تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 18 من 26 الأولىالأولى ... 891011121314151617181920212223242526 الأخيرةالأخيرة
النتائج 341 إلى 360 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #341
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (338)

    (فضل من يتبع جنازة) إلى (باب مكان الماشي من الجنازة)

    من رحمة الله بهذه الأمة أن شرع لهم أعمالاً إذا فعلوها تحصل لهم بموجب فعلها الأجور العظيمة، التي تزن في فضلها وجزائها الجبال الشامخة، ومنها صلاة الجنازة والدفن، كما يجوز الركوب أثناء حمل الجنازة، سواء كان خلف أو أمام أو عن يمين أو عن شمال الجنازة.
    فضل من تبع جنازة

    شرح حديث: (من تبع جنازة حتى يصلي عليها كان له من الأجر قيراط ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل من تبع جنازة.أخبرنا قتيبة حدثنا عبثر عن برد أخي يزيد بن أبي زياد عن المسيب بن رافع سمعت البراء بن عازب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تبع جنازة حتى يصلي عليها كان له من الأجر قيراط، ومن مشى مع الجنازة حتى تدفن كان له من الأجر قيراطان، والقيراط مثل أحد)].
    يقول النسائي رحمه الله: فضل من اتبع الجنازة، المراد من هذا بيان: أن اتباع الجنازة مستحب، وأن فيه فضلاً وأجراً عظيماً عند الله عز وجل، والنسائي لما ذكر الأمر باتباع الجنائز عقبه بباب: فضل اتباع الجنائز، وأنه مأمور به.
    وأورد النسائي حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(من تبع جنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، والقيراط مثل أحد)] والقيراط: مثل جبل أحد، هذا الحديث يدلنا على فضل اتباع الجنائز، وأن فيه أجراً عظيماً، وأن من اتبعها، وصلى عليها، فإن له ذلك الأجر الذي هو: القيراطان، فالمراد بالقيراطين يعني: مجموع الأمرين، وليس معنى ذلك أن الدفن له قيراطان، والصلاة لها قيراط، بل المقصود أنه إذا مشى إلى الصلاة وحصلت منه الصلاة فله قيراط، فإن استمر مع ذلك إلى أن دفنت فيكون له قيراطان، قيراط على كونه تبعها حتى تدفن، وقيراط على كونه تبعها حتى يصلي عليها.
    وبين في الحديث أن القيراط مثل جبل أحد، وأن مقدار الأجر والثواب هو بهذا المقدار، وبهذا المقياس الذي هو مثل جبل أحد، وشبه ذلك بالجبل الذي هو بمرئى الناس في المدينة يشاهدونه، ويعاينونه، وأن الأجر عظيم، والثواب جزيل عند الله، وأن من حصل منه الصلاة على الجنازة فله قيراط، وهو أجر مثل جبل أحد، وإذا تبعها حتى تدفن فله قيراط آخر، فيكون له قيراطان، كل قيراط منهما مثل جبل أحد، وهذا يدلنا على عظم فضل الصلاة على الجنازة، وعلى فضل اتباعها، ولما بلغ الحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه: [أن من اتبع الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان]، قال: (لقد فرطنا في قراريط كثيرة).
    كما جاء ذلك في صحيح البخاري، يعني: فاتنا هذا الأجر العظيم والثواب الجزيل في عدم اتباع الجنائز في بعض الأحيان.
    وكان من عادة البخاري رحمه الله: أن الحديث إذا جاء فيه كلمة غريبة، فإنه لا يفسر الكلمة الغريبة نفسها، وإنما يأتي إلى لفظة تماثلها في القرآن، فيأتي بالكلمة من القرآن، فيفسرها فيكون بذلك فسر القرآن والحديث معاً في آن واحد، هذه طريقة البخاري رحمه الله، وهو عندما جاءت هذه الكلمة وهي (فرطنا) من كلام ابن عمر، أتى بكلمة من قوله تعالى: (فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ )[الزمر:56] أي: ضيعت من أمر الله، يعني: التفريط، وأنها تضييع وتفويت، معناه: (فرطنا في قراريط كثيرة) أي: فوتنا على أنفسنا وضيعنا على أنفسنا قراريط كثيرة، فبدل أن يفسر الكلمة وهي: (فرطنا في قراريط كثيرة)، وهي كلمة ابن عمر في الحديث أتى بالكلمة من القرآن التي هي بهذا اللفظ وهي: (فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ )[الزمر:56].

    تراجم رجال إسناد حديث: (من تبع جنازة حتى يصلي عليها كان له من الأجر قيراط ...)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبثر].
    هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن برد أخي يزيد بن أبي زياد].
    ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [عن المسيب بن رافع].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت البراء بن عازب].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (من تبع جنازة حتى يفرغ منها فله قيراطان ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا أشعث عن الحسن عن عبد الله بن المغفل رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تبع جنازة حتى يفرغ منها فله قيراطان، فإن رجع قبل أن يفرغ منها فله قيراط)].ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن المغفل رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من تبع جنازة حتى يفرغ منها فله قيراطان، فإن رجع قبل أن يفرغ فله قيراط)] وهذا يشبه الذي قبله؛ إلا أن ذاك فيه تفصيل، وهو: أنه إذا تبعها حتى يصلى عليها فله قيراط، وإن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، قيراط للصلاة وما قبلها، وقيراط للدفن وما قبله بعد الصلاة، وهنا قال: [(من تبع الجنازة حتى يفرغ من دفنها فله قيراطان، فإن رجع قبل أن يفرغ فله قيراط)] فهو مثل الذي قبله إن صلى عليها فله قيراط، وإن تبعها ولم يكن معها حتى تدفن بل رجع، أو لم يذهب أو ذهب ورجع قبل أن تدفن فإنه له ذلك القيراط الذي حصله على الصلاة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من تبع جنازة حتى يفرغ منها فله قيراطان ...)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
    هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أشعث].
    وأشعث هذا يحتمل أن يكون: أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني أو يكون: أشعث بن عبد الملك الحمراني؛ لأن هذين الاثنين كل منهما خرّج له خالد بن الحارث.
    والحسن البصري روى عنه جماعة ممن يسمون بـأشعث خمسة أشخاص، لكن الذي روى عنهم خالد بن الحارث ممن يسمون بـأشعث اثنان: وهما: الحداني، والحمراني، فيحتمل هذا ويحتمل هذا؛ لأنني ما وجدت التنصيص على تسميته؛ لأنه في النسائي وحده، وفي تحفة الأشراف ما نسبه، وفي تهذيب الكمال ذكر أن خالداً يروي عن اثنين ممن يقال لهم: أشعث وهما: الحمراني، والحداني، وأن الحسن البصري يروي عنه خمسة ممن يقال لهم: أشعث، وعلى هذا، فيحتمل أن يكون أحد الاثنين: الحمراني، والحداني، والحداني صدوق أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن، والحمراني ثقة، أخرج له أيضاً مثل الذين أخرجوا للحداني، البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    وعلى كل سواء يكون الحداني أو الحمراني أحدهما صدوق، والثاني ثقة، فلا يؤثر عدم التمييز، وإنما الذي يؤثر إذا كان أحدهما: ضعيفاً والثاني: ثقة، فإنه قد يكون الضعيف فيكون الحديث لا يصح، أو الإسناد لا يصح، لكن حيث يكون كل منهما محتج به، وكل منهما مقبول حديثه، وإن كانوا متفاوتين بدرجة؛ لأن كون أحدهما: صدوق يعني: حديثه حسن، والثاني: ثقة حديثه صحيح، فكل منهما من قبيل المقبول، فسواء يكون هذا أو هذا فإنه لا محذور، ولا لبس، ولا إشكال.
    [عن الحسن].
    هو الحسن بن أبي الحسن البصري المحدث، الفقيه، المشهور، ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن المغفل].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    مكان الراكب من الجنازة

    شرح حديث: (الراكب خلف الجنازة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [مكان الراكب من الجنازة. أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا عبد الواحد بن واصل حدثنا سعيد بن عبيد الله وأخوه المغيرة جميعاً عن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها، والطفل يصلى عليه)].
    أورد النسائي: مكان الراكب من الجنازة، يعني: عندما يتبع الإنسان الجنازة وهو راكب، فأين مكانه، وأين موقعه، هل يكون أمام الجنازة، أو يمينها، أو يسارها، أو وراءها؟
    أورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء)] يعني: يكون أمامها، ووراءها، ويمينها، وشمالها، [(والطفل يصلى عليه)]، يعني: أن الصغير يصلى عليه كما يصلى على الكبير، فالحديث دال على ما ترجم له المصنف من جهة مكان الراكب من الجنازة، وأنه يكون وراءها، يعني: لا يكون أمامها، ولا يمينها، ولا شمالها، وإنما يكون وراءها كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    أما الماشي: فإنه حيث شاء، إن شاء أن يكون أمامها، وإن شاء أن يكون عن يمينها، أو عن شمالها، أو من خلفها، كل ذلك سائغ، وجاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [(والطفل يصلى عليه)] أي: كما يصلى على الكبير، وفي هذا دلالة على مشروعية الصلاة على الصغار، وعلى مكان موضع الراكب من الجنازة إذا تبعها، ومكان موضع الماشي من الجنازة إذا تبعها، والترجمة هي: بمكان الراكب، والحديث دال على أنه يكون وراءها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الراكب خلف الجنازة ...)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
    وقد مر ذكره.
    [أخبرنا زياد بن أيوب].
    ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عبد الواحد بن واصل].
    ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، مثل الذين خرجوا لـزياد بن أيوب.
    [حدثنا سعيد بن عبيد الله].
    هو سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية الثقفي وهو صدوق، ربما وهم، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [وأخوه المغيرة].
    هو المغيرة بن عبيد الله بن جبير بن حية الثقفي، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده،
    [عن زياد بن جبير].
    زياد بن جبير وهو عمه؛ لأن زياد أخو: عبيد الله؛ لأن سعيد، والمغيرة أبوهم: عبيد الله، وجدهم: جبير وعمهم زياد، وهما يرويان عن عمهم زياد بن جبير بن حية الثقفي، وهو ثقة كان يرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو جبير بن حية الثقفي وهو ثقة، جليل، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    والحديث من رواية الأبناء عن الآباء عن الأجداد، أو عن الآباء عن الأعمام عن الأجداد؛ لأن الاثنين يرويان عن عمهما، وعمهما يروي عن أبيه، فهو رواية الأبناء عن الآباء، ومن رواية الأقارب عن الأقارب، يعني: أبناء الأخ عن عمهم.
    [عن المغيرة بن شعبة].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.


    مكان الماشي من الجنازة

    شرح حديث: (.. والماشي حيث شاء منها ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [مكان الماشي من الجنازة.أخبرنا أحمد بن بكار الحراني حدثنا بشر بن السري عن سعيد الثقفي عن عمه زياد بن جبير بن حية عن أبيه عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها، والطفل يصلى عليه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مكان الماشي من الجنازة، أورد فيه حديث المغيرة بن شعبة من طريق أخرى؛ لأن حديث المغيرة اشتمل على ثلاث جمل: مكان الماشي، ومكان الراكب، والصلاة على الطفل، وكل منهما سيعقد له ترجمة، ويورد الحديث تحت هذه التراجم، هذا الحديث المشتمل على الجمل الثلاث تحت تراجم ثلاث، الترجمة السابقة وهي: مكان الراكب من الجنازة، وهذه الترجمة التي معنا وهي: مكان الماشي من الجنازة، وسيأتي ذكر الحديث في ترجمة أخرى وهي: الصلاة على الأطفال أو على الصبيان.
    والحديث متنه كمتن الذي قبله، وإنما جاء برواية أخرى للاستدلال به على مكان الماشي من الجنازة، وأنه يكون حيث شاء إن شاء أمامها، وإن شاء وراءها، وإن شاء عن يمينها، وإن شاء عن شمالها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (.. والماشي حيث شاء منها ...) من طريق أخرى

    قوله:
    [أخبرنا أحمد بن بكار الحراني].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا بشر بن السري].
    ثقة، متقن، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد الثقفي].
    هو سعيد بن عبيد الله، وقد مر ذكره.
    [عن عمه زياد بن جبير عن أبيه جبير بن حية عن المغيرة بن شعبة].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

    شرح حديث ابن عمر: (أنه رأى رسول الله وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر وقتيبة عن سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله تعالى عنه: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر رضي الله عنهما يمشون أمام الجنازة)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر يمشون أمام الجنازة).
    وهذا فيه: بيان أحد المواضع التي تكون للماشي؛ لأن الحديث الذي مر يفيد أنه حيث شاء، وهذا فيه بيان: أن النبي عليه الصلاة والسلام، وأبا بكر، وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة، وهذا يدل على أن المشي أمامها، كما أن المشي عن يمينها، وشمالها، وورائها كل ذلك سائغ، إلا أن الحديث الأول دل على أن مكانه حيث شاء، وهذا بين أن ابن عمر رضي الله عنهما، رآهم يمشون أمام الجنازة، فدل ذلك على أن المشي أمامها سائغ كما جاء به هذا الحديث، وكما جاء به الحديث العام يقول: (والماشي حيث شاء منها) يعني: حيث شاء من الجنازة، إن شاء أمامها، وإن شاء عن يمينها، وإن شاء عن شمالها، وإن شاء من ورائها.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (أنه رأى رسول الله وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة)

    قوله:
    [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [وعلي بن حجر وقتيبة].
    هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [وقتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد وقد مر ذكره.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة، سفيان بن عيينة، وقد عرفنا فيما مضى أنه إذا جاء قتيبة يروي عن سفيان فالمراد به: ابن عيينة، وإذا جاء سفيان غير منسوب يروي عن الزهري فالمراد به: ابن عيينة، وهنا اجتمع الأمران، اجتمع قتبية يروي عن سفيان، وسفيان يروي عن الزهري، فهو ابن عيينة، ولو جاء قتيبة عن سفيان فقط وهو يروي عن الزهري يحمل على ابن عيينة، ولو جاء ابن عيينة يروي عن الزهري، وليس فيه قتيبة فالمراد به: ابن عيينة، وهنا اجتمع به أمران من حيث التلاميذ، ومن حيث الشيوخ، فـسفيان هذا المهمل الغير المنسوب المراد به: سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بجد النبي صلى الله عليه وسلم كلاب؛ لأن قصي بن كلاب وزهرة بن كلاب أخوان، ولهذا يقال له: الزهري نسبة إلى جده الذي هو زهرة بن كلاب، ويقال له: ابن شهاب نسبة إلى جده شهاب الذي هو جد جده، فهو مشهور بهاتين النسبتين، وهي: نسبة بابن، ونسبة بالياء ابن شهاب وبـالزهري، وهو ثقة، فقيه، إمام، جليل، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن المدينة اشتهر بها في عصر التابعين سبعة، ستة متفق على عدهم من الفقهاء السبعة، وواحد فيه خلاف على أقوال ثلاثة، والستة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل سالم بن عبد الله بن عمر الذي معنا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهؤلاء التسعة يعني: الثلاثة مختلف فيهم، والستة متفق عليهم كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث ابن عمر: (أنه رأى النبي وأبا بكر وعمر وعثمان يمشون بين يدي الجنازة) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا أبي حدثنا همام حدثنا سفيان ومنصور وزياد وبكر هو ابن وائل، كلهم ذكروا أنهم سمعوا من الزهري يحدث إن سالماً أخبره أن أباه رضي الله تعالى عنه أخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر، وعثمان يمشون بين يدي الجنازة. بكر وحده لم يذكر عثمان، قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، والصواب مرسل].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة عثمان، وهي من بعض الرواة الذين ذكرهم؛ لأنه ذكر جملة من الرواة رووا الحديث، ولكن واحداً منهم زاد عثمان، والباقون لم يذكروا عثمان، وإنما ذكروا أبا بكر، وعمر مع النبي صلى الله عليه وسلم كما في الطريق السابقة التي ليس فيها عثمان، وهنا هذه الطريق الأخرى فيها ذكر عثمان، ولكن ذكر عثمان إنما هو من بعض الرواة.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (أنه رأى النبي وأبا بكر وعمر وعثمان يمشون بين يدي الجنازة) من طريق أخرى

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].
    هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا أبي].
    هو عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا هو الذي سبق أن مر بنا ذكره قريباً الذي يروي عن داود بن أبي الفرات، ويروي عنه إسحاق بن إبراهيم والذي روى عنه البخاري، وهو من كبار شيوخه؛ لأنه مات سنة (213هـ) وعمّر مائة سنة فأدرك المتقدمين، وروى عنه البخاري، هذا عبد الله بن يزيد المقرئ المكي ثقة، أخرج أصحاب الكتب الستة.
    المقرئ المكي من أهل مكة، نسب إلى أهل مكة.
    [حدثنا همام].
    هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن عيينة، وقد مر ذكره.
    [ومنصور]
    هو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [وزياد]
    هو زياد بن سعد بن عبد الرحمن، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [وبكر هو: ابن وائل].
    بكر، هو ابن وائل الكوفي، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وكلمة: (هو ابن وائل) هذه التي زادها من دون همام بن يحيى؛ لأن التلميذ الراوي لا يحتاج إلى أن يقول: (هو) بل ينسبه إلى ما يريد، ويطيل في نسبه، أو يقصر كما يريد، ما يحتاج إلى كلمة (هو)، لكن الذي يحتاج إلى كلمة (هو) من دونه، فالذي دون همام هو عبد الله بن يزيد المقرئ، أو ابنه محمد، أو النسائي، أو من دون النسائي هو الذي أتى بكلمة (هو) بعد بكر.
    فـسفيان، ومنصور، وزياد، وبكر هؤلاء الأربعة كلهم ذكروا أنهم سمعوا من الزهري يحدث أن سالماً أخبره أن أباه عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، (كانوا يمشون بين يدي الجنازة)، إلا أن ذكر عثمان إنما جاء في الرواية الأخيرة، من الأربعة الذي هو: بكر بن وائل هو الذي أتى بهذه الزيادة، ثم إن الحديث جاء عن طريق مالك عن الزهري وعن غيره، عن الزهري مرسلاً، يعني: يقول (كان النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر يمشون بين يدي الجنازة).
    ولهذا قال النسائي بعده: وهذا خطأ، والصواب مرسل، يعني: أن الزهري أرسله، لكن الحديث ثابت؛ لأن هؤلاء رووه بهذه الزيادة ورووه بهذا الإسناد وهم ثقات، فتعتبر الزيادة من ثقة، فتكون مقبولة، ولا يقال: إن المرسل يقضي على المسند، بل المسند ثابت، والرسول صلى الله عليه وسلم يمشي بين يدي الجنازة، وأبو بكر، وعمر كذلك، وهذا الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر في هذا الحديث داخل تحت الحديث الذي مر الذي يقول فيه: (والماشي حيث شاء)؛ لأن (بين يديها) داخل تحت هذا العموم؛ لأن كلمة (حيث شاء) يدخل تحته أمامها الذي دل عليه الحديث، ويدخل تحته يمينها، وشمالها، ووراءها، فالحديث ثابت، ومقتضاه وما دل عليه، يعني: أيضاً دل الحديث الذي قبل ذلك.
    وعبارة النسائي: بكر وحده لم يذكر عثمان.
    معناه: الثلاثة هم الذين ذكروا عثمان، وبكر وحده لم يذكر عثمان، ثلاثة ذكروا عثمان، وهم: سفيان، ومنصور، وزياد بن سعد هؤلاء قالوا: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، أما بكر فإنه قال: الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، ولم يذكر عثمان، فالواقع هو العكس، يعني: ثلاثة ذكروه وواحد لم يذكره الذي هو رابع الأربعة الأخير منهم، وهو: بكر بن وائل.


    الأسئلة

    تلازم الأجر الوارد في الجنازة بمجموع الصلاة والدفن

    السؤال: هل هذا القيراط المذكور في الحديث يحصل لمجرد الصلاة، أم لا بد في حصول القيراط الواحد الاتباع مع الصلاة لقوله: (من تبع حتى يصلي)؟


    الجواب: هو الحديث بهذا اللفظ: (من تبعها حتى يصلي عليها، ثم من تبعها حتى تدفن)، فالأول: يكون له قيراط والثاني: يكون له قيراطان، يعني: بمجموع الأول مع الثاني، ولا شك أن من صلى عليها وإن لم يتبعها بأن أدركها بالمسجد ولم يكن يعلم بها، ومشى معها أنه يحصل أجراً عظيماً، ولا أدري هل جاء في بعض الروايات ذكر الصلاة بدون الاتباع أو لا، لا أدري.

    معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من خاف أدلج)

    السؤال: ما صحة حديث: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل) وما معناه؟


    الجواب: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل) وقوله: (من خاف أدلج) الدلجة هي: السير في الليل، ومن أدلج بلغ المنزل يعني: بلغ الغاية، وكما يقولون: (عند الصباح يحمد القوم السرى) فالذي يخاف يعني: يسير، ومعنى ذلك: أن من خاف الله عز وجل فإنه يسير إلى الله عز وجل بطاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك فإنه يبلغ الغاية، هذا هو معنى الحديث، والحديث أظن، أن ابن رجب شرحه في كتيب سماه: حديث الدلجة، الانشراح في شرح حديث الدلجة، أظنه هذا الحديث الذي شرحه ابن رجب في كتيب، أو في جزء لطيف.

    حكم من يخالط أصحاب الموالد من ذوي الأموال لأجل الصدقة

    السؤال: جار صاحب عيال، وليس له عمل سوى القيام بحراسة بدار وقف ونظافتها ونحو ذلك، وهو يصلي غالباً في جماعة المسجد، إلا أنه يخالط بعض أصحاب الموالد من ذوي الأموال، وقد يحضر موالدهم رجاء أن يتحصل منهم على معونة أو مساعدة، وتكلمنا معه في ذلك، ويستجيب معنا، إلا أنّا لا نراه ينفك عن مواصلتهم، ولكن لا أعلم إن كان يذهب معهم لموالدهم أو لا، وقد كانت هناك بعض الصدقات، فأردت أن يرفد له منها شيء، فعارضني أحد الإخوان على ذلك لحال الرجل، وأنكر لما يظنه فيه، فهل في ذلك بأس، بأن يبذل لهذا الرجل من هذه الصدقات مع مناصحته؟


    الجواب: أقول: لا بأس؛ لأن مثل هذا يكون قريباً، واستمالته والعمل على جلبه، وعلى إبعاده عن أهل البدع شيء مطلوب، فيحرص على مناصحته، ويحرص أيضاً على إعطائه الشيء الذي يغنيه عن أولئك، ما دام أنه يختلط بهم من أجل أن يحصل منهم شيئاً؛ لأنه صاحب حاجة، فيسعى إلى إغنائه عنهم، وإلى نصحه، وتوجيهه، وإرشاده إلى أن يبتعد عن البدع وأهل البدع، وأن في ذلك محاذير، وأضرار عليه عاجلة وآجلة.

    حكم من ذهب إلى المدينة بعد أداء العمرة ثم رجوعه للحج

    السؤال: رجل من أهل المدينة ينوي الحج لهذا العام متمتعاً، ويريد أن يأتي بالعمرة الآن، ثم يرجع إلى المدينة، ثم في اليوم الثامن يذهب إلى مكة بدون إحرام، ثم يحرم هناك، فهل عليه شيء؟

    الجواب: لا، ليس له ذلك، فالإنسان لكونه يذهب الآن، ويتمتع، ويرجع إذا رجع إلى المدينة ينقطع تمتعه، إذا رجع إلى بلده انقطع تمتعه، فإذا أراد أن يتمتع يأتي بعمرة أخرى عندما يذهب إلى مكة قبيل الحج، لكن ليس له أن يذهب، ويحرم من مكة؛ لأنه يكون تجاوز الميقات، وهو يريد حجاً وعمرة، فيجب عليه أن يحرم من الميقات، فإن أحرم مفرداً فيحرم من الميقات، وإن أحرم بعمرة أخرى غير العمرة التي ذهبت التي لا تصلح أن تكون للتمتع، فإنه يحرم أيضاً من الميقات، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يتجاوز الميقات إلا وقد أحرم، سواء كان متمتعاً أو مفرداً، لابد من الإحرام من الميقات.

    حكم الصلاة على المولود الميت الذي لم يستهل

    السؤال: الطفل إذا مات ولم يستهل فهل يصلى عليه، وما هو الدليل؟

    الجواب: نعم يصلى عليه، وعموم حديث المغيرة بن شعبة يدل على ذلك.

    موقف الإمام من جنازة الطفل ذكراً كان أو أنثى

    السؤال: هل يستوي في الصلاة على الطفل الذكر والأنثى بالنسبة إلى موضع الصلاة عليه؟


    الجواب: الذي يبدو أن الطفل كما هو معلوم: لا يحتاج أن يعرف هو ذكر أو أنثى، ولهذا الأمر فيه واحد لا فرق فيه بين الذكر والأنثى، وإنما الفرق في الموقف بين الرجل والمرأة، فإن الرجل يقف الإمام عند رأسه، والمرأة يقف عند وسطها، وهذا من الأحكام التي يختلف فيها الرجال عن النساء.

    معنى لفظة النسائي في الحديث (هذا خطأ، والصواب مرسل)

    السؤال: نرجو تبيين معنى الكلمة الأخيرة في الحديث وهي قوله: (قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، والصواب: مرسل) ومن المقصود بـأبي عبد الرحمن؟

    الجواب: إذا جاء في الأحاديث وجاء في آخرها قال أبو عبد الرحمن، فالمقصود به النسائي، والمقصود من هذه الكلمة، أنه يرى أن الحديث جاء مرسلاً، وجاء مسنداً، والذي ذكره هنا المسند، ولم يذكر المرسل، ولكنه أشار إلى المرسل إشارة، والمرسل هو كونه جاء عن مالك وعن يونس بن عبيد وعن جماعة عن الزهري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، الكلام كلام الزهري ما يضيفه إلى سالم، ولا إلى عبد الله بن عمر، ولا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فحذف هؤلاء كلهم ثم قال: (كان رسول الله)، ومعلوم: أن الزهري هو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، فإذا أضاف الكلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى أبي بكر، وعمر، فهذا إرسال؛ لأنه مثلاً فيه واسطة، وما ذكر الواسطة، لكن جاء من طرق صحيحة ذكرت هذه الواسطة، فـالنسائي قال: الصحيح المرسل، وهو كما ذكرت جاء مسنداً، يعني: من الحديثين هذا والذي قبله، وهذا الإسناد، والذي قبله كله فيه الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر، فتكون الطريقة المسندة صحيحة وثابتة، وذلك ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما قلت: هو متفق عليه، ما جاء في الأحاديث المتقدمة التي فيها موضع الراكب، وموضع الماشي من الجنازة، وفي كل منها أن الماشي حيث شاء منها، فيدخل تحته أمامها، ويمينها، وشمالها، ووراءها، وهذا وضحه النسائي في السنن الكبرى؛ لأنه ذكر أن مالكاً ويونس رووه عن الزهري مرسلاً، والزهري هو الذي قال: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر)، والجماعة رووه مسنداً، والنسائي يرى أن المرسل أصح، لكن كما قلت: المسندة صحيحة، والحديث ثابت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام من جهة الإسناد، ومن جهة دخوله تحت الأحاديث السابقة التي فيها ذكر أن الماشي حيث شاء من الجنازة.

    ترجمة النسائي مكان الراكب من الجنازة ودلالة ذلك على الوجوب

    السؤال: هل المقصود بترجمة الباب مكان الراكب من الجنازة أن ذلك على الوجوب؟

    الجواب: لا، ليس على الوجوب، لكن على الاستحباب كما هو معلوم، وكما هو معلوم بالنسبة للجنازة كونه يلزم الماشي يعني: الأمر كله واسع؛ لأنه ما فيه إلا أمامها، أو يمينها، أو شمالها، أو وراءها، وكله سائغ، لكن بالنسبة للراكب هو الذي وراءها، لكن ما أدري، هل فيه شيء يفيد الوجوب؟ لكن هذا فيه بيان أن موضعه يكون وراءها، ولعل السبب في ذلك.
    والله تعالى أعلم أنه لو كان أمامها، وكان الراكب أسرع من الماشي ..


  2. #342
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (339)


    - (باب الأمر بالصلاة على الميت) إلى (باب أولاد المشركين)

    كرم الله الإنسان حياً وميتاً، فهناك واجبات له بعد موته على الأحياء، منها: الصلاة عليه سواء كان صغيراً أم كبيراً، حاضراً أم غائباً، وأطفال المسلمين لا يجزم لهم بالجنة، أما أولاد المشركين فالله أعلم بما كانوا عاملين، فنرد أمرهم إلى الله تعالى.
    الأمر بالصلاة على الميت

    شرح حديث: (إن أخاكم قد مات فقوموا فصلوا عليه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر بالصلاة على الميت.أخبرنا علي بن حجر وعمرو بن زرارة النيسابوري قالا: حدثنا إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخاكم قد مات، فقوموا فصلوا عليه)].
    يقول النسائي رحمه الله: الأمر بالصلاة على الميت، أورد النسائي هذه الترجمة وأورد تحتها هذا الحديث؛ لأنه مشتمل على الأمر في قوله: (قوموا فصلوا عليه) ويريد في ذلك النجاشي، حيث أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام عنه في اليوم الذي مات فيه، وأمرهم بأن يقوموا ويصلوا عليه، فإيراد الحديث هنا وإيراد الترجمة من أجل اشتماله على الأمر، والترجمة هي: الأمر بالصلاة على الجنازة، فأورد تحتها حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إن أخاكم قد مات -ويريد به النجاشي- فقوموا فصلوا عليه)]، والمراد بذلك: الصلاة على الغائب، والمقصود من هذا: أن الحديث دال على الصلاة الجنازة، وهو أمر بالصلاة على الغائب، وهو: النجاشي، وقد اختلف العلماء في الصلاة على الغائب، فمنهم من قال -وهم جمهور العلماء-: إنه يصلى على الغائب؛ لأنه ثبت بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنهم من قال: لا يصلى على الغائب، وأن الصلاة على الغائب من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: هذا أمر يختص به، وقالوا أيضاً: إن الجنازة أحضرت بين يديه فصلى عليها، وممن قال بذلك المالكية، وقد أنكر عليهم ابن العربي المالكي، كما نقله عنه ابن حجر في فتح الباري، وتكلم في ذلك كلاماً حسناً، فقال: قالوا -أي: المالكية- ليس لأحد أن يصلي على الغائب إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن العربي قلنا: ما عمل به الرسول صلى الله عليه وسلم عملته أمته، قالوا: إن الجنازة قد أحضرت وصلى عليها، قلنا: إن ربنا لقادر، وإن النبي عليه الصلاة والسلام لذلك أهل، لكن لا تقولوا من تلقاء أنفسكم شيئاً، المعول هو على ما جاءت به الأحاديث، ولم يأت حديث يدل على ما ذكرتم، وتكلم كلاماً حسناً في هذا، فالمعول عليه هو كون النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه، والأصل عدم الخصوصية للنبي عليه الصلاة والسلام إلا أن يأتي شيء يدل على الخصوصية فعند ذلك يصار إليها، أما إذ لم يأت شيء يدل على الاختصاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن الأصل أن ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم فأمته تبع له في ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    فالحاصل: أن جمهور العلماء على مشروعية الصلاة على الغائب، وبعضهم قال باختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم بها وهذا ليس بصحيح؛ لأن الأصل عدم الاختصاص، ولا يصار إلى التخصيص إلا إذا وجد ما يدل على ذلك، وليس في هذه المسألة شيء يدل على أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن أخاكم قد مات فقوموا فصلوا عليه)

    قوله:
    [أخبرنا علي بن حجر].
    هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وقد أكثر عنه الإمام مسلم في صحيحه.
    [وعمرو بن زرارة النيسابوري].
    ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا إسماعيل].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قلابة].
    هو عبد الله بن زيد الجرمي البصري، وهو ثقة، يرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي قلابة.
    [عن أبي المهلب].
    قيل: اسمه عمرو الجرمي أبو المهلب وهو عم أبي قلابة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمران بن حصين].
    هو عمران بن حصين أبي نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الصلاة على الصبيان

    شرح حديث: (أتي رسول الله بصبي من صبيان الأنصار فصلى عليه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على الصبيان. أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا سفيان حدثنا طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن خالتها أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من صبيان الأنصار فصلى عليه، قالت عائشة: فقلت: طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءا ولم يدركه، قال: أو غير ذلك يا عائشة! خلق الله عز وجل الجنة وخلق لها أهلاً وخلقهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً وخلقهم في أصلاب آبائهم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الصلاة على الصبيان، إذا ماتوا كما يصلى على الكبار، وقد جاء في الدعاء: (اللهم اغفر لحينا، وميتنا، وصغيرنا، وكبيرنا) وأورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، (أن النبي عليه الصلاة والسلام أوتي بصبي من الأنصار فصلى عليه)، وهذا هو محل الشاهد (فصلى عليه)؛ لأن هذا هو المتعلق بالترجمة، فقالت عائشة: [(طوبى له، عصفور من عصافير الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)] يعني: وأن كل شيء سبقت به المقادير، وأنه لا يجزم لأحد بجنة ولا نار، إلا ما جاء به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    والصلاة على الصبيان ثبتت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنه هذا الحديث والحديث الذي بعده الذي فيه ذكر الأطفال، فالصلاة ثابتة على الصغار، كما أنها ثابتة على الكبار، كل ذلك جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني: أن كل مسلم يصلى عليه كبيراً أو صغيراً، وما جاء في آخره من قول عائشة رضي الله عنها: (طوبى له عصفور من عصافير الجنة) وهذا جزم منها لما تعلمه من أنه غير مكلف.
    فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(أو غير ذلك؟)] يعني: لا يجزم لأحد بشيء إلا ما جاء به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بين أن كل شيء سبقت به المقادير، وقد اختلف العلماء في أولاد المسلمين إذا ماتوا، وأين مصيرهم؟ فمنهم بل جمهورهم: على أنهم في الجنة، وقد مر بنا بعض الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام الذي فيه أن الشخص الذي قدم طفلاً وفقده، وحزن عليه حزناً شديداً، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أما ترضى أن يكون أمامك لا تأتي لباب من أبواب الجنة إلا وهو أمامك يريد أن يفتحه لك؟!).
    فجمهور العلماء قالوا: أنهم في الجنة، وبعض العلماء قال: لا ينبغي أن يجزم وإنما يتوقف؛ لأن هذا الحديث الذي جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام يدل على التوقف، وعلى أنه لا يجزم بشيء من ذلك؛ لأن هذه أمور غيبية ولا يجزم لأحد بجنة أو نار، فجمهور العلماء على القول بأنه في الجنة، وبعضهم قالوا بالتوقف؛ لما يقتضيه هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أتي رسول الله بصبي من صبيان الأنصار فصلى عليه ...)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له النسائي وحده، وهو شيخه ومن أهل بلده، لكن جاء في تحفة الأشراف أن الذي روى عنه النسائي هذا الحديث هو محمد بن منصور عن سفيان، وجاء هذا كذلك في السنن الكبرى، والأسانيد التي في السنن الكبرى والصغرى متحدة، وتحفة الأشراف تنقل عن الصغرى، فيكون الذي في السنن الكبرى والصغرى: محمد بن منصور عن سفيان.
    وعلى أي حال سواء كان الإسناد عن محمد بن منصور أو عمرو بن منصور فكلاهما ثقة، محمد بن منصور الجواز المكي ثقة، أخرج له النسائي وحده، وعمرو بن منصور ثقة، أخرج له النسائي وحده، وقد يكون الأقرب أنه محمد بن منصور لأنه المتفق عليه في السنن الكبرى وفي تحفة الأشراف، لكن مهما يكن فكل منهما ثقة، وكل منهما شيخ للنسائي.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مكي كما أن محمد بن منصور مكي.
    [حدثنا طلحة بن يحيى].
    هو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله عنه، جده أحد العشرة المبشرين في الجنة، وطلحة بن يحيى بن طلحة هو على اسم جده، وهو صدوق، يخطئ، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمته عائشة بنت طلحة].
    يروي عن عمته عائشة بنت طلحة؛ لأن عائشة بنت طلحة أخت يحيى، وهي ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
    [عن خالتها عائشة أم المؤمنين].
    هي ابنة أبي بكر رضي الله عنها، وعائشة بنت طلحة أمها أم كلثوم بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، فهي تروي عن خالتها عائشة بنت أبي بكر الصديق، فهي خالتها خالة عائشة بنت طلحة، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها هي الصديقة بنت الصديقة، التي حفظت الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا سيما الأمور البيتية التي تقع بين الرجل وأهل بيته، فإن هذا مما حفظته للناس، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم ستة رجال وامرأة واحدة، الستة: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، والمرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضها.


    الصلاة على الأطفال

    شرح حديث: (الراكب خلف الجنازة ... والطفل يصلى عليه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على الأطفال. أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا سعيد بن عبيد الله سمعت زياد بن جبير يحدث عن أبيه عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه أنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها، والطفل يصلي عليه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الصلاة على الأطفال، وأورد هذه الترجمة في لفظ الأطفال؛ لأن فيه (والطفل يصلى عليه)، والترجمة السابقة الصلاة على الصبيان؛ لأن في الحديث أتي بصبي فصلى عليه؛ لأنه جاء لفظ الصبي في الحديث الأول، وجاء لفظ الطفل في الحديث الثاني، وكل منهما غير مكلفين، كل منهما صغار لم يبلغوا التكليف، ويقال لمن لم يبلغ التكليف يقال له: طفل، وكذلك صبي، والله تعالى يقول: (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ )[النور:59]، فهو ما دام أنه لم يبلغ الحلم هو طفل، وقد أطلق عليه أنه طفل حتى يبلغ الحلم، (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِن ُوا )[النور:59].
    فالحاصل أن الترجمتين وإن كان مؤداهما واحد، إلا أن التفريق بينهما من أجل اللفظ الذي جاء في كل من الحديثين الذي جاء بلفظ الصبي أتت الترجمة بلفظ الصبيان، والذي أتى بلفظ الطفل جاءت الترجمة بلفظ الصلاة على الأطفال.
    والحديث سبق أن مر في ترجمتين سابقتين، ترجمة في مكان الراكب من الجنازة إذا تبعها، وترجمة في مكان الماشي من الجنازة، وهي: الترجمة الصلاة على الأطفال؛ لأن الحديث اشتمل على هذه المعاني الثلاثة كون الراكب يمشي خلف الجنازة، والماشي يمشي حيث يشاء، والطفل يصلى عليه.
    وأورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة من الطرق التي ورد بها، وقد سبق أن أورده من طريقين ورد بهما.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الراكب خلف الجنازة ... والطفل يصلى عليه)

    قوله:
    [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد بن عبيد الله].
    هو سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية الثقفي، وهو صدوق ربما وهم، وحديثه أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له مسلم ولا أبو داود.
    [سمعت زياد بن جبير].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [يحدث عن أبيه].
    هو جبير بن حية، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن.
    [عن المغيرة].
    هو المغيرة بن شعبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    أولاد المشركين

    شرح حديث: (سئل رسول الله عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أولاد المشركين. أخبرنا إسحاق حدثنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)].
    أورد النسائي في هذه الترجمة وهي: أولاد المشركين، يعني: ما حكمهم في الدار الآخرة؟ هل هم من أهل الجنة أو من أهل النار أو ماذا؟ هذا هو المقصود من هذه الترجمة، لما ذكر أولاد المسلمين وأنه يصلى عليهم أتى بهذه الترجمة المطلقة لأولاد المشركين.
    وقد اختلف العلماء في حال أولاد المشركين في الآخرة، فمنهم من قال: إنهم تبع لآبائهم وأنهم من أهل النار، ومنهم من قال: إنهم في الجنة لأنهم غير مكلفين، والعذاب في النار لا يكون إلا بعد بلوغ الحجة والرسالة، ومنهم من قال: إنهم ممتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء هذا الامتحان تكون النتيجة إما سعداء، وإما أشقياء، وقد ورد في ذلك ما يدل عليه، وهو الذي يدل عليه في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: [(الله أعلم بما كانوا عاملين)] يعني: إذا امتحنوا، فالله تعالى أعلم بما يعملون، وعلى ضوء هذا العمل الذي يعملونه عند الامتحان تكون النتيجة إما من أهل الجنة وإما من أهل النار، والآخرة، وإن كانت ليست دار تكليف فإن الامتحان في عرصات القيامة، وقبل دخول الجنة أو النار يمكن، وقد جاء ما يدل عليه، وهو الذي يدل عليه أو يتبين من قوله: [(الله تعالى أعلم بما كانوا عاملين)] يعني: إذا كلفوا فإن الله تعالى هو الذي يعلم ماذا ينتهي إليه كل واحد منهم.
    وقد ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، وقال: إن أصح ما يقال أن يقال: (الله أعلم بما كانوا عاملين)، كما قال ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا يقال: إنهم في الجنة ولا يقال: إنهم في النار، وإنما يقال: الله أعلم بما كانوا عاملين، وأنهم إذا حصل الامتحان فإنهم ينتهون إلى ما يحصل منهم من عمل، فإن كانوا استجابوا وحصل التوفيق لهم في الجواب الحسن والاستجابة، فإنهم يكونون في الجنة، وإلا فإنهم يكونون من أهل النار، وعلى هذا فلا يقطع لهم بشيء لا بجنة ولا بنار، وإنما يقال فيهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم بما كانوا عاملين) ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في الجزء الرابع صفحة (303) من مجموع الفتاوى هذا البحث المتعلق ببيان أحوال أولاد المشركين، والأقوال التي قيلت فيهم، وأن أصح شيء فيها هو: عدم القطع والبت في أحد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (سئل رسول الله عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)

    قوله:
    [أخبرنا إسحاق].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المعروف بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وقد وصف أنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وهو ثقة، فقيه.
    [حدثنا سفيان].
    سفيان هو: ابن عيينة وقد مر ذكره.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا جاء سفيان مهملاً يروي عن الزهري فالمراد به: ابن عيينة، هكذا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وقال في موضع آخر: إن الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، فإذا جاء سفيان غير منسوب يروي عن الزهري فإنه يحمل على ابن عيينة.
    [عن عطاء بن يزيد الليثي].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه: عبد الرحمن بن صخر الدوسي وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، ومن المعلوم أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر في السنة السابعة، وأن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لازمه بمكة والمدينة، لكن الذي نقل عن أبي هريرة أكثر مما نقل عن غيره، ومن أسباب ذلك عدة أمور:
    منها: أن أبا هريرة كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأخذ عنه وعن الصحابة، ومن المعلوم أن مراسيل الصحابة إذا أخذوا عن بعضهم ولم يذكروا الواسطة فهي حجة، فهو يأخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويأخذ عن غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فملازمته للنبي عليه الصلاة والسلام هي من أسباب كثرة حديثه.
    ومنها: الدعاء الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحفظ، حفظ السنة، وكان هذا من الأسباب.
    ومن أسباب ذلك كونه عمّر، وعاش دهراً طويلاً، وكان ساكناً في المدينة، والمدينة يفد إليها الناس، ويمرون بها، ويقصدونها، ومن المعلوم أن من يكون فيها من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ويأتي الناس إلى المدينة يحرصون على أن يلقوه وأن يأخذوا عنه، فلهذه الأسباب كثر حديثه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    حديث: (أن النبي سئل عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا الأسود بن عامر حدثنا حماد عن قيس هو: ابن سعد عن طاوس عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله: [(سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)] فهو مثل الذي قبله تماماً.
    قوله:
    [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].
    هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا الأسود بن عامر].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد].
    هو حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن قيس وهو: ابن سعد].
    قيس وهو: ابن سعد، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وكلمة: (قيس هو: ابن سعد) الذي قالها هو من دون حماد بن سلمة.
    [عن طاوس].
    هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (سئل رسول الله عن أولاد المشركين ..) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: خلقهم الله حين خلقهم، وهو يعلم بما كانوا عاملين)].أورد النسائي حديث ابن عباس وهو: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال: خلقهم الله يوم خلقهم وهو يعلم بما كانوا عاملين)] يعني: أن كل ذلك مقدر، وأن الله تعالى علم ما سيكون منهم، وهو مثل حديث أبي هريرة بقوله: (الله أعلم بما كانوا عاملين).

    تراجم رجال إسناد حديث: (سئل رسول الله عن أولاد المشركين ..) من طريق ثالثة

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو العنزي البصري الملقب بـالزمن، وكنيته: أبو موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله في ذلك محمد بن بشار الملقب بندار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء ثلاثة كل منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، وقد ماتوا في سنة واحدة وهي سنة (252) بعد وفاة البخاري بأربع سنوات.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وقد قال فيه الذهبي في كتابه، في ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل لما ذكر يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي قال: أنهما إذا وثقا شخصاً فإنه يعول على توثيقهما وقال: وإذا اتفقا على جرح شخص فإنه لا يكاد يندمل جرحه، معناه: أنهما يصيبان في قولهما الهدف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بشر].
    هو أبو بشر جعفر بن إياس بن أبي وحشية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن جبير].
    ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عن ابن عباس، وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين مر ذكرهم آنفاً.

    حديث: (سئل النبي عن ذراري المشركين..) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا مجاهد بن موسى عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذراري المشركين أي: الذرية، فقال: (الله أعلم بما كانوا عاملين) وهو نفس الحديث الذي جاء عن أبي هريرة في الطريق السابقة: (الله أعلم بما كانوا عاملين).
    قوله: [أخبرنا مجاهد بن موسى].
    ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن هشيم].
    هو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس، والإرسال الخفي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    والتدليس هو: رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع، وأما المرسل الخفي فهو: أن يروي عمن عاصره ولم يلقه شيئاً، فلتوهم المعاصرة يظن أن فيه اتصالاً؛ لكنه مع ذلك هو مرسل، فالفرق بين التدليس والإرسال الخفي: أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاءه إياه، وأما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي؛ لأن في المرسل إذا كان بينه وبينه مسافة، وأنه أي: الراوي أو التلميذ أو الذي روى ولد بعد وفاة المروي عنه وكان بينه وبينه زمن طويل فهذا إرسال جلي، لكن إذا كان معاصراً له وما عرف أنه لقيه ثم روى عنه فإنه يكون مرسلاً خفياً، فـهشيم بن بشير الواسطي كثير التدليس والإرسال الخفي.
    [عن أبي بشر عن سعيد عن ابن عباس].
    أبو بشر وسعيد بن جبير وابن عباس قد مر ذكرهم.

  3. #343
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (340)

    - (باب الصلاة على الشهداء) إلى (باب الصلاة على المرجوم)

    للشهيد منزلة عند الله ولذلك خصه بأمور كثيرة منها: أنه لا يغسل ولا يكفن، أما الصلاة عليه فيجوز فعلها وتركها، وتركها إكراماً له ليس من باب الزجر والردع كما هو الحال في الزاني المحصن المرجوم، الذي يكون في ترك الصلاة عليه أحياناً زجر للناس حتى لا يقعوا فيما وقع فيه.
    الصلاة على الشهداء

    شرح حديث: (... ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: اللهم، هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على الشهداء.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن ابن جريج أخبرني عكرمة بن خالد أن ابن أبي عمار أخبره عن شداد بن الهاد رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبياً، فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه فقال: ما هذا، قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا، قال: قسمته لك، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا -وأشار إلى حلقه- بسهم فأموت فأدخل الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: إن تصدق الله يصدقك، فلبثوا قليلاً، ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟ قالوا: نعم، قال: صدق الله فصدقه، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً، أنا شهيد على ذلك)].
    يقول النسائي رحمه الله: الصلاة على الشهداء.
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: الصلاة على الجنازة، وعلى أن الميت يصلى عليه، وصلاة الجنازة فرض كفاية إذا قام عدد من الناس بالصلاة عليه تأدى ذلك الفرض الواجب، وليست فرض عين ولا مستحبة فقط، بل لابد من وجودها، ويحصل القيام بهذا الواجب بحصول الصلاة عليه من بعض الناس، وكلما كثر عدد المصلين عليه فهو خير للإنسان؛ لأنهم يدعون له ويستغفرون له، وهناك أناس من الموتى لا تجب عليهم الصلاة، بل يجوز أو يشرع الإتيان بها ويجوز تركها، ومن هؤلاء الشهداء، فقد عقد النسائي ترجمتين إحداهما: في الصلاة عليهم، والثانية: في ترك الصلاة عليهم، وهذا فيه: إشارة إلى أن الصلاة عليهم إذا أتي بها وحصلت فذلك خير، وإن لم تفعل فإن ذلك ليس بلازم، وليس بواجب، وهذا هو مقصود النسائي من إيراد الترجمتين، الترجمة الأولى الصلاة على الشهداء.
    فقد أورد النسائي حديث شداد بن الهاد رضي الله تعالى عنه، أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وآمن به واتبعه وقال: أهاجر معك، فهاجر وأوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه به، ولما حصل سبياً جعل له نصيباً من ذلك، وأعطاه بعض أصحابه ليعطوه إياه، وكان يرعى ظهرهم، يعني: يرعى الإبل والدواب لهم، فلما جاء أعطوه ما خصه به رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ما هذا يا رسول الله؟! قال: قسم قسمته لك، قال: ما على هذا اتبعتك! يعني: أنا ما اتبعتك لأحصل شيئاً ولتعطيني شيئاً من الدنيا، وإنما بايعتك لأجاهد معك ولأرمى إلى ها هنا، وأشار إلى حلقه بسهم، يعني: أرمى بسهم في سبيل الله، فأموت بسبب ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: [(إن تصدق الله يصدقك)] أي: إن تكن صادقاً فيما قلت وفيما أردت، فالله تعالى يحقق لك ما تريد، وينجز لك ما أردت، فما لبثوا إلا أن فزعوا إلى قتال عدو، فكان من جملتهم فأصابه سهم في المكان الذي أشار إليه من حلقه فمات، فجيء به إلى النبي عليه الصلاة والسلام محمولاً وقال: أهو هو؟ يعني: أهو ذاك الشخص الذي جرى بيني وبينه الكلام، ثم أصيب في هذا المكان الذي أشار إليه من حلقه، قالوا: نعم، قال: [(صدق الله فصدقه)].
    وهذا إشارة إلى قوله أولاً: [(إن تصدق الله يصدقك)] فصدق الله فصدقه، ثم صلى عليه وهذا هو محل الشاهد، صلى عليه أي: على هذا الذي استشهد وعلى هذا الذي قتل في سبيل الله، وهذا هو محل الشاهد.
    وفيه: الدلالة على مشروعية الصلاة على الشهداء، ولكنها ليست بلازمة، وليست متحتمة كتحتمها على غير الشهداء؛ لأنه جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يدل على ترك الصلاة عليهم، فدل على أنها مشروعة، وأنها ليست بلازمة، وليست بمتحتمة.
    قوله: [(ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم)].
    أي: ثم كفنه صلى الله عليه وسلم في جبته عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن الشهداء يكفنون في ثيابهم، فهذا كُفن بالإضافة إلى ثيابه، وكونه كفن بجبة النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا فيه فضل، وفيه التبرك بما لبسه النبي عليه الصلاة والسلام.
    قوله: [(ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من صلاته: اللهم، هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً، أنا شهيد على ذلك) ].
    وهذا يدلنا على فضل هذا الرجل، هذا الأعرابي الذي هاجر مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحرص على الشهادة في سبيل الله، وحقق الله تعالى له ما أراد، وأثبت ذلك له رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال: إنه قتل شهيداً في سبيل الله، وأن النبي عليه الصلاة والسلام شهيد على ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: اللهم، هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً ...)

    قوله:
    [أخبرنا سويد بن نصر].
    هو المروزي وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [أنبأنا عبد الله].
    هو ابن المبارك، وسويد بن نصر إذا جاء يروي عن عبد الله غير منسوب فالمراد به: ابن المبارك، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة ثبت جواد مجاهد، قال عنه الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر جملة من صفاته في التقريب: (جمعت فيه خصال الخير)، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي، وهو ثقة فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عكرمة بن خالد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أن ابن أبي عمار أخبره].
    هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن شداد بن الهاد].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه النسائي وحده.

    شرح حديث: (أن رسول الله خرج يوماً فصلى على أهل أُحد صلاته على الميت ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم)].أورد النسائي حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام خرج إلى شهداء أحد فصلى عليهم في تلك المعركة صلاته على الأموات، ثم انصرف إلى المنبر وقال: [(أنا فرطكم، وأنا شهيد عليكم)] والفرط هو: الذي يتقدم قومه ليهيئ لهم المكان، وليرتاد لهم المكان، وقد جاء في بعض الحديث أنه فرطهم على الحوض، يعني: أنه يتقدمهم.
    قال [(وأنا شهيد عليكم)] المقصود بذلك أنه شهيد لهم، والمقصود من الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على أهل أحد، وجاء في بعض الروايات أنه صلى بعد ثمان سنين، وكان ذلك قبيل موته صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الروايات أنه كالمودع للأحياء والأموات، وجاء في بعض الروايات أن الصحابي الذي روى الحديث قال: إن هذه آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لما كان على المنبر، ففي بعض الروايات أنه قال كالمودع للأحياء والأموات، يعني: أنه صلى عليهم، ودعا لهم، واستغفر لهم، وكان ذلك توديعاً للأموات كما أنه ودع الأحياء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ثمان سنين من خصائصه عليه الصلاة والسلام، ليس لأحد أن يصلي بعد مضي مثل هذه المدة، وإنما الميت يصلى عليه بعد دفنه بمدة وجيزة، من لم يصل عليه يصلي عليه بعد دفنه بمدة وجيزة، لكن بعد هذه المدة الطويلة التي هي ثمان سنوات، فهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
    ثم إن ما جاء في الحديث أنه كالمودع للأحياء والأموات، وأنه يستغفر لهم، وأنه يدعو لهم هذا فيه: دليل على أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يطلب منه شيء في قبره، لا دعاء ولا استغفار، وأنه لا يحصل منه شيء من ذلك بعد وفاته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وإنما دعاؤه، واستغفاره حال حياته عليه الصلاة والسلام، ولا يكون ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء أنه قال كالمودع، ولو كان يستغفر ويدعو بعد وفاته ما كان هناك حاجة إلى التوديع بالدعاء والاستغفار، وإنما يدعو لهم بعد ما يموت ويستغفر لهم بعد ما يموت، لو كان الأمر كذلك، وقد جاء أيضاً ما يدل على هذا الذي يستفاد من هذا الحديث، وهو: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كما جاء في صحيح البخاري في كتاب المرضى: باب قول المريض: وا رأساه، فإنها لما قالت: (ورأساه، قال: لو كان ذاك وأنا حي دعوت لك واستغفرت لك) معناه: أنها لو ماتت، وسبقته في الوفاة فإنه يدعو لها، ويستغفر لها، فهذا الذي يدل عليه الحديث هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يستغفر في حياته؛ لأنه لو كان الاستغفار في الحياة وبعد الممات ما لم يكن هناك حاجة إلى أن يقول: لو مت قبلي دعوت لك، واستغفرت لك، يعني: سواء أن تسبقه أو يسبقها فيستغفر لها بعد موته لو كان الأمر كذلك، لكنه قال: (لو كان ذاك وأنا حي، دعوت لك واستغفرت لك).
    فإذاً: هذا الذي جاء في الحديث من كونه صلى الله عليه وسلم صلى على الأموات إنما هو كما جاء في بعض الروايات كالمودع لهم، وكان ذلك بعد ثمان سنوات، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، أما في قصة الرجل الذي تقدم، وأن الرسول صلى عليه، فهذا يدل على أن الشهيد يشرع أن يصلى عليه، لكنه لا يجب، ولا يتحتم كما يتحتم على غيره ممن لم يأت فيه نص يدل على ترك الصلاة عليه، فالذي جاء في النص يدل على الفعل، والترك يدل على أن الفعل ليس بلازم وإنما هو مستحب، وأنه إن ترك فإنه لا بأس بذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله خرج يوماً فصلى على أهل أُحد صلاته على الميت ....)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو ابن سعد المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد].
    هو ابن أبي حبيب المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الخير].
    هو: مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عقبة بن عامر].
    هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    ترك الصلاة عليهم


    شرح حديث: (كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ... ولم يصل عليهم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك الصلاة عليهم. أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنه أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، قال: أنا شهيد على هؤلاء، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ترك الصلاة عليهم، وأورد فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه في قصة قتلى أحد، وأنه كان يجمع بينهم في ثوب واحد، المقصود من ذلك معلوم أنهم يدفنون في ثيابهم، ولكن المقصود من كونه يجمع بينهم في ثوب واحد فيما إذا كان الإنسان قد تمزقت ثيابه وتقطعت، ولم يبق ما يكفن به وما يستره، فإنه يكفن بشيء خارج عن ثيابه التي عليه، وإذا وجد أكفان تكفي لكل واحد يكفن كل واحد على حده بما يكفيه، وإذا لم يوجد فإن الثوب الواحد الذي يكفي للشخص الواحد. فإنه يقطع ويقسم على أشخاص بما يستر به العورة، ثم يوضع على البقية شيء من النبات الذي يغطى به، ويوارى سائر الجسد، وقد قيل في المقصود في ثوب واحد أنه ليس معنى ذلك أنهم يلفون في ثوب واحد ويكون كفناً لهم جميعاً، وإنما المعنى أن الثوب الواحد يكون لعدد ويكون للاثنين بحيث يقطع قطعتين، فبدل ما يكفي لواحد يكون يكفي لاثنين، لكن لا يكفي الكفاية التامة، وإنما يستر به عورته وما يليها ورأسه، وما يبقى بعد ذلك فإنه يوضع عليه شيء من النبات الذي يوارى به الجسد.
    ثم إنه يسأل ويدفنهم في قبر واحد، وفي لحد واحد، فكان يسأل عن من يكون أكثرهم حفظاً للقرآن وجمعاً للقرآن، فإذا أشير إليه، قدمه في اللحد، أي: قدم من يكون أكثر قراءة للقرآن، ومن يكون أكثر حفظاً للقرآن فيقدمه على غيره، ثم إنه أمر بدفنهم في ثيابهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم، لم يغسلوا لأنه مطلوب في الشهيد أن يكون في دمائه، وأن تكون هذه علامة له يوم القيامة وشهادة له بذلك العمل الذي عمله، فلهذا يدفن في دمائه وفي ثيابه، ولم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ترك الصلاة عليهم على أن الصلاة على الشهداء ليست بمتحتمة، ولكنها سائغة ومشروعة، كما دل عليه الحديث الأول الذي هو حديث الأعرابي الذي قتل في سبيل الله عز وجل، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ... ولم يصل عليهم)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث].
    قتيبة عن الليث وقد مر ذكرهما.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة فقيه، وإمام جليل، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين لقوا صغار الصحابة وأدركوا صغار الصحابة.
    [عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أن جابر بن عبد الله أخبره].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي ابن صحابي، وأبوه عبد الله بن حرام ممن استشهد يوم أحد رضي الله تعالى عنه، وكان دفن في مكان المعركة، ولكن جاء في بعض الروايات الصحيحة أنه كاد أن يجترفه السيل، وقرب منه الوادي فانحصر قريباً منه، وخشي أن يصل إليه وأن يجترفه السيل، فنبشه ابنه بعد ستة أشهر من دفنه ووجده كما كان لم يتغير جسده، بل وجده على الهيئة التي وضعوه عليها، وهذا لا يدل على أن الشهداء يبقون إلى يوم البعث والنشور على هيئتهم؛ لأنه ما جاء شيء يدل على ذلك، وإنما الذي جاء في حقهم أنهم يبقون هم الأنبياء: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، وأما الشهداء فلم يرد فيهم شيء، لكن وجد في بعض الصور مثل هذه الصورة أنه بعد ستة أشهر من دفنه وجد على هيئته ولم يتغير جسده رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فيجوز أن يبقى على هذه الحال ويجوز أن يتغير بعد ذلك، فلا يقطع لأحد بأن يبقى جسده كما كان عند الدفن إلا للأنبياء صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم.


    ترك الصلاة على المرجوم

    شرح حديث: (أن رجلاً من أسلم جاء إلى النبي فاعترف بالزنا ... ولم يصل عليه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ترك الصلاة على المرجوم.أخبرنا محمد بن يحيى ونوح بن حبيب قالا: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: (أن رجلاً من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه، ثم اعترف فأعرض عنه، ثم اعترف فأعرض عنه، حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبك جنون، قال: لا، قال: أحصنت، قال: نعم، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم، فلما أذلقته الحجارة فر فأدرك، فرجم فمات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً ولم يصل عليه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ترك الصلاة على المرجوم، يعني: الذي رجم بالحجارة حداً، الذي هو حد الزنا؛ لأن الرجم بالحجارة هو حد الزنا للمحصن، وأما البكر فحده جلد مائة وتغريب عام، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكما جاء القرآن في حده من حيث الجلد.
    وجاءت السنة في إضافة التغريب إلى الجلد، فالمرجوم يعني: المحصن الذي زنى وقد سبق له الزواج، وحصل له هذه النعمة، واستفاد من هذه النعمة، فإن عقوبته أشد من عقوبة من لم يذق هذه النعمة، أي: من لم يحصل له الزواج، فجاء في السنة الصلاة على المرجوم، وترك الصلاة على المرجوم، فدل هذا على أن أهل الفضل أو من لهم شأن ومنزلة ينبغي أن يحصل منهم التخلف وترك الصلاة عن بعض أصحاب المعاصي، حيث يكون هناك فائدة ومصلحة في الزجر والردع عن الوقوع في مثلها، وإن كانت الحدود إذا أقيمت على من حصلت منهم الأمور الكبيرة التي عليها حدود، فإنها تكون كفارة لهم بها، بحيث تكون عقوبتهم عليها هي هذه العقوبة التي عوقبوا عليها في الدنيا فلا يعاقبون عليها في الآخرة، لا يعاقبون على هذا الشيء الذي وقعوا فيه، وأقيم عليهم الحد.
    ولهذا فإن إقامة الحدود عند أهل السنة تعتبر جوابر وزواجر، بمعنى: أنها تجبر النقص، وأن الذنب الذي حصل منه كفرته هذه العقوبة التي هي إقامة الحد، فلا يؤاخذ في الآخرة بسبب هذه العقوبة التي حصلت له على هذا الذنب الذي قد حصل وعوقب عليه بهذه العقوبة.
    وهذا خلاف الخوارج الذي يقولون: إن الحدود ليست جوابر بل هي زواجر فقط، ويعتبرون أن الإنسان إذا مات من غير توبة فإنه خالد مخلد في النار، ويحكمون عليه بالكفر إذا حصلت منه الكبيرة ولم يتب منها، فيكون كافراً في الدنيا، وإذا مات يكون خالداً مخلداً في النار، وعندهم الحدود زواجر فقط وليست جوابر، وأهل السنة عندهم الحدود جوابر وزواجر في آن واحد.
    فهذه المسألة عندما يسأل فيها ويقال: هل الحدود زواجر أو جوابر؟ لا يصلح أن يقال فيها جوابر أو زواجر فقط، بل يقال: الاثنين مع بعض جوابر وزواجر، لا يقال: هي جوابر فقط، ولا يقال: هي زواجر فقط، بل هي جوابر وزواجر في آن واحد، فهي جوابر لحصول النقص, وأيضاً تزجر صاحبها إذا بقي على قيد الحياة مثل السارق الذي تقطع يده فإنها تزجره أن يعود مرة أخرى، وأيضاً تزجر غيره من أن يقع فيما وقع فيه فتقطع يده، وإذا كانت حداً يكون فيه الموت كالرجم فإنها تكون زواجر للآخرين، وهي جابرة لهذا الذي وقع منه الذنب أو الكبيرة التي عوقب عليها بهذا الحد، وقد جاء ذلك مبيناً من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديث عبادة بن الصامت في الصحيحين: (من أصاب من هذه الحدود شيئاً كان كفارة له، ومن ستره الله فأمره إلى الله عز وجل) فإن أقيم عليه الحد كانت كفارة له، ومن ستره الله عز وجل ولم يحصل له إقامة حد فأمره إلى الله سبحانه وتعالى، يعني: من لم يقم عليه حد ولم يعلن بكبيرته وجرمه، ولم يقام عليه الحد فأمره إلى الله سبحانه وتعالى، هكذا جاء الحديث في ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    إذاً: فالحدود -كما قلت- هي جوابر وزواجر، فليست جوابر فقط ولا زواجر فقط.
    وهذه من الأسئلة التي إذا سئل عنها هل هي كذا وكذا، لا يصلح الجواب أن يقال فيها بواحد، وإنما يصلح الجواب بالاثنين، وهذا أيضاً من جنس السؤال الذي يكون مشابهاً لهذا، وهو مسألة هل الإنسان مسير أو مخير، فلا يصلح أن يقال: هو مسير فقط، ولا مخير فقط، وإنما يقال: هو مسير ومخير كله مع آن واحد، فهو مسير باعتبار ومخير باعتبار، هو مسير بحيث لا يقع منه إلا شيئاً قد قدره الله، ومخير بمعنى أن له إرادة ومشيئة، وأنه أقدم على ما حصل منه بمشيئته وإرادته، لكن هذا الذي فعله لا يخرج أن يكون حصل بمشيئة الله وإرادته كما قال الله عز وجل: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )[التكوير:29]، فالعبد له مشيئة ومشيئته تابعة لمشيئة الله سبحانه وتعالى.
    وهذا الحديث الذي معنا وهو حديث جابر بن عبد الله في قصة ماعز رضي الله عنه، وأنه جاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، واعترف بالزنا، وأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال له: أحصنت، يعني: هل تزوجت، فقال: نعم، فأمر به فرجم، وفي آخره أنه لم يصل عليه، وفائدة ترك الصلاة عليه كما ذكرت هي الزجر، وأنه ينبغي لأهل الفضل ومن لهم شأن أن يتخلفوا في الصلاة على بعض أصحاب المعاصي حتى يحصل الارتداع من أصحاب المعاصي لئلا يقعوا فيما وقع فيه من لم يصل عليه، فلا يصلى عليه كما لم يصل على ذاك الذي تركت الصلاة عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رجلاً من أسلم جاء إلى النبي فاعترف بالزنا ... ولم يصل عليه)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن يحيى].
    يحتمل أن يكون الذهلي، ويحتمل أن يكون ابن أبي عمر العدني، والنسائي قد روى عن عدد ممن يقال لهم: محمد بن يحيى، لكن عبد الرزاق الذي روى عنه ممن يسمون بـمحمد بن يحيى اثنان، وهما محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني شيخ مسلم، وصاحب كتاب الإمام، ومحمد بن يحيى الذهلي، فيحتمل هذا ويحتمل هذا؛ لأن صاحب تحفة الأشراف ما زاد على محمد بن يحيى شيئاً، وكذلك في السنن الكبرى ليس فيه ذكر زيادة توضح من هو محمد بن يحيى، لكن الذين رووا عن عبد الرزاق كما في تهذيب الكمال ممن يسمون بـمحمد بن يحيى هذان الاثنان، وهما محمد بن يحيى الذهلي روى له البخاري، وأصحاب السنن، وهو ثقة، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني هو صدوق، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ما خرج له البخاري، ولا أبو داود فيحتمل هذا ويحتمل هذا، وسواء يكون هذا أو هذا لا إشكال.
    ثم أيضاً الحديث عن شخص آخر، يعني: أيضاً له قرين، وله شريك في هذا الإسناد؛ لأن النسائي رواه عن شيخين محمد بن يحيى، ونوح بن حبيب، وسواء يكون محمد بن يحيى هذا أو هذا، كل منهما محتج به، ومعه أيضاً نوح بن حبيب.
    [نوح بن حبيب]
    وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة حافظ مصنف، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معمر].
    هو ابن راشد البصري، نزيل اليمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن الستة من فقهاء المدينة السبعة متفق على عدهم الفقهاء السبعة، والسابع منهم فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله وقد مر ذكره.


    الصلاة على المرجوم

    شرح حديث: (... فشكت عليها ثيابها ثم رجمها ثم صلى عليها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على المرجوم.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه: (أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني زنيت وهي حبلى، فدفعها إلى وليها فقال صلى الله عليه وسلم: أحسن إليها، فإذا وضعت فائتني بها، فلما وضعت جاء بها فأمر بها، فشكت عليها ثيابها، ثم رجمها ثم صلى عليها، فقال له عمر رضي الله عنه: أتصلي عليها وقد زنت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل؟!)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الصلاة على المرجوم، وأورد فيه حديث الجهنية التي زنت، وجاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا، وطلبت منه أن يقيم عليها الحد، فدفعها إلى وليها وقال: أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها، ثم لما أتي بها عليه الصلاة والسلام بعد أن وضعت وبعد أن كبر ولدها، (أمر بها فشكت عليها ثيابها) يعني: حزمت عليها، وربطت حتى لا تنكشف، وحتى لا تتكشف عندما ترمى بالحجارة، فأمر بها فرجمت، ثم صلى عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو محل الشاهد من الصلاة على المرجوم، فقال عمر رضي الله عنه: (أتصلي عليها وقد زنت، فقال: لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل رأيت توبة أعظم من أن جادت بنفسها لله عز وجل) يعني: كونها جاءت واعترفت وأرادت أن تقتل لكونها وقعت في ذلك الجرم، وتريد أن يحصل لها ذلك الحد الذي يكون فيه تطهيرها من جرمها (وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل) يعني: رخصت نفسها عليها تريد أن تطهر، وأن تتخلص من مغبة ذلك الجرم الذي وقعت فيه ألا وهو الزنا، فهذا يدل على الصلاة على المرجوم، وعلى صاحب الكبيرة إذا أقيم عليه الحد أنه يصلى عليه، لكن إذا تركت الصلاة من بعض أهل الفضل لما يترتب على ذلك من الزجر، والردع لأمثالهم من الناس، حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه فإن ذلك فيه فائدة ومصلحة، لكن قال بعض العلماء: ينبغي أيضاً مع هذا أن يدعو له، يعني: وإن لم يصل عليه فإنه يدعو لذلك الذي لم يصل عليه، حتى يكون قد جمع بين الإحسان إلى الميت وإلى ما أريد من زجر الناس بأن يقعوا في مثل ما وقع فيه هذا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فشكت عليها ثيابها ثم رجمها ثم صلى عليها ...)

    قوله:
    [عن هشام].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة ثبت، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قلابة].
    هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي الكوفي، وهو ثقة، يرسل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي المهلب].
    هو الجرمي، واسمه عمرو وهو عم أبي قلابة، وهو ثقة، أخرج البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمران بن حصين].
    هو عمران بن حصين أبي نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الأسئلة

    زيادة العقوبة بما لم يفعل الإنسان

    السؤال: هل يعاقب الإنسان على زيادة ما فعل؟

    الجواب: يمكن والله تعالى أعلم أنه فيما إذا كانت الحدود تتعلق بشيء غير الشيء الذي قتلوا من أجله، يعني: مثلاً يكون قد حصل منهم أمور كقطع الطريق، وما يحصل منهم من الأمور الكثيرة من إيذاء الناس، وقد يكون ذلك ما يتعلق بحقوق للناس باقية عليهم لم يؤدوها، فتكون تلك العقوبة لغير الجرم الذي عوقب عليه؛ لأنه كما هو معلوم قطع الطريق عدة جرائم تكون فيه، يكون فيه القتل، وفيه النهب، وفيه الترويع، وفيه كذا وفيه كذا، فيمكن والله أعلم أن يكون هذا هو الذي فيه ذكر العذاب في الآخرة.

    المقصود من ترك الصلاة على المرجوم والصلاة عليه

    السؤال: ما المقصود من ترك الصلاة على المرجوم والصلاة عليه؟

    الجواب: كما قلنا: لعل الفرق بينهما أن هذا يقصد الزجر للناس: في ترك الصلاة عليه، ومن المعلوم أن الذنب الذي قد حصل منه، قد كفر له بتلك التوبة التي قد حصلت منه وبذلك الحد، حتى ولو لم يتب، فإنه يكون مكفراً له بذلك الحد.
    وكما قلت الرسول فعل هذا، وفعل هذا فدل على أنه يصلى عليهم، وأنه يجوز ترك الصلاة على بعض أصحاب الحدود.

    العلة في تقديم الزانية على الزاني في آية النور

    السؤال: لماذا قدمت الزانية على الزاني في آية النور؟


    الجواب: لأن المرأة فيما يتعلق بالزنا أخطر من الرجل، فالزنا في حق المرأة أخطر من الرجل؛ ولهذا قدمت الزانية على الزاني (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي )[النور:2] بخلاف السارقة: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ )[المائدة:38] قدم السارق؛ لأنه قد يكون الإنسان مثلاً بحاجة إلى أن يسرق فقد يدفعه إلى السرقة كونه في حاجة شديدة، وهو يكسب له ولغيره، وأما المرأة فيما يحصل منها من الزنا فهو أعظم مما يحصل للرجل؛ لأن فيه تلويث الفراش، واختلاط الأنساب، وإدخال على الناس ما ليس منهم، فالمرأة في باب الزنا هي أخطر من الرجل؛ ولهذا قدمت الزانية على الزاني في قوله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة )[النور:2].

    الدليل في خصوصية رسول الله بالصلاة على القبر بعد فترة طويلة

    السؤال: حفظكم الله، ذكرتم فيما سبق أن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، وذكرتم في الصلاة على الميت بعد فترة طويلة أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ما الدليل على ذلك؟


    الجواب: الدليل عليه أنهم قالوا: كالمودع للأحياء والأموات، فهذا يدل على أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.


  4. #344
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (341)

    - (باب الصلاة على من يحيف في وصيته) إلى (باب الصلاة على من عليه دين)

    امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على من غلّ من الغنيمة، وهمّ أن لا يصلي على من أعتق مملوكيه فلم يترك لورثته شيئاً، أما من مات وعليه دين فقد صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل الوفاء عليه.
    الصلاة على من يحيف في وصيته

    شرح حديث: (... لقد هممت أن لا أصلي عليه ...) في الذي أعتق ستة مملوكين له عند موته

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على من يحيف في وصيته.أخبرنا علي بن حجر حدثنا هشيم عن منصور وهو: ابن زاذان عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه (أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته، ولم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب من ذلك وقال: لقد هممت أن لا أصلي عليه، ثم دعا مملوكيه فجزأهم ثلاثة أجزاء، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة)].
    يقول النسائي رحمه الله: الصلاة على من يحيف في وصيته. مراد النسائي من هذه الترجمة أن من يحيف في وصيته يرتكب ذنباً، وقد هم النبي عليه الصلاة والسلام على أن لا يصلي على من حصل منه ذلك الحيف، ومن المعلوم أن الوصية إنما تكون بعد الموت، وتكون في حدود الثلث فأقل، ولا تكون بأكثر من الثلث، وقد أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، في قصة الرجل الذي له ستة أعبد ليس له مال غيرهم، فأعتقهم عند موته، فيحتمل أن يكون هذا العتق على أنه وصية، وأنه أوصى بأنه إذا مات فإنهم عتقاء، وهذا هو الذي يقتضيه أو يشير إليه النسائي في الترجمة حيث قال: يحيف في الوصية، ويحتمل أن يكون ذلك في مرض الموت المخوف، وأنه أعتقهم في مرض موته.
    ومن المعلوم أنه إذا حصل التصرف في مرض الموت المخوف، فإن هذا فيه تهمة في حرمان الورثة وعدم تمكينهم مما يستحقونه، ومما شرعه الله عز وجل لهم من الميراث، ولكن ترجمة النسائي وإيراد الحديث تحتها يعني: كأن العتق إنما هو وصية، معناه: أنه يكون بعد موته يعتقون، والرسول صلى الله عليه وسلم لما بلغه صنيع ذلك الرجل غضب، وقال: (لقد هممت أن لا أصلي عليك) لكونه حاف في الوصية، ولكونه تصرف هذا التصرف الذي هو على خلاف الشرع، وخلاف ما جاءت به الشريعة، ثم إنه لم يقره على ذلك التصرف بل جزأهم ثلاثة أجزاء، يعني: جعلهم ثلاثة أثلاث؛ لأنهم ستة اثنين، اثنين، اثنين، [(ثم أقرع بينهم، فأرق أربعة وأعتق اثنين)]، يعني: حصل العتق في حدود الثلث، وبقي أربعة يكون المال الذي يورث عنه، فكونه جزأهم هذه التجزئة ليبين من يكون الثلث، ثم لما كان العتق حصل منه للجميع، ولم يسلم ولم يتم هذا الذي حصل أو الذي أراده، وإنما يتم في حدود الثلث، لم يكن هناك اختيار لأربعة أو لاثنين منهم يعتقون، والباقين يبقون أرقاء، وإنما حصل ذلك عن طريق القرعة، حيث جزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم، فمن خرجت له القرعة بأن يعتق عتق، ومن خرجت له القرعة بأن يبقى رقيقاً بقي رقيقاً.
    هذا هو الذي فعله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع هذا الرجل الذي أعتق الجميع، لكونه تصرف تصرفاً غير صحيح، وعمل عملاً لم يقر عليه، بل ألغي ما أراده من إعتاق الجميع، وتحقق العتق لاثنين منهم، أي: في حدود الثلث، ولم يكن إعتاق اثنين منهم عن طريق أن يختار اثنان، وإنما عن طريق القرعة؛ لأنهم متساوون، والقرعة مشروعة إذا حصل تساوي، فإنها تميز القرعة من يستحق التقديم حيث يكونون متماثلين، ومتساوين فإن القرعة هي التي تميز، والقرعة جاءت بها السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في أحاديث، هذا واحد منها.
    وقد ذكر الشوكاني في نيل الأوطار في الجزء الخامس صفحة (268) بأن القرعة جاءت في آيتين من القرآن، وخمسة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الأحاديث ومنها: هذا الحديث، ومنها: حديث إقراع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه إذا أراد أن يسافر، وحديث: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه) أحاديث خمسة جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وآيتان هما ما جاء في قصة مريم: (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ )[آل عمران:44] وفي قصة يونس: (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ )[الصافات:141] فساهم يعني: صار قرعة حتى يعرف من الذي يلقى في البحر، فوقعت عليه القرعة، فألقي في البحر، فالتقمه الحوت، فجاءت القرعة في القرآن في موضعين وجاءت في السنة في خمسة مواضع.
    وهذا الذي معنا هو واحد منها، وهو دليل على أن القرعة من الطرق التي يعول عليها في القسمة، حيث يكون التساوي وعدم التفاوت، فالقرعة تميز من يستحق ومن لا يستحق، أو تميز ما يستحقه كل واحد من المشتركين المتساوين في الحقوق.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لقد هممت أن لا أصلي عليه ...) في الذي أعتق ستة مملوكين عند موته

    قوله:
    [أخبرنا علي بن حجر].
    هو علي بن حجر السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا هشيم].
    هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس، والإرسال الخفي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور وهو ابن زاذان].
    هشيم ذكر منصوراً بدون أن ينسبه فقال: منصور، ومن دون هشيم هو الذي قال: (هو ابن زاذان)؛ ليميزه وليوضح من هو هذا الذي أهمل فلم ينسب فقال: (هو ابن زاذان)، وعلى هذا فمثل هذه العبارة يأتي بها من دون التلميذ ليوضح بها ذلك الشخص المهمل الذي أهمله التلميذ ولم ينسبه، وهذه إحدى العبارتين التي يأتون بها فيقول: (هو ابن فلان)، أو يقولون (يعني: ابن فلان)، عبارتان يؤتى بهما لتوضيح الزيادة وأنها ليست من التلميذ فيقال: (هو ابن فلان)، أو يقال: (يعني: ابن فلان)، يعني أي: التلميذ بهذا الشخص المهمل أنه ابن فلان.
    منصور بن زاذان الواسطي أيضاً هو مثل هشيم، وهو ثقة، ثبت، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وذكر في ترجمته أنه كان يقرأ ويسترسل في القراءة، ولا يستطيع أن يتمهل مع رغبته في التمهل، كان يحب أن يرتل وأن يتمهل في القراءة ولكنه لا يستطيع ذلك؛ لأنه اعتاد الإسراع، وذكروا في ترجمته في عبادته، وصلاحه، واستقامته، قال عنه بعض العلماء: (لو قيل لـمنصور بن زاذان أن ملك الموت بالباب ما كان ليزيد شيئاً على ما كان يحصل منه قبل ذلك) يعني: في استقامته، وملازمته للعبادة، وهذا يدل على صلاحه، واستقامته، وعبادته.
    [عن الحسن].
    هو ابن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمران بن حصين].
    هو أبو نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الصلاة على من غل

    شرح حديث: (صلوا على صاحبكم إنه غل في سبيل الله ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على من غل.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى بن سعيد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد رضي الله تعالى عنه قال: (مات رجل بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا على صاحبكم إنه غل في سبيل الله، ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزاً من خرز يهود ما يساوي درهمين)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الصلاة على من غل، أي: غل من الغنيمة، وأخذ شيئاً منها قبل قسمتها؛ لأنها قبل القسمة مشاعة ومشتركة، وإذا قسمت وعرف كل نصيبه، اختص كل بما يخصه وبما يعطاه، فأورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه، أن رجلاً في غزوة خيبر قال النبي عليه الصلاة والسلام صلوا عليه؟
    قوله: [(مات رجل بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا على صاحبكم فإنه غل)].
    يعني: بين السبب في كونه ترك الصلاة عليه ولم يصل عليه وهو غلوله، قال: ففتشوا متاعه، وإذا فيه خرزات من خرز يهود لا تساوي درهمين، يعني: أنها شيء قليل تافه، ولكنه غلول وأخذ لشيء هو لا يستحقه، وهو مشاع، ومشترك للناس الغانمين المجاهدين في سبيل الله.
    ومن المعلوم: أنه كما أشرت من قبل أن أصحاب المعاصي، وأصحاب الكبائر، ومن يحصل منهم أمور كبيرة، إذا تخلف عنهم بعض الناس من ذوي الفضل والمنزلة الطيبة في الصلاة عليهم، من أجل أن يحصل تأديب لأمثالهم حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه، فإن هذا لا بأس به وهو سائغ، وصنيع الرسول صلى الله عليه وسلم يدل عليه، وفيه مصلحة.
    والحديث يتعلق بالغلول وكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة عليه، وأمرهم بأن يصلوا عليه، والحديث ذكره الشيخ الألباني في جملة ما ضعف، وأورده في ضعيف سنن النسائي وقال: إنه ضعيف، وفي إسناده شخص وصف بأنه مقبول، والمقبول هو الذي لا يعول على حديثه إلا إذا توبع، لكن موضوع كون أصحاب الكبائر أو بعض أصحاب الكبائر إذا حصل مصلحة في تخلف بعض أهل الفضل عن الصلاة عليهم بما يترتب على ذلك من الردع، والزجر لأمثالهم.
    وأيضاً هذا المتخلف يمكن أن يدعو دون أن يصلي فيكون بذلك جمع بين الدعاء للميت الذي لم يصل عليه، وبين ما أريد من التأديب وزجر الناس من أن يقعوا في تلك الأمور المحرمة، التي تكون سبباً في امتناع بعض الناس من الذين يرغب ويُحرص على صلاتهم على الميت، فتركهم للصلاة أو تخلفهم عن الصلاة كان فيه مصلحة، من حيث زجر الناس الآخرين أن لا يقعوا فيما وقع فيه ذلك الذي تُخلف عن الصلاة عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (صلوا على صاحبكم إنه غل في سبيل الله ...)

    قوله:
    [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].
    هو عبيد الله بن سعيد السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، الناقد، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    عندنا يحيى بن سعيد القطان البصري، ويحيى بن سعيد الأنصاري المدني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن يحيى بن حبان].
    هو محمد بن يحيى بن حبان، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عمرة].
    هو مولى زيد بن خالد الجهني، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن زيد بن خالد].
    هو زيد بن خالد الجهني صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الصلاة على من عليه دين

    شرح حديث: (... صلوا على صاحبكم فإن عليه ديناً ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على من عليه دين. أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن عثمان بن عبد الله بن موهب سمعت عبد الله بن أبي قتادة يحدث عن أبيه رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل من الأنصار ليصلي عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صلوا على صاحبكم، فإن عليه ديناً، قال أبو قتادة: هو عليّ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بالوفاء، قال: بالوفاء، فصلى عليه)].
    أورد النسائي الصلاة على من عليه دين، يعني: في أنه تترك الصلاة عليه من قبل بعض الناس الذين لهم شأن، ولهم مكانة في النفوس، والذين يحرص على صلاتهم، ويؤثر تخلفهم عن الصلاة على الذي عليه دين، فيؤثر ذلك في الناس بحيث يحذرون من الدين، ويتحرزون منه ولا يستهينون بأمره؛ لأن شأنه عظيم، وحقوق الناس شأنها كبير عند الله عز وجل، وحقوق الله عز وجل مبنية على التسامح، والفضل من الله عز وجل، وأما حقوق الآدميين فهي مبنية على التشاح.
    وأورد النسائي حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، أن رجلاً من الأنصار قدّم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقال: (صلوا على صاحبكم، فإن عليه ديناً) يعني: أنه هم بالتخلف عن الصلاة عليه لكونه عليه دين، ومراده من ذلك: أن لا يتورط الناس بالديون، وألا يستهينوا في أمر الدين، وألا يستمرئوه ولا يهتموا به، بل يحذروا من الوقوع فيه، ولا يقدم الإنسان عليه إلا لضرورة لا بد منها، أما أن يقدم الإنسان عليه في أمور له عنها مندوحة وليس بمضطر إليها، فإن هذا من الاستهانة في حقوق الناس، وتبعة ذلك عظيمة في الدنيا والآخرة، ومن أعظم تبعاته هم النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلف عن الصلاة عليه، لولا أنه تحمل ذلك الدين عنه الصحابي أبو قتادة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    فالحديث ساقه المصنف للاستدلال به على أن المدين والذي عليه دين إذا لم يترك وفاءً، ولم يترك شيئاً يوفى به الدين فإنه، يستحق أن يعامل هذه المعاملة، وأن يكون ذلك ممن له شأن ومنزلة، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحذيراً للناس من الوقوع في تبعة الديون.
    [قال أبو قتادة: هو عليّ].
    وجاء في بعض الروايات أن عليه دينارين، وأن أبا قتادة تحملهما فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما قال له: عليّ [(قال: بالوفاء)]، أي: أنت ملتزم بالوفاء وتحملت هذه التبعة، وتؤدي ذلك عن الميت وتوفيه عن الميت؟ قال: نعم، بالوفاء، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان في هذا التصرف، وبهذا الصنيع، وفي هذا العمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقدم ذلك الصحابي على تحمل ذلك الدين، وصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن التحذير من تحمل الديون الحديث واضح الدلالة عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... صلوا على صاحبكم فإن عليه ديناً ...)

    قوله:
    [أخبرنا محمود بن غيلان].
    هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا أبو داود].
    هو الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود، وهو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عثمان بن عبد الله بن موهب].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [سمعت عبد الله بن أبي قتادة].
    هو عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [يحدث عن أبيه].
    هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (... قال: هل ترك ديناً ... صلوا على صاحبكم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى حدثنا يزيد بن أبي عبيد حدثنا سلمة يعني: ابن الأكوع رضي الله عنه قال: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فقالوا: يا نبي الله، صل عليها، قال: هل ترك عليه ديناً؟ قالوا: نعم، قال: هل ترك من شيء؟ قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم، قال رجل من الأنصار يقال له أبو قتادة: صل عليه، وعليّ دينه فصلى عليه)].أورد النسائي حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وهو يتعلق بقصة الرجل من الأنصار الذي هم النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلف عن الصلاة عليه، وسألهم: هل عليه دين؟ قالوا: نعم، قال: هل ترك شيئاً، يعني: هل ترك وفاءً، هل ترك سداداً؛ لأن الإنسان إذا كان عليه دين، وترك شيئاً يسدد به معناه: أن الدين ينتهي والتبعة تنتهي، قالوا: لا. قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: عليّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مثل الذي قبله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... قال: هل ترك ديناً ... صلوا على صاحبكم ...)

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [ومحمد بن المثنى].
    هذا شيخ آخر للنسائي في هذا الحديث، وهو الملقب الزمن، كنيته أبو موسى بصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فهذان الشيخان للنسائي هما شيخان لبقية أصحاب الكتب الستة، كل من أصحاب الكتب الستة رووا عن هذين الرجلين عمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن المثنى رووا عنهما مباشرة وبدون واسطة.
    [قالا حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان وقد تقدم ذكره.
    [حدثنا يزيد بن أبي عبيد].
    هو: يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سلمة].
    يعني: ابن الأكوع، يعني: يزيد بن أبي عبيد ما عبر عند الرواية عن سلمة إلا بقوله: عن سلمة، ولم يأت بكلمة (ابن الأكوع) وهو مولاه، يعني: يروي عن مولاه سلمة بن الأكوع، فالراوي الذي دون يزيد بن أبي عبيد أراد أن يوضح من هو سلمة فقال: (يعني: ابن الأكوع)، وهذه العبارة الثانية التي قلت: أن العلماء يستعملونها عندما يضيفون شيئاً يميزون به المهمل، مثل (هو ابن زاذان) التي مرت في الحديث الأول، وهنا عبارة (يعني) هي فعل وفاعل، فعل مضارع له فاعل وله قائل، فقائل هذه الكلمة هو من دون يزيد بن أبي عبيد، والفاعل لهذا الفعل ضمير مستتر يرجع إلى يزيد بن أبي عبيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ومولاه سلمة بن الأكوع صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأصحاب رسول الله لا يحتاجون إلى توثيق الموثقين، فأنا أريد من كلمة: هو ثقة، المولى وليس سلمة بن الأكوع، فأصحاب رسول الله لا يحتاجون إلى توثيق الموثقين وتعديل المعدلين بعد أن أثنى عليهم رب العالمين، وأثنى عليهم رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    ولهذا فإن المجهول من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي لا يعرف اسمه سواء يكون مهملاً يعني: يكون مبهماً، بأن يقال عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكفي في قبول الخبر، وقد اتفق العلماء على أن كل واحد من الرواة يحتاج إلى معرفة حاله إلا الصحابة، فإنه لا يسأل عن حالهم، فيكفي عن الشخص أن يقال: أنه صحابي، ولهذا نجد في كتب الرجال عندما يأتي ذكر الشخص يقولون صحابي فقط ولا يزيدون عليها شيئاً، أو يضيفون شيئاً من مناقبه يقولون: شهد بدراً، أو شهد المشاهد كلها، أو شهد أحداً، أو حصل منه كذا وكذا، أما أن يتكلموا عليه ويبينوا عليه شيئاً من حاله من حيث ثقة، وغير ذلك، حتى يعول على حديثه فهذا لا يحتاجون إليه؛ لأن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام هم عدول بتعديل الله عز وجل لهم، وتعديل رسوله الله عليه الصلاة والسلام لهم، وثنائه عليهم.

    شرح حديث: (كان النبي لا يصلي على رجل عليه دين ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا نوح بن حبيب القومسي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل عليه دين، فأتى بميت فسأل: أعليه دين؟ قالوا: نعم عليه ديناران، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة رضي الله تعالى عنه: هما علي يا رسول الله، فصلى عليه، فلما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك ديناً فعلي، ومن ترك مالاً فلورثته)].أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله، لكن فيه زيادات وهو أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل عليه دين، والمقصود من ذلك هو: الزجر من تحمل الديون، والوقوع في تبعة الديون، فأتي برجل ليصلي عليه فقال: هل عليه دين؟ قالوا: عليه ديناران. قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: هما عليّ يا رسول الله، فصلى عليه.
    وهذا الحديث فيه: بيان ما أجمل في الحديثين السابقين من ذكر الدين وأنه ديناران؛ لأن القصة كلها في أبي قتادة، الذي تحمل الدين هو أبو قتادة، فالحديثان الأولان مطلقان، وهذا فيه تحديد الدين، وبيان مقداره، وأنه ديناران، فقال أبو قتادة: هما عليّ يا رسول الله، فصلى عليه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا في أول الأمر، وبعد أن فتح الله عليه، وكثرت الفتوحات، وكثرت الغنائم قال عليه الصلاة والسلام: (من ترك ديناً فعليّ، ومن ترك مالاً فهو لورثته) معناه: أنه إذا خلف مالاً فإنه يورث عنه، وإذا كان عليه دين فإنه يتحمل دينه، ويوفيه عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، من تلك الأموال التي أفاء الله تعالى عليه بها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل عليه دين ...)

    قوله:
    [أخبرنا نوح بن حبيب القومسي].
    هو نوح بن حبيب القومسي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وهو ثقة، حافظ، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري نزيل اليمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة عن جابر].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وهو أبو سلمة هذا، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب هؤلاء الثلاثة فيهم ثلاثة أقوال، من العلماء من جعل السابع أبا سلمة هذا، ومنهم من جعل السابع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ومنهم من جعل السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري صحابي ابن صحابي وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر، وأنس بن مالك وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع.

    حديث: (كان إذا توفي المؤمن وعليه دين... قال: صلوا على صاحبكم ...) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب أخبرني يونس وابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توفي المؤمن وعليه دين سأل: هل ترك لدينه من قضاء؟ فإن قالوا: نعم صلى عليه، وإن قالوا: لا قال صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفى وعليه دين فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة وهو بمعنى حديث جابر بن عبد الله الأنصاري المتقدم.
    قوله:
    [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى].
    هو الصدفي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [أنبأنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وابن أبي ذئب].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره.
    [عن أبي سلمة].
    وقد مر ذكره.
    [عن أبي هريرة].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.


    الأسئلة

    مشروعية دعاء الاستفتاح للإمام والمأموم

    السؤال: هل يلزم المأمومين قراءة دعاء الاستفتاح في الصلاة الجهرية أو يكفيهم الإمام؟


    الجواب: يأتون بالاستفتاح؛ لأنه ما بين التكبير وقبل القراءة فيه سكوت من الإمام، فهم في ذلك الوقت يأتون بالاستفتاح؛ لأن الإمام ساكت يقرأ الاستفتاح فهم يأتون بالاستفتاح.
    وكما هو معلوم، أن دعاء الاستفتاح سنة، وليس بواجب، والإنسان يحافظ على السنة.

    حكم متابعة المأموم للإمام إذا سجد للسهو بعد السلام

    السؤال: حفظكم الله، سلم إمام من صلاته ثم سجد للسهو، إلا أن بعض المصلين ممن فاتهم بعض الصلاة قاموا لإتمام ما فاتهم، فما الذي عليهم في هذه الحالة هل يتابعوا الإمام فيسجدوا معه بعد قيامهم أو أنهم بذلك انفكوا عن إمامهم بتسليمه؟


    الجواب: هذه المسألة وهي: إذا كان سجود السهو بعد السلام فيها خلاف بين أهل العلم، هل يلزم المأموم إذا سلم الإمام وقام لقضاء ما فاته، ثم سجد الإمام للسهو بعد السلام هل يرجع أو أنه يستمر ويواصل إكمال بقية صلاته؟ الذي يظهر والله أعلم أنه لا يرجع؛ لأنه لما سلم الإمام فإن على المأموم أن يقوم ويدخل في صلاته التي بقيت عليه يتمها، لكنه يسجد في آخر صلاته؛ لأن الإنسان إذا سها الإمام فعلى المأموم أن يسجد معه، لكن لكون السجود بعد السلام فالشخص لا يسلم، بل يقوم ويقضي ما فاته، فإذا سجد الإمام استمر المأموم، ولا يرجع ليسجد معه، ولكنه يسجد في آخر صلاته أي: المأموم.

    علاقة قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) بمن يلي الأمر من بعده من الأمراء وغيرهم

    السؤال: حفظكم الله، قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) هل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم أو هو عام لمن بعده؟


    الجواب: الذي يبدو والله تعالى أعلم، أنه يمكن أن يعمل به من بعده عليه الصلاة والسلام، من أن يعمل على تسديد الديون، لكن الديون التي تحملت لضرورة، أو ما إلى ذلك، وليست الديون التي حصل فيها تساهل، وحصل فيها الإقدام على تحصيل دنيا، وما إلى ذلك؛ لأن الناس يتفاوتون منهم من يستدين لضرورة، ومنهم من يستدين ليتاجر بالدين ثم يخسر، فيكون الاستدانة لغير ضرورة.
    فالذي يبدو أنه إذا فعل ذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم اتباعاً للنبي عليه الصلاة والسلام ممن يلي الأمر أنه لا بأس بذلك.

    السنن التي تفعل عند ولادة المولود

    السؤال: حفظكم الله، ما هي السنن التي تفعل مع المولود عند ولادته وكيفيتها؟


    الجواب: المولود كما هو معلوم، هناك كتاب مؤلف في الموضوع لـابن القيم هو من خير ما بين كل ما يتعلق بالمولود، وهو: (تحفة المودود في بيان أحكام المولود)، تكلم عنه في كونه حمل، وكونه بعد ولادته، ثم بعد ذلك كل ما يتعلق به، تكلم فيه أيضاً من جهة تسميته، ومن جهة العقيقة، ومن جهة الختان، ومن جهة حلق الرأس، يعني: أشياء عديدة يمكن للإنسان أن يرجع إلى هذا الكتاب فيجدها مفصلة، موضحة، مبينة بأدلتها وكلام العلماء عليها، فأنا أحيل على مليء.

    اختلاط عبد الرزاق الصنعاني وأثر ذلك على مصنفه

    السؤال: حفظكم الله، ذكر ابن الصلاح أن الإمام عبد الرزاق الصنعاني ممن اختلط عند كبره، فهل هذا يؤثر في صحة مصنفه إذا لم يعلم زمن روايته له؟


    الجواب: قضية المصنف والمؤلف كما هو معلوم يعني: كونه ألف كتابه أي: صدر من تأليفه وصنفه، ولهذا قيل: أنه مصنف وهو ثقة، حافظ، وأما مسألة أنه أختلط، فأنا ما أتذكر الآن ما هو حكم اختلاط عبد الرزاق، وما يترتب عليه، ومن أخذ منه قبل اختلاطه، ومن أخذ منه بعد اختلاطه، فأنا ما أذكر شيئاً من هذا، لكنه مع ذلك لا يؤثر على المصنف، وهو كتاب من كتب السنة، بل هو موسوعة من الموسوعات، وخاصة فيما يتعلق بالآثار عن السلف، وعن الصحابة، فمصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة هما مظنة الآثار الكثيرة عن السلف، مع اشتمالهما على الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    الصحابي الذي أعتق المملوكين وحصول ذلك في عافيته أو مرض موته

    السؤال: حفظكم الله، جاء في رواية ذكرها الحافظ في بلوغ المرام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أعتق الستة المملوكين قولاً شديداً على فعله، فدل أن الإعتاق تم قبل الموت، وأن هذا الإعتاق ليس من الوصية، فما قولكم حفظكم الله؟

    الجواب: لا أدري، أنا قلت يحتمل، وحتى لو كان أنه في الحياة فهو في مرض الموت، وكما هو معلوم مثل ذلك ليس كحال تصرفه في حال صحته وعافيته.

    حكم قيام المأمومين للخامسة مع الإمام بعد تحققهم زيادتها


    السؤال: حفظكم الله، هل يجب على المأمومين إذا قام الإمام إلى خامسة في صلاة العصر القيام معه أم الانتظار، وما حكم صلاة من قام إلى خامسة؟


    الجواب: لا يجوز، من تحقق أن الركعة زائدة فلا يجوز له أن يقوم إليها، بل عليهم أن يسبحوا وأن ينبهوا، وإذا استمر فإنهم لا يقومون، ومن كان متحققاً بأنها زائدة لا يجوز له؛ لأن الإقدام على الزيادة معناه: فعل شيئاً غير سائغ، وزيادة شيء في الصلاة عمداً يبطلها، فعلى من تحقق أن الركعة زائدة أن ينتظر، ويجلس، ولا يسلم، بل ينتظر حتى يسلم ويسلم معه، ومن المعلوم أن التشهد الأخير من المواطن التي يطال فيها الدعاء ويكثر فيها من الدعاء، فالإنسان ينتظر حتى يسلم الإمام ويسلم معه، لكن لا يقوم معه للخامسة؛ لأن من تحقق أنها زائدة لا يجوز له، ومن كان شاكاً أو كان ما عنده يقين وما عنده جزم بأنها زائدة فهو معذور، وأما الجاهل فهو معذور.


  5. #345
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (342)

    - (باب ترك الصلاة على من قتل نفسه) إلى (باب الصلاة على الجنازة بالليل)

    الأصل في المسلم أنه يصلى عليه عند موته، ولكن يجوز لأهل الفضل أن يتركوا الصلاة على مرتكب الكبيرة؛ ردعاً وزجراً لأمثاله، وأما المنافق فلا تجوز الصلاة عليه إن كان نفاقه اعتقادياً، كما أنه يجوز الصلاة على الجنازة في المسجد وفي الليل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
    ترك الصلاة على من قتل نفسه

    شرح حديث: (أن رجلاً قتل نفسه بمشاقص فقال النبي: أما أنا فلا أصلي عليه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك الصلاة على من قتل نفسه. أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا أبو الوليد حدثنا أبو خيثمة زهير حدثنا سماك عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً قتل نفسه بمشاقص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فلا أصلي عليه)].
    يقول النسائي رحمه الله: ترك الصلاة على قاتل نفسه، يريد النسائي رحمه الله بهذه الترجمة أن قاتل نفسه تترك الصلاة عليه من بعض الناس، أو من بعض أهل الفضل، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام امتنع من الصلاة عليه، لكنه لم يمنعهم من الصلاة عليه، وفي تخلفه صلى الله عليه وسلم وكذلك في تخلف من يكون تخلفه فيه تأثير على الناس يكون في ذلك مصلحة، وهي الزجر، والردع من الوقوع في مثل هذه الكبائر والمعاصي، فينتج عنها، ويترتب عليها تخلف بعض أهل الفضل في الصلاة عليه، فليس المقصود من الترجمة أنه لا يصلى عليه أصلاً، ولكن المراد منها أن ترك الصلاة عليه من بعض من له شأن فيه مصلحة، وفيه فائدة، وقد سبق أن مر أن من ترك الصلاة عليه فإنه يدعو له حتى تحصل الفائدة له من حيث الدعاء، ولكن إظهار الصلاة عليه وإعلانها عليه التي يكون في تركها مصلحة وتأديب لبعض الناس أو لكثير من الناس حتى لا يقعوا في مثل ما وقع فيه فإنه يكون بذلك حسناً، وفيه فائدة ومصلحة.
    وقد أورد النسائي حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن رجلاً قتل نفسه بمشاقص فأتي به ليصلي عليه صلى الله عليه وسلم فقال: أما أنا فلا أصلي عليه) فقوله: (أما أنا) هذا يفيد أن غيره يصلي عليه، ولكنه ترك الصلاة عليه من أجل التأديب، وقوله: [(قتل نفسه بمشاقص)] أي: جمع مشقص، وهو نصل السهم، فهو قتل نفسه بتلك الحديدة التي هي نصل السهم، فاعتبر قاتلاً لنفسه، فترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه، لكنه لم يمنع الناس من الصلاة عليه.
    ومثل هذا ما مر في قضية الذي عليه دين وقال: (صلوا على صاحبكم) وهمَّ بترك الصلاة عليه حتى قال أبو قتادة رضي الله عنه: عليّ دينه يا رسول الله، فتقدم وصلى عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رجلاً قتل نفسه بمشاقص فقال النبي: أما أنا فلا أصلي عليه)

    قوله:
    [أخبرنا إسحاق بن منصور].
    هو ابن بهرام المروزي الكوسج، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فإنه لم يخرج له شيئاً، مثله بهذه التسمية إسحاق بن منصور السلولي، وهو صدوق، خرج له أصحاب الكتب الستة، ولكنه أعلى طبقة من هذا؛ لأنه من رجال النسائي ولكنه ليس من شيوخه، بل من طبقة شيوخ شيوخه، فإذا جاء إسحاق بن منصور من شيوخ النسائي فالمراد به الكوسج، وإذا جاء إسحاق بن منصور من طبقة شيوخ شيوخ النسائي فالمراد به السلولي.
    [حدثنا أبو الوليد].
    هو هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو خيثمة زهير].
    هو أبو خيثمة زهير بن معاوية الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهناك من يوافقه في الاسم والكنية، وهو أبو خيثمة زهير بن حرب النسائي وهو من شيوخ مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم، بل روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث، فكل منهما زهير، وكل منهما كنيته أبو خيثمة، إلا أن ذاك متقدم وهذا متأخر، الذي معنا متقدم، وهو أبو خيثمة زهير بن معاوية، وشيخ مسلم هو أبو خيثمة زهير بن حرب النسائي، روى عنه مباشرة أكثر من ألف حديث.
    [حدثنا سماك].
    هو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جابر بن سمرة].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جابر بن سمرة بن جنادة صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن سليمان سمعت ذكوان يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة ثم انقطع علي شيء -خالد يقول:- كانت حديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو يتعلق بأن قتل النفس من الكبائر لكن ليس فيه تعرض لترك الصلاة عليه، والذي فيه تعرض لترك الصلاة عليه هو المتقدم، لكن هنا فيه بيان أن قتل النفس من الكبائر؛ لأنه توعد عليه بهذا الوعيد الشديد، ومن المعلوم أن الكبائر أحسن ما قيل فيها: إنها ما كان عليه حد في الدنيا، أو توعد عليه بلعنة، أو غضبٍ، أو نار في الآخرة، فكون الإنسان يقتل نفسه بأن يتردى من جبل، أو يشرب سماً، أو يقتل نفسه بحديدة هذه أنواع من أنواع قتل النفس، والمراد التمثيل، وليس الحصر، فإذا قتل نفسه بأي شيء -سواء كان عن طريق حديدة، أو شيء يشربه، أو كونه يتردى أو غير ذلك، أي طريقة يقتل الإنسان بها نفسه- يعتبر قاتلاً لنفسه، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، أي: عذب به في الآخرة، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال في حديث أبي هريرة هذا.
    قوله: [(من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى خالداً مخلداً فيها أبداً)].
    معناه: أنه يسقط ويهوي مثل ما سقط ذلك الذي قتل نفسه من جبل وتردى، فالتردي معناه: هو السقوط يسقط نفسه من الجبل بأن يقف على قمته، ثم يرمي بنفسه، فيترتب على ذلك القتل أو عدمه، فإن حصل قتله بذلك ومات بسبب ذلك، فإنه يعتبر قاتلاً لنفسه، وعقوبته أنه يعاقب بمثل ما فعله، والجزاء من جنس العمل، فكما أنه قتل نفسه بهذا التردي، فإنه يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.
    وكذلك من تحسى سماً يعني: شربه وابتلعه؛ ومات بسبب ذلك، فإنه يتحسى سماً في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فإنه يجأ نفسه بحديدته في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، يعني: أن من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، فالجزاء من جنس العمل.
    وقد جاء نصوص كثيرة تدل على أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر، (من نفّس عن مسلم كربة من كرب أهل الدنيا نفّس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة)، (من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)، (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) الجزاء من جنس العمل، وكذلك في الأمور الضارة هنا في التردي، وفي شرب السم، وفي قتل النفس بحديدة، فإنه يعذب بذلك يوم القيامة.
    وما جاء فيه من ذكر التخليد ليس المقصود منه أنه يكون مخلداً تخليد الكفار أبد الآباد، بحيث لا يكون له سبيل من الخروج من النار ودخول الجنة، فإن كل ذنب دون الشرك فهو تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى، إن شاء تجاوز عن صاحبه وغفر له، وإن شاء عذبه، ولكنه إذا عذب فإنه يخرج من النار ويدخل الجنة، بعد أن يمحص ويحصل جزاءه على ما اقترفه من الجرائم، والكبائر، ولكنه لا يبقى فيه أبد الآباد؛ لأنه جاء في الأحاديث المتواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام خروج أصحاب الكبائر من النار، وأنهم يخرجون منها بعد أن يعذبوا، وأن يجازوا على أعمالهم التي عملوها في النار فإنهم يخرجون منها، ويدخلون الجنة، ولا يبقى في النار إلا الكفار الذين هم أهلها، والذين لا سبيل لهم إلى الخروج عنها.
    فإذاً: ما جاء في الحديث فيه: وعيد شديد لمن قتل نفسه، وأنه يخلد في النار، ولكنه خلود نسبي، وليس خلوداً دائماً مستمراً لا ينتهي، ولا ينقطع كما يحصل للكفار؛ لأن كل ذنبٍ دون الشرك فهو تحت مشيئة الله، وقد جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أحاديث كثيرة متواترة تدل على إخراج أهل الكبائر من النار بشفاعة الشافعين، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لكل نبي دعوة مستجابة دعا به على قومه، وإنني قد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة).

    تراجم رجال إسناد حديث: (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم ...)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
    هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو المراد بقوله: خالد في أثناء الحديث عندما جاء ذكر الحديدة، وأن من قتل نفسه بحديدة، وهنا انقطع عني شيء -خالد يقول-: فإنه يجأ نفسه بحديدته؛ لأن الذي قال هذا الكلام هو: محمد بن عبد الأعلى الذي هو شيخ النسائي.
    وقوله: (يقول خالد) يعني: يجأ نفسه بحديدته، يعني: قتل نفسه بحديدة فهو يعاقب على ذلك بأن يجأ نفسه، يعني: يقطع نفسه، ويعذب نفسه بتلك الحديدة التي قتل بها نفسه، وذلك في نار جهنم.
    والحديث في البخاري من جهة خالد بن الحارث وليس فيه هذا الكلام، وإنما فيه: (من قتل نفسه بحديدة يجأ نفسه بحديدته خالداً مخلداً في نار جهنم).
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان].
    سليمان بن مهران الكاهلي الأعمش الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور باسمه وبكنيته، يأتي ذكره باسمه غير منسوب، ويأتي ذكره باللقب، وهنا ذكر باسمه غير منسوب، والمراد به الأعمش.
    [سمعت ذكوان].
    هو أبو صالح السمان المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن صخر الدوسي وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    الصلاة على المنافقين

    شرح حديث: (لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعي له رسول الله ليصلي عليه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على المنافقين.
    أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا حجين بن المثنى حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: (لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه فقلت: يا رسول الله! تصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا، وكذا كذا، وكذا؟ أعدد عليه، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أخر عني يا عمر، فلما أكثرت عليه قال: إني قد خيرت، فاخترت، فلو إن علمت أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت عليها، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيراً حتى نزلت الآيتان من براءة: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84] فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، والله ورسوله أعلم)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي الصلاة على المنافقين، والمراد بذلك أنه كان أولاً يصلي عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لما نزلت الآية في نهيه عن الصلاة عليهم ترك الصلاة عليهم، هذا هو مقصود النسائي من هذه الترجمة، كان يصلي عليهم أولاً ولما نهي عن ذلك، ونزل القرآن بنهيه عن الصلاة عليهم فلم يصل عليهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وأورد النسائي حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه أوتي بـعبد الله بن أبي ابن سلول وهو من رءوس المنافقين ليصلي عليه فتقدم للصلاة عليه، فوثب عمر إليه يعني: جاء مسرعاً؛ وقال له: يا رسول الله! كيف تصلي عليه وهو عمل كذا وكذا، ويعدد أشياء، يعني: حصلت منه، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: أخر عني يا عمر، إنني خيرت، وإنني لو علمت أنني لو زدت على السبعين غفر له لزدت اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً [التوبة:80] يعني: يقصد إن زدت على السبعين يعني: التي جاء ذكرها في القرآن، فبعد ذلك صلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إنه نزلت الآيتان بعد ذلك فلم يصل عليهم، أي: على المنافقين، قال عمر رضي الله عنه: (فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم).
    والمراد بالنفاق الذي لا يصلى على صاحبه إذا علم هو النفاق الاعتقادي الذي هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر، أما النفاق العملي؛ الذي هو الكذب، والفجور في الخصومة، وإخلاف الوعد، وما إلى ذلك مما جاء في بعض الأحاديث، فهذا ليس هو المراد، وإنما المراد ما جاء في الأحاديث والآيات التي نزلت في منعه من صلاته على المنافقين المراد بذلك المنافقين الكفار، بل هم في الدرك الأسفل من النار، ولا يخرجون من النار أبد الآباد؛ لأنهم كفار، يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، فمن كان من المسلمين، وعلم منه شيء يدل على نفاقه، وعلى كفره، وعلى ردته مما يقتضي كفره فإنه لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإذا كان أمر الإنسان مجهولاً، فإنه يصلى على المسلم الذي لا تعرف حاله، وإذا عرف منه النفاق الاعتقادي فهذه ردة، ولا يصلى على المرتد، والمنافقون الذين نفاقهم اعتقادي هم في الدرك الأسفل من النار، والعياذ بالله، وهم خالدون فيها مخلدون أبد الآباد، وهم من الكفار إلا أن الكفار مظهرون، وهؤلاء مبطنون للكفر، الكفار مظهرون للكفر وهؤلاء مبطنون له.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعي لرسول الله له رسول عليه ...)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].
    هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا حجين بن المثنى].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عقيل].
    هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة وهو: من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة.
    [عن عبيد الله بن عبد الله].
    هو ابن عتبة بن مسعود الثقفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين الذين اشتهروا بلقب الفقهاء السبعة في المدينة، وهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، وخارجة بن زيد بن ثابت وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن عبد الله بن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة من أصحابه الكرام، وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة، توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد ناهز الاحتلام، كما جاء ذلك في حديث حجة الوداع.
    [عن عمر بن الخطاب].
    رضي الله تعالى عنه هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الحميدة، وهو الذي قال عنه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: (ما سلكت فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجك) رضي الله تعالى عن عمر وعن الصحابة أجمعين.


    الصلاة على الجنازة في المسجد

    شرح حديث: (ما صلى رسول الله على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على الجنازة في المسجد. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر قالا: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عبد الواحد بن حمزة عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الصلاة على الجنازة في المسجد، ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي على الجنائز خارج المسجد، يعني: في مكان ليس في المقبرة، وليس في المسجد، ولكنه جاء عنه ما يدل على الصلاة على الجنازة في المسجد، وقد أورد النسائي وأورد تحتها حديث أم المؤمنين رضي الله تعالى وأرضاها: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد) معناه: أن صلاته عليه كان في المسجد، وهذا يدلنا على جواز الصلاة في المسجد على الجنازة، وسهيل بن بيضاء هو منسوب إلى أمه، وقد اشتهر بذلك، قد عرفنا أن هناك عدداً من الرواة، ومن الصحابة يأتي ذكرهم منسوبين إلى أمهاتهم، وهذا منهم، والمقصود أن الصلاة على الجنازة في المسجد سائغة، لا سيما فيما إذا كان الأعداد كبيرة، ولا يتيسر لها أن تجتمع في مكان مثل اجتماعها في المسجد، فإن السنة وردت بذلك، والصلاة في المسجد سائغة ولا مانع منها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما صلى رسول الله على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد)

    قوله:
    [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها.
    [وعلي بن حجر].
    هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عبد العزيز بن محمد ].
    هو الدراوردي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الواحد بن حمزة].
    هو عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه لا بأس به، وهي تعادل كلمة صدوق، وحديثه أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن عباد بن عبد الله بن الزبير].
    عباد بن عبد الله بن الزبير يعني: أن عبد الواحد بن حمزة يروي عن عمه عباد بن عبد الله، وعباد هو أخو حمزة، فـعبد الواحد يروي عن عمه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها].
    هي الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.

    حديث: (ما صلى رسول الله على سهل بن بيضاء إلا في جوف المسجد) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن موسى بن عقبة عن عبد الواحد بن حمزة أن عباد بن عبد الله بن الزبير أخبره أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وأن صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم على ابن بيضاء إنما هي في المسجد، وهو واضح الدلالة على أن المسجد يصلى فيه على الجنازة كما عرفنا ذلك.
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].
    هو المروزي، وهو ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، جواد، مجاهد، قال عنه الحافظ في التقريب بعد أن ذكر جملة من صفاته الحميدة: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن موسى بن عقبة].
    هو موسى بن عقبة المدني وهو مولى آل الزبير، وهو ثقة، فقيه، إمام في المغازي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الواحد بن حمزة أن عباد بن عبد الله بن الزبير أخبره أن عائشة].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.


    الصلاة على الجنازة بالليل

    شرح حديث: (... فجاءوا بها إلى المدينة بعد العتمة ... فصلوا عليها ودفنوها ببقيع الغرقد ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على الجنازة بالليل. أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه أنه قال: (اشتكت امرأة بالعوالي مسكينة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسألهم عنها، وقال: إن ماتت فلا تدفنوها حتى أصلي عليها، فتوفيت، فجاءوا بها إلى المدينة بعد العتمة، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نام فكرهوا أن يوقظوه، فصلوا عليها ودفنوها ببقيع الغرقد، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا، فسألهم عنها، فقالوا: قد دفنت يا رسول الله، وقد جئناك، فوجدناك نائماً، فكرهنا أن نوقظك، قال صلى الله عليه وسلم: فانطلقوا، فانطلق يمشي، ومشوا معه حتى أروه قبرها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوا وراءه فصلى عليها وكبر أربعاً)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الصلاة على الجنازة في الليل. يعني: ودفنها في الليل؛ ومقصود النسائي أن ذلك سائغ، وأنه لا مانع منه، ولكنه مكروه عند بعض أهل العلم؛ قالوا: لأنه يترتب على ذلك أنه لا يصلى عليه مثل ما يصلى عليه فيما إذا كان في النهار أو في وقت صلاة من الصلوات.
    وقد أورد النسائي حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه: أنه كان هناك امرأة مسكينة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن ماتت فأخبروني حتى أصلي عليها، فماتت في الليل وجاءوا بها بعد صلاة العشاء وقد تفرق الناس، وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أخذوا بما جاء في الإسراع في الجنازة، والصلاة عليها، ودفنها، فأخبروا رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد ذلك فقال: ألم أقل لكم كذا؟ قالوا: إنا كرهنا أن نوقظك يا رسول الله، فذهب إليها وذهبوا معه، وصلى عليها، وصلوا معه، وكبر عليها أربعاً، فدلنا هذا على جواز الصلاة على الجنازة في الليل، وكذلك دفن الميت في الليل، ولكن دفنه في الأوقات التي يكثر فيها المصلون لا شك أنه أولى من دفنه في الليل، والدفن في الليل سائغ لا بأس به.
    وفي الحديث أيضاً ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الرأفة بالمساكين، وكذلك ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من إكرام الرسول، واحترامه، وحرصهم على عدم المشقة عليه، وعلى عدم إزعاجه، وإيقاظه من النوم ليصلي على تلك الجنازة، ويدلنا أيضاً على أن الجنازة يصلى عليها، وأنه يكبر عليها أربع تكبيرات، ويدلنا أيضاً على أن صلاة الجنازة قد يصلى عليها أكثر من مرة، وذلك أن الرسول أمرهم بأن يذهبوا معه وفيهم من صلى، وهذا يشير أو يفيد بأن الصلاة أعيدت من بعض من صلى، ومن صلى فإنه صلى من جديد، كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ويدلنا على أن الجنازة يجوز أن يصلى عليها بعد الدفن، ولكن بعد وقت يسير من الدفن، فلا يصلى عليها بعد طول المدد، وبعد الأمد الطويل والوقت الطويل؛ لأن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم كان قريب العهد بالدفن، وهو العمدة والدليل على هذه المسألة، والحديث سبق أن مر بنا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فجاءوا بها إلى المدينة بعد العتمة ... فصلوا عليها ودفنوها ببقيع الغرقد ...)

    قوله:
    [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى].
    هو الصدفي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [أنبأنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره.
    [أخبرني أبو أمامة].
    هو أسعد بن سهل بن حنيف، ومشهور بكنيته، وهو معدود في الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الأسئلة

    سبب مخالفة الصحابة لنهي النبي عن الصلاة على الميت في الليل

    السؤال: في حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم ومع ذلك لم يفهموا من النهي التحريم، كيف ذلك؟

    الجواب: لأنهم نظروا إلى أمر آخر وهو المشقة عليه، يعني: عدم المشقة عليه، وإلا فإنهم قد علموا ذلك، ولكن دفعهم إلى ذلك أنهم لا يريدون أن يشقوا على رسول الله عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام أراد منهم أن يصلي عليها، يعني: أراد من نهيهم عن ذلك حتى يصلي عليها، ولكنهم رأوا أنهم إن أخبروه وقد نام أنه يكون في ذلك مشقة عليه فآثروا أن لا يشقوا عليه بإخباره بذلك.

    مآل قاتل نفسه في الآخرة

    السؤال: استدللتم على خلود قاتل نفسه بنص عام، والحديث هنا خاص، فكيف قدمتم العام على الخاص؟

    الجواب: أنا قلت أن الخلود نسبي، يعني: كل ما جاء من ذكر خلود في أهل الكبائر فهو نسبي، وليس كخلود الكفار، وإنما هو خلود نسبي، ليس خلوداً دائماً مؤبداً، ومن المعلوم أن قول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ )[النساء:48] يدخل تحته هذا الذنب؛ لأن هذا الذنب دون الشرك ودون الكفر بالله عز وجل، فهو تحت مشيئة الله، لكن إذا شاء الله عز وجل أن لا يغفر له فإنه يعذبه، ولكنه بعد ذلك تناله شفاعة الشافعين، ويستحق الخروج من النار بعفو أرحم الراحمين وبشفاعة الشافعين.
    وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يدل على أن من حصل منه ذلك، فإنه يحصل له العفو والمغفرة من الله عز وجل، وذلك أنه جاء في صحيح مسلم أن الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله تعالى عنه قدم إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو في مكة، فعرض عليه أن يهاجر إلى بلاده بلاد دوس، وقال: إننا نمنعك ونمكنك من القيام بدعوتك، فأمره بأن يرجع إلى قومه ويدعوهم، ولم يجبه إلى ما طلب؛ لأن الله تعالى قد جعل هجرته إلى المدينة، فهاجر النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، فجاء الطفيل بن عمرو ومعه صاحب له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرين إلى المدينة، فصاحب الطفيل بن عمرو أصاب يديه، يعني: أصابه جرح فتضرر منه فقطع إصبعه، فحصلت السراية، ومات بسبب ذلك، فـالطفيل بن عمرو رأى في المنام رؤيا، وقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إنني رأيته وعليه هيئة حسنة، ورأيته قد لف يده، أو أصابعه بلفاف، أو بشيء، فقلت له: ما حالك؟ قال: غفر لي بهجرتي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال له: ما هذا الذي بيديك؟ قال: إنه قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: (اللهم وليديه فاغفر)، فهذا حصل منه هذا العمل، ومع ذلك رأى الطفيل هذه الرؤيا، والرسول صلى الله عليه وسلم دعا له هذه الدعوة، فدلنا هذا على أن كل ذنب دون الشرك فهو تحت مشيئة الله عز وجل.

    ضابط الوقت اليسير المشترط في الصلاة على الميت بعد دفنه

    السؤال: ذكرتم -حفظكم الله- أن الصلاة على الجنازة بعد دفنها يكون بعد وقت يسير، وفي الحديث أن دفنها كان ليلاً وصلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح، وهذا الوقت ليس بقصير، فما هو ضابط تحديد هذا الوقت القصير؟


    الجواب: لا، هو وقت قصير بعض العلماء قال: إلى شهر، وبعض العلماء قال أقل من ذلك، لكن كما حصل للرسول صلى الله عليه وسلم؛ صلى عليها بعد وقت يسير من دفنها، وليس معنى ذلك: الوقت اليسير يكون ساعة، أو ربع ساعة، أو ما إلى ذلك، يعني: مثل هذا الوقت خلال وقت يسير ما هو مثل سنة بعد سنة، أو سنتين، أو ثلاث، أو عشر سنين، أو ما إلى ذلك.

    ذكر الحديث الذي ذكره الشوكاني فيما يتعلق بقصة القرعة

    السؤال: ذكرتم -حفظكم الله- أن الشوكاني ذكر في نيل الأوطار في الجزء الخامس صفحة (268) مسألة القرعة، فلو ذكرتم الحديث؛ لأن الطبعات تختلف.

    الجواب: هناك طبعة قديمة جداً، وطبعة مشهورة التي بأيدي الناس هي التي أشرت إلى مكانها، والحديث يتعلق بقصة الرجلين اللذين جاءا يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فيما قال: (إنكم تختصمون، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له فإنما أقطع له قطعة من نار)، فكل واحد منهما تبرأ من الحق، وقال: ليس هو لي هو له، كل واحد يقول هو للثاني، فقال الرسول: أما وقد قلتما هذا فاقسماه قسمين، ثم استهما عليه، وكل يأخذ ما يخرج له، فأتى به عند هذا الحديث، وهو كما قلت في الصفحة التي أشرت إليها؛ الجزء الخامس صفحة (268).

    حكم تكرار الآية في الركعة الواحدة أكثر من مرة

    السؤال: ما حكم تكرار الآيات في الصلاة، أي: في الركعة أكثر من مرة، والتي فيها وعيد، أو غير ذلك؟الجواب: ما ينبغي للإنسان أن يكثر من التكرار، لكن إذا أعاد الآية مرة أو كذا فلا بأس به، لكن كونه يكرر ويردد ما ينبغي هذا.

    حكم تكرار الصلاة على الجنازة أكثر من مرة

    السؤال: هل تكرار صلاة الجنازة فوق المرتين جائز؟

    الجواب: إذا كان المقصود بالسؤال هو كون الذي ما صلى يصلي فلا بأس من التكرار، ولو تكررت، يعني: مثلاً صلى عليه جماعة، ثم جاء أناس جماعة وصلوا عليه، ثم جاء أناس جماعة وصلوا عليه، وهكذا لا بأس بذلك، لكن كون الإنسان يكرر الصلاة عليه نفسه، طبعاً الذي جاء في الحديث الذي معنا أن الرسول لما قال لهم، وعاتبهم على كونهم لم يقولوا له، ثم قال: قوموا، فذهبوا معه، فيحتمل أن يكون الذين صلوا معه لم يصلوا، ويحتمل أنهم أعادوا الصلاة، فالمسألة محتملة، وإذا كان قبل الدفن فيمكن أن يصلى عليه، ما دام أنه لم يدفن، فالذي فاتته الصلاة يمكن أن يصلي عليه؛ لأن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها لما مات سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، طلبت منهم أن يحضروه عند باب حجرتها لتصلي عليه، فهو قد صلي عليه وهي تريد أن تصلي عليه، فالذي ما صلى يصلي، ولو تكررت الصلاة عليه؛ بأن جاءت جماعة وصلوا، ثم جاء جماعة ما صلوا وصلوا، وجماعة جاءوا بعد الدفن فصلوا لا بأس بذلك.

    معنى بقيع الغرقد

    السؤال: ما معنى بقيع الغرقد؟

    الجواب: هو هذا البقيع الذي يدفن فيه المسلمون.


  6. #346
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (343)

    - باب الصفوف على الجنازة - باب الصلاة على الجنازة قائماً

    من السنة عند الصلاة على الجنازة أن يكون المأمومون صفوفاً وأن يكونوا قياماً ما لم يوجد عذر يمنع من قيامهم.
    الصفوف على الجنازة

    شرح حديث: (إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه فقام فصف بنا كما يصف على الجنازة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصفوف على الجنازةأخبرنا محمد بن عبيد عن حفص بن غياث عن ابن جريج عن عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه، فقام فصف بنا كما يصف على الجنازة وصلى عليه)].
    يقول النسائي رحمه الله: الصفوف على الجنازة، أي أنه عند الصلاة على الجنازة يكون المصلون صفوفاً ولو كان الصف أو المصلون يمكن أن يستوعبهم صف واحد في المسجد أو غيره، فإنه ينبغي أن تتعدد الصفوف فيكونون ثلاثة صفوف، وقد جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث أنه صفهم وجعلهم ثلاثة صفوف، فدل هذا على تعدد الصفوف في صلاة الجنازة، وقد أورد النسائي جملة من الأحاديث لكن ليس في شيء منها ذكر ثلاثة صفوف، وإنما الذي أورده فيه ذكر الصفوف، وفيه ذكر الصفين وأنه جعلهم صفين، فدل ذلك على مشروعية التعدد بالنسبة للصفوف على الجنازة، وقد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام نعى لهم النجاشي في اليوم الذي مات فيه (فقام فصف بنا كما يصف على الجنازة فصلى عليه).
    وقوله: [(صف)] هذا محل الشاهد، (صف بنا كما يصف على الجنازة)، يعني: أن هذه صلاة غائب، وأنه فعل في تلك الصلاة مثل ما يفعل في الصلاة الحاضرة، أي: أنه صلى صلاة الجنازة على الغائب كما يصلى على الحاضر، فصف بهم وصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والحديث دليل على مشروعية الصلاة على الغائب إذا كان لم يصل عليه كما حصل للنجاشي، وفيه: الصفوف للصلاة، وأن الصلاة على الغائب هي كالصلاة على الحاضر؛ يكبر أربع تكبيرات، كما يأتي ذلك مبيناً في بعض الروايات الآتية، أي: أنها أربع تكبيرات.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه فقام فصف بنا كما يصف على الجنازة ...)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن عبيد].
    هو محمد بن عبيد المحاربي الكوفي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن حفص بن غياث].
    هو حفص بن غياث بن طلق بن معاوية الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وأبو سعيد، وأم المؤمنين عائشة، فهؤلاء سبعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي رووه من الأحاديث أكثر مما رواه غيرهم وهم ستة رجال وامرأة واحدة، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (إن النبي نعى للناس النجاشي... ثم خرج بهم إلى المصلى فصف بهم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (إن النبي صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه، ثم خرج بهم إلى المصلى فصف بهم، فصلى عليه وكبر أربع تكبيرات)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنه نعى لهم النجاشي أي: أخبرهم بموته، في اليوم الذي مات فيه، وهو في الحبشة [(ثم خرج بهم إلى المصلى فصف بهم، فصلى عليه، وكبر أربع تكبيرات)].

    يعني: كانت صلاته على الغائب كصلاته على الحاضر، وفيه أيضاً دليل على أن الصلاة على الجنازة تكون في المصلى، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم، إلى المصلى الذي يصلي فيه على الجنائز وهو خارج المسجد، فصلى على النجاشي، وقد عرفنا أن الصلاة في المسجد سائغة، وقد مر بنا الحديث الذي هو صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على ابن بيضاء في المسجد، كما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
    والأصل أن الصلاة تكون في المصلى وهو خارج المسجد، وإذا صلي في المسجد فإن ذلك يكون سائغاً، ولا سيما فيما إذا كان الجمع في المسجد كثيراً، فإنه لا يتأتى اجتماعهم في مكان آخر غير المسجد، والصلاة في المسجد لها أصل ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو حديث عائشة الذي مر بنا سابقاً، والذي تقول فيه أم المؤمنين عائشة: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن النبي نعى للناس النجاشي... ثم خرج بهم إلى المصلى فصف بهم ...)

    قوله:
    [أخبرنا سويد بن نصر].
    هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي والنسائي.
    [حدثنا عبد الله].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وعبد الله هنا غير منسوب، وكلما جاء عبد الله غير منسوب يروي عنه سويد بن نصر فهو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، جمعت فيه خصال الخير كما قال ذلك الحافظ ابن حجر في ترجمته في تقريب التهذيب، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد أفراد السلسلة الذهبية التي هي أصح الأحاديث، أو التي إسنادها أصح الأسانيد عند البخاري وهي: مالك عن نافع عن ابن عمر.
    [عن ابن شهاب].
    هو الزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله ببن الحارث بن زهرة بن كلاب يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب بن مرة، وهو ثقة، فقيه، وإمام مشهور، وهو من صغار التابعين، ومكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، ويقول السيوطي في ألفيته بهذا الشأن:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
    والمقصود بالأولية هذه هي الأولية بتكليف من السلطان، أما كون الكتابة بجهود شخصية وبأعمال فردية فهذا موجود في الصحابة وفي غير الصحابة، وقد جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب وهو لا يكتب، وأنه كثير الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فإذاً: أولية الزهري في الكتابة إنما هي أولية بتكليف من السلطان لا أولية بجهد شخصي أو جهد فردي، وإنما هو بتكليف من ولي الأمر الذي هو الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وكانت خلافته في آخر القرن الأول، توفي سنة (101) للهجرة، وعمره حين توفي أي: عمر بن عبد العزيز أربعون سنة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    ثقة، فقيه، ومن فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين؛ لأن هذه المدينة المباركة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم اشتهر فيها في عصر التابعين سبعة أطلق عليهم: الفقهاء السبعة، فإذا جاء في مسألة من المسائل يقال فيها: وقال بها الفقهاء السبعة، ولا يذكرون أسماءهم اختصاراً واكتفاء بهذا اللقب، فأحد هؤلاء السبعة سعيد بن المسيب، وهم ستة متفق على عدهم السبعة والسابع فيه ثلاثة أقوال، والستة المتفق على عدهم هم: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير بن العوام، وسليمان بن يسار، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال:
    فقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.
    وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه، أسلم في السنة السابعة من الهجرة عام خيبر، ولكنه كثر حديثه لعدة أسباب: منها: أنه كان ملازماً النبي عليه الصلاة والسلام؛ يأكل معه من طعامه إذا طعم، ويصحبه أين ذهب، فعندما يحدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث فإنه يتلقاه منه ويأخذ عنه، وكذلك أيضاً يأخذ عن الصحابة ما لم يسمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن مراسيل الصحابة حجة؛ لأنهم لا يروون إلا عن الصحابة.
    ومن أسباب كثرة حديثه: أن النبي عليه الصلاة والسلام دعا له بقوة الحفظ، فكان يحفظ ما يسمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنها: أنه كان مقيماً في المدينة، وقد عمر وعاش مدة طويلة في المدينة، والمدينة يفد إليها الناس الزائرون، وفي طريقهم إلى الحج ذاهبين وآيبين، ومن المعلوم أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا كان واحد منهم في بلد ومر أحد في ذلك البلد، فإن من أهم مطالبه ومن أهم ما يريده أن يظفر برؤية ذلك الصحابي وبلقي ذلك الصحابي، فيتلقى منه ويأخذ عنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه عدة عوامل جعلت أبا هريرة رضي الله عنه -وإن كان متأخر الإسلام- كثير الحديث، ومن ذلك: ما يسمعه من الصحابة الذين سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (نعى رسول الله النجاشي ... فصفوا خلفه ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال (نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي لأصحابه بالمدينة فصفوا خلفه، فصلى عليه وكبر أربعاً) قال أبو عبد الرحمن: ابن المسيب إني لم أفهمه كما أردت].
    أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله؛ نعى لهم النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه (فصفوا خلفه فصلى عليه وكبر عليه أربعاً).
    وقوله: (فصفوا خلفه) هذا محل الشاهد، يعني: صفوا خلفه، وصلى بهم وكبر أربع تكبيرات، فالمتن مثل الذي قبله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نعى رسول الله النجاشي ... فصفوا خلفه ...) من طريق ثانية

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن رافع].
    هو النيسابوري القشيري وهو من شيوخ مسلم ومن قبيلة مسلم وهو من بلد مسلم، فـمسلم قشيري نيسابوري؛ قشيري من حيث القبيلة، ونيسابوري من حيث البلد، ومحمد بن رافع شيخه مثله، أي: أن الكل من نيسابور، والكل من بني قشير، فـمحمد بن رافع هذا قشيري نيسابوري، وهو ثقة، عابد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، وهو ممن أكثر عنه الإمام مسلم في صحيحه، بل إن صحيفة همام بن منبه التي روى مسلم في صحيحه منها أحاديث كثيرة إنما أخرجها من هذه الطريق، وهي محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة فالأحاديث التي أخرجها أو رواها الإمام مسلم من صحيفة همام بن منبه التي تبلغ مائة وأربعين حديثاً رواية مسلم إياها إنما هو من طريق شيخه محمد بن رافع.
    [حدثنا عبد الرزاق].
    هو ابن همام الصنعاني اليماني المحدث، الحافظ، المصنف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد وصف بالتشيع، ولكن التشيع الذي وصف به لا يضيره شيئاً؛ لأن المقصود منه أنه يفضل علياً على عثمان رضي الله تعالى عن الجميع، ومسألة تفضيل علي على عثمان هذه من المسائل التي لا يبدع من يقول بها ولا يضلل، والمشهور عن أهل السنة تقديم عثمان على علي، ولكن بعض أهل السنة -وهم قليلون- منهم عبد الرزاق هذا ومنهم عبد الرحمن بن أبي حاتم الإمام ابن الإمام، ومنهم: الأعمش، ومنهم: ابن جرير.
    أشخاص قليلون جاء عنهم القول بتفضيل علي على عثمان من حيث الفضل لا أنه أولى منه بالخلافة؛ لأن كون عثمان أولى بالخلافة هذا محل اتفاق، ولا يخالف في ذلك أحد، والمخالف في ذلك يضلل؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم اتفقوا على تقديم عثمان على علي، فالقول بأنه أحق منه بالخلافة اعتراض على اتفاق الصحابة وعلى تقديم الصحابة إياه، أما مسألة الفضل، وأنه أفضل منه فإن الذين قالوا بذلك لا يبدعون ولا يضللون وإن كان قولهم خلاف المشهور من قول أهل السنة والجماعة، وهو تفضيل عثمان على علي كما جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أنه قال:
    (كنا نخير ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي فنقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكره) فدل على تقديم عثمان على علي في الفضل وأن من خالف في ذلك من أهل السنة فقدم علي على عثمان في الفضل فإنه لا يبدع، ولا يضلل ولا يضيره شيئاً، فإذاً: فالتشيع الذي نسب إلى عبد الرزاق وهو من هذا القبيل لا يضره.
    [أخبرنا معمر].
    هو ابن راشد الأزدي البصري، نزيل اليمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [عن سعيد بن المسيب].
    وقد مر ذكره.
    [وأبي سلمة].
    هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع والذين أشرت إليهم آنفاً.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.
    وقول أبي عبد الرحمن النسائي في آخره: (ابن المسيب لم أفهمه كما أردت)، المقصود من ذلك أنه لم يكن جازماً بأن ابن المسيب هو في هذا الإسناد من هذا الطريق، وإن كان عنده من الطريق السابقة التي هي غير طريق محمد بن رافع، لكن طريق محمد بن رافع هو جازم بأن الحديث من طريق أبي سلمة ولكنه لم يجزم بأن ابن المسيب فيه.

    شرح حديث: (... إن أخاكم قد مات فقوموا فصلوا عليه فصففنا عليه صفين)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخاكم قد مات فقوموا فصلوا عليه فصففنا عليه صفين)].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه وأرضاه أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرهم بموت النجاشي، وأنه خرج وصلى بهم، وأنه جعلهم صفين، وهذا محل الشاهد، وهو تعدد الصفوف، وأنه جعلهم صفين، المهم أن الصفوف تتكرر وتتعدد، والأولى أن تكون ثلاثة، وفي هذا الحديث أنه جعلهم صفين فذلك سائغ، ولكن كونها ثلاثة هو الأولى كما جاء ذلك في بعض الأحاديث حيث صفهم وجعلهم ثلاثة صفوف.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن أخاكم قد مات فقوموا فصلوا عليه فصففنا عليه صفين)

    قوله:
    [أخبرنا علي بن حجر].
    هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، بل إن مسلماً أكثر من الرواية عنه. وعلي بن حجر ومحمد بن رافع هذان ممن أكثر عنهما الإمام مسلم في صحيحه.
    [أخبرنا إسماعيل].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن أبي الزبير].
    هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (كنت في الصف الثاني يوم صلى رسول الله على النجاشي..) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أبو داود سمعت شعبة يقول: الساعة يخرج .. الساعة يخرج حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (كنت في الصف الثاني يوم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي)].أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله من طريق أخرى، وفيه أنه كان في الصف الثاني من الصفين في الصلاة على النجاشي، وهو مثل الذي قبله قال: جعلهم صفين، وهنا بين مكانه من الصفين، وأنه في الثاني منهما، ففي تعدد الصفوف في الصلاة على الجنازة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كنت في الصف الثاني يوم صلى رسول الله على النجاشي ...) من طريق ثانية

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا أبو داود].
    هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [سمعت شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [الساعة يخرج الساعة يخرج].
    جاء في الإسناد عن شعبة أنه قال: الساعة يخرج الساعة يخرج، وقيل: الظاهر أن المراد من هذا الكلام أنهم كانوا عند منزل أبي الزبير ينتظرون خروجه ليحدثهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم كانوا يقولون: الساعة يخرج.. الساعة يخرج، فخرج وحدثهم، فهذا هو المقصود مما جاء في الإسناد من كلمة: (الساعة يخرج .. الساعة يخرج) أي: المقصود بذلك أبو الزبير.
    [حدثنا أبي الزبير عن جابر].
    مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.

    حديث: (... إن أخاكم النجاشي قد مات فقمنا فصففنا عليه كما يصف على الميت ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر بن المفضل حدثنا يونس عن محمد بن سيرين عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخاكم النجاشي قد مات، فقوموا فصلوا عليه، قال: فقمنا فصففنا عليه، كما يصف على الميت، وصلينا عليه كما يصلي على الميت)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وهو مثل الأحاديث التي تقدمت؛ فيها نعي النجاشي، وأمرهم بالصلاة عليه، وأنه قام وصف بهم، وصلى عليه كما يصلى على الميت، وصف بهم كما يصف على الميت، أي: أن صلاة الغائب كصلاة الحاضر، أي: أن الصلاة على الغائب كالصلاة على الحاضر.
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    هو إسماعيل بن مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا بشر بن المفضل].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يونس].
    هو ابن عبيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن سيرين].
    ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي المهلب].
    هو الجرمي واسمه عمرو وهو عم أبي قلابة الجرمي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمران بن حصين].
    هو عمران بن حصين أبي نجيد، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الصلاة على الجنازة قائماً

    شرح حديث: (... فقام رسول الله في الصلاة في وسطهما)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على الجنازة قائماً. أخبرنا حميد بن مسعدة عن عبد الوارث حدثنا حسين عن ابن بريدة عن سمرة رضي الله عنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم كعب ماتت في نفاسها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة في وسطها)].
    ثم أورد النسائي الصلاة على الجنازة قائماً، يعني: أن المصلين يصلون عن قيام، والإمام يصلي وهو قائم، وغيره يصلون قياماً، إلا إذا كان هناك أمر عدم القدرة؛ فالإنسان كما يصلي الفرض جالساً حيث لا يقدر فإنه يصلي جالساً، ولكن المشروع في السنة في الجنازة أنه يصلى عليها عن قيام ولا يصلى عليها عن جلوس.
    وقد أورد النسائي حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه، أنه صلى على أم كعب مع النبي صلى الله عليه وسلم حين ماتت في نفاسها، (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة في وسطها)، يعني: أنه وقف عند وسطها، وهذه هي السنة في الوقوف على الجنازة أنه عندما يصلي على المرأة يقف عند وسطها، أما إذا صلى على الرجل فإن السنة أن يقف عند رأسه، وهذا من الأحكام التي تختلف فيها النساء عن الرجال؛ لأن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام إلا إذا جاءت نصوص تميز ما يختص به الرجال عن النساء والنساء عن الرجال، وهذا من هذا القبيل الذي فيه اختلاف النساء عن الرجال في الأحكام، وهذا في الموقف في الصلاة على الجنازة؛ فالرجل يوقف عند رأسه، والمرأة يوقف عند وسطها، ومحل الشاهد من هذا أن النبي قام في وسط المرأة -أي: أنه كان محاذياً لوسطها- وأنه صلى على الجنازة قائماً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فقام رسول الله في الصلاة في وسطهما)

    قوله:
    [أخبرنا حميد بن مسعدة].
    هو حميد بن مسعدة البصري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الوارث].
    هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حسين].
    هو ابن ذكوان المعلم، وهو ثقة، ربما وهم، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن بريدة].
    هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وابن بريدة يطلق على شخصين عبد الله هذا وسليمان، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في آخر التقريب أنه إذا جاء في الأسانيد ابن بريدة غير مسمى، فإنه إن كان الراوي عنه الأعمش، أو محمد بن جحادة، أو محارب بن دثار وعلقمة بن مرثد، فإنه يعتبر سليمان، وما عدا أولئك فإنه يكون عبد الله بن بريدة.
    [عن سمرة].
    هو سمرة بن جندب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الأسئلة

    كيفية وضع الجنازتين لرجل وامرأة وموقف الإمام منهما

    السؤال: يا شيخ حفظكم الله! إذا اجتمع رجل وامرأة في صلاة الجنازة كيف يكون موقف الإمام؟


    الجواب: إذا اجتمع رجل وامرأة في صلاة الجنازة، فإن رأس الرجل يكون محاذياً لوسط المرأة يعني: يجعل الرجل يلي الإمام ثم وراءه المرأة، ويجعل رأس الرجل محاذياً لوسط المرأة، بحيث إذا وقف عند رأسه يكون واقفاً عند وسطها.


    حكم صلاة المأموم مع الإمام خلف الصف منفرداً

    السؤال: حفظكم الله! ما حكم صلاة المأموم خلف الإمام مع الجماعة خلف الصف منفرداً؟الجواب: لا يجوز للإنسان أن يصلي وحده ويكون صافاً وحده؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف)، فلا يجوز للإنسان أن يصلي وحده ويكون صافاً، وإنما يبحث أو ينتظر أحد يصلي ويصطف معه، ويمكن أن يتقدم ويصلي بجوار الإمام عن يمينه، وإن وجد فرجة دخل بها، وإذا لم يتمكن من أن يصل إلى الإمام وليس هناك أحد يأتي، وكان الأمر دائراً بين أن يصلي جماعة أو تفوته الصلاة، فإنه عند ذلك يكون مضطراً، فله أن يصلي وحده في هذه الحالة.

    وجود جدار يفصل بين المأمومين في الصف الواحد

    السؤال: حفظكم الله! إذا صلى ركعة فجاء بعض الناس فصف معه بعد أن أتم ركعة، وكذلك إذا صلى وبينه وبين الصف جدار فصلى خلف الجدار منفرداً؟


    الجواب: كون هناك جدار يفصل بين الصف لا يؤثر، ولا يمنع الائتمام وجود جدار بين بعض المأمومين بعضهم عن بعض ما دام أنه يتمكن من المتابعة ويسمع الصوت، والصفوف متصلة ومتقاربة.

    زمن تسليم المأمومين في الصلاة بعد تسليم الإمام

    السؤال: كثير من الناس يسلمون عند انتهاء الصلاة حين ينتهي الإمام من التسليمتين الاثنتين، فما هي السنة في هذا؟


    الجواب: المأمومون يسلمون بعد انتهاء التسليمة الثانية من تسليمة الإمام، هذا هو الذي عليهم أن يفعلوه، يعني: إذا فرغ الإمام من التسليمتين يبدأون بالتسليم.

    حكم تسمية الولد بعبد الباقي ونحوه

    السؤال: هل تجوز التسمية بعبد الباقي ونحوه؟

    الجواب: أسماء الله الحسنى يسمى بها، والإنسان عليه إذا أراد أن يسمي بأسماء الله أن يبحث وأن يسأل عن أسماء الله ويسمي بواحد منها، وأما ما لم يرد فيه شيء من أسماء الله عز وجل، ولكن المقصود به الله عز وجل، فمثل هذه الألفاظ، أنا ما أدري الباقي هل هي موجودة في أسماء الله الحسنى أو ليست موجودة، لكن الباقي هو الله عز وجل، وإذا سمي وأريد به الله فالأمر في ذلك واضح أنه سائغ؛ لأنه إنما سمي أو عبد لله عز وجل، ولم يعبد لغيره، لكن الاختيار عند التسمية ينبغي أن يكون الإنسان على علم بالاسم الذي يسمي به أو يجعل المولود معبداً له.
    فالكلام على كلمة اسم الباقي مثلما يقال: الحي القيوم؛ فالله تعالى هو الباقي لا شك، الله تعالى هو الذي يبقى، لكن هل ورد في أسماء الله الحسنى؟ لأن أسماء الله توقيفية لا يقال: إن من أسمائه كذا، ولا نشتق له اسماً من الصفات، فالله تعالى متصف بالبقاء لا شك، باق لا ينتهي، لكن هل من أسماء الله الحسنى الباقي؟ فأنا لا أتذكر أنه ورد نص في ذلك.

    حكم التكني بأبي رافع

    السؤال: حفظكم الله! حكم التكني بأبي رافع؟

    الجواب: ما نعلم شيئاً يمنع منها.

    معنى سوق الهدي

    السؤال: حفظكم الله! ما معنى سوق الهدي؟ وهل سوق الهدي يمنع من التمتع وما السبب؟

    الجواب: الإنسان إذا ساق الهدي، أو إذا أراد أن يسوق الهدي، فإنه يحرم بالقران كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوقه هو الذهاب به سواء كان يمشي أو محمولاً إذا حمله الناس في سياراتهم؛ فهذا أيضاً يدخل تحت سوقه؛ لأن الأصل سوق الهدي، وأن الناس يسوقون قبل ذلك إن كان الهدي يمشي، ولكن لو حصل أنه حمل في سيارة يدخل تحت سوق الهدي، فالإنسان الذي يريد أن يسوق هدياً فإنه يحرم بالقران كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    جواز الصفوف الثلاثة ولو كان العدد قليل

    السؤال: حفظكم الله! هل تشرع الصفوف الثلاثة ولو كان العدد قليل؟

    الجواب: نعم ولو كان العدد قليلا؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث أنه كان معه سبعة فجعلهم ثلاثة صفوف، الصف الأول ثلاثة، ثم اثنين، ثم اثنين.
    وأما قضية تكثيرها ما أعلم شيئاً يدل عليه، ولكن كونها تصير ثلاثة جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    استخدام الكحول لمداواة الجروح

    السؤال: حفظكم الله! هل يجوز أن يداوى الجرح بالكحول؟


    الجواب: الجرح كما هو معلوم يداوى بما ليس بحرام، لكن إذا كان هذا الكحول مع شيء آخر وهو الغالب فلا بأس بذلك.

    ما يميز داخل المسجد عن خارجه باعتبار الباب

    السؤال: حفظكم الله! الذي يصلي في جهة باب السلام عند الصناديق خارج الباب، لكن داخل تحت المظلة؟

    الجواب: العبرة هو الباب، هو الحد الفاصل بين داخل المسجد وخارجه، فمكان الباب هو الفاصل، والبرحة التي خارجه وإن كانت مغطاة لا تعتبر من المسجد لأنها خارج المسجد؛ لأن الباب إذا أغلق فإن ما وراءه يعتبر خارجاً عن المسجد وما دونه يعتبر داخلاً في المسجد.

    اشتراك البنات مع الذكور في سنة حلق الرأس

    السؤال: حفظكم الله، هل تشترك البنات مع الأولاد مع الذكور في سنة حلق الرأس، وهل هي من الأحكام التي لا تنطبق عليهن؟


    الجواب: لا أدري بالنسبة للنساء؛ هو ورد بالنسبة للذكور.


  7. #347
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (344)

    - (باب اجتماع جنازة صبي وامرأة) إلى (باب عدد التكبير على الجنازة)

    لكل نوع من أنواع الصلوات هيئات وصفات تختص بها، من ذلك صلاة الجنازة، فقد بين الشرع الحكيم صفاتها، منها موقف الإمام من الجنازة عند الصلاة عليها، فيقف عند رأس الرجل ووسط المرأة، فإذا كان معهم صبي أو أكثر فيقدم الرجل مما يلي الإمام ثم الصبي ثم المرأة، ويكبر عليها أربع تكبيرات أو خمساً، إلا أن الأربع هي أكثر فعل النبي عليه الصلاة والسلام.
    اجتماع جنازة صبي وامرأة

    شرح حديث عمار: (حضرت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اجتماع جنازة صبي وامرأة. أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد، حدثنا أبي، حدثنا سعيد، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمار رضي الله تعالى عنه قال: (حضرت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ووضعت المرأة وراءه فصلى عليهما، وفي القوم أبو سعيد الخدري، وابن عباس، وأبو قتادة، وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهم، فسألتهم عن ذلك فقالوا: السنة)].
    يقول النسائي رحمه الله: اجتماع جنازة صبي وامرأة. أي: إذا اجتمع جنازة صبي وامرأة فأيها يكون أقرب إلى الإمام، وأيها يكون إلى جهة القبلة، يعني: مما يلي الإمام، هذا هو مقصود النسائي في الترجمة، والحكم بالنسبة لاجتماع الرجال والنساء والصبيان أنهم يرتبون في القرب من الإمام كترتيبهم في الصلاة، كما أنه إذا حضر رجال وصبيان ونساء، فالرجال هم المقدمون، ثم يليهم الصبيان، ثم يليهم النساء، فكذلك في صلاة الجنازة يقدم إلى الإمام الرجال، ثم يليه الصبيان ثم يلي ذلك النساء إلى جهة القبلة، والترجمة هي اجتماع صبي وامرأة، وأنه يكون الصبي إلى جهة الإمام، والمرأة إلى جهة القبلة فتكون وراءه، وقد أورد النسائي في هذا حديث جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم ابن عباس، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وأبو قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنهم، أنهم سئلوا في تقديم الصبي إلى جهة الإمام والمرأة وراءه فقالوا: السنة، أي: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابي إذا أطلق السنة، أو قال: من السنة، أو قال: هذا هو السنة، فيعني بذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون له حكم الرفع، أي: أنه من قبيل المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن السنة إذا أطلقت، وقيل: من السنة كذا، فإن المراد بذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
    والنسائي أورد هذا الحديث الذي هو حديث هؤلاء الجماعة من الصحابة، وقد ذكر عمار وهو ابن أبي عمار مولى بني هاشم أنه حضرت جنازة صبي وامرأة، فصار الصبي من جهة الإمام، والمرأة وراءه أي: إلى جهة القبلة، وكان في القوم أي: الذين صلوا هؤلاء الصحابة الأربعة، فسألهم فقالوا: السنة، أي: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    إذاً: هذا الحديث جاء عن جماعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم، وبينوا أن جنازة الغلام تلي الإمام، وجنازة المرأة تكون وراءه إلى جهة القبلة فيما إذا اجتمعت جنازة صبي وامرأة، هذا هو السنة كما جاء عن جماعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، لما سئلوا عن ذلك فقالوا: السنة، أي: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث عمار: (حضرت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ...)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].
    هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا أبي].
    هو عبد الله بن يزيد المكي المقرئ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد].
    هو ابن أبي أيوب المصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني يزيد بن أبي حبيب].
    هو يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، فقيه، يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن أبي رباح].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمار].
    هو ابن أبي عمار مولى بني هاشم، وهو صدوق ربما وهم، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أبو سعيد الخدري، وابن عباس، وأبو هريرة، وأبو قتادة].
    هؤلاء أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: إن هذا هو السنة، أي: سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأبو سعيد هو سعد بن مالك بن سنان الخدري، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وابن عباس كذلك ابن عبد المطلب وهو أحد السبعة، وأبو هريرة كذلك عبد الرحمن بن صخر الدوسي وهو أكثر السبعة حديثاً، فهؤلاء ثلاثة من الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأبو قتادة هو الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.


    اجتماع جنائز الرجال والنساء

    شرح حديث: (أن ابن عمر صلى على تسع جنائز جميعاً فجعل الرجال يلون الإمام ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اجتماع جنائز الرجال والنساء. أخبرنا محمد بن رافع، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج قال (سمعت نافعاً يزعم أن ابن عمر صلى على تسع جنائز جميعاً، فجعل الرجال يلون الإمام والنساء يلين القبلة، فصفهن صفاً واحداً، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي رضي الله تعالى عنه، امرأة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وابن لها يقال له: زيد وضعا جميعاً والإمام يومئذ سعيد بن العاص وفي الناس ابن عمر، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وأبو قتادة، فوضع الغلام مما يلي الإمام، فقال رجل: فأنكرت ذلك فنظرت إلى ابن عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأبي قتادة فقلت: ما هذا؟ قالوا: هي السنة)].
    أورد النسائي رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي اجتماع جنازة الرجال والنساء، فأيها يقدم، أو كيف توضع؟ وقد عرفنا أن الرجال يوضعون إلى جهة الإمام مما يلي الإمام، والنساء يكن وراءهم إلى جهة القبلة، بمعنى أن الرجال يصفون وتكون رءوسهم متساوية، ثم تصف النساء وراءهم إلى جهة القبلة، وتكون صفوفهن متساوية إلا أن أوساطهن تكون محاذية لرءوس الرجال، كما هي السنة في وقوف الإمام عند الرجل والمرأة، فهو يقف عند رأس الرجل، ويقف عند وسط المرأة، فتكون جنازة الرجال إلى جهة النساء وهم على نسق واحد رءوسهم متساوية، فهذه هي السنة فيما يتعلق بوضع الرجال والنساء.
    وذكر أن ابن عمر حضر تسع جنائز، ليصلي عليها، فوضعوا بهذا الترتيب أو بهذا الوضع الذي هو الرجال يلون الإمام، والنساء إلى جهة القبلة، وكذلك أيضاً جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وابنها، وقد أحضروا فقدم الغلام إلى جهة الإمام، وهي إلى جهة القبلة، وفي الذين حضروا رجل كأنه أنكر ذلك، فنظر وإذا في القوم أربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وهم ابن عباس، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وأبو قتادة فقالوا: هذا هو السنة.
    والذي سبق أن مر، أو في الحديث الأول عمار بن أبي عمار هو الذي ظهر منه السؤال عن ذلك أو إنكار ذلك، ولكنه أخبر بأن هذه سنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن ابن عمر صلى على تسع جنائز جميعاً فجعل الرجال يلون الإمام ...)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن رافع].
    هو القشيري النيسابوري، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، حافظ، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو مولى ابن عمر، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [يزعم أن ابن عمر].
    وكلمة: (يزعم) هنا المقصود بها الخبر المحقق؛ لأن كلمة الزعم تأتي لمعان، وأحياناً تأتي ويراد بها الخبر المحقق، أي: يخبر خبراً محققاً بأن ابن عمر حصل له كذا وكذا.
    [ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي آخر الحديث ذكر الأربعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جاء عنهم بيان أن الغلام يقدم إلى جهة الإمام والمرأة تكون إلى جهة القبلة، وأن هذا هو سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي يفهم ويبدو من الحديث أن فيه واقعتين: واقعة فيها رجال ونساء اجتمعوا، وعبد الله بن عمر هو الذي يصلي بالناس، وأن الرجال إلى جهة الإمام، والنساء إلى جهة القبلة، والقصة الثانية قصة الصبي والمرأة، والصبي هو ابن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب زوجة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وفيه تقديم الصبي إلى جهة الإمام والمرأة إلى جهة القبلة، وأن ذلك هو السنة كما جاء عن أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (أن رسول الله صلى على أم فلان... فقام في وسطها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر، أخبرنا ابن المبارك والفضل بن موسى (ح) وأخبرنا سويد، أخبرنا عبد الله، عن حسين المكتب، عن عبد الله بن بريدة، عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على أم فلانة ماتت في نفاسها فقام في وسطها)].أورد النسائي رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه (أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على جنازة أم فلانة فقام في وسطها)، يعني: هذا فيه الموقف بالنسبة للمرأة، وأنه يكون في وسط المرأة، وهذا بخلاف الرجل، فإن الإمام يقف عند رأسه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى على أم فلان... فقام في وسطها)

    قوله:
    [أخبرنا علي بن حجر].
    هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا ابن المبارك].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة ثبت، جواد، مجاهد، عابد، جمعت فيه خصال الخير كما قال ذلك الحافظ ابن حجر في ترجمته في تقريب التهذيب، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ والفضل بن موسى].
    هو الفضل بن موسى المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    قال النسائي: (ح) أي: هذا الحرف يدل على التحول من إسناد إلى إسناد.
    [وأخبرنا سويد بن نصر].
    هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله].
    هو ابن المبارك وهو الذي في الإسناد الأول.
    [عن حسين المكتب].
    هو حسين بن ذكوان المعلم، ويقال له: المكتب، وهو ثقة، ربما وهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن بريدة].
    هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سمرة].
    هو سمرة بن جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    عدد التكبير على الجنازة

    شرح حديث: (... نعى للناس النجاشي ... وكبر أربع تكبيرات)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [عدد التكبير على الجنازة.أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي، وخرج بهم، فصف بهم، وكبر أربع تكبيرات)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: عدد التكبير على الجنازة. والصلاة على الجنازة فيها تكبيرات أقلها أربع وأعلاها تسع، وقد جاء في ذلك أحاديث ذكرها الشيخ الألباني في كتابه أحكام الجنائز، لكن الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً، وجاء عن الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم هو أربع تكبيرات.
    وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة الصلاة على النجاشي، وأن النبي عليه الصلاة والسلام نعى لهم النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج وصلى بهم فكبر أربعاً، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث هنا؛ لأن الحديث دال على التكبير على الجنازة أربع تكبيرات، وذلك في صلاة الغائب، وأن صفة الصلاة على الميت الغائب كصفة الصلاة على الميت الحاضر، وأن عدد التكبيرات أربع تكبيرات.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... نعى للناس النجاشي ... وكبر أربع تكبيرات)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد].
    هو ابن المسيب المدني، وهو ثقة، فقيه، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.

    شرح حديث: (... فأتى قبرها فصلى عليها وكبر أربعاً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل رضي الله تعالى عنه، قال: (مرضت امرأة من أهل العوالي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، أحسن شيء عيادة للمريض، فقال صلى الله عليه وسلم: إذا ماتت فآذنوني، فماتت ليلاً فدفنوها، ولم يعلموا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح سأل عنها، فقالوا: كرهنا أن نوقظك يا رسول الله، فأتى قبرها فصلى عليها، وكبر أربعاً)].أورد النسائي رحمه الله حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة المرأة التي كانت قد مرضت، وهي من المساكين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعودها وقال: إذا ماتت فأخبروني، فماتت ليلاً، وكرهوا أن يوقظوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يشقوا عليه، فدفنوها في الليل، فلما علم بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، ذهب ووقف على قبرها، وصلى عليها، وكبر أربع تكبيرات، وهذا هو محل الشاهد؛ أن الجنازة عندما يصلى عليها يكبر أربع تكبيرات، والحديث سبق أن مر في عدة تراجم سابقة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فأتى قبرها فصلى عليها وكبر أربعاً)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    قد مر ذكره.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو غير منسوب هنا، فإذا جاء غير منسوب يروي عن قتيبة فالمراد به ابن عيينة، وكذلك إذا جاء سفيان يروي عن الزهري وهو غير منسوب فالمراد به ابن عيينة؛ لأن ابن عيينة هو المعروف بكثرة الرواية عن الزهري، بل قد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أن الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة.
    [عن أبي أمامة بن سهل].
    هو أبو أمامة بن سهل بن حنيف واسمه أسعد، وهو من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث زيد بن أرقم: (أنه صلى على جنازة فكبر عليها خمساً...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى، حدثنا شعبة، حدثني عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى (أن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه، صلى على جنازة فكبر عليها خمساً، وقال: كبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم)].وهنا أورد النسائي رحمه الله حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه (أنه صلى على جنازة فكبر عليها خمساً، وقال: كبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: كبر هذه التكبيرات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يدلنا على أن الجنازة يكبر عليها أربعاً ويكبر عليها خمساً، وكذلك يكبر عليها أكثر من ذلك إلى تسع، كما جاء في ذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن الغالب من فعله عليه الصلاة والسلام، والذي كان يفعله كثيراً، وفعله الخلفاء الراشدون من بعده أنه يكبر عليها أربع تكبيرات.

    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن أرقم: (أنه صلى على جنازة فكبر عليها خمساً...)

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى].
    هو ابن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني عمرو بن مرة].
    هو عمرو بن مرة الكوفي المرادي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي ليلى].
    هو عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أن زيد بن أرقم... ].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.


    الأسئلة

    وجه إقرار العلماء بمشروعية الإفراد في الحج

    السؤال: حفظكم الله، لماذا ذهب أهل العلم إلى أن التمتع هو الأفضل وأقروا بالإفراد، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نسخ الإفراد وأمر أمراً جازماً لمن كان مفرداً ولم يسق الهدي أن يحل، حتى أنه غضب لما رأى من الصحابة عدم الاستجابة لأول مرة، وقال: (مالي آمر ولا يستجاب؟ وقال: لولا أني سقت الهدي، لفعلت مثل الذي أمرتكم به)، فهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان للأفضلية لما غضب وأمرهم أمراً جازماً فأحلوا كلهم ما عدا المقرنين؟ نرجو التفصيل بارك الله فيك.


    الجواب: هذه المسألة وهي قضية التمتع هل هو واجب أو مستحب مسألة خلافية بين أهل العلم، بعض أهل العلم، ومنهم ابن عباس قالوا بوجوب التمتع، وأنه ليس لأحد أن يأتي إلا إذا ساق هدياً، فإنه يقرن، أو يفرد إذا ساق الهدي، أما إذا لم يسق هدياً، فإنه يجب عليه أن يتمتع، وقال بذلك من أهل العلم ابن القيم، وقال جمهور أهل العلم: إن التمتع مستحب، وأن القران والإفراد جائزان مع عدم سوق الهدي، وأوضحوا دليلاً لهم على ذلك بفعل الخلفاء الراشدين الثلاثة أبي بكر، وعمر، وعثمان، فإنهم كانوا يفردون، ولم يكونوا يتمتعون، فدل فعل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وأنهم كانوا يختارون الإفراد، وما كانوا يختارون التمتع على أن التمتع إنما هو المستحب، وأن الإفراد والقران سائغان.
    ومعلوم أن هؤلاء الصحابة، وهم الثلاثة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم قد فعلوا ذلك، وهم من أعلم الناس بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأتبع الناس لسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، دل صنعهم هذا على أن هذا الفعل سائغ، وأن التمتع يحمل ما ورد فيه على الاستحباب لا على الوجوب.

    كيف يصوم من عليه صيام الهدي إذا كان أولاده غير البالغين أكثر من ثلاثة وقد حجوا معه


    السؤال: حفظكم الله، إذا كان رجل له أربعة أولاد غير بالغين، وأراد أن يحج معهم، فإذا دخل بهم بالتمتع وليس له مال للهدي وأراد الصوم عنهم فكيف يصوم، مع العلم أن أيام الحج قليلة بالنسبة للصيام على الأربعة، وهل يجوز أن يصوم عنهم في هذه الأيام قبل الثامن من ذي الحجة وقبل الحج؟


    الجواب: بالنسبة للأطفال الصغار في هذا الزمان إذا كان هناك أحد يحفظهم، ولا يذهب بهم إلى المسجد لشدة الزحام فلا شك أن هذا هو الأولى في حقهم؛ لما يترتب على ذلك من المضرة، وإذا أحرم لهم متمتعين أو أحرم لهم قارنين، فإنه عليه أن يعمل معهم ما يعمل مع الكبير؛ لأن الواجب هو الهدي، وإذا لم يستطع فإنه يصام عنهم، لكن بالنسبة للصيام كما هو معلوم الذي يجب هو صيام ثلاثة أيام في الحج، وقد لا يتيسر للإنسان أن يأتي إلا فيما يجب عليه، لكن إذا أحرم بهم بالإفراد إذا كان ولا بد حتى يسلم من كثرة دخولهم وخروجهم إلى المسجد أو تعدد الطواف والسعي عليهم، فإنه يحصل المقصود من حيث حصول الحج، وإذا أيضاً وجد من يحافظ عليهم ويبقون في الخيام، فإن هذا فيه فائدة له ولهم، وأما قضية الصيام، وهل يصوم عنهم هذه المقادير أو هذه الأعداد فلا أستطيع أن أقول في هذا شيئاً، ولا أدري، والله تعالى أعلم.

    الدواعي لتدليس المدلسين

    السؤال: حفظكم الله، ذكرتم أن تدليس التسوية هو أسوأ أنواع التدليس، وأنه يأتي إلى حديث فيه ضعفاء وثقات فيحذف الضعفاء ويسوي الثقات وينسب تدليسه إلى شيخه أو إلى شيخ شيخه ولا ينسب له، وما الداعي لهذا الفعل السيئ من هذا المدلس، وكيف يسوي بين الثقات؟


    الجواب: التسوية بين الثقات إذا حذف الضعفاء صار الثقات بعضهم متصل ببعض، فظن أن الإسناد كله ثقات مع أن فيه ضعفاء حذفوا من أسماء الإسناد، فهذا هو تسوية الإسناد بأن يكونوا ثقات، يعني: فيهم ضعفاء في أثناء الطريق حذفوا، وكل شخص صار قبله ثقة، والضعيف الذي بين الثقتين حذف، فهذا شر أنواع التدليس؛ لأن هذا التدليس فيه إضافة التدليس إلى غيره، وكأن غيره رواه عن ذاك الثقة، مع أن غيره رواه عن ذاك الضعيف، وذلك الضعيف يروي عن الثقة، وهذا المدلس جاء، وحذف ثقة بين ضعيفين ووصل الثقة بالثقة، فصار الإسناد كله ثقات، يعني: متصل بعضهم ببعض، مع أن الواقع أن هناك ضعفاء بين الثقات حذفوا من قبل ذلك المدلس الذي يدلس تدليس التسوية.

    من أتى بعمرة وأتى بحج بعدها في سفرة واحدة فهو متمتع

    السؤال: حفظكم الله، شخص قدم من مصر واعتمر في شهر رجب، ثم بقي في المدينة، ويريد أن ينزل في السادس من ذي الحجة إلى مكة فيأتي بعمرة عن أمه المتوفاة، ثم يحج مفرداً، فهل يجوز له ذلك وهل عليه هدي؟

    الجواب: ما يقال له مفرد، إذا ذهب من هنا في عمرة له أو لغيره ثم حج بعد ذلك، فإنه يعتبر متمتعاً، ولو كانت العمرة لغيره والحج له؛ لأنه يجوز أن يأتي الإنسان متمتعاً والعمرة له والحج لغيره أو العكس، أو تكون العمرة لشخص والحج لشخصٍ آخر، يعني: يعطي العمرة لشخص والحج لشخص، فهو متمتع وعليه هدي، فلا يقال أنه هنا مفرد؛ لأنه قد أتى بعمرة، وأتى بعدها بحج في سفرة واحدة، فهو متمتع وعليه هدي إن كان مستطيعاً وإلا صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.

    ما يشترط لمن أراد أن يؤدي العمرة عن غيره

    السؤال: يا شيخ، هل يشترط في أداء العمرة أن يكون قد اعتمر من قبل عن نفسه؟

    الجواب: نعم، ليس للإنسان أن يعتمر عن غيره ويحج عن غيره إلا إذا كان قد سبق له أن اعتمر لنفسه، وأدى الحج لنفسه.

    كيفية التعامل مع بنت أخذت من إحدى المستشفيات لغرض التربية، ثم بلغت عندهم

    السؤال: حفظكم الله، توجد أسرة أخذت طفلة من مستشفيات الرعاية لغرض تربيتها، وعندما كبرت هذه الطفلة والأم في هذه الأسرة لم ترضعها، فهم الآن في حيرة فكيف يعملون؟ وما هي الطريقة الصحيحة لبقاء هذه البنت مع وجود ذكور في المنزل، والبنت قد بلغت الثامنة عشرة، وليس هناك من يقوم بتربيتها الآن غيرهم؟الجواب: إذا لم يكن هناك إرضاعاً لها من جهة امرأة رب البيت، أو أقاربه، مثلاً بناته أو أخواته أو ما إلى ذلك بحيث يكون محرماً لها، فإنها تكون أجنبية، وما دام أنها بلغت سن الثامنة عشرة وكبرت، فهي تبقى معهم، وتبتعد عن الرجال، ويبادر إلى تزويجها إذا جاء لها زوج.

    حكم استعمال اللولب كمانع للحمل

    السؤال: حفظكم الله، ما حكم استعمال اللولب كمانع للحمل؟

    الجواب: لا ينبغي للمرأة أن تحرص على تأخير الحمل، بل عليها أن تفرح بكونها منجبة وأنها ممن تلد، وكم من امرأة ما حصل هذا الذي حصل لهذه المرأة، وهي تبذل الأسباب، وينفقون الأموال من أجل أن تحمل ولو بولد واحد، وقد يحصل لهم ذلك وقد لا يحصل، فالمرأة التي أكرمها الله عز وجل بأن جعلها منجبة، تحمد الله عز وجل على هذه النعمة، وتحرص على كثرة الأولاد وكثرة الأولاد فيهم خير إن شاء الله، والنبي عليه الصلاة والسلام، حث على كثرتهم وقال: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) فالمرأة ما ينبغي لها أن تقدم على شيء يؤخر الحمل، اللهم إذا كان هناك ضرورة، وذكر لها أطباء مؤتمنون أن الحمل يلحق ضرراً بالغاً بها، ويؤدي إلى تلفها، فهذا شيء آخر، أما مجرد كونها تريد أن ترتاح وما تريد أن تحمل، وما تريد أن تتعب في الحمل والولادة فهذا ليس سبباً يقتضي مثل هذا التصرف الذي هو العمل على تأخير الحمل، أما التحديد فغير، التحديد معناه قطع النسل، معناه أنه يحصل كذا من الأولاد ثم يعملون على قطع النسل، طبعاً هذا أسوأ، وأما التأخير الذي هو إرجاؤه واتخاذ أسباب تأخره فهذا هو الذي ذكرت فيه الإشكال، والذي ينبغي للمرأة ألا تقدم عليه إلا إذا كان هناك ضرورة ملجئة إلى ذلك يترتب عليها ضرر بالغ لها، ويكون ذلك بمشورة أو بكلام أطباء مأمونين يقولون ذلك، فقطع النسل نهائياً هذا أخطر، وهذا خطير جداً، وأما تأخيره والعمل على تأخيره فهذا هو الذي فيه التفصيل الذي ذكرته.

    حكم صلاة ركعتين في المحاريب التي في المسجد النبوي

    السؤال: حفظكم الله، ما حكم صلاة ركعتين في المحاريب التي في المسجد النبوي، فإن كثيراً من الحجاج يزدحمون عليها؟

    الجواب: ليس لهذا أساس، وإنما الإنسان يصلي في أي مكان من المسجد والصلاة بألف صلاة، وإذا تمكن أن يصلي في الروضة -أي: النافلة- من غير أن يشق على أحد ومن غير أن يؤذي أحداً فهذا أحسن، أما الذهاب للمحاريب والمزاحمة على المحاريب، فهذا ليس له أساس يعتمد عليه، فلا ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه به، وإنما يصلي ما أمكنه أن يصلي فيه من المسجد، وإذا كان ذلك نافلة وهو في الروضة، فلا شك أنه أولى بشرط ألا يترتب على ذلك إيذاء لأحد.

    ما يجب على من يصلي من مسجد تقام فيه البدع

    السؤال: حفظكم الله، إذا كنا في مسجد تعمل فيه البدع من ذكر وغيره، فهل الأفضل لنا أن نجلس بعد الصلاة نذكر الله تعالى أو نخرج من المسجد مباشرة؟
    الجواب: الإنسان يذكر الله عز وجل ويأتي بالذكر المشروع، وإذا كان هناك أحد يفعل فعلاً مخالفاً للسنة فإن عليه أن ينصحه، وأن ينبهه إلى ذلك.

    معنى فقه الواقع عند السلف

    السؤال: حفظكم الله، ما معنى فقه الواقع عند السلف الصالح؟الجواب: فقه الواقع عند السلف أن الإنسان يحيط علماً بالقضية وملابساتها، وما يتعلق بها حتى يكون الحكم على بينة؛ لأنهم يقولون: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فالواقعة التي تقع ويكون الحكم عليها يحتاج إلى معرفة ملابساتها وما يتعلق بها، وهذا هو المقصود بفقه الواقع أو فقه الواقعة التي يكون فيها الكلام.

    ما يشترط على المرأة من إذن زوجها لأداء فريضة الحج

    السؤال: حفظكم الله، هل يمكن للمرأة المتزوجة أن تحج فرضها دون مشاورة زوجها؟

    الجواب: نعم، بالنسبة للفرض يجب عليها ذلك، وليس للزوج أن يمنعها، له أن يمنعها من النفل، أما الفرض فإنها إذا كانت قد وجدت المال، ووجدت المحرم فإنه يتعين عليها أن تحج؛ لأن الله تعالى يقول: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )[آل عمران:97] فإنها إذا كانت قادرة وكذلك المحرم موجوداً فإنها تحج وإن لم يأذن الزوج، وليس لها أن تحج مع نساء؛ لأن النساء لسن محارماً، ولو كن ثقات، وإنما المحارم هم الأقارب الذين تحرم عليهم على التأبيد، محرم المرأة هو زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب، أو سبب مباح.

    بيان أعمال الحج المفرد للمقيم في المدينة

    السؤال: حفظكم الله، رجل مقيم في المدينة ويريد الحج مفرداً فماذا يلزمه من أعمال الحج؟


    الجواب: يحرم من الميقات بالحج، وإذا وصل مكة طاف وسعى وقصر، وبقي على إحرامه حتى يأتي من عرفة ومزدلفة، فإذا جاء من مزدلفة يوم العيد ورمى جمرة العقبة يحلق رأسه، ثم ينزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة، وبذلك يكون انتهى وبقي عليه أن يأتي بالمبيت وبرمي الجمار، ويودع البيت إذا أراد أن يغادر بعد التعجل أو التأخر، وليس عليه هدي.

    مدى جواز الحج عن النفس والعمرة عن الأم في رحلة حج واحدة

    السؤال: يا شيخ! هذا نفس السؤال السابق يقول: امرأة تريد أن تحج لنفسها وتعتمر لأمها، فهل هذا جائز؟


    الجواب: أنا قلت: أن الشخص سواء كان رجلاً أو امرأة إن كان متمتعاً فيجوز أن تكون العمرة والحج لغيره أو العكس، أو تكون متمتعة والحج والعمرة لغيرها بحيث تكون العمرة لشخص والحج لشخص كل ذلك سائغ، وهي متمتعة بجميع الأحوال، وعليها الهدي إن كانت مستطيعة وإلا صامت ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إلى أهلها.

    حكم الإنابة في رمي الجمرات عن الغير في حال التعب والمرض

    السؤال: حفظكم الله، هل يجوز له أن يرمي الجمرات عن صاحبه وعن أمه إذا أصابهما تعب؟


    الجواب: نعم، إذا كان رجل أو امرأة مريضاً أو لا يستطيع الذهاب إلى الجمرة لعدم قدرته على المشي إليها، لكبره أو لمرضه فإن له أن ينيب غيره، والإنسان إذا ذهب ليرمي فإنه يرمي عن نفسه أولاً، ثم يرمي عن منيبه وموكله.

    ما على المأموم في صلاة الجنازة إذا زاد الإمام على أربع تكبيرات

    السؤال: حفظكم الله، ماذا يقول إذا زاد على التكبيرات الأربع في الجنازة؟الجواب: ليس فيه إلا الدعاء بين التكبيرات.

    تعريف الطلاق وشروطه

    السؤال: حفظكم الله، ما كيفية الطلاق، وهل يلزم الإشهاد على ذلك؟

    الجواب: الطلاق هو أن يطلق طلاقاً شرعياً، وأن يكون ذلك طلقة واحدة، وأن يكون في طهر لم يجامعها فيه، فلا يكون في حيض، ولا يكون في طهر جامعها فيه، ويكون مرة واحدة ويشهد على ذلك، هذه هي السنة في الطلاق.

    بيان علم المنطق والكلام

    السؤال: حفظكم الله، ما معنى علم المنطق والكلام؟

    الجواب: علم المنطق والكلام، الكلام هو هذه الأفكار والعقائد التي جاءت إلى الناس، وولدت بعد زمن الصحابة، ولم يكن لها وجود في زمن الصحابة.



  8. #348
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (345)

    - باب الدعاء

    بيّن الشرع الحكيم ما يقال في تكبيرات صلاة الجنازة عند الصلاة على الميت، سواء كان كبيراً أم صغيراً، ذكراً أو أنثى، فللإمام أن يقرأ في صلاة الجنازة الفاتحة، ويصلي على النبي عليه الصلاة والسلام؛ ثم يدعو للميت.
    الدعاء

    شرح حديث عوف بن مالك: (سمعت رسول الله صلى على جنازة يقول: اللهم اغفر له وارحمه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الدعاء.أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي حمزة بن سليم عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه قال:
    (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة يقول: اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه، وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بماء، وثلج، وبرد، ونقه من الخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وقه عذاب القبر، وعذاب النار، قال عوف فتمنيت أن لو كنت الميت لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الميت)].
    يقول النسائي رحمه الله: الدعاء، أي: الدعاء للميت في الصلاة عليه؛ لأن المقصود من الصلاة على الميت هو الدعاء، وشرع قبل ذلك بقراءة الفاتحة والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك من أسباب قبول الدعاء، حيث يسبق بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في الحديث الذي سبق أن مر بنا؛ (أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى أو سمع رجلاً يدعو في صلاته فلم يحمد الله، ولم يصل على رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: عجل هذا)، يعني: أنه بادر إلى الدعاء دون أن يقدم بين يديه بحمد وثناء على الله عز وجل، وصلاة على رسول الله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وعلى هذا فالمقصود من الصلاة على الميت هو الدعاء له، وسؤال الله عز وجل له المغفرة، وقد أورد النسائي في ذلك حديث عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على ميت فدعا له بهذا الدعاء المأثور:
    (اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعفو عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بماءٍ، وثلجٍ، وبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وقه عذاب القبر، وقه عذاب النار)، فقال عوف رضي الله عنه: (فتمنيت أن أكون ذلك الميت، أو الذي دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء).
    فالحديث دال على أن الميت عندما يصلى عليه يدعى له بهذا الدعاء الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث عوف بن مالك: (سمعت رسول الله صلى على جنازة يقول: اللهم اغفر له وارحمه ...)

    قوله:
    [أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح].
    هو أحمد بن عمرو بن السرح أبو الطاهر المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن الحارث].
    هو عمرو بن الحارث المصري أيضاً، وهو ثقة، فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي حمزة بن سليم].
    اسمه عيسى بن سليم الحمصي، وهو صدوق له أوهام، وأخرج حديثه مسلم، والنسائي.
    [عن عبد الرحمن بن جبير].
    هو عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحمصي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو جبير بن نفير الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أيضاً البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عوف بن مالك].
    هو عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث عوف بن مالك: (... فسمعت في دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا معاوية بن صالح عن حبيب بن عبيد الكلاعي عن جبير بن نفير الحضرمي سمعت عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على ميت، فسمعت في دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة ونجه من النار، أو قال: وأعذه من عذاب القبر)].هنا أورد النسائي حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو قريب من لفظ الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].
    هو الحمال البغدادي وهو ثقة أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ حدثنا معن ].
    هو أبو يحيى معن بن عيسى القزاز، وهو ثقة ثبت أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معاوية بن صالح]
    هو معاوية بن صالح بن حدير الحضرمي، صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حبيب بن عبيد الكلاعي].
    ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جبير سمعت عوف بن مالك].
    وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.

    شرح حديث: (... اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم ألحقه بصاحبه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله بن ربيعة السلمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبيد بن خالد السلمي رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين رجلين، فقتل أحدهما ومات الآخر بعده، فصلينا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما قلتم، قالوا: دعونا له: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم ألحقه بصاحبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأين صلاته بعد صلاته؟ وأين عمله بعد عمله؟ لما بينهما كما بين السماء والأرض) قال عمرو بن ميمون: أعجبني لأنه أسند لي].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن ربيعة السلمي يحدث عن عبيد بن خالد السلمي رضي الله تعالى عنهما؛ [وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين رجلين، فاستشهد أحدهما ومات الآخر بعده فصلوا عليه، فقال عليه الصلاة والسلام: ماذا قلتم؟ قالوا: دعونا له؛ قلنا: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم ألحقه بصاحبه، فقال عليه الصلاة والسلام: فأين صلاته بعد صلاته؟ وأين عمله بعد عمله؟] يعني: هذا الذي مات أخيراً، والذي قلتم: اللهم ألحقه بصاحبه أي: أن يكون معه، وأن يكون في درجته، وذاك مات شهيداً، فقال: [أين صلاته بعد صلاته؟ وأين عمله بعد عمله؟] أي: أن هذا عاش بعد ذاك وصلى، وعمل، وله أجر على ذلك.
    ثم قال عليه الصلاة والسلام: [لما بينهما أبعد ما بين السماء والأرض]؛ يعني: أن الأخير يفوق ذلك الأول بما حصل له من عمل بعد ذلك، ولما حصل له من اجتهاد من عبادة بعد موت صاحبه الذي مات قبله، والمقصود من إيراد الحديث هو ذكر الدعاء الذي دعوا به له، وقد أنكر عليهم اللفظ الأخير، وأما اللفظ الأول الذي هو الدعاء له بالمغفرة، والدعاء له بالرحمة، فهذا لا إشكال فيه، وقد جاء ذلك في الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما الذي أنكره النبي عليه الصلاة والسلام عليهم قولهم: [اللهم ألحقه بصاحبه]، هذا هو الذي أنكره النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: [أين صلاته بعد صلاته؟ وأين عمله بعد عمله؟ لما بينهما أبعد ما بين السماء والأرض]، (لما بينهما) أي: أن الأخير أعلى درجة من الأول، وأن بينهما كما بين السماء والأرض.
    وفي الحديث: دليل على أن الإنسان إذا مد له في العمر، ووفق للعمل وعبادة الله عز وجل، فإن زيادة عمره هي خير له، ما دام أن هذا العمر معمور بطاعة الله وطاعة رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنه خير له، وهذا هو شأن المؤمن الذي يوفقه الله عز وجل إذا طال عمره وحسن عمله، فإن طول العمر مع حسن العمل فائدته عظيمة، وأجر الإنسان الذي يعمل وقد طال عمره أن درجته عالية ومنزلته رفيعة، وقد جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الدعاء المأثور الثابت في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام في دعائه:
    (اللهم أصلح ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر) فقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الدعاء: (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير) يعني: الإنسان عندما يعمر ويزداد عملاً صالحاً، ويقدم أعمالاً صالحة مع هذا التعمير، لا شك أن الإنسان يكون على خير بهذه الزيادة في العمر والبقاء في هذه الحياة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم ألحقه بصاحبه ...)

    قوله:
    [أخبرنا سويد بن نصر].
    هو المروزي، وهو ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي وهو ثقة، ثبت، عابد، جواد، مجاهد جمعت فيه خصال الخير، قال ذلك الحافظ ابن حجر في التقريب، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن مرة].
    هو عمرو بن مرة الكوفي المرادي، وهو ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن ميمون].
    هو عمرو بن ميمون الأودي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن ربيعة السلمي].
    كان من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي.
    [عبيد بن خالد السلمي].
    أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، والحديث من رواية صحابي عن صحابي.
    [وقول عمرو بن ميمون: أعجبني بأنه أسند لي].
    لعل مقصوده بذلك أن الذي حدثه هو عبد الله بن ربيعة السلمي أعجبه حديثه؛ لأنه أسند إلى عبيد بن خالد السلمي؛ لأن عبد الله بن ربيعة اختلف في صحبته، ومن العلماء من قال: إنه لم يثبت صحبته ووثقه، ومنهم من أثبتها، وفي الإسناد هنا قال: أثبتت؛ لأنه قال: وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو قد أسنده إلى غيره، وهو إن كان من صغار الصحابة إلا أنه سمعه من غيره، وأيضاً ذلك الذي هو: عبيد بن خالد هو صحابي صغير.

    شرح حديث: (... اللهم اغفر لحينا وميتنا ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا يزيد وهو ابن زريع حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأنصاري عن أبيه رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة على الميت: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا، وصغيرنا وكبيرنا)].هنا أورد النسائي حديث أبي إبراهيم الأنصاري عن أبيه رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على ميت فقال في دعائه:
    [اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا]، وهذا دعاء من الأدعية التي يدعى بها في الصلاة على الميت، وهذا يناسب للصلاة على الصغير؛ لأن فيه (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا) فهو مشتمل على دعاء في الصلاة على الميت، وهو يشمل الحي والميت، والشاهد والغائب، والذكر والأنثى، والصغير والكبير.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... اللهم اغفر لحينا وميتنا ...)

    قوله:
    [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يزيد وهو ابن زريع].
    هو ابن زريع البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    وقوله: (هو ابن زريع) هذه الكلمة الذي قالها هو من دون تلميذه إسماعيل بن مسعود أي: الذي قالها النسائي أو من دون النسائي، وحديث يزيد بن زريع أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام بن أبي عبد الله].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، ثبت، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب الكلمة المأثورة المشهورة التي رواها عنه مسلم في صحيحه حيث قال: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)؛ يعني: أن من أراد أن يحصل علماً فإنه يحتاج إلى تعب، ونصب، ومشقة؛ لأن العلم لا يحصل براحة الجسم، وإنما يحصل بالتعب، والنصب، والمشقة، فلا بد من البذل، ولا بد من العمل، ولا بد من الجد والاجتهاد، ولا بد من الصبر والمصابرة، ولا بد من العناية التامة، كل ذلك لا بد منه في تحصيل العلم، وإلا فإذا أخلد الإنسان إلى الدعة، والخمول، وحب الراحة، فإنه لا يحصل شيئاً، وقد قيل: ملء الراحة لا يدرك بالراحة؛ ملء الراحة وهي: راحة الكف مقدار الكف لا يدرك بالراحة أي: بدون عمل، وبدون مشقة وبدون تعب، فلا بد لمن أراد شيئاً أن يبذل أشياء، ولا بد لمن أراد العلم أن يعطي العلم ما يستحق من الجد والاجتهاد، وحفظ الوقت، والعمل على تحصيله بالطرق الشرعية الممكنة.
    [عن أبي إبراهيم الأنصاري].
    هو أبو إبراهيم الأنصاري الأشهلي وهو مقبول، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن أبيه].
    أبوه لا أدري ما اسمه، ويكفي أن يعلم بأنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام لا يحتاج الواحد منهم إلى أن يعرف شخصه أو يعرف اسمه، بل يكفي أن يضاف إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    والحديث فيه رجل مقبول؛ وهو أبو إبراهيم، ولكن الحديث جاء من طرق أخرى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.

    شرح حديث: (صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ... فقال: سنة وحق)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الهيثم بن أيوب حدثنا إبراهيم وهو ابن سعد حدثنا أبي عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: (صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته فقال: سنة وحق).هنا أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه، [أن طلحة بن عبد الله بن عوف صلى خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده، فسألته فقال: سنة وحق].
    يعني: حكم قراءة الفاتحة والقراءة في الصلاة على الجنازة أنها سنة وحق، والمقصود بالجهر يعني: كما جاء في بعض الروايات قال: (ليعلم أن ذلك سنة)، يعني: أنه أسمعهم القراءة، وليس المقصود منه أنه يجهر بالقراءة في الصلاة على الجنازة، وأن الإمام يجهر به، وإنما المقصود من ذلك أنه يقرأ بالفاتحة وبسورة؛ ليعلموا أن ذلك سنة، وأنه ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان من هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان أحياناً يسمعهم الآية في السورة التي يقرأ بها في الصلاة السرية حتى يعلموا، ويعرفوا السورة التي قرأ بها في تلك الصلاة السرية؛ لأنه يجهر ليسمعهم أحياناً، وهنا جاء في بعض الروايات أنه قال: (إنما جهرت لأسمعكم ولتعلموا أن ذلك سنة)، والحديث ليس فيه ذكر دعاء، وإنما فيه ذكر قراءة الفاتحة والسورة، والفاتحة مشتملة على دعاء وهو: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] لكن المقصود من الصلاة على الجنازة هو: الدعاء للميت، وقد جاء ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيغ متعددة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ... فقال: سنة وحق)

    قوله:
    [أخبرنا الهيثم بن أيوب].
    ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا إبراهيم وهو: ابن سعد].
    إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبي].
    أبوه هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن طلحة بن عبد الله بن عوف].
    طلحة بن عبد الله بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حديث: (صليت خلف ابن عباس على جنازة فسمعته يقرأ بفاتحة الكتاب ... قال: نعم إنه حق وسنة) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله قال: (صليت خلف ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على جنازة، فسمعته يقرأ بفاتحة الكتاب فلما انصرف أخذت بيده، فسألته فقلت: تقرأ؟ قال: نعم، إنه حق وسنة)].هنا أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهي مثل الذي قبلها.
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].
    هو الملقب بندار البصري وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا محمد].
    هو غير منسوب وهو ابن جعفر الملقب غندر، وإذا جاء محمد غير منسوب يروي عنه محمد بن بشار أو يروي عن شعبة فالمراد به محمد بن جعفر الملقب غندر البصري وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    قد مر ذكره.
    [عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله عن ابن عباس]
    قد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن أبي أمامة أنه قال: (السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم يكبر ثلاثاً والتسليم عند الآخرة)].هنا أورد النسائي حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف واسمه أسعد رضي الله تعالى عنه؛ [السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى سورة الفاتحة مخافته] أي: أنه يقرأها سراً، وهذا يدلنا على أن القراءة في صلاة الجنازة تكون سراً، وما جاء في حديث ابن عباس أنه كان يقرأ الفاتحة وسورة وأنه جهر، وأنه أسمعهم، عرفنا أن المقصود من ذلك: أنه يريد إسماعهم وأن يعرفوا ماذا يقرأ، فلا ينافي ما جاء في هذا الحديث من المخافتة لأن السنة المخافتة، وأن يقرأ سراً، لكن الجهر للتنبيه وللفت أنظارهم إلى القراءة، أو الشيء الذي يقرأ به، فهذا هو المقصود مما جاء في ذكر المخافتة، وذكر الجهر في القراءة، أي: أن الأصل أنه كان يخافت، ولكنه جاء ذكر الجهر والمراد به: أنه كان يجهر ليعلمهم وليعرفوا بأي شيء قرأ رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأن ذلك حق وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن ...)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، من صغار التابعين أدرك صغار الصحابة مثل أنس بن مالك وغيره، وهو مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي أمامة].
    هو أسعد بن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث الضحاك بن قيس في قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن محمد بن سويد الدمشقي الفهري عن الضحاك بن قيس الدمشقي رضي الله عنه بنحو ذلك].أورد النسائي حديث الضحاك بن قيس وهو بنحو حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه؛ لأنه قال: (بنحو ذلك) أي: بنحو المتن الذي جاء ذكره في الإسناد السابق؛ وهو حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه، وكلمة (بنحوه) أي: أن المتن قريب من المتن السابق، ولكن ليس مطابقاً اللفظ؛ لأنه إذا كان اللفظ مطابقاً يعبر عنه بمثله، لكن لما عبر عنه بنحوه معناه: أن اللفظ لم يكن مطابقاً، بل فيه شيء من الاختلاف، ولهذا عبر بكلمة (نحوه)، ولم يعبر بكلمة (مثله) التي تفيد المساواة، وتفيد التماثل التام بين اللفظ المتقدم واللفظ الذي لم يذكر.

    تراجم رجال إسناد حديث الضحاك بن قيس في قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة

    قوله:
    [قتيبة عن الليث عن ابن شهاب].
    هؤلاء قد مر ذكرهم.
    [عن محمد بن سويد الفهري].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن الضحاك بن قيس].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه النسائي وحده، كالتلميذ الذي قبله.


    الأسئلة

    حكم الدعاء للميتة بقول: اللهم أبدلها زوجاً خيراً من زوجها

    السؤال: يا شيخ! الله يحفظكم، في الصلاة على المرأة هل يقال لها: اللهم أبدلها زوجاً خيراً من زوجها؟


    الجواب: ذكر السيوطي أن طائفة من أهل العلم قالوا بأنه لا يقال ذلك في حقها، وإنما يقال في حق الرجل وحده، ومقتضى كلامه أن فيه من يقول بالمطابقة وبالمماثلة؛ لأن قوله: (قال طائفة)، يعني: أن بعض أهل العلم قال هذه المقالة.

    حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة

    السؤال: قراءة الفاتحة في الصلاة على الجنازة فرض أم سنة؟

    الجواب: صلاة الجنازة -كما هو معلوم- تشتمل على التكبيرات، والقراءة، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم والدعاء، والدعاء يحتاج إلى أن يسبق بالحمد والثناء على الله -الذي اشتملت عليه الفاتحة- والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليكون ذلك من أسباب قبول الدعاء، فصلاة الجنازة هي فرض كفاية من حيث العموم، والإنسان يأتي بما وردت به السنة من تفاصيلها من حيث التكبيرات، والقراءة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء، لكن إذا كان الإنسان جاء في آخر الصلاة ولا يمكنه أن يجمع بين القراءة وبين الدعاء فإنه يأتي بالدعاء؛ لأنه هو المقصود، وإذا سلم الإمام يقضي ما فاته من التكبيرات دون أن يقرأ، وإنما يدعو دعاءً قصيراً بأن يقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه مثلاً، ثم يسلم؛ لأن الجنازة ترفع، ولا تبقى أمامه أو أمام الإمام، فإذا كان الإنسان لم يدرك من الصلاة إلا آخرها ولو اشتغل بقراءة الفاتحة والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم يفوت الدعاء فإن الإنسان يترك قراءة الفاتحة، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويأتي بالدعاء؛ لأن هذا هو المقصود من الصلاة عليه، لكن لو كان الأمر فيه مجاز وسعة بأن يقرأ ويصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لا شك أن هذا هو الأولى وهو الأحسن، ولو كان ذلك في آخر الصلاة.

    حكم التلبية بمثل تلبية الآخرين

    السؤال: البعض يقول ألبي كما لبى فلان، أو كما أهلّ فلان ويسمي ذلك الشخص فما حكم هذا؟

    الجواب: ليس للإنسان أن يفعل ذلك؛ لأن الذي حصل هو أن يقول كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أن يقول: كما فعل فلان أو لبيك حجاً كما لبى فلان، فلا وجه لذلك، ولا حاجة إلى ذلك، بل هو يلبي بنفسه، وينوي بنفسه، ولا يعلق ذلك بأحد من الناس.

    مدى صحة القول بأن عدم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء تجعله غير مستحاب

    السؤال: حفظكم الله، هل صح في الحديث أنه لا يقبل دعاء ممن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يفسر إذا صح؟

    الجواب: لا أعلم، ولكن الذي ورد كما ذكرت، وقد مر بنا في سنن النسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام: (لما سمع رجلاً في صلاته يدعو ولم يحمد الله، ولم يصل على رسول الله قال عليه الصلاة والسلام: عجل هذا).

    حكم زواج الرجل بمن أرضعته أمه بفنجان

    السؤال: حفظكم الله، أمه أرضعت طفلة بالفنجان لمدة ثلاثة أيام متوالية، فما حكم زواجه من هذه الطفلة، وهي الآن امرأة كبيرة؟

    الجواب: ما دام أنها رضعت من أمه فهي أخته، ولو كان ذلك بالفنجان، ليس بلازم أن يكون الرضاع عن طريق المص، كونها تمص الثدي، بل لو حلب الحليب من ثدي المرأة ووضع في قارورة أو وضع في فنجان أو غير ذلك، وأسقي الطفل الصغير الذي هو في سن الرضاع وهو دون الحولين، فإنه يحصل التحريم بذلك، وتصير ابنة للمرأة، فتكون أختاً لجميع أولادها، وكذلك تكون بنتاً لزوجها صاحب اللبن، فتكون أختاً لجميع أولاده من جميع زوجاته، إذا كان عنده عدة زوجات.
    طبعاً هذا إذا كان خمس رضعات؛ والمقصود بالرضعة هي: كون الإنسان يشرب سواء يشرب في إناء أو يمص، يعني: كونه يتنفس، ويترك الثدي للتنفس، أو ينحي الإناء عنه إذا كان يشرب في إناء ليتنفس، فإن هذه تعتبر رضعة، فإذا اجتمع له خمس رضعات سواء كانت في جلسة واحدة أو في جلسات متعددات فإنه يحصل التحريم بذلك، وذكر الثلاثة الأيام يدل على أن الرضاع كثير، وأنه يحصل به التحريم.

    الإتيان بالدعاء المأثور في الصلاة على الميت أولى من غيره


    السؤال: حفظكم الله، هل الدعاء للميت موقوف على ما جاء في السنة فلا يزاد عليه بالدعاء غير الوارد؟

    الجواب: لا شك أن الإنسان يتبع السنة ويدعو بما دعا به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعرف الأدعية المأثورة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ويدعو بها.

    ما يلزم على المرأة إذا لم تعتد لوفاة زوجها جهلاً منها

    السؤال: حفظكم الله، امرأة توفي زوجها ولم تعتد جهلاً منها؛ لعدم معرفة الحكم، ولم تعلم إلا بعد عشرين سنة، فماذا عليها الآن؟


    الجواب: إذا لم تعلم المرأة حتى لو كانت ما تجهل، ولكنه تأخر خبر الوفاة حتى تجاوز مدة العدة فإنه ليس عليها عدة وليس عليها إحداد؛ لأن المدة التي مضت هي التي عليها أن تعتد بها وأن تعد بها، فلا تحد بعد مضي أربعة أشهر وعشر أو بعد ولادتها إذا كانت حاملاً؛ لأن العدة والإحداد هو في هذه المدة التي تلي الموت، فلو تأخر الخبر عنها، ولم يبلغها إلا بعد مضي المدة فليس عليها عدة؛ فلا يقال: إنها تبدأ بها، ولو أنها علمت في أثناء العدة فإن التي مضت اعتبرت قبل أن تعلم، وما بقي تعتده حتى تكمل أربعة أشهر وعشرة أيام، أو حتى تلد إن كانت حاملاً.

    حكم من صلى الجنازة جالساً

    السؤال: حفظكم الله، هل القيام في صلاة الجنازة واجب؟ وما حكم من صلى جالساً؟

    الجواب: سبق أن مر بنا الترجمة أن الصلاة على الجنازة أنه يكون عن قيام، والرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فالواجب هو أن يصلى عن قيام، كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا يصلى عن جلوس، اللهم إلا إذا كان الإنسان لا يستطيع، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكن لا يقال: إن هذه من جنس النوافل التي للإنسان أن يصلي جالساً، ويكون له نصف أجر القائم، هذه ليست من قبيل السنن، وإنما هذه من قبيل الفروض فروض الكفايات التي إذا قام بها من يكفي سقط الإثم على الباقين الذين ما صلوا.

    توجيه لمن يسأل عن كيفية وجود ملك الموت عند كل محتضر مع كونه واحداً

    السؤال: حفظكم الله، كيف يكون ملك الموت عند كل المحتضر وهو ملك واحد؟


    الجواب: أمور الغيب كما هو معلوم لا يقاس بأمور الشهادة؛ يعني: حال الغيب مثل أحوال الشهادة، فالله هو على كل شيء قدير، والله تعالى أقدر الملائكة على ما أقدرهم عليه، ولا تقاس أمور الغيب على أمور الشهادة، وليس هذا في هذه المسألة بل في مسائل كثيرة، فالإنسان لو أراد أن يتكلم على حسب ما يعرف، ويشاهد في هذه الحياة الدنيا فإنه يمكن أن يقول مثل هذا، لكن الإنسان يسلم، ولا يكون في نفسه شيء أو إشكال في ذلك، هذه مسائل كبيرة مثل قضية منكر ونكير، وسؤال منكر ونكير، والناس يموتون بالآلاف يعني: في اليوم الواحد، وفي الوقت الواحد، ثم كذلك بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم، الصلاة عليه والرسول يقول: (إن لله ملائكة سياحين يبلغون عن أمتي السلام) والذين يصلون عليه في الأرض بمئات الألوف والملائكة تبلغه، فلا يقال: كيف يكون ذلك وهو شخص واحد، وهذه أمم تصلي عليه، فهذه أمور غيبية، فالإنسان يصدق، ويسلم بما جاء به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقيس ذلك على حال الشهادة، أيضاً مثله عذاب القبر، فعذاب القبر حق، وأن الإنسان يعذب والناس لا يشاهدون العذاب، فلو فتح القبر ما يقال: والله ليس فيه عذاب، بل فيه عذاب، والناس لا يرون العذاب، وفيه نعيم، والناس لا يرون النعيم، وليست أمور البرزخ مثل أمور الدنيا وأمور الحياة، من استحق العذاب وصل إليه العذاب، والناس لا يشاهدون ذلك؛ لأن أمور البرزخ وأمور الغيب تختلف عن أمور الشهادة.

    الإتيان بلفظ الجمع في الدعاء إذا كان هناك عدة أموات

    السؤال: حفظكم الله، إذا كانت صلاة الجنازة على أموات فهل يأتي بالدعاء بلفظ الجمع؟

    الجواب: نعم، يأتي بلفظ الجمع: اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وعافهم، واعف عنهم، وأكرم نزلهم.

    حكم قراءة سورة بعد الفاتحة

    السؤال: هل قراءة السورة بعد الفاتحة سنة كما ذكر ابن عباس رضي الله عنه؟

    الجواب: نعم، الحديث يدل على أنه يقرأ، وقد جاء في بعض الروايات ذكر الفاتحة وحدها، فإذا اقتصر على الفاتحة فإنه قد جاءت بعض الروايات في ذلك، وإن قرأ سورة مع الفاتحة فقد جاءت بعض الروايات بذلك.

    حكم الدعاء للميت بأكثر من دعاء

    السؤال: هل للمصلي أن يدعو للميت بأكثر من دعاء، أم يقتصر على دعاء واحد؟

    الجواب: يمكن أن يدعو بأكثر من دعاء بأن يقول: اللهم اغفر له وارحمه، ويقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، كل هذا يأتي به.

    حكم الوتر في مزدلفة ومنى في الحج


    السؤال: هل تصلى الوتر في الحج في منى ومزدلفة وغيرها؟

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يحافظ على شيء في السفر مثل ما كان يحافظ على الوتر وركعتي الفجر، فالوتر وركعتا الفجر هاتان النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتركهما، فالإنسان المسافر سواء كان حاجاً أو غير حاج فإنه يأتي بركعتي الفجر ويأتي بالوتر.

    حكم طواف الإفاضة قبل رمي الجمرات

    السؤال: حفظكم الله، هل للحاج أن يخرج من مزدلفة إلى مكة يطوف طواف الإفاضة قبل أن يرمي الجمرات وقبل الهدي لتفادي الازدحام؟


    الجواب: يجوز أن يطوف قبل أن يرمي، والنبي عليه الصلاة والسلام رتب أعمال يوم النحر؛ فرمى، ثم نحر، ثم حلق، ثم طاف، ولكنه ما سئل عن شيء قدم ولا أخر من هذه الأمور الأربعة إلا قال: (افعل لا حرج)، فدل على أن التقديم والتأخير سائغ، ولكن الإتيان بها كما رتبها رسول الله عليه الصلاة والسلام هو أولى وأفضل.
    ولو قيل: لو كان الطواف من الليل؟
    فإنا نقول: ولو كان من الليل، إذا كان الإنسان ممن رخص له أن ينزل من مزدلفة في آخر الليل فله ذلك، لكن كما قلت: كونه يرتب كما رتب رسول الله عليه الصلاة والسلام هو الأولى.


  9. #349
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (346)

    - باب ثواب من صلى على جنازة

    لكثرة عدد المصلين على الجنازة مزية وفضل، فقد ورد في السنة أن من صلى عليه مائة يشفعون إلا شفعوا، وترغيباً في ذلك كان لمن صلى على الجنازة قيراط، أما من انتظرها حتى توضع في اللحد فله قيراطان.

    فضل من صلى عليه مائة


    شرح حديث: (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا مائة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل من صلى عليه مائة. أخبرنا سويد حدثنا عبد الله عن سلام بن أبي مطيع الدمشقي عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة عن عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا مائة يشفعون إلا شفعوا فيه، قال سلام: فحدثت به شعيب بن الحبحاب فقال: حدثني به أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب فضل من صلى عليه مائة، سبق أن مر بنا في الأحاديث السابقة أن كثرة العدد فيه فائدة كبيرة للميت، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجعل المصلين وراءه صفوفاً، ولو كان عددهم قليلاً.
    وهنا في هذه الترجمة بيان أنه كلما زاد العدد فهو خير للمصلى عليه؛ لأن كل مصلٍ يدعو له، ويشفع له، ويسأل الله عز وجل له المغفرة، وهذا فيه فضل عظيم لمن حصل له ذلك، وهو كثرة الداعين له، والشافعين له، السائلين الله عز وجل له الرحمة والمغفرة.
    وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما من مسلم يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة إلا شفعوا فيه)؛ لأنهم داعون وشافعون، ومعناه: أنه يستجاب دعاؤهم وتقبل شفاعتهم، وهذا يدلنا على فضل كثرة العدد في الصلاة على الميت وعلى الجنازة؛ ولأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بذلك في هذا الحديث أنه (ما من مسلم يصلي عليه أمة من الناس يبلغون مائة يشفعون إلا شفعوا)، يشفعون أي: يدعون له، ويطلبون من الله عز وجل له الرحمة والمغفرة إلا شفعوا فيه، أي: إلا قبلت شفاعتهم، هذا الحديث روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورواه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا مائة ...)

    قوله:
    [أخبرنا سويد].
    هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، عابد، مجاهد، قال عنه الحافظ في التقريب: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سلام بن أبي مطيع].
    هو: سلام بن أبي مطيع الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود في المسائل، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أيوب].
    هو ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قلابة].
    هو عبد الله بن زيد الجرمي مشهور بلقبه أبي قلابة، وهو ثقة يرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة].
    ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أم المؤمنين عائشة].
    هي الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، التي أنزل الله عز وجل براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى في سورة النور، وهي من أوعية السنة، وحفظة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا سيما الأمور المتعلقة بالبيوت والتي تجري بين الرجل وأهل بيته، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم ستة رجال وامرأة واحدة، والستة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأبو سعيد وأنس، والسابعة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
    ثم ذكر النسائي أن سلام بن أبي مطيع ذكر ذلك لـشعيب بن الحبحاب، وسلام بن أبي مطيع حدثه أيوب، قال: فذكرت ذلك لـشعيب بن الحبحاب فقال: حدثني به أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا طريق آخر، وهو أعلى من الطريق السابقة؛ لأن الطريق السابقة بعد سلام بن أبي مطيع أيوب، وبعد أيوب أبي قلابة، وبعد أبي قلابة عبد الله بن يزيد، ثم عائشة، أما من هذه الطريق فإن سلام بن أبي مطيع يروي عن شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتلك الطريق الثانية عالية، وأما الطريق السابقة فإنها نازلة؛ لأن سلام بن أبي مطيع بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام في الطريق الثانية شعيب وأنس، أما في الطريق الأولى فبين سلام بن أبي مطيع ورسول الله صلى الله عليه وسلم أيوب بن أبي تميمة السخسياني، وأبو قلابة، وعبد الله بن يزيد، وعائشة أربعة أشخاص، والطريق الثانية شخصان فهي عالية بالنسبة للطريق الأولى، وشعيب بن الحبحاب ثقة، أخرج حديث شعيب بن الحبحاب أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن أنس بن مالك].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه الذي خدمه عشر سنوات، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذين مر ذكرهم آنفاً رضي الله عنهم.

    حديث: (لا يموت أحد من المسلمين فيصلي عليه أمة من الناس فيبلغوا أن يكونوا مائة ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن زرارة أنبأنا إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع لـعائشة رضي الله تعالى عنها عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يموت أحد من المسلمين فيصلي عليه أمة من الناس، فيبلغوا أن يكونوا مائة فيشفعوا إلا شفعوا فيه)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهي مثل الطريق السابقة، ومؤداها هو مؤداها.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن زرارة].
    هو النيسابوري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [أنبأنا إسماعيل].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة].
    وهؤلاء مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

    شرح حديث: (ما من ميت يصلوا عليه أمة من الناس إلا شفعوا فيه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا محمد بن سواء أبو الخطاب حدثنا أبو بكار الحكم بن فروخ قال: (صلى بنا أبو المليح على جنازة فظننا أنه قد كبر، فأقبل علينا بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم ولتحسن شفاعتكم، قال أبو المليح: حدثني عبد الله، وهو: ابن سليط عن إحدى أمهات المؤمنين، وهي: ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من ميت يصلي عليه أمة من الناس إلا شفعوا فيه، فسألت أبا المليح عن الأمة فقال: أربعون)].أورد النسائي حديث ميمونة رضي الله عنها وأرضاها، وهو مثل الذي قبله في حديث عائشة، إلا أنه ليس فيه التنصيص على أن الأمة تبلغ مائة وإنما ذكر الحديث وفيه ذكر الأمة مطلقاً ليس محدداً بعدد، قال: وسألت أبا المليح عن الأمة فقال: هي أربعون، وهذا التفسير فسر هذا العدد به أبو المليح، والحديث السابق من الطريقين السابقتين فيه ذكر الأمة، وأنها مائة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما من ميت يصلي عليه أمة من الناس إلا شفعوا فيه)

    قوله:
    [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو ابن مخلد بن راهوية الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، مجتهد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن محمد بن سواء أبو الخطاب].
    صدوق، رمي بالقدر، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة كلهم إلا أن أبا داود أخرج له في كتاب الناسخ والمنسوخ.
    [عن أبي بكار الحكم بن فروخ].
    ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [قال صلى بنا أبو المليح].
    وأبو المليح قيل: إن اسمه عامر بن أسامة، وهو مشهور بكنيته أبو المليح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله، وهو: ابن سليط].
    مقبول أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أم المؤمنين ميمونة].
    هي بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.


    ثواب من صلى على جنازة


    شرح حديث: (من صلى على جنازة فله قيراط ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ثواب من صلى على جنازة.أخبرنا نوح بن حبيب حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة فله قيراط، ومن انتظرها حتى توضع في اللحد فله قيراطان، والقيراطان مثل الجبلين العظيمين)].
    أورد النسائي رحمه الله، ثواب من صلى على جنازة، فلما ذكر النسائي في الترجمة السابقة أنه كلما كثر المصلون على الجنازة، فإنه يكون خيراً لها وأفضل، ذكر ثواب من صلى على الجنازة، وأن أي واحد يصلي على الجنازة، فله هذا الأجر وهذا الثواب من الله عز وجل.
    وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى توضع باللحد فله قيراطان) أي: مع القيراط الأول، يعني: من صلى عليها له قيراط، ومن تبعها فله قيراط فيكون المجموع قيراطان، هذا هو المقصود بذكر القيراطين الذي في الآخر، أي: قيراط مضموم مع القيراط الأول، فيكون له عن العملين، وهما الصلاة واتباعها حتى توضع في اللحد، أي: حتى تدفن قيراطان، قيل: وما القيراطان يا رسول الله، قال: (مثل الجبلين العظيمين)، وهذا يدلنا على فضل الصلاة على الجنازة، وأن في ذلك الثواب العظيم، والثواب الجزيل من الله سبحانه وتعالى، وهو أنه إن صلى على الجنازة فقط فله مثل الجبل العظيم، وإن فعل مع الصلاة اتباعها حتى تدفن، فله قيراط مثل الجبل العظيم، فيكون له على العملين قيراطان، والقيراطان هما مثل الجبلين العظيمين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من صلى على جنازة فله قيراط ...)

    قوله:
    [أخبرنا نوح بن حبيب].
    ثقة، سني، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وهو ثقة، حافظ، مصنف، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري نزيل اليمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مكثر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    هو سعيد بن المسيب المدني ، وهو ثقة، فقيه، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين وهم: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
    [عن أبي هريرة].
    هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.

    حديث: (من شهد جنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري قال: أنبأنا عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد جنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان يا رسول الله، قال: مثل الجبلين العظيمين)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا سويد].
    هو سويد بن نصر، وقد مر ذكره.
    [أخبرنا عبد الله].
    هو عبد الله بن المبارك، وقد مر ذكره قريباً.
    [عن يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [أنبأنا عبد الرحمن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني لقبه الأعرج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (من تبع جنازة رجل مسلم احتساباً ...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر عن عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من تبع جنازة رجل مسلم احتساباً فصلى عليها ودفنها، فله قيراطان، ومن صلى عليها، ثم رجع قبل أن تدفن، فإنه يرجع بقيراط من الأجر)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه تفصيل ما تقدم من أن ذكر القيراطين في الآخر إنما هو لمجموع الصلاة والدفن، ولهذا جاء هنا ذكر ذلك مجملاً كقوله: (من صلى عليها وتبعها حتى تدفن، فإن له قيراطين، ومن رجع من الصلاة عليها فله قيراط واحد) معناه: له على الصلاة قيراط، وله على الدفن قيراط آخر، فالقيراطان هما مجموع ما للصلاة، وما للدفن.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من تبع جنازة رجل مسلم احتساباً ...) من طريق ثالثة

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن بشار].
    محمد بن بشار هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا محمد بن جعفر].
    هو الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عوف].
    وهو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن سيرين].
    هو محمد بن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    حديث: (من تبع جنازة فصلى عليها ...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسن بن قزعة حدثنا مسلمة بن علقمة حدثنا داود عن عامر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تبع جنازة فصلى عليها، ثم انصرف فله قيراط من الأجر، ومن تبعها فصلى عليها، ثم قعد حتى يفرغ من دفنها، فله قيراطان من الأجر، كل واحد منهما أعظم من أحد)].ذكر النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم من جهة أن من صلى على الجنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراط آخر، والقيراطان مثل جبل أحد، فهو مثل الطرق المتقدمة عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    قوله: [أخبرنا الحسن بن قزعة].
    صدوق، أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا مسلمة بن علقمة].
    صدوق له أوهام، أخرج له مسلم، وأبو داود في فضائل الأنصار، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا داود].
    هو داود بن أبي هند وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عامر].
    هو ابن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.


    الأسئلة


    المقصود بعبد الله بن يزيد رضيع لعائشة

    السؤال: حفظكم الله، ما المقصود بـعبد الله بن يزيد رضيع لـعائشة؟
    الجواب: عبد الله بن يزيد رضيع عائشة هذا لقبه، لكن ما أدري ما معنى هذا اللقب، لا أدري.

    حكم استعمال العطر الذي فيه نسبة من الكحول

    السؤال: حفظكم الله، ما حكم استعمال العطر الذي يحتوي على الكحول؟


    الجواب: العطر الذي يحتوي على الكحول أقل أحواله أن يقال أن الأولى للإنسان أن يتركه، وأن يستعمل الطيب الطيب الذي لا شبهة فيه ولا محذور، وبعض المشايخ يحرم ذلك، ويمنعه، وهو شيخنا الشيخ: محمد أمين الشنقيطي رحمة الله عليه، كما في كتابه أضواء البيان، وبعض المشايخ يجيزه، لكن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).

    حصول أجر القيراط لمن صلى على الجنازة في المسجد

    السؤال: حفظكم الله، من صلى على الجنازة بالمسجد هل يحصل له القيراط؟

    الجواب: بعض الروايات جاءت مطلقة أن من صلى على جنازة فله قيراط، وبعضها فيها ذكر من تبعها وصلى عليها فله قيراط، ولا شك أن من صلى على الجنازة فله خير كثير، وله أجر عظيم، وبعض الأحاديث جاءت مطلقة في ذكر القيراط وأنه للصلاة. والله تعالى أعلم.

    مدى صحة جريان أحكام الأذان على الإقامة

    السؤال: هل يقال دعاء النداء بعد الإقامة قياساً على أنه أذان؟

    الجواب: الإقامة مثل الأذان، فالأحكام التي تجري على الأذان تجري على الإقامة، من حيث أن الإنسان يقول مثلما يقول المؤذن، يعني: مثلما يقول المقيم، وهو يقيم الصلاة يقول مثله إلا في حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وبعد ذلك يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بالدعاء المأثور؛ لأن الحديث يقول (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) والإقامة هي: أذان، ويطلق عليها أذان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) والمقصود بالأذانين الأذان والإقامة، وكذلك الحديث الذي فيه يقول الصحابي: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم بين الأذان والسحور قال: قدر خمسين آية) المقصود بالأذان الإقامة، معناه: أنهم تسحروا، ثم انتظروا الصلاة، وبعد قراءة مقدار خمسين آية حصلت الإقامة التي أطلق عليها الأذان، فالأذان يطلق على الإقامة كما يطلق على الأذان، لأن الأذان هو: الإعلام، والأذان هو: إعلام بدخول الوقت، والإقامة إعلام بالقيام إلى الصلاة، وقد جاءت السنة إطلاق لفظ الأذان عليها، أي: على الإقامة، (بين كل أذانين صلاة) المقصود بذلك الأذان والإقامة.
    وكذلك الحديث الذي ورد في قصة زيادة عثمان للأذان قال: الأذان الثالث، أي: أنه ثالثاً بالنسبة للأذان والإقامة، يعني: صار الأذان الأول الذي يكون يوم الجمعة قيل له ثالث، باعتبار أن الأول والثاني هو الأذان والإقامة، أي: الأذان الذي عند صعود الخطيب على المنبر، والأذان الذي هو الإقامة، وجاء في الأثر إطلاق الأذان في الذي أتى به عثمان بأنه الثالث.

    مدى صحة حديث: (ثلاثة أيدٍ حق على الله أن يدخلهم النار)

    السؤال: حفظكم الله، ثلاثة أيدٍ حق على الله أن يدخلهم النار: يد صافحت أجنبية، ويد صافحت متوضأ يعني: أثناء الوضوء، ويد صافحت عند المقابر، فهل هناك حديث بهذا المعنى؟الجواب: ما أعرف في هذا شيئاً.

    مدى صحة حديث: (ما بين قبري وقبر عثمان روضة من رياض الجنة)

    السؤال: هل هذا حديث صحيح (ما بين قبري وقبر عثمان روضة من رياض الجنة)؟

    الجواب: ما سمعت به، الذي ورد (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) في الصحيحين هذا هو الذي ورد، وأما قبر عثمان وذكر قبر عثمان فما نعلم فيه شيئاً، إلا ما جاء ذكر الرؤيا، وهي أن الرسول كان في بستان، وكان مدلياً رجليه فجاء أبو بكر وطرق قال: افتح الباب، وبشره بالجنة، ثم جاء عمر وقال: بشره بالجنة، وجلسوا بجواره، ثم دخل عثمان وجلس في المقابل على البئر، قالوا: فهذا فيه الإشارة إلى قبورهم، وإلى أماكن قبورهم، وأن أبا بكر وعمر كانوا بجواره، وعثمان كان في جهة أخرى، لكن ذكر قبره أو الإشارة إلى قبره، وروضة وما إلى ذلك ما نعلم في هذا شيئاً، وإنما الذي ذكر والذي فيه إشارة إلى قبورهم، وإلى كون هؤلاء يكونون معه، وهذا يكون في جهة أخرى حديث هذه الرؤيا الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    حكم أخذ الأجرة في الحج للغير

    السؤال: حفظكم الله، ما حكم أخذ الأجرة على الحج عن الغير؟

    الجواب: الحج عن الغير له حالتان يكون محموداً، ويكون مذموماً، من حج ليأخذ، ومن أخذ ليحج، فالذي يأخذ ليحج هذا محمود؛ لأنه يريد أن يذهب إلى مكة، ويريد أن يطوف بالبيت، ويريد أن يقف بعرفات، ويريد أن يشهد المشاهد، ولكنه ما عنده قدرة ليذهب إلى هناك فيأخذ ليصل إلى تلك الأماكن فهذا يقال: أخذ ليحج وهذا محمود؛ لأن الدافع له على الأخذ هو الحج، وعكسه يحج ليأخذ، يعني: الدافع له على الحج هو المال، وهو يريد من الحج ومن هذه العبادة أن يحصل دنيا فهذا مذموم، ومع هذا فحجه صحيح، لكن الكلام هنا على كونه يؤجر، وكونه يحصل أجراً؛ لأنه أراد الدنيا، والدنيا حصلها فيما أخذه، وأما ذاك حصل الحج له، وإن كان أراد الدنيا.

    مقدار تكلفة الحج

    السؤال: هل تكون التكلفة على حسب ما يتكلف بها الحاج، أو ما يتكلف به الوكيل بالحج؟

    الجواب: ما يعطى إياه، إذا أعطي شيئاً فإنه يستحقه سواء كان مماثلاً أو زائداً.

    مدى صحة حج شخص واحد عن اثنين

    السؤال: هل يكون الحج عن اثنين؟

    الجواب: الحج يكون عن شخص واحد، ولا يكون عن اثنين، فكون واحد يقسم حجته بين اثنين فهذا ليس فيه نيابة، إنما تكون النيابة واحداً عن واحد، والحج لا يقسم ولا يجزأ، لكن إذا تمتع وصارت العمرة لواحد والحج لواحد فيصح، وأما كون أناس حجوا عن شخص واحد وهم متعددون فجائز.

    مقدار تكلفة الحج المعطاة لمن سيحج عن رجل من خارج المملكة وهو داخلها

    السؤال: حفظكم الله، لو أن رجلاً استأجر آخر ليحج عنه بمكة وهو من خارج المملكة، فهل يعطيه كلفة الحج من مكة التي يستحقها أو يعطيه الكلفة التي يتكلف بها الحاج من خارج المملكة؟


    الجواب: يعطيه ما يشاء؛ يعطيه قليلاً أو يعطيه كثيراً، وإذا كان الذي سيحج عنه أو الذي خلف مالاً فإنه يحج عنه من ماله، ويحج عنه من بلده، يعني: يدفع من ماله من بلده، وإذا كان ما حصل أحداً يحج عنه من بلده وكان متبرعاً وحجج أحداً عنه من دون بلده لا بأس بذلك ما دام هو متبرع مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91].

    صلاة الجنازة على من لا يعلم حاله

    السؤال: حفظكم الله، بعضهم لا يصلي على الجنائز، ويقول: إنه لا يعلم عن هذا الميت، هل هو من أهل السنة والجماعة أو من أهل البدع، وإن صلى على جنازة وهو لا يعرفها، فإنه يستثني في الدعاء، يعني: يدعو الله أن يغفر له إن كان من أهل السنة؟


    الجواب: الإنسان إذا قدم إليه مسلم يصلي عليه ويدعو له، وعلم الحقائق عند الله عز وجل، وما يكون عليه الناس، لكن الإنسان من حيث لا يعلم فإن الأصل أن يصلي عليه، أما إذا علم بأن الرجل أنه كافر ببدعته، فهذا هو الذي لا يصلى عليه، أما من يكون غير كافر فإنه يصلى عليه، أقول: يصلى على المسلم وإن كان مرتكباً ما ارتكب من الجرائم، لكن كما قلت: يمكن أنه تترك الصلاة على بعض الناس من قبل بعض أهل الفضل من أجل التأديب هذا ممكن.

    أحكام القرعة ومتى تكون

    السؤال: حفظكم الله، ذكر الشيخ صديق حسن خان في شرح حديث (أن رجلاً أعتق ستة مملوكين) قال: إنه حجة اعتبار القرعة في الشرع في كثير من الأحكام الشرعية، وخاصة منها المعاملات، هذا معنى كلامه، فما هي هذه الأحكام التي تعتبر فيها القرعة على سبيل الاختصار؟


    الجواب: كما هو معلوم القرعة تكون في الأمور المتساوية، أي: أن الناس يتساوون في شيء، ولا يميز أحد على أحد، فتكون عن طريق القرعة، يعني: في الحقوق المختلفة، أي: عندما يقتسم الناس شيئاً وهي متساوية ويريدون أن يعرف هذا كيف يطلع نصيبه، وهذا يطلع نصيبه إذا كان ما خير بعضهم بعض، فإذا خير بعضهم بعضاً يختار من يختار، والباقي يكون لمن لم يختر، أما إذا كان كل واحد قال: أنا أريد أن يطلع نصيبي في القرعة فيقرع بينهم، وهذا تكون في قسمة الأراضي، وفي قسمة الحيوانات، وقسمة أي شيء يقسم ويكون فيه تساوي، ويراد أن يميز بين هذا وهذا عن طريق القرعة، حيث ما سمح أحد لأن يخير صاحبه، ويقول: اختر وخذ ما تشاء، وأنا آخذ الباقي، فالقرعة هي التي تفصل بينهم.

    ميقات من قدم من خارج المملكة يريد الحج ولكنه سيتوجه إلى المدينة أولاً

    السؤال: رجل سيقدم من مصر بنية الحج والإقامة بعد الحج في المدينة المنورة، فهو سيصل لجدة قبل الحج بأربعة أيام، ثم يتوجه بعد ذلك للمدينة ليضع أغراضه ثم يتوجه إلى مكة بعد ذلك، فهل يحرم من مصر أو يحرم من الميقات في المدينة المنورة؟


    الجواب: الذي يريد أن يأتي إلى المدينة قبل أن يصل إلى مكة طبعاً يحرم من المدينة، فينزل إلى جدة غير محرم، ويأتي إلى المدينة ويحرم منها، ما دام أنه ما أراد أن يتجاوز ميقات مصر الذي هو محاذاة الجحفة يعني: يدخل يتجاوزها ذاهباً إلى مكة، وإنما يريد أن يذهب إلى المدينة أولاً فإنه يتجاوز غير محرم؛ لأنه ليس ذاهباً إلى مكة، ولا هو محرم من جدة، وإنما سيأتي إلى المدينة خارج المواقيت، يعني: خارج المواقيت فيحرم منها، هذا لا بأس به.
    والإقامة ليست داخلة ما دام أنه أصلاً آتٍ سواء أنه سيقيم أو يرجع، فالنتيجة واحدة، وإنما الكلام على مجاوزة الميقات، إذا جاوز الميقات وهو يريد أن يأتي إلى المدينة فليس فيه بأس، بل يحرم من ميقات المدينة، لكن كونه يتجاوز الميقات، ويحرم من بينه وبين الميقات لا يجوز.
    مداخلة: وما هو الفرق في النية بين كونه يحرم من رابغ أو يحرم من المدينة؟! كله إحرام من ميقات.
    الشيخ: هو تجاوز ميقاته لكنه ما أحرم، ولذلك لو أنه تجاوز ميقاته وبعدين رجع للميقات فما يضره، لكن يضره لو أحرم بعدما جاوز الميقات، لكن لو جاء ووصل مكة وهو غير محرم ثم قيل له: أنت مخطئ، لا تحرم من هنا ارجع لرابغ يرجع ولا عليه شيء بكونه تجاوز، المشكلة فيه لو أحرم بعد الميقات، أما كونه دخل وتجاوز الميقات ولم يحرم ثم أحرم من ميقاته فهذا ليس فيه شيء.

    حكم التوسع في الديون وعدم السداد

    السؤال: حفظكم الله، هل التوسع في الدين وعدم السداد بكثرة الدين من الكبائر؟

    الجواب: والله ما نقول أنه من الكبائر، لكن تعرض الإنسان لحقوق الناس فيه خطورة؛ لأن حقوق الناس مبنية على المشاحة، وإذا ما استوفوا في الدنيا يستوفون في الآخرة، يعني: أمر ذلك خطير، أما إذا كونه لا يستهين بحقوق الناس، ولا يبالي بها وعنده نية سيئة، فهذا على حسب النية، لكن الديون كما عرفنا ما ينبغي للإنسان أن يقدم عليها إلا لضرورة.




  10. #350
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (347)

    - (باب الجلوس قبل أن توضع الجنازة) إلى (باب مواراة الشهيد في دمه)




    يستحب لمن تبع الجنازة ألا يجلس حتى توضع، أما الوقوف لها إذا مرّت أو حضرت فكان مشروعاً ثم نسخ، أما الشهيد فيدفن في ثيابه التي قتل فيها، ليكون ذلك شاهداً على عمله العظيم.

    الجلوس قبل أن توضع الجنازة



    شرح حديث: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا ومن تبعها فلا يقعدن حتى توضع)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجلوس قبل أن توضع الجنازة.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن هشام والأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا، ومن تبعها فلا يقعدن حتى توضع)].

    يقول النسائي رحمه الله: الجلوس قبل أن توضع الجنازة.
    ومراد النسائي من هذه الترجمة هو: بيان أن الحديث ورد بأن من تبع جنازة فإنه لا يقعد حتى توضع على الأرض، وليس المقصود وضعها في اللحد؛ لأن ذلك قد يطول وقد يحصل أن اللحد يحتاج إلى شيء من التهيئة ولكن المقصود هو وضعها من أعناق الرجال على الأرض.
    وقد أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إذا رأيتم الجنازة فقوموا، ومن تبعها فلا يقعدن حتى توضع)]، وهذا هو محل الشاهد في إيراد الحديث في هذه الترجمة، وهو أن الإنسان لا يجلس إلا بعد أن توضع الجنازة على الأرض.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا ومن تبعها فلا يقعدن حتى توضع)

    قوله:
    [أخبرنا سويد].
    هو ابن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي، وهو ثق، ثبت، جواد، عابد، مجاهد، جمعت فيه خصال الخير كما قال ذلك الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [والأوزاعي].
    هو أبو عمر عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، إمام أهل الشام، وفقيهها، ومحدثها، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، ثبت، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع من الفقهاء السبعة؛ لأن ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال، قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن أبي سعيد الخدري].
    هو سعد بن مالك بن سنان الخدري، مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وأبو سعيد، وابن عباس، وأنس، وجابر وأم المؤمنين عائشة، فـأبو سعيد أحد هؤلاء السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن هؤلاء السبعة وعن الصحابة أجمعين.


    الوقوف للجنائز



    شرح حديث: (... قام رسول الله ثم قعد) عند مرور الجنازة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوقوف للجنائز.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يحيى عن واقد عن نافع بن جبير عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه ذكر القيام على الجنازة حتى توضع فقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القيام للجنازة وهو القيام عند رؤيتها، وأن من كان جالساً يقم، وقد مر بنا أحاديث فيها القيام للجنازة، وذكرنا فيما مضى أن جمهور أهل العلم على أن القيام منسوخ، وهذا الحديث حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه دال على ذلك؛ لأنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قعد)، يعني: أنه قعد أي: ترك القيام، كان يقوم أول الأمر، ثم إنه ترك القيام فقعد ولم يقم، بل بقي على قعوده، ولم يقم لمرور الجنازة، وهذا الذي أورده النسائي هنا وفيه الإشارة إلى النسخ؛ لأنه قال: (قام الرسول صلى الله عليه وسلم فقمنا، وقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعدنا)، وجاء في بعض الروايات التعبير بثم، وأنهم كانوا يقومون كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم، ثم قعدوا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقعد، أي: أن القيام للجنازة منسوخ كما قاله جمهور أهل العلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... قام رسول الله ثم قعد) عند مرور الجنازة

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، المحدث، الفقيه، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    مداخلة: [عن يحيى].
    هو ابن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن واقد].
    هو واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن نافع بن جبير].
    هو نافع بن جبير بن مطعم النوفلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسعود بن الحكم].
    له رؤية، وله رواية عن الصحابة، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه].
    هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره لأجل ابنته فاطمة وهو: أبو الحسنين الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما، وهو ذو المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وهو رابع الخلفاء الراشدين، وهو رابعهم في الفضل؛ لأن أفضل الصحابة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وهم خلفاء راشدون، هادون، مهديون، وعلي رضي الله عنه، هو آخر هؤلاء الخلفاء الأربعة الذين خلافتهم خلافة نبوة كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء).

    شرح حديث: (رأيت رسول الله قام فقمنا ورأيناه قعد فقعدنا) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا شعبة أخبرني محمد بن المنكدر عن مسعود بن الحكم عن علي رضي الله تعالى عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا ورأيناه قعد فقعدنا)].أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب من طريق أخرى، وهو قريب من الذي قبله، قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قام فقمنا) يعني: للجنازة عند مرورها.. (ثم قعد وقعدنا)، يعني: أنه ترك القيام فتركنا القيام يعني: فقعدنا فلم نقم، وهذا فيه إشارة إلى النسخ، وأن القيام منسوخ، وأنه كان في أول الأمر ثم نسخ.


    تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله قام فقمنا ورأيناه قعد فقعدنا) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [حدثنا خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني محمد بن المنكدر].
    هو محمد بن المنكدر المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسعود بن الحكم عن علي].
    وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.


    شرح حديث: (خرجنا مع رسول الله في جنازة ... فجلس وجلسنا حوله ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن إسحاق حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء رضي الله تعالى عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما انتهينا إلى القبر، ولم يلحد، فجلس وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير)].ثم أورد النسائي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، الذي يتعلق بالجلوس عند القبر قبل الدفن، وهو حديث طويل أورده النسائي هنا طرفه الأول، وهو مطول يتعلق ببيان ما يجري في القبر من السؤال، والفتنة، ومن نعيم القبر، وعذابه، وكذلك ما يجري عند نزع الروح من البدن، فيما إذا كانت مؤمنة، وإذا كانت غير ذلك.
    فهو حديث طويل، وفي أوله (خرجنا مع النبي عليه الصلاة والسلام فلما انتهينا إلى القبر ولما يلحد)، معناه: أنه بقي شيء في اللحد يحتاج إلى تكميله، (فجلس، وجلسوا معه كأن على رءوسهم الطير)، يعني: من هدوئهم، وسكونهم، ووقارهم؛ لأن هذا التعبير، وهو: كأن على رءوسهم الطير؛ لأن الطير لا يقع إلا على شيء ساكن، وعلى شيء مستقر، فهم بهدوئهم، وسكونهم كأن على رءوسهم الطير، فوعظهم، وذكرهم، وبين ما يجري في القبر، وما يجري عند نزع الروح، وما يجري عند دخول القبر وسؤال الملكين عن أصول الإيمان، وعن أصول الدين الثلاثة التي هي: معرفة العبد ربه، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام، فيسأل عن ربه، ودينه، ونبيه، وإذا كان موفقاً أجاب، ويفتح له باب من الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، وإذا كان بخلاف ذلك يكون الأمر بخلاف ذلك والعياذ بالله.
    فهو حديث طويل مشتمل على موعظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام.
    وهو دال على جواز الموعظة عند القبور قبل الدفن، في مثل هذه الحالة وهي: أن يكون الناس بانتظار الدفن، فيحصل التذكير، والوعظ بذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الحديث دل على ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (خرجنا مع رسول الله في جنازة ... فجلس وجلسنا حوله ...)

    قوله:
    [أخبرنا هارون بن إسحاق].
    صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا أبو خالد الأحمر].
    هو سليمان بن حيان الكوفي، وهو صدوق، يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن قيس].
    هو عمرو بن قيس الملائي، وهو ثقة، عابد، وقد ذكر في ترجمته أنه كان يبيع الملاء، وهي: العباءات؛ وكان يقول: مساكين أهل السوق، لو أن الواحد منهم إذا كسدت سلعته ذكر الله عز وجل لتمنى يوم القيامة أن يكون أكثر أهل السوق كساداً، يعني: لما يحصل له من ذكر الله عز وجل عند حصول الكساد.
    أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن المنهال بن عمرو].
    هو المنهال بن عمرو الكوفي، وهو صدوق ربما وهم، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، والبخاري روى له حديثاً في تفسير سورة فصلت، أثر طويل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وقد ذكره البخاري على طريقة تختلف، أي: أنه ذكر المتن، ثم ذكر الإسناد، وهذا نادر في استعماله؛ لأنه كان يسوق الإسناد، ثم يسوق المتن، لكن كونه يذكر المتن أولاً ثم يذكر الإسناد آخراً هذا من أندر النوادر عند البخاري رحمه الله، والمنهال بن عمرو جاء في إسناد ذلك الحديث، أو ذلك الأثر عن ابن عباس في تفسير سورة فصلت.
    [عن زاذان].
    هو أبو عمرو الكندي، وهو صدوق، يرسل، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن البراء].
    هو البراء بن عازب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    مواراة الشهيد في دمه



    شرح حديث: (زملوهم بدمائهم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [مواراة الشهيد في دمه. أخبرنا هناد عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتلى أحد: (زملوهم بدمائهم، فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا يأتي يوم القيامة يدمى، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مواراة الشهيد في دمه، يعني: بثيابه الملطخة بدمه فلا يغسل، بل يبقى دمه، حتى يأتي يوم القيامة على الوصف الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن ثعلبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أحد: [(زملوهم بدمائهم)] أي: لفوهم بها بدمائهم أي: الملطخة بالدماء، ثيابهم الملطخة بالدماء.
    قوله: [(فإنه ليس كلم يكلم في الله)].
    يعني: جرح، والكلم هو: الجرح، (فليس كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم)، والريح ريح المسك، وهي علامة على عمل صاحبه، أي: ذلك الشهيد الذي استشهد في سبيل الله، يأتي يوم القيامة ودمه شاهداً على ذلك العمل الجليل له، ويقال للجرح كلم، ويقال عن خطورة اللسان، وما يحصل بسببه من الأذى الشديد يقول: كلم اللسان أنكى من كلم السنان، يعني: الجرح الذي يحصل عن طريق اللسان أشد من الجرح الذي يحصل عن طريق السنان، يعني: السلاح، وهذا فيه بيان خطورة الأذى باللسان، وما يحصل به من الأذى، وما يحصل به من الجرح لمن يؤذى، وأن مضرته أشد من مضرة من يكلم أي: يجرح بدنه.


    تراجم رجال إسناد حديث: (زملوهم بدمائهم ...)

    قوله:
    [أخبرنا هناد].
    هو ابن السري أبو السري الكوفي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن المبارك].
    هو عبد الله بن المبارك، وقد مر ذكره قريباً.
    [عن معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري، نزيل اليمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار التابعين الذين رأوا صغار الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد الله بن ثعلبة].
    هو عبد الله بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    وقال الحافظ في التقريب: له رؤية، ولم يثبت له سماع، لكن كما هو معلوم: الحديث معناه جاء في أحاديث كثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.







  11. #351
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (348)

    - باب أين يدفن الشهيد - باب مواراة المشرك



    ورد في شأن الشهيد أنه يدفن حيث قتل، ودفن الميت لابد منه سواء كان مسلماً أم كافراً، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمواراة عمه أبي طالب.

    أين يدفن الشهيد


    شرح حديث: (... فأمر أن يدفنا حيث أصيبا)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أين يدفن الشهيد. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا وكيع، حدثنا سعيد بن السائب عن رجل يقال له: عبيد الله بن معية قال: أصيب رجلان من المسلمين يوم الطائف فحملا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر أن يدفنا حيث أصيبا، وكان ابن معية ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم].
    ثم ذكر النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: أين يدفن الشهيد، وهو أنه يدفن في المكان الذي قتل فيه، فيدفن القتلى في سبيل الله في مصارعهم، وفي الأماكن التي قتلوا فيها، ولا ينقلون إلى أماكن أخرى إلا إذا كان هناك ضرورة تلجئ إلى ذلك فهذا شيء آخر، وأما حيث لا ضرورة فإنهم يدفنون في أماكنهم التي ماتوا فيها، وقد أورد النسائي حديث عبيد الله بن معية.
    قوله: [قال: أصيب رجلان من المسلمين يوم الطائف، فحملا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر أن يدفنا حيث أصيبا].
    أي: في المكان الذي قتلا فيه، وألا ينقلا إلى مكان آخر، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن معية، أو يقال له عبيد الله ويقال عبد الله، وحديثه مرسل، وقد ذكر في الحديث أنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه صغير ليس له سماع.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فأمر أن يدفنا حيث أصيبا)

    قوله:
    [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن وكيع].
    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، حافظ، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد بن السائب].
    وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن رجل يقال له: عبيد الله بن معية].
    ويقال: عبد الله بن معية السوائي، وحديثه مرسل، أي أنه لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث من حيث كونه مرسل، والمرسل ليس حجة، فلذا الحديث ذكره الألباني في ضمن ضعيف سنن النسائي، لكن معناه جاء في أحاديث أخرى وهي: دفن الشهداء في أماكن استشهادهم، لكن الحديث نفسه من حيث الإسناد هو مرسل؛ لأنه ليس فيه ذكر الصحابي، وإنما التابعي أضاف ذلك إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.

    حديث: (أن النبي أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم ...) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور، حدثنا سفيان، حدثنا الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم، وكانوا قد نقلوا إلى المدينة)].ذكر النسائي رحمه الله حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم، وأن يدفنوا في المكان الذي قتلوا فيه، وقد نقلوا إلى المدينة).
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].
    هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي الهلالي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الأسود بن قيس].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نبيح العنزي].
    هو نبيح بن عبد الله العنزي، وهو مقبول، خرج له النسائي وحده.
    [عن جابر بن عبد الله].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي، وأبوه ممن استشهد يوم أحد، وهو عبد الله بن حرام الأنصاري، وهو من الذين دفنوا هناك، وقد جاء أنه بعد مضي ستة أشهر قرب السيل منه، فخشي أن يجترفه فنبشه، فوجده كما وضع في قبره على حالته التي وضع عليها، يعني: لم يتأثر جسده في الأرض، كالهيئة التي وضع عليها رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    وجابر بن عبد الله الأنصاري أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكرهم آنفاً.

    حديث: (ادفنوا القتلى في مصارعهم) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ادفنوا القتلى في مصارعهم)].أورد النسائي رحمه الله حديث جابر رضي الله عنه من طريق أخرى وهو بمعنى الذي قبله، يقول هنا: [(ادفنوا القتلى في مصارعهم)]، أي: في المكان الذي صرعوا فيه، ولقوا مصرعهم فيه، وماتوا فيه.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].
    هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الأسود بن قيس].
    وكيع هو ابن الجراح وقد مر ذكره، وسفيان، هو الثوري؛ لأنه إذا جاء سفيان غير منسوب يروي عنه وكيع فالمراد به الثوري، وسفيان الثوري، هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر].
    وقد مر ذكرهم.


    مواراة المشرك


    شرح حديث علي: (إن عمك الشيخ الضال مات فمن يواريه؟ قال: اذهب فوار أباك ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مواراة المشرك. أخبرنا عبيد الله بن سعيد، حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثني أبو إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي رضي الله تعالى عنه قال: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال مات فمن يواريه؟ قال: اذهب فوار أباك، ولا تحدثن حدثاً حتى تأتيني، فواريته، ثم جئت، فأمرني فاغتسلت، ودعا لي، وذكر دعاء لم أحفظه)].
    ثم ذكر النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: مواراة المشرك، وهو أن المشرك لابد من مواراته ودفنه، فالميت إذا مات لابد من دفنه ومواراته، وأورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وفاة أبيه أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه جاء وأخبره وقال: إن عمك الشيخ الضال قد مات فمن يواريه؟ قال: اذهب فواره، يعني: ادفنه؛ لأنه لا بد من دفن الميت سواء كان مسلماً أو كافراً، إلا أن المسلمين في مقابرهم، والكفار يدفنون في مقابرهم على حدة، ولا يدفنون في مقابر المسلمين، ولا يدفن المسلمون في مقابر الكفار، (فجاء علي رضي الله عنه عندما مات أبوه، وقال له: إن عمك الشيخ الضال قد مات فمن يواره؟ فقال: اذهب فواره، ثم قال: لا تحدث شيئاً حتى تأتيني، ولما جاء إليه أمره أن يغتسل ودعا له).
    قوله: [قال: فاغتسل ودعا لي وذكر].
    (ودعا لي) أي: دعا لـعلي رضي الله عنه، ولم يدع لـأبي طالب؛ لأن الكافر لا يدعى له، ولا يستغفر له، وقد جاء في الصحيحين قصة وفاة أبي طالب، وأنه جاء إليه النبي عليه الصلاة والسلام وهو في مرض موته، فقال له: يا عم، قل لا إله إلا الله كلمة أحاجك بها عند الله، وكان عنده بعض الجلساء، فقالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فكانت النهاية أن قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فمات كافراً، ومات مشركاً، والعياذ بالله.
    والحديث دال على وجوب مواراة الكافر، وأن كل ميت يوارى، ولا يبقى على ظهر الأرض، بل يجعل في باطنها؛ لأن الدفن لا بد منه، ولا بد من مواراة الميت سواء كان مسلماً أو كافراً، وفيه: ذكر الاغتسال، قيل: ولعل هذا الاغتسال لمباشرته للمشرك، فأمر بالاغتسال وأرشد إلى أن يغتسل، وقيل: لعله قد غسله، لكن التغسيل ما جاء شيء يدل عليه، ولكن الذي جاء هو المواراة وهو سأل عن المواراة وقد فعل تلك المواراة، فقيل: لعل ذلك من أجل مواراته، وملامسة جسده، ومن المعلوم أن الكافر نجاسته معنوية، وليست نجاسته نجاسة حسية، بمعنى: أن الذي يلمسه كأنه لمس نجاسة، فلابد أن يغسل النجاسة.
    فنجاسة الكفار نجاسة معنوية قد وصفهم الله عز وجل بذلك فقال: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28].

    تراجم رجال إسناد حديث علي: (إن عمك الشيخ الضال مات فمن يواريه؟ قال: اذهب فوار أباك ...)

    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد السرخسي أبو قدامة، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    سفيان هو الثوري، وقد مر ذكره آنفاً.
    [حدثني أبو إسحاق].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي، وهو ثقة، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ناجية بن كعب].
    ثقة، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن علي].
    هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد مر ذكره.


    الأسئلة


    كيفية التعامل مع وقت العشاء في البلدان التي يتأخر فيها إلى منتصف الليل

    السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أناس مسلمون يعيشون في أرض الغربة، ويقيمون الصلاة في أوقاتها، ولكن أثناء فصل الصيف يتأخر وقت صلاة العشاء إلى منتصف الليل، مما يؤثر على العمال بانتظارهم لها، والسؤال: هل يجوز لهم الجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء تقديماً؟

    الجواب: غروب الشفق هو الذي يبدأ به وقت العشاء، وينتهي به وقت المغرب، أي: إذا كان عندهم الليل وفيه يحصل هذا الوقت الذي مع غروب الشمس، ثم يحصل معه مغيب تلك الحمرة التي تتبع الشمس، فإن هذا هو الوقت الذي ينتهي به صلاة المغرب، ويبدأ به صلاة العشاء، والجمع لا يجوز للحاضر إلا إذا كان هناك ضرورة تلجئ إليه، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، لكن كونه يصير بصفة دائمة أو في أوقات كثيرة، هذا خلاف السنة، وإنما كل صلاة يصلونها في وقتها.

    حكم اتباع جنائز الكفار

    السؤال: حفظكم الله، هل يجوز للمسلم أن يذهب مع الكفار، ويدفن موتاهم، وقد يكون هذا الميت مسافراً قريباً له؟


    الجواب: إذا كان الكفار تولوا هذا فلا يذهب معهم، أما إذا ما وجد أحد يقوم بهذه المهمة، فإن المسلم يذهب، ويدفن الكافر مثل ما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليدفن أباه.

    كيفية إخراج زكاة الراتب الشهري


    السؤال: حفظكم الله، هل الراتب الشهري فيه زكاة؟


    الجواب: الراتب الشهري إذا كان يؤكل ولا يبقى منه شيء يدخر، فإنه لا زكاة فيه، وإذا ادخر منه شيء، وحال عليه الحول، فإنه يزكى إذا بلغ نصاباً.

    حكم تلقين الميت: لا إله إلا الله

    السؤال: حفظكم الله، صادف جنازة في البقيع، ولكن لم يسمع أحد يلقنها مع أن جميع الكتب يقولون بسنيته؟


    الجواب: التلقين هو عند الموت وليس عند القبر؛ لأن الإنسان ما دام على قيد الحياة، وهو على وشك مغادرة الحياة، فهذا هو الذي ينفعه التلقين، والتلقين ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الموت، وليس بعد الموت، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) ومتى يكون آخر كلام الإنسان من الدنيا لا إله إلا الله يعني: ما دام على قيد الحياة، أما إذا مات فقد انتهى على ما انتهى عليه، وقال: (موتاكم) هنا؛ لأنه على وشك الموت، ولأنه في آخر الحديث قال: (فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، معناه: يقولها وهو على قيد الحياة قبل أن تنزع روحه، أما إذا نزعت روحه، فإنه لا يلقن، والتلقين عند الدفن أو بعد الدفن لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي ثبت هو التلقين عند الموت كما جاء في الحديث الذي أشرت إليه: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة).

    وعظ الناس في المقبرة حال قيامهم

    السؤال: حفظكم الله، هل يجوز فعل الموعظة في المقبرة والناس قيام، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها مع الصحابة، وكلهم كانوا جلوساً؟


    الجواب: كما هو معلوم إذا كان الناس قائمين بدفنها فهذا طبعاً ما فيه مجال للموعظة، وإنما الموعظة تحتاج إلى استعداد لها من حيث أن الناس يقبلونها، أما إذا كان الناس يقومون، ويقعدون، ويدفنون، فهذا ما فيه مجال للموعظة، للموعظة مجال إذا كان القبر يحتاج إلى أنه يمضي وقت حتى يوضع في اللحد، أو يجهز القبر عند ذلك تكون الموعظة، مثل ما جاء في حديث البراء بن عازب، قال: ولما يلحد معناه: أنه ما استكمل اللحد، فجلس وجلسوا معه، فوعظهم، وأما ما دام الناس واقفين لدفنه ومواراته، فالناس مشغولون بعملهم، ولا يسمعون الموعظة، ولا ينتبهون للموعظة.

    مدى مشروعية القيام للجنازة

    السؤال: يا شيخ! الله يحفظكم، هل يجوز الوقوف بالشارع عندما تمر علينا الجنازة؟


    الجواب: أنا ذكرت أن جمهور أهل العلم على أن ذلك منسوخ، وأنه لا يقام إلى الجنازة.

    سبب تسمية مسجد القبلتين بهذا الاسم

    السؤال: حفظكم الله، لماذا سمي مسجد القبلتين بهذا الاسم؟


    الجواب: لعل ذلك لكونه جاء في بعض الروايات أن أهل ذلك المسجد كانوا يصلون إلى جهة بيت المقدس قبل أن يبلغهم نسخ القبلة، ثم بلغهم النسخ فتحولوا من جهة الشام إلى جهة الكعبة، فكان أول الصلاة إلى المسجد الأقصى وآخر الصلاة إلى المسجد الحرام، وهذا جاء في بعض الأحاديث، لكن الذي ثبت في الصحيحين وغيرهما، أن ذلك حصل في قباء أن الناس كانوا يصلون إلى جهة الشام، ثم صاروا يصلون إلى جهة مكة، جاء آتٍ والناس يصلون فقال لهم: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أنزل عليه قرآن، وأنه استقبل القبلة، فاستداروا في صلاتهم فكانت أول صلاتهم، إلى الشام، وآخر صلاتهم إلى الكعبة.
    جاء في بعض الروايات ما أدري عن صحتها، أن مثل ذلك حصل في مسجد بني سلمة الذي هو في منازلهم، ولعله قيل لمسجد القبلتين ذلك لأنه بلغ أهل ذلك المسجد نسخ القبلة من المقدس إلى الكعبة، فتحولوا في صلاتهم، فصار أول صلاتهم إلى قبلة وآخر صلاته إلى قبلة أخرى، لكن الذي ثبت في الصحيحين وغيرهما أن ذلك حصل في قباء.
    فإن قال قائل: كيف يتحولوا وهم في الصلاة؟
    فالجواب: أي: استدار كل واحد منهم والإمام تقدم، بدل ما كان في الجهة الشمالية قطع الصف، وتقدمهم وكل واحد استدار وهو في مكانه إلى جهة الكعبة، والإمام كان في الشمال فراح إلى الجنوب، ويقطع الصف، ويصف أمامهم.

    صفة توجه الطائف حال الإشارة إلى الحجر الأسود

    السؤال: يا شيخ، حفظكم الله، إذا وازى الطائف الحجر الأسود، فهل يستقبل الكعبة استقباله في الصلاة ثم يشير بيده؟

    الجواب: لا، ما يستقبلها وإنما يشير بدون استقبال، يشير وهو ماشٍ، ولا يشرع النظر إليه، وإنما يشير وهو ماشٍ، والحجر كما هو معلوم، لا يمكن رؤيته من الناس.

    موضع رمي جمرة العقبة

    السؤال: هل يجزئ وقوع حصى الرمي في الحوض، أو لا بد من إصابة العمود؟

    الجواب: لا، العمود لا يشتغل الإنسان في إصابتها، وإنما يشتغل في كونه يضع الحصى في المرمى، والعمود ما وضعت من أجل أنها ترمى، وإنما من أجل أن تدل على مكان الحوض، وتدل على مكان الرمي، وأن الرمي يكون هناك في المنطقة، وليس لأن العمود يرمى، فالعمود هذه علامة على أن الرمي تحتها.


  12. #352
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (349)

    - (باب اللحد والشق) إلى (باب وضع الثوب في اللحد)

    يجوز في القبر اللحد والشق، واللحد أفضل، ويستحب تعميق القبر وتوسيعه، لما في ذلك من صيانة للميت وحفظاً لجسده.

    اللحد والشق


    شرح حديث سعد: (ألحدوا لي لحداً وانصبوا علي نصبا ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اللحد والشق.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه عن سعد رضي الله تعالى عنه قال: (ألحدوا لي لحداً، وانصبوا علي نصباً كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم)].
    يقول النسائي رحمه الله: اللحد والشق، أي: في القبر، والمراد باللحد هو: أنه إذا حفر القبر يحفر من الجهة الأمامية إلى جهة القبلة مكان يوضع فيه الميت ليس على سمت القبر وإنما يكون داخلاً، هذا هو اللحد؛ لأن فيه ميلاً عن سمت القبر، واللحد هو: الميل، والإلحاد هو: الميل، فالإلحاد في أسماء الله وصفاته، يعني: الميل بها عما تدل عليه إلى ما لا تدل عليه.
    وأما الشق: فهو أنه إذا حفر القبر يحفر في وسطه حفرة يوضع فيها الميت، فإذا وضع في حال الشق، فإن اللبن يوضع وضعاً، يعني: وكأنه سقف والميت تحته، وأما اللحد، فإنه ينصب اللبن نصباً، بحيث يكون طرف اللبنة على القبر، وطرفها على الجهة العليا التي فوق اللحد، ففي حال استعمال الشق يوضع اللبن وضعاً، وفي استعمال اللحد ينصب اللبن نصباً بحيث يكون قائماً بميول، وبحيث يغلق الفتحة التي يوضع فيها الميت.
    وكل من اللحد والشق جائز، إلا أن اللحد أفضل من الشق، وهو الذي عمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث وضع له لحد، ووضع فيه صلى الله عليه وسلم، والشق جائز؛ لأن ذلك كان معمولاً به في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده، فكل منهما سائغ، وجائز.
    وقد جاء في بعض الأحاديث التي ستأتي اللحد لنا، والشق لغيرنا أي: لأهل الكتاب؛ لكن هذا لا يدل على أن المسلمين لا يستعملونه؛ لأنه كان مستعملاً في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وبعد زمنه عليه الصلاة والسلام، إلا أن اللحد أفضل من الشق، وقد أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث واحد فقال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة) عشرة أشخاص سردهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد، وقال عن كل واحدٍ منهم أنه في الجنة، ولهذا أطلق عليهم العشرة المبشرين بالجنة.
    وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو آخر العشرة المبشرين بالجنة موتاً كما سبق أن مر بنا في درس المصطلح وهو أنه مات سنة خمس وخمسين، وكان آخر العشرة المبشرين بالجنة وفاةً رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    وقد أوصى سعد بأنه إذا مات يلحد له لحداً، وينصب عليه اللبن نصباً؛ لأن نصب اللبن إنما يكون مع اللحد بخلاف الشق، فإنه لا ينصب، وإنما يوضع عليه كالسقف؛ لأن فتحة القبر يشق في وسطها شقاً، ويوضع الميت فيه، ثم توضع اللبن مصفوفة موضوعة وضعاً، وأما اللحد فإنها تنصب نصباً؛ لأنه محفور في جهة القبلة، فينصب اللبن عليه نصباً، فسعد رضي الله عنه، أوصى بأن يفعل به كما فعل برسول الله عليه الصلاة والسلام بأن يلحد له لحد وأن ينصب اللبن نصباً.

    تراجم رجال إسناد حديث سعد: (ألحدوا لي لحدا وانصبوا علي نصبا ...)

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو الفلاس المحدث، الناقد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي، عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الله بن جعفر].
    هو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ويقال له: المسوري نسبة إلى جده المسور بن مخرمة، وهو لا بأس به، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وكلمة لا بأس به عند الحافظ ابن حجر تعادل صدوق؛ لأنه هو الذي خف ضبطه، فيكون حديثه حسناً لذاته من غير أن يحتاج إلى اعتضاد، فهي مثل صدوق، لا بأس به، ليس به بأس، فكلها بمعنى واحد، ولكن في اصطلاح بعض المحدثين وهو: يحيى بن معين أنه إذا قال: لا بأس به في الرجل، فهو توثيق تعادل ثقة عنده، أي: إذا قال عن رجل لا بأس به، فإنه يريد بذلك أنه ثقة، ولهذا قالوا: إن (لا بأس به) عند يحيى بن معين توثيق، يعني: هي مثل ثقة.
    [عن إسماعيل بن محمد بن سعد].
    هو إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن أبيه].
    هو محمد بن سعد بن أبي وقاص المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود، فإنه لم يخرج له في السنن، وإنما خرج له في كتابه المراسيل.
    [عن سعد].
    هو سعد بن أبي وقاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين في الجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وإسماعيل بن محمد بن سعد، إذا كان في تهذيب الكمال بالحروف منصوصاً عليه، فهو الأوضح، لكن لا أدري هل كل النسخ التي هي متفرعة عن تهذيب الكمال كلها على ذكر أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، أو أن في بعضها شيء يختلف مع تهذيب الكمال، لكن مهما يكن من شيء فإن المنصوص عليه في تهذيب الكمال هو المعتبر؛ لأنه ينص بالأسماء بخلاف التي تفرعت عنه فإنها بالرموز، والرموز يحصل فيها التصحيف، والتحريف أحياناً.

    حديث سعد: (ألحدوا لي لحدا وانصبوا علي نصبا ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو عامر عن عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد: أن سعداً لما حضرته الوفاة قال: ألحدوا لي لحداً، وانصبوا على نصباً كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله تماماً.
    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].
    هو الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا أبو عامر].
    هو عبد الملك بن عمرو العقدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن جعفر عن إسماعيل]. قد مر ذكرهما.
    [عن عامر بن سعد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (اللحد لنا والشق لغيرنا)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد أبو عبد الرحمن الأذرمي عن حكام بن سلم الرازي عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللحد لنا والشق لغيرنا)].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: [(اللحد لنا والشق لغيرنا)] أي: لأهل الكتاب، لكن هذا لا يدل على أنه لا يجوز الشق؛ لأنه كان موجوداً في زمنه، ومعمول به بعد وفاته، فكل منهما سائغ إلا أن اللحد أفضل من الشق.

    تراجم رجال إسناد حديث: (اللحد لنا والشق لغيرنا)

    قوله:
    [أخبرنا عبد الله بن محمد أبو عبد الرحمن الأذرمي].
    ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن حكام بن سلم الرازي].
    هو حكام بن سلم الرازي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن علي بن عبد الأعلى].
    هو علي بن عبد الأعلى الكوفي، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن الأربعة مثل ابنه تماماً.
    [عن سعيد بن جبير].
    وهو تابعي مشهور، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    ما يستحب من إعماق القبر


    شرح حديث: (... احفروا وأعمقوا وأحسنوا ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يستحب من إعماق القبر.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا إسحاق بن يوسف حدثنا سفيان عن أيوب عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقلنا: يا رسول الله، الحفر علينا لكل إنسان شديد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احفروا، وأعمقوا، وأحسنوا، وادفنوا الإثنين والثلاثة في قبر واحد، قالوا: فمن نقدم يا رسول الله؟، قال: قدموا أكثرهم قرآناً، قال: فكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب ما يستحب من إعماق القبر. أي: كونه عميقاً، يعني: بحيث يكون نازلاً كثيراً في الأرض، وفائدة ذلك: أنه يكون بعيداً، من أن يتعرض لأذى، أو تصل إليه بعض الحيوانات؛ لأنه إذا كان قريباً يمكن أن تحرثه، وأن يكون في متناولها، فإذا كان عميقاً يكون بعيداً منها لا تصل إليه، ولا يحصل بروزه وظهوره لكونه قريباً، بل لعمقه يبعد أن يبرز وأن يظهر، وكذلك يبعد أن تصل إليه بعض الحيوانات التي تأكل الجيف، أو تأكل الأموات، أو ما إلى ذلك، فهذه فائدة الإعماق، وقد أورد النسائي حديث هشام بن عامر رضي الله تعالى عنه، أنهم شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثر القتلى، وشهداء أحد رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وقال: إن الحفر لكل واحدٍ علينا شديد، يعني: يشق عليهم أن يحفروا لكل شخص قبراً يدفنونه فيه، فالنبي عليه الصلاة والسلام أمرهم أن يحفروا، وأن يعمقوا، وأن يجعلوا القبر يتسع لعدة أشخاص، بدل ما يحفرون قبراً لكل واحد، يحفرون قبراً واسعاً يعني: عميقا،ً ويجعلون فيه عدداً من الموتى، فقالوا: من نقدم؟ يعني: من الذي يقدم إلى جهة القبلة؟ فقال: أكثرهم قرآناً، والحديث يدل على إعماق القبر، وعلى أنه يجوز دفن عدد من الموتى عندما يكثر الموتى، ويحتاج الأمر إلى دفنهم جميعاً، فإن ذلك سائغ، وعند عدم الحاجة كما هو معلوم كل شخص يحفر له قبر.
    ويدل أيضاً على أن من يكون أكثرهم أخذاً للقرآن وحفظاً للقرآن، فإنه يقدم على غيره إلى جهة القبلة، يكون مقدماً إلى جهة القبلة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... احفروا وأعمقوا وأحسنوا ...)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن بشار].
    هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة بدون واسطة.
    [حدثنا إسحاق بن يوسف].
    هو الأزرق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد بن هلال].
    هو حميد بن هلال العدوي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن هشام بن عامر].
    رضي الله تعالى عنه، وهو أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.


    ما يستحب من توسيع القبر


    شرح حديث: (احفروا وأوسعوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يستحب من توسيع القبر. أخبرنا محمد بن معمر حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت حميد بن هلال عن سعد بن هشام بن عامر عن أبيه قال: لما كان يوم أحد أصيب من أصيب من المسلمين، وأصاب الناس جراحات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احفروا، وأوسعوا، وادفنوا، الاثنين والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآنا)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يستحب من توسيع القبر، وأورد فيه حديث هشام بن عامر رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبل، إلا أنه هناك أورده من أجل الإعماق وهنا من أجل التوسيع من جهة طوله وعرضه، والإعماق، من جهة عمقه وقعره، والحديث هو نفس الحديث إلا أنه جاء من طريق أخرى، وهو دال على ما دل عليه، أو هو مثل الذي قبله، والدلالة في الجميع واحدة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (احفروا وأوسعوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر ...) من طريق أخرى

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن معمر].
    صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا وهب بن جرير].
    هو وهب بن جرير بن حازم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي].
    هو جرير بن حازم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت حميد بن هلال].
    وقد مر ذكره.
    [عن سعد بن هشام بن عامر].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو هشام بن عامر، وقد مر ذكره.


    وضع الثوب في اللحد


    شرح حديث: (جعل تحت رسول الله حين دفن قطيفة حمراء)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وضع الثوب في اللحد.أخبرنا إسماعيل بن مسعود عن يزيد وهو ابن زريع حدثنا شعبة عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (جعل تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفن قطيفة حمراء)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب وضع الثوب في اللحد. يعني: تحت الميت، وقد أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنه قال: وضع تحت النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء، أي: وضعها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، إلا أن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام؛ ولم يفعل مع أحدٍ سواه، ولهذا اعتبروها من خصائصه، وقد ذكر الذهبي في ترجمة عبد الله بن لهيعة جملة من الخصائص التي اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الموت، ومنها هذه المسألة، وهي: وضع القطيفة تحته صلى الله عليه وسلم، ومنها: كون الصحابة صلوا عليه فرادى، وذكر جملة من الخصائص التي اختص بها صلى الله عليه وسلم المتعلقة بما جرى بعد موته صلى الله عليه وسلم، فهذه من خصائصه، فلا يوضع تحت الميت شيء في قبره، وإنما يوضع بأكفانه في لحده.

    تراجم رجال إسناد حديث: (جعل تحت رسول الله حين دفن قطيفة حمراء)

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن يزيد وهو: ابن زريع].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو ابن زريع) الذي قالها النسائي أو من دون النسائي يعني: ليس إسماعيل بن مسعود هو الذي قالها؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول هو، بل ينسب شيخه كما يريد.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي جمرة].
    هو نصر بن عمران الضبعي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو ملازم لـعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقد جاء في حديث وفد عبد القيس في صحيح البخاري أن ابن عباس قال لـأبي جمرة: اجلس معي حتى تبلغ عني الناس، فهو أبو جمرة، وقد مر بنا في المصطلح أن هناك أبو جمرة، وأبو حمزة، وأن هناك عدداً يقال لهم: أبو حمزة يروون عن ابن عباس، وأبو جمرة بالجيم، والراء، وهو: نصر بن عمران الضبعي هو الذي يروي عن ابن عباس، وهو الذي لا ينسبه غالباً بخلاف غيره، مثل أبي حمزة فإنه ينسب، فيقال: أبو حمزة الفلاني، أو أبو حمزة بن فلان.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.

  13. #353
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (350)

    - (الساعات التي نهي عن إقبار الموتى فيهن) إلى (باب من يقدم)

    بيّن النبي عليه الصلاة والسلام الساعات التي ينهى فيها عن دفن الموتى، وأنه إذا كثر الموتى فإنه يدفن في القبر الواحد اثنان أو ثلاثة؛ ويقدم في القبر أكثرهم قرآناً.

    الساعات التي نهي عن إقبار الموتى فيهن


    شرح حديث: (ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الساعات التي نهي عن إقبار الموتى فيهن.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا موسى بن علي بن رباح سمعت أبي، قال: سمعت عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب)].
    أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: الساعات التي نهي عن إقبار الموتى فيهن.
    والمراد من ذلك: أن هناك أوقاتاً ثلاثة قصيرة جداً جاء النهي عن الصلاة فيها، وعن إقبار الموتى فيها؛ وهي إذا طلعت الشمس حتى ترتفع، وإذا قام قائم الظهيرة حتى تزول، يعني: عندما تكون على الرءوس حتى تميل ويظهر الفي، فتميل إلى جهة المغرب بدلاً من جهة المشرق، وكذلك عند غروب الشمس، وهذه أوقات ثلاثة قصيرة جاء النهي عن الصلاة فيها، وعن قبر الموتى فيها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا ...)

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو الفلاس وقد مر ذكره.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي، وقد مر ذكره.
    [حدثنا موسى بن علي بن رباح].
    بالتصغير أبوه علي بالتصغير، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [سمعت أبي].
    هو علي بن رباح، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [سمعت عقبة بن عامر الجهني].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (فزجر رسول الله أن يقبر إنسان ليلاً ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الرحمن بن خالد القطان الرقي حدثنا حجاج قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً رضي الله تعالى عنه، يقول: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر رجلاً من أصحابه مات فقبر ليلاً، وكفن في كفن غير طائل، فزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبر إنسان ليلاً إلا أن يضطر إلى ذلك)].هنا أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، في قصة الرجل الذي توفي، وكفن في كفن غير طائل يعني: ليس كافياً أو ليس ذا شأنٍ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى عن أن يقبر الموتى ليلاً إلا أن يضطر إلى ذلك، فدل هذا على كراهية الدفن في الليل، إلا إذا ترتب عليه شيء في ذلك، ولكنه إذا اضطر إلى ذلك فإن ذلك سائغ كما جاء في الحديث نفسه: [نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبر إنسان ليلاً إلا أن يضطر إلى ذلك].
    فعند الحاجة والضرورة فلا بأس بذلك، ومن الأمور التي تترتب على الدفن في الليل: عدم وجود المصلين أو كثرة المصلين عليه، وكذلك أيضاً قد لا يتوفر ويتيسر الكفن الذي يكفي ويكون كافياً، والحديث سبق أن مر بنا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (فزجر رسول الله أن يقبر إنسان ليلاً ...)

    قوله:
    [أخبرنا عبد الرحمن بن خالد القطان الرقي].
    صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا حجاج].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني أبو الزبير].
    هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أنه سمع جابراً].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    دفن الجماعة في القبر الواحد


    شرح حديث: (احفروا وأوسعوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [دفن الجماعة في القبر الواحد. أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا وكيع عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر قال: (لما كان يوم أحد أصاب الناس جهد شديد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احفروا وأوسعوا، وادفنوا الإثنين والثلاثة في قبر، فقالوا: يا رسول الله! فمن نقدم؟ قال: قدموا أكثرهم قرآناً)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: دفن الجماعة في قبر واحد، يعني: أكثر من واحد في قبر واحد، وقد أورد النسائي فيه حديث هشام بن عامر رضي الله عنه الذي تقدم ذكره للاستدلال به على إعماق القبر، وعلى توسيع القبر أورده هنا للاستدلال به على دفن الجماعة في قبر واحد، وقد مر ذكر الحديث.

    تراجم رجال إسناد حديث: (احفروا وأوسعوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر ...)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].
    هو المخرمي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا وكيع].
    هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي وهو ثقة، حافظ، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان بن المغيرة].
    هو سليمان بن المغيرة القيسي مولاهم البصري، وهو ثقة، وقال يحيى بن معين: أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد بن هلال].
    قد مر ذكره.
    [عن هشام بن عامر].
    قد مر ذكرهما.

    حديث: (وادفنوا في القبر الاثنين والثلاثة ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب أخبرنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن حميد بن هلال عن سعد بن هشام بن عامر عن أبيه قال: (اشتد الجراح يوم أحد فشكى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: احفروا وأوسعوا وأحسنوا، وادفنوا في القبر الإثنين والثلاثة، وقدموا أكثرهم قرآناً)].أورد النسائي حديث هشام بن عامر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].
    هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن سليمان بن حرب].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد بن زيد].
    هو حماد بن زيد البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب السختياني، وقد مر ذكره.
    [عن حميد عن سعد بن هشام].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (احفروا وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة ..) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن حميد بن هلال عن أبي الدهماء عن هشام بن عامر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (احفروا وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة، وقدموا أكثرهم قرآنا)].هنا أورد النسائي حديث هشام بن عامر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].
    قد مر ذكره.
    [حدثنا مسدد].
    هو ابن مسرهد البصري، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وما خرج له مسلم ولا ابن ماجه.
    [حدثنا عبد الوارث].
    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب السختياني، وقد مر ذكره.
    [عن حميد].
    قد مر ذكره.
    [عن أبي الدهماء].
    هو قرفة العدوي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن هشام بن عامر].
    قد مر ذكره.


    من يقدم


    شرح حديث: (... وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر وقدموا أكثرهم قرآناً ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من يقدم.حدثنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا أيوب عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر قال: (قتل أبي يوم أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احفروا وأوسعوا وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآناً فكان أبي ثالث ثلاثة وكان أكثرهم قرآناً فقدم)].
    هنا أورد النسائي حديث هشام بن عامر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه: أن أباه أحد ثلاثة، وأنه كان أكثرهم قرآناً، وأنه قدم على غيره بناءً إلى ما أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من تقديم من يكون أكثر قرآناً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر وقدموا أكثرهم قرآناً ...)

    قوله:
    [حدثنا محمد بن منصور].
    هو محمد بن منصور الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب عن حميد عن هشام].
    قد مر ذكرهم.


    الأسئلة


    مدى صحة حديث: (من ترك جمعة متعمداً فعليه دينار ...)

    السؤال: حفظكم الله، حديث النسائي: (من ترك جمعة متعمداً فعليه دينار، فإن لم يجد فنصف دينار) هل هذا الحديث صحيح؟الجواب: لا أدري.

    حكم من أخذ شيء من شعر لحيته

    السؤال: حفظكم الله، يوجد شخص يحلق شعر لحيته من جهة الخدين، ويترك الذي على الذقن، فهل فعله جائز؟


    الجواب: الإنسان عليه ألَّا يتعرض لشعر لحيته، والإنسان إذا وضع الموس حولها، فإنه يمشي عليها ويقضي عليها، فالإنسان لا يتعرض لشعر خديه، ولا لأسفل ذقنه، وإنما يتركه ولا يتعرض له.

    حكم إعطاء الزكاة لحالق اللحية

    السؤال: حفظكم الله، بعد أن نصحه احتج بأنه لا ينبت له إلا شعر قليل في هذا المكان فلذلك هو يزيله، ثم يقول: إذا كان كذلك فهل لنا أن نعطيه من الزكاة؟


    الجواب: إذا كان فقيراً يعطى من الزكاة، ولكنه ينصح ويبصر.

    حكم إعطاء شيء من الأضحية للجزار كأجرة

    السؤال: حفظكم الله، الرجل الذي يذبح ذبيحة أو الهدي هل يعطى شيئاً من الهدي كأجرة؟


    الجواب: لا، الجزار لا يعطى أجرته من الهدي، ولا من الأضحية، وإنما أجرته من خارج الهدي، فالأضحية والهدي لا يعطى الجزار أجرته منهما، وإنما يعطى من خارجهما مما سواهما.
    وإذا أعطاه لكونه هدية أو لكونه فقيراً فلا بأس بذلك، المهم ألا تكون الأجرة هي من اللحم؛ لأن هذا معناه يؤدي إلى أن جزءاً من اللحم يذهب في مقابل العمل، ولا يصرف في المواضع التي أريد أن يصرف فيها.

    مدى إجزاء الأنثى في الهدي

    السؤال: حفظكم الله، هل تجزئ الأنثى في الهدي؟

    الجواب: طبعاً الذكر والأنثى كلها مجزئة إذا كانت قد بلغت السن المطلوب، وهي إذا كانت من الماعز أكملت سنة، ومن الضأن أكملت ستة أشهر، ومن البقر أكملت سنتين، ومن الإبل أكملت خمس سنوات.

    مدى دخول الجهمية في الثنتين والسبعين الفرقة

    السؤال: حفظكم الله، هل من العلماء من حدد أو حصر عدد الفرق التي جاءت بحديث أن الأمة تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، وهل الجهمية من هذه الفرق؟


    الجواب: ذكروا أصول هذه الفرق، وأما الجهمية فقد جاء عن عدد من أهل العلم أنهم ليسوا من الثنتين والسبعين الفرقة؛ لأن الفرق الثنتين والسبعين من أمة الإجابة الذين هم من المسلمين، ولهذا بعض العلماء أو جماعة من العلماء كفروا الجهمية وقالوا: إنهم خارجون عن الثنتين والسبعين، وليسوا من الثنتين والسبعين التي هي فرق إسلامية.

    كيفية معرفة التشابه بالأسماء في السند

    السؤال: حفظكم الله، إذا ذكر راوٍ في السند باسم ما، ويكون هذا الاسم أيضاً لراوٍ آخر؟ يعني: يقول إذا تشابهت الأسماء كيف يفرق بينها مثل معاوية بن صالح يوجد أكثر من شخص؟


    الجواب: أولاً: ينظر في الطبقات؛ لأنه إذا عرفت الطبقات، وأن هذا شخص متقدم، وهذا شخص متأخر، يعرف تمييز المتقدم والمتأخر باعتبار الطبقة، بحيث يعرف أن هذا متأخر وذاك متقدم مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن سعيد القطان، يحيى بن سعيد القطان متأخر؛ لأنه من طبقة شيوخ شيوخ البخاري، وهو شيوخ أصحاب الكتب الستة، وأما يحيى بن سعيد الأنصاري، فهو من طبقة صغار التابعين يروي عنه الإمام مالك، فبمعرفة الطبقة يعرف أنه هذا أو هذا، فإذا جاء شخص من طبقة شيوخ شيوخ البخاري ما يقال: إنه يحيى بن سعيد الأنصاري وإنما يحيى بن سعيد القطان؛ شخص متقدم في التابعين يعني: يقال يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم أيضاً قد يكونوا في طبقة واحدة، هذا الذي ذكرته فيما إذا كانوا في طبقات يميز باعتبار الطبقات، لكن إذا كانوا في طبقة واحدة فإنه في هذه الحالة ينظر إلى الشيوخ والتلاميذ، فإذا كان مثلاً: هذا الشخص يروي عن فلان مثل: عن سفيان وسفيان جاء وكيع يروي عن سفيان فإن سفيان يحمل على أنه الثوري؛ لأن وكيعاً معروف بالرواية عن سفيان الثوري، وقد يكون يتفق التلاميذ، والشيوخ بأن يكون هذا عنه، يعني: الذي أخذ عن هذا وكذلك بالنسبة للشيوخ، وفي هذه الحالة ينظر إلى من يكون أكثر ملازمة، وأكثر اتصال، أو من أهل بلده، أو ما إلى ذلك.



  14. #354
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (351)

    - (باب إخراج الميت من اللحد بعد أن يوضع فيه) إلى (باب الركوب بعد الفراغ من الجنازة)

    لقد بينت الشريعة الإسلامية كل ما يحتاجه الإنسان في حياته وبعد موته، ومن ذلك أحكام الجنازة، وأنه يجوز الصلاة على الميت في المسجد، وكذلك الركوب بعد الفراغ من الدفن، كما يشرع الصلاة على القبر، وجواز إخراج الميت من القبر إن وجدت مصلحة تقتضي لذلك.

    إخراج الميت من اللحد بعد أن يوضع فيه


    شرح حديث: (... فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إخراج الميت من اللحد بعد أن يوضع فيه.قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن سفيان: سمع عمرو جابراً رضي الله تعالى عنه يقول (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعدما أدخل في قبره، فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه) والله أعلم].
    يقول النسائي رحمه الله: إخراج الميت من اللحد بعد أن يوضع فيه، ومراد النسائي رحمه الله من هذه الترجمة أن إخراج الميت من اللحد بعد وضعه فيه لأمرٍ يعود إلى منفعته وإلى فائدته أن ذلك سائغ.
    وقد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى عبد الله بن أبي، وقد أدخل في قبره، ووضع في لحده، فأمر به، فأخرج، فوضعه على ركبته، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه.
    والحديث سبق أن مر بنا فيما مضى في إخراجه من القبر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ألبسه قميصه، وسبق أن مر بنا أن هذا مكافأة له على إلباس قميصه للعباس عمه لما أسلم، فبحثوا عن قميصٍ له فوجدوا الذي يناسبه قميص عبد الله بن أبي، فكافأه الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، وصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك قبل أن ينهى عن الصلاة على المنافقين، ونزلت الآية في النهي عن الصلاة عليهم، فلم يصل عليهم بعد ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ...)

    قوله: [قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع].لم يقل النسائي: أخبرني الحارث بن مسكين، وإنما قال: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، وقد مر بنا طرق عديدة يقول فيها النسائي: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، والسبب في هذا والله أعلم أن النسائي حصل بينه وبين شيخه الحارث بن مسكين في بعض الفترات وحشة، ومنعه من حضور درسه، وسماع الحديث منه، فكان يأتي ويجلس من وراء الستار، ويسمع قراءة القارئ عليه، فيحدث بذلك، ولكنه لا يقول: أخبرني؛ لأن الحارث بن مسكين لم يرد إخباره، بل قد منعه من أن يحضر لأخذ الحديث عنه، فكان من حسن تعبيره، وحسن أدائه أن لا يقول: أخبرني، وهو لم يخبره ولم يرده بالتحمل، فكان يقول: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، أما الحالات التي كان قد أذن له فيها فإنه يعبر عنها بقوله: أخبرني الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، أو أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
    إذاً: هذا هو الفرق بين قول النسائي: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، وبين قوله: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
    وهذا من حسن التعبير والأمانة في التحمل، ومعلوم أن الأخذ عن الشيخ، وإن لم يرد أن يحدثه، بل حدثه غيره أن ذلك سائغ عند المحدثين؛ لأنه ليس من شرطه أن يكون أذن له أن يتحمل منه، بل لو سمعه يحدث، أو يقرأ عليه، أو يسمع فله أن يتحمل بهذه الطريقة، وليس من شرط ذلك أن يكون آذناً له أو عالماً به.
    والحارث بن مسكين هو المصري الفقيه، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمع عمرو].
    هو ابن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ جابراً].
    هو ابن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه رباعي؛ لأن فيه بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص: الحارث بن مسكين، وسفيان بن عيينة، وعمرو بن دينار، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وهؤلاء أربعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عنده ثلاثيات، فأعلى ما عنده الرباعيات، وهذا منها.

    شرح حديث: (إن النبي أمر بـعبد الله بن أبي فأخرجه من قبره ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسين بن حريث أخبرنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد حدثنا عمرو بن دينار سمعت جابراً رضي الله تعالى عنه يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بـعبد الله بن أبي فأخرجه من قبره فوضع رأسه على ركبتيه، فتفل فيه من ريقه، وألبسه قميصه -قال جابر-: وصلى عليه) والله أعلم].أورد النسائي حديث جابر من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها؛ فيه ذكر إخراجه من القبر، والنفث عليه، وإلباسه القميص، وفيه أيضاً أنه صلى عليه، وقد سبق أن مر بنا أن عمر رضي الله عنه قال له: تصلي عليه وهو منافق، وقد قال كذا، وكذا، فقال عليه الصلاة والسلام: إنه خير، ولو علم أنه يزيد على السبعين، يعني: يستغفر، ويغفر لفعل، وصلى عليه، ثم أنزل الله عز وجل: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، فترك الصلاة على المنافقين بعد نزول هذه الآية الكريمة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن النبي أمر بـعبد الله بن أبي فأخرجه من قبره ...)

    قوله: [أخبرنا الحسين بن حريث].هو المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [أخبرنا الفضل].
    هو ابن موسى المروزي أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حسين بن واقد].
    هو حسين بن واقد المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا عمرو بن دينار سمعت جابراً].
    وقد مر ذكرهم، وهذا الإسناد أنزل من الإسناد الذي قبله؛ لأن الإسناد الذي قبله رباعي، وأما هذا خماسي، فيه الحسين بن حريث عن الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عمرو بن دينار عن جابر خمسة، أما الطريق الأولى فهي أربعة.


    إخراج الميت من القبر بعد أن يدفن فيه


    شرح حديث جابر: (دفن مع أبي رجل في القبر فلم يطب قلبي حتى أخرجته ودفنته على حدة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إخراج الميت من القبر بعد أن يدفن فيه.أخبرنا العباس بن عبد العظيم عن سعيد بن عامر عن شعبة عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (دفن مع أبي رجل في القبر فلم يطب قلبي حتى أخرجته ودفنته على حدة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي إخراج الميت من القبر بعد أن يدفن فيه، الترجمة السابقة هي إخراجه من اللحد قبل أن يدفن، وكان ذلك لمصلحة تعود للميت، وأما هذه الترجمة فهي ترجمة أخرى، وهي إخراج الميت من قبره بعد أن يدفن فيه، يعني: بعد الدفن يخرج للحاجة، أو لأمر يقتضي ذلك.
    وهنا أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله، أن أباه دفن معه شخص في قبره، فلم تطب نفسه بذلك، فأخرجه ودفنه على حدة، يعني: الذي دفعه إلى ذلك ما وقع في نفسه من عدم الارتياح إلى دفنه معه، فنبشه، ودفنه على حدة.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (دفن مع أبي رجل في القبر فلم يطب قلبي حتى أخرجته ودفنته على حدة)

    قوله:
    [أخبرنا العباس بن عبد العظيم].
    هو العباس بن عبد العظيم العنبري، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سعيد بن عامر].
    ثقة، صالح، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي نجيح].
    هو عبد الله بن يسار بن أبي نجيح المكي، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    وقد مر ذكره.


    الصلاة على القبر


    ‏ شرح حديث يزيد بن ثابت: (أنهم خرجوا مع رسول الله ذات يوم فرأى قبراً جديداً ... فقام رسول الله وصف الناس خلفه وكبر عليها أربعاً)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على القبر. أخبرنا عبيد الله بن سعيد أبو قدامة حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا عثمان بن حكيم عن خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت (أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فرأى قبراً جديداً، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذه فلانة مولاة بني فلان -فعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم- ماتت ظهراً وأنت نائم قائل، فلم نحب أن نوقظك بها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف الناس خلفه، وكبر عليها أربعاً، ثم قال صلى الله عليه وسلم: لا يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي له رحمة)].
    أورد النسائي رحمه الله الصلاة على القبر، يعني: صلاة الجنازة على القبر بعد الدفن، وقد أورد النسائي حديث يزيد بن ثابت، أخي زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، أنهم خرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى البقيع، فوجدوا قبراً جديداً، يعني: يظهر عليه أنه حديث الدفن، (فقال: ما هذا؟ قالوا: فلانة مولاة بني فلان)]، يعني: أتوا بها في القيلولة والرسول صلى الله عليه وسلم قائل، فكرهوا أن يوقظوه، فصلوا عليها ودفنوها، فالرسول صلى الله عليه وسلم صفهم وصلى عليها، وهذا هو محل الشاهد، أنه صلى على القبر بعد الدفن، والصلاة على القبر بعد الدفن سائغة، وجاءت بها السنة، وليس هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، بل هو له وللأمة؛ لأن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو للأمة، إلا أن يأتي شيء يدل على اختصاصه به، وأنه لا يشاركه فيه غيره، ولهذا صلى معه بعض الناس وصفهم، فدل هذا على أنه ليس من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وأن الصلاة على القبر بعد الدفن سائغة، ولكن ليس هذا بصفة دائمة، بل حيث يكون العهد قريباً، أما إذا كان العهد بعيداً فإنه لا يصلى على القبر، وهذا الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه كان القبر جديداً، أي: أنه فعل ذلك بعد الدفن بوقت يسير، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(ما من مسلم يموت إلا وقد آذنتموني حتى أصلي عليه، فإن صلاتي عليهم رحمة)] فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن يخبروه بمن يموت حتى يصلي عليه، وحتى تحصل شفاعته له بأن يدعو له في صلاته عليه، فإن في ذلك المصلحة، والفائدة الكبيرة للأموات، حيث يصلي عليهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث يزيد بن ثابت: (أنهم خرجوا مع رسول الله ذات يوم فرأى قبراً جديداً ... فقام رسول الله وصف الناس خلفه وكبر عليها أربعاً)

    قوله:
    [أخبرنا عبيد الله بن سعيد أبو قدامة].
    هو عبيد الله بن سعيد أبو قدامة السرخسي، وهو ثقة، مأمون سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا عبد الله بن نمير].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عثمان بن حكيم].
    هو عثمان بن حكيم الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن خارجة بن زيد بن ثابت].
    ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة، ومن الستة المتفق على عدهم في السبعة، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، هذا وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وحديث خارجة بن زيد بن ثابت أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمه يزيد بن ثابت].
    وهو أخو زيد بن ثابت صحابي، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، والنسائي وابن ماجه.

    شرح حديث: (أخبرني من مر مع رسول الله على قبر منتبذ فأمهم وصف خلفه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن شعبة عن سليمان الشيباني عن الشعبي أخبرني من مر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر منتبذ، فأمهم وصف خلفه، قلت: من هو يا أبا عمرو؟ قال: ابن عباس رضي الله تعالى عنه].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام مر على قبر منتبذ، أي: أنه منعزل عن القبور، أو متميز عن القبور، فصلى عليه.
    قوله: [(فأمهم وصف خلفه)].
    أي: خلف القبر، وهذا دال على جواز الصلاة على القبر بعد الدفن، والحديث الأول يدل عليه، وهذا الحديث أيضاً يدل عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أخبرني من مر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر منتبذ فأمهم وصف خلفه)


    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود البصري أبو مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [عن خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن سليمان الشيباني].
    هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشعبي].
    هو عامر بن شرحبيل الشعبي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حديث: (أخبرني من رأى النبي مر بقبر منتبذ فصلى عليه وصف أصحابه خلفه) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم قال الشيباني: أنبأنا عن الشعبي، قال: (أخبرني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر منتبذ فصلى عليه، وصف أصحابه خلفه، قيل: من حدثك؟ قال: ابن عباس)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].
    هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا هشيم].
    هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [قال الشيباني].
    هو سليمان بن أبي سليمان الشيباني، وقد مر ذكره.
    [عن الشعبي ... ابن عباس].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث: (أن النبي صلى على قبر امرأة بعدما دفنت) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن حدثنا زيد بن علي وهو أبو أسامة حدثنا جعفر بن برقان عن حبيب بن أبي مرزوق عن عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة بعد ما دفنت)].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة بعد ما دفنت، وهذا مطابق للترجمة، وهي الصلاة على القبر، ودال على ما دلت عليه الأحاديث التي قبله.
    قوله: [أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن].
    هو المغيرة بن عبد الرحمن الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا زيد بن علي وهو أبو أسامة].
    هو زيد بن علي أبو أسامة النخعي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا جعفر بن برقان].
    صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن حبيب بن أبي مرزوق].
    هو حبيب بن أبي مرزوق الرقي، وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن عطاء بن أبي رباح عن جابر].
    وقد مر ذكرهما.


    الركوب بعد الفراغ من الجنازة


    ‏ شرح حديث: (خرج رسول الله على جنازة أبي الدحداح ... فركب ومشينا معه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الركوب بعد الفراغ من الجنازة.أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا أبو نعيم ويحيى بن آدم حدثنا مالك بن مغول عن سماك عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة أبي الدحداح فلما رجع أتي بفرس معروري، فركب ومشينا معه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الركوب بعد الفراغ من الجنازة، أي: بالانصراف، فالركوب في الذهاب والإياب، إلى المقبرة سائغ، وهذا يتعلق في الإياب والرجوع من المقبرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما فرغ من دفن الجنازة أتي بفرس معروري فركب عليه، والمعروري هو الذي عري، ليس عليه سرج، وليس عليه شيء يركب عليه، فهو دال على ما ترجم له من جهة الركوب بعد الفراغ من الجنازة، كما أن الركوب في الذهاب إليها جاءت به الأحاديث التي سبق أن مر ذكرها، وهو أن الراكب يكون وراءها، والماشي يكون وراءها، وأمامها، ويمينها، وشمالها، وهذا الحديث يتعلق بالانصراف، وأنه يركب وهو منصرف، وآيب من المقبرة.


    تراجم رجال إسناد حديث: (خرج رسول الله على جنازة أبي الدحداح ... فركب ومشينا معه)


    قوله:
    [أخبرنا أحمد بن سليمان].
    هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبو نعيم].
    هو الفضل بن دكين الكوفي، مشهور بكنيته أبي نعيم، وهو من شيوخ البخاري، ويروي عنه النسائي بواسطة؛ لأنه من كبار شيوخ البخاري، والنسائي يروي عنه بواسطة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، ووصف بأنه فيه تشيع، ولكن قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح: صح عنه أنه قال: ما كتبت عليّ الحفظة أنني سببت معاوية، ومن المعلوم أن من يكون كذلك لا يضره ما يوصف به من التشيع؛ لأن كونه لا يسب معاوية، ويخبر بأن الملائكة ما كتبت عليه أنه سب معاوية فهذا يدل على سلامة لسانه، وعلى سلامة قلبه من الوقوع في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الوقوع في معاوية رضي الله عنه من أسهل الأشياء على من لم يوفق لسلوك طريق أهل السنة والجماعة، فالكلام فيه سهل عليهم، فـأبو نعيم الفضل بن دكين يقول: (ما كتبت عليّ الحفظة أنني سببت معاوية).
    [يحيى بن آدم].
    هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك بن مغول].
    هو مالك بن مغول الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سماك].
    هو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جابر بن سمرة].
    هو جابر بن سمرة بن جنادة، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.


    الأسئلة


    سفر المرأة مع أم وأخي زوجها لأجل الحج

    السؤال: امرأة تريد أن تحج، ولكن زوجها لا يستطيع المجيء لسبب ما، وليس لديها محرم غير زوجها؛ حيث إن أقاربها وأبويها كفار، والآن تريد أن تحج مع أم زوجها وأخي زوجها، فهل هذا جائز؟


    الجواب: ليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم).
    مداخلة: فضيلة الشيخ! الله يحفظكم. إذا كان قريبها كافراً فهل يكون لها محرماً؟
    الشيخ: الكافر لا يذهب إلى مكة؛ لأنه الآن في الحج، والكافر لا يكون لها محرماً، ولا يسافر بها، يعني: حتى في غير الحج. فهي غير مستطيعة، ومن الاستطاعة وجود محرم.

    مناداة الزوجة لأم زوجها بلفظ العمة والخالة

    السؤال: هل للمرأة أن تنادي أم زوجها بلفظ عمتي مثلاً أو خالتي؟

    الجواب: المناداة بهذا لا بأس بها، ومن المعلوم أن إطلاق لفظ العم هو من الآداب التي يتأدب بها الصغار مع الكبار، بحيث يقول له: يا عم، وهو ليس من قرابته، أو كذلك يقول له: يا بني، وهو ليس ابناً له، مثل ما كان الرسول يقول لـأنس: يا بني، وكذلك بعض الصحابة كان يقول بعضهم لبعض: يا عم، وهو ليس من أعمامه، والحديث الذي فيه ذكر الشابين اللذين كانا عن يمين عبد الرحمن بن عوف وشماله في غزوة بدر، وكان أحدهما الذي عن يمينه غمزه وقال له: يا عم، أتعرف أبا جهل؟ قال: وماذا تريد منه؟ قال: إنه يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأقرب منا أجلاً، والحاصل أنه قال له: يا عم، والثاني الذي عن يساره قال له: يا عم، وقال له مثل ما قال الأول، فلما رأى أبا جهل قال: هو هذا, فذهبا إليه وقتلاه، فمحل الشاهد قول كل منهما لـعبد الرحمن بن عوف: يا عم، وهما أنصاريان، وعبد الرحمن بن عوف من المهاجرين.

    ضابط الكثرة في المبيت في مزدلفة ومنى

    السؤال: ذكرتم أن المبيت بمزدلفة ومنى الواجب أن يكون أكثر الليل، فما ضابط الكثرة، ومدة الليل في هذه الأيام متسعة؟


    الجواب: معلوم أن الكثرة هي أغلب الليل، يعني: ما زاد شيء على النصف، تصدق الكثرة فيه، لكن الذي ينبغي أن يكون أغلب الليل، وأن يكون الشيء الذي هو خارج منى شيئاً قليلاً بالنسبة للذي كان فيه بمنى.

    حكم الرمي والحلق قبل يوم النحر للنافر من مزدلفة ليلاً

    السؤال: إذا نفر من مزدلفة الساعة الثانية ليلاً فهل له أن يرمي الجمرة، وأن يحلق، ويتحلل في هذا الوقت؟


    الجواب: الذين لهم حق الانصراف، ومغادرة مزدلفة في آخر الليل هم الذين يرخص لهم أن يرموا الجمرة، ولهم أن يحلقوا، ولهم أن يطوفوا، فكل ذلك لهم أن يفعلوه.

    تفسير معنى حديث: (إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء)


    السؤال: حديث: (إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء) هل يعني هذا أنه لو نبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم لوجد فيه كما دفن؟


    الجواب: نعم هذا هو معناه، أن الأنبياء عندما يدفنون في قبورهم يبقون فيها إلى يوم البعث والنشور، لا تتأثر أجسادهم، ولا تأكلها الأرض، فهذا هو معنى الحديث.

    الدليل على اشتراط قرب العهد في جواز الصلاة على القبر

    السؤال: ما الدليل على التفريق بين قرب العهد وبعده على الصلاة على القبر؟

    الجواب: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا في عهدٍ قريب) يعني: فلو أن إنساناً علم بموت شخص بعد سنة فلا يأتي ويصلي على القبر؛ لأن هذا بعيد.

    وصف حديث في الصحيحين بالحسن إذا كان في إسناده رجل صدوق

    السؤال: إذا كان الحديث عند البخاري، ومسلم وفي إسناده رجل صدوق، فهل نقول بأن الحديث حسن وهو في الصحيحين؟


    الجواب: هو ثقة عند البخاري، ومسلم، ولهذا يقال له: صحيح، ولا يقال له: حسن.

    كيفية معرفة موت الإنسان

    السؤال: إذا انقطع نفس الإنسان، ولم يعلم هل هو ميت أم حي، فكيف يعرف حاله؟


    الجواب: من السهل معرفة حاله في الوقت الحاضر، وذلك عن طريق الأطباء، وقبل ذلك كانوا يعرفون ذلك، ولكن أحياناً وفي حالات نادرة كانوا يكفنون الشخص، ويذهبون به للدفن، ثم بعد ذلك يتحرك، فيرجعون به، وقد ذكروا في ترجمة سعير بن الخمس، وهو من رجال مسلم واسمه واسم أبيه من الأسماء المفردة التي ما تكررت التسمية بها، فاسمه سعير، وأبوه الخمس، فهي من الأسماء المفردة، ذكروا في ترجمته أنه أصابه إغماء فغسلوه، وكفنوه، وحملوه على النعش، ثم بعد ذلك تحرك، فرجعوا به، وعاش بعد ذلك وولد له ابن اسمه: مالك.

    حكم قتل المحرم للذباب

    السؤال: هل للمحرم أن يقتل الذباب؟

    الجواب: نعم، هذه الأشياء التي هي مؤذية مثل: الذباب والبعوض إذا رشها له ذلك.
    وكذلك العقرب، والحية، والعقرب جاء فيها النص.

    حكم استقبال القبلة داخل البنيان عند قضاء الحاجة

    السؤال: هل يجوز استقبال القبلة داخل البنيان عند قضاء الحاجة؟

    الجواب: الأولى أن لا يستقبل، والذي ينبغي أن تبنى المراحيض وليست متجهة إلى القبلة ولا مستدبرة لها، وإنما تكون في الجهتين اللتين ليس فيهما استقبال ولا استدبار، وإذا وجدت الحمامات، أو المراحيض إلى جهة الاستقبال والاستدبار، فللإنسان أن يفعل ذلك، ولكن عندما تبنى المراحيض فالمشروع أن يكون اتجاهها إلى غير جهة القبلة لا استقبالاً، ولا استدباراً، فتكون في مثل المدينة للشرق والغرب، فهذا هو الذي ينبغي، وإذا وجدت المراحيض واستعملها الإنسان فلا بأس بذلك؛ لأن عبد الله بن عمر رضي الله عنه جاء في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة، ولكن الإنسان يحرص على أن لا يستدبر الكعبة، ولا يستقبلها، لا في بنيان، ولا في غيره، وإن احتاج إلى ذلك في البنيان؛ لوجود المراحيض على هذه الصفة المستقبلة للقبلة والمستدبرة لها فله أن يستعملها على وضعها، ولهذا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: فلما قدمنا الشام وجدنا المراحيض بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها يسيراً، ونستغفر الله.

    الجمع والقصر في السفر ولزوم الجماعة على المسافر

    السؤال: هل إذا وصل المسافر إلى البلد الذي سافر إليه له أن يقصر أربعة أيام ويجمع، وهل تلزمه الجماعة؟

    الجواب: إذا كان الإنسان سيقيم أربعة أيام فأقل فيعتبر مسافراً، وله حق القصر والجمع، فله أن يقصر إذا صلى وحده، والأولى له ألا يجمع، وإن جمع فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في تبوك وهو مقيم، يعني: ليس سائراً، وليس منتقلاً، وجاداً به السير، بل جمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في تبوك، وهو مقيم بها وهو مسافر غير جادٍ به السير، لكن الإنسان عليه أن يحضر الجماعة، وإذا سمع النداء فعليه أن يذهب للمسجد ولا يصلي في البيت بحجة أنه مسافر، بل عليه أن يذهب إلى المسجد، ويصلي مع الجماعة، وإذا صلى مع إمام مقيم فإن عليه أن يتم، وليس له أن يقصر، وإنما القصر إذا صلى وحده.

    حكم الفرش المتنجس الذي يشق إخراجه لغسله

    السؤال: إذا أصاب الفرش نجاسة وشق إخراجه لغسله، فما الحكم حينئذٍ؟

    الجواب: إن أمكن إخراجه غسل، وإلا فإنه يكاثر عليه الماء، ويصب عليه الماء، ويكثر من غسله حتى يتحقق بأن النجاسة زالت، وكونه يشق فهذا لا يشق؛ لأنه كما أدخل يخرج، لكنه يمكن أن يكاثر عليه الماء، وأن يصب عليه الماء، وأن يكثر حتى يتحقق من طهارته.

    معنى صفة الجبار لله عز وجل

    السؤال: ما معنى صفة الجبار لله عز وجل؟

    الجواب: الجبار اسم من أسماء الله، وصفته الجبروت، يعني: صاحب هذا الوصف، والجبار كما هو معلوم لفظه واضح؛ لأن بعض الأسماء تتقارب، لكن بينها فرق، مثل الجبار المتكبر، وبعض الناس يوصف بأنه جبار، لكنه مذموم، ويكون وصف ذم إذا أضيف إلى المخلوق، وأما إذا أضيف إلى الخالق فهو كمال ومدح.

    قصر الصلاة لمن يسكن في منزل خارج منى بقليل

    السؤال: هل يقصر من يسكن في منزل خارج منى بقليل؟

    الجواب: الحجاج يقصرون الصلاة، وأما أهل مكة فإنهم يقصرون في منى، وفي عرفات، وفي مزدلفة مع الحجاج، ولكنهم إذا كانوا في منازلهم أو كانوا في غير منى فإنهم لا يقصرون.

    حكم إقامة جماعة أخرى في مسجد لا تقام فيه جمعة

    السؤال: هل للإنسان أن يصلي في جماعة بعد أن فاتته الجماعة الأولى؟ علماً أن للمسجد إماماً راتباً، ولكن لا يصلى فيه الجمعة؟.

    الجواب: على كل قضية الجمعة، يعني: ما كل مسجد يصلى فيه جمعة، ولكن كونه يصلى فيه، وله إمام راتب فهذه هي الجماعة، وإذا فاتت الجماعة وجاءوا وقد فاتتهم الصلاة فلهم أن يصلوا جماعة، ولمن صلى الجماعة أن يصلي معهم؛ سواء كان إماماً، أو مأموماً، ولكن تكون له نافلة، أي: الذي صلى مع الجماعة وأراد أن يصلي مع الذي فاتته الصلاة أو مع الذين فاتتهم الصلاة؛ سواء كان إماماً، أو مأموماً، سواء كان الجماعة الذين فاتتهم الصلاة عدداً، وصلى واحد منهم ببعضهم، أو جاء واحد قد صلى وصلى معهم عند إعادة الصلاة كل ذلك سائغ.

    صحة ادعاء نسخ النهي عن الجمع بين اسم النبي وكنيته بموته صلى الله عليه وسلم


    السؤال: هل النهي الذي ورد بين الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته منسوخ بموته عليه الصلاة والسلام أم لا؟


    الجواب: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (سموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي) بعض العلماء يقول: إن هذا خاص بزمنه عليه الصلاة والسلام، وبعض العلماء يقول: إن هذا مستمر، ومن المعلوم أن الذي فيه الراحة والطمأنينة كون الإنسان يتكنى بغير هذه الكنية، لا شك أن هذا هو الذي فيه الاحتياط، وفيه طمأنينة النفس تماماً.

    مدى إمكانية الإحرام من منى بالحج

    السؤال: هل يمكن للشخص أن يحرم من منى للحج؟

    الجواب: يمكن إذا كان نازلاً بمنى، وجاء اليوم الثامن وهو بمنى، فله أن يحرم من منى، ولا يلزمه أن ينزل إلى مكة، بل يحرم من منزله؛ سواء كان بمكة أو بمنى، إن كان بمكة فإنه يحرم ويذهب إلى منى، وإن كان مقيماً بمنى قبل يوم ثمانية فإنه يحرم من منزله بمنى، ولا يحتاج الأمر إلى أن ينزل مكة ليحرم فيها ثم يرجع.


  15. #355
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (352)

    - (باب الزيادة على القبر) إلى (باب تسوية القبور إذا رفعت)

    جاء الإسلام بالنهي عن الغلو وذمه وبيان خطره على توحيد المسلم وعقيدته، ومن ذلك: المبالغة والغلو في تجصيص القبور، والبناء عليها، والزيادة في رفعها؛ لأن هذا الفعل قد يستوجب فتنة الناس بها، وربما وصل الأمر إلى الاستغاثة والشرك بأصحابها.

    الزيادة على القبر


    شرح حديث: (نهى رسول الله أن يبنى على القبر أو يزاد عليه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الزيادة على القبر. أخبرنا هارون بن إسحاق حدثنا حفص عن ابن جريج عن سليمان بن موسى وأبي الزبير عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى على القبر، أو يزاد عليه، أو يجصص، زاد سليمان بن موسى: أو يكتب عليه)].
    يقول النسائي رحمه الله: الزيادة على القبر، المراد من هذه الترجمة هو: أن الزيادة على القبر بأن يضاف إليه شيء غير ترابه أن ذلك لا يجوز، فلا يزاد على القبر شيء يؤتى به من خارج، ويضاف إليه، وإنما يكتفى، ويقتصر على التراب الذي أخرج منه، فإنه يعاد فيه، ولا يزاد عليه شيء سوى ذلك، هذا هو المقصود من الترجمة.
    وقد أورد النسائي في ذلك حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه وأرضاه، (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يبنى على القبر، وأن يزاد عليه وأن يجصص، وأن يكتب عليه)، هذه أمور أربعة اشتمل عليها الحديث، وفيها نهي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن فعلها، أولها: البناء على القبور، والبناء على القبور لا يجوز، بل يدفن الموتى في المقابر مكشوفين، قبورهم بارزة لا بناء عليهم، كما هو الحال في مقبرة البقيع التي قبر فيها الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا، هكذا يجب أن تكون القبور، لا يبنى بنيان لا حجر، ولا قباب، ولا مساجد، ولا غير ذلك، هذا هو الواجب فيها.
    وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبور كما جاء في هذا الحديث، وجاء عنه التحذير من اتخاذها مساجد، أو يبنى عليها مساجد، أو يدفن الموتى في المساجد، كل ذلك لا يسوغ، وهي من الأمور المحرمة التي لا تقرها هذه الشريعة المطهرة بل تمنع منها وتحذر منها.
    وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حذر من اتخاذ القبور مساجد قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم، وعند نزع روحه صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليلاً، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً -ثم قال-: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك).
    وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما نزل به الموت، طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فهذه الأحاديث الواضحة، الجلية، المحكمة، الثابتة، التي لا تقبل النسخ بحال، دالة على تحريم اتخاذ القبور مساجد، والحديث الذي معنا دال على تحريم البناء على القبور، وأنه لا يجوز البناء عليها لا حجر، ولا قباب، ولا مساجد، ولا غير ذلك، بل تكون كما هو الحال في مقابر المسلمين يدفن الموتى في المقابر، قبورهم بارزة مكشوفة لا بناء عليها.
    أما كون النبي عليه الصلاة والسلام قبر في حجرة عائشة أم المؤمنين فهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لأحد أن يدفن أحدٍ في بنيان احتجاجاً بما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا من خصائصه، وللنبي عليه الصلاة والسلام خصائص حصلت بعد موته، وهي مختصة به، وقد ذكرها الذهبي رحمه الله، في ترجمة عبد الله بن لهيعة في سير أعلام النبلاء، ومنها: كون النبي عليه الصلاة والسلام دفن في داخل الحجرة، وأن هذا من خصائصه، ومنها: كون الصحابة صلوا عليه فرادى، ولم يصلوا عليه جماعة، بل كل يأتي، ويصلي عليه لوحده، وكذلك كونه وضع تحته قطيفة كل هذه من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
    وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) وقوله: (لا تتخذوا بيوتكم قبوراً) يشمل معنيين أحدهما: أن يدفن الموتى في القبور، والثاني: أن لا تتخذ البيوت قبوراً. أو تكون البيوت تشبه المقابر بحيث لا يقرأ فيها، ولا يصلى فيها، بل يكون لها نصيب من الصلاة، ولها نصيب من القراءة.
    هذه هي النقطة الأولى، وهي: البناء على القبور، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور، وأن تجصص وهي: الثانية، والمراد بالجص هو: ما يتخذ من الأرض، وفي أماكن من الأرض بحيث يقتطع منها ومن جوفها قطع، ثم تحرق بالنار، ثم تستعمل في طلاء الجدران ولونها أبيض، يعني: يلوح بياضاً، هذا هو المقصود بالجص، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور، بمعنى: أنه إذا دفن الميت وأهيل عليه التراب، يؤتى بجص فيوضع على القبر، بحيث يكون القبر على هيئة بيضاء تلوح، قد طلي وغطي بالجص، هذا هو المراد بالجص، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن تجصص القبور؛ وقيل: لأن الجص يحرق بالنار، وقيل غير ذلك، وهو أنه لا يزاد على القبر شيء غير ترابه، وهذه زيادة فلا تجوز، وهذا هو الأوضح، ولهذا: يكون في معنى الجص، مثل الإسمنت، وغير ذلك من الأشياء التي تضاف إليه، بل القبور يهال عليها ترابها، ولا يزاد عليها شيء غير ترابها، ويرش عليها الماء بحيث يتلبد التراب، وأما كونها تجصص، أو تطين، أو يؤتى بطين يضاف إليها، أو يؤتى بجص يضاف إليها، أو يؤتى بإسمنت يضاف إليها كل ذلك لا يسوغ، والحديث جاء في التنصيص على الجص وغيره مثله، ويعطى حكمه.
    والثالث: أن يزاد على القبر غير ترابه، بأن يؤتى بأشياء غير تراب القبر تضاف إليه، فإنه يقتصر على التراب الذي خرج من القبر لا يضاف إليه شيء آخر سوى ذلك.
    والأمر الرابع: الكتابة على القبور، فلا يكتب عليها، لا أسماء أصحابها، ولا تاريخ الوفاة، ولا شيء من القرآن، ولا غير ذلك، هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله أن يبنى على القبر أو يزاد عليه ...)

    قوله: [أخبرنا هارون بن إسحاق].صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا حفص].
    هو ابن غياث، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان بن موسى].
    صدوق، فقيه، في حديثه بعض اللين، أخرج حديثه مسلم في مقدمة الصحيح، وأصحاب السنن الأربعة.
    [وأبو الزبير].
    هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو ابن عبد الله الأنصاري، صحابي ابن صحابي رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء السبعة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.


    البناء على القبر


    شرح حديث: (نهى رسول الله عن تجصيص القبور أو يبنى عليها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [البناء على القبر. أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً رضي الله تعالى عنه يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور أو يبنى عليها أو يجلس عليها أحد)].
    أورد النسائي الترجمة وهي: البناء على القبر، والترجمة السابقة هي: الزيادة على القبر، وهنا البناء على القبر، وأورد فيه حديث جابر رضي الله عنه، من طريق أخرى، وهو مشتمل على بعض ما اشتملت عليه الطريق الأولى، ولكن المقصود منها مشتمل على بعض الطريق الأولى وزيادة وهو: النهي عن الجلوس على القبر، والمقصود منه ذكر البناء، قد مر في الطريق السابقة، وجاء في هذه الطريق والمقصود من ذلك المنع من البناء على القبور، فلا يبنى عليها، لا يتخذ عليها بناء.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن تجصيص القبور أو يبنى عليها ...)

    قوله: [أخبرنا يوسف بن سعيد].هو يوسف بن سعيد المصيصي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا حجاج].
    هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج أخبرني أبي الزبير أنه سمع جابراً].
    وقد مر ذكرهم.


    تجصيص القبور


    شرح حديث: (نهى رسول الله عن تجصيص القبور..) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تجصيص القبور.أخبرنا عمران بن موسى حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن أبي الزبير عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تجصيص القبور، أي: أنها لا تجصص، قد عرفنا المراد بتجصيصها وأن الحديث دل على منعه وأنه لا يزاد على القبر منه شيء آخر لا جص، ولا سمنت، ولا طين، ولا غير ذلك، وأورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه، من طريق أخرى، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن تجصيص القبور.
    فالحديث الأول نهى أن يجلس على القبر يعني: فيه أمر آخر غير ما تقدم في الطريق الأولى وهو الجلوس على القبر، فالإنسان لا يجوز له أن يجلس على القبر؛ لأن فيه إهانة للمقبور، فلا يجوز للإنسان أن يجلس عليه، ومن باب أولى أن لا يقضي حاجته عليه؛ لأن فيه إهانة، فإن التبول عليه، أو قضاء الحاجة عليه من باب أولى أن ذلك لا يسوغ، ولا يصح.
    فإذاً: لا يبنى على القبور، ولا يزاد عليها، ولا تجصص، ولا يكتب عليها، ولا يجلس عليها، كل هذه أمور جاءت الشريعة بمنعها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن تجصيص القبور..) من طريق أخرى

    قوله:
    [أخبرنا عمران بن موسى].
    صدوق، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا عبد الوارث].
    هو ابن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السخسياني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزبير عن جابر].
    وقد مر ذكرهما.


    تسوية القبور إذا رفعت


    ‏ شرح حديث فضالة بن عبيد في القبور: (سمعت رسول الله يأمر بتسويتها)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تسوية القبور إذا رفعت. أخبرنا سليمان بن داود قال ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث أن ثمامة بن شفي حدثه: (كنا مع فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه بأرض الروم فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسوي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: تسوية القبور إذا رفعت، يعني: بأن يزيد عليها شيء في دفنها، أو بني عليها فإنه يجب تسويتها، أي: إزالة ذلك الذي وضع، والذي يحصل لها من رفعها بالبناء عليها أو بوضع شيء ارتفع القبر بسببه، بل الواجب كما ذكرت آنفاً هو الاقتصار على تراب القبر، وأن لا يزاد عليه شيء آخر سوى ذلك، هذا هو الواجب، فهذا هو المقصود بالترجمة، وقد أورد النسائي حديث فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه، وهو أن ثمامة بن شفي قال: كنا مع فضالة بن عبيد في أرض الروم، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بن عبيد بتسوية قبره وقال: [(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها)].
    أي: أنها لا ترفع، ولا يضاف عليها شيء آخر، ولا يبنى حولها بنيان تدخل تحته كالمسجد، أو المدرسة، أو الحجرة، أو قبة، أو ما إلى ذلك، كل هذا من البنيان الذي لا يسوغ، وإذا وجد فإنه يجب تسويته، وإزالته.

    تراجم رجال إسناد حديث فضالة بن عبيد في القبور: (سمعت رسول الله يأمر بتسويتها)

    قوله:
    [أخبرنا سليمان بن داود]
    .هو سليمان بن داود أبو الربيع المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [قال ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عمرو].
    هو ابن الحارث المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن ثمامة].
    هو ابن شفي أبو علي الهمداني المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي في النسخة الشامية.
    والمشهور في النسخة المصرية لا يوجد فيها ثمامة، ولكنه يوجد في التهذيب، وفي ظني أن فيه أربعة، والحقيقة: التحقق من ذلك يكون بالرجوع إلى تهذيب الكمال، هذا هو الذي فيه التوضيح والبيان، فالذي في ذهني أن مسلماً معه ثلاثة من أصحاب السنن الأربعة.
    [عن فضالة بن عبيد].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    شرح حديث: (... لا تدعن قبراً مشرفاً إلا سويته ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان عن حبيب عن أبي وائل عن أبي الهياج قال علي رضي الله تعالى عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا تدعن قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا صورة في بيت إلا طمستها)].أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال لـأبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تدعن قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا صورة في بيت إلا طمستها) قول علي رضي الله عنه لـأبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذه العبارة هي من العبارات التي يراد بها تهيؤ السامع لما يلقى عليه؛ لأن هذا عرض، وفيه حفز للسامع إلى أن يتنبه، وإلى أن يستعد للشيء الذي يراد أن يبين له، وقد مهد له بهذا التمهيد، فمثل هذا التمهيد يقتضي التطلع، والتشوق إلى ما يلقى عليه ليكون ذلك أمكن في حفظه، وليكون ذلك أمكن في استيعابه له، وعدم فواته عليه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم بين له الذي بعثه عليه أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه (ألا تدعن قبراً مشرفاً إلا سويته)، مشرف أي: مرتفع، سواء ذلك الارتفاع ببنيان جعل فوقه، أو حوله، أو بإضافة إلى القبر نفسه حتى كان مرتفعاً بسبب هذه الإضافات التي أضيفت إليه، وهذا هو المقصود من الترجمة،وقد عرفنا أنه لا يزاد على القبر شيء سوى ترابه، ويكتفى به، وإذا زيد عليه شيء آخر يضاف إليه فيرتفع بسبب ذلك فإن ذلك سائغ، والواجب هو: إزالة ذلك الزائد الذي أضيف إليه، وكذلك أيضاً لا يدع صورة في بيت إلا طمسها، والمراد بالصورة أي: صور ذات الأرواح من الآدميين والحيوانات والطيور وغير ذلك من الأشياء التي فيها روح، هذه هي التي يحرم تصويرها، وأما غير ذوات الأرواح مثل: الجدران، والبنيان، والشجر، وغير ذلك، فإن هذا لا بأس به، ولا مانع منه، وإنما المحذور هو: ذوات الأرواح، وطمسها يكون بمحوها، أو بإزالة الرأس، والوجه، وطمسه، وإزالته، هذا هو المقصود بالطمس للصورة، وهذا هو المقصود من تسوية القبر المشرف.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لا تدعن قبراً مشرفاً إلا سويته ...)

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث وهي أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حبيب].
    هو حبيب بن أبي ثابت الكوفي، وهو ثقة، فقيه، كثير التدليس، والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي وائل].
    هو شقيق بن سلمة الكوفي مشهور بكنيته، ومشهور باسمه، وهو ثقة مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الهياج].
    هو أبو الهياج الأسدي واسمه: حيان بن حصين، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [قال علي].
    هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أبي الحسنين ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورابع الخلفاء الراشدين، الهادين، المهديين رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.


    الأسئلة


    حكم ذكر البسملة في وسط السورة

    السؤال: حفظكم الله، هل تجوز البسملة في وسط السورة؟

    الجواب: إذا قرأ القرآن، وبدأ من أول السورة فالبسملة موجودة فيها، لكن المطلوب هو: الاستعاذة.. فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل:98] فيستعاذ بالله عند بداية القرآن، وإذا أتم أي: استعاذ بالله وبسمل، فلا بأس بذلك.

    حكم القبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم

    السؤال: حفظكم الله، ما حكم القبة التي على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب: اتخاذ القباب، والبناء على القبور، وإظهار ذلك: غير سائغ، القبة، وغير القبة الرسول دفن بحجرة وفي بنيان مسطح، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما عرفنا ذلك أنه من خصائصه دفنه في بيته، أما وضعه على هذا الوضع الذي هو عليه فهذا من الأمور المحدثة.

    بيان زمن بناء القبة التي على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم

    السؤال: هل وضع القبة على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم هو من فعل الصحابة؟

    الجواب: لا أبداً، هذه القبة بناء جديد وقريب، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ما عملوا شيئاً بحجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل دفن فيها، وبقيت على ما هي عليه حتى أزيلت، أو أدخلت في المسجد.

    حجية الاكتفاء بما ورد في أحد الصحيحين عن غيرهما

    السؤال: حفظكم الله، إذا ورد الحديث في الصحيحين فهل يكتفى به عن غيرهما؟

    الجواب: نعم يكفي، لكن البحث يعني: كونه يوجد في غير الصحيحين، ويوجد عن طريق جماعة من الصحابة يمكن أن يصل إلى حد التواتر بهذه الطرق، فيبحث عن وروده من طريق الصحابي، أو من طرق أخرى، فيكون مشهوراً، ويكون عزيزاً، ويكون متواتراً في البحث، وأما من حيث الكفاية، والاعتماد على الحديث، فإن وجوده في الصحيحين كافٍ ولا يحتاج إلى أن يبحث عن شيء وراء ذلك من أجل إثباته، وإنما من أجل معرفة كونه يصل إلى حد التواتر، أو لا يصل، أو يكون مثلاً فيه زيادات في بعض الروايات خارج الصحيحين وهي ليست في الصحيحين، فهو من هذه الناحية يمكن أن يبحث عن الحديث الذي في الصحيحين، وقد يبحث عنه في غير الصحيحين لهذه الأغراض، لا للتثبت أو لتقويته، فإن الحديث في الصحيحين كافٍ، وقوي، ويحتج به، ويعمل به، وإن لم يأت شيء يؤيده، ويضاف إليه.

    فائدة قول الراوي أخبرني وأخبرنا

    السؤال: حفظكم الله، لماذا يقول النسائي رحمه الله تعالى في كتابه في موضع: أخبرني إبراهيم بن يعقوب، وفي موضع آخر يقول: أخبرنا مع أنه شخص واحد؟


    الجواب: التعبير بأخبرني وأخبرنا المقصود منه أن الراوي إذا سمع من الشيخ وحده وليس معه أحد فإنه يقول أخبرني، وأما إذا سمع هو وغيره فإنه يعبر بأخبرنا.

    الفرق بين (قلت) و(قيل) من كلام النسائي

    السؤال: ورد في حديث إسماعيل بن مسعود عبارة قلت: من هو يا أبا عمرو، قال: ابن عباس، وأوردها الشيخ الألباني بصيغة المجهول في صحيح السنن في قوله: قيل من حدثك؟ قال: ابن عباس، ما وجه التوفيق بين قلت وقيل؟


    الجواب: التعبير الذي فيه قلت، واضح بأن الذي قال ذلك هو الذي أبهم، الذي قال بعض ما مر معنا في الحديث وهو قوله: (من مر على قبر منتبذ فصلى عليه، قلت: من حدثك؟ قال: ابن عباس)، يعني: هذا الرجل الذي أبهمت من هو والذي مر مع الرسول صلى الله عليه وسلم على قبر منتبذ فقال: هو ابن عباس، فقوله: (قلت) واضح بأن الذي قال هذا هو الراوي عن ابن عباس، هو الذي أخذ عن ابن عباس، وأما (قيل) فكما هو معلوم: يحتمل أن يكون الذي قال ذلك هو نفس الذي قال: قلت، وهذه فيها عدم التنصيص على نفس الإنسان، وهذا سائغ، أحياناً يكون الرجل الذي سأل هو نفس صاحب الحديث فيقول: قال رجل، وهو يعني نفسه، ما يقول قلت، وإنما يقول قال رجل أو سأله رجل، ويعني به نفسه، ويحتمل أن يكون الذي قال ذلك هو الذي دونه، وأنه قيل لـابن عباس كذا وكذا، ومن المعلوم: أن الذي قاله هو الراوي عنه.

    أهم كتب الجرح والتعديل

    السؤال: حفظكم الله، ما هو الكتاب الذي ممكن نتعلم منه الجرح والتعديل لنحكم على الحديث بالصحة والضعف؟

    الجواب: كتب الرجال ليس هناك كتاب معين يرجع إليه، وإنما يرجع إلى كتب الرجال وكلام الحفاظ في الرجال جرحاً وتعديلاً، فمثلاً رجال أصحاب الكتب الستة، مثل تهذيب الكمال وما تفرع منه، وكذلك الرجوع إلى كتاب الميزان للذهبي، والرجوع إلى لسان الميزان لـابن حجر وغيرها من الكتب التي تتكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وكذلك كتب الجرح والتعديل المختلفة المتعددة مثل الجرح والتعديل لـابن أبي حاتم ولغيره، فهذه هي الكتب التي يرجع إليها لمعرفة أحوال الرواة، ومعرفة الحكم على الراوي من حيث قبول خبره أو عدم قبوله.

    كيفية قطع رأس الصورة

    السؤال: حفظكم الله، هل يكتفى بإزالة الصورة بوضع خط على رقبة الصورة كما يفعله بعض الناس؟


    الجواب: لا يكفي أن يوضع الخط، بل يمكن أن تكون الصورة هي الرأس فقط، فهي تزال، وتغطى أو تطمس.

    بيان حكم الرسم ثم طمس ما رُسم

    السؤال: ما حكم من يرسم الصورة، ثم يطمسها؟


    الجواب: كل ذلك لا يجوز فالطمس واجب ومتعين، لكنه فعل التصوير، والتصوير نفسه حرام، ولو طمسها بعد ذلك؛ فهو فعل المحرم.

    حكم الكتابة على القبور


    السؤال: نجد الآن كثيراً من القبور يكتب على أطرافها بالحجر أو بالرخام اسم الميت فهل يجوز هذا؟

    الجواب: لا يجوز هذا أبداً، لا يجوز الكتابة عليها لا اسم، ولا تاريخ وفاة، ولا قرآن، ولا أي شيء.

    حكم نفاذ عقد الإجارة وإن لم يستوفِ المنفعة

    السؤال: حفظكم الله، شخص استأجر غرفة في فندق لمدة أربعة أيام، ثم سافر في الليل لأمر طارئ، وقبل أن يتم المدة، وقد دفع مبلغ أربعة أيام عند كتابة العقد، فهل له حق أن يطلب بقية المال؟

    الجواب: إذا كان الاستئجار لمدة أربعة أيام والاتفاق على أربعة أيام فالعقد ينفذ، إلا إذا حصل اتفاق بين الطرفين على فسخ ذلك العقد.

    مدى جواز توكيل شخص في الفدية

    السؤال: ما حكم التوكيل في الفدية لمن عليه فدية؟


    الجواب: هذا سائغ، فالذي عليه فدية له أن يوكل غيره بحيث يقوم بشرائها، وذبحها، وتوزيعها، ولا يلزم أن يتولى ذلك بنفسه، بل لو كان عليه فدية، وسافر، وأرسل مع من يأتي إلى مكة نقوداً ليشترى بها ذبيحة تذبح، وتوزع على فقراء الحرم حصل المقصود بذلك، فلا بأس.

    النهي الوارد في البناء على القبور للتحريم

    السؤال: هل النهي الوارد في البناء على القبور للتحريم أو الكراهة؟

    الشيخ: لا، للتحريم طبعاً.

    حكم بناء القباب على المساجد

    السؤال: بناء القبة في المسجد هل هو مكروه أو محرم؟

    الجواب: القباب في المساجد ليست محرمة، يعني: كونه يجعل المساجد فيها قباب، أو يكون فيها قبة لا بأس بذلك، ولكن عدمها أولى؛ لأن القباب لا يستفاد من السطوح بسببها، فإذا كان البناء مقبب، والسطح مقبب، فإن السطح لا يستفاد منه، وأما إذا كان متساوياً فإنه يستفاد منه.

    النهي عن استعمال الشمال في الأكل والشرب

    السؤال: استعمال الشمال في الأكل والشرب؟

    الجواب: لا يجوز للإنسان أن يأكل بشماله، ولا يشرب بشماله بل يأكل بيمينه، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالأكل والشرب باليمين وقال: (إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله).

    بعض الأمثلة على وجود أحاديث قليلة شاذة في الصحيحين

    السؤال: هل في الصحيحين أحاديث شاذة؟

    الجواب: نعم، فيه أشياء شاذة، ولكنها يسيرة جداً، يعني: حصل خطأ من بعض الرواة، فقد خالفوا من هو أحفظ منهم، وروايتهم محفوظة، ومن هم دونهم روايتهم شاذة، وقد ذكرنا أمثلة بما في صحيح مسلم من الشذوذ في حديث صلاة الكسوف، وهو أنه جاء في بعض الروايات في صحيح مسلم أنه صلى كل ركعة بثلاثة ركوعات، والروايات المحفوظة التي جاءت عن الثقاة الأثبات أنها كل ركعة بركوعين، وكلها تحكي صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم.
    إذاً: هذه رواية شاذة، وإسنادها صحيح، ولكنها مخالفة لرواية من هو أحفظ منه، وكذلك رواية لا يرقون، في السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فإن أكثر الروايات يسترقون، وجاء في صحيح مسلم، في بعض الروايات يرقون بدل يسترقون وهذه شاذة؛ لأنها أولاً: مخالفة لتلك الروايات، ثم أيضاً فيها أنهم لا يرقون، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رقى نفسه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكنه لم يسترق، وفرق بين الرقية والاسترقاء.

    حكم رواية المدلسين في الصحيحين وحملها على الاتصال

    السؤال: ورد في آخر الحديث في ترجمة حديث ابن أبي ثابت أنه يرسل ويدلس، فهل هذا يعني: أن الحديث ضعيف، حديث أبي الهياج الأسدي؟

    الجواب: الحديث في صحيح مسلم كما هو معلوم، ومن المعلوم: أن ما جاء في الصحيحين من أحاديث المدلسين فإنه محمول على الاتصال.

    حكم التصوير بأشكاله وما كان لحاجة

    السؤال: حفظكم الله ما حكم الصور الفوتوغرافية والتصوير الذي في أشرطة الفيديو في التلفزيون وغيرها؟

    الجواب: الصور الفوتوغرافية، أو في الفيديو، أو ما إلى ذلك، كل ذلك صور، ولا يجوز التصوير إلا للضرورة مثل جواز السفر، أو حفيظة النفوس، أو رخصة قيادة سيارة أو ما إلى ذلك، أما الصور للتذكار أو لأمور أخرى، فإن ذلك لا يسوغ.

    مدة البقاء في مزدلفة

    السؤال: حفظكم الله، هل يجوز للحاج أن يمشي أو يخرج من مزدلفة بعد أكثر الليل، ثم يرمي الجمرة، ويحلق، ويتحلل؟

    الجواب: السنة: أن الحجاج يبقون بمزدلفة حتى يصلوا الفجر، ثم يدعون بعد صلاة الفجر حتى يسفروا جداً، ثم ينطلقون إلى منى، هذا هو الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن رخص للضعفة أن ينصرفوا آخر الليل، ومن انصرف آخر الليل فله أن يرمي جمرة العقبة إذا وصل إلى منى في آخر الليل ويحلق ويطوف.

    أفضل الأنساك في الحج

    السؤال: حفظكم الله، أيهما في الحج أفضل القرآن أم التمتع أو الإفراد وما الفرق بينها؟


    الجواب: التمتع هو: أن يحرم بالعمرة وحدها من الميقات في أشهر الحج، ثم إذا دخل مكة طاف، وسعى، وقصر وتحلل من عمرته، فإذا جاء اليوم الثامن أحرم بالحج، وأتى بأعماله وعليه سعي بعد طواف الإفاضة وعليه هدي، هذا هو التمتع، ينويهما معاً، وأما القارن: إذا وصل إلى مكة طاف وسعى، وبقي على إحرامه حتى يأتي من عرفه ومزدلفة، ويرمي جمرة العقبة ويحلق رأسه ويتحلل، وعليه هدي كالمتمتع، أما المفرد: فهو يحرم من الميقات بالحج وحده ليس معه عمرة، ثم يعمل كما يعمل القارن؛ لأن أعمال القران وأعمال الإفراد واحدة إلا أن القارن عليه هدي، والمفرد لا هدي عليه، وأفضل هذه الأنساك التمتع، ثم القران، ثم الإفراد.

    كيفية حج الصغير مع والده

    السؤال: حفظكم الله، رجل نوى الحج مع ولدٍ له صغير، فكيف يؤدي المناسك مع ولده بوقت واحد، وولده هذا محمول معه؟


    الجواب: إذا حمله ينوي أنه هو طائف وابنه معه طائف، ويحصل بذلك أداء النسك، وليس يلزم أن يطوف به أولاً ثم يطوف بنفسه، وإنما يكفي أن يطوف به وينوي عن نفسه أنه طائف، ولا يتلفظ بالألفاظ الواردة مرتين وإنما يأتي بالأذكار لنفسه أما المحمول فإنه لا يحتاج أن يأتي بذكر له.

    مدى صحة حج الإنسان لأبيه بعد حجه لنفسه

    السؤال: حفظكم الله، حج لنفسه سابقاً، والآن يريد أن يحج لأبيه فهل يصح عمله هذا أم يجعل الحج لنفسه والعمرة لأبيه؟


    الجواب: كل ذلك سائغ، إن حج عن نفسه، واعتمر عن نفسه، أو حج عن أبيه، واعتمر عن أبيه، أو العمرة له والحج لأبيه، أو العكس كل ذلك سائغ.

    حكم إهداء قراءة القرآن للميت وقياسه على غيره من الصدقات

    السؤال: حفظكم الله، هل ينتفع الميت بقراءة القرآن؟

    الجواب: ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن القرآن يقرأ، ويهدى للأموات، الذي ورد أنه يتصدق على الأموات، ويحج عن الأموات، ويعتمر عنهم، ويدعى لهم، ويضحى لهم، وكذلك يصام عنهم الصيام الواجب، يعني: سواء عن الفرض أو عن النذر، أما قراءة القرآن فلم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أراد أن ينفع موتاه، فلينفعهم بما ورد من الصدقة وغيرها، وأما قراءة القرآن، فلكونه لم يرد الأولى بالإنسان أن لا يفعله، وقد أجازه جماعة من أهل العلم أو كثيرون من أهل العلم قياساً على ما ورد، لكن الأرجح في ذلك هو الاقتصار على ما ورد به النص.

    مدى جواز الحج عمن كان تاركاً للصلاة

    السؤال: حفظكم الله، هل يجوز الحج عن شخص كان يصلي أحياناً ويترك أحياناً؟


    الجواب: إذا كان لا يصلي فلا يحج عنه.

    الأعمال التي يتم بها التحلل الأول في الحج

    السؤال: حفظكم الله، التحلل الأول هل يكون بفعل اثنين من ثلاث، وهي: الرمي، والحلق، والطواف، والسعي أو يفعل فعلاً واحداً؟


    الجواب: يكون باثنين، وهذا هو الأولى، وإن اكتفى بالرمي فيصح، لكن الأولى هو الجمع بينهما.

    حكم ترديد الأذكار أثناء الطواف بتلقين شخص آخر

    السؤال: حفظكم الله، شخص يطوف أو يسعى ومعه رجل لا يحفظ الأدعية، والأذكار فهو يذكر الله عز وجل والآخر يردد وراءه فما حكم ذلك؟

    الجواب: ما فيه بأس، لكن لو أن الإنسان يحفظ له شيئاً من الأذكار أو ردد شيئاً من القرآن فإنه يكفيه؛ لأنه ليس بلازم أن يقول وراء شخص آخر يدعو، وهو يتكلم وراءه وينطق، قد يفهم ما يقول، وقد لا يفهم، والطواف والسعي لا يلزم أن الإنسان يأتي فيها بأذكار معينة.


  16. #356
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (353)

    - (باب زيارة القبور) إلى (باب النهي عن الاستغفار للمشركين)



    من حكمة الشارع أن ندب الناس وحثهم على أعمال تكون سبباً في رقة قلوبهم، وعظتهم، وخشوعهم، ومن ذلك: زيارة القبور الزيارة المشروعة، لما فيها من تذكير بالآخرة والموت، وزوال الدنيا، والزهد فيها، والميت ينتفع بهذه الزيارة؛ لأن من يزوره يستغفر له ويدعو له، وتشرع زيارة قبور الكفار والمشركين للعظة والعبرة فقط، ولا يجوز الاستغفار أو الدعاء لهم.
    زيارة القبور



    شرح حديث: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [زيارة القبور.أخبرني محمد بن آدم عن ابن فضيل عن أبي سنان عن محارب بن دثار عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكراً)].
    يقول النسائي رحمه الله: زيارة القبور، أي: حكم زيارة القبور، وهي: أنها مستحبة، وسنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي على أمرين: تكون على وجه مشروع، وعلى وجه ممنوع، تكون على طريقة سنة وتكون على طريقة بدعة.
    أما الوجه المشروع: فهو الذي يستفيد منه الحي الزائر والميت المزور، وكل منهما يستفيد من الزيارة، أما الفوائد التي يستفيدها الزائر فهي أولاً: أنه يتذكر الموت، ويتذكر الآخرة، ويتذكر أنه سيصير إلى ما صار إليه أصحاب القبور، وأنه سيأتي عليه يوم من الأيام يكون من أهل القبور، وإذا تذكر الموت استعد له بالأعمال الصالحة التي تنفعه عند الله عز وجل، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: [(فزوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة)] أو تذكركم الموت.
    إذاً: فهذه فائدة عظيمة وكبيرة تحصل للمسلم الزائر للقبور، رجاء أنه يتذكر الموت، ويستعد له بالأعمال الصالحة، والبلاء الذي يحصل للناس إنما هو من الغفلة عن الموت، والغفلة عن الدار الآخرة، وكون الإنسان يكون عنده طول الأمل وحب الدنيا، فيغفل عن الموت، وإلا فإنه يتذكر الموت، ويستعد له بالأعمال الصالحة، ويكون على خير، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل وقال: (يا رسول الله، متى الساعة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: وماذا أعددت لها؟) قلب عليه الصلاة والسلام السؤال عليه، ولفت نظره إلى الأمر المهم، وهو: أنه ليس المهم أن يعرف الإنسان متى تقوم الساعة، فالساعة آتية وكل آت قريب، ولكن المهم في الأمر: أن يعرف الإنسان ماذا قدم لنفسه إذا قامت الساعة؟، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (وماذا أعددت لها؟) فالسائل وفق في الجواب وقال: (أعددت لها حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب) قال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (فوالله ما فرحنا بشيء بعد الإسلام أشد منا فرحاً بهذا الحديث)؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (المرء مع من أحب) ثم قال أنس: (فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أبا بكر، وعمر، وأرجو من الله أن يلحقني بهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل مثل أعمالهم).
    الفائدة الثانية التي تحصل للزائر: أنه يفعل سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي زيارة القبور فيؤجر على فعله السنة، فهو يعمل أمراً مشروعاً، ويعمل أمراً مستحباً، فيؤجر على فعله ذلك.
    الفائدة الثالثة: أنه يدعو للأموات، فيؤجر على دعائه لهم.
    إذاً: فهذه ثلاث فوائد تحصل للزائر الذي يزور القبور، وهي: أنه يتذكر الموت، ويستعد له بالأعمال الصالحة، وأنه يفعل أمراً مشروعاً مستحباً، فيؤجر عليه، وأنه يحسن إلى إخوانه الأموات بالدعاء لهم، فيؤجر على ذلك.
    أما الميت فإنه يستفيد من الزيارة الشرعية، وهي أنه يدعى له، ومن المعلوم أن الأموات انتقلوا من دار العمل إلى دار الجزاء كما جاء عن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل).
    فأصحاب القبور انتقلوا من دار العمل إلى دار الجزاء، فإذا دعا لهم إخوانهم الأحياء فإنهم يستفيدون من دعائهم، وينتفعون بدعائهم لهم.
    إذاً: فالأموات إذا زارهم الأحياء ودعوا لهم، فإنهم يستفيدون من هذه الزيارة ويستفيدون من هذا الدعاء لهم.
    إذاً: عرفنا أن الزيارة الشرعية هي: التي تشتمل على فائدة للحي وفائدة للميت، أما الزيارة البدعية: فهي التي تأتي إلى أصحاب القبور ويعلق آمالهم بهم، ويسألهم قضاء حاجاته، وكشف كرباته، فيدعوهم ويغفل عن دعاء الله عز وجل، فيجعلهم هم المدعوين، وهم الذين يطلب منهم قضاء الحاجات، ومن المعلوم: أن قضاء الحاجات إنما يكون من الله عز وجل، وهو الذي يفزع إليه، وهو الذي يلجأ إليه، وهو الذي يعتصم به، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء سبحانه وتعالى، ولهذا يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ )[النمل:62] يعني: لا أحد سوى الله عز وجل يحقق هذه الأمور، ويفزع إليه في هذه الأمور.
    فالميت يدعى له ولا يدعى، فعندما يزور الإنسان الأموات يدعو لهم بأن يسأل الله عز وجل لهم المغفرة، والرحمة، والعافية، ولا يطلب منهم أشياء، بل الأشياء تطلب من الله عز وجل، والله تعالى هو الذي يدعى وهو الذي يرجى، وهو الذي يتوكل عليه، وهو الذي يعتمد عليه، وهو الذي يلتجأ إليه، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء.
    وعلى هذا، فإن الزيارة البدعية: هي التي يأتي الإنسان بها على وجه غير مشروع، فيدعو الأموات، ويستغيث بالأموات، ويطلب حاجاته من الأموات، ويعول على الأموات في حاجاته، وفي رغباته، فيكون بذلك تضرر، ولم يستفد الميت من هذه الزيارة.
    والزيارة البدعية يتضرر فيها الزائر؛ لأنه دعا غير الله، ولأنه علق آماله بغير الله، والميت لا يستفيد؛ لأنه دعي وطلب منه أشياء لا تطلب إلا من الله، ولم يدع له، فالزيارة الشرعية يستفيد منها الحي والميت، والزيارة البدعية يتضرر منها الحي، ولا يستفيد منها الميت شيئاً.
    وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والذي اشتمل على ثلاثة أمور فيها الناسخ والمنسوخ، فقال عليه الصلاة والسلام: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها) وهذا هو محل الشاهد، والرسول صلى الله عليه وسلم كان نهاهم عن زيارة القبور، ثم أرشدهم إلى زيارتها، وشرع لهم زيارتها، وهذا فيه الجمع بين الناسخ والمنسوخ، فالمنسوخ في أول الجملة والناسخ في آخرها.
    [(كنت نهيتكم عن زيارة القبور)] معناه: كانت زيارة القبور منهي عنها، ثم أمر بها وشرعت، فكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعية زيارة القبور، واستحباب زيارة القبور.
    وقوله: [(ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، فأمسكوا ما بدا لكم)].
    أي: قد كان عليه الصلاة والسلام منع الناس أن يدخروا لحوم الأضاحي، وإنما يأكلوا في حدود ثلاثة أيام، والزائد على ذلك يقسم، ويوزع، فهذا هو الذي كان أولاً، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام رخص لهم بأن يدخروا ما بدا لهم، معناه: يأكلوا، ويدخروا، ولو زاد ذلك على ثلاثة أيام، فالحكم المنسوخ: أن لا يدخروا ما زاد على حاجة ثلاثة أيام من لحوم الأضاحي، وما زاد فإنه يوزع، ويعطى للفقراء، ولا يدخر أكثر من ثلاثة أيام، ثم جاء الناسخ وهو: أنهم يدخرون ما بدا لهم كما يريدون، فيأكلون، ويتصدقون، ويهدون.
    قوله: [(ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية، ولا تشربوا مسكراً)].
    أي: نهاهم أن ينتبذوا في أوعية معينة جاء تبيينها في بعض الروايات، وتلك الأوعية التي جاء النهي عنها عن الانتباذ فيها، فيها قوة، وفيها صلابة، قد يحصل الإسكار، ولا يتبين، فمنعوا من أن ينتبذوا فيها، وأمروا أن ينتبذوا في الأسقية، وهي: القرب التي هي من الجلود، والتي إذا تغير ما في داخلها يظهر ذلك التغير على ظاهرها، والأوعية المنهي عنها هي: الدباء، والمزفت، والنقير، والحنتم، وهذه أوعية غليظة، صلبة، قاسية ليست لينة، وليست سهلة، فإنهم إذا انتبذوا فيها قد يحصل الإسكار، وهم لم يعرفوا أنه وصل إلى حد الإسكار، فيشربون منه، فيكون مسكراً، فنهوا عن ذلك في أول الأمر، ثم أمروا بأن ينتبذوا في كل وعاء، بشرط أن لا يشربوا مسكراً، فالدباء، والحنتم، والمزفت، والنقير كل هذه أشياء صلبة قوية يحصل التغير ولا يعرف ذلك، بخلاف الأسقية فإنه يظهر على ظاهرها إذا حصل التغير في داخلها، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان نهاهم أن ينتبذوا بتلك الظروف الصلبة القوية، وأن يكون انتباذهم في أسقية، رطبة، لينة، ثم بعد ذلك نسخ هذا المنع، فأمروا أن ينتبذوا في كل وعاء سواء كان صلباً، أو ليناً، ولكن بشرط أن لا يصل إلى حد الإسكار، هذه أمور ثلاثة جاءت في حديث بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهي مشتملة على الناسخ والمنسوخ معاً.


    تراجم رجال إسناد حديث: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ...)


    قوله: [أخبرني محمد بن آدم].هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن فضيل].
    هو محمد بن فضيل بن غزوان، وهو صدوق، رمي بالتشيع، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، لكن التشيع الذي رمي به لا يؤثر؛ لأنه جاء عنه أنه قال: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان، أي: عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، وهذا يدل على سلامته، وعلى بعده عن مذهب الرافضة الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبونهم، فهذه الكلمة التي قالها محمد بن فضيل بن غزوان هي مثل الكلمة التي قالها أبو نعيم الفضيل بن دكين يقول: (ما كتبت عليّ الحفظة أني سببت معاوية)، وهذا يدل على سلامته مما رمي به من بدعة التشيع.
    [عن أبي سنان].
    هو ضرار بن مرة الهمداني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب، ومسلم، وأبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي.
    [عن محارب بن دثار].
    ثقة، عالم، زاهد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن بريدة].
    هو عبد الله بن بريدة بن حصيب الأسلمي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (... ونهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجراً)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن أبي فروة عن المغيرة بن سبيع حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنه أنه كان في مجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إني كنت نهيتكم أن تأكلوا لحوم الأضاحي إلا ثلاثاً، فكلوا، وأطعموا، وادخروا ما بدا لكم، وذكرت لكم أن لا تنتبذوا في الظروف الدباء، والمزفت، والنقير، والحنتم، انتبذوا فيما رأيتم، واجتنبوا كل مسكر، ونهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجراً)].أورد النسائي حديث بريدة بن حصيب من طريق أخرى، وهو مشتمل على الأمور الثلاثة التي فيها الناسخ والمنسوخ، ولكنه هنا صرح بذكر الأمور التي كان نهى عن الانتباذ بها وهي قوية صلبة، فالدباء هي: القرع، فكانوا يستخرجون اللب، ويبقى قشرها وغلافها، فييبس ويكون وعاءً ينتبذون به، والنقير: كانوا ينقرون النخل، وجذوع النخل، وسوق النخل، وينتبذون بها النقير، والمزفت هي: المطلي بالزفت، والحنتم هي: جرار خضر قاسية كانوا ينتبذون بها، وهي معلومة عندهم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ بها، وأن ينتبذوا بالأسقية وهي: القرب اللينة، وليست القاسية: التي إذا حصل الفساد والتغير في داخلها يظهر على ظاهرها.
    ثم إنه رخص لهم في أن ينتبذوا في كل وعاء لكن بشرط؛ أن لا يصل إلى حد الإسكار، ثم ذكر محل الشاهد، وهو النهي عن زيارة القبور وأنه أمر بزيارتها، وقال: (ولا تقولوا هجراً)، والهجر هو: الفاحش أو البذيء من الكلام، وإنما يزورون القبور وهم في هدوء، وفي كلام حسن، وفي تذكرهم الآخرة، من غير أن يقولوا كلاماً سيئاً، فلا يقولون هجراً لا في حديثهم مع بعض ولا في دعائهم، وهو الكلام البذيء غير الصحيح، الكلام الفاسد الذي لا قيمة له ولا عبرة به، وزيارة القبور كما أسلفت هي سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا في حق الرجال.
    أما في حق النساء فقد اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من رأى: أن النساء يزرن، ومنهم من رأى: أنهن لا يزرن القبور لما فيهن من الضعف، ولما عندهن من عدم الصبر وعدم التحمل، فيكون زيارتها تذكرها فيحصل منها النياحة، الصياح، ويحصل منها الأمور التي لا تسوغ ولا تجوز، ولهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله زوارات القبور) فدل هذا على منع النساء من زيارة القبور، والمسألة خلافية بين أهل العلم، والأظهر هو القول بمنعها، وكما أنه الأظهر فهو أيضاً الأحوط؛ لأن المرأة إذا لم تزر فإنها لا يترتب على عدم زيارتها إلا أنها تركت سنة، أما إذا زارت، فإنها تتعرض للعنة، ومن المعلوم أن كونها تترك سنة أهون من كونها تتعرض للعنة؛ وعلى هذا، فالنساء لا يشرع لهن زيارة القبور على القول الراجح والصحيح، وأما الرجال، فإنه يشرع لهم زيارة القبور، ولكن بالطريقة التي أشرت إليها، وهي الطريقة المشروعة التي يستفيد منها الحي والميت.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ونهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجراً)


    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].هو محمد بن قدامة بن أعين المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي فروة].
    هو عروة بن الحارث، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن المغيرة بن سبيع].
    ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه].
    وقد مر ذكرهما.


    زيارة قبر المشرك



    شرح حديث: (زار رسول الله قبر أمه فبكى ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [زيارة قبر المشرك. أخبرنا قتيبة حدثنا محمد بن عبيد عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى، وأبكى من حوله، وقال صلى الله عليه وسلم: استأذنت ربي عز وجل في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنت في أن أزور قبرها، فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكركم الموت)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: زيارة قبر المشرك.
    الزيارة للقبور مشروعة سواء كانت القبور قبور مسلمين أو مشركين، لكن قبور المسلمين تزار ليتذكر الموت، وليدعى لأصحابها، أما المشركون، فزيارة قبورهم لتذكر الموت فقط، ولا يدعى لأصحابها، هذا هو الفرق بين قبر المسلم وقبر المشرك.
    وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استأذنت ربي في أن استغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنت بأن أزور قبرها، فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكركم الموت)، وهنا فيه: الإشارة إلى الفائدة من زيارة قبر المشرك وهي تذكر الموت، وأما الاستغفار والدعاء، فإنه لا يدعى لهم، لا يدعى للمشركين ولا يدعى للكفار، وإن الدعاء إنما هو للمسلمين، فقوله عليه الصلاة والسلام: [(فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت)]، دال على زيارة قبور المشركين وتذكر الموت، ودال على منع الاستغفار للمشركين.
    تراجم رجال إسناد حديث: (زار رسول الله قبر أمه فبكى ...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا محمد بن عبيد].
    هو محمد بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن كيسان].
    صدوق، يخطئ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي حازم].
    هو سلمان الأشجعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.


    النهي عن الاستغفار للمشركين



    شرح حديث: (... لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن الاستغفار للمشركين. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا محمد وهو ابن ثور عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: (لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية فقال: أي عم، قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل، فقال له أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزالا يكلمانه حتى كان آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ )[التوبة:113] ونزلت: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ )[القصص:56])].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النهي عن الاستغفار للمشركين، وأورد تحتها حديث المسيب بن حزن والد سعيد بن المسيب، أنه لما حضرت عمه أبا طالب الوفاة جاء إليه الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، ويطلب منه أن يشهد لله بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وكان عنده أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فكان آخر شيء أن قال: هو على ملة عبد المطلب، ومات وهو على ذلك، ولم يشهد أن لا إله إلا الله، ولم يحقق ما طلبه منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمات مشركاً، ومات كافراً، وقال عليه الصلاة والسلام: [(لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله عز وجل: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113]، وأنزل الله عز وجل أيضاً: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ )[القصص:56]،)] فدل هذا الحديث على عدم جواز الاستغفار للمشركين وفيه: بيان أن هذا سبب نزول هذه الآية، وهي: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113] أي: كونه أراد أن يستغفر لعمه أبي طالب، فأنزل الله عز وجل عليه هذه الآية التي فيها منع الرسول صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين بأن يستغفروا للمشركين، وكذلك أيضاً نزل قول الله عز وجل: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على هداية عمه، ولكن الهداية التي هي هداية التوفيق والتسديد هذه لله عز وجل، ولا يملكها سواه، ولهذا قال الله عز وجل: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56]، فهذه هي الهداية المنفية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي هداية التوفيق والتسديد، أما هداية الدلالة والإرشاد فهي مثبة للرسول صلى الله عليه وسلم وذلك في قول الله عز وجل: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52].
    والحديث دال على ما كان عليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الحرص الشديد على هداية عمه أبي طالب الذي نصره، وأيده، وقام في الدفاع عنه، ومنع كفار قريش أن يصلوا إليه، وأن يلحقوا به الأذى، فالله عز وجل سخر عمه بأن يدافع عنه وأن يمنع كفار قريش أن يصلوا إليه بأذى، وقد حرص على هدايته ولكن الله عز وجل لم يهده، فمات على الكفر ومات على الشرك، وأنزل الله عز وجل: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].
    وفيه أيضاً: مخاطبته إياه بقوله: (يا عم)، وهذا يدلنا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من التلطف مع عمه، وحرصه على أن يهتدي، ولهذا مهد له بهذا التمهيد، وخاطبه بهذا الخطاب بقوله: (يا عم)، وفي هذا دليل على أن مثل ذلك مخاطبة الكافر القريب بأن يقول له: (يا عم)، وإذا كان أباً يقول له: يا أبت، أو خالاً يقول له: يا خال, وما إلى ذلك وأن ذلك سائغ، وأنه لا مانع منه.
    وفيه: أيضاً مضرة جلساء السوء على الإنسان، وذلك: أن أبا طالب كان عنده هذان الجليسان، وقد ذكراه بأن يبقى على ملة عبد المطلب، وأن لا يترك ملة عبد المطلب إلى الدين الذي جاء به النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
    ففيه: أن ما حصل لـأبي طالب، أو الذي حصل منهما لـأبي طالب هو من مضرة جلساء السوء على الإنسان، وفيه أن أبا طالب مات كافراً، ولم يمت مسلماً، ولهذا جاء في الحديث أن كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، ثم مات على ملة عبد المطلب، ولم يشهد أن لا إله إلا الله كما طلب ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا محمد وهو ابن ثور].
    ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، والذي قال: هو ابن ثور، هو: النسائي أو من دون النسائي ليس محمد بن عبد الأعلى؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن فلان، بل ينسب شيخه كما يريد، ويسمي شيخه كما يريد، ويصفه كما يريد، وإنما الذي يحتاج إلى ذلك هو من دون التلميذ، وهو هنا النسائي أو من دون النسائي.
    [عن معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري نزيل اليمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    ثقة، فقيه، من الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وهم: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، وقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار هؤلاء الستة متفق على عدهم في فقهاء المدينة السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن أبيه].
    هو المسيب بن حزن وهو صحابي، وأبوه صحابي، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.

    شرح حديث علي: (سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان ... فنزلت: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي رضي الله تعالى عنه قال: (سمعت رجلاً يستغفر لأبويه، وهما مشركان فقلت: أتستغفر لهما وهما مشركان؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فنزلت: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ )[التوبة:114])].أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، [سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: أتستغفر لهما وهما مشركان، فقال: إن إبراهيم استغفر لأبيه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ )[التوبة:114]] أي: أنه لا يعول على ذلك؛ لأنه كان قبل أن ينهى، ولكنه بعد النهي، فإنه لا يصار إلى ذلك، وفي هذه الشريعة شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أنزل الله عز وجل عليه: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى )[التوبة:113].


    تراجم رجال إسناد حديث علي: (سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان ... فنزلت: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].هو إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج المروزي، وهو ثقة، ثبت أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي ينسب إلى همدان نسبة عامة، وإلى سبيع نسبة خاصة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الخليل].
    هو عبد الله بن خليل، وهو مقبول، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن علي رضي الله عنه].
    هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، أبو الحسنين ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره، زوج ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين، وهو رابع الخلفاء الراشدين، الهادين، المهديين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.


    الأسئلة



    كيفية قضاء الركعات الفائتة من صلاة العصر


    السؤال: كيف يقضي من أدرك الركعة الثالثة من العصر؟الجواب: من أدرك الركعة الثالثة من العصر معناه: أدرك ثنتين، فيبقى عليه بعد السلام ثنتين، وهذا شيء واضح.


    مراتب القدر في الحوادث علاقة وعلم الله المسبق بها


    السؤال: هل كانت الحوادث ستحصل ثم علمها الله قبل حدوثها أم أن الله أحدثها فقضاها؟الجواب: كل شيء يقع في الوجود فقد حصل فيه أمور أربعة هي: علم الله عز وجل الأزلي بأن ذلك سيقع، وكتب في اللوح المحفوظ بأنه سيقع، وأراد أن يقع، ثم وقع، هذه أمور أربعة تحصل لكل شيء يقع، ولهذا عقيدة المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.



  17. #357
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (354)

    - باب الأمر بالاستغفار للمؤمنين



    مما يستحب للمسلم فعله زيارة القبور؛ لأنها تذكر بالآخرة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وبين ما يستحب قوله عند زيارتها؛ ومنها الاستغفار للأموات والدعاء لهم.
    الأمر بالاستغفار للمؤمنين

    شرح حديث: (... قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر بالاستغفار للمؤمنين.أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن أبي مليكة أنه سمع محمد بن قيس بن مخرمة يقول: سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها تحدث قالت: ألا أحدثكم عني وعن النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: بلى، قالت: (لما كانت ليلتي التي هو عندي -تعني: النبي صلى الله عليه وسلم- انقلب فوضع نعليه عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فلم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقدت، ثم انتعل رويداً وأخذ رداءه رويداً، ثم فتح الباب رويداً وخرج رويداً، وجعلت درعي في رأسي، واختمرت، وتقنعت إزاري، وانطلقت في أثره حتى جاء البقيع فرفع يديه ثلاث مرات، فأطال ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت، وسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت، فدخل صلى الله عليه وسلم فقال: ما لك يا عائشة! حشياً رابية، قالت: لا، قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، فأخبرته الخبر قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قالت: نعم فلهزني في صدري لهزة أوجعتني، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قلت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله، قال: فإن جبريل أتاني حين رأيت ولم يدخل علي، وقد وضعت ثيابك، فناداني فأخفى منك، فأجبته فأخفيته منك، فظننت أن قد رقدت وكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي، فأمرني أن آتى البقيع فأستغفر لهم، قلت: كيف أقول يا رسول الله،؟! قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)].
    يقول النسائي رحمه الله تعالى: الأمر بالاستغفار للمؤمنين.
    بعدما ذكر في التراجم السابقة زيارة القبور سواء كان أهلها مسلمين أو مشركين، وكذلك النهي عن استغفار المشركين، ذكر بعد ذلك الأمر بالاستغفار للمؤمنين، وفي التراجم السابقة ذكر زيارة القبور، وأنها سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن فيها فوائد ترجع إلى الحي وإلى الميت، وهذه هي الزيارة الشرعية، وأما الزيارة البدعية، فإن فيها مضرة على الزائر وليس فيها منفعة للمزور، وزيارة قبور المسلمين فيها تذكر الموت، وفيها الدعاء للأموات، أما زيارة المشركين ففي زيارتهم تذكر الموت، ولكن لا يجوز فيها الدعاء والاستغفار للأموات المشركين؛ لأنه لا يدعى إلا للمؤمنين، ولا يستغفر إلا للمؤمنين.
    ثم بعد ذلك ذكر ترجمة النهي عن الاستغفار للمشركين، وأرود فيه ما جاء في قصة أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لأستغفرن لك ما لم أنه)، فأنزل الله عز وجل: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113] ثم ذكر هذه الترجمة وهي: الأمر بالاستغفار للمؤمنين.
    والترجمة المراد منها: الأمر بالاستغفار للمؤمنين، سواء كان ذلك عند زيارتهم أو عند حصول الموت، فإنه يستغفر للميت ويدعى له، وقد أورد النسائي حديث أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في ليلتها التي يكون عندها، فانقلب من صلاة العشاء فاضطجع أو جلس على فراشه صلى الله عليه وسلم، وظن أن عائشة قد رقدت، وأنها نامت، فجاء جبريل وناداه ولم يدخل؛ لأن عائشة قد وضعت ثيابها، وخرج النبي عليه الصلاة والسلام دون أن تعلم أم المؤمنين عائشة بالذي حصل، والذي دفعه إلى ذلك، فانسل رويداً، ولبس نعاله رويداً، وخرج وفتح الباب رويداً، ومشى رويداً يعني: على مهل وخفية حتى لا تستيقظ عائشة، وحتى لا يتكدر نومها، فقامت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ولحقت النبي عليه الصلاة والسلام ووجدته قد ذهب إلى أهل البقيع يدعو لهم، ويستغفر لهم، فرجعت، وأسرع، وأسرعت، وهرول، وهرولت حتى سبقته، ووصلت إلى البيت، واضطجعت في منامها، وكأنها على ما كانت عليه من قبل، والرسول صلى الله عليه وسلم سمع نفسها وما حصل لها من العدو والسرعة وقد صار النفس، وظهر ذلك عليها، فقال عليه الصلاة والسلام حشياً رابية، أي: أن نفسها قد ارتفعت، وكذلك بطنها قد ارتفعت، وذلك: من شدة ركضها وجريها، وقالت: لا، قال عليه الصلاة والسلام: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، فأخبرته بالذي كان منها فقال: أنت السواد الذي أمامي؟ قالت: نعم، فوكزها على بطنها، ثم أخبرها بالذي حصل منه، وأن جبريل جاء إليه وناداه، وخرج إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمره بأن يذهب إلى أهل البقيع وأن يدعو لهم، فذهب إليهم ودعا لهم، قالت عائشة رضي الله عنها: ماذا أقول؟ قال: [قولي: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون]، فدل هذا الحديث على ما ترجم له المصنف من حصول الاستغفار للمؤمنين والدعاء لهم، وأن النبي عليه الصلاة والسلام ذهب في الليل ودعا لأهل البقيع، وقد جاءه جبريل وأمره بذلك، وذلك من الله عز وجل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    فقالت عائشة: ماذا أقول، فأخبرها بالدعاء الذي يدعو به من زار القبور، وزيارة القبور سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك كانت منهياً عنها، ثم بعد ذلك أجيزت كما مر بنا بيان ذلك في حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة).
    أما النساء فإن للعلماء في زيارتهن قولين، منهم من قال بأن النساء يزرن القبور وأنهن كالرجال، ومنهم من قال: إن الزيارة خاصة بالرجال دون النساء، والقائلون بزيارة النساء للقبور يستدلون بما جاء في هذا الحديث عن عائشة أنها قالت: [ماذا أقول، فقال: قولي السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون]، والذين منعوا من زيارة النساء استدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله زوارات القبور) وقالوا: إن النساء عندهن ضعف، فزيارتهن للقبور تؤدي إلى جزعهن، وإلى هلعهن، وإلى نياحتهن، وإلى غير ذلك من الأمور التي لا تسوغ.
    ومن المعلوم: أن القول بمنع النساء من زيارة القبور هو الأولى وهو الأظهر، بل وهو الأحوط؛ لأن المرأة إذا تركت زيارة القبور ولم تزرها لم يكن هناك شيء إلا أنها تركت سنة، على أن الزيارة مشروعة لها، لكنها إذا حصلت منها الزيارة فإنها تكون متعرضة للعنة، ومن المعلوم: أن فوات السنة أهون من التعرض للعنة، وذلك بكونها تزور القبور؛ لأنها تدخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله زوارات القبور).
    قولها: (بأبي أنت وأمي) أي: أنت مفدي بأبي وأمي، أو فداك أبي وأمي، المقصود من ذلك هو: الافتداء، وليس المراد من ذلك القسم؛ لأن القسم لا يجوز إلا بالله عز وجل، ولا يجوز لأحد أن يحلف بمخلوق، بل الحلف إنما هو بالخالق بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته، أما المخلوقون، فإنه لا يحلف بهم، وقد جاء النهي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة منها قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تحلفوا بآبائكم، ولا بأمهاتكم، ولا تحلفوا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)، فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا إلا بالله) قصر الحلف على أن يكون بالله، وكذلك أيضاً على أن يكون بالصدق إذا وجد الحلف، ولهذا قال: (ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون) أي: في حال كونكم صادقين، فإنه عند ذلك لكم أن تحلفوا بالله، أما غير ذلك، أو أما في ما سوى ذلك، فإن الإنسان ليس له أن يحلف بغير الله.
    قال: [أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله] يعني: كأنها ظنت أو وقع في بالها أن يكون خرج ليذهب إلى بعض نسائه صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [قلت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله، قال: فإن جبريل أتاني حين رأيت ولم يدخل علي وقد وضعت ثيابك فناداني فأخفى منك].
    يعني: لم يدخل عليه جبريل، فناداه من الخارج، ليخرج إليه وسبب ذلك وضع عائشة ثيابها.
    قوله: [فأمرني أن آتي البقيع فأستغفر لهم] وهذا هو محل الشاهد من الترجمة؛ وهي: الأمر بالاستغفار للمؤمنين، وأمره إنما هو من الله، أي: وحي جاء به جبريل الرسول الملكي إلى محمد صلى الله عليه وسلم الرسول البشري.
    قوله: [قلت: كيف أقول يا رسول الله؟! قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون]، فهذا هو السلام، وهذه من الصيغ التي يسلم بها الزائرون للقبور بأن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.
    قوله: [إنا إن شاء الله] هو خبر محقق وليس محتملاً بألا يلحقوا بهم، بل ليس هناك أمامهم إلا اللحاق بهم، فهم المتقدمون ومن كان على قيد الحياة فإنه سيلحق بالأموات، ولا بد أن يأتي عليه يوم من الأيام يصير إلى ما صاروا إليه، وينتقل من الحياة الدنيا إلى الحياة البرزخية في القبر، فيكون إما في نعيم وإما في عذاب، ولهذا يشرع للإنسان إذا زار القبور أن يحرص على معرفة الأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدعو بها؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويحذر من أن يأتي بأمور منكرة، وأن يستغيث بالأموات، وأن يطلب منهم الحاجات، وأن يطلب منهم كشف الكربات، وأن يطلب منهم ما لا يقدرون عليه، بل مهمة الإنسان إذا زار القبور أن يدعو لأصحابها ولا يدعوهم.
    فالأموات يدعى لهم ولا يدعو؛ لأن الدعاء إنما يكون لله وحده لا شريك له، والدعاء عبادة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الدعاء هو العبادة) ويقول الله عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، فلا يسأل إلا الله، ولا يرجى إلا الله، ولا يستغاث إلا بالله، ولا يستعان إلا بالله؛ لأن جميع أنواع العبادة يجب أن تكون مصروفة لله وحده لا شريك له، ولا يجوز أن يصرف منها شيء لغيره سبحانه وتعالى، وكما أنه لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، فلا يجوز أن تصرف العبادة لأحد سواه، بل يجب أن تكون العبادة خالصة لوجهه سبحانه وتعالى، والدعاء هو من جملة عبادة الله عز وجل؛ لأن عبادة الله تشمل الدعاء، والذبح، والنذر، والتوكل، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والإنابة، وغير ذلك، كل هذه أنواع العبادة، والدعاء هو منها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ...)

    قوله: [أخبرنا يوسف بن سعيد].هو يوسف بن سعيد المصيصي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا حجاج].
    هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عبد الله بن أبي مليكة].
    هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن قيس بن مخرمة].
    يقال له رؤية؛ أي: أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام، وقيل: بل هو تابعي، وقد وثقة جماعة، وحديثه أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق التي حفظ الله تعالى بها للأمة الشيء الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما ما يتعلق في الأمور المتعلقة في البيوت، وما يجري بين الرجل وأهل بيته، فإن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، حفظت هذه السنن للأمة وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكريم رضي الله عنهم وأرضاهم؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (... إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم حدثني مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلبس ثيابه، ثم خرج، قالت: فأمرت جاريتي بريرة تتبعه فتبعته حتى جاء البقيع، فوقف في أدناه ما شاء الله أن يقف، ثم انصرف فسبقته بريرة، فأخبرتني فلم أذكر له شيئاً حتى أصبحت ثم ذكرت ذلك له، فقال: إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه قوله: [إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم] أي: ليدعو لهم، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث في الترجمة: الاستغفار للمؤمنين، وقد مر في الحديث السابق: (أن جبريل أمره بأن يذهب إلى البقيع، فيستغفر لهم)، وهنا قال: [إنني بعثت إلى أهل البقيع] أي: أمر بالذهاب إلى أهل البقيع [ليصلي عليهم]، أي: ليدعو لهم، والصلاة يراد بها الدعاء، والحديث فيه: [أن بريرة مولاة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، هي التي ذهبت، ثم انصرفت]، والحديث الأول فيه أن التي ذهبت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فمن العلماء من قال بتعدد القصة، وأن هذه حالة أرسلت عائشة فيها بريرة، وحالة أخرى هي عائشة نفسها هي التي ذهبت وتبعت الرسول صلى الله عليه وسلم.
    هذا على القول بصحة الحديث بأن القصة متعددة، وأن هذا يدل على قصة، وهذا يدل على قصة، ولكن لا تنافي بينهما، والشيخ الألباني ضعف الحديث، وقال: إنه ضعيف الإسناد، ولعل ذلك من جهة أم علقمة مرجانة، فإنها مقبولة وحديثها أخرجه أصحاب السنن الأربعة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو المرادي المصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وهناك شخص آخر، وهو من طبقة شيوخ شيوخ النسائي يقال له: محمد بن سلمة الحراني؛ فإذا جاء محمد بن سلمة من شيوخ النسائي أو في شيوخ النسائي فالمراد به هذا الذي معنا المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة بطبقة شيوخ شيوخه، فالمراد به الحراني.
    [والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع].
    هو الحارث بن مسكين المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، قال: [قراءة عليه وأنا أسمع] أي: أن الحارث بن مسكين كان يقرأ عليه والنسائي يسمع تلك القراءة.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم المصري، صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [حدثني مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
    [عن علقمة بن أبي علقمة].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب.
    [عن أمه].
    هي مرجانة أم علقمة، وهي مقبولة، أخرج حديثها البخاري في جزء رفع اليدين، والترمذي، والنسائي.
    [عن عائشة].
    قد مر ذكرها.

    شرح حديث: (... اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل حدثنا شريك وهو ابن أبي نمر عن عطاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كانت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا وإياكم متواعدون غداً أو مواكلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)].هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها؛ أنه كلما كانت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يذهب في آخر الليل إلى البقيع، ويدعو لأصحابه ويقول: [السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا وإياكم متواعدون].
    أي: أننا ينتهي أمرنا جميعاً وإياكم إلى الموت، ثم البعث، ثم الجزاء على الأعمال، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
    قوله: [أو مواكلون].
    أي: يشهد بعضهم على بعض، أو يشفع بعضهم لبعض.
    قوله: [اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد] هذا هو الذي فيه المطابقة للترجمة من حيث الاستغفار للمؤمنين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا إسماعيل].
    هو ابن جعفر، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شريك].
    هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وهو صدوق يخطئ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، فإنه لم يخرج له في السنن، وإنما خرج له في الشمائل.
    [عن عطاء].
    هو ابن يسار، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    قد مر ذكرها.

    شرح حديث: (أن رسول الله كان إذا أتى على المقابر قال: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى على المقابر قال: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع، أسأل الله العافية لنا ولكم)].هنا أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، وفيه ما يقوله الزائر عند زيارة القبور.
    قوله: [أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع].
    يعني: أنتم لنا فرط أي: سبقتمونا ونحن لكم تبع يعني: نلحق بكم.
    قوله: [أسأل الله العافية لنا ولكم].
    أي: نسأل الله العافية لنا ولكم، وهذا أيضاً يشتمل على ما ينبغي أن يدعو به الزائر في القبور، وهو سؤال العافية للأموات.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان إذا أتى على المقابر قال: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ...)


    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا حرمي بن عمارة].
    هو حرمي بن عمارة بن أبي حفصة، واسمه: نابت وهو بالنون، وقيل: ثابت كالجادة يعني: أن ما كان بهذه الصورة وبهذه الرسم، فالجادة هي: ثابت، وهذا هو الكثير في التسمية، وأما نابت، فهو اسم نادر، والتسمية به قليلة، ولهذا قيل: إنه نابت أي: جده وقيل: إنه ثابت وقوله: (كالجادة) أي: الذي التسمية فيه كثيرة، بخلاف نابت، فإنه على خلاف الجادة، يعني: ليست التسمية فيه كثيرة، بل هو من الأسماء النادرة أو القليلة.
    وحرمي بن عمارة صدوق يهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    وحرمي اسم على صيغة النسب مثل: مكي بن إبراهيم، فاسماهما على صيغة النسب.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن علقمة بن مرثد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان بن بريدة].
    هو سليمان بن بريدة بن الحصيب المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو بريدة بن الحصيب الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (لما مات النجاشي قال النبي صلى الله عليه وسلم: استغفروا له)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (لما مات النجاشي قال النبي صلى الله عليه وسلم: استغفروا له)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة قال: [لما مات النجاشي قال النبي صلى الله عليه وسلم: استغفروا له]، وهذا هو المقصود بالترجمة: الأمر بالاستغفار للمؤمنين قال: [استغفروا له]، وهذا دعاء للميت، وأمر بالاستغفار، فدل على أن الميت يستغفر له، ويدعى له سواء عند الزيارة أو في غير الزيارة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لما مات النجاشي قال النبي صلى الله عليه وسلم: استغفروا له)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة، وإذا جاء قتيبة يروي عن سفيان غير منسوب فالمراد به: ابن عيينة وليس المراد به الثوري؛ لأن قتيبة عمّر؛ فأدرك آخر حياة الثوري وفي أول حياته إحدى عشرة سنة، وهو ليس معروفاً بالرواية عن الثوري، وسفيان بن عيينة هو الهلالي المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، هو أحد الفقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً.

    شرح حديث: (أن رسول الله نعى لهم النجاشي ... فقال: استغفروا لأخيكم) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو داود حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن أبي صالح عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة وابن المسيب أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أخبرهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه فقال: استغفروا لأخيكم)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مشتمل على ما اشتمل عليه الطريق السابقة؛ وهي: قوله صلى الله عليه وسلم: [استغفروا لأخيكم] يعني: النجاشي وأنه نعاه لهم في اليوم الذي مات فيه وقال: [استغفروا لأخيكم]، وفيه الأمر بالاستغفار للمؤمنين، وهذا هو محل الشاهد للترجمة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نعى لهم النجاشي ... فقال: استغفروا لأخيكم) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا أبو داود].هو أبو داود سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن يعقوب].
    هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    أبوه ثقة، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي صالح].
    هو ذكوان السمان المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب عن أبي سلمة وابن المسيب عن أبي هريرة].
    ابن شهاب، وأبو سلمة، وابن المسيب، وأبو هريرة قد مر ذكرهم إلا ابن المسيب، وهو سعيد بن المسيب بن حزن المدني، وهو ثقة، فقيه، وهو أحد الفقهاء السبعة، بل هو من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة.


    الأسئلة

    حكم من جامع زوجته في نهار رمضان ناسياً ولم ينزل

    السؤال: رجل جامع أهله في نهار رمضان ناسياً، وعندما ذكرته زوجته نزع قبل أن ينزل، فهل تلزمه الكفارة أم لا؟ وهل يجب عليه قضاء أم لا؟

    الجواب: نعم عليه القضاء وعليه الكفارة؛ لأن الجماع قد حصل، ولا يشترط في ذلك الإنزال، ما دام أنه حصل الإيلاج، فالغسل قد وجب، والجماع قد حصل، والكفارة لازمة، والقضاء لازم.
    وإن كان ناسياً فيه خلاف بين العلماء، والرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه الرجل الذي قال: (هلكت وأهلكت) ما سأله وقال: هل كنت عامداً أو ناسياً.

    المقصود بابن علية الذي يقول بعدم رؤية الله في الآخرة


    السؤال: قال الإمام الشافعي: إنه يخالف ابن علية في كل شيء حتى في قول: لا إله إلا الله، أي: أن الشافعي يقول: لا إله إلا الله الذي يرى في الآخرة، وهو يقول أي: ابن علية: لا إله إلا الله الذي لا يرى في الآخرة، ذكر هذا ابن القيم في الصواعق في الجزء الرابع صفحة كذا فمن ابن علية هذا؟

    الجواب: ابن علية هو: إبراهيم بن إسماعيل الذي هو من الجهمية، والذي ذكره الذهبي في الميزان وقال: جهمي هالك، وهو الذي يأتي ذكره في مسائل الخلاف الشاذة، هذا هو ابن علية، والأثر ما أدري عن صحته، أما إسماعيل فهو إمام من أئمة أهل السنة، ويأتي ذكره كثيراً في كتب الحديث، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأخوه: محمد بن إسماعيل أيضاً ثقة، وهو شيخ للنسائي، وقد مر بنا ذكره في مواضع عديدة.

    أحسن تحقيق لكتاب تقريب التهذيب لابن حجر


    السؤال: ما هو أحسن تحقيق لكتاب تقريب التهذيب لـابن حجر؟

    الجواب: كتاب تقريب التهذيب خرج له عدة طبعات، هناك طبعة هندية، وطبعة مصرية، وطبعة شامية، وهي آخر الطبعات التي هي الطبعة الشامية، وفيها أغلاط كثيرة، وقد سمعت أن هناك عملاً يقوم به بعض أهل الخبرة في هذا الشأن وتحت إشراف الشيخ: بكر أبو زيد، فإذا خرج هذا الكتاب فإنه يكون أحسن من غيره.


    تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (دار قوم مؤمنين)


    السؤال: ما معنى (دار قوم مؤمنين)؟ وهل هذا يدل على المجاز مع التخصيص في موضوع المجاز حفظكم الله؟

    !
    الجواب: (دار قوم مؤمنين) كما هو معلوم: الدار هي محل السكنى، ومعلوم أن الأموات ساكنون في هذه الدار، أو في هذه الديار؛ لأنها هي ديارهم؛ لأن الديار هي محل السكنى، فهو ليس مجازاً، بل هو حقيقة، فالقبور هي دور الأموات التي يسكنونها في فترة البرزخ التي بعد الموت وقبل النشور.

    حكم خروج المني بسبب المرض أو البرد

    السؤال: هل خروج المني بسبب المرض أو البرد يوجب الغسل؟
    الجواب: نعم، إذا وجد الإنزال، وخروج المني لأي سبب من الأسباب فإنه يوجب الغسل.

    حكم حج من يتوسل بالأولياء والصالحين

    السؤال: هل يصح حج من يتوسل بالأولياء والصالحين؟
    الجواب: التوسل بالأولياء والصالحين هذا من البدع ومن الأمور المنكرة، والحج يصح؛ يعني: عمله منكر، وحجه صحيح.

    حكم ذبيحة أهل الكتاب مع أن كتابهم محرف

    السؤال: هل يصح الأكل من ذبيحة أهل الكتاب المعاصرين؟ مع العلم أن الكتاب الذي عندهم محرف ؟.
    الجواب: الكتاب الذي عندهم محرف في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، فالتحريف موجود في اليهود والنصارى الذين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، واليهود والنصارى أهل الكتاب، وفي هذا الزمان حكمهم حكم أهل الكتاب في الأزمان السابقة، وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ما دام أنهم ينتمون إلى دين عيسى وإلى دين موسى فإنهم أهل كتاب.
    وقضية التحريف موجود في زمنه صلى الله عليه وسلم، وكونهم كفاراً موجودين في زمنه، والله عز وجل قال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )[المائدة:73]، فهم كفار، وقال: (تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )[النمل:63] (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ )[التوبة:30] ثم قال الله: (تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )[النمل:63]، فهم كفار، وقد أبيح لنا أكل ذبائحهم؛ لأنهم ينتمون إلى دين سماوي.




  18. #358
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (355)

    - (باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور) إلى (باب مسألة الكافر)

    رج عليها، كما أثبت حق الإنسان وكرامته حتى بعد موته بعدم المشي بالنعال فوق قبره، والعبد إذا مات يسمع حتى قرع نعال أصحابه عند مغادرتهم، فيأتيه ملكان فيسألانه سواء كان مؤمناً أم كافراً.
    التغليظ في اتخاذ السرج على القبور

    شرح حديث: (لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التغليظ في اتخاذ السرج على القبور. أخبرنا قتيبة حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد، والسرج)].
    يقول النسائي رحمه الله: التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، مراد النسائي رحمه الله من هذه الترجمة، هو أن اتخاذ السرج على القبور من الأمور المحرمة، بل التي جاء فيها التغليظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم: أن إسراجها غالباً يكون مع البناء عليها، وذلك من تعظيمها وهو من الغلو فيها، وقد يؤدي إلى أن يسأل أصحابها ويعول عليهم، فالإسراج يلازم غالباً البناء، وكل منهما فيه تعظيم، وهو خلاف ما جاءت به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أن القبور لا يبنى عليها، ولا تتخذ فيها السرج، بل تكون كالمقابر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبر أصحابه، وكذلك المسلمون من بعده، حتى حدث بعد ذلك ما حدث من البناء على القبور واتخاذها مساجد، ووقعت في ذلك المخالفة لما جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
    وقد أورد النسائي في هذا حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج).
    والحديث يشتمل على ثلاثة أمور:
    الأمر الأول: لعن زائرات القبور، وهن النساء اللاتي يزرن القبور، وقد عرفنا أن زيارة القبور كانت ممنوعة، ثم أبيحت وشرعت، وقد مر بنا حديث بريدة بن الحصيب حيث قال فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) فزيارة القبور كان منهياً عنها، ثم شرعت، واختلف هل مشروعيتها للرجال فقط، أو للرجال والنساء؟ فمن العلماء من قال: إن النساء يشرع لهن الزيارة كما يشرع للرجال، ويستدلون بما جاء في حديث عائشة الذي مر بنا قريباً، وهو أنها سألت رسول الله عليه الصلاة والسلام قائلة: (ماذا أقول إذا زرت القبور؟ فقال: قولي: السلام عليكم أهل الديار...) إلى آخر الحديث.
    والقول الثاني: هو المنع وأن ذلك لا يجوز، ويستدلون على ذلك بهذا الحديث: (لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج)، ولكن الحديث بهذا اللفظ جاء بإسناد ضعيف؛ لأنه من رواية أبي صالح باذان مولى أم هانئ، وهو ضعيف، مدلس، ولكن جاء حديث آخر فيه ذكر النساء، ولعنهن إذا زرن القبور، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور) فإن هذا الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    والقول بالمنع أي: منع زيارة القبور في حق النساء هو الأظهر، وهو الأولى، وهو الأحوط أيضاً في الدين، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لعن زوارات القبور، وقد يقال: إن زوارات هذه صيغة مبالغة، فيكون المنع إنما هو من كثرة الزيارة، وأما إذا كانت الزيارة قليلة فإن ذلك لا بأس به.
    ولكن لفظ: (زوارات) يأتي للنسبة كما يأتي للمبالغة، زوارات يعني: منسوبات إلى الزيارة، وهذا مثل قول الله عز وجل: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46] فإن المقصود هو: نفي أصل الظلم، وليس المبالغة فيه، أي: وما ربك بمنسوب إلى الظلم مطلقاً، فهنا نفي النسبة إلى الظلم، فيكون قوله: (لعن الله زوارات القبور) أي: المنسوبات إلى الزيارة، وهن اللاتي تحصل منهن الزيارة، فليس الأمر مقصوراً على المبالغة، فالقول بالمنع هو الأسلم والأحوط؛ وذلك لأن المرأة إذا لم تزر فإنه لا يترتب على عدم زيارتها شيء، أكثر ما في الأمر أن تكون تركت سنة، أو تركت أمراً مستحباً، وترك الأمر المستحب لا يعاقب الإنسان عليه، ولكن كونها تزور، فهي تتعرض للعنة في قوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله زوارات القبور).
    وكونها لا تزور فإنها تسلم من التعرض للعنة ولا يحصل لها شيء بعد ذلك، فالقول بالمنع هو الأظهر من القول بالجواز في حق النساء.
    ثم إن النساء يتميزن عن الرجال بضعفهن، وجزعهن، وهلعهن، وعدم صبرهن وتحملهن، فزيارتها للقبور تهيجها وتجعلها تظهر الحزن، وقد تحصل النياحة، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وتوعد، وجاء عنه الوعيد في النياحة، وجاء عنه اللعن، كقوله: (لعن الله الصالقة، والحالقة، والشاقة) والصالقة هي: التي ترفع صوتها عند المصيبة، التي هي: النياحة، هذا هو الأمر الأول من الأمور الثلاثة التي اشتمل عليها الحديث.
    أما الأمر الثاني: وهو اتخاذ المساجد على القبور، فالحديث كما عرفنا ضعيف، ولكن جاء التحذير من اتخاذ المساجد على القبور في أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين أو في أحدهما، ومما ورد في ذلك، ما جاء عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس -يعني: بخمس ليال- يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) وكذلك جاء فيه حديث عائشة من طريقين، والذي سيأتي في الباب الذي بعد هذا، فالأحاديث في لعن الذين يتخذون المساجد قبوراً كثيرة وثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين وفي غير الصحيحين.
    فلعن المتخذين القبور مساجد ثابت بالأحاديث الصحيحة، ولا يضره كون هذا الحديث الذي معنا ضعيفاً، فإن ما اشتمل عليه من لعن المتخذين المساجد قبوراً يغني عنه ما جاء في الصحيحين وغيرهما، من لعن اليهود والنصارى على اتخاذهم القبور مساجد.
    أما المسألة الثالثة وهي: اتخاذ السرج في المساجد، فهي أيضاً محرمة، وهي ملازمة للبناء، واتخاذ القبور مساجد، وهي مخالفة للهيئة والطريقة التي عليها مقابر المسلمين في زمن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وفي زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، حيث كانوا لا يسلكون هذه المسالك، ولا يعملون هذه الأعمال المحرمة، التي فيها تعظيم للقبور، وإظهار للفتنة فيها، والغلو بأصحابها، ومجاوزة الحد فيما ينبغي في حقهم.

    تراجم رجال إسناد حديث حديث: (لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الوارث بن سعيد].
    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن جحادة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي صالح].
    هو باذان مولى أم هانئ وهو ضعيف، ومع ذلك هو مدلس، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة، والحديث ضعف؛ لأن باذان أبو صالح مولى أم هانئ ضعيف.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.


    التشديد في الجلوس على القبور

    شرح حديث: (لأن يجلس أحدكم على جمرة ... خير له من أن يجلس على قبر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التشديد في الجلوس على القبور.أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك عن وكيع عن سفيان عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التشديد في الجلوس على القبر، يعني: التشديد في منعه وتحريمه وبيان خطورته، وأن فيه إثماً عظيماً، وجرماً كبيراً، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(لأن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر)]، فهذا يدل على تحريم الجلوس على القبر، وأن جلوس الإنسان على جمرة تحرق ثيابه أهون وأسهل من كونه يجلس على قبر، وذلك أن الجلوس على القبر إن كان لقضاء الحاجة فالأمر أشد وأخطر، وإن كان لغير ذلك ففيه امتهان للقبر، كونه يجلس عليه، ويطأ عليه، وهو غير سائغ، وغير جائز، وقد جاء النهي عن ذلك، والوعيد عليه، والتشديد فيه، ومما جاء في هذا الحديث الذي معنا: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه خير من أن يجلس على قبر)، وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها).
    فهذا فيه منع أن الإنسان يستقبل القبور في الصلاة وأن يجعلها في قبلته، وكذلك أن يجلس عليها، كل ذلك جاء النهي فيه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بأحاديث ثابتة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لأن يجلس أحدكم على جمرة ... خير له من أن يجلس على قبر)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن وكيع].
    هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، حافظ، مصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو ابن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وسفيان هنا غير منسوب فالمراد به: سفيان الثوري، وليس سفيان بن عيينة.
    [عن سهيل].
    هو سهيل بن أبي صالح السمان، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر الحافظ في التقريب: أن البخاري روى عنه تعليقاً ومقروناً، ورمز له برجال أصحاب الكتب الستة، وهذا يفيد أن من خرج له في الصحيحين سواء كان ذلك استقلالاً أو مقروناً فإنه يرمز له برمز البخاري، ومسلم، وإذا كان الحديث رواه أصحاب الكتب يرمز له برواية أصحاب الكتب كما هنا؛ من روي عنه مقروناً فقد روي عنه بالأصول، وليس تعليقاً، واصطلاح المزي ومن بعده أنهم يأتون بالرمز، رمز الخاء والميم، البخاري، ومسلم، فيما إذا كان الرجل له رواية في الصحيحين بالأسانيد المتصلة، وليس تعليقاً، أما إذا كان تعليقاً فإنه يرمز له بالتعليق (هاك)، وأما إذا كان غير ذلك سواء كان مستقلاً أو مقروناً، فإنهم يرمزون له برمز الرواية عن البخاري، ومسلم استقلالاً، إذاً: الاستقلال والمقرون رمزهما واحد.
    [عن أبيه].
    أبوه هو ذكوان السمان، ويقال: الزيات، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    رضي الله تعالى عنه، هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، وقد مر ذكرهم آنفاً.

    شرح حديث: (لا تقعدوا على القبور)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب حدثنا الليث حدثنا خالد عن ابن أبي هلال عن أبي بكر بن حزم عن النضر بن عبد الله السلمي عن عمرو بن حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقعدوا على القبور)].أورد النسائي حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لا تقعدوا على القبور)] الحديث دال على ما دل عليه الحديث الذي قبله من النهي عن القعود على القبور، والجلوس عليها، وقد ورد بمعناه حديث آخر: [(لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)] فهنا قوله: [(لا تقعدوا على القبور)] هو مثل ما جاء في بعض الروايات أو بعض الأحاديث: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها).

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تقعدوا على القبور)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم].هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن شعيب].
    شعيب وهو ابن الليث بن سعد، وهو ثقة، فقيه، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن يزيد الجمحي المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي هلال].
    هو سعيد بن أبي هلال المصري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بكر بن حزم].
    هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني قيل كنيته واسمه، وقيل اسمه: أبو بكر وكنيته: أبو محمد، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن النضر بن عبد الله السلمي].
    مجهول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عمرو بن حزم].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه.
    والحديث في إسناده النضر بن عبد الله السلمي، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: أنه مجهول، ولكن الحديث جاء له شواهد تدل على ما دل عليه من النهي عن الجلوس على القبور، ومن التحذير من الجلوس على القبر كما جاء في الحديث الذي قبله، وهو: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر).


    اتخاذ القبور مساجد

    شرح حديث: (لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اتخاذ القبور مساجد. أخبرنا عمرو بن علي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: اتخاذ القبور مساجد، أي: التحذير من ذلك، والمنع منه واللعنة على ذلك، وقد أورد النسائي فيه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)]، وهذا يدل على تحريم اتخاذ القبور مساجد، وأن ذلك مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في أواخر أيامه وحياته صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت أن الأحاديث في تحريم اتخاذ القبور مساجد كثيرة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعن جماعة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، لكن قد يقال: كيف يكون اتخاذ القبور مساجد محرماً ونحن نرى ونشاهد أن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده، ومسجده خير المساجد بعد المسجد الحرام، وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، ومع ذلك نجد قبره في مسجده؟
    الجواب عن هذا الاستشكال، أو عن هذه الشبهة هو: أنه يجب الأخذ بالأحاديث المحكمة الثابتة التي لم تنسخ والتي لا تقبل النسخ، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام تكلم بها في آخر حياته كما جاء في حديث جندب بن عبد الله البجلي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، يعني: خمس ليال فقط، يقول: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) تأكيد بعد تأكيد في النهي؛ لأن قوله: (ألا فلا تتخذوا) هذا نهي كاف ولو لم يأتي شيء وراءه، لكنه جاء بعده: (فإني أنهاكم عن ذلك) فصار تأكيداً بعد تأكيد، وكان هذا قبل أن يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس ليال.
    وجاء في حديث إحدى أمهات المؤمنين لما نزل بالرسول صلى الله عليه وسلم الموت، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، قال: وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
    إذاً: الواجب هو العمل بالأحاديث المحكمة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي لا تقبل النسخ بحال من الأحوال؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام تكلم بها في أواخر أيامه، بل في أواخر لحظاته صلى الله عليه وسلم.
    أما قبر الرسول عليه الصلاة والسلام فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقبر في المسجد، وإنما قبر في بيته وقبره في البنيان من خصائصه عليه الصلاة والسلام؛ لأن مما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم بعد الموت أنه يدفن في البنيان؛ لأنه دفن في بيت عائشة، وأن أصحابه صلوا عليه فرادى ولم يصلوا عليه جماعة، وأنه وضع تحته في اللحد قطيفة حمراء، قالوا: وهذه الأمور من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم لا تعمل مع أحد سواه.
    إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام دفن في خارج المسجد، ولم يدفن في المسجد، دفن في بيت عائشة في بيت كان يجامع أهله فيه، وكانت نساؤه تحيض فيه، وتجلس فيه، فهو ليس من المسجد، وإنما هو خارج المسجد، فلم يدفن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ولم يبن المسجد على القبر، وإنما دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحثوا أين يدفنون رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمنهم من قال: يدفن مع الناس في البقيع، وروى بعضهم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الأنبياء يدفنون حيث يموتون) أي: المكان الذي يموت فيه النبي فإنه يدفن فيه، ولهذا دفنوه، وأخذوا بالحديث الوارد عنه عليه الصلاة والسلام بأن (الأنبياء يدفنون حيث يموتون)، فدفن في المكان الذي مات فيه عليه الصلاة والسلام، وهو بيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أما دخول القبر في المسجد فكان ذلك في زمن بني أمية، ولم يكن في زمن الخلفاء الراشدين، ولا في زمن معاوية الصحابي الجليل رضي الله عنه، وإنما كان بعد ذلك في زمن بني أمية، فهذا أمر محدث، وأمر طارئ، ولا يجوز أن يحتج به، ولا يجوز أن يحتج بخطأ حصل من بني أمية، وتترك الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فإنما يوجد في كثير من بلاد المسلمين من البناء على القبور، واتخاذها مساجد هذا مصادمة صريحة، ومخالفة واضحة جلية، لما جاءت به الأحاديث الكثيرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي حصلت منه في أواخر أيامه، بل وفي أواخر لحظاته صلى الله عليه وسلم، وهي لا تقبل النسخ بحالٍ من الأحوال.


    تراجم رجال إسناد حديث: (لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس المحدث، الناقد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا خالد بن الحارث].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    تابعي جليل، ومحدث، فقيه، وثقة، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقتادة مدلس وقد روى بالعنعنة، لكن من الطرق المعروفة التي يذكرها المحدثون أن شعبة إذا روى عن مدلس فإن تدليسه مأمون؛ لأنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا من أمن فيه تدليسهم، فـشعبة إذا جاء يروي عن مدلس، والمدلس روى بالعنعنة فإنه محمول على الاتصال والسماع؛ لأن من طريقة شعبة أنه لا يروي عن مدلس إلا ما كان مأموناً فيه من تدليسه.
    [عن عائشة].
    رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى في سورة النور، وقد حفظت الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا سيما فيما يتعلق بأمور البيت، وما يجري بين الرجل وأهل بيته، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    شرح حديث: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى صاعقة حدثنا أبو سلمة الخزاعي حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فهو مثل الحديث الذي قبله عن عائشة رضي الله تعالى عنها دال على ما دل عليه.


    تراجم رجال إسناد حديث: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى صاعقة].هو محمد بن عبد الرحيم البغدادي أبو يحيى المعروف بـلقبه صاعقة، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا أبو سلمة الخزاعي].
    هو منصور بن سلمة، كنيته توافق اسم أبيه منصور بن سلمة الخزاعي، وهو ثقة، ثبت، حافظ، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود في المراسيل والنسائي.
    [حدثنا الليث بن سعد].
    وقد مر ذكره.
    [عن يزيد بن الهاد].
    هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، وهو ثقة، مكثر، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، تابعي جليل من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما.


    كراهية المشي بين القبور في النعال السبتية

    شرح حديث: (... يا صاحب السبتيتين ألقهما)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كراهية المشي بين القبور في النعال السبتية. أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا وكيع عن الأسود بن شيبان وكان ثقة، عن خالد بن سمير عن بشير بن نهيك أن بشير بن الخصاصية رضي الله تعالى عنه قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على قبور المسلمين فقال: لقد سبق هؤلاء شراً كثيراً، ثم مر على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً، فحانت منه التفاتة، فرأى رجلاً يمشي بين القبور في نعليه فقال: يا صاحب السبتيتين! ألقهما)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كراهية المشي بين القبور في النعال السبتية، والنعال السبتية: مصنوعة من جلود البقر، يقال لها: سبتية، وإنما ترجم بالنعال السبتية لأنها وردت في الحديث نفسه عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يمشي بين القبور وعليه نعال سبتية، فقال: (يا صاحب السبتيتين! ألقهما)، معناه أنه نهاه أن يمشي بين القبور بهذه النعال، والذي يظهر أن المشي لا يختص بالنعال السبتية، وإنما السبتية وغيرها؛ لأن المقصود بذلك هو: احترام أصحاب القبور، وعدم تعريضهم للإهانة، بأن يمشى بين قبورهم بالنعال، وهذا إذا لم يكن هناك أمر يقتضي المشي في النعال، بأن تكون الأرض حارة رمضاء، أو يكون فيها شوك أو ما إلى ذلك فعند ذلك تلبس النعال، وتتخذ النعال في المقابر، أما في غير ذلك، فإذا كان الإنسان يمشي بين القبور فلا يفعل، أما إذا كان هناك ممرات أو أماكن ليس فيها قبور في المقبرة يمشي فيها الناس، فهذه لا بأس أن يمشي الإنسان فيها بالنعال.
    قوله: [(كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر على قبور المسلمين فقال: لقد سبق هؤلاء شراً كثيراً)].
    يعني: أنهم فاتوا، ومضوا، وجاء بعدهم شر كثير، فهم سبقوه ومضوا عنه، وخلفهم ذلك الشر الكثير، وجاء بعدهم.
    قوله: [(ثم مر على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً)].
    يعني: سبقوا، ومضوا، وجاء بعدهم خير كثير، عكس المسلمين.
    وقوله: [(فحانت منه التفاتة فرأى رجلا يمشي بين القبور في نعليه فقال: يا صاحب السبتيتين! ألقهما)].

    تراجم رجال إسناد حديث: (... يا صاحب السبتيتين ألقهما)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي وقد مر ذكره قريباً.
    [حدثنا وكيع].
    هو وكيع بن الجراح وقد مر ذكره قريباً.
    [عن الأسود بن شيبان].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن خالد بن سمير].
    صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن بشير بن نهيك].
    هو بشير بن نهيك البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أن بشير بن الخصاصية].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.


    التسهيل في غير السبتية

    شرح حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أنه ليسمع قرع نعالهم)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التسهيل في غير السبتية. أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله الوراق حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، أنه ليسمع قرع نعالهم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التسهيل في غير السبتية، يعني: تسهيل الأمر في غيرها، وذلك بأنه يمكن أن يمشى في المقابر بغير النعال السبتية، لكن كما ذكرت الذي يظهر والأولى أنه لا يمشى فيها بالنعال مطلقاً لا السبتية، ولا غيرها، إلا إذا كان هناك ممرات أو مواضع خالية ليس فيها قبور فيمشي الناس بنعالهم فيها، ولا مانع من ذلك، وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، (أن الميت إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، أنه ليسمع قرع نعالهم)، وهذا هو محل الشاهد يسمع قرع النعال، معناه: أنهم يمشون بالنعال.
    فإذاً: يحمل ما جاء من النهي على النعال السبتية، أما غير السبتية يسهل فيها، هكذا يقول النسائي؛ لكن الأظهر هو التعميم في الحكم، وأنه لا فرق بين السبتية وغير السبتية؛ لأنها كلها تشترك، ولأن فيه تعريض للإهانة لأصحاب القبور في المشي عليهم بالنعال.
    أما الحديث الذي أورده النسائي وهو حديث أنس: [(إن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، أنه ليسمع قرع نعالهم)] فهذا لا يدل على أن ذلك يكون في غير السبتية، بل يكون في السبتية وغيرها، لكن ليس في المشي بين القبور، وإنما يكون في الأماكن الخالية في المقبرة التي ليس فيها قبور، أو يكون في ممرات مثلاً أي: طرق تكون بين القبور لا يمشي الإنسان فيها، وإنما يمشي في طرق ليس فيها قبور، فيكون ما جاء في قوله: (ليسمع قرع نعالهم) أي: أنهم لا يمشون بين المقابر إذا انصرفوا، ولكنهم يمشون في أماكن في المقبرة لا قبور فيها، ومن المعلوم: أن المقابر يبدأ بها من يكون في أبعدها، ثم تمشي القبور شيئاً فشيئاً حتى تمتلئ المقبرة عند الباب، ويكون الدفن في أماكن بعيدة عن الباب، ثم الناس ينصرفون في مكان خال لم تصل إليها القبور فيحمل على ذلك، والله تعالى أعلم، ولهذا فإن الأخذ بالحديث، وشمول ما جاء فيه من النعال السبتية وغيرها بأن الحكم لا يتعلق بالسبتية، وإنما يتعلق بالقبور واحترامها وعدم تعريضها للإهانة، وهذا تشترك فيه النعال السبتية وغير السبتية.
    ثم الحديث يدل على سماع الميت قرع النعال، لكن هذا لا يستدل به على أن الميت يسمع كل شيء، وأنه يسمع ما يجري حوله؛ لأن هذه أمور غيبية لا يتكلم فيها إلا بدليل، والدليل جاء بسماعه قرع النعال، فلا يدل على سماعه الأمور الأخرى فيوقف عند النص، ويثبت ما دل عليه النص، ولا يثبت شيئاً لم يدل عليه النص.


    تراجم رجال إسناد حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أنه ليسمع قرع نعالهم)


    قوله: [أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله الوراق].ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا يزيد بن زريع].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد].
    هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    وقد مر ذكره.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والذين مر ذكرهم آنفاً.


    المسألة في القبر

    شرح حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره ... فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [المسألة في القبر. أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك وإبراهيم بن يعقوب بن إسحاق قالا: حدثنا يونس بن محمد عن شيبان عن قتادة أخبرنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، قال: فيأتيه ملكان، فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: المسألة في القبر، يعني: السؤال في القبر عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله عز وجل لهذه الأمة، والسؤال في القبر يكون عن الرب، وعن الدين، وعن النبي صلى الله عليه وسلم التي هي الأصول الثلاثة، وهي: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والنسائي أورد حديث أنس بن مالك الذي فيه: (أنه إذا تولى عنه أصحابه يسمع قرع نعالهم فيأتيه ملكان فيجلسانه)، وهذا من الغيب الذي يجب الإيمان به والتصديق به، وإن لم يكن مدركاً بالعقل؛ لأنه معلوم أن القبر عندما وضع فيه اللحد، واللحد على قدر الإنسان الممتد، فلا يقال: كيف يوضع في القبر، والقبر قد دفن وما فيه إلا اللحد، فكيف يجلس، وجلوسه يحتاج إلى مسافة، هذا من أمور الغيب التي يجب الإيمان بها، والتصديق بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن لم ندرك كنه ذلك وحقيقته، كما أن الإنسان يعذب في قبره أو ينعم، والناس يفتحون القبر ولا يرون نعيماً، ولا عذاباً، والنعيم موجود والعذاب موجود؛ لأن هذه أمور غيبية لا تقاس على أمور الدنيا وأمور المشاهدة، بل كل ما جاء به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب يجب التصديق به وإن لم يدركها العقل، والإسلام، أو الأحاديث، أو النصوص لا تأتي بما تحيل به العقول، ولكنها تأتي بما تحار به العقول، والشيء الذي تدركه العقول، وهو غيب يجب الإيمان به والتصديق به، وأنه حق ثابت، وأن كل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو واقع طبقاً لما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [(فيأتيه ملكان، فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟)].
    أي: محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه المسألة في القبر، هذا هو المقصود من الترجمة.
    قوله: [(فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً)].
    يعني: يرى المقعد من النار الذي سلمه الله منه، ويرى النار وما فيها، ويرى المقعد الذي جعله الله له، والذي أعطاه الله إياه، وتفضل عليه به، فيرى المقعدين جميعاً، وجاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أنه (يفتح له باب من الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، ولا يزال كذلك حتى تقوم الساعة).

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره ... فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي وقد مر ذكره.
    [وإبراهيم بن يعقوب بن إسحاق].
    هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا يونس بن محمد].
    هو يونس بن محمد البغدادي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شيبان].
    هو ابن عبد الرحمن التميمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة أخبرنا أنس].
    وقد مر ذكرهما.


    مسألة الكافر


    شرح حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره... فيأتيه ملكان ...) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مسألة الكافر.أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً خيراً منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً، وأما الكافر أو المنافق، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول كما يقول الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مسألة الكافر، أي: سؤاله في قبره، وأورد فيها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أن الكافر أو المنافق يسأل، (فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته)، يعني: أنه تابع غيره من الكفار الذين كذبوه، ولم يصدقوه، (فيقال: لا دريت ولا تليت)، يعني: لم تحصل له المعرفة، والدراية، ولم يتابع من يستحق أن يتابع على الحق ممن آمن بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو لم يدر، ولم يتبع من يدري، ومن هو على حق، (فيقال له: لا دريت ولا تليت).
    قوله: [(فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار)]، ليس أمامه إلا النار، وليس له إلا النار، (فيضرب ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين)، وهذا يدلنا: على أن ما يجري في القبور من الصياح يسمعه غير الثقلين كالبهائم، والحيوانات، فإنها تسمع هذا الذي يجري في القبور، أما الثقلان وهما: الجن والإنس اللذان هما مكلفان فإن الله تعالى أخفى عنهم ذلك، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، يجعل هذا الصوت يخرج من مكان معين فيسمعه بعض المخلوقات وهي الدواب، ولا يسمعه الجن والإنس الذين هم مكلفون، والحكمة في ذلك والله تعالى أعلم هي: أنه يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، هذه هي الحكمة في كونه أخفي ذلك على الناس، وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يسمع ما يجري في القبور، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع).

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره... فيأتيه ملكان ...) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس].والإسناد كلهم مر ذكرهم، أحمد بن أبي عبيد الله، ويزيد بن زريع، وسعيد بن أبي عروبة، وقتادة، وأنس.



  19. #359
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (356)


    - (باب من قتله بطنه) إلى (باب ضمة القبر وضغطته)

    من رحمة الله بهذه الأمة أنه لم يحصر أجر الشهادة بمن قتل في سبيل الله، بل ألحق به المطعون والمبطون والغريق وغيرهم، إلا أنهم لا يشاركونه في أحكام الدنيا، بل يغسلون، ويكفنون، ويصلى عليهم.
    من قتله بطنه

    شرح حديث: (... ألم يقل رسول الله: من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره؟ ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قتله بطنه. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد عن شعبة أخبرني جامع بن شداد سمعت عبد الله بن يسار قال: (كنت جالساً وسليمان بن صرد وخالد بن عرفطة، فذكروا أن رجلاً توفي مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته، فقال أحدهما للآخر: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره؟ فقال الآخر: بلى)].
    يقول النسائي: باب من قتله بطنه، المراد من هذه الترجمة هو أن من جملة الشهداء الذين جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفهم بأنهم شهداء المبطون، أي: الذي مات بوجع البطن، والذي جاء التعبير عنه في هذا الحديث وفي هذه الترجمة بأنه قتله بطنه، أي: مات بسبب البطن، وقد فسر المبطون بأنه الذي مات بسبب وجع البطن؛ إما إسهال، وإما استسقاء، فهذا وصف بأنه شهيد، وقد جاء في بعض الأحاديث التنصيص بلفظ المطعون والمبطون، المطعون أي: الذي أصابه الطاعون، وقد جاء أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر جماعة من الشهداء، وهم ليسوا شهداء معركة، ولكنهم وصفوا بأنهم شهداء، أي: أن أجرهم أجر الشهداء، وذكر الشهادة إنما هو في الفضل وعلو المنزلة، وليس بمعنى أنه تجري عليهم أحكام الشهداء، فإن الشهداء في المعركة لهم أحكام تخصهم، ولا يلحق بهم أمثال هؤلاء الذين جاء في بعض الأحاديث وصفهم بأنهم شهداء، فإن شهداء المعركة لا يغسلون، ويدفنون في ثيابهم، وبدمائهم، وأما من مات بغير المعركة، ووصف بأنه شهيد فإنه يغسل، ويصلى عليه.
    وقد ذكر النووي رحمه الله في كتاب رياض الصالحين جملة من الأحاديث التي فيها ذكر جماعة من الشهداء، فقال: (باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة، ويغسلون، ويصلى عليهم)، يعني: أن وصفهم بأنهم شهداء إنما هو في ثواب الآخرة، وأما بالنسبة للأحكام الدنيوية التي تحصل للشهيد فإنها لا تكون لهم، فلا يدفنون في ثيابهم، ويصلى عليهم، فهؤلاء يدفنون في أكفان، ويكفنون في أكفان غير ثيابهم الذي ماتوا فيها، ويصلى عليهم بخلاف شهداء المعركة فإنهم يدفنون في ثيابهم، وبدمائهم، ولا يغسلون فيزال عنهم أثر الدم؛ لأنه قد جاء في بعض الأحاديث أنه يأتي يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فيكون دمه وبقاء دمه على جسده وفي ثيابه شهادة على قتله في سبيل الله، وأنه قاتل في سبيل الله حتى خرجت نفسه.
    وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري، الذين ورد فيهم أحاديث ثابتة في وصفهم بأنهم شهداء، وأشار إليهم، وقال: جملة الذين ورد فيهم أحاديث جيدة تدل على أنهم شهداء، هم كذا، وسماهم، وأشار إلى الأحاديث التي وردت فيهم، والذي معنا في هذه الترجمة هو الذي قتله بطنه، هو واحد من هؤلاء الشهداء الذين هم شهداء في ثواب الآخرة، ولكنهم يغسلون، ويصلى عليهم، ولا تجري عليهم أحكام الشهداء في المعركة من حيث أنهم يدفنون في ثيابهم، ولا يغسلون.
    ثم أورد النسائي حديث سليمان بن صرد أو خالد بن عرفطة الذي قال فيه واحد منهما للآخر: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: [(من قتله بطنه لم يعذب في قبره)] فقال الآخر: بلى، أي: أن الحديث ثابت عن كل واحدٍ من هذين الصحابيين؛ لأن واحداً منهم قال: ألم يقل، وهو للتقرير، وذاك أجابه بقوله: بلى، يعني: فكان الحديث عن الصحابيين، فكل واحد من أحدهما قال للآخر هذه المقالة، والثاني صدقه على ما قال، وأيده على ما قال، وأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إن من قتله بطنه لم يعذب في قبره)]، فالحديث يدل على أن من قتله بطنه، أو مات بسبب وجع البطن أنه من جملة الشهداء الذين جاء ذكرهم في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصفهم بأنهم شهداء.
    ثم أيضاً ما جاء في الحديث من ذكر أنهما عند محاورتهما وكلامهما، كلام أحدهما على الآخر، أنهما يشتهيان أن يحضرا جنازته، أي: ذلك الشخص الذي مات بوجع البطن، وأن يشهدا جنازته، وهذا يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على شهود الجنائز، لا سيما من ورد فيه فضل، وورد فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على فضله.
    وفيه التذاكر بالعلم، والاستدلال بما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا شأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... ألم يقل رسول الله: من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره؟ ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    وهو: ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذه من أعلى صيغ التعديل وأرفعها أن يوصف الشخص بأنه أمير المؤمنين في الحديث، يدل على تمكنه، وعلى علو منزلته، وعلى تقدمه في هذا الفن، وهذا الوصف حصل لجماعة من المحدثين، وهم قليلون، أي الذين وصفوا بهذا الوصف.
    [أخبرني جامع بن شداد].
    هو جامع بن شداد الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت عبد الله بن يسار].
    هو الكوفي، ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [سليمان بن صرد].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [وخالد بن عرفطة].
    هو قضاعي صحابي، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.


    الشهيد


    شرح حديث: (... ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الشهيد. أخبرنا إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج عن ليث بن سعد عن معاوية بن صالح أن صفوان بن عمرو حدثه عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الشهيد، وأن الشهيد لا تحصل له فتنة القبر، وأنه كفاه ما حصل له عند خروجه من هذه الحياة، وعند مغادرته هذه الحياة، بخروج نفسه في سبيل الله، وكونه قتل شهيداً في سبيل الله، وأن صبره، وإرخاصه نفسه في هذا السبيل في قتال الأعداء، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وهدايتهم إلى الصراط المستقيم كفى بذلك فتنة، فـالنسائي ذكر الشهيد، وذكر تحته هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد، قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) يعني: أن ما حصل له من قتله في سبيل الله، وكون السيوف تبرق وتلمع على رأسه، وهو صابر محتسب يريد الشهادة أو النصر، ويريد إعلاء كلمة الله، ويريد إدخال الناس في دين الله، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فهو بين أمرين: إما أن يقتل ويكون شهيداً، وإما أن يسلم، ويبقى في هذه مدة؛ المدة التي شاء الله عز وجل، ويحصل بفعله نصرة هذا الدين، والدعوة إلى الخير، والهداية إلى الصراط المستقيم، قال عليه الصلاة والسلام: [(كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة)] أي: أن الفتنة التي تحصل في القبر، وهي سؤال الناس في قبورهم، وامتحانهم، واختبارهم أن ذلك يحصل للمقبورين، ولكن الشهيد كفاه دليلاً على إيمانه، وعلى صدق يقينه، وصبره واحتسابه، ورخص خروج نفسه عليه في سبيل الله بحيث جاد بها وقدمها في سبيل الله عز وجل، فخرجت في قتال الأعداء.
    وهذا يدلنا على فضل الشهداء، وعلى عظم شأنهم، وعلى قوة إيمانهم، وعلى صبرهم، ويقينهم، وإرخاصهم لأنفسهم في سبيل الله، وكونهم باعوها على الله عز وجل.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ ...)


    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن].هو إبراهيم بن الحسن المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا حجاج].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ليث بن سعد].
    هو ليث بن سعد المصري الثقة، الفقيه، الإمام المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن معاوية بن صالح].
    هو ابن حدير الحمصي، وهو صدوق، له أوهام، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أن صفوان بن عمرو حدثه].
    هو صفوان بن عمرو الحمصي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن راشد بن سعد].
    ثقة، كثير الإرسال روى له البخاري في الأدب، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن رجل من أصحاب النبي].
    هذا النوع يقال له: المبهم، يعني: مثل رجل وامرأة، هذا يقال له: مبهم، أي: لم يسم، وأما إذا سمي، ولكنه احتمل عدة أشخاص فإنه يقال له: المهمل، وهو لا يؤثر في حق أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن المجهول منهم في حكم المعلوم، ما دام نص على أنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكفيه ذلك شرفاً، وفضلاً، ونبلاً أن ينسب إلى صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال الخطيب: إن العلماء اتفقوا على أنه يحتاج إلى معرفة الرجال وأنه لا بد من معرفة أعيانهم وأشخاصهم إلا الصحابي، فإنه لا يحتاج إلى ذلك، فإن المجهول منهم في حكم المعلوم؛ لأنهم كلهم عدول من تعديل الله عز وجل لهم وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم لهم، ولهذا لا يحتاج الصحابي إلى أن يُذكر شيء فوق كونه صحابي، اللهم إلا أن يَذكر شيئاً يتعلق بكونه شهد بدراً، أو شهد بيعة الرضوان أو ما إلى ذلك من الأشياء التي يحصل فيها تفاضل الصحابة، أما من حيث الاعتماد على ما يأتي عنه، والتعويل على ما يجيء من طريقه فإنه يعول على كل ما يأتي عن طريقهم رضي الله عنهم وأرضاهم، سواء عرفت أسماؤهم وأشخاصهم، أو لم تعرف؛ بأن اكتفي بأن يقال: رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما غير الصحابة فلا بد من معرفتهم، ولا بد من البحث في معرفة أسمائهم وأحوالهم، وما إلى ذلك مما يتعلق بهم، أما الصحابة فلا يحتاجون إلى ذلك؛ لأن إضافتهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام وصحبتهم لرسول الله عليه الصلاة والسلام كافية عن أن يحتاج معها إلى تعديل المعدلين، وتوثيق الموثقين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

    شرح حديث: (الطاعون والمبطون والغريق والنفساء شهادة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن التيمي عن أبي عثمان عن عامر بن مالك عن صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه قال: (الطاعون والمبطون والغريق والنفساء شهادة، قال: وحدثنا أبو عثمان مراراً، ورفعه مرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم)].أورد النسائي حديث صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه، الذي فيه أن الطاعون، والمبطون، والنفساء، والغريق شهادة، أي: أن هذه شهادة، ويوصف صاحبها بأنه من أهل الشهادة أو ممن استشهد، والمقصود من ذلك ثواب الآخرة كما أشرت، وهنا عبر بالمبطون للذي تقدم له ترجمة: من قتله بطنه، فإن المراد بالمبطون هو الذي أصابه البطن ومات بسبب ذلك، فجاء في بعض الأحاديث التعبير عنه بأنه قتله بطنه، وجاء في بعض الأحاديث وصفه بأنه مبطون، كما أنه جاء بالنسبة للذي أصابه الطاعون بأنه مطعون، والمقصود بذلك أصابه الطاعون، وليس مطعوناً.
    فالحديث اشتمل على ذكر أربعة من الشهداء، على الذي أصابه الطاعون، والمبطون الذي أصابه مرض البطن وكذلك الغريق الذي مات بالغرق، وكذلك النفساء التي ماتت في نفاسها، فهؤلاء أربعة من الشهداء جاء ذكرهم في هذا الحديث، وهم شهداء في ثواب الآخرة كما ذكرت ذلك عن النووي في رياض الصالحين، حيث قال: باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة، ويغسلون، ويصلى عليهم، ثم أورد جملة من الأحاديث التي فيها ذكر جماعة من الشهداء على هذا الوصف وعلى هذا النحو.
    وقد جاء في الحديث أولاً ذكره عن أبي عثمان النهدي وجاء في بعضه أنه رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام مرة، وهذا هو محل الشاهد، فهو أحياناً يكتفي بأن يذكر أن هؤلاء شهداء، ولا ينص برفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحياناً يضيف ذلك -أي: الصحابي- إلى رسول الله صلى الله عليه، فيرفعه ويكون ذلك من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
    ولو لم يأت الرفع في مرة من المرات فإنه يعتبر من قبيل المرفوع حكماً؛ لأن الصحابي إذا أتى بأمرٍ لا مجال للرأي فيه، ولا مجال للاجتهاد فيه، وإنما هو يتعلق بأمور غيبية، ويتعلق بجزاء وثواب خاص، وما إلى ذلك فإن هذا إذا جاء عن صحابي ليس معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات فإنه يعتبر له حكم الرفع؛ لأن المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفان أو نوعان: أحدهما مرفوع تصريحاً، وهو الذي يقول فيه الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كذا، أو يقول التابعي يحكي عن الصحابي أنه رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي: أسنده إليه، وأضافه إليه، وإذا جاء مثل ذلك، ولم يرفع تصريحاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتعلق بأمور لا مجال للرأي فيها، ولا مجال للاجتهاد فيها فإنه يقال له: له حكم الرفع؛ لأنه ليس من الأمور التي للرأي فيها مجال.
    إذاً: ما يأتي عن الصحابة ينقسم إلى قسمين: شيء للرأي فيه مجال، وهذا يضاف إليهم، ويعتبر من كلامهم، وشيء لا مجال للرأي فيه، والشخص لا يكون معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات، فعند ذلك يكون مرفوعاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه حكماً وليس تصريحاً أو صراحةً.


    تراجم رجال إسناد حديث: (الطاعون والمبطون والغريق والنفساء شهادة)


    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون سني، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي، ووصف بأنه سني قيل: لأنه أظهر السنة في بلده، ونشرها فقيل له: سني.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، الناقد، وهو ثقة، ثبت، البصري، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن التيمي].
    هو سليمان بن طرخان التيمي نسب إلى بني التيم؛ لأنه نزل فيهم، وليس منهم، فهذه نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن؛ لأن الذي يسبق إلى الذهن إذا قيل: التيمي أنه منهم، لكنه ليس منهم بالفعل، ولكنه نزل فيهم فنسب إليهم، وهو ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عثمان].
    هو عبد الرحمن بن مل مثلث الميم (مِل أو مُل أو مَل) أي: يجوز فيها الفتح والضم والكسر، النهدي، وهو ثقة، ثبت، مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والمخضرمون هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتشرفوا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يلقوه، بل علموا به، وتلقوا شريعته، وآمنوا به، وصدقوه، ولكنهم ما ظفروا بلقيه بحيث يوصفون بأنهم صحابة، ولكنهم أدركوا وقته، وزمنه.
    [عن عامر بن مالك].
    قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: مقبول، وأخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن صفوان بن أمية].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.


    ضمة القبر وضغطته

    شرح حديث: (هذا الذي تحرك له العرش... لقد ضم ضمة ثم فرج عنه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ضمة القبر وضغطته. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عمرو بن محمد العنقزي حدثنا ابن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي ضمة القبر وضغطته، ضمته، يعني: تلاقي أطرافه، أو جوانبه، هذا هو المقصود بالضمة وبالضغطة، ومن المعلوم أن من هو من أهل السعادة فإنها لا تضره ذلك، ولكن ذلك حاصل لكل أحد، ولهذا قال بعض العلماء: إن وجه ذلك أنهم خرجوا منها، وأنهم عادوا إليها فتلتقي جوانبها على كل واحدٍ منهم بعد ما يعود إليها، لكن من كان من أهل السعادة، فإنه لا يضره ذلك، أي: هذه الضغطة أو هذه الضمة التي حصلت من الأرض لذلك الجسم.
    وقد أورد النسائي في ذلك الحديث المتعلق بـسعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه، سيد الأوس الذي استشهد في غزوة الخندق رضي الله تعالى عنه، وكان أصابه جرح، والنبي صلى الله عليه وسلم وضع له خيمة في المسجد، وكان يزوره فيها، ثم إن جرحه انفتح، ومات بسبب ذلك، فمات شهيداً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وإن لم يكن مات في الحال؛ لأن ذلك بسبب الجهاد في سبيل الله، وقد اندمل جرحه أو كاد أن يندمل جرحه، ولكنه عاد، وانفجر، ومات بسبب ذلك فكان شهيداً رضي الله عنه وأرضاه، أما سعد بن عبادة فهو سيد الخزرج، كل منهما سعد، وهذا الذي في الحديث سعد بن معاذ سيد الأوس، أما سعد بن عبادة فقد عاش بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    وقوله: [(هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لقد ضم ضمة، ثم فرج عنه)].
    يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هذه المناقب، وهذه الصفات التي ذكرت له، وهي ثلاث في هذا الحديث: اهتز له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، ضم في قبره ضمة، ثم فرج عنه، وهذا يدل على حصول ضغطة القبر وضمته، ولكنها لا تضر من كان من أهل السعادة ومن أهل التوفيق من الله عز وجل، وسعد رضي الله عنه من هؤلاء الذين حصل لهم ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (هذا الذي تحرك له العرش... لقد ضم ضمة ثم فرج عنه)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو المشهور بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [حدثنا عمرو بن محمد العنقزي].
    هو عمرو بن محمد العنقزي الكوفي، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [حدثنا ابن إدريس].
    هو عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.


  20. #360
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (357)

    - باب عذاب القبر

    لقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على إثبات عذاب القبر، وأنه حق لا شك فيه، وثبتت مشروعية التعوذ منه ومن شر فتنته.
    عذاب القبر

    شرح حديث: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ... نزلت في عذاب القبر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب عذاب القبر.أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبيه عن خيثمة عن البراء رضي الله عنه قال: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )[إبراهيم:27] قال: نزلت في عذاب القبر.
    يقول النسائي رحمه الله: عذاب القبر، أي: إثباته، وأنه حق، وأن عذاب القبر واقع، وأن ذلك ثابت في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك النعيم في القبر ثابت، فالنعيم ثابت لمن يستحقه، والعذاب ثابت لمن يستحقه، وقد جاء في القرآن الكريم بعض الآيات الدالة على إثبات عذاب القبر، ومن أوضح ما جاء فيه في القرآن قول الله عز وجل لآل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46] فإن هذه الآية الكريمة تدل على أن آل فرعون يعذبون في النار قبل يوم البعث والنشور، فلهذا قال: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً )[غافر:46] ثم قال: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46]، فينتقلون من عذاب شديد إلى عذاب أشد، فهذه الآية الكريمة دالة على إثبات عذاب القبر، وهذه الآية الكريمة التي معنا أيضاً فيها من تفسير البراء بن عازب رضي الله عنه، ما يدل على أنها نزلت في عذاب القبر، وهي قول الله عز وجل: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ )[إبراهيم:27] فإنه جاء عن البراء بن عازب كما في الحديث الذي معنا أنها نزلت في عذاب القبر، ففي ذلك بيان إثبات عذاب القبر، وبيان أن السنة تفسر القرآن وتبينه، وتدل عليه، وبيان أن قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا إنما هو من بيان سبب النزول، وأن ذلك مما يعول عليه، ويعتمد عليه في فهم النصوص، وفي فهم الآيات القرآنية، والمراد من ذكر عذاب القبر أي: ما يترتب على الفتنة، وعلى الاختبار، فإنه يترتب عليه العذاب ويترتب عليه النعيم؛ لأنه قبل العذاب والنعيم يكون هناك اختبار وامتحان، وهي الفتنة، وعلى ضوء النتيجة في الامتحان والاختبار، يكون النعيم أو العذاب، فهنا قال: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )[إبراهيم:27] أي: عندما يمتحنون ويختبرون، وإذا ثبت من ثبت فالنتيجة أنه ينعم في قبره، وإذا لم يثبت وخذل من خذل، ولم يوفق في الجواب على السؤال الذي يسأله عنه منكر ونكير، فإنه عند ذلك يعذب.
    إذاً: فالعذاب أثر ونتيجة للاختبار، ومن آثار الاختبار والامتحان الذي دلت عليه الآية وهو: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ )[إبراهيم:27] يعني: عند السؤال يثبتهم في الدنيا، وفي الآخرة، يثبتهم في الدنيا بالتمسك بالحق والإبقاء على الحق، والشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، والتمسك بالدين الذي جاء به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام؛ لأن القبر السؤال عنه في ثلاثة أمور: سؤال عن الرب، وعن الدين، وعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الأصول الثلاثة التي انبنى عليها هذا الدين، وهي: الإيمان بالرب، والإيمان بالرسول، والتمسك بالدين الذي جاء به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، ولهذا جاء في الحديث ذكر هذه الثلاثة، جاء في صحيح مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً) وكذلك جاء عند الآذان عند ذكر شهادة أن محمداً رسول الله يقول الإنسان عندما يسمع الأذان: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، هذه أصول ثلاثة، وعلى هذه الأصول الثلاثة بنى الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، رسالته العظيمة المختصرة المفيدة التي هي: الأصول الثلاثة وأدلتها، وهذه الأصول الثلاثة معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الرسالة القيمة لا يستغني عنها مسلم، يعني: سواء كان عامياً أو متعلماً، رسالة عظيمة نفيسة فيها بيان هذه الأمور التي يتعين معرفتها، وهي معرفة الإنسان ربه، ودينه، ونبيه بالأدلة من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي رسالة قيمة مشتملة على الأمور أو الأصول التي يسأل عنها في القبر، وهي التي جاءت في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً).
    وعلى هذا فعذاب القبر حق ثابت تواترت به الأحاديث، وجاء في بعض الآيات ما يدل عليه، فهو حق يجب الإيمان به والتصديق، وهو يحصل في الحياة البرزخية التي هي بعد الموت وقبل البعث؛ لأن الحياة أو أنواع الحياة ثلاثة: الحياة الدنيوية، والحياة البرزخية، والحياة الأخروية بعد البعث، وكل حياة تختلف عن الأخرى، والحياة البرزخية هي الحياة في القبر، فينعم الإنسان إذا كان من الموفقين، ويعذب إذا كان بخلاف ذلك، والعياذ بالله، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، في إثبات عذاب القبر، وأنه حق، وأنه يجب الإيمان به، والتصديق به لثبوته في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
    وحديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، الذي أورده النسائي فيه بيان سبب نزول هذه الآية، وفيه: بيان أن السنة تبين القرآن وتفسره، وتدل عليه؛ لأنه جاء عن البراء بن عازب أنها نزلت في عذاب القبر، أي: في السؤال في عذاب القبر وما يترتب على السؤال من نعيم وعذاب نتيجة لهذا السؤال، كل ذلك حق ثابت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ... نزلت في عذاب القبر)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].هو ابن بهرام المروزي وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي البصري المحدث المشهور، الإمام الناقد، المتكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة ثبت حجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو مشهور بالفقه، ومشهور بالحديث، جمع بين الحديث والفقه، فهو من أئمة الحديث، ومن أئمة الفقه، وكثيراً ما يأتي ذكره في كتب الفقه في بيان أقواله وآرائه، فهو محدث فقيه، وقد ذكر الحازمي في كتابه: شروط الأئمة الخمسة أنهم عندما يريدون أن يميزوا شخصاً عن شخص في الحفظ، والإتقان يحصرون أغلاطه، أي: يعدون أغلاطه، فمن كانت أغلاطه أكثر أو أقل، فإنهم يفاوتون بين الأشخاص في التقدم والتثبت بعد أغلاطهم التي غلطوا فيها وهي قليلة، فمن وجدوه غلط أقل، قدموه في الحفظ والإتقان على من غلط أكثر؛ ولهذا ذكروا عن سفيان الثوري، وعن شعبة، وكل منهما أمير في الحديث قارنوا بين الشخصين وقدموا سفيان على شعبة، مع أن كل منهم في القمة، لكن لكون هذا له أغلاط وهذا له أغلاط، وهذا أقل من هذا، فقدموا هذا على هذا.
    [عن أبيه].
    هو سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن خيثمة].
    هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء].
    هو البراء بن عازب وهو صحابي ابن صحابي رضي الله تعالى عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (يثبت الله الذين آمنوا... قال: نزلت في عذاب القبر) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )[إبراهيم:27] قال: نزلت في عذاب القبر، يقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، وديني دين محمد صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )[إبراهيم:27])].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، عن البراء بن عازب وهو مثل الذي قبله، في بيان أن قول الله عز وجل: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )[إبراهيم:27] أنها نزلت في عذاب القبر، وأن هذا التثبيت إنما هو عند السؤال عن الرب، والدين، والنبي، وأنه يجيب إذا كان موفقاً بحيث يثبته الله، ويسدده الله، فيكون جوابه صواباً، فيكون عند ذلك من المنعمين، وإذا كان بخلاف ذلك والعياذ بالله، فإنه يكون من المعذبين أو يحصل له العذاب في قبره، فالحديث دال على إثبات عذاب القبر، وفيه: بيان أن سبب نزول هذه الآية أنها نزلت في عذاب القبر، فهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه زيادة إيضاح وبيان للسؤال، والتثبيت عند السؤال، وأنه يكون عن السؤال عن الرب، وعن الدين، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم.


    تراجم رجال إسناد حديث: (يثبت الله الذين آمنوا... قال: نزلت في عذاب القبر) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار شيوخ البخاري، ومثله في ذلك محمد بن المثنى الملقب الزمن، وكذلك يعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم من صغار شيوخ البخاري، وماتوا جميعاً في سنة واحدة قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.
    إذاً: البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، وهؤلاء الثلاثة من شيوخه ماتوا سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    ومحمد، هنا غير منسوب، ويسمى مثل ذلك المهمل، إذا ذكر الشخص ولم ينسب، فاسمه في المصطلح المهمل، بخلاف ما إذا لم يذكر الاسم ولكن أبهم بأن قيل: رجل، أو امرأة، فذاك يقال له: المبهم، فالمبهم ما فيه ذكر الاسم، والمهمل فيه ذكر الاسم، لكن ما فيه نسب، ما نسب حتى يتميز ويعرف، محمد ومحمد كثير، اسمه محمد الشخص الذي يروي عنه محمد بن بشار، هو غير منسوب فيقال له: المهمل، ومعرفة ذلك بمعرفة الشيوخ والتلاميذ، ومن المعلوم أن شعبة إذا جاء عنه شخص اسمه محمد مهملاً، فالمراد به محمد بن جعفر غندر، وكذلك محمد بن بشار ومحمد بن المثنى إذا جاء لهم شيخ لم ينسب اسمه محمد، فالمراد به محمد بن جعفر الملقب غندر، فمحمد هذا هو غندر، محمد بن جعفر البصري، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن حجاج الواسطي ثم البصري، لأنه كان من أهل واسط ثم كان من أهل البصرة، ولهذا عندما يكون الإنسان سكن بلدين يذكرونهما، ولكن يذكرون الأولى والأخيرة، ويأتون بكلمة ثم التي تدل على الترتيب وعلى أن هذا كان هذا ثم هذا، فهو واسطي ثم بصري، فهو عندما ينسب الإنسان إلى بلاد متعددة، ويكون سكنها ونزل فيها، يذكرونها ويأتون بثم تبين أن كل من النسبتين صحيحة وأنه ليس فيه غلط، وأن واحدة كانت متقدمة، والثانية متأخرة، فما قبل ثم هو الأول، وما بعد ثم هو المسكن الأخير، فهو الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من الذين وصفوا بأنهم من أمراء المؤمنين في الحديث.
    [عن علقمة بن مرثد].
    أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد بن عبيدة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء].
    هو البراء بن عازب، وقد مر ذكره في الحديث الذي قبل هذا.

    شرح حديث: (... لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن حميد عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتاً من قبر فقال: متى مات هذا؟ قالوا: مات في الجاهلية، فسر بذلك وقال: لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي فمر بقبر فسمع صوتاً، يعني: صوت المعذب في قبره، (فقال: متى كان هذا؟) قالوا: في الجاهلية، يعني: هذا القبر كان في الجاهلية، (فسر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام)، يعني: أنه ما كان من المؤمنين، لم يكن مؤمناً يعذب في قبره، وإنما كان كافراً مات في الجاهلية، ويعذب في قبره، وهو كافر، وعذاب القبر يكون للكفار ويكون لمن شاء الله عز وجل من أهل المعاصي، والحديث هذا يدل على عذاب الكفار، وحديث عذاب آل فرعون، والآية التي تدل على عذاب آل فرعون هي للكفار، والحديث الذي فيه ذكر الذين يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله، فهؤلاء يعذبون بالمعاصي، مسلمون يعذبون بسبب المعاصي، فعذاب القبر يكون سببه الكفر ويكون سببه المعاصي، فهو للكفار، ولمن شاء الله تعالى من المؤمنين المذنبين الذين لم يشأ الله عز وجل أن يغفر لهم، بل شاء أن يعذبهم على ما حصل منهم، ولكن كما عرفنا دائماً وأبداً، وكما نذكره أن مذهب أهل السنة والجماعة أن من مات على التوحيد، فإنه إذا شاء الله عذابه، فإنه لا بد أن ينتهي عذابه، ولا بد أن يخرج من النار إذا دخلها، ويدخل الجنة بعد ذلك، فمآله إلى الجنة ولا بد، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهل النار والذين لا سبيل لهم للخروج من النار أبداً، أما المؤمنون الذين عندهم معاص، فإن هؤلاء إذا شاء الله عذابهم، فإنهم يعذبون الفترة التي شاء الله عز وجل أن يعذبوها، ثم إنهم يخلصون من العذاب، ويخرجون من النار، ويدخلون الجنة.
    فالرسول عليه الصلاة والسلام، لما ذكر له أن هذا في الجاهلية سر، يعني: سر إذ لم يكن مؤمناً يعذب، وإنما كان كافراً يعذب على كفره، ففيه: إثبات عذاب القبر، وأنه حق، وأنه يكون للكفار، وجاء في بعض الأحاديث أنه يكون للمسلمين العصاة، كما في حديث صاحبي القبرين المعذبين في عدم الاستبراء من البول، وفي المشي بالنميمة.
    ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فسمع صوتاً) والناس ما سمعوا، لكن الله تعالى أسمعه، ولم يسمع الناس، والله على كل شيء قدير، يعني: أشخاص مع بعض واحد يسمع هذا الذي هو أمر مغيب وجماعة لا يسمعون، والله تعالى من حكمته أن أخفى على الناس عذاب القبر، ولو ظهر للناس عذاب القبر ما يتميز المؤمن وغير المؤمن؛ لأن الناس كلهم يصيبهم الهلع، ولا يتميز من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب، لكن الله تعالى أخفى عذاب القبر وأخبر به، فالمؤمن مصدق يؤمن به، ولو لم يسمع ولو لم يشاهد، فعذاب القبر حق، لو فتح القبر، وما رأى عذاباً يعلم بأن العذاب موجود ولو ما رآه، وكذلك العذاب يجري في القبر، ويحصل الصراخ والصياح، ومع ذلك الله تعالى لم يسمع الناس، وقد جاء في بعض الأحاديث أن الإنسان في قبره يصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا البهائم، يسمعها كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس؛ لأنهم مكلفون فشاء الله عز وجل أن يخفي عنهم هذا الذي يجري في القبور، والرسول صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على ذلك، وأسمعه إياه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر) يعني: يسمعهم الأصوات التي تحصل بسبب العذاب، وفي بعض الأحاديث: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)؛ لأن الله تعالى أسمعه، ولم يسمعهم لحكمة وهي أنه يتميز من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب؛ لأن إخبار الناس بأخبار لم يشاهدوها ولم يعاينوها يتميز به من يؤمن، ومن لا يؤمن، لكن لو ظهر للناس العذاب، وهذه الأمور المخبأة، والأمور المخفاة عليهم لم تحصل الحكمة، وما حصل تمييز من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب، ومن المعلوم أنه إذا حصل تألم وتأثر بحضرة أحد من الناس، فإنه لا يرتاح، ولا يهدأ له بال، لو كان هناك مريض يتألم ويحصل تململ وصياح فالذين حوله لا يستريحون، ولا يقر لهم قرار، ولا يهدأ لهم بال، بسبب ما يسمعونه من شدة المرض الذي يحصل للإنسان، فلذلك الله تعالى أخفى عذاب القبر، وهذه أمور دنيوية إذا شاهدوها يحصل لهم ما يحصل من التألم والتأثر، فكيف لو سمعوا ما يجري في القبور من العذاب، والصراخ، والصياح الذي يكون بسبب العذاب، العذاب الذي يكون في القبر (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر) المراد بذلك أنهم يصيبهم الهلع والذعر، بل قد يموتون، ويحصل لهم الهزال الذي لا يستطيعون أن يدفن بعضهم بعضاً، وعذاب القبر كما هو معلوم يكون لمن يستحقه، دفن أو لم يدفن، قبر أو لم يقبر، لكن ذكر عذاب القبر لأن غالب الناس يقبرون، لكن من الناس من لا يقبر، منهم من تأكله السباع، ومنهم من يحترق في النار، ويطير في الهواء، ومنهم من يغرق، وتأكله الحيتان، فمن يستحق العذاب يأتي إليه العذاب ولو لم يقبر، والله تعالى على كل شيء قدير، فليست القضية خاصة بمن يدفن، والإنسان الذي لا يدفن لا يصل إليه عذاب القبر، لا، بل عذاب القبر يصل إلى من يستحقه، قبر أو لم يقبر، لكن المقصود من قوله: (لولا ألا تدافنوا) معناه أنه يصيبهم الهلع والذعر، ويحصل الهلاك والشدة التي لا تجعل الناس يستطيعون أن يدفن بعضهم بعضاً، (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر) وجاء في بعض الأحاديث (أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، والله تعالى على كل شيء قدير، أسمع نبيه، ولم يسمع من كان مع نبيه عليه الصلاة والسلام، والبهائم كانت تسمع، وجاء في الأحاديث أنها تسمع، وأنها يحصل منها اضطراب عندما تسمع ما يجري في القبور، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، أنهم كانوا في الشام إذا أصاب الخيل احتباس البطون، يمرون بها من عند قبور الكفار الذين ماتوا فيحصل لها ما يحصل بما تسمع، فتنطلق بطونها بعد أن كانت محتبسة البطون، فإنه يحصل لها انطلاق، واستطلاق لبطونها بسبب ذلك؛ لأن الله تعالى يسمعها ما يجري في القبور، وقد جاء في الحديث أنه يصيح صيحة تسمعها كل شيء إلا الثقلين، ولو سمعها الإنسان لصعق.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر)


    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو سويد بن نصر المروزي لقبه الشاه، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك المروزي، وإذا جاء سويد بن نصر يروي عن عبد الله غير منسوب فهو عبد الله بن المبارك، وهذا المهمل أيضاً مثلما مر في محمد بن جعفر الذي يروي عن شعبة غير منسوب، وهذا عبد الله غير منسوب فهو مهمل، وإذا جاء سويد بن نصر يروي عن عبد الله، فـعبد الله هو ابن المبارك المروزي، فكلما جاء سويد بن نصر يروي عن عبد الله ولم يذكر اسم عبد الله فالمراد به عبد الله بن المبارك المروزي؛ لأنه راويته، يعني: هو الذي يأخذ الحديث عنه، ويتلقى عنه؛ ولهذا يهمله ولا يحتاج إلى أن ينسبه لأنه مشهور، ومعروف بالرواية عنه، عبد الله بن المبارك المروزي ثقة ثبت، وصفه الحافظ ابن حجر في التقريب بصفات عديدة فقال: جواد، مجاهد، عابد، جمعت فهي خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد].
    هو حميد بن أبي حميد الطويل البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، خدمه عشر سنوات منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله عز وجل وهو يخدمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ومن أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا الحديث يرويه سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك وهما مروزيان، وحميد بن أبي حميد الطويل عن أنس وهما بصريان، وإسناد هذا الحديث رباعي، ومن الأسانيد الرباعية التي هي أعلى ما يكون عند النسائي؛ لأن أعلى ما يكون عند النسائي الرباعيات، يكون بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، وأطول ما يكون عنده التساعي، يعني: تسعة رجال تسعة أشخاص، وقد مر بنا الإسناد التساعي في حديث فضل: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )[الإخلاص:1]، وفي إسناده تسعة رجال، قال النسائي: وهذا أطول إسناد.

    وأصحاب الكتب الستة ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، وثلاثة أعلى ما عندهم الرباعيات، فـالبخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً في صحيحه فبين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها ثلاثة أشخاص الصحابي والتابعي وتابع التابعي، والترمذي عنده حديث واحد، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية بإسناد واحد، وهو إسناد ضعيف، أما مسلم، وأبو داود، والنسائي فهؤلاء ليس عندهم ثلاثيات، وأعلى ما عندهم الرباعيات، والحديث الذي معنا هو حديث سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن حميد بن أبي حميد الطويل عن أنس بن مالك هذا من هذه الأسانيد العالية عند النسائي.

    شرح حديث: (خرج رسول الله بعدما غربت الشمس فسمع صوتاً فقال: يهود تعذب في قبورها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن شعبة أخبرني عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن البراء بن عازب عن أبي أيوب قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما غربت الشمس فسمع صوتاً، فقال: يهود تعذب في قبورها)].ثم أورد النسائي حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بعد ما غربت الشمس فسمع صوتاً، فقال: يهود تعذب في قبورها)، يعني: اليهود الذين ماتوا من قبل، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت العذاب الذي يحصل لهم، سمع أصواتهم وهم يعذبون، وأصحابه الذين معه ما كانوا يسمعون، وهذا من كمال قدرة الله عز وجل يسمع من شاء، ويخفي ذلك عمن يشاء، وكلهم في مكان واحد يسمع الرسول صلى الله عليه وسلم وهم لم يسمعوا، أسمع الله نبيه ولم يسمعهم، وذلك لحكمة كما أشرت إلى ذلك من قبل، فقال عليه الصلاة والسلام: (يهود تعذب في قبورها) يعني: هذا الصوت صوت المعذبين في القبور من اليهود الذين كانوا في هذه القبور، فالحديث دال على إثبات عذاب القبر، وأنه حق، وأنه يعذب الكفار في قبورهم لأن اليهود في الحديث هم الذين يعذبون فهو عذاب كفار.


    تراجم رجال إسناد حديث: (خرج رسول الله بعدما غربت الشمس فسمع صوتاً فقال: يهود تعذب في قبورها)


    قوله: [حدثنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة مأمون سني، حديثه أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا يحيى].
    هو ابن سعيد القطان وهو ثقة ثبت، محدث ناقد، من أئمة الجرح والتعديل، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو ابن الحجاج وقد تقدم ذكره قريباً.
    [أخبرني عون بن أبي جحيفة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو وهب بن عبد الله السوائي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه.
    [عن البراء بن عازب].
    وقد مر ذكره.
    والبراء بن عازب يروي عن أبي أيوب الأنصاري، وأبو أيوب الأنصاري هو خالد بن زيد الأنصاري من كبار الصحابة، وهو صحابي مشهور رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو الذي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره لما قدم المدينة أول ما قدمها، فـأبو أيوب صحابي مشهور، والحديث فيه ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض: وهب بن عبد الله السوائي أبو جحيفة يروي عن البراء بن عازب والبراء بن عازب يروي عن أبي أيوب الأنصاري، فالإسناد فيه ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض.
    فالصحابة الثلاثة كلهم أخرج حديثهم أصحاب الكتب الستة.



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •