْصَنَات ُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، فتكون حلالاً بعد أن تمضي حيضةً واحدةً عليها يتبين سلامة رحمها من أن يكون به ولد، فهذا هو تأويل قول الله عز وجل: وَالْمُحْصَنَات ُ [النساء:24].
    وكان سبب نزول الآية: أنهم تحرجوا من غشيانهن وهن ذوات أزواج، فنزلت الآية، يعني: أنهن يكن حلال لهم إذا انتهت العدة، والعدة هي حيضة واحدة في حق المسبية.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري في تأويل قوله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا يزيد بن زريع].
    يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد].
    هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة]
    هو ابن دعامة السدوسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الخليل].
    هو صالح بن أبي مريم أبي الخليل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي علقمة الهاشمي].
    هو أبو علقمة الفارس المصري مولى بني هاشم، وكان قاضي إفريقيا من كبار الثالثة، وهو تابعي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي سعيد].
    هو سعد بن مالك بن سنان، مشهور بكنيته، ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    الشغار

    شرح حديث: (أن رسول الله نهى عن الشغار)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الشغار. أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشغار)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الشغار، والشغار هو نكاح من الأنكحة المحرمة، وهو أن يزوج الرجل موليته على أن يزوجه الآخر موليته، يعني زواج بشرط زواج، لا يتم الزواج إلا بزواج، ومن العلماء من قال: أنه يكون مع عدم وجود الصداق، وأنه إذا وجد الصداق فإنه لا يكون شغاراً، لكن الأظهر أن التحريم مطلق، سواءً كان هناك صداق أو ليس هناك صداق، والسبب في هذا أن المرأة تزوج وقد تكون المصلحة للمزوج، وأن يراعي الإنسان مصلحته، وقد يكون هناك مهر، وقد يتساهل في أمر المهر؛ لأن المهر ليس مهماً، المهم هو التزويج.
    والتفسير الذي جاء جاء عن بعض السلف، يعني أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق، فالحديث جاء مطلق، والمحظور الذي منع منه ليس هو الخلو من الصداق، بل هو كون المرأة لا تزوج بكفئها بسبب الرغبة في مقابل هذا الزواج، وهو كون الإنسان يريد أن يتزوج امرأةً يريدها، فيزوج موليته من أجل مصلحته هو، لا من أجل مصلحتها هي، ولهذا لا يتم الزواج إلا بزواج، يعني فهذا يزوج، وهذا يزوج، لا بد من هذا، أما كون الإنسان يأتي ويخطب وله رغبة، ويقبل لأهليته، ولصلاحيته لها وكفاءته هذا قد يكون في هذا الباب ليس موجوداً، وإنما المعتبر في ذلك هو جلب المصلحة، ويترتب على ذلك إلحاق المضرة بتلك المولية التي زوجت، وقد تكون كارهة، وممتنعة، ولكنها تلزم بالزواج من أجل هذه المصلحة التي تعود على مزوجها، هذا هو الشغار.
    وقيل له: شغار قيل: هو من الشغور وهو الخلو، ويقال: شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه يبول، قالوا: وكأنه لا يتم زواج هذه إلا بهذه، بأن لا ترفع رجل هذه إلا برفع رجل هذه، فيكون هذا مقابل هذا، وعلى هذا فأقول: بأن الشغار هو تزويج مشروط بتزويج، هذا هو الشغار، سواءً كان هناك صداق، أو ليس هناك صداق، لكن لو أن واحداً خطب، وأعطي، ثم خطب منه، وأعطاه، ولكن ليس فيه كلام على الاشتراط على أن لا زواج إلا بزواج، هذا رغب، وأعطي، وهذا رغب، وأعطي، وليس فيه شيء حول الاشتراط، والكل صالح، وأهل، فمثل هذا لا يقال: شغار، الشغار هو ما كان الزواج مشروطاً زواج بزواج، لا يزوج إلا إذا زوج، لا يزوج موليته إلا إذا زوجه ذلك الآخر موليته.
    وقد أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن الشغار).

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نهى عن الشغار)

