والآيتان بينتان أنهما
في المؤمنين وإنما قلت في الأحرار المؤمنين خاصة بتأول ونحن بالآيتين لا نجيز شهادة أهل الذمة فيما بينهم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فرجع بعضهم إلى قولنا فقال لا تجوز شهادة أهل الذمة.
وقال: القرآن يدل على ما قلتم وأقام أكثرهم على إجازتها فقلت له: لو لم يكن عليكم حجة فيما ادعيتم في الآيتين إلا إجازة شهادة أهل الذمة كنتم محجوجين ليس لكم أن تتأولوا على أحد ما قلتم؛ لأنكم خالفتموه وكنتم أولى بخلاف ظاهر ما تأولتم من غيركم.
قال فإنما أجزنا شهادة أهل الذمة بآية أخرى، قلنا وما هي؟ قال قول الله عز وجل {حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم} فقلت له: أناسخة هذه الآية عندك ل {شهيدين من رجالكم}، أو منسوخة بها؟ قال ليست بناسخة ولا منسوخة، ولكن كل فيما نزل فيه: قلت فقولك إذا لا يجوز إلا الأحرار المسلمون ليس كما قلت، قال فأنت تقول بهذا؟ قلت: لست أقول به، بل سمعت من أرضى يقول فيه غير ما قلت، قال فإنا نقول هي في المشركين فقلت فقل هي في جماعة المشركين أهل الأوثان وغيرهم؛ لأن كلهم مشرك وأجز شهادة بعضهم لبعض، قال: لا قلت، فمن قال هي في أهل الكتاب خاصة.
أرأيت إن قال قائل أجيز شهادة أهل الأوثان دون أهل الكتاب؛ لأن أهل الأوثان لم يبدلوا كتابا إنما وجدوا آباءهم على ضلال فتبعوهم وأهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله عز وجل وكتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا هذا من عند الله.
فلما بان لنا أن أهل الكتاب عمدوا الكذب على الله لم تكن شهادتهم جائزة، فأخبرنا الله عز وجل أنهم كذبة وإذ كنا نبطل الشهادة بالكذب على الآدميين كانوا هم أولى فإذا تقول له ما أعلمه إلا أحسن مذهبا وأقوى حجة منك، قلت له أفتجيز شهادة أهل الذمة على وصية مسلم اليوم كما زعمت أنها في القرآن؟ قال: لا قلت ولم قال هي منسوخة قلت بماذا قال بقوله {ذوي عدل منكم} قلت وما نسخ لم يعمل به وعمل بالذي نسخه قال نعم قلت فقد زعمت بلسانك أنك خالفت القرآن إذ زعمت أن الله شرط أن لا يجوز إلا مسلم وأجزت كافرا، وإذا نسخت فيما زعمت أنها نزلت فيه أفتثبت في غير ما نزلت فيه؟ قال: لا قلت فما الحجة في إجازة شهادة أهل الذمة قال إن شريحا أجازها فقلت له أنت تزعم أنها منسوخة بقول الله عز وجل {ذوي عدل منكم} أو {شهيدين من رجالكم} يعني المؤمنين، ثم تخالف هذا.
قال فإن شريحا أعلم مني: قلت فلا تقل هي منسوخة إذا قال فهل يخالف شريحا غيره؟ قلت: نعم سعيد بن المسيب وابن حزم وغيرهما وفي كتاب الله الحجة التي هي أقوى من هذا وقلت له تخالف أنت شريحا فيما ليس فيه كتاب ولا له فيه مخالف مثله قال إني لأفعل قلت له وكيف تحتج به على الكتاب وعلى ما له فيه مخالف وأنت تدع قوله لرأي نفسك؟ فقال أجزت شهادتهم للرفق بهم لئلا تبطل حقوقهم إن لم نجز شهادتهم بينهم.
فقلت له نحن لم نبطل حقوقهم فيما بينهم لهم حكام لم يزالوا يتراضون بهم لا ندخل في أمرهم فإن أرادوا دخولنا في أحكامهم لم ندخل إلا بما أمرنا الله تعالى به من إجازة شهادة من أمرنا من المسلمين وقلت له: أرأيت إذا اعتللت بالرفق بهم لئلا تبطل حقوقهم فالرفق بالمسلمين يلتعن، أو الرفق بهم؟ (قال): بل الرفق بالمسلمين.
قلت له: ما تقول في عبيد عدول مأمونين كانوا بموضع في صناعة، أو على حفظ مال فشهد بعضهم لبعض في دم، أو مال؟ قال لا تجوز شهادتهم قلت: فما تقول في أهل البحر، والأعراب الأحرار المسلمين لا يخالطهم غيرهم إذا لم نجد من يعدلهم من أهل العدل فشهد بعضهم لبعض في دم، أو مال؟ قال لا تجوز
شهادتهم قلت فإذا لم تجزها بطلت حقوقهم بينهم (قال): وإن بطلت، فأنا لم أبطلها وإنما أمرت بأخذ الحق بالعدول الأحرار فإذا كانوا عدولا غير أحرار فقد نقصوا أحد الشرطين، أو كانوا أحرارا لا يعرف عدلهم فقد نقصوا أحد الشرطين قلت والشرط الثالث مؤمنين؟ قال نعم: قلت فقد نقص أهل الكتاب أعظم الشروط الإيمان وأجزت شهادتهم ونقص العبيد، والأحرار أقل الشروط فرددت شهادتهم وفيهم شرطان ولم إذا اعتللت بالرفق بهم لم ترفق بالمسلمين فتجيز شهادة بعضهم على بعض فالعبيد العدول لو عتق أحدهم اليوم جازت شهادته وأهل الذمة لو أسلموا لم تقبل شهادتهم حتى نختبر إسلامهم بعد مدة تطول، والمسلمون أولى بأن نرفق بهم ونحتاط لهم في أن لا نبطل حقوقهم من المشركين (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فما زاد على أن قال هكذا قال أصحابنا.
وقلت: أرأيت قول الله تبارك وتعالى {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} أليس بين في كتاب الله عز وجل بأن فرض غسل القدمين، أو مسحهما؟ قال بلى: قلت لم مسحت على الخفين ومن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس إلى اليوم من ترك المسح على الخفين ويعنف من مسح؟ قال ليس في رد من رده حجة، وإذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء لم يضره من خالفه.
وقلت ونعمل به وهو مختلف فيه كما نعمل به لو كان متفقا عليه ولا نعرضه على القرآن؟ قال لا، بل سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على معنى ما أراد الله عز وجل قلنا فلم لا تقول بهذا في اليمين مع الشاهد وغيره مما تخالف فيه الحديث وتريد إبطال الحديث الثابت بالتأويل وبأن تقول الحديث يخالف ظاهر القرآن وقلت له: قال الله عز وجل {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وقال الله عز وجل {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وقال بعض الخوارج بمثل معنى قولك في اليمين مع الشاهد يقطع كل من لزمه اسم سرقة قلت سرقته، أو كثرت ويجلد كل من لزمه اسم الزنا مملوكا كان، أو حرا محصنا، أو غير محصن وزعمت أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - جلد الزاني ورجمه فلم رغبت عن هذا؟ قال جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن لا يقطع إلا من سرق من حرز ومن بلغت سرقته شيئا موقتا دون غيره ورجم ماعزا ولم يجلده ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بمعنى ما أراد الله عز ذكره قلت له: وهل جاء هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بحديث كحديث اليمين مع الشاهد فما استطاع دفع ذلك وذكرت له أمر المواريث كلها وما ورث الله الولد، والوالد، والإخوة، والأخوات والزوجة والزوج.
فقلت له: فلم قلت إذا كان الأب كافرا، أو مملوكا، أو قاتلا عمدا، أو خطأ لم يرث واحد من هؤلاء قال: جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» قلت فهل روي عن معاذ بن جبل ومعاوية وسعيد بن المسيب ومحمد بن علي بن حسين أنهم قالوا يرث المسلم الكافر وقال بعضهم كما تحل لنا نساؤهم ولا يرث الكافر المسلم كما لا تحل لهم نساؤنا فلم لم تقل به؟ قال ليس في أحد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يقطع هذا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قلنا وإن قال لك قائل: هؤلاء أعلم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولعله أراد بعض الكافرين دون بعض قال مخرج القول من النبي - صلى الله عليه وسلم - عام فهو على العموم ولا نزعم أن وجها لتفسير قول النبي - صلى الله عليه وسلم - قول غيره، ثم قول من لم يحتمل ذلك الحديث المفسر، وقد يكون لم يسمعه.
قلنا هذا كما قلت الآن فكيف زعمت أن المرتد يرثه ورثته من المسلمين؟ قال بقول علي - رضي الله تعالى عنه - قلنا فقد قلنا لك إن احتج عليك بقول معاذ وغيره فقلت ليس فيه حجة فإن لم تكن فليست في حجتك
بقول علي - رضي الله تعالى عنه - حجة وإن كانت فيه حجة فقد خالفتها مع أن هذا غير ثابت عن علي عند أهل العلم منكم وقلت له حديث اليمين مع الشاهد أثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث «لا يرث المسلم الكافر» فثبته ورددت قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - باليمين وهو أصح منه.
وقلت له في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث قاتل من قتل» حديث يرويه عمرو بن شعيب مرسلا وعمرو بن شعيب يروي مسندا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «يرث قاتل الخطإ من المال ولا يرث من الدية ولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية» وترد حديثه وتضعفه، ثم نحتج من حديثه بأضعف مما احتججت به وقلت له قد قال الله عز ذكره {فإن كان له إخوة فلأمه السدس}، وكان ابن عباس لا يحجبها عن الثلث إلا بثلاثة إخوة وهذا الظاهر وحجبتها بأخوين وخالفت ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ومعه ظاهر القرآن (قال): قاله عثمان - رضي الله تعالى عنه - وقال توارث عليه الناس قلنا فإن قيل: لك فاترك ما توارثوا عليه إلى ظاهر القرآن (قال): فقال عثمان أعلم بالقرآن منا وقلنا ابن عباس أيضا أعلم منا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله تبارك وتعالى {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين} فقلت لبعض من يخالفنا في اليمين مع الشاهد إنما ذكر الله عز وجل المواريث بعد الوصية والدين فلم تختلف الناس في أن المواريث لا تكون حتى يقضي جميع الدين وإن أتى ذلك على المال كله أفرأيت إن قال لنا ولك قائل الوصية مذكورة مع الدين فكيف زعمت أن الميراث يكون قبل أن ينفذ شيء من جميع الوصية واقتصرت بها على الثلث هل الحجة عليه إلا أن يقال الوصية وإن كانت مذكورة بغير توقيت فإن اسم الوصية يقع على القليل، والكثير فلما احتملت الآية أن يكون يراد بها خاص وإن كان مخرجها عاما استدللنا على ما أريد بالوصية بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد الله عز وجل قال ما له جواب إلا هذا قلت: فإن قال لنا ولك قائل ما الخبر الذي دل على هذا؟ قال: «قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسعد الثلث والثلث كثير» قلنا فإن قال لك هذه مشورة ليست بحكم ولا أمر أن لا يتعدى الثلث، وقد قال غير واحد الخمس أحب إلي في الوصية من غير أن يقول لا تعدو الخمس ما الحجة عليه؟ قال حديث عمران بن حصين «أن رجلا أعتق ستة مملوكين عند الموت، فأقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة» قلنا فقال لك فدلك هذا على أن العتق وصية وأن الوصية مرجوعة إلى الثلث قال نعم أبين الدلالة قلنا فقال لك أفثابت هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى دلك على أن الوصية في القرآن على خاص؟ قال نعم: قلنا فقال لك نوهيه بأن مخرج الوصية كمخرج الدين، وقد قلت في الدين عام، قال لا والسنة تدل على معنى الكتاب، قلت فأي حجة على أحد أبين من أن تكون تزعم أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدالة على معنى كتاب الله أن أقرع بين مماليك عمران بن حصين أعتقهم ستا، فأعتق اثنين وأرق أربعة، ثم خالفت ما زعمت أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبينة فرق بها بين الوصية والدين ومخرج الكلام فيهما واحد فزعمت أن هؤلاء الرقيق كلهم يعتقون ويسعى كل واحد منهم في خمسة أسداس قيمته، قال إني إنما قلته لأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في عبد أعتق أن يعتق ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته»، قلنا هذا حديث غير ثابت، ولو كان ثابتا لم يكن فيه حجة، قال ومن
أين؟ قلت: أرأيت المعتق ستة أليس معتق ماله ومال غيره، فأنفذ ماله ورد مال غيره قال بلى، قلت: فكانت الستة يتجزءون، والحق فيما يتجزأ إذا اشترك فيه قسم فأعطي كل من له حق نصيبه؟ قال نعم قلت فإذا كان فيما لا يتجزأ لم يقسم مثل العبد الواحد والسيف، قال نعم.
قلت: فالعبيد يتجزءون فجزأهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفترد الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خبر لا يخالفه في كل حال أم تمضي كل واحد منهما كما جاء؟ قال، بل أمضي كل واحد منهما كما جاء.
قلت: فلم لم تفعل في حديث عمران بن حصين حين رددته على ما يخالفه؛ لأن ما يتجزأ يخالف في الحكم ما لا يتجزأ، ولو جاز أن يكونا مختلفين فنطرح أحدهما للآخر طرح الضعيف للقوي وحديث الاستسعاء ضعيف، ولو جاز أن يكون حديث عمران بن حصين في القرعة منسوخا، أو غير ثابت لم يكن لنا ولك في الاقتصار بالوصايا على الثلث حجة ولا على قوم خالفوه في معنى آخر من هذا الحديث قال وما قالوا؟ قلنا: قالوا قال الله عز وجل {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} وقال في جميع المواريث مثل هذا المعنى فإنما ملك الله الأحياء ما كان يملك غيرهم بالميراث بعد موت غيرهم، فأما ما كان مالك المال حيا فهو مالك ماله وسواء كان مريضا، أو صحيحا؛ لأنه لا يخلو مال من أن يكون له مالك وهذا مالك لا غيره فإذا أعتق جميع ما يملك، أو وهب جميع ما يملك عتق بتات، أو هبة بتات جاز العتق، والهبة وإن مات؛ لأنه في الحال التي أعتق فيها ووهب مالك قال ليس له من ذلك إلا الثلث، قلنا فقال لك ما دلك على هذا؟ قال حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في «رجل أعتق ستة مملوكين لا مال له غيرهم، فأقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة»، قلنا فإن قال لك إن كان الحديث معارضا بخلافه فلا يجوز أن يكون حكم الحديث عندك إلا أن يكون ضعيفا بالمعارض له وما كان ضعيفا عندك من الحديث فهو متروك؛ لأن الشاهد إذا ضعف في الشهادة لم يحكم بشهادته التي ضعف فيها، وكان معناه معنى من لم يشهدوا الحديث عندك في ذلك المعنى، أو يكون منسوخا فالمنسوخ كما لم يكن قال ما هو بضعيف ولا منسوخ قلنا فإن قال لك فكيف جاز لك تركه في نفس ما حكم به فيه ولا يجوز لك تركه كله؟ قال ما تركته كله، قلنا فقال هو لفظ واحد وحكم واحد وتركك بعضه كتركك كله مع أنك تركت جميع ظاهر معانيه وأخذت بمعنى واحد بدلالة، أو رأيت لو جاز لك أن تبعضه فتأخذ منه بشيء وتترك شيئا، وأخذ رجل بالقرعة التي تركت وترك أن يرد ما صنع المريض في ماله إلى الثلث بالحجة التي وصفت أما كان هذا أولى أن يكون ذهب إلى شبهة من القرآن، والقياس منك قال: وأين القياس قلت: أنت تقول ما أقر به لأجنبي في ماله، ولو أحاط بماله جاز وما أتلف من ماله بعتق، أو غيره، ثم صح لم يرد؛ لأنه أتلفه وهو مالك، ولو أتلفه وهو غير مالك لم يجز له به، وقلت له أرأيت حين «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما ليس عندك» وأذن بالسلف إلى أجل مسمى أليس هو بيع ما ليس عندك؟ قال بلى، قلت: فإن قال قائل: فهذان مختلفان عندك؟ قال فإذا اختلفا في الجملة ووجدت لكل واحد منهما مخرجا ثبتهما جميعا، وكان ذلك عندك أولى بي من أن أطرح أحدهما بالآخر فيكون لغيري أن يطرح الذي ثبت ويثبت الذي طرحت فقلت «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما ليس عندك» على بيع العين لا يملكها وبيع العين بلا ضمان.
قال نعم، قلت والسلف وإن كان ليس عندك أليس ببيع مضمون عليك، فأنفذت كل واحد منهما ولم تطرحه بالآخر قال: نعم.
قلت: فلزمك هذا في حديث عمران بن حصين، أو لا يكون مثل هذا حجة لك قلت: أرأيت إن قال قائل.
قال الله تبارك وتعالى
{حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} ثم قال {كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم} فقال قد سمى الله من حرم، ثم أحل ما وراءهن فلا أزعم أن ما سوى هؤلاء حرام فلا بأس أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها؛ لأن كل واحدة منهما تحل على الانفراد ولا أجد في الكتاب تحريم الجمع بينهما قال ليس ذلك له، والجمع بينهما حرام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه قلنا فإن قال لك أفتثبت نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبر أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وحده عن الجمع بينهما وفي ظاهر الكتاب عندك إباحته ولا توهنه بظاهر الكتاب قال فإن الناس قد أجمعوا عليه قلنا فإذا كان الناس أجمعوا على خبر الواحد بتصديق المخبر عنه ولا يحتجون عليه بمثل ما تحتجون به ويتبعون فيه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جاء خبر آخر أقوى منه فكيف جاز لك أن تخالفه وكيف جاز لك أن تثبت ما اختلفوا فيه مما وصفنا بالخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة وتعيب علينا أن ثبتنا ما هو أقوى منه وقلت لبعض من يقول هذا القول قد قال الله عز وجل {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف} فإن قال لك قائل تجوز الوصية لوارث قال روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا فالحديث لا تجوز الوصية لوارث أثبت أم حديث اليمين مع الشاهد قال، بل حديث اليمين مع الشاهد ولكن الناس لا يختلفون في أن الوصية لوارث منسوخة قلنا أليس بخبر قال بلى قلت: فإذا كان الناس يجتمعون على قبول الخبر، ثم جاء خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقوى منه لم جاز لأحد خلافه قلنا أرأيت إن قال لك قائل لا تجوز الوصية إلا لذي قرابة فقد قاله طاوس قال العتق وصية قد أجازها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمران للمماليك ولا قرابة لهم قلنا أفتحتج بحديث عمران مرة وتتركه أخرى وقلت له نصير بك إلى ما ليس فيه سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نوجدك تخرج من جميع ما احتججت به وتخالف فيه ظاهر الكتاب عندك.
قال وأين قلت قال الله عز وجل {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} وقال الله عز وجل {ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} فلم زعمت أنه إذا أغلق بابا، أو أرخى سترا وهما يتصادقان أنه لم يمسها فلها الصداق كاملا وعليها العدة، وقد أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس قال ليس لها إلا نصف المهر ولا عدة عليها وشريح يقول ذلك وهو ظاهر الكتاب قال قاله عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهما -، قلنا وخالفهما فيه ابن عباس وشريح ومعهما عندك ظاهر الكتاب قال هما أعلم بالكتاب منا قلنا وابن عباس وشريح عالمان بالكتاب ومعهما عدد من المفتين فكيف قلت بخلاف ظاهر الكتاب في موضع قد نجد المفتين فيه يوافقون ظاهر الكتاب واحتججت في ذلك برجلين من أصحاب النبي - عليه السلام -، وقد يخالفهما غيرهما وأنت تزعم أنك ما تخالف ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركت الحجة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي ألزمنا الله طاعته والذي جاء عنه من اليمين مع الشاهد ليس يخالف حكم الكتاب قال ومن أين؟ قلنا قال الله عز وجل {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} {وأشهدوا ذوي عدل منكم} فكان هذا محتملا أن يكون دلالة من الله عز وجل على ما تتم به الشهادة، حتى لا يكون على المدعي يمين لا تحريما أن يجوز أقل منه ولم يكن في التنزيل تحريم أن يجوز أقل منه، وإذا وجدنا المسلمين قد يجيزون أقل منه فلا يكون أن يحرم الله أن يجوز أقل منه فيجيزه المسلمون قال ولا ننكر أن تكون السنة تبين معنى القرآن قلنا فلم عبت علينا
السنة في اليمين مع الشاهد وقلت بما هو أضعف منها؟ قال، والأثر أيضا يفسر القرآن، قلنا، والأثر أيضا أضعف من السنة قال نعم قلت وكل هذا حجة عليك (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقال لي منهم قائل إذا نصب الله حكما في كتابه فلا يجوز أن يكون سكت عنه، وقد بقي فيه شيء ولا يجوز لأحد أن يحدث فيه ما ليس في القرآن قال فقلت قد نصب الله عز وجل الوضوء، فأحدثت فيه المسح على الخفين وليس في القرآن ونصب ما حرم من النساء وأحل ما وراءهن فقلت لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها وسمى المواريث فقلت فيه لا يرث قاتل ولا مملوك ولا كافر وإن كانوا ولدا ووالدا وحجبت الأم من الثلث بالأخوين وجعل الله للمطلقة قبل أن تمس نصف المهر ولم يجعل عليها عدة، ثم قلت إن خلا بها وإن لم يمس فلها المهر وعليها العدة فهذا كله عندك خلاف ظاهر القرآن، واليمين مع الشاهد لا يخالف من ظاهر القرآن شيئا؛ لأنا نحكم بشاهدين ولا يمين فإذا كان شاهد حكمنا بشاهد ويمين وليس هذا بخلاف لظاهر القرآن وقلت له فكيف حكم الله تعالى بين المتلاعنين قال أن يلتعن الزوج، ثم تلتعن المرأة قلت ليس في القرآن غير ذلك قال نعم قلت فلم نفيت الولد قال بالسنة قلت فلم قلت لا يتناكحان ما كانا على اللعان قال بالأثر قلت فلم جلدته إذا أكذب نفسه وألحقت به الولد قال بقول بعض التابعين قلت فلم قلت إذا أبت أن تلتعن حبست قال بقول بعض الفقهاء قلت فنسمعك في أحكام منصوصة في القرآن قد أحدثت فيها أشياء ليست منصوصة في القرآن
وقلت لبعض من يقول هذا القول قد قال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة} الآية وقال في غير آية مثل هذا المعنى فلم زعمت أن كل ذي ناب من السباع حرام وليس هو مما سمى الله منصوصا محرما قال قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له ابن شهاب رواه وهو يضعفه ويقول لم أسمعه حتى جئت الشام قال وإن كان لم يسمعه حتى جاء الشام فقد أحاله على ثقة من أهل الشام قلنا ولا توهنه بتوهين من رواه وخلافه ظاهر الكتاب عندك وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - مع علمه بكتاب الله عز وجل وعائشة أم المؤمنين مع علمها به وبرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبيد بن عمير مع سنه وعلمه يبيحون كل ذي ناب من السباع قال ليس في إباحتهم كل ذي ناب مع السباع ولا في إباحة أمثالهم حجة إذ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرمه، وقد تخفى عليهم السنة يعلمها من هو أبعد دارا وأقل للنبي - صلى الله عليه وسلم - صحبة وبه علما منهم ولا يكون ردهم حجة حين يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه قلنا وتراهم يخفى ذلك عليهم ويسمعه رجل من أهل الشام قال نعم قد خفي على عمر، والمهاجرين، والأنصار ما حفظ الضحاك بن سفيان وهو من أهل البادية وحمل بن مالك وهو من أهل البادية قلنا فتحريم كل ذي ناب من السباع مختلف فيه قال وإن اختلف فيه إذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق صحيح فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بمعنى ما أراد الله وليس في أحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة ولا في خلاف مخالف ما وهن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قلنا، واليمين مع الشاهد أثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تحريم كل ذي ناب من السباع وليس خلاف ظاهر الكتاب وليس لها مخالف واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف ثبت الذي هو أضعف إسنادا وأقوى مخالفا وأعلم مع خلافه ظاهر الكتاب عندك ورددت ما لا يخالف ظاهر الكتاب ولا يخالفه أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلت له أسمعك استدللت بقول عمر وعلي - رضي الله تعالى عنهما - ولهما مخالف في التي يغلق عليها الباب ويرخى الستر وقول عثمان أن حجبت الأم عن الثلث بالأخوين، وقد خالفهم ابن عباس في ذلك وغيره أرأيت
إن، أوجدتك قول عمر وعبد الرحمن وابن عمر يوافق كتاب الله، ثم تركت قولهم قال وأين؟ قلت قال الله عز وجل {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} الآية فلم قلتم يجزيه من قتله خطأ وظاهر القرآن يدل على أنه إنما يجزيه من قتله عمدا قال بحديث عن عمر وعبد الرحمن في رجلين، أوطئا ظبيا قلت قد يوطئانه عامدين فإذا كان هذا عنك هكذا فقد حكم عمر وعبد الرحمن على قاتلي صيد بجزاء واحد وحكم ابن عمر على قتلة صيد بجزاء واحد وقال الله عز وجل {مثل ما قتل من النعم}، والمثل واحد لا أمثال وكيف زعمت أن عشرة لو قتلوا صيدا جزوه بعشرة أمثال قال شبهته بالكفارات في القتل على النفر الذين يكون على كل واحد منهم رقبة قلنا ومن قال لك يكون على كل واحد منهم رقبة، ولو قيل: لك ذلك أفتدع ظاهر الكتاب وقول عمر وعبد الرحمن وابن عمر بأن تقيس، ثم تخطئ أيضا القياس أرأيت الكفارات أموقتات قال نعم قلت فجزاء الصيد موقت قال لا إلا بقيمته قلنا أفجزاء الصيد إذا كان قيمته بدية المقتول أشبه أم بالكفارات فمائة عندك لو قتلوا رجلا لم يكن عليهم إلا دية واحدة فلو لم يكن فيه إلا القياس كان بالدية أشبه.
وقيل: له: حكم عمر له في اليربوع بجفرة وفي الأرنب بعناق فلم زعمت والله تعالى يقول في جزاء الصيد {هديا بالغ الكعبة} أن هذا لا يكون هديا وقلت لا يجوز ضحية وجزاء الصيد ليس من الضحايا بسبيل جزاء الصيد قد يكون بدنة والضحية عندك شاة وقيل له: قال الله عز وجل {فجزاء مثل ما قتل من النعم} وحكم عمر وعبد الرحمن وعثمان وابن عباس وابن عمر وغيرهم - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - في بلدان مختلفة وأزمان شتى بالمثل من النعم فحكم حاكمهم في النعامة ببدنة والنعامة لا تسوى بدنة وفي حمار الوحش ببقرة وهو لا يسوى بقرة وفي الضبع بكبش وهو لا يسوى كبشا وفي الغزال بعنز، وقد يكون أكثر ثمنا منها أضعافا ومثلها ودونها وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة وهما لا يسويان عناقا ولا جفرة أبدا فهذا يدل على أنهم إنما نظروا إلى أقرب ما يقتل من الصيد شبها بالبدن لا بالقيمة، ولو حكموا بالقيمة لاختلفت أحكامهم لاختلاف أسعار ما يقتل في الأزمان، والبلدان، ثم قلت في القيمة قولا مختلفا فقلت بجزاء الأسد ولا يعدى به شاة فلم تنظر إلى بدنه؛ لأنه أعظم من الشاة ولا قيمته إن كانت قيمته أكثر من شاة وهذا مكتوب في الحج بحججه قال لي أراك تنكر علي قولي في اليمين مع الشاهد هي خلاف القرآن قلت نعم ليست بخلافه القرآن عربي فيكون عام الظاهر وهو يراد به الخاص قال ذلك مثل ماذا قلت مثل قول الله عز وجل {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} فلما كان اسم السرقة يلزم سراقا لا يقطعون مثل من سرق من غير حرز ومن سرق أقل من ربع دينار.
وكانت الثيب تزني فترجم ولا تجلد، والعبد يزني فيجلد خمسين بالسنة كانت في هذا دلالة على أنه إنما أريد بهذا بعض الزناة دون بعض وبعض السراق دون بعض وليس هذا خلافا لكتاب الله عز وجل فكذلك كل كلام احتمل معاني فوجدنا سنة تدل على أحد معانيه دون غيره من معانيه استدللنا بها وكل سنة موافقة للقرآن لا مخالفة وقولك خلاف القرآن فيما جاءت فيه سنة تدل على أن القرآن على خاص دون عام جهل، قال فإنا نزعم أن النهي عن نكاح المرأة على عمتها وخالتها مخالف للقرآن.
فقلت قد أخطأت من موضعين قال وما هما؟ قلت: لو جاز أن تكون سنة تخالف القرآن فتثبت كانت اليمين مع الشاهد تثبت بها (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا لم تكن سنة، وكان القرآن محتملا فوجدنا قول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجماع أهل العلم يدل على بعض المعاني دون بعض قلنا هم أعلم بكتاب الله عز وجل وقولهم غير مخالف إن شاء الله تعالى كتاب الله وما لم يكن فيه سنة ولا قول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -