عيد أضحى مبارك
تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 56

الموضوع: مجموعة نصائح تعليمية وتربوية (متجدد) .

  1. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (21)

    طلب العلم بين العجلة والتواني .

    اعلم أخي الحبيب – وفقك الله – أن كثيراً من طلاب العلم يضيعون أعمارهم بين الاستعجال والإمهال غير المنضبطين،
    وذلك أن العلم ( عبادة ) فهو من أمور الآخرة .

    والأصل في أمور الآخرة الاستعجال والمبادرة – إسراعاً أو سعياً –،
    فهي محل ( رضا الله ) { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84] .

    والمبادرة الممدوحة في طلب العلم أنواع ، منها :

    1- مبادرة العمر ، بأن يسارع إلى الطلب في أول عمره ، وصغر سنه .
    قال الحسن: " طلب العلم في الصغر كالنقش في الحجر " ( المدخل إلى السنن الكبرى رقم 640 ).
    قال عروة بن الزبير لبنيه:
    "هلموا إلي فتعلموا مني، فإنكم توشكون أن تكونوا كبار قوم.
    إني كنت صغيراً لا ينظر إلي، فلما أدركت من السن ما أدركت جعل الناس يسألونني،
    وما شيء أشد على امرئ من أن يسأل عن شيء من أمر دينه فيجهله
    "
    (بيان العلم وفضله لابن عبد البر ) .

    2- مبادرة اليوم ، بأن يطلب العلم في باكورة يومه .
    عن صَخْرٍ الغَامِدِيِّ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
    " اللهمَّ! بارك لأُمتي في بُكُورها ".
    وكان إذا بعث سَرِيَّةً أو جيشاً؛ بعثهم من أول النهار.
    وكان صخر رجلاً تاجراً، فكان يبعث تجارته من أول النهار، فَأثرَى
    وكَثُرَ ماله
    " ( رواه أبو داود : 2345 ، صححه الألباني ) .

    3- المبادرة إلى القرآن ، قال الخطيب البغدادي – رحمه الله - :
    "يَنْبَغِي لِلطَّالِبِ أَنْ يَبْدَأَ بِحِفْظِ كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -،
    إِذْ كَانَ أَجَلَّ الْعُلُومِ وَأَوْلَاهَا بِالسَّبْقِ وَالتَّقْدِيمِ
    "
    ( الجامع لأخلاق الراوي : 1/106 ) .

    4- المبادرة إلى علم التوحيد ، قال حافظ الحكمي – رحمه الله - :

    أوَّلُ وَاجِبٍ عَلى الْعَبِيد *** مَعْرِفَةُ الرَّحْمَنِ بالتَّوْحِيدِ
    إذْ هُوَ مِن كُلِّ الأَوَامِر أعْظَمُ *** وَهُوَ نَوْعَانِ أيَا مَن يَفْهَمُ


    قال ابن عثيمين – رحمه الله - :
    " أول واجب على الخلق هو أول ما يدعى الخلق إليه،
    وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه لليمن فقال له:
    "إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله"،
    فهذا أول واجب على العباد أن يوحدوا الله عز وجل، وأن يشهدوا لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
    وبتوحيد الله عز وجل والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم يتحقق الإخلاص،
    والمتابعة اللذان هما شرط لقبول كل عبادة
    "
    ( مجموع فتاوى : المجلد 1 باب الشهادتين ) .

    5- مبادرة علماء بلده ثم من يلونهم، وقد كان السلف يحرصون على ذلك أشد الحرص ولهم فيه حكايات مشهورة،
    قال الخطيب البغدادي – رحمه الله - :
    "وَيَعْمِدُ إِلَى أَسْنَدِ شُيُوخِ مِصْرِهِ وَأَقْدَمِهِمْ سَمَاعًا، فَيُدِيمُ الِاخْتِلَافَ إِلَيْهِ، وَيُوَاصِلُ الْعُكُوفَ عَلَيْهِ"
    ( الجامع لأخلاق الراوي : 1/ 96 ) .

    6- مبادرة الفراغ قبل الأشغال وكثرة العيال ، فقد قال سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ – رحمه الله -:
    «إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ رَكِبَ الْبَحْرَ، فَإِذَا وُلِدَ لَهُ كُسِرَ بِهِ» ( الجامع لأخلاق الراوي : 1/ 103 ) .

    7- المبادرة إلى التلقي التام صمتاً واستماعاً ، قبل التصدي للتعليم .فعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ:
    " أَوَّلُ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ: الصَّمْتُ، وَالثَّانِي: اسْتِمَاعُهُ، وَالثَّالِثُ: الْعَمَلُ بِهِ، وَالرَّابِعُ: نَشْرُهُ وَتَعْلِيمُهُ "
    ( الجامع لأخلاق الراوي : 1/ 326 ) .
    وقال الشافعي – رحمه الله - : " إذا تصدر الحدث فاته علم كثير " .

    8- المبادرة إلى حلقات العلم والتبكير لها ، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِيَ، يَقُولُ:
    " كُنْتُ رُبَّمَا أَرَدْتُ الْبُكُورَ إِلَى الْحَدِيثِ،
    فَتَأَخُذُ أُمِّي ثِيَابِي وَتَقُولُ: حَتَّى يُؤَذِّنَ النَّاسُ،
    وَحَتَّى يُصْبِحُوا، وَكُنْتُ رُبَّمَا بَكَّرْتُ إِلَى مَجْلِسِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَغَيْرِهِ
    "
    (الجامع لأخلاق الراوي : 1/ 193 ) .

    وتذم العجلة عند طالب العلم في أمور ، منها :

    1- التصدر قبل التأهل .
    2- التخصص المبكر .
    3- التأليف قبل اكتمال الآلة .
    4- الاستشراف للإفتاء .
    5- أخذ العلم جملة .
    6- استعجال نتائج الطلب .
    7- القفز على مراتب الطلب .
    8- المبادرة إلى الألقاب العلمية قبل التأهل .
    9- الاعتقاد قبل الاستدلال .
    10- نقض ورد المخالف قبل استيعاب كلامه .


