تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 17 من 26 الأولىالأولى ... 7891011121314151617181920212223242526 الأخيرةالأخيرة
النتائج 321 إلى 340 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #321
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب قيام الليل وتطوع النهار)
    (318)

    كتاب قيام الليل وتطوع النهار
    - باب ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة، والاختلاف على إسماعيل بن أبي خالد فيه [3]


    من الأعمال الفاضلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة، فقد ثبت أن ثوابها بيت في الجنة، وهي ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر واثنتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.

    تابع ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة وذكر الاختلاف على إسماعيل بن أبي خالد فيه


    شرح حديث: (من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة..) من طريق رابعة عشرة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [في باب ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة. قال في الاختلاف على إسماعيل بن أبي خالد. أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا وهب أخبرنا خالد عن حصين عن المسيب بن رافع عن أبي صالح ذكوان حدثني عنبسة بن أبي سفيان: أن أم حبيبة رضي الله تعالى عنها حدثته أنه قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة)].
    فهذا الحديث من الأحاديث التي داخلة تحت الترجمة السابقة، وهي: ثواب من صلى أو من ثابر على ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة، وأن جزاءه أن الله تعالى يبني له بيتاً في الجنة، وقد أورد النسائي فيه حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها وأرضاها من طرق متعددة، مر جملة كبيرة من هذه الطرق، وسيأتي ذكر بعض هذه الطرق المتعلقة بهذا الموضوع، الذي هو ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة، وهو بألفاظ متقاربة، إلا أن في بعض الروايات السابقة ذكر تفصيلها، وفي أكثر الروايات عدم تفصيلها، بل ذكرها إجمالاً بدون تفصيل، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة بني له بيت في الجنة)، وهذا يدل على عظم الثواب والأجر لهذا العمل الذي يعمله الإنسان، وهو أن الله تعالى يبني له بيتاً في الجنة حيث يحافظ على صلاة ثنتي عشرة ركعة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة..) من طريق رابعة عشرة


    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].
    هو السجزي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا وهب].
    هو وهب بن بقية الواسطي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [أخبرنا خالد]
    هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حصين].
    هو حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن المسيب بن رافع].
    ثقة، أخرج حديثه أيضاً أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي صالح].
    وهو ذكوان السمان، اسمه ذكوان، وكنيته أبو صالح، ولقبه السمان أو الزيات، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ولكنه يأتي ذكره بالكنية كثيراً، وأحياناً يأتي ذكره بالاسم، وأحياناً يجمع بينهما كما هنا عن أبي صالح ذكوان.
    [حدثني عنبسة بن أبي سفيان].
    قيل: له رؤية، وقيل: بل هو ثقة من كبار التابعين، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أم حبيبة رملة].
    هي أم المؤمنين بنت أبي سفيان رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة ...) من طريق خامسة عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب حدثنا حماد عن عاصم عن أبي صالح عن أم حبيبة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى في يومٍ ثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة بنى الله له أو بني له بيت في الجنة)].ثم أورد النسائي حديث أم حبيبة من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها.
    قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب].
    هو يحيى بن حبيب بن عربي البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا حماد].
    هو ابن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهو غير منسوب، وقد ذكره في تحفة الأشراف بأنه ابن زيد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم].
    هو ابن بهدلة ابن أبي النجود ، وهو صدوق له أوهام، وحديثه في الصحيحين مقرون، وحديثه رمز له بأنه خرج له أصحاب الكتب الستة، وذكر أنه من رجال الكتب الستة؛ لأنه قد ورد فيه الأسانيد المتصلة مقروناً، وعرفنا أن هذه طريقة المزي، أنه إذا كان الرجل له رواية في الأسانيد المتصلة وليست المعلقة، ولو كان مقروناً بغيره، فإنه يرمز له برمز البخاري، وكذلك رمز مسلم، ولهذا رمز له بأنه من أصحاب الكتب الستة. وحديثه في الصحيحين مقرون، أي: أنه مقرون مع غيره لم يذكر استقلالاً، ولكنه جاء ذكره في الأسانيد المتصلة مقروناً بغيره، وهو عاصم بن بهدلة بن أبي النجود ؛ لأن بهدلة كنيته أبو النجود، وهو صاحب القراءة المعروف المشهور، وهو أحد القراء.
    [عن أبي صالح عن أم حبيبة].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث: (من صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة ...) من طريق سادسة عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن المثنى عن سويد بن عمرو حدثني حماد عن عاصم عن أبي صالح عن أم حبيبة رضي الله تعالى عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى ثنتي عشرة ركعةً في يومٍ وليلة بنى الله له بيتاً في الجنة)].ثم أورد النسائي حديث أم حبيبة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا علي بن المثنى].
    مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سويد بن عمرو].
    قال عنه الحافظ : العابد ثقة، أفحش ابن حبان في الكلام فيه، ولم يأت بدليل. وحديثه أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثني حماد].
    هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة عابد، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهنا غير منسوب كالذي قبله، إلا إن الأول حماد بن زيد، والثاني: حماد بن سلمة، وقد ذكر ذلك في «تحفة الأشراف»: بأن كل منهما روى عن عاصم، وأن الأول هو ابن زيد، والثاني هو ابن سلمة.
    [عن عاصم عن أبي صالح عن أم حبيبة].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة ...) من طريق سابعة عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا إسحاق حدثنا النضر حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي صالح عن أم حبيبة رضي الله تعالى عنها قالت: (من صلى في يومٍ اثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة)].ثم أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].
    هو : السجزي الذي مر ذكره قريباً، وهو ثقة، حافظ، حديثه عند النسائي وحده.
    [حدثنا إسحاق].
    هو : ابن راهويه، إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، المشهور بـابن راهويه الحنظلي، ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وكثيراً ما يروي عنه النسائي مباشرةً وبدون واسطة، ولكنه يروي عنه أحياناً بواسطة كما هنا، فإنه روى عنه بواسطة زكريا بن يحيى .
    [حدثنا النضر].
    هو : النضر بن شميل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد بن سلمة].
    حماد بن سلمة، وقد مر ذكره.
    [عن عاصم عن أبي صالح عن أم حبيبة].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة ...) من طريق ثامنة عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا محمد بن سليمان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى في يومٍ ثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة بنى الله له بيتاً في الجنة)، قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، ومحمد بن سليمان ضعيف، وهو ابن الأصبهاني، وقد روي هذا الحديث من أوجه سوى هذا الوجه بغير اللفظ الذي تقدم ذكره].أورد النسائي الحديث من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله، مثل حديث أم حبيبة الذي جاء من طرق عديدة، يعني مثله: (من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة بنى الله له بيتاً في الجنة).
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].
    هو المخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا يحيى بن إسحاق].
    هو البصري، صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا محمد بن سليمان].
    هو ابن الأصبهاني، وهو صدوق يخطئ، أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن سهيل بن أبي صالح].
    أبوه أبو صالح السمان ذكوان، وسهيل قد مر بنا ذكره، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا أن البخاري روى له مقروناً وتعليقاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    أبوه أبو صالح، وقد مر ذكره.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، فإن السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام، أكثرهم أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وأبو هريرة رضي الله عنه إنما كان أكثر الصحابة حديثاً مع أنه أسلم متأخراً؛ لأن هناك عدة أسباب جعلت حديثه يكون كثيراً، منها: أن أبا هريرة رضي الله عنه كان ملازماً النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مسكين وفقير، وكان يلازمه ويشاركه في طعامه ويسمع حديثه، فكان يروي عنه الشيء الكثير الذي لم يروه عنه من ليس كذلك؛ لأنه ملازم له في جميع أحواله؛ ولهذا كان يصحبه ويرافقه، وغيره من الصحابة من يشتغل بتجارته، ومنهم من يشتغل بزراعته، ومنهم من يشتغل برعيه لمواشيه وما إلى ذلك، فكانوا يشتغلون بأعمالهم ويحضرون، وقد جاء أنهم كانوا يتناوبون على رعاية الإبل من أجل أن يحضر من لم تأت نوبته مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمع حديثه، كما جاء في حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، قال: كنا نتناوب رعاية الإبل، فلما جاءت نوبتي، يعني: اليوم الذي فيه يرعى الإبل، رجع مبكراً، أرجعاها العشي، يعني جاء مبكراً حتى يحضر وقتاً من مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، فالحاصل أنهم كانوا يتناوبون، يعني: يجمعون الإبل، وكل واحد يرعاها يوم، بدل ما كل واحد يرعى إبله، فمثلاً هذا عنده خمس، وهذا عنده خمس، وهذا عنده خمس مثلاً، فكل يرعى ما عنده، يجمعونها وتصير إبل مع بعض، فيرعاها كل واحد يوم، وإذا جاءت نوبته ذهب وغيره كان جالساً يحضر حديث مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـأبو هريرة رضي الله عنه ما كان عنده اشتغال بشيء من الأعمال، بل كان ملازماً للنبي عليه الصلاة والسلام، فهذا من أسباب كثرة حديثه.
    ومن أسباب كثرة حديثه ما جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له بالحفظ، فكان يحفظ ما يسمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأمر ثالث وهو أن أبا هريرة كان في المدينة، ساكناً في المدينة، وقد عمر وعاش بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم مدة طويلة، والمدينة يقصدها الناس، يأتون إليها، وعندما يأتون المدينة يأتون إلى من كان فيها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعون منه، فيأخذون منه ويعطونه، فكان بهذا كثر حديثه رضي الله عنه وأرضاه، وكان أكثر السبعة المعروفين بكثرة الحديث، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة ستة رجال وامرأة واحدة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. والنسائي قال بعده: إن هذا خطأ، ومحمد بن سليمان هو ابن الأصبهاني قال: ضعيف. ووجه الخطأ لعله من جهة أنه خالف الذين رووه عن أم حبيبة، وأنه رواه من طريق أبي صالح عن أبي هريرة، مع أن الطرق المتعددة التي جاءت عن طريق أبي صالح هي عن أم حبيبة، لكن لا يمنع، فقد يكون الحديث مروياً لـأبي صالح من طريقين: من طريق أم حبيبة، ومن طريق أبي هريرة رضي الله تعالى عن الجميع.
    ثم قال: إن الحديث روي على غير هذا الوجه، وبغير اللفظ المتقدم؛ لأنه لما ذكر الطرق المتقدمة التي فيها ذكر ثنتي عشرة ركعة عن أم حبيبة، وختمها بهذه الطريق التي عن أبي هريرة، وقال: إنها خطأ، وكلها تتعلق بأن من حافظ على ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة بنى الله له بيتاً في الجنة.
    بعد ذلك قال: إنه قد روي الحديث من طرق بغير اللفظ المتقدم، يعني: بغير ذكر ثنتي عشرة ركعة، بل جاء بألفاظ أخرى ليس فيه ذكر ثنتي عشرة ركعة، وإنما فيه ذكر أربع قبل الظهر، وأربع بعدها، يعني بألفاظ غير الألفاظ المتقدمة، يعني الأحاديث التي ستأتي هي تتعلق بذكر ألفاظ ليست مثل اللفظ المتقدم، ليس فيها ذكر العدد الذي جاء في الطرق الكثيرة الماضية، ولا يمنع أن يكون حديثين، يعني الحديث الذي فيه ثنتي عشرة ركعة على بابه، والحديث الذي فيه أربع ركعات قبل الظهر، وأربعٌ بعدها، يكون على بابه، فكل منهما يعني يعتبر حديثاً مستقلاً، ولا يقال: إن واحداً منهما صواب والثاني خطأ، بل كل منهما صواب، الرسول جاء عنه ذكر هذا عن أم حبيبة، وجاء عنه ذكر ألفاظ أخرى ليس فيها ذكر العدد، ولكن فيها ذكر عدد ركعات معينة في أوقات معينة، من أتى بها فإن الله تعالى يبني له بيتاً في الجنة، أو يحرمه على النار كما سيأتي في الألفاظ، ثم بدأ بذكر الألفاظ بعد أن أشار إلى أنه روي على غير الوجوه المتقدمة، أو على غير الوجه المتقدم بألفاظ أخرى، شرع في ذكر هذه الألفاظ.

    شرح حديث: (من ركع أربع ركعات قبل الظهر، وأربعاً بعدها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني يزيد بن محمد بن عبد الصمد حدثنا هشام العطار حدثني إسماعيل بن عبد الله بن سماعة عن موسى بن أعين عن أبي عمرو الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: (لما نزل بـعنبسة جعل يتضور، فقيل له: فقال: أما إني سمعت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من ركع أربع ركعات قبل الظهر، وأربعاً بعدها حرم الله عز وجل لحمه على النار، فما تركتهن منذ سمعتهن)].ذكر حديث أم حبيبة رضي الله عنها من طريق أخرى، وبلفظ غير الألفاظ السابقة، وهو يتعلق بصلاة أربع قبل الظهر، وأربع بعدها، وأن من حافظ عليها لم تمسه النار، فهو يعتبر حديثاً مستقلاً، وقد مر أن يعلى بن أمية الصحابي زار عنبسة بن أبي سفيان وهو في الموت، فجعل يتألم، فقال له: إنك على خير، ثم قال: حدثتني أختي أم حبيبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حافظ على ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة بنى الله له بيتاً في الجنة)، وهذا الحديث فيه أن حسان بن عطية يقول: لما نُزل به، أي: نزل به الموت بـعنبسة بن أبي سفيان، جعل يتضور، يعني: يتألم ويتقلب، فقيل له في ذلك مثل ما قال يعلى بن أمية رضي الله عنه فيما مضى، فقال: إنني سمعت أختي أم حبيبة تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ركع أربع ركعاتٍ قبل الظهر وأربعاً بعدها حرم الله عز وجل لحمه على النار، فما تركتهن منذ سمعتهن).
    يعني: منذ سمعت هذا الحديث الذي فيه ذكر هذه الصلوات، فإنه ما تركهن، فهو يرجو أن يحرم الله لحمه على النار، يرجو أن يحصل على ذلك الثواب الذي أخبر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حق من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها، وهذا يدلنا على استحباب أربع بعد الظهر، وقد جاء في بعض الطرق أن السنن الرواتب التي جاءت في حديث عائشة وغيرها، أربع قبل الظهر واثنتان بعدها، وجاء في هذا الحديث وغيره: أنها أربع بعد الظهر، وعلى هذا فيكون إن أتى باثنتين فهو على خير، وإن أتى بأربع فهي أفضل كما جاء في هذا الحديث فهو أكمل وأفضل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من ركع أربع ركعات قبل الظهر، وأربعاً بعدها ...)


    قوله: [أخبرني يزيد بن محمد بن عبد الصمد].
    هو يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا هشام العطار].
    هو هشام بن إسماعيل العطار، وهو ثقة، فقيه، عابد، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثني إسماعيل بن عبد الله بن سماعة].
    ثقة، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن موسى بن أعين].
    هو موسى بن أعين الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن أبي عمرو الأوزاعي].
    هو أبو عمرو الأوزاعي الدمشقي، ذكره هنا بكنيته ونسبته، واسمه عبد الرحمن وأبوه عمرو، فكنيته توافق اسم أبيه، أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو، وقد عرفنا فيما مضى أن من أنواع علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع: ألا يظن التصحيف فيما لو جاء في بعض الأسانيد: أخبرنا عبد الرحمن أبو عمرو، فإن من لا يعرف كنيته أبو عمرو، قد يظن أن (ابن) الذي هو ابن عمرو تصحفت إلى (أبو)، مع أن الكل صحيح، إن قيل: عبد الرحمن بن عمرو فهو صحيح؛ لأن أباه عمرو، وإن قيل: عبد الرحمن أبو عمرو هو صحيح؛ لأن كنيته أبو عمرو، وهو ثقة فقيه، وفقيه الشام ومحدثها في زمانه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حسان بن عطية].
    هو حسان بن عطية الدمشقي أيضاً، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عنبسة عن أم حبيبة].
    وقد مر ذكرهما.


    الأسئلة

    صلاة المسافر خلف المقيم

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله! إذا صلى مسافر مع الإمام في الركعة الأخيرة، ثم قام ليتم ما فاته من الركعات، هل له أن يصلي بإتمام أم يقصر؟

    الجواب: إذا كان مسافر صلى وراء مقيم، ولو لم يدرك إلا التشهد، ما دام أنه دخل في الصلاة مع مقيم، فعليه أن يصلي صلاة المقيم، ولو لم يدرك من الصلاة إلا ركعة، أو حتى لو لم يدرك الركعة، وإنما أدرك الصلاة قبل أن يسلم الإمام ودخل، فإنه يصلي صلاة المقيم.

    مدى صحة تفسير استواء الله بالجلوس

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله! هل ثبت في رواية صحيحة أن من معاني الاستواء في حق الله تعالى الجلوس؟


    الجواب: المعروف عن السلف عبارات أربع فقط، وهي: ارتفع، وعلا، واستقر، وصعد، هذه الأربع التي وردت عن السلف، وجلس وغيرها ما نعلم وروده.

    حكم وصف الله بالملل

    السؤال: هل من صفات الله عز وجل الملل؟


    الجواب: لا، الملل ليس من صفات الله، والله تعالى لا يمل، والملل كما هو معلوم صفة نقص، والله عز وجل منزه عن النقص، والحديث الذي في الصحيحين: (إن الله لا يمل حتى تملوا)، ليس فيه إثبات الملل لله عز وجل، وإنما فيه أنهم ولو ملوا فإنه لا يمل، يعني: (إن الله لا يمل حتى تملوا)، يعني: حتى أن تملوا فهو لا يمل، وليس معنى ذلك أنه يمل إذا ملوا.

    علاج أمراض القلب

    السؤال: فضيلة الشيخ! ذكر العلماء أن مرض القلب نوعان: مرض شبهة، ومرض شهوة، فما دواؤهما؟


    الجواب: أمراض القلوب هي صنفان: مرض شهوة، ومرض شبهة، أما مرض الشهوة فهو: الرغبة في المعاصي، والميل للمعاصي، ومن ذلك قول الله عز وجل: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32]، يعني: الذي عنده ميل إلى المعاصي، يعني هذا مرض الشهوة، ودواء هذا المرض كون الإنسان يراقب الله عز وجل ويخشاه، ويتذكر الوعيد في المعصية التي يفكر بها، والتي تميل إليها نفسه، يتذكر ما يترتب عليها من المفاسد في الدنيا والآخرة، ويتذكر قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، فالطريق إلى النار محفوف بالشهوات؛ لأن الإنسان إذا أرخى لنفسه العنان، وأقدم على الشهوات، وما تميل إليه نفسه، فإذا كان ذلك الذي تميل إليه حراماً، فإن هذا يفضي به إلى النار، فإنه بينه وبين النار تلك الشهوات إذا أقبل عليها، وتورط فيها، فإنها تؤدي به إلى النار، وتفضي به إلى النار.
    وأما الجنة فإنها بالعكس حفت بالمكاره؛ لأن الطريق إلى الجنة فيه تعب، ولهذا يحتاج إلى صبر على طاعة الله؛ لأن الصبر صبر على طاعة الله، وصبر عن معاصي الله، فيصبر على طاعة الله ولو شقت على النفوس؛ لأن العاقبة حميدة، ويصبر عن المعاصي ولو مالت إليها النفوس؛ لأن العاقبة تكون وخيمة، فقوله عليه الصلاة والسلام: (حفت الجنة بالمكاره)، معنى هذا: أن الإنسان إذا أمر بأمر فإنه يقدم عليه ولو كان شاقاً عليه، مثل كون الإنسان يتوضأ في البرد، ويستعمل الماء البارد، ويخرج إلى المسجد مع شدة البرد، وفي الظلماء، هذه أمور فيها مشقة، ولكن من صبر على الطاعة ولو كانت شاقة، فإنه يؤدي ذلك إلى الجنة، وعلى العكس من ذلك الشهوات، من أرخى لنفسه العنان فيها، فإنها تفضي به إلى النار، إذاً: هذا هو مرض الشهوة، وهذا علاجه بأن يخشى الله عز وجل، ويراقبه، ويتذكر عقوبته، ويبتعد عن الأعمال، أو فعل الأمور التي تفضي به إلى تلك العاقبة الوخيمة التي هي دخول النار والعياذ بالله؛ لأن النار حفت بالشهوات.
    أما مرض الشبهة فهو: الذي يكون على القلوب من الشبه، مثل ما جاء في القرآن وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة:125]، في قلوبهم مرض، يعني شبه ونفاق وما إلى ذلك، هذا مرض الشبهة، مرض الشبه مثل البدع؛ لأن البدع هي من مرض الشبهات، وأما المعاصي فهي من أمراض الشهوات، وعلاج ذلك أن يلازم السنة، وأن يحرص على معرفة الحق بدليله، وأن يعول فيما يأتي ويذر على ما تأتي به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يتبع الهوى، ولا يتبع من هو ضال عن الطريق، وإنما يتبع ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة)، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، فهو يحرص على اتباع السنن، ويحذر الوقوع في البدع، ومن ذلك أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟! قال: الجماعة)، وفي بعض الروايات: (من كان على ما أنا عليه وأصحابي)، فيحرص على معرفة الحق بدليله، ويسير على ما كان سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ويترك طرق الذين خرجوا عن الجادة، وحادوا عن الصراط المستقيم، ويترك الأهواء المضلة التي تنكب أصحابها الطريق المستقيم، ويعول على ما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا هو الذي فيه العصمة، وهذا هو الذي فيه السلامة وفيه النجاة؛ ولهذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار، وكلها تتعلق بالشبهات، وعلاج ذلك كما ذكرت معرفة الحق بالدليل، والسير على ما كان عليه سلف هذه الأمة، وقد قال مالك بن أنس رحمة الله عليه: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بمن صلح به أولها أي: لا يمكن للآخرين أن يصلحوا بشيء ما صلح به الأولون، ولا سبيل إلى الآخرين أن يصلحوا بشيء لم يصلح به أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل الذي صلح به أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يصلح به من بعدهم، ولهذا قال مالك أيضاً في رواية أخرى عنه: ما لم يكن ديناً في زمن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه لا يكون ديناً إلى قيام الساعة.
    إذاً فمرض الشبهة ومرض الشهوة هما من أمراض القلوب، أحدهما يتعلق بالمعاصي، والرغبة في المعاصي، والأمور التي تميل إليها النفوس، من حيث إشباع الرغبات ولو كانت بطريق محرم، وهذا مرض شهوة، والثاني مرض الشبهة، وهو الذي يتعلق بالانحراف عن الحق، وتأويل النصوص عما تدل عليه، وحملها على أمور لا تدل عليها، فإن هذه نتيجة مرض الشبهة، وقد عرفنا العلاج لكل من المرضين.

    حكم الشرع في المداومة على قنوت الفجر

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله، هل دعاء القنوت في صلاة الصبح بدعة؟


    الجواب: المداومة عليه خلاف السنة، وأما فعله في النوازل فإنه سنة، ولكنه لا يختص بالصبح، يمكن أن يكون في جميع الصلوات، فيرفع يديه، والناس يؤمنون.

    موضع ذكر (اللهم أعني على ذكرك...) قبل السلام أم بعده

    السؤال: هل ورد في الذكر الذي بعد السلام: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، في رواية صحيحة أم ضعيفة؟


    الجواب: ورد في حديث يقول: (دبر كل صلاة)، والدبر يحتمل أن يكون قبل السلام، أو أن يكون بعد السلام؛ لأن دبر الشيء يطلق على آخر الشيء، وعلى ما يلي آخر الشيء، وآخر الشيء هو ما يكون قبل السلام، وما يلي آخره ما يكون بعد السلام، وقد جاء في بعض الروايات ذكر الدبر في الصلاة، ويراد به ما بعد السلام، وهو كون الإنسان يسبح ثلاثاً وثلاثين دبر كل صلاة، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جاء أنها تقال دبر كل صلاة، ومن المعلوم أن المراد بهذا هو بعد السلام، وليس قبل السلام، فتأتي الدبر قبل السلام وبعد السلام، فكلمة دبر كل صلاة تحتمل هذا وتحتمل هذا، فإن أوتي بها قبل السلام فصحيح، وإن أتي بها بعد الصلاة فهو صحيح، وكله داخل تحت كلمة الدبر.

    أحكام المطلقة إذا انتهت عدتها وأراد زوجها الرجوع إليها

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله! طلق رجل زوجته وانقضت عدتها، فهل يلزم في هذه الحالة إذن الولي بإرجاعها؟ وماذا يجب إذا تم العقد بدون إذن الولي؟

    الجواب: إذا انتهت عدة المرأة المطلقة بانت من زوجها، ولم يكن له حق إرجاعها بالرجعة، ولكنه يمكن إرجاعها بالعقد، وأن يكون واحداً من الخطاب، ولابد من عقد ومهر، فيعتبر أجنبياً منها يتقدم لخطبتها كما يتقدم غيره، والأمر يتوقف على رضاها، والزواج لا بد أن يكون من ولي، لكن لا بد من إذنها ورضاها، والولي هو الذي يزوجها ويعقد لها. فبعد خروج العدة هي أجنبية ليس له أن يرجعها، وليست زوجة إذا خرجت من العدة. لكن يمكن أن يراجعها وهو حق من حقوقه قبل أن تخرج من العدة؛ لأنها ما دامت في العدة فهي زوجته إذا كان الطلاق رجعياً؛ ولهذا يتوارثان في عدة الطلاق الرجعي لو مات أحدهما؛ لأنها زوجة يمكن أن يرجعها بالقول أو بالفعل، ويمكن أن يبقى معها، وأن يبيت معها حتى تخرج من العدة، وإن جامعها فقد راجعها؛ لأنها تعتبر زوجة ما دامت في العدة وهي عدة الطلاق الرجعي، فإن خرجت من العدة صارت أجنبية، مثل حالتها قبل أن يتزوجها، يتقدم لخطبتها، ويعقد له وليها.

    المداومة على صلاة اثنتي عشرة ركعة سبب لنيل الثواب

    السؤال: يقول: هل من صلى في عمره اثنتي عشرة ركعة في اليوم يبنى له بيت واحد؟


    الجواب: الذي يبدو أن المقصود من ذلك المداومة والملازمة، ما هو الإنسان يفعل مرة واحدة ويترك.

    أخذ الحق وترك الباطل من كتب العلماء الذين عندهم أخطاء في العقيدة

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يستفاد من كتاب المعلم من فوائد مسلم للمازني، مع العلم أنه أشعري؟


    الجواب: الشخص في غير الخلل والنقص الذي حصل منهم، فأهل العلم الذين عندهم نقص في العقيدة، وعندهم خلل في العقيدة، يؤخذ الحق ويترك الباطل، يستفاد من كتبهم ما هو حق، وما هو صواب، ويترك ما فيها من باطل، وليس هذا يخص شخصاً معيناً، بل هم كثيرون، ولا يستغني طلبة العلم عن كثير من الكتب التي عند أصحابها خطأ في العقيدة ونقص في العقيدة.

    ضابط السنة التقريرية

    السؤال: فضيلة الشيخ! يذكر أحياناً أن فلاناً من الصحابة فعل كذا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه، فهل هذا تقرير صريح؟

    الجواب: نعم هذا هو التقرير الواضح، التقرير الواضح الذي هو ليس أوضح منه، أن يفعل بحضرته ويشاهده ويقره، وهذا ليس فيه إشكال، هذا هو التقرير، بل هناك شيء أكثر من هذا، وهو أنه إذا فعل في زمانه، ولم يأت ما يدل على منعه، فإنه يعتبر سنة، ولهذا جاء في الحديث: (كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن).

    أيهما أفضل في التابعين سعيد بن المسيب أم أويس القرني

    السؤال: يسأل فضيلة الشيخ! عن سعيد بن المسيب يقول: هل هو من كبار التابعين؟


    الجواب: نعم، من كبار التابعين، بل قال بعض العلماء: إنه خير التابعين كما سبق أن مر بنا في المصطلح عند ذكر التابعين وخيرهم، ومن العلماء من قال: إنه أويس القرني، ومنهم من قال: إنه سعيد بن المسيب، وسعيد بن المسيب قيل: إنه أفضل التابعين، وقيل: إن هذه الأفضلية إنما هي بالعلم، وأما أويس القرني فهو بالفضل الذي جاء فيه الحديث عن رسول الله علي الصلاة والسلام أنه قال: (إن خير التابعين رجلٌ يقال له: أويس).

    حكم مراسيل كبار التابعين

    السؤال: هل تقبل مراسيل كبار التابعين بدون ما يعضدها؟


    الجواب: بعض العلماء يقبلها، لكن المشهور عند المحدثين أن المراسيل هي من قبيل المنقطع.

    حكم ملازمة الدعاء قبل الفريضة بأن يعينه الله على أدائها

    السؤال: هل دعاء الإنسان قبل كل فريضة سواء بين الأذانين أو قبل ذلك، بأن يعينه على أداء الفريضة القادمة على الوجه الذي يرضيه والمداومة على ذلك فيه شيء؟

    الجواب: ما أعلم فيه شيء يدل عليه، لكن كون الإنسان يسأل الله عز وجل أن يوفقه لفعل الطاعات، وأن يأتي بذلك على الوجه الأكمل دائماً وأبداً، هذا هو الذي ينبغي، لكن كونه يشرع له أن يأتي بهذا الدعاء قبل كل صلاة، أي: أنه يلازم عليه، ما نعلم شيء يدل عليه، ومثل ذلك لا يكون إلا عن توقيف، لكن كون الإنسان يسأل الله عز وجل أن يعينه على فعل الطاعات، وأن يمكنه من أن يأتي بها على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، هذا شيء طيب، وأما ملازمته، وأنه يقول: أن هذا شيء يلازم أو ما إلى ذلك، هذا يحتاج إلى دليل.





  2. #322
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب قيام الليل وتطوع النهار)
    (319)

    كتاب قيام الليل وتطوع النهار
    - باب ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة، والاختلاف على إسماعيل بن أبي خالد فيه [4]



    قدر الله عز وجل لعباده أقداراً، وأجل لهم آجالاً، فلن تموت نفس حتى يأتيها أجلها، ولا يجوز لإنسان أن يتمنى الموت لضر نزل به، أو لأمر أخروي؛ لأنه لا يعلم أيهما خير له: الموت أم الحياة، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي.

    تابع ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة، والاختلاف على إسماعيل بن أبي خالد فيه


    شرح حديث: (ما من عبد مؤمن يصلي أربع ركعاتٍ بعد الظهر ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة، وذكر اختلاف الناقدين فيه لخبر أم حبيبة، والاختلاف على إسماعيل بن أبي خالد.أخبرنا هلال بن العلاء بن هلال حدثنا أبي حدثنا عبيد الله عن زيد بن أبي أنيسة حدثني أيوب رجلٌ من أهل الشام، عن القاسم الدمشقي عن عنبسة بن أبي سفيان، قال: أخبرتني أختي أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن حبيبها أبا القاسم صلى الله عليه وسلم أخبرها قال: (ما من عبد مؤمن يصلي أربع ركعاتٍ بعد الظهر فتمس وجهه النار أبداً إن شاء الله عز وجل)].
    فقد تقدم في الدروس الماضية في ترجمة ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة، وذلك من حديث أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها من طرق عديدة، مرت تلك الطرق، وبعد الانتهاء منها ذكر الحديث من طرق أخرى، ولكنه بألفاظ أخرى غير الألفاظ التي تقدم ذكرها، وللتنصيص على ثنتي عشرة ركعة، ذكر شيئاً يخص الصلاة قبل الظهر والصلاة بعد الظهر، وهي السنن التي تكون قبل الظهر وبعدها، أي: أن في ذلك ثواباً عظيماً، وأجراً جزيلاً من الله عز وجل، وعلى هذا فإن هذا الذي جاء في الترجمة يعني: الذي هو ثواب من صلى ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة، لا ينطبق على هذه الأحاديث، ولكن لما كانت الأحاديث جاءت عن أم حبيبة رضي الله عنها وأرضاها، وفي بعضها أن عنبسة بن أبي سفيان يعني روى ذلك، وأنه قيل له في مرض الموت ما قيل، وقال: إن أخته أم حبيبة حدثته بكذا، وروى حديث ثنتي عشرة ركعة، وروى أيضاً حديث أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها، ناسب أن يذكر النسائي بعد تلك الأحاديث هذه الأحاديث عن أم حبيبة التي جاءت بألفاظ أخر، وهي تتعلق بالنوافل قبل صلاة الظهر، وبعد صلاة الظهر، وأن فيها ثواباً عظيماً وأجراً جزيلاً، وقد مر في الدرس الماضي طريق من تلك الطرق التي هي من حديث أم حبيبة المتعلق بأربع ركعات قبل الظهر، وأربع ركعاتٍ بعدها، وأن النار لا تمس لحمه إذا صلى هذه الصلوات وداوم عليها.
    ثم أورد النسائي طريق أخرى، وهي هذه الطريق عن أم حبيبة رضي الله عنها، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من صلى بعد الظهر أربعاً لم تمسه النار أبداً إن شاء الله عز وجل)، وهذا خاص بما كان بعد الظهر، وليس فيه ذكر لما كان قبل الظهر، وإنما هو خاص بما كان بعد الظهر، وأن من صلى بعد الظهر أربع ركعات، فإن هذا ثوابه، وهذا جزاؤه، ومن المعلوم أن المقصود من ذلك الذي يداوم عليها، وليس أن يصلي مرةً واحدة ثم يترك، وإنما هذا الثواب لمن حرص على هذه السنن وداوم عليها.
    وقوله: (فتمس وجهه النار أبداً إن شاء الله عز وجل)، قوله: (إن شاء الله)، ليس ذلك تعليقاً وإنما هو تحقيق، وهو من جنس قوله: (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله)، ومن جنس قوله في زيارة القبور: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)، فإن هذه أمور محققة، وأمور واقعة، ولكن يؤتى بذكر إن شاء الله تحقيقاً وليس تعليقاً على أنه يمكن أن يحصل، ويمكن ألا يحصل، بل هذا وعد من الله عز وجل، ومن أتى بذلك على وفق ما أمر به، فإن هذا هو الوعد الذي وعد الله عز وجل به، والثواب الذي وعد به من عمل هذا العمل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما من عبد مؤمن يصلي أربع ركعاتٍ بعد الظهر ...) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا هلال بن العلاء بن هلال].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبي].
    هو العلاء بن هلال، وهو فيه لين، يعني: فيه ضعف، وهو تضعيف يسير إذا قيل: فيه لين.
    أخرج حديثه النسائي وحده.
    يعني يقول الحافظ ابن حجر في اصطلاحه أن مقبول هو من اعتضد وإلا فلين الحديث، يعني مع أنه أقل من المقبول، لكن الحديث كما هو واضح جاء من طرق أخرى صحيحة، فهو ثابت عن أم سلمة من طرق متعددة، فيكون هذا من جنسها؛ لأنه لم يأت بشيء جديد، ولم يأت بشيء يستقل به، وإنما نفس الحديث جاء من طرق متعددة، وكلها فيها ثبوت هذا الأجر، وهو أن من صلى أربعاً وأربعاً بعدها، فإن جزاءه أن النار لا تمسه.
    [حدثنا عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمرو الرقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد بن أبي أنيسة].
    هو زيد بن أبي أنيسة الجزري، وهو ثقة له أفراد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أيوب رجلٌ من أهل الشام].
    أيوب رجلٌ من أهل الشام، يروي عن القاسم بن عبد الرحمن الدمشقي، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن القاسم الدمشقي].
    هو القاسم بن عبد الرحمن الدمشقي، وهو صدوق يغرب كثيراً.
    أخرج له البخاري في الأدب وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عنبسة].
    هو عنبسة بن أبي سفيان، وقيل: إن له رؤية، وقيل: إنه من ثقات التابعين، ومن كبار التابعين، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    يروي عن أخته أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، رملة بنت أبي سفيان، اسمها رملة وكنيتها أم حبيبة، مشهورة بكنيتها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (من صلى أربع ركعات قبل الظهر وأربعاً بعدها ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن ناصح حدثنا مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (من صلى أربع ركعات قبل الظهر، وأربعاً بعدها، حرمه الله عز وجل على النار)].أورد النسائي حديث أم حبيبة من طريق أخرى، وهو مثل الطريق التي قبل المتقدمة، وهي الطريق الأولى من الطرق المتعلقة لهذا الموضوع، وهو (من صلى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها، حرمه الله على النار)، وهي مثل الطريق الأولى من هذه الطرق المتعلقة بالصلاة قبل الظهر والصلاة بعدها.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن ناصح].
    هو أحمد بن ناصح الدمشقي، وهو صدوقٌ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا مروان بن محمد].
    هو الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سعيد بن عبد العزيز].
    هو سعيد بن عبد العزيز الدمشقي، وهو ثقة إمام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سليمان بن موسى].
    هو سليمان بن موسى الدمشقي الأشدق، وهو صدوقٌ فقيه، في حديث بعض ضعف، وحديثه أخرجه مسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
    ومن المعلوم أن الرواية في المقدمة لا تعني أن الرجل يعني يكون فيه كلام، وأنه ما خرج له في الصحيح، وإنما هكذا اتفق أنه يعني: روى له في المقدمة؛ لأن البخاري ومسلم ما رويا عن كل ثقة، ولا رويا لكل ثقة، ولا رويا كل حديثٍ صحيح، ولهذا فإن عبد الله بن الزبير المكي الذي روى له البخاري أول حديث في صحيحه، روى له مسلم في المقدمة، ما روى له في الصحيح، فليس معنى كون أنه يعني يروى له في المقدمة أنه يعني فيه كلام، وإنما هكذا اتفق، مثل أبي عبيد القاسم بن سلام، إمام مشهور وثقة، ومع ذلك ليس له رواية في الكتب الستة؛ لأن صاحبي الصحيح لم يلتزما الإخراج عن كل ثقة، أو لكل ثقة، ولم يلتزما الإخراج لكل حديثٍ صحيح، بل ترك من الصحيح كثيراً، ولم يذكرا في رجالهما أو لم يأت في رجالهما رجال هم في القمة، وهم مشهورون بالثقة والعدالة، لكن هكذا اتفق أنهم جاءوا في الأسانيد، يعني فلم يدخل فيها منهم ثقات، وعدم دخولهم لا يعني الكلام فيهم.
    الحاصل: أن كون مسلم ما روى له في المقدمة، لا يعني أنه مسلم ما رضي أو ما إلى ذلك، لا، فإنه قد يكون الشخص في غاية الثقة، ومع ذلك لا يروي، مثل عبد الله بن الزبير المكي شيخ البخاري الذي روى له أول حديث في الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات)، قال البخاري: حدثنا عبد الله بن الزبير المكي، وروى له مسلم في المقدمة.
    [عن مكحول].
    هو مكحول الشامي، وهو ثقة، فقيه، حديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة].
    وقد مر ذكرهما.
    وهذا الإسناد نفسه أكثره شاميون أو بل دمشقيون، وهم:
    أحمد بن ناصح، ومروان بن محمد، وسعيد بن عبد العزيز، وسليمان بن موسى يروي عن مكحول.
    وكل هؤلاء شاميون.


    شرح حديث: (من ركع ركعات ... حرمه الله على النار) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن خالد عن مروان بن محمد حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة قال مروان: وكان سعيد إذا قرئ عليه عن أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أقر بذلك ولم ينكره، وإذا حدثنا به هو لم يرفعه، قالت: (من ركع أربع ركعات قبل الظهر، وأربعاً بعدها، حرمه الله على النار)، قال أبو عبد الرحمن: مكحول لم يسمع من عنبسة شيئاً]. أورد النسائي حديث أم حبيبة من طريقٍ أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن مروان بن محمد يقول: كان سعيد إذا قرئ عليه عن أم حبيبة عن النبي أقر بذلك ولم ينكر.
    يعني: أنه مرفوع، إذا قرئ عليه الحديث، وأنه مرفوع، فإنه يقر به ولم ينكره، وإذا حدث به هو من لفظه فإنه لا يرفعه، وإنما يوقفه على أم حبيبة، وعلى كل سواءً أوقفه أو لم يوقفه، هذا الحديث ليس للرأي فيه مجال، لو كان موقوفاً فقط، ولم يأت رفعه أبداً، فإنه مما له حكم الرفع؛ لأنه ليس فيه للرأي مجال؛ لأن بيان مقادير الأجور، وكون النار لا تمس من فعل كذا، ومن فعل كذا حرمه الله على النار، أو أدخله الجنة، أو ما إلى ذلك، فإن هذا من الأمور التي لا تقال من قبل الرأي، وإنما تكون بالتوقيف، والحديث جاء مرفوعاً وجاء موقوفاً، والموقوف في حكم المرفوع، والموقوف لا يعارض الموصول، بل هو في حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه، ولا مجال للرأي فيه.
    قالت: (من ركع أربع ركعاتٍ قبل الظهر وأربعاً بعدها، حرمه الله على النار).
    يعني على أنه موقوف، يعني أن هذا كلامها، وهذا على ما يحدث به سعيد بن عبد العزيز إذا كان من قراءته ومن لفظه، فإنه لا يرفعه، وإنما يقفه على أم حبيبة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وعرفنا أنه لا إشكال في الأمرين، بل هو مرفوع، إما تصريحاً وإما حكماً، إما مرفوعاً تصريحاً، وهو الذي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال، وإما حكماً، وهو الذي ينتهي إلى الصحابية هنا أم حبيبة أم المؤمنين، فله حكم الرفع؛ لأنه لا مجال للرأي فيه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من ركع ركعات ... حرمه الله على النار) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا محمود بن خالد].
    هو محمود بن خالد الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    ثم بقية الإسناد مثل الإسناد الذي قبل هذا، مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن مكحول عن عنبسة عن أم حبيبة.


    حديث: (من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن إسحاق حدثنا أبو عاصم حدثنا سعيد بن عبد العزيز سمعت سليمان بن موسى يحدث عن محمد بن أبي سفيان قال: (لما نزل به الموت أخذه أمرٌ شديد، فقال: حدثتني أختي أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها، حرمه الله تعالى على النار)].أورد النسائي حديث أم حبيبة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه ذكر المحافظة، من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها، أي: داوم عليها ولازمها، فإن الله تعالى يحرمه على النار.
    قوله: [أخبرنا عبد الله بن إسحاق].
    هو البصري، وهو ثقة حافظ، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا أبي عاصم].
    هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل، مشهور بكنيته، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو عاصم هذا من كبار شيوخ البخاري، وشيوخ مسلم، وأما النسائي فإنه يروي عنه بواسطة كما روى هنا عن عبد الله بن إسحاق عنه، وعبد الله بن إسحاق هو المستملي، مستملي أبي عاصم، والمستملي الذي هو يكون مع المحدث يبلغ عنه عندما يكثر الجمع، فإنه يبلغ عنه، وقد جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه في حديث وفد عبد القيس في صحيح البخاري: أن ابن عباس قال له: لو بقيت يعني معنا، يعني قالوا: وهذا حجة يعني حتى تبلغ عنا، فقال الحافظ ابن حجر: إن هذا حجة في اتخاذ المحدث المستملي، يعني: الذي يساعده، وأما الوراق، إذا قيل: وراق فلان، فإنه هو الذي يعتني بأوراقه وينسخ له، فهذا يقال له: وراق، وأما المستملي فهو الذي يساعده في إبلاغ الصوت لمن يكون بعيداً عندما يكثر الجمع.
    وأبو عاصم مشهور بكنيته، وهو أبو عاصم النبيل، ثقة ثبت، أخرج له أصحاب السنن الأربعة، وهو ممن روى عنه البخاري الأحاديث الثلاثية من طريقه الأحاديث الثلاثية؛ لأنه من كبار شيوخه، لأنه من أتباع التابعين؛ لأن البخاري بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص: صحابي وتابعي وتابع تابعي، وأبو عاصم من أتباع الأتباع.
    أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا سعيد بن عبد العزيز سمعت سليمان بن موسى يحدث عن محمد بن أبي سفيان].

    يحدث عن محمد بن أبي سفيان، هنا قال: محمد بن أبي سفيان، والأحاديث التي مرت عنبسة بن أبي سفيان، فقيل: إن محمد بن أبي سفيان، مقبول، خرج حديثه النسائي، وقيل: الصواب أنه عنبسة، وأن ذكر محمد خطأ، وأن الصواب الذي روى هذا الحديث هو عنبسة بن أبي سفيان، عنبسة بن أبي سفيان الذي روى الأحاديث المتعددة، فهو يعني ذاك الذي هو عنبسة ثقة من كبار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا البخاري، وهذا حديثه عند النسائي وحده، وقال الحافظ: أنه مقبول، وقيل: الصواب أنه عنبسة بن أبي سفيان وليس محمد.

    حديث: (من صلى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها لم تمسه النار) من طريق سادسة وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أبو قتيبة حدثنا محمد بن عبد الله الشعيثي عن أبيه عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها لم تمسه النار)، قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، والصواب حديث مروان من حديث سعيد بن عبد العزيز].أورد النسائي حديث أم حبيبة من طريقٍ أخرى، وهو مثل الذي قبله (من صلى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها لم تمسه النار).
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو الفلاس، المحدث الناقد، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو قتيبة].
    هو سلم بن قتيبة الشعيري، قيل: إنه نسبة إلى بيع الشعير، وكنيته توافق اسم أبيه؛ لأنه أبو قتيبة، واسم أبيه قتيبة، وهذا له نظائر كثيرة مرت بنا، مثل: هناد بن السري، ومثل: إسماعيل بن مسعود، ومثل: الأوزاعي، وغيرهم كثير، وهذا منهم أبو قتيبة سلم بن قتيبة، وسلم بن قتيبة صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن الأربعة، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب كلمةً تنسب إلى يحيى بن سعيد القطان كلمة يعني: أنه يوهنه؛ لأنه ذكر كلام الذين تكلموا فيه، والذين وثقوه، وكان ممن تكلم فيه يحيى بن سعيد القطان، فأتى بعبارةٍ غريبة، وهي تستعمل في هذا الزمان عند العوام في حق الشخص الذي يعني: يكون عنده أهلية في تحمل المشاق، وتحمل الأمور الثقيلة، فيقول عنه يحيى بن سعيد القطان: ليس من الجمال التي يحمل عليها المحامل، يعني: معناه تضعيف له، يعني: ليس بذاك الذي هو عنده التمكن وعنده القدرة على حمل المشاق، فينفي أن يكون يشبه الجمال التي تحمل المحامل، يعني: الأحمال الثقيلة، يعني: المقصود من ذلك أنه ليس بذاك القوي الذي يعول عليه ويعتمد عليه، والعوام يقولون عن الشخص: فلان ليس من جمال المحامل، أو من جمال المحامل، يعني أنه عمدة أو ليس بعمدة، فهذه الكلمة المعروفة السائرة في هذا الزمان هي موجودة من قديم الزمان، وقد قالها يحيى بن سعيد القطان في حق هذا الرجل الذي هو سلم بن قتيبة أبو قتيبة الشعيري، صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا محمد بن عبد الله الشعيثي].
    هو محمد بن عبد الله بن المهاجر الشعيثي، وهو صدوقٌ، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

    [عن أبيه].

    هو عبد الله بن المهاجر الشعيثي، وهو مقبولٌ أخرج حديثه الترمذي والنسائي وابن ماجه.

    [عن عنبسة عن أم حبيبة].

    وقد مر ذكرهما.
    وقول أبي عبد الرحمن: إن هذا خطأ وصواب رواية مروان عن سعيد بن عبد العزيز، ما أدري وجه هذا الخطأ مع أنها متفقة معها من حيث المتن، والألباني جعله من جملة الأحاديث الصحيحة في سنن النسائي.

    الأسئلة


    علاقة صلاة أربع قبل الظهر وأربع بعدها بالاثنتي عشرة ركعة

    السؤال: بالنسبة لصلاة الظهر، أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها، هذه تدخل ضمن اثنتي عشرة أم لا؟


    الجواب: لا ما هي باثني عشر هذه زائدة على اثني عشر؛ لأن الاثنا عشر الذي جاء فيها التفصيل أربعاً قبل الظهر وثنتين بعدها، وثنتين بعد المغرب، وثنتين بعد العشاء، وثنتين قبل الفجر، هذه اثنا عشر، جاء تفصيلها في الحديث نفسه، حديث عائشة الأول في هذا الباب، لكن هذا فيه زيادة على اثنا عشر.

    مداخلة: الذي أربع بعد الظهر ...... غير الرواتب؟
    الشيخ: لا، هي من داوم عليها وحافظ عليها، فإن فيه هذا الأجر، لكن الأشياء التي ورد فيها حديث يخصها وفيها التفصيل باثني عشر وتفصيل اثنا عشر، يعني ثنتين بعد الظهر، ولا شك أن الإتيان بأربع بعد الظهر أكمل وأفضل.

    مدى ارتباط كتاب الأسماء والصفات للبيهقي بعقيدته


    السؤال: ما رأيكم في كتاب الأسماء والصفات للإمام البيهقي ؟

    الجواب: كتاب الأسماء والصفات للإمام البيهقي كما هو معلوم مشتمل على أحاديث كثيرة، والإمام البيهقي رحمه الله عنده سلامة في كثير من النواحي، وعنده خطأ في بعض النواحي في العقيدة، وهو من الكتب التي فيها الرواية بالأسانيد، وإذا عرف الإسناد وعرف رجاله وثبوته وصحته، فالحديث يكون ثابتاً من تلك الطريق إذا صح الإسناد، وأما كلام البيهقي نفسه إذا تكلم فأحياناً يكون عنده كلام حسن، وأحياناً يكون عنده كلام فيه خلل؛ لأن عنده حق وباطل.

    كيفية راتبة الظهر يوم الجمعة

    السؤال: يقول: فيما يتعلق بصلاة الراتبة ثنتي عشرة ركعة، كيف يكون ذلك في يوم الجمعة، وليست هناك راتبة قبلها؟

    الجواب: يوم الجمعة الراتبة قبلها ما هناك راتبة معينة، ولكن الإنسان إذا دخل المسجد يصلي ما شاء الله أن يصلي، ثم يجلس ولا يقوم إلا للصلاة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يفعلون ذلك، وليس هناك عدد معين قبل الجمعة، أما بعد الجمعة فجاء فيه ركعتان أو أربع، ركعتان لمن صلى في البيت، وأربع لمن صلى في المسجد، وقد مرت بنا تلك الأحاديث.
    على كل الإنسان يعني كما هو معلوم إذا دخل المسجد، إن صلى أكثر من أربع ركعات، فقد وجدت الأربع وزيادة، وإن اقتصر على أربع ركعات فهو قد حافظ.


    حديث أمير الركب وحال أحمد بن صالح المصري


    السؤال: يقول: فضيلة الشيخ! الحديث: الضعيف أمير الركب، هل هو صحيح؟

    الجواب: لا أدري.
    السؤال: وهل أحمد بن صالح المصري متساهلٌ في التوثيق؟
    الجواب: ما أدري.


    الإرسال عند القاسم بن عبد الرحمن بين الثبوت وعدمه


    السؤال: يقول: في بعض طبعات التقريب في القاسم بن عبد الرحمن صدوق يرسل كثيراً؟

    الجواب: يرسل كثيراً نعم كذلك، وهذا الموجود في النسخة المصرية، صدوق يرسل كثيراً.

    ولعلها هي الصواب، يرسل كثيراً؛ لأنه من المتقدمين، أقول: هو من المتقدمين، يعني قضية الإرسال هو الذي يغلب على المتقدمين ذكر الإرسال، وإن كان غيرهم يذكر الإرسال، يعني الذي هو الإرسال الخفي، أو الإرسال عمن لم يلقه وليس الإرسال المشهور عند المحدثين الذي هو قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، يعني: أنه يرسل عمن لا يلقه، أو من لم يدركه بالمعنى الأعم، نعم.


    شروط السكنى في ديار المشركين ومدى صحة فتوى شيخ الإسلام بجواز ذلك


    السؤال: يا شيخ! السائل ينقل عبارة من فتاوى شيخ الإسلام من الجزء الرابع صفحة مائة وأربعة عشر يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: كما يجوز السكنى في ديارهم، يقصد الكفار.فهل يرى شيخ الإسلام جواز السكنى في ديار المشركين مطلقاً، مع العلم وجود أحاديث تمنع من ذلك؟
    الجواب: أنا ما أدري عن كلام شيخ الإسلام أيش هو، لكن السكنى في بلاد الكفار إذا كان هي بلد الإنسان، ويستطيع أن يقيم فيها شعائر دينه، فإنه يقيم، وفي إقامته مصلحة له ولغيره، إذا دعا إلى الله عز وجل، وأدى ما عليه، وسعى في الدعوة إلى الله، وفي هداية الناس إلى الخير، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم)، كما قال ذلك لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في عام خيبر، وإذا كان يعني: أنه لا يستطيع أن يقيم شعائر دينه، وأنه لا يمكن من ذلك، فعليه أن يهاجر إلى بلدٍ يستطيع أن يقيم شعائر دينه، وأما.. هذا في الإقامة المستمرة، وأما الإقامة المؤقتة، كون الإنسان يذهب لتجارة أو ما إلى ذلك، فهذا سائغ.

    حكم تجاوز ميقات البلد إلى ميقات آخر للإحرام منه

    السؤال: ما حكم من غير ميقات بلده إلى ميقاتٍ آخر كأن يمر على ميقات بلده ولا يحرم ويأتي إلى المدينة ويحرم من ميقات أهل المدينة؟

    الجواب: ما في بأس، كون الإنسان يعني تجاوز الميقات، ولكنه لم يحرم، ثم يخرج إلى المدينة، مثل الذين يأتون مثلاً بالطائرة من المغرب إلى جدة، وإذا نزلوا جدة جاءوا إلى المدينة وأحرموا من ميقات المدينة، ما في بأس أبداً، لا بأس بذلك؛ لأن ما في تغيير، يعني: كونه يريد أن يأتي إلى المدينة قبل أن يذهب إلى مكة، يحرم من ميقات المدينة.
    يعني: قبل أن يأتي يحرم ما دام أنه ناوي عمرة أو حج، فإنه لا يتجاوز الميقات، إلا إذا كان في نيته أنه سيمر حتى لو مر بمكة، يعني: مثل إنسان جاء من الجنوب يريد أن يأتي إلى المدينة أول ثم يحرم منها، ما في بأس؛ لأن دخول مكة غير محرم وهو ما أراد حج وعمرة، ما عليه شيء؛ لأنه دخلها ماراً وفي نيته أنه إذا جاء إلى المدينة يحرم منها، هذا ما في بأس، ولو دخل مكة نفسها غير محرم.


    معنى قول ابن عمر في ابن الزبير: (لأمة أنت شرها أمة خير)


    السؤال: يقول: ما معنى قول ابن عمر حين صلب عبد الله بن الزبير قال لأمه: لأمة أنت شرها أمة خير؟

    الجواب: أنا ما أذكر، هو ابن عمر رضي الله تعالى عنه له كلام جيد وهو في الصحيح الحديث، بس اللفظ هذا ما أدري، لكن كونه وصفه بأنه بهذا الوصف، معناه أنها بخير يعني: ما دام أنت الذي يقال: إنك شرها وأنت من أنت فهي أمة خير، ما أدري هل اللفظ هذا هو موجود في الصحيح؟ وكان قصة الحجاج وأنه جاء إلى أمه وتكلم معها وقالت إنك.. أجابته بجواب في غاية القوة وفي غاية الحسن، قالت عبارة جميلة في حق عبد الله وفي حقه هو، يعني سيئة في حقه، وجميلة في حق عبد الله بن الزبير، ما أتذكرها.
    نعم، أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، هذه في الصحيح، وقالت له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنه يخرج في ثقيف كذاب ومبير، أما الكذاب فقد عرفناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه)، المبير: المهلك، (وأما المبير فلا إخالك إلا إياه)، الحديث في صحيح مسلم.


    الصدوق الذي فيه لين وحاجته لطرق للاعتضاد أو عدمها


    السؤال: يقول: فضيلة الشيخ، الصدوق الذي فيه لين هل يحتاج لمن يعضده؟

    الجواب: الذي يبدو أنه ما يحتاج إذا كان فيه لين، يعني معناه ذو لين يسير.
    وهي أقل من درجة مقبول، إذا قيل: لين أو فيه لين هو فيه لين أهون من لين.

    حكم من مات وهو متهاون بالنوافل

    السؤال: من لم يفعل شيئاً من النوافل لا صيام ولا غيره، ثم مات مع تأديته الفرائض، فما حكمه؟

    الجواب: على كل يرجى له خير، ما دام أنه أدى الواجبات فهو على خير، ولكنه قصر كثيراً، ومن المعلوم أن النوافل هي كالسياج للفرائض، والذي يتهاون في النوافل يتهاون في الفرائض، وإذا كان أنه ترك تلك رغبةً عن السنة فهو آثم، إذا كان رغبةً عن السنة، وأما إذا كان كسلاً، فهذا كونه أدى ما عليه، فهو على خيرٍ إن شاء الله.

    حكم قطرة العين والأنف للصائم

    السؤال: القطرة في العين والأنف، هل تفطر وكذلك الحجامة؟

    الجواب: القطرة في العين لا تفطر، لكن بالنسبة للأنف الأنف يعني كما هو معلوم من المنافذ، فإذا وصل إلى حلقه وابتلع شيئاً من ذلك، فهو مثل ما لو أدخله من فمه، السعوط والوجور، السعوط يعني: ما يوضع في الأنف، والوجور: ما يوضع في الفم، وأما الحجامة فهي تفطر، الحجامة تفطر، (أفطر الحاجم والمحجوم)، والحاجم إذا كان بالطريقة القديمة التي فيها مص المحاجم، وأما إذا كان بدون مص، فيفطر المحجوم دون الحاجم.

    عدد الأرضين ومدى صحة تلاصقها أو انفصالها

    السؤال: هل الأرضين سبع؟ وكيف صنفها؟ ومن يسكنها؟

    الجواب: الأرضين سبع، يعني كما جاء في الحديث: (من ظلم شبراً من الأرض طوقه من سبع أرضين)، لكن جاء في الحديث هذا الحديث نفسه: (طوقه من سبع أرضين)، هذا يدل على أنها متلاصقة، وأنه متصل بعضها ببعض؛ لأنها لو كانت كل طبقة لها سكان، كان الإنسان إذا ظلم يعني يكون عليه الطبقة التي ظلمها، وأما الطبقات التي تحت فهي تبع السكان الذين يكونون تحت، تحت تلك الطبقة، لكن قوله: (طوقه من سبع أرضين)، يعني معناه أن كله يحمله على كتفه وعلى رقبته يوم القيامة؛ لأنه ظلم، والعلماء استنبطوا من هذا الحديث أنها متلاصقة، وأنه متصل بعضها ببعض، وأنها ليست كالسماوات كل سماء مستقلة، وفي فضاء بينهما، وفي سكان في كل سماء، وإنما تلك الأرضين متلاصقة، وجاء في حديث ضعيف أنه قال: (كل أرض فيها آدم كآدم وموسى كموسى)، وما إلى ذلك، وهذا غير صحيح، لكن الصحيح الذي جاء في الحديث الذي ورد في الصحيحين، ولو كان كل أرض لها سكان، كان يصير طبقة واحدة التي يحمل إياها، والطبقات التي تحتها يصير طبقة يحملها الذي كان على ظهرها.
    وبالنسبة للآية: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ )[الطلاق:12]، (مثلهن) يعني في العدد، وهذا الحديث بين أنها تختلف عنها من حيث وجود الفضاء.

    مدى صحة حديث: (من سبح في دبر كل صلاة مائة تسبيحة) وعلاقته بالتسبيح

    السؤال: يقول: في حديث أبي هريرة: (من سبح في دبر كل صلاة مائة تسبيحة، وهلل مائة تهليلة)، هل هذا تسبيحٌ أم لا؟
    الشيخ: ما أذكر يعني شيئاً عن الحديث هذا، لا أدري، لا أذكر شيئاً عن ثبوته، لكن الذي ورد في الصلوات كلها، ورد: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير)، بعد المغرب وبعد الفجر.

    حكم البيع داخل المسجد وقبض المال خارجه

    السؤال: ما حكم عقد البيع والشراء في المسجد وقبض المال خارج المسجد والعكس؟

    الجواب: ما يجوز البيع والشراء في المسجد، يعني: كون الإنسان يعقد بيعاً ويبرم بيعاً في المسجد ويبيع ويشتري، هذا ما يجوز أبداً.
    مداخلة: العبرة بالتعاقد البيع والشراء وإلا بقبض المال؟
    الشيخ: كله يعني: لا عن طريق التعاقد ولا عن طريق التقابض، كل ذلك يقال له: بيع.

    حكم بيع المزايدة


    السؤال: ما حكم البيع والشراء عن طريق المزايدة؟
    الجواب: شيء طيب، يعني: فوق من يزيد، هذه معروفة.


  3. #323
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (320)

    - باب تمني الموت - باب الدعاء بالموت


    دلت السنة النبوية على أنه لا يجوز للإنسان أن يتمنى الموت لضر مسه؛ لأنه لا يدري أيهما خير له، فإن كان لابد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي.

    كتاب الجنائز: باب تمني الموت


    شرح حديث: (لا يتمنين أحد منكم الموت...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الجنائز، باب تمني الموت.أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتمنين أحد منكم الموت، إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب)].
    يقول النسائي رحمه الله: [كتاب الجنائز]. هو الكتاب الذي ختم به النسائي كتاب الصلاة، أو الكتب المتعلقة بالصلاة، وأخر هذا الكتاب؛ لأنه يتعلق بالصلاة على الميت، وتلك إنما تكون عند نهاية الحياة؛ فمن أجل هذا أتى النسائي بهذا الكتاب في آخر كتاب الصلاة، وكذلك العلماء فكثير من المحدثين والفقهاء يختمون الكتب المتعلقة بالصلاة بكتاب الجنائز، وقال: كتاب الجنائز ولم يقل: كتاب صلاة الجنازة؛ لأن الأحكام التي تتعلق بالجنائز كثيرة، الصلاة وغير الصلاة، أشياء قبل الصلاة وأشياء بعد الصلاة، فلهذا جاءت الترجمة عامة فقيل: [كتاب الجنائز]، أي: ما يتعلق بالجنائز من أحكام، هذا هو وجه تأخير كتاب الجنائز عن الكتب المتعلقة بالصلاة؛ لأن الصلاة على الميت إنما تكون عند الوفاة وبعد الوفاة، فختمت كتب الصلاة بهذا الكتاب، وهذه الطريقة سلكها العلماء من محدثين وفقهاء.
    وأورد النسائي أبواباً تتعلق بأمور قبل الموت، فبدأ بالتمني، أي: تمني الموت، حكمه، وهل هو سائغ أو غير سائغ؟ وماذا ورد من السنة فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وتمني الموت إذا كان لأمور دنيوية أو لضرر في الإنسان في أمور تتعلق بدنياه، فهذا ليس بحسن؛ لأن الإنسان لا يدري ماذا سينتهي إليه، وقد ينتهي أو ينتقل من ضرر شديد إلى ضرر أشد؛ لأنه لا يعرف الإنسان العاقبة، ولا يعرف ما بعد الموت، فلا يتمنى ذلك لأمور دنيوية، وأما الأمور الأخروية، فمن العلماء من أجازها، وكون الإنسان يتمنى الموت لأمور أخروية، لكون الإنسان يخشى من الفتنة في دينه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون)، وهذا في الدعاء الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم: وكذلك جاء فيما يتعلق بالذي يتمنى أن يكون مكان الميت، وقد أورده البخاري في صحيحه: باب غبطة أصحاب القبور، أي: أن يأتي رجل فيقول: يا ليتني مكانه! فهذا التمني لأمور تتعلق بالدين، ولكن سواء كانت الأمور تتعلق بالدنيا أو بالدين، فالإنسان إذا كان ولا بد فليسأل أن تكون حياته على خير، وأن تكون وفاته على خير، وأن تحصل له الحياة إذا كانت خيراً له، وأن تحصل له الوفاة إذا كانت خيراً له كما سيأتي في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن كان ولا بد فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)، يعني معناه: أن الإنسان يسأل الله عز وجل الخاتمة على خير، وأن يسأل الله الوفاة على الإسلام، والوفاة على الحق كما جاء عن يوسف عليه الصلاة والسلام: (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين)، فالإنسان يسأل الله الوفاة على حالة طيبة إذا كان ولا بد سائلاً، لا يتمنى الموت مطلقاً بدون تقييد، وإنما يكون مقيداً بما إذا كانت الوفاة خير للإنسان؛ لأن الإنسان قد يصيبه ضرر دنيوي، فينتقل إلى ضرر أشد منه بالموت، ولكنه إذا سأله أن تكون الحياة على خير، وأن تكون الوفاة على خير، فهذا هو الذي ينبغي، ولهذا جاء في الحديث إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدعاء إذا كان ولا بد، يعني سائلاً أو متمنياً الموت، فليأت بهذه الطريقة.
    ومن الأدعية التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صحيح مسلم، الحديث العظيم الجامع الدعاء الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر)، هذا حديث عظيم جامع، وهكذا يكون السؤال عندما يحتاج الإنسان إلى أن يدعو، أو أن يتمنى الموت، أما أن يتمناه مطلقاً فإن هذا لا يصلح ولا ينبغي، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان ولا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي).
    وهنا أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسناً فلعله أن يزداد إحساناً، وإما مسيئاً فلعله يستعتب)، يعني: إنه إذا بقي على قيد الحياة، فإن كان محسناً فلعله أن يزداد إحساناً على إحسانه، ويكون طول حياته زيادةً في الخير الذي يحصل له، يعني: كون الإنسان يطول عمره على خير، وعلى أعمال صالحة، هذا خير؛ لأن حياة الإنسان هي المزرعة التي يحصد الإنسان ثمرتها ونتاجها عندما يموت كما جاء في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)، فإذاً: تمني الموت نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين أن هذا الإنسان الذي سيتمنى: إن كان محسناً فالحياة لعلها تكون زيادة خير له، وإن كان مسيئاً فلعله أن يستعتب، يعني: يرجع ويتوب ويطلب العفو والرضا من الله عز وجل، وأن يرضى ويتجاوز عنه، وأن يتوب الله عليه، ويتجاوز عما حصل منه من الإساءة.
    وقوله: (إما محسناً)، محسناً: خبر يكون، كان واسمها محذوفان، والخبر هو الموجود، يعني: إما أن يكون محسناً، فلعله أن يزداد إحساناً، أي: في الحياة، وإما أن يكون مسيئاً فلعله أن يستعتب، وهذا مثل قوله: (إن خيراً فخير، وإن شراً فشر)، يعني: إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، يعني إن كان عمله الذي يقدمه خيراً فجزاؤه خير، وإن كان شراً فالجزاء من جنس العمل، (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ )[الرحمن:60]، (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى )[الروم:10]، (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )[يونس:26]، الحسنى: الجنة، والسوأى: النار.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يتمنين أحد منكم الموت...)

    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].هو البغدادي الحمال، لقبه الحمال، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا معن].
    هو معن بن عيسى المدني، صاحب الإمام مالك، وهو ثقة ثبت، قال أبو حاتم: أثبت أصحاب الإمام مالك: معن بن عيسى، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا إبراهيم بن سعد].
    هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ثقة فقيه مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار التابعين الذين رأوا صغار الصحابة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة].
    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة فقيه، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، الستة المتفق على عدهم هم: عبيد الله بن عبد الله هذا الذي معنا، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وعبيد الله الذي معنا هو أحد السبعة باتفاق، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.

    حديث: (لا يتمنين أحد منكم الموت...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثني الزبيدي حدثنا الزهري عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف: أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسناً فلعله أن يعيش يزداد خيراً، وهو خيرٌ له، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريقٍ أخرى، وهو مثل الذي قبله في المعنى، وإن كان يختلف عنه في بعض الألفاظ قليلاً.

    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].

    هو ابن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا بقية].
    هو ابن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني الزبيدي].
    هو محمد بن الوليد الحمصي، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [حدثنا الزهري]
    ، وقد مر ذكره.
    [عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف].
    هو سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر بن عوف، يعني: ابن أخي عبد الرحمن بن عوف؛ لأن هذا عبد الرحمن بن أزهر بن عوف، وعبد الرحمن بن عوف أخو أزهر بن عوف، فهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، وهو مولاه، وهو سعد بن عبيد أبو عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر بن عوف، وليس عبد الرحمن بن عوف، بل هو عبد الرحمن بن أزهر بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أنه سمع أبا هريرة].
    رضي الله عنه، وقد مر ذكره.


    شرح حديث: (لا يتمنين أحدكم الموت ...) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا يزيد وهو ابن زريع عن حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به في الدنيا، ولكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه النهي عن تمني الموت، وأنه إن كان ولا بد فاعلاً فليقل: (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي)، وفي بعض النسخ: (إذا كانت الوفاة خيراً لي)، فهذا فيه النهي عن تمني الموت، والإرشاد إلى أن الإنسان إذا كان لا بد متمنياً فليكن على طريقة حسنة في الحياة والموت، فيقول: (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) ومعناه أنه يكون على ما هو خير له، إن كانت الحياة خيراً فيبقى، وإن كانت الوفاة خيراً فهو يرجو من الله عز وجل ذلك، ويطلب منه الوفاة.
    ومن المعلوم أن كل شيء مقدر، الحياة مقدرة، والوفاة مقدرة، والأجل لا يتقدم ولا يتأخر، ولكن الله عز وجل شرع الدعاء، وأمر بالأسباب، ومن المعلوم أن الإنسان يسأل ويدعو وإن كان ذلك الشيء مقدر، فليس معناه أن يقول: والله إذا كان مقدراً فما الحاجة إلى الدعاء، الله عز جل قدر الأجل وقدر أسباباً تؤدي إلى الأجل، وكل ذلك مقدر، ففعل الدعاء بقدر، والموت بقدر، والحياة بقدر، والذي قدره الله هو الذي يقع، فلا يتغير الأجل، والإنسان أجله واحد، (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ )[الأعراف:34] يعني: لا فيه تقدم ولا تأخر إذا جاء الأجل، ولكن الله عز وجل شرع الدعاء، مثل ما يقول الإنسان: اللهم ارزقني الجنة وجنبني النار، وهو مقدر أنه من الجنة أو من النار، كل شيء مقدر، (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ )[الشورى:7]، لكن الإنسان يسأل الله عز وجل ويرجو الجنة ويستعيذ بالله من النار، وكل شيءٍ مقدر، الذي كتبه الله في اللوح المحفوظ لا بد وأن ينتهي؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، ومن العمل الدعاء، وكون الإنسان يأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى الجنة، ويسأل الله عز وجل أن يجعله من أهلها فإن كان لا بد فليكن بهذه الطريقة، أو بهذه الكيفية التي هي سؤال الموت على خير، أو الحياة على خير.
    وفي هذا الحديث قوله: (لضرٍ نزل به في الدنيا)، يعني: إذا كانت الأمور الدنيوية؛ لأن الإنسان لا يدري لعل هذا الضر الذي حصل له في الدنيا قد ينتقل إلى حالة أشد، وإلى عذاب أشد في القبر وبعد الموت، ولكن الإنسان إذا سأل الله عز وجل أن تكون الحياة على خير، وأن تكون الوفاة على خير، فهذا هو الذي على خير، وهذا الذي على الإنسان أن يأخذ به، وأن يدعو بهذا الدعاء، ويمكن للإنسان أن يدعو بهذا التفصيل، سواءً يتعلق بأمرٍ دنيوي أو أخروي، حتى لو كان فيما يتعلق بأمرٍ يراه في الدنيا وهو يتعلق بدينه، ويخشى أن يكون عليه ضررٌ فليسأل الله هذا السؤال أيضاً، (اللهم أحيني إذا كان الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي).


    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يتمنين أحدكم الموت ...) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا يزيد وهو ابن زريع].

    هو البصري، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة (هو ابن زريع) الذي قالها النسائي أو من دون النسائي، ولم يقلها قتيبة تلميذه؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن فلان، وإنما ينسبه كما يريد، ويصفه كما يريد، ولكن التلميذ لما أتى به غير منسوب، وهو الذي يسمى في علم المصطلح: المهمل، الذي دونه، أي: دون التلميذ، لما أراد أن يعرف أو يأتي بشيء يعرف به التلميذ، قال: هو ابن زريع، فأتى بكلمة: (هو) حتى يعلم أنها ليست من قتيبة، بل هي من النسائي أو من دون النسائي، وهذه طريقة العلماء، وهي من دقة المحدثين، أنهم يأتون باللفظ الذي أتى به التلميذ، وإذا أرادوا أن يوضحوا أتوا بكلمة تبين ذلك، مثل كلمة (هو)، أو (فلان بن فلان) هاتان العبارتان هما اللتان يستعملهما العلماء عندما يريدون أن يأتوا بما يوضح الشخص الذي أهمل ولم ينسب.
    [عن حميد].
    هو ابن أبي حميد الطويل البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    عن أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي قد خدمه عشر سنوات منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة إلى أن توفاه الله عز وجل وهو يخدمه عشر سنوات رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين مر ذكرهم آنفاً عند ذكر أبي هريرة رضي الله عنه، فإن أنس بن مالك واحداً منهم، وخدمته للرسول صلى الله عليه وسلم وملازمته إياه للخدمة، كانت من أسباب كثرة حديثه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    وهذا الإسناد رباعي، قتيبة عن يزيد بن زريع عن حميد بن أبي حميد الطويل عن أنس بن مالك، وهو من الأسانيد العالية عند النسائي؛ لأن أعلى ما يكون عنده الرباعيات، وليس عنده ثلاثيات؛ لأن عدد الأشخاص الذين بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أعلى شيء أربعة أشخاص، وأنزل شيء عشرة أشخاص، والأسانيد العالية كثيرة، وقد مر بنا جملة كثيرة منها، وأما الإسناد الأطول فهو الحديث الذي سبق أن مر بنا في فضل ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))، وقال فيه النسائي: هذا أطول إسناد؛ لأن بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام فيه عشرة أشخاص، وليس عند النسائي ثلاثيات، وأصحاب الكتب الستة ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، وثلاثة ليس عندهم ثلاثيات، بل أعلى ما عندهم الرباعيات، فالذين عندهم الثلاثيات: البخاري، عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية بإسنادٍ واحد وهو ضعيف، خمسة أحاديث كلها بإسنادٍ واحد، وهو إسنادٌ ضعيف، والذين أعلى ما عندهم الرباعيات هم: مسلم وأبو داود والنسائي.


    حديث: (ألا لا يتمنين أحدكم الموت ...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن علية عن عبد العزيز (ح) وأخبرنا عمران بن موسى حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا لا يتمنى أحدكم الموت لضرٍ نزل به، فإن كان لا بد متمنياً الموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه من طريقٍ أخرى، وهو مثل ما تقدم، نهي عن تمني الموت، والإرشاد إلى الدعاء الذي يؤتى به إذا كان ولا بد سائلاً، فليكن بهذه الطريقة أو بهذه الكيفية التي هي خيرٌ له إن بقي حياً وإن مات.
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].
    هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.

    [حدثنا إسماعيل بن علية].

    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وعلية أمه، واشتهر بالنسبة إليها، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد العزيز].

    هو عبد العزيز بن صهيب البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد العزيز (ح)، وأخبرنا عمران بن موسى].

    ثم قال: (ح) بعد عبد العزيز، (ح) وهذا حرف يدل على التحول من إسناد إلى إسناد، بمعنى أن النسائي مشى في الإسناد ثم قبل أن يصل إلى نهايته أتى بحرف (ح)، ثم رجع بإسناد آخر من جديد، يعني الذي بعد (ح) شيخ من شيوخه، ثم يتلاقى الإسنادان بعد ذلك ويتصلا، ويكون ملتقاهما قبل التحويل مفترقان، قبيل التحويل ملتقيان متفقان.

    [وأخبرنا عمران بن موسى].

    صدوق أخرج له الترمذي والنسائي وابن ماجه.
    [حدثنا عبد الوارث].
    هو ابن سعيد بن ذكوان العنبري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا عبد العزيز].

    هو ابن صهيب، عن أنس، ومعناه: أن تلاقي الإسنادين عند عبد العزيز، وذلك أن للنسائي فيه إسنادان إلى عبد العزيز، له وهو ثقةٌ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    وقد مر ذكره. والطريقان رباعيان.


    الدعاء بالموت



    ‏ شرح حديث: (لا تدعوا بالموت ولا تتمنوه ...) من طريق خامسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الدعاء بالموت.أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج وهو البصري عن يونس عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا بالموت ولا تتمنوه، فمن كان داعياً لا بد فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الدعاء بالموت، والترجمة السابقة تمني الموت؛ لأن الإنسان قد يتمنى ولا يدعو، وقد يتمنى ويدعو بالموت ويطلبه فالترجمة السابقة تتعلق بالتمني، وهذه تتعلق بالدعاء بالموت، ومن المعلوم أن التمني غير الدعاء، فقد يتمني الإنسان ولا يدعو، وإذا دعا بالشيء فهو قد يريده وقد لا يريده، بمعنى أنه قد يكون خرج وظهر على لسانه وهو لا يريده، فهنا قال: الدعاء بالموت، والترجمة السابقة: تمني الموت، ثم أورد النسائي حديث أنس، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدعوا بالموت)؛ لأنه يتعلق بالدعاء، فمن أجل ذلك أجابه بالدعاء بالموت، (لا تدعوا بالموت ولا تتمنوه)، في أنفسكم، وإنما يسأل الإنسان أن تكون حياته على خير، ووفاته على خير، (لا تدعوا بالموت ولا تتمنوه فمن كان داعياً لا بد فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي).
    أحيني، يعني: أبقني على الحياة؛ لأن الإنسان حي فيطلب البقاء في الحياة.


    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تدعوا بالموت ولا تتمنوه ...) من طريق خامسة


    قوله: [أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله].هو أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري، وهو صدوق، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثني أبي].
    هو حفص بن عبد الله النيسابوري، وهو صدوق، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. يعني زيادة ابن ماجه على الذين خرجوا لابنه.
    [حدثني إبراهيم بن طهمان].
    ثقة يغرب، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن الحجاج وهو البصري].

    هو حجاج بن حجاج البصري، وهو الأحول، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن يونس].
    هو يونس بن عبيد البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس]
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث خباب: (لولا أن النبي نهانا أن ندعوا بالموت دعوت به)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا إسماعيل حدثني قيس (دخلت على خباب رضي الله تعالى عنه وقد اكتوى في بطنه سبعاً، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعوا بالموت دعوت به)].أورد النسائي حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه، وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدعاء بالموت، وهو لا يدعو به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وقال: لولا أنه نهى لدعوت به، هذا يتعلق بالدعاء بالموت، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وقد مر في الحديث السابق النهي في قوله: (لا تدعوا بالموت)، وهنا يحكي خباب، حصول النبي فقال: (لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الدعاء بالموت لدعوت به)، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الالتزام بالسنن والأخذ بها، وأن الذي منعه من الدعاء به كون النبي عليه الصلاة والسلام نهى عنه.
    وخباب بن الأرت من السابقين إلى الإسلام، وممن عذب في الله عز وجل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    وقوله: اكتوى، هذا فيه حصول الكي وإباحته، ولا ينافي ذلك ما جاء من كراهيته؛ لأن الكراهة للتنزيه وليست للتحريم، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إليه، وعلى أن الأخذ به سائغ، وأن التداوي به -أي: بالكي- سائغ، وأما ما جاء من ذكر كراهته فالمقصود به التنزيه وليس التحريم، في السبعين الألف الذين (لا يكتوون ولا يتطيرون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون)، يعني: أن هذا من الكمال، وإلا فإن الكي سائغ وجائز، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إليه، وما جاء في ذلك من الكراهة فهي للتنزيه وليست للتحريم، وقد اكتوى خباب رضي الله تعالى عنه؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إباحته، وجواز التداوي به، (لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعوا بالموت دعوت به).
    وقيل: إن السبب في كونه أراد أن يدعو ثم انتهى؛ لأنه حصل له أذى وألماً ومرضاً شديداً، وقيل: -كما جاء في بعض الروايات- لانبساط الدنيا عليه، وما حصل له من كثرة الدنيا، مع أنهم في أول الأمر أوذوا في الله، وبعد ذلك فتحت عليهم الدنيا، فمن فضلهم ونبلهم أنهم يخشون أن تكون عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، فهم أهل الكمال، ومع ذلك هم كما قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]، ومن المعلوم أن حصول المال للإنسان إذا وفقه الله عز وجل، فإنه يكون خيراً له، وقد كان بعض الصحابة مثل: عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، من أثرياء الصحابة، ولكن مع ثرائهم وكثرة مالهم فقد كانوا ينفقونه في سبيل الله عز وجل، ولهم أجور هذه الأعمال، وهذه الأموال التي يقدمونها في سبيل الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث خباب: (لولا أن النبي نهانا أن ندعوا بالموت دعوت به)


    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا إسماعيل].
    هو ابن أبي خالد الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني قيس]،
    هو ابن أبي حازم البجلي، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    بل قيل عنه: هو الذي اتفق له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة، قالوا: ولا يعلم شخص من التابعين أو من كبار التابعين روى عن العشرة مجتمعين إلا قيس بن أبي حازم هذا، وفي واحد منهم خلاف، هل سمع منه أو ما سمع منه؟ ولكن هذا هو الشخص الذي قيل فيه هذه المقالة، وهي: أنه اتفق له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهو ثقة مخضرم، يعني: أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم.
    إذا قيل: روى له الجماعة، أو روى له أصحاب الكتب الستة، فلا فرق بينهما؛ لأن بعض العلماء في الاصطلاح يضيف إليهم الإمام أحمد، لكن المشهور، والذي ألفت كتب الرجال عليه فيما يتعلق بالكتب الستة، فإنهم يرمزون بالجماعة، لأصحاب الكتب الستة.


    الأسئلة


    مدى معارضة القول بجواز طواف الحائض لحديث: (... إلا أن تطوفي)

    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الحائض يجوز لها الطواف بالبيت عند الضرورة، وليس عليها فدية، فهل هذا يعارض حديث عائشة: (افعلي ما يفعل الحاج إلا أن تطوفي بالبيت)؟

    الجواب: نعم شيخ الإسلام ابن تيمية وبعض العلماء جاء عنهم هذا، وقال: هذه من الأمور الضرورية التي قد تدعو الحاجة إليها، وقالوا: إن هذا من جنس أن كون الإنسان عندما لا يستطيع أن يؤدي الصلاة على الوجه الأكمل، فإنه ينتقل إلى ما دونها، وذكر أدلة واستنباطاً من بعض القواعد الشرعية، لكن حديث قصة صفية، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لما علم بأنها لم تحض، قال: (أحابستنا هي؟)، ولما علم أنها طافت طواف الإفاضة، وأنه لم يبق عليها إلا الوداع، قال: (انفري)، بمعنى أن طواف الوداع يمكن أن يترك، وأما طواف الإفاضة فقال: (أحابستنا هي)، فهذا يدل على أنه يتعين البقاء للانتظار، أو المرأة تذهب إذا كانت تستطيع أن تذهب، ولا يقربها زوجها، ثم بعد ذلك ترجع وتأتي بما بقي عليها، فإن استطاعت البقاء بقيت مع محرمها، وإن لم تستطع وتمكنت من أن تذهب وتعود فإنها تفعل ذلك، هذا هو الأولى والأظهر، وشيخ الإسلام ابن تيمية وبعض أهل العلم يقولون: بأنه يجوز لها ذلك؛ لأن هذه ضرورة ألجأتها إلى هذا الشيء، ولهم أدلة ذكرها ابن تيمية وغيره.

    حكم خروج المرأة المطلقة وتطيبها وزينتها إذا كانت في بيت أهلها

    السؤال: المرأة إذا لم تكن في بيت زوجها حال الطلاق، هل لها الخروج إلى العمل أو الدراسة؟ وما هي الأمور المحظورة في حقها؟

    الجواب: المطلقة طلاق رجعياً هي زوجة، ولا تزال في عصمة زوجها، وتعتد عنده، وتكون معه في بيته، وتبيت معه على فراشه، وإن رغب في جماعها فإنه يكون راجعها، وعليه أن يشهد بأنه راجعها؛ لأنها زوجة، ولو مات أحدهما في العدة لورثه الآخر؛ لأنها لا تزال في عصمته، ولو أراد أن يتزوج أختاً لها فإنه لا يجوز له أن يتزوجها إلا إذا خرجت من العدة، حتى لا يجمع بين الأختين؛ لأنه لو تزوج أختها وهي مطلقة في العدة فإنه يكون قد جمع بين الأختين؛ لأنها لا تزال زوجة له ما دامت في العدة، فالمطلقة تعتد في بيت زوجها، وإن كان بينهما شيء وكانت في بيت أهلها، وطلقها وبقيت في بيت أهلها، بمعنى أنه لم يخرجها بل هي التي خرجت من قبل، وطلقها طلاقاً شرعياً، ولكن السنة أن الإنسان إذا طلقها أن تبقى في بيته، ويسكنها ويبيت معها، وإن جامعها فإنه قد راجعها بهذا الجماع، وعليه أن يشهد ويخبر بحصول الرجعة؛ لأنها زوجة، وأما كونها تخرج فهي مثل حالة ما إذا كانت لم تطلق، أي: أن حالتها في عدة الطلاق الرجعي مثل حالتها قبل حصول الطلاق؛ لأنها لا تزال زوجة تجري عليها الأحكام التي تجري عليها قبل حصول الطلاق.
    مداخلة: وهل هناك أشياء محظورة في حقها من طيب مثلاً أو زينة أو شيء من هذا؟
    الشيخ: هي تتطيب له، ما في بأس، تتطيب لزوجها، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.

    مدى صحة وسلامة الطريقة التيجانية

    السؤال: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله، ويعلمكم الشخص بأنه يحبكم في الله، ثم يقول: هل الطريقة التيجانية طريقة صحيحة وسليمة؟

    الجواب: نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتحابين فيه سبحانه وتعالى، وأن يوفقنا جميعاً لما يرضيه، أما الطريقة التيجانية وغير الطريقة التيجانية، فليس هناك طريقة فيها سلامة ونجاة إلا طريقة واحدة، وهي الطريقة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.



  4. #324
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (321)

    - باب كثرة ذكر الموت - باب تلقين الميت

    حث الشارع على الإكثار من ذكر ما يكون سبباً في الزهد عن الدنيا، والإقبال على الآخرة والجنة والأعمال الموصلة إليها، ومن ذلك ذكر الموت، فإنه يحرك القلب، ويجعل العبد مستعداً له بالأعمال الصالحة، كما يشرع لمن حضر مريضاً ألا يقول إلا ما هو خير قبل موت المريض وبعده، ويجب على من حضر مريضاً وهو في الاحتضار أن يلقنه لا إله إلا الله.

    كثرة ذكر الموت


    شرح حديث: (أكثروا ذكر هادم اللذات)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كثرة ذكر الموت. أخبرنا الحسين بن حريث أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو ح وأخبرني محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا يزيد حدثنا محمد بن إبراهيم عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هادم اللذات) قال أبو عبد الرحمن: محمد بن إبراهيم والد أبي بكر بن أبي شيبة].
    أما بعد: يقول النسائي رحمه الله: كثرة ذكر الموت.
    المقصود من هذه الترجمة: الاستدلال عليها بما جاء في الحديث الذي بعدها، وهو الأمر بإكثار ذكر الموت، وكثرة ذكر الموت يترتب عليها فوائد ومصالح عظيمة، وهي كون الإنسان يرجو الله ويخافه، وكثير ما تحصل الغفلة، ويحصل الوقوع في الأمور المحرمة بسبب الغفلة عن الموت، وعدم تذكر الموت، وإلا فإن الإنسان إذا تذكر الموت وما يجري بعده من القبر وعذابه، والحشر، والصراط، والميزان، والجنة، والنار، فإن من يرد الله به خيراً، فإنه يتحرك قلبه، ويتأثر من ذكر الموت، وإذا تذكر الإنسان الموت، فإنه يستعد له بالأعمال الصالحة، ويحذر من الوقوع في الأمور المحرمة وفي المعاصي؛ لأن الإنسان يجد جزاءه بعد الموت على ما قدم، إن قدم خيراً، وجد خيراً، وإن قدم شراً، وجد شراً، كما قال الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه [الزلزلة:7-8]، ويقول سبحانه في الحديث القدسي: (يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه).
    فكثرة ذكر الموت للعبد فيها مصالح عظيمة، مصالح كبيرة، من فوائدها كون الإنسان يقدم على الطاعات، ويرعوي عن المعاصي؛ لأنه يجد الثواب على الطاعات، إذا غادر هذه الحياة، وكذلك يحذر من الوقوع في المعاصي؛ لئلا يجد العقوبة عليها بعد الموت، بل قد يجد العقوبة عليها في الدنيا قبل الآخرة، كما أن من عمل صالحاً يجد ثوابه وأجره، أو شيئاً من أجره في الدنيا قبل الآخرة، ولهذا فإن العاقل الناصح لنفسه يتذكر الموت، وإذا حدثته نفسه بسوء فإنه يذكر الموت وما وراءه، وإذا تذكر الموت؛ فإنه يقدم على ما يعود عليه بالخير، ويحذر من الوقوع بما يعود عليه بالضرر، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يرشد في مناسبات كثيرة إلى ذلك.
    فقد ثبت في الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام جاءه رجل وقال: (يا رسول الله، متى الساعة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: وماذا أعددت لها؟) أي: أن الساعة آتية وكل آتٍ قريب، وليس المهم أن يعرف الإنسان متى تأتي الساعة، وإنما المهم أن يعرف الإنسان ماذا قدم لنفسه إذا قامت الساعة، (قال: وماذا أعددت لها؟)، وهنا لفت نظره إلى الأمر المهم، فالساعة آتية، وكل آتٍ قريب، وكل إنسان يموت قامت قيامته وانتقل من الدنيا إلى الآخرة، فيجد الثواب على الخير خيراً، وعلى ما يقدمه من السوء عذاباً والعياذ بالله.
    والحد الفاصل بين الدنيا والآخرة الموت، وقد جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، كما ذكره البخاري في صحيحه عنه، أنه قال: (إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وأن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل)، والعاقل يعمل في حياته الدنيوية ما يجد نتائجه الطيبة في الحياة الأخروية.
    ثم أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، لما ذكر هذا الحديث قال كلاماً يظهر فرحه بهذا الحديث، أما بقية الحديث نفسه قال للرجل: (وماذا أعددت لها؟) الرجل وفق للجواب، فقال: (أعددت لها حب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب) صرف نظره عن موعد قيام الساعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلمه، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، هذا من الخصائص التي اختص بها الله عز وجل من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، متى تقوم الساعة؟ علم ذلك عند الله عز وجل.
    ولهذا لما سئل جبريل الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل المشهور قال: (أخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل.، قال: أخبرني عن أمارتها) فبين له أمارتها، فالرسول صلى الله عليه وسلم، وجبريل لا يعلمون الوقت الذي تقوم فيه الساعة، والزمن الذي تقوم فيه الساعة، والله تعالى أخفى ذلك على الناس؛ حتى يتبين من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب، فكل إنسان أخفي عليه أجله فلا يعلم متى يموت، وفي ذلك حكمة، وهي: أن يتميز من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب؛ لأن الإنسان إذا عرف أنه يموت في اليوم الفلاني، وفي الوقت الفلاني يستعد، ويتهيأ لذلك، ولم يكن هناك شيء مغيب، لكن إذا أخفي على الإنسان، والإنسان يمكن أن يموت وهو طفل، يمكن أن يموت وهو غلام، ويمكن أن يموت وهو كهل، ويمكن أن يموت وهو كبير؛ فإن ذلك يجعله على تخوف دائماً وعلى استعداد دائماً للموت، والإتيان بالأعمال الصالحة التي يجد ثوابها بعد الموت.

    فضائل أبي بكر

    أنس بن مالك رضي الله عنه، لما ذكر الحديث قال: (فوالله ما فرحنا بشيء بعد الإسلام أشد منا فرحاً بهذا الحديث)؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (المرء مع من أحب)، ثم قال أنس رضي الله عنه: (فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أبا بكر، وعمر، وأرجو من الله أن يلحقني بهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل مثل أعمالهم). لما سمع هذا الحديث أخبر عن مدى فرحهم به، وهذا يدلنا على أن أحب هذه الأمة بعد رسولها وبعد نبيها الكريم عليه الصلاة والسلام وخيرهم، وأفضلهم أبو بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، هذان الرجلان العظيمان هما خير هذه الأمة بعد الأنبياء والمرسلين، ليس هناك أحد أفضل من هذين الرجلين، فهما رجلان عظيمان أكرمهم الله عز وجل إكراماً ما حصل لأحد سواهما.
    فـأبو بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، من حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن به، ولازمه بمكة، ولما أمر رسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة هاجر معه، وسار معه في الطريق، ورافقه بالطريق، وأنزل الله عز وجل فيه قرآناً يتلى، وسماه الله في كتابه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه، الله تعالى أخبر عن أبي بكر بأنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وسماه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا[التوبة:40].
    ولازمه في المدينة، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بايعه المسلمون خليفة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وتحقق بذلك ما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام من اجتماع الأمة عليه، حيث قال: (يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر
    )؛ لأنه أراد أن يكتب كتاباً في مرض موته، قال: (ادعي لي أباك وأخاك لأكتب كتاباً لـأبي بكر، فإني أخشى أن يتمن متمنٍ أو يقول قائل، ثم ترك الكتابة ثم قال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)، ما فيه حاجة للكتابة، المسلمون سيجتمعون على أبي بكر، والله تعالى يأبى إلا أبا بكر والمسلمون يأبون إلا أبا بكر.فإذاً الكتابة سيحصل مقتضاها ويحصل المراد منها، وأن المسلمين سيجتمعون بإرادتهم، ومشيئتهم، ورغبتهم على أبي بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فبايعه المسلمون خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام في الأمر بعده خير قيام، وكان من أجل أعماله رضي الله تعالى عنه وأرضاه قتال المرتدين، فإنه أرسل الجيوش المظفرة لإرجاعهم إلى حضيرة الإسلام، وكان هذا من أجل أعماله، وخير أعماله رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وبقي في الخلافة سنتين وأشهراً، وتوفاه الله عز وجل، ولما توفاه الله عز وجل أكرمه بالدفن بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا بعث يكون معه في الجنة، وهو أول العشرة المبشرين في الجنة، وخير هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن أبي بكر وعن الصحابة أجمعين.
    إذاً: فهذا الرجل حصل له هذا الإكرام العظيم، فهو أول من أسلم من الرجال، ولازم النبي عليه الصلاة والسلام في مكة ثلاث عشرة سنة من حين البعثة إلى أن هاجر، ولما هاجر رافقه في الطريق، وأنزل الله فيه قرآناً يتلى، وسماه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم لازمه في المدينة عشر سنوات حتى توفاه الله، ثم بايعه المسلمون خليفة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وقام بالأمر بعده خير قيام، ولما توفاه الله عز وجل أكرمه بالدفن بجواره، وإذا بعث يكون معه في الجنة، فهو ظفر بهذه الفضائل، وبهذه الخصائص، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله سبحانه وتعالى ذو الفضل العظيم.

    فضائل عمر بن الخطاب

    أما عمر رضي الله تعالى عنه، فهو الذي أسلم بعد أن أسلم قبله ما يقرب من أربعين رجلاً، ولكنه لما أسلم وكان شديد البأس، وكان قوياً فكانت شدته، وقوته مع المسلمين ضد أعدائهم، وكان رجلاً مهيباً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ولازم النبي عليه الصلاة والسلام في مكة، ولما هاجر إلى المدينة هاجر معه، ولازمه في المدينة، ولما توفى الله رسوله عليه الصلاة والسلام، وبايع المسلمون أبا بكر خليفة للرسول عليه الصلاة والسلام، كان عضده الأيمن رضي الله تعالى عنه وأرضاه. ولما توفي أبو بكر رضي الله تعالى عنه، بويع خليفة لـأبي بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومكث في الخلافة عشر سنوات وأشهراً، قام فيها بجهود عظيمة، وحصل فيها خير كثير في خلافته، وكان مما حصل فيها القضاء على الدولتين العظميين في ذلك الزمان، دولة فارس والروم، وتحقق في زمانه ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أن كنوز كسرى وقيصر ستنفق في سبيل الله، وقد أخذت تلك الكنوز، وأوتي بها إلى عمر في المدينة وقسمها رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكانت خلافته طويلة، وحصل فيها انتشار الإسلام وكثرة الفتوحات، وفتحت في عهده العراق، وفارس، والروم، والشام وما حولها، وكذلك مصر.
    ولما مات شهيداً في هذه المدينة المباركة، وكان رضي الله عنه قد سأل الله عز وجل شهادة في سبيله، وأن تكون وفاته في بلد رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد استجاب الله دعاءه فحصلت له الشهادة على يد رجل مجوسي طعنه في بطنه، وهو يصلي بالناس الفجر، ومكث أياماً ومات على إثر ذلك، وقد أكرمه الله عز وجل بالدفن بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا بعث يكون معه في الجنة.
    فهذان الرجلان أبو بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، هما اللذان قال فيهما أنس بن مالك عندما سمع قوله عليه الصلاة والسلام: (المرء مع من أحب) قال: (فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أبا بكر وعمر، وأرجو من الله أن يلحقني بهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل مثل أعمالهم)، فهذان الرجلان وغيرهما من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام حبهم دين وإيمان، وبغضهم كفر، ونفاق، وعصيان، فهم الذين حملوا هذا الدين، وهم الذين أوصلوا إلينا هذا الدين، وما عرف الناس الحق والهدى إلا عن طريق الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم خير هذه الأمة التي هي خير الأمم، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وأول هذه الأمة وهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما صلحوا باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام والسير على منهاجه، والامتثال لأوامره، والانتهاء عن نواهيه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

    الاستعداد للموت ولقائه والإكثار من ذكره


    ومما جاء عنه عليه الصلاة والسلام في التذكير بالموت، والاستعداد لما بعد الموت قوله عليه الصلاة والسلام: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة)، فزيارة القبور سنة سنها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي مشروعة لفوائد ترجع للحي وللميت، فالحي يستفيد أنه يتذكر الموت، ويستعد له بالأعمال الصالحة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) فالإنسان إذا زار القبور تذكر أنه سيصير إلى ما صاروا إليه، وأنه لا بد أن يأتي عليه يوم من الأيام يكون من أهل القبور، فإنه يستعد للموت وما بعد الموت.ويستفيد أيضاً أنه يدعو لإخوانه الموتى فيؤجر على هذا النفع الذي حصل منه لإخوانه، ويؤجر أيضاً على الزيارة الشرعية؛ لأن زيارة القبور سنة؛ فإذا فعلها الإنسان فإنه يكون حصل أجراً على فعل هذه السنة.
    فإذاً: زيارة القبور يكون فيها تذكر الموت، ويتبع تذكره الاستعداد لما بعده، ويكون فيها أيضاً الدعاء للأموات، والإنسان يؤجر على نفعه لإخوانه الأموات، وأيضاً يفعل سنة سنها رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي الزيارة فيؤجر عليها، أما الميت فإنه يستفيد الدعاء له، فعندما يزور الزيارة الشرعية يدعو للأموات فقط، لا يدعوهم ولا يستغيث بهم، ولا يطلبهم قضاء الحاجات، ولا كشف الكربات، وإنما تلك من خصائص الله عز وجل، كما قال الله عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62]، فيدعو لهم إذا زارهم، ولا يدعوهم، فالأموات يدعى لهم ولا يدعون.
    إذاً: الذي يزور زيارة شرعية الحي يستفيد، والميت يستفيد، أما إذا زار زيارة بدعية، وطلب الحاجات من الأموات واستغاث بالأموات فإنه يأثم؛ لأنه فعل أمراً منكراً، ويكون فعل أمراً هو شرك بالله عز وجل، هو أعظم الذنوب وأخطر الذنوب الذي هو الشرك، فالذي يفعل ذلك يتضرر ولا يستفيد، والميت ما استفاد شيئاً؛ لأنه طلب منه شيئاً لا يصلح أن تطلب منه، فالحي تضرر من الزيارة البدعية، والميت ما استفاد شيئاً؛ لأنه دعي وطلب منه وهو لا يطلب منه، بل يطلب له ويرجى له.
    فالنبي عليه الصلاة والسلام يرشد إلى ذكر الموت، وإلى تذكر الموت، وإلى الاستعداد للموت، وتذكر الموت يزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنه قال: (أكثروا ذكر هادم اللذات) أي: الموت، فإنه قاطع اللذات، وبه تنقطع الملذات الدنيوية، ولكن المسلم إذا انتهى على خير، فإنه ينتقل من نعيم إلى نعيم أعظم، وأفضل، ينتقل من نعيم الدنيا إلى نعيم الآخرة؛ لأن الإنسان المؤمن يفتح له في قبره باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، ويبقى الأمر كذلك حتى البعث فهو على خير، ينتقل من خير إلى خير، وأما الكافر فإنه ينتهي علاقته باللذات بحصول الموت؛ لأن آخر عهده باللذات إنما هو في ما كان قبل الموت، وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، وهو أول حديث في كتاب الزهد في صحيح مسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) (سجن المؤمن) بمعنى: أن الإنسان عندما ينتقل منها ينتقل إلى الثواب على الأعمال، وينتقل من دار المكاره ودار المشقة إلى دار النعيم، وأما الكافر فإن الدنيا جنته؛ لأنه لا يعرف نعيماً إلا في الدنيا، فقد عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ولا نصيب لهم في النعيم في الآخرة، بل ليس أمامهم إلا العذاب، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة فيقال له: هل مر بك خير قط؟ فيقول: أبداً. ما مر بي خير) نسي كل ما مر به من نعيم، أي: نسي كل ما حصل من شدة تلك الغمسة التي حصلت في النار، وعكس ذلك أتعس أهل الدنيا، الذي كان في مشقة، وفي فقر، وفي ضيق، ولكنه مؤمن صابر محتسب إذا غمس في الجنة غمسة يقال: (هل مر بك شر قط؟ قال: أبداً قال: ما مر بي شر) نسي كل ما مر بهذه الغمسة التي حصلت في الجنة، أي: نسي كل ما مر به من البلاء في الدنيا، وكل ما حصل من المشقة في الدنيا نسيها.
    فالحاصل: أن الموت وذكر الموت والاستعداد للموت يجعل الإنسان على خير، والغفلة والبلاء لكل الناس إذا غفلوا عن الموت، ولم يستعدوا له بالأعمال الصالحة (أكثروا ذكر هادم اللذات)؛ لأن هادم اللذات هو الموت؛ لأنه يقطع اللذات الدنيوية، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الإكثار من ذكره؛ لأن الإكثار من ذكره يكون فيه الخوف مما يكون وراءه، وما يكون بعده؛ لأن بعده الجزاء على الأعمال إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أكثروا ذكر هادم اللذات)

    قوله: [أخبرنا الحسين بن حريث].
    هو الحسين بن حريث المروزي، هو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [أخبرنا الفضل بن موسى].
    هو المروزي أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عمرو].
    هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ح وأخبرني محمد بن عبد الله بن المبارك].
    (ح) و(ح) هذه المراد بها التحول من إسناد إلى إسناد، يعني: معناه أن ما بعدها يبدأ الإسناد من جديد، فيذكر النسائي شيخاً آخر له، ويسوق إسناداً آخر، ثم يلتقي الإسنادان عند نقطة أو عند شخص معين.
    هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي البغدادي، هو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا يزيد].
    هو ابن هارون الواسطي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا محمد بن إبراهيم].
    هو محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وقد عرفه أو عرّف به النسائي في آخر الحديث فقال: قال أبو عبد الرحمن: محمد بن إبراهيم والد أبي بكر بن أبي شيبة، وقد ذكرت هذه الجملة في غير محلها خطأً، بل جعلت قبل الإسناد الذي يليها، وكأنها تابعة للإسناد الذي يليها وهي خطأ وضعت في غير موضعها، ومحلها بعد نهاية الحديث: (أكثروا ذكر هادم اللذات)، ثم بعد ذلك يأتي الإسناد: أخبرنا محمد بن المثنى، وكلمة: قال أبو عبد الرحمن: محمد بن إبراهيم والد أبي بكر بن أبي شيبة هذه محلها عقب الحديث الذي انتهى، فذكرها هناك خطأ من الطابعين.
    والد أبي بكر بن أبي شيبة فالابن هو المشهور، وقد عرف بالابن بذكر ابنه؛ لأنه إذا كان الابن مشهور، والأب غير مشهور، فعندما يذكر الأب يذكر الذي هو مشهور عند الناس، فيذكر الولد فيقال: هو والد فلان، وقد يكون الشخص مثلاً مشهور، ولكن أبوه مشهور، يعني: هو والد فلان، هو ابن فلان المشهور، وقد يكون التعريف للفرع بالأصل أو الأصل بالفرع، وهنا الأصل عرّف بالفرع، فقيل: والد أبي بكر بن أبي شيبة؛ لأن أبا بكر بن أبي شيبة علم من الأعلام مشهور بالرواية، روى عنه مسلم من الرواية أحاديث ما رواها عن شخص آخر، حيث قيل أن أحاديثه بلغت ألف وخمسمائة في صحيح مسلم، ألف وخمسمائة حديث رواها مسلم عنه في صحيحه، يعني: معناها أنه تكرر ذكره في صحيح مسلم كثيراً جداً، ما هناك شخص أكثر مسلم عنه مثلما أكثر عن أبي بكر بن أبي شيبة، وقد روى له البخاري أيضاً، فهو مشهور، ولهذا قال: والد أبي بكر بن أبي شيبة، فعرّف الأب بالابن؛ لأن الابن هو المشهور.
    مما يقال في ذكر اشتهار الأشخاص بأبنائهم، اشتهار عدنان بنسب الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول الشاعر:
    كم من أبٍ قد علا بابن ذرى شرف كما علا برسول الله عدنان
    يعني: معناه أن عدنان اشتهر؛ لأنه يذكر في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما ينسب الرسول صلى الله عليه وسلم فينتهي نسبه إلى عدنان، فيذكر عدنان عند ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام وعند ذكر نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن الآباء يعرفون بأبنائهم إذا كان الأبناء مشهورين، وقد يكون العكس بأن يكون الشخص مشهور مثل إسماعيل بن علية إمام مشهور وأبناءه يعرفون به، وكذلك عبد الله بن الإمام أحمد يعني: فقد اشتهر بنسبته إلى الإمام يقال: ابن الإمام وهكذا.
    محمد بن إبراهيم والد أبي بكر، وهو محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده وهو والد أبي بكر ووالد عثمان بن أبي شيبة.
    [عن محمد بن عمرو].
    هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وقد مر ذكره، وهو ملتقى الإسنادين، فالإسناد الأول مع الإسناد الثاني، التقيا عند محمد بن عمرو بن وقاص، فالإسناد الأول الحسين بن حريث عن الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو.
    محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا يزيد حدثنا محمد بن إبراهيم عن محمد بن عمرو.
    فالثاني أنزل من الأول؛ لأن الأول بين النسائي، وبين محمد بن عمرو شخصان، وأما الثاني فبين النسائي وبين محمد بن عمرو ثلاثة أشخاص، ولهذا يقال: الأول عالي، والثاني نازل، الأول عالي بالنسبة للثاني، والثاني نازل بالنسبة للأول العالي.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال في السابع، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وفقهاء المدينة متفق على عدهم أنهم سبعة، وواحد مختلف فيه على ثلاثة أقوال، فالستة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير بن العوام، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال، قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
    [عن أبي هريرة].
    رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    وأسباب كثرة حديثه عدة أمور: منها أولاً: كونه ملازماً للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان فقيراً وليس عنده شيء، فكان يلازمه يأكل من طعامه، ويسمع حديثه منه، فكثر حديثه، وتميز حديثه على غيره بالكثرة، ثم أيضاً دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالحفظ؛ فإن هذا من الأسباب التي جعلت حديثه يكثر، ثم أمر ثالث وهو أنه بقي في المدينة وعمّر، فكان الناس الذين يأتون المدينة ويردون إليها يلتقون به، فيعطونه ما عندهم ويأخذون ما عنده، يعطونه ما عندهم من الحديث، ويأخذون ما عنده من الحديث؛ لأنه ممن بقي في المدينة، وهذا من أسباب كثرة الحديث عنده رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    شرح حديث: (إذا حضرتم المريض فقولوا خيراً ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى عن يحيى عن الأعمش حدثني شقيق عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا حضرتم المريض فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، فلما مات أبو سلمة رضي الله تعالى عنه قلت: يا رسول الله، كيف أقول؟ قال: قولي: اللهم اغفر لنا وله، وأعقبني منه عقبى حسنة، فأعقبني الله عز وجل منه محمداً صلى الله عليه وسلم)].أورد النسائي هذا الحديث تحت ترجمة: كثرة ذكر الموت. وليس واضح الدلالة على دخوله في الترجمة؛ لأنه ليس فيه شيء يدل على الإكثار من ذكر الموت، وإنما فيه الإرشاد إلى أنه إذا حضر الميت لا يقولون إلا خيراً، سواء كانوا حضروا عنده، وهو في النزع قبل أن يموت، أو حضروا بعد ما يموت، فليس واضح الدلالة على الترجمة؛ لأنه ما فيه شيء يدل على كثرة ذكر الموت، وإنما فيه الإشارة إلى حضور الموت، وقد يكون له علاقة في الباب الذي بعده وهو تلقين الميت؛ لأن قوله: (إذا حضرتم الميت فقولوا خيراً أو فلا تقولوا إلا خيراً)؛ لأنه إذا كان قبل الموت كونه يذكر الله عز وجل عنده، أي: يقال خيراً عند الموت، وقبل الموت أي: فتكون نهايته على خير، فتكون هذه هي المناسبة والله أعلم، لكن هذا الباب الذي هو: كثرة ذكر الموت؛ فالحديث ليس واضح الدلالة على الترجمة، وهو أقرب إلى الباب الذي يليه من ناحية أن الإنسان إذا حضر الميت، وأنه لا يقول عنده إلا خيراً، يشمل ما إذا كان عند النزع، وما إذا كان بعده، وكون الإنسان يقول خيراً، ومن ذلك الخير أن يذكر عنده لا إله إلا الله، لكن الحديث ليس بواضح الدلالة على الترجمة.
    فأورد حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حضرتم الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون).
    قوله: [(فلما مات أبو سلمة قلت: يا رسول الله، ماذا أقول؟ قال: قولي: اللهم اغفر لنا وله، وأعقبني منه عقبى حسنة)] أي: أمرها عليه الصلاة والسلام أن تطلب له المغفرة ولها، وأن يعقبها الله عز وجل منه عقبة حسنة، أي: يخلفها عليها، وكانت كما جاء في بعض الأحاديث عنها، أنها لما أرشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تقول مثل هذه المقالة، قالت: ومن خير من أبي سلمة ؟ يعني معناها: أن أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها ما كانت تفكر أن أحداً يكون مثل أبي سلمة عندها فيما بينها وبينه من المودة، ومن المحبة، فالله تعالى أخلفها عليه خير منه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأعقبها رسول الله محمداً عليه الصلاة والسلام، فكان هو زوجها الذي خلفه عليها، فحصل لها من هو خير من أبي سلمة، وخير البشر أجمعين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن أم سلمة وعن الصحابة أجمعين.
    وهذا فيه أن الإنسان عندما يحضر الميت سواء كان عند الموت، أو بعد الموت فإنه لا يقول إلا خيراً؛ لأن الملائكة تؤمن على ما يقول الإنسان، فلا يجوز الدعاء بغير الخير ولا بغير ذكر الخير، معناه أنه من الأمور المحرمة التي هي الدعاء على الإنسان بالويل والثبور، وما إلى ذلك من الأمور التي يعتادها أهل الجاهلية، فإن الإنسان يبتعد عنها، ولا يذكر إلا خيراً، ولا يدعو إلا بخير؛ لأن الملائكة يؤمنون على ما يقول الداعون.
    قوله: [(إذا حضرتم المريض فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)]، معناه: أنه سواء في النزع لا يدعو الإنسان على نفسه بسوء كما يحصل من أهل الجاهلية يدعون بالويل والثبور، وغير ذلك من الدعوات، وكذلك ما يحصل من الأمور المنكرة، التي تكون عندما يحصل الموت من الصالقة، والسالقة، والشاقة أي: التي تحلق رأسها عند المصيبة، فتشق ثوبها عند المصيبة، وترفع صوتها عند المصيبة، فكل هذه من الأمور المحرمة التي تحصل عند الموت.
    فلما مات أبو سلمة قالت له: (ماذا أقول؟ فقال لها: قولي: اللهم اغفر لنا وله وأعقبني منه عقبى حسنة).

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا حضرتم المريض فقولوا خيراً ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو محمد بن المثنى العنزي البصري الملقب الزمن، كنيته أبو موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [عن يحيى].
    هو ابن يحيى بن بكير النيسابوري، وهو ثقة، ثبت، إمام، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، والإمام مسلم يكثر الرواية عنه، حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، وهو من رواة الموطأ، والأسانيد التي تأتي عند مسلم عنه تكون غالباً بهذه الصيغة أخبرني يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، ويحيى بن يحيى هذا هو النيسابوري وليس الليثي الذي هو أحد رواة الموطأ، والنسخة المشهورة التي بأيدي الناس من الموطأ هي لـيحيى بن يحيى الليثي القرطبي، وأما يحيى بن يحيى الذي معنا في الإسناد فهو النيسابوري، من رواة الموطأ، لكن ليس صاحب الرواية المشهورة، لأن ذاك يحيى بن يحيى الليثي، وهذا يحيى بن يحيى النيسابوري.
    ومسلم يروي عنه مباشرة، وأما النسائي فروى عنه بواسطة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني شقيق].
    هو شقيق بن سلمة الكوفي كنيته أبو وائل وهو مشهور بكنيته، ومشهور باسمه، يأتي ذكره كثيراً بالكنية فيقال: أخبرنا أبو وائل، وحدثنا أبو وائل، وأحياناً يأتي شقيق كما هنا، شقيق بن سلمة الكوفي وهو ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقولهم مخضرم أي: الذي أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم.
    [عن أم سلمة].
    هي أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.


    شرح حديث: (لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تلقين الميت. أخبرنا عمرو بن علي حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عمارة بن غزية حدثنا يحيى بن عمارة سمعت أبا سعيد ح وأخبرنا قتيبة حدثنا عبد العزيز عن عمارة بن غزية عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تلقين الميت، والمقصود بالميت الذي يلقن، هو الذي في الاحتضار، أو في النزع، أما إذا مات، وخرج من الدنيا لا يلقن؛ وسبب التلقين حتى يخرج من الدنيا بلا إله إلا الله، وأما بعد الموت فإنه انتهى، وإنما الذي ثبت هو التلقين عند الموت، ويطلق على من شارف الموت وعلى المحتضر أنه ميت؛ لأنه ألحق في الأموات، وله حكم الأموات، ولكنه على قيد الحياة.
    وقد أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)، المراد بالأموات أي: المحتضرون الذين هم في الاحتضار، والذين أرواحهم في النزع، والذين هم في آخر لحظاتهم في الدنيا هؤلاء يلقنون: لا إله إلا الله، فيذكر عندهم الله، فيقول الإنسان عنده: لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله، حتى يقول الذي هو على وشك الموت: لا إله إلا الله.
    وعند ابن حبان زيادة: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة) فهذا يوضح معنى أن الميت المقصود به الذي في الاحتضار، وليس الذي بعد الموت؛ لأنه قال: (فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا)؛ لأن الإنسان إذا مات خرج من الدنيا، ولهذا قال: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) رواه مسلم، ورواه النسائي وغيرهم، فلا إله إلا الله هي المفتاح، وهي النهاية، هي المدخل، وهي المخرج، والدخول في الإسلام إنما يكون بشهادة أن لا إله إلا الله، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام، لما بعثه الله كان يطوف على الناس وعلى قريش في أماكنهم ويقول: (يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) فأول ما يدعى إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لـمعاذ بن جبل: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، وآخر شيء يذكر به لا إله إلا الله، (لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة).
    إذاً: المراد بالموتى هم المحتضرون، وليس المراد بهم الذين ماتوا وفارقوا الحياة؛ لأنهم دخلوا في الدار الآخرة وانتهوا من الدنيا، وآخر الحديث كما عند ابن حبان (فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة).
    وقد جاء حديث ينسب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو ضعيف لا يحتج به: (اقرءوا على موتاكم يس)، فهذا الحديث لم يثبت، فلا يقرأ على الأموات شيء من القرآن قبل موتهم، وبعد أن يموتوا، وأما لو ثبت الحديث فإنه يحمل على المحتضر، كما جاء هنا: (لقنوا موتاكم).

    شرح حديث: (لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب حدثني أحمد بن إسحاق حدثنا وهيب حدثنا منصور بن صفية عن أمه صفية بنت شيبة رضي الله تعالى عنها، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا هلكاكم لا اله إلا الله)].أورد النسائي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهو مثل الذي قبله إلا أنه في بعض النسخ (لقنوا هلكاكم لا إله إلا الله)، وفي بعضها: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)، مثل رواية أبي سعيد، والهلكى جمع هالك وهم الموتى، ولهذا يأتي في القرآن ذكر الهلاك بمعنى الموت، كما في آية المواريث إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:176] أي أمرؤ مات، فيأتي ذكر التعبير عن الموت بالهلاك (لقنوا هلكاكم لا إله إلا الله) يعني: موتاكم، والمقصود من ذلك الذين هم على وشك الهلاك، وفي بعض النسخ (موتاكم) مثل حديث أبي سعيد، وفي بعض لحديث عائشة بدل هلكاكم موتاكم، وهما بمعنى واحد، والهالك هو الميت.
    ولهذا يأتي كثيراً في كتب الفرائض عندما يذكرون المسائل يقول: هلك هالك عن كذا، أو مات ميت عن كذا، هلك هالك؛ لأن التعبير في القرآن جاء (هلك) إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ [النساء:176]، والكلام عليه مثل الذي قبله: (لقنوا هلكاكم لا إله إلا الله).. (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله).

  5. #325
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (322)


    (باب علامة موت المؤمن) إلى (باب ما يلقى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه)

    جاءت أحاديث تبين علامات موت المؤمن، وأن ذلك يكون بعرق الجبين؛ لما يلاقيه من شدة الموت، كما حصل ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام، وقد مات يوم الإثنين، وجاء في السنة أن من مات في غير مولده زاد ثوابه.
    علامة موت المؤمن

    شرح حديث: (موت المؤمن بعرق الجبين)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب علامة موت المؤمن.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى عن المثنى بن سعيد عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (موت المؤمن بعرق الجبين)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب علامة موت المؤمن. ومقصوده من هذه الترجمة؛ ما جاء في الحديث من أن المؤمن يموت بعرق الجبين، وأن هذه هي العلامة التي ترجم أو عقد هذه الترجمة لها، فعلامة موت المؤمن عرق جبينه، أو أنه يموت بعرق الجبين، وقد فسر عرق الجبين بثلاثة تفسيرات:
    فقيل: إنه يراد به ما يحصل له من الشدة التي تكون عند الموت، فيكون فيها تكفير لخطاياه، ويكون فيها رفعة لدرجاته وثوابه عند الله عز وجل؛ لأن المؤمن لا يصيبه بلاء ويصبر عليه إلا كان خيراً له كما جاء في الحديث: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن).
    وعلى هذا فإن هذا المعنى هو أنه يموت بعرق الجبين، أنه يكون عنده شدة، والله عز وجل يأجره على ما يحصل له من الشدة عندما يحصل منه الصبر، فيكون في ذلك تكفير لسيئاته ولخطاياه.
    وفُسر أن عرق الجبين يكون حياءً من الله عز وجل عندما تأتيه البشرى، وقد قدم شيئاً من الذنوب والخطايا، وقد بشر فإنه يستحي من الله عز وجل الذي تفضل عليه وجاد عليه، وحصلت له هذه البشرى مع أنه حصل منه ما حصل من الإخلال بما عليه من حقوق النعم التي أعطاه الله عز وجل إياها، وأنه لم يقم بشكرها كما ينبغي، فهو يعرق جبينه أو يحصل له ذلك حياء من الله عز وجل.
    وقيل: إن هذه علامة تكون للمؤمن وإن لم يعرف المعنى، المهم أنه جاء في الحديث أنه يموت بعرق الجبين، وسواء عرفت الحكمة من وراء حصول هذه العلامة وكونها شدة كما في القول الأول، أو كونها حياء كما في القول الثاني.
    والحديث الذي أورده النسائي في هذه الترجمة: (المؤمن يموت بعرق الجبين) حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله تعالى عنه، وقد عرفنا معنى هذا المتن على ما قيل فيه من أقوال ثلاثة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (موت المؤمن بعرق الجبين)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن بشار].
    هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، هو شيخ لهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومن الشيوخ الذين روى عنهم أصحاب الكتب الستة مباشرة وبدون واسطة محمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وكذلك عمرو بن علي الفلاس.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو المحدث، الناقد، ثقة، ثبت، وهو بصري، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن المثنى بن سعيد].
    هو البصري الضبعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن بريدة].
    هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، وهو مروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو بريدة بن الحصيب الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (موت المؤمن بعرق الجبين) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن معمر حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا كهمس عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤمن يموت بعرق الجبين)].هنا أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه من طريق أخرى، والمتن هو نفس المتن.
    قوله:
    [أخبرنا محمد بن معمر].
    هو محمد بن معمر البحراني البصري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يوسف بن يعقوب].
    هو يوسف بن يعقوب بن أبي القاسم، وهو صدوق، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وما خرج له مسلم، ولا أبو داود.
    [حدثنا كهمس].
    كهمس هو: ابن الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن بريدة].
    هو عبد الله بن بريدة الذي سمي في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن أبيه].
    هو بريدة بن الحصيب، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.


    شدة الموت

    شرح حديث عائشة: (... فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعدما رأيت رسول الله)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [شدة الموت.أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عبد الله بن يوسف حدثني الليث حدثني ابن الهاد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لبين حاقنتى وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: شدة الموت، يعني: ما يحصل عنده من الشدة في النزع قبل خروج الروح، والمقصود أنها حصلت لرسول الله عليه الصلاة والسلام وهو أكمل الناس، وهو خير الناس عليه أفضل الصلاة والسلام، وذلك فيه زيادة لأجره وثوابه عند الله عز وجل، وفي هذا تسلية للغير في حصول تلك الشدة للرسول صلى الله عليه وسلم فمن يحصل له ذلك من الشدة، أنه لا يظن به أن هذا علامة سوء له، بل قد تكون علامة خير؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام وهو خير الناس وأفضل الناس لقي ما لقي من الشدة عند خروج روحه صلوات وسلامه وبركاته عليه، ومن المعلوم أن حصول ما يحصل للمسلم من المصائب ومن الشدائد ومن الأمور الشديدة والأمور العظيمة إذا صبر على ذلك أنه يؤجر عليه، ويكون كفارة لخطاياه، ويكون ذلك الذي يحصل له في آخر حياته مما يكفر الله تعالى به خطاياه.
    ولكن المحذور والأمر الذي ليس بحسن هو كون الإنسان لا يرضى، كأن يتسخط، ويحصل منه ما يحصل من التبرم والتسخط، فهذا هو الذي يضر الإنسان، وأما إذا صبر على الشدة، وصبر على النصب، واحتسب الأجر عند الله عز وجل، فإنه ما من مصيبة تصيب الإنسان فيصبر عليها إلا ويكون مأجوراً على ذلك ويحصل الأجر على ذلك.
    وأورد النسائي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وأنها قالت: [إن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو بين حاقنتها وذاقنتها]. أي: أنها قد أسندته على صدرها، وكان رأسه على صدرها بين بطنها وبين ذقنها، ففسر بأن الحاقنة هي البطن، والذاقنة هي الذقن، وقيل: بأن الحاقنة هي ملتقى الترقوتين، وتفسيره بأن الحاقنة هي المعدة والبطن، والذاقنة الذي هو الذقن، فيكون الرأس على الصدر الذي هو بين الذقن وبين البطن وهذا هو الواضح؛ لأن رأسه عليه الصلاة والسلام كان على صدرها، وكان بين حاقنتها وذاقنتها، يعني: أنها أعلم الناس بحاله، وبما جرى له عند النزع وعند خروج روحه صلى الله عليه وسلم، ولهذا قالت: [ما أكره الموت لأحدٍ أبداً بعد ما رأيت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم] يعني: أنه ليس علامة غير طيبة، بل هو علامة طيبة، فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو خير الناس، وأكرم الناس، وأفضل الناس، حصل له ذلك، فإذا حصل لأحدٍ من الناس فإن ذلك قد حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: فيكون ذلك خيراً له إذا صبر، أما إذا لم يصبر وحصل منه التبرم، والتضجر، وعدم الصبر؛ فإن هذا على خطر؛ لأن هذا لا يكون صبر على البلاء، ومن المعلوم أن الصبر على البلاء هو الذي يؤجر عليه الإنسان، وأما إذا حصل منه كلمات غير حسنة، فإن هذا يكون فيه عدم الصبر، ويكون فيه صدور الكلام الذي يؤاخذ عليه الإنسان.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعدما رأيت رسول الله)

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن منصور].
    هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الله بن يوسف].
    هو عبد الله بن يوسف التنيسي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

    [حدثني الليث].

    هو الليث بن سعد المصري، فقيه مصر، ومحدثها، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثني ابن الهاد].

    هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد المدني، وهو ثقة، مكثر من الرواية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بالنسبة لجده.

    [عن عبد الرحمن بن القاسم].

    هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبيه].

    هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، من الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة].

    هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأبو سعيد، وأنس، وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال، وامرأة واحدة.


    الموت يوم الإثنين

    شرح حديث: (... وتوفي من آخر ذلك اليوم وذلك يوم الإثنين) في وفاة النبي


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الموت يوم الإثنين.أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال: (آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه، فأراد أبو بكر أن يرتد فأشار إليهم أن امكثوا وألقى السجف، وتوفى من آخر ذلك اليوم وذلك يوم الإثنين)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الموت يوم الإثنين، فأورد تحتها حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، الذي أخبر أن آخر نظرة نظرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كشفت الستارة، والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فأراد أبو بكر أن يرجع القهقرى ليصلي أو ليتقدم رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأشار إليهم أن امكثوا، ثم أرجع الستار ومات الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم، وكان ذلك يوم الإثنين.
    قوله: [آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه، فأراد أبو بكر أن يرتد فأشار إليهم أن امكثوا، وألقى السجف، وتوفي من آخر ذلك اليوم، وذلك يوم الإثنين] وهذا فيه -وفي غيره من الأحاديث- أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه هو الذي كان يصلي بالناس تلك المدة؛ التي هي مدة مرضه عليه الصلاة والسلام، فإنه لما حصل له المرض ولم يتمكن من الحضور للمسجد ليصلي بالناس قال: (مروا أبا بكر فليصلي بالناس) فراجعوه فقال: (مروا أبا بكر فليصلي بالناس)، وهذه علامة واضحة جلية إلى أنه الأحق بالأمر من بعده رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    ولهذا قال الفاروق رضي الله عنه وأرضاه يوم السقيفة: (رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا أفلا نرتضيك لأمر دنيانا)، وكان الناس يصلون في مدة مرضه عليه الصلاة والسلام خلف أبي بكر رضي الله عنه، وفي اليوم الذي مات فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حصل له نشاط، ثم إنه كشف الستارة، فظنوا أنه سيخرج، وأنه سيأتي للصلاة بهم، وأراد أبو بكر رضي الله عنه أن يرجع القهقرى؛ أي: أن يرجع إلى الورى حتى يخلي المكان لرسول الله عليه الصلاة والسلام، فأشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن امكثوا؛ يعني: على ما أنتم عليه خلف إمامكم، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر ذلك اليوم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... وتوفي من آخر ذلك اليوم وذلك يوم الإثنين) في وفاة النبي

    قوله:

    [أخبرنا قتيبة].

    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا سفيان].

    هو سفيان بن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، حجة، إمام، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وسفيان هنا غير منسوب، وإذا جاء سفيان غير منسوب يروي عن الزهري فالمراد به ابن عيينة، وكذلك إذا جاء سفيان يروي عنه قتيبة فالمراد به ابن عيينة، وهنا يروي عنه قتيبة وهو يروي عن الزهري فهو ابن عيينة.

    [عن الزهري].

    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب ينتهي نسبه إلى كلاب جد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقصي بن كلاب وزهرة بن كلاب أخوان، وهو مشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب أخو قصي، وكذلك مشهور بالنسبة إلى جده شهاب، وهو جد جده شهاب، فهو مشهور بهاتين النسبتين إلى جده شهاب، وإلى جده زهرة بن كلاب، وهو ثقة، حجة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين الذين لقوا صغار الصحابة.

    [عن أنس].

    أنس رضي الله عنه من صغار الصحابة، والزهري من صغار التابعين، وقد لقي هذا الرجل وهو من صغار التابعين ذلك الرجل من صغار الصحابة وهو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وصغار التابعين هم الذين أدركوا صغار الصحابة، وكبار التابعين هم الذين أدركوا كبار الصحابة، وأوساط التابعين هم الذين أدركوا أوساط الصحابة رضي الله تعالى عنهم، والزهري هو من صغار التابعين، وقد روى عن ذلك الصحابي الذي هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وهذا الحديث من رباعيات النسائي؛ لأن فيه قتيبة عن سفيان عن الزهري عن أنس بن مالك أربعة أشخاص في الإسناد، وهو أعلى ما يكون عند النسائي؛ لأنه ليس عند النسائي ثلاثيات، أعلى ما عنده الرباعيات وأنزل ما عنده العشاري؛ الذي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه عشرة أشخاص.


    الموت بغير مولده

    شرح حديث: (... إن الرجل إذا مات في غير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الموت بغير مولده.أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه قال: (مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا ليته مات بغير مولده، قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الموت بغير مولده، أي: كونه يموت في أرض لم يولد فيها، وأورد فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وفيه. [أنه مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا ليته مات في غير مولده، فقيل: ولم يا رسول الله؟ قال: لأن المؤمن إذا مات في غير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة].
    يعني: أنه يقاس له؛ إما أنه من ولادته إلى وفاته، أو أنه كان في السفر الذي سافره، يعني: من مكان ولادته إلى المكان الذي قبضت روحه فيه؛ يعني: تلك المسافة التي قطعها في السفر، فإنه يقاس له في الجنة، ويعطى ما يقابلها، ويعطى ما يماثلها، هذا هو معنى الحديث، وهو يدل على فضل الموت بغير المولد، وأن الإنسان يؤجر على ذلك، ويحصل أجراً على ذلك، وهو ما أخبر به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن الرجل إذا مات في غير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة)

    قوله:

    [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى].

    هو يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.

    [أخبرني ابن وهب].

    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [أخبرني حيي بن عبد الله].

    هو حيي بن عبد الله المعافري المصري، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.

    [عن أبي عبد الرحمن الحبلي].

    هو عبد الله بن يزيد المعافري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو مشهور بكنيته ونسبته.

    [عن عبد الله بن عمرو].

    هو عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي، وهو من الصحابة الذين يكتبون، وكان يكتب الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام كما جاء ذلك في الصحيح، وهو من صغار الصحابة، ومن العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم؛ لأن العبادلة الأربعة هم: عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، هؤلاء أربعة من صغار الصحابة أطلق عليهم لقب: العبادلة الأربعة من الصحابة، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنه هو أكبر أولاد أبيه عمرو بن العاص، وقيل: إنه ولد لأبيه وعمر والده ثلاث عشرة سنة، أي: أنه احتلم مبكراً، وتزوج في سن مبكرة، وولد له في سن مبكرة، فصار بينه وبين ولده عبد الله ثلاث عشرة سنة.


    ما يُلقى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه

    شرح حديث: (إذا حُضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يُلقى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حُضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون: اخرجي راضية مرضياً عنك إلى روح الله وريحان، ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى أنه ليناوله بعضهم بعضاً، حتى يأتون به باب السماء فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحاً به من أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه، فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية، وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطاً عليك إلى عذاب الله عز وجل، فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون به باب الأرض فيقولون: ما أنتن هذه الريح، حتى يأتون به أرواح الكفار)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يلقى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه، ويريد النسائي رحمه الله بهذه الترجمة أن المؤمن عندما يموت فإنه يحصل له إكرام من الله عز وجل؛ بأن تأتيه ملائكة معهم حريرة بيضاء من الجنة، أي: لتكون كفناً له، فيقولون ويخاطبون تلك الروح في ذلك الجسد فيقولون: [اخرجي راضية مرضياً عنك] أي: رضيت هي بما حصل لها من هذا الإكرام وهذا الفضل، وقد حصل الرضا عنها من الله عز وجل، وهذا الإكرام الذي حصل لها هو من رضا الله سبحانه وتعالى، وهو من ثمرات ومن نتائج كون الله عز وجل رضي عنها، (اخرجي راضية مرضياً عنك) فتكون رضيت ورضي عنها.
    وقوله: (إلى روح الله وريحان ورب غير غضبان).
    والروح هذا يأتي من الجنة، ولهذا جاء في حديث البراء بن عازب (أنه يفتح له باب من الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها -وعكسه- الكافر أو المنافق يفتح له باب من النار فيأتيه من حرها وسمومها).
    قوله: [فتخرج كأطيب ريح المسك].
    يعني: تخرج لها رائحة طيبة كأطيب ريح المسك.
    قوله: [حتى أنه ليناوله بعضهم بعضاً].
    أي: فيضعونها في ذلك الكفن من الجنة الذي هو حرير أبيض، كما جاء في حديث البراء بن عازب. (يأخذها ملك الموت، فلا تتركها الملائكة تقع في يده طرفة عين حتى يضعوها في ذلك الكفن). وذلك الطيب الذي جاءوا به من الجنة، وهي نفسها تخرج بهذه الريح الطيبة، فيتناولونها بعضهم بعضاً، حتى تأتي إلى أبواب السماء فيقال: [ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض].
    قوله: [فيأتون به أرواح المؤمنين].
    يعني: تأتي هذه الروح إلى أرواح المؤمنين، وأرواح المؤمنين في الجنة كما جاءت في ذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة)، يعني: أنها على صورة طير، أي أنها تتقلب في الجنة وتنتقل في الجنة، وتأكل من ثمارها، وتشرب من مياهها، وتنعم في ذلك.
    وجاء بالنسبة للشهداء (أن أرواحهم في أجواف طير خضر)، وأما المؤمنون فقد جاء في الحديث: (نسمة المؤمن على صورة طير)، فتلتقي هذه الروح بتلك الأرواح، فيسألونها عن بعض الأشخاص الذي كانوا يعرفونهم فيقولون: ما حال فلان؟ وما حال فلان؟ فيقول بعضهم لبعضٍ: [(دعوه إنه كان في غم الدنيا)].
    قوله: [فإذا قال: أما أتاكم].
    يعني: أنه قد مات من قبل، فيقولون: (إنه ذهب به إلى أمه الهاوية) أنه ألقي في النار كما جاء في القرآن (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ )[القارعة:8-11].
    وقوله: [وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: أخرجي ساخطةً مسخوطاً عليك].
    والكافر إذا احتضر أتت الملائكة بمسح، وهو لباس يأتون به من النار، كما جاء في حديث البراء بن عازب أيضاً، وفسر بأنه غليظ، وأنه شديد، وأنهم يضعونها في ذلك المسح الذي هو كفن لها على عكس المؤمن؛ المؤمن في حريرة بيضاء، وأما هذا فهذا المسح الذين يأتون به من النار والعياذ بالله، فيضعونها في ذلك المسح.
    قوله: [فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطاً عليك].
    أي: عكس المؤمن (اخرجي راضية مرضياً عليك) فهنا ساخطة مسخوطاً عليك، يعني: عكس أولئك تماماً، هناك راضية مرضياً عنها، وهنا ساخطة مسخوطاً عليها، وقد جاء في حديث البراء بن عازب أنها إذا قيل لها: (اخرجي) تتفرق في الجسد، فيستخرجونها كما يستخرج السفود من الصوف المبلول، يعني: العصا أو الحديدة التي فيها أشواك في اليمين والشمال، ثم تكون في وسط صوف، فإنها إذا جرت، وأريد استخراجها من الصوف لا تخرج إلا وقد تمزق الشعر، أو الصوف الذي يلاقي ذلك السفود من الأشواك، أو الحديد الذي يقطع، يعني: أنها بشدة؛ لأنها لا تريد الخروج؛ لأنها بشرت بالعذاب الأليم، وأوعدت بكونها ساخطة مسخوطاً عليها.
    قوله: [مسخوطاً عليك إلى عذاب الله عز وجل].
    أي: تخرج إلى عذاب الله.
    قوله: [فتخرج كأنتن ريح جيفة].
    هناك تخرج كأطيب ريح مسك، وهذه تخرج كأنتن ريح جيفة والعياذ بالله.
    قوله: [حتى يأتون به باب الأرض فيقولون: ما أنتن هذه الريح حتى يأتون به أرواح الكفار].
    فتكون مع أرواح الكفار، وتلك تكون مع أرواح المؤمنين، ومعلوم أنها لا تفتح لها أبواب السماء، كما جاء في حديث البراء بن عازب، تلك تفتح لها أبواب السماء، وأما أرواح الكفار فإنها لا تفتح لها أبواب السماء، وإنما توضع مع أرواح الكفار حيث شاء الله عز وجل أن توضع، وقد جاء في حديث الإسراء: (أن آدم عليه الصلاة والسلام وكان في السماء الدنيا على يمينه سواد وعن يساره سواد، فإذا نظر إلى يمينه استبشر وفرح، وإذا نظر إلى شماله تألم). وقيل: إنه ينظر إلى أرواح المؤمنين التي على يمينه ويستبشر لما حصل لهم من الكرامة من الله عز وجل، وينظر إلى أرواح الذين ما حصل لهم التوفيق والهداية فيحصل منه ما يحصل من عدم الفرح والسرور.
    ولعل -والله تعالى أعلم- كون آدم عليه السلام في السماء الدنيا أن أرواح الكفار أنها ما تدخل السماء، وإنما هي في خارجها، ولكن أين كانت؟ وأين هي؟ الله تعالى أعلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا حُضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة ...)

    قوله:

    [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].

    هو عبيد الله بن سعيد السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.

    [حدثنا معاذ بن هشام].

    هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو صدوق، ربما وهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبي].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

  6. #326
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (323)

    - باب فيمن أحب لقاء الله

    عندما يموت الإنسان وفي لحظات نزع روحه قد تأتيه الملائكة بالبشارة برضا الله والخير والنعيم، ففي تلك اللحظة يحب الإنسان لقاء الله فيحب الله لقاءه، والعكس لمن بُشر بسخط الله وعذابه، فإنه يكره لقاء الله فيكره الله لقاءه.
    فيمن أحب لقاء الله

    شرح حديث: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فيمن أحب لقاء اللهأخبرنا هناد عن أبي زبيد وهو عبثر بن القاسم عن مطرف عن عامر عن شريح بن هانئ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قال شريح: فأتيت عائشة رضي الله تعالى عنها فقلت: يا أم المؤمنين! سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً إن كان كذلك فقد هلكنا، قالت: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، ولكن ليس منا أحد إلا وهو يكره الموت، قالت: قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بالذي تذهب إليه؛ ولكن إذا طمح البصر، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد، فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)].
    فقول النسائي رحمه الله: باب فيمن أحب لقاء الله، أي: في بيان فضل ذلك وثوابه عند الله عز وجل، وقد أورد النسائي فيه حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه)]، قال شريح بن هانئ الراوي عن عائشة رضي الله عنها: فذهبت إلى عائشة وقلت لها: يا أم المؤمنين! حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلنا قد هلكنا، يعني: لأنه فهم أن الكراهية كراهية الموت، [(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)] ففهم أن ذلك فيه كراهية الموت، وكلنا نكره الموت؛ فقد جبل الناس على كراهية الموت وعدم محبته، فقالت: ليس ذلك؛ قد قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المقالة ولكن ليس المقصود هو كراهية الموت، وإنما المقصود: أن المسلم إذا كان في النزع وحصلت الحشرجة في الصدر عند خروج الروح، فإنه يبشر بما أكرمه الله عز وجل به وبما أعده له، فيحب لقاء الله لما بشر به فيحب الله لقاءه، وهذا يكون للمؤمن.
    وأما الكافر فإنه يكره لقاء الله فيكره الله لقاءه، يعني: إذا بشر بما يسوؤه وأخبر بالعذاب الذي أمامه، فإنه يكره خروج روحه، ويكره الانتهاء من هذه الدنيا؛ لأنه سينتقل إلى عذاب، وهو الذي أخبر به، فيكره لقاء الله عز وجل، ويكره أن يموت وأن تخرج روحه، فينتقل إلى عذاب شديد، وهذا مثل ما تقدم في الحديث الذي يتعلق بخروج الروح، وأن المؤمن إذا كان عند خروج روحه يأتيه ملائكة معهم حرير أبيض من الجنة فيقولون: (يا أيتها النفس! اخرجي راضية مرضياً عنك، اخرجي إلى روح الله وريحان، ورب غير غضبان)، فيبشر فيحب لقاء الله عز وجل، ويفرح فيحب الله لقاءه.
    وأما الكافر فإنه إذا قيل له: اخرجي أيتها النفس الخبيثة ساخطة مسخوطاً عليك، فعند ذلك لا تريد الخروج؛ لأنه ليس أمامها إلا النار، فيكره الكافر لقاء الله لما يجده أمامه من العذاب، والله تعالى يكره لقاءه، وهذا مثل ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)؛ لأن المؤمن إذا بشر بما هو خير أمامه أحب لقاء الله، وأما الكافر فإن الدنيا جنته؛ فهو إذا بشر بما يسوؤه، وأخبر بما يسوؤه أمامه فإنه يكره أن يخرج من هذه الدنيا؛ لأنه يخرج من جنته ونعيمه، فليس عنده من النعيم والتلذذ إلا ما حصل في الدنيا، وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وهو أول حديث في كتاب الزهد من صحيح مسلم: (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر) فهو يسوؤه أن يخرج من هذه الحياة الدنيا؛ لأنه يترك النعيم الذي كان فيه، ولا نصيب له في النعيم إلا هذا النعيم، ويبشر بالعذاب، فيكره الخروج من هذه الدنيا، وأما المؤمن إذا بشر فإنه يفرح بالخروج من هذه الدنيا؛ لأنه بشر بما يسره، وهو قادم على ما يسره، وعلى النعيم الذي أعده الله عز وجل له.
    فـعائشة رضي الله تعالى عنها بينت أن الأمر ليس كما فهم، صحيح أن الله تعالى طبع الناس وجبل الناس على كراهية الموت فلا يحب الإنسان الموت، ولكن القضية ليست قضية الموت، وكراهية الموت، وإنما هي عند التبشير بالخير أو التبشير بالشر؛ فهذا يبشر بنعيم، وهذا يبشر بعذاب أليم.
    والشاعر يقول مبيناً أن الشيء يكون محبوباً مبغوضاً في آن واحد وفي وقت واحد كالشيب، فيقول:
    الشيب كره وكره أن نفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوب
    الشيب كره، إذا قيس الشيب بالشباب صار الشيب غير مرغوب فيه؛ لأن الشباب أحب منه وأرغب منه، لكن إذا نظر إلى ما بعده وهو الموت صار مرغوباً، ولهذا قال:
    الشيب كره وكره أن نفارقه
    يعني: يكره أن يموت، وكره أن نفارقه.. فاعجب لشيء على البغضاء محبوب
    مع أنه محبوب فهو مبغوض؛ محبوب لأجل ما وراءه، ومبغوض من أجل ما كان قبله وهو الشباب، ولهذا جاء في حديث البراء بن عازب في خروج الروح: (إن المؤمن إذا قيل لروحه: اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان، فتخرج كما تسيل القطرة من في السقاء)، أي: تخرج بسهولة، كما تسيل القطرة من فم القربة.
    وإذا كان بخلاف ذلك قيل له: اخرجي إلى عذاب وإلى رب غضبان، وإلى آخره، هي لا تريد أن تخرج، فيستخرجونها أي: الملائكة، أو يستخرجها ملك الموت كما يستخرج السفود من الصوف المبلول، والسفود هو: الحديدة التي فيها حدائد من جهات مختلفة، فإنها إذا دخلت بصوف ثم أريد إخراجها: فإنها لا تخرج إلا بعد أن يتمزق الصوف الذي أمامها والشعر الذي أمامها، فيكون خروجها كخروج السفود من الصوف المبلول لأنها لا تريد الخروج؛ لأنها بشرت بالعذاب، فتلك تخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، وهذه تخرج كما يخرج السفود من الصوف المبلول، وهذا هو الذي عناه الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (من أحب الله لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه).
    وهذا فيه دليل على أن الله تعالى يحب ويكره، وإثبات صفة الحب والكره لله عز وجل، وأن الله تعالى متصف بهذه الصفات، وصفاته كما تليق به؛ فكل ما يضاف إلى الله عز وجل في الكتاب والسنة يجب إثباته لله عز وجل وهو على ما يليق به سبحانه وتعالى، لا تشبه صفاته صفات المخلوقين، بل صفات الباري كما يليق بجلاله وعظمته، وصفات المخلوقين كما يليق بضعفهم وافتقارهم، والأمر كما قال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فهو سميع بصير ليس كمثله شيء، يعني: سمعه لا كالأسماع، وبصره لا كالأبصار، وحبه لا كالحب، وكراهيته لا كالكراهية.. وهكذا، فالصفات كلها من باب واحد يقال في بعضها ما يقال في البعض الآخر، لا يفرق بينها، بل كلها على وتيرة واحدة، وهي أنها تثبت كما يليق بالله عز وجل، ولا يتصور أن ما يضاف إلى الله عز وجل يشبه ما يضاف إلى المخلوقين، بل ما يضاف إلى الله عز وجل يليق بكماله وجلاله، وما يضاف للمخلوقين يليق بضعفهم وافتقارهم، والأمر كما قال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة، فهو يحب ويكره ولكن لا يشبهه شيء، ليس كمثله شيء في جميع الصفات، فهو سبحانه وتعالى صفاته جميعها تثبت على ما يليق به، وصفات المخلوقين تليق بهم، ولا تشبه صفة الخالق صفات المخلوق.
    [قال شريح: (لقيت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين! سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً إن كان كذلك فقد هلكنا قالت: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، ولكن ليس منا أحد إلا وهو يكره الموت)].
    وهذا فيه أن الأمور قد تخفى، وأن فهم بعض الأحاديث قد يخفى على بعض الصحابة وعلى التابعين، فيبينه الصحابة أو يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، يأتي بيانه من الرسول عليه الصلاة والسلام أو من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذا من جنس لما نزل قول الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] قالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟ قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: المراد بذلك: الشرك الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] يعني: الشرك، ثم ذكر الآية: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ففهموا أن المراد بذلك هو: ظلم، قالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟ فبين لهم أن المراد به: الشرك.
    وهنا فهم شريح أن المراد به: الموت، فقالت عائشة: لا، ليس المراد هو الموت، وإنما المراد ما يبشر به عند الموت إما نعيم، وإما عذاب، فهذا يفرح لأنه سيقدم على ما بشر به، وهذا يستاء ويكره؛ لأنه سيقدم على ما بشر به من العذاب والعياذ بالله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ...)

    قوله:

    [أخبرنا هناد].

    هو ابن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن أبي زبيد].

    هو عبثر بن القاسم الزبيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعبثر هذا هو الذي مر بنا في المصطلح بين عبثر وعنبر، وأنهما من قبيل المؤتلف والمختلف يعني: يتفقان في الرسم ويختلفان في النطق عبثر وعنبر، فـعبثر بن القاسم هو بالعين والباء والثاء والراء، وعنبر الذي هو جد محمد بن سواء هو بالعين والنون والباء والراء، فمتفقان في الرسم ولكنهما مختلفان في النطق والنقط، واتفقا في شكل الحروف والحركات، يعني: عبثر وعنبر شكل واحد، الفتحة، والسكون، والكسر، والفتح وما إلى ذلك كله سواء، ولكن الفرق إنما هو بالنقط والنطق، يعني: كونه منقوطاً وكون النطق يختلف في هذا وفي هذا.
    وعبثر بن القاسم أبو زبيد الزبيدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن مطرف].

    هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ومطرف بن طريف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عامر].
    هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قال الكلمة المشهورة في بيان ما كان عليه الرافضة من السوء، وهو قوله رحمة الله عليه: (إن اليهود والنصارى خالفوا الرافضة بخصلة، وهي أنه لو قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب موسى، ولو قيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب محمد)، يعني: شر أمة محمد هم أصحاب محمد، هكذا يقول الرافضة، هذا قاله عامر الشعبي من قديم الزمان، ثم قاله رافضي في قصيدة له طويلة، معروفة، مشهورة اسمها الأزرية أو الأرزية وهي مليئة بالخبث والنتن والقبح، والكلام الذي لا يقوله من يؤمن بالله واليوم الآخر في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، فإنه قال في بيت من أبياتها نفس الكلمة التي قالها الشعبي، يقول في بيت من أبياته:
    أهم خير أمة أخرجت للناس.. (أهم) استفهام إنكار.
    أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها
    هذا يقوله رافضي في قصيدة طويلة مطبوعة بعضها، ولا أدري، هل هي مطبوعة كلها، لكن رأيت أبياتاً منها مطبوعة، وعليها تعليقات، وتعقبات من بعض أهل السنة.
    فالرافضة يقولون عن أصحاب محمد: إنهم شر هذه الأمة، عكس اليهود والنصارى؛ فاليهود يقولون: خير الأمة أصحاب موسى، والنصارى يقولون: خير الأمة أصحاب عيسى، والرافضة يقولون: شر هذه الملة أصحاب محمد.
    ويقول في بيت من أبياتها، فيما معناه: أن سورة براءة لم تبدأ بالبسملة كسائر سور القرآن؛ لأنه ذكر فيها أبو بكر، مع أن الله ذكره بأحسن الذكر، وسماه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا المجرم الخبيث يقول: إن سورة براءة لم تبدأ بالبسملة؛ لأنه ذكر فيها أبو بكر، فنقول له: بأي شيء ذكر أبو بكر؟ ذكر بالثناء، وتسميته صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام بنص القرآن إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ [التوبة:40] أي: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لصاحبه أبي بكر، والله تعالى قال عن أبي بكر أنه صاحب رسول الله وسماه صاحب رسول الله، ولما قرب المشركون الذين تفرقوا يبحثون عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه وجاءوا على باب الغار، وأقدامهم يراها الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وأولئك واقفون في الغار، فقال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: (لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا، فقال عليه الصلاة والسلام لـأبي بكر: ما ظنك باثنين الله ثالثهما) الاثنان من هما؟ الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، والله ثالثهما بنصره، وتأييده، وحفظه، وكلأته.
    فهذا ثناء حصل لـأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، لكن كما قال تعالى: وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف:17] يعني: هذا الثناء وهذا الذكر الحسن كونه يقال له: صاحب رسول الله بنص القرآن، مع ذلك يأتي رافضي خبيث يقول: إن سورة براءة لم تبدأ بالبسملة لأنه ذكر فيها أبو بكر.

    [عن شريح بن هانئ].

    ثقة، مخضرم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم.

    [عن أبي هريرة].

    رضي الله عنه، هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثرهم أبو هريرة، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، ستة رجال وامرأة واحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    شرح حديث: (إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا اسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك ح وأخبرنا قتيبة حدثنا المغيرة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو حديث قدسي، والحديث القدسي هو: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول يسنده إلى ربه عز وجل، يعني: يقول فيه: قال الله عز وجل، ثم تأتي ضمائر في التكلم ترجع إلى الله عز وجل، مثل قوله: [(إذا أحب عبدي لقائي)] ضمير المتكلم يرجع إلى الله عز وجل، [(أحببت لقاءه)] أحببت ضمير تكلم يرجع إلى الله عز وجل.
    قوله: [(ومن كره لقائي كرهت لقاءه)] حديث قدسي أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه، وأنه من كلام ربه تكلم به، فالقرآن معلوم أنه كلام الله لفظه ومعناه، والله تكلم به بلفظه ومعناه، لكن الحديث القدسي هل هو كلام الله لفظاً ومعنى أو هو معنى فقط؟
    من المعلوم أن الأحاديث القدسية هي كلام الله معنى، والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي تكلم بها، ولهذا فإن السنة كلها وحي من الله عز وجل أوحاه إلى رسوله عليه الصلاة والسلام، القرآن والسنة وحيان جاءا من الله عز وجل إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به، ومعجز، والحديث الذي هو السنة متعبد بالعمل به ولم يتعبد بتلاوته، وليس معجزاً، وما تحدي به، فهذا من الفروق بين القرآن وبين السنة.
    ومن المعلوم أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو عن الله، يقول الله عز وجل: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى )[النجم:3-4]. أوحاه الله عز وجل إلى رسوله عليه الصلاة والسلام، وفي حديث الدين الذي فيه يغفر للشهيد يعني: كل ذنب، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إلا الدين سارني به جبريل آنفاً) فاستثني الدين الذي هو من حقوق الناس فقال: (سارني به جبريل آنفاً)؛ يعني: نزل بالوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فالقرآن والسنة كلها كلام الله عز وجل، يعني: كونها من الله عز وجل، فالقرآن كلام الله لفظاً ومعنى، أما الحديث القدسي فالمتكلم به هو الله عز وجل، والذي قال: (من أحب لقائي) هو الله، فالضمائر ترجع إلى الله عز وجل، ما أحد يقول: من أحب لقائي، وهو غير الله عز وجل، لكن هل هو لفظ ومعنى؟
    من المعلوم أن الأحاديث القدسية تدخلها الرواية بالمعنى، والحديث إذا دخلته الرواية بالمعنى لا يقال أن اللفظ هو لفظ الله، ولا لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الراوي عندما يبلغه الحديث قد يضبط لفظه ومعناه فيؤدي اللفظ كما سمعه، لكن قد يتقن المعنى وينسى اللفظ، أو ما يضبط اللفظ لكن المعنى مضبوطاً عنده، فهذا ماذا يصنع؟ هل يحدث بالحديث الذي ضبط معناه ونسي لفظه، أو يعبر عنه بعبارته ويرويه بالمعنى؟ أو يقال: لا تتكلم ما دمت ما ضبطت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظه؟ لا، (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )[التغابن:16] إذا لم يتمكن من أداء اللفظ، وتمكن من أداء المعنى فليعبر عنه، وليبين ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالمعنى.
    الأحاديث القدسية نجد أن بعضها يأتي بروايات عديدة وبألفاظ مختلفة، وهذا نتيجة الرواية بالمعنى، فيقال في الأحاديث القدسية: إن المتكلم بها هو الله، والضمائر ترجع إلى الله، لكن هل الألفاظ كلها التي جاءت في الأحاديث القدسية هي كلام الله عز وجل لفظاً ومعنى، أو أنها مروية بالمعنى؟ لو عرفنا أن هذا اللفظ هو لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وما دخلته الرواية بالمعنى يمكن أن نقول أن هذا كلام الله لفظاً ومعنى، كما أنه معنى هو أيضاً لفظ، لكن ما دامت الأحاديث القدسية تدخلها الرواية بالمعنى كالأحاديث غير القدسية لا يجزم أو لا يستطاع أن يجزم مع ذلك بأن اللفظ بجميعه هو كلام الله عز وجل لفظاً.
    إذاً: قوله: [(من أحب لقائي أحببت لقاءه ومن كره لقائي كرهت لقاءه)] وبهذا تعرف ما يتعلق بالحديث القدسي من حيث تعريفه، ومن حيث هل هو كلام الله لفظاً ومعنى، والفرق بينه، وبين القرآن.
    والباقي مثل ما كان قبله، يعني: كونه يحب لقاء الله، إذا بشر بما أعد له من نعيم، ويستبشر، ويفرح، ويحب لقاء الله، والعكس من يبشر بالعذاب الأليم، فيكره الخروج من هذه الحياة الدنيا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه ...) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه].هو المصري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.

    [عن ابن القاسم].

    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.

    [عن مالك].

    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [(ح) وأخبرنا قتيبة].
    (ح) هذه للتحول من إسناد إلى إسناد، وقتيبة شيخ آخر للنسائي، الشيخ الأول: الحارث بن مسكين، والشيخ الثاني في هذا الإسناد: قتيبة، وهو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا المغيرة].
    هو المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزناد].
    هو عبد الله بن ذكوان المدني، لقبه أبو الزناد وهو بلفظ الكنية وليست كنية، وكنيته غير ذلك؛ فكنيته: أبو عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز المدني لقبه الأعرج وهو مشهور بلقبه، ومشهور باسمه أيضاً عبد الرحمن بن هرمز، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    حديث: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أنساً رضي الله تعالى عنه يحدث عن عبادة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)].أورد النسائي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو مثل حديث أبي هريرة، يعني: بلفظه ومعناه، وقد مر بيان المعنى.
    قوله:
    [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو محمد بن المثنى العنزي الملقب بـالزمن، وكنيته: أبو موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [عن محمد].
    هو ابن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء محمد يروي عن شعبة ويروي عنه محمد بن المثنى أو محمد بن بشار فالمراد به: غندر، أي: محمد بن جعفر الملقب غندر، يأتي ذكره غير منسوب يعني: محمد.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أنساً].
    هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، خدمه عشر سنين، وهو من صغار الصحابة، وقد عمّر، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكرهم آنفاً عند أبي هريرة، وهذا الإسناد كلهم بصريون: محمد بن المثنى، ومحمد بن جعفر، وشعبة، وقتادة، وأنس، هؤلاء كلهم بصريون، فهو مسلسل بالرواة البصريين، وهو أيضاً مسلسل بكون الرجال كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبادة].
    هو عبادة بن الصامت رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي جليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وهو من رواية الصحابة عن الصحابة؛ رواية صحابي عن صحابي، صحابي صغير عن صحابي كبير.

    حديث: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو الأشعث حدثنا المعتمر: سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)].أورد النسائي حديث عبادة بن الصامت من طريق أخرى، وهو مثل الطريقة السابقة، يعني: من حيث المتن.
    قوله:

    [أخبرنا أبو الأشعث].

    هو أحمد بن المقدام العجلي، وهو صدوق، أخرج له البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه.
    [حدثنا المعتمر].
    هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أبي].
    هو سليمان بن طرخان التيمي، وهو كذلك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويقال له التيمي وليس من التيميين، ولكنه نزل فيهم فنسب إليهم، وحديثه -أي: سليمان بن طرخان- عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة عن أنس عن عبادة].
    وقد مر ذكرهم بالإسناد الذي قبل هذا.

    شرح حديث: (من أحب لقاء الله) من طريق خامسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد (ح) وأخبرنا حميد بن مسعدة عن خالد بن الحارث حدثنا سعيد عن قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، زاد عمرو في حديثه فقيل: يا رسول الله! كراهية لقاء الله كراهية الموت كلنا نكره الموت، قال: ذاك عند موته إذا بشر برحمة الله ومغفرته أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإذا بشر بعذاب الله كره لقاء الله وكره الله لقاءه)].وهذا حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهو بمعنى ما تقدم، وفيه: أن هذا البيان والتفسير، وهذا الاستشكال أورد على الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي الطريقة السابقة أورد شريح الإشكال على عائشة، وهنا في حديث عائشة رضي الله عنها، أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين ذلك، وأنه مرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن الرسول قيل له: كلنا نكره الموت، فبين عليه الصلاة والسلام أن المؤمن إذا بشر برحمة الله ومغفرته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإذا بشر بعذاب الله كره لقاء الله وكره الله لقاءه.
    قوله: [(وإذا بشر)] أي: الذي يكره لقاء الله فيكره الله لقاءه، فهذه الرواية تبين أن هذا التفسير إنما هو من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن هذا الاستشكال قد عرض على الرسول عليه الصلاة والسلام، فأجاب بما يوضح، وأن المقصود ليس كراهية الموت؛ لأن هذا شيء طبع عليه الناس، وإنما المقصود: المحبة عندما يبشر بالمغفرة والرحمة، وذاك عندما يبشر بالعذاب، فإنه هذا يسر وهذا يساء، وهذا يحب لقاء الله، وهذا يكره لقاء الله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من أحب لقاء الله) من طريق خامسة

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا عبد الأعلى].
    هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد].
    هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة ،كثير التدليس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ح وأخبرنا حميد بن مسعدة].
    وكلمة (ح) هذه معناه تحويل وانتقال إلى إسناد آخر، وحميد بن مسعدة البصري صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن خالد بن الحارث].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد عن قتادة].
    التقى الإسنادان عند سعيد عن قتادة وقد مر ذكرهما.
    [عن زرارة].
    هو زرارة بن أوفى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي سبق أن مر بنا أنه مات فجأة في الصلاة؛ فكان يصلي بالناس الفجر، ويقرأ بهم سورة المدثر، فلما جاء عند قول الله عز وجل: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ )[المدثر:8-9] شهق وسقط مغشياً عليه ومات، وقد ذكر ذلك ابن كثير عند تفسير هذه الآية، وكذلك ذكره غيره، وقالوا: مات فجأة في الصلاة.
    [عن سعد بن هشام].
    هو سعد بن هشام بن عامر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.


  7. #327
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (324)

    - (باب تقبيل الميت) إلى (باب في البكاء على الميت)

    كتب الله تعالى على هذه الدار بمن فيها الفناء، فالكل ميت ومفارق لها، فمن مات له إنسان فبكى عليه فلا بأس إذا كان بكاء مما يسوغ في الشرع، فلقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال واصفاً حاله: إنها رحمة. ونهى عن البكاء الذي يصحبه صوت وجزع.
    تقبيل الميت

    شرح حديث: (أن أبا بكر قبل بين عيني النبي وهو ميت)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تقبيل الميت. أخبرنا أحمد بن عمرو أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه قبل بين عيني النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ميت].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تقبيل الميت، أي: أنه جائز، وأورد فيه ما حصل من أبي بكر رضي الله عنه، لما جاء والرسول صلى الله عليه وسلم قد مات، وهو مغطى فكشف عن وجهه، وقبل بين عينيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله عن أبي بكر الصديق وعن الصحابة أجمعين، ففعل هذا الصحابي الجليل أول الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، يدلنا على أن ذلك سائغ.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن أبا بكر قبل بين عيني النبي وهو ميت)

    قوله:
    [أخبرنا أحمد بن عمرو].
    هو أحمد بن عمرو بن السرح أبو الطاهر المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا ابن وهب عن يونس].
    يونس، هو ابن يزيد الأيلي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.

    حديث: (أن أبا بكر قبل النبي وهو ميت) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى عن سفيان حدثني موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس وعائشة رضي الله تعالى عنهم أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه قبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت].أورد النسائي حديث ابن عباس، وعائشة وهو مثل الذي قبله (أن أبا بكر رضي الله عنه، قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ميت) في الحديث الأول بين أنه قبل بين عينيه، وهذا مطلق، وذاك يبين مكان التقبيل.
    قوله:
    [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ومحمد بن المثنى].
    هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومثله محمد بن المثنى، فـمحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي كل منهما شيخ لأصحاب الكتب الستة، وقد ماتا في سنة واحدة وهي سنة (252هـ)، ومثلهم محمد بن بشار أيضاً شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومات معهم في هذه السنة، فهم ثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة ماتوا في سنة واحدة.
    [قالا: حدثنا يحيى].
    هو ابن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني موسى بن أبي عائشة].
    هو موسى بن أبي عائشة الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن عبيد الله بن عبد الله].
    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وعروة، وعبيد الله بن عبد الله هذان من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة، فقيه، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وفقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين هم: عبيد الله هذا، وعروة بن الزبير الذي مر، وكذلك سعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن ابن عباس وعائشة].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهم: من صغار الصحابة، ومشهورون بهذا اللقب: العبادلة الأربعة، مع أن من يسمى عبد الله كثير من أصحاب رسول الله، ولكن هذا اللقب اشتهر بهؤلاء العبادلة الأربعة.
    [عن عائشة].
    مر ذكرها.

    شرح حديث: (أن أبا بكر أقبل على فرس ... ثم أكب عليه فقبله فبكى ...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد حدثنا عبد الله حدثنا معمر ويونس قالا: قال الزهري: وأخبرني أبو سلمة أن عائشة رضي الله تعالى عنها أخبرته، أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه، أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله تعالى عنها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى ببرد حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه، فقبله، فبكى، ثم قال: بأبي أنت، والله لا يجمع الله عليك موتتين أبداً، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وفيه تفصيل ما حصل من أبي بكر رضي الله عنه، وأنه قدم من مسكنه بالسنح، وهو مكان في عوالي المدينة، فجاء على فرس، بعد أن سمع خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان بعض الصحابة دهشوا وذهلوا، ولم يصدق بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات، فدخل وكشف عن وجهه، وكان مغطى ببرد حبرة، وهي ثياب من الثياب اليمانية يقال له: حبرة بوزن عنبة، يعني: كان قد غطي به عليه الصلاة والسلام، فكشف عن وجهه، [(ثم كب عليه فقبله فبكى، ثم قال: بأبي أنت والله)].
    يعني: مفدي أنت بأبي والله، ليس المقصود به الحلف بالله وإنما المقصود به: فداؤك أبي، وهذه كلمة يقولها العرب، ويستعملونها كثيراً، فعندما يخاطبونه يذكرون التفدية، فأحيان يقولون بالأب والأم، وأحياناً يقولون بالأب كما هو هنا؛ وذلك لشدة محبة الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذه كلمة تستعمل حتى في حال الموت؛ لأنها كلمة تدل على تعظيم من تقال في حقه والتنويه بشأنه.
    قال: (والله لا يجمع الله عليك موتتين أبداً)، يعني: كونه يموت، ثم يرجع، ثم يموت، ليس هناك إلا هذه الموتة التي يخرج بها من الدنيا، نعم هناك موتتان وحياتان جاءت في القرآن: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ )[غافر:11] (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ )[البقرة:28]، فالموتة الأولى: هي التي كانت لهم حين كانوا عدماً وقبل أن يوجدوا، ثم حصلت الحياة الدنيا، ثم يحصل الموت، ثم تحصل الحياة الأخروية، هاتان هما الحياتان، والموتتان اللتان قال الله عز وجل عن الكفار: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ )[غافر:11]، وجاء تفصيلها في سورة البقرة: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ )[البقرة:28] الموت الأول وهو كونه عدماً، ثم الحياة الدنيوية، ثم الموت والانتقال منها، ثم الحياة الأخروية التي ليس بعدها موت، وإنما الموتة التي كتبها الله عز وجل عليه قد ذاقها وقد ماتها، وأنه قد مات فعلاً، وليس كما حصل من بعض الصحابة حينما دهش وذهل، وقال ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    تسجية الميت

    شرح حديث جابر: (جيء بأبي يوم أحد ... وقد سجي بثوب ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تسجية الميت. أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان سمعت ابن المنكدر يقول: سمعت جابراً رضي الله تعالى عنه يقول: (جيء بأبي يوم أحد وقد مثل به، فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سجى بثوب، فجعلت أريد أن أكشف عنه فنهاني قومي، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرفع، فلما رفع سمع صوت باكية، فقال: من هذه؟ فقالوا: هذه بنت عمرو أو أخت عمرو، قال: فلا تبكي، أو فلم تبكي؟ ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تسجية الميت، وقد مر في الحديث الذي قبله كون النبي صلى الله عليه وسلم قد سجي ببرد حبرة، وأن أبا بكر كشف ذلك البرد وقبله، فهو دال على ما حصل، إلا أن هذا فيه كونه فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأقره على ذلك، ومن المعلوم أن كون الصحابة سجوه دليل على أن فعلهم حجة؛ ولكن النسائي رحمه الله، أتى بالشيء الذي هو مضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث التقرير، وأنه أقره حيث كان قد سجي بثوب.
    وتسجية الميت يعني: تغطيته إذا مات، وأورد في هذه الترجمة حديث جابر بن عبد الله أنه أوتي بأبيه لما استشهد يوم أحد وقد مثل به حتى تغيرت صورته، وقد سجي بثوب، فجاء يريد أن يكشف عنه فنهاه قومه، ولعل نهيهم عنه لأنه قد مثل به فيخشون أنه يصيبه تأثر شديد لكونه قد مثل به، فلعل هذا هو السبب لكونهم ينهونه، ويخشون أن يتألم، وأن يتأثر تأثراً بالغاً، فلم يريدوا منه أن يكشف فيرى وجه أبيه ممثلاً به، فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غطي.
    قوله: [(فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فرفع)] أي: حمل حتى يدفن، ويوارى.
    قوله: [(فلما رفع سمع صوت باكية، فقال: من هذه قالوا: ابنة عمرو أو أخت عمرو)] يعني: وهي من أقربائه.
    قوله: [(قال: فلا تبكي)].
    قيل: إنه نهي، وقيل: إنه نفي بمعنى النهي.
    قوله: [(أو فلم تبكي؟)] فهذا شك من الراوي هل قال كذا، أو قال كذا؟ والمقصود من هذا: أنها كيف تبكي وهو قد أقدم على خير؟ وهو يفرح له بهذا الذي أقدم عليه، ولا يبكى عليه وقد حصل له هذا الخير وهي: الشهادة في سبيل الله عز وجل.
    ثم قال عليه الصلاة والسلام: [(ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع)]، وهذا يدل على فضل عبد الله بن حرام رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (جيء بأبي يوم أحد ... وقد سجي بثوب ...)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن منصور].
    هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، ثبت، حجة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت ابن المنكدر].
    هو محمد بن المنكدر المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت جابراً].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين مر ذكرهم آنفاً، وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية، يعني: محمد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر، فهو سند رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي.


    في البكاء على الميت


    شرح حديث: (... إني لست أبكي ولكنها رحمة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [في البكاء على الميت.أخبرنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما حضرت بنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم صغيرة فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمها إلى صدره، ثم وضع يده عليها فقضت، وهي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت أم أيمن، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم أيمن! أتبكين ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندك؟ فقالت: مالي لا أبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لست أبكي، ولكنها رحمة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن بخير على كل حال، تنزع نفسه من بين جنبيه، وهو يحمد الله عز وجل)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي في البكاء على الميت، والمقصود بالبكاء هو: البكاء السائغ الذي لا محذور فيه ولا مانع منه، وهو الذي يكون عن طريق حزن القلب، ودمع العين من غير صوت للإنسان حين يبكي حتى يحصل منه كلام أو شيء من ذلك، وإنما كون عينه تدمع وقلبه يحزن فهذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده، وأما حصول البكاء برفع صوت أو ما إلى ذلك فإن هذا محرم، وقد جاء فيه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستأتي في الأحاديث القادمة، وقد كان عليه الصلاة والسلام يحصل منه البكاء عند موت الإنسان، فقد بكى عندما مات ابنه إبراهيم، وقال: (إن العين لتدمع، والقلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون).
    وقد أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، في شأن وفاة ابنة صغيرة للرسول صلى الله عليه وسلم، أي: ابنة لإحدى بناته توفيت وخرجت نفسها وهي بين يديه، (قضت) أي: ماتت وهي بين يديه صلى الله عليه وسلم فبكى، وظهر منه البكاء، ودمعت عينه، وكانت أم أيمن عنده فبكت، فقال لها رسول الله عليه الصلاة والسلام: كيف تبكين، وأنت عند رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قالت: مالي لا أبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال: (إني لست أبكي ولكنها رحمة).
    يعني: إن الذي حصل إنما هو دمع العين، وحزن القلب، وهذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده، وذلك لا مانع منه، وإنما المحذور أن يكون هناك صوت عند البكاء، بأن يحصل من الإنسان تجاوز ذلك الذي هو سائغ، إلى غيره مما لا يسوغ ولا يجوز، فهذا هو الذي جاءت به الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في النهي عنه، ولعل أم أيمن ظهر لها صوت، فالنبي عليه الصلاة والسلام ذكر لها ذلك، وقالت: إنها تبكي لأن النبي صلى الله عليه وسلم يبكي، ومن المعلوم أن البكاء الذي هو سائغ هو الذي عن طريق دمع العين وحزن القلب، أما إذا وجد صوت فإن هذا غير سائغ كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [(قالت: مالي لا أبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لست أبكي ولكنها رحمة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن بخير على كل حال)].
    أي: في جميع أحواله هو على خير، فإن أصابه شيء يسر شكر الله عز وجل عليه، فهو على خير، وإن أصابه شيء يضر صبر عليه، فإنه على خير، وقد جاء في الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن)، فالمؤمن في خير على كل حال، سواء كان في حال السراء أو الضراء، إن كان في السراء فهو شاكر، وهو على خير في شكره لله عز وجل على نعمه، وإن كانت الضراء وصبر، فهو على خير على صبره على المصائب، وكونه يؤمن بقضاء الله وقدره، فهو على خير في جميع الأحوال.
    قوله: [(المؤمن بخير على كل حال، تنزع نفسه من جنبيه وهو يحمد الله عز وجل)].
    أي: يحمد الله عز وجل، ويصبر على ما أصابه، وهذا هو شأن المؤمن فهو في حمد، وشكر، وصبر، واحتساب للأجر عند الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إني لست أبكي ولكنها رحمة ...)

    قوله:
    [أخبرنا هناد بن السري].
    هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا أبو الأحوص].
    هو سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وهو ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي الأحوص، وهنا ذكر بما اشتهر به، بل إن ذكره غالباً إنما هو بكنيته؛ لأنه قد اشتهر بذلك.
    [عن عطاء بن السائب].
    صدوق، اختلط، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عكرمة].
    هو ابن عبد الله مولى ابن عباس، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام.
    والإسناد فيه عطاء بن السائب. وهو ممن اختلط، ومن المعلوم أن المختلط إذا جاء شيء يعضده، وجاء الحديث من طرق أخرى فإنه يكون ثابتاً لوروده من غير طريقه، أما لو لم يأت إلا من طريق المختلط، فهذا ينظر فيه هل كان الأخذ عنه قبل الاختلاط، أو بعده؟ فإذا كان قبل الاختلاط، فإنه يعتمد ولا يؤثر، وإن كان الأخذ عنه بعد الاختلاط، فهذا هو الذي يؤثر، وعلى كل حال فإذا كان الأخذ بعد الاختلاط، أو شك هل هو قبل الاختلاط أو بعده، وثبت أو روي الحديث من طرق أخرى، فإن الرواية أو الحديث الذي جاء عن المختلط لا يؤثر؛ لأنه قد جاء من غير طريقه، فيكون ذلك الطريق الذي جاء منه ثابتاً من أجل ما جاء عن غيره، وليس من أجل ما جاء عنه هو.
    وابن عباس هو أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    شرح حديث: (أن فاطمة بكت على رسول الله حين مات ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن فاطمة رضي الله تعالى عنها بكت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات فقالت: يا أبتاه! من ربه ما أدناه، يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه! جنة الفردوس مأواه].أورد النسائي هذا الحديث، أن فاطمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها لما توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام بكت البكاء الذي لا صوت معه، والذي يكون بدمع للعين، وحزن للقلب، وهذا ما فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو القدوة والأسوة الحسنة لأمته عليه الصلاة والسلام، وفاطمة ابنته رضي الله تعالى عنها وأرضاها، لما توفي عليه الصلاة والسلام بكت وقالت هذه المقالة عند وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها، قالت: (يا أبتاه! من ربه ما أدناه)، يعني: ما أقربه من ربه، (إلى جبريل ننعاه)؛ لأنه كان ينزل إلى الأرض بالوحي على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وبموت الرسول صلى الله عليه وسلم ينتهي نزول جبريل بالوحي.
    ثم قالت: (يا أبتاه! جنة الفردوس مأواه)، وهو المكان الأعلى من الجنة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان آخر ما قاله وهو في النزع: (اللهم في الرفيق الأعلى).
    والحديث أورده النسائي من أجل ذكر البكاء، وقد علمنا بأن البكاء على الميت يسوغ إذا كان عن طريق حزن القلب ودمع العين من غير صوت عند البكاء، ومن غير أمور أخرى كما سيأتي ذكرها، وهي: شق الجيوب، وحلق الرءوس، وما إلى ذلك من الأشياء التي جاء اللعن فيها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في حق من فعل تلك الأمور.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن فاطمة بكت على رسول الله حين مات ...)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [عن عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، حافظ، مصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري نزيل اليمن، أكثر عبد الرزاق بن همام من الرواية عنه، وقد روى عنه حديث الصحيفة، وهي: صحيفة همام بن منبه الطويلة التي تشتمل على مائة وأربعين حديثاً تقريباً، وهي موجودة في مسند الإمام أحمد، وقد أفردت في الطباعة، وقد اشتملت على مائة وأربعين حديثاً كلها صحيحة، وكلها بإسناد واحد من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، وكلها بإسناد واحد، وبين كل حديث وحديث: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، والبخاري رحمه الله أخرج منها أحاديث، ومسلم أخرج منها أحاديث، واتفقا على إخراج أحاديث منها، وتركا أحاديث منها، وهذا من أوضح الأدلة على أن الإمام البخاري والإمام مسلم لم يتلزما بإخراج كل حديث صحيح؛ لأن هذه الصحيفة بإسناد واحد، ومع ذلك أخذا منها وتركا، فلو كان القصد هو إخراج كل حديث صحيح لكان هذا الإسناد الذي أخرجا بعض الأحاديث من هذه الطريق ما تركا شيئاً من هذا الإسناد، أو من هذا المتن الذي جاء بهذا الإسناد، وإنما أخذا وتركا، وهذا من أوضح الأدلة التي يستدل بها على أن البخاري، ومسلم لم يلتزما إخراج كل حديث صحيح، بل تركا من الصحيح الشيء الكثير، ولم يقصدا الاستيعاب والحصر للأحاديث الصحيحة، وإنما أرادا جمع جملة كثيرة من الأحاديث الصحيحة، من غير استقصاء واستيعاب.
    ومعمر بن راشد الأزدي البصري نزيل اليمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، وهم أبو هريرة، وابن عباس، وابن عمر وأنس، وجابر، وأبو سعيد، وأم المؤمنين عائشة هؤلاء هم السبعة المعروفون بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (... لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن يزيد حدثنا بهز بن أسد حدثنا شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله تعالى عنه: (أن أباه قتل يوم أحد قال: فجعلت أكشف عن وجهه وأبكي، والناس ينهوني، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، وجعلت عمتي تبكيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه)].أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، في قصة استشهاد والده عبد الله بن حرام رضي الله تعالى عنه، وأنه قد مثل به، وكان قد سجي بثوب، وكان ابنه جابر يبكي ويكشف عن وجهه، والصحابة ينهونه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاه، ولعل كونهم ينهونه؛ لأنه قد مثل به، وتغيرت صورته رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فخشوا أن يصيبه تأثر كبير وتألم عظيم، فأرادوا الرفق به، ولهذا نهوه وكرروا النهي؛ لأنه إذا رأى وجه أبيه وقد تغير ومثل به، فقد يحصل له تأثر، فلعل هذا هو الذي دفعهم إلى ذلك.
    والنسائي أورد الحديث هنا من أجل ذكر البكاء، وأنه كان يبكي بحضرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن البكاء كما هو معلوم هو البكاء الذي هو سائغ، وهو الذي يكون معه دمع العين، وحزن القلب، والحديث سبق أن مر بنا عند ذكر التسجية، وتغطية الميت وتسجيته، وأنه يسجى ويغطى، وجابر رضي الله عنه، كان يبكي، ويكشف عن وجهه وأصحابه ينهونه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاه، وهذا دال على ما ترجم له المصنف من البكاء على الميت، أي: البكاء السائغ الذي لا ينهى عنه.
    أما عمته وقد مر في الحديث أنها أخت عمرو أو ابنة عمرو وهو شك من الراوي فإنها بكته، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبكي، يعني: نهاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البكاء، وقال: (إن الملائكة ما زلت تظله حتى رفع) يعني: ومثله قد أقدم على شيء يسر، وعلى شيء ينفع، فمثله لا يبكى عليه؛ لأنه أقدم على ما هو خير، وانتقل إلى ما هو خير، والملائكة كانت تظله إكراماً له، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله ...)


    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن يزيد].
    هو عمرو بن يزيد الجرمي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن بهز بن أسد].
    هو بهز بن أسد العمي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن المنكدر].
    هو محمد بن المنكدر المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهو من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام المكثرين من الرواية عنه، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكرهم آنفاً.

  8. #328
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (325)

    - باب النهي عن البكاء على الميت

    لا شك أن الإنسان يحزن إذا مات أحد أحبابه، وربما دمعت عيناه وهذا لا بأس به، وإنما الذي حرمته الشريعة هو النياحة؛ وهي: الصياح وشق الجيوب ونحوهما، مع أن ذلك قد يكون سبباً في تعذيب الميت في قبره، وذلك إذا أوصى به أو علم أنه سيفعل ولم ينه عنه.

    النهي عن البكاء على الميت


    شرح حديث: (... دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن البكاء على الميت.أخبرنا عتبة بن عبد الله بن عتبة قرأت على مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك (أن عتيك بن الحارث -وهو جد عبد الله بن عبد الله أبو أمه- أخبره أن جابر بن عتيك رضي الله تعالى عنه أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت، فوجده قد غلب عليه، فصاح به، فلم يجبه، فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد غلبنا عليك أبا الربيع، فصحن النساء وبكين، فجعل ابن عتيك يسكتهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهن، فإذا وجب فلا تبكين باكية، قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: الموت، قالت ابنته: إن كنت لأرجو أن تكون شهيداً؛ قد كنت قضيت جهازك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن الله عز وجل قد أوقع أجره عليه على قدر نيته، وما تعدون الشهادة؟ قالوا: القتل في سبيل الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله عز وجل: المطعون شهيد، والمبطون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب الهدم شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، وصاحب الحرق شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: النهي عن البكاء على الميت، وذكر في الترجمة السابقة في البكاء على الميت، والمراد من ذلك الجواز، وهذه الترجمة فيها النهي، والفرق بين ما يجوز وما لا يجوز، وأن الجائز هو الذي يكون -كما أسلفت- عن حزن في القلب، ودمع من العين، وأما الذي لا يجوز فهو الذي يكون معه رفع صوت، فهذا هو الذي لا يجوز.
    إذاً: فهناك ترجمتان: ترجمة في البكاء، أي: في جوازه، وترجمة في النهي عن البكاء على الميت، وهو الذي يكون على الصفة التي جاءت الأحاديث في المنع منها، وهي ما يكون فيها رفع صوت، ونياحة على الميت.
    وقد أورد النسائي حديث جابر بن عتيك رضي الله تعالى عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى عبد الله بن ثابت يعوده وهو مريض، فوجده قد غلب عليه، أي: أنه قد فقد وعيه فجعل يصيح به، وكان: يناديه وهو لا يتكلم، فقد غلبنا عليك يا أبا الربيع. (فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله).
    (صاح به) أي: ناداه، يا فلان، يعني: معناه رفع صوته يناديه وهو لا يجيبه؛ لأنه إما أنه لا يستطيع الإجابة، أو أنه قد أغمي عليه فهو لا يشعر.
    (فاسترجع رسول الله) وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
    قوله:[(فصحن النساء وبكين)] أي: أقاربه، فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال عليه الصلاة والسلام: [(دعهن، فإذا وجب فلا تبكين باكية)]. وهذا هو محل الشاهد، أي: إذا مات فلا تبكين باكية، وهذا نهي مؤكد بنون التوكيد الثقيلة (فلا تبكين باكية)، والمقصود البكاء الذي معه صوت، أما البكاء الذي لا صوت معه فقد فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفعل بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام، كما حصل لـجابر رضي الله تعالى عنه، وكما حصل لـفاطمة رضي الله عنها بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم، وقد مرت الأحاديث في ذلك.
    قوله: [قالت ابنته: إني لأرجو أن تكون شهيداً قد قضيت جهازك]، أي: أنه تهيأ للجهاد، وقضى واستعد وجهز العدة للجهاد في سبيل الله عز وجل، فهي ترجو أن يكون شهيداً، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تعالى قد أوقع أجره عليه على قدر نيته)، يعني: أن ما نواه من الخير، وما نواه من العمل الصالح فالله تعالى يثيبه على ذلك، وهو لم يتمكن من هذا، أعد العدة وتجهز، ولكنه لم يتمكن؛ وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الجهاد يكون بالنية كما جاء في الحديث: (إن في المدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر) يعني: إلا كانوا معكم بنيتهم وقصدهم، هذا هو الذي يدل على أن الإنسان يؤجر بنيته، وكذلك الإنسان الذي يتمنى أن يكون مثل غيره؛ ليعمل مثل عمله العمل الصالح فهذا على خير، وأما الحديث الذي ورد: (نية المؤمن خير من عمله) فهذا ضعيف لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [(ما تعدون الشهادة؟)] أي: من الذي تعنونه بالشهادة؟ قالوا: الذي يقتل في سبيل الله عز وجل.
    ثم قال عليه الصلاة والسلام: (الشهادة سبع سوى القتل) يعني: أن هناك شهداء، ولهم أجر الشهادة وإن لم يقتلوا في سبيل الله عز وجل، وذكر سبعة منهم في هذا الحديث، وقد جاءت أحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في ذكر جماعة من الشهداء، أي: في ثواب الآخرة، وقد جمعهم الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وأشار إلى أن الذين ثبتت فيهم أحاديث يبلغون عشرين أو قريباً من ذلك والإمام النووي في كتابه رياض الصالحين عقد ترجمة أورد تحتها جملة من الأحاديث التي فيها أمثال هؤلاء الشهداء، فقال: باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة ويغسلون ويصلى عليهم، وذكر أنهم يغسلون ويصلى عليهم، وإنما هذه الشهادة إنما هي في الأجر والثواب، ولذلك قال النووي: باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة، ويغسلون ويصلى عليهم، بخلاف الشهيد في قتال الكفار فإن هذا لا يغسل ولا يصلى عليه، ثم ذكر هؤلاء السبعة في هذا الحديث، وهم: المطعون، وهو: الذي أصابه الطاعون أو مات بسبب الطاعون، والمبطون وهو: الذي مات بسبب وجع البطن، وقيل: المرأة تموت في نفاسها، يعني: بسبب ولادتها، والغريق الذي يحصل له الغرق في الماء، وصاحب الهدم الذي يكون عليه انهدام بيت أو بناء، وصاحب ذات الجنب وهو: المرض الذي يكون في الجنب، ويكون سبباً في الوفاة، ويسمى بهذا الاسم، وصاحب الحرق، يعني: الذي أصابه احتراق بالنار، والمرأة تموت بجمع، يعني: في بطنها ولد، فهي شهيدة، فهؤلاء السبعة من جملة الشهداء الذين وردت فيهم أحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام تدل على أنهم شهداء وإن لم يكونوا من شهداء المعركة في الجهاد في سبيل الله، وقتال الكفار في سبيل الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية ...)

    قوله:
    [أخبرنا عتبة بن عبد الله بن عتبة].
    هو عتبة بن عبد الله بن عتبة المروزي، وهو صدوق، أخرج له النسائي وحده.
    [قرأت على مالك].
    هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، قال عنه الحافظ في التقريب: رأس المتقنين، وكبير المثبتين، يعني: أنه في القمة في الثقة، والحفظ، والعدالة رحمة الله عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك].
    عبد الله بن عبد الله بن جابر وقيل: جبير بن عتيك الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أن عتيك بن الحارث وهو جد عبد الله بن عبد الله].
    هو جد الذي قبله لأمه، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [أن جابر بن عتيك أخبره].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.

    شرح حديث: (... إن نساء جعفر يبكين فقال رسول الله: انطلق فانههن ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح وحدثني يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: (لما أتى نعي زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف فيه الحزن، وأنا أنظر من صئر الباب، فجاءه رجل فقال: إن نساء جعفر يبكين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق فانههن، فانطلق ثم جاء فقال: قد نهيتهن فأبين أن ينتهين، فقال: انطلق فانههن، فانطلق ثم جاء فقال: قد نهيتهن فأبين أن ينتهين، قال: فانطلق فاحث في أفواههن التراب، فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها فقلت: أرغم الله أنف الأبعد، إنك والله ما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أنت بفاعل)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها في النهي عن البكاء على الميت، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء نعي خبر وفاة واستشهاد عبد الله بن رواحة، وزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وهم الأمراء في غزوة مؤتة، وكانوا استشهدوا واحداً إثر الآخر، وجلس رسول صلى الله عليه وسلم وعليه الحزن يظهر على وجهه؛ لفقدهم ووفاتهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    [تقول: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف فيه الحزن وأنا أنظر من صئر الباب، فجاءه رجل فقال: إن نساء جعفر يبكين].
    (فجاءه رجل فقال: إن نساء جعفر يبكين) وهو أحد الثلاثة الذين قتلوا في تلك الغزوة، وهي غزوة مؤتة، فقال: اذهب فانههن عن البكاء، هذا هو محل الشاهد، فذهب ونهاهن، ولم يحصل انتهاؤهن، فقال: إنهن أبين أن ينتهين، ولعل المقصود بقوله: (أبين أن ينتهين) أي: لم يحصل منهن الامتناع، والسكوت على البكاء، وليس المقصود أنهن قلن: إننا لا نمتنع، وإنما المقصود أنه يخبر بأنهن ما حصل منهن السكوت، وامتثال ما نهين عنه بقول: لا تبكين، فما استجبن لذلك، وصرن في البكاء، وحصل الاستمرار في ذلك هذا هو المقصود بقوله: [فأبين أن ينتهين]، ثم رجع إليه، فقال: (ارجع فانههن، فذهب ورجع، ثم جاء وقال: انههن... فقال: احث في أفواههن التراب، فـعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها عرفت أن ذلك فيه إتعاب للرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك من كثرة المراجعة، وأن هذا الذي حصل منه، مع حصول الإتعاب منه للرسول صلى الله عليه وسلم ما هو فاعل لهذا الشيء الذي أرشد إليه، ولهذا قالت: [أرغم الله أنف الأبعد، إنك والله ما تركت رسول الله].
    أي: ما تركت الرسول صلى الله عليه وسلم من المراجعة والترداد عليه، وإتعابه في الكلام، والأخذ، والرد، [وما أنت بفاعل]، أي: لا هذا ولا هذا، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما استراح من مراجعتك، ومن ترددك، وأنت ما أنت بفاعل أي: هذا الذي أرشدت إليه.

    شرح حديث: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الميت يعذب ببكاء أهله عليه)].أورد النسائي هذا الحديث من حديث عمر رضي الله عنه وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)] وهذا يدل على تحريم البكاء والنهي عنه، وأنه لا يبكى على الميت؛ ما دام الميت يعذب في قبره بسببه، فهذا يدل على النهي عن البكاء على الميت.
    والمقصود بكونه يعذب بهذا البكاء إنما إذا كان عن رضى منه، أو عن رغبة فيه، أو وصية منه، وكان يعجبه ذلك ويحب ذلك، هذا هو الذي يعذب بسببه، وأما إذا ما رضي وكرهه ونهاهم عنه ثم بكي عليه، فالذي بكى وحصل منه النياحة ورفع الصوت يأثم، وأما الميت فإنه لا يصيبه شيء من ذلك العذاب، ولا يناله العذاب ولن يكون بكاء الحي سبباً في عقابه، وإنما الذي يعذب إذا كان سبباً في ذلك في كونه يرغب أو أوصى بأن يبكى عليه، أو يعجبه البكاء عليه، ويحب من غيره أن يبكي عليه، ويعلمون منه الرغبة في ذلك، وهم بكوا تحقيقاً لرغبته فهذا هو الذي يأثم؛ لأن وصول العذاب إليه بسببه هو وليس من غيره.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)

    قوله:
    [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].
    هو السرخسي ثقة، مأمون، سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو عبيد الله العمري المصغر تمييزاً عن أخيه عبد الله المكبر وعبيد الله ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأما عبد الله المكبر، فهو ضعيف، فهم يقولون عند ذكره عبيد الله العمري المصغر يعني: أنه عبيد الله بالتصغير.
    [عن نافع].
    هو نافع مولى ابن عمر، وهو، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكرهم آنفاً.
    [عن عمر].
    هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (الميت يعذب ببكاء الحي ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود أخبرنا شعبة عن عبد الله بن صبيح سمعت محمد بن سيرين يقول: (ذكر عند عمران بن حصين الميت يعذب ببكاء الحي، فقال عمران: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وأنه ذكر عنده الميت يعذب ببكاء الحي، فقال عمران: قد قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو محل الشاهد، وهو مرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ذكره عند هذا الكلام فقال: (قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام)، يعني: أنه رفعه عمران بن حصين إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مثل المتن الذي قبله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الميت يعذب ببكاء الحي ...) من طريق ثانية

    قوله:
    [أخبرنا محمود بن غيلان].
    هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا أبو داود].
    هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج وقد مر ذكره قريباً.
    [عن عبد الله بن صبيح].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [سمعت محمد بن سيرين].
    هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عند عمران بن حصين].
    هو عمران بن حصين أبو نجيد صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (يعذب الميت ببكاء أهله عليه) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سليمان بن سيف حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال سالم: سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال عمر رضي الله تعالى عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يعذب الميت ببكاء أهله عليه)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل الذي قبله: (يعذب الميت ببكاء أهله عليه)، وهذا إذا كان راضياً بذلك، وراغباً فيه، أو أوصى به أو ما إلى ذلك، أما إذا كان من غير رضاه فإن هذا لا يعذب؛ لأنه ما تسبب في شيء، وإنما الذي يعذب هو المتسبب في البكاء.
    قوله: [أخبرنا سليمان بن سيف].
    هو أبو داود الحراني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يعقوب بن إبراهيم].
    هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي].
    هو سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن صالح].
    هو صالح بن كيسان المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال سالم].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب تابعي مشهور، وهو ثقة، من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن السابع منهم فيه ثلاثة أقوال، قيل: سالم هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
    [سمعت عبد الله بن عمر].
    وقد مر ذكره.
    [قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه].
    عمر وقد مر ذكره.


  9. #329
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (326)

    - باب النياحة على الميت



    ورد النهي عن النياحة على الميت، وهي رفع الصوت، أما البكاء فجائز، وجاءت الأحاديث أن من نيح عليه وهو راض بذلك فإنه يعذب ببكاء أهله عليه.

    النياحة على الميت



    شرح حديث قيس بن عاصم: (لا تنوحوا علي فإن رسول الله لم ينح عليه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النياحة على الميت.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن قتادة عن مطرف عن حكيم بن قيس أن قيس بن عاصم رضي الله تعالى عنه قال: (لا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه، مختصر)].
    يقول النسائي رحمه الله: النياحة على الميت.
    أي أنها غير سائغة وغير جائزة، وقد جاءت الأحاديث في تحريمها ومنعها، وبيان أن في ذلك خطورة، وقد عرفنا من قبل أن البكاء الذي ليس معه رفع صوت، وليس معه نياحة لا بأس به، وقد فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم، وكذلك لما ماتت ابنة لإحدى بناته، وكذلك فعل بين يديه كما جاء عن جابر رضي الله عنه أنه بكى عندما توفي أبوه في سبيل الله عز وجل، فالبكاء الذي ليس معه صوت هذا جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي فيه حزن القلب، ودمع العين كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما مات ابنه إبراهيم: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون).
    وأما النياحة التي فيها رفع صوت وفيها إظهار التفجع على الميت، فهذا ورد فيه أحاديث تدل على منعه، بل ورد ما يدل على اللعن لمن هي الصالقة؛ وهي: التي ترفع صوتها عند المصيبة: (لعن الله الصالقة، والحالقة، والشاقة) كما سيأتي في الأحاديث، والنياحة من الكبائر، وأما البكاء فإنه سائغ وجائز للأدلة التي عرفناها من قبل.
    وقد أورد النسائي في هذه الترجمة عدة أحاديث أولها: حديث قيس بن عاصم التميمي رضي الله تعالى عنه، أنه قال: [لا تنوحوا عليّ فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم ينح عليه] فهو ينهى عن النياحة، ويخبر بأن النبي عليه الصلاة والسلام وهو خير البشر وهو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ما نيح عليه؛ لأن أصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم يعلمون ما جاء عنه من النهي عن النياحة والتحذير منها، وهذا يدلنا على منع النياحة، ويدلنا على فضل هذا الرجل الذي نهى أن يناح عليه، وقد عرفنا من قبل أن ما جاء في بعض الأحاديث: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) أن المقصود من ذلك: إذا كان برغبة منه، وبوصية منه، وكونه يعجبه ذلك ويسره، ويريده من الناس أن ينوح عليه، فهذا هو الذي يعذب؛ لأنه متسبب وهم يفعلون ذلك تحقيقاً لرغبته، فهو يأثم ويعاقب على ذلك ويعذب في قبره؛ لأنه متسبب في ذلك.
    أما قيس بن عاصم رضي الله عنه فإنه ينهى أن يناح عليه حتى لا يحصل العذاب للذين ينوحون، والذين يحصل منهم المخالفة لما جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تنوحوا علي فإن رسول الله لم ينح عليه)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
    هو البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن مطرف].
    هو مطرف بن عبد الله بن الشخير البصري، وهو ثقة أيضاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن حكيم بن قيس].
    هو حكيم بن قيس بن عاصم المنقري قيل: إنه ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وعده بعض من ألف في الصحابة، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي.

    [عن أبيه].
    هو قيس بن عاصم بن سنان المنقري التميمي وهو صحابي، مشهور بالحلم، ومعروف بالفضل، وهو الذي رثاه أحد الشعراء بأبيات منها البيت المشهور الذي يعتبر بمثابة حكمة، ومثلاً يضرب في عظم منزلة الرجل، وعلو شأنه، وهو قول الشاعر يرثيه لما مات يقول:
    وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما
    فهو يصف هذا المصاب، وأن موت هذا الرجل ليس موت رجل واحد، ولكنه بمثابة البنيان للناس الذي تهدم، ومعناه: أن شأنه كبير، ومنزلته عالية رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد قال عنه الحافظ أنه صحابي مشهور بالحلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.


    شرح حديث: (أن رسول الله أخذ على النساء حين بايعهن أن لا ينحن ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ على النساء حين بايعهن أن لا ينحن، فقلن: يا رسول الله! إن نساء أسعدننا في الجاهلية أفنسعدهن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إسعاد في الإسلام)].هنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن النبي عليه الصلاة والسلام لما بايع النساء كان من جملة ما بايعهن عليه [أن لا ينحن]، أي: أن لا تحصل منهن النياحة، وقد خصت النساء بذلك؛ لأنهن اللاتي يغلب عليهن الجزع، ويختلفن عن الرجال في ذلك؛ فالرجال أكثر منهن صبراً، وأشد منهن قوة على الصبر، بخلاف النساء فإن عندهن ضعف، ولهذا جاءت السنة في نهي النساء عن زيارة القبور؛ لأنه يحصل منهن عدم الصبر، وقد يحصل منهن عند تذكر الميت، وعند رؤية القبر ما يعود عليهن بالمضرة، وجاء في بعض الأحاديث التنصيص على النساء في لعن من حصل منهن ذلك: (لعن الله الصالقة، والحالقة، والشاقة) مع أن الرجال كذلك وجد منهم، لكن لما كان الغالب أن مثل هذه الأمور تحصل من النساء لضعفهن، وقلة صبرهن، وعدم قدرتهن على ما يقدر عليه الرجال جاء تخصيصهن في بعض الأمور؛ مثل كونهن عند البيعة أن لا ينحن، مع أن الرجال ما كان معروف أنه يؤخذ عليهم هذا عند البيعة؛ لأن الرجال عندهم قوة وعندهم صبر بخلاف النساء لا يصبرن كما يصبر الرجال، فأخذ عليهن أن لا ينحن، فلما أخذ عليهن أن لا ينحن قال بعضهن: [إن نساء أسعدننا]، معناه: أنه حصل مصيبة وجئن ونحن معنا، يعني: تضامناً معنا ومشاركةً لنا في المصاب، وإظهار الحزن على المصاب، وكان عندهم في الجاهلية أن الواحدة إذا عملت هذا مع الأخرى ترد عليها ذلك إذا حصل لها مصيبة، يعني: واحدة جاءت عند واحدة لما مات لها ميت، وناحت معها تلك التي أتي إليها وشوركت في النياحة، فإذا مات شخص للتي جاءت إليها جاءت ترد عليها ذلك الذي فعلته من قبل، فقالت: إن النساء أسعدننا أفلا نسعدهن؟ معناه: أنه حصل منهن أن نحن معنا وبكين معنا أفلا نرد عليهن ذلك الذي فعلنه معنا بأن ننوح عليهن ونقضي ما حصل منهن لنا، بأن نكافئهن عليه بمثله، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا إسعاد في الإسلام] معناه: هذا الإسعاد الذي هو النياحة؛ الذي كان يفعل في الجاهلية قد انتهى في الإسلام فلا يفعل، فقد دل على منع ذلك، وأن النياحة لا تجوز.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أخذ على النساء حين بايعهن أن لا ينحن ...)

    قوله:
    [أخبرنا إسحاق].
    هو ابن إبراهيم بن مخلد المروزي المشهور بـابن راهويه، وهو ثقة، ثبت، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.

    [حدثنا عبد الرزاق].
    هو ابن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، حافظ، مصنف له كتاب المصنف في الحديث من الكتب المشتملة على الآثار الكثيرة عن الصحابة وغير الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري نزيل اليمن روى عنه عبد الرزاق، وأكثر الرواية عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثابت].

    هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].

    هو أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات منذ قدم المدينة إلى أن توفى الله نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن هؤلاء السبعة وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (الميت يعذب في قبره بالنياحة عليه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا شعبة حدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الميت يعذب في قبره بالنياحة عليه)].أورد النسائي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: [الميت يعذب في قبره بالنياحة عليه] وهذا يدلنا على تحريم النياحة، وأن من فعلها فإنه آثم، ومن فعلت في حقه، وقد رضي بذلك وعرف منه الرضا بذلك، والرغبة بذلك، والمحبة في ذلك، أو الوصية بذلك، فإنه يأثم، ويصله العذاب في قبره لتسببه، أما إذا كان لا يرغب، ويكره، ويمنع من ذلك، مثل ما حصل من قيس بن عاصم رضي الله عنه، حيث قال: (لا تنوحوا عليّ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه)، فهذا لو نيح عليه لا يناله شيء بسبب فعل النائحين؛ لأنه لم يرض ذلك، وكما جاء في القرآن قوله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )[فاطر:18].

    تراجم رجال إسناد حديث: (الميت يعذب في قبره بالنياحة عليه)

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى].

    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، ثبت، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].

    قد مر ذكره.
    [عن قتادة].

    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب].

    ثقة، فقيه، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين باتفاق؛ لأن السبعة ستة متفق على عدهم، وواحد مختلف فيه، وهو من السبعة الذين اتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].

    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد أشرت إليهم آنفاً.
    [عن عمر].

    رضي الله عنه هو: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين، الهادين، المهديين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (الميت يعذب بنياحة أهله عليه ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب حدثنا سعيد بن سليمان أخبرنا هشيم أخبرنا منصور هو ابن زاذان عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: (الميت يعذب بنياحة أهله عليه فقال له رجل: أرأيت رجلاً مات بخراسان وناح أهله عليه هاهنا، أكان يعذب بنياحة أهله؟ قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبت أنت)].هنا أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه، الذي فيه أنه قال: [الميت يعذب بنياحة أهله عليه فقال له رجل: أرأيت رجلاً مات بخراسان وناح أهله عليه هاهنا، أكان يعذب بنياحة أهله؟ قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبت أنت]، يعني: صدق رسول الله فيما قال أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، أو بنياحة أهله عليه، وكذبت أنت في كونك تستغرب هذا أو تستبعد هذا، وتقول: أكان يصل لو كان أحد نيح عليه، وهو في مكان، وأهله في مكان؟ فقال: [صدق رسول الله وكذبت أنت].
    قوله: [عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: الميت يعذب بنياحة].
    هنا ما ذكره مرفوعاً، ولكنه في آخره قال: [صدق رسول الله]، وهذا يفيد الرفع، وقد سبق أن مر بنا الحديث نفسه، وأن عمران بن حصين لما بلغه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) قال: قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع، وهنا قوله في آخره: (صدق رسول الله) يفيد بأنه مرفوع.
    والحديث تكلم فيه الألباني وقال: إنه ضعيف الإسناد، وقال: إن المرفوع قد تقدم، وقد حكم له بالصحة من قبل، ولعل ما ذكره الشيخ الألباني حول هذه القصة وما جرى نحوها، وأما من حيث الحديث وثبوت الحديث فإنه ثبت من طرق كثيرة عن عمران وغير عمران، وقد جاء من طريق أخرى غير هذه الطريق في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه لما ذكر محمد بن سيرين قال: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا من طريق الحسن بن أبي الحسن فلا أدري هل كلام الألباني فيه حول رواية الحسن، أو أنه جاء من طريق الحسن وهو معروف بالتدليس، أما من حيث المتن فهو ثابت من غير طريق الحسن، وثابت عن جماعة من الصحابة غير عمران بن حصين، وثابت عن عمران بن حصين من طريق أخرى، وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق عمران بن حصين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الميت يعذب بنياحة أهله عليه ...) من طريق ثانية

    الملقي:
    [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].
    هو الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا سعيد بن سليمان].

    هو سعيد بن سليمان الضبي البزار لقبه: سعدوية، وهو ثقة، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا هشيم].

    هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، ثبت، كثير التدليس، والإرسال الخفي، وقد عرفنا أن التدليس هو: رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع كعن أو قال، أما التدليس الخفي فهو: أن يروي عن شخص عاصره ولم يعرف أنه لقيه، فروايته عنه من قبيل المرسل الخفي، وقيل له: مرسل خفي؛ لأنه لو كان ما أدرك زمن المروي عنه وروى عنه يصير مرسلاً واضحاً، لكن لما كان مدركاً لزمانه، ومعاصراً له وروى عنه بلفظ موهم للسماع فإن هذا يقال له: مرسل خفي؛ لأن فيه خفاء، وفرق بينه وبين التدليس؛ التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي، وحديث هشيم بن بشير الواسطي أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور هو ابن زاذان].

    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن].

    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عمران بن حصين].

    هو عمران بن حصين أبو نجيد صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن آدم عن عبدة عن هشام عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، فذكر ذلك لـعائشة فقالت: وَهِلَ، إنما مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبر فقال: إن صاحب القبر ليعذب، وإن أهله يبكون عليه، ثم قرأت وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164])].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وهو: أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، فذكر ذلك لـعائشة فقالت: وَهِلَ]، يعني: أنه حصل منه خطأ، وقالت: [إن النبي صلى الله عليه وسلم مر في قبر، وهو يعذب] يعني: صاحبه، فقال: [إنه ليعذب وإن أهله لينوحون عليه]، وتريد عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على عذاب ذلك الشخص الذي كان يعذب في الوقت الذي كان أهله ينوحون عليه، وهذا لا يدل على أنه يعذب بسبب النياحة، وإنما يخبر أنه هو نفسه في عذاب، وأهله حزينون عليه؛ لأنهم فقدوه ولأنه فارقهم، فتريد عائشة من وراء هذا أنه لا يعذب بسبب البكاء عليه، وإنما يعذب لأمر آخر، ولكن الحال والواقع أنه مع كونه يعذب وأن أهله يبكون عليه، ثم جاءت بالآية وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ [الأنعام:164] وتريد من وراء هذا أنه كيف يعذب الإنسان بفعل غيره، وبذنب غيره، وهو لم يكن متسبباً في ذلك، لكن كما هو معلوم: الحديث جاء من طرق عديدة وهو صحيح، ولكنه محمول على شيء آخر غير كون الإنسان يعذب بذنب غيره، فهو محمول إذا كان متسبباً، وكونه راغباً وراضياً، وأوصى بذلك، ولا يختلف عما جاء في الآية.
    إذاً: ما جاء في الحديث فهو محمول على ما إذا كان متسبباً، فإنه يعذب بتسببه في كون أهله ينوحون عليه تحقيقاً لرغبته في ذلك، وأما الآية فتكون محمولة على ما إذا كان غير متسبب لذلك.
    وعلى هذا فإن عائشة رضي الله عنها فهمت أنه لما حصلت تلك القصة التي تعلمها، وابن عمر روى ذلك الحديث وغيره روى ذلك الحديث ظنت أنه على هذا النحو الذي علمته، ولكن الحديث ثابت كما سبق.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ...) من طريق ثالثة

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن آدم].
    هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.

    [عن عبدة].

    هو عبدة بن سليمان البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].

    هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبيه].

    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].

    رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره.
    [عائشة].

    هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله براءتها في آيات تتلى في سورة النور، وقد روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما فيما يتعلق في أمور البيت، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد مر ذكرهم.


    شرح حديث: (إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه ...) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة أنها أخبرته أنها سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها وذكر لها: أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول: (إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: يغفر الله لـأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب، ولكن نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال: إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب)].هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهذا يبين الحديث السابق، وأن الذي يبكى عليه هنا يهودية، وأن أهلها يبكون عليها وهي تعذب في قبرها، فلما بلغها حديث عبد الله بن عمر : (أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه قالت: يغفر الله لـأبي عبد الرحمن أخطأ أو نسي، إنما مر النبي صلى الله عليه وسلم بيهودية، وهي تعذب في قبرها وقال: إنها لتعذب وأهلها ليبكون عليها) يعني: أهلها حزينون عليها، وهي كافرة، يعني: تعذب في قبرها كما يعذب الكفار في قبورهم كما قال الله عز وجل: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، فالكفار يعذبون في قبورهم وكذلك من شاء الله تعذيبه من أصحاب الكبائر، فإنه يعذب في قبره مثل ما جاء في حديث صاحبي القبرين اللذين يعذبان أحدهما: في النميمة، والثاني: في كونه لا يستبرئ من البول.
    فـعائشة رضي الله عنها وأرضاها تروي هذا الحديث وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك، لكن الذي جاء عن عمر، وعن عمران بن حصين، وعن ابن عمر، وعن غيرهم أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وذلك محمول على ما إذا رضي به، ورغب به، وأوصى به.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه..) من طريق رابعة

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك بن أنس].

    إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن أبي بكر].

    هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].

    هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عمرة].

    هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة، وقد أكثرت من الرواية عن عائشة.
    [عن عائشة].

    قد مر ذكرها.


    شرح حديث: (إن الله عز وجل يزيد الكافر عذاباً ببعض بكاء أهله عليه) من طريق خامسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار عن سفيان قصه لنا عمرو بن دينار سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يزيد الكافر عذاباً ببعض بكاء أهله عليه)].أورد النسائي حديث ابن عباس عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: [إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه] والكافر معذب، وأهل للعذاب بكفره، ولكن هذا كما جاء عن عائشة أنه يزاد في عذابه ببكاء أهله عليه، ومن المعلوم أن الكافر إذا عذب في النار، فهو عذاب والعياذ بالله، ولو كان عذابه من أخف أهل النار عذاباً فإنه يعتبر نفسه أشد أهل النار عذاباً والعياذ بالله، كما جاء في حق أبي طالب أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما شفع له، وخفف له العذاب، فصار في ضحضاح من نار، عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه، وإذا زيد في عذابه وحصل الزيادة في العذاب فهذا عذاب فوق عذاب، والعياذ بالله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل يزيد الكافر عذاباً ببعض بكاء أهله عليه) من طريق خامسة

    قوله:
    [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار].
    هو عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار البصري، وهو لا بأس به، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، ولا بأس به معناها صدوق.
    [عن سفيان].

    هو سفيان بن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، حجة، إمام، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [قصه لنا عمرو بن دينار].

    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، ثبت أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت ابن أبي مليكة].

    هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة المدني، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [قال ابن عباس].

    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    [عن عائشة].

    عائشة قد مر ذكرها.

    شرح حديث: (إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه...) من طريق سادسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سليمان بن منصور البلخي حدثنا عبد الجبار بن الورد سمعت ابن أبي مليكة يقول: (لما هلكت أم أبان حضرت مع الناس، فجلست بين عبد الله بن عمر، وابن عباس، فبكين النساء، فقال ابن عمر: ألا تنهى هؤلاء عن البكاء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه، فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: قد كان عمر رضي الله تعالى عنه، يقول بعض ذلك: خرجت مع عمر حتى إذا كنا بالبيداء رأى ركباً تحت شجرة فقال: انظر من الركب، فذهبت فإذا صهيب وأهله، فرجعت إليه فقلت: يا أمير المؤمنين! هذا صهيب وأهله، فقال: عليّ بـصهيب، فلما دخلنا المدينة أصيب عمر، فجلس صهيب يبكي عنده يقول: وا أخياه وا أخياه، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: يا صهيب! لا تبك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه، قال: فذكرت ذلك لـعائشة فقالت: أما والله ما تحدثون هذا الحديث عن كاذبين مكذبين، ولكن السمع يخطئ، وإن لكم في القرآن لما يشفيكم أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38]، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه)].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن عائشة وكذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه، وأن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان عمر يقول: بعض ذلك، ثم ذكر قصة صهيب، وأنه لما وصلوا المدينة أصيب عمر لما طعنه المجوسي تلك الطعنة، فجعل صهيب يبكي ويقول: وا أخياه، ثم قال عمر: لا تبك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه.
    قوله: [إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه] هذا يرويه عبد الله بن عباس عن عمر رضي الله تعالى عنه وكان يقوله لـصهيب لما بكى، ثم قال: [فذكرت ذلك لـعائشة]، يعني: ما قاله عمر، فقالت: [إنكم لا تحدثون عن كاذبين ومكذبين، ولكن السمع يخطئ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن الكافر يزاد عذاباً].
    قوله: [وإن لكم في القرآن لما يشفيكم أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38]، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه] وهذا هو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: (إن الله عز وجل يزيد الكافر عذاباً ببعض بكاء أهله عليه) لكن كما عرفنا من قبل ما جاء عن عائشة لا يعارض ما جاء عن الصحابة الآخرين، وما قالته عائشة: [وإن لكم في القرآن لما يشفيكم] لا يعارض ما جاء عن الصحابة الآخرين رافعين ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الذين يعذبون إذا كانوا مسلمين متسببين في ذلك، أما إذا كانوا غير متسببين فإنه لا يضرهم وزر غيرهم، وإنما الوزر إثمه على من حصل منه.


    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه...) من طريق سادسة

    قوله:
    [أخبرنا سليمان بن منصور البلخي].
    هو لا بأس به، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الجبار بن الورد].

    صدوق يهم، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن أبي مليكة].

    قد مر ذكره.
    [عن عبد الله بن عمر وابن عباس وعمر وعائشة].

    قد مر ذكر هؤلاء جميعاً.


    الأسئلة



    حكم سماع القرآن للجنب والحائض


    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يصح سماع القرآن الكريم من الراديو أو المسجل إذا كان الشخص جنباً أو المرأة كذلك إذا كانت حائضاً؟الجواب: نعم يصح، كون الإنسان يسمع القرآن من القارئ وهو جنب ليس عليه بأس، ولا مانع من كونه يسمع القرآن سواء من الراديو، أو من المسجل، أو من قارئ يقرأ بنفسه بدون تسجيل، وإنما المحذور فيما إذا كان جنباً؛ لأن جنابته بيده يستطيع أن يغتسل في أي وقت شاء، ويبادر، ويقرأ القرآن، لكن كونه يسمع وهو على جنابة ما فيه بأس ولا إشكال في ذلك.

    حكم الجمع والقصر في الصلاة للمريض

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز للمريض أن يصلي الصلاة خارج وقتها مع الجمع والقصر؟الجواب: المريض له أن يجمع بين الصلاتين وليس له أن يقصر، وإنما له الجمع إذا احتاج إلى ذلك، فيجمع بين الصلاتين بأن يقدم صلاة أو يؤخر صلاة، وأما كونه يقصر فلا، ما فيه قصر للمريض، وإنما يأتي بصلاته تامة دون قصر.
    وليس للإنسان أن يؤخر الصلوات عن أوقاتها إلا الصلاتين يجمع بعضهما إلى بعض، مثل: الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، أما كونه يجمع خمس صلوات، ويصليها في وقت واحد لا أبداً، يصلي على حسب حاله كل صلاة في وقتها.

    توجيه لمن يغلب عليه النوم أثناء صلاة الفجر


    السؤال: من يغلب عليه النوم، وحاول أن يقوم ولم يستطع، فهل يجوز له أن يجمع في الصلاة في غير وقتها؟الجواب: الإنسان النائم أو الذي يحصل له النوم، عليه أن يعمل الوسائل التي تجعله يتنبه؛ بأن يجعل عنده الساعة المنبهه أو يوصي أحد يوقظه في وقت الصلاة، وليس له أن يتساهل في أمر الصلاة، ثم يصلي إذا استيقظ، ثم عليه أن يأخذ بالأسباب التي تجعله يستيقظ؛ وهو أن ينام مبكراً، ولا يضيع الليل كله في السهر، وشغل وقته فيما ينفع أو فيما يضر، ثم ينام عن صلاة الفجر، فعليه أن يأخذ بالأسباب؛ لأن من الأسباب كون الإنسان يأخذ حاجته من النوم قبل أن يأتي وقت الصلاة، أما كونه يضيع الوقت، ثم إذا جاء وقت الصلاة إذا النوم غالب عليه، هذا قد تسبب في تفويت الصلاة على نفسه، ثم أيضاً الإنسان يعرف من نفسه أنه لو كان عنده موعد طائرة، أو موعد مهم، أو شيء يتعلق بعمل يحسب حسابه ويتنبه في ذلك الوقت، وعلى الإنسان أن يكون اهتمامه بالصلاة أعظم من اهتمامه في أمور الدنيا أو الأمور الدنيوية التي يحسب لها حساب ويحرص عليها.

    حكم استقبال الكعبة أثناء الطواف


    السؤال: فضيلة الشيخ! مشى خطوات أثناء الطواف في الكعبة، وجسمه متجه بالكامل إلى جهة الكعبة، هل يصح طوافه؟الجواب: إذا كان حصل بسبب زحام فهو معذور، وأما كونه يستقبل الكعبة أو يستدبرها وهو يطوف، وهو قادر على ذلك، فهذا لا يصح طوافه؛ لأن الواجب أن تكون الكعبة عن يساره ماشياً، وليست عن يساره مستدبراً إياها، ولا عن يساره مستقبلاً إياها.

    حكم الوصال في رمضان

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل الوصال في رمضان جائز؟الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، لكنه لما روجع في ذلك قال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر) معناه: ما يواصل بين يومين، لا يأكل بينهما شيئاً، وإنما من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر، وترك الوصال أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ولكنه رخص فيه إلى السحر.

    حكم استعمال القطرة والحبوب والكحل للصائم


    السؤال: يا شيخ! استعمال القطرة والحبوب والكحل هل يفطر؟الجواب: القطرة في العين ما تؤثر، والكحل لا يؤثر في العين، أما الحبوب إذا بلعه فإنه يفطر، أو أكل أي شيء، فإنه يفطر بذلك.

    كيفية الجمع بين حديثي عائشة وابن عمر في النهي عن النياحة


    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، كيف نجمع بين حديث عائشة وإنكارها على ابن عمر، وروايتها رضي الله تعالى عنها أن الله عز وجل يزيد الكافر عذاباً بعد بكاء أهله عليه؟الجواب: ما فيه إشكال، لأن الكافر معذب وهو في عذاب، لكن المسلم أو المؤمن كونه يعذب بسبب عمل غيره هذا هو الذي فيه إشكال، وبعد أن يتبين المعنى يتضح فإنه لا إشكال فيه، وأن ذلك محمول على ما إذا كان متسبباً.

    مدى صحة حديث أبي هريرة: (من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك)


    السؤال: فضيلة الشيخ، حفظكم الله، حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك) رواه الترمذي، والنسائي، ما مدى صحة هذا الحديث؟الجواب: لا أعرف عنه شيئاً.

    مدى صحة حديث: (من قرأ سورة الواقعة لم تصبه فاقة)

    السؤال: حديث: (من قرأ سورة الواقعة لم تصبه فاقة) ما صحة الحديث هذا؟الجواب: ما أعرف عنه شيئاً، لكن الأحاديث في فضائل السور أكثرها وأغلبها غير صحيح، وإنما الذي ثبت في الفضائل أشياء محدودة بخلاف سائر السور؛ لأن بعض الوضاعين وضع لكل سورة حديثاً في فضلها، فما أعرف شيئاً عن الحديث هذا.


    المقصود بالأمرين والأبيضين والخافقين

    السؤال: ما هو الأمران والأبيضان والخافقان؟الجواب: لا أدري، ولكن هناك كتاب اسمه: جنى الجنتين في تمييز نوعي المثنين، فهو يتعلق بالمثنيات، ويرجع إليه في معرفة مثل هذه الأمور.


    حكم الصلاة على النبي في صلاة النافلة والفريضة


    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، ما مدى صحة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في سجود الصلاة المكتوبة أو النافلة؟الجواب: بالنسبة للنوافل يمكن أن يصلي عليه عندما يأتي ذكره صلى الله عليه وسلم، مثل ما يسأل الإنسان عند آية الرحمة، ويستعيذ عند آية العذاب، وأما بالنسبة للفرائض لا يفعل شيئاً من ذلك فيها، ولو فعله في السجود كدعاء ما فيه بأس، لكن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم تشرع في التشهد، ويكثر الدعاء في السجود؛ لأن الرسول يقول: (أكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم).

    الواجب على من نام قبل الصلاة ثم لم يتوضأ

    السؤال: حفظك الله يا شيخ! تذكرت أني نمت بعد صلاة العصر تقريباً بخمس دقائق أو عشر دقائق، وذكرت في نصف صلاة المغرب، أو أثناء صلاة المغرب فهل يجوز إتمام صلاتي أو أقطعها؟الجواب: لا أبداً، إذا كان الإنسان قد نام مضطجعاً فقد انتقض وضوءه أو جالساً متمكناً بمعنى: أنه مستند واستغرق في النوم، فإنه ينتقض وضوءه وعليه أن يتوضأ، أما إذا كان نومه خفقان بأن يكون جالس، ثم يخفق رأسه، فيتنبه، فإن هذا لا ينتقض وضوءه؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يفعلون ذلك، لكن كون الإنسان نام مضجعاً أو مستنداً، يعني: جالساً وهو مستند، فإن هذا قد انتقض وضوءه عليه، وإذا تنبه وهو في صلاة المغرب فإن عليه أن يقطع الصلاة ويذهب ويتوضأ، ويصلي العصر ثم يصلي المغرب.

    حكم الاستقراض من البنك بنية المساعدة

    السؤال: فضيلة الشيخ! يوجد في بلادنا بنك يقرض أموالاً بقصد المساعدة على البناء، ولكن يشترط عند التسديد زيادة على المال المقترض؟الجواب: هذا هو الربا، ولا يجوز الاستقراض بهذه الطريقة.

    حكم الجهاد في البوسنة والهرسك

    السؤال: حكم الجهاد في البوسنة والهرسك؟الجواب: المسلمون في البوسنة والهرسك في الحقيقة أوذوا، واعتدى عليهم أعداؤهم، وإذا ذهب أحد لمساعدتهم ونصرتهم فهو على قدر نيته، يرجى له الخير إذا كان قصده مساعدة المسلمين على أعدائهم، الذين ألحقوا بهم أنواعاً عظيمة من الأذى والعذاب.

    تحقيق القول في مسالة أين الله

    السؤال: فضيلة الشيخ، يريد من فضيلتكم تحقيق القول في مسألة أين الله، والرد على المخالف لأهل السنة؟الجواب: أين الله، (سأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارية -التي كان يريد أن يتعرف على إيمانها- فأشارت إلى السماء، فقال: من أنا؟ فقالت: أنت رسول الله -وأشارت إلى السماء وإليه أنه رسول الله- فقال: أعتقها، فإنها مؤمنة)، فالذي سأل عن ذلك هو أعلم الناس بالله، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سئل عنه كما سأل عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأجيب كما أجابت الجارية، فإن ذلك حق، لكن ما هي السماء؟ وما المراد بكون الله في السماء؟ هل هو في السماء المبنية؟ أبداً، الله تعالى منزه ولا يحويه شيء مخلوق، والسماوات مخلوقة، وهي صغيرة أمام عظمة الله عز وجل وجلاله، ولكن المقصود بالسماء هو: العلو، والله تعالى فوق العرش، وهو في العلو، فهذا هو معنى الحديث، وهذا هو الذي يقتضيه الحديث، والسؤال عنه جاء في الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما دام جاء ذلك عن رسول الله فليس لأحد كلام مع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن لا يجوز أن يتصور التشبيه أبداً، بل يثبت لله عز وجل ما ثبت عنه على ما يليق به، ومعنى الله في السماء أي: فوق العرش في السماء؛ لأن السماء هي كل ما علا، فكل ما علا هو سماء، وفوق العرش سماء علو، والله تعالى فوق العرش سبحانه وتعالى، فهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك.

    مدى صحة حديث ابن عباس في الكرسي موضع القدمين لله عز وجل

    السؤال: فضيلة الشيخ، حديث ابن عباس في تفسير الكرسي هل هو صحيح، والحديث رواه الثوري عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: الكرسي موضع القدمين، أما العرش فلا يقدر قدره إلا الله، وبارك الله فيكم؟الجواب: الحديث هذا فيما أذكر أنه ثابت، وهو موضع القدمين، وهو الذي يستدل به العلماء على إثبات القدمين لله عز وجل على ما يليق بكماله وجلاله يعني: من حيث التسمية.


    إذا تعود الشخص على صيام يوم بعينه ثم نسيه

    السؤال: يا شيخ! حفظكم الله، رجل تعود أن يصوم يوماً معيناً، ونسي هذا اليوم، ثم ذكر بعد صلاة الصبح فكيف يعمل؟الجواب: إذا تعود أن يصوم يوماً معيناً، مثلاً: الإثنين أو الخميس، إذا كان ما أكل فليصم؛ لأنه يجوز في صيام النفل أن ينوي الإنسان من أثناء النهار إذا لم يأكل شيئاً بعد طلوع الفجر، أما إذا أكل فإنه لا مجال للصيام.

    كيفية صلاة الجالس

    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، كيف يصلي الجالس هل يصلي متربعاً أو مفترشاً؟الجواب: سبق أن مر بنا الحديث الذي ورد في ذلك، وذكرت أن للعلماء فيه ثلاثة أقوال؛ منهم من قال: إنه يصلي متربعاً، ومنهم من قال: إنه يصلي متوركاً، ومنهم من قال: إنه يصلي مفترشاً، والحديث الذي سبق أن مر بنا في ذكر التربع.

    إثبات سماع عكرمة من ابن عباس

    السؤال: حفظك الله يا شيخ! هل ثبت سماع عكرمة من ابن عباس بدون خلاف أهل العلم في ذلك؟الجواب: ما أدري، فهو مولى ابن عباس وهو مشهور بالرواية عنه، ولا أدري هل أحد خالف في سماعه ما أعلم، والحافظ ابن حجر ترجم له ترجمة واسعة في مقدمة الفتح، وقد حصر ما قيل فيه من أقوال، وأجاب عنها وردها، أما قضية هل هناك خلاف أو أحد خالف في سماعه ما عندي علم هل أحد قال بذلك، أما السماع عنه والرواية عنه فهي مشهورة.

    حكم نسيان النية في رمضان

    السؤال: حفظك الله يا شيخ! إذا نسي نية الصوم من رمضان ثم صام فما الحكم؟الجواب: معلوم أن الإنسان عند دخول الشهر ينوي أنه صائم رمضان، وهذه النية تكون بتحقق دخول شهر رمضان، وإذا لم يبلغه خبر دخول الشهر إلا بعد طلوع الفجر فإنه غير مدرك لصيام ذلك اليوم، ولو كان نوى أن غداً من رمضان فأنا صائم فإن ذلك لا ينفعه ولو لم يأكل شيئاً؛ لأنه لا بد أن يكون عنده علم بدخول الشهر قبل طلوع الفجر، فيكون ناوياً قبل بدء الصيام أو عند بدء الصيام، هذا بالنسبة للأول، أما بالنسبة لسائر الأيام فالمؤمن ينوي أنه صائم الشهر، وتلك نية كافية لجميع الشهر، ولو أن الإنسان نام بعد العصر وما استيقظ إلا من الضحى من بكرة فهو على صيامه، ما يقال: إنه ما استيقظ في الليل حتى ينوي؛ لأن نيته من أول يوم وكونه صائم شهر رمضان هذه موجودة، ولا يلزم أن تكون النية في كل ليلة، نعم هو ناوي في كل ليلة، لكن يمكن أن يكون الإنسان يأتي الليل وهو غير مستيقظ بأن ينام في نهار ثم يأتي الليل وينتهي الليل ويأتي النهار من الغد وهو غير مستيقظ، لو كان ما تصح إلا بالنية من الليل في كل ليلة، فمعناه: أن هذا الشخص ما حصل له نية، لكن إذا نوى الإنسان من أول الشهر فتلك النية سارية على جميع أيام الشهر، ولكن الذي لا ينفع هو في أول يوم؛ لأنه لا بد أن يكون عنده علم بأن الشهر دخل قبل بدء الصيام في ذلك اليوم الأول.

    حكم التقنع والتلثم للبرد في الصلاة

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز التقنع للبرد أو غيره في الصلاة؟الجواب: مسالة التقنع يعني: كون الإنسان يجعل الشيء على رأسه لا بأس بذلك، المهم أن وجهه يبدو للصلاة، ويديه تبدو، ويسجد عليها، وأما كونه يجعل شيئاً على رأسه أو على كتفه الأمر في ذلك واسع.
    وأما التلثم فالإنسان ليس له أن يغطي وجهه، بل يكشفه ولا يغطيه، إلا إذا كان هناك أمر لا بد منه لتغطية وجهه فلا بأس بذلك، وأما من خوف البرد وما إلى ذلك كما هو معلوم لا يستدعي الأمر التلثم، وليس بضرورة.


    حكم الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة

    السؤال: إذا كان الرجل في الصلاة وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يصلي عليه وهو في الصلاة؟الجواب: بالنسبة للصلاة المفروضة ليس للإنسان أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ولا أن يأتي بالاستعاذة وغير ذلك؛ لأنه ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأما بالنسبة للنافلة فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستعيذ عند آية العذاب، ويسأل عند آية الرحمة، ومثل ذلك الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم إذا جاء ذكره في مثل قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ )[الأحزاب:56].

    حكم أخذ المال من السلطان من دون مسألة

    السؤال: الحديث الذي معناه: (ما جاءك من مال السلطان من غير إشراف ولا مسألة، فخذه وتموله). يقول: على هذا هل يجوز طلب المساعدة من السلطان أو المسئول عند حدوث الفاقة؟
    الجواب: الحديث صحيح وأن الإنسان لا يسأل، وإذا أعطي شيء فإنه يأخذه، فإذا كان مضطراً إلى ذلك فله أن يسأل.

    الفرق بين قولهم رواه مسلم في المقدمة ورواه مسلم في صحيحه

    السؤال: ما الفرق بين قوله: رواه مسلم في صحيحه ورواه مسلم في المقدمة؟الجواب: المقدمة كما هو معلوم: مقدمة الصحيح التي هي أحاديث قليلة أوردها مسلم في مقدمته، والصحيح هو ما يبدأ من كتاب الإيمان، إذا قال: ورواه مسلم في صحيحه يعني: أنه في كتاب الإيمان، ولهذا يقولون عن الحديث رواه في المقدمة، ويقولون عن الشخص يرمزون له مسلم في المقدمة، أو مسلم في الصحيح، وكأن الرواية في المقدمة ليست مثل ما جاء عن الصحيح نفسه، وأن العلماء يميزون بينها لا من حيث العزو للحديث ولا من حيث الرجل الذي خرج له في المقدمة، ولم يخرج له في نفس الصحيح، فيرمز له بـ(م ق).


    حكم من كان عليه صيام ودخل عليه رمضان الثاني

    السؤال: فضيلة الشيخ! امرأة أفطرت في رمضان نصف شهر بسبب النفاس، وعندما جاء رمضان الآخر لم تصم في الفترة الماضية وذلك بسبب مرضها، فماذا تفعل؟ وكيف تقضي؟الجواب: إذا كان المرض مستمراً معها وجاء رمضان الثاني وهي مريضة فهي معذورة، وأما إذا كانت قادرة على القضاء ولكنها لم تقض فإنها تقضي بعد رمضان الآخر، ولكنها تطعم عن كل يوم مسكيناً مع القضاء.

    حكم عمل المرأة إذا اشترطت قبل الزواج وأثناء العقد

    السؤال: رجل يقول: إن زوجته جاءها خطاب من عمل أو كذا، وهي مصممة على القبول فماذا يعمل؟الجواب: على كل إذا كان هناك شرط بأنها تعمل، فالمؤمنون على شروطهم، إذا كان فيه موافقة أو شرط عند العقد بأنها تعمل العمل الذي هو سائغ، والعمل الذي يجوز لها أن تعمله شرعاً، أما العمل الذي لا يجوز لها أن تعمله فله أن يمنعها ولو حصل اتفاق على أصل العمل؛ لأنه ليس أي عمل تعمله، ولكن إذا حصل عند العقد اشترط أنها تدرس فعليه أن يفي بالشرط، وأما إذا كان ليس هناك شرط، فله أن يمنعها.

    النية في صيام رمضان بدخول شهر رمضان

    السؤال: حفظك الله يا شيخ! في معظم الأحيان تتأخر رؤيا شهر رمضان إلى الساعة الثانية عشرة ليلاً، فإذا انتظر الإنسان الرؤيا ثم غلبه النوم فما الحكم؟الجواب: إذا بات ولم يعلم بدخول الشهر إلا بعد ما دخل اليوم فإنه يعتبر غير صائم، ولكنه يجب عليه أنه يمسك ذلك اليوم ويقضيه؛ لأن النية ما وجدت من أول النهار الذي هو طلوع الفجر، لم يكن عنده علم بحيث ينوي الصيام من أول وقت الصيام.

    القول الراجح في حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام في الجهرية

    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، ما هو القول الراجح في القراءة للفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية أتقرأ مع الإمام أو تقرأ آية آية بعد انتهاء الإمام أو بعد انتهاء القراءة؟الجواب: الذي يظهر إذا كان هناك سكتات للإمام بعد الفاتحة فإنه يقرأ فيها، وإن لم يكن هناك فليقرأ والإمام يقرأ السورة وهذه مستثناة.

    حكم زوج الرجل من امرأة خاله

    السؤال: شاب أراد أن يتزوج امرأة خاله بعد أن توفي فما حكم هذا؟الجواب: ما فيه بأس، امرأة خالك أجنبية.
    وكذلك امرأة عمه أجنبية، فامرأة خاله أجنبية، وامرأة عمه أجنبية، إذا لم يكن هناك قرابة أخرى غير هذه القرابة، يعني: بين هذا الشخص وبينهن مانعة، أما إذا كان ما فيه إلا كونها امرأة عم أو امرأة خال، فتلك أجنبيات منه له أن يتزوجهن.


    رأي الشيخ العباد في كتاب الأسماء والصفات للبيهقي

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما رأيكم في كتاب الأسماء والصفات للإمام البيهقي؟الجواب: كتاب الأسماء والصفات للإمام البيهقي -كما هو معلوم-: اشتمل على أحاديث كثيرة، والإمام البيهقي رحمه الله عنده سلامة في كثير من النواحي، وعنده خطأ في بعض النواحي في العقيدة، وهو من الكتب التي فيها الرواية بالأسانيد، وإذا عرف الإسناد وعرف رجاله، وثبوته، وصحته، فالحديث يكون ثابتاً من تلك الطريق إذا صح الإسناد، وأما كلام البيهقي إذا تكلم فأحياناً يكون كلاماً حسناً، وأحياناً يكون كلامه فيه خلل؛ فهو عنده حق وباطل.

    كيفية الصلاة قبل الجمعة وبعدها من النوافل

    السؤال: فيما يتعلق بصلاة الراتبة ثنتي عشرة ركعة، كيف يكون ذلك في يوم الجمعة وليس هناك راتبة قبلها؟الجواب: ليس هناك راتبة قبل الجمعة، ولكن الإنسان إذا دخل المسجد يصلي ما شاء الله أن يصلي، ثم يجلس ولا يقوم إلا للصلاة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يفعلون ذلك، وليس هناك عدد معين قبل الجمعة، أما بعد الجمعة فجاء فيه ركعتان أو أربع؛ ركعتان لمن صلى في البيت وأربع لمن صلى في المسجد، وقد مرت بنا تلك الأحاديث.
    وعلى كلٍ الإنسان -كما هو معلوم-: إذا دخل المسجد في يوم الجمعة وصلى أكثر من أربع ركعات فقد وجدت الأربع وزيادة، وإن اقتصر على أربع ركعات فهو قد حافظ على الرواتب.


    صحة حديث: (الضعيف أمير الركب)

    السؤال: فضيلة الشيخ، حديث: (الضعيف أمير الركب) هل هو صحيح؟الجواب: لا أدري.


    مدى تساهل أحمد المصري في التوثيق

    السؤال: هل أحمد بن صالح المصري متساهل في التوثيق؟الجواب: لا أدري.

    حال القاسم بن عبد الرحمن


    السؤال: في بعض طبعات التقريب في القاسم بن عبد الرحمن صدوق يرسل كثيراً؟الجواب: يرسل كثيراً نعم هو كذلك، وهذا موجود في النسخة المصرية أنه صدوق ويرسل كثيراً.
    وفي بعض النسخ يغرب كثيراً، وهذا لا أدري، هذا الذي في نسخة التقريب المصرية يرسل كثيراً، ولعلها هي الصواب؛ لأنه من المتقدمين، وقضية ذكر الإرسال هو الذي يغلب على المتقدمين، وإن كان غيرهم يذكر الإرسال الذي هو الإرسال الخفي، أو الإرسال عمن لم يلقه، وليس الإرسال المشهور عند المحدثين الذي هو قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فهو إرسال عمن لم يلقه، أو من لم يدركه بالمعنى الأعم.

    حكم السكنى في بلاد الكفار

    السؤال: سائل ينقل عبارة من فتاوى شيخ الإسلام من الجزء الرابع صفحة (114) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: كما يجوز السكنى في ديارهم، يقصد الكفار، فهل يرى شيخ الإسلام جواز السكنى في ديار المشركين مطلقاً؟ مع العلم أن فيه أحاديث تمنع من ذلك.الجواب: أنا لا أدري كلام شيخ الإسلام، لكن السكنى في بلاد الكفار إذا كان هي بلد الإنسان ويستطيع أن يقيم فيها شعائر دينه فإنه يقيم، وفي إقامته مصلحة له ولغيره إذا دعا إلى الله عز وجل، وأدى ما عليه، وسعى في الدعوة إلى الله، وفي هداية الناس إلى الخير، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) كما قال ذلك لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عام خيبر، وإذا كان أنه لا يستطيع أن يقيم شعائر دينه، وأنه لا يمكن من ذلك، فعليه أن يهاجر إلى بلد يستطيع أن يقيم شعائر دينه، هذا في الإقامة المستمرة، وأما الإقامة المؤقتة والإنسان يذهب للتجارة أو ما إلى ذلك فهذه سائغة.

    حكم من تجاوز الميقات إلى ميقات آخر ليحرم منه

    السؤال: ما حكم من غير ميقات بلده إلى ميقات آخر؛ كأن يمر على ميقات بلده ولا يحرم، ويأتي إلى المدينة ويحرم من ميقات أهل المدينة؟الجواب: ما فيه بأس، كون الإنسان يتجاوز الميقات ولكنه لم يحرم، ثم يخرج إلى المدينة مثل ذلك: الذين يأتون بالطائرة من المغرب إلى جدة، وإذا نزلوا جدة جاءوا إلى المدينة، وأحرموا من ميقات المدينة ما فيه بأس أبداً؛ لأن ليس فيه تغيير، فكونه يريد أن يأتي إلى المدينة قبل أن يذهب إلى مكة يحرم من ميقات المدينة.
    مثل ذلك: إنسان جاء من الجنوب يريد يأتي إلى المدينة أولاً، ثم يحرم منها ما فيه بأس؛ لأن دخول مكة غير محرم وهو ما أراد حجاً وعمرة ما عليه شيء؛ لأنه دخلها ماراً وفي نيته أنه إذا جاء المدينة يحرم منها، هذا ما فيه بأس ولو دخل مكة نفسها غير محرم.
    فإذا كان نيته أنه يتجاوز الميقات غير محرم، وأنه يروح إلى جدة ويقضي حاجته، ثم يخرج إلى الجحفة ويحرم منها ما فيه بأس.

    ما معنى قول ابن عمر حين صلب عبد الله بن الزبير فقال لأمه: لأمة أنت شرها أمة خير

    السؤال: ما معنى قول ابن عمر حين صلب عبد الله بن الزبير فقال لأمه: لأمة أنت شرها أمة خير؟الجواب: أنا ما أذكر، فعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه له كلام جيد وهو في الصحيح الحديث، لكن بهذا اللفظ ما أدري، فكونه وصف بهذا الوصف معناه: أنها بخير، ما دام أنت الذي يقال أنك شرها وأنت من أنت فهي أمة خير، ما أدري هل اللفظ هذا هو موجود في الصحيح، وكان الحجاج قد جاء إلى أمه وتكلم معها وأجابته بجواب في غاية القوة، وفي غاية الحسن قالت عبارة جميلة في حق عبد الله وفي حقه هو، يعني: سيئة في حقه وجميلة في حق عبد الله بن الزبير ما أتذكرها.

    مدى احتياج من قيلت فيه: لين إلى الاعتضاد

    السؤال: حفظك الله يا شيخ! الصدوق الذي فيه لين هل يحتاج لمن يعضده؟الجواب: الذي يبدو أنه ما يحتاج، إذا كان فيه لين معناه: توهين يسير.
    وهي أقل من درجة مقبول، إذا قيل: لين، أو قيل: فيه لين، وفيه لين أهون من لين.

    حكم من أدى الفرائض دون النوافل ثم مات

    السؤال: فضيلة الشيخ! من لم يفعل شيئاً من النوافل لا صيام ولا غيره، ثم مات مع تأديته الفرائض فما حكمه؟الجواب: على كل يرجى له الخير، ما دام أنه أدى الواجبات فهو على خير، ولكنه قصر كثيراً، ومن المعلوم: أن النوافل هي كالسياج للفرائض، والذي يتهاون في النوافل يتهاون في الفرائض، وإذا كان ترك تلك رغبة على السنة فهو آثم، وأما إذا كان كسلاً فهذا أدى ما عليه، فهو على خير إن شاء الله.

    حكم القطرة في العين والأنف للصائم

    السؤال: فضيلة الشيخ! القطرة في العين والأنف هل تفطر وكذلك الحجامة؟الجواب: القطرة في العين ما تفطر، لكن بالسنبة للأنف كما هو معلوم من المنافذ، فإذا وصل إلى حلقه وابتلع شيئاً من ذلك فهو مثلما لو أدخله من فمه الصعوط والوجور، الصعوط: ما يوضع في الأنف، والوجور: ما يوضع في الفم، وأما الحجامة فهي تفطر؛ لقوله: (أفطر الحاجم والمحجوم)، والحاجم إذا كان بالطريقة القديمة التي فيها مص المحاجم، وأما إذا كان بدون مص فيفطر المحجوم دون الحاجم.


    ماهية الأراضين السبع

    السؤال: هل الأراضين سبع وكيف كنهها ومن يسكنها؟
    الجواب: الأراضين سبع، كما جاء في الحديث: (من ظلم شبراً من الأرض طوقه من سبع أراضين) جاء في هذا الحديث نفسه طوقه من سبع أراضين، هذا يدل على أنها متلاصقة، وأنه متصل بعضها ببعض؛ لأنه لو كانت كل طبقة لها سكان، إذا ظلم الإنسان يكون عليه الطبقة التي ظلمها، وأما الطبقات التي تحت فهي تبع السكان الذين يكونون تحت تلك الطبقة، لكن قوله: (طوقه من سبع أراضين) معناه: كله يحمله على كتفه، وعلى رقبته يوم القيامة لأنه ظلم، فالعلماء استنبطوا من هذا الحديث أنها متلاصقة، وأنها متصلة بعضها ببعض، وأنها ليست كالسماوات كل سماء مستقلة، وفيه فضاء بينهما وفيه سكان لكل سماء، وإنما تلك الأراضين متلاصقة، وجاء في حديث ضعيف أنه قال: كل أرض فيها آدم كآدم، وموسى كموسى، وما إلى ذلك، ولكن غير صحيح، لكن الصحيح الذي جاء في الحديث هذا الحديث الذي ورد في الصحيحين (من ظلم شبراً..).

  10. #330
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (327)

    - (باب الرخصة في البكاء على الميت) إلى (باب شق الجيوب)

    رخص الشرع في البكاء على الميت لكن دون دعوى الجاهلية أو السلق أو ضرب الخدود، أو حلق الرءوس وشق الجيوب؛ لأن كل ذلك منهيٌ عنه لما فيه من التسخط وعدم الرضا بأقدار الله.

    الرخصة في البكاء على الميت


    شرح حديث: (... دعهن يا عمر فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في البكاء على الميتأخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل هو ابن جعفر عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أن سلمة بن الأزرق قال: سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: (مات ميت من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمع النساء يبكين عليه، فقام عمر ينهاهن ويطردهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهن يا عمر! فإن العين دامعة، والقلب مصاب، والعهد قريب)].
    يقول النسائي رحمه الله: الرخصة في البكاء على الميت.
    لما ذكر في الباب السابق النياحة وما ورد من الأحاديث في تحريمها والمنع منها، ذكر هذه الترجمة وهي: الرخصة في البكاء، وسبق أن مر أيضاً قبل النياحة في البكاء على الميت، وأورد فيه أحاديث دالة على الجواز، ولكنه أعاد هذه الترجمة بهذا اللفظ: الرخصة في البكاء على الميت، وأورد فيها حديثاً عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه مات ميت من آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فاجتمع النساء، فجعلن يبكين، فنهاهن عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دعهن، فإن العين باكية، والقلب مصاب، والعهد قريب) المقصود منه: دعهن فإن العين دامعة، يعني: دعهن يبكين، وأنه يتركهن دون منع، ولعل ذلك كما هو واضح من نص الحديث أنه مجرد بكاء، وليس نياحة، ولا صياح، وإنما هو دمع عين، وحزن قلب، وهذا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث قد مضت من حديث جابر رضي الله عنه وغيره، وأن البكاء على الميت سائغ حيث لا يكون فيه رفع صوت بالمصيبة، وإنما دمع عين، وحزن قلب، فإنه والحالة هذه سائغ فلا بأس به.
    وقال هنا: [(فإن العين دامعة، والقلب مصاب)]، يعني: أنه حصلت مصيبة حزن القلب لها، [(والعهد قريب)] يعني: العهد بالوفاة قريب، وهذا وقت شدة المصيبة. ولهذا من يملك نفسه عند الصدمة الأولى هذا هو الذي يحصل منه الصبر، الصدمة الأولى وهي: عندما يفاجأ الإنسان بالمصيبة، هذا هو الذي يكون عنده الثبات والصبر، أو الجزع، أما إذا طال العهد ومضى وقت، فإنه يحصل السلوان، وتخف المصيبة في القلب، ولكن عند الموت وعند حلول المصيبة هذا هو الذي يكون فيه شدة الخطب، وهو الذي يتميز فيه من يكون صابراً ممن يكون غير صابر، ولهذا قال: [(والعهد قريب)].


    تراجم رجال إسناد حديث: (... دعهن يا عمر فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب)


    قوله:

    [أخبرنا علي بن حجر].

    هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، هو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
    [عن إسماعيل].
    هو ابن جعفر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عمرو بن حلحلة].
    هو محمد بن عمرو بن حلحلة، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
    [عن محمد بن عمرو].
    هو محمد بن عمرو بن عطاء، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أن سلمة بن الأزرق].
    مقبول، أخرج له النسائي وابن ماجه.
    [سمعت أبا هريرة].
    رضي الله تعالى عنه هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر هؤلاء السبعة حديثاً رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، وهذا الحديث مما ضعفه الألباني، ولا أدري وجه تضعيفه، والحديث كما هو معلوم: معناه دلت عليه أحاديث سبقت ومرت، ذكرها النسائي، وأشياء لم يذكرها النسائي، وهي صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك بكاؤه هو على ابنه إبراهيم، وقوله: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون) فالبكاء ثابت، ودمع العين جاءت السنة بالدلالة عليه، فمعناه وما اقتضاه الحديث وما دل عليه الحديث هو ثابت في أحاديث أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    دعوى الجاهلية


    شرح حديث: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [دعوى الجاهلية أخبرنا علي بن خشرم حدثنا عيسى عن الأعمش (ح) وأخبرنا الحسن بن إسماعيل حدثنا ابن إدريس عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعاء الجاهلية) واللفظ لـعلي، وقال الحسن: بدعوى].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: دعوى الجاهلية أي: الدعاء بدعوى الجاهلية، والجاهلية هي: ما كان قبل عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عندهم أمور اعتادوها، وقد جاء الإسلام بتحريمها والمنع منها، ومن ذلك ما كانوا يفعلونه من رفع الصوت بذكر الشخص ومآثره، وندبته، وما إلى ذلك من الأشياء التي كانوا يفعلونها، فهذه من دعوى الجاهلية، وقد جاء الإسلام بمنعها، كما جاء بمنع أمور أخرى تحصل عند المصيبة، مثل: شق الجيوب، وحلق الرءوس، ورفع الصوت، فإن هذه أمور جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنعها وتحريمها، بل وبكونها من الكبائر؛ لأنه ورد اللعن فيها.
    وهنا أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [(ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعاء الجاهلية)] قال: وهذا اللفظ لـعلي، وقال الحسن: بدعوى.
    أي: الحسن بن إسماعيل قال: دعوى، معناه: أن الشيخين اللذين روى الحديث النسائي عنهما اختلفا في هذه الكلمة؛ فشيخه الأول وهو: علي بن خشرم أتى بالتعبير (بدعاء)، وشيخه الثاني في الإسناد الثاني: الحسن بن إسماعيل أتى (بدعوى)، وهما بمعنى واحد، وقد عقد الترجمة على لفظ الحسن بن إسماعيل وهي: دعوى الجاهلية، وهذا هو المشهور في الروايات: دعوى الجاهلية، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [(ليس منا من ضرب الخدود)] يعني: تأثراً عند المصيبة وما يحصل من تمزيق الثياب وشقها وتخريقها إظهاراً للحزن؛ فإن هذه من الأمور المحرمة، وكذلك الدعاء بدعوى الجاهلية وهي: رفع الصوت أو فعل ما كان يفعله الجاهلية من ذكر الأشخاص عند موتهم، وبيان محاسنهم، وإظهار التفجع عليهم، والإتيان بأمور كان أهل الجاهلية يعتادونها، فنهى عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: [(ليس منا)].
    وقوله: [(ليس منا)]، يعني: ليس ممن هو على هدينا، وعلى طريقتنا، وعلى سنتنا، وليس معنى ذلك أنه ليس من المسلمين؛ لأنه من حصل منه ذلك لا يكون كافراً، ولكنه مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما أنه هنا قال: [(ليس منا)] فقد لعن من فعل تلك الأمور كما في أحاديث جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [(ليس منا)] ليس المقصود أنه ليس من المسلمين وأنه يكون كافراً، والنفي هذا إنما هو لكمال الإيمان، وليس لأصل الإيمان، ولمن يكون على المنهج والطريقة.
    والسنة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم هي ترك هذه الأمور، والابتعاد عن هذه الأمور التي هي من أمور وأعمال الجاهلية.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ...)

    قوله: [أخبرنا علي بن خشرم].هو المروزي، وهو ثقة، أخرج له مسلم والترمذي والنسائي.
    وعلي بن خشرم هذا من المعمرين، ذكر في ترجمته أنه قال عن نفسه: (صمت ثمانية وثمانين رمضاناً) يعني: مضى عليه ثمان وثمانون سنة، وهو يصوم شهر رمضان، معناه: أنه معمر؛ لأنه ما دام أنه ثمانية وثمانون عاماً من عمره وهو يصوم معناه أنه عمّر.
    [حدثنا عيسى].
    هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    هو الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب اشتهر به سليمان بن مهران الكاهلي، ومعرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفة هذا النوع أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر باسمه مرة، وبلقبه أخرى، فإن من لا يعرف يظن أن الأعمش شخص وأن سليمان بن مهران شخص آخر.
    [(ح) وأخبرنا الحسن بن إسماعيل].
    ثم قال (ح) وأخبرنا الحسن بن إسماعيل، والحاء هذه تدل على التحويل، أي: التحول من إسناد إلى إسناد؛ يعني: يذكر إسنادين ثم يلتقي الإسنادان عند شخص واحد، ثم يتحدان إلى نهاية الإسناد، فهذه الحاء تدل على التحويل؛ لأن الذي يكون بعدها ليس شيخاً للذي قبلها، وإنما هو رجوع إلى الإتيان بإسناد من جديد.
    والحسن بن إسماعيل المصيصي ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا ابن إدريس].
    هو عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    وقد مر ذكره، وهو ملتقى الإسنادين الأول والثاني.
    [عن عبد الله بن مرة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسروق].
    هو مسروق الأجدع، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من علماء الصحابة ومن كبارهم، وكانت وفاته سنة (32هـ) وبعض العلماء يعده من العبادلة الأربعة، ولكن الصحيح أنه ليس منهم؛ لأن العبادلة هم من الصغار كلهم، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، فهؤلاء الأربعة في زمن واحد، وقد أدركهم من لم يدرك كبار الصحابة، فعده -أي: ابن مسعود- بعضهم في العبادلة الأربعة، ولكن المشهور والصحيح أنه ليس منهم؛ لأن العبادلة الأربعة هم من الصغار وكانوا في سن متقارب، وقد أدركهم من لم يدرك ابن مسعود ومن كان في طبقة ابن مسعود من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.


    السلق


    شرح حديث: (... ليس منا من حلق ولا خرق ولا سلق)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [السلق أخبرنا عمرو بن علي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عوف عن خالد الأحدب عن صفوان بن محرز قال: أغمي على أبي موسى رضي الله تعالى عنه فبكوا عليه، فقال: أبرأ إليكم كما برئ إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من حلق، ولا خرق، ولا سلق].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: السلق، والمراد بالسلق هنا: رفع الصوت عند المصيبة، يعني: سلقه بلسانه، معناه أنه تكلم عليه، ورفع صوته عليه، فالسلق هو رفع الصوت، ومثله الصلق، ولهذا يقال: السالقة والصالقة، والمراد بها: التي ترفع صوتها عند المصيبة، السالقة والصالقة هما بمعنى واحد يأتيان بالسين والصاد، والمراد بها من ترفع صوتها عند المصيبة.
    وقد أورد النسائي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنه أغمي عليه فأفاق، وإذا به يسمع رفع صوت، فجاء في بعض الروايات أن امرأته صاحت فقال: [أبرأ إليكم كما برئ إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم]، فالرسول صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة ونحن نبرأ مما برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: أننا ننكر هذا ونعيبه، ولا نرضاه، وننكر على من يحصل منه ذلك؛ لأن الواجب هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه، وهو قد منع من ذلك، فنحن نكره هذا ونمنعه، وننكر على من يحصل منه.
    كان أغمي عليه رضي الله تعالى عنه، ولما أفاق وسمع الصياح بادر إلى ذكر سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم من بيان السنن ولو كانوا في حالة شديدة من المصيبة ومن المرض؛ فإنه كان في مرض شديد، ولكن ذلك ما منعه من أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأن ينبه على ما شاهده وعاينه أو سمع به من أمر منكر.
    ومثل هذا الصنيع الذي صنعه أبو موسى رضي الله عنه حصل أيضاً من عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه كما في صحيح البخاري؛ أنه لما طعنه المجوسي وهو يصلي بالناس الصبح، ونال الشهادة بهذه الطعنة، وبقي أياماً يغمى عليه ويفيق، وكان يأتيه الناس يعودونه ويزورونه، فجاء إليه شاب فأثنى عليه خيراً، وقال: هنيئاً لك يا أمير المؤمنين! صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم وليت فعدلت، وعملت كذا، وكذا، وكذا، ويذكر شيئاً، فقال رضي الله عنه: (وددت أن يكون ذلك كفافاً لا عليّ ولا لي)، وهذا من تواضعه، وهذا شأن أهل الكمال عندهم الأعمال العظيمة، ومع ذلك يحتقرون أنفسهم، ويهضمون أنفسهم، ويقول عمر رضي الله عنه هذه المقالة وهو يعلم بأنه من أهل الجنة، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ولكن الأمر كما قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )[المؤمنون:60]، فهم مع إحسانهم، ومع قيامهم بما يرضي الله عز وجل، وفعلهم الأفعال المجيدة والعظيمة، كان الواحد منهم يهضم نفسه، ويتواضع لله، ومن تواضع لله رفعه الله عز وجل، ثم ولى الغلام، ولما ذهب وإذا ثوبه يمس الأرض، يعني: ثوبه نازل، فقال: ردوا عليّ الغلام، فلما رجع إليه قال: يا ابن أخي! ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك، وأنقى لثوبك، يعني: في هذه الشدة يغمى عليه ويفيق، ومع ذلك لما رأى هذا الثوب الذي قد نزل من هذا الرجل الذي أثنى عليه ومدحه وأرشده إلى السنة، وأن الإنسان لا يسبل ولا ينزل ثيابه، وإنما يرفعها عن الكعبين كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    وقد أرشده إلى فائدة دنيوية وفائدة أخروية؛ فائدة دنيوية وهي: سلامة الثوب، ونظافته، والإبقاء عليه، قال: فإنه أنقى لثوبك؛ لأنه إذا نزل كان عرضة للأوساخ، وأتقى لربك، وهذه فائدة دنيوية وأخروية؛ لأن تقوى الله عز وجل فيها كل خير في الدنيا والآخرة، فيها ما يعود على الإنسان في الخير في الدنيا والآخرة.
    فالحاصل: أن شأن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم أنهم كانوا من أسبق الناس إلى كل خير، وأحرص الناس على كل خير، وكانوا دعاة إلى الله على بصيرة، وكانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؛ وكون الواحد منهم يكون في شدة فلا يمنعه ذلك من أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر. ثم بعض الناس إذا سمع في مثل الكلام على الإسبال أو ما إلى ذلك يستهين بهذا الأمر ويقول: مثل هذه الأمور لا يصلح أنه يشتغل بها، وعليه أن يشتغل في الأمور الكبيرة، وهذه لا يصلح أن يشتغل بها، ويقولون: إن الدين لباب وقشور، وهذه من القشور، فيعتنى باللباب وتترك القشور، فهذا كلام باطل؛ فالدين كله لباب وليس فيه شيء يستهان به، لا شك أن بعضه أهم من بعض، لكن ليس معنى ذلك أنه يترك الأمر الذي هو دون غيره، وإذا وجد الأمران الكبير والذي هو دونه فطبعاً ينبه على ما هو أكبر قبل أن ينبه على ما هو أصغر، فيبدأ بالأهم فالأهم، لكن لا يجوز أن يقال: إن في الدين لباباً وقشوراً، وأن هناك قشور هي من الدين؛ فهذا كلام من أبطل الباطل، وكلام في غاية السوء، بل الدين كله خير وكله لباب، نعم.. يمكن أن يقال: هناك أمور بعضها أهم من بعض، ويبدأ بالأهم فالأهم، هذا كلام صحيح، وإذا وجد أمران خطيران فالتنبيه على الأخطر أعظم من أن يشتغل بالذي هو دونه ويترك؛ إذا كان الإنسان الذي فيه هذا الأمر عنده أمران أحدهما أخطر من الثاني فلا شك أنه ينبه على ما هو الأخطر قبل أن ينبه على ما هو دونه.
    الحاصل: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد الرسل الكرام، هم خير هذه الأمة التي هي خير الأمم، وهذا هو شأنهم، وهذه طريقتهم وهذا منهجهم؛ دعاة إلى الخير لا تأخذهم في الله لومة لائم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... ليس منا من حلق ولا خرق ولا سلق)


    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا سليمان بن حرب].
    هو سليمان بن حرب البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عوف].
    هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد الأحدب].
    هو خالد بن محرز المازني، ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [أبي موسى].
    هو عبد الله بن قيس الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته ونسبته، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    ضرب الخدود



    ‏ حديث: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ضرب الخدودأخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا سفيان حدثني زبيد عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)].
    أورد النسائي حديث ابن مسعود رضي الله عنه من طريق أخرى: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية) وهو مثل ما تقدم.
    قوله:
    [محمد بن بشار].
    هو الملقب: بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى].
    هو ابن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني زبيد].
    هو زبيد بن الحارث اليامي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم].
    هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي اشتهر عنه الكلمة المشهورة التي يذكرها الفقهاء في كتبهم: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه)، يعنون بذلك: الذباب، والجراد، وغير ذلك مما ليس فيه دم، يقولون: ما لا نفس سائلة، يعني: لا دم؛ لأن النفس يطلق على الدم يقال له: نفس، قال ابن القيم في زاد المعاد: أول من عرف عنه أنه عبر بهذه العبارة إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء ومن بعده.
    [عن مسروق].
    وقد مر ذكره.
    [عن عبد الله].
    وقد مر ذكره.


    الحلق


    شرح حديث: (... أنا بريء ممن حلق وخرق وسلق) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحلقأخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا جعفر بن عون أخبرنا أبو عميس عن أبي صخرة عن عبد الرحمن بن يزيد وأبي بردة قالا: (لما ثقل أبو موسى رضي الله تعالى عنه أقبلت امرأته تصيح، قالا: فأفاق فقال: ألم أخبرك أني بريء ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالا: وكان يحدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا بريء ممن حلق وخرق وسلق)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الحلق، فهو حلق الرؤوس -أي: حلق الشعر- عند المصيبة، هذا هو المقصود بالحلق، وأورد النسائي حديث أبي موسى رضي الله عنه أنه ثقل وأغمي عليه، ولما أفاق وإذا امرأته تصيح، فقال: ألم أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء ممن حلق وخرق وسلق، يعني: حلق رأسه، وخرق ثوبه، ورفع صوته، وخرق يعني: رفع صوته، يعني: أنه حدثها وأخبرها بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل، ولما أفاق وإذا هي تصيح، وكان حدثها من قبل فأنكر عليها، وقال: ألم أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك.
    وقوله: [وكان يحدثها أن الرسول صلى الله عليه وسلم].
    يعني: وكان يحدثها من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ ممن حلق وخرق وسلق.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... أنا بريء ممن حلق وخرق وسلق) من طريق ثانية

    قوله:

    [أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم].

    هو الكوفي، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.
    [حدثنا جعفر بن عون].
    هو جعفر بن عون بن جعفر، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا أبي عميس].
    هو عتبة بن عبد الله المسعودي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي صخرة].
    هو أبو صخرة جامع بن شداد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن يزيد].
    هو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [وأبي بردة].
    هو ابن أبي موسى، مشهور بكنيته، وقيل: إن اسمه عامر، وقيل غير ذلك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي موسى].
    وقد مر ذكره.


    شق الجيوب


    حديث: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [شق الجيوبأخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن زبيد عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)].
    أورد النسائي حديث ابن مسعود وهو مثل ما تقدم، إلا أنه أورده هنا بهذه الترجمة وهي: شق الجيوب.
    قوله:
    [أخبرنا إسحاق بن منصور].
    هو الكوسج المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان الثوري، وقد مر ذكره.
    [عن زبيد].
    زبيد، وقد مر ذكره أيضاً.

    [عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله].

    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (ليس منا من سلق وحلق وخرق) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى أخبرنا محمد حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن يزيد بن أوس عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه أنه أغمي عليه فبكت أم ولد له، فلما أفاق قال لها: أما بلغك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسألناها فقالت: قال: (ليس منا من سلق وحلق وخرق)].أورد النسائي حديث أبي موسى رضي الله عنه، وهو مثل ما تقدم إلا أنه هنا أورده باب شق الجيوب، وتقدم الحديث من طريق أخرى.
    قوله:
    [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو الملقب الزمن، وكنيته: أبي موسى العنزي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [أخبرنا محمد].
    هو ابن جعفر الملقب غندر البصري، وإذا جاء محمد يروي عن شعبة ويروي عنه محمد بن المثنى أو محمد بن بشار فالمراد به: محمد بن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم].
    هو النخعي، وقد مر ذكره.
    [عن يزيد بن أوس].
    مقبول، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن أبي موسى].
    وقد مر ذكره.

    حديث: (ليس منا من حلق وسلق وخرق) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبدة بن عبد الله حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن يزيد بن أوس عن أم عبد الله امرأة أبي موسى عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من حلق وسلق وخرق)].أورد النسائي أيضاً حديث أبي موسى رضي الله عنه من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
    قوله:
    [عبدة بن عبد الله].
    هو عبدة بن عبد الله الصفار، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا يحيى بن آدم].
    هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا إسرائيل].
    هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور عن إبراهيم عن يزيد بن أوس].
    وقد مر ذكرهم.
    [عن أم عبد الله امرأة أبي موسى].
    هي أم عبد الله بنت أبي دومة صحابية، أخرج حديثها مسلم وأبو داود والنسائي.

    شرح حديث: (إن رسول الله لعن من حلق أو سلق أو خرق) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن سهم بن منجاب عن القرثع قال: لما ثقل أبو موسى صاحت امرأته، فقال: (أما علمت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بلى، ثم سكتت، فقيل لها بعد ذلك: أي شيء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من حلق أو سلق أو خرق)].أورد النسائي هذا الحديث من طريق أخرى وفيه ذكر اللعن، وهو من الأدلة الدالة على أن تلك الأعمال من الكبائر.
    قوله:

    [أخبرنا هناد].

    هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي معاوية].
    هو محمد بن خازم بن الضرير الكوفي، وهو ثقة، مدلس، وذكر عنه التدليس في التقريب، أما نسختنا الشامية ليس فيها ذكر التدليس، وهو أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وفي اعتباري أن فيه التدليس.
    [عن الأعمش].
    وقد مر ذكره.
    [عن إبراهيم].
    وقد مر ذكره.
    [عن سهم بن منجاب].
    ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن القرثع].
    هو القرثع الضبي الكوفي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي موسى].
    وقد مر ذكره.


    الأسئلة


    صحة حديث: (إن الطواف في البيت صلاة ...)

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله! ما صحة قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الطواف في البيت صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه النطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير)؟

    الجواب: الحديث فيما أذكر صحيح، لكن ما أدري ما درجته، وهو الذي يستدل به العلماء على اشتراط الطهارة في الصلاة.

    حكم الصلاة خلف الإمام المسبل إزاره

    السؤال: يا شيخ حفظكم الله! وجدت جماعة يصلون والإمام مسبل، هل أصلي معهم أو أصلي وحدي؟

    الجواب: لا، صل معهم، وإذا فرغ الإمام انصحه.

    دليل وجوب تغطية الوجه للنساء

    السؤال: حفظكم الله! ما الدليل على وجوب تغطية الوجه للنساء؟

    الجواب: الدليل على ذلك الآيات والأحاديث، يعني: الآيات التي فيها ذكر الحجاب، وكذلك الأحاديث التي وردت في ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ألفت في ذلك رسائل للشيخ ابن باز، ولـابن عثيمين، وكذلك الشيخ صالح البليهي له كتاب مطول في هذا، وغيرهم من أهل العلم.

    حكم الدعاء بعد الفريضة ومسح الوجه بعد الفراغ من الدعاء

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم الدعاء بعد الفريضة؟ وما حكم مسح الوجه بعد الدعاء؟

    الجواب: الدعاء بعد الفريضة إذا أتى الإنسان بالذكر المشروع ودعا بذلك فهو سائغ، وأما مسح الوجه باليدين بعد الدعاء فهذا لم يثبت، أي: غير ثابت، وإنما إذا رفعت الأيدي فإنها تنزل بدون مسح للوجه.

    كيفية تطهير نجاسة المسجد

    السؤال: حفظكم الله يا شيخ! إذا كانت هناك نجاسة في أرض المسجد، فهل يكفي مسحها أو يجب صب الماء عليها؟

    الجواب: إذا كانت النجاسة في تراب يصب عليها حتى تكاثر، وأما إذا كانت -مثلاً- في بلاط أو ما إلى ذلك فلا يصب عليها حتى تتكاثر، وإنما يصب عليها وتمسح، ثم يصب عليها وتمسح؛ لأنها ما تروح، وليست مثل التراب الذي يروح في الأرض، يعني: يصب عليها شيئاً فشيئاً وتمسح، ولا يحتاج إلى صب ماء؛ لأنه إذا كثر الماء ساح، وذهبت النجاسة إلى أماكن متعددة واتسعت، بخلاف الأرض الترابية؛ إذا صب عليها الماء أخذته الأرض.

    حكم استعمال الفيديو والتلفاز

    السؤال: يا شيخ حفظكم الله! ما حكم إنسان عنده مزرعة ويوجد فيها عمال، فأحضر أحدهم جهاز التلفاز والفيديو، وقد نصحهم ولم ينتصحوا، وهو ليس راض عنهم فهل يأثم بذلك؟
    الجواب: على كل هو له أن يمنعهم من الشيء الذي هو منكر، فإذا كانوا يستعملون ذلك في أمور سيئة وخبيثة لا يجوز له إقرارهم على ذلك؛ لأن من الناس من يستعمل الفيديو في أمور من أخبث ما يكون، ومن أسوأ ما يكون والعياذ بالله.


  11. #331
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (328)

    - (باب الأمر بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة) إلى (باب ثواب من احتسب ثلاثة من صلبه)

    بيّن الشرع فضل الاحتساب والصبر عند المصائب وخاصة عند الموت، ورتب الأجر العظيم لمن صبر واحتسب، وبيّن ثواب من فقد ثلاثة من أولاده واحتسب ذلك عند الله تعالى.

    الأمر بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة


    شرح حديث: (... إن لله ما أخذ وله ما أعطى ... فلتصبر ولتحتسب ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة. أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن عاصم بن سليمان عن أبي عثمان حدثني أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه قال: (أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن ابناً لي قبض فأتنا، فأرسل يقرأ السلام، ويقول: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عند الله بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تقعقع ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله! ما هذا؟ قال: هذا رحمة يجعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب الأمر بالاحتساب، والصبر عند المصيبة.
    المراد بالاحتساب هو: كون الإنسان يريد بما يعمله وجه الله عز وجل، فهو عندما تحل به مصيبة يصبر ويرجو ثواب صبره على مصيبته عند الله عز وجل، وهذا من جنس قوله عليه الصلاة والسلام: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) يعني: أنه يحتسب الأجر عند الله عز وجل، ويرجو الثواب من المولى سبحانه وتعالى، فهذا هو المراد بالاحتساب.
    والصبر عند المصيبة يعني: أنه عندما تحصل له مصيبة يحصل منه الرضاء والصبر، وعدم الإتيان بشيء لا يسوغ مثل الأمور التي لعن عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي: كون الإنسان عند المصيبة يحصل منه رفع الصوت، أو شق الثياب، أو حلق الشعر، وما إلى ذلك من الأمور التي كانت تفعل في الجاهلية عند حصول المصائب، فيصبر الإنسان، ويبتعد عن الأمور المحرمة، ويقول ما ورد: إنا لله وإنا إليه راجعون، وما ورد في ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، الأمر بالاحتساب والصبر عند المصيبة.
    ومن المعلوم أن الإنسان إذا حلت به مصيبة إن صبر فهو على خير، وإن لم يصبر فهو على شر؛ لأنه لا يستفيد من عدم صبره إلا المضرة، وذلك أنه قد يحصل منه أمور تعود عليه بالمضرة، مثل ما أشرت إليه آنفاً من الأشياء التي جاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام اللعن عليها: (لعن الله الصالقة، والحالقة، والشاقة) وهذا بسبب عدم الرضا، وعدم الصبر والاحتساب، فيترتب على ذلك المضرة.
    وإذاً: فالصبر خير للإنسان، وقد جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، أن المسلم شأنه كله له خير، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) فأي مصيبة وأي مضرة تحصل للإنسان ويصبر، فإن الله تعالى يأجره عليها، وإذا لم يحصل منه الصبر، بل حصل منه التسخط، أو حصل منه فعل أمور محرمة كالصلق، والسلق، والحلق، وما إلى ذلك من الأمور التي جاء التحذير منها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يحصل الضرر ولا يحصل فائدة من وراء ذلك.
    ثم أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إن بنتاً للرسول عليه الصلاة والسلام أرسلت تخبره بأن ابناً لها قبض وتطلب منه أن يأتي، والمراد بقوله (قبض) أي: أنه على وشك الموت في حالة نزع الروح؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام أمر الذي جاء إليه وأخبره بأن يخبرها بأن تصبر وتحتسب، ويخبرها أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وهذه الجمل الثلاث هي من خير ما يعزى به، ومن خير ما يتذكره الإنسان عند المصيبة، فالله تعالى هو الذي أعطى هذا الولد، أو أعطى هذه النعمة، وهو الذي أخذها، وكل شيء كتب له أجل ينتهي عنده، وكل ذلك مكتوب ومقدر، فإذا أتى الإنسان بمثل هذه الألفاظ التي جاءت عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فإن فيه ترويضاً وتذكيراً للنفس وتهويناً للمصيبة؛ لأن الأمر كله من الله وإلى الله، وأن كل شيء قد له أجل محتوم لا يتقدمه ولا يتأخر عنده، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى)، فهذا من خير ما يتذكره الإنسان عند المصيبة.
    ومن خير ما يتذكر عند المصيبة، تذكر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن البقاء لو كان لأحدٍ لكان أحق الناس به رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذي كله خير وبركة، ونفعه عميم عظيم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    فالله عز وجل يقول: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34]، ما جعل الخلد لأحد، فعلى الإنسان أن يتذكر عند وفاة قريبه أو من يعز عليه فقده أن الموت باب مفتوح لكل أحد، وأن في تذكر وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام العزاء عن كل مصيبة؛ لأن هذه أعظم مصيبة حصلت للمسلمين.
    فالصبر والاحتساب فيه الخير، وعدم الصبر والاحتساب فيه المضرة، ولا يحصل الإنسان فائدة من تسخطه، بل يحصل المضرة.
    ثم إنها أرسلت إليه تقسم عليه أن يأتي، فأتى ومعه جماعة من أصحابه من الأنصار، منهم: معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة، وأبي بن كعب ورجال آخرون ذهبوا إليها فناولته الصبي، ووضعه في حجره ونفسه تقعقع، يعني: أنها حشرج الصدر عند خروج الروح، هذا هو وصف ذلك الصبي، وهذه حال ذلك الصبي، ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، وهذا يدلنا على أن البكاء عند المصيبة لا مانع منه، الذي هو دمع العين، وحزن القلب، ولكن الممنوع والمحرم والذي لا يسوغ، هو رفع الصوت بالمصيبة، وشق الثياب وحلق الرءوس، وما إلى ذلك، فهذا هو الذي لا يسوغ ولا يجوز، أما مجرد البكاء فالرسول صلى الله عليه وسلم قد بكى كما في هذه الحال، وبكى لما مات ابنه إبراهيم وقال: (إن العين لتدمع، والقلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون) فهنا فاضت عينا رسول الله عليه الصلاة والسلام في البكاء يعني: دمعت عيناه، لكن ليس هناك صوت، والممنوع هو حصول الصوت، والذي لعن عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (لعن الله الصالقة) أي: الرافعة لصوتها عند المصيبة، فالرسول صلى الله عليه وسلم بكى، فدل على جواز البكاء، وعلى أنه لا إثم فيه ولا مضرة على صاحبه؛ لأنه دمع عين وحزن قلب، أما إذا تجاوز ذلك إلى صياح وصراخ ورفع صوت، فإن هذا هو النياحة، وهذا هو الذي لعن عليه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    والأحاديث التي وردت في التحذير غالباً ما جاءت في حق النساء: (لعن الله الصالقة، والحالقة، والشاقة) ومن المعلوم أن الرجال مثل النساء، لكن ذكر الحكم مع النساء؛ لأنهن اللاتي يغلب عليهن مثل ذلك، لما عندهن من عدم الصبر؛ ولهذا لم يشرع للنساء زيارة القبور، ولم يشرع لهن اتباع الجنائز والذهاب للمقابر؛ لقلة صبرهن وما يحصل منهن، أو ما يخشى عليهن من الضرر، وكذلك جاءت الأحاديث التي فيها التحذير بذكر النساء، وبلفظ النائحة، والصالقة، والحالقة، والشاقة، والحكم عام للرجال والنساء، لكن خصت النساء لأنهن اللاتي عندهن الضعف، وعدم التحمل الذي يحصل من الرجال.
    فالرسول عليه الصلاة والسلام لما فاضت عيناه بالبكاء قال له سعد: ما هذا يا رسول الله! يعني: كونه حصل هذا البكاء وقد علموا منه النهي عن البكاء على الميت، أي: البكاء الذي يكون فيه نياحة، قال: (إنها رحمة يجعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) يعني: هذا الذي حصل من كونه بكى لما حصل لهذا الغلام من الشدة، ولما حصل له من هذا الضرر، ومن هذا الذي حصل له، والتألم الذي حصل له قال: [(إنها رحمة يجعلها الله في قلوب عباده)] يعني: كون العين تدمع، والقلب يحزن، [(وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)] وهذا يدل على أن الجزاء من جنس العمل، ولهذا جاء في الحديث: (الراحمون يرحمهم الرحمن) وهنا مثله (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) فمن رحم رحم، وقد جاء أحاديث كثيرة فيها الجزاء من جنس العمل (من نفس عن مسلمٍ كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة)، (ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) ومن يستر على الناس يستر الله عليه في الدنيا والآخرة، (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة) فالجزاء من جنس العمل كثيراً ما يأتي بنصوص الكتاب والسنة، وهنا: (وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) هو من هذا القبيل.
    والمقصود من إيراد الحديث هو قوله عليه الصلاة والسلام: [(فلتصبر ولتحتسب، وإن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى )] والترجمة: الأمر بالاحتساب، والصبر عند المصيبة، (فلتصبر ولتحتسب) يعني: تصبر على مصابها، وتحتسب الأجر والثواب عند الله سبحانه وتعالى، وهذه البنت قيل أنها: زينب ابنة الرسول عليه الصلاة والسلام وهذا هو الأظهر، وابنها لـأبي العاص بن الربيع الذي هو زوجها، زوج زينب بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن لله ما أخذ وله ما أعطى ... فلتصبر ولتحتسب ...)

    قوله:
    [أخبرنا سويد بن نصر]
    .سويد بن نصر، هو: المروزي وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك، وهو يروي عنه هنا، وكثير من الأحاديث التي تأتي عند النسائي لـسويد بن نصر شيخه هي من طريق عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن المبارك مروزي أيضاً، ووصفه الحافظ ابن حجر بصفات عظيمة قال عنه في التقريب: إنه ثقة، جواد، مجاهد، عابد، وذكر جملة من صفاته، وقال: جمعت فيه خصال الخير، فهو جمع بين الحفظ والضبط للحديث، وبين العبادة والجهاد في سبيل الله عز وجل، فاجتمعت فيه خصال كثيرة من خصال الخير، ولهذا لما عدد الحافظ ابن حجر في التقريب بعض صفاته قال في ختامها: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم بن سليمان].
    هو عاصم بن سليمان الأحول البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عثمان].
    أبو عثمان النهدي هو: عبد الرحمن بن مل أو مَل، أو مِل مثلث الميم، يقال الميم بالتثليث أنها مثلثة؛ لأنه قال: مُل، أو مَل، أو مِل، كلها صحيحة، وكلها صواب، وليس في شيء منها خطأ، وهو النهدي مشهور بكنيته أبي عثمان، وهو ثقة ثبت عابد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أسامة بن زيد].
    هو: أسامة بن زيد بن حارثة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، وهو صحابي مشهور، وصحابي جليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (الصبر عند الصدمة الأولى)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن ثابت سمعت أنساً رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصبر عند الصدمة الأولى) ].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(الصبر عند الصدمة الأولى)] الصبر إنما يوفق الإنسان للظفر به عندما تفاجئه المصيبة وعندما يفجؤه خبر، هذا هو الذي يختلف فيه الناس، ويفترق فيه الناس إلى موفق للأخذ بالحق وبالصبر والاحتساب، وإلى من يحصل منه التسخط، والأفعال المنكرة التي لعن عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، مثل لعن: الصالقة، والحالقة، والشاقة.
    الصبر على الحقيقة: إنما يكون عند الصدمة الأولى، وهي مفاجأة الإنسان بحصول المصيبة، وبوقوفه عليها أو بإخباره عنها، فهذه هي الصدمة الأولى التي يفاجأ فيها بالخبر، فهو إن وفق صبر واحتسب، وإن كان بخلاف ذلك حصل منه الأمور المحرمة، والأمور المنكرة التي حذر منها رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) فهو ذكر الصبر، والاحتساب ومحله إنما يكون عند الصدمة الأولى، ومن المعلوم أنه إذا مضى وقت على المصيبة فلا بد من السلوان.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الصبر عند الصدمة الأولى)

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو الفلاس، وهو ثقة ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وهو مشهور باسمه ومشهور بلقبه الفلاس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله في ذلك: محمد بن بشار الملقب: بندار، ومحمد بن المثنى الملقب: الزمن كنيته: أبو موسى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وجماعة ممن تتلمذ عليهم أصحاب الكتب الستة، وروى عنهم فسمع منهم أصحاب الكتب الستة مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا محمد بن جعفر].
    هو غندر البصري مشهور بلقبه، ويأتي ذكره باسمه ونسبه، وكثيراً ما يأتي ذكره باسمه دون أن ينسب ودون أن يلقب، فيقال: محمد، وإذا جاء محمد يروي عن شعبة وهو غير منسوب فالمراد به: محمد بن جعفر الملقب غندر وهو كثير ما يأتي، وقد مر بنا في سنن النسائي أسانيد عديدة فيها محمد غير منسوب يروي عن شعبة والمراد به هذا، وهنا جاء مسمىً ومنسوباً محمد بن جعفر البصري الملقب: غندر وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، والذي وصف بها عدد قليل من المحدثين منهم: سفيان الثوري، ومنهم البخاري، ومنهم الدارقطني، ومنهم إسحاق بن راهويه، وعدد قليل من المحدثين وصفوا بهذا الوصف الرفيع ولقبوا بهذا اللقب العالي الذي هو لقب: أمير المؤمنين في الحديث، وحديث شعبة بن الحجاج أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو ابن مالك صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، خدمه عشر سنوات منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة إلى أن توفاه الله، وظفر بسماع الشيء الكثير من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام بسبب ملازمته للنبي عليه الصلاة والسلام، وصحبته إياه، وخدمته له، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام، وهم: أبو هريرة وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة ستة رجال وامرأة واحدة هؤلاء عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء السبعة جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    ولم يرو أحد من الصحابة مثل ما روى هؤلاء السبعة بكثرة الحديث عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (ما يسرك أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته عنده ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا شعبة حدثنا أبو إياس وهو معاوية بن قرة عن أبيه: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له فقال له: أتحبه؟ فقال: أحبك الله كما أحبه، فمات ففقده، فسأل عنه فقال: ما يسرك أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك)].ثم أورد النسائي حديث قرة بن إياس المزني رضي الله تعالى عنه، أن رجلاً كان له ابن، وكان يحبه، ويأتي به إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [(أتحبه؟ فقال: أحبك الله كما أحبه)] يعني: أنه يحبه حباً شديداً، ويرجو من الله أن يحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يزيد في محبته كما يحبه هو، وهذا يدل على شدة حبه له أي: لهذا الغلام، ولهذا الصبي، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم وسأل عنه، فأخبر أنه قد مات، فلقيه وعزاه به، وقال له هذه المقالة: [(ما يسرك أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وهو أمامك يريد أن يفتحه لك)]،
    معناه: أنه إذا صبر على هذه المصيبة فإن الله يأجره على ذلك، ويكون أيضاً ممن يشفع له، وممن يستفيد منه حيث يكون سبباً من أسباب دخوله الجنة، ويفتح له أبواب الجنة لكونه صبر واحتسب، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث تحت الترجمة؛ لأن هذا نتيجة الصبر والاحتساب، والحديث سيأتي مطولاً عند النسائي في آخر كتاب الجنائز، وهو أطول من هذا، هنا ذكر هذا الحديث مختصراً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما يسرك أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته عنده ...)

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    عمرو بن علي الفلاس، وقد تقدم.
    [حدثنا يحيى].
    هو ابن سعيد القطان، وهو محدث، ناقد، ثقة، ثبت، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    يحيى بن سعيد القطان، هو وعبد الرحمن بن مهدي ذكر الذهبي في كتابه من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، وفيه بيان تمكنهما في هذا الفن، وهو: التكلم في الرجال، وبيان أحوال الرجال، وقال كلمة في حقهما: أنهما إذا جرحا شخصاً فهو لا يكاد يندمل جرحه، معناه: أنهما يصيبان وأنهما لا يخطئان إذا جرحا شخصاً وتكلما فيه ويقل أن يندمل جرحه، بمعنى: أنهما يصيبان الهدف، ويصيبان في جرحهما وفي كلامهما، ويحيى بن سعيد القطان، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج، وقد مر ذكره.
    [حدثنا أبي إياس وهو: معاوية بن قرة].
    هو معاوية بن قرة بن إياس المزني أبو إياس البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [عن أبيه].
    هو قرة بن إياس المزني، صحابي نزيل البصرة، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.


    ثواب من صبر واحتسب


    ‏ شرح حديث: (إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الدنيا فصبر واحتسب وقال ما أمر به بثواب دون الجنة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثواب من صبر واحتسب. أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله أخبرنا عمر بن سعيد بن أبي حسين: أن عمرو بن شعيب كتب إلى عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين يعزيه بابن له هلك، وذكر في كتابه أنه سمع أباه يحدث عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر واحتسب وقال ما أمر به بثواب دون الجنة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ثواب من صبر واحتسب، ثم ذكر الأمر بالصبر والاحتساب عند المصيبة، وذكر الثواب عليهما، في بعض الأحاديث التي مرت، والحديث الأخير الذي فيه أنه يفتح له باب الجنة، أو أنه أمامه، فإن هذا فيه بيان الثواب على الصبر، والاحتساب.
    وأورد النسائي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الدنيا)].
    قوله: (بصفيه) يعني: حبيبه، ويعز عليه فقده.
    (فصبر واحتسب وقال: ما أمر به).
    معناه: لا بد من الصبر، والاحتساب، وقال ما أمر به: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفني خيراً منها، يقول ما ورد وما جاء عن الله، وعن رسوله عليه الصلاة والسلام في ذلك، (لا يرضى له بثواب دون الجنة) معناه: أن ثوابه على ذلك الجنة، وأن الله تعالى يدخله الجنة على صبره واحتسابه، ثم كونه يقول ما ورد عند المصيبة هذا مما يهون عليه المصيبة؛ لأنه يذكره بالصبر والاحتساب ووعد الله عز وجل، وثواب الله عز وجل وما أعد الله عز وجل لمن قال تلك المقالة عند المصيبة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الدنيا فصبر واحتسب وقال ما أمر به بثواب دون الجنة)

    قوله:
    [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك].
    وقد مر ذكرهما.
    [أخبرنا عمر بن سعيد بن أبي حسين].
    هو عمر بن سعيد بن أبي حسين المكي، وهو ثقة، لعل هذا هو الذي أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، يعني: أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فإنه خرج له في كتاب المراسيل.
    عن عمرو بن شعيب أنه كتب إلى عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين يعزيه بابن له هلك، وقال في كتابه الذي كتب إليه يعزيه به: أنه سمع أباه يحدث عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، وهذا الحديث فيه بيان أن الجد المراد به: ليس جد عمرو وإنما هو: جد أبيه شعيب؛ لأن عمرو يروي عن أبيه، وأبوه يروي عن جده، أي: جد الأب وليس جد الابن، وهذه المسألة بعض العلماء قال: إن الضمير يرجع إلى عمرو، وعلى هذا يكون المقصود: أنه روى عن محمد جد عمرو، ومحمد ليس له سماع من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو يعتبر من قبيل المرسل ومن قبيل المنقطع إذا كان المقصود هو محمد الذي هو والد شعيب، لكن المشهور والمعروف عند العلماء أن المراد بالجد هو: عبد الله بن عمرو بن العاص وهو جد أبيه، وليس المقصود جده الذي هو عمرو، وإنما عمرو بن شعيب يروي عن أبيه شعيب، وشعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو، وليس المقصود أن عمراً يروي عن جده محمد فيكون منقطعاً، ولهذا الحافظ في التقريب قال: صح سماعه من جده عبد الله بن عمرو الذي هو شعيب،
    يعني: صح سماعه من جده عبد الله بن عمرو، وهذا الإسناد يبين لنا أن الضمير في جده يرجع إلى شعيب؛ لأن فيه التصريح؛ ولأنه قال: أنه سمع أباه يعني: شعيب يحدث عن جده، يعني: أبوه يحدث عن جده عبد الله بن عمرو، ونص على عبد الله بن عمرو فيكون متصلاً، وهذه النسخة التي نسخة رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده سبق أن مر بنا بعض الأحاديث منها، وعرفنا أنها إذا صح الإسناد إلى عمرو بن شعيب، فالحديث لا يقل عن درجة الحسن، أما إذا كان فيه كلام من دون عمرو بن شعيب، فيكون الحكم على حسب أحوال الأشخاص المتكلم فيهم دون عمرو، أما إذا صح الإسناد إلى عمرو، فهو يعتبر من قبيل الحسن، وعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    شعيب الذي هو أبوه أيضاً صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، لكن الغالب أنه إذا كان الرواية عنه في الأدب المفرد لا يذكر غيرها؛ وليس ذلك أنه إذا روى عنه في الأدب المفرد أنه ما روى عنه في شيء آخر من الكتب الأخرى، لا، وإنما يذكر أهمها، فهو روى عنه في جزء القراءة وروى عنه في الأدب المفرد، وروى عنه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله بن عمرو بن العاص].
    وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو صحابي جليل، وهو ممن يكتب الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد جاء ذلك عن أبي هريرة، وأنه كان يكتب أي: عبد الله بن عمرو، فهو قد روى كثيراً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه دون السبعة الذين مر ذكرهم آنفاً، والذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن عمرو بن العاص صحابي ابن صحابي وهو من العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين هم من صغار الصحابة،
    وهم: عبد الله بن عمرو هذا وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وقيل العبادلة الأربعة؛ لأنهم في سن متقارب، وهم من صغار الصحابة، وأدركهم من لم يلق كبار الصحابة المتقدمين مثل: أبي موسى، ومثل: عبد الله بن مسعود، وغيرهم ممن يسمى عبد الله؛ لأن الذين يسمون بعبد الله من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام كثيرون، ولكن لقب العبادلة الأربعة صار علماً على هؤلاء الأربعة الذين هم من صغار الصحابة.


    ثواب من احتسب ثلاثة من صلبه


    شرح حديث: (من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب حدثني عمرو حدثني بكير بن عبد الله عن عمران بن نافع عن حفص بن عبيد الله عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة، فقامت امرأة فقالت: أو اثنان؟ قال: أو اثنان، قالت المرأة: يا ليتني قلت واحداً)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: من احتسب ثلاثة من صلبه، يعني أنه فقدهم، واحتسب أجرهم، وثوابهم عند الله عز وجل، وثوابه الجنة كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: [(من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة)].
    المقصود بصلبه: أنهم من نسله، يعني: سواء كانوا أولاده مباشرة أو أولاد أولاده؛ لأن هؤلاء كلهم من صلبه، وأما أولاد البنات، فهم أولاد أناس آخرين، ويكونون من قبائل أخرى متعددة، فذكر الصلب معناه: أنهم الذين ينتسبون إليه، فيقال: فلان ابن فلان ابن فلان، وأما أولاد البنات فينسبون إلى آبائهم ويكونون من قبائل أخرى، لكن من صلب الإنسان هو الذي ينسب إليه، وفي مقدمتهم أولاده الذين ولدهم مباشرة، [فقالت امرأة: واثنان؟ فقال: واثنان، ثم إنها قالت، تمنت أن تكون قالت: وواحدة، أنها قالت: وواحدة].

    تراجم رجال إسناد حديث: (من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة...)

    قوله:
    [أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح].
    وهو أبو الطاهر المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو].
    هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكير بن عبد الله].
    هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمران بن نافع].
    هو المدني، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن حفص].
    هو حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [عن أنس].
    هو ابن مالك يعني: يروي عن جده أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره.

  12. #332
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (329)

    - باب من يتوفى له ثلاثة - باب من قدم ثلاثة

    إن من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين الصابرين على ما أصابهم من فقد أولادهم -لا سيما إذا بلغوا ثلاثة لم يبلغوا الحلم- أن عوضهم الله تعالى بصبرهم الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا تحلة القسم.

    من يتوفى له ثلاثة


    ‏ شرح حديث: (ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من يتوفى له ثلاثة. أخبرنا يوسف بن حماد ، حدثنا عبد الوارث ، عن عبد العزيز ، عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب من يتوفى له ثلاثة من الولد.
    أي: بيان ما ورد فيه، وبيان الفضل الذي يحصل له بذلك بسبب رحمته إياهم، أي: الأولاد الذين يتوفاهم الله عز وجل ويفقدهم والدهم، وقد أورد النسائي فيه عدة أحاديث أولها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم)، فهذا الحديث يدل على فضل من حصل له ذلك، وصبر، واحتسب، وأحسن إليهم، ثم توفاهم الله عز وجل قبل بلوغهم الحلم، وهو سن البلوغ، أي: أنهم صغار لم يبلغوا سن التكليف فإذا أحسن إليهم، ورباهم، ونشأهم، ثم توفاهم الله عز وجل في أول حياتهم، وصبر واحتسب، فإن الله عز وجل يدخله الجنة بفضل رحمته إياهم، وقوله عليه الصلاة والسلام: [ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم] أي: أنهم لم يصلوا إلى سن البلوغ، ولم يبلغوا إلى سن التكليف الذي هو لزوم العبادة والتحنث وهو: التعبد، وبلوغ الحلم يعني: بلوغ السن الذي يكون الإنسان به مكلفاً بالعبادة.
    قوله: [إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم]، يعني: هؤلاء الثلاثة من الولد الذين ماتوا في صغرهم، وقد نشأهم وأحسن إليهم ورحمهم، فإن الله تعالى يثيبه على ذلك بأن يدخله الجنة بفضل رحمته إياهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة ...)

    قوله:
    [أخبرنا يوسف بن حماد].
    هو يوسف بن حماد المعني، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عبد الوارث].
    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد العزيز].
    هو ابن صهيب البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن أنس بن مالك].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه رباعي، وأعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات فإن بين النسائي فيه وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص هم: يوسف بن حماد، وعبد الوارث بن سعيد، وعبد العزيز بن صهيب، وأنس بن مالك هؤلاء هم إسناد هذا الحديث، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ إذ ليس عنده شيء من الثلاثيات، ومثله في ذلك مسلم، وأبو داود، فإن أعلى ما عندهم الرباعيات، وليس عندهم شيء من الثلاثيات، أما الثلاثة الباقون من الستة، وهم البخاري، والترمذي، وابن ماجه فعندهم أحاديث ثلاثيات، فـالبخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، وهو أعلى ما يكون عنده، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وأما ابن ماجه فعنده خمسة أحاديث ثلاثية وهي بإسناد واحد، وهو ضعيف، يعني: ذلك الإسناد الواحد الذي ورد فيه الخمسة الأحاديث الثلاثية هو إسناد ضعيف، وأما مسلم، وأبو داود، والنسائي فأعلى ما يكون عندهم الرباعيات، وهذا الإسناد الذي هو معنا من تلك الأسانيد العالية التي هي أعلى ما يكون عند النسائي رحمه الله.

    شرح حديث: (ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا غفر الله لهما ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود، حدثنا بشر بن المفضل، عن يونس، عن الحسن، عن صعصعة بن معاوية قال: لقيت أبا ذر رضي الله عنه قلت: حدثني، قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا غفر الله لهما بفضل رحمته إياهم)].أورد النسائي رحمه الله حديث أبي ذر رضي الله عنه وهو بمعنى حديث أنس بن مالك المتقدم: (ما من مسلم يموت بينهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله الجنة بفضل رحمته إياهم) وهذا فيه بيان أن هذا الفضل إنما هو للأب والأم، والأحاديث الماضية أيضاً تدل على دخول الإناث في ذلك؛ لأن كلاً منهما والد، وكلاً منهما له ذلك الأجر والثواب، وهذا الحديث فيه التفصيل والتوضيح، بحيث أن ذكر المسلم الذي يموت له ثلاثة من الولد ليس المقصود به الوالد فقط الذي هو الأب، بل المقصود به الأب والأم؛ لأن كلاً منهما والد، فإذا فقد الأب أو الأم ثلاثة من أولادهما لم يبلغوا الحلم، فإن الله عز وجل يثيبه على ذلك بأن يدخله الجنة بفضل رحمته إياهم، أي: رحمة الأب والأم إياهم، أي: الثلاثة من الأولاد، والحديث دال على ما دل عليه الذي قبله وفيه التوضيح والبيان بأن الحكم ليس مقصوراً على الآباء فقط، بل هو يشمل الآباء والأمهات.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا غفر الله لهما ...)

    قوله:
    [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    هو البصري وكنيته أبو مسعود، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وهو نوع من أنواع علوم الحديث وهو معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وقالوا: معرفة هذا النوع ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بالكنية بدل النسبة، فقد يظن أنه تصحيف من (ابن) إلى (أبو)، إذا قيل: إسماعيل بن مسعود فمن يعرف أنه إسماعيل بن مسعود ولا يعرف أنه إسماعيل أبو مسعود إذا رآه إسماعيل أبو مسعود يظن أن (أبو) صحفت إلى (ابن) أو (ابن) صحفت إلى (أبو) ولا تصحيف في ذلك؛ لأنه إن قيل: إسماعيل بن مسعود فهو صحيح فأبوه هو مسعود، وإن قيل: إسماعيل أبو مسعود فهو أيضاً صحيح؛ لأنه إسماعيل أبو مسعود، كنيته أبو مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا بشر بن المفضل].
    هو ابن المفضل البصري، وهو ثقة أيضاً، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو يونس بن عبيد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن].
    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، مشهور، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن صعصعة بن معاوية].
    هو عم الأحنف بن قيس المشهور، وقيل: إن له صحبة، وقيل: بل هو تابعي، ثقة، فهو مختلف في صحبته، فهو إن كان صحابياً فهو لا يحتاج إلى أن يسأل عن حاله؛ لأن الصحابة عدول، وإن كان تابعياً أو على القول بأنه تابعي فهو ثقة، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي، وابن ماجه.
    [... لقيت أبا ذر].
    هو جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن أبي ذر وعن الصحابة أجمعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم)].أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم) قوله: [لأحد من المسلمين] يشمل الأب والأم؛ لأنه مطلق، [لأحد من المسلمين] يعني: سواء أباً أو أماً كما جاء ذلك بيناً في حديث أبي ذر الذي قبل هذا حيث يكون فيه التنصيص على المسلمين الأبوين الأب والأم، وهنا قال: (لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار) معناه أنه يكون من أهل الجنة ولا يكون من أهل النار، ولا تمسه النار إلا تحلة القسم.
    قوله: [إلا تحلة القسم] قيل: أن المقصود منها الإشارة إلى ما جاء في قول الله عز وجل: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )[مريم:71]، فإنه قيل: أن هذا هو المراد بتحلة القسم، وقيل: أن هذا قسم، ومن العلماء من يقول أنه لا قسم في الآية، وأن المقصود بقوله: [إلا تحلة القسم]، أي: كناية عن الشيء القليل، معناه: إلا تحلة القسم، إلا شيئاً قليلاً أو شيئاً يسيراً لا يحصل معه ضرر على من دخل النار، وفسر ذلك بأنه مرور على الصراط؛ لأن الجنة من يذهب إليها يمر في طريقه على النار؛ لأن النار في الطريق إلى الجنة، والصراط منصوب على متن جهنم، والناس يمرون على الصراط، وهم يتجاوزونه بأعمالهم، وما عندهم من الأعمال، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كأجاود الخيل، ومنهم من يزحف، على حسب أعمالهم.
    وعلى هذا فإن الإنسان إذا مر في سماء النار وعلى الصراط الذي هو منصوب فوقها، فإن هذا يكون نصيبه من النار، وهذا هو المقصود بقوله: [إلا تحلة القسم] أي: إلا شيئاً يسيراً يعني: يمر على النار فلا يضره شيء ولا يحس بشيء؛ لأنه مر بسرعة أو حصل له المكث على الصراط، وأصابه شيء منها وهو شيء يسير.
    وممن قال بهذا القول الذي هو أن المراد بتحلة القسم أنه الشيء القليل، وأنه ليس هناك قسم، ولا يراد به قسم، وإنما يراد به الشيء القليل، أي: الذي مثل ما يتحلل به المقسم من قسمه، وأنه شيء قليل، ممن قال بذلك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، في كتابه أضواء البيان عند تفسيره، لآية في سورة مريم، وقال: إن التحقيق أنه لا قسم في الآية، وأن المقصود بتحلة القسم الشيء اليسير، وذكر أن هذا أسلوب من أساليب اللغة العربية، وذكر بعض الشواهد الشعرية على ذلك التي فيها إطلاق التحلة على الشيء اليسير الذي لا قسم فيه، ولم يتقدمه قسم يحصل التحلل منه.
    وعلى هذا سواء كان المراد به أن في الآية قسماً فالمراد به: المرور على الصراط وهو شيء يسير، أو أنه لا قسم في الآية والمراد بتحلة القسم الشيء اليسير، وهو أسلوب من أساليب اللغة العربية كما قال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه في كتابه أضواء البيان عند تفسيره لآية في سورة مريم كما أشرت إلى ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة بن سعيد].
    هو ابن جميل بن طريف البغلاني وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد أفراد السلسلة الذهبية عند البخاري التي هي مالك عن نافع عن ابن عمر، أي: الذين هم في القمة عند الإمام البخاري.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ينسب إلى جده شهاب فيقال: ابن شهاب، وينسب إلى جده زهرة بن كلاب الذي هو أخو قصي بن كلاب، فـزهرة بن كلاب، وقصي بن كلاب أخوان فينتهي نسبهما عند نسب الرسول عليه الصلاة والسلام بـكلاب، وزهرة أخو قصي، فيقال له الزهري نسبة إلى جده زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، إمام مشهور مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي كلفه الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه بجمع السنة وتدوينها، ولهذا يقول السيوطي في الألفية:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
    والمقصود بالأولية: الأولية بتكليف من السلطان الوالي، وإلا فإن جمع السنة وكتابتها كان معروفاً من قبل في زمن الصحابة، كان من الصحابة من يكتب، ويكتب السنن عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنهم: عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، كما جاء ذلك عن أبي هريرة مثل الذي يذكر أنه كان يكتب أي: عبد الله بن عمرو، وهو لا يكتب.
    فإذاً: الأولية هنا المقصود بها: الأولية التي حصلت بتكليف من الوالي، وليس بجهود شخصية وبأعمال فردية، فإن هذا موجود من قبل، هذا العمل الذي قام به الزهري بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليهما.
    [عن سعيد].
    هو سعيد بن المسيب بن حزن تابعي، مشهور، فقيه، محدث، وقيل: إنه خير التابعين كما سبق أن مر بنا، قيل: إن خير التابعين هو سعيد بن المسيب، وقيل: أويس القرني، ولا شك أن أويس القرني هو خير التابعين؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نص على ذلك، وأخبر عن أمر مغيب مستقبلاً، وقال: إن خير التابعين رجل يقال له: أويس حدث به الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبر عن حاله، وأنه يأتي من أمداد أهل اليمن، يأتي مع أمداد أهل اليمن، ومنهم من قال سعيد بن المسيب؛ لأنه اشتهر بالفقه والحديث، واشتهر بالعلم، ولا شك أن خيرية أويس من حيث نص الرسول عليه الصلاة والسلام عليه واضح، وأما هذا، فأفضليته وخيريته عندما قال بأنه خير التابعين من حيث ما أثر عنه من العلم، والفقه، والحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    وسعيد بن المسيب أحد الفقهاء السبعة في المدينة المعروفين في عصر التابعين؛ لأن مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام اشتهر فيها بعصر التابعين سبعة من الفقهاء، أطلق عليهم لقب الفقهاء السبعة، ولهذا يأتي ذكرهم بهذا اللقب، ويكتفى به عن سرد أسمائهم، فإذا كانت هناك مسألة قال بها الفقهاء السبعة قالوا فيها قال بها الفقهاء السبعة، وهو لقب أطلق عليهم، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن مسعود، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد، وسعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، هؤلاء الستة الذين هم قبل أبي بكر هؤلاء متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع ففيه خلاف على ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف،
    وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، هذه ثلاثة أقوال في السابع، وستة لا خلاف فيهم، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه (إعلام الموقعين) في أوله أعلام الفقهاء في زمن الصحابة، وفي زمن التابعين في مختلف البلاد، ولما جاء عند ذكر المدينة وذكر فقهاء الصحابة، ثم ذكر فقهاء التابعين، ذكر أن من فقهاء التابعين هؤلاء الفقهاء السبعة، وجعل السابع منهم أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام على هذا القول الذي هو أحد الأقوال، وذكر بيتين من الشعر يشتمل ثانيهما على هؤلاء السبعة، وهذان البيتان هما قول الشاعر:
    إذا قيل من في العلم سبعة أبحرٍ روايتهم ليست عن العلم خارجة
    فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة
    فالبيت الثاني يشمل هؤلاء الفقهاء السبعة، ولكن السابع فيهم أبو بكر بن عبد الرحمن على أحد الأقوال في الثلاثة في السابع منهم.
    [عن أبي هريرة].
    أبو هريرة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي وهو أحد الصحابة السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وأنس، وابن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين ستة رجال وامرأة واحدة، وأبو هريرة رضي الله عنه هو أكثر السبعة.

    شرح حديث: (ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله ... الجنة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية وعبد الرحمن بن محمد، قالا: حدثنا إسحاق وهو الأزرق، عن عوف، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله بفضل رحمته إياهم الجنة، قال: يقال لهم: ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يدخل آباؤنا، فيقال: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم)].أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا وهو بمعنى الحديث المتقدم الذي قبل هذا، وهو الذي فيه التنصيص أو الجمع بين ذكر الأبوين الأب والأم، وأنه: (ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله الجنة، يقال للأبناء: ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يدخل آباؤنا، فيقال: ادخلوا أنتم وآباؤكم)، وهذا مثل ما تقدم في الحديث الذي مر في الرجل الذي فقد ولده، وكان يحبه حباً شديداً، فقال: أما يسرك ألا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وهو أمامك يريد أن يفتحه لك، فهذا الذي في هذا الحديث مثل ذلك الذي قبله، وهو أنهم يكونون سبباً في دخولهم الجنة، وأنهم يدخلون الجنة بسببهم، وأنهم إذا قيل لهم: ادخلوا الجنة، قالوا: حتى يدخل آباؤنا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله ... الجنة)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].
    هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده، وأبوه محدث مشهور وروى عنه أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره كثيراً في أسانيد الكتب الستة وغيرها، وهو مشهور بـابن علية، يعني: يأتي أحياناً مختصراً على نسبته فيقال: ابن علية، وهذا ابنه محمد بن إسماعيل، ولـإسماعيل بن علية ولد اسمه إبراهيم، ولكنه من المبتدعة قال عنه الذهبي في الميزان: إنه جهمي هالك، هذا إبراهيم بن إسماعيل، وأما أخوه هذا فهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده، وإبراهيم هو الذي يذكر أو ينسب إليه في بعض المسائل الفقهية مسائل شاذة، وقال: قال فيها ابن علية، فالمراد به إبراهيم، ليس إسماعيل الذي هو الأب، وإنما يراد به الابن المبتدع الجهمي الذي قال عنه الذهبي في الميزان: جهمي هالك هو الذي يأتي ذكره في المسائل الشاذة في مسائل الفقه.
    ومن المسائل الشاذة التي جاء ذكره فيها مسألة الإجارة، يقول: إن الإجارة لا تجوز، وأنها حرام ولا يستغني أحد عن الإجارة، فهو شذوذ، وقد ذكر ابن رشد في بداية المجتهد قال: وخالف فيها الأصم وابن علية، وهما من المبتدعة الأصم أبو بكر بن كيسان الأصم وليس أبو العباس الأصم شيخ الحاكم فإن ذاك ثقة، ولكن عندما يأتي ذكر الأصم في المسائل الخلافية الشاذة التي فيها الشذوذ فالمراد به أبو بكر بن كيسان الأصم المعتزلي، وأما ابن علية فهو إبراهيم بن إسماعيل بن علية الجهمي، فهذان الاثنان يأتي ذكرهما في المسائل الشاذة، الأصم وهو أبو بكر بن كيسان، وابن علية الذي هو إبراهيم بن إسماعيل.
    [و عبد الرحمن بن محمد].
    هو عبد الرحمن بن محمد بن سلام، وهو لا بأس به، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي، وكلمة (لا بأس به) في اصطلاح الحافظ ابن حجر تعادل صدوق، فهي مثل صدوق يعني: حديثه من قبيل الحسن.
    [عن إسحاق].
    هو إسحاق بن يوسف الأزرق مشهور بلقبه الأزرق، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عوف].
    هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ويقال له: الأعرابي لفصاحته وحسن نطقه.
    [عن محمد].
    هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    رضي الله عنه قد مر ذكره.
    من قدم ثلاثة


    شرح حديث: (... يا رسول الله أخاف عليه وقد قدمت ثلاثة فقال رسول الله: لقد احتظرت بحظار شديد من النار)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من قدم ثلاثة. أخبرنا إسحاق، أخبرنا جرير، حدثني طلق بن معاوية، وحفص بن غياث، حدثني جدي طلق بن معاوية، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها يشتكي، فقالت: يا رسول الله! أخاف عليه وقد قدمت ثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد احتظرت بحظار شديد من النار)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب من قدم ثلاثة، وهو مثل الذي قبله، وهو يؤدي ما يؤديه الذي قبله من حيث أن من قدم ثلاثة من الولد لا تمسه النار، أو أنه يدخل الجنة بفضل رحمته إياهم، قال: [احتظرت بحظار من النار]، يعني: وقاية، جعلت بينها وبين النار وقاية، يكون به سلامتها من النار، [احتظرت بحظار]، الحظار هو: الذي يكون وقاية، ولهذا يقال الحظيرة التي تكون في داخلها الدواب، وتمنعها من الشرود والذهاب والانفلات، فهي كالسور، أو كالجدار، أو كالحائل الذي يكون بينها وبين النار، احتظرت بحظار من النار، وهو مثل الذي قبله، ولكنه خالف في الترجمة، هنا قال: من يتوفى له ثلاثة من الولد، وهنا قال: من قدم ثلاثة من الولد، ولعل الفرق هو من أجل اللفظ الذي ورد في الحديث؛ لأن الذي مر في الأحاديث الماضية ذكر التوفي وهنا ذكر فيه التقديم؛ لأن المرأة قالت: إنها قدمت ثلاثة من الولد، يعني: أنهم ماتوا، فهو مثل الذي قبله من حيث المعنى، ومن حيث المؤدى، ولكن النسائي لعله فرق بين الترجمتين، وإن كان مؤدى الأحاديث فيهما واحد، لعل ذلك من أجل ما ورد في هذا من لفظ التقديم، وما ورد في ذلك من لفظ التوفي.
    قوله: [جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها يشتكي فقالت: يا رسول الله، أخاف عليه، وقد قدمت ثلاثة].
    يعني: مات ثلاثة وتخاف أنه يلحق بهم، فقال عليه الصلاة والسلام: [لقد احتظرت بحظار شديد من النار] معناه: أنها اتخذت وقاية أو قدمت وقاية فهو من جنس ما تقدم [لم تمسه النار إلا تحلة القسم]، ومن جنس: (إلا أدخلهم الله الجنة بفضل رحمته إياهم)، فالمؤدى واحد، ولكن التفريق لعله من أجل ذكر التقديم في الحديث وذكر التوفي في الأحاديث السابقة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... يا رسول الله أخاف عليه وقد قدمت ثلاثة فقال رسول الله: لقد احتظرت بحظار شديد من النار)

    قوله:

    [أخبرنا إسحاق].

    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهوية الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أخبرنا جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني طلق بن معاوية].
    هو طلق بن معاوية النخعي الكوفي، وهو تابعي، كبير، مخضرم، مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والنسائي.
    [و حفص بن غياث].
    يعني: أن إسحاق بن راهويه يروي عن حفص بن غياث ويروي عن جرير، قوله: حفص معطوف على جرير، فجرير يروي عن طلق بن معاوية وحفص يروي عن طلق، فـجرير شيخ لـإسحاق، وحفص شيخ لـإسحاق، يعني: أنه لما ذكر الإسناد الأول الذي فيه إسحاق عن جرير عن طلق بن معاوية، أتى بالإسناد الثاني الذي هو حفص يروي عنه إسحاق، وحفص يروي عن جده طلق، فلعل التفريق بينهما من أجل أن هذا نص على جده، فذكر ذاك أولاً، وذكر الرواية عن طلق في الإسناد الأول، ثم ذكر الإسناد الثاني، وذكر اللفظ الذي قاله حفص بن غياث في روايته عن جده طلق بن معاوية، وإسحاق بن راهويه يروي عن جرير بن عبد الحميد ويروي عن حفص بن غياث.
    فهنا ما ذكر علامة التحويل في الإسناد، لأنّ المقصود به يعني: بدون تحويل؛ والسبب في هذا أنه ذكر جرير عن طلق، ثم ذكر حفص عن جده طلق، وطلق جاء مرتين، مرة في الإسناد الأول ومرة في الإسناد الثاني، مرة جرير عن طلق ومرة حفص عن طلق، وحفص معطوف على جرير أي: أن إسحاق قال: حدثنا جرير وحدثنا حفص، يعني: حدثنا جرير عن طلق، وحدثنا حفص عن طلق، ولعل التفريق بينهما من جهة أن في الإسناد الثاني الذي هو الطريقة الثانية أن حفصاً ذكر جده وقال: حدثني جدي طلق بن معاوية.
    وحفص بن غياث ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي زرعة].
    هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    رضي الله عنه، وقد مر ذكره في الأسانيد السابقة.
    الأسئلة


    تفسير معنى استواء الله تعالى على عرشه

    السؤال: يقول: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، قال الله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )[طه:5] فسرها السلف بالعلو، والصعود، والارتفاع، والاستقرار، وذكر الشيخ ابن عثيمين حفظه الله في عقيدة أهل السنة والجماعة أن الصعود والارتفاع عائدان إلى العلو، فهل نستطيع أن نفسر الاستواء كذلك بالطلوع وله معنى العلو، أو أننا لا نخرج عن أقوال السلف؟

    الجواب: ما يؤتى بألفاظ غير الألفاظ التي وردت عن السلف، يقتصر على ما ورد عن السلف في ذلك، فالذي ورد عنهم هذه العبارات الأربع، وهذه ذكرها ابن القيم في النونية، وذكرها جماعة من أهل العلم نقلاً عن ابن القيم، وذكرها الشيخ الهراس في شرحه للواسطية يعني: نقلاً عن ابن القيم، فهذه عبارات السلف الأربع هي التي يقتصر عليها، ولا يؤتى بعبارات أخرى غير ما ورد عن السلف.

    درجة صحة تفسير ابن أبي طلحة عن ابن عباس

    السؤال: فضيلة الشيخ، هل تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يحتج به؟ علماً بأن السيوطي قال في الإتقان في الجزء الثاني صفحة خمس أنها من أصح الطرق عن ابن عباس، وأنها عليه اعتمد البخاري في صحيحه، لكن المزي في تهذيب الكمال قال: إن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس شيئاً.


    الجواب: والله ما أذكر شيئاً في هذا، لكن أذكر أن فيها كلاماً ما أتذكره، وأظن أنني ذكرت في الفوائد المنتقاة فيما يتعلق بالتفسير شيئاً عن روايات علي بن أبي طلحة.
    مداخلة: إن كانت هذه الطريق ضعيفة فما هي الطرق الصحيحة أو المقبولة عند ابن عباس؟
    الشيخ: والله ما أستطيع أجيب على هذا السؤال الآن، ولا أعرف، لكن طريق مجاهد بن جبر هذه معروفة أنها من أصح، فهو أخذ عنه التفسير وهو ثقة، لكن الطرق المتعددة ما أتذكرها الآن.

    حكم الصلاة تجاه قبر النبي عليه الصلاة والسلام

    السؤال: ما حكم الصلاة تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب: قصد القبر بالصلاة إليه مخالف لما جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في قوله: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)، والحديث صحيح ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمن يأتي ويتعمد أن يصلي إلى القبر، فإنه واقع في هذه المخالفة لهذا الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فقوله: (لا تصلوا إلى القبور) يعني: لا تستقبلوها فتجعلوها قبلة لكم، وقد ذكر البخاري في صحيحه أثراً عن عمر ما أدري من هو الشخص الذي كان يصلي، وكان إلى قبر فصاح به: القبر.. القبر، ثم حوله إلى جهة ليس فيها قبر، طبعاً الصلاة أمام القبر وقصد القبر بالصلاة عليه، أو بكونه يصير في القبلة هي هذه المخالفة الواضحة، أما من يصف وهو لا يدري، أو يصف من مكان بعيد ولا يدري هل القبر أمامه أو ليس أمامه، هذا ليس عليه شيء، بل هو معذور، ولكن من يأتي ويتعمد ويعرف أن القبر أمامه، ثم يريد أن يصلي وراءه فإن هذا داخل تحت هذا الحديث الذي قال فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها).

    فيمن نزلت هذه الآية: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)؟

    السؤال: قوله تعالى: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا )[الحجرات:6] هل هذه الآية نزلت في صحابي، وإن كان كذلك فهل يطعن في عدالته؟

    الجواب: كما هو معلوم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من حصل منهم خطأ، فعقيدة أهل السنة معروفة أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عدول، وأن من حصل منهم خطأ، فهم قد حصل لهم من السوابق وحصل لهم من الأعمال، وحصل له من الحسنات التي تمحو السيئات ما يكون بدلاً من ذلك، وهذا ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، في آخر كتاب العقيدة الواسطية، فإنه تكلم في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، فالصحابة كلامهم من أبدع الكلام، ومن أحسن الكلام، وأن من جاء عن الصحابة منه شيء عيب عليه، فإنه يعتذر عنه بتلك الأشياء التي أشرت إلى شيء منها، فالفسق أو الخطأ إذا حصل من الصحابة فهم كما هو معلوم غير معصومين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ولكن من حصل منه خطأ أو حصل منه زلل، فإن له من الحسنات المكفرة، والحسنات الماحية، وله من صحبة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وله من الفضل على ذلك ما يكفر ما حصل منه خطأ إن حصل.

    مدى عموم أحاديث ثواب من مات له ثلاثة أولاد بين الذكور والإناث

    السؤال: هل المقصود فضيلة الشيخ المذكورين في الأحاديث السابقة الذكور فقط أم يشمل الإناث والذكور؟

    الجواب: لا، يشمل الذكور والإناث؛ لأن ذكر الولد يطلق على الذكر والأنثى، ولهذا يقول الله عز وجل: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ )[النساء:11] فكلمة الأولاد تشمل الرجال والنساء، تشمل الذكور والإناث وليست خاصة بالأبناء، بل تشمل البنات؛ لأن ذكر الولد عند إطلاقه يشمل الجميع.

    مدى جواز إزالة الشارب النابت للمرأة

    السؤال: فضيلة الشيخ، هل يجوز للمرأة أن تأخذ من شاربها؟

    الجواب: إذا طلع لها شارب فلها أن تزيله، وتتخلص منه، أو تقصه وتنتفه، وكذلك شعر الوجه ما عدا شعر الحواجب.

    مكان اعتداد المرأة عن زوجها

    السؤال: فضيلة الشيخ، المتوفى عنها زوجها هل تعتد في بيت زوجها أو في البيت الذي يبلغها فيه وفاة زوجها؟

    الجواب: لا، تعتد في بيت زوجها؛ لأنه قد يبلغها وهي عند الجيران أو عند أناس أجانب زارتهم، فكيف تعتد عندهم، وإنما تعتد في بيت زوجها.


  13. #333
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (330)

    - باب النعي - باب غسل الميت بالماء والسدر

    بين الشرع الحكيم جواز النعي للميت؛ فقد نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي عندما مات، وفي هذا صدق نبوته صلى الله عليه وسلم فقد أخبر بذلك وهو في المدينة والنجاشي في الحبشة.

    النعي


    شرح حديث: (أن رسول الله نعى زيداً وجعفراً قبل أن يجيء خبرهم فنعاهم وعيناه تذرفان)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النعي. أخبرنا إسحاق حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن حميد بن هلال عن أنس رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً قبل أن يجيء خبرهم فنعاهم وعيناه تذرفان)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب النعي.
    والمراد بالنعي هو: الإخبار بوفاة الميت، وهو ينقسم إلى قسمين: قسم سائغ وهو: ما كان من قبيل الإخبار عنه، وقسم غير سائغ وهو الذي كان يفعله أهل الجاهلية، من ذكر المفاخر وما إلى ذلك، وإعلان ذلك على وجه مخصوص، فهو غير سائغ، وأما الإخبار بموته فإن هذا جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد جاء في ذكره أحاديث منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه هذا الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام نعى جعفراً وزيداً، جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة ومعهم أيضاً عبد الله بن رواحة، لكن الحديث هنا مختصر ليس فيه إلا ذكر أميرين، وهما جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة والثالث عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عن الجميع، وكان ذلك في غزوة مؤتة ويقال لها: غزوة الأمراء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام عينهم واحداً بعد واحد، فلان، ثم فلان، ثم فلان، ثم إن هؤلاء قتلوا واستشهدوا في سبيل الله رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بما حصل لهم قبل أن يجيء خبرهم، وهذا مما أطلعه الله عز وجل عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    والحديث طويل وفيه أن خالد بن الوليد رضي الله عنه، تولى هذه المهمة بعد ما قتل الثلاثة الأمراء أمير بعد أمير، فحصل الانتصار، وحصل الخير الكثير بسبب ذلك، والمقصود من إيراد الحديث هنا هو ذكر النعي، وهو الإخبار بموت هؤلاء قبل أن يجيء خبرهم، وعندما أخبر بخبرهم واستشهادهم ووفاتهم كانت عيناه تذرفان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد مر بنا أن البكاء على الميت الذي هو دمع العين، وحزن القلب لا بأس به، وقد جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في أحاديث عديدة، منها: هذا الحديث، ومنها: الحديث الذي مر بنا قريباً الذي فيه قول سعد بن عبادة لما بكى رسول الله عليه الصلاة والسلام لابنته الذي نفسه تقعقع، قال له زيد: (ما هذا يا رسول الله، قال: إنها رحمة يجعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)، وكذلك الحديث الذي فيه موت إبراهيم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن القلب يحزن والعين تدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، فالبكاء من غير نياحة ومن غير صوت لا بأس به، وإنما المحذور الذي يكون معه رفع صوت، ويكون معه شق الجيوب، وحلق الرءوس، ورفع الصوت بالمصيبة الذي لعن عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، قوله: (لعن الله الصالقة، والحالقة، والشاقة) والصالقة هي: التي ترفع صوتها عند المصيبة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نعى زيداً وجعفراً قبل أن يجيء خبرهم فنعاهم وعيناه تذرفان)

    قوله:
    [أخبرنا إسحاق].
    هو ابن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [عن سليمان بن حرب].
    هو سليمان بن حرب البصري وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حماد بن زيد].
    هو حماد بن زيد بن درهم البصري وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد بن هلال].
    هو حميد بن هلال البصري، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات منذ قدم رسول الله عليه الصلاة والسلام المدينة إلى أن توفاه الله، وحمل الحديث الكثير عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحفظ عنه الشيء الكثير من حديثه عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع، فهؤلاء سبعة تميزوا على غيرهم بكثرة الحديث عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (أن رسول الله نعى لهم النجاشي... وقال: استغفروا لأخيكم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو داود حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة وابن المسيب أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أخبرهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة اليوم الذي مات فيه وقال: استغفروا لأخيكم)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام نعى لهم النجاشي في اليوم الذي مات فيه وقال: استغفروا لأخيكم، يعني: نعاهم وأخبرهم بوفاته، قد أطلعه الله على ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأخبرهم بوفاته وقال: استغفروا لأخيكم، والمقصود من ذلك: النعي الذي هو الإخبار بالموت، فقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه بموت النجاشي ملك الحبشة الذي آوى المهاجرين من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما آذاهم الكفار بمكة، وهاجروا إلى أرض الحبشة، فكان عوناً لهم وقام بالإحسان إليهم، ولم يمكن كفار قريش من الوصول إليهم، وقد أرسلوا إليه من يطلب منه تركهم، وتخلية سبيلهم، وإرسالهم، ولكنه أبى أن يخرجهم من بلاده، بل أبقاهم وأحسن إليهم، فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بوفاته في اليوم الذي مات فيه، وصلى عليه أيضاً صلاة الغائب كما جاء ذلك في بعض الروايات أنه صلى عليه، وأنه كبر عليه أربعاً، وقال عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: (استغفروا لأخيكم).

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نعى لهم النجاشي... وقال: استغفروا لأخيكم)

    قوله:
    [أخبرنا أبو داود].
    هو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده، وقد ذكر المزي في تحفة الأشراف أن أبا داود هذا هو الحراني.
    [حدثنا يعقوب].
    هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو إبراهيم بن سعد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن صالح بن كيسان].
    هو المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن زهرة بن كلاب ينتهي نسبه إلى زهرة بن كلاب أخو قصي بن كلاب وهو إمام مشهور، ومحدث فقيه، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبو سلمة وابن المسيب].
    أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع.
    وسعيد بن المسيب بن حزن المدني، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة باتفاق؛ لأن الفقهاء السبعة ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، ومنهم: سعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير بن العوام، وسليمان بن يسار وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الذي معه في الإسناد، فإنه أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع، والقول الثاني أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن عوف، والقول الثالث أن السابع هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن أبي هريرة].
    رضي الله عنه، وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    شرح حديث عبد الله بن عمرو في نعي الميت واتباع النساء للجنازة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم حدثنا عبد الله هو ابن يزيد المقرئ (ح) وأخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا أبي قال سعيد: حدثني ربيعة بن سيف المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: (بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بامرأة لا تظن أنه عرفها، فلما توسط الطريق وقف حتى انتهت إليه، فإذا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ما أخرجك من بيتك يا فاطمة ؟ قالت: أتيت أهل هذا الميت فترحمت إليهم، وعزيتهم بميتهم، قال: لعلك بلغت معهم الكدى، قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر، فقال لها: لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك) قال أبو عبد الرحمن: ربيعة ضعيف].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسير في طريق مع أصحابه فرأى امرأة، فلما توسط الطريق وقف وقال لها: ما الذي أخرجك من بيتك يا فاطمة؟ فقالت: إنها ذهبت إلى جماعة، وعزتهم بميتهم، وترحمت عليه، فقال لها: لعلك بلغت معهم الكدى؟ فقالت: لا، معاذ الله أن تفعل وقد علمت منه ما قال في ذلك، وقال: لو بلغت معهم ما دخلت الجنة حتى يدخلها جد أبيك، والمراد به عبد المطلب الذي هو جد الرسول صلى الله عليه وسلم.
    والحديث يدل على عدم اتباع النساء للجنائز، ويدل على تحريمه وعلى منعه، وأن فيه وعيداً شديداً، ولكن الحديث ضعيف، تكلم فيه النسائي أولاً الذي روى الحديث قال في ربيعة بن سيف أنه ضعيف، وقال عنه الحافظ في التقريب: صدوق له مناكير، وهذا من مناكيره.
    وقد اشتمل المتن على أمور منكرة، ومنها ما جاء في آخره: (ما دخلت الجنة حتى يدخلها جد أبيك)، فإن الكافر لا سبيل إلى دخوله الجنة، وأما المسلم فإنه ولا بد أن يدخلها إذا مات على التوحيد وغير مشرك بالله عز وجل، فإنه ولا بد أن يئول أمره إلى الجنة، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في أصحاب الكبائر، أنهم إن تجاوز الله عنهم، أو تجاوز عمن تجاوز عنهم يدخل الجنة ولا يعذب، وإن شاء أن يعذب فإنه يدخل النار ويعذب فيها، ولكنه لا يدوم عذابه أبد الآباد كما يدوم عذاب الكفار، بل لا بد وأن يأتي يوم يخرج من النار، ويدخل الجنة.
    فهذا مما اشتمل عليه الحديث من الأمور المنكرة، وهو كونه قال: (لا تدخليها حتى يدخلها جد أبيك)، ومعلوم أن عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم كان على الكفر، وأبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء ولقنه الشهادة، وعرض عليه التوحيد في نهاية أمره، وكان عنده بعض الجلساء فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، أي: على الكفر وعلى عبادة الأوثان، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فهذا مما يدخل في المناكير التي جاءت عنه في هذه الرواية.
    والحديث ضعفه أيضاً الألباني في كتابه ضعيف سنن النسائي، وفيه كما ذكرت هذا الأمر المنكر الذي اشتمل عليه وهو: لا تدخلي الجنة حتى يدخلها جد أبيك، ومعلوم أن أهل الكبائر لا يخلدون في النار كما يخلد الكفار، بل لابد وأن يخرجوا منها ويدخلوا الجنة، وقد جاءت في ذلك الأحاديث المتواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في إخراج أهل الكبائر من النار، وإدخالهم الجنة بشفاعة الشافعين، وبعفو أرحم الراحمين سبحانه وتعالى.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في نعي الميت واتباع النساء للجنازة

    قوله:

    [أخبرنا عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم].

    هو عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [حدثنا عبد الله بن يزيد].

    هو عبد الله بن يزيد المقرئ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وقوله: (وهو ابن يزيد المقرئ) هذه عبارة يؤتى بها لبيان الشخص المهمل، وذلك أن عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم ما زاد في ذكر شيخه على قوله عبد الله، فأتى من دون عبيد الله وهو النسائي أو من دون النسائي بزيادة تبين الشخص، ولكنه أتي بهذا اللفظ حتى يعرف بأن هذا ليس من كلام التلميذ، بل هو من كلام من قبله؛ لأن التلميذ لا يحتاج أن يقول: عبد الله هو ابن فلان، وإنما ينسبه كما يريد، يذكر نسبه أو يختصر نسبه أو يطول نسبه، يتصرف كيف يشاء في ذكر شيخه بالتطويل أو بالاختصار، أما من دون التلميذ فإنه عندما يريد أن يوضح من هو هذا الشخص المهمل، فإنه يأتي بكلمة هو، أو يأتي بكلمة يعني، يعني ابن فلان، هو ابن فلان أو يعني ابن فلان.
    [ح وأخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].
    ح وأخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، (ح) هذه تدل على التحول من إسناد إلى إسناد، والذي بعد الحاء هو شيخ للنسائي معناها: أن النسائي بعد ما مشى في الإسناد رجع بإسناد آخر، ثم يلتقي الإسنادان الأول والآخر.
    محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [عن أبيه].
    وأبوه هو الذي روى عنه عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم وهو عبد الله بن يزيد المقرئ ذاك روى عنه، وهذا روى عن أبيه؛ لأن ذاك سماه وهذا قال: حدثني أبي، فمن أجل ذلك فصل الإسنادين، وذكر التحويل بعد الإسناد الأول، وأتى بعدها بالإسناد الثاني الذي فيه الابن يروي عن أبيه وهو: محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ يروي عن أبيه عبد الله بن يزيد المقرئ.
    [قال سعيد].
    هو ابن أبي أيوب المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني ربيعة بن سيف المعافري].
    قال عنه النسائي: إنه ضعيف بعد أن ذكر هذا الحديث، وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه صدوق له مناكير، وهذا من جملة الأمور المنكرة لا سيما وفيه اللفظة التي أشرت إليها، وهي قوله: لا تدخل الجنة حتى يدخلها جد أبيك، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبي عبد الرحمن الحبلي].
    هو عبد الله بن يزيد المعافري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله بن عمرو].
    هو عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين اشتهروا بهذا اللقب، وهم من صغار الصحابة، وكانوا في سن متقارب وأدركهم من لم يدرك كبار الصحابة ممن يسمى عبد الله مثل عبد الله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس، وغيرهم من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد اشتهروا عند العلماء بهذا اللقب وهو العبادلة الأربعة من الصحابة عبد الله بن عمرو هذا وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير بن العوام وعبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    ومما يذكر في عبد الله بن عمرو بن العاص أنه ولد وسن أبيه في الثالثة عشرة من عمره؛ لأن أباه عمرو بن العاص رضي الله عنه تزوج وهو صغير، وولد له ابنه عبد الله وعمره ثلاث عشرة سنة، احتلم مبكراً، وتزوج مبكراً، وولد له في سن مبكر، ولهذا يقولون: إن بين عبد الله بن عمرو وبين أبيه ثلاث عشرة سنة.


    غسل الميت بالماء والسدر



    شرح حديث: (... اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [غسل الميت بالماء والسدر. أخبرنا قتيبة عن مالك عن أيوب عن محمد بن سيرين أن أم عطية الأنصارية رضي الله تعالى عنها قالت: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً، أو شيئاً من كافور فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه، وقال: اشعرنها إياه)].
    ذكر النسائي هذه الترجمة: باب غسل الميت بالماء والسدر.
    وأورد فيه حديث أم عطية الأنصارية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أن النبي عليه الصلاة والسلام لما توفيت ابنته وهي زينب قال للاتي يغسلنها: (اغسلنها بماء، وسدر ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر إن رأيتن ذلك)، يعني بذلك: أن الأمر في غسل الميت المراد به التنظيف مع مراعاة الإيتار، فإذا حصلت النظافة بثلاث أو بخمس فإنه يكتفى بذلك، وإن احتاج إلى زيادة لذلك فإنه يزاد إذا رأين الحاجة إلى ذلك ولكن مع مراعاة الإيتار، وهو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً.
    قوله: [(بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني)].
    أي: أعلمنني وأخبرنني بفراغكن، يعني: عندما يصار إلى التكفين، فلما فرغن أخبرنه بذلك فأعطاهن حقوه، وهو إزاره الذي كان يلي جسده عليه الصلاة والسلام فأشعرنها إياه، أي: جعلنه مما يلي جسدها، أي: يجعلنه شعاراً له، والشعار هو: الذي يلي الجسد، والدثار هو: الذي لا يلي الجسد، ولهذا جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في بيان الأنصار، وشدة قربهم منه، والتصاقهم به ما جاء في غزوة حنين لما قسم الغنائم، وأعطى المؤلفة قلوبهم ممن أسلم عام الفتح على مائة من الإبل، ولم يعط الأنصار شيئاً فوجدوا في أنفسهم، إذ أعطى هؤلاء الذين أسلموا أخيراً قبل أشهر المئات من الإبل للشخص الواحد، وهؤلاء لم يعطهم شيئاً وجدوا في أنفسهم، فأمرهم بأن يجتمعوا في مكان وجاء إليهم، وتكلم فيهم بالكلام الذي أرضاهم، واعتبروه خيراً لهم من مئات من الإبل، وكان مما قال: (الأنصار شعار والناس دثار)، يعني: هم بمنزلة الشعار الذي يلاصق الجسد، ويلي الجسد، والناس دثار يعني: الثوب الذي وراءه.
    (فأشعرنها إياه)، يعني: اجعلنه شعاراً لها، يعني: بحيث يلي جسدها.
    والمقصود من ذلك: التبرك بإزاره الذي لامس جسده صلى الله عليه وسلم. والتبرك بثوب الإنسان، أو بفضل الإنسان، أو ما إلى ذلك، هذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يستعمل مع غيره، أو يتخذ ذلك من غيره، وإنما ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فلا يتبرك بأحد من الناس بفضل وضوئه، أو اتخاذ شيء من ثيابه ولبسها من أجل حصول البركة، وما إلى ذلك، لا، هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتبركون بما يقدرون عليه مما يتساقط من جسده عليه الصلاة والسلام، وكانوا يأخذون شعره إذا حلق ويتقاسمونه، وكانوا يأخذون فضل وضوئه إذا توضأ، وإذا شرب من كان على يمينه لا يتركه لغيره ولو كان كبيراً، لا يريد أن يؤثر بنصيبه منه صلى الله عليه وسلم أحداً.
    وكذلك أيضاً كانوا يأخذون بصاقه، وعرقه، ويمسحون به أيديهم وأجسادهم، ويتبركون به صلى الله عليه وسلم بجسده وبما يصدر من جسده، ولكن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، يعني: التي يمكن الحصول عليها من جسده كانوا يتبركون بذلك منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكنهم لم يفعلوا ذلك مع خير الناس بعده وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله تعالى عنهم، وعلم أن هذا من خصائصه؛ لأنه لو كان ذلك سائغاً لفعلوه مع خير الناس بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    أما ما يقوله بعض أهل العلم أن هذا دليل على التبرك بآثار الصالحين هذا ليس بصحيح؛ لأن هذا إنما يتعلق بشخص الرسول عليه الصلاة والسلام، وغيره لا يقاس عليه ولا يلحق به، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما ألحقوا به أحداً، بل ما فعلوا هذا مع خير أصحابه من بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان ثم علي الذين هم الخلفاء الراشدون الهادون المهديون.
    وقد ذكر الشاطبي في كتاب الاعتصام إجماع الصحابة واتفاقهم على عدم حصول ذلك مع غيره، فبين أن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ما فعلوه مع أحدٍ سواه، وإذا كان هذا ما حصل من الصحابة مع خيارهم، ومقدميهم، وأفضلهم الخلفاء الراشدون، الهادون المهديون الذي قال فيهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ما قال، ومن ذلك قوله: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ) فكيف يفعل ذلك مع أحد من آحاد الناس، ومن أفراد الناس ممن يدعى فيه الصلاح، أو يدعي الصلاح، وقد يكون كاذباً وقد يكون صادقاً، وسواء كان صادقاً، أو كاذباً لا يفعل ذلك مع أحدٍ سوى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا إنما اختص به، وظفر به من أكرمه الله بصحبة الرسول عليه الصلاة والسلام، فهم الذين تبركوا بما قدروا عليه مما ظهر من جسده من شعر، وعرق، وبصاق، وفضل وضوء، وما إلى ذلك مما ثبتت به الأحاديث عنهم رضي الله عنهم وأرضاهم، في تبركهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا لا يصلح أن يؤتى بقصد التبرك إلى أماكن قريبة من قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الجدران التي حول قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما كانوا يتبركون بالجدران، وما كانوا يتبركون حول قبره، وإنما كانوا يتبركون بما يصدر من جسده وبما يظفرون به من جسده لما كان بينهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    فعلم بهذا أن هذا الأمر من خصائصه، وما قاله بعض أهل العلم أن فيه دليلاً على التبرك بآثار الصالحين أن هذا ليس بصحيح، بل هذا من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما فعلوه مع خيرهم الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    والحديث دال على غسل الميت، وأنه يغسل بالإيتار، وأنه يكون ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إذا اقتضت المصلحة في ذلك، وأن الأمر يحتاج إلى زيادة للتنظيف، وأنه إذا لم تحصل النظافة بالثلاث فيصار إلى الخمس، فإذا لم تحصل بالخمس فيصار إلى السبع، وإذا لم تحصل بالسبع يصار إلى التسع، وهكذا عندما يخرج منه شيء، ويعاد تنظيفه وما إلى ذلك، فإنه يزاد حيث ترى المصلحة في ذلك، لكن مع مراعاة الإيتار، وأن يكون في ذلك ماء، وسدر، وكافور كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ويطيب بحيث يكون معه طيب؛ لأن الكافور فيه طيب، وفيه فائدة لجسد الميت، فإذا وضع معه طيب يطيب، فهذا مما يشرع ومما يستحب.
    قوله: [(إن رأيتن ذلك)] يعني: الزيادة عن الخمس، [(ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر إن رأيتن)] ذلك أي: الزيادة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر ...)

    قوله:

    [أخبرنا قتيبة عن مالك].

    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد أفراد السلسة الذهبية التي قال عنها البخاري: إنها أصح الأسانيد وهي: مالك عن نافع عن ابن عمر.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وقد مر ذكره.
    [عن محمد بن سيرين].
    وقد مر ذكره، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أم عطية الأنصارية].
    هي نسيبة بنت كعب الأنصارية مشهورة بكنيتها أم عطية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الأسئلة


    حكم نعي الميت في الجرائد ووسائل الإعلام والمنابر

    السؤال: يا شيخ الله يحفظكم، فيما يتعلق بالنعي، هل يجوز نعي الميت في الجرائد ووسائل الإعلام كالتلفزيون؟


    الجواب: ليس فيه بأس أبداً، يعني: ذكر وفاته، والإخبار عن وفاته في الجرائد ليس فيه بأس.
    مداخلة: يا شيخ، لو ذكر ذلك على المنبر يوم الجمعة؟
    الشيخ: والله ذكره على المنبر ما يصح، أي: ما يصح أن يعلن على المنبر.

    دعوى مناداة الإنسان باسمه واسم أمه يوم القيامة

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله، هل الميت يوم الحشر ينادى باسمه أو باسم أمه لأني سمعت من يقول بهذا؟


    الجواب: لا ينادى الناس بأسماء أمهاتهم، وإنما ينادون بأسمائهم وأسماء آبائهم، منسوبين إلى آبائهم لا إلى أمهاتهم.

    حكم من نوى التمتع فاعتمر ثم رجع إلى المدينة وهو مقيم فيها

    السؤال: حفظك الله يا شيخ، رجل مقيم بالمدينة أحرم بعمرة في شوال، ثم رجع المدينة، وهو ينوي الحج مفرداً ويحرم من المدينة فهل عليه شيء؟


    الجواب: ليس عليه شيء، ما دام أنه من أهل المدينة، وأحرم من المدينة للعمرة ورجع إليها، فإنه عاد إلى مكان إقامته فانقطع التمتع بكونه رجع إلى بلده، فإذا أراد أن يتمتع يحرم بعمرة أخرى، وإن أفرد فله ذلك، ولكن الأفضل له أن يتمتع وأن يحرم بعمرة أخرى ويكون متمتعاً.

    حكم والد وجد الرسول صلى الله عليه وسلم في الآخرة

    السؤال: يا شيخ حفظكم الله، أليس جد النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الفترة؟

    الجواب: جد الرسول صلى الله عليه وسلم مثل ما قال الرسول في أبيه للرجل الذي جاءه سائلاً: (إن أبي وأباك في النار)، ومن المعلوم أن الدين كان موجوداً في ذلك الزمن، وكان فيه أناس على دين إبراهيم، وعلى ملة الأنبياء السابقين، وكان فيهم من خرج عما كان عليه الأنبياء بعبادة الأوثان، وفيهم من لا يعبد الأوثان، وكان على دين الأنبياء، وعلى دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في جده عبد المطلب وأبيه عبد الله، قال: (إن أبي وأباك في النار) حكم على أبيه أنه في النار، وأبو طالب كذلك، وكذلك القرناء أو الجلساء الذين كانوا عند أبي طالب عند وفاته لما عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الشهادة وقال له: (قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقالا له: أترغب عن دين عبد المطلب؟!) فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله.

    أول ما خلق الله تعالى

    السؤال: فضيلة الشيخ، هل حديث: (وكان عرشه على الماء) يدل على أن العرش أول المخلوقات؟


    الجواب: قوله: (وكان عرشه على الماء)، بعض العلماء ومنهم: ابن القيم يقول: إن العرش مخلوق قبل القلم، واختلف أيهما أقدم وأسبق القلم أو العرش؟ فمن العلماء من قال: إن القلم أسبق، ومنهم من قال: إن العرش أسبق، ويستدلون على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قال في الحديث: (إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فجرى بما هو كائن، وكان عرشه على الماء)، وكانت كتابة المقادير قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، معناه: عندما كتبت المقادير كان العرش على الماء، فبعض أهل العلماء ومنهم: ابن القيم يقولون: إن العرش أسبق من القلم، وبعضهم يقول: إن القلم هو الأسبق، والمراد من ذلك العالم المشاهد، ولا يعني ذلك: أن ما قبل ذلك من المخلوقات أنه ليس هناك شيء قبلها، وإنما المقصود العالم المشاهد الذي هو السماوات، وما فوقها من عرش.

    حكم التطعيم من الأمراض التي لم تحدث

    السؤال: ما حكم التطعيم من الأمراض التي لم تحدث وإنما من باب الوقاية منها؟

    الجواب: التطعيم عن الأمراض باتخاذ أشياء وقائية تعطي الجسد مناعة وتحول دون تمكن أو نفوذ الأمراض إليه، فالأسباب والمسببات كلها بقضاء الله وقدره، كل شيء بقضاء الله وقدره، والله تعالى قدر الأسباب، وقدر المسببات، فما شاءه الله كان، وما لم يشأ لم يكن، واتخاذ عمل شيء من أجل الوقاية من المرض، ومن أجل عدم حصوله ليس هناك ما يمنعه منه، ولا ينافي التوكل؛ لأن هذا من جملة الأخذ بالأسباب، والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل، ومما يدل على جواز مثل هذا، الحديث الذي ورد في قضية أكل التمرات (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سحر ولا سم) الحديث، فقوله: (لم يضره في ذلك اليوم) معناه: أن من تصبح بها تكون له وقاية في مستقبل يومه، فهذا يدل على جواز مثل هذه التلقيحات، التي تعطي الجسد مناعة من أن تحصل له الأمراض التي يخشى منها.
    هذا الحديث الذي ذكرته يدل على ذلك؛ لأن هذا الذي يأكل سبع تمرات يحصل له مناعة من هذه الأمراض في يومه المستقبل.

    مدى قيام المنظفات الموجودة الآن مقام السدر والكافور في تغسيل الميت

    السؤال: فضيلة الشيخ، هل هذه المنظفات الموجودة اليوم تنوب عن السدر؟


    الجواب: نعم يمكن، لأنه المقصود بالتنظيف، وكان ذلك السدر هو الموجود في ذلك الوقت، ويحصل به التنظيف فتنوب المنظفات عنه.

    بيان الدعاء الوارد لصلاة الجنازة للأطفال

    السؤال: أرجو تبيين الدعاء المشروع على الطفل في صلاة الجنازة؟


    الجواب: الدعاء للطفل معروف في الحديث العام الذي ورد في هذا، وهو يشمل الطفل وغير الطفل: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا) فهذا يدعى به في الصلاة على الطفل، ويكون دعاء يتعلق به، ويتعلق بغيره.

    الواجب على من قتل جراداً في الحرم المدني

    السؤال: فضيلة الشيخ، هل على من قتل جراداً في صحن الحرم المدني شيء، وما هو الممنوع فعله في المدينة؟

    الجواب: الأصل عدم جواز قتل الصيد في الحرمين مكة والمدينة، لكن بالنسبة لمكة جاء ما يدل على الفدية، وحصول الكفارة، في مقابل الصيد، وأما بالنسبة للمدينة فما نعلم شيئاً يدل على حصول الفدية فيها، ومن العلماء من قاس، ومنهم من قال: إنه تؤخذ الوسيلة التي يصيد بها، فالمدينة ليست مثل مكة، ومكة ورد فيها نصوص تدل على حصول الفدية، وعلى لزوم الفدية، وأما بالنسبة للمدينة ما ورد فيها شيء يخصها، ولهذا اختلف العلماء فيها.



  14. #334
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (331)

    - (باب غسل الميت بالحميم) إلى (باب الإشعار)

    كرم الله تعالى ابن آدم حياً وميتاً، فإذا مات يجب غسله، ويكون بماء وسط بين الحار الشديد والبارد، وإن كانت امرأة فإنه ينقض شعرها ويغسل ثم يجعل ثلاث ضفائر، ويبدأ بالوضوء لميامن الميت ويوضع في آخر غسلة شيئاً من كافور، ويكون الغسل وتراً ولو زاد على السبع إن احتيج إلى ذلك.

    غسل الميت بالحميم



    شرح حديث: (... لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [غسل الميت بالحميم.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الحسن مولى أم قيس بنت محصن عن أم قيس رضي الله تعالى عنها قالت: (توفي ابني فجزعت عليه، فقلت للذي يغسله: لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله، فانطلق عكاشة بن محصن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقولها، فتبسم ثم قال: ما قالت طال عمرها؟ فلا نعلم امرأة عمرت ما عمرت)].
    يقول النسائي رحمه الله في هذه الترجمة: غسل الميت بالحميم.
    الحميم: يطلق على الماء الحار، وعلى الماء البارد، فهو من الأضداد كما في القاموس؛ لأن من الكلمات في اللغة العربية ما يأتي للضدين المتقابلين، كما هنا الحميم يأتي للماء الحار، وللماء البارد، وهما ضدان، ومثل: القرؤ، يطلق على الطهر، وعلى الحيض، فهما ضدان، ومثل: عسعس، يطلق على أقبل وأدبر، وهما ضدان، ففي اللغة العربية كلمات كثيرة تطلق على الضدين، وهي تأتي لهذا ولهذا، وقد أورد النسائي حديثاً عن أم قيس بنت محصن الأسدية أخت عكاشة بن محصن الصحابي المشهور الذي جاء في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وفيه قال: (سبقك بها عكاشة)، فهذه أخته، توفي لها ولد، فقالت للذي يغسله: لا تغسله بالماء البارد فتقتله، فذهب عكاشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره فتبسم وقال: (ما قالت طال عمرها؟ فما رأينا امرأة عمرت ما عمرت).
    وهنا ذكر الماء البارد، قالت لمغسل ابنها: لا تغسله بالماء البارد فتقتله، فالترجمة بالحميم، وقد عرفنا أن وجه ذلك لكون كلمة الحميم تأتي للحار وللبارد، ولكن الذي ورد استعمال كلمة الحميم فيه هو للماء الحار، وقد جاء في القرآن ذكرها بالماء الحار كثيراً، وفي الشيء الحار، وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15] أي: مزقها من شدة حرارته، ولكنه كما ذكرت أهل اللغة يقولون: أنه من الأضداد، وقد ذكر ذلك صاحب القاموس، وعلى هذا يتفق إطلاق الحميم وجه مناسبة ذكر الحديث مع الترجمة، أن الحميم يطلق على الماء البارد، وعلى الماء الحار، وهنا ذكر الماء البارد.
    ثم قولها: لا تغسله بالماء البارد فتقتله معلوم أنه قد مات، وروحه قد خرجت وهو يغسل، ومن المعلوم أن الإنسان الميت يغسل بالماء الذي يحصل به تنظيفه، لكن لا يكون حاراً حرارة شديدة ولا بارداً برودة شديدة؛ لأنه إذا كان كذلك لا يتيسر تغسيله على الوجه الأكمل لما يجده من يفعل ذلك من شدة الحرارة أو البرودة، وأما بالنسبة للميت فإنه بالنسبة للماء الحار يمكن أنه إذا كان شديداً، وأنه يغلي فقد يقطع جلده، ويمزق جلده، وبالنسبة للماء البارد ما يحصل منه مثل ما يحصل للماء الحار، ومن المعلوم أنه في هذا الوقت، وفي هذا الزمان عندما يموت الشخص وحتى لا ينتن؛ ومن أجل أن يتعرف عليه، يجعل في ثلاجة، فيبرد ويجمد، ويصير قطعة من الثلج، يعني: بارداً، فعند الغسل يراعى الماء الذي لا يكون حاراً، ولا يكون بارداً؛ لأن ذلك يؤثر، يعني: لا يحصل استعماله كما ينبغي ويؤثر على الغاسل الذي يغسله؛ لأنه لا يستطيع أن يغسله بالماء الحار، كما أنه لا يستطيع أن يغسله بالماء البارد البرودة الشديدة.
    قوله: (فتبسم)، يعني: تبسم من قولها تعجباً وقال: (ما قالت؟) يعني: ما هذا الذي قالت، ثم قال: (طال عمرها) وهو دعاء لها بطول العمر، ثم قال: (إنهم ما رأوا امرأة عمرت ما عمرت)، أي: أنه استجيب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لها وأنها عمرت، والحديث ضعيف؛ لأن فيه رجلاً ذكر الحافظ ابن حجر أنه مقبول، وهو الذي يعتبر حديثه عند المتابعة حيث يتابع، وهو هنا ليس له متابع فالإسناد ضعيف، ولكن كما قلت: من حيث الغسل يغسل بالماء الذي ليست حرارته شديدة، ولا برودته شديدة بحيث يتمكن الغاسل من غسله بدون مشقة، وبدون تباعد بيديه عنه من أجل الحرارة، أو من أجل شدة البرودة، وأما الدعاء بطول العمر فهو سائغ، ولا مانع منه، ولا ينافي القدر؛ لأن كل شيء بقضاء الله وقدره، ومن المعلوم أن الدعاء مشروع في أمور كثيرة، وذلك الذي يدعى به مقدر؛ لأن كل شيء بقضاء وقدر، فالدعاء بطول العمر لا بأس به ولا مانع منه، ولا ينافي القدر، بل الله عز وجل قدر أن هذا يكون عمره طويلاً، وقدر أن هذا يكون عمره قصيراً، وقدر أن هذا له هذا الأجل، وهذا له هذا الأجل، ولا يعني ذلك: أن الدعاء بطول العمر أنه يغير العمر، بل الله عز وجل قدر العمر، وقدر أنه يدعى إذا كان الله عز وجل جعل ذلك هو السبب في طوله، يعني: في الدعاء، وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن صلة الرحم تزيد في العمر، ولكن ليس معنى ذلك: أن الذي قدره الله وقضاه من العمر يغير ويبدل ويزاد، فالأعمار لا تزاد ولا تنقص، فهي كما قال الله عز وجل: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34] ليس فيه تقدم، ولا تأخر عن الأجل المحتوم، ولكن الدعاء بطول العمر لا ينافي القضاء والقدر، فالله عز وجل قدر الأعمار، وقدر الآجال، وجعل لكل شيء سبباً، وقد يكون من الأسباب صلة الرحم كما جاء في الحديث، والله تعالى قدر أن هذا يطول عمره وقدر أن من أسباب ذلك أنه يصل رحمه، وليس معنى ذلك أنه قدر له أجل ثم غير الأجل؛ لأنه وصل رحمه، وإنما قدر أنه يصل رحمه، وقدر بأنه يطول عمره فكل منهما مقدر، وما جاء في حديث أم حبيبة رضي الله عنها، لما دعت الدعاء: (اللهم متعني بزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبـأبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال لها رسول الله عليه الصلاة والسلام: لقد سألت الله لآجال مضروبة، ولو سألت الله أن يدخلك الجنة، ويعيذك من النار لكان أولى) وهذا لا يدل على المنع، بل هذا يدل على الإرشاد إلى ما هو الأولى، وأن الدعاء بسؤال الجنة والسلامة من النار هذا هو الذي ينبغي، ولكنه لا مانع من الدعاء بطول العمر، والحديث لا يدل على المنع لقوله: (لقد سألت الله لآجال مضروبة) ودخول الجنة أيضاً مقدر، فالله تعالى قدر أن هذا يدخل الجنة، وقدر أن هذا يدخل النار، وقدر أسباباً تؤدي إلى تلك الأمور المقدرة التي قدرها الله عز وجل، والحديث الذي معنا ضعيف، لا يدل على ما جاء فيه الأمر فيما يتعلق الدعاء بطول العمر، ولا بالنسبة للغسل بالماء الحميم الذي هو البارد أو المنع منه، وإنما الأصل أنه يغسل بالماء سواء كان بارداً أو حاراً، ولكن لا يكون الحرارة الشديدة التي تضر الغاسل، وتضر الميت، ولا الماء البارد الذي يؤثر على الغاسل، ويجعله لا يتمكن من أداء مهمته كما ينبغي.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله ...)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة بن سعيد].
    هو ابن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا الليث].

    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه محدث أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن يزيد بن أبي حبيب].

    هو يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي الحسن مولى أم قيس بنت محصن].

    هو مولى أم قيس الأنصارية، وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي.
    [عن أم قيس].
    هي أم قيس بنت محصن الأسدية أخت عكاشة بن محصن الأسدي وهي: صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.


    نقض رأس الميت


    ‏ شرح حديث: (أنهن جعلن رأس ابنة النبي ثلاثة قرون ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نقض رأس الميت.أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج قال أيوب: سمعت حفصة تقول: حدثتنا أم عطية رضي الله تعالى عنها: (أنهن جعلن رأس ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون، قلت: نقضنه وجعلنه ثلاثة قرون قالت: نعم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ذكر نقض رأس الميت يعني عند تغسيله، يعني: إذا كان قد ظفر، فإنه ينقض ويغسل، ثم يجعل هذه الثلاثة الضفائر التي جاءت في الحديث، والعمدة في هذا أو في تغسيل الميت هو حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، والحديث أورده النسائي من طرق متعددة وبأبواب مختلفة للاستدلال به على أمور متعددة تتعلق بغسل الميت، وأخبرت أم عطية بأنهن لما غسلن ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام بأمره، فكان مما فعلنه أن جعلن رأسها ثلاثة قرون يعني: ظفائر فسألها،
    وقوله: [(نقضنه وجعلنه ثلاثة قرون، قالت: نعم)]، معناه: أن هذه القرون التي جعلت كانت نتيجة لنقضه ولغسله، ثم جعل هذه القرون، فمعناه أن الميت إذا كان له ظفائز مشدودة في حال حياته ثم مات، فإنه عند تغسيله تنقض هذه الضفائر وتغسل ويغسل رأسه جميعاً، ثم يجعل ثلاث ضفائر أو ثلاثة قرون كما جاء في الحديث، فهو دال على ما ترجم له؛ لأنه لما ذكرت القرون، وأنهن جعلنه ثلاثة قرون سئلت: هل حصل النقض ثم جعله ثلاثة قرون، قالت: نعم، فدل على نقض رأس الميت إذا كان مشدوداً عندما يراد تغسيله، ثم يجعل ثلاثة قرون، كما جاء ذلك في حديث أم عطية.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أنهن جعلن رأس ابنة النبي ثلاثة قرون ...)

    قوله:
    [أخبرنا يوسف بن سعيد].
    هو يوسف بن سعيد المصيصي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي.
    [حدثنا حجاج].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [قال أيوب].
    هو ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت حفصة].
    هي حفصة بنت سيرين تابعية أنصارية، وهي ثقة أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة، وهي أخت محمد بن سيرين.
    [حدثتنا أم عطية].
    هي نسيبة بنت كعب الأنصارية، وهي صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة، وهي مشهورة بكنيتها أم عطية.


    ميامن الميت ومواضع الوضوء منه


    شرح حديث: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ميامن الميت ومواضع الوضوء منه. أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا إسماعيل عن خالد عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غسل ابنته: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)].
    ثم ذكر ميامن الميت ومواضع الوضوء منه، يعني: أنه يبدأ بها، ومعناه: أنه يبدأ بأعضاء الوضوء فيوضأ ثم عندما يغسل سائر جسده يبدأ بميامنه بحيث تغسل ميامنه قبل مياسره، وقد أورد النسائي حديث أم عطية، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أمرهن بغسل ابنته قال: (ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها).

    تراجم رجال إسناد حديث: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن منصور].
    هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل].

    هو الإمام، المحدث، الفقيه، المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهو: أبو عبد الله، وقد روى عن الشافعي وكنيته أبو عبد الله، والشافعي روى عن مالك وكنيته عبد الله فهؤلاء الثلاثة الأئمة مالك، والشافعي، وأحمد كل منهم كنيته أبو عبد الله، والمتأخر منهم تلميذ للمتقدم فإن الإمام أحمد يروي عن الشافعي، والشافعي يروي عن الإمام مالك، قد جاء في بعض الأحاديث هذه السلسلة التي هي الإمام أحمد يروي عن الشافعي، والشافعي يروي عن مالك، وهذا في حديث: (إن نسمة المؤمن كطائر يعلق في الجنة) في مسند الإمام أحمد رواه الإمام أحمد عن الشافعي والشافعي رواه عن مالك، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره عند قوله: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )[آل عمران:169] في سورة آل عمران، وقال: إن هذا إسناد عزيز، اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة أصحاب المذاهب المشهورة المتبوعة من مذاهب أهل السنة. والإمام أحمد رحمه الله، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن إسماعيل].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد].
    هو خالد بن مهران المشهور بـالحذاء، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ويقال له الحذاء قيل: لأنه كان يجالس الحذائين، وليس حذاءً، فهو لا يبيع الأحذية، ولا يصنعها، وإنما كان يجالس الحذائين، وقيل: إنه كان يقول: احذوا على كذا، يعني: أعمل نعلاً على هذا القياس، وعلى هذا الشكل، فقيل له الحذاء؛ لهذا، وهي من النسب التي يقال عنها إلى غير ما يسبق إلى الذهن؛ لأن الذي يسبق إلى الذهن هو أنه يبيع الأحذية، أو يصنعها إذا قيل: الحذاء، لكن كونه يجلس عند الحذائين فهذا لا يسبق إلى الذهن، ومثله يزيد بن صهيب الفقير يعني: الفقير الذي يسبق إلى الذهن أنه من الفقر، ولكنه قيل له ذلك لأنه كان يشكو فقار ظهره، فقيل له: الفقير، فهي نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن، فهذا من هذا القبيل الذي هو الحذاء، وحديثه أي: الحذاء خالد بن مهران أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حفصة عن أم عطية].
    وقد مر ذكرهما.


    غسل الميت وتراً


    شرح حديث: (... اغسلنها بماء وسدر واغسلنها وتراً...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [غسل الميت وتراً.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا هشام حدثتنا حفصة عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (ماتت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا فقال: اغسلنها بماء وسدر واغسلنها وتراً ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً إن رأيتن ذلك، واجعلن في الآخرة شيئاً من كافور فإذا فرغتن فآذنني، فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه وقال: أشعرنها إياه، ومشطناها ثلاثة قرون، وألقيناها من خلفها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: غسل الميت وتراً، أي: أنه عندما يغسل تكون الغسلات وتراً، يعني: ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، فإذا كفت الثلاث أي: حصل بها المقصود، وإلا فيزاد إلى الخمس، أو السبع، فالغسلات تكون وتراً، هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    والحديث سبق أن مر، وفيه: الغسل بالماء والسدر والكافور يعني: فغسله في آخره يكون فيه كافور، وفيه أيضاً: ذكر الإشعار، وإعطاؤهن الإزار الذي كان يلي جسده صلى الله عليه وسلم، ليوضع مما يلي جسدها، وقد عرفنا أن هذا من التبرك بما مسه جسد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا كان يفعله الصحابة مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو سائغ في حقه، وفيما يسقط من جسده، أو ما اتصل بجسده من العرق، ومن الثياب وما إلى ذلك، وعرفنا أن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وأنه لا يجوز أن يتبرك بأحد من الناس بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، اتفقوا على عدم فعل ذلك مع أحد سواه، فلم يفعلوا ذلك مع أبي بكر وهو خير الناس بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، ما كانوا يتبركون بـأبي بكر بشعره، ولا بمخاطه، ولا بعرقه، ولا بالشيء الذي مسه جسد أبي بكر، فعلم أن هذا التبرك الذي فعله الصحابة مع الرسول عليه الصلاة والسلام، إنما هو من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة هم خير الناس، وأحرص الناس على كل خير، وأسبق الناس إلى كل خير، فما فعلوا ذلك مع خير الناس بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    وما ذكره بعض أهل العلم عندما يأتي إلى مثل هذا الحديث: أن فيه دليلاً على التبرك بآثار الصالحين فهذا ليس صحيحاً؛ لأن هذا التبرك خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، فالصحابة ما فعلوه مع أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وهم الخلفاء الراشدون الهادون المهديون رضي الله عنهم وأرضاهم.
    وفيه أيضاً: جعل الشعر للمرأة ثلاثة قرون، وأنها تجعل على خلفها أو تكون وراءها، يعني: هذه الثلاث القرون لا تترك يميناً وشمالاً، وإنما كلها يذهب بها إلى وراء.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... اغسلنها بماء وسدر واغسلنها وتراً...)

    قوله:

    [أخبرنا عمرو بن علي].

    هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، ناقد متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام].
    هو هشام بن حسان البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثتنا حفصة عن أم عطية].
    وقد مر ذكرهما.


    غسل الميت أكثر من خمس


    شرح حديث: (..اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [غسل الميت أكثر من خمس.أخبرنا إسماعيل بن مسعود عن يزيد حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً، أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني، فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه، وقال أشعرنها إياه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الغسل أكثر من خمس، وأورد فيها حديث أم عطية من طريق أخرى وهو مثل الذي تقدم إلا أنه أورده هنا من أجل الاستدلال به على الزيادة على الخمس، وذلك أنه قال: (اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) يعني: إذا كان الأمر يحتاج إلى زيادة فيغسلنها أكثر، ولكن يكون مع ذلك وتراً يعني: يكون سبعاً أو تسعاً وهكذا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (..اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك...) من طريق ثانية


    قوله:

    [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].

    هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [عن يزيد].
    هو يزيد بن زريع البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وقد مر ذكره.
    [عن محمد بن سيرين].
    هو أخو حفصة بنت سيرين وهو محدث، مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أم عطية].
    وقد مر ذكرها.


    غسل الميت أكثر من سبعة


    شرح حديث: (... اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [غسل الميت أكثر من سبعة.أخبرنا قتيبة حدثنا حماد حدثنا أيوب عن محمد عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني، فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه وقال أشعرنها إياه)].
    ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: غسل الميت أكثر من سبع، وأورد فيها حديث أم عطية من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله لما ذكر الخمس قال: أو أكثر من ذلك؛ لأن أكثر من ذلك يدخل فيه السبع، وهي أكثر الوتر بعد الخمس، ولكنه يكون وتراً، فقوله: [(أو أكثر من ذلك)] مطلق يعني: معناه أنه لا يكون الأمر مقصوراً على السبع، بل إذا احتيج إلى الزيادة على سبع لكون غسل الميت يحتاج إلى هذه الزيادة فإنه يزاد، ولكنه يكون تسعاً، أي: يكون وتراً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك...) من طريق ثالثة

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد].
    هو ابن زيد البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء قتيبة يروي عن حماد فهو ابن زيد.
    [حدثنا أيوب عن محمد عن أم عطية].
    أيوب عن محمد أي: ابن سيرين عن أم عطية وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (... اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك ...) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا حماد عن أيوب عن حفصة عن أم عطية نحوه غير أنه قال: (ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك)].ثم ذكر النسائي حديث أم عطية، وفيه: التنصيص على السبع وأكثر منها، فالأول فيه الإطلاق، وأن ما زاد على الخمس يدخل فيه السبع وما كثر منها، ولكن هنا فيه السبع وزيادة على السبع، قال في آخره، (ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك)، فهذا هو الذي يطابق الترجمة تماماً من حيث الزيادة على السبع؛ لأن فيه ذكر السبع وقوله: أو أكثر من ذلك، يعني: ما وراء السبع، ورجال الإسناد هم رجال الإسناد أي: قتيبة، وحماد بن زيد، وأيوب، وحفصة، وأم عطية.

    شرح حديث: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك...) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر عن سلمة بن علقمة عن محمد عن بعض إخوته عن أم عطية رضي الله تعالى عنها، قالت: (توفيت ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا بغسلها فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن، قالت: قلت وتراً، قال: نعم، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني، فلما فرغنا آذناه، فأعطانا حقوه، وقال: أشعرنها إياه)].ذكر النسائي حديث أم عطية من طريق أخرى، وهو دال على ما دل عليه الذي قبله من جهة ذكر السبع وما زاد عليها.
    قوله:
    [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    مر ذكره.
    [حدثنا بشر].
    هو بشر بن المفضل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سلمة بن علقمة].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن محمد عن بعض إخوته].
    هو ابن سيرين عن بعض إخوته هنا مبهم في بعض الروايات: (بعض إخواته) وعلى هذا كما هو معلوم جاء الحديث من طريق أخته حفصة بنت سيرين، وعلى هذا فيكون يروي هو بواسطة وبغير واسطة، ولا يؤثر ذلك؛ لأن الحديث جاء من طرق كثيرة، فالحديث ثابت.
    [عن أم عطية].
    وقد مر ذكرها.


    الكافور في غسل الميت


    شرح حديث: (... واجعلن في الآخرة كافوراً ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الكافور في غسل الميت. أخبرنا عمرو بن زرارة حدثنا إسماعيل عن أيوب عن محمد عن أم عطية رضي الله تعالى عنها قالت: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني، فلما فرغنا آذناه، فألقى إلينا حقوه وقال: أشعرنها إياه قال أو قالت حفصة: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، قال: وقالت أم عطية: مشطناها ثلاثة قرون)].
    ذكر النسائي هذه الترجمة، وهي: الكافور في غسل الميت، يعني: جعله معه، وقد أورد النسائي فيها حديث أم عطية من طريق أخرى، وقد مر ذكره أي: الكافور ووضعه، ولكنه أورده هنا من أجل إفراده بترجمة مستقلة، والاستدلال عليه بطريقة من طرق حديث أم عطية، ويجعل في الغسلة الأخيرة، قيل: من أجل رائحته، وقيل: من أجل أن فيه فائدة من أجل سلامة البدن، أي: في الغسلة الأخيرة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... واجعلن في الآخرة كافوراً ...)

    قوله:

    [أخبرنا عمرو بن زرارة].

    هو عمرو بن زرارة النيسابوري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا إسماعيل].
    هو ابن علية، وقد مر ذكره.
    [عن أيوب عن محمد عن أم عطية].
    وهؤلاء قد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (وجعلنا رأسها ثلاثة قرون)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا أيوب عن محمد أخبرتني حفصة عن أم عطية رضي الله تعالى عنها قالت: (وجعلنا رأسها ثلاثة قرون)].ثم أورد إسناداً آخر.
    [أخبرنا عمرو بن زرارة حدثنا إسماعيل عن أيوب عن محمد عن أم عطية] وهذا [أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان].
    ذكر النسائي هذا الحديث من طريق أخرى وفيه: [(وجلعنا رأسها ثلاثة قرون)].
    وهو في ترجمة الكافور، فكأنه مثل الذي قبله، ولكن فيه زيادة هذا الشيء؛ لأن ذكر الكافور معناه أنه في الإسناد السابق، وهذا الإسناد هو مثل الإسناد السابق إلا أن فيه زيادة كون محمد يروي عن أخته حفصة بنت سيرين، في الإسناد السابق محمد عن أم عطية، وفي الثاني محمد عن حفصة بنت سيرين، وفيه: وجعلنا رأسها ثلاثة قرون، وأما ذكر الكافور فهو ليس في هذه اللفظة، ولكن في الحديث، ولكن فيه ذكر هذه الزيادة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (وجعلنا رأسها ثلاثة قرون)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة بن سعيد].
    وقد مر ذكره.
    [أخبرنا محمد بن منصور].
    هو محمد بن منصور الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أيوب عن محمد عن حفصة عن أم عطية].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (وجعلنا رأسها ثلاثة قرون) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد عن أيوب وقالت حفصة: عن أم عطية: (وجعلنا رأسها ثلاثة قرون)].وهذا الحديث هو مثل الذي قبله، والكلام فيه مثل الذي قبله، ولكن ذكر الكافور إنما جاء في الحديث، وليس بهذه الجملة.
    قوله:
    [أخبرنا قتيبة بن سعيد].
    مر ذكره.
    [حدثنا حماد].
    هو ابن زيد، وقد مر ذكره.
    [عن أيوب عن حفصة عن أم عطية].
    وهؤلاء قد مر ذكرهم.


    الإشعار


    ‏ شرح حديث: (... فلما فرغنا ألقى إلينا حقوه وقال: أشعرنها إياه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الإشعار. أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني أيوب بن أبي تميمة أنه سمع محمد بن سيرين يقول: كانت أم عطية امرأة من الأنصار قدمت تبادر ابناً لها فلم تدركه، حدثتنا قالت: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا، ونحن نغسل ابنته، فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً، أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني، فلما فرغنا ألقى إلينا حقوه، وقال: أشعرنها إياه، ولم يزد على ذلك، قال: لا أدري أي بناته، قال: قلت: ما قوله أشعرنها إياه أتؤزر به؟ قال: لا أراه إلا أن يقول: الففنها فيه)].
    ذكر النسائي الإشعار في هذه الترجمة، والمقصود به: هو الذي يلي الجسد، وفي حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها ذكر الإشعار بشيء مسه جسد الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن يجعل ويلي جسدها، ومن المعلوم أن هذا اختص به الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا يشارك فيه، ولا يجوز أن يشعر أحد من ثياب أحد من الناس؛ لأن ذلك جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حقه، فإن ذلك من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز أن يشعر أحد، بمعنى: أنه يوضع عندما يغسل، ويكفن فيجعل مما يلي جسده ثوب أحد من الناس، فيقال: إنه صالح أو يدعى فيه الصلاح أو إلى ذلك، فإن هذا لا يسوغ، ولا يجوز؛ لما أسلفته آنفاً من أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، اتفقوا على عدم فعل ذلك مع أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وقوله: [كانت أم عطية امرأة من الأنصار قدمت تبادر ابناً لها، فلم تدركه].
    يقول محمد بن سيرين: (كانت أم عطية امرأة من الأنصار قدمت) يعني: لعلها قدمت البصرة، (تبادر ابناً لها)، معناه: أنه كان مريضاً، وتريد أن تلقاه قبل أن يموت فلم تدركه، فمات قبل أن تصل إليه، يعني: جاءت تبادره وهو مريض لتراه وهو في مرضه فمات قبل أن تصل، ولهذا قال: فلم تدركه، فحدثتهم بهذا الحديث.
    يعني: يجعل إزاراً لها، أو أنها تلف فيه، قال: لا أراه إلا أن تلف فيه، يعني: لا يلزم أن تكون إزاراً، المهم أن يلي جسدها شيء مسه جسد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الإشعار؛ فالثوب الذي يلي الجسد يقال له: الشعار، والذي وراءه يقال له: الدثار، وقد ذكرت الحديث الذي فيه ذكر الشعار والدثار، وذلك في حق الأنصار، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الأنصار شعار، والناس دثار) يعني: أنهم لقربهم مني فهم بمنزلة الثوب الذي يلي جسدي، والناس وراءهم كالدثار.

    شرح حديث: (... فآذناه فألقى إلينا حقوه فقال: أشعرنها إياه) من طريق ثانة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا شعيب بن يوسف النسائي حدثنا يزيد حدثنا ابن عون عن محمد عن أم عطية قالت: (توفي إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك، واغسلنها بالسدر والماء، واجعلن في آخر ذلك كافوراً أو شيئاً من كافوراً، فإذا فرغتن فآذنني، قالت: فآذناه فألقى إلينا حقوه، فقال: أشعرنها إياه)].أورد النسائي حديث أم عطية من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله فيه ذكر الإشعار، ولكن الأمر -كما ذكرت- من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن يفعل مع أحد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم، ما فعلوه مع أحد من بعده، وهم خير الناس وأسبق إلى كل خير، وأحرص الناس على كل خير.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فآذناه فألقى إلينا حقوه فقال: أشعرنها إياه) من طريق ثانة

    قوله:
    [أخبرنا شعيب بن يوسف النسائي].
    ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [حدثنا يزيد].
    هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن عون].
    هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد عن أم عطية].
    وقد مر ذكرهما.


    الأسئلة


    ما يلزم من نسي تكبيرة من تكبيرات صلاة عيد الفطر

    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، رجل صلى بقومه صلاة عيد الفطر، ونسي التكبير في الركعة الثانية، ولم يذكرها إلا بعد شروعه بالفاتحة، فمتى يكبر؟ بعد الفاتحة أو بعد نهاية القراءة؟

    الجواب: لا يكبر، لأنها سنة فات محلها.

    علاقة الاضطراب بكثرة اختلاف الألفاظ في حديث أم عطية

    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، لاحظنا في طرق حديث أم عطية أنها في بعض الطرق تقول: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته، وفي بعض الطرق تقول: فأرسل إلينا أن اغسلنها، فهل في الحديث اضطراب؟

    الجواب: ليس فيه اضطراب؛ لأنه أرسل إليهن بأن يغسلنها، ثم أيضاً دخل عليهن وهن يغسلنها فليس فيه اضطراب، أولاً: أمرهن بأن يغسلن وكان ذلك بالواسطة وأرسل إليهن يأمرهن بالغسل، ثم دخل عليهن.

    مدى إجزاء غسل الجمعة والعيدين عن الوضوء

    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، هل يلزم الإنسان الوضوء قبل غسل يوم الجمعة ويوم العيدين كما هو الحال قبل غسل الجنابة أم لا يلزم؟

    الجواب: غسل الجمعة لا يغني عن الوضوء، بل لا بد من الوضوء إلا إذا توضأ الوضوء الذي على طريقة الاغتسال من الجنابة، أما كونه مجرد الغسل، وكونه يصب على نفسه الماء يغتسل للجمعة، ويريد به الوضوء لا يرتفع حدثه بذلك.



  15. #335
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (332)

    - (باب الأمر بتحسين الكفن) إلى (باب كفن النبي)

    أمر الشرع بتحسين الكفن، وأن يكون ساتراً لجميع الجسد، ويستحب أن يكون أبيض وتراً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية.

    الأمر بتحسين الكفن


    شرح حديث: (... إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر بتحسين الكفن.أخبرنا عبد الرحمن بن خالد الرقي القطان ويوسف بن سعيد -واللفظ له- أخبرنا حجاج عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً رضي الله تعالى عنه يقول: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر رجلاً من أصحابه مات فقبر ليلاً، وكفن في كفن غير طائل فزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبر إنسان ليلاً إلا إن يضطر إلى ذلك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه)].
    يقول النسائي رحمه الله: الأمر بتحسين الكفن، أي: أن يكون الكفن حسناً، وحسن الكفن يكون في أمور أربعة: أن يكون أبيض، نظيفاً، كثيفاً؛ يعني: ليس شفافاً ولا خفيفاً، وأن يكون سابغاً؛ يعني: كافياً لوضع الميت فيه، فيكون تحسينه بذلك، ولا يكون تحسينه بالمغالاة والبحث عن أغلى القماش ليكون فيه، وإنما يكون بهذه الأوصاف التي أشرت إليها.
    وقد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه؛ [ أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مات وأنه كفن في كفن غير طائل ]، يعني: أسرع في دفنه، ودفن في الليل، وكان مما حصل أن الكفن غير طائل، يعني: غير جيد، والنبي صلى الله عليه وسلم، [زجر عن الدفن في الليل إلا أن يضطر إلى ذلك]، وأرشد إلى أن الإنسان إذا ولي أخاه فليحسن كفنه يعني: يجعل كفنه حسناً متصفاً بهذه الصفات التي أشرت إليها؛ لأن هذا من تحسين الكفن، والمقصود من إيراد الحديث في الترجمة ما جاء في آخره: أنه أمره بتحسين الكفن، وقال: [فليحسن كفنه]، وأيضاً أشير إلى أنه كفن بكفن غير طائل، وهذا لا ينبغي إلا أن يضطر إلى ذلك.
    وأما ما جاء فيه من ذكر الدفن في الليل، فإن الدفن في النهار أولى من الدفن في الليل، وإذا احتيج إلى الدفن في الليل واضطر إلى ذلك فإنه لا بأس به، ولكن كونه يدفن في النهار ويصلى عليه ويحضره جمع كثير أولى من كونه إذا مات في الليل ذهب به، وصلى عليه عدد قليل ودفن.
    وقد جاء الدفن في الليل عن بعض الصحابة فإنهم دفنوا ليلاً، وعلى هذا فيكون ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الزجر من الدفن في الليل إذا كان هناك مضرة تحصل لكونه لا يوجد، أو لا يحصل العدد الذي يكفي، وكذلك في زمنه عليه الصلاة والسلام فكونه لا يصلي عليه أو لا يحضر جنازته فيصلي عليه، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: (أن التي كانت تخدم المسجد وتنظفه، ثم ماتت ليلاً ودفنت، والرسول عليه الصلاة والسلام عاتبهم على ذلك، وقالوا: إنا كرهنا أن نوقظك، فذهب وصلى عليها على القبر بعد دفنها)، فهذا من الأمور التي تترتب على الدفن في الليل أنه تفوت هذه المصالح، ثم أيضاً لا يحصل الاتباع الذي يكون في الليل مثل ما يكون في النهار، يعني: من المشيعين والتابعين له؛ لأنه قد لا يتيسر ذلك في الليل لا سيما إذا كان في وسط الليل، أو بعد وقت طويل من الليل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه)

    [أخبرنا عبد الرحمن بن خالد الرقي].
    هو عبد الرحمن بن خالد الرقي القطان، وهو صدوق، قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق ولم يقل عنه: ثقة، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي.
    [ويوسف بن سعيد].
    هو المصيصي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [أخبرنا حجاج].
    هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني أبو الزبير].
    هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [سمع جابراً].
    هو ابن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام صحابي ابن صحابي، أبوه استشهد يوم أحد، فهو صحابي ابن صحابي وجابر رضي الله عنه هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الذين عرفوا بكثرة الحديث عنه عليه الصلاة والسلام سبعة منهم جابر بن عبد الله؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.


    أي الكفن خير


    شرح حديث: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أي الكفن خير.أخبرنا عمرو بن علي أنبأنا يحيى بن سعيد سمعت سعيد بن أبي عروبة يحدث عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن سمرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم)].
    هنا ذكر النسائي هذه الترجمة؛ وهي: أي الكفن خير، أي: أيها أولى بأن يكفن فيه، وأورد حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه، الذي قال فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: [البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم] فهذا إرشاد من النبي عليه الصلاة والسلام إلى اتخاذ الأبيض وأن يكون التكفين فيه، وقال: [إنها أطهر وأطيب]، والطهارة والطيب التي فيها؛ لأن البياض يتبين فيه أي وسخ، وأي شيء، فيبادر إلى تطهيره وتنظيفه، بخلاف الألوان الأخرى فإنها لا يظهر عليها الوسخ أو القذر أو ما إلى ذلك، مثلما يظهر على البياض؛ ولهذا قال: [فإنه أطيب وأطهر]، وأرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى لبسها وأرشد إلى تكفين الموتى بها؛ أي: بالثياب البيض.


    تراجم رجال إسناد حديث: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم)


    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو من النقاد الذين يتكلمون في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه كما قلت: أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله في ذلك في كونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة الذي مر ذكرهم كثيراً معنا: محمد بن بشار الملقب بندار، ومحمد بن المثنى الملقب الزمن، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء كلهم خرج عنهم أصحاب الكتب الستة وسمعوا منهم، ورووا عنهم وهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة.
    [أنبأنا يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت سعيد بن أبي عروبة].
    ثقة، كثير التدليس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قلابة].
    هو عبد الله بن زيد الجرمي البصري مشهور بكنيته أبي قلابة، وهو ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن عمه أبي المهلب الجرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سمرة بن جندب].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    كفن النبي صلى الله عليه وسلم


    شرح حديث: (كفن النبي في ثلاثة أثواب سحولية بيض)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كفن النبي صلى الله عليه وسلم. أخبرنا إسحاق أخبرنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية بيض)].
    هنا ذكر النسائي كفن النبي صلى الله عليه وسلم؛ يعني: كيف كفن، وما هو الكفن الذي كفن به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها؛ (أن النبي عليه الصلاة والسلام كفن بثلاثة أثواب سحولية بيض)؛ وهي سحولية نسبة إلى قرية في اليمن تنسب إليها تلك الثياب، فهو كفن في ثلاثة أثواب عليه الصلاة والسلام، وهي أيضاً بيض، وأيضاً من هذا النوع الذي تنسب إلى تلك القرية أو المدينة التي في اليمن؛ وهي السحولية، هكذا كفن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي ينبغي أن يكون عليه التكفين، وإن كان يجزي أقل من ذلك، ولكن هذا هو الأفضل وهذا هو الأولى، وإلا فإنه يجزي ما دون ذلك ويكفي، ولكن الأفضل أن يكون بهذا المقدار، وبهذا العدد، وبهذا الوصف الذي هو أن تكون بيضاً، وعلى هذا فالبياض أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام، وكفنه فيه أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كفن النبي في ثلاثة أثواب سحولية بيض)

    قوله:
    [أخبرنا إسحاق].
    هو ابن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه وهو ثقة، ثبت، فقيه، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أخبرنا عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، حافظ، مصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وعبد الرزاق وصف بأنه متشيع، ولكن التشيع الذي فيه لا يؤثر؛ لأن بعض رواة الحديث وصفوا بالتشيع، ولكن تشيعهم هو من قبيل تفضيل علي على عثمان في الفضل، وليس في الخلافة، فالخلفاء الراشدون مرتبون على ما حصل ووقع أن الأحق هو: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، والمشهور عند أهل السنة أنهم أيضاً مرتبون في الفضل كترتيبهم في الخلافة فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، فهم مرتبون في الفضل على حسب ترتيبهم في الخلافة، وعلى حسب ما وقع من خلافتهم فكل واحد منهم أفضل من الذي يليه، وهذا هو المشهور عند أهل السنة، قد جاء عن ابن عمر رضي الله عنه: (كنا نخير ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، فنقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ولا ينكر ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام)، فدل على أن عثمان رضي الله عنه أفضل من علي، وقد جاء عن بعض العلماء أن علياً أفضل من عثمان، وعلى هذا وصف هؤلاء بالتشيع، ومثل هذا التشيع لا يؤثر؛ لأن مسألة التفضيل ليست مما يبدع بها، فقد قال بها جماعة من أهل السنة، ومن المعلوم أنه على هذا القول يجوز تولية المفضول مع وجود الفاضل على أن علياً أفضل على هذا القول، وعثمان ولي من قبل، لكن المشهور كما ذكرت عن أهل السنة والذي اتفق عليه الصحابة أنهم قدموا عثمان رضي الله عنه بالخلافة فهو أفضل عندهم، وأيضاً ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه من ذكر التخيير والتفضيل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لم ينكر ذلك عليهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكن من فضل علياً على عثمان من أهل السنة مثل عبد الرزاق، وابن جرير، والأعمش، وعبد الرحمن بن أبي حاتم فهؤلاء من المحدثين الثقات الحفاظ، ووصفهم بالتشيع لا يؤثر ما دام أن هذا هو السبب، وقد ذكر الذهبي في ترجمة ابن أبي حاتم في ميزان الاعتدال، وطريقة الذهبي في الميزان أنه يورد أشخاصاً تكلم فيهم بما لا يقدح، فيذكرهم ليدافع عنهم، وليبين أن ما قيل فيهم لا يضرهم، فيذكر الثقات بكل ما فيهم بغير قادح، وذلك من أجل الدفاع عنهم، ومنهم عبد الرحمن بن أبي حاتم، فإنه لما ذكره قال: أورده أبو الفضل السليماني في كتابه الضعفاء فبئس ما صنع، وقال: إن الذي عيب عليه هو ما نسب إليه من القول بتفضيل علي على عثمان، قال: وهذه مسألة لا تؤثر، وقد قال بها جماعة من أهل السنة وذكر جملة منهم الأعمش، ومنهم عبد الرزاق، ومنهم ابن جرير، وجماعة قالوا بتفضيل علي على عثمان، ومثل هذه لا يبدع فيها، وقد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر كتاب العقيدة الواسطية قال: التي يبدع فيها مسألة الخلافة، وأن من قال: إن علياً أولى بالخلافة من عثمان فهذا معناه أنه اعترض على المهاجرين والأنصار، وتكلم فيما حصل من المهاجرين والأنصار من تقديم عثمان على علي، وأما مسألة الأفضلية والفضل فقال: مثل هذه لا يبدع فيها؛ يعني: من قال بتفضيل علي على عثمان.
    فإذاً: فمثل هذا التشيع الذي نسب إلى عبد الرزاق وإلى أمثاله من العلماء من أجل تقديم علي على عثمان في الفضل لا يضرهم ذلك، ولا يؤثر ذلك عليهم، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني ثقة، حافظ، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري نزيل اليمن، وقد أكثر عبد الرزاق من الرواية عنه، بل إن صحيفة همام بن منبه التي تشتمل على مائة وأربعين حديثاً جاءت من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، فهو مكثر من الرواية عن معمر.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن زهرة بن كلاب محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو ثقة إمام حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام تابعي مشهور من فقهاء التابعين في المدينة، وهو أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين في مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذين عرفوا بهذا اللقب وهو الفقهاء السبعة، فعندما تأتي مسألة خلافية فيتفق رأيهم فيها فيقال: قال بها الفقهاء السبعة، فالفقهاء السبعة ستة منهم متفق على عدهم في السبعة، وواحد مختلف فيه على ثلاثة أقوال، والسبعة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وعروة هذا الذي معنا، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعروة بن الزبير هذا حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين التي حفظت الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا سيما فيما يتعلق في الأمور البيتية التي تتعلق بالبيوت، والتي تقع بين الرجل وأهله، والتي تقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهله، فإنها حفظت الكثير ووعت الكثير وحفظت للناس هذه السنن والأحاديث رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي التي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى في سورة النور، وهي المرأة الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، والذين عرفوا بكثرة الحديث عنه سبعة أشخاص ستة رجال وامرأة واحدة، ومر ذكرهم مراراً وتكراراً، ومنهم أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    شرح حديث: (أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب بيض ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة)].هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أثواب سحولية بيض ليس فيها قميص ولا عمامة)، يعني: ليس في هذه الثلاثة، وهذا هو الذي قال به جمهور العلماء من أن الثلاثة كلها ليس فيها قميص ولا عمامة، ومن العلماء من قال: إن القميص والعمامة تكون زائدة على الثلاثة، أي: ليست من جملة الثلاثة ولكنها زائدة عنها، والأظهر هو ما قاله الجمهور من أنه كفن بثلاثة، وما قيل كفن بخمسة أثواب، وإنما قيل كفن بثلاثة أثواب، فليس في الثلاثة الأثواب قميص ولا عمامة، هذا هو الذي كفن به رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو مثل الذي قبله، وهو بيان أن النبي عليه الصلاة والسلام كفن بثلاثة أثواب بيض سحولية، وفيه زيادة: [أنه ليس فيها قميص ولا عمامة].

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب بيض ...) من طريق ثانية

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور أبو عبد الله أحد أفراد السلسلة الذهبية التي هي أصح الأسانيد عند البخاري؛ وهي مالك عن نافع عن ابن عمر، فهو أحد أفرادها رحمة الله عليه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن عروة].
    هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عروة بن الزبير، وقد مر ذكره.
    [عن عائشة].
    قد مر ذكرها.

    شرح حديث: (كفن رسول الله في ثلاثة أثواب ...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا حفص عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض، يمانية، كرسف، ليس فيها قميص، ولا عمامة، فذكر لـعائشة قولهم: في ثوبين وبرد من حبرة، فقالت: قد أتى بالبرد ولكنهم ردوه، ولم يكفنوه فيه)].هنا ذكر النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، من طريق أخرى؛ [وهو أنه صلى الله عليه وسلم، كفن بثلاثة أثواب يمانية من كرسف بيض، ليس فيها قميص، ولا عمامة]، فهو مثل الذي قبله و(يمانية) يعني: هي السحولية؛ لأن السحولية نسبة إلى قرية في اليمن، وهنا يمانية نسبة إلى المقاطعة وإلى الجهة، وتلك نسبة أخص، وهذه نسبة أعم، والذي مر من كونها سحولية نسبة أخص، (ومن كرسف) يعني: هذه الثياب مصنوعة ومنسوجة من قطن.
    قوله: (ليس فيها قميص، ولا عمامة) مثل الذي قبله، فقيل لها: (أليس كفن في ثوبين وبرد حبرة؟) فقالت: (قد أوتي به ولكنهم لم يكفنوه به)، يعني: إنما كفنوه بثلاثة أثواب بيض، سحولية، ليس فيها هذا الذي أشير إليه، وإنما أوتي به ولكنهم لم يكفنوه به، بل كفنوه بالثلاثة الأثواب البيض السحولية اليمانية.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كفن رسول الله في ثلاثة أثواب ...) من طريق ثالثة

    أما الإسناد فهو نفس الإسناد الذي قبله إلا أن فيه حفصاً الذي يروي عنه قتيبة في هذا الإسناد، وهو حفص بن غياث النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ومن عداه مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

    الأسئلة



    ذكر أقوال العلماء في المفاضلة بين عائشة وخديجة

    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أفضل عائشة أو خديجة؟


    الجواب: عائشة وخديجة رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما اتفق على تفضيلهما على غيرهما، لكن أيهما أفضل؟ العلماء اختلفوا في ذلك؛ فمنهم من فضل خديجة، ومنهم من فضل عائشة، ومنهم من قال: إن أفضلية عائشة من جهة، وأفضلية خديجة من جهة؛ خديجة من جهة كونها نصرته وأيدته وأعانته في وقت شدته، وعائشة رضي الله عنها من جهة أنها حفظت سنته، وحفظت للناس هديه عليه الصلاة والسلام في أمور كثيرة، لا سيما فيما يتعلق في أمور البيت، وأذكر أنه جاء عن شيخ الإسلام ابن تيمية يعني: لا أدري فيهما أو في غيرهما مما يحصل فيه الاشتباه في التفضيل، فقال: أفضلهما أتقاهما لله، يعني: استويا في التقوى استويا في الدرجة. ما أدري هل قال هذا في المفاضلة بين خديجة، وعائشة أو بين الغني الشاكر والفقير الصابر.

    المقصود بالصورة في حديث: (ثم يأتيهم في صورته ...)

    السؤال: حفظكم الله يا شيخ! جاء في الحديث: (فيأتيهم في صورة غير صورته فيقول: ماذا تنتظرون؟ فيقولون: ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون.. كذا إلى أن قال: ثم يأتيهم في صورته)، فما هو مقصود الحديث؟


    الجواب: الحديث في الصحيحين وهو واضح من لفظه: (أنه يأتيهم في صورة غير صورته فيقولون: ليس ربنا، ثم يأتيهم في صورته التي يعرفونها فيقولون: أنت ربنا)، هذا هو لفظه، فلفظه واضح في بيان معناه، والصورة هي الصفة.

    كيفية الجمع بين حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس عراة) وحديث: (ويبعث الميت بثيابه)

    السؤال: فضيلة الشيخ! كيف يجمع بين الحديثين: (يحشر الناس يوم القيامة عراة) وقوله صلى الله عليه وسلم: (يبعث الميت في ثيابه)؟


    الجواب: البعث للميت في ثيابه أنا لا أدري أنه صحيح أو لا، فكما هو معلوم في الغالب أن الثياب أنها تبلى في القبور، (والناس يحشرون حفاة عراة غرلاً) كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض، قال: يا عائشة! الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك) فقضية حشر الناس في الثياب أنا لا أعرف عنه شيئاً.

    الأصل في المال الذي يشترى به الكفن

    السؤال: هل من الواجب أن يكون كفن العبد من ثمنه، ثم إذا دفع ثمن الكفن غير الميت هل يرد ماله له أو لا؟


    الجواب: الأصل أن كفن الإنسان هو من جملة المال من مال الإنسان، بل هو المقدم في ماله؛ لأن الأمور المتعلقة في التركة: هي التجهيز الذي مثل: الكفن، والحقوق المتعلقة بأعيان المال، ثم الديون العامة، ثم الوصايا، ثم الميراث، فالكفن هو المقدم على غيره من الحقوق، وإذا كان أحد كفن بأكفان من غيره وليست من ماله فيجوز وليس في ذلك بأس.

    معنى حديث: (ما قطع من البهيمة فهو ميت)

    السؤال: فضيلة الشيخ! حديث: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت) رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، ما المقصود بالحديث؟


    الجواب: يعني: ما أبين منه فإنه يعتبر ميتة، فإذا جاء الإنسان وقطع رجل البهيمة وهي حية فتعتبر هذه القطعة التي قطعها ميتة لا يجوز أكلها، هذا معنى (أبين) يعني: قطع، (ما أبين من حي فهو ميت)، يعني: إذا قطعت رجلها، أو قطع ثديها، أو قطع جزء من أجزائها وهي حية، طبعاً وهذا تعذيب للحيوان، ولكن هذا الذي حصل أو الذي قطع هو حرام؛ لأنه يعتبر ميتة، فلا يجوز أكله.

    صفة غسل الميت

    السؤال: حفظكم الله يا شيخ! ما هي صفة غسل الميت باختصار؟


    الجواب: مر بنا في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أنه يغسل، وأن يكون ذلك ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك حيث تقتضي الحاجة لذلك من حيث التنظيف، وكذلك مر بنا أنه يبدأ بأعضاء الوضوء والميامن، وأنه يجعل مع الماء شيء يتم به التنظيف من سدر أو صابون، ويكون ذلك وتراً، وحديث أم عطية رضي الله تعالى عنها وأرضاها الذي مر بنا من طرق متعددة هو الذي فيه التفصيل بكيفية تغسيل الميت.

    حكم الاستنجاء للميت

    السؤال: يا شيخ! هل يستحب الاستنجاء للميت؟

    الجواب: ذكر الميت وفرجه من جملة ما يغسل، وإذا كان فيه أشياء وآثار قذرة لا بد من إزالتها، ولكن أولاً: تزال النجاسة ويزال الموجود على جسده، ثم يوضأ، ثم تغسل الميامن، ثم المياسر.

    بيان حالة اجتماع غسل الميت والجنابة

    السؤال: إذا كان الميت على جنابة فهل يغسل غسل الجنابة؟

    الجواب: كما هو معلوم نفس التغسيل، التغسيل الذي يحصل له هو نفس تغسيل الميت؛ لأنه إذا حصل تغسيله فمعناه: أنه حصل التطهير، وزال ذلك الشيء الذي عليه، كما هو معلوم في قصة حنظلة عندما غسلته الملائكة وكان جنباً، فالتغسيل هو نفس تغسيل الميت.

    حكم ضغط البطن حال غسل الميت

    السؤال: يا شيخ! الله يحفظك، ذكر بعض الفقهاء أنه يضغط على بطنه، ويخرج ما فيه فهل يصح هذا؟


    الجواب: والله له وجه من جهة أنه قد يكون مثلاً إذا حصل أنه ما عمل هذا فإنه قد يخرج منه شيء بعدما يكفن، فيصير فيه توسيخ، لكن إذا كان خفيفاً بحيث إذا كان فيه شيء يخرج فهذا لا شك أن فيه مصلحة، وفيه فائدة حتى لا يخرج شيء بعد ذلك.

    ما يلزم من نسي سجود السهو

    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، من صلى الظهر ثم سلم من ركعتين، ثم تذكر فأتى بالباقي، ولكنه نسي السجود للسهو، ثم شرع في سنة الظهر؟


    الجواب: والله ما عليه شيء أبداً ما دام أنه شرع في سنة الظهر وهو لم يسجد فليس عليه شيء؛ لأنه ما ترك أمراً واجباً، وإنما الذي حصل أنه زاد في الصلاة؛ يعني: هذا السلام الذي في الوسط.

    حكم الأخذ بفتاوى ابن راهويه

    السؤال: هل يمكن الأخذ بفتاوى ابن راهويه والعمل بها؟


    الجواب: الإمام إسحاق بن راهويه هو كغيره من أهل العلم ما نقول أنه يؤخذ بفتاوى فلان ويعمل بها، وإنما يرجع إلى كلام أهل العلم، وينظر في أدلتهم، ومن كان عنده قدرة فإنه يتوصل إلى ما يتوصل إليه، ومن ليس عنده قدرة فإنه يسأل من عنده علم، وليس القضية أنه يروح يفتش في كلامه ثم يأخذ قوله، ثم يعمل به؛ لأنه قال به، وإنما القضية هي قضية البحث عن الحق بدليله، وابن راهويه إمام مجتهد، ومحدث فقيه، ومعروف في الفقه والحديث، ويستفاد من علمه، لكن ليس معناه أن الإنسان يبحث عن أقوال شخص معين ثم يأخذ بها.

    توجيه معنى: (الصفة لها كيفية والكيف مجهول)

    السؤال: كيف نقول: إن الصفة لها كيفية ثم نقول: إن الكيف مجهول أو نقول: بلا كيف كما جاء عن السلف؟


    الجواب: لا، هو الكيف فيه كيفية، الله تعالى يعلمها، لكن الكيفية المنفية هي الكيفية بالنسبة لنا، وأما الكيفية التي عليها الله تعالى هو الذي يعلمها سبحانه وتعالى، وهو (بلا كيف) يعني: لا نكيف، لا نقول: كذا وكذا، أو صفتها كذا وكذا أبداً، ولكن الكيف هو في نفس الأمر والواقع حاصل على الصفة التي الله تعالى يعلمها، لكن كوننا نقول: هي كذا وكذا وكذا فهذا الذي لا يجوز، فإذا قلنا: (بلا كيف) يعني: لا نكيف، لكن ليس معنى ذلك أنه ليس لها كيفية؛ لأنه لو قلنا: المعنى ليس له كيفية فمعناه: ما صار لها حقيقة.

    بيان ما ورد عن السلف من القول: أن الصفات حقيقية

    السؤال: هل ورد عن السلف أنهم زادوا لفظ (الحقيقة) بعد إثبات الصفات كما نقول مثلاً: لله عينان حقيقتان؛ لأن أهل البدع يعترضون على هذه الزيادة؟


    الجواب: هي جاءت كلمة (حقيقة) لما جاء أهل البدع بكلمة (مجاز)، أقول: لما أتى أهل البدع بكلمة (مجاز) أتى أهل السنة بكلمة (حقيقة)، مثل ما قالوا: القرآن غير مخلوق لما قال المبتدعة: القرآن مخلوق، فما احتاجوا إلى هذا إلا لما جاء القول الباطل، احتاجوا إلى أن يردوه، فكلمة (القرآن غير مخلوق) قالوها لما وجد من يقول: (القرآن مخلوق)، وكلمة (حقيقة) لما جاء أناس يقولون: (مجاز) ليس بحقيقة فقالوا: حقيقة.

    معنى البرد الحبرة

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما المقصود بالبرد الحبرة؟

    الجواب: نوع معين من اللباس.

    المقصود من العمامة والقميص في تكفين الميت

    السؤال: ما المقصود بالقميص؟ وما معنى ذكر العمامة هنا؟

    الجواب: القميص -كما هو معلوم- ما يلبس على سائر الجسد، والعمامة ما يكون على الرأس، فالمقصود من ذكره هنا أن الثلاثة الأثواب أثواب بيض ليست مخيطة، ليس فيها لا قميص ولا عمامة، يعني معناه: إذا كان فيها قميص وعمامة يكون واحد قميصاً وعمامة، والثالث: ليس هذا ولا هذا، ومراد الحديث أنها ثلاثة أثواب كلها بيض، وكلها سحولية، وأنها خالية من أن يكون فيها قميص، أو عمامة.

    حكم تكفين الميت بغير الأبيض

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم تكفين الميت بغير الأبيض؟


    الجواب: يجوز أن يكفن بغير الأبيض، ولكن الأفضل هو الأبيض.

    حكم زكاة الأرض المباعة بعد أن لم تكن عقاراً

    السؤال: فضيلة الشيخ! اشتريت قطعة لبنائها منزلاً، ثم تغيرت النية لبيعها وشراء منزل، فهل عليّ زكاة عند بيعها؟


    الجواب: لا، ما دام أنه ما عرضها للبيع ولكنه أعدها لأن يبني عليها، ثم بدا له أن يبيعها وأن يشتري مكانها منزلاً أو شيئاً آخر فليس عليه إلا إذا كان عرضها للبيع ومضى سنة وهي معروضة للبيع فعند ذلك يزكيها عند مضي كل سنة، أما مجرد كونه طرأ من أنه لا يريد بيعها، ثم أراد بيعها ولم يمض على هذه الإرادة سنة، فإنه لا زكاة فيها.

    حكم استعمال الصابون المعطر حال الإحرام

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل استخدام الصابون المطيب بحالة الإحرام جائز أو لا؟

    الجواب: لا يجوز للإنسان أن يستعمل الصابون المطيب وهو محرم؛ لأن الطيب لا يستعمله الإنسان لا في غسيل، ولا في شرب، ولا في اغتسال، وما إلى ذلك، فيتجنب الإنسان الطيب، أو استعمال الطيب حال إحرامه.

    حكم لبس الحفاظة لصغار السن في الإحرام

    السؤال: فضيلة الشيخ! أحرمت لابني بالعمرة وهو صغير السن فألبسته حفاظة خوفاً من تبوله؛ فهل علي شيء؟


    الجواب: هذه الحفائظ التي تجمع أطرافها وبدون أن تكون مثل السراويل، ومثل التبان هذه لا تؤثر، بأن تجمع أطرافها وتربط هذه ما يقال أنه لبس مخيطاً أو لبس اللباس المعتاد.





  16. #336
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (333)

    - (باب القميص في الكفن) إلى (باب المسك)

    لقد ثبت في السنة المطهرة أن القميص يجوز أن يكون كفناً أو من جملته، وأنه يجوز التكفين بأقل من ثوبين إن دعت الحاجة إلى ذلك، وأن المحرم يكفن بثوبيه ولا يطيب ولا يخمر رأسه لأنه يبعث يوم القيامة محرماً.
    القميص في الكفن

    شرح حديث: (لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى النبي فقال: أعطني قميصك حتى أكفنه فيه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القميص في الكفن.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا عبيد الله حدثني نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطني قميصك حتى أكفنه فيه، وصل عليه، واستغفر له، فأعطاه قميصه، ثم قال: إذا فرغتم فآذنوني أصلي عليه، فجذبه عمر وقال: قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين، فقال: أنا بين خيرتين: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [التوبة:80] فصلى عليه، فأنزل الله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84] فترك الصلاة عليهم)].
    يقول النسائي رحمه الله: القميص في الكفن. يعني: كون القميص يكون كفناً أو يكون من جملة ما يكفن به، أورد هذه الترجمة لبيان أن مثل ذلك سائغ، وإن كان الأولى والأفضل هو: ما كفن به رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة، لكن إذا جعل القميص، فإنه يسوغ لما جاء في هذا الحديث، ويمكن أن يقال: إن الذي جاء في الحديث إنما أريد به التبرك بقميصه صلى الله عليه وسلم، وأن هذا يكون شيئاً مخصوصاً يراد لخصوصه، ولا يراد به شيء غير ذلك، وعلى كل فإذا جعل قميصاً أو كفناً في قميص لا سيما إذا دعت الحاجة لذلك، فإنه لا بأس بذلك.
    وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، في قصة موت عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين، جاء ابنه عبد الله، وهو من خيار الناس، ومن خيار الصحابة، وطلب منه قميصه ليكفنه به وأن يصلي عليه، فأعطاه قميصه وقال: آذنوني إذا فرغتم، ثم إنه تقدم للصلاة عليه، فمسكه عمر وقال له: كيف تصل عليه وقد نهاك الله عن الصلاة على المنافقين، فقال: إنني بين خيرتين: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [التوبة:80] فصلى عليه، ثم إنه نزل بعد ذلك: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً [التوبة:84] وعلى هذا الرسول عليه الصلاة والسلام في قصة هذا المنافق صلى عليه، بل وذهب في جنازته كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا، وأعطى قميصه ليكفن به، فالنهي عن الصلاة على المنافقين كانت بعد ذلك، ثم إنه ترك الصلاة عليهم بعد ما نزلت عليه الآية.
    لكن يبقى إشكال وهو: على أي شيء استند عمر في قوله: قد نهاك الله عن الصلاة على المنافقين، وقوله: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً [التوبة:84] إنما نزلت بعد ذلك، لم تنزل قبل هذا؟
    أجاب عن ذلك بعض العلماء بأن المقصود منه: أنه فهم من النهي عن الاستغفار أي: الصلاة؛ لأن الصلاة هي استغفار، أو أن كلامه معه على سبيل السؤال والاستفسار، يعني: أليس قد نهاك الله عن المنافقين، فيريد أن يعرف الجواب من النبي عليه الصلاة والسلام، وكان الجواب منه أنه ما بين أمرين، عليه الصلاة والسلام.
    ثم إن الحكم بالنسبة للصلاة على المنافقين قد استقر ونزل القرآن بذلك، فلم يصل على أحد منهم عليه الصلاة والسلام، وعاملهم معاملة الكفار بأنه لا يصلى عليهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى النبي فقال: أعطني قميصك حتى أكفنه فيه ...)

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو عمرو بن علي الفلاس، وهو المحدث الناقد، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله في ذلك محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء أربعة هم من المحدثين الذين روى عنهم أصحاب الكتب الستة مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى].
    هو ابن سعيد القطان، المحدث الناقد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب الذي يقال له: العمري المصغر، هذا ثقة، من أثبت الناس في الرواية عن نافع، ويقال له: المصغر تمييزاً له عن أخيه عبد الله، لأن ذاك ضعيف وهذا ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني نافع].
    هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو من العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، هؤلاء أربعة أطلق عليهم لقب العبادلة الأربعة وإن كان في أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام من يسمى عبد الله كثير، إلا أن هذا اللقب اشتهر به هؤلاء الأربعة، وهم من صغار الصحابة، وكانوا في سن متقارب، وأدركهم من لم يدرك كبار الصحابة، وعبد الله بن عمر أيضاً هو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

    شرح حديث: (أتى النبي قبر عبد الله بن أبي... وألبسه قميصه ونفث عليه من ريقه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار عن سفيان عن عمرو قال: سمعت جابراً يقول: أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي، وقد وضع في حفرته فوقف عليه، فأمر به فأخرج له فوضعه على ركبتيه، وألبسه قميصه، ونفث عليه من ريقه والله تعالى أعلم].أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، الذي فيه تكفينه في القميص، أو إلباسه القميص، ولكن الحديث فيه أن هذا بعد ما وضع في اللحد فأخرج، وضعه على ركبتيه وألبسه قميصه، وهذا يخالف ما تقدم من أن ابنه عبد الله طلب منه قميصه فأعطاه إياه، وهذا يفيد أنه بعد ما وضع في اللحد أخرج وألبس القميص، وألبسه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، ففي هذا إشكال من حيث أنه يخالف ما تقدم من أن ذاك طلب القميص فأعطاه إياه، وهنا فيه أنه لما وضع في اللحد، فأخرج من اللحد، ووضعه النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه، وألبسه القميص، وقد أجاب العلماء عن هذا، أو وفق العلماء بين ما جاء في الحديثين، بأن ما جاء في الأول إنما هو وعد والتزام، وأنه سيعطيه إياه، وأنه في حكم المعطى إياه، وما حصل عند القبر هو تنفيذ لذلك الوعد، وعلى هذا يوفق بين ما جاء في الحديثين من ظهور التعارض، وأن الأول هو كونه أنعم، وتفضل، وأعطاه، ووعده، والثاني فيه التنفيذ، وأن ذلك حصل منه مباشرة حيث ألبسه إياه صلى الله عليه وسلم.
    وقيل: إنهما قميصان الأول قميص، والثاني قميص، معناه: أن الأول محمول على أنه أعطاه قميص، والثاني على أنه ألبسه قميصاً آخر، بهذا وفق العلماء بين ما جاء في هذين النصين المتعارضين فيما يتعلق بذلك القميص.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أتى النبي قبر عبد الله بن أبي... وألبسه قميصه ونفث عليه من ريقه)

    قوله:
    [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار].
    أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي. قال عنه: لا بأس به، وهي بمعنى صدوق عند الحافظ ابن حجر، وكلمة لا بأس به أو ليس به بأس، بمعنى واحد، ويكون صاحبها ممن يعتبر حديثه حسناً لذاته، أي: دون أن يحتاج إلى اعتضاد.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو].
    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، والذي مر ذكره آنفاً عند ذكر عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث جابر: (فلم يجدوا قميصاً يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أبي ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري البصري حدثنا سفيان عن عمرو سمع جابراً رضي الله تعالى عنه يقول: وكان العباس بالمدينة، فطلبت الأنصار ثوباً يكسونه فلم يجدوا قميصاً يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أبي فكسوه إياه].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه، من طريق أخرى، وفيه: بيان سبب إعطائه القميص أي: لـعبد الله بن أبي، وذلك أنه قد أخذ قميصه للعباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر لما جاء أسيراً في غزوة بدر وأسر، وبحثوا عن قميص يكسونه إياه، فلم يصلح له إلا قميص عبد الله بن أبي ابن سلول فأعطوه إياه، فيكون هذا القميص الذي كساه النبي صلى الله عليه وسلم، هو مكافأة له على ذلك القميص الذي لبسه عمه العباس.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (فلم يجدوا قميصاً يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أبي ...)

    قوله:
    [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري البصري].
    صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سفيان عن عمرو عن جابر].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (فلم نجد شيئاً نكفنه فيه إلا نمرة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن الأعمش (ح) وأخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا يحيى بن سعيد القطان سمعت الأعمش سمعت شقيقاً حدثنا خباب رضي الله تعالى عنه قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله تعالى فوجب أجرنا على الله، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئاً، منهم: مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم نجد شيئاً نكفنه فيه إلا نمرة، كنا إذا غطينا رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه خرج رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي بها رأسه ونجعل على رجليه إذخراً، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها، واللفظ لـإسماعيل].أورد النسائي حديث خباب بن الأرت رضي الله تعالى عنه، الذي يبين فيه أنهم هاجروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم يبتغون وجه الله، وأنه وجب أجرهم على الله، وأن منهم من تعجل، أو من حصل له شيء من الفوائد العاجلة في الدنيا، التي هي الغنائم التي حصلت بسبب الجهاد، وهذا من الثواب المعجل الذي يعجله الله للإنسان في الدنيا قبل الآخرة، ومنهم من لم يحصل شيئاً من ذلك، وكان نصيبه مدخراً له في الآخرة، ومن الذين ماتوا قبل أن يحصلوا شيئاً من الدنيا مصعب بن عمير، عندما استشهد يوم أحد، فوجدوا نمرة، إن غطوا بها رأسه خرجت رجلاه، وإن غطوا بها رجليه خرج رأسه، فالنبي عليه الصلاة والسلام أمر بأن يغطى رأسه، وأن يجعل على رجليه إذخراً، فقدم الرأس وما يليه، لكن من المعلوم أنه لو لم يوجد إلا ما يستر العورة، فإن العورة تستر، ويجعل على سائر الجسم شيئاً من الإذخر أو غيره من النبات، وهذا الحديث فيه أنه يخرج الرجلان أما العورة مستورة، ولكن الأمر دائر بين خروج الرأس وبين الرجلين؛ لأنها إن وضعت من جهة الرأس خرجت الرجلان، وإن وضعت من جهة الرجلين خرج الرأس، فأمرهم بأن يقدموا الرأس وما يليه، وأن الرجلين يوضع عليهما شيئاً من الإذخر، وهذا يدل على القلة والفاقة، وعدم وجود شيء عند الناس.
    وذكر النمرة في باب القميص هذا هو محل إيراد الحديث في الترجمة، ولعلها من قبيل القميص الذي إن وضع من جهة الرأس وغطي الرأس به خرجت الرجلان، وإن وضع من جهة الرجلين وغطيت الرجلين خرج الرأس، ووجه إيراده في الترجمة من جهة أنها نمرة، ولعل المقصود منه: أنها كانت على هيئة القميص، أو أنها قميص.
    وقوله: [(هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبتغي وجه الله تعالى فوجب أجرنا على الله)].
    أي: هاجروا مع النبي عليه الصلاة والسلام يبتغون وجه الله عز وجل، ولهذا تركوا أموالهم وديارهم كل ذلك ابتغاء وجه الله عز وجل، ونصرة النبي عليه الصلاة والسلام، والله تعالى وصف المهاجرين بقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ )[الحشر:8] ووصفهم بأنهم فقراء؛ لأنهم خرجوا بدون مال فصاروا فقراء، فقال: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )[الحشر:8] يعني: خرجوا لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم والجهاد معه عليه الصلاة والسلام.
    فقال: (فوجب أجرنا على الله)، يعني: ثبت الأجر على هذا العمل الذي يريدون به وجه الله عز وجل، لكن هناك من تعجل شيئاً من أجره، وتحصل الفوائد على هذه الأجرة وهي: حصول شيء من الدنيا عن طريق الغنائم، ومنهم من استشهد قبل أن يحصل شيئاً من هذه الدنيا، وذكر منهم: مصعب بن عمير الذي ما وجدوا شيئاً يغطي جسده كله عندما توفي واستشهد، فجعلوا إذا غطوا رأسه خرجت رجلاه وإذا غطوا رجليه خرج رأسه، فأمرهم بأن يقدموا رأسه وما يليه، ويجعلوا على رجليه إذخراً.
    قوله: [(ومنا من أينعت له الدنيا فهو يهدبها)]، يعني: نضجت مثل الثمار إذا استوت وانتفع أهلها بها، فهو يهدبها أي: يقطفها، ويجنيها ويستفيد منها، ومعنى ذلك: أن هؤلاء حصلوا شيئاً من الدنيا، وهذا من أجور أعمالهم الصالحة، ولكن من مات ولم يحصل شيئاً، فإنه يحصل الأجر كاملاً عند الله عز وجل؛ لأن أجره إنما حصل في الآخرة، ولم يحصل شيئاً من الأجور الدنيوية التي هي الغنائم، التي يستفيد منها الإنسان ويحصلها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (فلم نجد شيئاً نكفنه فيه إلا نمرة ...)

    قوله:
    [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].
    هو عبيد الله بن سعيد السرخسي، وهو ثقة مأمون سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [عن يحيى].
    هو ابن سعيد القطان، وقد مر ذكره.
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [(ح) وأخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    أتى بحاء التحويل وهي: التحول من إسناد إلى إسناد آخر، وإسماعيل بن مسعود، بصري ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يحيى بن سعيد القطان].
    وهنا نسبه في الطريق الثانية. ففي الطريق الأولى ذكر يحيى مهملاً غير منسوب، وفي الطريق الثانية وهي: طريق إسماعيل بن مسعود منسوب، قال: يحيى بن سعيد القطان وقد مر ذكره.
    [سمعت الأعمش].
    وهو الذي مر ذكره في نفس الإسناد.
    [سمعت شقيق].
    هو ابن سلمة أبو وائل الكوفي وهو ثقة مخضرم، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، ومشهور باسمه شقيق، وكنيته أبو وائل، وكثيراً ما يأتي في الأسانيد أبو وائل ولا يذكر شقيق، فيأتي ذكره أحياناً باسمه وأحياناً بكنيته.
    ومعرفة كنى المحدثين هي نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر باسمه في بعض الروايات وذكر بكنيته في بعض الروايات فلا يظن أن أبا وائل غير شقيق، لكن من يعرف أن أبا وائل كنية لـشقيق لا يلتبس عليه الأمر، سواء وجد شقيقاً أو وجد أبا وائل، ومثل ذلك أيضاً لقب الأعمش ولكن من يعرف أن سليمان بن مهران يلقب الأعمش، فإن جاء ذكر سليمان أو جاء ذكر الأعمش لا يلتبس عليه الأمر ويعرف أنه شخص واحد، وشقيق من المخضرمين وهو من الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يلقوا النبي صلى الله عليه وسلم.
    [عن خباب].
    هو: خباب بن الأرت صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من الذين عذبوا في سبيل الله عز وجل وأوذوا في سبيل الله، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    كيف يكفن المحرم إذا مات

    شرح حديث: (وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف يكفن المحرم إذا مات.أخبرنا عتبة بن عبد الله حدثنا يونس بن نافع عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغسلوا المحرم في ثوبيه اللذين أحرم فيهما، واغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة محرماً)].
    ثم ذكر هذه الترجمة وهي: كيف يكفن المحرم إذا مات، وأورد فيه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وذلك في قصة الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكفن في ثوبيه وأن لا يمس طيباً، وألا يخمر رأسه أي: يغطى رأسه، ويكفن في ثيابه، ويكون رأسه مكشوفاً، ولا يمس طيبا، يعني: يعامل في حالة موته ما يعامل في حالة حياته وهو محرم؛ لأن المحرم لا يغطي رأسه، ولا يمس الطيب، فكذلك إذا مات وهو محرم، فإنه يغسل، ولكنه لا يمس بالطيب، ولا يطيب، ولا يغطى رأسه، بل يكفن، ويغطى سائر جسده بثوبيه الإزار، والرداء، ويكون رأسه مكشوفاً، وهذا معنى قوله: [(لا تخمروا رأسه)] أي: لا تغطوه؛ لأن التخمير هو: التغطية، والخمار يكون للنساء، لأنه يغطيهن، ويسترهن، والتخمير هو: الستر فيكون المعنى: لا تغطوا رأسه بل اجعلوه مكشوفاً كحالته، وهو حي، وقوله: [(اغسلوا المحرم في ثوبيه)]، لعل المقصود من ذلك أنه عندما يراد تغسيله، يغطى جسده، فيغسل من تحت الثياب، فإنه بذلك يكون في ثوبيه، ويكفن في ثوبيه أي: الإزار والرداء.
    وقوله: [(إنه يبعث يوم القيامة محرماً)] يعني: أنه يبعث على ما مات عليه، مات محرماً، فيبعث محرماً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه ...)

    قوله:
    [أخبرنا عتبة بن عبد الله].
    هو عتبة بن عبد الله المروزي، وهو صدوق، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا يونس بن نافع].
    صدوق يخطئ، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن عمرو بن دينار].
    هو عمرو بن دينار المكي وقد مر ذكره.
    [عن سعيد بن جبير].
    هو المحدث الفقيه ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو مثل عبد الله بن عمر في كونه من العبادلة الأربعة، وكونه من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    المسك

    شرح حديث: (أطيب الطيب المسك)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [المسك.أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود وشبابة قالا: حدثنا شعبة عن خليد بن جعفر سمع أبا نضرة عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أطيب الطيب المسك)].
    ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: المسك، يعني: التطيب بالمسك أو استعمال المسك، والطيب الذي هو: المسك أورده بعد الترجمة السابقة، لعله لما ذكر الترجمة السابقة وهي: أن المحرم لا يطيب، وأن الذي ليس بمحرم يفهم منه أنه يتطيب ويمس الطيب، وإنما الذي يمنع من الطيب هو المحرم، ذكر بعد ذلك أطيب الطيب، وأحسن الطيب، وخير الطيب الذي هو المسك، ولعل هذا هو وجه إيراد الحديث هنا بعد الترجمة السابقة، الترجمة السابقة فيها الدلالة بمنطوقه على أن المحرم لا يطيب، وبمفهومه على أن غير المحرم يطيب، وما دام أن المحرم يطيب فبأي شيء يطيب، وما هو أحسن الطيب؟ أتى بالترجمة التي هي: المسك، وأن (أطيب الطيب المسك) أو من خير الطيب المسك، فأورد تحت ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(أطيب الطيب المسك)]، وجاء في الرواية الثانية: [(من خير طيبكم المسك)] يعني: فيكون من أطيب الطيب، ومن خير الطيب الذي يتطيب به.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أطيب الطيب المسك)

    قوله:
    [أخبرنا محمود بن غيلان].
    هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا أبو داود وشبابة].
    أبو داود، هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    وشبابة بن سوار ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري وهو ثقة ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن خليد بن جعفر].
    صدوق، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [سمع أبا نضرة].
    هو المنذر بن مالك البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي سعيد].
    أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري مشهور بكنيته ونسبته، وهو صحابي مشهور، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد مر ذكرهم.

    حديث: (من خير طيبكم المسك) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن الحسين الدرهمي حدثنا أمية بن خالد عن المستمر بن الريان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خير طيبكم المسك)]. قوله: [أخبرنا علي بن الحسين الدرهمي].
    صدوق أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن أمية بن خالد].
    صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن المستمر بن الريان].
    ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبي نضرة عن أبي سعيد].
    وقد مر ذكرهما.


    الأسئلة

    مدى اعتبار كل ما له رائحة من الطيب

    السؤال: يا شيخ! حفظكم الله، حديث ابن عباس فيه: (اغسلوا المحرم في ثوبيه) السدر له رائحة طيبة، فهل يدل على أنه ليس كل ما له رائحة يعتبر من الطيب؟


    الجواب: لا، السدر ليس من الطيب، وليس كل ذي رائحة يعتبر طيباً.

    ضابط جعل ذوات الرائحة كالصابون طيباً


    السؤال: ما هو ضابط الطيب؛ لأنه قد يعترض بعضهم على الصابون المطيب ويقول: أيضاً له رائحة؟

    الجواب: الصابون المطيب لا شك أنه من الطيب، والإنسان لا يجوز له أن يستعمل الطيب لا في غسل، ولا في شرب، ولا في دهان، أو ما إلى ذلك، بل يتجنبه الإنسان من جميع الوجوه.

    حكم التكفين بأقل من ثلاثة أثواب

    السؤال: يا شيخ! حفظكم الله، قوله: (وكفنوه في ثوبيه) يدل على جواز التكفين بأقل من ثلاثة أثواب؟

    الجواب: نعم، يدل على ذلك، لكن الأكمل، والأفضل أن يكون في ثلاثة، وأما بالنسبة للمحرم فهو يكفن في ثيابه، وهما ثوبان: الإزار والرداء.
    وإذا كان الأمر يحتاج إلى الزيادة عليهما يمكن ذلك؛ لأنه كما هو معلوم أن الإنسان في حال إحرامه إذا احتاج إلى أن يضيف شيئاً من أجل الدفء بأن يكون مثلاً زيادة إزار، أو زيادة رداء فليس فيه بأس بحيث يضيف ذلك عند الحاجة كخوف البرد، ولا مانع بأن يضيف إلى ذلك شيئاً غير الإزار، بأن يتزر بإزارين، ويرتدي برداءين إذا احتاج إلى ذلك.

    دخول الوجه في الرأس في قوله: (لا تخمروا رأسه)

    السؤال: هل قوله: (لا تخمروا رأسه) يدخل فيه الوجه؟


    الجواب: نعم يدخل فيه الوجه لا شك.
    والمحرم لا يغطي وجهه، لكن كما هو معلوم في حال الوفاة يترك رأسه كله، والمعنى أنه لا يغطى وجهه ورأسه يكون مكشوفاً، وإنما لا يغطى رأسه بما فيه الوجه، وأما بالنسبة لحال الإحرام كونه يغطي وجهه بشيء أو كذا ليس فيه مانع، وإنما المانع أنه ما يغطي رأسه.

    دخول الكافور ضمن الطيب

    السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تمسوه بطيب) هل يدخل فيه الكافور؟


    الجواب: كما هو معلوم كل ما يقال له طيب، وكل ما يعتبر طيباً فيدخل في ذلك، ولهذا هنا هو ما ذكر الكافور وإنما ذكر الماء والسدر.

    معنى النفث في حديث جابر: (ونفث عليه من ريقه ...)

    السؤال: قول الراوي في حديث جابر: (ونفث عليه من ريقه) ما معنى ذلك؟الجواب: كونه نفث عليه يعني: مثل الرقية، هذا هو معناه.

    نقصان الأجر في الآخرة بتعجيل النفع في الدنيا

    السؤال: يا شيخ! هل يكون تعجيل بعض النفع في الدنيا بسبب العمل الصالح ينقص من الأجر في الآخرة؟


    الجواب: لا شك أن من لم يحصل شيئاً من الدنيا فإنه يحصل الأجر كاملاً، وأما من حصل شيئاً من الدنيا فلا شك أنه أقل منه، وقد ورد حديث في الجهاد بهذا المعنى.

    رفع اليدين عند التكبيرات في صلاة الجنازة

    السؤال: يا شيخ! حفظكم الله، ما هو الصحيح الموافق للدليل في مسألة رفع اليدين في التكبيرات في صلاة الجنازة، فهل ترفع اليدين مع كل تكبيرة أو لا، أرجو بيان ذلك مع الدليل؟


    الجواب: الذي يظهر أنها ترفع الأيدي، وقد جاء عن عبد الله بن عمر موقوفاً عليه، وجاء عنه مرفوعاً من طريق عمر بن شبة صاحب تاريخ المدينة، وهي زيادة من ثقة فتقبل ويعول عليها، فترفع الأيدي بالتكبير في الجنازة في جميع التكبيرات.

    مدى قدح الإرسال والتدليس في الثقة

    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، هل الإرسال والتدليس في الراوي الثقة قدح فيه، وكيف نتعامل مع السند؟


    الجواب: ليس قدحاً في الراوي مطلقاً، وإنما فيه قدح في الرواية التي فيها الإرسال والتدليس؛ لأن الرواية التي فيها التدليس إذا كان في غير الصحيحين فيحتاج إلى أن يعرف التصريح بالسماع في موضع آخر، ففيه قدح في الرواية التي فيها التدليس، لأنه يحتاج إلى أن يبحث هل صرح فيها بالسماع في موضع آخر، وأما سائر رواياته لا تؤثر عليها الرواية التي حصل فيها التدليس، بل المطلوب أن يعرف بأن فيه اتصالاً وليس فيه انقطاع، فإذا وجد فإنه لا يؤثر على روايته أي: المدلس، وكذلك المرسل.

    الفرق بين روي ورينا ومعناهما

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما معنى لفظ: روينا التي يقولها بعض أهل الحديث، وأين نجدها في مصادر كتب الحديث؟ وما الفرق بينها وبين روي؟


    الجواب: والله ما أدري أين توجد، لكن يأتي استعمالها روينا.
    كلمة (روي) معروف بأنها من قبيل الصيغة التي فيها تمريض وما يكون جاء من طريق صحيحة لا يصلح أن يعبر عنه بروي؛ لأنه قد يفهم منه بأن فيه شيئاً من الضعف، وأن فيه تمريضاً، فهذه الكلمة روي وذكر، ويقال، ويذكر، هذه صيغ تمريض، يعني: الحديث الصحيح لا ينبغي أن يذكر بهذه الصيغ ويعبر عنه بها.

    حكم إخراج الميت من قبره عند الحاجة

    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، هل حديث إخراج عبد الله بن أبي ابن سلول من القبر فيه دليل على جواز إخراج الميت من قبره لضرورة ما؟

    الجواب: نعم، فيه دليل على ذلك، لكن هل هذا معناه بعد الدفن؟ ما أدري هل ورد شيء يدل عليه، لكن الذي يفهم أنهم عندما وضعوه في اللحد أخرجوه وكان تابعاً لجنازته، يعني: فألبسه قميصه، لكن المقبور إذا احتيج إلى إخراجه لأمر يقتضي ذلك فليس فيه بأس، مثل أن يخشى عليه من الجرف كما حصل لـعبد الله بن حرام والد جابر بن عبد الله، فإنه دفن لما استشهد في أحد، في مكان قريب من الوادي فخشي ابنه أن يجترفه السيل، وأن يصل إلى القبر، ويجترف الجسد، فنبشه بعد ستة أشهر ودفنه في مكان آخر، وجاء فيه أنه وجده كما كان يوم دفنه ولم يتغير.

    إثبات صفة الملل لله استدلالاً بحديث: (إن الله لا يمل حتى تملوا)

    السؤال: فضيلة الشيخ! في حديث: (إن الله لا يمل حتى تملوا) هل فيه دليل على إثبات صفة الملل لله عز وجل؟


    الجواب: أبداً، لا يدل على إثبات صفة الملل، وإنما المراد به: أنه حتى لو مللتم ولو حصل منكم الملل، فإن الله لا يمل، فليس فيه إثبات صفة الملل لله عز وجل.

    ما يفعله من فاتته بعض تكبيرات صلاة الجنازة

    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، كيف يقضي من فاتته بعض تكبيرات الجنازة؟


    الجواب: يقضيها بأن يكبر، ويدعو دعاء قصيراً بينها ويسلم؛ لأن الجنازة ترفع لا تبقى أمامه وهو يصلي، وإنما يكبر التكبيرات التي بقيت عليه ويدعو بينها: الله أكبر، اللهم اغفر له، الله أكبر، اللهم اغفر له، والجنازة تذهب في الحال.

    مقدار زكاة خمس وثلاثين من الإبل

    السؤال: فضيلة الشيخ! كم زكاة خمس وثلاثين من الإبل؟

    الجواب: خمس وثلاثون من الإبل فيها بنت مخاض؛ لأنه من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين فيها بنت مخاض، فإذا زادت واحدة يصير فيها بنت لبون.

    حكم الزكاة في الراحلة


    السؤال: هل الراحلة فيها زكاة؟

    الجواب: ما المقصود بالراحلة؟ إذا كان المقصود بذلك التي يرحلها، ويقتنيها ويستخدمها فهذه ليس فيها زكاة، وإن كان المقصود من ذلك شيئاً آخر فلا أدري؛ لأنه ليس على المسلم في فرسه، وعبده صدقة، فالشيء الذي يستخدمه، ويستفيد منه في الاستعمال هذا ليس فيه صدقة، وليس فيه زكاة.
    فمثلاً السيارة، ليس فيها زكاة، ما دام أنه يؤجرها، أو ينقل عليها بضائع فليس فيها زكاة، وإنما الزكاة فيها إذا أعدها للبيع، أو كانت سائمة ترعى، إذا كانت معدة للبيع فهذه التي فيها زكاة، وأما إذا كانت للاستعمال أو للتأجير فليس فيها زكاة.

    مدى جواز قول القائل: إن أحد العلماء المتوفين لعل الغرض يتم ببركته، وبقصده الصالح؟

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل هناك محذور في قول القائل: إن أحد العلماء المتوفين لعل الغرض يتم ببركته، وبقصده الصالح، ويذكر بأن هذه العبارة قالها ابن السبكي في والده في كتابه المنهاج؟


    الجواب: والله أقول: ما ينبغي التعبير بمثل هذه العبارة.


  17. #337
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (334)

    - باب الإذن بالجنازة - باب السرعة بالجنازة

    بيّن الشرع الحكيم جواز الإذن بالجنازة أي الإعلان بها، وحث على الإسراع بالجنازة، وأن هذا ما كان عليه في زمن النبي عليه الصلاة والسلام.
    الإذن بالجنازة

    شرح حديث: (إذا ماتت فآذنوني ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الإذن بالجنازة.أخبرنا قتيبة في حديثه عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه (أنه أخبره أن مسكينة مرضت، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المساكين، ويسأل عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ماتت فآذنوني، فأخرج بجنازتها ليلاً، وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان منها، فقال: ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟ قالوا: يا رسول الله، كرهنا أن نوقظك ليلاً، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب الإذن في الجنازة، المقصود من هذه الترجمة: الإخبار بالجنازة حتى يصلى عليها، وقد أورد النسائي رحمه الله، حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه في قصة المسكينة التي مرضت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعودها وكان يعود المساكين، وهي من جملتهم، فأمرهم أن يخبروه عنها إذا ماتت وذلك ليصلي عليها صلى الله عليه وسلم، وكانت قد ماتت في الليل، وذهبوا بها ودفنوها، ولم يخبروا النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم كرهوا أن يوقظوه، وأن يخبروه بذلك، فلما أصبح أخبر عنها، وقال: ألم آمركم أن تخبروني وتؤذنوني، فقالوا: إنا كرهنا أن نوقظك، فذهب وصف على قبرها معه جماعة من أصحابه وصلى عليها.
    المقصود من الحديث هو قوله: (آذنوني)، يعني: أخبروني، وهذا يدل على جواز الإخبار عن الميت إذا مات حتى يصلى عليه، وحتى يعلم الناس أو بعض الناس ممن يهمهم ذلك بوفاته.
    فلو أخبر بعض أئمة المساجد عن جنازة معينة، بأنه سيصلى عليها في الوقت الفلاني في المسجد النبوي أو في غير ذلك، فإن هذا لا بأس به، وهذا الحديث يدل على ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بأن يخبر عن وفاتها إذا ماتت حتى يصلي عليها، فدل هذا على أن مثل ذلك سائغ، وفي ذلك فائدة كبيرة، ومصلحة عظيمة حتى يصلي عليه كثير من الناس، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث.
    والحديث فيه: بيان ما كان عليه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام من الرأفة والرحمة بالمساكين، والتواضع لهم، وأنه كان يعود المساكين في مرضهم، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لم يخبروا النبي عليه الصلاة والسلام بوفاتها مع أمره إياهم بذلك؛ لأنهم كرهوا أن يطرقوا عليه، ويوقظوه من نومه ليخرج معهم إلى البقيع لدفن هذه الجنازة، والنبي عليه الصلاة والسلام لما لم يصل عليها قبل دفنها، فإنه ذهب وصلى معه جماعة من أصحابه على قبرها، وهذا يدلنا على أنه يجوز لمن فاتته الصلاة على الجنازة أن يصلي عليها على القبر بعد دفنها بمدة وجيزة، أما إذا طال الأمد وبعد العهد في الوفاة، فإنه لا يصلى عليها، ولكن يدعو الإنسان لصاحبها بدون صلاة، أما إذا كان الدفن حديثاً والعهد قريباً، فإنه يصلى عليها لفعل النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، هذا وهو كونه ذهب وصلى عليها، ولا يقال: إنه لم يصلَّ عليها فلذلك صلى عليها رسول الله، بل هذه صلاة أخرى، وصلاة ممن لم يصل، وإلا فمن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لا يدفنونها بدون أن يصلوا عليها، فقد علموا الصلاة على الجنازة.
    قوله: [(أن مسكينة مرضت، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المساكين ويسأل عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ماتت فآذنوني، فأخرج بجنازتها ليلاً وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
    وفيه: دليل على جواز الدفن بالليل، ولكن الدفن بالنهار أولى ليكون فيه كثرة المصلين، بخلاف الليل، فإنه إذا مات الميت في الليل، ثم صلي عليه، والناس نائمون وذهب به ودفن، لا يحصل أن يصلي عليه مثل من يصلي عليه ما لو كان ذلك في النهار.
    وقوله: [(فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان منها، فقال: ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟ قالوا: يا رسول الله، كرهنا أن نوقظك ليلاً، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها، وكبر أربع تكبيرات)].
    وفيه: أيضاً دليل على أن عدد التكبيرات في الجنازة أربعة، وهذا هو الغالب على فعله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي فعله الخلفاء الراشدون من بعده، وإلا فإنه جاء زيادات على الأربع في أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي هو غالب والذي عمل به الخلفاء أربع تكبيرات.
    ثم أيضاً في قوله: (كرهوا أن يوقظوه) أي: أن يشقوا عليه بالذهاب في ليلة ظلماء.
    وفيه: ما يدل على بطلان ما يقوله بعض الذين يغلون في الرسول عليه الصلاة والسلام، والذين يقولون: إنه لا ظل له، وأنه إذا كان يمشي في الشمس، فإنه لا يكون له ظل، لأن نوره يقابل نور الشمس فلا يكون له ظل، فإن هذا من الغلو في الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو كان الأمر كذلك لما كان بحاجة إلى أن يكره أن يذهب في الظلام، وإذا مشى عليه الصلاة والسلام في الطريق يكون مضيء إضاءة حسية، والأمر ليس كذلك، بل نوره، وإشراقه، نور العلم، والإيمان، والحق، والهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم، وإلا فإنه يكون يمشي في الظلام، ولا يقال: أنه لا يكون هناك ظلام ما دام أنه موجود؛ لأنه يضيء كما تضيء المصابيح، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أنه كان يصلي في حجرتها، وكان البيوت ليس فيها مصابيح، فإذا سجد غمزها حتى تؤخر رجلها، فإذا قام يصلي، مدت رجلها، ولو كان الأمر كما يقول هؤلاء الغلاة لما احتيج إلى أن يقول: والبيوت ليس فيها مصابيح، لأنه يكون مضيئاً، يعني: لكل ما حوله، ولا يكون هناك ظلام مع وجوده صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا ماتت فآذنوني ...)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، والجماعة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن زهرة بن كلاب يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم في كلاب، وقصي وزهرة أخوان وهما أبناء كلاب، وهو مشهور بالنسبة إلى زهرة فيقال: الزهري ومنسوب إلى جده شهاب فيقال: ابن شهاب، وهو إمام، فقيه، ومحدث جليل، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، كما قال السيوطي في الألفية:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
    والمراد بهذه الأولية بالنسبة للجمع الذي يكون بتكليف من السلطان وولي الأمر، وإلا فإن الجمع والكتابة التي تكون بجهود فردية، وبأعمال خاصة هذا موجود من قبل ذلك، وفي الصحابة من كان يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك في التابعين، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه هو ممن كان يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه.
    فإذاً: الجمع الذي قام به عمر أو الأولية التي حصلت من عمر هي بالنسبة لعمل السلطان والتكليف من ولي الأمر، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف].
    وأبو أمامة رضي الله تعالى عنه، مشهور بكنيته واسمه: أسعد، قيل: إنه سمي باسم جده أسعد بن زرارة جده لأمه هو أسعد بن سهل بن حنيف، وهو معدود في الصحابة وله رؤية ولم يسمع من النبي عليه الصلاة والسلام، فحديثه من قبيل المرسل، ولكن أمثاله الغالب إنما كانوا يأخذون عن الصحابة الذين سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    السرعة بالجنازة

    شرح حديث: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [السرعة بالجنازة.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن مهران أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل يعني: السوء على سريره قال: يا ويلي أين تذهبون بي)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: السرعة بالجنازة، أي: الإسراع بدفنها إذا ماتت، فتجهز، وإذا حملها الناس يسرعون بها، لكن الإسراع الذي لا يحصل به مضرة بحيث يصير فيه سقوطها، أو إضرار بعضهم ببعض، يعني: لا يكون المشي بطيئاً، وإنما يكون سريعاً السرعة التي لا يحصل بها مضرة لا على الناس، ولا على الجنازة بحيث تسقط.
    وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل يعني: السوء على سريره قال: يا ولي أين تذهبون بي؟) قوله: الرجل هنا ليس له مفهوم، بل النساء كذلك، وليس هذا خاصاً بالرجال، ولكن ذكر الرجل؛ لأن الغالب على الخطاب وعلى التكاليف أنه يخاطب بها الرجال، وأنه يذكر بها الرجال، وإلا فإن الأصل أن النساء مثل الرجال، إلا إذا جاء شيء يدل على اختصاص الرجال عن النساء، فعند ذلك يصار إلى ما دل على الاختصاص، أما حيث لا دليل على الاختصاص، فإنه يستوي الرجال والنساء كما هنا، فإذا وضع الرجل ليس له مفهوم، وكذلك مثله إذا وضعت المرأة على السرير أي: على النعش، لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، وقد جاء في نصوص كثيرة يعني: تأتي الأحكام مضافة إلى الرجال، وليس المقصود بذلك خصوص الرجال، ومثل ذلك الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) فقوله: (إلا رجل) ليس له مفهوم، بل مثله المرأة التي كانت تصوم مثل الإثنين والخميس وصادف أن الإثنين والخميس يوم (30) من شعبان أو (29) من شعبان فإن الرجال والنساء في ذلك سواء، وكذلك الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجد متاعه عند رجل، قد أفلس فهو أحق به من الغرماء) فكذلك المرأة إذا كانت مدينة، وأفلست ووجد المبيع عند المرأة، فإن الحكم كذلك، فذكر الرجال في بعض النصوص، ليس له مفهوم، وذلك أن الغالب على الخطاب إنما هو للرجال، فهذا من هذا القبيل.
    فقوله: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني) يعني: قدموه إلى القبر أسرعوا به إلى القبر، وإذا كان بخلاف ذلك والعياذ بالله، قال: يا ولي أين تذهبون بي؟ وهذا يدلنا على أن الصالح والطالح كل منهما يعرف مصيره ويعرف حاله وهو بين أهله قبل أن يصل إلى قبره؛ لأن الرجل الصالح يقول: قدموني قدموني للشيء الذي بشر به، والذي بخلاف ذلك يقول: يا ويلي، وقد جاء في النصوص ما يدل على حصول ذلك من قبل عند خروج الروح، كما في حديث البراء بن عازب الطويل الذي فيه تفصيل ذلك، قال: (وأن الرجل إذا كان في إقبال من الآخرة وإدبار من الدنيا، أتته ملائكة بيض الوجوه، ومعهم كفن من الجنة، وحنوط من الجنة، فيكونون حوله، فيقول الملك: اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان، ورب غير غضبان، فتخرج تسيل كما يسيل القطر من في السقاء، وكذلك عكسه إذا قيل لها: اخرجي إلى سخط وإلى غضب تتفرق في الجسد فيستخرجونها من الجسد كما يستخرج السفود من الصوف المبلول) وهي: الحديدة التي فيها أشواك إذا أدخلت في الصوف، ثم جرت منه ونزعت، فإنها لا تخرج إلا بتمزق ما يقابل تلك الأشواك التي هي معترضة، فيعلم الإنسان مصيره من أول وهلة من حين ما يخرج من هذه الحياة الدنيا يجد البشارة بالخير أو يجد البشارة والعياذ بالله بالسوء وبالعذاب.
    وسيأتي في الحديث أنه يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه الإنسان لصعق، يعني: أن الله عز وجل جعل هذا الصوت يسمع، ولكن الله تعالى أخفاه على بني الإنسان، لأن الإنسان لو سمعه لصعق.
    وأيضاً من الحكمة في إخفاء ذلك التمييز بين من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني)

    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].
    هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب بعد ما ذكر جملة من صفاته الحميدة: جمعت فيه خصال الخير. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي ذئب].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد المقبري].
    هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن مهران].
    هو عبد الرحمن بن مهران المدني، وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم، والنسائي.
    [عن أبي هريرة].
    رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو عبد الرحمن بن صخر أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها إلى أين تذهبون بها؟! يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق)].أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو مثل حديث أبي هريرة إلا أن فيه زيادة أنه يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق، وهو مثل الذي قبله تماماً إلا أن فيه العدول عن ضمير التكلم إلى ضمير الغيبة، وهذا من الرواة أو من الراوي من أجل الابتعاد عن الألفاظ، أو نسبة الألفاظ التي هي غير حسنة إليه، وإلا فإن الأصل أنها تقول: يا ويلي أين تهذبون بي؟ مثلما جاء في حديث أبي هريرة، هذا هو قولها مثلما قالت: قدموني قدموني في الصالحة، والطالحة تقول: يا ويلي أين تذهبون بي؟ لكن الراوي بدل ما يقول: يا ويلي أين تذهبون بي، قال: يا ويلها أين تذهبون بها؟ بدل ما يحكي لفظها الذي فيه ضمير التكلم أتى بضمير الغيبة، يعني: ابتعاداً كون الإنسان يتحدث ولو مجرد التحدث بأن يكون يضيف ذلك إلى نفسه فقال: يا ويلها، وهذا من جنس ما جاء في قصة وفاة أبي طالب وكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، كلمة (هو) هو ما قال (هو) قال: أنا على ملة عبد المطلب، لكن الراوي بدل ما يقول: أنا قال: هو على ملة عبد المطلب، فعدل عن ضمير التكلم إلى ضمير الغيبة مراعاة للابتعاد عن ذكر التلفظ بالشيء وإن كان ليس هو المتكلم به، وإنما هو حكاية لغيره، فقوله: [(يا ويلها أين تذهبون بها)] هي في الأصل أنه قال: يا ويلي أين تذهبون بي، مثلما جاء في حديث أبي هريرة، لكن هذا من الراوي من أجل الابتعاد عن التكلم بضمير المتكلم، وإنما يكون بضمير الخطاب.
    ثم أيضاً فيه: بيان قدرة الله عز وجل على أن الشيء الذي يحصل يسمعه أحد، ولا يسمعه أحد، فإن هذا الصوت يسمعه كل شيء إلا الإنسان، الحيوانات تسمع، والإنسان لا يسمع لأن الله تعالى حال بينه وبين أن يسمع ذلك، ومثله ما جاء في الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع) فهو عليه الصلاة والسلام، كان يسمع وهم لا يسمعون، والله تعالى أخفى ذلك عليهم لحكم وفوائد، منها: التمييز بين من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، ومنها: ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لولا ألا تدافنوا)؛ لأنه لو ظهر للناس ما يجري في القبور من الصراخ، والصياح، والعذاب، والأمور الهائلة المهولة لمات الناس جزعاً، وضعفوا بحيث لا يستطيع بعضهم أن يدفن بعضاً، بسبب الضعف الذي يحصل لهم، لما يسمعونه من الصراخ، والصياح الذي يكون في القبور (لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، فهو عليه الصلاة والسلام يسمع، وهم لا يسمعون، والحيوانات تسمع وهم لا يسمعون، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه: أن أهل الشام كانوا إذا احتبس الطعام في بطون الخيل يذهبون بها عند القبور، أي: قبور بعض الكفار لتسمع أصوات ما يجري في القبور فيحصل لها الانطلاق، يعني: الذي في بطنها فيحصل لها ذعر، وخوف، فيحصل انطلاق بسبب ذلك وخروج ما في بطنها بسبب ما حصل لها من الأمر الذي يفزعها، وهو: سماع ما يجري في القبور.

    تراجم رجال إسناد حديث: (فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني ...) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    وقد مر ذكره.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو المحدث، الفقيه، فقيه مصر ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه].
    سعيد بن أبي سعيد هو المقبري وقد مر ذكره.
    [عن أبيه].
    هو كيسان أبو سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سعيد الخدري].
    هو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، مشهور بكنيته أبي سعيد ونسبته الخدري، واسمه: سعد بن مالك بن سنان، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

    شرح حديث: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه ...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، الذي يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة، فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) وهذا مثل الذي قبله لما كانت صالحة، فخير تقدم إليه، يعني: أنها تقدم إلى خير يسرع بها لتصل إلى الخير الذي بشرت به، وإن تك غير ذلك فشر يضعونه عن رقابهم، فهو مثل الذي قبله من حيث الدلالة على الإسراع بالجنازة؛ لأنها إن كانت على خير، فهي مقدمة على خير، وإن كانت مقدمة على شر، فهي تصل إلى شر، ولكن يتخلصون من حمل ذلك الشر على رقابهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه ...) من طريق ثالثة

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    وقد مر ذكره.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وسفيان هنا غير منسوب ولكنه يروي عن الزهري، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري فالمراد به ابن عيينة؛ لأن سفيان بن عيينة هو المعروف بالرواية عن الزهري كما قال ذلك الحافظ ابن حجر، وسفيان الثوري ذكر الحافظ ابن حجر في بعض المواضع في فتح الباري أنه لا يروي عن الزهري إلا بواسطة.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [عن سعيد].
    هو سعيد بن المسيب، وهو ثقة، فقيه، أحد الفقهاء السبعة المعروفين في المدينة في عصر التابعين، وهو أحد السبعة باتفاق، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (أسرعوا بالجنازة، فإن كانت صالحة قدمتموها إلى الخير ...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد حدثنا عبد الله عن يونس عن الزهري حدثني أبو أمامة بن سهل أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أسرعوا بالجنازة، فإن كانت صالحة قدمتموها إلى الخير، وإن كانت غير ذلك كانت شراً تضعونه عن رقابكم)].ثم أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو مثل الذي تقدم.
    قوله: [أخبرنا سويد حدثنا عبد الله].
    وقد مر ذكرهما قريباً.
    [عن يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن أبي أمامة عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (لقد رأيتنا مع رسول الله وإنا لنكاد نرمل بها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد أنبأنا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن حدثني أبي، قال: شهدت جنازة عبد الرحمن بن سمرة وخرج زياد يمشي بين يدي السرير، فجعل رجال من أهل عبد الرحمن ومواليهم يستقبلون السرير، ويمشون على أعقابهم ويقولون: رويداً رويداً بارك الله فيكم، فكانوا يدبون دبيباً، حتى إذا كنا ببعض طريق المربد لحقنا أبو بكرة على بغلة، فلما رأى الذي يصنعون حمل عليهم ببغلته وأهوى إليهم بالسوط، وقال: خلوا، فوالذي أكرم وجه أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لنكاد نرمل بها رملاً، فانبسط القوم].أورد النسائي حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي فيه أنه في جنازة عبد الرحمن بن سمرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معهم زياد بن أبيه، وكان جماعة من آله يعني: آل عبد الرحمن بن سمرة ومواليهم يتقدمون على الجنازة، وهم يسرعون بها أي: الحاملين بها، ويمشون على أعقابهم ويقولون: رويداً بارك الله فيكم، يعني: يطلبون منهم أن يتمهلوا، أي: يسبقونهم، ثم يلتفتون إليهم ويمشون على أعقابهم ويقولون: رويداً رويداً، فلحقهم أبو بكرة رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال: خلوا، يعني: اتركوهم لا تقولون لهم يمشون رويداً رويداً، وأخبر أنهم كانوا يكادون يرملون مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في الجنازة، أي: أنهم يسرعون، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث هنا في الإسراع بالجنازة، أي: أنهم لما كان آل عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، يشيرون إلى الناس بالتمهل، وأن يمشوا رويداً رويداً قال: خلوا، يعني: اتركوهم يسرعون بها، وأخبر أنهم كانوا يسرعون مع رسول الله عليه الصلاة والسلام بالجنازة، وهذا فيه دليل على الإسراع بالجنازة، وهو محل الشاهد من إيراد الحديث هنا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لقد رأيتنا مع رسول الله وإنا لنكاد نرمل بها ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أنبأنا عيينة بن عبد الرحمن].
    هو عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الرحمن بن جوشن البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي بكرة].
    هو أبو بكرة نفيع بن الحارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشهور بكنيته أبي بكرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (لقد رأيتنا مع رسول الله وإنا لنكاد نرمل بها ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر عن إسماعيل وهشيم عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لنكاد نرمل بها رملاً. واللفظ حديث هشيم].أورد النسائي حديث أبي بكرة من طريق أخرى، مختصراً مع ذكر آخره وهو المراد والمطابق للترجمة بالإسراع بالجنازة، وأنهم كانوا يرملون بها مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو مثل الذي قبله، مختصر ولكن فيه آخر الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].
    هو السعدي المروزي، ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن إسماعيل].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وهشيم].
    هو ابن بشير الواسطي، هو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة].
    وقد مر ذكرهم.


    الأسئلة

    بيان الأولى في صيام الست من شوال وثلاثة أيام البيض

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله، صمت ستة أيام من شوال، فوافقت الأيام البيض، فنويت الأيام البيض وشوال، فهل يجوز هذا؟

    الجواب: نعم يجزئ هذا، ولكن الأولى للإنسان أن يصوم الستة، والثلاثة، بحيث يصوم تسعة، ولكن لو نوى ذلك وكان عادته أن يصوم البيض فصام في البيض، ونوى ما كان يعتاده من صيام البيض، وكذلك أنها ست من شوال لا بأس بذلك، ولكن الأولى هو أن يأتي بالتسعة.

    الجمع بين حديثي (تخرج روح المؤمن كما تخرج القطرة) وأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يوعك وعكاً شديداً)

    السؤال: فضيلة الشيخ، كيف التوفيق بين حديث البراء الذي يقول فهي الرسول صلى الله عليه وسلم: (تخرج روح المؤمن كما تخرج القطرة من في السقاء) وبين حديث مرض موت الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يوعك وعكاً شديداً؟

    الجواب: كما هو معلوم هذا في المرض، وكما هو معلوم حصول المرض وشدة المرض هذا فيه زيادة أجر وثواب، وتكفير للسيئات في حق من عليه سيئات، وزيادة رفعة، وعلو درجة، فالأمر كما أخبر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولو حصل شدة في المرض وشدة فيما يشاهده الناس، ويعاينه الناس، لكن بالنسبة لخروجها الذي لا يشاهده الناس، ولا يعاينه الناس هي بهذا الوصف الذي قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام، والناس لا يدركون هذا الذي يجري لا من جهة الروح التي تتفرق في الجسد، ويستخرجونها كما يستخرج السفود من الصوف المبلول، ولا بالنسبة للتي تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء تخرج بسهولة، ويسر كما تسيل القطرة من في السقاء.

    حكم تعدد الجماعات في الصلاة وتعددها بعد الصلاة المفروضة

    السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم تعدد الجماعة في المسجد الواحد؟


    الجواب: إذا كان هذا التعدد مقصوداً، يعني: بأن يصلي جماعة على حدة وجماعة على حدة، أو جماعة لا يصلون وراء أناس مثل ما يحصل في بعض البلاد من وجود التفرق في المذاهب، بحيث يصلي الحنفية على حدة، والشافعية على حدة، والمالكية على حدة، والحنابلة على حدة، وهذا موجود في بعض البلاد، وموجود في الشام، في الجامع الأموي يصلي جماعات متعددة، يعني: على اختلاف المذاهب، فهذا لا يجوز طبعاً، ومثل هذا العمل لا يسوغ، بل يجب أن يصلى في المسجد جماعة واحدة، وكان هذا موجوداً في المسجد الحرام، يعني: قبل مجيء الملك عبد العزيز رحمة الله عليه، ولما جاء قضى على هذه الجماعات، وكان هناك مقامات في أطراف المطاف، هذا مقام الحنفي، وهذا مقام الشافعي، وهذا مقام المالكي، وهذا مقام الحنبلي، بنايات في الأطراف هي مقامات يقوم بها الأئمة في المذاهب الأربعة، وقد قضى على ذلك الملك عبد العزيز رحمة الله عليه.
    وكانت المباني موجودة إلى عهد قريب حتى وسع المطاف، ثم أزيلت، ولكن منذ تولى الملك عبد العزيز رحمة الله عليه، فإنه جمع الناس على إمام واحد، ومنع تعدد الجماعات في المسجد.
    فإذا كان المقصود أن أحداً لا يصلي وراء أحد وتتعدد جماعات في المسجد على اعتبار أن هؤلاء يصلون على حدة ولا يصلون وراء هذا الإمام، وهؤلاء يصلون على حدة ولا يصلون وراء ذلك هذا لا يجوز، بل يجب أن يكونوا جماعة واحدة، وكذلك أيضاً إذا كان هناك جماعة تأخرت عن الجماعة لتصلي جماعة وحدها مع قدرتها على أن تحضر الجماعة الأولى فأيضاً مثل ذلك لا يجوز.
    أما إذا كانت الجماعة الثانية مسبوقة وكانت حريصة على أن تدرك الصلاة ولكن فاتتها الصلاة، فهذه لها أن تصلي جماعة، أو لهؤلاء أن يصلوا جماعة؛ لأنها قد فاتتهم الصلاة، وهم جاءوا للصلاة، ويريدون أن يدركوا الصلاة، ولكنها فاتتهم فلهم أن يصلوا جماعة، والدليل على هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء رجل قد فاتته الصلاة وقد صلى الناس قال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) فهذا يدلنا على أن الجماعة الثانية إذا وجدت للذي دخل ولو عن طريق الصدقة، فإنها من باب أولى إذا لم يكن هناك حاجة إلى الصدقة، يعني: إذا جاء شخص واحد نبحث عن واحد يصلي معه، وإذا جاءنا اثنين نقول: كل واحد يصلي في بيته، ليس الأمر كذلك، بل لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إيجاد الجماعة الثانية ولو عن طريق الصدقة، فيدل على جواز وجودها حيث لا حاجة إلى الصدقة من باب أولى، فلا مانع من إقامة الجماعة لمن فاتته الجماعة، أما إذا كان بالصفات التي ذكرت يعني جماعة ما يريدون أن يصلوا وراء جماعة أو جماعة لا يريدون أن يصلوا وراء الإمام، فهذا لا يجوز.

    حكم النكت (المزح) التي فيها كذب

    السؤال: هل يجوز النكت (المزح) التي علم فيها كذب للضحك؟

    الجواب: المزح سائغ، لكن لا يصلح التوسع فيه، والانهماك فيه، وإذا حصل المزح يكون بما هو حق، لا يكون بما هو باطل، ولا يكون بما هو كذب، وإنما يكون مزح فيما هو فيه سلامة، لكن إذا كان المقصود منها بيان كذب الكاذبين وكيف وصل بهم الحد إلى كذا، فلا بأس بذلك، لكن التوسع بالمزاح ليس بلائق، ولهذا كانوا يعيبون على الشخص بكثرة المزح وكثرة المزاح، كما في بعض تراجم الرواة.

    النور في الجنة للمؤمنين نور حسي

    السؤال: فضيلة الشيخ، ما ورد من بعض أحوال أهل الجنة أن لهم نوراً كنور الحور العين وغيرهم، وكذلك الغرف لها نور، فهل هذا النور حسي أم معنوي؟

    الجواب: يبدو والله أعلم، أنه حسي، يعني: تضيء، وفيها إضاءة وإشراق، أو هما معاً الحسي والمعنوي، هي في غاية الحسن، والجمال، وتكون تشرق هذا الإشراق.

    مدى صحة الجزم بتعذيب العاصي في القبر

    السؤال: هل يجزم بتعذيب العاصي في القبر؟

    الجواب: لا يجزم؛ لأن من كان عاصياً، فأمره إلى الله عز وجل إن تجاوز الله عنه، فإنه لا يعذب في قبره، وقد ذكر العلماء عشرة أسباب للسلامة من عذاب القبر، ذكرها شارح الطحاوية وذكرها غيره، ومنها: عفو أرحم الراحمين، يعني: تجاوز الله عز وجل، ومنها أسباب أخرى، لكن لزوم أو تعين حصول العذاب في القبر لا يجزم به، بل إذا تجاوز الله عز وجل عن الإنسان، فإنه لا يعذب.

    حكم صلاة من بقي في فمه بعض فضلات أكل

    السؤال: فضيلة الشيخ، أحسن الله إليكم، ما حكم من يصلي وفي فمه بعض الفضلات بين أسنانه من تمر، أو لحم، أو خبز؟


    الجواب: الإنسان يكون نظيف الفم عندما يصلي، لكن إذا كان صار في فمه شيء، فإنه لا يؤثر، ما دام أنه ما انشغل به عن الصلاة، لكن على الإنسان أن ينظف فمه قبل أن يدخل في الصلاة حتى لا يكون في فمه ما يشغله.

    ما يلزم من عليه قضاء من رمضان ويريد صيام ست من شوال

    السؤال: فضيلة الشيخ، إذا كان رجل عليه قضاء من رمضان، ونوى أن يصوم الأيام الستة، فهل يقضي أولاً أو يصوم الأيام الستة، ويقضي بعدها؟


    الجواب: يقضي أولاً؛ لأن القضاء فرض، والست نفل، والفرض مقدم على النفل، وأيضاً الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) والذي عليه قضاء من رمضان لا يقال أنه صام رمضان، بل رمضان باق عليه (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال) يعني: أدى الذي عليه فرضاً، ثم أتى بالنفل، فالذي عليه قضاء ما يعتبر صام رمضان، فرمضان لا يزال باقياً عليه، بل عليه أن يصوم الفرض ويتخلص من الدين، ثم يأتي بالنفل.


  18. #338
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (335)

    - باب الأمر بالقيام للجنازة

    لقد دلت السنة النبوية على مشروعية القيام للجنازة، وليس المقصود منه تعظيم الجنازة، وإنما تعظيم شأن الموت، وتذكراً للمصير الذي يدفع المرء إلى الأعمال الصالحة.

    الأمر بالقيام للجنازة


    شرح حديث: (إذا مرت بكم جنازة فقوموا ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالقيام للجنازة. أخبرنا يحيى بن درست حدثنا أبو إسماعيل عن يحيى أن أبا سلمة حدثه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرت بكم جنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع)].
    فقد أورد النسائي رحمه الله هذا الحديث حديث أبي سعيد الخدري: [(إذا مرت بكم جنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع)] أورده في آخر باب الإسراع في الجنازة، وهو ليس بواضح الدلالة على الترجمة؛ لأنه ليس فيه شيء يتعلق بالإسراع، وإنما هو يتعلق بالترجمة التي بعدها، وهي الأمر بالقيام إلى الجنازة، فإن هذا الحديث فيه الأمر بالقيام للجنازة، فهو غير واضح الدلالة على الترجمة السابقة، وإنما هو كما ذكرت واضح الدلالة على الترجمة اللاحقة، ولعل هذا الحديث هو في الترجمة اللاحقة، ولكنه أخرت الترجمة عن مكانها إلى ما بعد هذا الحديث، وإلا فإن الموضع المناسب هو أن الترجمة تكون قبل هذا الحديث، ثم تكون الأحاديث بعد ذلك كلها متصلة، وتتعلق بالأمر بالقيام للجنازة.
    والترجمة اللاحقة التي يدخل تحتها هذا الحديث والأحاديث التي بعده هي الأمر بالقيام للجنازة، وهي أن الجنازة إذا مرت وأناس جالسون فإنهم يقومون، فإما أن يتبعوها ويستمروا معها حتى توضع، وإن كانوا لا يريدون أن يتبعوها وإنما سيقومون حتى تجاوزهم وحتى تتعداهم، ثم يجلسون فلا بأس، قيل: والحكمة في ذلك التنبه إلى الموت، وإلى عظم شأن الموت وإلى الفزع الذي يكون بالموت، وأنه لا يكون الأمر فيه شيء من الغفلة وكأنه لم يحصل شيء، ولم تحرك هذه الجنازة عندما مرت به ساكناً، وليس المقصود القيام للجنازة تعظيماً لها، وإنما المقصود تعظيماً لشأن الموت، وأن هذا شيء عظيم، وأن الناس كلهم إلى هذا المصير، وأنهم سيصيرون إلى النهاية وإلى الموت والاستعداد لذلك بالأعمال الصاحة.
    وقد اختلف العلماء في حكم هذه المسألة؛ هل هو باقٍ أو أنه منسوخ؟
    فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذا الحكم منسوخ، وأن النبي عليه الصلاة والسلام جاء عنه أنه كان لا يقوم، وقالوا: فيكون هذا منسوخاً، ومنهم من قال: إن الإنسان مخير بين القيام وبين الجلوس، ومنهم من قال: إن الأمر أو الأوامر التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على الاستحباب، والترك الذي جاء عنه عليه الصلاة والسلام يدل على الجواز؛ يعني: على جواز الجلوس والأمر يدل على الاستحباب، فالمسألة خلافية بين أهل العلم.
    وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه هذا يقول فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (إذا مرت بكم جنازة فقوموا) يعني: إذا كانوا جالسين فإنهم يقومون، ومن تبعها ممن كان معها أصلاً أو رآها، وقام، وتبعها، فإنه لا يجلس حتى توضع على الأرض إذا كان القبر يحتاج إلى تهيئة، أو حتى توضع في القبر إذا أنزلت إلى القبر رأساً، ولم يكن هناك حاجة إلى تهيئة، وهذا يدلنا كما أشرت على عظم شأن الموت، وأن الحديث دال على القيام للجنازة، وأن في ذلك خلافاً بين أهل العلم، فمنهم من قال بأنه منسوخ، وأنه لا قيام بعد ذلك، ومنهم من قال بأنه يحمل على الندب والاستحباب، قالوا: والنسخ لا يصار إليه إلا إذا لم يمكن الجمع بين الأدلة، قالوا: والجمع ممكن بأن يحمل ما جاء من أمره على الاستحباب وما جاء من فعله على أنه جائز، وأن الإنسان إذا جلس فإنه لا ضير عليه، ولا مانع من ذلك، وأن من تبع الجنازة فإنه لا يجلس قبل أن توضع؛ لأنه تبعها وهي محمولة، فإذا وضعت على الأرض أو وضعت في القبر وكانت أنزلت في القبر رأساً ولا يحتاج وضعها على الأرض فإنه يجلس في هذه الحال.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا مرت بكم جنازة فقوموا ...)

    قوله:
    [أخبرنا يحيى بن درست].
    هو البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا أبو إسماعيل].
    هو إبراهيم بن عبد الملك القناد لقبه القناد ومشهور بكنيته أبي إسماعيل، وهو صدوق، في حفظه شيء، وحديثه أخرجه الترمذي، والنسائي.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، ثبت، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي نقل عنه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه الكلمة المشهورة العظيمة الدالة على عظم شأن الاشتغال في العلم، وأن الإنسان لا يحصل شيئاً إلا بالتعب والنصب، فإنه ذكر عنه مسلم بإسناده إليه في صحيحه أنه قال: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)، يعني: أن الإنسان لا يستطيع أن يحصل علماً مع إخلاده إلى الراحة، وإلى الدعة، والخمول، وإنما يحصل العلم بالتعب، والنصب، والمشقة، وتحمل المشاق، وما إلى ذلك من الأمور الصعبة التي لا يحصل العلم إلا بها.
    [أن أبا سلمة].
    هو ابن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع؛ لأن ستة منهم متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن مسعود، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير بن العوام، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: إن السابع أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الذي معنا في الإسناد، وقيل: إن السابع أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وقيل: إن السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مشهور بكنيته.
    [عن أبي سعيد].
    هو أبو سعيد الخدري، وهو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بكنيته ونسبته، فيقال: أبو سعيد ويقال: أبو سعيد الخدري، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة.

    شرح حديث: (إذا رأى أحدكم الجنازة فلم يكن ماشياً معها فليقم ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأى أحدكم الجنازة فلم يكن ماشياً معها فليقم حتى تخلفه، أو توضع من قبل أن تخلفه)].ثم أورد النسائي حديث عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إذا رأى أحدكم الجنازة فلم يكن ماشياً معها فليقم حتى تخلفه أو توضع من قبل أن تخلفه)]، (حتى تخلفه أو توضع من قبل أن تخلفه، إذا لم يكن الإنسان تابعاً للجنازة ومرت به فإنه يقوم ويستمر قيامه إلى أن تخلفه، يعني: تتجاوزه من حيث كانوا مقبلين عليه، ثم مروا به وصار وراءهم، فعند ذلك يجلس، أو توضع قبل أن تخلفه، يعني: إذا كان مثلاً في المقبرة، ثم كان في القبر قبل أن يوصل إليه، ثم إنه رآها فإنه يقوم، ثم إذا وضعت قبل أن تخلفه فإنه يجلس؛ لأن له حالتان: إما أن تمر به، وإما أن توضع قبل أن تمر به، ومثل ذلك أن يذهب بها مع طريق تختفي عنه؛ لأنه يكون قد رآها جاءت من الشارع، ثم ذهب بها إلى شارع آخر منعطف فلا يراها، فعند ذلك يقوم إذا رآها، فإن مرت به وتجاوزته جلس، وإن وضعت دونه أو صرفت إلى طريق آخر واختفت عنه فإنه عند ذلك يجلس، والحديث دال على ما دل عليه الحديث الذي قبله من القيام بالجنازة وأن الإنسان يستمر قيامه حتى تتجاوزه، أو حتى توضع قبل أن تخلفه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا رأى أحدكم الجنازة فلم يكن ماشياً معها فليقم ...) من طريق ثانية

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، هو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين مر ذكرهم آنفاً.
    [عن عامر بن ربيعة].
    صحابي مشهور، خرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث من رواية صحابي عن صحابي.

    شرح حديث: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا..) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة العدوي رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم أو توضع)].أورد النسائي حديث عامر بن ربيعة وقال هنا: العدوي، وفي التقريب العنزي نسبة إلى عنزة، يعني: من ربيعة.
    ويمكن يكون جاء في الولاء مولى آل الخطاب، يعني: العدوي من حيث الولاء، ولكنه من ربيعه، فتكون نسبته إلى العدوي من حيث الولاء والعنزي من حيث النسب والقبيلة.
    قوله: [(إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم أو توضع)]، وهو أخصر من الذي قبله، الذي قبله فيه زيادة: (حتى تخلفكم أو توضع) يعني: هو مثل الذي قبله لكنه أخصر منه، قال: أن توضع قبل أن تخلفكم، وهذا قال: [(تخلفكم أو توضع)].

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا..) من طريق ثالثة

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    مر ذكره.
    [حدثنا الليث].
    مر ذكره.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، مشهور، وإمام، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع الذين أشرت إليهم آنفاً، وهم: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وسالم بن عبد الله، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
    [عن أبيه عن عامر].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا..) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل عن هشام (ح)، وأخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع)].أورد النسائي حديث أبي سعيد، وهو [(إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع)].
    هو مثل ذاك الحديث الذي مر، إلا أن ذاك (إذا مرت بكم جنازة)، وهذا (إذا رأيتم جنازة)، فالحديث حديث أبي سعيد من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله دال على ما دل عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا..) من طريق رابعة

    قوله:
    [أخبرنا علي بن حجر].
    هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، هو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي والنسائي.
    [حدثنا إسماعيل].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    ثم قال: (ح) وهذه تدل على التحول من إسناد إلى إسناد؛ لأن ما بعدها شيخ للنسائي؛ لأنه أورد إسناداً آخر يلتقي هذا الإسناد المتأخر مع الإسناد المتقدم.
    [ثم قال: ح، وأخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    هو بصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، هو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].
    هو ابن أبي عبد الله الدستوائي الذي مر ذكره بالإسناد السابق أو في الطريق الأولى؛ لأن ملتقى الإسنادين هشام بن أبي عبد الله الدستوائي.
    [عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي سعيد].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (ما رأينا رسول الله شهد جنازة قط فجلس ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج عن ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهما قالا: (ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع)].أورد النسائي حديث أبي هريرة، وأبي سعيد رضي الله عنهما أنهما قالا: (ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع)، يعني: أنه مثل ما تقدم من الأحاديث التي فيها أمره بأن من تبعها فلا يجلس حتى توضع، فهذا فيه بيان فعله، وأنه ما تبع جنازة فجلس قبل أن توضع، وإنما يجلس بعد وضعها، فالأحاديث التي مرت فيها ذكر الأمر بعدم الجلوس حتى توضع، وهذا فيه بيان فعله عليه الصلاة والسلام، وأنهم ما رأوه تبع جنازة فجلس قبل أن توضع، فمعنى ذلك: أنه لا يجلس إلا بعد وضعها، وهذا الذي أمر به عليه الصلاة والسلام، وما رأوه أنه فعل خلافه، بل الذي رأوه أنه إذا كان مع الجنازة ثم وضعت جلس، فاتفق أمره، وفعله على عدم الجلوس إلا بعد وضع الجنازة على الأرض، أو في القبر إذا كانت أدخلت القبر رأساً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما رأينا رسول الله شهد جنازة قط فجلس ...)

    قوله:
    [أخبرنا يوسف بن سعيد].
    هو يوسف بن سعيد المصيصي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا حجاج].
    هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عجلان].
    هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    والحديث من أحاديث أبي هريرة، ولكن كما عرفنا هذا الحديث جاء من طرق متعددة، ومعه أبو سعيد الخدري أيضاً في ذلك، فالحديث ثابت من هذه الطريق، ومن الطرق الأخرى الكثيرة المتعددة التي جاءت في هذا الموضوع، وهو أن من اتبع الجنازة فلا يجلس حتى توضع.
    [عن سعيد].
    هو سعيد بن المسيب المدني، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [عن أبي سعيد].
    وقد مر ذكره.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه، بل هو أكثرهم، وأبو هريرة، وأبو سعيد هذان الشخصان، وهذان الصحابيان الجليلان هما من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل منهما مشهور بكنيته، فهذا مشهور بـأبي هريرة، وهذا مشهور بـأبي سعيد.

    شرح حديث: (أن رسول الله مروا عليه بجنازة فقام ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا زكريا عن الشعبي قال أبو سعيد: ح، وأخبرنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر سمعت الشعبي يحدث عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا عليه بجنازة فقام، وقال عمرو: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام)].أورد النسائي حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام مرت به جنازة فقام، وهذا لفظ أحد الرواة، فهنا عندنا لفظان: الأول قوله: [(مروا عليه بجنازة فقام)] والثاني قوله: [(مرت به جنازة فقام)]، فالمعنى هنا واحد، والنتيجة واحدة، وإنما الفرق بينهما هو في التعبير، هذا قال: [(مروا عليه بجنازة فقام)]، وهذا قال: [(مرت به جنازة فقام)]، فاللفظ الأول هو لشيخه الثاني في الإسناد الثاني الذي بعد التحويل، وهو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني واللفظ الثاني لشيخه الأول، ولهذا قال: وقال عمرو -أي: شيخه الأول- وهو عمرو بن علي الفلاس، أي: أن اللفظ الذي ساقه لفظ الشيخ الثاني، ثم قال عمرو -أي: شيخه الأول-: أن النبي صلى الله عليه وسلم [(مرت به جنازة فقام)].
    والحديث دال على ما دل عليه الحديث الذي قبله من حيث إن فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم للجنازة إذا مرت به صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله مروا عليه بجنازة فقام ...)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، روى عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا زكريا].
    هو زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشعبي].
    هو عامر بن شراحيل الشعبي مشهور بهذه النسبة الشعبي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وعامر الشعبي هذا هو الذي جاءت عنه الكلمة المشهورة التي بين فيها حقيقة الرافضة، وأنهم من أسوأ خلق الله، وذلك أنه قال كما ذكره عنه بعض أهل العلم أن الرافضة فاقوا اليهود والنصارى بخصلة، وذلك أن اليهود إذا قيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ يقولون: أصحاب موسى، والنصارى إذا قيل لهم: من خير أهل ملتكم يقولون: أصحاب عيسى، والرافضة إذا قيل لهم: من شر أهل ملتكم قالوا: أصحاب محمد، فمعنى هذا أن اليهود والنصارى كانوا من هذه الحيثية أحسن منهم؛ لأن أولئك اعتبروا أن أصحاب موسى، وأصحاب عيسى الذين كانوا معه، والذين شاهدوه، وعاينوه بأنهم خير أمتهم، وأما الرافضة فإنهم يقولون عن الصحابة: إنهم شر هذه الأمة، وهذا الذي قاله عامر الشعبي قد قاله رافضي في قصيدة طويلة صرح فيها بهذا الكلام يقول فيها:
    أهم خير أمة أخرجت للناس؟ استفهام إنكار.
    أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها.
    ويقول فيما يقول من الوقاحة المتناهية في بيت من الشعر لا أحفظه الآن: إن سورة براءة لم تذكر بالبسملة لأن أبا بكر ذكر فيها، ثم بماذا ذكر أبو بكر رضي الله عنه فيها؟ ذكر بالثناء والتعظيم، والتنصيص على أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى نص في كتابه على أنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، يقول الله عز وجل: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )[التوبة:40] (إذ يقول لصاحبه)، الله تعالى قال هذا عن أبي بكر، ومعنى ذلك: إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه، أي: صاحبه أبو بكر، فسماه صاحب رسول الله، وأطلق عليه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [قال أبو سعيد].
    هو أبو سعيد الخدري، وقد مر ذكره، ثم أتى بحاء التحويل وذكر الإسناد من أوله، يعني: معناه أنه ذكر الإسناد كاملاً في الطريق الأولى ثم ذكر إسناداً جديداً، وساغه إلى نهايته، لكنه ساغه بلفظ الشيخ الثاني، وهو: إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، ثم عقب أن ذكر المتن بالإسناد الثاني قال: قال عمرو أي: الشيخ الأول، وذكر لفظه الذي جاء من طريقه وهو [أن الرسول مرت به جنازة فقام].
    [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق].
    هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا أبو زيد سعيد بن ربيع].
    هو أبو زيد سعيد بن ربيع، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن أبي السفر].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [سمعت الشعبي يحدث عن أبي سعيد].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (أنهم كانوا جلوساً مع النبي فطلعت جنازة فقام ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني أيوب بن محمد الوزان حدثنا مروان حدثنا عثمان بن حكيم أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت (أنهم كانوا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فطلعت جنازة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام من معه، فلم يزالوا قياماً حتى نفذت)].أورد النسائي حديث يزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخو زيد بن ثابت الذي يقول فيه أنهم كانوا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وسلم فمرت جنازة، فقاموا، ولم يزالوا حتى نفذت، أي: حتى تجاوزت. والحديث دال على فعله عليه الصلاة والسلام، وهي القيام للجنازة حتى جاوزته صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أنهم كانوا جلوسا مع النبي فطلعت جنازة فقام ...)

    قوله:
    [أخبرنا أيوب بن محمد الوزان].
    ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا مروان].
    هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، يدلس تدليس أسماء الشيوخ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والمراد بتدليس أسماء الشيوخ أنه يذكر شيوخه بغير ما اشتهروا به، هذا هو تدليس الشيوخ، لأن التدليس تدليسان، تدليس إسناد الذي يكون فيه بقال أو عن، والذي إذا عبر عنه (بقال) أو (عن) فيحتمل الاتصال ولا يحتمل الانقطاع، وأما تدليس الشيوخ فما فيه انقطاع واتصال، وما فيه احتمال انقطاع، وإنما فيه أنه يذكر شيوخه بغير ما اشتهروا به، يعني: بأن يكون مشهوراً مثلاً بنسبته فلا يأتي بالنسبة، أو يكون مشهوراً باسمه فلا يذكر اسمه، ولكن يذكر كنيته وهو غير مشهور بكنيته، هذا يسمى تدليس الشيوخ، والمضرة التي تحصل فيه هي التعمية، ووعورة الوصول إلى المقصود، عندما يريد الإنسان يبحث قد يبحث عنه ويقول: لم أجد له ترجمة، والسبب في هذا أنه ما ذكر بما اشتهر به، وإنما ذكر بغير ما اشتهر به، هذا هو تدليس الشيوخ، وهناك تدليس آخر وهو تدليس التسوية وهو: حذف رجال ضعفاء في الإسناد ويجعل الإسناد متصل للثقات، فهذا أسوأ أنواع التدليس.
    [عن عثمان بن حكيم].
    ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت].
    ثقة، فقيه، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين الذين يتكرر ذكرهم كثيراً، أخرج حديثه اصحاب الكتب الستة.
    وخارجة بن زيد لم يأت ذكره كثيراً في الروايات، وإنما الذي يأتي ذكره كثيراً هو عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وبعضهم لا يأتي ذكره كثيراً، ومنهم خارجة بن زيد فإنه نادر مروره علينا في سنن النسائي.
    [عن عمه يزيد بن ثابت].
    يزيد بن ثابت أخو زيد بن ثابت وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، والنسائي، وابن ماجه.


    الأسئلة

    حكم دفن الطفل مع غيره في قبر واحد

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله، أنا أرى أحياناً في البقيع أنهم يدفنون في بعض الأحيان الطفل الصغير مع غيره من الموتى فما حكم ذلك؟


    الجواب: هذا ما له وجه أبداً، الموتى لا يدفنون جميعاً إلا إذا كان هناك حاجة ضرورية، بأن كثر الموتى واحتاج الناس إلى أن يدفنونهم جميعاً في قبرٍ واحد فهذا لا بأس به، ويقدم من كان أقرأ للقرآن، وذلك كما جاء في الحديث، أما من غير حاجة إلى ذلك فكلٌ يدفن في قبر، ولا يجمعون جميعاً، أما دفن طفل صغير مع كبير فهذا بعض الناس الجهال يقول: إن هذا يؤنسه، وإنه كذا، وهذا كلام باطل، فإنه لا يؤنس الإنسان إلا العمل الصالح، فالعمل إذا كان صالحاً حصل الإيناس في القبر، أما إذا كان العمل بخلاف ذلك والعياذ بالله فما ينفع، ولو يدفن بجوار أصلح الناس، وبجوار من هو خير الناس، فهو يعذب ولا يدري عن نعيم هذا، وهذا ينعم ولا يدري عن عذاب ذاك.

    الراجح في القيام للجنازة

    السؤال: حفظكم الله يا شيخ! ما هو الراجح في مسألة القيام للجنازة؟

    الجواب: الله تعالى أعلم، هذه مسألة خلافية، وأنا ما يظهر لي فيها شيء.

    شهود زيد بن ثابت بدراً بين النفي والإثبات

    السؤال: حفظكم الله يا شيخ! هل زيد بن ثابت رضي الله عنه شهد بدراً أو لا؟

    الجواب: لا أدري.

    علاقة الإسماعيلية بالرافضة

    السؤال: حفظكم الله يا شيخ! هل الرافضة والإسماعيلية سواء أو بينهما فرق؟

    الجواب: الإسماعيلية هم الباطنية الذين يقولون عنهم: الباطنية وكلهم رافضة، إلا أن هؤلاء مشهورون باسم الباطنية الذين هم الإسماعيلية.

    مثال على إسنادين يلتقيان عند راوٍ واحد

    السؤال: في أي مكان يلتقي الإسنادان التاليان: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل عن هشام عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني: أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي سعيد؟


    الجواب: الإسناد الذي عند هشام هو ملتقى الإسنادين، ثم بعد ذلك يسقط الإسناد في كل من الإسنادين، يعني: هما طريقان يلتقيان عند هشام ثم يتحدان طريقاً واحداً بعد ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

    أسباب التدليس

    السؤال: ما سبب التدليس؟

    الجواب: التدليس من أسبابه التعمية، أو مثلاً استقرار الشيخ كونه لا يريد أن يذكره، وإنما يذكر من هو أكبر منه، وله عدة أسباب.

    مدى وجود حديث في البخاري شاهد لحديث في الترمذي منه صدوق

    السؤال: إذا كان حديث عند الترمذي وفي إسناده صدوق أو ضعيف، ونفس هذا الحديث الذي عند الترمذي مذكور بطريق آخر عند البخاري فهل يعتبر حديث البخاري شاهد لحديث الترمذي؟

    الجواب: نعم، إذا اختلف الصحابي فيكون شاهداً، ويكون الحديث طبعاً ثابتاً، وكلمة صدوق ما تحتاج إلى شواهد، ومن يقال فيه: صدوق فحديثه حسن لذاته، وإنما الذي يحتاج إلى شاهد أو يحتاج إلى متابعة هو الذي يقال عنه: مقبول، وأما من يقال فيه: صدوق فحديثه حسن، يعني: لو لم يأت له متابع أو شاهد، فإنه يعتبر من قبيل الحسن لذاته الذي لا يحتاج إلى اعتضاد، وهو دون الصحيح، ولكنه مقبول ومحتج به، كما يحتج بالصحيح.

    حكم صلاة القاص للحيته الجار لثوبه

    السؤال: حفظكم الله يا شيخ! رجل يقص لحيته ويجر ثوبه فما حكم صلاته؟

    الجواب: هو صلاته يثاب عليها، وقص لحيته وجر ثيابه يعاقب عليه، فيكون جمع بين عمل صالح، وآخر سيء، أي: أتى بعمل صالح وهو الصلاة، وإذا صلى فهو على خير، ويرجى له الخير، ولكن يخشى عليه العقوبة من معصيته في قص لحيته، وجر ثيابه.

    مقتضى النهي عن الدفن في الأوقات المنهي عنها

    السؤال: حفظكم الله يا شيخ! الدفن في أوقات النهي المعروفة هل هو للتحريم؟

    الجواب: نعم هو للتحريم، لكنه كما هو معلوم الأوقات الثلاثة القصيرة التي لا يضيع بسببها شيء، وإنما الأوقات الطويلة التي هي من بعد العصر إلى المغرب فهذا ليس فيه إشكال وليس فيه بأس، وكذلك ومن بعد الفجر إلى طلوع الشمس، ولكن الأوقات الثلاثة التي هي عند قيام الشمس، وعند غروبها، وعند طلوعها، فهذه الأوقات اليسيرة جداً ينتظر فيها الناس، وانتظارهم لا يؤثر عليهم شيئاً.

    طريقة معرفة اقتضاء النهي للتحريم أو الكراهة

    السؤال: فضيلة الشيخ! كيف يعرف أن النهي للتحريم أو للكراهة؟

    الجواب: يقولون: إن الأصل في النواهي التحريم، ولا تصير إلى الكراهة إلا إذا وجد ما يدل على صرفها إلى الكراهة، كما أن الأصل في الأوامر الوجوب، ولا يصار إلى الندب إلا إذا وجد ما يصرفه إليه.


  19. #339
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (336)

    - باب القيام لجنازة أهل الشرك - باب الرخصة في ترك القيام

    اختلف أهل العلم في القيام للجنازة فقال بعضهم بالاستحباب وقال آخرون بالنسخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وفعله ثم ترك، والآخر ينسخ الأول.
    القيام لجنازة أهل الشرك

    شرح حديث: (مر على رسول الله بجنازة فقام، فقيل له: إنه يهودي. فقال: أليست نفساً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القيام لجنازة أهل الشرك.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: (كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد بن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما بالقادسية فمر عليهما بجنازة فقاما فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، فقالا: مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فقام، فقيل له: إنه يهودي فقال أليست نفساً؟)].
    يقول النسائي رحمه الله: القيام لجنازة أهل الشرك، الترجمة السابقة هي مطلقة، وهي القيام للجنازة، وهنا هذه الترجمة مقيدة وهي: جنازة أهل الشرك، والمقصود من الترجمة أن القيام الذي كان قد شرع، هو أنه للموت، وعلى هذا فيستوي جنازة المسلم وجنازة الكافر؛ وأن القيام ليس للجنازة نفسها، وإنما القيام هو للموت، ولتعظيم شأن الموت وللفزع منه والتنبه له، وعدم الغفلة عنه، فهذا هو المقصود من القيام، ولهذا جاء القيام في جنازة غير المسلمين.
    أورد النسائي رحمه الله في هذه الترجمة حديث سهل بن حنيف وقيس بن سعد بن عبادة كانا في القادسية ومر عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: أليست نفساً، يعني: أن الجنازة إنما هي نفس حصل لها الموت، والمقصود هو القيام من أجل الموت وليس من أجل الجنازة حتى ينظر هل هي مسلمة أو كافرة، وقولهم: هي من أهل الأرض يعني: من أهل البلاد التي فتحت، والتي صار أهلها أهل ذمة، والمقصود أنها ليست جنازة من جنائز الأجناد الذين جاءوا يجاهدون، وإنما هي من أهل الأرض التي أهلها كفار، الذين فتحت بلادهم عنوة ودخل واستولى عليهم المسلمون، فهذا هو المقصود من قوله: من أهل الأرض يعني: أهل البلد الذين هم كفار.
    ثم أورد أنه لما قام، وقيل لهما ما قيل، استشهد بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم واستدل به على (أنه مر بجنازة فقام فقيل له: إنه يهودي فقال: أليست نفساً)، يعني: حصل لها الموت والتعظيم إنما هو لشأن الموت، وليس للجنازة لا المسلمة ولا الكافرة، فالقيام إنما هو لتعظيم شأن الموت، وللفزع منه، وللتنبه له، هذا هو المقصود من القيام التي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (مر على رسول الله بجنازة فقام، فقيل له: إنه يهودي. فقال: أليست نفساً)

    قوله:
    [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن مرة].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
    ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [كان سهل بن حنيف].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [وقيس بن سعد بن عبادة].
    هو ابن سعد بن عبادة سيد الخزرج، فأبوه سيد الخزرج، وقيس هذا ابنه، وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بالطول فقد كان طويلاً جداً، وقيل: إن واحداً من النصارى قال: إنه أطول منه، وأراد أن يطاوله فلم يطاوله، ولكنه قال: أعطوه سراويلي فبلغت إلى حلق ذلك النصراني.

    شرح حديث: (مرت بنا جنازة فقام رسول الله وقمنا معه فقلت: يا رسول الله! إنما هي جنازة يهودية ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل، عن هشام ، (ح) وأخبرنا إسماعيل بن مسعود، حدثنا خالد، حدثنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: (مرت بنا جنازة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمنا معه فقلت: يا رسول الله! إنما هي جنازة يهودية، فقال: إن للموت فزعاً، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) اللفظ لـخالد].أورد النسائي رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري وهو واضح في المقصود، وفيه بيان أن القيام إنما هو لتعظيم شأن الموت، وليست للميت، والنبي عليه الصلاة والسلام مر عليه بجنازة فقام، فقيل له: إنها يهودية [(فقال: إن للموت فزعاً فإذا رأيتم الجنازة فقوموا)]، وهذا يدل على التعميم، وأن القيام يكون للجميع، للجنازة المسلمة والكافرة، وليس القيام من أجل الميت وإنما هو من أجل الموت وتعظيم شأنه، ولهذا قال: [(إن للموت فزعاً)]، وهذا يشمل حصوله للمسلم والكافر، ثم عقب ذلك بقوله: [(فإذا رأيتم الجنازة فقوموا)] يعني: الجنازة مطلقاً، يعني: سواء كانت مسلمة، أو كافرة، والتعظيم إنما هو لشأن الموت وليس للجنازة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (مرت بنا جنازة فقام رسول الله وقمنا معه فقلت: يا رسول الله! إنما هي جنازة يهودية ...)

    قوله:
    [أخبرنا علي بن حجر].
    هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا إسماعيل].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [(ح) وأخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    قال: (ح) وهي علامة للتحول من إسناد إلى إسناد، وإسماعيل بن مسعود قد مر ذكره قريباً.
    [حدثنا خالد].
    هو ابن الحارث، وقد مر ذكره أيضاً قريباً.
    [حدثنا هشام].
    قد مر ذكره.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    هو ابن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة ثبت، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن مقسم].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم، وعن الصحابة أجمعين، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    ثم قال: [واللفظ لـخالد] أي: للشيخ الثاني؛ لأن النسائي أورده من طريقين الطريق الأولى علي بن حجر عن إسماعيل عن هشام، والطريق الثانية عن إسماعيل بن مسعود عن خالد عن هشام، فقوله: واللفظ لـخالد أي: لشيخ شيخه في الطريق الثانية، وليس لشيخ شيخه في الطريق الأولى.


    الرخصة في ترك القيام

    شرح حديث: (إنما قام رسول الله لجنازة يهودية ولم يعد بعد ذلك)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في ترك القيام. أخبرنا محمد بن منصور، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر قال: كنا عند علي فمرت به جنازة فقاموا لها فقال علي رضي الله تعالى عنه: ما هذا؟ قالوا: أمر أبي موسى رضي الله تعالى عنه، فقال: (إنما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودية ولم يعد بعد ذلك)].
    أورد النسائي رحمه الله: الرخصة في ترك القيام في الجنازة، والمقصود من ذلك، أن الأمر الذي كان أولاً فيه الأمر بالقيام للجنازة، وردت أحاديث تدل على الترخيص في ترك القيام، وقد اختلف العلماء في ذلك أي: في القيام للجنازة وعدم القيام فيها، فذهب جمهور العلماء إلى أنه منسوخ، أي: واستدل على ذلك بهذه الأحاديث التي ستأتي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قام، ثم لم يعد بعد ذلك، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه قام للجنازة وأمرهم بالقيام، ثم جلس وأمرهم بالجلوس، يعني: وأمرهم بترك القيام، فقال جمهور العلماء: إن هذا منسوخ، ومن العلماء من قال إن الأمر في القيام للجنازة يبقى على الاستحباب، وما جاء من الترك يدل على عدم وجوبه، وأنه بقي على الاستحباب، وأن الإنسان إن فعله فهو خير، وإن لم يفعله، فإنه لا شيء عليه، لكن ما جاء في بعض الروايات من كونه قام وأمرهم بالقيام، ثم جلس وأمرهم بالجلوس قد يكون فيه وضوح من جهة النسخ؛ لأن هذا كان أولاً، ثم هذا كان آخراً، يعني: أنه أمر بالقيام أولاً، ثم أمر بالجلوس ثانياً، وبهذا قال جمهور أهل العلم على أن القيام للجنازة منسوخ، والناسخ هو هذه الأحاديث التي أوردها النسائي وغيرها من الأحاديث التي جاءت عند غير النسائي والتي هي أوضح مما جاء عند النسائي كما عند الإمام أحمد وغيره، أنه قام وأمرهم بالقيام، ثم إنه جلس وأمرهم بالجلوس، ومعناه: أنه لم يقم، وأمر بترك القيام، وتعبير النسائي هنا بالرخصة يشعر بأن الأمر كأنه ما قاله بعض أهل العلم من أن الأمر بقي على الاستحباب وأنه حصل رخصة في عدم القيام، فيبقى الأمر على الاستحباب؛ لأن ذكر الترخيص يدل على أن الأمر كان عزيمة أولاً، وصار رخصة.
    وأورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه مر بجنازة فقاموا لها، فقال: ما هذا؟ قالوا: أمر أبي موسى، يعني: أن أبا موسى الأشعري روى لهم حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر بالقيام للجنازة، يعني: أمر أبي موسى الذي جاء عنه مسنداً ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم بينوا مستندهم في القيام، وأن أبا موسى أمرهم بأمر استند فيه إلى نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي رضي الله عنه: (إنما قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودية ثم لم يعد). يعني: ترك القيام، وما فعله بعد ذلك، فيكون ذلك ناسخاً، ومن المعلوم أنه جاءت أوامر للقيام للجنازة، وليس مجرد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، بل اجتمع فيها فعله وأمره، والترك أيضاً جاء فعله وأمره، يعني: أنه جلس، وأمرهم بالجلوس، فأولئك استندوا إلى ما بلغهم عن أبي موسى رضي الله عنه، وعلي رضي الله عنه بين أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مع جنازة يهودية، ثم إنه لم يعد بعد ذلك إلى القيام للجنازة.
    وهذا يدل على ترك القيام، وأصرح منه ما جاء أنه قام وأمرهم بالقيام، ثم إنه جلس وأمرهم بالجلوس، وذلك متأخر الذي هو الترك، والأمر بالترك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إنما قام رسول الله لجنازة يهودية ولم يعد بعد ذلك)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن منصور].
    هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي نجيح].
    هو عبد الله بن يسار المكي وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجاهد].
    هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بالتفسير والرواية عن ابن عباس فروى عنه التفسير.
    [عن أبي معمر].
    هو عبد الله بن سخبرة الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن علي].
    هو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره وأبو الحسنين الحسن والحسين رضي الله تعالى عنه وعنهما وعن الصحابة أجمعين، وفضائله جمة ومناقبه كثيرة، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب أهل السنة أحاديث كثيرة تدل على فضله، ونبله، وعلو قدره رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وفيه الغنية والكفاية دون حاجة إلى ما وضعه الوضاعون وكذبه الكذابون بحقه، ومما أضافوه إليه مما لم يثبت في حقه رضي الله عنه، ولكنه ثبت في حقه الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل هذه الأمة بعد أبي بكر، وعمر، وعثمان وترتيب الخلفاء الراشدين في الفضل كترتيبهم في الخلافة، فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وقد جاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (كنا نخير ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي فنقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان فيبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام ولا ينكره)، فدل على تقديم أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ويأتي بعدهم علي رضي الله تعالى عنه، وعن الصحابة أجمعين.

    شرح أثر: (أن جنازة مرت بالحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة، حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمد، أن جنازة مرت بـالحسن بن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنه فقام الحسن ولم يقم ابن عباس فقال الحسن: أليس قد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي؟ قال ابن عباس: نعم، ثم جلس].أورد النسائي رحمه الله حديث الحسن وابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما (أنه مر فيهما جنازة فقام الحسن ولم يقم ابن عباس، فقال الحسن رضي الله عنه: أليس قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي؟ قال: نعم، ثم جلس) يعني: أنه جلس بعد ذلك ولم يقم، وليس معنى ذلك: أنه قام وجلس، وإنما المقصود بالجلوس أنه ترك ذلك، وهذا مثل ما جاء عن علي في الحديث الأول أنه قام لجنازة يهودية، ثم لم يعد؛ لأن الحسن رضي الله عنه أورد على ابن عباس في عدم قيامه أن النبي صلى الله عليه وسلم قام، وبيّن ابن عباس رضي الله عنه أنه جلس ولم يقم بعد ذلك، وهذا هو مقصود النسائي من إيراد الحديث في هذه الترجمة وهي: الرخصة في ترك القيام؛ لأن المقصود من قوله جلس أي: ترك القيام فلم يقم للجنازة بعد ذلك.
    وهذا الحديث فيه بيان ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من التعويل على الأدلة؛ لأن الحسن قام، وابن عباس لم يقم، وكل معه حجة ومعه دليل، فـالحسن لما قام، ولم يقم ابن عباس قال له: أليس قد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني: لماذا لم تقم، وقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودية؟ فقال ابن عباس: إنه جلس بعد ذلك، معناه: أن ابن عباس جلس؛ لأنه مستند إلى الترك الذي حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام، والحسن مستند إلى الفعل الذي حصل منه، ولعله لم يكن بلغه الترك، ولهذا أنكر على ابن عباس عدم قيامه، وابن عباس بين له السبب في عدم القيام، وأن الفعل الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم تركه بعد ذلك فلم يقم صلى الله عليه وسلم وإنما جلس، فلم يحصل بعد ذلك منه القيام.

    تراجم رجال إسناد أثر: (أن جنازة مرت بالحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس ...)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد].
    هو ابن زيد وهنا جاء غير منسوب مهمل، وهو يحتمل، والذي اشتهر بهذا وهم في زمن واحد، وفي وقت واحد، هما: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة وهما ثقتان، ولكن أحدهما اشتهر عنه رواة، انفردوا بالرواية عنه، وحماد ممن انفرد بالرواية عنه قتيبة، فإذا جاء قتيبة يروي عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن زيد؛ لأن قتيبة إنما روايته عن حماد بن زيد، وليس عن حماد بن سلمة، فهو ما روى عن حماد بن سلمة، ومثل ذلك أيضاً السفيانين إذا جاء قتيبة يروي عن سفيان فالمراد: ابن عيينة وليس المراد به: الثوري.
    وقد عقد المزي في كتابه تهذيب الكمال بعد ترجمة حماد بن سلمة؛ لأن ترجمة حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، الأولى ترجمة حماد بن زيد ثم حماد بن سلمة؛ لأن هذا بالزاي وهذا بالسين، والسين مجاورة للزاي -، فصلاً وذكر فيه الاشتباه فيهما عند الإطلاق، وعند عدم النسبة، ثم ذكر من الذي يروي عن حماد بن زيد، ومن الذي يروي عن حماد بن سلمة، وأنه إذا جاء فلان، وفلان، وفلان يرويان عن حماد فالمراد به: ابن زيد، وإذا جاء فلان وفلان يروون عن حماد غير منسوب فالمراد به: ابن سلمة.
    ومنهم أي: من الذين يروون عن حماد بن زيد ولا يروون عن حماد بن سلمة قتيبة هذا الذي معنا في الإسناد، وحماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو ابن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [مرت بـالحسن بن علي].
    هو الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو والحسين سيدا شباب أهل الجنة رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [وابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أحد العبادلة الأربعة من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أحد العبادلة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    شرح أثر: (مر بجنازة على الحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم، أخبرنا منصور، عن ابن سيرين مر بجنازة على الحسن بن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنه، فقام الحسن ولم يقم ابن عباس، فقال الحسن لـابن عباس: أما قام لها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال ابن عباس: قام لها، ثم قعد].أورد النسائي رحمه الله حديث الحسن وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل الذي قبله، فالحسن قام، وأنكر على ابن عباس عدم قيامه، وابن عباس أقر بأنه قام، ولكنه قعد بعد ذلك، فمعنى: [قعد] أنه ترك القيام، ولم يقم، فهو مثل الذي قبله تماماً.

    تراجم رجال إسناد أثر: (مر بجنازة على الحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس..) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومثله في كونه شيخ لأصحاب الكتب الستة محمد بن بشار الملقب بندار، ومحمد بن المثنى الملقب الزمن، وهؤلاء الثلاثة ماتوا في سنة واحدة، وكل منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، وقد كانت وفاتهم سنة (252هـ)، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، البخاري توفي سنة (256ه) وهؤلاء الثلاثة وهم من شيوخ البخاري بل من شيوخ أصحاب الكتب الستة كلهم ماتوا في هذه السنة التي هي سنة (252هـ).
    [حدثنا هشيم].
    هو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي.
    والمراد بالتدليس رواية الراوي عمن لقيه وسمع منه، يروي ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع كـ(عن) أو (قال)، فهذا هو التدليس، يعني: تلميذ يروي عن شيخه الذي عرف بالرواية عنه ما لم يسمعه منه، وذلك بلفظ موهم للسماع كـ(عن) أو (قال)، أما إذا أتى بـ(سمعت)، أو (حدثني)، أو (أخبرني) فهذا ما فيه تدليس؛ لأنه صرح فيه بالسماع، (أما الإرسال الخفي فهو: أن يروي عمن عاصره ولم يسمع منه، فإن هذا هو الإرسال الخفي، يعني: المعاصرة موجودة، ولكنه ما سمع منه، والإرسال هو كون الإنسان يروي عمن لم يسمع منه، أو عمن لم يلقه، أما إذا كان بينه وبينه مسافة فهذا صار إرسالاً جلياً كأن يروي عن شخص ما أدركه، يعني: يروي عن شخص مات قبل أن يولد وهذا يقال له إرسال، وهو إرسال بالمعنى العام، وليس بالمعنى المشهور عند المحدثين، فالمرسل عندهم هو الذي يقول فيه التابعي: قال رسول الله؛ لأن هذا الذي اشتهر، ويطلق الإرسال على ما هو أعم من ذلك، وهو كون الإنسان يروي عمن لم يلقه، أو لم يدرك عصره فذلك يكون إرسالاً جلياً، فكونه يروي عمن لم يدرك عصره كالتابعي الذي يروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يقال له: مرسل، لكن إذا كان الشخص قد أدرك عصره، ولكنه لم يلقه، ولم يسمع منه، فهذا يقال له: إرسال خفي؛ لأن المعاصرة فيها إشعار احتمال اللقيا والسماع، فـهشيم بن بشير الواسطي هذا كثير التدليس والإرسال الخفي، فهذا هو الفرق بين التدليس والإرسال الخفي، أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي.
    [أخبرنا منصور].
    هو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن سيرين].
    هو محمد بن سيرين.
    [عن الحسن وابن عباس].
    وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.

    شرح أثر الحسن وابن عباس: (مرت بهما جنازة فقام أحدهما وقعد الآخر ...) من طريق ثالث

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، عن ابن علية، عن سليمان التيمي عن أبي مجلز، عن ابن عباس والحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم مرت بهما جنازة فقام أحدهما وقعد الآخر، فقال الذي قام: أما والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قام، قال له الذي جلس: لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلس].أورد النسائي رحمه الله حديث ابن عباس والحسن من طريق أخرى مثل تلك الطرق إلا أنه أبهم فيها القائم والجالس، والطريقان السابقان جاء فيها تبيين القائم وهو الحسن، والجالس وهو ابن عباس، والمتن هو نفس المتن أحدهما احتج بقيام الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني احتج بأنه ترك القيام، وأنه جلس بعد ذلك ولم يقم.

    تراجم رجال إسناد أثر الحسن وابن عباس: (مرت بهما جنازة فقام أحدهما وقعد الآخر ...) من طريق ثالث

    قوله:
    [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم عن ابن علية].
    يعقوب بن إبراهيم قد مر ذكره، وابن علية قد مر ذكره، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم.
    [عن سليمان التيمي].
    هو سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي مجلز].
    هو لاحق بن حميد السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي مجلز.
    [عن ابن عباس والحسن].
    ابن عباس والحسن قد مر ذكرهما.

    شرح أثر: (أن الحسن بن علي كان جالساً فمر عليه بجنازة فقام الناس... إنما مر بجنازة يهودي ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن هارون البلخي، حدثنا حاتم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن الحسن بن علي كان جالساً فمر عليه بجنازة فقام الناس حتى جاوزت الجنازة فقال الحسن: إنما مر بجنازة يهودي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريقها جالساً فكره أن تعلو رأسه جنازة يهودي فقام].أورد حديث الحسن الذي فيه ترك القيام، وعلل ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قام لجنازة اليهودي؛ لأنه كان جالساً فأراد ألا تعلو رأسه، وهذا التعليل مخالف لما ورد في الروايات السابقة، التي فيها أنه قام من أجل الموت، وكما سيأتي أن القيام من أجل الملائكة، وليس من أجل الجنازة، لكن هذا التعليل قيل: أنه فهم فهمه الحسن من قيام رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن النبي عليه الصلاة والسلام بين في أحاديث أخرى أن القيام إنما هو للموت، ولهذا قال: (إن للموت فزعاً، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) فما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من بيان السبب فهذا هو الصحيح، وأما ما جاء عن الحسن رضي الله تعالى عنه، فقيل: أنه فهم فهمه، والمعتمد والمعول عليه، هو ما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أنه قام من أجل الموت، لأنه قال: (إن للموت فزعاً، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) فقام وأمر الناس بالقيام، يعني: فلا يكون المقصود هو كونها مرت عليه فتكون أعلى من رأسه، كما فهمه الحسن رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    تراجم رجال إسناد أثر: (أن الحسن بن علي كان جالساً فمر عليه بجنازة فقام الناس... إنما مر بجنازة يهودي ...)

    قوله:
    [أخبرنا إبراهيم بن هارون البلخي].
    صدوق، أخرج حديثه الترمذي في الشمائل، والنسائي.
    [حدثنا حاتم].
    هو حاتم بن إسماعيل، وهو صدوق يهم، صحيح الكتاب، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جعفر بن محمد].
    هو جعفر بن محمد بن علي بن حسين، وهو الملقب بـالصادق، قد قال عنه الحافظ في التقريب: هو صدوق، فقيه، إمام، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو إمام من أئمة أهل السنة، ومثله أبوه محمد الملقب بـالباقر.
    [عن أبيه]
    هو محمد بن علي بن حسين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وهذان إمامان من أئمة أهل السنة، وهما من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم، ويصفونهم بصفات لا تليق بهم.
    فأهل السنة والجماعة هم الذين يتكلمون باعتدال، وينزلون الناس منازلهم، وأما أولئك فيتجاوزون الحدود، ويوصلونهم إلى منازل لا يستحقونها، بل يصفونهم بصفات لا تليق بهم، ومن تلك الصفات التي يصفونهم بها أنهم يقولون كما في كتاب الكافي للكليني أنهم يعلمون ما كان، وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم أي: الأئمة الاثنا عشر الذين منهم: جعفر الصادق، ومحمد الباقر، وكذلك قولهم في الكافي، مع أن قول صاحب الكافي -والأحاديث التي أوردها في الكافي هي مكذوبة بلا شك-: إن الأئمة يعلمون جميع الكتب المنزلة على المرسلين، وإنها عندهم، وإنهم يعلمونها بلغاتها، وكذلك قولهم في بعض الأحاديث المكذوبة: إنه ليس شيئاً من الحق إلا ما كان من عند الأئمة، وإن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، معناه: فكل شيء خرج عن طريق الصحابة يعني: عن أبي بكر، وعمر، وعثمان والصحابة، فإنه من الباطل وليس من الحق، والحق هو ما خرج من عند الأئمة.
    وكذلك أيضاً يقول في الكافي: إن واحداً من الأئمة يقول لبعض الشيعة: الناس ثلاثة: عالم، ومتعلم، وغثاء، فنحن العالمون -يعني: الأئمة- وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء، يعني: الذين ليسوا من أئمة الاثني عشر، ولا من شيعة الأئمة الاثني عشر هؤلاء غثاء، فهذا حديث من أحاديث الكافي وهذا كلام المتقدمين، أما كلام المتأخرين المعاصرين، فيقول الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية: (وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل)، وقوله: (إن من ضروريات مذهبنا) أي: مذهب الرافضة، (أن لأئمتنا) أي: الاثني عشر ومنهم: جعفر، ومحمد الذي هو معنا في هذا الإسناد (مقام لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل)، هذا كلام المتأخرين المعاصرين، وذاك كلام المتقدمين، وكلها غلو وإطراء وتجاوز للحدود، وخروج عن الصراط المستقيم، أما أهل السنة والجماعة فهم يحبون أهل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام ويتولونهم، ومن كان منهم من أهل الإيمان والتقى يحبونه لإيمانه ولتقواه، ويحبونه لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، يقول: (والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي)، والأثر في صحيح البخاري، ويقول: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته) والأثر في صحيح البخاري.
    وأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فإنه يقول للعباس: (والله لإسلامك أحب إليّ من إسلام الخطاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يحب إسلامك)، فهو يحب، ويفرح بإسلام العباس أعظم من فرحه بإسلام الخطاب، وذلك لمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم لإسلام العباس، فهذا كلام أئمة أهل السنة، والمقدمين عند أهل السنة والجماعة أبي بكر، وعمر هذا هو الذي قالوه في أهل البيت، وأهل السنة والجماعة على طريقتهم يتولونهم، ويحبون من كان منهم مؤمناً، ويحبونه أيضاً لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وجعفر بن محمد، ومحمد بن علي، والحسن هؤلاء ثلاثة من أئمة أهل السنة، وهم من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم، ويقولون فيهم ما قالوا، وبئس ما قالوا.

    شرح حديث: (قام النبي لجنازة يهودي مرت به حتى توارت)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً رضي الله تعالى عنه يقول: قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي مرت به حتى توارت، وأخبرني أبو الزبير أيضاً أنه سمع جابراً رضي الله عنه يقول: قام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لجنازة يهودي حتى توارت].أورد النسائي رحمه الله حديث جابر من طريقين وهي من طريق واحد، ولكنها بلفظين، أي: أبو الزبير يروي عن جابر وسمع جابراً، ورواه النسائي عنه من طريقين عن أبي الزبير أنه قال: [قام النبي لجنازة يهودي مرت به حتى توارت].
    يعني: حتى تجاوزت، ومضت، ونفذت، فهو مثل الذي قبله، فعندنا لفظان الأول قوله: [قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي مرت به حتى توارت]، ثم اللفظ الآخر قوله: [.. جنازة يهودي].
    وهذا اللفظ لا يتفق مع هذه الترجمة؛ لأنه يتعلق بالقيام للجنازة، والترجمة إنما هي للرخصة في ترك القيام للجنازة، فليس فيه دلالة على الترجمة؛ لأن فيه إثبات القيام للجنازة حتى توارت، فهو يناسب للترجمة السابقة التي هي القيام للجنازة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (قام النبي لجنازة يهودي مرت به حتى توارت)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن رافع].
    هو القشيري النيسابوري يتفق مع الإمام مسلم، في نسبه ووطنه.


  20. #340
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (337)

    - (باب النهي عن ذكر الهلكى إلا بخير) إلى (باب الأمر باتباع الجنائز)

    المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده سواء الأحياء منهم أو الأموات، أما الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا إلا إذا وجدت مصلحة، وقد حث الإسلام على التواصل الاجتماعي بين المسلمين، ومن ذلك اتباع جنازة الميت.
    النهي عن ذكر الهلكى إلا بخير

    شرح حديث: (لا تذكروا هلكاكم إلا بخير)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن ذكر الهلكى إلا بخير.أخبرنا إبراهيم بن يعقوب، حدثني أحمد بن إسحاق، حدثنا وهيب، حدثنا منصور بن عبد الرحمن، عن أمه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم هالك بسوء فقال: لا تذكروا هلكاكم إلا بخير)].
    يقول النسائي رحمه الله: النهي عن ذكر الهلكى إلا بخير. والهلكى هم الموتى، ومراد النسائي من هذه الترجمة بيان أن السنة جاءت في النهي عن ذلك، وقد أورد الحديث الدال على ذلك، وهو أنه ذكر هالك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فقال: [(لا تذكروا هلكاكم إلا بخير)]، وجاء في رواية أخرى في حديث سيأتي: (فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) وذلك أن الحي يمكن أن يتأثر ويمكن أن يتغير؛ لأنه لا يزال على قيد الحياة، وأما الذي مات فإنه قد انتهى إلى ما انتهى إليه، وقدم على ما قدم من خير أو شر، فيذكر بخير، ويدعى له، لكن إذا كان هناك مصلحة في بيان حاله حتى لا يغتر به، وحتى يحذر أن يقلد، وأن يسار على نهجه، فإن السنة قد جاءت فيما يدل على جواز ذلك، وقد مر في بعض الأحاديث القريبة (أن النبي عليه الصلاة والسلام مروا عليه بجنازة، فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، ومر عليه بجنازة أخرى، فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت) وما نهاهم عن ذلك الذكر الذي قال عنه: (وجبت) وقد أجاب بعض العلماء عما قد يظهر بين الحديثين من التعارض: بأن الذي أقر ذكره بالسوء هو الكافر، أو المنافق، أو الذي يخشى أن يغتر به، وأن يتابع على ما هو عليه من بدعة وفسوق إذا لم تبين حاله، فإنه في هذه الحالة لا بأس أن يذكر بما فيه؛ حتى لا يغتر به أحد، وأما إذا كان ليس كذلك، ولا يخشى أن يغتر به أحد، فإنه يدعى له، ويترحم عليه، ولا يذكر إلا بخير، وهذا هو الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: [(لا تذكروا هلكاكم إلا بخير)] يعني: فليس كل الهلكى يكونون كذلك، وإنما بعض الهلكى، وأما بعضهم، كالمنافقين، والذين عندهم بدع، ويخشى أن يغتر بهم فإذا بينت حالهم وذكروا بما فيهم حتى تعرف حالهم، وحتى لا يغتر بهم أحد، فإن هذا لا بأس به، وهو الذي تقتضيه النصيحة، ويقتضيه النصح للناس حتى لا يغتروا بمن عنده من سوء وبدع، وأمور منكرة، فلو ذكر بخيرٍ وسكت عما فيه من السوء، فإنه قد يغتر بذلك.
    الحاصل: أن التوفيق بين هذا الحديث الذي معنا والأحاديث التي مرت في كون النبي صلى الله عليه وسلم أقر الذين ذكروه بسوء وقال: وجبت، وهنا قال: [(لا تذكروا موتاكم إلا بخير)] هذا يحمل على بعض الموتى، وذاك يحمل على بعض الموتى.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تذكروا هلكاكم إلا بخير)

    قوله:
    [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].
    هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثني أحمد بن إسحاق].
    هو أحمد بن إسحاق الفطري البصري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي والنسائي.
    [حدثنا وهيب].
    هو وهيب بن خالد البصري، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا منصور بن عبد الرحمن].
    هو منصور بن عبد الرحمن الحجبي المكي يعني: من بني عبد الدار من بني شيبة الذين هم سدنة الكعبة ويقال لهم: الحجبة، ويقال: نسب إليهم الحجبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن أمه].
    هي صفية بنت شيبة، وقيل: إن لها رؤية، واختلف في سماعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي معروفة، ومشهورة بالرواية عن عائشة، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق التي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي من أوعية السنة وحفظتها، وقد حفظت الشيء الكثير من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لا سيما ما يتعلق بالأمور البيتية، والأمور التي تجري بين الرجل وأهله، وهي واحدة من سبعة أشخاص من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين عرفوا بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، ستة رجال، وامرأة واحدة، الستة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وأنس، وجابر، والمرأة السابعة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهي ذات الفضائل والمناقب الجمة الكثيرة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد أنزل الله تعالى في براءتها مما رميت به من الإفك آيات تتلى في سورة النور، ومع ما أكرمها الله عز وجل به من إنزال براءتها في آيات تتلى من سورة النور، فكانت متواضعة، وكانت لا ترى لنفسها شأناً، ولهذا قالت: كنت أتمنى وأرجو أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله بها، ثم قالت: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى فيّ آيات تتلى. وهذا من تواضعها، وهذا شأن أولياء الله عز وجل، جمعوا بين الكمال والتواضع لله عز وجل، فهم مع كمالهم يعترفون، ويشعرون بالتقصير، ويتواضعون لله عز وجل، ومن تواضع لله رفعه الله، ولهذا يقول الله عز وجل فيهم: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )[المؤمنون:60] فهذا من تواضعها رضي الله عنها وأرضاها كونها تقول: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى فيّ آيات تتلى.
    وابن القيم رحمه الله في كتابه (جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام) وهو كتاب نفيس يتعلق بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبيان ما ورد فيها من الأحاديث وبيان فقهها، وهو كتاب واسع ومفيد، وهو خير ما ألف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من حيث ما ورد في ذلك من الأحاديث، ومن حيث ما اشتملت عليه من الحكم والأحكام والأسرار، وكان مما اشتملت عليه: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الآل، وبمناسبة ذكر الآل: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد. وقد ترجم ابن القيم لكل واحدة من أمهات المؤمنين ترجمة مختصرة، وكان مما ذكره من ترجمة عائشة بيان تواضعها، وقولها عن نفسها: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله عز وجل فيّ آيات تتلى. ثم قال: أين هذا ممن يصوم لله يوماً من الدهر، أو يصلي ركعتين في الليل، ثم يقول: أنا كذا، وأنا كذا، وأنا كذا، ويذكر أعماله ويفتخر بها، وهذه أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، يحصل لها ما يحصل من الفضائل، ويكرمها الله عز وجل بما أكرمها به من الإكرام، ومع ذلك تقول عن نفسها: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى فيّ آيات تتلى.


    النهي عن سب الأموات

    شرح حديث: (لا تسبوا الأموات...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن سب الأموات. أخبرنا حميد بن مسعدة، عن بشر وهو ابن المفضل، عن شعبة، عن سليمان الأعمش، عن مجاهد، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: النهي عن سب الأموات. وهي قريبة من الترجمة التي قبلها، فالترجمة التي قبلها: النهي عن ذكر الهلكى إلا بخير. أتى بهذه الترجمة لتطابق متن الحديث؛ لأن الحديث: (لا تذكروا هلكاكم إلا بخير) وهنا أتى بالنهي عن سب الأموات لتطابق الحديث، وإلا فإن مؤداهما واحد، إلا أن الأولى أنهم لا يذكرون إلا بخير، وقد عرفنا أن هذا في حق من لم يكن أهلاً ليذكر حتى لا يغتر به، وحتى لا يقلد، ويتابع على ما هو معروف به من الأمور المنكرة، والأمور المحرمة، وأما إذا ذكر الموتى والهلكى بالسوء فليس من الحق، ومن المجاوزة للحد من ذكرهم بما هو ليس حاصلاً منهم، فإن هذا يكون زيادة في حسنات الأموات، ونقصاً في حسنات الأحياء الذين سبوهم، كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة، وزكاة، وصيام، وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار).
    والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) وهذا في حق الكلام في الأحياء والأموات، والإنسان إما أن يتكلم بخير، وإلا فإن الذي عليه هو السكوت والصمت وحفظ لسانه؛ لأن إطلاق اللسان في الأحياء والأموات بما ليس فيهم، أو ذكرهم بزيادة عما فيهم لا شك أن هذا فيه ضرر على القائل، وفيه مضرة على قائله وهو من الجناية من الإنسان على قائله، ولما قيل لـعائشة رضي الله تعالى عنها: أن أناساً كانوا يذكرون بعض الصحابة ويتكلمون فيهم فقالت: أمروا أن يستغفروا لهم، فسبوهم. معناه: أنهم لم يمتثلوا ما أمروا به من الاستغفار لمن تقدم، بل سبوهم وتكلموا فيهم بما لا ينبغي، مرادها في ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )[الحشر:10]، فلما تكلم الناس في عهد الفتنة في عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، بلغ عائشة ما تكلم به فقالت: (أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبوهم)، بدلاً من أن يستغفروا لهم وأن يذكروهم بخير، ذكروهم بسوء، وذكروهم بما لا ينبغي أن يذكروا به، وبما لا يليق بحقهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ولا شك أن من تكلم بما لا ينبغي أن جنايته على نفسه، وأن ضرره على نفسه، وقد ورد في حديث ذكره شارح الطحاوية ونسبه إلى مسلم، وهو وهم؛ لأنه ليس في صحيح مسلم، وإنما هو فيه زيادة رزين على الأصول الستة، وهو أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قيل لها: (إن أناساً يقعون في أبي بكر، وعمر، قالت: أو تعجبون من ذلك؟ انقطع عنهم العمل، فأحب الله ألا ينقطع عنهم الأجر)، بمعنى أن الذي يتكلم فيهم يؤخذ من حسناته فيعطى لمن تكلم فيه، والحديث في جامع الأصول من الزيادات التي زادها رزين، فهو ليس في الكتب الستة، وليس مما أخرجه أصحاب الكتب الستة، وإنما هو بالزيادات التي زادها رزين.
    وكتاب جامع الأصول يأتي بالمتون، ويشير إلى أصحاب الكتب الستة الذين خرجوا الأحاديث، وذلك بالرموز عند أول كل حديث، وإذا كان الحديث ليس في الكتب الستة، ولكنه من زيادة رزين أغفله ابن الأثير، فيذكره بدون رموز، وهذا الحديث الذي هو من زيادة رزين عن عائشة هو من هذا القبيل الذي ذكره بدون رموز، يعني: ما رواه لا البخاري، ولا مسلم، ولا غيره من أصحاب الكتب، وإنما هو من الزيادات التي زادها رزين العبدري في كتابه الذي جمع فيه الأصول، واختصره ابن الأثير في كتابه جامع الأصول، ولكنه ذكر زيادة رزين وأغفلها من الرموز، فيكون معناه: أنه من زيادة رزين، ولعل الذي وهم أراد ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم، وهو في آخر صحيح مسلم؛ وفي التفسير عند نهاية الكتاب، أنه لما ذكر عثمان في الفتنة قالت: (أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبوهم)، لعل هذا هو الذي وهم بأنه في صحيح مسلم.
    ومعنى الحديث واضح في أن ذكر الموتى بغير حق يعود على صاحبه بالمضرة، وأنه يكون زيادة في حسنات المذكور أو المسبوب، ونقصاً من حسنات الساب، وحديث المفلس كما ذكرت الذي في الصحيحين واضح الدلالة على هذا المعنى.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تسبوا الأموات...)

    قوله:
    [أخبرنا حميد بن مسعدة].
    هو حميد بن مسعدة البصري وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن بشر هو: ابن المفضل].
    ثقة، ثبت، عابد أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو: ابن المفضل) زادها النسائي، أو من دون النسائي، ولم يزدها حميد بن مسعدة؛ لأن تلميذه حميد إذا أراد أن ينسب شيخه يذكره كما يريد، ولا يحتاج إلى أن يقول: (هو)، وإنما الذي يحتاج أن يقول (هو) هو من دون التلميذ.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي لقبه الأعمش هنا ذكر باسمه ولقبه، اسمه سليمان، ولقبه الأعمش، ويأتي ذكره بالاسم دون اللقب، ويأتي ذكره باللقب دون الاسم، فيقال أحياناً: سليمان، وأحياناً يقال: الأعمش، وقد يجمع بينهما كما هنا سليمان الأعمش، ومعرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، فائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة بالاسم ومرة باللقب، فالذي لا يعرف أن هذا اسم، وهذا لقب، يظن أن هذا شخص، وهذا شخص مع أنهما شخص واحد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجاهد].
    هو مجاهد بن جبر المكي المفسر، المحدث، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد تقدم ذكرها.

    شرح حديث: (يتبع الميت ثلاثة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن أبي بكر سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يتبع الميت ثلاثة: أهله، وماله، وعمله، فيرجع اثنان أهله وماله، ويبقى واحد عمله)].أورد النسائي رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى واحد وهو عمله)، وهذا الحديث أورده النسائي في هذه الترجمة وهي: النهي عن سب الأموات، وهو ليس بواضح الدخول تحت هذه الترجمة، هو والحديث الذي بعده، وهو أوثق بالترجمة الآتية، وهي: اتباع الجنازة؛ لأن هنا فيه ذكر الاتباع، وأن أهله يتبعونه، وماله يتبعه، وعمله كذلك، فيرجع الأهل والمال، ويبقى العمل، فهو أوثق بالاتباع وهي الترجمة التي تلي هذه الترجمة، وأما النهي عن سب الأموات فالحديث الذي مر: (لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) هذا هو المطابق للترجمة، وهذا الحديث والذي يليه ليس واضح الدلالة على الترجمة، بل هو أوثق بالترجمة اللاحقة التي هي اتباع الجنازة؛ لأن هذين الحديثين يتعلقان باتباع الجنائز.
    قوله صلى الله عليه وسلم: [(يتبع الميت ثلاثة: أهله، وماله، وعمله، فيرجع اثنان: أهله، وماله. ويبقى عمله)] فإن المقصود بالأهل هم أهله وذووه، ومن المعلوم أن تخصيص الأهل، ذكروا لأنهم هم أولى الناس به، وهم الذين يحرصون على ذلك أكثر مما يحرص غيرهم ممن ليس من أهله، فأهل الإنسان هم الذين يعنون بشأنه، وهم الذين يذهبون معه، وهذا هو وجه التخصيص أي: بكونهم يتبعونه، ويتبعه غيرهم، لكن ذكرهم، لأنهم هم أخص الناس به، وهم أولى الناس به، ولو تأخر الناس عنه فإنهم لا يتأخرون، بل يقومون لما بينهم وبينهم من القرابة، ولما بينهم وبينهم من الرحم، يعني: يحصل منهم هذه المهمة.
    وماله يقصد به رقيقه، إذا كان له رقيق معناه أنهم يذهبون معه، فيرجع الأهل والمال، ويبقى العمل الذي إن كان خيراً انتفع به، وإن كان شراً تضرر به كما جاء ذلك موضحاً في أحاديث رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذا هو معنى الحديث: [(يتبع الميت أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد)]، وقوله: (يتبعه) هذا إنما هو في الغالب، وإلا فإنه قد لا يتبعه، يعني: بعض الناس لا يحصل له ذلك، ولا يتأتى له ذلك بأن يكون يذهب معه أهله وماله، فقد يموت في مكان ليس له فيه أهل، ولا مال، ثم يتبعه من يتبعه من ليس له به قرابة، ولكن هذا إنما هو في الأغلب، أن الإنسان يموت ويكون حوله أهله وماله إذا كان له مال الذي هو رقيق، فيتبعونه، وإلا فقد لا يتبعه لا أهله ولا ماله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (يتبع الميت ثلاثة...)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء سفيان غير منسوب ويروي عنه قتيبة فيحمل على ابن عيينة، وليس على الثوري؛ لأن سفيان بن عيينة هو الذي أدرك قتيبة مدة طويلة من حياته، تقارب أربعين سنة؛ لأن قتيبة بن سعيد عمره تسعون سنة، ولد سنة (150هـ) في السنة التي مات فيها أبو حنيفة وولد فيها الشافعي، ومات سنة (240هـ)، فهو ولد مع الشافعي في سنة واحدة، والشافعي توفي سنة (204هـ) وقتيبة عاش بعده ستاً وثلاثين سنة، فـسفيان بن عيينة تأخرت وفاته إلى قريب من المائتين، يعني: فوق التسعين ومائة، وأما الثوري فإنه مات سنة (161هـ) يعني: عمر قتيبة يوم مات الثوري عشر سنوات أو إحدى عشرة سنة، فهو صغير ما أدرك من حياته إلا فترة وجيزة، فإذا جاء قتيبة يروي عن سفيان، وسفيان غير منسوب، فهو يحمل على ابن عيينة، وقد مر أيضاً أنه إذا جاء قتيبة يروي عن حماد، فهو يحمل على ابن زيد وليس على ابن سلمة.
    [عن عبد الله بن أبي بكر].
    هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أنس بن مالك].
    رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث من الأسانيد العالية عند النسائي، قتيبة عن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أنس فهو رباعي وهو أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عنده أعلى من الرباعيات، ليس عنده ثلاثيات، وأصحاب الكتب الستة البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ثلاثة منهم لهم ثلاثيات، وثلاثة منهم ليس لهم إلا الرباعيات، والذين لهم ثلاثيات البخاري له اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية بإسناد واحد وهو إسناد ضعيف، هؤلاء الثلاثة لهم أسانيد ثلاثية.
    أما مسلم، وأبو داود، والنسائي، فأعلى ما عندهم الرباعيات وليس عندهم ثلاثيات، والنسائي أنزل ما عنده العشاريات، العشاري يعني: أطول إسناد، عنده فيه عشرة أشخاص، والحديث قد مر بنا في فضل: (قل هو الله أحد)، وفيه بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام عشرة أشخاص، فأعلى إسناد عنده الرباعيات، وأنزل إسناد عنده العشاري.

    شرح حديث: (للمؤمن على المؤمن ست خصال: ... ويشهده إذا مات ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة، حدثنا محمد بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (للمؤمن على المؤمن ست خصال: يعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويسلم عليه إذا لقيه، ويشمته إذا عطس، وينصح له إذا غاب أو شهد)].أورد النسائي رحمه الله هذا الحديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه [للمسلم على المسلم ست خصال] هذه الخصال منها: اتباع الجنازة، وكما قلت: هذا الحديث والذي قبله ألصق بالترجمة الآتية وهي: اتباع الجنازة، وليس واضح الدخول تحت ترجمة: النهي عن سب الأموات، بل هو واضح الدخول في الترجمة اللاحقة وهي: اتباع الجنازة.
    قوله: [للمؤمن على المؤمن ست خصال: يعوده إذا مرض].
    يعني: في حال مرضه يعوده ويؤنسه، ويدعو له ويهون عليه ما هو فيه من المصيبة، وما هو فيه من المرض، ويذكره بما يعود عليه بالخير؛ لأن هذا هو شأن الجليس الصالح، والإنسان الذي يزور المريض فيؤنسه، ويدعو له، ويذكره بما ينبغي أن يذكر به، فهذا من حق المسلم على المسلم.
    قوله: [ويشهده إذا مات].
    يعني: يشهد جنازته، بأن يصلي عليه ويشهد دفنه، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذا الموطن، وفي هذا المكان، والمراد بذلك: اتباع الجنازة، وهذا هو المطابق للترجمة الآتية.
    قوله: [ويجيبه إذا دعاه].
    إذا دعاه إلى وليمة، أو دعاه إلى طعام فيجيبه ويؤنسه، وهذا فيما إذا رأى المصلحة في ذلك، ولم يترتب على الاستجابة مفسدة، بحيث يفوت الإنسان كثيراً من المصالح؛ لأن الإنسان لو استجاب لكل دعوة، فإنه يفوت مصالح كثيرة، ولكن حيث يرى المصلحة في ذلك فإنه يجيبه إلى دعوته إذا دعاه لطعام.
    قوله: [ويسلم عليه إذا لقيه].
    وهذا من حق المسلم على المسلم، وابتداء السلام سنة ورده واجب.
    قوله: [ويشمته إذا عطس].
    إذا عطس وحمد الله، فإنه يشمته فيقول: يرحمكم الله، أما إذا لم يحمد الله، فإنه لا يشمت، ثم يجيب المشمت بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم، كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [وينصح له إذا غاب أو شهد].
    يعني: يبذل النصيحة له حاضراً وغائباً، فلا يكون ناصحاً له حال حضوره وإذا غاب يتغير الحال، وإنما يكون له ناصحاً في حال حضوره وفي حال غيابه، في حال شهوده وفي حال عدم شهوده وفي جميع الأحوال.

    تراجم رجال إسناد حديث: (للمؤمن على المؤمن ست خصال: ... ويشهده إذا مات ...)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    قد مر ذكره.
    [حدثنا محمد بن موسى].
    هو محمد بن موسى الفطري، صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سعيد بن أبي سعيد].
    هو المقبري وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.


    الأمر باتباع الجنائز

    شرح حديث: (أمرنا رسول الله بسبع ... واتباع الجنائز ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر باتباع الجنائز. أخبرنا سليمان بن منصور البلخي، حدثنا أبو الأحوص، (ح) أخبرنا هناد بن السري في حديثه عن أبي الأحوص، عن أشعث، عن معاوية بن سويد قال هناد: قال البراء بن عازب، وقال سليمان: عن البراء بن عازب قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، ونصرة المظلوم، وإفشاء السلام، وإجابة الداعي، واتباع الجنائز، ونهانا عن خواتيم الذهب، وعن آنية الفضة، وعن المياثر، والقسية، والإستبرق، والحرير، والديباج)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: الأمر باتباع الجنائز، وأورد تحت هذه الترجمة حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع)، وكان من بين هذه السبع المأمور بها اتباع الجنائز، وهذا هو محل الشاهد.
    قوله: [(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض وتشميت العاطس)].
    وهذان مرا في الحديث السابق.
    قوله: [وإبرار القسم] في بعض الروايات: (المقسم)، ومعنى ذلك: أن الإنسان إذا أقسم عليه إنسان وكانت المصلحة في إبرار قسمه أن يبر بقسمه إذا حلف عليه أن يفعل كذا ولا يخالف، فإذا حلف عليه أن يجلس في هذا المكان يجلس، أو حلف عليه أنه يأكل هذا الطعام يأكل، يعني: يبر بقسمه، يعني: لا يجعله يحلف في قسمه بأن يخالفه، ولكن هذا كما هو معلوم ليس دائماً وأبداً، بل إذا كانت ترجحت المصلحة، ولم يكن هناك مضرة؛ لأنه أحياناً قد يحلف على الإنسان، ويترتب على كونه يبر بقسمه مضرة، ومن المعلوم أنه إذا حصل الحنث فإنه يكفر كفارة يمين، إذا لم تبر يمينه فإنه يكفرها كفارة، وهي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فمن لم يجد لا هذا ولا هذا فيصوم ثلاثة أيام، كما جاء بيان الكفارة في سورة المائدة، ولكن كونه يبر بقسمه حيث تكون المصلحة في ذلك، فإن هذا مما يجلب الألفة والمودة بين المسلمين.
    قوله: [ونصرة المظلوم] الذي يُظلم ويعتدى عليه، يعان على ظالمه، ويمنع الظالم من ظلمه على حسب قدرة الإنسان في تلك النصرة.
    قوله: [وإفشاء السلام] يعني: يسلم عليه إذا لقيه.
    [وإجابة الداعي].
    قوله: [واتباع الجنائز] وهذا هو محل الشاهد.
    قوله: [ونهانا عن خواتيم الذهب] وهذا بالنسبة للرجال، وكذلك أواني الفضة، وهذا للرجال والنساء؛ لأن الأواني لا يجوز استعمالها لا للرجال ولا للنساء.
    قوله: [وعن المياثر والقسية].
    والمياثر هي: غطاء محشو يجعل على الرحل يركب عليه الراكب، وفيه حرير، أو معمول من الحرير، والقسية وهي نسبة إلى بلد والمراد به أيضاً نوع من أنواع الحرير، وقيل: إنه اللباس الذي خلط بحرير.
    قوله: [والاستبرق والديباج] هما نوعان نفيسان من الحرير، الحرير عام، وتلك أسماء خاصة لأنواع من الحرير تتميز بصفاتها عن عموم الحرير، فالديباج والاستبرق نوعان نفيسان من أنواع الحرير، فالحرير عام، والاستبرق والديباج أشياء خاصة وهي من أنواع الحرير، والمقصود من ذلك: المنع من استعمال هذه الأمور جميعها للرجال، وبالنسبة للنساء لا يمنعن من اتخاذ الخواتيم، واستعمال الذهب في الحلي والتزين، وأما بالنسبة لآنية الفضة فهذه يمنع منها الرجال والنساء، وأما ما يتعلق بالحرير فإنه يمنع من لبسه الرجال دون النساء.
    وقد ثبت في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ذهباً بيمينه وحريراً بشماله فقال: هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها).

    تراجم رجال إسناد حديث: (أمرنا رسول الله بسبع ... واتباع الجنائز ...)

    قوله:
    [أخبرنا سليمان بن منصور البلخي].
    ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    وفي التقريب قال: ثقة لا بأس به، ولا أدري هل هي خطأ الجمع بينهما أو أن إحداهما..
    وعلى كل لا أدري، لكنه قال في التقريب كما في النسخة المصرية: ثقة لا بأس به.
    [حدثنا أبو الأحوص].
    هو سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وهو ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ثم قال: (ح) وأخبرنا هناد بن السري].
    (ح) وهذه هي علامة التحول من إسناد إلى إسناد.
    [أخبرنا هناد بن السري].
    هو هناد بن السري أبو السري الكوفي، وهو ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي الأحوص].
    الذي مر في الإسناد السابق.
    [عن أشعث].
    هو ابن أبي الشعثاء المحاربي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن معاوية بن سويد].
    هو معاوية بن سويد بن مقرن المزني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    ثم إن النسائي ذكر أن شيخيه كل منهما له عبارة في إضافة الحديث إلى الصحابي، فأحدهما وهو هناد قال: [قال البراء بن عازب].
    وتعبيره عندما ذكر البراء قال: قال البراء بن عازب، يعني: أن معاوية بن سويد بن مقرن في تعبيره في إسناده الحديث إلى البراء قال: قال البراء، وهذا في رواية هناد الذي هو شيخه الثاني في الإسنادين.
    [وقال سليمان عن البراء]
    سليمان الذي هو سليمان بن منصور البلخي قال: عن البراء، يعني: ذاك عبر بـ(قال) وهذا عبر بـ(عن)، هذا هو المقصود بهاتين الجملتين اللتين ذكرهما قبل المتن؛ لأنه ساق الإسناد، ثم قبل أن يذكر المتن ذكر العبارة التي جاءت من طريق هناد، وأنها (قال البراء) والعبارة التي جاءت من طريق سليمان بن منصور البلخي، وأنها (عن البراء).
    والبراء بن عازب صاحب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •