37 شرح السيرة النبوية لابن هشام | المعمرين من العرب | من هو سنمار | جزاء سنمار | الخورنق والسدير
من هو سنمار؟ وما قصة المثل المشهور: جزاني جزاء سنمار
المستوغر بن ربيعة، اسمه: كعب. قال ابن دريد: سمي مستوغرا بقوله:
يَنِشُّ الماءُ في الرَّبَلَات منه ... نَشِيشَ الرَّضْفِ في اللبَنِ الْوَغِيرِ
فائدة: لا تَعُدُّ العربُ معمَّرًا إلا مَنْ عاش مائةً وعشرين فما فوقها، وقيل: مائة سنةٍ وستًّا وعشرين سنة فصاعدا
قال السهيلي: وذكر القتبي أن المستوغر حضر سوق عكاظ، ومعه ابن ابنه، وقد هرم، والجد يقوده، فقال له رجل: ارفق بهذا الشيخ، فقد طال ما رفق بك، فقال: ومن تراه؟ فقال: هو أبوك أو جدك، فقال: ما هو إلا ابن ابني، فقال: ما رأيت كاليوم! ولا المستوغر ابن ربيعة! فقال: أنا المستوغر.
ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وعمرت من عدد السنين مئينا
مائة أتت من بعدها مئتان لي ... وازددت من عدد الشهور سنينا
هل ما بقى إلا كما قد فاتنا ... يوم يمر وليلة تحدونا
من المعمرين لزهير بن جناب الكلبي أدرك الإسلام ولم يسلم وهو الذي يقول:
أبَنِيَّ إِنْ أَهْلِكْ فإني ... قد بنيت لكم بَنِيَّهْ
وتركتكم أولادَ سادا ... تٍ زنادُهُمُ وَرِيَّهْ
من كل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحيه
يريد بالتحية: البقاء، وقيل: المُلْكُ،
وأعقب هو وإخوته قبائل فى كلب وهم: زهير وعدي وحارثة ومالك، ويعرف مالك هذا بالأصم لقوله:
أصم عن الخنا إن قيل يوما ... وفي غير الخنا ألفى سميعا
ومن المعمرين من العرب سوى المستوغر مما زادوا على المائتين والثلاثمائة: زهير هذا، وعبيد بن شرية، ودغفل بن حنظلة النسابة، والرَّبِيع بن ضَبُع الفزاري ويقال الرُّبَيْعُ بن ضُبَيْعٍ بتصغيرهما وكان مِنْ أطول مَنْ كان قبل الإسلام عُمْرًا، عاش أربعين وثلاثمائة سنةٍ ولم يُسْلِمْ، قال لما بلغ مائتي سنةٍ:
ألا أبْلِغْ بَنِيَّ بَنِي رَبيعٍ ... فأشرارُ البنينَ لكم فداءُ
بأني قد كبرتُ ودَقَّ عظمي ... فلا تشغلكموا عني النساءُ
وإنَّ كَنائني لَنساءُ صِدْقٍ ... وما آلَى بَنِيَّ وما أساءوا
قوله (وما آلَى بنيّ) أي ما قصروا،
إذا جاء الشتاءُ فأدفئوني ... فإن الشيخ يَهْدِمُه الشتاءُ
فأما حين يذهب كلُّ قُرٍّ ... فَسِرْبَالٌ خفيفٌ أو رداءُ
إذا عاش الفتى مائتين عاما ... فقد أودى المسرةُ والفَتَاءُ
قوله: (الفَتاءُ) مصدر الفُتِيّ، قال لما بلغ مائتي سنةٍ وأربعين سنةً:
ها أنا ذا آمُلُ الخلودَ وقد ... أدرك عقلي ومولدي (حُجُرَا)
أبا امرئ القيس هل سمعت به ... هيهات هيهات طال ذا عُمُرَا
أصبحتُ لا أحمل السلاح ولا أَمْلِكُ ... رأسَ البعير إنْ نَفَرَا
والذئبَ أخشاه إِنْ مررتُ به ... وحدي، وأخشى الرياح والمطرا
ومن المعمَّرين: ذو الإصبع [حرثان بن محرث] العدواني، ونصر بن دهمان بن أشجع بن ريث بن غطفان، وكان قد اسود رأسه بعد ابيضاضه، وتقوم ظهره بعد انحنائه، وفيه يقول القائل:
لنصر بن دهمان الهنيدة عاشها ... وتسعين حولا ثم قوم فانصاتا
وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه ... ولكنه من بعد ذلك قد ماتا
وأمْرُه عند العرب من أعجب العجب،
ومن أطول المعمرين عمرا: دويد، واسمه: زيد بن نهد من قضاعة، وأبوه: نهد إليه ينسب الحي المعروفون من قضاعة: بنو نهد بن زيد عاش دويد أربعمائة عام- فيما ذكروا- وكان له آثار في العرب، ووقائع وغارات، فلما جاء الموت قال:
اليوم يبنى لدويد بيته
ومغنم يوم الوغى حويته
ومعصم موشم لويته
لو كان للدهر بلى أبليته
أو كان قرني واحدا كفيته
وقوله: (بَقَى) بفتح القاف لغة طائية وكذلك لغتهم فيفتحون قياسًا ما قبل الياء إذا تحرَّكت الياء بِفتحة غير إعرابية، وكانت طرَفًا، فتنقلب ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها
ذكر ذا الكعبات بيت وائل، وأنشد للأسود بن يعفر:
أرض الخورنق والسدير ودارم ... والبيت ذي الشرفات من سنداد
والخورنق: قصر بناه النعمان الأكبر ملك الحيرة لسابور، ليكون ولده فيه عنده، وبناه بنيانا عجميا لم تر العرب مثله، واسم الذي بناه له: سنمار، وهو الذي ردي من أعلاه، حتى قالت العرب: جزاني جزاء سنمار،
وذلك أنه لما تم الخورنق: وعجب الناس من حسنه، قال سنمار: أما والله لو شئت حين بنيته جعلته يدور مع الشمس، حيث دارت
فقال له الملك: أإنك لتحسن أن تبني أجمل من هذا؟ وغارت نفسه أن يبتنى لغيره مثله، وأمر به فطرح من أعلاه
وكان بناه في عشرين سنة، قال الشاعر [عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي]:
جزاني جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمار، وما كان ذا ذنب
سوى رصه البنيان عشرين حجة ... يعلى عليه بالقرامد والسكب
فلما انتهى البنيان يوما تمامه ... وآض كمثل الطود والباذخ الصعب
وظن سنمار به كل حبوة ... وفاز لديه بالمودة والقرب
رمى بسنمار على حاق رأسه ... وذاك لعمر الله من أقبح الخطب
ذكر هذا الشعر الجاحظ في كتاب الحيوان
والسنمار من أسماء القمر
ومعنى السدير بالفارسية: بيت الملك. يقولون له: «سهدلي» أي: له ثلاث شعب، وقال البكري: سمي السدير؛ لأن الأعراب كانوا يرفعون أبصارهم إليه، فتسدر من علوه، يقال: سدر بصره إذا تحير.