    تعلم فليس المرء يولد عالما *** وليس أخو علم كمن هو جاهل
    وإن كبير القوم لاعلم عنده *** صغير إذا التفت عليه الجحافل
    وإن صغير القوم إن كان عالما *** كبير إذا ردت إليه المحافل
    ولاترض من عيش بدونٍ ولايكن *** نصيبك إرث قدمته الأوائل



    ***

  2. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (22)

    طلب العلم من سعي الآخرة

    قال الله – تعالى - :{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19] .

    و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سهَّل اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عمله لم يسرع به نسبه".
    ( صحيح ، التعليقات الحسان : 1/201 ) .

    المتأمل في النصين السابقين يدرك عددا من الفوائد ، منها :

    1- إن ( طلب العلم ) من ( إرادة الآخرة
    فالطلب هو الإرادة ، والآخرة الجنة وطلب العلم واحد من المسالك المفضية إليها . والإرادة النافعة :

    - تولد بالمحبة .
    - وتنمي بالرجاء .
    - وتشتد بالخوف .
    - وتقوى باليقين .
    - وتصح بالعلم .
    - وتصدق بالعمل .
    - وتقبل بالإخلاص .
    - وتحفظ بالتجرد .
    - وتثبت بالصبر .


    2- إن سلوك طريق طلب العلم من السعي للآخرة ، وحقيقته : ( العمل ) .

    قال الشافعي – رحمه الله - :
    "ومعقول أن السعي - في هذا الموضع - العمل؛ لا السعي على الأقدام ".
    ( تفسير الشافعي : 2/ 1025 ) .

    وقال ابن جرير الطبري – رحمه الله - :
    "وَلَهَا عَمِلَ عَمِلَهَا الَّذِي هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَمَا يُرْضِيهِ عَنْهُ".
    ( جامع البيان : 14/537 ) .

    فيدخل في ( سلوك طريق العلم ) طلبه على أي نحو كان ،
    ويدخل دخولاً أولياً الطلب المتوقف على السير بالأقدام ، كالذهاب إلى مجالس العلم ونحوها .

    3- الإخبار عن الوصول إلى الآخرة ( بالسعي ) يدل على أن مسلك الآخرة ( طريق )،
    كما قال – تعالى - : { يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الأحقاف: 30] .


    ومسلك العلم طريق . فهما طريق واحد العلم أساسه وسكته،
    كما قال السعدي – رحمه الله - :
    "{وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} موصل إلى الله وإلى جنته من العلم بالله وبأحكامه الدينية وأحكام الجزاء".
    ( تيسير الكريم الرحمن ص/ 783 ) .


    4- جعل مسلك الآخرة ، وطلب العلم طريقاً يدل على وجوب لزوك طريقة السلف في العلم والعمل – تعلماً وتعبداً -،
    كما قال ابن القيم – رحمه الله – في قوله – تعالى - : { وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}
    "أي إلى سبيل مطروق قد مرت عليه الرسل قبله وإنه ليس بدعاً كما قال في أول السورة نفسها
    فاقتضت البلاغة والإعجاز لفظ الطريق لأنه فعيل بمعنى مفعول أي مطروق مشت عليه الرسل والأنبياء قبل
    ".
    ( بدائع الفوائد : 2/17 ) .


    فطلب العلم إذا لم يكن على جادة السلف – مقصداً ووسيلة – فلا خير فيه .
    فيتعين على طالب العلم :

    - أن تكون علومه سلفية .
    - وطريقته في التحصيل سلفية .


    5- بيان لزوم السعي – وهو المسارعة والمبادرة - لمن أراد الآخرة
    يدل على لزوم السعي في مسلك طلب العلم بلا مهلة ولا توانٍ .


    فكل إبطاء في طريق الآخرة - ومنه : طريق العلم - هو إبطاء عن الجنة ،
    " وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عمله لم يسرع به نسبه" فما أليق هذه الخاتمة بالحديث .

    إذا رأيت شباب الحي قد نشأوا ** لا يحملون قلال الحبر والورقا
    ولا تراهم لدى الأشياخ في حلق ** يعون من صالح الأخبار ما اتسقا
    فدعهم عنك واعلم أنهم همج ** قد بدلوا بعلو الهمة الحمقا



    ***


  3. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (23)

    شرف طالب العلم من شرف فكرته

    قال ابن القيم – رحمه الله - :

    " وكل من ( التَّذَكُّرِ ) ، ( والتَّفَكُّرِ ) لَهُ فَائِدَةٌ غيرُ فَائِدَةِ الآخرِ .

    • ( فالتَّذَكُّرُ ) يُفِيد تكْرَار الْقلبِ على مَا علمَه وعرفَه ليرسخَ فِيهِ وَيثبت ، وَلَا ينمحي فَيذْهب أثرُه منْ الْقلبِ جملَةً .

    • ( والتَّفَكُّرِ ) يُفِيد تَكْثِير الْعلم واستجلاب مَا لَيْسَ حَاصِلا عِنْد الْقلب .


    فالتفكر يحصله ، والتذكر يحفظه .

    وَلِهَذَا قَالَ الْحسن – رحمه الله - :
    " مَا زَالَ أهل الْعلم يعودون بالتذكر على التفكر وبالتفكر على التَّذَكُّر ويناطقون الْقُلُوب حَتَّى نطقت بالحكمة " .

    - فالتفكر والتذكر بذار الْعلم ، وسقيه مطارحته ، ومذاكرته تلقيحه ،
    كَمَا قَالَ بعض السّلف : " ملاقاة الرِّجَال تلقيح لألبابها " . فالمذاكرة بهَا لقاح الْعقل .

    فالخير والسعادة فِي خزانَة مفتاحها التفكر ؛ فَإِنَّهُ لَا بُد من :

    1- تفكر .
    2- وَعلم يكون نتيجته الْفِكر .
    3- وَحَال يحدث للقلب من ذَلِك الْعلم فَإِن كل من عمل شَيْئاً من المحبوب أَوْ الْمَكْرُوه لَا بُد أن يبْقى لِقَلْبِهِ حَالَة وينصبغ بصبغة من علمه .
    4- وَتلك الْحَال توجب لَهُ إِرَادَة .
    5- وَتلك الإرادة توجب وُقُوع الْعَمَل .


    - فها هُنَا خَمْسَة أمور : ( الْفِكر ) ، وثمرته ( الْعلم ) ، وثمرتهما ( الْحَالة الَّتِي تحدث للقلب ) ،
    وَثَمَرَة ذَلِك ( الإرادة ) ، وثمرتها ( الْعمل ) .

    • ( فالفكر ) إِذاً هُوَ : ( المبدأ ) ، ( والمفتاح ) لِلْخَيْرَاتِ كلهَا .
    وَهَذَا يكْشف لَك عَن فضل التفكر وشرفه وأنه من أفضل أعمالِ الْقلبِ ، وأنفعها لَهُ حَتَّى قيل :
    " تفكر سَاعَة خيرٌ من عبَادَة سنة " .


    فالفكرُ هُوَ الَّذِي ينْقلُ :

    - من موت الفطنة الى حَيَاة الْيَقَظَة .
    - وَمن المكاره الى المحاب .
    - وَمن الرَّغْبَة والحرص الى الزّهْد والقناعة .
    - وَمن سجن الدُّنْيَا الى فضاء الآخرة .
    - وَمن ضيق الْجَهْل الى سَعَة الْعلم ورحبه .
    - وَمن مرض الشَّهْوَة والإخلاد الى هَذِه الدَّار الى شِفَاء الإنابة الى الله والتجافي عَن دَار الْغرُور .
    - وَمن مُصِيبَة الْعَمى والصمم والبكم إلى نعْمَة الْبَصَر والسمع والفهم عَن الله وَالْعقل عَنهُ .
    - وَمن أمراض الشُّبُهَات الى برد الْيَقِين وثلج الصُّدُور .


    وَبِالْجُمْلَةِ : فَأصل كل طَاعَة إِنَّمَا هِيَ الْفِكر ،
    وَكَذَلِكَ أصل كل مَعْصِيّة إِنَّمَا يحدث من جَانب الفكرة
    فَإِن الشَّيْطَان يُصَادف أرْض الْقلب خَالِيَة فارغة فيبذر فِيهَا حب الأفكار الردية
    فيتولد مِنْهُ الإرادات والعزوم فيتولد مِنْهَا الْعَمَل فَإِذا صَادف أرْض الْقلب مَشْغُولَة ببذر الأفكار النافعة فِيمَ خلق لَهُ ،
    وَفِيمَا أمْر بِهِ وفيمَ هيء لَهُ وَاعد لَهُ من النَّعيم الْمُقِيم أَوْ الْعَذَاب الأليم لم يجد لبذره موضعا وَهَذَا كَمَا قيل:


    أتاني هَواهَا قبل أن أعرف الْهوى ... فصادف قلبا فَارغًا فتمكنا

    فإن قيل : فقد ذكرْتُمْ الْفِكر ومنفعته وَعظم تَأْثِيره فِي الْخَيْر وَالشَّر فَمَا مُتَعَلّقه الَّذِي يَنْبَغِي أن يُوقع عَلَيْهِ ويجرى فِيهِ
    فإنه لَا يتم الْمَقْصُود مِنْهُ إلا بِذكر مُتَعَلّقه الَّذِي يَقع الْفِكر فِيهِ وإلا ففكر بِغَيْر متفكر فِيهِ محَال .


    - قيل : مجْرى الْفِكر ، ومتعلقه أربعةُ أمورٍ :

    1) أحدها : غَايَة محبوبة مُرَادة الْحُصُول .
    2) الثَّانِي : طَرِيق موصلة الى تِلْكَ الْغَايَة .
    3) الثَّالِث : مضرَّة مَطْلُوبَة الإعدام مَكْرُوهَة الْحُصُول .
    4) الرَّابِع : الطَّرِيق المفضي إليها الْموقع عَلَيْهَا .


    - فَلَا تتجاوز أفكار الْعُقَلَاء هَذِه الأمور الأربعة ،
    وَأي فكر تخطاها فَهُوَ من الأفكار الردية والخيالات والأماني الْبَاطِلَة
    ".
    ( مفتاح دار السعادة : 1 / 183 – 184 ) .


    ***




  4. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (24)

    قال الله – تعالى -: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5].
    وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" (متفق عليه).

    يستفاد من النصين:

    • وجوب الإخلاص في كل ما يتقرب به العبد إلى الله – تعالى -،
    ومنه: (طلب العلم).
    • وحقيقة الإخلاص: أن يبتغي العبد بعمله وجه الله والدار الآخرة.


    المسلك التربوي لطالب العلم في هذا الباب:

    وجوب تعاهد نيته، وطلب إخلاصها؛ لأن الإخلاص:

    - مادة نماء العلم وبركته،
    - ونقائه وصوابه،
    - ودوامه وثباته،
    - ومنفعته وثوابه.


    فالعلوم بلا نيات؛ أشباح بلا أرواح، وصور بلا حقائق .

    وغيث التوفيق يستمطر بصلاح النية.

    والمعصوم من عصم الله.




    ***

  5. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (25)

    قال ابن جرير الطبري – رحمه الله - :
    "وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]
    يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، لِمَ تَقُولُونَ الْقَوْلَ الَّذِي لَا تُصَدِّقُونَهُ بِالْعَمَلِ، فَأَعْمَالُكُمْ مُخَالِفَةٌ أَقْوَالَكُمْ
    {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]
    يَقُولُ: عَظُمَ مَقْتًا عِنْدَ رَبِّكُمْ قَوْلُكُمْ مَا لَا تَفْعَلُونَ
    "(جامع البيان: 22/606).


    وقال السعدي – رحمه الله -:
    " أي: لم تقولون الخير وتحثون عليه، وربما تمدحتم به وأنتم لا تفعلونه،
    وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون به ومتصفون به.
    فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة؟ أم من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل؟
    ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة، وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس منه،
    قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}
    وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه}
    "
    (تيسير الكريم الرحمن،ص:858) .

    فإذا كانت هذه الحالة مذمومة من المؤمنين عامة فهي أولى بالذم في طلبة العلم خاصة؛
    لأن العلم يراد للعمل؛ فإن خلا منه انقلب إلى ضده – جهلاً أو جهالةً -.

    وخاصة علم النحو؛ فإنه يقيم اللسان ليتوصل به إلى إقامة الأديان؛
    ولذا قال إبراهيم بن أَدْهَم: أعربنا في الكلام فما نَلحن، ولحنا في الأعمال فما نُعْرِب
    .

    وقال مالك بن دينار : تَلْقَى الرجل وما يلحن حرفَا، وعمله لَحْنٌ كلُّه .

    فمن شغل باتقان الوسيلة، والركون إليها دون مقصودها فما صنع شيئاً؛
    فقد جاء عن نصر بن عليّ عن أبيه قال :
    رأيت الخليل بن أحمد في المنام، فقلت له: ما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي. قلت: بم نجوت؟
    قال : بـ( لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
    قلت : كيف وجدت علمك؟ أعني العَرُوض والأدب والشعر. قال: وجدتُه هباءً منثوراً!!


    وانشد هلال بن العلاء الباهلي لنفسه:

    سيَبْلَى لسانٌ كان يُعربُ لفظةً *** فياليتَه في وقفة العَرْض يسلمُ
    وما ينفعُ الإعرابُ إن لم يكنْ تُقىً *** وما ضَرَّ ذا تقوى لسانٌ مُعْجَّمُ.


    اللهم أصلح لحن ألسنتنا، وأعمالنا.


    ***

  6. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (26)

    العربية قنطرة المروءة والدين.

    اعلم –وفقك الله- أن تعلم العربية مدرج الكمالات الدينية والدنيوية
    فقد جاء في "معجم الأدباء" للحموي عن الزُّهْرِي - رحمه الله – أنه قال:
    "ما أحدث النَّاس مروءةً أحب إليَّ من تعلُّم النحو".

    وقال شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة - رحمَه الله -:
    "اعلم أنَّ اعتيادَ اللُّغة يؤثر في العقل والخُلُق والدِّين، تأثيرًا قويًّا بَيِّنًا،
    ويُؤَثِّر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمَّة منَ الصَّحابة والتابعينَ،
    ومُشَابَهتُهم تزيد العقل والدِّين والخُلُق
    "
    (اقتضاء الصراط المستقيم، ص: 316).

    وقال سالم بن قتيبة: كنتُ عند ابن هُبَيرة الأكبر، فجَرَى الحديث، حتى ذكر العربيَّة، فقال:
    والله ما استوى رجلان، دينُهما واحد، وحسبهما واحد، ومروءتهما واحدة،
    أحدهما يلحن، والآخر لا يلحن، إنَّ أفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن.
    قلت: أصلحَ الله الأمير، هذا أفضل في الدُّنيا لفضل فصاحته وعَرَبيته، أرأيتَ الآخرة، ما باله فُضِّل فيها؟
    قال: إنَّه يقرأ كتاب الله على ما أنزل الله، وإنَّ الذي يلحن يحمله لَحنه على أن يُدْخِلَ في كتاب الله ما ليس فيه، ويُخْرِج منه ما هو فيه.
    قال: قلتُ: صَدَق الأمير، وبَرَّ
    "
    (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/25).

    فالعربية زينة الفحول من الرجال
    فعن الشَّعبي –رحمه الله- أنه قال: حُلِي الرِّجال العربيَّة، وحلي النساء الشَّحم.

    وقال الشاعر:

    اقْتَبِسِ اقْتَبِسِ النَّحْوَ فَنِعْمَ المُقْتَبَسْ *** وَالنَّحْوُ زَيْنٌ وَجَمَالٌ مُلْتَمَسْ
    صَاحِبُهُ مُكْرَمٌ حَيَثُ جَلَسْ *** مَنْ فَاتَهُ فَقَدْ تَعَمَّى وَانْتَكَسْ
    كَأَنَّ مَا فِيهِ مِنَ العِيِّ خَرَسْ *** شَتَّانَ مَا بَيْنَ الحِمَارِ وَالفَرَسْ


    وما التوفيق إلا من عند الله العليم الحكيم.


    ***


  7. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (27)

    لا عقلَ تامٌ بلا عربية.

    اعلم –وفقك الله- أن تمام العقل وذكاءه وفطنته بفهم القرآن وتدبره –تفكراً وتذكراً-
    ولا يفهم القرآن إلا بفهم اللسان الذي نزل به،
    كما قال –تعالى-:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].

    فشرف اللغة من شرف القرآن، وكمال أصحابها –فهماً وعقلاً- من كمال تدبر ألفاظ القرآن ومعانيه،
    كما قال الشنقيطي –رحمه الله- بعد أن ساق عدداً من الآيات المبينه فضل اللسان العربي-، ومنها:
    "{لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [16 : 103] .
    وَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ يُوسُفَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [43 : 3] .
    وَقَالَ فِي أَوَّلِ الزُّخْرُفِ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [43 : 3] .
    وَقَالَ فِي طه {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [20 : 113 ].
    إلى أن قال –رحمه الله-:"وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَعِظَمِهَا، دَلَالَةً لَا يُنْكِرُهَا إِلَّا مُكَابِرٌ"
    (أضواء البيان: 6/361).

    قال ابن كثير –رحمه الله-:"{إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
    وَذَلِكَ لِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ وَأَبْيَنُهَا وَأَوْسَعُهَا، وَأَكْثَرُهَا تَأْدِيَةً لِلْمَعَانِي الَّتِي تَقُومُ بِالنُّفُوسِ؛
    فَلِهَذَا أنزلَ أَشْرَفُ الْكُتُبِ بِأَشْرَفِ اللُّغَاتِ، عَلَى أَشْرَفِ الرُّسُلِ، بِسِفَارَةِ أَشْرَفِ الْمَلَائِكَةِ،
    وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَشْرَفِ بِقَاعِ الْأَرْضِ، وَابْتَدَئَ إِنْزَالُهُ فِي أَشْرَفِ شُهُورِ السَّنَةِ وَهُوَ رَمَضَانُ، فَكَمُلَ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ
    "
    (تفسير القرآن العظيم:4/365).

    قال القاسمي –رحمه الله-:
    "{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} بإنزاله عربيا، ما تضمن من المعاني والأسرار، التي لا يتضمنها ولا يحتملها غيرها من اللغات"
    (محاسن التأويل:6/145).

    فهذا يدل على أن تمام التعقل يكون بفهم اللسان العربي؛
    فلا عقل بلا عربية، ولا عربية بلا تعلم لغتها ونحوها وصرفها وبلاغتها
    .

    بل للعربية مكانة أبعد من ذلك فقد قال ابن باديس –رحمه الله-:
    "وأما عناية القرآن بالعرب، فلأجل تربيتهم، لأنهم هم الذين هيئوا لتبليغ الرسالة،
    فيجب أن يأخذوا حظهم كاملاً من التربية قبل الناس كلهم،
    ولهذا نجد كثيرا من الآيات القرآنية في مراميها البعيدة ..
    إصلاحاً لحال العرب، وتطهيراً لمجتمعهم، وإثارة لمعاني العزة والشرف في نفوسهم.
    ومن هذا الباب: الآيات التي يذكر بها العرب أن القرآن أنزل بلسانهم مثل:
    {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2].
    والذين يعقلون القرآن قبل الناس كلهم هم العرب. ومن أولى القصد إلى العرب والعناية بلسانهم،
    وتنبيههم إلى أن القرآن أنزل بلسانهم دون جميع الألسنة- جلبًا لهم، حتى يعلموا أنه أنزل لهم وفيهم، قبل الناس كلهم
    "
    (تفسير ابن باديس،ص:389).

    فأسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويبصرنا بديننا
    بتعلم اللسان العربي، وتدبر معاني القرآن
    حتى نعقل عن الله –تعالى- مراده.

    ومن الله التوفيق.



    ***


  8. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (28)

    عُدَّةُ طالبِ العلمِ

    بسم الله الرحمن الرحيم

    معرفة طالب العلم بأصول عدة الطلب، هي بداية نجاحه وظفره بمطلوبه.

    والعلم له عُدَّتان:

    - عُدَّةُ تحصيله –حفظاً وفهماً-.
    - وعُدَّةُ تطبيقه –قولاً وعملاً-.

    ولكل واحدة من العُدَّتين أصول تضبطها، وتؤسس عليها.

    أولاً: من أصول عدة التحصيل:

    1- حفظ المتون.
    2- استشراحها على المتقنين.
    3- القلم والكراس –تدويناً، وبحثاً-.
    4- تنظيم الوقت والدرس بالجداول والمنبهات.
    5- جمع الذهن بتقليل المادة.


    ثانياً: من أصول عدة التطبيق:

    1- الإخلاص، ومنه طلب العلم للعلم به.
    2- الصدق، بأن يصرف همته إلى مقصود واحد.
    3- استثمار العلم في الأحوال المناسبة له.
    4- توظيف العلم في عمله وعبادته.
    5- الدعوة إليه.

    وعماد ذلك كله التوكل على الله –تعالى-.

    وما التوفيق إلا من عند الله.


    ***


  9. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (29)

    طالب العلم بين الركود والنبوغ

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اعلم –وفقك الله- أن الطالب لا ينبغ في العلم إلا إذا رتب أعماله.
    وترتيب الأعمال يعتمد على ترتيب سلم الترقي إلى المعالي.


    وسلم الترقي إلى المعالي له درجات.

    - الدرجة الأولى: تحديد الغاية من العلم، وذلك ثلاثة مطالب:

    1- تعيين المقصود بالعلم، وهو طلب رضا الله والدار الآخرة.
    2- تحقيق غاية العلم، وهو عبادة الله –تعالى-.
    3- القيام بالدعوة إلى التوحيد.


    - الدرجة الثانية: بناء الهمة العالية، وذلك ثلاثة مراتب:

    1- الصدق في القول والعمل والحال.
    2- تحقيق الصبر على التحصيل.
    3- البدء بالممكن من العلوم.


    - الدرجة الثالثة: انتقاء الوسيلة النافعة، وذلك بثلاثة ضوابط:

    1- الأصالة؛ بأن تكون من أصول العلم المعتبرة.
    2- التدرج؛ بأن يختار منها ما يناسبه.
    3- الإيجاز؛ بأن تكون متناً –نثراً أو نظماً-.



    ومن الله التوفيق.


    ***


  10. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (30)

    القرآن أول العلم

    قال ابن عبد البر –رحمه الله-: "

    طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ، وَمَنَاقِلُ، وَرُتَبٌ؛
    لَا يَنْبَغِي تَعَدِّيهَا.
    وَمَنْ تَعَدَّاهَا جُمْلَةً فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيلَ السَّلَفِ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ-.
    وَمَنْ تَعَدَّى سَبِيلَهُمْ عَامِدًا ضَلَّ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ.
    فَأَوَّلُ الْعِلْمِ حِفْظُ كِتَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَتَفَهُّمُهُ،
    وَكُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ فَوَاجِبٌ طَلَبُهُ مَعَهُ.
    وَلَا أَقُولُ: إِنَّ حِفْظَهُ كُلَّهُ فَرْضٌ وَلَكِنِّي أَقُولُ:
    إِنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَازِمٌ عَلَى مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ
    عَالِمًا
    فَقِيهًا
    نَاصِبًا نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ
    لَيْسَ مِنْ بَابِ الْفَرْضِ
    "

    (جامع بيان العلم وفضله: 2/1133).

    ومن الله التوفيق.


    ***

  11. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (31)

    أصل العلم النبوي

    اعلم –وفقك الله- أن أصل العلم الذي بعث الله به نبيه –صلى الله عليه وسلم-
    يجمعه ثلاثة أصول:


    الأول: أصل العلم من جهة ثبوته (الإيمان بالله ورسوله).
    قال شيخ الإسلام –رحمه الله-:
    "أَصْلُ الْعِلْمِ وَالْهُدَى وَالدِّينِ هُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ
    وَاسْتِصْحَابُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ وَالْأَحْوَالِ
    "
    (مجموع الفتاوى: 10/360).

    الثاني: أصل العلم من جهة مصادره (القرآن والسنة).
    قال شيخ الإسلام –رحمه الله-:
    "إِنَّ مَعْرِفَةَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَمَا أَرَادَهُ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ
    هُوَ أَصْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ
    "
    (مجموع الفتاوى: 17/355).

    الثالث: أصل العلم من جهة صحة الفهم
    (معرفة ما كان عليه الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه).
    قال شيخ الإسلام –رحمه الله-:
    "فَإِنَّ مَعْرِفَةَ مُرَادِ الرَّسُولِ وَمُرَادِ الصَّحَابَةِ
    هُوَ أَصْلُ الْعِلْمِ وَيَنْبُوعُ الْهُدَى
    "
    (مجموع الفتاوى: 5/413).

    فبمجموع هذه الأصول وتحقيقها يحصل الطالب
    العلم الشرعي على جادة الأنبياء والمرسلين –عليهم الصلاة والسلام-.


    ومن الله التوفيق.


    ***

  12. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (32)

    الحرص على الطلب

    قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:
    " احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ" (رواه مسلم).

    المتأمل في هذا الحديث المبارك؛
    يجد أن طلب العلم داخل ضمن هذا الإرشاد النبوي العام،
    وهذا الإرشاد فيه بيان أسباب بلوغ المقاصد الحسنة.


    وهما سببان رئيسيان:

    - الأول: الحرص على النافع.
    - الثاني: الاستعانة بالله.

    فتحقيق طالب العلم صفة (الحرص) على الطلب يقوم على أمرين:

    - الأول: افتقاره إلى العلم.
    - الثاني: محبته العلم.

    فالطالب إذا استشعر فقره وجهله تيقن حاجته إلى العلم.
    وإذا رفع الجهل عن نفسه، وتذوق ثمرة العلم نمت محبة العلم في قلبه
    .

    وبتمام هذين الأمرين يعظم حرصه على العلم.

    ثم يضم إلى ذلك طلب المدد الرباني بالدعاء والتوكل،
    ويستديم هذه الحال كل وقت حتى يصبح طلب العلم ملكة راسخة في نفسه
    .

    والأمر لا يدرك إلا بمرارة الصبر، والتوفيق من الله.

    ومن يصبر يصبره الله.


    ***


  13. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (33)

    خاصية العلم

    اعلم –وفقك الله- أن طلب العلم له ميزتان:

    - الأولى: لا يأتي دفعة واحدة.
    - الثانية: يتنامى بالتعاهد.


    وعليه فالموفق من يطلب العلم على التدرج، ويأخذه بالتَّكرار.

    واسلم طريقة تحقق المقصود أخذ العلم على طريقة (الكتاب الواحد).

    فيختار من أي فن كتاباً يناسب مستواه.
    ثم يقرأ فيه، ويسمع شروحه، وإن تيسر له معلم موفق فهي الضالة المنشودة.
    فيضمن بذلك عدم ازدحام العلم على قلبه، ويوفر ذهنه لتفهم هذا الكتاب.
    ويفرغ وقته له –حفظاً ومطالعةً-.


    وبهذه الطريقة: ينجز المادة ويفهما، ويحفظ وقته، ويترقى في العلم.
    وهذا خير له من المكابرة وتضييع الزمان
    بسبب تكليف نفسه بأكثر من مادة في وقت واحد.

    والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.

    ومن الله التوفيق.


    ***


  14. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (34).

    منطلق المبتدي في العلم

    اعلم -سلمك الله- أن علامة صحة البداية في الطلب
    هي عناية المبتدي بأصول العلم ومجملاته دون فروعه وتفصيلاته.

    قال الشيخ صالح آل الشيخ –وفقه الله-:

    " لا يهتم طالب العلم، -وهذا من فروع الترفق- لا يهتم بالتفصيلات؛
    فإنه إذا كان في طلبه للعلم اهتم بدقيق المسائل، واهتم بالتفصيلات؛
    فإنه ينسى ولن يحصل علما؛
    لأنّه لم يؤصل ولم يبن القاعدة التي معها تفهم تلك التفصيلات
    .

    بعضنا يذهب إلى دروس مفصلة جدا
    يمكث أصحابها سنين عددا طويلة ما انتهوا منه،
    أو في الباب الواحد يجلسون أشهر ونحو ذلك.
    ويظنّ أنّ هذا يحصل معه علما
    .

    لا، هذه الطريقة ليست بطريقة منهجية؛
    لأنّه لم يترفق صاحبها فيها؛


    ولقد قال جلّ وعلا: {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}.
    كونوا ربانيين فسرّها أبو عبد الله البخاري رحمه الله رحمة واسعة في صحيحه قال:
    الرباني: هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره،
    هذا الرباني في العلم والتدريس هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.

    يشرف بالمدرس وطالب العلم إذا درس أن يذكر كل ما يعلم في المسألة،
    أن يذكر بعد تحضير واسع كل ما وصل إليه تحضيره،
    وهذا شرف له ولكنّه ليس بنافع لمن يعلّم؛
    لأنه هو يستعرض ما علم؛


    والعالم إنما يعطى ما يحتاج إليه السامع،
    لا يعطي ما هو فوق مقدار السامع
    " انتهى كلامه.

    (محاضرة: "المنهجية في طلب العلم").

    ومن الله التوفيق.


    ***

  15. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (35).

    « لا يستطاع العلم براحة الجسم »

    روى مسلم –رحمه الله- في صحيحه فقال:
    حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال:
    سمعت أبي يقول: «لا يستطاع العلم براحة الجسم».

    (أوقات الصلاة رقم: 612).

    فلن يبلغ طالب العلم مبتغاه
    حتى يوطن نفسه على الصعاب وتحمل المشاق؛
    فالعلم لا يدرك إلا بالصبر.


    قال ابن الجوزي - رحمه الله -:
    "تأملت عجبًا،
    وهو أن كل شيء نفيس خطير يطول طريقه، ويكثر التعب في تحصيله.
    فإن العلم لما كان أشرف الأشياء، لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار،
    وهجر اللذات والراحة، حتى قال بعض الفقهاء:
    بقيت سنين أشتهي الهريسة لا أقدر؛
    لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس!
    "
    (صيد الخاطر، ص: 281).

    فكم طوى العلم من الشهوات، والرغبات، والملذات، والمباحات ...

    اصبر على مرِّ الجفا من معلمٍ *** فإنَّ رسوبَ العلمِ في نفراتهِ
    ومنْ لم يذق مرَّ التعلمِ ساعة ً*** تجرَّعَ ذلَّ الجهل طولَ حياته
    ومن فاتهُ التَّعليمُ وقتَ شبابهِ *** فكبِّر عليه أربعاً لوفاته
    وَذَاتُ الْفَتَى ـ واللَّهِ ـ بالْعِلْمِ وَالتُّقَى *** إذا لم يكونا لا اعتبار لذاتهِ


    ومن الله التوفيق.


    ***

  16. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (36).

    صلاح القلب بالعلم

    قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ
    أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَرَّانِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ
    :

    "إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْقَلْبَ لِلْإِنْسَانِ يَعْلَمُ بِهِ الْأَشْيَاءَ،
    كَمَا خَلَقَ الْعَيْنَ يَرَى بِهَا الْأَشْيَاءَ،
    وَالْأُذُنَ يَسْمَعُ بِهَا الْأَشْيَاءَ،

    وَكَمَا خَلَقَ سُبْحَانَهُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ، وَعَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ،
    فَالْيَدُ لِلْبَطْشِ،
    وَالرِّجْلُ لِلسَّعْيِ،
    وَاللِّسَانُ لِلنُّطْقِ،
    وَالْفَمُ لِلذَّوْقِ،
    وَالْأَنْفُ لِلشَّمِّ،
    وَالْجِلْدُ لِلْمَسِّ،


    وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ،

    فَإِذَا اسْتُعْمِلَ الْعُضْوُ فِيمَا خُلِقَ لَهُ وَأُعِدَّ مِنْ أَجْلِهِ،
    فَذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ الْقَائِمُ، وَالْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ،
    وَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا وَصَلَاحًا لِذَلِكَ الْعُضْوِ وَلِرَبِّهِ وَلِلشَّيْءِ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِيهِ،


    وَذَلِكَ الْإِنْسَانُ هُوَ الصَّالِحُ الَّذِي اسْتَقَامَ حَالُهُ
    وَأُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ.


    وَإِذَا لَمْ يُسْتَعْمِلْ الْعُضْوُ فِي حَقِّهِ،
    بَلْ تُرِكَ بَطَّالًا، فَذَلِكَ خُسْرَانٌ، وَصَاحِبُهُ مَغْبُونٌ،


    وَإِنْ اسْتُعْمِلَ فِي خِلَافِ مَا خُلِقَ لَهُ فَهُوَ الضَّلَالُ وَالْهَلَاكُ،
    وَصَاحِبُهُ مِنْ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا".


    ( الفتاوى الكبرى : 5 / 48 ) .


    ومن الله التوفيق.


    ***


  17. افتراضي


    النصيحة التعليمية التربوية (37).

    بناء ملكات العلوم

    اعلم –سلمك الله- أن كثيراً من طلاب العلم الذين تجاوزا المراحل المتوسطة.
    بل وبعض المراحل المنتهية لم يظفروا بملكات الفنون التي طلبوها؛
    وذلك لأن ترسيخ ملكات العلم يحتاج إلى أمرين
    :

    الأول: لقط منثور الفوائد من بطون الكتب والمصنفات.

    وطريق تحصيل هذا النوع من العلم يتم:

    - بالبحث،
    - وجرد المطولات،
    - وتتبع الفوائد.
    - ونحو ذلك من الطرق النافعة.


    والثاني: نظم درر الفوائد في ملكة الفن.

    وطريق تحصيل هذا النوع من العلم يتم:

    - بحفظ المتون.
    - وإتقان الشروح.
    - والتعليم والتدريس.
    -
    وتصنيف الكتب.
    - ونحو ذلك من الطرق النافعة.


    والمقصود: أن كثيراً من طلاب العلم لم يتجاوزا (مستوى الثقافة في الفن)؛ لسببين:

    1- قلة المعلومات في الفن.
    2- تناثر معلومات الفن في ذهنه.


    والموفق من الطلاب من يستدرك ما فاته تحت منطلق (بناء ملكات العلوم

    - بإعادة العناية بأصول الفن: (المتون المعتبرة).
    - وشحذ الهمة إلى مطولات الفن: (أمات العلم المحررة).

    ومن يتوكل على الله يجد فوق ما يتمناه.

    ومن الله التوفيق.


    ***


  18. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (38).

    طالب العلم والدعاء

    اعلم -سلمك الله- أن الموفق من الطلاب من لم يتكل على نفسه في كل شؤونه.

    فالعبد ضعيف لا غنى له عن ربه طرف عين؛
    فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها:
    ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت:

    "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".


    رواه النسائي في السنن الكبرى، والبزار والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
    وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة
    .

    وأحوج ما يكون العبد إلى ربه عند طلبه العلم الذي به يعرف ما يصلحه وما يضره.

    قال ابن القيم –رحمه الله-:
    " حَقِيقٌ بِالْمُفْتِي أَنْ يُكْثِرَ الدُّعَاءَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
    «اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
    أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ،
    اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
    »

    وَكَانَ شَيْخُنَا كَثِيرَ الدُّعَاءِ بِذَلِكَ ،
    وَكَانَ إذَا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ يَقُولُ " يَا مُعَلِّمَ إبْرَاهِيمَ عَلِّمْنِي "
    وَيُكْثِرُ الِاسْتِعَانَةَ بِذَلِكَ اقْتِدَاءً بِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    حَيْثُ قَالَ لِمَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ السَّكْسَكِيِّ عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَقَدْ رَآهُ يَبْكِي ، فَقَالَ :
    وَاَللَّهِ مَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَا كُنْتُ أُصِيبُهَا مِنْكَ ، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ اللَّذَيْنِ كُنْتُ أَتَعَلَّمُهُمَ ا مِنْكَ ،
    فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مَكَانَهُمَا ، مَنْ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا ،
    اُطْلُبْ الْعِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ :
    عِنْدَ عُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، وَذَكَرَ الرَّابِعَ ،
    فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ هَؤُلَاءِ فَسَائِرُ أَهْلِ الْأَرْضِ عَنْهُ أَعْجَزُ ،
    فَعَلَيْكَ بِمُعَلِّمِ إبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ
    "
    (إعلام الموقعين: 4/197 – 198).

    فاللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا.


    ***


  19. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (39).

    من سمات طالب العلم (التفقه الباطن).

    اعلموا –وفقكم الله- أن طالب العلم المسدد
    من يتعاهد قلبه ولسانه وجوارحه كل وقت وحين،
    وأعظم ما يكون تعاهداً لها وقت المحن.


    قال شيخ الإسلام –رحمه الله- :
    " فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعَوِّدَ نَفْسَهُ التَّفَقُّهَ الْبَاطِنَ فِي قَلْبِهِ وَالْعَمَلَ بِهِ،
    فَهَذَا زَاجِرٌ وَكَمَائِنُ الْقُلُوبِ تَظْهَرُ عِنْدَ الْمِحَنِ
    "
    (مجموع الفتاوى: 20/9).

    أي: يجعل عمله كله لله –تعالى-،
    ومن كان كذلك لم تزده المحن إلا ثباتاً على الحق ورسوخاً فيه.

    وحقيقة فقه الباطن؛ أن يكون عمله كله لله.
    فهو ينطق لله.
    ويصمت لله.
    ويكتب لله.
    ويعلق لله.
    وينصح لله ...

    ومن كان كذلك؛ كان أنطق الناس بالحق، وأثبتهم عليه.

    فالعلم لا يراد لجمع المسائل؛ وإنما يراد لعبادة الله وطاعته.

    ومن هذا المعنى:
    قيل لـ محمد بن الحسن –رحمه الله-:
    ألا تصنف كتاباً في الزهد؟ قال: صنفت كتاباً في البيوع.

    فهذا شأن من يطلب العلم للعمل.

    ومن الله التوفيق.



    ***


  20. افتراضي



    النصيحة التعليمية التربوية (40).

    العلم هبة من الله

    قال ابنُ حزمٍ الأندلسيُّ-رحمه الله تعالى-:

    " وإنْ أُعْجِبت بعِلمك فاعلم أنه لا خصلة لك فيه،
    وأنه موهبة من اللهِ مجردة، وهبك إياها ربُّك تعالى،
    فلا تقابلها بما يسخطه، فلعله يُنسيك ذلك بعِلةٍ يمتحنك بها،
    تُولِّد عليك نسيان ما علمت وحفظت !
    .

    ولقد أخبرني (عبد الملك بن طريف) - وهو من أهل العِلم،
    والذكاء، واعتدال الأحوال، وصحة البحث -؛
    أنه كان ذا حظٍّ من الحِفظ عظيم، لا يكاد يمُرُّ على سَمْعه شيءٌ يحتاج إلى استعادته !!،
    وأنه ركب البحر فمَرَّ به فيه هولٌ شديدٌ أنساه أكثر ما كان يحفظ،
    وأخَلَّ بقوة حفظه إخلالاً شديداً لم يعاوده ذلك الذكاء بَعْدُ!!.

    وأنا أصابتني عِلَّةٌ فأفقت منها، وقد ذهب ما كنت أحفظ،
    إلاَّ ما لاَ قدْر له، فما عاودته إلاَّ بعد أعوامٍ
    !!.

    واعلمْ أن كثيراً من أهل الحرص على العلم يجدون القراءةَ والإكبابَ على الدروس والطلب،
    ثم لا يُرزقون منه حظاً !،


    فلْيعلم ذوُوا العِلمِ أنه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه،
    فصَحَّ أنه موهبة من الله تعالى ،
    فأيُّ مكانٍ للعُجْب ها هنا ؟!،
    ما هذا إلاَّ موضعُ تواضعٍ، وشكرٍ لله تعالى،
    واستزادةٍ من نِعَمِه، واستعاذةٍ مِن سَلْبِها
    " انتهى.

    (الأخْلاقُ والسِّيَر في مداواة النفـوس: ص 68).



    ***



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •