قال ابن جرير رحمه الله في تفسير آية التوبة: اقتباس:
(يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم بطانة وأصدقاء تفشون إليهم أسراركم، وتطلعونهم على عورة الإسلام وأهله، وتؤثرون المكث بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام {إن استحبوا الكفر على الإيمان} يقول: إن اختاروا الكفر بالله على التصديق به والإقرار). |
فهل يعتبر المكث بين أظهر الكفار ردة عن الإسلام؟ |
الجواب
مكث المسلم في بلاد الكفار ؛ له أحوال:
الحالة الأولى: أن يستطيع إظهار شعائر دينه ، ويجد في بلاد المسلمين متسعاً؛ فالهجرة في حقه مستحبة؛ إلا إذا كان مقامه لحاجة يعذر بها؛ فالحكم لما تقتضيه المصلحة الشرعية؛ فمن كان يسمح له بالدعوة إلى الله وتعليم المسلمين المقيمين في تلك البلاد ونحو ذلك فالبقاء له أوكد ما لم يخش الفتنة على نفسه.
الحالة الثانية: أن لا يستطيع إظهار شعائر دينه في بلاد الكفار ولا يستطيع الهجرة إلى بلاد المسلمين إما لما يخشاه من أذى المنافقين وكيدهم وإما لعدم قدرته على الهجرة فهذا معفو عنه معذور في إقامته، ويجب عليه أن يتقي الله ما استطاع ، وفي هذا الصنف قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِ ينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا . فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}
الحالة الثالثة: أن لا يستطيع إظهار شعائر دينه في بلاد الكفار، وهو قادر على الهجرة إلى بلاد يأمن فيها بإقامة شعائر دينه؛ فهذا مكثه محرم وهو كبيرة من كبائر الذنوب ، وفي هذا الصنف قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
فإن بقاءه في بلاد الكفار وهو قادر على الهجرة يعرضه لفتن عظيمة قد يخذل بسبب مخالفته لهدى الله عز وجل الواجب في الهجرة ؛ فيضل ويرضى بالكفر ويعمل أعمال الكافرين ويرتكب ما ينقض إسلامه ويخرجه من الملة والعياذ بالله.
فمن وصل الأمر به إلى استحباب الكفر على الإيمان بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام فهو كافر مرتد.
ومن لم يصل به الأمر إلى ذلك كان بقاؤه في بلاد الكفار على هذه الحال محرماً لا يجوز ، وصاحبه متوعد بالعذاب الشديد، لكن لا يحكم بكفره؛ ما دام محافظاً على إسلامه ولم يرتكب ما ينقضه.