    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا يحيى].
    هو القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله].
    هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني نافع].
    نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث عمران بن حصين: (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا بشر حدثنا حميد عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (لا جلب، ولا جنب، ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نهبةً فليس منا)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا جلب، ولا جنب، ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نهبةً فليس منا).
    قوله: [(لا جلب ولا جنب)]، فسر الجلب بأنه يكون في الصدقة، والزكاة، ويكون في السباق، فهو في الصدقة بأن يكون المصدق الذي يبعث لأخذ الصدقات، يكون في جهة وفي مكان، ثم يرسل إلى أصحاب الأموال بأن يسوقوا أغنامهم، وإبلهم، وأبقارهم إليه ليزكيها، وهذا فيه ظلم لهم، وإلحاق الضرر بهم، كونهم ينتقلون بأغنامهم إلى جهته هو، إلى جهة المصدق، ويدفعون إليه الزكاة، يعني هذا منع منه، بل العامل يذهب إليهم على مياههم، وأماكنهم، حتى لا يلحق بهم ضرر في انتقالهم إليه، بل هو ينتقل إليهم لا ينتقلوا إليه، بل هو ينتقل إليهم، ويذهب إليهم، ويأخذ الزكاة منهم على مياههم وفي أماكنهم، وفسر الجلب في السباق بأن يصيح أو يكلف من يصيح على فرسه حتى تشتد في العدو.
    والجنب في الزكاة يعني: مثل الجلب في الزكاة، إلا أنه يكون في جانب بعيد، ويطلب من أصحاب الأموال أن يذهبوا إليه، والجنب في السباق أن يكون هناك ناقة أخرى تسير مع ناقته، بحيث إذا تعب أو فترت ناقة التي ركب عليها ينتقل إلى الناقة الثانية، فكل هذا يدخل تحت كلمة: (لا جلب، ولا جنب).
    قوله: [(ولا شغار)]، وهذا هو محل الشاهد، وهو الزواج المشروط بزواج، (لا شغار في الإسلام)، (ومن انتهب نهبة)، أخذ مالاً أو اختلسه، (فليس منا)، وهذا فيه تحذير، ووعيد شديد، وأنه ليس على طريقتنا، وليس على منهجنا الذي هو الإبقاء على الحقوق لأصحابها، وعدم التعرض لها بأخذ أو تضييع، فليس هذا من هدي الإسلام، وليس هذا من طريقة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فهو يدل على أن فيه وعيداً شديداً في حق من انتهب النهبة، أي: أخذ المال الذي لا يستحقه على سبيل الاختلاس، أو غيره، أو نحو ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث عمران بن حصين: (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام...)


    قوله: [حدثنا حميد بن مسعدة].حميد بن مسعدة، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن بشر].
    هو بشر بن المفضل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد].
    هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن].
    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمران بن حصين].
    هو عمران بن حصين أبو نجيد صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث أنس: (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن محمد بن علي حدثنا محمد بن كثير عن الفزاري عن حميد عن أنس رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا جلب، ولا جنب، ولا شغار في الإسلام)، قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ فاحش، والصواب حديث بشر].أورد النسائي حديث أنس رضي الله تعالى عنه، وهو مثل الذي قبله فيما يتعلق بالأمور الثلاثة التي هي: (لا جلب، ولا جنب، ولا شغار في الإسلام)، والحديث الذي قبله، وفيه النهبة إضافة إليه، فهو مثل ما تقدم قبله.
    قوله: [أخبرنا علي بن محمد بن علي].
    هو علي بن محمد بن علي المصيصي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا محمد بن كثير].
    هو المصيصي، وهو صدوق، كثير الغلط، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن الفزاري].
    هو إبراهيم بن محمد أبو إسحاق الفزاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد عن أنس].
    وقد مر ذكرهما.
    قال أبو عبد الرحمن: [هذا خطأ فاحش، والصواب حديث بشر].
    يعني إن حديث بشر الذي تقدم، وهو عن عمران بن حصين أن هذا هو الصواب.


    تفسير الشغار

    شرح حديث ابن عمر في تفسير الشغار


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تفسير الشغار.أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك عن نافع، (ح)، والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم قال مالك: حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشغار. والشغار أن يزوج الرجل الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق)].
    أورد النسائي تفسير الشغار، يعني ذكر ما جاء في تفسيره عن بعض السلف، وقد أورد فيه حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الشغار، ثم قال: والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوج الآخر ابنته ولا صداق بينهما)، فمعناه: أن فيه شرط التزويج وليس فيه مهر، يعني مشتمل على شيئين: أن يكون هناك اشتراط تزويج، وألا مهر بينهما، ولا صداق بينهما، وهذا اللفظ مدرج، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هو تفسير الشغار، وإنما هو من كلام نافع، يعني: هو مدرج من كلام نافع يفسر فيه الشغار، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
    والمدرج هو: أن يذكر مع الحديث شيء ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، دون أن يكون هناك شيء يميز أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أما لو جاء تمييزاً، وأنه قال فلان كذا، اتضح الأمر أنه لا إدراج، وإنما الإدراج يكون فيما إذا ضم كلام غير الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كلام الرسول، وأوهم أنه كله كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هذا هو المدرج، وأما إذا نص على صاحب الكلام الذي هو ليس كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه لا إدراج، وهنا اللفظ مدرج؛ لأنه قال: (نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشغار)، والشغار كذا وكذا، يعني كأن الرسول صلى الله عليه وسلم، هو الذي فسر الشغار، لكن هذا التفسير ليس للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو لـنافع أحد رواة الحديث.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في تفسير الشغار

    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا معن].
    هو معن بن عيسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة
    [ونافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.
    [(ح) والحارث بن مسكين قراءةً].
    قال: (ح) الحارث بن مسكين شيخ النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك حدثني نافع عن ابن عمر].
    قد مر ذكرهم.

    شرح حديث أبي هريرة في تفسير الشغار


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إبراهيم وعبد الرحمن بن محمد بن سلام قالا: حدثنا إسحاق الأزرق عن عبيد الله عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن الشغار)، قال عبيد الله: والشغار كان الرجل يزوج ابنته على أن يزوجه أخته].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن الشغار)، قال عبيد الله -يعني أحد رواة الحديث-: والشغار: أن يزوج الرجل أخته على أن يزوجه الآخر ابنته، وما ذكر الصداق فيما بينهما، يعني معناه: أن مجرد الاشتراط، وأن يكون التزويج مشروط بتزويج، هذا هو الشغار، وهذا هو الأوضح، والأظهر في تفسير الشغار؛ لأنه كما عرفنا يمكن أن يوجد الصداق، ولكن لا يلاحظ مصلحة المولية، وإنما يلاحظ الإنسان الذي هو الولي مصلحته بأن يشترط أن يزوج موليته على أنه يتزوج في مقابل هذه التي هو وليها، فيكون زواجه ما جاء رغبة، وإنما جاء رغبة فيمن يريد أن يزوجها، فتكون تلك المرأة التي زوج إياها، والتي قد لا يكون كفؤاً لها، لكن بسبب الحصول على موليته قد يتغاضى ويتنازل ويزوج، هذا فيما إذا كان بعض الناس ينظر إلى مصلحته ولا ينظر إلى مصلحة غيره.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في تفسير الشغار


    قوله: [أخبرنا محمد بن إبراهيم].محمد بن إبراهيم، هنا قال: محمد بن إبراهيم، ومن شيوخ النسائي: محمد بن إبراهيم بن صدران، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي، لكن الذي في تحفة الأشراف محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الذي هو ابن علية، المشهور أبوه ابن علية، فيكون منسوباً إلى جده، وهذا خلاف ما يفعله النسائي في نسبة محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، فإنه يذكر أباه، ويذكر جده، وقد يذكر اسمه، واسم أبيه فقط، فيقول: محمد بن إسماعيل، أي: ابن علية، وهنا قال: محمد بن إبراهيم، وفي تحفة الأشراف قال: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم.
    فقد يكون هنا سقط والتصويب من التحفة، والذي يبدو أنه هو هذا، لكن أنا أقول: محمد بن إبراهيم من شيوخ النسائي بهذا الاسم الذي هي الاسم والنسبة محمد بن إبراهيم بن صدران، وفي تحفة الأشراف: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، فيمكن أن يكون فيه سقط الاسم اسم الأب، أو أنه نسب إلى جده، وهذا خلاف ما هو معروف عن النسائي، فيحتمل أن يكون هناك سقوط، والمزي في تحفة الأشراف قال: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، وعلى هذا فالذي يظهر أنه مثل ما قال المزي في تحفة الأشراف أنه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده. وأما ذاك الذي هو: محمد بن إبراهيم بن صدران، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي، لكن هو هذا كما نص عليه المزي في تحفة الأشراف الذي هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم المشهور أبوه بـابن علية، وإسماعيل بن إبراهيم مر بنا ذكره قريباً، لعله في أول حديث الشهادة في النكاح، فذاك أبوه إسماعيل بن إبراهيم بن علية، وهذا ابنه.
    [وعبد الرحمن بن محمد بن سلام].
    وهو: لا بأس به، وهو بمعنى صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا إسحاق الأزرق].
    هو إسحاق بن يوسف الأزرق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وقد مر ذكره، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزناد].
    هو عبد الله بن ذكوان المدني، وأبو الزناد لقب على صيغة الكنية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعرج لقب.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.


    التزويج على سورٍ من القرآن

    شرح حديث: (... ملكتكها بما معك من القرآن)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التزويج على سور من القرآن. أخبرنا قتيبة حدثنا يعقوب عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنهما: (أن امرأةً جاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب نفسي لك، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصعد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: أي رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، قال: هل عندك من شيء؟ فقال: لا، والله ما وجدت شيئاً، فقال: انظر ولو خاتماً من حديد، فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ولا خاتماً من حديد، ولكن هذا إزاري، قال سهل: ماله رداء، فلها نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء، فجلس الرجل حتى طال مجلسه، ثم قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مولياً، فأمر به فدعي، فلما جاء قال: ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا، وسورة كذا، عددها، فقال: هل تقرؤهن عن ظهر قلب؟ قال: نعم، قال: ملكتكها بما معك من القرآن)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التزويج على سور من القرآن، يعني: على تعليم سور من القرآن تكون مهراً لتلك المرأة التي ما استطاع أن يحصل مالاً، وهذا فيه دليل على أنه يجوز مثل ذلك إذا عدم المهر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمره بأن يبحث عن مال، ولم يجد، وطلب منه أن يلتمس ولو خاتماً من حديد فلم يجد، ثم إنه لما ذهب مولياً دعاه وسأله: ماذا يحفظ من القرآن فأخبره عن سور يحفظها، وقال: إني أحفظها عن ظهر قلب، وقال: (ملكتكها بما معك من القرآن)، يعني: على أن يعلمها، وأن ينفعها بهذا الذي عنده بأن يعلمها إياه، فتكون تلك المنفعة هي التي حصل عليها التزويج، وهي بمنزلة المهر، فلما لم يجد المال يعني يكون مهراً انتقل إلى المنفعة التي تكون مهراً، وهي كونه يجلس لها، ويعلمها هذه السور التي زوجه الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه المرأة على ما معه من القرآن، يعني على أن يعلمها إياه، فتكون تلك المنفعة قامت مقام المهر الذي لم يستطع الحصول حتى ولا على خاتم من حديد، وهو يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، من قلة ذات اليد، وأن الواحد منهم لا يكون عنده إلا إزار يواري عورته.
    وفي هذا الحديث أنه قال: (هذا إزاري)، يعني: لها نصفه، يعني يملكها نصفه، قال: (وماذا تصنع به؟)؛ لأنه إن استفاد منه ما استفاد منه غيره، وإن استفاد منه غيره ما استفاد منه؛ ولهذا قال: ليس معه رداء مجرد إزار، يعني شيء توارى به العورة، وهو يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، من قلة ذات اليد، وهم خير الناس، وأفضل الناس رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ويدل على التزويج بمثل هذا المهر الذي هو المنفعة التي قامت مقام المال، حيث لم يجد المال، ولا الشيء اليسير التافه من المال الذي هو خاتماً من حديد.
    فهذه المرأة جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: جئت أهب نفسي لك، وهذا يدل على ما كان عليه بعض الصحابيات من الحرص على القرب من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الواحدة تأتي، وتهب نفسها؛ لأنها تريد أن تظفر بهذا الشرف، وبهذا الفضل الذي هو كونها تكون في عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي هو خير الناس عليه الصلاة والسلام، ولتكون من أمهات المؤمنين اللاتي لهن منزلة، ولهن اتصال بالرسول صلى الله عليه وسلم يمكنهن من تلقي السنن، ونقلها إلى الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم لما عرضت عليه نفسها.
    قوله: (صعد النظر إليها وصوبه).
    أي: نظر إليها من فوق حتى نظر إلى أعلاها، وإلى أسفلها، يعني: رآها بأكملها، صعد حتى يرى أعلاها، وصوبه حتى يرى رجليها، ثم إنه سكت ولم يجبها بشيء، وكأنه صلى الله عليه وسلم ما له رغبة فيها، ومن أجل ذلك ما ردها، ولكنه سكت، فقام رجل من الحاضرين، وتكلم بأدب وقال: إن لم تكن لك حاجة فيها يا رسول الله زوجنيها، إن لم تكن لك حاجة، هكذا قدم بهذا التقديم: إن لم تكن لك حاجة فزوجنيها، وكأنه فهم أنه لا حاجة له فيها، ومن أجل ذلك سكت، فالرسول صلى الله عليه وسلم، طلب منه هل يجد مالاً؟ فقال: لا، قال: ابحث ولو خاتماً من حديد، فقال: ولا خاتماً من حديد، ثم جلس وأطال المجلس، ثم انصرف هذا الرجل، ولما ولى دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، وسأله عما يحفظ من سور القرآن؟ فأخبره بأنه يحفظ سورة كذا وكذا، فقال: (عن ظهر قلب، ثم قال: ملكتكها بما معك من القرآن)، يعني: على أن يعلمها، وليس معنى ذلك أنه زوجها إياه لكونه حامل للقرآن، ولكونه عنده شيء من القرآن، فإن هذا لا منفعة للمرأة فيه، وإنما المنفعة لها أن تعلم القرآن، وأن تحصل هذه المنفعة، فزوجه الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، وهذا هو محل الشاهد التزويج على سور من القرآن.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ملكتكها بما معك من القرآن)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يعقوب].
    هو يعقوب بن عبد الرحمن القاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن أبي حازم].
    هو سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سهل بن سعد].
    هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه، وكنيته أبو العباس، ويقال: إنه ليس في الصحابة من يكنى أبي العباس إلا هو وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وكل واحد منهما كنيته أبو العباس.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •