تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 15 من 26 الأولىالأولى ... 5678910111213141516171819202122232425 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 281 إلى 300 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #281
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الإستسقاء)
    (278)

    (باب تحويل الإمام ظهره إلى الناس عند الدعاء في الاستسقاء) إلى (باب كيف يرفع يديه في الاستسقاء؟)


    شرع للمسلم عند انقطاع المطر أن يصلي صلاة الاستسقاء، وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يفعلها؛ فكان إذا خطب بالناس استقبل القبلة ودعا، وحول ظهره ورداءه، ورفع يديه حتى يرى بياض إبطيه.
    تحويل الإمام ظهره إلى الناس عند الدعاء في الاستسقاء

    شرح حديث: (خرج مع رسول الله يستسقي فحول للناس ظهره ودعا ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تحويل الإمام ظهره إلى الناس عند الدعاء في الاستسقاء.
    أخبرني عمرو بن عثمان حدثنا الوليد عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم أن عمه حدثه أنه: (خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي، فحول رداءه وحول للناس ظهره ودعا، ثم صلى ركعتين فقرأ فجهر)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب تحويل الإمام ظهره إلى الناس عند الدعاء في الاستسقاء. ويريد بهذه الترجمة رحمه الله تعالى أن الإمام عندما يخطب الناس ويذكرهم في الاستسقاء يتحول إلى القبلة، ويحول رداءه إذا أراد أن يدعو، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله تعالى عنه: [أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي فحول رداءه وحول للناس ظهره ودعا، ثم صلى ركعتين وقرأ فجهر]. فالحديث واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف من جهة أنه يستقبل القبلة، ويستدبر المأمومين، ويدعو، وعند هذه الحال يحول رداءه، فيجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين. ففيه: مشروعية التحول إلى القبلة، واستقبالها في الدعاء. وفيه: تحويل الرداء؛ وجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين بدون تنكيس، وإنما بتحويل ما يكون على اليمين على الشمال، وما كان على الشمال على اليمين. وفيه: أن صلاة الاستسقاء ركعتين، وأن فيها قراءة، ويجهر بالقراءة، وصلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد. وفيه: أنه بعدما استسقى ودعا، وحول إلى الناس ظهره، وحول رداءه، أنه صلى ركعتين.
    وهذا قد يفهم منه أن صلاة الاستسقاء إنما تكون بعد الدعاء، وبه قال بعض العلماء، ومنهم من يقول: بأن صلاة الاستسقاء تقدم على الخطبة كما يكون في العيدين، ومعلوم أن الحديث الذي فيه عن أبي سعيد الخدري، وإنكاره على مروان أنه قدم الخطبة على الصلاة، فهذا اللفظ في هذا الحديث استدل به بعض أهل العلم على أن صلاة الاستسقاء تؤخر فيها الصلاة عن الدعاء والخطبة، ومن العلماء من قال: إن الصلاة تقدم كما هو بالنسبة للعيدين، ولكن هذا الذي جاء في هذا الحديث يدل على الجواز.
    تراجم رجال إسناد حديث: (خرج مع رسول الله يستسقي فحول للناس ظهره ودعا ...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. أي: أخرج له أصحاب السنن إلا الترمذي.
    [حدثنا الوليد].
    هو ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، كثير التدليس والتسوية، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي ذئب].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، المشهور بـابن أبي ذئب، وهو ثقة، فقيه، فاضل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى زهرة بن كلاب، ويلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب، وقصي وزهرة أخوان، وهما أبناء كلاب، وهو مشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب فيقال: الزهري، وأيضاً مشهور بالنسبة إلى جده شهاب فيقال: ابن شهاب، وهو جد جده، والزهري محمد بن مسلم ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه في زمن خلافته بتدوين السنة، وفيه يقول السيوطي في الألفية:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
    والمراد بالتدوين: التدوين بتكليف من ولي الأمر، وإلا فإن التدوين بجهود فردية، وبأعمال شخصية كان موجوداً من قبل، فإن الصحابة فيهم من كان يكتب، وكذلك في التابعين قبل خلافة عمر بن عبد العزيز، ولكن الذي فعله عمر هو اجتهاد السلطان ولي الأمر، وتكليفه لبعض الناس بأن يقوم بجمع السنة، وكان عمر بن عبد العزيز قد كلف الزهري بهذه المهمة العظيمة.
    [عن عباد بن تميم].
    هو عباد بن تميم المازني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن عمه].
    هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري، وهو عمه أخو أبيه لأمه؛ أخو تميم لأمه، فهذه هي جهة العمومة التي بينه وبينه، وقد مر في الأحاديث التنصيص على اسمه، وهو أنه يروي عن عبد الله بن زيد بن عاصم، وهنا قال: عن عمه، والمراد به: عبد الله بن زيد بن عاصم، وهو صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    تقليب الإمام الرداء عند الاستسقاء

    شرح حديث: (أن النبي استسقى وصلى ركعتين وقلب رداءه) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله: [تقليب الإمام الرداء عند الاستسقاء.
    أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وصلى ركعتين، وقلب رداءه)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي تقليب الإمام الرداء عند الدعاء عند الاستسقاء، والمراد من هذه الترجمة: تحويل الرداء بحيث يكون ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه الذي تقدم، ولكنه أورده من طريق أخرى، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لما خرج للاستسقاء صلى ركعتين، وحول رداءه ودعا.
    وقيل: إن هذا العمل فيه تفاؤل بأن يقلب الله من حال إلى حال؛ أي: من حال الجدب والقحط إلى الخصب والرخاء، والحديث دال على ما ترجم له المصنف من التحويل، وقلب الرداء، وجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي استسقى وصلى ركعتين وقلب رداءه) من طريق ثانية
    قوله: [أخبرنا قتيبة]. هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هنا غير منسوب، وهو يسمى المهمل في علم المصطلح؛ كونه يذكر الشخص ولا ينسب، فيكون محتملاً لعدة أشخاص، وسفيان هو ابن عيينة؛ لأن قتيبة لا يروي إلا عن ابن عيينة، ولا يروي عن الثوري، ليس له روايةً عن الثوري، وليس الثوري من مشايخه، والثوري متقدم الوفاة؛ لأنه توفي سنة مائة وواحد وستين، وقتيبة ولد سنة مائة وخمسين في السنة التي مات فيها أبو حنيفة، وولد فيها الشافعي، وأما سفيان بن عيينة فكانت وفاته بعد التسعين ومائة؛ مائة وسبع وتسعين، أو قريب من ذلك، فهو عندما يأتي قتيبة يروي عن سفيان فالمراد به ابن عيينة، ولا يراد به الثوري، فالإهمال ليس فيه إشكال ولا فيه لبس؛ لأن قتيبة ليس من مشايخ الثوري، بل من مشايخ ابن عيينة، وسفيان بن عيينة الهلالي المكي ثقة، ثبت، حجة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن أبي بكر].
    هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عباد بن تميم].
    قد سبق أن مر بنا هذا الإسناد، وأن سفيان روى الحديث من طريقين: من طريق عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم، ومن طريق أبي بكر الذي هو والد عبد الله، وكل من أبي بكر وابنه عبد الله يرويان عن عباد بن تميم، وعباد بن تميم وعمه عبد الله بن زيد بن عاصم المازني مر ذكرهما.


    متى يحول الإمام رداءه
    شرح حديث: (خرج رسول الله فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة ...) من طريق ثالثة
    قال المصنف رحمه الله: [متى يحول الإمام رداءه. أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عباد بن تميم يقول: سمعت عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي متى يحول رداءه في الاستسقاء؟ أي: ما هو الوقت الذي يحول فيه الرداء؟ أو ما هي الحالة التي يحول عندها الرداء؟ وأورد فيه حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني من طريق أخرى، وفيه أنه استسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة؛ أي: أنه عندما استقبل القبلة وتحول من جهة المأمومين إلى جهة القبلة، وحول إليهم ظهره، في تلك الحال حول رداءه، إذاً: حول رداءه عندما استقبل القبلة، وولى ظهره للمأمومين، فهذه هي الحال التي تحول فيها الرداء، أو الوقت الذي يحول فيها الرداء، بحيث يجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين.
    تراجم رجال إسناد حديث: (خرج رسول الله فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة ...) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، الإمام المشهور، أحد الثقات الأثبات، الذي قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: رأس المتقنين؛ أي: أنه قمة في الإتقان والحفظ، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
    ومذاهب أهل السنة أربعة، ليس من مذاهب أهل الحق سوى هذه الأربعة، التي تنتسب إلى السنة، وليس وراءها مذاهب أخرى؛ كمذاهب المبتدعة الآخرين الذين يقولون: إن مذاهبهم مثل مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، لا، ليس الأمر كذلك، بل هذه مذاهب أهل السنة، أي: الأئمة الذين جمعت مذاهبهم وأقوالهم، ولا يعني ذلك أن غيرهم من الأئمة والعلماء ليسوا من أهل الاجتهاد، وليسوا من أهل العلم، بل ما أكثر العلماء في زمانهم، وقبل زمانهم، الذين هم مثلهم، ولكن الفرق بين هؤلاء وغيرهم: أن هؤلاء حصل لهم أتباع عنوا بفقههم، وتركيبه، وتنظيمه، وأما غيرهم فما حصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء، وإلا فإن الكل أئمة أجلة منهم: سفيان الثوري، ومنهم إسحاق بن راهويه، ومنهم الليث بن سعد، ومنهم الأوزاعي، فهم أئمة كثيرون، وهم من أهل الاجتهاد، وأهل الفقه.
    وإنما قيل لهذه المذاهب الأربعة: المذاهب الأربعة؛ لأن الأئمة الأربعة حصل لهم أتباع عنوا بفقههم، ولكن لا يعني أن الحق لا يعدوهم، وأنه يجب أو يلزم تقليد واحد منهم، بل الواجب هو البحث عن الحق، والبحث عن الدليل، والسؤال عن الدليل، وهذا به الأخذ بوصايا الأئمة الأربعة؛ لأن كل واحد منهم حث على أن تتبع السنة، وإذا وجد له قول قد جاء حديث صحيح بخلافه، فإن العبرة بالحديث وليس بقوله.
    فكل واحد من الأئمة جاء عنه نصوص جميلة، نصوص واضحة جلية يوصون بها باتباع السنن، والأخذ بما ثبتت به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكان مما نقل عن الإمام الشافعي رحمة الله عليه أنه قال: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان، لكن لا يعني هذا أن يحصل جفاء للأئمة، وإعراض عن فقههم، والنيل منهم، أبداً، وإنما الواجب هو محبتهم، والثناء عليهم، وتقديهم، وإجلالهم، والاستفادة من علمهم، ومعرفة أنهم لا يعدمون الأجر أو الأجرين، من اجتهد منهم فأصاب فله أجران: أجر على الاجتهاد، وأجر على الإصابة، ومن اجتهد منهم فأخطأ، فخطؤه مغفور، وله أجر على اجتهاده، هذا هو الواجب في حق الأئمة، لا غلو، ولا جفاء، لا يقال: إن مذهب فلان هو الحق الذي لا شك فيه، وأنه هو الذي معه الدليل، وأنه هو قوله الذي يعتمد وغيره ليس كذلك، لا يقال هذا، وإنما يقال: كل واحد منهم يخطئ ويصيب، فالحق وسط بين الإفراط والتفريط، فطرفا الحق وسط بينها، هذا هو الواجب في حق الأئمة رحمة الله عليهم.
    ولهذا يقول الطحاوي رحمة الله عليه في عقيدة أهل السنة: وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من اللاحقين، أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. فقوله: فأهل الخبر والأثر -الذين هم المحدثون- أو من أهل الفقه والنظر -الذين هم الفقهاء- لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.
    ثم إن الذي يذكرهم بسوء، ويجفو فيهم، ويتكلم فيهم بما لا ينبغي، هذا لا يضرهم شيء، وإنما يضر نفسه، ويجني على نفسه، ويجلب الإثم على نفسه، وإنما الحق هو الاعتدال والتوسط؛ محبتهم، وتقديرهم، وإجلالهم، والرجوع إلى كتبهم، والاستفادة من علمهم.
    والإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه كان يحدث في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان مما قاله: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، ويشير إلى قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو المعصوم، هو الذي لا بد من توحيده في المتابعة.
    ويقول شارح الطحاوية: إن هناك توحيدين لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد الرسول، وتوحيد المرسل، توحيد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، وتوحيد المرسل وهو الله عز وجل بالعبادة، وإخلاص العبادة لله عز وجل، وهذا هو معنى الكلام المأثور عن بعض العلماء: أن دين الإسلام مبني على ركنين أساسيين لا بد منهما: أن تكون العبادة لله خالصة، وأن تكون لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام موافقة، وهذا هو معنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا بد من تجريد الإخلاص لله وحده، وذلك بإخلاص العبادة لله وحده، ولا بد من تجريد المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، فهو الذي يجب اتباعه، والأخذ بما جاء عنه، وأن الحق معه، وأنه هو المعصوم عليه الصلاة والسلام، إذاً: توحيدان لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد الرسول، وتوحيد المرسل؛ توحيد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، وتوحيد المرسل -وهو سبحانه وتعالى- بإفراده بالعبادة وحده لا شريك له.
    [عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم].
    قد مر ذكرهم.
    رفع الإمام يده
    شرح حديث: (رأى رسول الله في الاستسقاء ... ورفع يديه) من طريق الرابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [رفع الإمام يده.أخبرنا هشام بن عبد الملك أبو تقي الحمصي حدثنا بقية عن شعيب عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله تعالى عنه أنه: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء استقبل القبلة، وقلب الرداء، ورفع يديه)].
    النسائي أورد هذه الترجمة، وهي رفع اليدين في الاستسقاء؛ أي: أنه يرفع يديه في الاستسقاء عندما يدعو، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه من طريق أخرى، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين استسقى قلب رداءه، واستقبل القبلة، ورفع يديه، ففيه دليل على رفع اليدين في الاستسقاء في الدعاء، وأن النبي عليه الصلاة والسلام رفع يديه بذلك، وهذا من المواطن التي ترفع فيها الأيدي في الدعاء، وفيه أيضاً الذهاب إلى المصلى، وكان لا يرفع يديه في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام، ولكنه عندما استسقى في الجمعة، وفي خطبة الجمعة، رفع يديه، فدل هذا على أنه عند الاستسقاء، سواءً كان في خطبة الجمعة، وسواءً كان ذلك في الدعاء في المصلى، فترفع الأيدي، وأن ذلك سنة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (رأى رسول الله في الاستسقاء ... ورفع يديه) من طريق رابعة
    قوله: [أخبرنا هشام بن عبد الملك أبو تقي الحمصي].صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا بقية].
    هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن شعيب].
    هو ابن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه].
    هؤلاء الثلاثة مر ذكرهم.
    كيف يرفع
    شرح حديث: (... فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض أبطيه)

    قال المصنف رحمه الله: [كيف يرفع.أخبرنا شعيب بن يوسف عن يحيى بن سعيد القطان عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيءٍ من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة: كيف يرفع؛ أي: كيف يرفع اليدين في الاستسقاء، وأورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه إلا في الاستسقاء، فإنه رفعهما حتى رؤي بياض إبطيه عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على ثبوت رفع اليدين في الاستسقاء، وعلى بيان الكيفية، وأنه يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه.
    وقوله: [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيءٍ من الدعاء إلا في الاستسقاء] أي: هذا فيه نفي رفع اليدين في غير الاستسقاء، ولكنه قد جاء في أحاديث كثيرة ثبوت رفع اليدين في مواضع، فيمكن أن يوفق بين ما جاء في هذا الحديث، وبين ما جاء في غيره: أن أنساً رضي الله تعالى عنه قال: [كان لا يرفع يديه في شيءٍ من الدعاء إلا في الاستسقاء أن النفي] هنا على اعتبار علمه، وأنه لم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إلا في الاستسقاء، وغيره علم رفع اليدين في مواضع جاءت في الأحاديث المختلفة المتعددة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيحمل النفي على حسب علمه، ولا ينافي كون غيره أثبت ذلك، فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ، فيحمل على هذا.
    أو يحمل على أن أنساً رضي الله عنه لم يرد بقوله: [كان لا يرفع يديه]، مجرد الرفع، وإنما أراد الوصف الذي أشار إليه بقوله: [فإنه كان يرفعهما]، أي: أنه يبالغ في رفعهما، فيكون النفي محمولاً على نفي الصفة الخاصة، وليس لمجرد الرفع، وبهذا يوفق بين هذا الحديث وغيره من الأحاديث، ثم أيضاً دعاء الاستسقاء جاء فيه صفة تخصه، فلعل هذا أيضاً مما أشار إليه أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان عندما يرفع يديه في الأدعية المختلفة فيجعل بطونها إلى السماء، وأما في الاستسقاء فإنه يجعل ظهورها إلى السماء وبطونها إلى الأرض، فتكون على هذا الدعاء في الاستسقاء ورفع اليدين في الاستسقاء، له خصيصة يتميز بها عن سائر الأدعية، وذلك أنه لم يثبت في حديث من الأحاديث أن ظهور الأكف تكون إلى السماء، وبطونها إلى الأرض إلا في الاستسقاء، فيكون هذا مما لم يحصل، ولم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا في الاستسقاء، فتكون الهيئة الخاصة هي التي أشار إليها أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أي: المبالغة في الرفع.
    ولعل آخر الحديث يشعر إلى ما أراده أنس بن مالك من النفي؛ لأن قوله: [فإنه كان يرفع حتى يرى بياض إبطيه]، يوضح أنه يقصد أن النفي لهذه الهيئة، وإلا كان يمكنه أن يقول: أنه ما كان يرفع يديه إلا في الاستسقاء، ولكنه قال: فإنه كان يرفع حتى كذا، إذاً هو يشير إلى هيئة خاصة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه)
    قوله: [أخبرنا شعيب بن يوسف]. هو النسائي، أي: هو من بلد النسائي، وهو شيخ النسائي، وهو من أهل بلده، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن يحيى بن سعيد القطان].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو محدث، ثقة، ثبت ،ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وكلامه في الرجال كثير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد].
    هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، كثير التدليس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وهو من أثبت الناس في قتادة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء السبعة هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث آبي اللحم: (أنه رأى رسول الله عند أحجار الزيت يستسقي وهو مقنع بكفيه يدعو)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يزيد بن عبد الله عن عمير مولى آبي اللحم عن آبي اللحم رضي الله تعالى عنه أنه: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت يستسقي وهو مقنع بكفيه يدعو)].أورد النسائي حديث آبي اللحم الغفاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام: [أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحجار الزيت يستسقي وهو مقنعٌ يديه يدعو]، يعني: رافع يديه يدعو، فالشاهد للترجمة قوله: [يكفيه يدعو] وهو مقنع.
    تراجم رجال إسناد حديث آبي اللحم: (أنه رأى رسول الله عند أحجار الزيت يستسقي وهو مقنع بكفيه يدعو)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    قد مر ذكره.
    [حدثنا الليث].
    هو ابن سعد المصري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، إمام، فقيه مصر ومحدثها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد بن يزيد].
    هو الجمحي المصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن أبي هلال].
    هو مصري أيضاً، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن عبد الله].
    هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، وهو ثقة مكثر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو كثيراً ما يأتي ذكره منسوباً إلى جده الهاد، فيقال: ابن الهاد، وكثيراً ما يأتي ذكره في الأحاديث: ابن الهاد، وأحياناً يأتي ذكره باسمه واسم أبيه، كما جاء هنا..
    [عن عمير مولى آبي اللحم].
    هو صحابي شهد خيبر، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن آبي اللحم].
    آبي اللحم، كلمة (آبي) هذه على وزن فاعي؛ أبى يأبى فهو آب على وزن فاعي آبي، وهو بمعنى: من يأبى الشيء لا يريده، ويمتنع منه، ويقال له: آبي اللحم، يعني إنه لا يريد اللحم، أو ممتنع عن اللحم، وقالوا في سبب تسميته: أنه كان يأبى اللحم الذي يذبح للأصنام، فقيل له: آبي اللحم، وصار لقباً له، واسمه خلف، وقيل: غير ذلك، وهو غفاري، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.

    شرح حديث: (فرفع يديه حذاء وجهه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن سعيد وهو المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه سمعه يقول: (بينا نحن في المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله! تقطعت السبل، وهلكت الأموال، وأجدب البلاد، فادع الله أن يسقينا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه حذاء وجهه، فقال: اللهم اسقنا! فوالله ما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر حتى أوسعنا مطراً، وأمطرنا ذلك اليوم إلى الجمعة الأخرى، فقام رجلٌ لا أدري هو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: استسق لنا أم لا، فقال: يا رسول الله! انقطعت السبل، وهلكت الأموال من كثرة الماء، فادع الله أن يمسك عنا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم حوالينا ولا علينا، ولكن على الجبال، ومنابت الشجر، قال: والله ما هو إلا أن تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، تمزق السحاب حتى ما نرى منه شيئاً)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: [أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، وطلب منه أن يستسقي، فرفع يديه قبل وجهه، واستسقى]، ومحل الشاهد قوله: [حذاء وجهه]؛ لأن فيه كيفية رفع اليدين، أو الدلالة على ما ترجم له، وهي: كيف يرفع، ثم إن الله أنزل المطر، وهم في المسجد، واستمر المطر إلى الجمعة الأخرى، حتى لما كان يخطب في الجمعة الثانية، وإذا رجل يقول: [ادع الله أن يمسك السماء عنا]، وقال: [لا أدري هل هو الرجل الأول أو غيره؟] فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: [اللهم حوالينا ولا علينا، ولكن على الجبال، ومنابت الشجر]، فهذا فيه الأدب في الدعاء، ما قال: اللهم أمسك عنا الماء، وإنما قال: [اللهم حوالينا ولا علينا]، يعني: المطر يبقى وينزل، ولكنه ما يكون على بلدنا، وإنما يكون في البراري والفلوات، وعلى منابت العشب، وعلى بطون الأودية والآكام، ومنابت الشجر، فهذا هو الأدب مع الله عز وجل، وكون الإنسان لا يستغني عن رحمة الله، وعن فضل الله، لا يطلب رفعه، ولكنه يقول: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على بطون الأودية، ومنابت الشجر.
    فتقطع السحاب، وتقشع، وصارت السماء صحواً بعد أن دعا رسول الله عليه الصلاة والسلام في الجمعة الثانية، والحديث سبق أن مر، ولكنه أورده هنا من أجل الاستدلال به على الرفع، وأنه قبل وجهه عندما رفع يديه يستسقي في خطبة الجمعة.
    تراجم رجال إسناد حديث (فرفع يديه حذاء وجهه ...)
    قوله: [أخبرنا عيسى بن حماد].
    هو التجيبي المصري، ولقبه زغبة، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [أخبرنا الليث].
    قد مر ذكره.
    [عن سعيد وهو المقبري].
    سعيد هو ابن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة كثير التدليس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر].
    شريك بن عبد الله بن أبي نمر صدوق يخطئ، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه]
    قد مر ذكره.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #282
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الإستسقاء)
    (279)

    - (باب ذكر الدعاء) إلى (باب الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء)


    ذكر الدعاء

    شرح حديث: (أن رسول الله قال: اللهم اسقنا)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الدعاء.أخبرنا محمد بن بشار حدثني أبو هشام المغيرة بن سلمة حدثني وهيب حدثني يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم اسقنا)].
    يقول النسائي رحمه الله: ذكر الدعاء، أي: ذكر الدعاء في الاستسقاء، أي: صيغته ولفظه، أو ما ورد فيه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من الأدعية، هذا هو المقصود بهذه الترجمة، وقد أورد النسائي رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام استسقى فقال: (اللهم اسقنا).
    قوله: (اللهم اسقنا)، هذا دعاء، وهو دعاء بطلب السقيا، وهذا هو الذي يطابق، ويوافق الاستسقاء؛ لأن الاستسقاء هو: طلب السقيا، كما أن الاستغفار طلب المغفرة، وما إلى ذلك، فالألف والسين والتاء تدل على الطلب، فالاستسقاء هو طلب السقيا.
    والسقيا: الغيث، ونزول المطر، الذي منه يشرب الناس، وتشرب دوابهم، وينبت النبات، وينبت فيه العشب والكلأ الذي يكون للمراعي، وينبت فيه الزرع الذي هو قوت الناس، فكل هذا يدخل تحت هذا الطلب الذي هو: (اللهم اسقنا).
    و(اللهم) هي بمعنى يا الله، ولكن الياء حذفت من الأول، وعوض عنها الميم التي في الآخر، فيقال: اللهم، يعني بدل (يا ألله اسقنا)، (اللهم اسقنا)، فيا اللهم اسقنا بمعنى: يا الله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قال: اللهم اسقنا)
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو البصري، الملقب بندار، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وبدون واسطة، وكانت وفاته سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ويشاركه في سنة الوفاة، وفي كونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن المثنى العنزي، فهؤلاء ثلاثة ماتوا في سنة واحدة، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبو هشام المغيرة بن سلمة].
    هو بصري، ثقة، ثبت، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثني وهيب].
    هو ابن خالد البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني يحيى بن سعيد].
    هو الأنصاري المدني، وهو من صغار التابعين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن أنس بن مالك.
    وأنس بن مالك من صغار الصحابة، الذين عمروا وأدركهم صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي روى عنه البخاري الحديث الأول في صحيحه: (إنما الأعمال بالنيات)، الذي هو فرد إلى يحيى بن سعيد؛ لأنه رواه عن عمر رضي الله عنه، ورواه عن عمر علقمة بن وقاص الليثي، وهو من كبار التابعين، ورواه عن علقمة بن وقاص الليثي محمد بن إبراهيم التيمي، وهو من أوساط التابعين، ورواه عن محمد بن إبراهيم التيمي يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو من صغار التابعين، فالحديث اجتمع فيه ثلاثة من التابعين: واحد من الكبار، وواحد من أوساطهم، وواحد من صغارهم.
    [عن أنس بن مالك].
    وأما أنس بن مالك رضي الله عنه فهو خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، خدمه عشر سنوات، منذ قدم رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى المدينة حتى توفاه الله، وأكثر من الرواية عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد، وأم المؤمنين عائشة، فهؤلاء سبعة، عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (اللهم أسقنا) من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر سمعت عبيد الله بن عمر، وهو العمري عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقام إليه الناس فصاحوا فقالوا: يا نبي الله! قحطت المطر، وهلكت البهائم، فادع الله أن يسقينا، قال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، قال: وأيم الله ما نرى في السماء قزعةً من سحاب، قال: فأنشأت سحابة فانتشرت، ثم إنها أمطرت، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى وانصرف الناس، فلم تزل تمطر إلى يوم الجمعة الأخرى، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب صاحوا إليه فقالوا: يا نبي الله! تهدمت البيوت، وتقطعت السبل، فادع الله أن يحبسها عنا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فتقشعت عن المدينة، فجعلت تمطر حولها، وما تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الإكليل)].هنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، الذي فيه استسقاء الرسول عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة، وأنه كان يخطب، فطلب منه الناس أن يستسقي، وأن يطلب من الله عز وجل أن يسقيهم، وأن ينزل عليهم الغيث؛ لأنه قد حصل القحط، وانقطاع السبل، وهلاك الأموال بسبب قلة الأمطار التي يحصل معها الجدب، وعدم النبات في الأرض، فلا يستطاع أن يسافر على الإبل، لوجود الجدب في الطريق، وعدم وجود شيء يقيتها وينفعها، فاستسقى عليه الصلاة والسلام في خطبته، ثم أنزل الله عز وجل المطر، وتجمعت السحاب، واستمر نزول المطر إلى الجمعة الثانية، ولما خطب عليه الصلاة والسلام في الجمعة الثانية، طلبوا منه أن يسأل الله عز وجل أن يحبس المطر عنهم، وقالوا: إنها تهدمت البيوت، أي: من كثرة المطر، فسأل الله عز وجل أن يجعلها حواليهم ولا عليهم، فقال: (اللهم حوالينا ولا علينا)، وهذا من آدابه عليه الصلاة والسلام في السؤال، فلم يسأل الله عز وجل أن يمسك الماء، وأن يحبس الماء عنهم، وإنما طلب منه أن يصرف ذلك عن المدينة، وعن بيوتها وبنائها، وأن يكون ذلك في منابت الشجر، وفي بطون الأودية، وحواليهم ولا عليهم، فانقشعت تلك السحب، وتمزق السحاب وتفرق، وصار يمطر حوالي المدينة، ولا يمطر عليها، وصار الذي فوق المدينة صحو، والذي حواليها سحاب يمطر، حتى قال: (فنظرت إليها وإذا هي مثل الإكليل)، الإكليل هو: المحيط بالشيء، ويكون في وسط الدائرة، أي: أن السحاب صارت حوالي المدينة، من جميع جوانبها كالدائرة حولها، والمدينة ليس عليها شيء من السحاب، وهذا هو المقصود بالإكليل، ولهذا يقال لما يوضع على الرأس مما يحيط بجوانبه: إكليل، وكذلك يقال في الورثة: (كلالة) الذين هم من ليس له ولد ولا والد، قالوا: لأن الورثة أحاطوا به كإحاطة الإكليل؛ لأنهم ليسوا من أصول ولا فروع، وإنما هم حواشي وجوانب أحاطوا به من جهاته المختلفة، شاركوا الميت في أبيه، أو في أبي أبيه، فصاروا محيطين به.
    وفي هذا الحديث بيان أن الصحابة سألوا منه عليه الصلاة والسلام الدعاء، وأن يستسقي، وفي بعض الطرق التي تقدمت، والتي ستأتي أنه شخص واحد الذي طلب الدعاء، وطلب الاستسقاء من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيحتمل أن يكون واحد بدأ، والباقون تكلموا معه مؤيدين ومقرين بما طلب، وأن هذا هو الواقع، فيكون نسب إلى الشخص في بعض الأحيان؛ لأنه هو الذي بدأ هذا، ونسب إلى الجميع؛ لأنهم وافقوه، وأقروه، ولم يعترضوا عليه؛ لأن هذا أمر مشترك، وحاجة الجميع إليه، والقحط قد حصل، وهم يطلبون الغيث والاستسقاء، فيكون هذا هو التوفيق بين ما جاء في بعض الروايات، من ذكر الواحد، وما جاء في بعضها، من ذكر الجماعة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (اللهم أسقنا) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
    هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    وقد مر ذكر محمد بن عبد الأعلى يروي كثيراً عن خالد بن الحارث البصري، لعل جلَّ ما ورد أو إن جل ما ورد فيه محمد بن عبد الأعلى، يروي عن خالد بن الحارث البصري، لكنه يأتي يروي عن غيره كما هنا.
    [حدثنا المعتمر].
    هو ابن سليمان بن طرخان التيمي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وليس في رجال الكتب الستة، من يسمى (معتمراً) سواه، فهو الذي يسمى بهذا الاسم وحده، ممن هم من رجال الكتب الستة، أما بالنسبة لغير الرواة، يعني مثل الآباء، فهناك منصور بن المعتمر، وهو كوفي من طبقة الأعمش.
    [سمعت عبيد الله بن عمر وهو العمري].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ينتهي نسبه إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ويقال له: العمري، وكلمة (العمري) هذه ليست مما جاء عن المعتمر بن سليمان، بل الذي أتى بها هو من دون المعتمر بن سليمان، أتى بها للتوضيح والبيان، وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، هو الذي يقال له: المصغر؛ لأن له أخاً اسمه عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر، ويقال له: المكبر، ذاك ضعيف، وأما المصغر فهو ثقة.
    وحديث عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وقد تقدم ذكره.

    شرح حديث: (اللهم أغثنا) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن جعفر حدثنا شريك بن عبد الله عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً، وقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحابة ولا قزعة، وما بيننا وبين سلعٍ من بيت ولا دار، فطلعت سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت وأمطرت، قال أنس: ولا والله ما رأينا الشمس سبتاً، قال: ثم دخل رجلٌ من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطب، فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله! عليك، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يمسكها عنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام، والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، قال: فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك: سألت أنساً: أهو الرجل الأول؟ قال: لا)].وهنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق أخرى، وقد تقدم هذا الحديث الذي فيه ذكر السؤال من رجل دخل المسجد، وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي، وقد تقدم ذكره فيما يتعلق برفع اليدين في الاستسقاء، وفي الدعاء في الاستسقاء، وهنا أورده لبيان الدعاء الذي كان يدعو به رسول الله عليه الصلاة والسلام في الاستسقاء، ومنه قوله: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)، وقد مر فيما مضى أنه قال: [(اللهم اسقنا)]، وأنشأ الله عز وجل سحابة، وما كان في السماء من سحابة ولا قزعة، وهي: القطع الصغيرة من السحاب، فأنشأ الله سحابةً مثل الترس، قيل: إن التشبيه إنما هو في الاستدارة والكثافة، وقيل: إنه في الصغر، أي: في صغرها، وإنها سحابة صغيرة مستديرة مثل الترس، فلما كانت في الوسط توسعت، وامتدت حتى تلبدت السماء بالغيوم، وأمطرت، واستمر المطر إلى الجمعة الأخرى، ثم طلب رجل من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدعو بأن يمسكها، أي: يحبس السماء عنهم؛ لأنه قد حصل لهم أضرار باستمرار نزوله وهطوله، فرفع يديه إلى السماء وقال: [(اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر)]، فتقطع ذلك السحاب، وطلعت الشمس، وصار المطر حوالي المدينة، وليس على المدينة بدعاء رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالحاصل: أن الحديث مشتمل على الدعاء في صلاة الاستسقاء.

    تراجم رجال إسناد حديث: (اللهم أغثنا) من طريق ثالثة
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر]. هو ابن إياس السعدي المروزي، ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وهو من شيوخ مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم.
    [حدثنا إسماعيل بن جعفر].
    إسماعيل بن جعفر البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شريك بن عبد الله].
    هو ابن أبي نمر، وليس شريك بن عبد الله القاضي؛ لأن شريك بن عبد الله القاضي، متأخر في الطبقة، وهو من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، يعني: قتيبة، شيخ النسائي، يروي عن شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، فـشريك بن عبد الله هذا طبقته عالية، وهو يروي عن الصحابة، يروي عن أنس بن مالك، فهو شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وقد مر ذكره في بعض الروايات عن أنس رضي الله تعالى عنه، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر صدوق يخطئ، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أنس بن مالك رضي الله عنه].
    وقد مر ذكره.
    وهذا الإسناد من الرباعيات عند النسائي؛ لأن فيه علي بن حجر يروي عن إسماعيل بن جعفر، وإسماعيل بن جعفر يروي عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر يروي عن أنس بن مالك، فهؤلاء أربعة بين النسائي، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من أعلى الأسانيد عند النسائي، ليس عند النسائي أعلى من الرباعيات، وأصحاب الكتب الستة ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، وهم: البخاري، عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي، وعنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه، وعنده خمسة أحاديث ثلاثية كلها بإسناد واحد، وذلك الإسناد ضعيف، أما مسلم، وأبو داود، والنسائي، فليس عندهم ثلاثيات أصلاً، بل أعلى ما عندهم الرباعيات.

    شرح حديث: (خرج رسول الله يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو ثم صلى ركعتين)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة بعد الدعاء.حدثنا الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا اسمع عن ابن وهب عن ابن أبي ذئب ويونس عن ابن شهاب أخبرني عباد بن تميم: أنه سمع عمه -وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي، فحول إلى الناس ظهره يدعو الله، ويستقبل القبلة، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين، قال ابن أبي ذئب في الحديث: وقرأ فيهما)].
    وهنا أورد النسائي الصلاة بعد الدعاء، أي: الصلاة للاستسقاء بعد الدعاء. المقصود من هذه الترجمة: أي: بيان صلاة الاستسقاء، وأنه يصلى للاستسقاء، ويدعى في الاستسقاء، والترجمة هنا على أن الصلاة بعد الدعاء، أي: بعد أن يدعو الإمام ويستسقي تحصل الصلاة، وبهذا استدل بعض أهل العلم كما تقدم، وبعضهم يقول: إن صلاة الاستسقاء هي مثل صلاة العيد، وصلاة العيد مقدمة على الخطبة، ويقول: إن ما جاء في بعض الأحاديث من قوله: [(ثم صلى)]، أن هذا لبيان الجواز، وأنها ليست كالعيد، يعني: الصلاة قبل الخطبة، فقد أنكر أبو سعيد الخدري على مروان بن الحكم، كونه بدأ بالخطبة قبل الصلاة، وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي، ثم يخطب، فمن العلماء من قال: إن صلاة الاستسقاء هي مثل صلاة العيد في جميع أفعالها وصفاتها، إلا أنها خطبة واحدة، بخلاف صلاة العيد فإنها خطبتان.
    ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً يستسقي، فحول إلى الناس ظهره يدعو الله، ويستقبل القبلة، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين)].

    تراجم رجال إسناد حديث: (خرج رسول الله يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو ثم صلى ركعتين)
    قوله: [حدثنا الحارث بن مسكين قراءةً عليه]. ثنا الحارث بن مسكين، وهذه صيغة مختصرة لـ(حدثنا)، والصيغ التي تختصر عند العلماء هي: حدثنا وأخبرنا، فإن حدثنا تختصر إلى ثلاث صيغ، فيقال فيها: دثنا، ويقال: ثنا، ويقال: نا، وأما أخبرنا فيقال فيها: أنا، وأبنا، وأخنا، وأما غيرها فإنها لا تختصر، لا أنبأنا ولا غيرها، فمن المباحث التي مرت بنا في كتابة الحديث في ألفية السيوطي أن هاتين الصيغتين هما اللتان حصل لهما الاختصار في الحروف، والرمز لبعض الحروف عن الكل، فدثنا، وثنا، ونا لحدثنا، وأنا، وأرنا، وأبنا، وأخنا، هذه لأخبرنا، وهنا قال: حدثنا.
    ثم المعروف في اصطلاح كثير من المحدثين التفريق بين حدثنا وأخبرنا، وأن حدثنا تستعمل فيما إذا سمع من لفظ الشيخ، وإذا قرئ على الشيخ فيقال: أخبرنا، لكن بعض العلماء يسوي بين التحديث والإخبار، فيأتي بأخبرنا، وحدثنا، في مقام السماع، كما هو الكثير عند النسائي، أكثر ما عند النسائي أخبرنا، وهنا قال: (حدثنا)، مع أن الذي حصل هو قراءة عليه؛ لأنه قال: قراءةً عليه وأنا أسمع، يعني: ما حدث هو وسمعوا منه، فهذا على الاصطلاح الذي هو التسوية بين حدثنا وأخبرنا، وبعض المحدثين وبعض العلماء، يسوي بينهما، فيستعمل حدثنا فيما إذا كان سمع من لفظ الشيخ، ويستعمل أخبرنا فيما سمع من الشيخ، ومنهم من يفرق بين حدثنا فيطلقه على ما سمع من لفظ الشيخ، وأخبرنا على ما قرئ على الشيخ وهو يسمع، وهذا الذي معنا من هذا القبيل، مما فيه لفظ التحديث، ولكنه ليس في السماع، وإنما هو في القراءة على الشيخ.
    وأنا ذكرت لكم فيما مضى أن النسائي أحياناً يقول: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءةً عليه، وأحياناً يقول: قال الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، وقد مر بنا قريباً، حديث قال فيه أبو بكر بن السني، الذي هو راوية كتاب النسائي، يقول: قال أبو عبد الرحمن، -يعني: النسائي-: قال الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، يعني ما قال: أخبرنا، وإنما قال: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، والحارث بن مسكين، مصري ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي ذئب ويونس].
    ابن أبي ذئب، هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وأما يونس، فهو ابن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، يعني: أن الحارث بن مسكين يروي عن شيخين.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبيد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو إمام، جليل، ومحدث، فقيه، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، يروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عباد بن تميم].
    هو عباد بن تميم بن غزية المازني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم المازني].
    وهو أخو أبيه لأمه، وهو أخو تميم، يعني: عبد الله، وتميم أخوان من أم، وعبد الله بن زيد بن عاصم صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [قال ابن أبي ذئب في الحديث: وقرأ فيهما].
    لأن الحديث جاء من طريق شخصين، عبد الله بن وهب، يروي عن ابن أبي ذئب، وعن يونس بن يزيد الأيلي، هذا اللفظ الذي ذكره، الأول هو لفظ يونس، وأما ابن أبي ذئب، فعنده زيادة ليست عند يونس، وهي: أنه قرأ فيهما.

    كم صلاة الاستسقاء
    شرح حديث: (أن النبي خرج يستسقي فصلى ركعتين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كم صلاة الاستسقاء:
    أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد عن يحيى عن أبي بكر بن محمد عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي فصلى ركعتين، واستقبل القبلة)].
    وهنا أورد النسائي هذه الترجمة: كم صلاة الاستسقاء، أي: كم ركعات صلاة الاستسقاء؟ هي ركعتان، المقصود منه أنها ركعتان، ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم أنه خرج يستسقي وصلى ركعتين، أي: عدد الركعات اثنتان، ولهذا قال: كم؟ والمقصود منه: بيان العدد، ليس المقصود الكيفية، وإنما المقصود عدد الركعات، وأنها ركعتان، هذا هو المقصود من هذه الترجمة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي خرج يستسقي فصلى ركعتين...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. هو الفلاس، الثقة، الناقد، المتكلم في الرجال كثيراً، جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو كذلك ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بكر بن محمد].
    هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وأبو بكر قيل: إنها هي اسمه، وأنه ليس له اسم، وقيل: إن اسمه وكنيته واحد، وقيل: إن كنيته أبو محمد، واسمه أبو بكر، فهو من الأسماء التي على صيغة الكنى، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عباد بن تميم].
    مر ذكره، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن زيد].
    الذي هو عمه أخو أبيه لأمه، وقد مر ذكر عباد وعمه عبد الله بن زيد.


    كيف صلاة الاستسقاء
    شرح حديث: (... فصلى ركعتين كما يصلي في العيدين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف صلاة الاستسقاء.
    أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه قال: (أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس أسأله عن الاستسقاء؟ فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما منعه أن يسألني؟ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متواضعاً متبذلاً متخشعاً متضرعاً، فصلى ركعتين كما يصلي في العيدين، ولم يخطب خطبتكم هذه)].
    هنا أورد النسائي كيف صلاة الاستسقاء، الترجمة السابقة هي لعدد الركعات، كم يصلي؟ ركعتين، وهنا: لبيان الكيفية، بعد أن أثبت أنها ركعتان، عقد هذه الترجمة، لبيان كيفية صلاة هاتين الركعتين، وأنها كالعيد، يعني يعمل فيها ما يعمل في صلاة العيد.
    وأورد النسائي حديث عبد الله بن عباس: أن إسحاق بن عبد الله بن كنانة أرسله أمير من الأمراء، إلى ابن عباس يسأله، وقال: ما منعه أن يسألني؟ ثم أجابه، أي: أجاب الرسول الذي أرسل إليه، وهو إسحاق بن عبد الله بن كنانة، بقوله: (خرج الرسول صلى الله عليه وسلم متضرعاً، متخشعاً، متضرعاً، متبذلاً، وصلى ركعتين كصلاة العيد، ولم يخطب كخطبتكم هذه).
    تراجم رجال إسناد حديث: (... فصلى ركعتين كما يصلي في العيدين ...)

    قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان]. هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود، فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [قال: حدثنا وكيع].
    هو ابن الجراح الكوفي، ثقة، حافظ، مصنف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    وسفيان هنا غير منسوب مهمل، والمراد به الثوري؛ لأن وكيعاً إذا روى عن سفيان غير منسوب، فالمراد به الثوري؛ لأنه مكثر من الرواية عنه، وليس ابن عيينة؛ لأنه مقل من الرواية عنه، وإذا جاء مهملاً حمل على من للراوي أو للتلميذ إكثار عنه، ثم أيضاً: هو من أهل بلده من الكوفة، يعني: سفيان الثوري كوفي، ووكيع بن الجراح كوفي، فهو مكثر عنه، ومن أهل بلده، ولهذا قال الحافظ في فتح الباري: عندما يأتي وكيع يروي عن سفيان، وهو غير منسوب فهو الثوري؛ لأنه معروف بالإكثار عن الثوري، ومقل من الرواية عن ابن عيينة، وسفيان الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، حجة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها.
    [عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة].
    مقبول، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو إسحاق بن عبد الله بن كنانة، وهو الذي أرسله أمير من الأمراء، ليسأل ابن عباس، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستسقاء، وأبوه إسحاق صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [إلى ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وابن عمه، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم من صغار الصحابة: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، هؤلاء العبادلة الأربعة إذا قيل: العبادلة الأربعة، وفي الصحابة ممن يسمى عبد الله كثير، مثل عبد الله بن زيد بن عاصم هذا، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه، وعبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن أبي بكر، وكثير من الصحابة يسمون عبد الله، إلا أن لقب العبادلة الأربعة يطلق على أربعة من صغار الصحابة، عاشوا وأدركهم من لم يدرك كبار الصحابة، وهم هؤلاء الأربعة، وابن عباس أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين أشرت إليهم قريباً.
    والحديث سبق أن مر بنا، وهذا مقبول جاء ما يعضده، وأنه يرتفع إلى الحسن.


    الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء
    شرح حديث: (أن النبي خرج فاستسقى فصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة ...) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء.
    أخبرنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج، فاستسقى، فصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء، أي: أن القراءة يجهر فيها؛ لأنه أثبت فيما مضى أنها ركعتان، وأنها كصلاة العيد، وهنا أثبت بأن القراءة يجهر بها، وحديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه فيه التنصيص على ذلك، وأنه جهر فيهما بالقراءة، يعني: صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة، فهو دال على ما ترجم له المصنف.
    قوله: [محمد بن رافع].
    هو النيسابوري القشيري، فهو -أي: محمد بن رافع- مثل مسلم في النسب، وفي البلد، فـمسلم قشيري، وهو قشيري، وأيضاً هو نيسابوري، ومسلم نيسابوري، وهو من شيوخ الإمام مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم، ومن طريقه أخرج صحيفة همام بن منبه، فمسلم في صحيحه روى أحاديث كثيرة من صحيفة همام، فكل ما رواه مسلم من الصحيفة من طريق شيخه محمد بن رافع القشيري النيسابوري، وأما البخاري ينسب إلى الجعفيين، وهو مولىً لهم، ولهذا عندما يذكر بعض العلماء، البخاري، ومسلم، ومنهم ابن الصلاح لما ذكرهم في المقدمة، قال عند ذكر البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردبة البخاري الجعفي مولاهم، ومسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري القشيري من أنفسهم، معناه: أنه منهم أصلاً، من القبيلة أصلاً، ونسباً، ونسلاً، وليس مولى.
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فإنه لم يخرج له شيئاً، وهذا مثل إسحاق بن راهويه، وإسحاق بن راهويه أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا يحيى بن آدم].

    هو يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان الثوري، وقد تقدم ذكره.
    [عن ابن أبي ذئب].
    وقد مر ذكره.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [عن عباد بن تميم عن عمه]
    وهو عبد الله بن زيد بن عاصم.
    وقد مر ذكر هؤلاء.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #283
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الإستسقاء)
    (280)

    - كتاب الاستسقاء - (باب القول عند المطر) إلى (باب رفع الإمام يديه عند مسألة إمساك المطر)


    من شكر الله سبحانه على نعمة المطر ألا ينسب نزوله إلى الكواكب، وإنما يقال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فإذا نزل المطر شرع للمسلم أن يقول: اللهم صيباً نافعاً، وإذا اشتد نزوله شرع للإمام سؤال الله رفعه، ويقول: اللهم حوالينا لا علينا.
    القول عند المطر شرح حديث: (اللهم اجعله صيباً نافعاً ...)

    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [القول عند المطر. أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمطر قال: اللهم اجعله صيباً نافعاً)].
    يقول النسائي رحمه الله: القول عند المطر؛ أي: ما يقال عند نزول المطر، أو الدعاء الذي يشرع، أو الذكر الذي يذكر عند نزول المطر. وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: [أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول إذا نزل المطر: اللهم اجعله صيباً نافعاً]؛ أي: يدعو بأن يجعل الله هذا المطر الذي نزل صيباً نافعاً، فهذا مما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما يقوله الإنسان عند نزول المطر، وهو أن يدعو بهذا الدعاء، وقد جاء في بعض الأحاديث الثناء على من قال: (مطرنا بفضل الله ورحمته) كما جاء في الحديث الذي قال الله عز وجل: (أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب)، ففيه مدح من يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته، وأن ذلك اعتراف من الإنسان بالتفضل من الله عز وجل عليه، وبرحمته بإنزال المطر، فذلك مما يقال عند نزول المطر، والذي أورده النسائي، هذا الحديث المشتمل على هذا الدعاء: [اللهم اجعله صيباً نافعاً].
    تراجم رجال إسناد حديث: (اللهم اجعله صيباً نافعاً ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسعر].
    هو ابن كدام الكوفي، وهو ثقة، ثبت، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن المقدام بن شريح].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو شريح بن هانئ الكوفي، وهو ثقة كذلك، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السن الأربعة، وهو مخضرم، أي: من الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يرو النبي صلى الله عليه وسلم.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به من الإفك في قرآن يتلى في سورة النور، وقد حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي من أوعية السنة وحفظتها، لا سيما الأحاديث التي تتعلق بين الرجل وأهل بيته، والتي لا يطلع عليها إلا النساء، فهذا مما حفظته، وكذلك حفظت غيره، فهي أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم ستة رجال، وامرأة واحدة؛ فالستة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، والمرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
    وابن القيم رحمه الله لما ذكر في كتابه جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، عند ذكر الآل، ذكر ترجمةً مختصرة لكل أمهات المؤمنين، ذكر لها بمناسبة ذكر الآل، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ترجمةً مختصرة، ولما جاء عند عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ذكر شيئاً من تواضعها، ومع علو منزلتها، ورفعة مكانتها، رضي الله عنها وأرضاها، وذكر مما جاء في تواضعها: أنها لما أنزل الله عز وجل براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى في أوائل سورة النور، قالت: كنت أقول في نفسي: لو أن النبي عليه الصلاة والسلام يرى في منامه رؤيا يبرئني الله بها، قالت: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى، يعني ما كنت أظن أنه ينزل فيّ قرآن؛ لأنني أهون من ذلك، تقول هذا تواضعاً منها رضي الله عنها وأرضاها، وكانت تتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا، -ورؤيا الأنبياء وحي- لكن الله عز وجل أنزل فيها قرآن يتلى، فكانت من تواضعها تقول: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله عز وجل فيّ آيات تتلى، ابن القيم رحمه الله يعلق على هذا فيقول: أين هذا ممن يصوم يوماً من الدهر، أو يصلي ركعةً من الليل، ثم يقول: أنا كذا، وأنا كذا، وأنا كذا، يعني يذكر أعماله، وهذه أم المؤمنين يحصل لها ما يحصل من الشرف، ثم تقول هذه المقالة الدالة على تواضعها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    وكتاب (جلاء الأفهام) بالمناسبة هو من خير ما ألف في الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان ما جاء فيها من الأحاديث، وما اشتملت عليه من الفقه، وما يستنبط منها من الأحكام، وهو كتاب واسع ومفيد اسمه (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام).
    وقد ذكر السخاوي في كتابه (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع صلى الله عليه وسلم)، ذكر في آخره جملة من الكتب التي ألفت في الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فذكرها، وهي عدة، وخامسها في الذكر كتاب ابن القيم (جلاء الأفهام)، ثم قال بعد أن ذكرها قال: وفي الجملة فخامسها هو أفيدها وأعظمها فائدة، يعني: كتاب ابن القيم؛ لأن ترتيبه الخامس بين الكتب التي ذكرها في آخر كتابه (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع صلى الله عليه وسلم)، وهو كتاب مفيد في بابه، ومن أحسن الكتب التي ألفت في موضوعه، واسمه (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام صلى الله عليه وسلم).


    كراهية الاستمطار بالكوكب
    شرح حديث: (ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون: الكوكب وبالكوكب)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كراهية الاستمطار بالكوكب. أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: (ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، يقولون: الكوكب وبالكوكب)].
    أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: كراهية الاستمطار بالكوكب؛ أي: إضافة المطر إلى الكوكب، وحصول المطر من الكوكب.
    وإضافة المطر إلى الكوكب ينقسم إلى قسمين: إضافة إليه على أن الكواكب لها تأثير، وأنها مؤثرة، فهذا كفر مخرج من الملة، فمن يجعل الكواكب مؤثرة، وأنها لها تأثير في الحوادث، ونزول المطر، فهذا كفر؛ لأن فيه إضافة الفعل إلى غير الله سبحانه وتعالى، وأن الكواكب مؤثرة، بل المؤثر هو الله عز وجل.
    وأما إذا أريد به إضافته إلى حصول المطر من الله عز وجل في نوء كذا، أي: في النوء الفلاني، وفي وقت طلوع النجم الفلاني، فهذا ليس كفراً مخرجاً من الملة، ولكنه فيه كفر النعمة، والأولى للإنسان ألا يأتي بذلك، وإنما يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته كما جاء في الحديث: (مطرنا بفضل الله ورحمته)، وإن قال: تفضل الله علينا في المطر في الوقت الفلاني، أو في الشهر الفلاني، لا بأس بذلك، المهم أن يضيف الأمر إلى تفضل الله، وأنه حصل في الوقت الفلاني إذا أراد أن يذكر ذلك.
    قوله: [ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريقٌ منهم بها كافرين، يقولون: الكوكب وبالكوكب]، يعني: المقصود من ذلك: نعمة المطر؛ لأن الحديث يتعلق بإنزال المطر؛ لأنهم يضيفون ذلك إلى الكوكب، فالحديث قدسي من الأحاديث القدسية التي فيها الكلام مضاف إلى الله عز وجل من جهة أنه هو المتكلم به.
    والحديث القدسي هو: ما يأتي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام مسنداً إياه إلى الله عز وجل؛ بأنه يضيفه إلى الله عز وجل، وأن يسبقه قول: قال الله عز وجل، أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه أنه قال، فهذا هو الحديث القدسي، وهل هو من كلام الله عز وجل أو من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؟ معلوم أن الضمائر تفيد أنه الله تعالى هو المتكلم به؛ لأنه قال: [أصبح من عبادي]، ولا يقول أحد: أصبح من عبادي إلا الله سبحانه وتعالى؛ لأن العباد عبيد الله، وهم مضافون إلى الله، فإذا قال: أصبح من عبادي، معنى هذا أنه كلام الله؛ لأنه قال: عبادي.
    لكن هذا هو نفس الكلام لفظه كلام الله؟ لو علمنا بأن الحديث هو كما نطق به رسول الله عليه الصلاة والسلام، نقول: هو كلام الله، أما والحديث تدخله الرواية بالمعنى، وتأتي الألفاظ فيه مختلفة، والرواة يأتون به بصيغ متعددة، فإنه لا يقال: إنه كلام الله وقد تعددت صيغه، وتعددت ألفاظه، وقد دخلته الرواية بالمعنى، لكن الحروف أو الضمائر هي ترجع إلى الله عز وجل، فلو تحقق بأن اللفظ لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يدخله رواية بمعنى، يقال: كلام الله، ولكن حيث توجد الألفاظ للحديث الواحد بألفاظ متعددة، هذا يفيد بحصول الرواية بالمعنى، وإذا دخلته الرواية بالمعنى فلا يقال: إن لفظه كلام الله، ما دام دخلته الرواية بالمعنى؛ بخلاف القرآن، فإن القرآن لفظه كلام الله سبحانه وتعالى ومعناه أيضاً، وليس كلامه الألفاظ دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، بل حروفه ومعانيه كلام الله عز وجل، وقاله الله عز وجل.
    قوله: [ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، يقولون: الكوكب وبالكوكب].
    أي: يضيفون ذلك إلى غير الله عز وجل، وقد ذكرت أن فيه تفصيلاً بين أن يكون إسناد التأثير إلى الكواكب، فهذا كفر بالله، مخرج من الملة، وإذا أريد به إضافته إلى الله عز وجل، ولكنه حصل في الوقت الفلاني، وفي النوء الفلاني، فإن هذه العبارة خلاف الأولى، والأولى أن يقال كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي الذي جاء عن زيد بن خالد الجهني، وكان في عام الحديبية: (فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا ونوء كذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب).

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون: الكوكب وبالكوكب)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو].هو عمرو بن سواد ابن الأسود بن عمرو المصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مصري أيضاً.
    [أخبرني يونس].
    هو ابن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبيد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، ثبت، إمام، حجة، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقيه، من صغار التابعين وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة].
    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، في عصر التابعين، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والفقهاء السبعة في عصر التابعين في المدينة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسعيد بن المسيب، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال؛ قيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
    [عن أبي هريرة].
    رضي الله عنه هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً.
    وهذا الإسناد فيه ستة أشخاص؛ ثلاثة مصريون، وثلاثة مدنيون، فنصفه الأسفل مصريون، ونصفه الأعلى مدنيون، فـعمرو بن سواد، وعبد الله بن وهب، ويونس بن يزيد الأيلي المصري هؤلاء ثلاثة مصريون، ونصفه الأعلى مدنيون؛ وهم الزهري، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وأبو هريرة.

    شرح حديث: (... ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك الذي كفر بي وآمن بالكوكب) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله عن زيد بن خالد الجهني قال: (مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ألم تسمعوا ماذا قال ربكم الليلة؟ قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح طائفةٌ منهم بها كافرين، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، فأما من آمن بي وحمدني على سقياي فذاك الذي آمن بي وكفر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذاك الذي كفر بي وآمن بالكوكب)].أورد النسائي حديث زيد بن خالد الجهني، وهو: زيد بن خالد الجهني، وليس يزيد، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بمعنى الذي قبله، قال: [ألم تسمعوا ما قال الله عز وجل الليلة؟].
    وفي قوله: [الليلة]، ما قال الله: الليلة، وهذا يدل على أن الله تعالى يتكلم إذا شاء كيف شاء، وأن كلام الله عز وجل لا ينحصر، وليس له بداية، وليس له نهاية، فكلام الله غير محصور بكلام معين محدد؛ لأن الله لا بداية لكلامه، ولا نهاية لكلامه، فهو الأول ليس قبله شيء، وهو الآخر ليس بعده شيء، فكلامه غير منحصر، والله عز وجل يتكلم إذا شاء كيف شاء ومتى شاء، تكلم بلا بداية، ويتكلم بلا نهاية، كلم موسى في زمانه، وسمع موسى كلام الله من الله، وقال الله عز وجل: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143]، فقال: سمع كلام الله من الله، وسمعه محمد عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج، وفرض الله عليه خمسين صلاة ثم خففت إلى خمس، فهو كليم كما أن موسى كليم، وهو خليل كما أن إبراهيم خليل، فاجتمع فيه ما تفرق في غيره، عليه الصلاة والسلام.
    وكذلك جاء في الحديث: [ألم تسمعوا ما قال الله في هذه الليلة؟]، يعني: هذه الليلة قال كذا وكذا؛ تكلم بهذا الكلام في تلك الليلة التي نزل فيها المطر، قال: [ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح طائفةٌ منهم بها كافرين يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا فأما من آمن بي وحمدني على سقياي].
    وجاء في بعض الروايات: (فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافرٌ بي مؤمن بالكوكب)، وقد ذكرت أن الإيمان بالكوكب فيه تفصيل؛ فإذا كان قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، إن كان للتأثير، وأسند التأثير إلى الكواكب، فهذا هو الكفر المخرج من الملة، وإن كان المطر من الله، ولكن الله تعالى جعله ينزل في الزمن الفلاني، وفي الكوكب الفلاني، ووجود الكوكب الفلاني، فهذه العبارة؛ وهي قوله: [مطرنا بنوء كذا وكذا]، هي خلاف الأولى، وخير منها وأفضل أن يقول الإنسان: مطرنا بفضل الله ورحمته، وإن قال: في الشهر الفلاني أو في النوء الفلاني، ما فيه بأس، بعد أن يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك الذي كفر بي وآمن بالكوكب) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة؛ لأن قتيبة ليس له رواية عن سفيان الثوري، وإنما كل ما يأتي عن سفيان فالمراد به: ابن عيينة، وليس لـقتيبة رواية عن الثوري، بل قتيبة عمره لما مات الثوري عشر سنوات، ويمكن أن يروي من عمره عشر سنوات، كما عرفنا أن بعض الصحابة توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وفيهم من عمره ثمان سنوات، ومع ذلك له رواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن يمكن أن يكون هذا في بلد وهذا في بلد، وهذا صغير وما حصل له يلتقي بهذا الشيخ، فلم يأخذ عنه، لكن المعروف أن قتيبة ما روى عن سفيان الثوري، فكل ما جاء قتيبة عن سفيان فالمراد به ابن عيينة، وابن عيينة قد مر ذكره.
    [عن صالح بن كيسان].
    هو صالح بن كيسان المدني، وهو ثقة، ثبت، فاضل، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن عبد الله].
    هو ابن عتبة بن مسعود الذي مر ذكره قريباً.
    [عن زيد بن خالد الجهني].
    هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (لو أمسك الله المطر عن عباده ... يقولون: سقينا بنوء المجدع)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء عن سفيان عن عمرو عن عتاب بن حنين عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أمسك الله عز وجل المطر عن عباده خمس سنين ثم أرسله لأصبحت طائفةٌ من الناس كافرين، يقولون: سقينا بنوء المجدع)].أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [لو أمسك الله المطر عن عباده خمس سنين، ثم أنزله عليهم، لأصبح طائفةٌ منهم به كافرين يقولون: مطرنا بنوء المجدع] والمجدع: نجم من النجوم، اسمه مجدع، والحديث بهذا اللفظ فيه ذكر الخمس السنين، وفيه ذكر تسمية النوء الذي قالوا: مطرنا بنوء كذا، هذا مما جاء في هذه الطريق، ولكن الطرق الأخرى -التي في الصحيحين وفي غيرها- ليس فيها ذكر هذه التسمية؛ الذي هو النوء، وذكر الخمس السنين، وإنما فيها: (أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر)، كما جاء في حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: (فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب)، فهذا هو الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    وأما هذه الرواية فقد جاءت من طريق رجل لا يقبل حديثه إلا إذا اعتضد، ووجد له متابع، وليس له متابع، فتكون هذه الرواية غير صحيحة؛ لأنه لم يأت متابع له فيما جاء فيه من هذه الألفاظ؛ التي هي: نوء كذا، وكونه خمس سنين، هذا ما جاء إلا من هذه الطريق، ولكن إضافة المطر إلى النوء جاء في الأحاديث الصحيحة التي مرت.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لو أمسك الله المطر عن عباده ... يقولون: سقينا بنوء المجدع)

    قوله: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء].
    هو البصري، وهو لا بأس به، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
    وكلمة (لا بأس به) تعادل صدوق، أي: أن حديثه مما يكون حسناً لذاته؛ لأن صدوق، ولا بأس به، وليس به بأس هي في درجة واحدة، إلا عند يحيى بن معين فإنها تعادل ثقة، وهذا من اصطلاحه هو، أما في اصطلاح المحدثين فإن كلمة (لا بأس به) عندهم تعني: من يقل عن الثقة، ولكن حديثه معتمد، وحديثه من قبيل الحسن، فهو مثل صدوق عندهم.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة، وقد مر ذكره.
    [عن عمرو].
    هو عمرو بن دينار، وهذا الذي هو عبد الجبار بصري نزل مكة، فهو أصله بصري، ولكنه نزل مكة، يروي عن سفيان بن عيينة وهو مكي، وسفيان يروي عن عمرو وهو ابن دينار، وهو مكي، ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عتاب بن حنين].
    هو أيضاً مكي، مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي سعيد الخدري].
    هو سعد بن مالك بن سنان، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو صحابي مشهور، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.


    مسألة الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره
    شرح حديث: (... اللهم حوالينا ولا علينا ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [مسألة الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره.أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل حدثنا حميد عن أنس قال: (قحط المطر عاماً، فقام بعض المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم في يوم جمعة، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قحط المطر، وأجدبت الأرض، وهلك المال، قال: فرفع يديه، وما نرى في السماء سحابة، فمد يديه حتى رأيت بياض إبطيه يستسقى الله عز وجل، قال: فما صلينا الجمعة حتى أهم الشاب القريب الدار الرجوع إلى أهله، فدامت جمعة، فلما كانت الجمعة التي تليها قالوا: يا رسول الله! تهدمت البيوت، واحتبس الركبان، قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لسرعة ملالة ابن آدم، وقال بيديه: اللهم حوالينا ولا علينا، فتكشطت عن المدينة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مسألة الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره، والمقصود بالمسألة: كونه يسأل الله عز وجل ويدعوه أن يمنع المطر عنهم، وأن يجعله فيما حواليهم، والمقصود بالمسألة السؤال، أي: سؤال الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره.
    وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه: أنهم لما قحطوا، وحصل الجدب، وطلب بعض المسلمين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو، فرفع يديه ودعا، وأنزل الله الغيث، ومطروا وهم في المسجد، وكثر المطر، حتى أهم الشاب القريب الدار رجوعه إلى المنزل، فهو يجد صعوبة في كونه ينزل؛ من تتابع المطر وكثرة هطوله، يعني أهمه ذلك، ويجد فيه مشقة كونه يصل إلى البيت مع كثرة المطر وشدة هطوله، واستمر المطر إلى الجمعة الأخرى، ثم طلب منه بعض المسلمين أن يدعو لهم برفع المطر ومنعه، فرفع يديه ودعا وقال: [اللهم حوالينا ولا علينا]، [فتكشطت]، يعني: تقطعت، وانزاحت السحب عن المدينة، حتى صارت حولها كما جاء مبيناً في بعض الروايات المتقدمة: فصار كالإكليل، يعني: محيطاً بالمدينة السحب، تمطر حواليها ولا تمطر عليها.
    والمقصود من ذلك: أنه عندما يكثر المطر، ويحصل للناس ضرر بكثرته، فإن الإمام يدعو بهذا الدعاء الذي دعا به الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول: [اللهم حوالينا ولا علينا].

    تراجم رجال إسناد حديث: (... اللهم حوالينا ولا علينا ...)

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].
    هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا إسماعيل].
    هو ابن جعفر، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وهناك إسماعيل بن علية؛ لأن هذا من شيوخه إسماعيل بن جعفر، وإسماعيل بن علية الذي هو: علي بن حجر، فإذا كان الأمر كذلك: فـإسماعيل بن علية هو: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حميد].
    هو حميد بن أبي حميد الطويل، البصري، وهو ثقة، يدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    رفع الإمام يديه عند مسألة إمساك المطر
    شرح حديث: (فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا ...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع الإمام يديه عن مسألة إمساك المطر.أخبرنا محمود بن خالد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أبو عمرو الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: (أصاب الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة، فقام أعرابيٌ فقال: يا رسول الله! هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، وما نرى في السماء قزعة، والذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار سحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو قال: غيره، فقال: يا رسول الله! تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، حتى صارت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي، ولم يجئ أحد من ناحيةٍ إلا أخبر بالجود)].
    هنا أورد النسائي رفع الإمام يده في مسألة إمساك المطر؛ لأن الترجمة السابقة: مسألة الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره.
    وقوله: [والذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار سحاب أمثال الجبال].
    أي: كان يرفع يديه فما أنزلهما حتى نزل المطر.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #284
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب صلاة الخوف)
    (281)

    كتاب صلاة الخوف [1]
    فرض الله الصلاة على عباده بالتعيين، ولا تسقط عن أحد مهما كانت حالته، حتى في حالة الخوف والقتال فإنها تؤدى على اختلاف أحوال القتال ومواجهة العدو.

    صلاة الخوف
    شرح حديث حذيفة بن اليمان: (صلى رسول الله صلاة الخوف بطائفة ركعة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب صلاة الخوف.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا وكيع أخبرنا سفيان عن الأشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم قال: (كنا مع سعيد بن العاصي بطبرستان ومعنا حذيفة بن اليمان، فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فوصف فقال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بطائفةٍ ركعةً صف خلفه، وطائفةٍ أخرى بينه وبين العدو، فصلى بالطائفة التي تليه ركعة، ثم نكص هؤلاء إلى مصاف أولئك، وجاء أولئك، فصلى بهم ركعة)].
    يقول النسائي رحمه الله: كتاب صلاة الخوف. وصلاة الخوف جاءت فيها سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام على صفات متعددة، سواء كان الناس حاضرين أو مسافرين، فإن صلواتهم معلومة كيفيتها، وأما في حال الخوف فقد جاءت صفتها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام على أوجه مختلفة، وحصلت في مناسبات متعددة، ومن العلماء من فضل كيفية على كيفية، ومنهم من قال: إنها كلها سائغة، وإنما في كل حال ما يناسبها من الكيفيات التي ثبتت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكانت هذه الكيفيات تنقسم إلى قسمين: أحدها: إذا كان العدو بينهم وبين القبلة، والحالة الثانية: إذا كان في جهة أخرى غير القبلة، أي: يكون من ورائهم، ولكل صفة فيما إذا كان العدو في جهة القبلة أو في غير جهتها.
    وقد أورد النسائي تحت هذا الكتاب عدة أحاديث، ولم يعقد أبواباً تحت هذا الكتاب، بل أورد سبعةً وعشرين حديثاً مسرودة، ليس فيها أبواب كعادته في بقية الكتب المتقدمة التي يكون كل كتاب تحته أبواب، هنا سرد الكيفيات، وأتى بالأحاديث المشتملة على الكيفيات دون تبويب لها، وقد أورد النسائي في أولها حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه، وكانوا في طبرستان ومعهم سعيد بن العاص الأمير، فسأل: من يعلم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، ثم وصفها، فبين أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بالناس، وجعلهم طائفتين: طائفة يصلون وراءه، وطائفة يبقون تجاه العدو يحرسون إخوانهم، ويعرفون حركات العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ذهبوا وصاروا مكان أولئك الذين يحرسون مواجهين للعدو، وجاءوا أولئك الذين لم يصلوا فصلوا معه ركعة، أي: أن كل طائفة منهم صلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة، الطائفة الأولى التي كانت معه صلت معه الركعة الأولى، ثم ذهبت، وبقيت في مقام الذين لم يصلوا معه أولاً، فجاء أولئك الذين كانوا يحرسون، والنبي عليه الصلاة والسلام في الركعة الأولى، فصفوا معه، وصلى بهم الركعة الثانية.
    وظاهر الحديث أن كلاً منهم اكتفى بركعة، وجاء في الرواية الأخرى: (أنهم لم يقضوا)، وهذا يوضح اكتفاءهم بركعة، وأن كل طائفة من الطائفتين صلت ركعة ولم تقضِ، والنبي عليه الصلاة والسلام صلى بالناس ركعتين، فهذه إحدى الكيفيات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعضها، أي: بعض الروايات أو بعض الكيفيات أن كل طائفة تقضي ركعة كما يأتي في بعض الأحاديث، أي: أن الطائفة الأولى صلت معه ركعة، ثم أتمت لنفسها وذهبت، والطائفة الثانية جاءت معه في الركعة الثانية وصلت معه، ولما جلس للتشهد أتمت لنفسها، أي: الركعة الثانية، ثم سلم بها، وهذه الرواية فيها الإطلاق، والتي بعدها من حديث حذيفة فيها التصريح بأنهم لم يقضوا، أي: أن كل واحد منهم، أو كل طائفة منهم صلت ركعةً واحدة.
    تراجم رجال إسناد حديث حذيفة بن اليمان: (صلى رسول الله صلاة الخوف بطائفة ركعة ...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أرفع صيغ التعديل وأعلاها.
    [حدثنا وكيع].
    هو ابن الجراح الرؤاسي، الكوفي، وهو، ثقة، حافظ، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا عن سفيان].
    وسفيان غير منسوب، والمراد به سفيان الثوري؛ لأن وكيعاً مكثر من الرواية عن سفيان الثوري، وهو من أهل بلده، ومقل من الرواية عن سفيان بن عيينة، وهو ليس من أهل بلده؛ ولأن ابن عيينة مكي، وأما الثوري فهو كوفي، ووكيع بن الجراح كوفي، فإذا جاء سفيان غير منسوب يروي عنه وكيع فالمراد به: الثوري؛ لأنه معروف بالإكثار من الرواية عنه، وأما ابن عيينة فهو معروف بالإقلال من الرواية عنه، وهذا من بلده الذي هو: سفيان الثوري، وذاك ليس من بلده الذي هو: سفيان بن عيينة، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان مع شيخه في بلد واحد، فإنه يكون كثير الاتصال به، وكثير الأخذ عنه، بخلاف ما إذا كان في بلد آخر، فإنه لا يلتقي به إلا زائراً، أو يلتقي به في بعض الأحيان، فيحمل على من له به كثرة اتصال، ووكيع ممن أكثر عن الثوري، وأقل الرواية عن ابن عيينة، وهذا ما يسمى: المهمل في علم المصطلح، أي: أن الشخص لم ينسب، ويحتمل عدة أشخاص، فإنه يحمل على من للتلميذ به خصوصية، وذلك إذا كان يكون من أهل بلده، أو مكثراً من الرواية عنه.
    وسفيان الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأشعث بن أبي الشعثاء].
    هو الأشعث بن أبي الشعثاء المحاربي الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    أبوه سليم، أي أن: أبا الشعثاء، هو سليم، وابنه: أشعث بن سليم، ويقال له: أشعث بن أبي الشعثاء، يذكر منسوباً إلى أبيه مكنى، ومنسوباً إلى أبيه باسم أبيه، وهنا جاءت الرواية منسوباً إلى أبيه مكنى، أشعث بن أبي الشعثاء، والطريقة التي ستأتي أشعث بن سليم، وأشعث بن سليم هو أشعث بن أبي الشعثاء.
    [عن الأسود بن هلال].
    ثقة، خرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن ثعلبة بن زهدم].
    مختلف في صحبته، وقال عنه العجلي: إنه تابعي، ثقة، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي.
    [عن حذيفة].
    هو حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث حذيفة بن اليمان: (أيكم صلى مع رسول الله صلاة الخوف؟ ...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان حدثني أشعث بن سليم عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم قال: (كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا. فقام حذيفة فصف الناس خلفه صفين، صفاً خلفه وصفاً موازي العدو، فصلى بالذي خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا)].أورد النسائي حديث حذيفة رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة، إلا أن الطريق السابقة فيها حكاية صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم ووصفها، وأما هذه فإنه صلى بهم صلاة الخوف على وفق صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مثل السابقة، إلا أن فيها التصريح بأنهم لم يقضوا، أي: أن كل جماعة صلوا ركعة ولم يحصل منهم قضاء.

    تراجم رجال إسناد حديث حذيفة بن اليمان: (أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ ...) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    عمرو بن علي، هو الفلاس، وهو ثقة ناقد متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، ثبت، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو الثوري، وقد مر ذكره.
    [حدثني أشعث بن سليم].
    هو أشعث بن أبي الشعثاء وقد مر في الإسناد الذي قبل هذا.
    [ثعلبة بن زهدم].
    ثعلبة بن زهدم، وحذيفة، مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    شاهد لحديث حذيفة من رواية زيد بن ثابت في كيفية صلاة الخوف
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان حدثني الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل صلاة حذيفة)].أورد النسائي زيد بن ثابت رضي الله عنه في صفة صلاة الخوف، ولكنه لم يذكر المتن، بل أحال على حديث صلاة حذيفة، وهو الحديث المتقدم قبل هذا، الحديث الذي فيه صلاة حذيفة بالناس صلاة الخوف بطبرستان، حيث صلى بهم، ولم يذكر لفظ حديث زيد بن ثابت، بل أحال على حديث حذيفة في صلاته بالناس الخوف في طبرستان، بخلاف الحديث الأول، فإن فيه لم يصل حذيفة، وإنما وصف صلاة الخوف، والحديث الثاني الذي تقدم، فيه أنه صلى بهم صلاة الخوف على وفق صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وكلمة: (مثل)، تعني: الموافقة، والمماثلة، ومعناه: أن لفظه على وفق، وعلى مثل ما حصل من حذيفة في صلاته بالناس الخوف في طبرستان، وعند المحدثين فرق بين مثله ونحوه، إذا قالوا: مثله أو قالوا: نحوه، فإن (مثله) تعني: المطابقة، وأما (نحوه) تعني: الاتفاق في المعنى، وإن حصل الاختلاف في الألفاظ، هذا هو الفرق بين (مثله) و(نحوه).
    تراجم رجال إسناد شاهد لحديث حذيفة من رواية زيد بن ثابت في كيفية صلاة الخوف
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد القطان].
    وقد مر ذكرهما.
    [حدثنا سفيان].
    وقد مر ذكره أيضاً.
    [حدثني الركين بن الربيع].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن القاسم بن حسان].
    مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن زيد بن ثابت].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد كتبة الوحي للرسول عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    والحديث في سنده القاسم بن حسان، وهو مقبول، وحديثه يعتبر عند المتابعة، ومن المعلوم: أن حديث حذيفة المتقدم هو مثله، كما لم يذكر المتن هنا، وأحيل فيه إلى حديث حذيفة، فهذا الذي جاء من طريقه جاء من طريق غيره، وهو ثابت من طريق غيره، وكونه مقبول، فإنه يعتمد على حديثه عند المتابعة، وقد جاء ما يشهد له ويؤيده من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه المتقدم، والذي أحيل إليه عند انتهاء الإسناد في هذا الحديث، وأحيل بمتنه على أنه مثل حديث حذيفة في صلاته بالناس صلاة الخوف، وهو الحديث المتقدم قبل هذا.

    شرح حديث ابن عباس: (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً ... وفي الخوف ركعة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة)].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، الذي تقدم في السفر، وتقدم في بعض المواضع، وأتى به هنا في الخوف من أجل ما جاء فيه أن صلاة الخوف ركعة، قال: [(فرض الله على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم صلاة الحضر أربعاً، وصلاة السفر ركعتين، وصلاة الخوف ركعة)]. وهذا فيه دليل على أن صلاة الخوف في بعض صورها، وفي بعض أحوالها، تكون ركعةً واحدة، ومن العلماء من قال: أنها ركعة، أي: تكون مع الإمام، لكن الحديث فصل في صلاة الحضر وأنها أربع، والسفر وأنها ركعتان، والخوف بأنها ركعة، وهذا يفيد بأنها ركعة واحدة وليست ركعةً مع غيرها، وأنها يدركها مع الإمام، وركعةً أخرى يقضيها، وإنما تكون ركعةً واحدة عند الحاجة، وعندما يقتضي الأمر أن تصلى على هذه الكيفية، وعلى هذه الصفة، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما واضح الدلالة على ذلك.
    وقد جاء في بعض الروايات المتقدمة في حديث حذيفة أن كل طائفة صلت ركعةً واحدة وأنها لم تقض، والذين يقولون: بأنها لا تكون ركعةً واحدة، وإنما يضم إليها غيرها، يقولون في قوله: إنها ركعة واحدة، وأنهم لم يقضوها على أساس أنها مستقلة، بل يضم إليها ركعة، ولكنها لا تقضى قضاءً مستقلاً، بمعنى أنهم يعيدونها، ثم هذه الأحاديث التي مرت، والتي ستأتي، وهي في صلاة الخوف، كلها تدل على لزوم صلاة الجماعة، وأن هذا من الأدلة الدالة على وجوبها، إذا كان الخوف مع شدة حاجة الناس إلى الاستعداد للعدو، وإلى مقابلته، وملاقاته، ومع ذلك ما تركت صلاة الجماعة مع شدة الخوف، قالوا: وهذا يدل على وجوب صلاة الجماعة، وهو من أدلة وجوبها، وهو من أوضح الأدلة الدالة على وجوبها، وأنها مع شدة الخوف، ومع حاجة الناس إلى الاستعداد للعدو، لم تترك صلاة الجماعة، بل أتي بها، لكن على هيئة مخصوصة بينتها الأحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (فرض الله الصلاة على نبيكم في الحضر أربعاً ... وفي الخوف ركعة)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وبغلان: قرية من قرى بلخ من بلاد خراسان.
    [حدثنا أبو عوانة].
    هو الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، مشهور بكنيته أبي عوانة، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، وهناك من اشتهر بكنية أبي عوانة شخص متأخر، وهو: أبو عوانة صاحب المستخرج على صحيح مسلم الذي يقال لكتابه: الصحيح، ويقال له: المسند، ويقال له: المستخرج، فهو مشهور بكنيته أبي عوانة، وهذا مشهور بكنيته أبي عوانة، وهو: الوضاح بن عبد الله اليشكري.
    [عن بكير بن الأخنس].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. أي: ما خرج له البخاري في الصحيح، ولا الترمذي.
    [عن مجاهد].
    هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، عالم بالتفسير والعلم، مشتهر بأنه عمدة في التفسير، وأنه من أهل العلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    شرح حديث : (أن رسول الله صلى بذي قرد وصف الناس خلفه صفين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان حدثني أبو بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد، وصف الناس خلفه صفين: صفاً خلفه، وصفاً موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة، ولم يقضوا)].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وهو مثل الحديث الذي تقدم عن حذيفة وعن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهما، في أن الرسول صلى الله عليه وسلم صف الناس صفين: صفاً يصلون وراءه، وصفاً تجاه العدو، وكان العدو في غير جهة القبلة، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ذهبوا، وجاء أولئك الذين هم مقابلون للعدو، وصلوا معه الركعة الثانية، ولم يقضوا، فهو مثل حديث حذيفة، ومثل حديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهما.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى بذي قرد وصف الناس خلفه صفين ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار]. هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كل واحد من أصحاب الكتب الستة روى عنه مباشرةً وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، توفي قبل البخاري بأربع سنوات، فـالبخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، ومحمد بن بشار توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ومثله في تاريخ الوفاة، وفي كونه أيضاً شيخاً لأصحاب الكتب الستة: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن المثنى، فإن هؤلاء الثلاثة ماتوا في سنة واحدة، وكل واحد منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان، قد تقدم قريباً مراراً.
    [عن سفيان].
    هو سفيان الثوري، وقد تقدم أيضاً.
    [حدثني أبو بكر بن أبي الجهم].
    هو أبو بكر بن عبد الله بن أبي الجهم ينسب إلى جده، واسم أبيه عبد الله، وقوله: ابن أبي الجهم، نسبةً إلى جده، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عبيد الله بن عبد الله].
    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الثقفي، أحد الثقات الفقهاء، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير بن العوام، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، هو أحد هؤلاء الفقهاء السبعة باتفاق، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.
    شرح حديث: (قام رسول الله وقام الناس معه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير عن محمد عن الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه، فكبر وكبروا، ثم ركع وركع أناس منهم، ثم سجد وسجدوا، ثم قام إلى الركعة الثانية، فتأخر الذين سجدوا معه وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى فركعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وسجدوا، والناس كلهم في صلاةٍ يكبرون، ولكن يحرس بعضهم بعضاً)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو فيما إذا كان العدو في جهة القبلة، فإنهم يصلون مع الإمام جميعاً، ويكونون صفين، يقومون معه جميعاً، وإذا ركع فإنهم يركعون جميعاً، وإذا سجد يسجد معه الصف الأول، ويبقى الصف الثاني يحرس، وإذا فرغ أهل الصف الأول معه، فإنهم يسجدون، ثم بعد ذلك يتقدمون ويصلون الركعة الأولى مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين وراءهم يكونون مثلهم -الذين تأخروا- وكلهم في صلاة يكبرون، ولكنهم يحرس بعضهم بعضاً، وفي الأخير يسلم بهم جميعاً، بمعنى أن العدو في جهة القبلة، ويصفون صفين: صف إذا سجد يسجدون معه، والذين وراءهم واقفين، فإذا فرغ، وقام فإنهم يسجدون، أي: الصف المؤخر، الذين كانوا واقفين عندما سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالصف المقدم، ثم إذا قاموا تقدموا، وتأخر أولئك، فإذا ركع الركعة الثانية وسجد، فالصف الأول الذي كان مؤخراً يسجد معه ويركع، والصف الذي كان مقدماً ثم صار مؤخراً، عندما يخلصون من السجود يسجدون لأنفسهم، ثم يجلسون جميعاً للتشهد ينتظرون التسليم، فيسلم بهم، هذا فيما إذا كان العدو في جهة القبلة، بمعنى أنهم في حال السجود لا يسجدون جميعاً، وإنما يكون بعضهم يحرس وبعضهم يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (قام رسول الله وقام الناس معه ...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير].
    هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن محمد].
    هو محمد بن حرب الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزبيدي].
    هو محمد بن الوليد الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. ومحمد بن الوليد الزبيدي الحمصي من أثبت أصحاب الزهري.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبيد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود].
    وقد مر ذكره.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.
    وهذا الحديث فيه ستة أشخاص، ثلاثة حمصيون في أول السند، وثلاثة مدنيون فيما يليه، عمرو بن كثير، ومحمد بن حرب، ومحمد بن الوليد الذي هو الزبيدي، هؤلاء الثلاثة حمصيون، والزهري، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعبد الله بن عباس مدنيون، ابن عباس كان آخر أمره في الطائف، وتوفي في الطائف رضي الله تعالى عنه.
    شرح حديث: (ما كانت صلاة الخوف إلا سجدتين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم حدثني عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (ما كانت صلاة الخوف إلا سجدتين كصلاة أخراسكم هؤلاء اليوم، خلف أئمتكم هؤلاء، إلا أنها كانت عقباً، قامت طائفة منهم وهم جميعاً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسجدت معه طائفةٌ منهم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاموا معه جميعاً، ثم ركع وركعوا معه جميعاً، ثم سجد فسجد معه الذين كانوا قياماً أول مرة، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين سجدوا معه في آخر صلاتهم، سجد الذين كانوا قياماً لأنفسهم، ثم جلسوا فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسليم)].أورد النسائي حديث ابن عباس، وهو مثل الرواية السابقة فيما إذا كان العدو بينهم وبين القبلة، فتصلي الطائفة الأولى التي في الصف الأول معه، والثانية تحرس، ثم إذا قاموا سجدت الطائفة الثانية لأنفسهم، وإذا فرغوا، قاموا وتقدموا إلى الصف الأول، وصاروا وراء الإمام، وتأخر الصف الأول، ثم سجد معه الذين ما سجدوا معه في الأولى، والذين كانوا معه في الأولى تأخروا إلى الصف الثاني، سجدوا لأنفسهم بعد أن فرغ من السجود، وجلس معه الصف الأول، ثم جلسوا جميعاً في التشهد، ثم جمع بهم في التسليم، يعني: سلم بهم جميعاً، فدخلوا بالصلاة وهم معه، إلا أن بعضهم يحرس، وبعضهم يصلي، ثم بعد ذلك سلم بهم جميعاً.
    فهذه الرواية هي مثل الرواية التي قبلها، وهي صفة الروايتين واحدة فيما إذا كان العدو بين الناس وبين القبلة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما كانت صلاة الخوف إلا سجدتين ...)

    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم].هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، والبخاري، وأبو داود، والترمذي.
    [حدثنا عمي].
    هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي].
    وهو أبو الثاني وجد الأول، وهو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهو ثقة، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن إسحاق].
    هو محمد بن إسحاق بن يسار المدني، وهو صدوق، مدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. وهنا قد صرح بالتحديث.
    [عن داود بن الحصين].
    ثقة إلا في عكرمة، وهو يروي عن عكرمة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، لكن كما هو معلوم أن هذه الطريق، والطريق الآخر الذي قبله هو مثله، من حيث وصف الصلاة، وأنه ما جاء من هذه الطريق وحدها التي فيها رواية داود عن عكرمة، بل الطريق الأول التي مضت هي طريق أخرى، فإذاً: لا يؤثر عليه ما قيل: أن في روايته عن عكرمة.
    [عن عكرمة].
    هو مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.

    الأسئلة
    حكم استعمال العطور الممزوجة بالكحول
    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، ما حكم استعمال العطور التي امتزجت بشيء من الكحول، يقال: إنها نوع من الخمر؟الجواب: هذه المسألة كان الشيخ الأمين الشنقيطي يحرم استعمالها ويمنع ذلك، وقد ذكر هذا في كتابه: (أضواء البيان) الذي يسمى: الكلونيا، ومن العلماء من يرى أنه لا بأس به، لكن كما هو معلوم الطيب الطيب -والحمد لله- كثير، أي: الذي لا شبهة فيه كثير، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلا ما لا يريبك)، فالشيء الذي فيه شبهة يستغنى عنه، وهناك من الطيب ما يغني عنه.

    مدى صحة الحكم على عيسى عليه السلام بأنه صحابي
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يعد نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام من الصحابة؟الجواب: عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام رآه رسول الله عليه الصلاة والسلام لما عرج به إلى السماء بروحه وجسده؛ لأنه رفع بروحه وجسده عليه الصلاة والسلام، وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى هو النبي عليه الصلاة والسلام، ورأى رسول الله عليه الصلاة والسلام عيسى بن مريم وهو في هذه الحياة، أي: بروحه، وجسده الذي سينزل في آخر الزمان ويموت، فهو نبي من أنبياء الله، ولكن من حيث رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق عليه بعض العلماء أنه صحابي بمعنى: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وآمن به، وصدق به، وفي آخر الزمان عندما ينزل يحكم بشريعته كما ثبتت بذلك الأحاديث، لكن كما هو معلوم: عنده ما هو أكمل من الصحبة، وما هو أفضل من الصحبة، وهي النبوة والرسالة، لكن بعض العلماء ذكره، ولهذا بعضهم يذكره في كتب الصحابة.

    أولوية التقديم عند التعارض بين المرفوع الضعيف والموقوف الصحيح
    السؤال: فضيلة الشيخ! حديثان متعارضان: أحدهما مرفوع ولكنه ضعيف، والثاني موقوف ولكنه صحيح، فأيهما يقدم؟الجواب: كما هو معلوم: إذا كان حديثاً ضعيفاً فهو غير ثابت، أي: إذا كان ذلك الضعف لا ينجبر، ولا يحتمل، فيعتبر غير ثابت، وأما الحديث الموقوف فهو كلام صحابي، معناه: إذا انتهى الحديث إليه فهو يعتبر كلام صحابي، إلا أن يكون من الأمور التي لا مجال للرأي فيها، ولا مجال للاجتهاد فيها، فهذا يقولون عنه: مرفوع حكماً، وليس مرفوعاً تصريحاً، هذا إذا كان الحديث موقوف على صحابي، ولكنه من الأمور الغيبية، إلا إذا كان الشخص معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات، فإن هذا يحتمل أن يكون مما أخذه من أخبار بني إسرائيل، إذا كان بالأمور الغيبية.
    الحاصل: أنه إذا كان الحديث في إسناده ضعيف، والضعف شديد فإنه يعتبر غير ثابت، وذاك الموقوف إذا كان الإسناد صحيح، إن كان مما للرأي فيه مجال، فهو قول صحابي، وثابت إليه، وإن كان مما ليس للرأي فيه مجال، وليس الصحابي معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات، فيكون له حكم الرفع، ولهذا المرفوع يقولون عنه: مرفوعاً تصريحاً ومرفوعاً حكماً، المرفوع تصريحاً: أن يقول الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، والمرفوع حكماً: أن يقول قولاً لا مجال للرأي فيه، وليس معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات، فإنه يعتبر مرفوعاً حكماً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    مدة القصر في السفر إذا زاد على أربعة أيام
    السؤال: فضيلة الشيخ! ذكرت أن المسافر لا يقصر الصلاة إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة تسعة عشر يوماً في تبوك، فما هو التوفيق؟ جزاكم الله خيراً.الجواب: أنا ذكرت فيما مضى أن ما جاء من إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح، وما جاء بإقامته في تبوك، وهو يقصر الصلاة في مكة، وفي تبوك، لم يكن هناك شيء يدل على أنه عازم على الإقامة هذه المدة عند دخوله مكة، أو وصوله إلى تبوك، لا يوجد ما يدل على هذا، ومن المعلوم: أن المسافر إذا لم يكن عنده عزم على الإقامة، ولا يدري متى تنتهي إقامته في البلد، أي: ما عنده عزم على مدة معينة، فإنه يقصر ولو طالت المدة، ولو بلغت أكثر من هذه المدة، ما دام أنه ما كان عنده عزم للإقامة، مثل: إنسان عنده شغل، ولا يدري متى ينتهي شغله، كل يوم يقول: ينتهي، كل يوم يقول: ينتهي، يستمر يقصر، ولو طالت المدة، لكن إذا كان هناك عند الدخول ووصول البلد عنده عزم على الإقامة هذه المدة، في مكة، ما عندنا ما يفيد بأن الرسول لما دخل مكة عزم على الاقامة تسعة عشر يوماً، وليس عندنا شيء يوضح لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما وصل تبوك كان سيبقى فيه هذه المدة، فهذا مجهول، ومن المعلوم أن المدة إذا كانت مجهولة أمام الإنسان، وليس عنده عزم على إقامة مدة معينة، أنه يقصر، ولو طالت المدة، مثل ما حصل لبعض الصحابة، كانوا يسافرون ويقصرون الشهرين، وذلك فيما جاء عن ابن عمر في أذربيجان لما كان الثلج موجوداً، وكانوا كل يوم ينتظرون الثلج يذوب، ويمشون، ويقصرون، وتتواصل الأيام حتى تبلغ شهرين، فإذاً: المدة التي عُرف أن النبي علي الصلاة والسلام عزم على إقامتها عند وصوله إلى البلد في حجة الوداع، لما دخل مكة في اليوم الرابع، وهو باق فيها إلى أن يذهب إلى الحج في اليوم الثامن، معنى هذه إقامة محققة عند الدخول؛ لأنه أمامه الحج، وسيخرج من مكة للحج، معناه: أقام في البلد أربعة أيام، فمن هنا قال جمهور العلماء: على أن الإقامة تكون إذا نوى الإنسان أكثر من أربعة أيام، فإنه لا يعتبر مسافراً، بل يعتبر حكمه حكم المقيم، وإن كانت إقامته في حدود أربعة أيام فأقل، فحكمه حكم المسافرين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر الصلاة في الأربعة الأيام التي كان فيها بمكة من يوم أربعة إلى يوم ثمانية.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #285
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب صلاة الخوف)
    (282)

    صلاة الخوف لها كيفيات كلها واردة من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها: أن تقوم طائفة مع الإمام وطائفة تكون بإزاء العدو، فيصلي بالذين معه ركعة، ثم يذهبون فتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعة ثم تقضي كل طائفة ركعة ركعة.
    تابع صلاة الخوف(2)
    شرح حديث سهل بن أبي حثمة: (أن رسول الله صلى بهم صلاة الخوف فصف صفاً خلفه ...)


    يقول المصنف رحمه الله تعالى في كتاب صلاة الخوف: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف، فصف صفاً خلفه، وصفاً مصافو العدو، فصلى بهم ركعة، ثم ذهب هؤلاء وجاء أولئك، فصلى بهم ركعة، ثم قاموا فقضوا ركعةً ركعة)].هذا الحديث من الأحاديث التي أوردها النسائي رحمه الله في كتاب الخوف، وقد مر جملة من الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في ذلك، وهذا الحديث عن سهل بن أبي حثمة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى فيهم صلاة الخوف، وجعلهم صفين: صفاً وراءه، وصفاً في مواجهة العدو، وصلى بالذين معه ركعة، ثم انصرفوا، وذهبوا إلى مواجهة العدو، وجاء الذين كانوا في المواجهة، وصلوا معه الركعة الثانية، ثم قضوا، أي: بعد أن سلم بالطائفة الأخيرة، قضى كل واحد ركعةً ركعة، أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم ركعتين، وكل واحد منهم صلى ركعةً ركعة، فكان لكل واحد منهم ركعتين، أي: أن الذين ذهبوا كانوا لم تكمل صلاتهم، والذين كانوا معه وسلم، صلوا ركعةً بعد أن سلم بهم، فيكون كل من المأمومين صلى ركعتين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالجميع ركعتين.
    قوله: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف، فصف صفاً خلفه، وصفاً مصافو العدو، فصلى بهم ركعة، ثم ذهب هؤلاء وجاء أولئك، فصلى بهم ركعة، ثم قاموا فقضوا ركعةً ركعة)].
    أي: أن المأمومين كل واحد منهم قضى ركعةً ركعة، وهذه صفات من صفة صلاة الخوف، وقد تقدمت صفة عن حذيفة، وزيد بن ثابت، وفيه: أنهم لم يقضوا، وفي هذا الحديث أن كل واحد منهم قضى ركعةً ركعة، فهذه تعتبر من صفات صلاة الخوف، وأن الإمام يصلي بهم ركعتين بكل طائفة ركعة، ثم كل واحد منهم يصلي لنفسه ركعةً ركعة، ومعنى ذلك أنهم يتناوبون، بمعنى: أن الذين كانوا معه يقومون ويصلون ركعة، ثم الذين في مواجهة العدو يصلون ركعة، وليس معنى ذلك أنهم يصلون جميعاً ركعة ركعة يقضون؛ لأنه لو كان الأمر كذلك، فإنه يكون العدو ليس في مواجهته إلا الإمام الذي فرغ من صلاته وأتمها.

    تراجم رجال إسناد حديث سهل بن أبي حثمة: (أن رسول الله صلى بهم صلاة الخوف فصف صفاً خلفه ...)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    عمرو بن علي، هو: الفلاس، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو ابن سعيد القطان، وهو ثقة، ناقد أيضاً متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهو ثقة، فقيه من فقهاء التابعين، ومن الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، والفقهاء السبعة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمد هذا، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن صالح بن خوات].
    وهو الأنصاري، المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سهل بن أبي حثمة].
    وهو الأنصاري المدني، وهو صحابي صغير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الإسناد كل رجاله خرج لهم في الكتب الستة، عمرو بن علي الفلاس يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري يروي عن شعبة بن الحجاج الواسطي يروي عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، يروي عبد الرحمن عن أبيه القاسم، وأبوه القاسم يروي عن صالح بن خوات، وصالح بن خوات يروي عن سهل بن أبي حثمة، هؤلاء السبعة كلهم ممن خرج لهم أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع: (أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: (أن طائفةً صفت معه، وطائفةٌ وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائماً، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا، فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم)].وأما الحديث الذي قبل هذا: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف، فصف صفاً خلفه، وصفاً مصافو العدو، فصلى بهم ركعة، ثم ذهب هؤلاء وجاء أولئك، فصلى بهم ركعة، ثم قاموا فقضوا ركعةً ركعة)].
    هذا حديث آخر عمن صلى خلف رسول الله عليه الصلاة والسلام صلاة الخوف، يعني: عن رجل من الصحابة لم يسم هنا، والإسناد الأول: فيه سهل بن أبي حثمة، ولكنه من صغار الصحابة، فالذي يظهر أنه ليس ممن حضر الصلاة، والصغير لا يشارك في الغزو، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يقر من كان عمره أربع عشرة سنة، عن المشاركة في الغزو كما حصل من ابن عمر، قال: عرضت إليه يوم أُحد وأنا ابن أربعة عشرة سنة، فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق، فأجازني، فتلك صفة أخرى غير هذه الصفة التي هي: عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة؛ لأن تلك ليس فيها أنه ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، وإنما ذهب أولئك، ثم أولئك جاءوا وصلوا، ثم صلى كل جماعة منهم ركعةً ركعة، أما هذه الصيغة أو هذه الصفة من صلاة الخوف، فالرسول صلى الله عليه وسلم جعلهم صفين: صفاً تجاه العدو، وصفاً وراءه، فالذين صلوا وراءه صلى بهم ركعة، ثم قام للركعة الثانية، وهم أتوا بالركعة الباقية عليهم، وسلموا، وذهبوا، يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم لما وقف في الركعة الثانية، وقد فرغ من الأولى، هم قاموا وصلوا الركعة الثانية، وسلموا وانصرفوا، وبقي الرسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، ثم جاءت الطائفة الثانية، فصلى بهم الركعة الثانية، ولما فرغ منها وجلس للتشهد، هم قاموا وأتوا بالركعة الثانية التي عليهم، ثم تشهدوا وسلم بهم، يعني: فسلم بالطائفة الأخيرة، لكن كل طائفة صلت معه ركعة، وأتمت لنفسها ركعة، وصار كل واحد من الطائفتين، ذهب وقد فرغ من صلاته.
    والراوي الصحابي الذي صلى مع رسول الله لم يسمه صالح بن خوات، فقد ذكر الحافظ في بلوغ المرام: أن عند ابن مندة في المعرفة: عن صالح بن خوات عن أبيه؛ لأنه هنا مهمل، ولكن الحافظ ابن حجر لما ذكر الحديث عن طريق صالح بن خوات، عمن صلى خلف رسول الله صلاة الخوف، قال: وفي المعرفة ابن مندة: عن صالح بن خوات عن أبيه، لا أدري عن إسناد تلك الرواية التي في المعرفة لـابن مندة، لكن كما هو معلوم الصحابي جهالته كالعلم به، لا تؤثر جهالته؛ ما دام عرف أنه صحابي، فالصحابة عدول بتعديل الله عز وجل لهم، وتعديل رسوله عليه الصلاة والسلام، فهم لا يحتاجون إلى تعديل المعدلين، وتوثيق الموثقين بعد أن عدلهم رب العالمين، ورسوله الأمين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولهذا نجد أن غير الصحابة لابد من معرفته، ومعرفة شخصه، وحاله، والصحابة يكفي أن يقال عن الشخص: أنه صحابي، وإن لم يذكر اسمه، فالجهالة فيهم لا تؤثر، وإنما الجهالة تؤثر في غيرهم، ولهذا فإن المجهول منهم كالمعلوم.

    تراجم إسناد حديث صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع: (أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو ...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن رومان].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن صالح بن خوات].
    وقد مر ذكره.
    [عمن صلى خلف رسول الله عليه الصلاة والسلام].
    وهو صحابي لم يسم، وعرفنا أن عدم تسميته لا تؤثر، وذكرت أن في المعرفة لـابن مندة كما ذكر الحافظ ابن حجر بعد سياقه الحديث، قال: وفي المعرفة لـابن مندة: عن صالح بن خوات عن أبيه، فمعنى هذا يكون أبوه هو الذي صلى خلف رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن كما ذكرت الصحابي الذي صلى، سواءً علم أو لم يعلم، لا يؤثر على الرواية شيئاً؛ لأن الصحابة كلهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (أن رسول الله صلى بإحدى الطائفتين ركعة ...)
    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود عن يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انطلقوا فقاموا في مقام أولئك، وجاء أولئك فصلى بهم ركعةً أخرى، ثم سلم عليهم، فقام هؤلاء فقضوا ركعتهم، وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، في صفة صلاة الخوف، وهو مثل الصفة التي مرت عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم فجعلهم صفين: صفٌ في مواجهة العدو، وصف وراءه، فصلى بالذين وراءه ركعة، ثم انصرفوا، وقاموا مقام أولئك الذين في مواجهة العدو، وجاء أولئك وصلى بهم الركعة الثانية، ثم سلم، وبعد أن سلم قام كل طائفة منهم وصلوا ركعة، أي: الركعة التي بقيت عليهم، صلوها بالتناوب، أي: ما صلوا جميعاً، وإنما هؤلاء صلوا على حدة، وهؤلاء صلوا على حدة، أي: قضوا ما فاتهم، وهذه الصفة مثل الصفة التي مرت عن صالح بن خوات الأولى التي عن سهل بن أبي حثمة رضي الله تعالى عنه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى بإحدى الطائفتين ركعة ...)

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود]. هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وهو نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدته: ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر مكنىً بعد اسمه، أو ذكر منسوباً بعد اسمه، فإن قيل: إسماعيل بن مسعود، أو إسماعيل أبو مسعود، كل ذلك صحيح، ومن لا يعرف أن كنيته أبو مسعود، يظن أنه لو قيل: إسماعيل أبو مسعود، أن (ابن) صحفت وتحولت إلى (أبو)، مع أن الكل صحيح، إن قيل: ابن مسعود فهو إسماعيل ابن مسعود، وإن قيل: أبو مسعود فهو إسماعيل أبو مسعود.
    [عن يزيد بن زريع].
    هو يزيد بن زريع البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معمر].
    هو ابن راشد الأزدي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن عبيد الله بن شهاب بن عبيد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو تابعي جليل، من صغار التابعين، ومحدث، فقيه، وثقة مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم].
    هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعن عبد الله بن عمر، وسالم هذا من فقهاء المدينة في عصر التابعين، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    وأبوه عبد الله بن عمر، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، هؤلاء هم العبادلة الأربعة، إذا قيل: العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله، والمقصود بالعبادلة أنهم اشتهروا بهذا اللقب، وهم من صغار الصحابة، ومتقاربون في سنة الوفاة، ولهذا أدركهم من لم يدرك كبار الصحابة.
    وممن يسمى عبد الله من الصحابة كثير منهم: عبد الله بن قيس الأشعري أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق، وابنه عبد الله بن أبي بكر، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه، وعبد الله بن مسعود، كثير يسمون عبد الله، ولكن لقب العبادلة الأربعة اشتهر به هؤلاء الأربعة الذي هم من صغار الصحابة، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء السبعة هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    زوجة النبي عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    شرح حديث ابن عمر: (غزوت مع رسول الله قبل نجد فوازينا العدو وصففناهم ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا كثير بن عبيد عن بقية عن شعيب حدثني الزهري حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فوازينا العدو وصففناهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فقامت طائفةٌ منا معه، وأقبل طائفةٌ على العدو، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه ركعة، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا، فكانوا مكان أولئك الذين لم يصلوا، وجاءت الطائفة التي لم تصل فركع بهم ركعة وسجدتين، ثم سلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقام كل رجل من المسلمين فركع لنفسه ركعة وسجدتين)].هذه صفة أخرى عن عبد الله بن عمر، وقد مرت هذه الصفة عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعلهم صفين: صف في مواجهة العدو، وصف وراءه، فصلى بالذين معه ركعة، ثم انصرفوا، وقاموا مقام الذين في مواجهة العدو، وجاء أولئك وصلوا معه الركعة الثانية، ثم سلم، ولما سلم قام كل رجل من المسلمين فصلى ما بقي له، أي: صلى ركعة، فهذه من صفات صلاة الخوف، وهي أنه يصلي بكل طائفة ركعة، وتصلي الطائفة الأولى ركعة ثم تذهب، وبقي عليهم ركعة من صلاتهم، ثم تأتي الطائفة الثانية وتصلي معه ركعة، ثم يسلم، ثم بعد ذلك يصلي كل واحد ركعة ركعة.
    لكن هل يصلي كل واحد على حدة أو يصلون جماعة؟ لأنه قال: كل واحد من المسلمين، أو كل رجل من المسلمين، وهذا يحتمل أن يكون معناه: أنهم صلوا مجموعتين، وأن ما منهم من أحد إلا وقد صلى ركعة قضاءً، ويحتمل أن يكون كل واحد صلى على حدة، لكن الأظهر والله أعلم كما جاء: أن كل طائفة صلت ركعة، فيحتمل أن يكون هذا، ويحتمل أن يكون هذا، لكن الذي هو واضح أن كل طائفة صلت معه ركعة، ثم كل قضى ركعة، وهل قضوا مجتمعين، أي: كل طائفة على حدة أو كل واحد على حدة؟ من المعلوم أنه لا بد من تقسيمهم إلى مجموعة تكون تجاه العدو، ومجموعة تقضي، ولو صلوا جميعاً في وقت واحد، ما حصل المقصود من تقسيمهم إلى مجموعتين؛ لأنه لا يبقى أحد في مواجهة العدو إلا الإمام؛ لأنه هو الذي قضى صلاته، والباقون يقضون ما فاتهم من الصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (غزوت مع رسول الله قبل نجد فوازينا العدو وصففناهم ...)
    قوله: [أخبرنا كثير بن عبيد].
    هو كثير بن عبيد الحمصي وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن بقية].
    هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن شعيب].
    هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني الزهري حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه ].
    وقد مر ذكرهم.
    وهذا الإسناد ستة أشخاص، نصفه الأسفل شاميون، والنصف الأعلى مدنيون.
    شرح حديث ابن عمر: (كبر النبي وصف خلفه طائفة منا ...) من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي عن عبد الله بن يوسف أخبرنا سعيد بن عبد العزيز عن الزهري كان عبد الله بن عمر يحدث أنه صلى صلاة الخوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (كبر النبي صلى الله عليه وسلم، وصف خلفه طائفةٌ منا، وأقبلت طائفةٌ على العدو، فركع بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعةً وسجدتين، ثم انصرفوا وأقبلوا على العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ففعل مثل ذلك، ثم سلم، ثم قام كل رجل من الطائفتين فصلى لنفسه ركعةً وسجدتين)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه من طريق أخرى، وهي مثل الطريق السابقة، وهما مجموعتان، صلى بالطائفة الأولى ركعة، وبالطائفة الثانية ركعة، وسلم، ثم قام كل رجل من الطائفتين وصلى لنفسه ركعة، فهي مثل الطريق السابقة التي قبلها.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (كبر النبي وصف خلفه طائفة منا ...) من طريق ثانية
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي]. هو محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي، المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن عبد الله بن يوسف].
    هو عبد الله بن يوسف التنيسي، المصري، وتنيس هي قرية من قرى مصر، يقال له: التنيسي نسبة خاصة، ويقال له: المصري نسبة عامة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا سعيد بن عبد العزيز].
    هو سعيد بن عبد العزيز الدمشقي، وهو ثقة، إمام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [عن عبد الله بن عمر].
    وهنا الزهري يروي عن عبد الله بن عمر، وقد ذكر ابن السني بعد الحديث الذي يليه -وهو مثله في الإسناد- أن الزهري سمع من عبد الله بن عمر حديثين، وليس هذا مما سمعه، فيكون فيه انقطاع، ويكون فيه واسطة، ومن المعلوم أن الواسطة التي بينه وبين عبد الله بن عمر هو سالم بن عبد الله بن عمر كما جاء في الإسناد السابق، والزهري قيل عنه: إنه يدلس نادراً، فيكون من هذا القبيل؛ لأن فيه واسطة، ولم يسمع هذا الحديث منه، وإن كان سمع من ابن عمر حديثين، لكن هذا ليس مما سمعه، وإنما سمعه بواسطة، والواسطة هي ما جاء في الإسناد الذي قبل هذا، وقد ذكر ذلك بعد الحديث الذي يليه، قال أبو بكر بن السني: الزهري سمع من ابن عمر حديثين ولم يسمع هذا، فيكون هذا مما فيه انقطاع، وسمعه بالواسطة، لكن الواسطة هي: سالم، والحديث يعتبر صحيحاً؛ لأنه عرفت الواسطة، وهو: سالم بن عبد الله بن عمر، وهو الحديث الذي قبل هذا، أو الرواية التي قبل هذا، وكونه حصل فيه تدليس، وقد عرفت الواسطة، وأنها سالم بن عبد الله بن عمر كما بينت ذلك الرواية السابقة، وقد قالوا في ترجمة الزهري: إنه يدلس نادراً، وليس كثير التدليس.
    شرح حديث ابن عمر: (صلى النبي صلاة الخوف قام فكبر فصلى خلفه طائفة منا ...) من طريق ثالثة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عمران بن بكار حدثنا محمد بن المبارك حدثنا الهيثم بن حميد عن العلاء وأبي أيوب عن الزهري عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، قام فكبر، فصلى خلفه طائفةٌ منا، وطائفةٌ مواجهة العدو، فركع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا، ولم يسلموا، وأقبلوا على العدو، فصفوا مكانهم، وجاءت الطائفة الأخرى فصفوا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصلى بهم ركعةً وسجدتين، ثم سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أتم ركعتين وأربع سجدات، ثم قامت الطائفتان، فصلى كل إنسانٍ منهم لنفسه ركعةً وسجدتين)، قال أبو بكر بن السني: الزهري سمع من ابن عمر حديثين، ولم يسمع هذا منه].أورد النسائي طريق أخرى عن طريق الزهري عن ابن عمر، وهي مثل الطريقة السابقة، وفيها الانقطاع بين الزهري وبين عبد الله بن عمر، وقول ابن السني بعده: إن الزهري سمع من ابن عمر حديثين وليس هذا منه، أي: فهو مما حصل فيه التدليس، والانقطاع، ولكن الواسطة تبينت من الطريق السابقة.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (صلى النبي صلاة الخوف قام فكبر فصلى طائفة منا ..) من طريق ثالثة
    قوله: [أخبرني عمران بن بكار].
    هو عمران بن بكار الحمصي، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد بن المبارك].
    هو الصوري، نزيل دمشق، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الهيثم بن حميد].
    صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن العلاء وأبي أيوب].
    العلاء هو ابن الحارث، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.
    وأما أبو أيوب فهو مجهول، خرج حديثه النسائي وحده.
    وفي التقريب: أبو أيوب يروي عن الزهري مجهولاً، خرج حديثه النسائي وحده. وكما هو معلوم جهالته لا تؤثر؛ لأنه قد ذكر معه شخص آخر، وهو صدوق، فجهالته لا تؤثر؛ لأنه ليس الاعتماد عليه، وإنما الاعتماد على صاحبه الذي روى معه، والذي قد روى عنهما الهيثم بن حميد، وهما رويا عن الزهري، فجهالة أبي أيوب هذا لا تؤثر؛ لأن العمدة العلاء بن الحارث.
    [عن الزهري عن عبد الله بن عمر].
    وقد مر ذكرهما.
    شرح حديث ابن عمر: (صلى الرسول صلاة الخوف في بعض أيامه ...) من طريق رابعة

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى حدثنا يحيى بن آدم عن سفيان عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه، فقامت طائفةٌ معه وطائفة بإزاء العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ذهبوا وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة، ثم قضت الطائفتان ركعةً ركعة)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى مثل ما تقدم، وهو أنه جعلهم طائفتين: طائفة وجاه العدو، وطائفة صلوا معه ركعة، ثم انصرفوا، ووقفوا مكان أولئك الذين هم في مواجهة العدو، وجاءت الطائفة الثانية وصلى بهم ركعة، ثم قضت الطائفتان ركعةً ركعة، وهذا الأظهر فيه، أن كل طائفة صلت ركعة، ويحتمل أن يكون كل واحد صلى ركعة، لكنهم كما هو معلوم منقسمون إلى قسمين، وليس القضاء منهم جميعاً في آن واحد، وفي وقت واحد؛ لأن ذلك يلزم منه انكشاف ما في جهة العدو، وأنه ليس في مواجهة العدو إلا الإمام الذي فرغ من الصلاة، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (صلى الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه ...) من طريق رابعة

    قوله: [أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى].ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا يحيى بن آدم].
    هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [موسى بن عقبة].
    هو موسى بن عقبة المدني، وهو ثقة، فقيه، إمام في المغازي، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    وقد مر ذكره.
    الأسئلة


    حكم السترة في الصلاة وضابطها
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل السترة واجبة أم لا؟ وهل السترة بالنعلين تجوز؟الجواب: السترة فيها خلاف بين العلماء، جمهورهم على أنها مستحبة، وبعض العلماء قال بوجوبها، والإنسان يحرص عليها، سواءً كانت واجبة أو مستحبة، ومن يقول بوجوبها يرى أنه يتعين ذلك، وليس له أن يترك اتخاذ السترة، ومن يقول: بأنها مستحبة، يرى أن الأفضل فعلها، وإن لم يفعلها فإنه لا يحصل له إثم؛ لأنه لم يترك أمراً واجباً، وأما السترة، فهي تكون في شيء شاخص، مثل: العمود، أو مثل مؤخرة الرحل، أو شيء يلفت نظر الذي يمر، وإن لم يجد جاء في بعض الأحاديث أنه يخط خطاً حتى يكون علامة لمن يمر فيعرف أن هناك سترة أمام من يصلي، ولو لم يكن هناك سترة فإن المار يترك مقدار ثلاثة أذرع من قدم المصلي، ويمر من وراء ذلك.
    رفع اليدين في الدعاء
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما هو القول الشافي في رفع اليدين للدعاء؟ وجزاكم الله خيراً.الجواب: ما عرف أنه جاء فيه رفع اليدين فإنه يشرع فيه رفعهما؛ مثل الاستسقاء، والوقوف على الصفا وعلى المروة، فإن الإنسان عندما يدعو يرفع يديه، فالمواضع التي ورد في السنة التنصيص على رفع اليدين فيها ترفع اليدين فيها، والمواضع التي لم ترد مع كثرتها وتكرراها فإنها لا ترفع، مثل: بعد الصلوات الخمس، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصلي بالناس في الصلوات الخمس دائماً، ومع ذلك ما أثر عنه أنه رفع يديه ولا مرةً واحدة، فإذاً: لا ترفع اليدين بعد الصلوات الخمس؛ لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه مع كثرة الصلوات التي صلاها بالناس، مثل الخطبة خطبة الجمعة، على كثرة خطبه في الناس فما كان يرفع يديه، وإنما كان يشير بإصبعه كما جاء ذلك في حديث عمارة بن رويبة: (أنه لما رأى الرجل الذي كان رفع يديه، قال: ما زاد الرسول صلى الله عليه وسلم على أن أشار بإصبعه)، معناه: أنكر كونه يرفع يديه؛ لأنه شيء تكرر وكثر فعله وهي الخطبة، ومع ذلك ما كان يرفع يديه.
    إذاً: لا ترفع اليدين إلا إذا استسقى في الخطبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له الرجل، (هلكت الأموال، وانقطعت السبل، ادع الله أن يغيثنا، رفع يديه ودعا)، وقبل ذلك ما كان يرفع يديه.
    فإذاً: المواضع التي جاء فيها الرفع ترفع فيها الأيدي، والمواضع التي ما جاء فيها الرفع -وهي كثيرة ومتكررة- فلا ترفع، والذي ليس من هذا ولا من هذا، الأمر في ذلك واسع، يعني إذا رفع فهو مناسب؛ لأنه جاء في الحديث الرفع مطلقاً، مثل: (أن الله يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً)، أن يردهما خاليتين، وهذا يفيد بأن الشيء المطلق للإنسان أن يرفع يديه، والشيء الذي تكرر من الرسول صلى الله عليه وسلم وما رفع يديه فلا ترفع اليدين فيه، والشيء الذي ثبت عنه رفع اليدين ترفع الأيدي فيه.
    إذاً: المسألة فيها تفصيل على ثلاثة أحوال: الذي جاء في ثبوت الرفع ترفع، والذي تكرر ولم يأت فيه الرفع فلا ترفع، مثل: الخطبة، ومثل: بعد الصلوات الخمس، والدعاء المطلق كون الإنسان أراد أن يدعو لنفسه في وقت من الأوقات فإنه يرفع يديه، أو بعد النوافل، فله أن يرفع يديه.
    مراسلة المخطوبة وإهداء الهدايا لها
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز للرجل قبل عقد الزواج أن يهدي للمرأة هدايا؟ وهل يجوز أن يراسلها؟الجواب: قبل أن يتم العقد بينهما هي أجنبية، لكن كونه يرسل لها شيئاً، أو يرسل لأهلها شيئاً، من أجل تمهيد للزواج، وإن لم يكن حصل العقد أو دفع المهر، أو يقدم لهم شيئاً فلا بأس أنه يعطيهم، لكن كونه يكلمها ويخاطبها، أو يراسلها فالذي ينبغي ألا يفعل ذلك؛ لأنها أجنبية، ولا يدرى هل يتم بينهما زواج أو لا يتم؟ فقد لا يتم الزواج، وتصير المسألة حصول اتصال مع أجنبية، لكن إذا عقد أصبحت زوجة له، فيكلمها ويلتقي بها.
    المراد بقول ابن عباس: ما كانت صلاة الخوف إلا سجدتين
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما معنى قول ابن عباس: ما كانت صلاة الخوف إلا سجدتين كصلاة أحراسكم هؤلاء؟الجواب: سجدتين يعني ركعتين، ما كانت صلاة الخوف إلا ركعتين كالحرس، أي: حرس الأئمة والأمراء.
    القراءة في صلاة الخوف بين الجهرية والسرية
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل القراءة في صلاة الخوف جهراً أم سراً؟الجواب: كما هو معلوم فإن الصلاة الجهرية تكون جهرية، والسرية سرية.
    نسيان تكبيرة الإحرام والدخول في الصلاة بنية تكبيرة الانتقال
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم من نسي تكبيرة الإحرام، ومن نواها للانتقال دون الإحرام، فهل تجزئه؟الجواب: إذا لم ينو تكبيرة الإحرام لم يدخل في الصلاة، بل الدخول في الصلاة هو بتكبيرة الإحرام، وبنية الدخول في الصلاة، فلا تجزئ تكبيرة الركوع عن تكبيرة الإحرام، لكن تكبيرة الإحرام تجزئ عن تكبيرة الركوع في قول بعض أهل العلم؛ لأنها فرض.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #286
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب صلاة الخوف)
    (283)
    كتاب صلاة الخوف [3]


    إن من سماحة هذا الدين ويسره أن شرع الله عز وجل لعباده صلاة الخوف، والتي تختلف عن بقية الصلوات، فإنه يتسامح فيها ما لا يتسامح في غيرها من الحركة والتنقل، وهذا يبين يسر هذا الدين، وأن العبد يتعلق بربه في حال الأمن والخوف.
    صفة صلاة الخوف
    شرح حديث أبي هريرة: (عام غزوة نجد قام رسول الله لصلاة العصر وقامت معه طائفة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى في كتاب صلاة الخوف: [حدثنا عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ح، وأخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا أبي حدثنا حيوة وذكر آخر حدثنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة رضي الله تعالى عنه: (هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال أبو هريرة: نعم. قال: متى؟ قال: عام غزوة نجد، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر، وقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدو، وظهورهم إلى القبلة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا جميعاً؛ الذين معه والذين يقابلون العدو، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة واحدة، وركعت معه الطائفة التي تليه، ثم سجد وسجدت الطائفة التي تليه، والآخرون قيام مقابل العدو، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقامت الطائفة التي معه، فذهبوا إلى العدو فقابلوهم، وأقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو، فركعوا، وسجدوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم كما هو، ثم قاموا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى، وركعوا معه، وسجد، وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو، فركعوا، وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومن معه، ثم كان السلام، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا جميعاً، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعتان ركعتان)].وهذا مثل الحديث المتقدم، إلا أن فيه أنه قال: (ثم)، ويحتمل أن يكون قبل السلام، مثل الصفة الأولى التي جاءت عن طريق صالح بن خوات: أنه ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم، لكن تلك إحدى الطرق التي مرت، وهي: أن كل طائفة تصلي ركعة ركعة، وذلك بعد سلام الإمام، يعني: فهذه الطائفة الأولى قضت الركعة التي عليها، قبل أن تذهب، وسلمت، والطائفة الثانية، جاءت وصلت معهم الركعة الثانية وقضت الركعة التي عليها.


    شرح حديث أبي عياش الزرقي: (... فصلى بهم رسول الله العصر فصفهم صفين خلفه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى في كتاب صلاة الخوف: [أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار عن محمد حدثنا شعبة عن منصور سمعت مجاهداً يحدث عن أبي عياش الزرقي قال شعبة: كتب به إلي، وقرأته عليه، وسمعته منه يحدث، ولكني حفظته، قال ابن بشار في حديثه: حفظي من الكتاب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مصاف العدو بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، قال المشركون: إن لهم صلاة بعد هذه، هي أحب إليهم من أموالهم، وأبنائهم، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فصفهم صفين خلفه، فركع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً، فلما رفعوا رءوسهم سجد بالصف الذي يليه، وقام الآخرون، فلما رفعوا رءوسهم من السجود سجد الصف المؤخر بركوعهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تأخر الصف المقدم، وتقدم الصف المؤخر، فقام كل واحد منهم في مقام صاحبه، ثم ركع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً، فلما رفعوا رءوسهم من الركوع، سجد الصف الذي يليه وقام الآخرون، فلما فرغوا من سجودهم، سجد الآخرون، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم)].فهذا الحديث -حديث أبي عياش الزرقي رضي الله تعالى عنه- اشتمل على صفة صلاة الخوف، فيما إذا كان العدو في جهة القبلة، وقد مرت هذه الصفة في بعض الأحاديث عن غير أبي عياش الزرقي، وهذه الصفة هي: إذا كان العدو في جهة القبلة، والتي جاءت في حديث جابر فيما مضى وغيره، هي: أن النبي عليه الصلاة والسلام صفهم صفين، ودخل في الصلاة، ودخلوا معه جميعاً، ثم إنه كبر، وكبروا معه جميعاً، ثم ركع، وركعوا معه جميعاً، ثم رفع، وقاموا معه جميعاً، ثم سجد، وسجد الصف الذي يليه، وأولئك بقوا على ما هم عليه، أي: الصف المؤخر، ثم لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه إلى الركعة الثانية، سجدوا لأنفسهم، ثم قاموا، وتقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم، وصلى بهم الركعة الثانية، ثم إنه عمل في الركعة الثانية، كما عمل في الركعة الأولى، ركع، وركع معه الصف الذي يليه، ثم رفعوا جميعاً، ثم سجد، ومعه الصف الذي يليه، ولما استقروا جالسين، سجد أولئك السجدتين، فالصف المقدم تأخر، والصف المؤخر تقدم، وصلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه الركعة الأولى وركعوا، ثم إنه سجد، ومعه الصف الأول الذي كان مؤخراً في الأول، ثم إنه لما جلس سجد الذين كانوا قائمين في الصف الثاني، ثم إنه سلم بهم جميعاً، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولكل منهم ركعتان، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الصفة التي مرت في حديث جابر وغيره، يعني: فيما إذا كان العدو في جهة القبلة؛ فإنهم يكونون مع النبي عليه الصلاة والسلام في الركوع، ولكنهم يختلفون في السجود، يسجد الذين وراءه، والصف المؤخر يقضون لأنفسهم، وهكذا، فتكون الركعتان للمأمومين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كل منهم صلى ركعتين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي عياش الزرقي: (... فصلى بهم رسول الله العصر فصفهم صفين خلفه ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار].
    محمد بن المثنى هو الملقب الزمن العنزي، كنيته أبو موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومثله: محمد بن بشار الشيخ الثاني، فإنه أيضاً شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو ثقة، وهذان الشيخان للنسائي، وهما من شيوخ أصحاب الكتب الستة، جميعاً ماتا في سنة واحدة، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، فهما من صغار شيوخه، وكانا متماثلين، قيل: إنهما متفقان في سنة الولادة، وفي سنة الوفاة، وفي التلاميذ، والشيوخ، وكونهم من أهل البصرة، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: وكانا كفرسي رهان، وماتا في سنة واحدة، ومثلهما: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وأيضاً توفي في السنة التي مات فيها محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.
    [عن محمد].
    محمد غير منسوب، وهو محمد بن جعفر، الملقب غندر، وإذا جاء محمد، يروي عن شعبة، ويروي عنه محمد بن بشار، أو محمد بن المثنى، وهو غير منسوب، فإن المراد به محمد بن جعفر، الملقب غندر، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو بصري أيضاً، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت مجاهداً].
    هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، إمام في التفسير وفي العلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عياش الزرقي].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي.
    شرح حديث أبي عياش الزرقي: (... فصلى بنا رسول الله صلاة العصر ففرقنا فرقتين ...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد حدثنا منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد، فقال المشركون: لقد أصبنا منهم غرة، ولقد أصبنا منهم غفلة، فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، ففرقنا فرقتين: فرقة تصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفرقة يحرسونه، فكبر بالذين يلونه، والذين يحرسونهم، ثم ركع، فركع هؤلاء وأولئك جميعاً، ثم سجد الذين يلونه وتأخر هؤلاء والذين يلونه، ثم سجد الذين يلونه، وتأخر هؤلاء الذين يلونه، وتقدم الآخرون، فسجدوا، ثم قام فركع بهم جميعاً الثانية بالذين يلونه وبالذين يحرسونه، ثم سجد بالذين يلونه، ثم تأخروا فقاموا في مصاف أصحابهم، وتقدم الآخرون فسجدوا، ثم سلم عليهم، فكانت لكلهم ركعتان ركعتان مع إمامهم، وصلى مرة بأرض بني سليم)].لعلها: (هؤلاء الذين يلونه)؛ لأن هؤلاء الذين يلونه، هم الذين تأخروا، يعني (الواو) ليس واضحاً ورودها هنا، يعني: أن هؤلاء الذين في الصف الأول هم الذين سجدوا معه، فهم الذين يلونه، وأولئك تقدموا، إلا إذا كان العطف لشيء على مثله فيمكن، مثلما إذا اختلف اللفظ، يمكن العطف على اختلاف اللفظ، وإن كان المعنى واحداً، مثل قول الشاعر:
    وألفى قولها كذباً وميناً
    الكذب هو المين، والمين هو الكذب، لكن الذي يبدو أن الواو زائدة، يعني: تأخر هؤلاء الذين يلونه، أي الذين سجدوا معه.
    أورد النسائي حديث أبي عياش الزرقي رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه: تقدماً وتأخراً عند السجود، يعني: أن الذين كانوا تقدموا تأخروا، ففيه زيادة عمل، عما كان في الرواية السابقة؛ لأن الرواية السابقة ليس فيها تقدم وتأخر إلا مرة واحدة، وأما هذه الصفة وهذه الرواية، ففيها تقدم وتأخر آخر، يعني: في حال الجلوس؛ لأن الذين كانوا في الركعة الأولى متأخرين وتقدموا في الركعة الثانية، تأخروا عند السجود، وتقدم الذين كانوا متأخرين فصارت النهاية أن الذين كانوا أولاً في البداية، كانوا أولاً في النهاية، ولا أدري، والحديث الراوي له أبو عياش الزرقي، وكان على المشركين خالد بن الوليد، وكل العدو في جهة القبلة، فإن كانت مرة ثانية، فالأمر واضح، وإن كانت مرة واحدة، فإن فيها اختلافاً، والصفة الأولى هي المطابقة لحديث جابر في صفة صلاة الخوف، فيما إذا كان العدو في جهة القبلة.
    وكذلك غيره فيما تقدم من الروايات، وهو أنه لا يكون هناك تقدم وتأخر إلا مرة واحدة، ما في تقدم وتأخر مرتين، لكن هذه الرواية فيها التقدم والتأخر مرتين، فإن كانت قصة أخرى فالأمر واضح، وتكون هذه صفة وتلك صفة، وإن كانت قصة واحدة، فإن الرواية الأولى هي التي تؤيدها الرواية الأخرى الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، في بيان صلاة الخوف، فيما إذا كان العدو في جهة القبلة، وهي مثل الصفة الأولى؛ لحديث أبي عياش الزرقي رضي الله تعالى عنه.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي عياش الزرقي: (... فصلى بنا رسول الله صلاة العصر ففرقنا فرقتين ...) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، لقبه الفلاس، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وكثيراً ما يأتي ذكره في كتب الرجال: قال الفلاس كذا، وثقه الفلاس، ضعفه الفلاس، وأحياناً يأتي عمرو بن علي كما هنا، وهو بصري، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد].
    هو عبد العزيز بن عبد الصمد العمي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا منصور عن مجاهد عن أبي عياش].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث أبي بكرة: (أن النبي صلى بالقوم في الخوف ركعتين ثم سلم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى وإسماعيل بن مسعود واللفظ له قالا: حدثنا خالد عن أشعث عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم في الخوف ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بالقوم الآخرين ركعتين، ثم سلم، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم أربعاً)].أورد النسائي حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه، وهو يشتمل على صفة من صفات صلاة الخوف، وهي: أن النبي عليه الصلاة والسلام قسم أصحابه قسمين، أو جعلهم مجموعتين: مجموعة صلى بهم ركعتين، ثم سلم، ثم جاءت المجموعة الثانية، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم صلى مرتين، بالطائفة الأولى صلى الفرض، وبالطائفة الثانية صلى النفل، وهذا من أدلة صحة صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن المجموعة الثانية مفترضون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم متنفل؛ لأن الذي صلاها بالجماعة الأولى هي الفرض، فصلاته الثانية نفل، فهذا من أوضح الأدلة على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل.
    ومنها: حديث معاذ رضي الله عنه، أنه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، وهو متنفل وهم مفترضون، فهذان الحديثان، حديث معاذ في صلاته بأصحابه بعد أن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يدل على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، وحديث أبي بكرة هذا، في إحدى صفات صلاة الخوف، يدل على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل.
    إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم هنا صلى مرتين: مرة بالطائفة الأولى، وهو مفترض صلى بهم ركعتين وسلم، ثم ذهبوا، وجاء أولئك فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فصار متنفلاً في صلاته بالطائفة الثانية، فهذه إحدى صفات صلاة الخوف.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي بكرة: (أن النبي صلى بالقوم في الخوف ركعتين ثم سلم ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى وإسماعيل بن مسعود].
    محمد بن عبد الأعلى، هو البصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    وإسماعيل بن مسعود، هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    واللفظ له، أي: لـإسماعيل بن مسعود.
    [حدثنا خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أشعث].
    هو ابن عبد الملك الحمراني، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الحسن].
    هو ابن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بكرة].
    وهو: نفيع بن الحارث، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث جابر: (أن النبي صلى بطائفة من أصحابه ركعتين ثم سلم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بآخرين أيضا ركعتين، ثم سلم)].أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهو مثل حديث أبي بكرة المتقدم، يعني: يشتمل على بيان صفة صلاة الخوف، على الصفة التي جاءت في حديث أبي بكرة، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بالطائفة الثانية ركعتين، ثم سلم، فهو دال على ما دل عليه حديث أبي بكرة.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (أن النبي صلى بطائفة من أصحابه ركعتين ثم سلم ...)

    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].هو الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، والترمذي.
    [حدثنا عمرو بن عاصم].
    صدوق، في حفظه شيء، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد بن سلمة].
    هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن قتادة].
    هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن].
    هو ابن أبي الحسن البصري، وقد تقدم ذكره في الحديث الذي قبل هذا.
    [عن جابر بن عبد الله].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر وجابر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر فالخدري وجابر وزوجة النبي

    شرح حديث سهل بن أبي حثمة: (يقوم الإمام مستقبل القبلة وتقوم طائفة منهم معه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف قال: (يقوم الإمام مستقبل القبلة، وتقوم طائفة منهم معه، وطائفة قبل العدو ووجوههم إلى العدو، فيركع بهم ركعة، ويركعون لأنفسهم، ويسجدون سجدتين في مكانهم، ويذهبون إلى مقام أولئك، ويجيء أولئك فيركع بهم، ويسجد بهم سجدتين، فهي له اثنتان، ولهم واحدة، ثم يركعون ركعة ركعة، ويسجدون سجدتين)].أورد النسائي حديث سهل بن أبي حثمة، وهو مشتمل على صفة صلاة الخوف، وقد مرت هذه الصفة، وهي: أنه يجعل أصحابه طائفتين: طائفة يصلون معه، وطائفة يصلون تجاه العدو، فالطائفة التي تصلي معه، تذهب وتقف في مواجهة العدو، ويأتي الذين في مواجهة العدو، ويصلون معه الركعة الثانية، ثم يسلم، ثم تقوم كل طائفة تصلي ركعة ركعة، هذه هي إحدى صلاة الخوف، وقد مرت هذه الصفة في بعض الأحاديث السابقة.

    تراجم رجال إسناد حديث سهل بن أبي حثمة: (يقوم الإمام مستقبل القبلة وتقوم طائفة منهم معه ...)

    قوله: [أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي].
    هو الفلاس، الذي تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا قريباً.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، الثقة، المتكلم في الرجال، جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو الأنصاري المدني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن القاسم بن محمد].
    هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد الفقهاء السبعة في المدينة، في عصر التابعين، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن صالح بن خوات].
    هو صالح بن خوات الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سهل بن أبي حثمة].
    هو صحابي صغير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث جابر: (أن النبي صلى بأصحابه صلاة الخوف فصلت طائفة معه ...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا يونس عن الحسن حدث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الخوف، فصلت طائفة معه، وطائفة وجوههم قبل العدو، فصلى بهم ركعتين، ثم قاموا مقام الآخرين، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعتين، ثم سلم)].أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، الذي فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قسم أصحابه مجموعتين، فصلى بالمجموعة الأولى، ثم ذهبت إلى مواجهة العدو، وجاءت الطائفة الثانية، وصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فليس فيه ذكر التسليم مع الطائفة الأولى، وإنما فيه أنه صلى بهم ركعتين، ثم ذهبوا، ثم جاءت الطائفة الثانية، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم.
    وحديث جابر المتقدم يقول: إنه صلى بهم ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بالطائفة الثانية ركعتين، ثم سلم، فيحتمل أن يكون هذا مثل ذاك، ويكون مختصراً من المتقدم، الذي فيه ذكر السلام مرتين، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه، كل طائفة على حدة ركعتين ثم سلم، أي: يسلم مع كل طائفة، بحيث يكون صلى ركعتين وسلم، ثم صلى ركعتين وسلم، فكان له صلاة فريضة، وصلاة نافلة، ويحتمل أن يكون صلى أربعاً، ويكون ركعتين للأولين ثم سلموا، ثم ركعتين للطائفة الأخيرة ثم سلم بهم، فإذا كان الحديث اختصاراً للأول وهو واحد، فيكون مشتملاً على صفة واحدة، وإلا فإنه يكون مشتملاً على صفة جديدة، وهي: أنه يكون صلى أربعاً: الطائفة الأولى صلت معه ركعتين، والطائفة الثانية صلت معه ركعتين، فتكون صلاته واحدة، ومحتمل أن يكون اختصاراً للحديث المتقدم عن جابر.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (أن رسول الله صلى بأصحابه الخوف فصلت طائفة معه ...) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو الفلاس، وقد تقدم.
    [حدثنا عبد الأعلى].
    هو ابن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يونس].
    هو ابن عبيد البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن حدث جابر].
    وقد مر ذكرهما.
    شرح حديث أبي بكرة: (أن النبي صلى صلاة الخوف بالذي خلفه ركعتين والذين جاءوا بعد ركعتين ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى صلاة الخوف بالذين خلفه ركعتين، والذين جاءوا بعد ركعتين، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، ولهؤلاء ركعتين ركعتين)].أورد النسائي حديث أبي بكرة رضي الله عنه، وهو مثل حديث جابر الذي قبله، ويقال فيه، ما قيل في حديث جابر؛ لأن حديث أبي بكرة الذي مر قبل حديث جابر المتقدم، فيه: أنه صلى ركعتين ثم سلم، ثم صلى ركعتين ثم سلم، وهنا صلى ركعتين، وما ذكر السلام، ثم صلى ركعتين ثم سلم، فإذا كان مختصراً للحديث الذي قبله، فيكون صفة صلاة الخوف واحدة، وإن كان ليس اختصاراً له، وإنما هي صفة أخرى، فيكون معناه: أنه صلى أربعاً، ولكل طائفة من الذين صلوا وراءه ركعتين، فتكون للنبي صلى الله عليه وسلم أربعاً، وهي صلاة واحدة فرض، ولكل طائفة من أصحابه ركعتين.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي بكرة: (أن النبي صلى صلاة الخوف بالذي خلفه ركعتين والذين جاءوا بعد ركعتين ...) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد].

    وقد مر ذكرهما.
    [حدثنا الأشعث].
    هو ابن عبد الملك الحمراني، وقد تقدم ذكره.
    [عن الحسن عن أبي بكرة].
    وقد مر ذكرهما.

    الأسئلة

    العلة من الوضوء من لحم الإبل دون الغنم
    السؤال: ما معنى هذا الحديث: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، فتوضأ من لحوم الإبل)، لأي سبب يتوضأ من لحوم الإبل؟
    الجواب: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالتفريق بين الإبل والغنم، وأن الإبل يتوضأ الإنسان من أكل لحمها، والغنم هو مخير: إن شاء توضأ، وإن شاء لم يتوضأ، أما التعليل: فالله تعالى أعلم، الواجب هو اتباع الدليل إذا جاء، سواء عرفت العلة أو لم تعرف، لكن إذا بحث عن العلة ووجد تعليلاً، فيزيد الأمر وضوحاً وجلاءً، وإلا فإنه لا يثني الإنسان عن أن يأخذ بالدليل، وإن لم يعرف الحكمة؛ لأن الإنسان عليه أن يستسلم وينقاد، ولو لم يعرف الحكمة، والدليل على هذا: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما قبل الحجر الأسود قال: (أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)، القضية هي قضية اتباع وانقياد لما جاء عن الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ولا يتوقف الأمر على معرفة الحكمة ومعرفة العلة.
    ومن العلماء من علل بأن الإبل فيها شدة، فيكون الوضوء فيه تخفيف لهذه الشدة التي فيها، ومن المعلوم: أن أهل الغنم، معروفون بالسكينة والوقار، وأما أهل الإبل فعندهم الشدة والغلظة، يعني: أهل الإبل، فيهم من صفات الإبل، وأما الغنم ففيها خفة وسهولة ليس فيها شدة، فالذي يرعاها يكون به شيء من صفاتها، يعني: من ناحية السهولة واللين وعدم الشدة.
    فالحاصل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء من لحم الإبل؟ فقال: (توضأ)، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم؟ فقال: (إن شئت فتوضأ، وإن شئت لا تتوضأ)، وهذا يدلنا على ثبوت هذا الحكم، وهو: وجوب الوضوء من لحم الإبل، أما لحم الغنم، فالإنسان بالخيار: إن شاء توضأ، وإن شاء لم يتوضأ.
    حكم رفع اليدين في الدعاء

    السؤال: هل من السنة رفع اليدين في الدعاء؟
    الجواب: هذا السؤال مطلق، ورفع اليدين في الدعاء له ثلاث حالات: حالة عرف فيها رفع اليدين، وثبت في مواطن، مثل: الاستسقاء، وكون الإنسان على الصفا والمروة، فإن هذا مما ورد فيه رفع اليدين، فترفع فيه اليدان.
    والحالة الثانية: الأمور التي وقعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة، ولم يشاهد ولا في مرة واحدة أنه رفع يديه، فهذا لا ترفع منه اليدان، مثل: بعد الصلوات الخمس، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي بأصحابه الصلوات الخمس، ولم يذكر أنه رفع يديه بعد الصلوات الخمس في الدعاء.
    فإذاً: السنة أنه لا ترفع اليدان في هذا الموطن، وكذلك في خطبة الجمعة -على كثرة خطبه عليه الصلاة والسلام ودعائه- فما كان يرفع يديه عليه الصلاة والسلام في الخطبة؛ ولهذا عمارة بن رويبة الصحابي، لما رأى أميراً من الأمراء يرفع يديه وهو في الخطبة، أنكر عليه وقال: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشار بإصبعه)، يعني: عند التشهد يشير بأصبعه، فهذا يدل على: أن في خطبة الجمعة لا ترفع الأيدي، وبعد صلاة الفرض كذلك لا ترفع الأيدي.
    أما الأمور الأخرى المطلقة مثل: كون الإنسان يريد أن يدعو لنفسه، فإنه له أن يرفع يديه، وله ألا يرفع يديه، وكذلك بعد النوافل، الإنسان إذا تنفل وأراد أن يرفع يديه فله أن يرفع يديه، وله ألا يرفع يديه.
    إذاً: المسألة فيها تفصيل: ما جاء فيه الرفع ترفع فيه الأيدي، وما عرف حصوله بكثرة منه عليه الصلاة والسلام ولم ينقل عنه ولا مرة واحدة أنه رفع يديه، يترك فيها الرفع، وما كان غير ذلك، مما هو مطلق، فإن شاء رفع، وإن شاء لم يرفع، والرفع جاء ما يدل على الترغيب فيه في قوله: (إن الله يستحي إذا رفع عبده يديه أن يردهما صفراً)، أي: خاليتين.

    حكم صلاة الجنازة على الغائب وعلاقتها بالبدعة
    السؤال: ما حكم صلاة الجنازة على الغائب مع قول بعض الناس: إنها بدعة؟
    الجواب: صلاة الجنازة على الغائب فيما إذا كان الشخص في بلاد كفار ولم يصل عليه، فإنه يصلى عليه صلاة الغائب، مثلما حصل من صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم على النجاشي.
    ومن العلماء من رأى أنه يقتصر على مثل هذه الصورة، ومن العلماء من رأى أن من يكون له فضل وشأن، فإنه يصلى عليه صلاة الغائب؛ إظهاراً لشأنه وفضله، ويستدلون على ذلك بقصة النجاشي، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم صلى عليه، وفي ذلك إظهار لفضله؛ لأنه قام بجهود عظيمة، وكان يكتم إسلامه، وقام بجهود عظيمة في نصرة المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة عندما آذاهم أهل مكة، فإنهم هاجروا إلى الحبشة مرتين، وقد لقوا منه كل تأييد ومناصرة، ولم يسمع كلام الكفار الذين ذهبوا إليه وأرادوا منه إرجاعهم، فالمسألة خلافية كما ذكرت، فمنهم من يرى الاقتصار على من لم يصل عليه فيصلى عليه صلاة الغائب؛ لأنه ما صلي عليه، ومنهم من يرى أنه من يكون له شأن وفضل فإنه يصلى عليه، وإن كان قد صلي عليه.
    حكم أطفال الأنابيب
    السؤال: ما حكم أولاد الأنابيب، أو توليد الأنابيب؟
    الجواب: هذه أشياء جديدة لا أستطيع أن أقول فيها شيئاً، لكن الذي أستطيع أن أقوله: أنه إذا كان الماء من غير الزوج ووضع في المرأة، فإن ذلك لا يجوز، أما إذا كان ماء الرجل نفسه أخذ ثم أدخل بهذه الطريقة التي يذكرونها، فأنا لا أستطيع أن أقول فيه شيئاً، والأولى أن لا يفعل، لكن لا أستطيع أن أقول: إنه حرام.

    حكم توليد البهائم بالحقن
    السؤال: ما حكم توليد البهائم بالحقن؟
    الجواب: لا بأس بذلك، يعني: كون اللقاح يوضع فيها بواسطة الحقن، لا بأس فيه.
    مدى احتمال أن الطائفة الأولى في حديث سهل بن أبي حثمة أتموا لأنفسهم
    السؤال: الحديث الذي رواه سهل بن أبي حثمة، هل يحتمل أن الطائفة الأولى لما صلى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم ركعة، أتموا لأنفسهم، والرسول صلى الله عليه وسلم قائم، ثم جاءت الطائفة الأخرى؟
    الجواب: آخر الحديث يفيد أنه قضى كل منهم ركعة ركعة، فالطائفة الأولى: قضت الركعة التي عليها وسلمت، والطائفة الثانية: جاءت وصلت معه الركعة الثانية، وقضت الركعة التي عليها.
    كيفية الجمع بين كيفيات صلاة الخوف المختلفة
    السؤال: كيف نجمع بين هذه الكيفيات المختلفة في صلاة الخوف؟ وما الواجب إذا كنا في مثل هذا المجال وبأي صفة نأخذ؟
    الجواب: صفات صلاة الخوف كل ما ثبت منها يصح الأخذ به، إلا أن بعض العلماء اختار بعض الصفات، مثل صفة حديث صالح بن خوات، وحديث سهل بن أبي حثمة: أنه صلى بهم، ثم بعدما ركع الركعة الأولى أتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا، ثم جاءت الطائفة الثانية مع الركعة الثانية، وثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم، بعض العلماء يرجح بعض الصفات، لا على أساس أن غيرها غير سائغ، بل هذا في اختيار بعض الصفات، ومن المعلوم أن هذا فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة، أما إذا كان في جهة القبلة فالصفة واحدة.
    ما يلزم من جماع المرأة بعد الطواف وقبل السعي في العمرة
    السؤال: إذا جامع المعتمر زوجته بعد الطواف، وقبل السعي، فما الذي عليه وعليها إذا كانت معتمرة مثله؟
    الجواب: إذا كان قبل السعي ما أستطيع أن أقول فيه شيئاً.

    الفرق بين المبتدع والجاهل في أمور الدين
    السؤال: ما الفرق بين المبتدع والجاهل في أمور الدين؟
    الجواب: المبتدع هو: الذي يعمل بالبدعة التي هي محدثة في الدين، ومن المعلوم: أن منهم من يكون عنده علم، ومنهم من يكون عنده جهل، وكل منهم على بدعة، إلا أن هذا عالم، وذاك جاهل، والشاعر يقول:
    إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
    كل منهم على شر، إلا أن بعضهم أشر من بعض.

    مدى اعتبار أولاد الزوجة محارم لزوجات الأجداد
    السؤال: هل يكون أبناء زوجتي محرم لزوجة جدها لأبيها؟
    الجواب: أولاد الأولاد -يعني: جميع الأولاد، آباؤهم، وأجدادهم- سواء من جهة الأم، أو من جهة الأب، هم محارم لزوجات الأجداد، سواء جده من أمه، أو جده من أبيه؛ لأنه داخل تحت قوله: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22]، فهم آباء، فسواء كانوا من جهة أمه، أو من جهة أبيه، المقصود أن أولاد المرأة، أو أولاد الرجل يكونون محارم لزوجات أجدادهم.
    والعكس كذلك، يعني: أولاد أولاد البنات، وأولاد الأبناء، كلهم إذا كان الجد من جهة الأم، ومن جهة الأب لا ينكح زوجاته؛ لأنه داخل تحت قوله: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ [النساء:23]؛ لأنهم من الأبناء، وهذه وعكسها كلها تعتبر محرمية حاصلة.
    حكم الجهر في صلاة الوتر
    السؤال: هل يجهر في صلاة الوتر؟
    الجواب: صلاة الليل يجوز فيها الجهر، ويجوز فيها الإسرار، والوتر من صلاة الليل، لكن إذا كان الجهر يتأذى به أحد فإنه لا يجهر، وإذا كان لا يتأذى به أحد فإن الأولى أن يجهر.

    حكم المسح على الوجه بعد الدعاء
    السؤال: في المواضع التي ثبت فيها رفع اليدين في الدعاء هل له أن يمسح وجهه بيديه بعد الدعاء؟
    الجواب: لم يثبت المسح، ترفع الأيدي ثم تنزل بدون مسح، وقد ورد فيه حديثان ضعيفان.

    حكم تقبيل أيدي وأرجل الوالدين وذي الفضل والعلم
    السؤال: ما حكم تقبيل رجلي الوالدين، وأهل العلم والفضل، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاء إليه يهوديان فسألاه سؤلات فأجابهما، فقبلا يده ورجلاه، رواه أحمد، والنسائي، والترمذي، بأسانيد صحيحة، وصححه الترمذي، وفي حديث وفد عبد القيس؟
    الجواب: هذا ثابت نعم، حديث عبد القيس، أنهم قبلوا رجليه عليه الصلاة والسلام، وكما هو معلوم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يختلف عن غيره، من جهة عصمته عليه الصلاة والسلام، وكونه لا يحصل منه الاغترار، وغيره يخشى عليه من أن يغتر بنفسه، لا سيما ما هو معروف عند كثير من الناس الذين استسهلوا تقبيل الأيدي، ولا يعرفون إلا أن يمدوا أيديهم للناس ليقبلونها، فإنه يحصل لهم اغترار بذلك، فتقبيل اليد جائز، والرجل الأولى أن لا تقبل، ولا نقول: إنها حرام، وحتى اليد الأولى أن لا تقبل؛ لأن هذا يحصل فيه في الغالب الاغترار ممن يفعل معه ذلك، والغلو ممن يفعل ذلك، وهذا هو المعروف عند من ينتسب إلى التصوف، ومن يعرفون بالبدع، هذا ديدنهم، وهذا شأنهم، لا يعرفون إلا أن يمدوا أيديهم للناس.
    حكم دم ما يؤكل لحمه
    السؤال: هل دم ما يؤكل لحمه يكون نجساً؟
    الجواب: نعم، الدم نجس، وإنما الذي يكون طاهراً هو البول والروث، يعني: ما يؤكل لحمه، يكون روثه وبوله طاهراً، وأما الدم فإنه يكون نجساً، ولو كان مما يؤكل لحمه.
    الإشارة بالأصبع عند لفظ الجلالة في قراءة القرآن في الصلاة
    السؤال: هل يشار بالإصبع عند قراءة سورة فيها لفظ الجلالة في صلاة الفرض؟
    الجواب: لا أعرف شيئاً يدل على هذا.
    حكم الاعتقاد بنفع الدواء مع الاعتقاد بأن الله تعالى هو الشافي

    السؤال: هل الاعتقاد بأن الدواء يشفي، مع الاعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى هو الشافي يؤثر؟
    الجواب: الأسباب تنفع بإذن الله، والناس ما يفعلون الأسباب إلا وهم يرجون ويؤملون الشفاء، لكن كما هو معلوم وراء الدواء ما هو أعظم منه، وهو توفيق الله عز وجل، وكون الدواء يفيد، ويحصل له ثمرة، وإلا فإنه قد يوجد الدواء ولا توجد الثمرة والنتيجة المطلوبة والمرجوة، لكن الإنسان يتعاطى الدواء، وقد شرع له ذلك، وهو جائز، ولكن لا يعول على الأسباب، ولا يقول: الأسباب هي كل شيء، ويغفل عن الله، بل يعتقد أنه لا ينفع شيء إلا بإذن الله، وبتوفيق الله عز وجل، ولهذا يقولون: الاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، يعني: الإنسان الذي لا يأخذ بالأسباب ويمحوها، فهذا نقص في العقل، ويقول: إن كان الله مقدراً لي أن يعطيني شيئاً فسيأتي أحد ويطرق الباب، ويعطيني الذي كتبه الله لي، وإن كان الله لم يكتب لي شيئاً فلن يأتيني، وهذا نقص في العقل وسفه، بل الإنسان يخرج ويفعل الأسباب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله)، وقال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز)، قال: (احرص على ما ينفعك)، يعني: افعلوا السبب، وقال: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)، فالطيور لا تجلس بأوكارها وتقول: إذا الله مقدر يعطينا، وإنما تخرج في الصباح خماصاً خاوية البطون، وترجع بطاناً ممتلئة البطون، فمحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، والاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد، يعني: كون أن هذا سبب مؤثر، ويغفل عن الله عز وجل، هذا معناه: تعويل على غير الله، وغفلة عنه سبحانه وتعالى.
    معنى قوله تعالى: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)
    السؤال: ما معنى قوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]؟
    الجواب: للعلماء أو للسلف فيها معنيان، وكل منهما صحيح، أحدهما: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، يعني: بالعلم، وليست الذات حالة في المخلوق، ولهذا قال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16]، فأول الآية يرشد إلى هذا، وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16].
    والقول الثاني، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، المقصود بذلك قرب الملائكة، وأنها تكون قريبة من الإنسان، والناس لا يرونها، وهو مثل قول الله عز وجل في آخر سورة الواقعة: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:85]، أي: الملائكة التي تقبض الروح، وإتيان الضمير في بعض المواضع بالجمع مضافاً إلى الله عز وجل، ويراد به الملائكة جاء ما يدل عليه، وهذا منه، ومن ذلك قول الله عز وجل: يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ [هود:74]، يعني: المجادلة إنما هي للملائكة التي جاءت على إبراهيم، فقال: (يجادلنا)، أي: يجادل رسلنا، فالذي ورد فيه شيء يدل على أنه يراد به ملائكة الله عز وجل مثل هذه المواضع، والتي يرشد إليها ما ذكرته، هذا من أقوال السلف في هذه المسألة.

    حكم طلاق الحائض
    السؤال: ما حكم الشرع في رجل أوقع يمين الطلاق على زوجته وهي حائض؟
    الجواب: المعروف أن الطلاق في الحيض يقع، وبعض العلماء يرى أنه لا يقع؛ لأنه لا يجوز الطلاق فيه، لكن الذي يظهر أنه يقع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كما في قصة عبد الله بن عمر قال: (مره فليراجعها)؛ لأن المراجعة تعني: أنه حصل أو وقع الطلاق.

    مدى ثبوت سماع الحسن البصري من جابر رضي الله عنه
    السؤال: هل سمع الحسن البصري من جابر رضي الله عنهما؟
    الجواب: لا أتذكر، لكن هذا الحديث صحيح، وأنا لا أذكر الجواب على هذا السؤال من حيث أن سماع الحسن من جابر رضي الله عنه مختلف فيه.

    تطبيق قاعدة الجمع بين الروايات المتحدة ثم الترجيح على روايات صلاة الخوف
    السؤال: القاعدة عند أهل العلم: أنه إذا اتحدت مخارج الروايات، فالواجب الجمع إذا أمكن، ثم الترجيح وإلا التوقف، فهل تطبق هذه القاعدة هنا في هذا الباب؟
    الجواب: المعلوم أن هذه صفات، وكل صفة تعتبر مستقلة، فلا ترجح صفة على صفة، بمعنى: أن الصفة هذه تلغى، لا، بل كل صفة تثبت، فإنها تعتبر حقاً، والأخذ بها أخذ بالدليل، والاختلاف فيها من اختلاف التنوع، يعني: هذا نوع، وهذا نوع، مثل ألفاظ التشهد، وألفاظ الأذان، وألفاظ الاستفتاح؛ لأنها كلها ثابتة، من أتى بهذا أصاب، ومن أتى بهذا أصاب، فهذا من جنسه، وصلاة الخوف ثبتت من أوجه كلها صحيحة، وأي وجه منها أخذ به فقد أخذ بالدليل، إلا أن بعض العلماء يفضل أو يرجح أو يختار بعض الصفات على بعض؛ لكونها أقل حركة وأقل عمل مثل: حديث صالح بن خوات، عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فإن بعض العلماء يرجح هذه الصفة؛ لأنها أقل من غيرها يعني: ذهاباً وإياباً ... إلى آخره.
    وهذا فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة، أما إذا كان العدو في جهة القبلة فالصفة معروفة.
    أما إذا اتحد المخرج فالجمع ممكن، أنا قلت: أنه في قضية حديث أبي بكرة، الذي جاء من طريقين، وحديث جابر الذي جاء من طريقين، أنه صلى بطائفة ركعتين ثم سلم، وطائفة ركعتين ثم سلم، وحديث أبي بكرة كذلك، ثم جاء الحديث عن جابر، أنه صلى بطائفة ركعتين ثم ذهبت، وصلى بطائفة ركعتين ثم سلم، وما ذكر السلام في موضع واحد، وحديث أبي بكرة كذلك، أقول: محتمل هذا، ومحتمل هذا، وإذا كانت إحدى الطريقتين مختصرة، فتكون الصفة واحدة، ولا تكون صفتين.
    حكم زواج الرجل من زوجة زوج أمه
    السؤال: تزوج زيد بأم خالد، فهل يجوز لخالد أن ينكح زوجة زيد بعد موت زيد، علماً بأن لزيد زوجتين؟
    الجواب: زوجات الزوج ليس للابن علاقة بهن، يعني: كونه ابن زوجة، فله أن يتزوج زوجة زوج أمه؛ لأنه ليس من محارمها، وهي أجنبية منه، بل يمكن أيضاً أن يجمع بين بنت الرجل ومطلقته؛ لأنه ليس هناك مانع يمنع من هذا، فكونه يأخذ بنت رجل، ويأخذ مطلقته، أو التي توفى عنها، فيجمع بينها وبين بنت جارتها، لا مانع يمنع من هذا.

    ضوابط تكفير المعين
    السؤال: نرجو ذكر ضوابط تكفير المعين.
    الجواب: التكفير هذا من أصعب ما يكون الكلام فيه؛ لأن أمره خطير، وأمره ليس بالهين، ومن المعلوم أن التكفير الضابط فيه: أنه يكفر على حسب الدليل، من كفَّره الله ورسوله عليه الصلاة والسلام فهو كافر، ومن ثبت تكفيره عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام فهذا هو الذي يكفر، وهناك خلاف بين العلماء: هل يعذر بالجهل، أو لا يعذر بالجهل إذا حصل أمر مكفر؟ من العلماء من يقول: إنه لا يعذر بالجهل، ومنهم من يقول: يعذر بالجهل، لكن مسائل التكفير هذه من أصعب وأخطر ما يكون، والكلام فيها ليس بالهين.

    تكرار الطهارة من النجاسة عند تعسر الحصول على الماء
    السؤال: من المعلوم: أن الطهارة من شروط صحة الصلاة، وهناك من يعيش بعيداً عن مصادر المياه، ويتعسر عليه الحصول على الماء إلا للأكل والشرب، وكثير من النساء ذوات الأطفال يصيبهن بول الصبيان في البدن، والثوب فتمتنع من الصلاة، لما يتبادر إلى ذهنهن من أن الصلاة على غير طهارة تأثم بها، فما حكمهن، علماً بأن التطهر بالتكرار يعني: تصاب بالنجاسة ثم تتطهر، وقد تتطهر في اليوم مرات، ثم يحصل لها التنجس؟
    الجواب: الماء إذا كان موجوداً ووجدت النجاسة فإنها تزال بالماء ولو تكرر ذلك، كلما تكررت النجاسة يكرر الغسل، لأنه إذا وجد نجاسة ثم غسلت، ثم جاءت النجاسة فإنها تحتاج إلى غسل آخر وهكذا.
    وأما إذا كان الماء غير موجود فإنه: يشرع التيمم، ويصلي الإنسان على حسب حاله، ولا يجوز له أن يؤخر صلاة عن وقتها بحجة أن الماء غير موجود، بل إن كان موجوداً فإنه يأتي به ويتوضأ ويصلي، وإن كان غير موجود فإنه يتيمم ويصلي، ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها؛ لكون الماء غير موجود، بل يتيمم ويصلي.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #287
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب صلاة العيدين)
    (284)

    كتاب صلاة العيدين - إلى (باب ترك الأذان للعيدين)



    للمسلمين يومان يفرحون فيهما، وهما عيد الفطر وعيد الأضحى، وشرع في هذين العيدين صلاة معينة، وأمر بالخروج لها كل من الرجال والنساء والصبيان والعواتق حتى الحيض لكن يعتزلن المصلى، وليس لصلاة العيد أذان ولا إقامة، وليس لأحدٍ أن يصلي قبل الإمام.


    صلاة العيدين

    شرح حديث: (كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى)

    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب صلاة العيدين.أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل حدثنا حميد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: (كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى)].
    يقول النسائي رحمه الله تعالى: كتاب العيدين. هذا الكتاب يتعلق بيومين في السنة هما عيد الأضحى وعيد الفطر، وقد جعلهما الله عز وجل بعد إتمام مناسك وإتمام شعائر من شعائر الدين، فجعل عيد الفطر بعد إكمال شهر رمضان، وجعل عيد الأضحى بعد حصول الحج وبعد الوقوف بعرفة الذي هو الركن الأعظم في الحج والذي له وقت معين لا يتقدم فيه ولا يتأخر، وجعل الله عز وجل عيد الأضحى بعد يوم عرفة الذي هو أفضل أيام السنة والذي صيامه يكفر السنة الماضية والسنة الآتية.
    فإذاً هذان العيدان جُعلا بعد إتمام شعيرتين عظيمتين وهما الصيام والحج، وأضيفا إلى الأضحى وإلى الفطر، فأضيف إلى الفطر للإشارة إلى أن هذا العيد شكر لله عز وجل على إتمام شهر رمضان، وعلى حصول الفطر من شهر رمضان، وعلى توفيق الله عز وجل لإكمال هذا الشهر، صيامه وقيامه، فهو يفطر هو أول يوم من شوال، وهو عيد الفطر شكراً لله عز وجل على هذه النعمة، ولهذا قيل له: عيد الفطر.
    وكذلك عيد الأضحى؛ لأن فيه قيام غير الحجاج بالتقرب إلى الله عز وجل بالذبائح والأضاحي كما يتقرب الحجاج إلى الله عز وجل بالذبح في يوم النحر والأيام التي بعده هدياً، فالحجاج يتقربون إلى الله بذبح الهدي. وغير الحجاج يتقربون إلى الله عز وجل بذبح الأضاحي، فأضيف العيد إلى الأضحى؛ لأنه اليوم الذي يحصل فيه ذبح الإبل، والبقر والغنم تقرباً إلى الله عز وجل في ذلك الموسم، وفيه مشابهة للحجاج الذين يتقربون إلى الله عز وجل بذبح الهدي.
    فإذاً: كلا العيدين جاءا بعد إتمام شعيرة من شعائر الدين هي ركن من أركان الإسلام، فعيد الفطر جاء بعد إكمال شهر رمضان الذي هو ركن من أركان الإسلام، وعيد الأضحى جاء بعد الإتيان بالحج الذي هو ركن من أركان الإسلام.
    وليس للمسلمين أعياد سوى هذين العيدين فلذلك حرم صيامهما، فهذان اليومان لا يجوز صيامهما مطلقاً، وأما أيام التشريق فكذلك لا يجوز صيامها إلا أنه يستثنى من لم يجد الهدي فإنه يصوم هذه الأيام الثلاثة، لكن يوم العيد لا يصام أبداً ولا حتى لمن لم يجد الهدي، وإنما أيام التشريق هذه يصومها من لم يجد الهدي كما جاء في الحديث (لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي)، فإنه لمن لم يجد الهدي أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فيصوم هذه الأيام الثلاثة التي هي أيام التشريق.
    وقد كان أهل الجاهلية لهم عيدان يلعبون فيهما، ومن المعلوم أن أهل الجاهلية كانوا على أمور يعتقدونها وأمور اعتادوها، والإسلام قد جاء بإقرار بعض الأمور التي كانت في الجاهلية، وجاء بإنكار وإبطال أمور كانت معلومة في الجاهلية.
    وأما الأعياد فقد كان في الجاهلية عيدان، لكن الله عز وجل بعد أن أرسل رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل عليه الوحي وجاء هذا الدين الحنيف شرع لعباده يومين هما يوما شكر لله عز وجل، لكن ليسا كما هما في الجاهلية مجالاً للعب، وإنما هما مجال للشكر وحمد الله عز وجل وفرح وسرور بإتمام العبادة وبالإتيان بالعبادة.
    وبالنسبة للعب يمكن الأطفال الصغار أن يلعبوا وأن يمكنوا من اللعب وأن يوسع عليهم في هذين اليومين بحيث يلعبون الألعاب التي ليس فيها محذور، وقد جاء فيما يتعلق بالنسبة للأطفال والأولاد وحصول اللعب منهم أحاديث تدل على جوازه، وأما بالنسبة للكبار فإن شأنهم الجد وشأنهم الفرح والسرور بإكمال الصيام وبإكمال هذه العبادة، فإن الله عز وجل وفقهم لأن تأتي هذه المناسبة وقد أدوا الصيام وحصلوا الحج، فيأتي التقرب إلى الله عز وجل بالهدي والأضاحي هذا شأن الكبار، فليس شأنهم أن يلعبوا وأن يلهوا وأن يتخذوا من العيد فرصة للسهو، واللهو، والغفلة، وإنما هذا شأن الصغار يمكن أن يمكنوا من اللعب فيما ليس فيه محذور.
    وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في هذا، وهو أنه كان لهم في الجاهلية -يعني قبل أن يبعث فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام- عيدان يلعبون فيهما، وأن الله تعالى أبدلهم في الإسلام بخير من هذين العيدين وهما عيد الأضحى وعيد الفطر، وليس للمسلمين سوى هذين العيدين.

    تراجم رجال إسناد حديث:(كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى)

    قوله:
    [علي بن حجر].
    علي بن حجر هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.

    [عن إسماعيل].
    هو ابن جعفر، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد].
    هو ابن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه].
    هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، خدمه عشر سنين منذ قدم المدينة عليه الصلاة والسلام إلى أن توفاه الله، وكان من صغار الصحابة، وقد عاش وعُمّر وأدركه صغار التابعين، وهو من المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد الخدري، وعائشة أم المؤمنين.
    وهذا الإسناد من رباعيات النسائي، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى ما عند النسائي الرباعيات -أي بينه وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام فيه أربعة أشخاص- وليس عنده ثلاثيات، وهذا الإسناد سبق أن مر بنا في الحديث ألف وخمسمائة وستة وعشرين بنفس الرجال علي بن حجر عن إسماعيل عن حميد عن أنس، وذكرنا فيما مضى أن إسماعيل بن جعفر، وهو إسماعيل بن جعفر وليس إسماعيل بن علية ذكر ذلك المزي في تحفة الأشراف، وجعل هذين الحديثين كليهما من ضمن الأحاديث التي رواها إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس، وهما متقاربان -يعني في الموضع- واحد منهما ليس بينه وبين الثاني إلا حديثان، وهما من جملة أحاديث جاءت بإسناد واحد.


    الخروج إلى العيدين من الغد
    شرح حديث أنس في الخروج إلى العيدين من الغد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الخروج إلى العيدين من الغد.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى القطان حدثنا شعبة حدثنا أبو بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له: (أن قوماً رأوا الهلال فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يفطروا بعدما ارتفع النهار وأن يخرجوا إلى العيد من الغد)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي الخروج إلى العيد من الغد، يعني أنه إذا ما حصل معرفة العيد إلا بعدما مضى جزء من الوقت بحيث لا يتيسر مع ذلك الاستعداد والخروج له في يومه ضحى أو في أول وقته، فإن الناس يخرجون من الغد ويصلون صلاة العيد، ولكنهم يفطرون إذا تبين أن الهلال قد رئي البارحة ولم يبلغهم الخبر إلا في الضحى أو في النهار؛ لأنه ليس لهم أن يصوموا ذلك اليوم ولو كانوا دخلوا فيه جاهلين بأن الهلال قد رئي فإنهم إذا علموا يفطرون.
    ومثل ذلك لو كان في أول الشهر ما علموا دخول شهر رمضان إلا في النهار فإنهم يمسكون ولا يأكلون بقية اليوم، ويقضون ذلك اليوم الذي ما بلغهم الخبر إلا بعد طلوع الفجر وبعد أن دخل وقت الصيام فإنهم يصومون ويمسكون ويمتنعون عن الأكل والشرب، ولو كانوا أكلوا في أول ذلك اليوم؛ لأن اليوم الواحد من أيام الشهر له حرمته فيمتنع من الأكل والشرب فيه.
    ومثل ذلك المسافر، إذا كان مسافراً فله أن يأكل ويشرب، فإذا وصل إلى البلد فعليه أن يمسك ولو كان قد أكل وشرب لما كان مسافراً، فيمسك بقية اليوم عندما يصل إلى البلد، ويكون من الحاضرة وليس من المسافرين.
    فالرسول عليه الصلاة والسلام أمرهم أن يفطروا وأن يخرجوا ويصلوا صلاة العيد من الغد، وهذا يدل على أهمية صلاة العيد وعلى أنه إذا حصل فوات الوقت فإنها لا تترك وإنما يؤتى بها من الغد، وهذا يدلنا على تأكدها.
    وحكم صلاة العيد اختلف فيه العلماء، منهم من قال: إنها فرض كفاية، ومنهم من قال: إنها فرض عين. والقول بأنها فرض عين قول قوي قال به شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال به بعض أهل العلم وعليه أدلة، وهذا الحديث مما يدل على أهمية الصلاة وعلى عظم شأنها وأنه لو فات الوقت الذي تؤدى به في نفس اليوم، فإنها يؤتى بها من الغد، ومن الأدلة على أنها فرض عين الحديث الذي سيأتي والذي فيه الأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور والحيض، النساء، يخرجن ويحضرن الخير ودعوة المسلمين، وتعتزل الحيض المصلى، قالوا: فلما كان الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج ذوات الخدور -وهن البنات اللاتي لم يتزوجن- والعواتق -وهن اللواتي قاربن البلوغ-، وكذلك الحيض اللاتي ليس عليهن صلاة، ولكنهن يخرجن إلى صلاة العيد ويحضرن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى.
    وكذلك ما جاء من أنه إذا وافق يوم عيد يوم جمعة وحضر الإنسان العيد، له أن يتخلف عن الجمعة، قالوا: وهذا مما يوضح القول بوجوبها وجوب عين؛ لأنه لو لم تكن كذلك ما كان العيد يغني عن حضور الجمعة، لأن الجمعة فرض، فرض عين، ولما كان العيد يغني عنها لمن حضره، فقالوا: هذا مما يؤيد ومما يقوي أن يكون فرض عين.
    الحاصل أن جمهور العلماء قالوا: إنه فرض كفاية، وبعض أهل العلم قال: إنه فرض عين والقول بأنه فرض عين، قول قوي، ومهما يكن من شيء حتى على القول بأنه فرض كفاية فإنه تنبغي العناية والاهتمام وعدم التخلف عن صلاة العيد، وكما قلت: الأدلة واضحة وهي التي أشرت إليها، وخاصة كون حضور العيد يغني عن حضور الجمعة، ولو لم يكن واجباً ما أغنى، أي ما يغني شيء غير واجب عن واجب، فهذا مما استدل به بعض أهل العلم على أنه فرض عين.
    وعلى كل حال، في هذا تأكيد الحرص على صلاة العيد والمحافظة عليها والعناية بها وكونها يؤمر بها حتى النساء ولا سيما الصغيرات البالغات: أو القريبات من البلوغ، وأنهن يؤمرن بالذهاب إلى الصلاة، أي صلاة العيد، وكذلك الحيض يخرجن ويعتزلن المصلى.
    وحديث عمومة أو أبي عمير بن أنس بن مالك، وهم من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، جاء في بعض الأحاديث عمومة له من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو تابعي يروي عن صحابة مبهمين وغير مسمين، والجهالة في الصحابة لا تؤثر وإبهام الصحابة لا يؤثر؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث أنس في الخروج إلى العيدين من الغد
    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    عمرو بن علي هو الفلاس البصري، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن يحيى بن سعيد القطان].
    يحيى بن سعيد القطان وهو كذلك ثقة، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، بصري، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    شعبة وهو ابن الحجاج الواسطي البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا أبو بشر].

    أبو بشر هو جعفر بن أبي وحشية، واسم والده إياس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عمير بن أنس].
    هو أبو عمير بن أنس بن مالك، قيل اسمه: عبد الله، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عمومة له].
    عن عمومة له من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وهم لم يسموا، وعلمنا أن إبهام الصحابة لا يؤثر، الإبهام وجهالة العين وعدم معرفة الشخص في غير الصحابة هي التي تؤثر، أما الصحابة فالمجهول منهم في حكم المعلوم والجهل فيهم لا يؤثر؛ لأنهم عدول جميعاً رضي الله عنهم وأرضاهم.
    خروج العواتق وذوات الخدور في العيدين
    شرح حديث أم عطية في إخراج النساء لصلاة العيد واعتزال الحيض المصلى

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب خروج العواتق وذوات الخدور في العيدين.أخبرنا عمرو بن زرارة حدثنا إسماعيل عن أيوب عن حفصة قالت: (كانت أم عطية رضي الله تعالى عنها لا تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بأبا، فقلت: أسمعتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا؟ فقالت: نعم بأبا، قال: لتخرج العواتق وذوات الخدور والحيض، ويشهدن العيد ودعوة المسلمين، وليعتزل الحيض المصلى)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي خروج العواتق وذوات الخدور في العيدين، أي في صلاة العيدين، أورد فيه حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام أُمر بإخراج العواتق وذوات الخدور والحيض وأن يعتزل الحيض المصلى، ففيه تأكيد الذهاب إلى العيدين حتى من المخبئات، ومن ذوات الخدور والعواتق، ومن الحيض اللاتي لا يصلين، ولكن يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى، وهذا يدل على تأكد هذه الصلاة، بل من العلماء من قال بوجوبها عيناً كما أشرت.
    والعواتق قيل: هن اللاتي قاربن البلوغ، وذوات الخدور قيل: هن البالغات، أو هن اللاتي لسن مثل غيرهن من الكبار اللاتي يخرجن كما يردن، بل وضعهن يختلف، فهن من ملازمات البيوت، والباقيات في البيوت، لكن أمرن أو أمر بإخراجهن، أو أرشد عليه الصلاة والسلام إلى خروجهن وأن يشهدن العيد، وكذلك الحيض، وهن لا يصلين، لكن يحضرن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى فلا يكن مع المصليات، وإنما يكن خارج المصلى الذي يصلى فيه، فإن كان محاطاً بسور، فإنهن يكن من وراء السور وعند الباب، وإن كان غير مسور وإنما هي صحراء، فإنهن لا يكن مع النساء، وإنما يكن معتزلات. أي: متأخرات عن النساء بينهن فاصل، بحيث لا يكن مع الطاهرات المصليات.
    تراجم رجال إسناد حديث أم عطية في إخراج النساء لصلاة العيد واعتزال الحيض المصلى
    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن زرارة].
    هو عمرو بن زرارة النيسابوري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.

    [حدثنا إسماعيل].
    إسماعيل هو ابن علية، إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    وهو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حفصة بنت سيرين].
    وهي تابعية، ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
    [عن أم عطية].
    هي نسيبة بنت كعب الأنصارية، صحابية مشهورة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
    اعتزال الحيض مصلى الناس
    شرح حديث أم عطية في إخراج النساء لصلاة العيد واعتزال الحيض المصلى من طريق أخرى

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اعتزال الحيض مصلى الناس.أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن أيوب عن محمد قال: (لقيت أم عطية فقلت لها: هل سمعتِ من النبي صلى الله عليه وسلم وكانت إذا ذكرته قالت: بأبا قال: أخرجوا العواتق، وذوات الخدور، فيشهدن العيد ودعوة المسلمين، وليعتزل الحيض مصلى الناس)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: اعتزال الحيض المصلى، أي: إذا خرجت الحيض لحضور العيدين، فإنها تشهد الخير ودعوة المسلمين، ولكنها تعتزل المصلى، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بخروج النساء، وأن الحيض يعتزلن المصلى فلا يكن مع المصليات، وإنما ينحزن إلى جانب بحيث يتميزن عن المصليات، ولا يختلطن بهن، ولا يكن معهن، ولكنهن يشهدن الخير ودعوة المسلمين.
    وفي الحديث أن أم عطية كانت إذا ذكرت الرسول صلى الله عليه وسلم قالت: بأبا: أو بأبي، وليس المقصود بذلك الحلف وإنما المقصود التفدية أي هو مفدي بأبي، إلا أنها تجعل بدل الياء ألفا، تقول: بأبا أي: بأبي معناه مفدي بأبي، وكانوا إذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام يفتدونه، أي: يذكرون تفديته بآبائهم، وأمهاتهم، هذا هو المعروف عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وأم عطية هي منهم، ولكنها كانت تقول: بأبي، والمقصود من ذلك: هو مفدي بأبي وليس حلفاً بأبيها أو قسماً بأبيها، وإنما هي تفدية، وهذه العبارات يستعملونها ولو كان الأبوان قد ماتا، فهذه عبارات درجت على ألسنتهم واعتادوها.
    وكذلك أيضاً من بعدهم -من بعد الصحابة- كانوا يستعملون ذلك عندما يأتي ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أحياناً يقولون: فداه أبي وأمي، أو هو مفدي بأبي وأمي، ومن المعلوم: أن الرسول عليه الصلاة والسلام محبته مقدمة على محبة الأب والأم، وعلى محبة الناس جميعاً، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، لماذا؟ لأن النعمة التي ساقها الله على يديه، أعظم من النعمة التي ساقها الله للإنسان على يد أبويه، وهما سبب وجوده، وهما اللذان ربياه، ونشأه، ولكن النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه على يد الرسول صلى الله عليه وسلم وهي نعمة الإسلام، هذه أعظم النعم وأجل النعم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، أي: حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من أصوله، ومن فروعه، ومن الناس أجمعين؛ لأن النعمة التي حصلت للمسلمين على يديه لا يماثلها نعمة، ولا يدانيها نعمة، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولهذا استعمال التفدية له عليه الصلاة والسلام واضحة جلية من حيث أن محبته مقدمة على محبة الأب والأم، وعلى محبة الناس أجمعين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    والحديث مثل الذي قبله إلا أن النسائي رحمه الله أورده من طريق أخرى من أجل الاستدلال به على اعتزال الحيض المصلى، مع أن الحديث السابق دال على ذلك، ولكن عادة النسائي مثل طريقة البخاري ويأتي بالحديث من طرق متعددة ليستدل به على مسألة من المسائل، فمن أجل عناية النسائي بالتبويب والاستدلال على المسائل كان النسائي يأتي بالحديث الواحد ويضع أبواب متعددة، ولكنه عندما يأتي بالحديث يأتي به بإسناد آخر في الغالب، مثل البخاري يأتي به بإسناد آخر، وقد يأتي بإسناد واحد ولكنه قليل وقد قيل: إن الأحاديث التي أوردها البخاري بمتن واحد وإسناد واحد ما تصل إلى خمسة وعشرين، أي في حدود هذا العدد أربعة وعشرين أو ثلاثة وعشرين حديثاً بإسناد واحد ومتن واحد، فـالنسائي طريقته مثل طريقة البخاري، يأتي بالأبواب ويأتي بالأحاديث من طرق أخرى، وأحياناً يأتي بالحديث بنفس الطريق ويكرره بنفس الطريق.
    تراجم رجال إسناد حديث أم عطية في إخراج النساء لصلاة العيد واعتزال الحيض المصلى من طريق أخرى
    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    قتيبة هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا سفيان].
    وهو ابن عيينة، وسفيان غير منسوب، وكلما جاء سفيان يروي عنه قتيبة فالمراد به ابن عيينة وليس المراد به الثوري: وليس لـقتيبة رواية عن الثوري: وإنما روايته عن ابن عيينة، إذ أن عمره لما مات الثوري تسع سنوات، فـقتيبة ولد سنة مائة واثنتين وخمسين والثوري توفي سنة مائة وواحد وستين، فعمره حين وفاة الثوري تسع سنوات، فكلما جاء سفيان مهملاً غير منسوب والراوي قتيبة فالمراد به ابن عيينة.
    وسفيان بن عيينة الهلالي المكي، هو ثقة، ثبت، حجة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    أيوب وهو ابن أبي تميمة السختياني، وقد مر ذكره.
    [عن محمد].
    محمد وهو ابن سيرين، والسابق مروي عن حفصة وهنا الرواية عن محمد وهو ابن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أم عطية].
    وقد مر ذكرها.
    الزينة للعيدين
    شرح حديث عمر في الزينة للعيدين


    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الزينة للعيدين. أخبرنا سليمان بن داود عن ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد، وعمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: (وجد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حلة من استبرق بالسوق، فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، ابتع هذه، فتجمل بها للعيد، والوفد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هذه لباس من لا خلاق له، أو إنما يلبس هذه من لا خلاق له، فلبث عمر ما شاء الله، ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج، فأقبل بها حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، قلت: إنما هذه لباس من لا خلاق له، ثم أرسلت إلي بهذه؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعها وتصب بها حاجتك)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الزينة للعيدين -أي التجمل ولبس الثياب الجميلة للعيد- وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن عمر رضي الله عنه رأى حلة من ديباج -وهو حرير- فأتاه بها وقال: ابتع -أي اشتري- تتجمل بها للعيد وللوفد محل الشاهد هنا يتجمل للعيد، وهذا شيء مستقر ومعلوم عندهم وهو التجمل للعيد والرسول صلى الله عليه وسلم أقره على ما أشار من حيث التجمل، ولكنه بين له أن هذا اللباس -أي الحرير- لا يلبسه إلا من لا خلاق له في الآخرة؛ لأن الحرير لا يجوز لبسه للرجال والذي يلبسه في الدنيا لا خلاق له في الآخرة، معناه أنه لبس لباساً وقد جعله الله عز وجل لباساً في الجنة، ولباساً في الآخرة، وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [الحج:23]، فحرم عليهم -أي: الرجال- لبس الحرير في الدنيا، ولهذا قال: [(من لا خلاق له في الآخرة)]، الذي يتعجل الطيبات، ويلبس الشيء الذي حرم عليه لبسه وهو لباس أهل الجنة، فقال: [(إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة)]، ولكن محل الشاهد كون الرسول أقره وما قال: لا يتجمل للعيد أو لا يحتاج، بل هذا كان شيئاً معتاداً ومستقراً عندهم، فأقره على أصل العرض الذي عرضه عليه، ولكنه بين أن هذا اللباس -أي الحرير- لا يجوز لبسه؛ لأنه حرير ولبس الحرير لا يجوز للرجال، والنبي عليه الصلاة والسلام أخذ ذهباً وحريراً وأشار بهما وقال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها).
    ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام جاءته ألبسة من حرير فأعطى عمر فقال: يا رسول الله إنك قلت: إنما يلبس هذا من لا خلاق له وأنت أعطيتني إياه؟ فأجابه النبي عليه الصلاة والسلام: بأن يبيعه وليصيب به حاجته، أي أنه يستفيد من قيمته ولا يلبسه هو، وليس معنى ذلك أنه إذا أعطي شيئاً لا يجوز له لبسه فلا يجوز له تملكه بل له أن يتملكه مثلما يتملك الذهب ولا يلبسه، فيملك الحرير ولكنه لا يلبسه؛ لأنه يمكن أن يبيعه ويستفيد من قيمته.
    الحاصل أن الحديث دال على ما ترجم له المصنف من حصول التجمل للعيد .
    تراجم رجال إسناد حديث عمر في الزينة للعيدين

    قوله:
    [أخبرنا سليمان بن داود].
    سليمان بن داود وهو أبو الربيع المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.

    [عن ابن وهب].
    وهو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني يونس بن يزيد].
    هو يونس بن يزيد الأيلي، ثم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وعمرو بن الحارث].
    وهو ثقة، فقيه، مصري، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينسب إلى جده زهرة فيقال: الزهري، وينسب إلى جده شهاب فيقال: ابن شهاب، وهو ثقة، مكثر من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفقيه، وهو من صغار التابعين، ومما ذكر في ترجمته: أنه كان يقبل على كتبه وعلى العلم ويشتغل به وكانت له زوجة فكانت تقول له: والله لهذه الكتب أشد عليّ من ثلاث ضرائر. معناه أنه يشتغل بها ويعنى بها، فكان معنياً بالعلم رحمة الله عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم عن أبيه].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، من فقهاء التابعين، وقد عُدَّ من الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وهو فقيه، محدث، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الله بن عمر صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الصلاة قبل الإمام يوم العيد
    شرح حديث أبي مسعود في الصلاة قبل الإمام يوم العيد


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة قبل الإمام يوم العيد.أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرحمن عن سفيان عن الأشعث عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم: (أن علياً رضي الله تعالى عنه استخلف أبا مسعود رضي الله تعالى عنه على الناس فخرج يوم عيد فقال: يا أيها الناس إنه ليس من السنة أن يصلى قبل الإمام)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الصلاة قبل الإمام يوم العيد. مقصود النسائي من هذه الترجمة: أن العيد تصلى جماعة، والإمام هو الذي يتولى الصلاة بالناس، ولا يصلي أحد قبل صلاة الإمام، لا في المصلى ولا في غير المصلى، وإنما الإمام هو الذي يصلي أولاً، ومن فاتته الصلاة فإنه يمكن أن يصلي، لكن لا يصلى قبل صلاة الإمام، وقد أورد النسائي حديث أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله تعالى عنه: (أن علياً استخلفه يوم عيد، فخرج، وقال: أيها الناس، إنه ليس من السنة أن يصلى قبل الإمام).
    قوله: [(من السنة)]، أي: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابي إذا قال: من السنة كذا أو السنة كذا فهي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا هو المقصود بالسنة عند إطلاقها، أي تنصرف إلى سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، مثلما جاء عن ابن عباس قيل له: (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين وإذا صلى وراء إمام مقيم أتم؟ قال: تلك السنة)، أي تلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود في الصلاة قبل الإمام يوم العيد
    قوله:
    [أخبرنا إسحاق بن منصور].
    إسحاق بن منصور وهو إسحاق بن منصور الكوسج المروزي، لقبه الكوسج، وهناك شخص آخر يقال له: إسحاق بن منصور السلولي، ولكنه لا يلتبس بهذا؛ لأن السلولي متقدم على الكوسج هذا بطبقة، وكانت وفاته سنة مائتين وأربع من الهجرة، وخرج له أصحاب الكتب الستة ولكن بواسطة، فـالسلولي أعلى طبقة من الكوسج.

    [عن عبد الرحمن].
    عبد الرحمن وهو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، ثبت، عارف بالرجال والعلل متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأشعث].
    هو الأشعث بن أبي الشعثاء الكوفي المحاربي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود بن هلال].
    الأسود بن هلال ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن ثعلبة بن زهدم].
    ثعلبة بن زهدم، مختلف في صحبته، وقال العجلي: تابعي، ثقة، وقد خرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن أبي مسعود].
    أبو مسعود وهو عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وأما علي رضي الله عنه فهو ليس من رجال الإسناد هنا، وإنما ذكر لأنه هو الذي استخلف أبا مسعود فخطب أو فكان مما قاله هذه الكلمة: أنه ليس من السنة أن يصلي أحد قبل الإمام.
    ترك الأذان للعيدين
    شرح حديث جابر: (صلى بنا رسول الله في عيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة)

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ترك الأذان للعيدين.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب ترك الأذان للعيدين، أي أنه ليس في صلاة العيدين أذان، فلا يؤذن لها ولا ينادى لها بشيء، وإنما إذا بلغ الناس العيد -عيد الفطر- وعلموا ذلك فإنهم من الغد يخرجون لصلاة العيدين ويفطرون بدون أذان.
    ومثل ذلك: الاستسقاء، ليس فيه أذان، وإنما الناس يخبرون بأنهم يخرجون في يوم من الأيام، وأما الكسوف، فإن لها أذان؛ لأنه شيء ما يعلم وإنما يطرأ فينبه الناس للكسوف، فينادى: الصلاة جامعة، والعيد لا يحتاج إلى أذان، فالرسول صلى الله عليه وسلم خرج بلا أذان، ولا إقامة، فصلى قبل الخطبة، فدل هذا على أن السنة أن لا يؤذن ولا يقام لصلاة العيد.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (صلى بنا رسول الله في عيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    قتيبة، وقد مر ذكره.

    [حدثنا أبو عوانة].
    حدثنا أبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي عوانة، وهذا غير أبي عوانة المتأخر الذي هو صاحب المستخرج على صحيح مسلم؛ لأن ذاك متأخر، وهذا متقدم، هذا من طبقة شيوخ شيوخ مسلم، وشيوخ البخاري.
    [عن عبد الملك بن أبي سليمان].
    عبد الملك بن أبي سليمان، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر بن عبد الله الأنصاري].
    وهو جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #288
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب صلاة العيدين)
    (285)

    كتاب صلاة العيدين - (باب الخطبة يوم العيد) إلى (باب القراءة في العيدين بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية)


    الخطبة يوم العيد
    شرح حديث البراء بن عازب في الخطبة يوم العيد

    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب الخطبة يوم العيد.أخبرنا محمد بن عثمان حدثنا بهز حدثنا شعبة أخبرني زبيد سمعت الشعبي يقول: حدثنا البراء بن عازب عند سارية من سواري المسجد، قال: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نذبح، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم يقدمه لأهله، فذبح أبو بردة بن نيار، فقال: يا رسول الله عندي جذعة خير من مسنة، قال: اذبحها ولن توفي عن أحد بعدك)].
    يقول النسائي رحمه الله تعالى: الخطبة يوم العيد، أي: الخطبة مشروعة يوم العيد، فيبدأ بالصلاة ثم يؤتى بالخطبة، فهي سنة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. وقد أورد النسائي حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بالناس يوم العيد ثم خطب، فقال: [(إن أول شيء نبدأ به الصلاة ثم نذبح، فمن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم يقدمه إلى أهله)]، أي أن وقت الذبح إنما يبدأ بعد الفراغ من الصلاة، ولا يجوز للإنسان أن يذبح الأضاحي قبل الصلاة، وإذا كان ذبحها قبل الصلاة فهي ليست أضحية وإنما تعتبر طعاماً قدمه إلى أهله كالطعام الذي يقدمه لهم في الأيام المختلفة من أيام السنة؛ لأنه لا يعتبر قربة ولا يعتبر أضحية إلا إذا ذبح بعد صلاة عيد الأضحى.
    ثم إن واحداً من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو أبو بردة بن نيار كان قد ذبح قبل الصلاة ولما سمع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته قال: (إن عندي عناقاً هي خير من مسنة)، يعني أنه يريد أن يذبحها بدل تلك الذبيحة التي ذبحها قبل الصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام: (اذبحها ولن توفي عن أحد بعدك)، وفي بعض الروايات: (ولن تجزئ عن أحد بعدك)، أي أن النبي عليه الصلاة والسلام رخص له أن يذبح هذه الذبيحة التي هي دون الإجزاء -بمعنى أن يذبح جذعة من المعز وهي لم تبلغ سن الأضحية- فهذا حكم خاص بـأبي بردة بن نيار؛ لأنه ذبح قبل أن يعلم الحكم، ولما علم الحكم في الخطبة التي خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين له أنه إنما ذبح كما جاء في بعض الروايات (لتكون أضحيته أول لحم يقدم بعد الصلاة)؛ لأن الذي دفعه إلى المبادرة أن الناس قد اشتهوا اللحم، فعندما يأتون من الصلاة وإذا اللحم قد فرغ منه وقد طهي فيقدمه فتكون أضحيته أول شيء يؤكل، فعلم في الخطبة أن الذبح قبل الصلاة ليس أضحية وإنما هو ذبيحة كالذبائح التي تكون في أيام السنة.
    فقال: (إن عندي عناقاً) يعني يمدحها ويثني عليها، وإنها خير من مسنة أفتجزئ لو ذبحتها بدل الذبيحة التي ذبحتها قبل الصلاة؟ قال: (نعم ولن توفي عن أحد بعدك)، وفي بعض الروايات: (ولن تجزئ -يعني تقضي- عن أحد بعدك)، معنى هذا: أن من ذبح قبل الصلاة غير هذا الرجل ثم احتاج إلى أن يأتي بشيء بدل فإنه لا يجزئه إلا ما يجزئ في الأضحية، وهي ما تم لها سنة من المعز بخلاف الضأن فإن الضأن يجزئ في الأضحية ما له ستة أشهر وهو الجذع، ولكن الجذع من المعز لا يجزئ والجذع من الضأن يجزئ كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    العمل إذا وقع غير مطابق للسنة لا يعتبر ولو كان قصد صاحبه حسناً
    ثم إن هذا الحديث يدل على أن العمل إذا فعل غير مطابق للسنة فإنه لا يعتبر ولو كان قصد صاحبه حسناً، وهذا يبين لنا أن ما يفعله بعض من يأتي بالأمور المبتدعة ويقول: إنما نفعل ذلك تقرباً إلى الله عز وجل، ففعله ذلك لا ينفع؛ لأن العمل إذا لم يكن مطابقاً للسنة فإنه لا يعتبر، ولهذا ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن بعض العلماء أنه قال: وفي هذا دليل على أن العمل إذا وقع غير مطابق للسنة فإنه لا يعتبر ولو كان قصد صاحبه حسناً.ويوضح هذا: الأثر الذي جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه وذلك أن أبا موسى جاء إلى باب عبد الله بن مسعود وإذا الناس مجتمعون عند بابه ينتظرون خروجه ليرافقوه إلى المسجد وليسألوه عن العلم وليتعلموا منه، فجاء أبو موسى وقال: أخرج أبو عبد الرحمن ؟ قالوا: ما خرج، ولما خرج أبو عبد الرحمن قال له: إنه حصل كذا وكذا، وإن في المسجد أناساً يتحلقون ومعهم حصى وفي كل حلقة واحد يقول: سبحوا مائة، هللوا مائة، كبروا مائة، فقال: ماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً ولكن أنت تراهم، فلما ذهب إليهم قال: ألا قلت لهم: عدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء. فجاء إليهم ووقف عليهم وقال: ما هذا؟ إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو أنكم مفتتحوا باب ضلالة؟! -أي واحدة من اثنتين: إما هذه وإما هذه- قالوا: سبحان الله، يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير قال: وكم من مريد للخير لم يصبه. يعني أن العمل إذا وقع غير مطابق للسنة فإنه لا يعتبر ولو كان قصد صاحبه حسناً.
    وهذا صحابي من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ذبح أضحيته قبل الصلاة، وكان قصده أن الناس قد احتاجوا اللحم واشتهوا اللحم، فإذا فرغوا من الصلاة وإذا أضحيته قد فرغ من طبخها فيقدمها فتكون ذبيحته أو أضحيته أول شيء يؤكل، وهذا قصد طيب، ولكن لما كان الفعل غير مطابق للسنة -وهو أن الذبح وقع قبل وقته- لم يعتبر هذا العمل الذي عمله، وصارت شاته شاة لحم وليست شاة أضحية التي هي قربة يتقرب بها إلى الله عز وجل، فهذا الحديث أو هذه القصة تدل دلالة واضحة على هذا المعنى، وهو أن العمل من شرط قبوله: أن يكون مطابقاً للسنة.
    ومن المعلوم أن دين الإسلام بني على أساسين: أن يكون العمل لله خالصاً، وأن يكون على سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فإن اختل واحد منهما فإنه لا يقبل العمل وإن كان خالصاً لله؛ لأنه مبني على بدعة وليس على سنة، ولو وقع العمل مطابقاً للسنة، ولكن أشرك مع الله غيره فإنه أيضاً لا يقبل؛ لأنه لم يخلص لله ولم يفرد الله عز وجل به، بل جعل مع الله شريكاً فيه، فلا بد في العمل المقبول عند الله أن يكون لله خالصاً وأن يكون لسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مطابقاً وموافقاً، ولهذا جاء، عن الفضيل بن عياض رحمة الله عليه أنه قال في قول الله عز وجل: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2]، فقال: العمل الأحسن هو ما كان خالصاً صواباً، فالخالص ما كان لله والصواب ما كان على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
    والدليل على أن العمل إذا كان غير مطابق للسنة يكون غير معتبر قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، وهذا لفظ متفق عليه من حديث أم المؤمنين عائشة، وفي رواية عنها في صحيح مسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وهذا أعم من الأول؛ لأنه -أي من عمل عملاً- سواءً كان هو المحدث له أو مسبوقاً إلى إحداثه ولكنه تابع غيره فيه، فمن عمل عملاً أعم ممن أحدث في أمرنا؛ لأنه يشمل ما إذا كان الذي عمله محدثاً له أو كان متابعاً لغيره فيه، فإنه عليه الصلاة والسلام قال: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، وفي رواية لـمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
    والحديث فيه مشروعية الخطبة للعيد، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب للعيد وخطبته قبل الصلاة، وأن مما تشتمل عليه الخطبة في عيد الأضحى بيان أحكام الأضاحي وما يتعلق بها، كما أن صلاة عيد الفطر يكون فيها بيان شيء من أحكام العيد وشيء مما يتعلق بزكاة الفطر وإظهار شكر الله عز وجل على نعمة إتمام الصيام وعلى أداء تلك العبادة العظيمة التي هي الصيام.
    فهذا الحديث كان أو الخطبة كانت يوم عيد أضحى، فكان في بيانه عليه الصلاة والسلام في خطبته شيء يتعلق بالأضاحي وبأحكام الأضاحي ووقت الأضحية -أي: ابتدائه- وأما نهايته فهو آخر أيام التشريق الثلاثة؛ لأن أيام الذبح أربعة: يوم العيد وثلاثة أيام من بعد يوم العيد التي هي أيام التشريق.
    تراجم رجال إسناد حديث البراء بن عازب في الخطبة يوم العيد
    قوله:
    [أخبرنا محمد بن عثمان].
    وهو محمد بن عثمان الثقفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا بهز].
    وهو بهز بن أسد العمي البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    وهو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني زبيد].
    زبيد، وهو ابن الحارث اليامي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت الشعبي].
    الشعبي، هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، فقيه، وإمام مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي تؤثر عنه الكلمة المشهورة في بيان حقيقة الرافضة وبعدهم عن الحق والصواب، وهي أن اليهود والنصارى فاقوا الرافضة بخصلة -أي تميزوا عليهم وصاروا أحسن منهم وهم يهود ونصارى أحسن من الرافضة في خصلة من الخصال- وهي أن اليهود لو قيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب موسى، والنصارى لو قيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب عيسى، والرافضة لو قيل: من شر أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب محمد. فهذا حال الصحابة عندهم وأنهم شر هذه الملة، وهذا الكلام الذي قاله الشعبي، قاله في رافضي له شعر يقطر من الحقد، والذم، والشتم، والعيب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصيدة طويلة، يقول فيها هذا المعنى الذي قاله الشعبي، فهو يقول في قصيدته:
    أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها
    فسبب الكلام الذي قاله الشعبي، هو ما قاله هذا الرافضي الخبيث، وكان مما قاله وهو دال على منتهى وقاحته وخبثه في بيت من أبيات تلك القصيدة الخبيثة: إن سورة براءة لم تأت في أولها بسملة؛ لأنه ذكر فيها أبو بكر. يعني: هذا هو السبب الذي لم يبسمل في سورة براءة في أولها، ونقول: إن أبا بكر رضي الله عنه ذكر فيها لكن بأحسن الذكر، سماه الله صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأطلق الله عليه هذا الوصف حيث قال: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ [التوبة:40]، يعني: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه، فسماه الله صاحب رسول الله وأطلق عليه أنه صاحب رسول الله، وهو وصف حصل من الله تبارك وتعالى لـأبي بكر رضي الله عنه.
    ثم أيضاً قال: ثَانِيَ اثْنَيْنِ [التوبة:40]، يعني: أن الله عز وجل ثالثهما كما جاء في الحديث عندما جاء الذين يبحثون عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الغار، ووقفوا عند باب الغار وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يرون أقدامهم، فقال أبو بكر: (لو أبصر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا، قال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، فأبو بكر ذكر بأحسن الذكر وأثني عليه وصارت هذه من أجل مناقبه ومن خير مناقبه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا الخبيث يقول: إن سورة براءة أخليت من البسملة؛ لأن أبا بكر ذكر فيها.
    الحاصل: أن سبب هذه الكلمة المأثورة عن الشعبي هو ما قاله رافضي في قصيدته.
    أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها
    أي بل أشقى أمة أخرجت للناس والعياذ بالله، وهذا هو الضلال وهذا هو العمى، والمسلم عندما يسمع مثل هذا الكلام يحمد الله عز وجل ويشكره، ويكثر من الدعاء بأن يقول: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8] لا شك أن هذا من زيغ القلوب وهذا من الخذلان وهذا من الحرمان، أن تلوك الألسنة أعراض أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين اختارهم الله لصحبة نبيه عليه الصلاة والسلام والجهاد معه والذب عنه ونشر الدين، وكونهم الواسطة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الناس، ولم يعرف حق وهدى إلا عن طريقهم، ثم يأتي من خذله الله ويقول مثل هذا الكلام الوقح الساقط الهابط الذي يدل على أن من قاله قد بالغ في الجناية على نفسه وألحق الضرر أو سعى في إلحاق الضرر الكبير على نفسه، نسأل الله السلامة والعافية.
    عامر بن شراحيل الشعبي هو الذي قال هذه الكلمة، وقد ذكرها عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في أول كتاب منهاج السنة، وكما قلت: سبب هذا الكلام الذي قاله هو ما تفوه به ذلك المخذول في تلك القصيدة، ومنها ذلك البيت الذي فيه ذم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ووصفهم بأنهم أشقى هذه الأمة والعياذ بالله، وبهذا يصدق قول الشعبي: إن اليهود والنصارى فاقوا الرافضة، أولئك قالوا: أصحاب موسى هم خير أمتهم، والنصارى قالوا: أصحاب عيسى خير أمتهم، وهذه الأمة التي وفقها الله عز وجل -وهم من سار على نهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم- يقولون: خير هذه الأمة أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، مثلما قالت اليهود والنصارى عن أصحاب النبيين الكريمين موسى وعيسى، يقول أهل السنة والجماعة -أهل الحق-: إن أصحاب رسول الله هم خير هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، فخير الأمة بعد النبيين والمرسلين أصحاب رسول الله؛ لأن هذه الأمة هي خير أمة أخرجت للناس، وخير هذه الأمة أصحاب رسول الله، أما أولئك المخذولون فيقولون: إنهم شر أهل الملة والعياذ بالله.
    وحديث الشعبي أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء بن عازب].
    والبراء بن عازب، صحابي ابن صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    صلاة العيدين قبل الخطبة
    شرح حديث ابن عمر في صلاة العيدين قبل الخطبة

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة العيدين قبل الخطبة.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبدة بن سليمان حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر رضي الله عنهما كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب صلاة العيدين قبل الخطبة، أي أن الصلاة تسبق الخطبة، هذه هي سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأورد حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة)]، فهذا يدل على أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخليفتين الراشدين من بعده أنهم كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في صلاة العيدين قبل الخطبة

    قوله:
    [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    إسحاق بن إبراهيم هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، إمام مجتهد، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه.
    [أخبرنا عبدة بن سليمان].
    عبدة بن سليمان، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبيد الله].
    عبيد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، الذي يقال له: العمري، وهو المصغر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمر].
    عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما هو صحابي جليل، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    صلاة العيدين إلى العنزة
    شرح حديث: (أن رسول الله كان يخرج العنزة يوم الفطر... فيصلي إليها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة العيدين إلى العنزة.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج العنزة يوم الفطر ويوم الأضحى يركزها فيصلي إليها)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الصلاة في العيدين إلى العنزة -أي إلى سترة- والعنزة هي عصا في رأسها حديدة تغرز في الأرض فتكون قائمة وتكون سترة للإمام، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى عنزة، وفي العيدين الأضحى والفطر، كان يخرج معه العنزة ليجعلها سترة له.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يخرج العنزة يوم الفطر... فيصلي إليها)
    قوله:
    [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    وقد مر ذكره.
    [أخبرنا عبد الرزاق].
    هو ابن همام الصنعاني، وهو ثقة، حافظ، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا معمر].
    وهو ابن راشد الأزدي البصري، نزيل اليمن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    وهو ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.
    عدد صلاة العيدين
    شرح حديث عمر في عدد صلاة العيدين

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب عدد صلاة العيدين.أخبرنا عمران بن موسى حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سفيان بن سعيد عن زبيد اليامي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ذكره عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، قال: (صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام ليس بقصر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب عدد صلاة العيدين -أي: عدد ركعاتها، وأن صلاة العيدين ركعتان- وأورد فيه حديث عمر رضي الله تعالى عنه قال: [(صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم)]، والحديث سبق أن مر، وفيه رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر، وقد قال النسائي فيما مضى: إنه لم يسمع منه. لكن هذا الحديث جاء أنه سمعه منه، والحديث واضح الدلالة على الترجمة من جهة أن صلاة العيد ركعتان، الأضحى ركعتان، والفطر ركعتان، وقد تقدم الحديث في الجمعة وتقدم في القصر في السفر.
    تراجم رجال إسناد حديث عمر في عدد صلاة العيدين
    قوله:
    [أخبرنا عمران بن موسى].
    وهو البصري، وهو صدوق، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا يزيد بن زريع].
    هو يزيد بن زريع البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان بن سعيد].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن زبيد].
    وهو ابن الحارث اليامي، وقد تقدم ذكره قريباً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
    هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه].
    وهو أمير المؤمنين، ثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    القراءة في العيدين بقاف واقتربت
    شرح حديث أبي واقد الليثي في القراءة في العيدين بقاف واقتربت

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القراءة في العيدين بقاف واقتربت.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثني ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله، قال: (خرج عمر رضي الله تعالى عنه يوم عيد فسأل أبا واقد الليثي رضي الله تعالى عنه: بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في هذا اليوم؟ فقال: بقاف، واقتربت)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي القراءة في صلاة العيدين بقاف واقتربت الساعة وانشق القمر، وأورد فيه حديث أبي واقد الليثي رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ في العيد بسورة قاف واقتربت الساعة وانشق القمر. وهاتان السورتان اشتملتا على بيان المبعث والمعاد وعلى ذكر أخبار الأمم الماضية -يعني إحدى السورتين اشتملت على أخبار الأمم الماضية على سبيل التفصيل، وسورة قاف ذكرتها على سبيل الإجمال- فمن أجل ذلك كان عليه الصلاة والسلام بقراءته لهاتين السورتين يذكر الناس بما اشتملتا عليه من العبر ومن الأحكام ومن التذكير بالوعد والوعيد وذكر ما يحصل بعد الموت وما حصل للأمم السابقة التي كذبت الرسل وكيف آل أمرها إلى أن أهلكت؛ لأنها لم تستجب للرسل، فهاتان السورتان مشتملتان على أمور عظيمة، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهما في العيدين.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي واقد الليثي في القراءة في العيدين بقاف واقتربت
    قوله:
    [محمد بن منصور].
    هو الجواز، الأغلب أنه الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، ثبت، حجة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ضمرة بن سعيد].
    وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عبيد الله بن عبد الله].
    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين.
    [عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه].
    وعمر رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي عن الذي كان يقرؤه صلى الله عليه وسلم في العيدين؟ وهذا الإسناد فيه أن عبيد الله يروي عن عمر، وعمر سأل أبا واقد الليثي، لكن قيل: إن عبيد الله لم يدرك عمر ولم يسمع منه، فنقول: جاء في صحيح مسلم أن عبيد الله يروي عن أبي واقد وهو الذي يحكي أن عمر سأله، فعن أبي واقد الليثي. قال: سألني عمر عن كذا. هذا هو الذي في صحيح مسلم، يعني أنه من رواية عبيد الله عن أبي واقد، فعلى هذا يكون الحديث متصلاً كما هو في صحيح مسلم.
    ثم الحديث معلوم لأن عمر رضي الله عنه كان قد حضر صلاة العيد مراراً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف يسأل أبا واقد الليثي عما كان يقرؤه الرسول صلى الله عليه وسلم؟! وقد أجيب عن هذا الاستشكال: بأن عمر رضي الله تعالى عنه أراد أن يختبر أبا واقد ليعلم ماذا عنده لا أن عمر لا يعلم ذلك الحكم، أو أنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهاتين السورتين وبسبح اسم ربك الأعلى والغاشية وأراد من غيره أن يحدث بشيء يوافقه ويتفق مع ما عنده، أو أنه نسي وأراد أن يتثبت، أو لغير ذلك من الأسباب فسؤال عمر يحتمل كذا، ويحتمل كذا، ويحتمل كذا؛ لأنه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويكون قريباً منه ويسمع الخطبة ويسمع الصلاة وما يجري في الصلاة وما يحصل في الصلاة.
    وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن أبي واقد].
    هو أبو واقد الليثي فقيل: اسمه الحارث بن عوف، وقيل غير ذلك، وهو صحابي مشهور بكنيته، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    القراءة في العيدين بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية
    شرح حديث: (أن رسول الله كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك وهل أتاك حديث الغاشية)

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القراءة في العيدين بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، وربما اجتمعا في يوم واحد فيقرأ بهما)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي القراءة في صلاة العيدين بسبح والغاشية، وأورد فيه حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في العيدين والجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، وربما اجتمعت الجمعة والعيد فكان يقرأ فيهما، يعني يصلي العيد ويقرأ فيه بهاتين السورتين: سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، ثم بعد ذلك عندما تأتي الجمعة يقرأ فيها بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية.
    فالحديث دال على أنه يقرأ في الجمعة وكذلك في العيدين هاتين السورتين.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك وهل أتاك حديث الغاشية...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو عوانة].
    وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي عوانة.
    [عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر].
    هو إبراهيم بن محمد بن المنتشر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [يروي عن أبيه].
    وهو محمد بن المنتشر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [حبيب بن سالم].
    وهو مولى النعمان بن بشير وكاتبه، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن النعمان بن بشير].
    وهو صحابي ابن صحابي، وهو من صغار الصحابة، توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #289
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب صلاة العيدين)
    (286)

    - كتاب صلاة العيدين - (باب الخطبة في العيدين بعد الصلاة) إلى (باب قيام الإمام في الخطبة متوكئاً على إنسان)


    دلت السنة على كون خطبة العيد بعد الصلاة، والناس مخيرون بين الجلوس لسماع الخطبة والانصراف، كما أنه يستحب التزين للعيد وللخطبة، ويكون الخطيب قائماً وبارزاً للناس، مع جواز أن يخطب متكئاً على شخص آخر، وأن يخطب من على الناقة، وله أن يعظ النساء بما يخصهن.

    الخطبة في العيدين بعد الصلاة
    شرح حديث ابن عباس: (أشهد أني شهدت العيد مع رسول الله فبدأ بالصلاة قبل الخطبة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الخطبة في العيدين بعد الصلاة.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان سمعت أيوب يخبر عن عطاء سمعت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول: (أشهد أني شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب)].
    يقول النسائي رحمه الله تعالى: الخطبة في العيدين بعد الصلاة. المقصود من الترجمة بيان أن موضع الخطبة في العيدين إنما هو بعد الصلاة وليس قبل الصلاة، وقد أورد النسائي فيه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (أشهد أني شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب)، فإنه واضح الدلالة على الترجمة وأن الصلاة تقدم والخطبة تؤخر.
    وقوله: (أشهد)، فيه تأكيد الخبر الذي أخبر به والحديث الذي رواه، ولا يحتاج الأمر إلى ذكر (أشهد) بل مجرد إخبار الصحابي كاف في ذلك، ولكن ذكر الشهادة فيه زيادة توضيح وزيادة تحقيق.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (أشهد أني شهدت العيد مع رسول الله فبدأ بالصلاة قبل الخطبة...)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن منصور].
    محمد بن منصور وهو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [عن سفيان].
    وهو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، حجة، ثبت، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    أيوب وهو ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    وهو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما].
    وهو ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام صحابي ابن صحابي، أبوه العباس بن عبد المطلب، عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعبد الله هو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، وهم من صغار الصحابة، والذين يسمون باسم عبد الله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرون، لكن لقب العبادلة الأربعة أطلق على هؤلاء الأربعة، وإلا فــعبد الله بن قيس هو أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وأبو بكر اسمه عبد الله بن عثمان.
    وابن عباس هو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء سبعة معروفون بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    شرح حديث البراء بن عازب: (خطبنا رسول الله يوم النحر بعد الصلاة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن الشعبي عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة)].ثم أورد النسائي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وهو أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم خطبنا يوم العيد بعد الصلاة)، وهو واضح الدلالة على الترجمة أن الخطبة في العيد تكون بعد الصلاة، فهو مثل حديث ابن عباس، كل منهما يدل على أن الخطبة في العيد تكون بعد الصلاة، ومن ذلك أيضاً ما جاء عن أبي سعيد في قصة إنكاره على مروان بن الحكم لما أراد أن يخطب يوم العيد قبل الصلاة فأنكر ذلك عليه، وجلس أبو سعيد وصلى معه ولم يترك حضور الصلاة مع أن فيه مخالفة للسنة من جهة أنه قدم الخطبة على الصلاة.
    وحديث أبي سعيد مثل حديث أبي هريرة والبراء كلها تدل على أن الخطبة يوم العيد تكون بعد الصلاة وليست قبل الصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث البراء بن عازب: (خطبنا رسول الله يوم النحر بعد الصلاة)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    وهو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان هي قرية من قرى بلخ، وبلخ إحدى المدن الكبيرة في خراسان، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الأحوص].
    وأبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وهو ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي الأحوص وكانت وفاته سنة مائة وتسع وسبعين أي في السنة التي مات فيها الإمام مالك، وقتيبة ممن عمر وكانت وفاته سنة مائتين وأربعين وولادته سنة مائة وخمسين وهي السنة التي مات فيها أبو حنيفة والتي ولد فيها الشافعي، وقد روى عن أبي الأحوص الذي توفي في السنة التي مات فيها مالك وهي سنة مائة وتسعة وسبعين، أي أن عُمْر قتيبة عند وفاة أبي الأحوص تسع وعشرون سنة.
    [عن منصور].
    وهو منصور بن المعتمر الكوفي هو ثقة من أقران الأعمش، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشعبي].
    الشعبي هو عامر بن شراحيل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء بن عازب].
    البراء بن عازب صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين
    شرح حديث: (أن النبي صلى العيد وقال: من أحب أن ينصرف فلينصرف...)

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين.حدثنا محمد بن يحيى بن أيوب حدثنا الفضل بن موسى حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن السائب رضي الله تعالى عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد وقال: من أحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن يقيم للخطبة فليقم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين، المقصود من ذلك أن حضور الخطبة والجلوس للاستماع لها ليس بواجب وإنما مستحب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام خيّر بين الجلوس والانصراف، وكونه خير بين الجلوس والانصراف يدل على أن الحضور ليس بلازم.
    وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عبد الله بن السائب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى العيد خطب الناس وقال: من أحب أن ينصرف فلينصرف ومن أحب أن يقيم للخطبة فليقم)، أي من أحب أن ينصرف ولا يجلس لسماع الخطبة فله ذلك ومن أحب أن يبقى فله أن يبقى. ولا شك أن البقاء خير من الانصراف، ولكن لما وجد التخيير فيه دل على أنه غير واجب، وهذا من جنس التخيير باليوم الثالث من أيام التشريق، يعني هو مخير، من أراد أن يتعجل تعجل ومن أراد أن يتأخر تأخر لكن التأخر أفضل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام تأخر، فدل هذا على أن الجلوس أو البقاء في اليوم الثالث عشر أنه مخير فيه كما جاء في القرآن لكن التأخر أفضل من التعجل؛ لأنه زيادة عمل وزيادة قربة إلى الله عز وجل، وفيها زيادة الأجر، والنبي عليه الصلاة والسلام تأخر وما تعجل، فكذلك من أراد أن ينصرف في الخطبة يوم العيد فله أن ينصرف وليس عليه بأس، ولكن من بقي فلا شك أنه أفضل وهو أولى.
    هذا الحديث يدل على أن مما تشتمل عليه الخطبة يوم العيد بيان شيء من أحكام العيد وما يتعلق بيوم العيد؛ لأن هذا من البيان وقت الحاجة، فلابد في خطبة الأضحى أن تشتمل على بيان الأضاحي وما يتعلق بذلك، وفي خطبة عيد الفطر أن تشتمل على بيان ما يتعلق بزكاة الفطر من رمضان، وكذلك لابد أن تشتمل كل منهما على الوصايا والتذكير، ثم أيضاً لابد من بيان الأحكام المتعلقة بالعيد وبالخطبة كما أنه عليه الصلاة والسلام بين أن حضور الخطبة ليس بواجب ولكنه مستحب.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى العيد وقال: من أحب أن ينصرف فلينصرف...)

    قوله:
    [محمد بن يحيى بن أيوب].
    وهو محمد بن يحيى بن أيوب المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا الفضل بن موسى].
    الفضل بن موسى هو المروزي أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن جريج].
    ابن جريج وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    وهو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن السائب المكي].
    وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    الزينة للخطبة للعيدين
    شرح حديث أبي رمثة: (رأيت النبي يخطب وعليه بردان أخضران)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الزينة للخطبة للعيدين.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا عبيد الله بن إياد عن أبيه عن أبي رمثة رضي الله تعالى عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وعليه بردان أخضران)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي الزينة للخطبة في العيد، ومن المعلوم أن الخطبة في العيد لا تتميز بشيء عن صلاة العيد، وإنما التجمل للعيد للخروج إلى الصلاة وللخطبة، وقد مر في حديث عمر رضي الله عنه الذي فيه أنه عرض عليه أن يشتري له حلة من ديباج ليتجمل فيها للعيد وللوفد، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنما يلبس هذا من لا خلاق له)؛ لأنها من حرير، لكنه أفاد التجمل للعيد وأما الخطبة فليس لها شيء يخصها؛ لأن من ذهب للعيد وصلى فلباسه في ذهابه واحد للخطبة ولغير الخطبة ولا يخص الخطبة، ولكن الحديث أخبر بأنه رآه وهو يخطب وعليه بردان أخضران.
    الحاصل أنه أخبر عن كونه رآه؛ لأنه واقف يخطب ورأى لباسه عليه الصلاة والسلام فأخبر عن الشيء الذي رآه وشاهده وعاينه في حال الخطبة، لكن الحكم في الحقيقة لا يخص الخطبة، والزينة لا تكون للخطبة، وإنما الزينة للعيد، والعيد فيه الخطبة وفيه الصلاة، والحديث سبق أن مر في التجمل للعيد.
    وقد أورد النسائي حديث أبي رمثة رضي الله تعالى عنه أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم العيد وعليه بردان أخضران)، الحديث واضح الدلالة على التجمل، وكما قلت: لا يخص الخطبة بل التجمل لصلاة العيد، والذهاب للعيد فيه صلاة وفيه خطبة واجتماع بالناس.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي رمثة: (رأيت النبي يخطب وعليه بردان أخضران)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن بشار].
    وهو محمد بن بشار البصري الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكل من أصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة فهو شيخ لهم جميعاً، وهو من صغار شيوخ البخاري، توفي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، قيل: إن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين ومحمد بن بشار توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ويماثله في سنة الوفاة شيخان آخران لأصحاب الكتب الستة، وهما محمد بن المثنى العنزي الملقب بـالزمن ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأيضاً هذان توفيا في السنة التي مات فيها محمد بن بشار، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، فهؤلاء الثلاثة محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، اتفق أنهم توفوا في سنة واحدة، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، واتفقوا في أنهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وكل واحد من أصحاب الكتب الستة روى عن هؤلاء الثلاثة: محمد بن المثنى، محمد بن بشار، يعقوب بن إبراهيم الدورقي.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    عبد الرحمن وهو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، إمام، عارف بالرجال والعلل، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قال عنه الذهبي في كتابه من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، قال عنه وعن يحيى بن سعيد القطان: إنهما إذا جرحا شخصاً أو اتفقا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه. يعني: أنهما يصيبان وأن كلامهما فيه معتمد.
    [حدثنا عبيد الله بن إياد].
    وهو عبيد الله بن إياد بن لقيط السدوسي، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبيه].
    الأب إياد بن لقيط السدوسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وهو مثل ابنه أي الذين خرجوا لـعبيد الله بن إياد، هم الذين خرجوا لأبيه إياد، البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، أي: ما خرج لهما البخاري في الصحيح، ولا ابن ماجه، والباقون خرجوا للاثنين للابن والأب.
    [عن أبي رمثة].
    وأبو رمثة وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد اختلف في اسمه اختلافاً كثيراً، أخرج له أبو داود، والنسائي، والترمذي.
    الخطبة على البعير
    شرح حديث أبي كاهل الأحمسي: (رأيت النبي يخطب على ناقة وحبشي آخذ بخطام الناقة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الخطبة على البعير.أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أبي زائدة أخبرني إسماعيل بن أبي خالد عن أخيه عن أبي كاهل الأحمسي قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقة وحبشي آخذ بخطام الناقة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الخطبة على البعير، وفي هذا دليل على أن الخطبة تكون على مكان مرتفع سواءً كانت على بعير أو كانت على منبر، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه خطب على المنبر، وجاء أنه خطب على بعير، وهذا فيه جواز الخطبة على البعير.
    وأورد النسائي فيه حديث أبي كاهل الأحمسي رضي الله تعالى عنه، قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقة، وحبشي آخذ بخطام الناقة)، والحبشي قيل: إنه بلال صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والحديث ليس فيه تنصيص على العيد وذكر العيد، لكن فيه تنصيص أو دليل على أن الخطبة تكون على مكان مرتفع، وأنه يجوز أن تكون على دابة كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي كاهل الأحمسي: (رأيت النبي يخطب على ناقة وحبشي آخذ بخطام الناقة)
    قوله:
    [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].
    يعقوب بن إبراهيم وهو الدورقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي مر ذكره قريباً مع محمد بن بشار، وأنه شيخ لأصحاب الكتب الستة، وأنه توفي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.
    [حدثنا ابن أبي زائدة].
    ابن أبي زائدة هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني إسماعيل بن أبي خالد].
    وهو إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أخيه].
    وأخوه مبهم، وهذا يسمى المبهم أي: الذي لم يسم، وإسماعيل بن أبي خالد له أربعة إخوة هم أشعث، وسعيد، والنعمان، وخالد لكن الذي ذكر أنه روى عنه حديث الخطبة في العيد هو سعيد بن أبي خالد، وهو صدوق، أخرج له النسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي كاهل].
    وأبو كاهل الأحمسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقيل: إن اسمه قيس بن عائذ، اخرج حديثه
    النسائي، وابن ماجه.


    قيام الإمام في الخطبة
    شرح حديث: (كان رسول الله يخطب قائماً ثم يقعد قعدة ثم يقوم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قيام الإمام في الخطبة.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا شعبة عن سماك قال: (سألت جابراً رضي الله تعالى عنه: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يقعد قعدة ثم يقوم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الخطبة قائماً، وأورد فيه حديث جابر رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً، ثم يقعد قعدة، ثم يقوم. أي: فيخطب الخطبة الثانية، والحديث مطلق ليس فيه التنصيص على العيد، ولكنه فيه الخطبة عن قيام، وهذا هو المعروف عنه عليه الصلاة والسلام، أو الغالب عليه الصلاة والسلام أنه كان يخطب قائماً، وقد جاء في بعض الأحوال أنه قعد على المنبر، أو جلس على المنبر، في الكسوف، وفي الاستسقاء، أي: ذكر القعود، والجلوس.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يخطب قائماً ثم يقعد قعدة ثم يقوم)

    قوله:
    [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    وهو ابن مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سماك].
    عن سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جابر بن عبد الله الأنصاري].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    قيام الإمام في الخطبة متوكئاً على إنسان
    شرح حديث جابر في قيام الإمام في الخطبة متوكئاً على إنسان

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قيام الإمام في الخطبة متوكئاً على إنسان.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان حدثنا عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (شهدت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، فلما قضى الصلاة قام متوكئاً على بلال، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ الناس وذكرهم، وحثهم على طاعته، ثم مال، ومضى إلى النساء ومعه بلال، فأمرهن بتقوى الله، ووعظهن، وذكرهن، وحمد الله وأثنى عليه، ثم حثهن على طاعته، ثم قال: تصدقن؛ فإن أكثركن حطب جهنم، فقالت امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين: بم يا رسول الله؟ قال: تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير، فجعلن ينزعن قلائدهن، وأقراطهن، وخواتيمهن يقذفنه في ثوب بلال يتصدقن به)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب قيام الإمام في الخطبة متوكئاً على إنسان، وأورد فيه حديث جابر رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام خطب، وهو متكئ على بلال، فهذا فيه الدلالة على ما ترجم له المصنف، من خطبة الإمام وهو متكئ على غيره، وقد أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه الذي قال فيه: شهدت العيد مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فصلى قبل الخطبة، أي: بدأ بالصلاة، وهذا فيه دليل على ما دلت عليه الأحاديث السابقة، من أن الصلاة تكون قبل الخطبة، وكان مما اشتملت عليه خطبته أنه ذكر الناس ووعظهم، وهذا فيه دليل على أن الخطبة في العيدين تشتمل على تذكير وعلى عظات يذكر بها الناس، ويخوفهم بها، ففيه الترغيب وفيه الترهيب وفيه بيان طرق الخير والحث عليها وبيان شيء من أنواع الشر والتحذير منها، هذا مما يشمله الوعظ والتذكير.
    وقوله (فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة)، يعني أنه ما كان لها أذان ولا إقامة.
    قوله: (فلما قضى الصلاة قام متوكئاً على بلال فحمد الله وأثنى عليه).
    (قام متوكئاً على بلال)، يعني خطب الناس وهو متوكئ على بلال، وهذا هو محل الشاهد من حديث الترجمة وهو متوكئ على إنسان.
    وقوله: (ثم مال إلى النساء)، يعني: ذهب إليهن ووعظهن وذكرهن، وذلك لأن أماكنهن بعيدة وقد لا يسمعن الخطبة، وفي هذا دليل على جواز مثل هذا العمل إذا كان هناك أمر يقتضيه بكونه لا يحصل السماع، وأما في هذا الوقت مع وجود مكبرات الصوت فإن القريب والبعيد يسمع بحمد الله فلا يحتاج إلى مثل هذا العمل، الذي هو الذهاب لتذكير النساء أو وعظهن، وإنما يمكن أن يكون لهن نصيب في الخطبة أو يذكرن في الخطبة، لكن تخصيصهن أو الذهاب إليهن ليس هناك حاجة إليه مع وجود مكبرات الصوت.
    ومن العلماء من قال: إن هذا خاص به وأنه ليس لأحد أن يذهب إليهن. ومنهم من قال: إن غيره يكون كذلك، وهذا هو الأصل؛ لأنه لا يقال بالتخصيص أو أن أفعاله خاصة به إلا بدليل وإلا فإن أفعاله الأصل فيها التشريع حتى يأتي دليل يدل على الخصوصية به عليه الصلاة والسلام وأنه لا يشاركه في هذا الحكم أحد، لكن الأمر كما أشرت وهو عند الحاجة أما عند وجود المكبرات فليس هناك حاجة تدعو إليه.
    قوله: (وحثهن على الصدقة، وقال: تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم)، وهذا يدل على أن الصدقة تكون سبباً في السلامة من عذاب النار، ولهذا لما قال: (إنهن أكثر حطب جهنم)، أرشدهن إلى شيء يكون سبباً في سلامتهن من جهنم وهو الصدقة، ولهذا جاء في الحديث: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، يعني الصدقة فيها السلامة ولو كانت قليلة، ما دام أن الإنسان لا يجد غيرها: أو لا يجد إلا شيئاً قليلاً فيتصدق مما أعطاه الله ومما يقدر عليه، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7].
    ولما قال: (تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم قامت امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين)، وسفلة قيل: إنها التي ليست من علية النساء، وجاء في بعض الأحاديث سطة النساء، يعني أنها في وسط النساء أو من أوساط النساء.
    وقوله: (سفعاء الخدين)، فيه بيان أن خديها كانا بارزان، وهذا مما يستدل به من يقول: أن المرأة لا تغطي وجهها بل لها أن تكشفه، وقد أجاب عنه بعض أهل العلم القائلين بأن المرأة تغطي وجهها: أن هذا يمكن أن يكون قبل مشروعية الحجاب، أو أنه كان ذلك بعده ولكن عندما قال عليه الصلاة والسلام: إنهن أكثر حطب جهنم حصل فزع فأرادت أن تسأل فسألت ووجهها مكشوف، فهذه القضية حالة معينة أجيب عنها، إما باحتمال أنه قبل أن يشرع الحجاب، أو أنه حصل الانكشاف بسبب ما حصل من الفزع عندما قال: (إن أكثركن حطب جهنم).
    قوله: (سفعاء الخدين)، أي: السفع هو السواد، والذي هو فيه شيء يغاير اللون، فقالت: (بم يا رسول الله؟) يعني: ما هو السبب؟ ما الذي جعل النساء يكن أكثر حطب جهنم؟ فقال: (تكثرن الشكاة وتكفرن العشير) العشير هو الزوج، والكفران: أنه إذا أحسن إليها وأكثر إحسانه إليها ثم غضبت عليه أو كان في نفسها عليه في يوم من الأيام نسيت كل ما تقدم من الإحسان وقالت: ما رأيت منك خيراً قط كما جاء ذلك مبيناً في بعض الروايات، فهذا من كفران العشير. وقد مر قوله عليه الصلاة والسلام عندما سئل أيكفرن بالله؟ (قال: يكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً -يعني يسوءها- قالت: ما رأيت منك خيراً قط).
    قوله: (فجعلن ينزعن قلائدهن وأقراطهن).
    ثم هؤلاء الصحابيات رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن بادرن إلى الصدقة ولم ينتظرن الذهاب للبيوت، بل جعلن يلقين من خواتيمهن وأقراطهن وقلائدهن، وهذا فيه دليل أيضاً على أنه يجوز أن تخرج المرأة في العيد وعليها الزينة -التي هي الذهب- ولكنها تكون مغطاة لا يطلع عليها أحد ولا يراها الناس؛ لأنهن جعلن يلقين من قلائدهن التي على رقابهن وأقراطهن التي في آذانهن وخواتمهن التي في أصابعهن، فهذا فيه مبادرتهن إلى الخير وحرصهن عليه.
    وفيه أيضاً دليل على أن المرأة تتصرف في مالها بغير إذن زوجها؛ لأن النساء جعلن يتصدقن ما أخرن هذا حتى يذهبن، ويستأذن الأزواج، فدل هذا على أن المرأة تتصرف في مالها بدون إذن زوجها، لكن إذا تصرفت بإذنه ومشورته لا شك أن هذا أطيب في العشرة، وقد يكون في ذلك مصلحة لها فيما إذا استشارت زوجها، وأشار عليها بشيء ينفع، لكن الحديث واضح الدلالة على أنها تتصرف في مالها بغير إذن زوجها، جعلن يلقين من أقراطهن وخواتمهن -والخواتيم وهي محلقة؛ لأنها على الإصبع وعلى قدر الإصبع- فجعلت الواحدة تنزع خواتمها من إصبعها، وتلقيه في الثوب الذي وضع لوضع الصدقة فيه.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في قيام الإمام في الخطبة متوكئاً على إنسان

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    عمرو بن علي هو الفلاس البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    وهو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان].
    وهو عبد الملك بن أبي سليمان، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عطاء عن جابر].
    وقد مر ذكرهما.
    الأسئلة
    حكم الذهب المحلق للنساء
    السؤال: ما حكم الذهب المحلق للنساء؟
    الجواب: كما هو معلوم الذهب المحلق وردت نصوص في النهي عنه وقابلها نصوص دالة على استعمال المحلق، وقابلها أيضاً نصوص عامة تشمل المحلق وغير المحلق، فتكون أحاديث النهي عنه في مقابل الأحاديث الأخرى الدالة على استعمال المحلق مرجوحة، يعني: عند الجمع بينها وعند المعارضة فيما بينها، ومن الأحاديث الدالة على جواز استعمال الذهب المحلق حديث المسكتين التي على المرأة التي قال لها: أتؤدين زكاة هذا؟

    التفضيل للصحابة يكون بالجملة

    السؤال: هل تفضيل الصحابة في الجملة أم بالأعيان؟
    الجواب: الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم المعروف عن أهل السنة، أو بل هو كالإجماع من أهل السنة على أن تفضيل الصحابة تفضيل الجميع على غيرهم، أي: أن أي فرد من أفراد الصحابة يعتبر أفضل من أي فرد ممن جاء بعدهم، هذا معنى التفضيل، تفضيل الجميع، أي: أن واحد منهم أفضل ممن جاء بعدهم وهذا هو القول المشهور عند أهل السنة، وقد جاء عن ابن عبد البر أو ذكر عن ابن عبد البر الأندلسي حافظ المغرب في زمانه المتوفى سنة أربعمائة وثلاث وستين أنه كان يقول: إن التفضيل في الجملة وليس بالجملة، يعني: ليس للجميع وإنما هو في الجملة، معناه: جملة الصحابة أفضل ممن بعدهم، ومعنى هذا: أنه قد يأتي من غير الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة -أي التفضيل ليس للجميع وإنما هو للمجموع- لكن المشهور عن مذهب أهل السنة والمعروف عن أهل السنة والذي لا نعلم من قال بخلافه إلا ابن عبد البر، هو أن التفضيل للجميع، ولهذا لا يحتاجون إلى أن يبحثوا عن توثيق شخص ما دام عرف أنه صحابي، يكفيه أن يقال: إنه صحابي؛ لأن الصحبة لا يعدلها شيء ولا يماثلها شيء.

    العمل بدلالة ظاهر اللفظ
    السؤال: ماذا تعني هذه العبارة: إذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد عن السلف تفسيره بما يخالف ظاهره فالأصل أن نبقيه على ظاهره، واعتقدوا ما يدل عليه؟
    الجواب: كما هو معلوم الأصل في الخطاب أنه على حسب ما تقتضيه اللغة؛ لأنهم خوطبوا بلسان عربي مبين، ولهذا فإن الرجوع إلى لغة العرب، والمعاني التي تحتملها لغة العرب، هذا هو المطلوب وهذا هو الأصل، هذا هو معنى هذه العبارة، يعني أن الأصل هو أنه يرجع إلى اللغة، لكن كما هو معلوم إذا فسر، أو إذا جاء شيء يضاف إلى الله مثل الصفات فإنه على ما يليق به، لا ينقدح في الذهن شيء لا يليق بالله عز وجل كالتشبيه؛ لأن ما يضاف إلى الله عز وجل يخصه وما يضاف إلى المخلوقين يخصهم ولا يشبه شيء من صفات الله شيئاً من صفات المخلوقين، بل صفاته تليق به وصفات المخلوقين تليق بهم.

    بين الدعاء والقضاء
    السؤال: قرأت في كتاب أن الدعاء له مع القضاء ثلاث حالات؛ الأولى: أن يكون الدعاء أقوى من القضاء فيصرفه الله به. والثانية: أن يكون مساوياً له فيعتلجان إلى يوم القيامة. والثالثة: أن يكون الدعاء أضعف فيخفف وطأته على الإنسان فما صحة هذا الكلام؟

    الجواب: والله ما أعلم هذا كلام لا يصلح إلا عن طريق الوحي.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #290
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب صلاة العيدين)
    (287)

    - كتاب صلاة العيدين - (باب استقبال الإمام الناس بوجهه في الخطبة) إلى (باب حث الإمام على الصدقة في الخطبة)


    من الأحكام المتعلقة بصلاة العيد أن يخطب الإمام في الناس بعد الصلاة، ويكون حال الخطبة قائماً، مستقبلاً الناس بوجهه، ويشرع له في ذلك أن يعظهم ويذكرهم في أمور الدنيا والآخرة، ويحثهم على النفقة والتصدق، ويشرع للمصلين أثناء ذلك الجلوس للإنصات للخطبة؛ إلا أن ذلك ليس على سبيل الوجوب كما في الجمعة.
    استقبال الإمام الناس بوجهه في الخطبة
    شرح حديث أبي سعيد الخدري في استقبال الإمام الناس بوجهه في الخطبة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب استقبال الإمام الناس بوجهه في الخطبة.أخبرنا قتيبة حدثنا عبد العزيز عن داود عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر ويوم الأضحى إلى المصلى فيصلي بالناس، فإذا جلس في الثانية وسلم قام فاستقبل الناس بوجهه والناس جلوس، فإن كانت له حاجة يريد أن يبعث بعثاً ذكرها للناس وإلا أمر الناس بالصدقة، قال: تصدقوا، ثلاث مرات، فكان من أكثر من يتصدق النساء)].
    يقول النسائي رحمه الله: استقبال الإمام الناس بوجهه في الخطبة -أي خطبة العيد- المقصود من هذه الترجمة: أن الإمام يخطب الناس في العيدين، وهو قد استقبلهم بوجهه، أي: استدبر القبلة واستقبلهم، وأورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا كان في عيد أضحى أو فطر، خرج فصلى بالناس، فإذا فرغ من الصلاة قام واستقبل الناس بوجهه، ثم خطبهم، وإذا كان يريد أن يبعث بعثاً، فإنه يذكره لهم، وإلا فإنه يأمرهم بالصدقة، وكان من أكثر من يتصدق النساء.
    هذا الحديث دال على ما ترجم له المصنف من جهة استقبال الناس بوجهه في الخطبة، ودال على شيء مما تشتمل عليه الخطبة في العيد إذ أنه عليه الصلاة والسلام إذا كان يريد أن يبعث بعثاً فإنه يخبرهم أو يخبر الناس بهذا الذي هو عازم عليه وذلك في الخطبة، وكذلك كان يحثهم على الصدقة، ودل الحديث على أن من أكثر من يتصدق النساء، والسبب في ذلك: أن النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في بعض الأحاديث لما خطب الرجال ذهب إلى النساء ووعظهن وذكرهن، وقال: (تصدقن يا معشر النساء فإنكن أكثر حطب جهنم، فقيل له: يا رسول الله لم؟ قال: لأنهن يكثرن الشكاية ويكفرن العشير فجعلن يلقين بأقراطهن وخواتيمهن وقلائدهن)، فحث النبي عليه الصلاة والسلام النساء على الصدقة وبيانه أن الصدقة من أسباب الخلاص من النار ومن أسباب الفكاك من النار هو السبب في كثرة صدقة النساء.
    وقد جاء في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة)، (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، أي ولو كان بشيء يسير فيجود الإنسان بما يجد، لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7] يتصدق الإنسان على قدر طاقته، ولهذا قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، أي ولو كانت الصدقة قليلة، فمن لم يجد ولا شيئاً قليلاً يتصدق به فبكلمة طيبة -يعني أنه يجيب ويعتذر بعذر حسن- وقد جاء في بعض الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (والكلمة الطيبة صدقة).

    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري في استقبال الإمام المناسب بوجهه في الخطبة

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    قتيبة هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وبغلان هي قرية من قرى بلخ، وبلخ هي إحدى المدن الكبيرة في خراسان.
    [حدثنا عبد العزيز].
    عبد العزيز هو ابن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن داود].
    هو داود بن قيس المدني، وهو ثقة، فاضل، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عياض بن عبد الله].
    هو عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سعيد].
    هو سعد بن مالك بن سنان أبو سعيد الخدري، مشهور بكنيته ونسبته، بكنيته: أبي سعيد، وبنسبته: الخدري وهي: نسبة إلى بني خدرة، وهم بطن من الأنصار، واسمه: سعد بن مالك بن سنان، صحابي، جليل، مشهور، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وأبو سعيد، وأم المؤمنين عائشة، فهؤلاء سبعة هم أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق ومنهم أبو سعيد الخدري الذي معنا في الإسناد.
    الإنصات للخطبة
    شرح حديث: (إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإنصات للخطبة.أخبرنا محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم حدثني مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت لصاحبك: أنصت، والإمام يخطب؛ فقد لغوت)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي الإنصات للخطبة، وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)]، وليس فيه التنصيص على العيدين لكنه لما جاء مطلقاً أورده النسائي للاستدلال به، ومن المعلوم أن خطبة العيد ليس الجلوس لها لازماً كما سبق أن مر بنا التخيير في الجلوس للخطبة وعدم الجلوس، ولكن الجلوس كما عرفنا هو الأولى وهو الأفضل؛ لأنه إذا خير بين شيئين وأحدهما أكمل وأفضل من الثاني فإنه ينبغي أن يختار الأكمل، لكن من لم يختر ما هو الأولى والأفضل فإنه لا إثم عليه.
    والحديث دال على الإنصات في الخطبة وهذا استدلال من حيث العموم لأن الجلوس للخطبة ليس بلازم، لكن يمكن أن يقال: إن من جلس فإن عليه أن يستمع وأن لا يتشاغل عنها بشيء، وأما من قام وذهب: فإن له حق الذهاب وليس بملزم أن يبقى لكنه إذا بقى فإنه ينصت، والحديث جاء في بعض الروايات منصوصاً فيها على الجمعة (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت فقد لغوت).

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)
    قوله:
    [أخبرنا محمد بن سلمة].
    محمد بن سلمة هو المرادي المصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [والحارث بن مسكين].
    والحارث بن مسكين، وهو ثقة، فقيه، مصري، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له].
    يعني أن أخذه عن الحارث بن مسكين إنما هو عن طريق القراءة عليه وهو يسمع، فليس هو القارئ وإنما هو سامع وقت القراءة.
    ثم قال: (واللفظ له) أي للشيخ الثاني وهو الحارث بن مسكين، وليس للشيخ الأول الذي هو: محمد بن سلمة، وهما مصريان أي شيخا النسائي مصريان محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين، لكن اللفظ هو للشيخ الثاني منهما، وهذه طريقة النسائي أنه عندما يكون الحديث عن شيخين وفيهما الحارث بن مسكين فإن اللفظ يكون للحارث بن مسكين.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك].
    مالك هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهو إمام متقن، قال عنه الحافظ ابن حجر: رأس المتقنين. معناه: أنه متمكن في الإتقان، وأنه قمة في الإتقان والحفظ، رحمة الله عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبيد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى زهرة بن كلاب، ويلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب؛ لأن كلاباً هو أبو قصي وأبو زهرة، فيلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم في كلاب، وينسب إلى جده زهرة بن كلاب، فيقال: الزهري، وينسب إلى جده شهاب، فيقال: ابن شهاب، وهو ثقة، فقيه، وإمام مشهور، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن المسيب].
    ابن المسيب هو سعيد بن المسيب الإمام المشهور، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة في عصر التابعين، وهم: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير بن العوام، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: إن السابع هو: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن أبي هريرة ].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الصحابي الجليل المشهور، المكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً يرويه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والمعروفون بكثرة الحديث سبعة ذكرتهم قريباً، وأولهم وأكثرهم أبو هريرة رضي الله تعالى عنه.
    كيف الخطبة؟
    شرح حديث جابر في كيفية الخطبة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف الخطبة؟أخبرنا عتبة بن عبد الله أخبرنا ابن المبارك عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول: من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له، إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم يقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأنه نذير جيش يقول: صبحكم مساكم، ثم قال: من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً، فإلي أو علي، وأنا أولى بالمؤمنين)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي كيف الخطبة؟ أي: كيفية الخطبة وصفة الخطبة، والذي ذكره النسائي هو المقدمة التي يأتي بها عليه الصلاة والسلام في الخطبة، ثم بعد ذلك يذكر الناس بما يريد أن يذكرهم به، ويعظهم ويبلغهم ما يريد أن يبلغهم إياه، لكن كان من هديه عليه الصلاة والسلام في الخطبة أنه يحمد الله، ويثني عليه، ثم يقول: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي عليه، وهاتان الجملتان فيهما: أن الهداية والإضلال بيد الله عز وجل، وأن من هداه الله عز وجل فهو المهتدي، ومن يضلله فهو الذي لا يكون له ولي مرشد، كما قال عز وجل: وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف:17]، فالأمر بيده، وقد قدر الله عز وجل مقادير الخلائق، وكتب من هو شقي، ومن هو سعيد، فمن اهتدى، فالله تعالى هو الذي هداه، ومن ضل، فالله تعالى هو الذي أضله، وليس له هاد يهديه إذا كان الله قد كتب غوايته وضلالته وشقاوته.
    ثم يقول: إن أصدق الحديث كلام الله، أي: كلام الله عز وجل الذي تكلم به هو وحيه الذي أوحاه إلى رسوله عليه الصلاة والسلام، وخير الهدي هدي محمد عليه الصلاة والسلام -الهدي- أي الطريقة، والمنهج، والمسلك الذي يسار عليه وهو مسلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهدي الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وهو الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام في حديث العرباض بن سارية: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين)، يعني: طريقته، ومنهجه الذي كان عليه عليه الصلاة والسلام، هذا هو الذي فيه السلامة، وفيه العصمة، وفيه النجاة، وفيه الفوز بسعادة الدنيا والآخرة؛ لأنه سار إلى الله عز وجل على بصيرة، وسار على هدى، وعلى صراط مستقيم؛ لأنه أخذ بخير الهدي الذي هو هدي محمد عليه الصلاة والسلام.
    ثم قال: (وشر الأمور محدثاتها)، لما بين أن خير الهدي ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، بين أن شر الأمور محدثاتها، يعني ما كان محدثاً في دين الله وليس له أصل في كتاب الله ولا في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فهذا هو المحدث وهذا هو البدعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: [(فإن شر الأمور محدثاتها)]، ثم قال: [(وكل محدثة بدعة)]، يعني كل محدثة في دين الله عز وجل فهي بدعة.
    ليس في الدين بدعة حسنة

    قوله: (وكل بدعة ضلالة)، وهذا يدلنا على أن كل البدع ضلالة، وليس في الإسلام بدعة حسنة كما يقول البعض، فهذا العموم الذي قاله الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: (كل بدعة ضلالة)، يدلنا على أن البدعة في الدين أيّ بدعة فإنها ضلالة، ولا يقال: إن هناك بدعة حسنة كما قاله بعض أهل العلم الذين قالوا: إن البدعة تجري عليها الأحكام الخمسة الواجب، والمندوب، والمباح، والحرام، والمكروه وما إلى ذلك، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (كل بدعة ضلالة) يعني: كل شيء لم يكن على هدي رسول الله فإنه ضلالة، وقد أوضح ذلك بقوله: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وهو متفق عليه من حديث عائشة وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا انفرد به مسلم من حديث عائشة، ورواية مسلم أعم من الرواية المتفق عليها؛ لأن من عمل عملاً أعم من أن يكون هو المحدث له أو تابعاً لغيره أو مقلداً لغيره في أمر محدث.فقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن كل بدعة ضلالة). يدلنا على أن البدع كلها ضلالة وليس في الإسلام بدعة حسنة، وما جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام الذي رواه مسلم في صحيحه: (من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها)، ليس معنى ذلك أنه يحدث في دين الله أمراً ليس له أساس من الدين فيكون مأجوراً عليه ومن يتابعه أيضاً يلحقه أجره، بل المقصود من ذلك ما جاء في نفس الحديث وهو سبب الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام جاءه أناس يظهر عليهم الفقر والحاجة الشديدة وجوههم شاحبة وثيابهم بالية والنبي عليه الصلاة والسلام كما وصفه الله عز وجل: بالمؤمنين رءوف رحيم، فدخل بيوته وخرج وجعل يدخل ويخرج ويسأل: هل في بيوته شيء من أجل أن يعطيهم إياه؟ فلم يجد شيئاً في بيوته عليه الصلاة والسلام، فحث على الصدقة، فقام واحد من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأتى بصرة من الدراهم فوضعها، ثم تتابع الناس وراءه، فقال عليه الصلاة والسلام عند ذلك: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها)، معناه: أن هذا الشخص الذي أتى بهذه الصرة، وسبق إلى التصدق بها، والناس تابعوه، هذا هو الذي سن في الإسلام سنة، ومن المعلوم: أن الصدقة مأمور بها، والإنسان إذا أكثر من الصدقة، فإنه فيه زيادة الأجر والثواب، وإظهارها إذا كان سيترتب عليها اقتداء، وحصول فوائد للمحتاجين، فإن ذلك أفضل من إخفائها، وإخفاؤها إذا كان ما يترتب عليه شيء من الفوائد أولى من إظهارها، وعليه يحمل ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفيهم: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).
    فالجمع بين الحديثين: الحديث الذي فيه مدح من أظهر الصدقة والثناء عليه وأنه سن في الإسلام سنة حسنة؛ لأنه اقتدي به، وكان إظهاره الصدقة في مجال يناسب أن غيره يقتدي به؛ لأجل ذلك قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة)، أي أن هذا الرجل سبق إلى خير وتصدق بشيء كثير فتوبع على ذلك فله أجره وأجر من اقتدى به، وأما إذا لم يكن هناك أمر يقتضي إظهار الصدقة، كأن لا يتابع ولا يكون فيه تشجيع للغير على المتابعة، ولا على الإكثار من الصدقة فإن إخفاءها يكون أفضل، وبهذا يجمع بين الحديثين: الحديث الذي في مسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة)، والحديث الذي في الصحيحين وهو حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وفيهم (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).
    إذاً قوله عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة)، هو على عمومه ولا يقال: إن هناك بدعة حسنة؛ لأن الشيء الذي لم يكن له أساس من الدين ولم يأت به هدي سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام فهو مردود على صاحبه ولو كان قصد صاحبه حسناً، وقد مر بنا قريباً، وسيأتي أيضاً حديث خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم العيد في قوله: (من ذبح قبل الصلاة فإن شاته شاة لحم) -يقصد الأضاحي- فإن أحد الصحابة وهو أبو بردة بن نيار كان قد ذبح أضحيته قبل الصلاة، وأراد من ذلك أن يسبق إلى تقديم اللحم للناس وهم محتاجون إليه في ذلك اليوم، والنبي عليه الصلاة والسلام بين في خطبته: (أن من ذبح قبل الصلاة أن شاته شاة لحم)، فلم تعتبر ذبيحة أبي بردة أضحية؛ لأنها لم تقع على الوجه الذي شرعه رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو أن تكون بعد الصلاة.
    قال بعض العلماء في شرح هذا الحديث، وقد نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري، قال: وفي هذا دليل على أن العمل إذا وقع غير مطابق للسنة أنه لا يعتبر ولو كان قصد صاحبه حسناً؛ لأن هذا الصحابي الجليل قصده حسن، ومع ذلك صارت شاته شاة لحم، وكذلك أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما جاء إلى المسجد وفيه أناس متحلقون، وفي كل حلقة رجل ومعهم حصى، يقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة، فإذا فرغوا قال: هللوا مائة فيهللون مائة، ويعدون بالحصى، ثم يقول: كبروا مائة فيكبرون مائة ويعدون بالحصى، فوقف على رءوسهم وقال: يا هؤلاء، إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة -واحدة من اثنتين- قالوا: سبحان الله. يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير -يعني قصدنا طيب- قال رضي الله عنه: وكم من مريد للخير لم يصبه، فالخير وإصابة الخير إذا كان على وفق السنة أما إذا كان على خلاف السنة، فإنه يكون بدعة، وصاحبه لا يحصل من ورائه خيراً.
    فقوله رضي الله عنه: (وكم من مريد للخير لم يصبه) يفيد ويدل على أن الإنسان إذا أراد أن يفعل خيراً فليكن على وفق السنة بأن يكون على وفق ما جاء عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ولهذا جاء عن الفضيل بن عياض رحمة الله عليه أنه قال في قول الله عز وجل: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2]، قال: العمل الأحسن: ما كان خالصاً صواباً؛ فالخالص ما كان لله والصواب ما كان على السنة.

    شرطا قبول العمل الإخلاص والمتابعة

    شرطان في قبول أي عمل، وهما الأساس، وهما القاعدتان اللتان انبنى عليهما دين الإسلام، وهما أن لا يعبد إلا الله، وأن لا يعبد الله إلا طبقاً لشريعة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإذا كان العمل خالصاً ولم يكن صواباً -أي مبتدعاً- فإنه يكون مردوداً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقال: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) فلا بد أن يكون العمل خالصاً وأن يكون صواباً، وإن كان العمل صواباً على السنة ولكن ما أريد به وجه الله وما أخلص لله، فإنه يكون أيضاً مردوداً على صاحبه، فلا بد من الإخلاص، ولا بد من المتابعة، ولهذا قال في شرح الطحاوية: توحيدان لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد الرسول، وتوحيد المرسل، توحيد المرسل سبحانه وتعالى بالإخلاص وإفراد العبادة له، وتوحيد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، وأن يسير على نهجه، ويسير على طريقته التي هي خير الهدي كما في الحديث الذي معنا: [(وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)].ثم قال: (وكل ضلالة في النار)، يعني: أنها تؤدي بصاحبها إلى النار، وهذا يدلنا على خطر البدع وأنها تؤدي بأصحابها إلى عذاب النار والعياذ بالله.
    قوله: (ثم يقول: بعثت أنا والساعة كهاتين)، ويشير بأصبعيه، والمراد بإشارته صلى الله عليه وسلم، الإشارة إلى قربها، وأن المدة التي بين بعثته، وبين قيام الساعة أنها قريبة، وأنها قليلة، وأن بعثته عليه الصلاة والسلام دليل على قرب الساعة؛ لأنه هو آخر الأنبياء، ولا نبي بعده، فالساعة تقوم في أمته التي هي آخر الأمم، وتقوم على شرار أمته كما جاء في الحديث: (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد)، فإن الساعة تقوم على أناس لا خير فيهم لا يقال فيهم: الله، أي لا يذكرون الله، إذ تخرج ريح تقبض روح كل مسلم ومسلمة، ولا يبقى إلا أناس لا خير فيهم وعليهم تقوم الساعة، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو النبي الذي تعقبه الساعة؛ لأنه هو آخر الأنبياء، وهو خاتم النبيين، وخاتم المرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم أجمعين.
    والأنبياء السابقون بشروا بمحمد عليه الصلاة والسلام، ومعنى ذلك أن الساعة لا تأتي إلا بعد زمنه عليه الصلاة والسلام، لكن لما جاء هو وبعثه الله ما بقي إلا هذه الأمة التي هي أمته عليه الصلاة والسلام، وعلى آخرها تقوم الساعة، ولهذا قال: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، ويشير بأصبعيه، أي: إشارة إلى التقارب الذي يكون بين بعثته وبين قيام الساعة.
    وهذا فيه التنبيه إلى أن كل إنسان عليه أن يستعد لها وأن يتهيأ لها، ومن المعلوم أن كل إنسان تقوم قيامته إذا مات، فما دام على قيد الحياة فهو في الدنيا، وإذا مات قامت قيامته وانتقل إلى الدار الآخرة، أو انتقل إلى أول الدار الآخرة؛ لأن القبر ليس دار عمل وإنما هو دار جزاء، فالجزاء في القبر، ويكون بعد القبر، ويدخل الإنسان في الجزاء من حينما يموت؛ لأنه في حياته الدنيا في دار العمل، وإذا مات دخل في دار الجزاء؛ فإنه يعذب في قبره، أو ينعم في قبره على ما حصل له في الدنيا من عمل صالح، أو عمل سيئ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].
    ومن لم يدرك الساعة وتقوم عليه الساعة في نهاية الدنيا فإن ساعته هي بموته، وبحصول موته؛ لأنه ينتهي من الدنيا بموته فيدخل في الدار الآخرة، فيجازى على عمله، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً، ومقصود النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: [(بعثت أنا والساعة)]، أي قيامها التي تقوم على الناس وبها تنتهي الدنيا، وإلا فإن كل من مات قامت قيامته، وانتقل من دار الدنيا إلى دار الآخرة، وانتقل من دار العمل إلى دار الجزاء كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أثر ذكره البخاري في صحيحه عنه، قال رضي الله عنه: (إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل). وغداً يبدأ بالموت يعني اليوم ينتهي بالموت. وإذا مات الإنسان قامت قيامته، وبعد ذلك دخل إما في النعيم وإما في العذاب والعياذ بالله، فيصل إليه نعيم الجنة، وهو في قبره، ويصل إليه عذاب النار، وهو في قبره كما جاء في حديث البراء بن عازب الطويل الذي فيه: (أنه إذا كان من المؤمنين يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، وإذا كان بخلاف ذلك يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها) معنى ذلك أنه يعذب في النار، وهو في قبره وينعم في الجنة وهو في قبره.
    ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه، وارتفع صوته، واشتد غضبه كأنه نذير جيش يقول: صبحكم ومساكم)، معنى ذلك أنه يذكر بالساعة ويذكر بالموت وما بعد الموت، وإذا تذكر الإنسان الموت فإنه يستعد له بالأعمال الصالحة، ولهذا في الحديث المتفق عليه حديث أنس رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام جاءه رجل وسأله وقال: (يا رسول الله متى الساعة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: وماذا أعددت لها؟) -فلفت نظره إلى أمر مهم، وهو الاستعداد للموت والاستعداد لما بعد الموت فوفق ذلك الرجل- فقال: (أعددت لها حب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب). قال أنس رضي الله تعالى عنه: فوالله ما فرحنا بشيء بعد الإسلام أشد منا فرحاً بهذا الحديث)، يقول: والله ما فرحنا بشيء بعد نعمة الإسلام؛ لأن أعظم النعم هي: نعمة الإسلام، لا يماثلها نعمة، ولا يساويها نعمة، فكان فرحهم بهذا الحديث؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (المرء مع من أحب، ثم قال أنس رضي الله عنه: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أبا بكر، وعمر، وأرجو من الله أن يلحقني بهم بحبي إياهم وإن لم أعمل مثل أعمالهم)، هذا كلام أنس بن مالك رضي الله عنه يبين مدى فرحه وفرح الصحابة بهذا الحديث، فما دام المرء مع من أحب، فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وهذا يدلنا على عظم شأن هذين الرجلين ومنزلتهما في نفوس الصحابة؛ لأن أنساً رضي الله عنه الذي خدم رسول الله عليه الصلاة والسلام ولازمه عشر سنين في المدينة قال هذه المقالة: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أبا بكر وأحب عمر رضي الله عنهما، فـأنس قال هذا الكلام وهو من الصحابة في حق هذين الرجلين يدلنا على مكانتهما في نفوس الصحابة، فكيف بمن يكون في قلبه غل على الصحابة وحقد على الصحابة، وقلبه يتأجج غيظاً وحقداً على أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا شك أن هذا علامة الخذلان والحرمان، والله عز وجل يعلمنا في كتابه العزيز الدعاء الذي في أول سورة آل عمران: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].
    وقوله: (صبحكم الجيش ومساكم)؛ لأنه يحصل الاستعداد لذلك الجيش في كونه يصبح أو يمسي، ومعناه: أن يكون المجاهد في سبيل الله على استعداد، ومعنى هذا التمثيل أن كونه يذكر الساعة ويذكر ما بعد الموت فالأمر يحتاج إلى استعداد، وإلى تهيؤ للدار الآخرة، كما أن الذي ينذر الجيش، ويقول: صبحكم ومساكم، فالعدو وصل إليكم، استعدوا له، فالموت مثله، والاستعداد للموت يكون بالأعمال الصالحة، والاستعداد للجيش العتاد والعدة لملاقاته وللانتصار عليه والقضاء عليه.
    ثم قال: (من ترك مالاً، فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً، فإلي أو عليّ، وأنا أولى بالمؤمنين).
    (من ترك مالاً فلأهله)، يعني ورثته يرثونه، فمن ترك مالاً، فهو لأهله يرثونه، [(ومن ترك ديناً أو ضياعاً فلي أو عليّ، أنا أولى بالمؤمنين)]، أي أن من ترك ديناً فإنه صلى الله عليه وسلم يتولى قضاءه، أو ترك ضياعاً، -أولاداً فقراء يحتاجون إلى رعاية ويحتاجون إلى نفقة وليس هناك من ينفق عليهم- فالنبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأنه يقوم بذلك، وكان في أول الأمر، إذا كان شخص عليه دين، فإنه يمتنع من الصلاة عليه، يريد من ذلك أن يحذر الناس من أن يلجموا أنفسهم بديون، وليبين لهم خطر الدين، وعظم شأنه، وأن شأنه ليس بالهين، وأنه من أشد الأمور التي على الإنسان أن يحرص على التخلص منها؛ لأن الإنسان ليس أمامه بعد ذلك إلا الحسنات والسيئات كما جاء في حديث المفلس: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم عنده، ولا متاع، قال عليه الصلاة والسلام: المفلس من يأتي يوم القيامة..)، هذا مفلس الذي ليس عنده درهم ولا متاع، لكنه مفلس في الدنيا، ولكن المفلس الحق هو مفلس الآخرة، (الذي يأتي يوم القيامة بصلاة، وزكاة، وصيام، وحج، ثم يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)، فكان عليه الصلاة والسلام يمتنع من الصلاة على من عليه دين أولاً، ويريد الناس أن يحذروا التورط في الديون، وأن الإنسان لا يقدم على الدين إلا لضرورة قصوى، وقد هم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يترك الصلاة على من عليه دين، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه لما جيء بالرجل قال: (هل عليه دين؟ قالوا: عليه ديناران. قال: صلوا على صاحبكم)، معناه أنه لا يريد أن يصلي عليه، قال أبو قتادة: (علي الديناران يا رسول الله -أي أتحملهما-، فتقدم وصلى عليه)، ولكن بعد أن فتح الله عليه الفتوح وجاءت الأموال وجاءت الغنائم كان يقول هذا الكلام صلوات الله وسلامه وبركاته عليه: (ومن ترك ديناً أو ضياعاً، فإلي وعليّ، أنا أولى بالمؤمنين)، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما بين الله عز وجل ذلك في كتابه العزيز، صلوات الله وسلامه وبركاته على من هو بالمؤمنين رءوف رحيم.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في كيفية الخطبة
    قوله:
    [أخبرنا عتبة بن عبد الله].
    وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [أخبرنا ابن المبارك].
    ابن المبارك، وهو: عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، قال عنه الحافظ في التقريب بعد أن ذكر جملة من صفاته: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    وهو ابن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن جعفر بن محمد].
    وهو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ينتهي نسبه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو إمام من أئمة أهل السنة يعول أهل السنة على حديثه، وعلى فقهه، وعلى ما يثبت عنه، مما يتفق مع سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويقدرونه قدره، ويعرفون منزلته كما يعرفون لأهل البيت منزلتهم، فإنهم يتولون أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ويحبونهم، والمؤمن التقي من أهل البيت يحبونه لإيمانه ولقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    ومن كان من أهل البيت ليس على الهدى وليس على طريق الاستقامة فلا ينفعه قربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما الذي ينفع هو العمل الصالح، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، يعني من بطأ به عمله يعني عن دخول الجنة، لم يسرع به نسبه إليها؛ لأن العبرة على الأعمال، وعلى التقوى كما قال الله عز وجل: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، لكن من حصل له الإيمان والتقى وكان من أهل البيت، فإن عنده شرف الإيمان وشرف النسب، فيحب لإيمانه ولقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن كان بخلاف ذلك فإنه يبغض على ما عنده من المعصية، وإذا كان كافراً فكذلك يبغض لكفره كـأبي لهب عم الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو كافر وقد نزل فيه سورة تتلى، فقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام مع موته على الكفر لا ينفعه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، ويقول الشاعر:
    لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
    فقد رفع الإسلام سلمان فارس ووضع الشرك النسيب أبا لهب
    أبو لهب نسبه نسب شريف، ولكن الشرك هو الذي وضعه، وأما سلمان فهو من فارس، ولكن رفعه الله بالإسلام، وأعزه الله بالإسلام، وأما هذا الذي هو عم الرسول صلى الله عليه وسلم خذله الله بالشرك، والكفر بالله عز وجل.
    فـجعفر بن محمد إمام من أئمة أهل السنة، وهو صدوق، فقيه، إمام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    محمد بن علي، وهو: الملقب الباقر، وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وأهل السنة الجماعة يقولون في هذين الإمامين المقالة الحسنة؛ لأنهما من بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهما من أبناء الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ينتهي نسبهما إلى فاطمة ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيعرفون قدرهم، ويعرفون لأهل البيت فضلهم، وينزلونهم المنازل التي يستحقونها، وهذا هو طريق الاعتدال، وطريق الاستقامة، وهي أن يعطى الإنسان حقه، فلا ينزل به عن حقه، ولا يرفعه عن ما يستحقه.

    بيان غلو الرافضة في أهل البيت والفرق بينهم وبين أهل السنة في ذلك
    وهذان الإمامان هما من أئمة أهل السنة، وهما إمامان من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، والرافضة تجاوزوا فيهم الحدود ووصفوهم بصفات لا يجوز أن يوصف بها بشر، ولا يجوز أن تضاف إليهم ولا إلى غيرهم من البشر، ومن ذلك ما جاء في كتاب الكافي من عبارات في أبواب متفرقة، تشتمل على الغلو المتناهي في الأئمة الاثني عشر، ومن جملة ما يقول صاحب الكافي في أبواب كتابه: باب إن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، ومنهم جعفر بن محمد وأبوه محمد، وهما من الاثني عشر.ويقولون أيضاً أو يقول صاحب الكتاب: باب أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وأن كل شيء لم يخرج من عندهم، فهو باطل، يعني الذي خرج من أبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وأبي هريرة، وسائر الصحابة أنه باطل، والحق لا يكون إلا عن طريق الأئمة الاثني عشر؛ هذا من الغلو، بل هذا رفض للشريعة؛ لأن الشريعة كتاب وسنة، وهي التي جاء بها أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم الذين تلقوها عن النبي عليه الصلاة والسلام.
    وجاء في كتابه: أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وكل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، وباب أن الأئمة عندهم الكتب المنزلة على المرسلين، وأنهم يعرفونها بلغاتها. يعني: الكتب المنزلة على المرسلين هي موجودة عند الأئمة الاثني عشر وهذا غلو وتناهي.
    وهذا من كلام المتقدمين، أما المتأخرون المعاصرون، فإن زعيمهم الخميني الذي هلك قبل سنوات، يقول: في كتابه (الحكومة الإسلامية)، وهو كتاب يوزع في كثير من بلاد العالم بواسطة الرافضة، يشتمل على قول الخميني: وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، والأئمة هم الاثنا عشر، وهذان الإمامان اللذان معنا هما من الأئمة الاثني عشر، وهذا كلام الرافضة فيهم، أما أهل السنة فيقولون فيهم القول الجميل.
    والقول المعتدل، فلا يغالون فيهم ولا يجفونهم، وأما أولئك فيتجاوزون الحدود، ويصفونهم بصفات لا يجوز أن يوصفوا بها، ولا يليق أن يوصف بها مخلوق.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، صحابي ابن صحابي، أبوه عبد الله بن حرام استشهد يوم أحد، فهو صحابي ابن صحابي، وجابر هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين مر ذكرهم قريباً.
    وهذا الإسناد الذي هو جعفر عن أبيه عن جابر، هو الإسناد الذي جاء في صحيح مسلم، حديث جابر، وهو حديث طويل من أطول الأحاديث في صحيح مسلم مشتمل على صفة حجة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو من أطول ما روي في صفة حجه عليه الصلاة والسلام.
    حث الإمام على الصدقة في الخطبة
    شرح حديث أبي سعيد في حث الإمام على الصدقة

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب حث الإمام على الصدقة في الخطبة.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا داود بن قيس حدثني عياض عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم العيد، فيصلي ركعتين، ثم يخطب فيأمر بالصدقة، فيكون أكثر من يتصدق النساء، فإن كانت له حاجة، أو أراد أن يبعث بعثاً، تكلم وإلا رجع)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: حث الإمام على الصدقة في الخطبة، أي: في خطبة العيد، أورد فيه حديث أبي سعيد الذي تقدم أولاً، والذي أورده هناك للاستدلال به على استقبال الإمام الناس في الخطبة؛ هنا أورده من طريق أخرى للاستدلال به على الحث على الصدقة في الخطبة، والحديث قد مر.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في حث الإمام على الصدقة

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    عمرو بن علي هو الفلاس، المحدث الناقد، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو محدث، ناقد، من المتكلمين في الرجال جرحاً وتعديلاً.
    [عن داود بن قيس].
    الذي مر ذكره قريباً.
    [عن عياض].
    هو عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وقد مر ذكره قريباً أيضاً.
    [عن أبي سعيد].
    أبو سعيد كذلك مر ذكره قريباً.

    شرح حديث ابن عباس في خطبته للعيد

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا يزيد وهو ابن هارون أنبأنا حميد عن الحسن: (أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما خطب بالبصرة، فقال: أدوا زكاة صومكم، فجعل الناس ينظر بعضهم إلى بعض، فقال: من هاهنا من أهل المدينة؟ قوموا إلى إخوانكم فعلموهم فإنهم لا يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، نصف صاع من بر، أو صاعاً من تمر، أو شعير)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وكان خطب بالبصرة فقال: (أدوا زكاة صومكم، فجعل الناس ينظر بعضهم إلى بعض)، يعني: كأن فيهم من يجهل هذا الذي أوصى به، أو هذا الذي أرشد إليه ابن عباس، فقال: (من هاهنا من أهل المدينة؟ قوموا علموا إخوانكم، فإنهم لا يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم، فرض زكاة الفطر على الذكر والأنثى، والحر والعبد، والصغير والكبير، نصف صاع من بر، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير).
    النسائي أورد الحديث في الحث على الصدقة لكن الحديث هو في الزكاة الواجبة وهي زكاة الفطر، أما الحث على الصدقة إنما يكون في المستحبة والمندوبة، كحث النبي صلى الله عليه وسلم النساء على الصدقة فجعلن يتصدقن من أقراطهن، وخواتيمهن، وقلائدهن، فالصدقة غير الواجبة يحث الناس عليها ويرغبون فيها، ولكن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حر أو عبد، كل مسلم تجب عليه زكاة الفطر، فالذي يحث عليه في الخطبة إنما هو الصدقة التي هي النافلة والتي فيها الإحسان إلى الناس، ومن المعلوم: أن الخطبة في العيدين تبين بها أحكام العيد، وفي عيد الأضحى تبين فيه أحكام الأضاحي وكذلك ما يتعلق بالعيد، وفي عيد الفطر تبين زكاة الفطر وأحكام زكاة الفطر، فالذي ذكره هنا الحث على الصدقة في الخطبة، الذي يناسبه الحديث الأول وأما هذا الحديث فإنه يتعلق بالواجبة، لكن كما هو معلوم أن الخطبة أيضاً تشتمل على بيان أو الأمر بأداء الواجب وبفعل الواجب الذي هو زكاة الفطر.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في خطبته للعيد

    قوله:
    [أخبرنا علي بن حجر].
    علي بن حجر وهو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا يزيد هو ابن هارون].
    يزيد بن هارون، وهو ثقة، متقن، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وكلمة (وهو ابن هارون)، الذي قالها من دون علي بن حجر.
    [أنبأنا حميد].
    حميد وهو ابن أبي حميد الطويل البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن].
    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وهو ابن عبد المطلب وابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
    الأسئلة
    إطلاق لفظ صدقة على الزكاة الواجبة
    السؤال: هل يطلق على الزكاة الواجبة أنها صدقة؟
    الجواب: الصدقة تطلق على الفرض والنفل، كما ورد في الحديث: (إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)، هذه واجبة يطلق عليها صدقة، لكن الزكاة في الغالب تطلق على الفريضة، ولهذا يأتي في الكتب كتاب الزكاة، وتقرن مع الصلاة كما في قوله تعالى: وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ [البينة:5]، أي المفروضة، ولا شك أن الواجبة، والمستحبة التي هي الزكاة، فيها تزكية المال، وفيها تزكية النفس، لكن الغالب أن الزكاة تطلق على الفريضة والصدقة تطلق على الفريضة والنافلة.
    المقصود بزكاة الصوم زكاة الفطر
    السؤال: ما معنى قول ابن عباس: أدوا زكاة صومكم؟
    الجواب: قوله: أدوا زكاة صيامكم بين لهم أنها زكاة الفطر، وهو يدل على أن خطبة العيد لابد أن تشتمل على أحكام يوم العيد مثل زكاة الفطر، وأنها واجبة على الجميع وأن الذي لا يأتي بها يأثم.
    تارك الصلاة لا تقضى عنه الصلاة ولا الصيام إذا مات

    السؤال: شيخنا الله يحفظكم، هؤلاء مجموعة من الإخوة لهم أخ كان يحفظ القرآن، ويصلي، ويحافظ على الصلاة في المسجد، ثم سافر إلى فرنسا، وبعد هذا ترك الصلاة، والصيام، ولم يصم رمضان، ويسألون الآن في هذا الأخ، لما توفي ترك مالاً، ونحن إخوانه من أم، ونريد أن نقضي عنه بالإطعام، وكذلك الصلاة، هل يمكن أن نصلي عنه؟
    الجواب: إذا كان تاركاً للصلاة لم يصل أبداً ومات على ذلك، فإنه كما هو معلوم والعياذ بالله ترك الصلاة كفر على القول الراجح من أهل العلم، أي إذا كان تركها تهاوناً وتكاسلاً، فالصلاة لا تقضى عن أحد، فلا يصلي أحد عن أحد، وكذلك الصيام لا يقضى عنه ما دام أنه لا يصلي فلا يصام عنه.
    لا يجوز إعداد الطعام للمفطر عمداً في رمضان
    السؤال: هناك أخت أعدت لأخيها طعاماً في رمضان وهي لا تعلم أنها تأثم بذلك فماذا عليها؟
    الجواب: لا شك أنها أخطأت، ولا شك أنه تعاون على الإثم والعدوان، وعليها أن تستغفر الله عز وجل وتتوب مما حصل منها.

    قول ابن عباس: (كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله بالتكبير) لا يعني أن يأتي بالتكبير بعد الصلاة مباشرة

    السؤال: حديث عبد الله بن عباس الذي في صحيح مسلم قال: (كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير) فهل التكبير بعد الفريضة مباشرة.الجواب: لا. ليس بعد الفريضة مباشرة إنما يقول بعدها: أستغفر الله، أستغفر الله، هذا الذي ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أما التكبير فهو موجود لكن بعد سبحان الله، والحمد لله، ثلاثاً وثلاثين فيكبر ثلاثاً وثلاثين.

    كفارة اليمين تعطى للفقراء
    السؤال: هل كفارة اليمين، تحل لأهل البيت؟

    الجواب: كفارة اليمين لا تحل لأهل البيت إنما تعطى للفقراء والمساكين.
    وجه حل الصدقة لأهل البيت

    السؤال: هل فطرة رمضان تحل لأهل البيت؟
    الجواب: أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن ذكر بعض أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، أن عدم حل الصدقة لأهل البيت حيث يكون هناك لهم حق يعطون إياه من الخمس لكن حيث لا يكون كذلك، أي من كان منهم فقيراً قال: فإنه يجوز أن يعطى من الزكاة؛ لأن منعهم من ذلك الحق الذي كانوا يعطون منه وهو الخمس خمس الغنيمة، يجعلهم مفتقرين إلى الزكاة، فقال بعض أهل العلم: بجواز إعطائهم إياه.
    وأما كفارة اليمين إذا كانوا فقراء ومساكين تصلح لهم، يعني مثلما يعطون من الزكاة يعطون من الكفارة إذا كانوا فقراء ومساكين.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #291
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب صلاة العيدين)
    (288)

    - كتاب صلاة العيدين - (تابع باب حث الإمام على الصدقة في الخطبة) إلى (باب ذبح الإمام يوم العيد وعدد ما يذبح)
    لصلاة العيد أحكام وآداب، ومن ذلك أن يخطب الإمام قائماً مقتصداً، ويجلس بين الخطبتين ساكتاً، كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن احتاج إلى أن يذهب إلى النساء فعل، ووعظهن، وأمرهن بالصدقة، ويستحب ذبح الأضاحي في المصلى قريباً منه، لورود ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    تابع حث الإمام على الصدقة في الخطبة
    شرح حديث البراء بن عازب في ذبح أبي بردة بن نيار قبل الصلاة وأمر النبي له في ذلك


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن الشعبي عن البراء رضي الله تعالى عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة، ثم قال: من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم. فقال أبو بردة بن نيار: يا رسول الله، والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، عرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، فتعجلت فأكلت، وأطعمت أهلي وجيراني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك شاة لحم، قال: فإن عندي جذعة خير من شاتي لحم، فهل تجزي عني؟ قال: نعم، ولن تجزي عن أحد بعدك)].فالترجمة هي: حث الإمام في الخطبة على الصدقة، وقد مر فيه حديثان، حديث واضح في الدلالة على الترجمة، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام حث على الصدقة. والحديث الثاني يتعلق بزكاة الفطر، وليس بواضح في الحث على الصدقة، وهو من كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، في زكاة الفطر أنها واجبة.
    وأما هذا الحديث: حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، فهو بهذا اللفظ، وهذا السياق، ليس فيه شيء يتعلق بالحث على الصدقة، وإنما فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام خطب الناس يوم الأضحى وقال: [(من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل الصلاة، فتلك شاة لحم)]، هذا الحديث فيه بيان النبي عليه الصلاة والسلام لشيء من أحكام عيد الأضحى؛ لأن الخطبة في عيد الأضحى، فكان مبيناً لأحكام الأضحية، وبداية وقتها، وأنه يكون بعد الصلاة، وأنه لا يجوز قبل الصلاة، وأن من ذبح قبل الصلاة، فشاته شاة لحم، وكان من بين أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام أبو بردة بن نيار رضي الله تعالى عنه، وكان قد ذبح أضحيته قبل الصلاة، وحرص على أن يقدم اللحم لأهله ولجيرانه، فأكل، وأطعم قبل الصلاة، فلما سمع خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عمله غير مطابق لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، عند ذلك سأل الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: إنه ذبح أضحيته قبل الصلاة، وإنه أكل وأطعم أهله وجيرانه، وكان قصده بذلك حسناً، وهو: الإحسان إلى أهله، وإلى جيرانه حيث ذبح قبل الصلاة، لكن ذبيحته ما كانت في الوقت المشروع، وهو بعد صلاة العيد، فعندما علم أن الشاة شاة لحم أخبر بالذي جعله يذبح قبل الصلاة، وبين قصده الحسن الذي دفعه إلى ذلك، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال له: [(شاتك شاة لحم)]، يعني: مثلما قال في الجملة العامة الأولى: [(من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل الصلاة، فشاته شاة لحم)]، فعندما علم أن أضحيته لم تعتبر؛ لأنها أتي بها قبل الوقت قال للنبي عليه الصلاة والسلام: (إن عندي عناقاً هي تعدل شاتين)، يعني: أنها سمينة وهي: جذعة من المعز، (فهل تجزي عني)، يعني: تقضي عني تلك الذبيحة التي ذبحتها قبل الصلاة، وتنوب عنها؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: [(نعم، تجزي عنك ولن تجزي عن أحد بعدك)]، تجزي، يعني: تقضي عنك، ولن تجزي عن أحد بعدك، وهذا حكم خاص بهذا الرجل.
    ومن المعلوم: أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد خطاب للجميع، وحكمه لواحد حكم للجميع، وهذا هو الأصل، وهذه هي القاعدة، ولهذا لما قبل الرجل الأجنبية، وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، نزل عليه قول الله عز وجل: أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، قال: (ألي هذا وحدي يا رسول الله، قال: بل لأمتي كلهم)، فخطاب النبي عليه الصلاة والسلام لواحد خطاب للجميع، إلا إذا جاء دليل خاص يدل على أن الحكم يخص ذلك الرجل، فعند ذلك يقتصر الحكم عليه، وهذا من هذا القبيل؛ لأنه جاء نص يدل على أن إجزاء العناق، وحصول الأضحية بالعناق، وهي: الجذعة التي لم تكمل سنة من المعز، أن ذلك خاص بـأبي بردة بن نيار، قضاءً لأضحيته التي ذبحها قبل الصلاة، وذلك الحكم لا يكون لغيره، وعرفنا ذلك من قوله: [(ولن تجزي عن أحد بعدك)]، يعني: أن العناق، والجذعة من المعز لا تجزي عن أحد بعدك.
    ومن المعلوم: أن الجذع من الضأن يضحى به، ولكن الذي لا يضحى به، ولا تجزئ التضحية به، هو الجذع من المعز، وهو الذي لم يكمل سنة.
    الحاصل أن قوله عليه الصلاة والسلام: [(ولن تجزي عن أحد بعدك)]، يدلنا على أن هذا حكم خاص بهذا الرجل، وأنه لا يتعداه إلى غيره.
    تراجم رجال إسناد حديث البراء بن عازب في ذبح أبي بردة بن نيار قبل الصلاة وأمر النبي له في ذلك

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو الأحوص].
    وهو سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وهو ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته.
    [عن منصور].
    وهو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، من أقران الأعمش، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشعبي].
    وهو عامر بن شراحيل، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء].
    هو البراء بن عازب صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي ابن صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    القصد في الخطبة
    شرح حديث جابر بن سمرة: (كنت أصلي مع النبي فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القصد في الخطبة.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: (كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القصد في الخطبة، يعني: الاعتدال والتوسط، وعدم تقصيرها جداً، أو تطويلها جداً، وإنما تكون قصداً، أي: معتدلة متوسطة، ليس فيها مضرة بطولها، ولا يترتب عليها مضرة، لما يحصل فيها من الطول لو طولت، ولا يكون فيها قصور أو إقلال لها لو قللت، وإنما تكون قصداً، وهذا هو المقصود بهذه الترجمة.
    وقد أورد النسائي حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام كانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً.
    قال: (كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً).

    تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة: (كنت أصلي مع النبي فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    قتيبة، مر ذكره.
    [حدثنا أبو الأحوص].
    وقد مر ذكره أيضاً في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن سماك].
    وهو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن سمرة بن جنادة، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الجلوس بين الخطبتين والسكوت فيه
    شرح حديث جابر بن سمرة: (رأيت رسول الله يخطب قائماً ثم يقعد قعدة لا يتكلم فيها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجلوس بين الخطبتين والسكوت فيه.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً، ثم يقعد قعدة لا يتكلم فيها، ثم قام فخطب خطبة أخرى، فمن أخبرك أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب قاعداً فلا تصدقه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الجلوس بين الخطبتين والسكوت فيه. وأورد فيها حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه، وهو حديث مطلق، ولكنه أورده في كتاب العيدين، لدلالته من حيث الإطلاق على ما ترجم له المصنف، وأخبر أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجلس بين الخطبتين جلوساً لا يتكلم فيه، ثم يأتي بالخطبة الثانية.
    قال: (ثم قام فخطب خطبة أخرى، فمن أخبرك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب قاعداً فلا تصدقه)، أي: أنه كان يخطب عليه الصلاة والسلام قائماً، ويقول أيضاً -أي: جابر بن سمرة -: (فمن أخبرك أنه يخطب قاعداً فلا تصدقه)؛ لأنه خبر غير مطابق للواقع، بل الواقع من فعله عليه الصلاة والسلام، والحاصل من فعله عليه الصلاة والسلام أنه كان يخطب قائماً.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة: (رأيت رسول الله يخطب قائماً ثم يقعد قعدة لا يتكلم فيها ...)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    قتيبة، وقد مر ذكره.
    [حدثنا أبو عوانة].
    وأبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو متقدم؛ لأنه من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، وقد اشتهر بكنيته أبي عوانة، وممن اشتهر بهذه الكنية أيضاً شخص متأخر، وهو أبو عوانة صاحب المستخرج على صحيح مسلم، والذي يقال لكتابه: الصحيح، ويقال له: المستخرج، ويقال له: المسند، ثلاثة أسماء كلها تطلق على كتاب أبي عوانة: المستخرج على صحيح مسلم.
    [عن سماك عن جابر].
    وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
    القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها


    شرح حديث جابر بن سمرة في القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن سماك عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم، ويقرأ آيات، ويذكر الله، وكانت خطبته قصداً، وصلاته قصداً)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القراءة في الخطبة الثانية، أي: اشتمالها على شيء من القرآن، وقد أورد النسائي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم، ويقرأ آيات من القرآن، ويذكر الله عز وجل، وكانت خطبته قصداً، وصلاته قصداً)، والمقصود من الحديث هو: أنه يقرأ آيات من القرآن في الخطبة الثانية، أي: يذكر بما اشتمل عليه كتاب الله عز وجل من العبر والعظات، ويقرأ شيئاً من القرآن في الخطبة، وقد سبق أن مر أنه كان يقرأ قاف في خطبته، أي: في الجمعة، وأن إحدى الصحابيات قالت: (ما حفظت قاف إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يوم الجمعة).
    تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة في القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن بشار].
    وهو محمد بن بشار البصري الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة جميعاً، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    وهو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، إمام، عارف بالرجال والعلل، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    وهو ابن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن سماك عن جابر].
    وقد مر ذكرهما.

    نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة
    شرح حديث بريدة بن الحصيب في نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة.أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبو تميلة عن الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب، إذ أقبل الحسن، والحسين عليهما السلام، وعليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل وحملهما، فقال: صدق الله، إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين يمشيان ويعثران في قميصيهما، فلم أصبر حتى نزلت فحملتهما)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة، يعني: ينزل لأمر من الأمور يقتضي ذلك.
    الحديث سبق أن أورده النسائي في كتاب الجمعة، وقد أورده هنا في كتاب العيدين، مبيناً أن الخطبة في العيد مثل الخطبة في الجمعة، وأنه إذا حصل أمر يقتضي النزول قبل أن يكمل الخطبة، ثم يرجع لإكمالها، فإنه لا بأس بذلك، وقد أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب، فأقبل الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما، وعليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فالنبي عليه الصلاة والسلام لما رآهما نزل وذهب إليهما وحملهما، ثم صعد بهما على المنبر، وأكمل خطبته عليه الصلاة والسلام، ولكنه عندما صعد، بين سبب نزوله وقال: صدق الله، إنما أموالكم، وأولادكم فتنة، رأيت هذين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى نزلت، أي: فنزل وحملهما، وهذا من كمال تواضعه عليه الصلاة والسلام ورأفته، وشفقته، ورحمته بالصغار وبالكبار، وهو كما وصفه الله عز وجل بقوله: بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    والحديث سبق أن مر، وعرفنا أن فيه دلالة على أن الإنسان عندما يوجد شيء يصدق عليه شيء مما جاء في القرآن، فإنه يقول: صدق الله؛ لأن قوله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، هذا منها؛ لأن كونه رأى هذين الابنين يمشيان ويعثران، فمحبته، وشفقته، ورحمته، جعلته ينزل ويحملهما، فهذا يدلنا على أنه عندما يأتي شيء يراد أن يستدل عليه وعلى وقوعه بالقرآن، لكونه وقع مطابقاً لما جاء في القرآن، فإنه يقول: صدق الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رآهما ثم لم يصبر، لأن الأولاد فتنة، فنزل وحملهما، فقال عليه الصلاة والسلام: (صدق الله، إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15])، وهذا هو السبب الذي جعله ينزل، وهذا مثال من أمثلة ما اشتمل عليه القرآن من فتنة الأولاد، وحبهم، والشفقة عليهم، والإحسان إليهم.
    إطلاق لفظ عليه السلام على غير الرسول صلى الله عليه وسلم
    وكلمة: (عليه السلام)، أو (عليهما السلام) ليست لأحد غير الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي توجد في بعض الكتب أنه يقال عند بعض أهل البيت كـفاطمة رضي الله تعالى عنها، وعلي رضي الله عنه، والحسن، والحسين رضي الله تعالى عنهما، يقال: عليه السلام أو عليهما السلام أو عليهم السلام، وهذا الذي يأتي ذكره بعد أسمائهم ليس واضحاً أن هذا من لفظ الحديث أو أن الذي قاله من ذكر الحسن، والحسين؛ لأن الغالب أن هذا من نساخ الكتب، وقد ذكر هذا ابن كثير رحمة الله عليه في تفسير آية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الأحزاب: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، فإنه ذكر عند تفسير هذه الآية: أنه يأتي ذكر الصلاة، أو ذكر عليه السلام عند ذكر علي، أو ذكر أحد من أهل البيت، وقال: إن هذا من عمل نساخ الكتب، فهذا هو من عملهم، وليس ذلك من فعل الصحابة، أو من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما إذا كان اللفظ جاء في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هذا من عمل النساخ، ومن المعلوم: أن الصلاة على غير الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى غير الأنبياء، اختلف في جوازها، فمن العلماء من قال بجوازها إذا لم يكثر، ولم يتخذ شعاراً لبعض الناس، أو يقصد بها بعض الصحابة دون بعض، ولا يكون شيئاً مألوفاً مثلما يؤلف مع النبي عليه الصلاة والسلام فيقال عن غيره: صلى الله عليه وسلم، كما يقال عنه: صلى الله عليه وسلم، فالأصل أنه جائز، لكن كونه يخص بها أناساً معينين، أو يخص بها أحداً بعينه دون غيره، فإن هذا ليس له أساس، وإنما يسوى بين الصحابة، والذي درج عليه السلف الترضي عن الصحابة جميعاً، والترحم على من بعدهم، والصلاة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصلاة على غير الأنبياء جائزة، لكن بتلك القيود التي أشرت إليها، والتي ذكرها بعض أهل العلم.

    تراجم رجال إسناد حديث بريدة بن الحصيب في نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة


    قوله:
    [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].
    وهو الدورقي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، مثل محمد بن بشار الذي مر ذكره قريباً، ومثل: محمد بن المثنى الزمن، الذي هو قرين لـمحمد بن بشار، وهو مثل هؤلاء الثلاثة: محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، كل واحد منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهم جميعاً توفوا في سنة واحدة، وهي: سنة اثنتين وخمسين ومائتين، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.
    [حدثنا أبو تميلة].
    وهو يحيى بن واضح المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مذكور بكنيته.
    [عن الحسين بن واقد].
    وهو الحسين بن واقد المروزي، وهو ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن بريدة عن أبيه].
    وهو عبد الله بن بريدة، وبريدة له ابنان: سليمان، وعبد الله، لكن الحديث سبق أن مر، وقد سماه في إسناد النسائي: عبد الله؛ لأنه في الإسناد السابق قال: عن عبد الله بن بريدة، وهنا لم يعينه ولم يسمه، وعلى هذا فليس هو: سليمان، بل هو عبد الله، وعبد الله هو مروزي أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه بريدة بن الحصيب].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن بريدة وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    موعظة الإمام النساء بعد الفراغ من الخطبة وحثهن على الصدقة
    شرح حديث ابن عباس في موعظة الإمام النساء بعد الفراغ من الخطبة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [موعظة الإمام النساء بعد الفراغ من الخطبة وحثهن على الصدقة.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان حدثنا عبد الرحمن بن عابس سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قال له رجل: (شهدت الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته، يعني: من صغره، أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن، وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تهوي بيدها إلى حلقها تلقي في ثوب بلال)].
    الترجمة هي: موعظة الإمام النساء بعد الخطبة، وحثهن على الصدقة، أي: تخصيص النساء بالموعظة، وذلك لبعدهن، فالنبي عليه الصلاة والسلام بهذه المناسبة ذهب إليهن، لاسيما وأنه في تلك المناسبة أمر بإخراج النساء العواتق، وذوات الخدور، وحتى الحيض يخرجن للعيد، ويعتزلن المصلى، فأراد أن يخصهن بموعظة لاجتماعهن، ولبعدهن عن سماع الخطبة.
    وقد مر الحديث وعرفنا أن من العلماء من قال: إن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، ومنهم من قال: إنه ليس من خصائصه، بل لغيره من الأئمة أن يذهبوا إلى النساء، ويعظوهن، ويذكروهن، لكن كما هو معلوم: سماع الخطب في هذا الوقت بواسطة مكبرات الصوت لا يحتاج معه إلى إفراد، أو للذهاب إلى النساء، وتخصيصهن بالموعظة، بل يمكن أن تشتمل الخطبة على عظة النساء، والرجال يسمعون، والنساء يسمعن، وكل يسمع مع وجود هذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها على الناس في هذا الزمان، ووجود هذه الوسائل التي يحصل بها إبلاغ الصوت، وإيصال الصوت إلى أماكن بعيدة.
    فأورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وفيه أنه شهد الخطبة، وكان قريباً من رسول الله عليه الصلاة والسلام لقرابته منه، ولكونه صغيراً، ويمكن للصغير أن يذهب، ويقرب من غيره، بخلاف الكبير؛ لأن الصغار رغبتهم في القرب فيما إذا كان هناك أمر يقتضيه، وأمور تجمع الصغار إلى ذلك، ومن المعلوم: أن الصغار مواقفهم متأخرة، وصفوفهم متأخرة، لكن لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكونه من أهل بيته، ولكونه صغيراً، قرب من النبي صلى الله عليه وسلم حتى عرف ما جرى، وحتى ذهب أيضاً معه لما ذهب إلى النساء، فأخبر بما شاهده وعاينه، وكان من ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام أنه ذهب إلى النساء، ووعظهن، وحثهن على الصدقة، فجعلت النساء تهوي بأيديهن إلى حلوقهن لتأخذ القلائد فتضعها، وإذا كانت الحلق فإن المقصود من ذلك المحلق، يعني: يدخل في ذلك الخواتم، ويدخل في ذلك الأسورة، وما إلى ذلك من الأشياء المحلقة، والمقصود: أنهن بادرن إلى نزع ما عليهن من الذهب، أو نزع شيء مما عليهن من الحلي، ذهباً أو فضة، وجعلن يلقين في ثوب بلال يتصدقن، مبادرة منهن إلى ما دعاهن إليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
    وقد قال لهن: [(إنكن أكثر حطب جهنم)]، وسبب ذلك: إكثارهن الشكاية وكفرهن العشير، فبادرن بالصدقة، وهذا فيه دليل على أن الصدقة سبب في السلامة من عذاب النار، ويدل لذلك الحديث المتفق على صحته، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)، والحديث سبق أن مر، وهو مشتمل على عدة أمور ذكرناها فيما مضى، وأورده هنا من أجل الاستدلال به على تخصيص الإمام النساء بموعظة، وأن من ما تشتمل عليه موعظته: حثهن على الصدقة التي هي سبب في السلامة من النار.
    وقوله: [(أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت)]، ما أعلم أنه يراد به العلم الذي يستعمل في الجهاد في سبيل الله، أي: الراية، وإنما كأن مقصوده شيء يدل على علامة مكان العيد أو مصلى العيد، وهو عند دار كثير بن الصلت.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في موعظة الإمام النساء بعد الفراغ من الخطبة


    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو الفلاس البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو الثوري، وقد مر ذكره.
    [حدثنا عبد الرحمن بن عابس].
    هو عبد الرحمن بن عابس النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، هذا هو الذي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [سمعت ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن ابن عباس وعن الصحابة أجمعين.
    الصلاة قبل العيدين وبعدها
    شرح حديث: (أن النبي خرج يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة قبل العيدين وبعدها.أخبرنا عبد الله بن سعيد الأشج حدثنا ابن إدريس أخبرنا شعبة عن عدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الصلاة قبل الخطبة وبعدها في العيدين، والمقصود من هذا: أنه لا يشرع للإنسان أن يصلي قبل صلاة العيد، ولا بعد صلاة العيد؛ لأنه ليس لها سنة، لا قبلها ولا بعدها.
    وقد أورد النسائي حديث ابن عباس، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى العيدين، ولم يصل للعيد قبلها ولا بعدها، يعني لم يتنفل قبلها ولا بعدها، أي: في موضعها؛ لأن هذا هو الذي شوهد وعوين، أنه لم يحصل منه صلاة، لا قبل صلاة العيد، ولا بعدها، فهذا يدلنا على أنه لا يشرع لصلاة العيد نافلة، لا أن تكون قبلها ولا أن تكون بعدها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي خرج يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها)
    قوله:
    [أخبرنا عبد الله بن سعيد بن الأشج].
    هو أبو سعيد الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن إدريس].
    وهو عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا شعبة].
    وهو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عدي].
    هو عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن جبير].
    سعيد بن جبير، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.

    ذبح الإمام يوم العيد وعدد ما يذبح شرح حديث أنس: (خطبنا رسول الله يوم أضحى، وانكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذبح الإمام يوم العيد وعدد ما يذبح.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا حاتم بن وردان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أضحى، وانكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما)].
    أورد النسائي: ذبح الإمام يوم العيد وعدد ما يذبح، والمقصود من ذلك أن الذي فعله النبي عليه الصلاة والسلام هو وجود التضحية منه، وعدد ما ذبحه صلى الله عليه وسلم، فأورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
    قال: (خطبنا يوم أضحى، وانكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما)، محل الشاهد: أن النبي عليه الصلاة والسلام ذبح كبشين، يعني: فوجد منه الذبح، وعدد الذي ذبح، وأنهما كبشان أملحان، والأملح قيل: هو الذي فيه بياض ولكن السواد أكثر من البياض، وقيل: إنه الأبيض الناصع البياض.
    والحديث دال على مشروعية الأضحية، وأن النبي عليه الصلاة والسلام ضحى بكبشين أملحين، وقد جاء أن واحداً له، والثاني لمن لم يضح من أمته عليه الصلاة والسلام.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس: (خطبنا رسول الله يوم أضحى وانكفأ إلى كبشين أملحين)
    قوله:
    [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا حاتم بن وردان].
    حاتم بن وردان بصري ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن سيرين].
    هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك رضي الله عنه].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

    شرح حديث: (أن رسول الله كان يذبح أو ينحر بالمصلى)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث عن كثير بن فرقد، عن نافع: أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذبح أو ينحر بالمصلى)].أورد النسائي تحت هذه الترجمة، حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وهو دال على الشق الأول من الترجمة وهو: ذبح الإمام، وأما عدد ما يذبح فليس فيها تنصيص عليه، وإنما التنصيص على العدد في الحديث السابق حديث أنس، وأما هنا ففيه حصول الذبح، وفيه أيضاً مكان الذبح، وأنه ذبح في المصلى، أي: قريباً منه، وليس في نفس المصلى؛ لأن مكان المصلى لا يلوث بالدماء والفرث، والنبي عليه الصلاة والسلام قال في حق النساء: (ولتعتزل الحيض المصلى)، أي: لئلا يلوثنه، فقوله: (في المصلى)، أي: في مكان قريب منه، وليس معناه أنه في المكان الذي يصلى فيه.
    وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر المشتمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح في المصلى أو نحر، والنحر يكون للإبل، والذبح يكون لغير الإبل، ويجوز نحر ما يذبح، وذبح ما ينحر؛ لأن النحر يكون في الإبل في اللبة التي تحت الرقبة عند ملتقى الرقبة باليدين، ذاك هو مكان النحر، وأما الذبح فهو فصل الرأس من الرقبة، فيجوز في حق الإبل أن تذبح، بأن يفصل رأسها من رقبتها، وكذلك يجوز في الغنم والبقر أن تنحر، لكن الأصل أن النحر للإبل، والذبح للبقر والغنم، ويجوز العكس، ولهذا قال: (نحر أو ذبح)، وهو شك من الراوي، هل قال نحر أو ذبح.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يذبح أو ينحر بالمصلى)
    قوله:
    [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم].
    محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وهو مصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن شعيب].
    شعيب، وهو: ابن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، نبيل، فقيه، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، إمام مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن كثير بن فرقد].
    كثير بن فرقد ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن نافع].
    ونافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الأسئلة
    حكم تقسيم لحم الأضحية
    السؤال: فضيلة الشيخ، هل تقسيم لحم الأضحية واجب؟
    الجواب: ليس بواجب، ولكن الأضاحي والهدي السنة فيها أن الإنسان لا يستأثر بها كلها، ولو أطعمها كلها فإن ذلك جائز، لو تصدق بها كلها فإن ذلك جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث بهديه وهو في المدينة فيذبح ويوزع، ولا يأكل منه شيئاً؛ لأنه كان يبعث به، والسنة أن يأكل، ويهدي، ويتصدق، فيكون جمعاً بين أن يأكل بنفسه، وأن يهدي، وأن يتصدق.

    صلاة تحية المسجد إذا كانت صلاة العيد فيه
    السؤال: إذا كانت صلاة العيد في المسجد فهل يصلي تحية المسجد؟

    الجواب: إذا كانت صلاة العيد في المسجد، فإن المسجد تصلى فيه تحية المسجد؛ وليست هذه للعيد؛ لأن الإنسان إذا دخل المسجد يصلي، ولا يجلس حتى يصلي ركعتين، فهذه ما يقال: إنها سنة للعيد، فالعيد ليس له سنة، وإنما هذه تحية المسجد التي إذا دخل الإنسان صلاها.
    القصاص على من قتل شخصاً أراد قتله
    السؤال: أراد رجل قتل آخر، ولكن الآخر تقدم عليه وقتله، فهل عليه قصاص أم لا؟

    الجواب: إذا ثبت أنه أراد قتله، وأنه دافع عن نفسه، ولا يندفع إلا بالقتل؛ لأنه إذا كان يندفع بغير القتل فلا يجوز له أن يقتل، ومثل هذا لا بد فيه من تحقق، وتوفر هذه الأمور، التي هي كونه لا يندفع إلا بالقتل؛ لأنه إذا كان لا يندفع إلا بالقتل وقتله فليس عليه قصاص، ولكن ثبوت هذا يحتاج إلى بينة وبرهان.
    العيد له خطبتان كالجمعة
    السؤال: هل تجوز خطبة واحدة يوم العيد؟

    الجواب: العيد له خطبتان كالجمعة، ولا نعلم دليلاً يدل على أن العيد له خطبتان بالنص، ولكن النسائي أورد الأحاديث التي تتعلق بالجمعة في العيد، والأحاديث التي فيها إطلاق؛ للاستدلال أو الإشارة إلى أن الجمعة مثل العيد في عدد الخطب، ولا أعلم أن هناك خلافاً في أن العيد لها خطبتان.

    الحث على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    السؤال: نطلب بيان أهمية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، حيث نلاحظ أنه رغم تكرار اسمه عليه الصلاة والسلام قليل من يصلي عليه، وهل تجوز الصلاة عليه سراً في النفس؟

    الجواب: نعم تجوز الصلاة سراً، لكن كون الإنسان يظهر منه شيء بحيث يذكر الغير، وينبه الغير من غير أن يرفع الصوت، وإنما بحيث يسمعه من حوله بدون تشويش، وبدون ترتب المضرة، يعني: من حيث رفع الصوت رفعاً شديداً يكون فيه لفت نظر، وإزعاج؛ لا شك أن هذا هو الذي ينبغي، وإن صلى سراً حصل المقصود، يعني: بينه وبين نفسه بأن يتلفظ، وليس المعنى أنه يصلي في قلبه، وإنما يحرك شفتيه، ويحرك لسانه، وإن لم يسمعه أحد، لكن لو أسمع من هو حوله حتى يذكره وحتى ينبهه فإن هذا لا شك أنه أحسن وأولى.
    ومن المعلوم أن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ورد فيها أحاديث تدل على فضلها، وعلى عظيم أجرها، الله عز وجل أمر بها في كتابه العزيز، وأخبر في آية كريمة جمعت بين خبر وأمر، خبر في أولها وأمر في آخرها، أخبر الله عن نفسه، وعن ملائكته، بأنهم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب:56]، هذا خبر، ثم أمر في آخرها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، فالله تعالى أمر المؤمنين وناداهم بوصف الإيمان، بعد أن أخبرهم أنه يصلي عليه، وأن ملائكته تصلي عليه صلى الله عليه وسلم.
    ثم السنة جاء فيها أحاديث كثيرة عن النبي عليه الصلاة والسلام، منها قوله في صحيح مسلم: (من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً)، وكذلك جاءت أحاديث خارج الصحيحين، فيها ما هو ثابت، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة).
    ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ)، ولهذا كان العلماء المحدثون يوصون بالصلاة والسلام عليه عند ذكره، وعند كتابة الحديث، فإنه يكتب صلى الله عليه وسلم أو عليه الصلاة والسلام، ولا يهملها، ولا يختصرها، بأن يرمز لها ببعض الحروف، كص، أو صلعم، وإنما يأتي بها كاملة: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كلما صلى الإنسان عليه صلاة واحدة، فإن الله تعالى يصلي عليه بها عشراً، فهو عمل يسير قليل، ومع ذلك فيه ثواب جزيل وعظيم.
    ثم أيضاً هذا من حق النبي عليه الصلاة والسلام علينا، وقد منَّ الله علينا بنعمة الإسلام التي ساقها لنا على يديه، فمن حقه علينا أن نصلي ونسلم عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
    تعليم المرأة للرجال
    السؤال: إذا لم يكن في القرية عالم إلا امرأة صالحة فقيهة، فهل لها أن تعلم الرجال أمور دينهم؟

    الجواب: إذا اضطر إلى ذلك فتعلمهم، ولكن من وراء حجاب، مثلما النساء تتعلم من وراء حجاب، كذلك الرجال يتعلمون منها من وراء حجاب إذا اضطروا إليها.
    تعليم البنات كيفية الصلاة أو الوضوء بدون استتار
    السؤال: هل يجوز تعليم البنات بدون استتار إذا احتاج الأمر إلى ذلك لتطبيق كيفية الصلاة أو الوضوء؟

    الجواب: الكيفية كما هو معلوم ما تكون مع الستار، تكون بالمشاهدة والمعاينة، ومن المعلوم: أن التعليم بالفعل يكون من الرجال للرجال، ومن النساء للنساء، لكن إذا كان التعليم بواسطة هذه الوسائل التي ترى صورته، ولا يرى هو، فهذا إذا احتيج إلى ذلك، واضطر إلى ذلك، يمكن أن يأتي بالصلاة، وتشاهد عن طريق الصورة لا عن طريق المشاهدة، والمعاينة.
    رواية سعيد بن جبير عن الصحابة
    السؤال: رواية سعيد بن جبير عن الصحابة متصلة أم منقطعة؟

    الجواب: رواياته عن ابن عباس متصلة، لكن هل كل رواياته عن الصحابة متصلة؟ أنا لا أدري، لكن الحديث الذي معنا عن ابن عباس -وهو صحابي- روايته عنه متصلة.
    القصر والجمع في سفر النزهة
    السؤال: هل يجوز للمسافر للنزهة أن يقصر ويجمع الصلاة؟
    الجواب: نعم، المسافر ولو كان للنزهة، ولو كان للسياحة، له أن يقصر، إذا سافر السفر الذي تقصر معه الصلاة، وكذلك له أن يجمع.
    المسح على الخف المخرق
    السؤال: الخف إذا كان به خروق هل يجوز المسح عليه؟

    الجواب: إذا كانت الخروق يسيرة يجوز أن يمسح عليها، وأما إذا كانت كثيرة، بحيث يكون وجوده مثل عدمه لكثرة خروقه، وأن أكثر الرجل يكون باد، فهذا يصير مثل النعل، يعني: وجوده مثل عدمه.

    هل ثبت عن الصحابة أنهم كانوا يصلون الرواتب في المسجد؟
    السؤال: هل ثبت أن الصحابة كانوا يصلون الرواتب في المسجد النبوي؟

    الجواب: لا أدري عن الصحابة، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في بيته، وقد قال: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)، وقد مر بنا في حديث الجمعة: أنه إذا صلى في المسجد يصلي أربعاً، وإذا صلى في بيته يصلي ركعتين، لكن فعل الصحابة، وكونهم يصلون الرواتب في المسجد لا أدري.

    حكم استعمال الذهب المحلق للنساء
    السؤال: كثر الحديث في مسألة الذهب المحلق، فما هو القول الفصل في ذلك؟
    الجواب: الذهب المحلق كغيره من غير المحلق، هو للنساء سائغ وجائز، والدليل عليه الأحاديث العامة، والأحاديث الخاصة، والعامة: هي التي فيها إحلاله للنساء مطلقاً، كما (أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ذهباً وحريراً وقال: هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها)، هذان حرام أي: الذهب، وكذلك بالنسبة للمحلق، المرأة التي جاءت وعليها مسكتان من ذهب قال: (أتؤدين زكاة هذا؟)، فكانت لابسة، وأما ما ورد من ما يتعلق بالنهي عن المحلق، فإن تلك الأحاديث في مقابلة تلك الأحاديث التي هي أرجح منها، وأقوى منها، تكون عندها بمثابة الشاذ في مقابل ما هو أصح منه، وما هو أولى منه.
    الصلاة والتسليم على غير نبينا من الأنبياء
    السؤال: هل يقال في الأنبياء: صلى الله عليهم وسلم مثل نبينا عليه الصلاة والسلام أو يقال: عليهم السلام؟

    الجواب: نعم. يقال: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، مثلما يقال لنبينا: عليه الصلاة والسلام.
    دفع المهر لمن راجع في العدة
    السؤال: شخص طلق امرأته ولم يأخذ منها شيئاً، ولكن قال لها: إن تزوجتِ رجلاً تعطيني حقي الذي دفعته إليكِ، ثم راجعها في العدة، فهل يحتاج إلى مهر وشهود أم لا؟

    الجواب: إن كان راجعها في العدة فهي زوجته، ولا تحتاج إلى مهر؛ لأنها رجعية، والعقد لا يزال إلى أن تنتهي من العدة، ولا تطلق منه ولا تبين منه إلا إذا خرجت من العدة، فما دام أن الطلاق رجعي فإن إرجاعه إياها لا يحتاج إلى مهر، لكن لو أنها خرجت من العدة، فإنه لا بد أن يخطبها، ويكون واحداً من الخطاب، فإذا رغبت به فلابد أن يكون هناك مهر، وإذا أراد أن يتزوجها يدفع لها مهراً، لكن ما دام أنه أرجعها في العدة، فإنها زوجته، والعدة تحتاج إلى إشهاد، حتى يعلم الناس أن ذلك الطلاق نسخ بالرجعة.
    دخول الحائض مصلى العيد قبل الصلاة
    السؤال: هل للحائض أن تدخل مصلى العيد قبل الصلاة؟
    الجواب: ما تدخل مصلى العيد، ولكنها تكون متأخرة عن مصلى العيد، أي بمكان قريب منه، ليس في المصلى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولتعتزل الحيض المصلى).
    الحلف ووضع اليد على المصحف
    السؤال: الحلف على المصحف جائز أم لا؟
    بأن يضع يده على المصحف ويقول: والله العظيم وكتابه الكريم أقول الحق، ولا شيء غير الحق؟

    الجواب: لا أدري، قضية كونه يضع يديه في المصحف، أنا ما أعرف شيئاً يدل على هذا.
    خطبة الكسوف والاستسقاء خطبة واحدة
    السؤال: كم خطبة للاستسقاء؟
    وهل للكسوف خطبة؟الجواب: مر بنا أن الكسوف له خطبة واحدة، وأن الاستسقاء له خطبة واحدة أيضاً.
    رواية عبد الرحمن بن مهدي عن السفيانين

    السؤال: لماذا لا يكون عبد الرحمن بن مهدي في الإسناد يروي عن سفيان بن عيينة بدل سفيان الثوري ؟
    الجواب: عبد الرحمن بن مهدي في طبقة سفيان بن عيينة، يعني: هو متأخر، مثل سفيان بن عيينة، وهل روى عن سفيان بن عيينة ؟ لا أدري؛ لأنه يمكن أن يروي القرين عن قرينه.
    الرأي في الجماعات الإسلامية المعاصرة

    السؤال: ما رأيكم في الجماعات الإسلامية المعاصرة؟
    الجواب: هذا سؤال طويل عريض، أستطيع أن أقول إجمالاً: ما كان على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهذا هو المنهاج القويم، والصراط المستقيم، وما كان بخلاف ذلك فهو مباين لهذه الطريق، ولكنه متفاوت قرباً وبعداً، فكل من كان أقرب إلى هذه الفرقة التي هي: على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهي أسهل وأخف، وكل من كان أبعد يكون أسوأ.
    الإمارة في الحضر
    السؤال: ما حكم الإمارة في الحضر؟.
    الجواب: كما هو معلوم: الإمارة إنما يحتاج إليها في السفر، وأما في الحضر فأمير البلد هو الذي يكون أميراً للناس، وأما إذا حصل التفرق فالثلاثة يجعلون واحداً منهم أميراً، بحيث يرجعون إليه في النزول، وهذه الإمارة كما هو معلوم المقصود منها أن يرجع إليه، بدلاً من أن يكون كل له رأي ويختلفون، يرجعون إلى رأي الأمير في نزولهم، وسفرهم، وغير ذلك، وأما في الحضر فأمير البلد هو أمير الناس.
    وليس لأحد أن يؤمر أحداً عليه وإنما أمير البلد هو أمير الناس، وإذا كان الإنسان في بلد كفار والمسلمون مجتمعون فيه فيمكن أن يجعلوا لهم أميراً يرجعون إليه ويستفيدون منه، لكن لا تجري له أحكام الإمارة والولاية، يعني: كونه يقيم الحدود، ويفعل الأشياء التي لا يفعلها إلا السلطان، لكن يمكن أنه يرجع إليه في الأمور التي يحتاج الناس إليه فيها.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #292
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب صلاة العيدين)
    (289)

    - كتاب صلاة العيدين - (باب اجتماع العيدين وشهودهما) إلى (باب الرخصة في الاستماع إلى الغناء وضرب الدف يوم العيد)



    لقد جاءت السنة ببيان الحكم الشرعي فيما لو اجتمع العيد والجمعة، فمن تيسير الله تعالى على عباده أن من حضر العيد رُخص له في التخلف عن شهود الجمعة ويصليها في بيته ظهراً، وذلك لأن مصلحة الاجتماع قد حصلت بالاجتماع للعيد، ويرخص للجواري في الغناء والضرب بالدفوف يوم العيد.

    اجتماع العيدين وشهودهما
    شرح حديث النعمان بن بشير في اجتماع العيد مع الجمعة وشهودهما


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اجتماع العيدين وشهودهما.أخبرنا محمد بن قدامة عن جرير عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال: قلت عن أبيه، قال: نعم عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة، والعيد بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وإذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم قرأ بهما)].
    يقول النسائي رحمه الله: اجتماع العيدين وشهودهما، يريد بالعيدين: العيد السنوي الذي هو: الأضحى، أو الفطر، وعيد الأسبوع الذي هو: الجمعة، هذا هو المراد بالعيدين اللذين يجتمعان؛ لأن الجمعة هي يوم عيد الأسبوع، وقد شرع للناس فيها تلك الصلاة الخاصة، التي هي ركعتان ويسبقها خطبتان، وشرع للناس في السنة عيدان هما: عيد الأضحى وعيد الفطر، فإذا صار يوم عيد الأضحى، أو عيد الفطر، يوم جمعة، يكون قد اجتمع عيدان.
    وقد أورد النسائي حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الجمعة، بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وكذلك في العيد، وإذا اجتمعا فإنه يقرأ فيهما جميعاً)، يعني: يصلي العيد، ثم يصلي الجمعة، ويقرأ فيهما بهاتين السورتين، يعني: سورة سبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية.
    فالحديث يدل على أنه عندما يجتمع العيدان، عيد السنة وعيد الأسبوع، بأن يكون يوم عيد الفطر أو عيد الأضحى يوم الجمعة، فيكون قد اجتمع عيدان، وحينئذ يقرأ في كل من صلاتي العيد وصلاة الجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، وأيضاً يدل على شهودهما، وهو أن الإنسان عندما يجتمع يوم عيد ويوم جمعة يصلي العيد، ثم يصلي الجمعة، يحضر صلاة العيد في المصلى، وإذا جاء وقت الجمعة يحضرها، فهذا هو المقصود بقوله: شهودهما.
    وهذا هو الذي يقتضيه الحديث، وهذا هو الذي يدل عليه الحديث، فهو يدل على أنه إذا وافق العيد يوم الجمعة، فإن من صلى العيد ينبغي له أن يحضر الجمعة، لكن وردت بعض الأحاديث الدالة على أن من حضر العيد فإنه يرخص له أن يتخلف عن الجمعة، لكن يصليها ظهراً، فالتجميع يحصل؛ ولكن لا يلزم كل أحد أن يحضر كسائر الأيام؛ لأن الجمعة يلزم حضورها؛ لكن إذا اجتمع عيد السنة مع عيد الأسبوع فإن من حضر العيد يرخص له أن يتخلف عن حضور الجمعة، لكن حضورها مع حضور العيد هو الأولى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجمع بينهما بأن يصلي العيد ثم يصلي الجمعة، ولكنه جاء عنه أن من أراد أن يحضر يحضر، وأن من أراد أن يتخلف فله ذلك، لكن لا بد أن يصلي ظهراً؛ لأن اليوم والليلة فيها خمسة فروض، لا يسقط فرض منها في أي حال من الأحوال.

    تراجم رجال إسناد حديث النعمان بن بشير في اجتماع العيدين وشهودهما
    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].وهو المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر].
    وهو إبراهيم بن محمد بن المنتشر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إبراهيم بن محمد بن المنتشر أبوه محمد بن المنتشر.
    والذي قال عن أبيه هو محمد بن قدامة، أي: أن إبراهيم يروي عن أبيه، والذي سأل هو محمد بن قدامة شيخ النسائي، والمسئول هو شيخه جرير، لما حدثه عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، قال له محمد بن قدامة: عن أبيه؟ قال: نعم، ومحمد بن المنتشر، وابنه إبراهيم بن محمد بن المنتشر، كل منهما ثقة، وكل منهما خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حبيب بن سالم].
    وهو مولى النعمان بن بشير وكاتبه، وهو لا بأس به، وهو بمعنى: صدوق، وهي تعادل صدوق، فحديثه يعتبر حسناً، إذا جاء منفرداً وليس له ما يعضده فإنه يكون من قبيل الحسن، وهو الذي خف ضبطه عن أن يكون ثقة، وكان دونه، ولكن حديثه معتمد ومقبول. لكن في اصطلاح يحيى بن معين إذا قال: (لا بأس به)، فهي تعادل عنده ثقة، وهذا اصطلاح خاص بـيحيى بن معين؛ لأن كلمة (لا بأس به) عند يحيى بن معين توثيق، تعادل ثقة عند غيره، فإذا جاء أو وجد في ترجمة بعض الأشخاص الثقات الأثبات كلمة (لا بأس به)، فلا يستغرب ذلك؛ لأن كلمة (لا بأس به) في اصطلاح يحيى بن معين بمعنى: ثقة، لكن في اصطلاح غيره هي بمعنى: صدوق، أي: ممن خف ضبطه، ونقص عن درجة الثقة، لكن حديثه معتبر، وحديثه مقبول، وهو يعتبر من قبيل الحسن، وإذا وجد ما يعضده ينتقل أو يرتقي من الحسن لذاته إلى الصحيح لغيره.
    وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن النعمان بن بشير].
    وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي ابن صحابي، وهو من صغار الصحابة، توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، وقد تحمل الحديث عن رسول الله، وروى أحاديث بلفظ (سمعت)، عبر فيها بقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ممن تحمل في صغره، وأداه في حال كبره، وهذا معتمد، ومعتبر عند المحدثين أن الراوي الصغير يتحمل في حال الصغر، ويؤدي في حال الكبر، وكذلك الكافر إذا أسلم يتحمل في حال كفره، ثم إنه بعدما يسلم، يتحدث عن أشياء حصلت، أو سمعها في حال كفره، فالعبرة بوقت الأداء، لا بوقت التحمل، فإذا كان مسلماً وكبيراً في حال التأدية، فإن حال التحمل لا تؤثر، إذا كان تحمل وهو كافر، أو تحمل وهو صغير؛ لأن الأحاديث التي تحملها النعمان بن بشير رضي الله عنه، تحملها وهو صغير؛ لأن عمره حين وفاة النبي عليه الصلاة والسلام كان ثمان سنوات، وقد روى أحاديث منها ما قال فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها الحديث المشهور المتفق على صحته: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، وهو حديث عظيم، قال فيه النعمان بن بشير: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ثم بعض الأحاديث التي يرويها صغار الصحابة هي مراسيل، ولكن مراسيل الصحابة حجة، ومعتمدة؛ لأنهم غالباً لا يروون إلا عن الصحابة، وإذا رووا عن غير الصحابة بينوا ذلك، فلا محذور في رواياتهم إذا رووا أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم صغار، وليست مشتملة على: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل تكون من قبيل المرسل الذي أخذ عن الصحابة، لكن إذا قال (سمعت)، فإنه ليس هناك واسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    والنعمان بن بشير رضي الله عنه وعن أبيه صحابي ابن صحابي، وهو صاحب القصة المشهورة، وهي: أن أمه طلبت من أبيه أي: بشير أن يعطيه شيئاً، وأن يخصه به، وأن ينحله نحلة يتميز بها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره وقال: (أكل ولدك أعطيته مثل هذا؟ قال: لا)، يقوله لوالد النعمان بن بشير، فقال: (لا تشهدني على جور، أشهد على هذا غيري، اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، فإن هذا الخطاب لـبشير والد النعمان، والذي أعطي المنحة بطلب من والدته، فهو صحابي ابن صحابي، وحديثه في الكتب الستة.
    الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد
    شرح حديث زيد بن أرقم في صلاة النبي العيد أول النهار وترخيصه في الجمعة عند اجتماعهما

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رملة قال: (سمعت معاوية رضي الله تعالى عنه سأل زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنهما: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين؟ قال: نعم، صلى العيد من أول النهار ثم رخص في الجمعة)].
    أورد النسائي بعدما أورد اجتماع العيدين، أي: الجمعة وعيد الأضحى، أو الفطر وشهودهما، وأنه يصلى العيد ويصلى الجمعة، ويجمع بين صلاة العيد، وصلاة الجمعة في نفس اليوم، ولا تسقط صلاة الجمعة بل تصلى، ولكن لا يلزم كل أحد بحضورها، بل من شهد العيد، فإنه يرخص له في التخلف عن الجمعة في ذلك اليوم؛ لأنه حصل الاجتماع العام.
    الدليل على وجوب صلاة العيد

    وهذا مما استدل به بعض أهل العلم على وجوب صلاة العيد، وأنها فرض عين؛ لأنه لما رخص لمن شهد العيد أن يتخلف عن الجمعة، مع أن الجمعة فرض، ويلزم كل إنسان أن يحضرها، لما رخص لمن شهد العيد، أن يتخلف عنها، فهم منه أنها فرض عين، أو استدل به بعض العلماء على أنها فرض عين؛ لأنه لو لم تكن فرض عين، ما كان يغني حضور العيد عن حضور الجمعة، لكن لما كان حضور العيد يغني عن حضور الجمعة في ذلك اليوم، استدل به بعض أهل العلم على وجوب صلاة العيد وجوباً عينياً وليس كفائياً، والمسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من قال: إنها فرض عين، ومنهم من قال: إنها فرض كفاية، لكن الذين قالوا: بأنها فرض عين استدلوا بهذا الحديث الذي فيه أن من حضر العيد يرخص له أن يتخلف عن الجمعة، فلولا أن العيد فرض عين ما كان لمن حضرها أن يتخلف عن الجمعة، إذ لو لم تكن كذلك، لما أغنى حضورها عن حضور الجمعة، لكن لما كان حضورها يغني عن الجمعة، دل على أنها فرض عين.ومما يستدلون به على ذلك: الحديث الذي مر بنا، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج العواتق، وذوات الخدور، وكذلك الحيض، يخرجن إلى المصلى، ويعتزلن المصلى، يحضرن الخير، ودعوة المسلمين، فهذا الحديث يدل على التخلف عن صلاة الجمعة لمن حضر العيد.
    وفي هذا الحديث أن معاوية رضي الله عنه سأل زيد بن أرقم: (أشهدت عيدين مع رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال: نعم، فصلى العيد في أول النهار ثم رخص في الجمعة)، يعني: رخص لمن حضر العيد أن يتخلف عن الجمعة، لكن لا يعني أن الجمعة تترك، بل يجمع الإمام، وقد جاء في الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما صلى العيد: (إنا مجمعون، فمن أراد أن يحضر فليحضر، وإلا فإنه لا شيء عليه) فأخبرهم بأنه يجمع، وأنه سيصلي الجمعة، وبين أن من أراد أن يتخلف، فإن له حق التخلف؛ لأنه قد حضر العيد، فقال: رخص في الجمعة، يعني: في التخلف عنها، وليس معنى تركها عدم إيجابها أو عدم فعلها، بل تفعل، وتصلى لكن من تأخر عنها لا يعاتب، ومن فقد في الجمعة لا ينكر عليه، ولا يقال له: لماذا لم تحضر، وقد حضر العيد؛ لأن الرخصة جاءت بذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    إذاً: الحديث دال على أن من حضر العيد، فإنه يرخص له في التخلف عن الجمعة، وأما الجمعة فإنها تقام، والذي يرخص فيه ليس تركها وإلغاؤها نهائياً وعدم وجوبها، وأن الناس يصلون ظهراً مكانها، ولكن من حضر العيد من أفراد الناس فله أن يتخلف عن الجمعة، وليس بملزم بحضور الجمعة في ذلك اليوم، ولا ينكر على من تخلف عنها.
    وأما كون الجمعة لا تصلى أصلاً، أو أنها لا تصلى الظهر أصلاً، فهذا ليس بصحيح، بل الجمعة تصلى في الجملة، ويجوز التخلف عنها، وأما الظهر فإنها لا تسقط، وإنما يصليها الإنسان إن لم يحضر الجمعة، وكذلك المساجد التي لا يجمع فيها، لهم أن يصلوا فيها ظهراً، ولكن لا تترك صلاة الظهر، وبعض العلماء نقل عنه سقوط صلاة الظهر، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الصلوات الخمس في اليوم والليلة مفروضة، لا يسقط منها فرض واحد في أي يوم من الأيام، دائماً وأبداً، والذي جاء فيه الترخيص ليس ترك الظهر، وإنما هو ترك الجمعة لمن حضر العيد.

    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن أرقم في صلاة النبي العيد أول النهار وترخيصه في الجمعة عند اجتماعهما

    قوله:
    [أخبرنا عمرو بن علي].
    وهو الفلاس البصري، وهو ثقة، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا عبد الرحمن بن مهدي].
    وهو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو أيضاً ثقة، عارف بالرجال، والعلل، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا إسرائيل].
    وهو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عثمان بن المغيرة].
    وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن إياس].
    وهو إياس بن أبي رملة، قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مجهول، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، لكن الحديث ثابت؛ لأنه جاء عن جماعة من الصحابة، وجاء من طرق متعددة، فالترخيص في الجمعة لمن حضر العيد لم يكن المستند عليه هذه الطريق، وهذا الإسناد، وإنما جاء من طرق أخرى، ومن أحاديث جماعة من الصحابة، منهم: ابن عباس، ومنهم: زيد بن أرقم: هذا الذي معنا في الإسناد، وكذلك غيرهم.
    [سأل زيد بن أرقم].
    معاوية رضي الله عنه، جاء ذكره في الإسناد لأنه هو الذي سأل، لكن إياس بن أبي رملة هو الذي يروي عن زيد بن أرقم، وكان سبب التحديث بذلك: سؤال معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، فهو سأل زيد بن أرقم رضي الله عنه، فأجابه بأنه حضر العيد، وأنه شهد عيدين مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي: الجمعة والأضحى، وأنه رخص لمن حضر العيد أن يتخلف عن الجمعة.
    وزيد بن أرقم صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث ابن عباس في الاكتفاء بصلاة العيد عند اجتماعها مع الجمعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا عبد الحميد بن جعفر حدثني وهب بن كيسان قال: (اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير رضي الله تعالى عنه، فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى، ولم يصل بالناس يومئذ الجمعة، فذكر ذلك لـابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: أصاب السنة)].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وذلك أن ابن الزبير رضي الله تعالى عنه في عهده اجتمع عيدان: عيد السنة، وعيد الأسبوع، فخرج للناس وصلى بهم العيد لما تعالى النهار، يعني: لما ارتفع النهار، وأطال الخطبة، ثم نزل، ولم يصل بالناس يومئذ الجمعة، وهذا فعل ابن الزبير، لكن كونه مرفوعاً؛ لأنه جاء عن ابن عباس عندما سئل أنه قال: أصاب السنة.
    وليس معنى هذا أن الناس تركوا الصلاة، وأنه لم يصل لهم، بل الصلاة لا تسقط، الظهر لا تسقط، والجمعة كذلك لا تسقط عن البعض، وإنما يرخص لمن تأخر، وقد قال ابن عباس: أصاب السنة، وابن عباس رضي الله عنه، هو الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما اجتمع عيدان قال: (إنا مجمعون، فمن حضر العيد وأراد أن يحضر الجمعة فليفعل، وإلا فإنه لا حرج عليه)، يعني: أن النبي عليه الصلاة والسلام رخص في التخلف عن الجمعة يوم العيد لمن حضر العيد، وابن عباس نفسه هو الذي روى الحديث عن رسول الله، وأنه قال: إنا مجمعون، فمن شاء أن يجمع معنا فليفعل، ومن شاء أن يتأخر فله أن يتأخر، وإلا فإنا مجمعون، أي: من أراد أن يحضر معنا يحضر، ومن أراد أن يتخلف فإنه لا شيء عليه.
    فالذي جاء عن ابن عباس هو: الترخيص في التخلف عن الجمعة لمن حضر العيد، وليس معنى ذلك أنها تترك الصلاة، أي: الجمعة، ولا أنها تترك صلاة الظهر أيضاً، فمن حضر الجمعة فقد أدى ما عليه، ومن لم يحضر الجمعة، فيتعين عليه أن يصلي الظهر؛ لأن الظهر لا تسقط بأي حال من الأحوال؛ لأن الصلاة فرضت في اليوم والليلة خمس مرات، وفي الحديث: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، ولم يأت نص واضح صريح بأن الظهر تسقط، وأن الجمعة تسقط، وإنما جاء أن الجمعة تسقط عمن حضر العيد، لكن الفرض الذي يكون لمن يصلي وحده، أو لمن لا يجمعون، هو صلاة الظهر، وصلاة الظهر لا بد منها لمن لم يصل الجمعة، ومن فاتته الجمعة فإنه يصلي ظهراً، ولا يسقط الظهر بأي حال من الأحوال.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في الاكتفاء بصلاة العيد عند اجتماعها مع الجمعة

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].محمد بن بشار، وهو: الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة, رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الحميد بن جعفر].
    وهو صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن وهب بن كيسان].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمه، وأحد العبادلة الأربعة، من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وأما ابن الزبير رضي الله تعالى عنه فمجيئه في الإسناد لأنه هو الذي صلى بالناس، وخطب الناس، وسئل ابن عباس عن فعله فقال: أصاب السنة. إذاً: الفعل فعل ابن الزبير ولكن إضافته إلى الرسول ورفعه إليه، هو من قول ابن عباس.
    إذاً: الذي روى عن ابن عباس، هو وهب بن كيسان، والحديث متصل من وهب بن كيسان إلى ابن عباس وابن الزبير، هو السبب الذي جعل ابن عباس يحدث بهذا الحديث؛ لأنه لما سئل قال: أصاب السنة، والسنة إذا جاء إطلاقها من الصحابي، وكذلك من غيره فإنه يراد بها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأصاب السنة أي: سنة الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    ضرب الدف يوم العيد
    شرح حديث عائشة في ضرب الدف يوم العيد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ضرب الدف يوم العيد.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن جعفر عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها جاريتان تضربان بدفين، فانتهرهما أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعهن فإن لكل قوم عيداً)].
    أورد النسائي: [ضرب الدف يوم العيد]، والمقصود من هذه الترجمة: أن العيد يرخص فيه باللعب، أو يمكن الصغار من اللعب الذي لا محذور فيه، وكذلك أيضاً بضرب الدف، وكذلك بالغناء، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهذا فيه دليل على جواز ضرب الدف في العيد، ولكن من النساء الصغيرات، ومن الجواري الصغيرات؛ لأن هذا الفعل إنما هو فعل جاريتين صغيرتين، هما دون البلوغ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما أنكر عليهما أبو بكر، وانتهرهما، قال عليه الصلاة والسلام: [(دعهما فإن اليوم يوم عيد)]، ومعناه: أنه يرخص لمثلهن بأن يأتين بمثل هذا الذي أتين به، وهو الضرب بالدف، وكذلك الغناء، كما جاء عن الجاريتين نفسهما، أنهما كانتا تغنيان، وسيأتي.
    فالحديث دال على جواز ضرب الدف في العيد، ولكن ليس لكل أحد، وإنما هو للجواري الصغيرات.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في ضرب الدف يوم العيد

    قوله:

    [أخبرنا قتيبة بن سعيد].

    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا محمد بن جعفر].
    وهو غندر، الملقب بـالبصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر].
    وهو معمر بن راشد الأزدي البصري، نزيل اليمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله، ينتهي نسبه إلى زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، إمام، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وهي أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق، التي روت الحديث الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    اللعب بين يدي الإمام يوم العيد
    شرح حديث عائشة في اللعب بين يدي الإمام يوم العيد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اللعب بين يدي الإمام يوم العيد.أخبرنا محمد بن آدم عن عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (جاء السودان يلعبون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد، فدعاني، فكنت أطلع إليهم من فوق عاتقه، فما زلت أنظر إليهم حتى كنت أنا التي انصرفت)].
    [اللعب بين يدي الإمام يوم العيد] أورد فيه النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، أن السودان، وهم الحبشة كانوا يلعبون بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم بالحراب والدرق، وهي من وسائل الحرب، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليهم، وجاءت عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وجعلت تنظر، وأقرها رسول الله، أو رخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنظر، فجعلت تنظر من فوق عاتقه صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه دليل على نظر المرأة إلى الرجال.
    قال العلماء: إن نظر عائشة رضي الله عنها إلى الرجال وهم يلعبون، يحتمل: أن يكون لأنها صغيرة، وأنها كانت دون البلوغ، ويحتمل أن ذلك كان قبل أن ينزل القرآن بغض الأبصار من قبل الرجال عن النساء، ومن قبل النساء عن الرجال، قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]، ويحتمل أن يكون ذلك بعد، ولكن إنما هو النظر إلى أشخاصهم من بعد، وليس النظر إلى وجوههم، وإلى مقاطعهم، وإنما إلى قصدهم وتحركاتهم.
    فالعلماء أجابوا عن نظر عائشة بهذه الأجوبة: إما أن يكون ذلك لكونها دون البلوغ، فلا يسوغ للمرأة أن تنظر إلى الرجال، أو أن ذلك كان قبل نزول المنع، والأمر بغض الأبصار من قبل الرجال، وكذلك من قبل النساء، أو لأنه بعد ذلك، ولكن النظر لم يكن إليهم، وإنما إلى أشخاصهم، كما ينظر إلى الأشخاص من بعد، فإن ذلك ليس كالنظر إلى وجوههم، أو ما يحصل من التلذذ من نظر المرأة إلى الرجل، وما إلى ذلك، بهذه الأجوبة أجاب العلماء عما حصل من عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    ثم أيضاً: الحديث يدل على حصول اللعب، فقد جاء في بعض الروايات، كما سيأتي أنه كان في المسجد، والمساجد كما هو معلوم تصان عن اللعب ولا تمتهن، لكن قال العلماء: إن هذا شيء نادر، وإنه لا يحصل دائماً، وإنما على ندرة، وأيضاً يكون في أمور تتعلق بالحرب، وليس من قبيل اللهو الذي لا خير فيه، وإنما هو تدرب، وإتيان بشيء هو مطلوب في الحرب، وفيه استعداد للحرب، فليس من قبيل اللعب المجرد، الذي لا قربة فيه، ولا يترتب عليه فائدة شرعية، بل هذا من قبيل الاستعداد للحرب، بهذا أجاب العلماء عن حصول لعبهم في المسجد، وكان ذلك بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام.
    ولهذا أنكر بعض الصحابة كما سيأتي فعلهم هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم قال للذي أنكر ذلك كما سيأتي: دعهم، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم، لكنه نادر، وليس بكثير الاستعمال في المسجد، وليس أيضاً من اللعب الذي هو لهو لا فائدة من ورائه، أو لا قربة من ورائه، بل هو من قبيل الاستعداد للحرب، ومن قبيل الوسائل التي هي من وسائل الحرب.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في اللعب بين يدي الإمام يوم العيد

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن آدم].
    هو محمد بن آدم بن سليمان الجهني، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.

    [عن عبدة].
    هو عبدة بن سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].
    هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه عروة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهما.


    اللعب في المسجد يوم العيد ونظر النساء إلى ذلك
    شرح حديث عائشة: (رأيت رسول الله يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اللعب في المسجد يوم العيد ونظر النساء إلى ذلك.أخبرنا علي بن خشرم حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا أسأم، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [اللعب في المسجد يوم العيد، ونظر النساء إلى ذلك]، وأورد فيها حديث عائشة رضي الله عنها، وهو المتقدم إلا أن فيه بيان أنها صغيرة، وأنها قالت: اقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو، أي: أنه يتسامح في حقها ما لا يتسامح في حق الكبيرات، يعني: أنه تراعى حالها لصغرها، فتمكن من مشاهدة مثل هذا اللعب، وهذا يبين أنها كانت صغيرة، وقد مر أن بعض العلماء أجاب أنها صغيرة دون البلوغ، كما مرت الإجابات الأخرى التي هي: كونها أيضاً قبل نزول آية المنع، والأمر بغض الأبصار، وكذلك أيضاً الجواب الثالث وهو: نظر النساء إلى قصدهم وحركاتهم، لا إلى وجوههم، يعني: أنه نظر من بعد، هذه هي الأوجه الثلاثة التي ذكرناها من قبل، لكن الحديث يشير ويبين من كلام عائشة، نفسها أنها كانت صغيرة السن، وأن الصغيرة تكون حريصة على اللهو وعلى اللعب، فيتسامح في حق الصغار ما لا يتسامح في حق غيرهم، ولهذا الجاريتان اللتان كانتا تغنيان وتضربان بالدف رخص لهما، ولم يمنعهما رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال لـأبي بكر: دعهما، معناه أن الصغيرة يرخص لها في بعض الأحوال، ما لا يرخص في غيرها من الأحوال.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (رأيت رسول الله يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد ...)

    قوله:
    [أخبرنا علي بن خشرم].
    وهو علي بن خشرم المروزي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي.

    وعلي بن خشرم هذا معمر من المعمرين، وقد ذكر في ترجمته أنه قال: صمت ثمانية وثمانين رمضاناً، أي: ثمانية وثمانون عاماً وهو يصوم رمضان، فهو من المعمرين.
    [حدثنا الوليد].
    وهو ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، كثير التدليس، والتسوية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الأوزاعي].
    وهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الدمشقي، فقيه الشام، ومحدثها، إمام، مشهور بالفقه، والحديث، وهو مثل الليث بن سعد في مصر، وسفيان الثوري في الكوفة، يعني أنهم محدثون، فقهاء، مشهورون في تلك البلدان.
    وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي مشهور بنسبته الأوزاعي، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه أبو عمرو وأبوه عمرو، ومن أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع: ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بلقبه أحياناً، فإن من لا يعرفه إلا بنسبه، يظن أنه لو قيل: عبد الرحمن أبو عمرو، أن (أبو) مصفحة عن (ابن)، لكن كلها صواب، إن قيل: عبد الرحمن بن عمرو فهو عبد الرحمن بن عمرو، وإن قيل: عبد الرحمن أبو عمرو، فهو عبد الرحمن أبو عمرو لأن كنيته توافق اسم أبيه، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن عروة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث أبي هريرة في ترخيص النبي للحبشة باللعب في المسجد بعد زجر عمر لهم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن موسى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (دخل عمر رضي الله تعالى عنه والحبشة يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر رضي الله عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهم يا عمر، فإنما هم بنو أرفدة)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن عمر رضي الله عنه دخل والحبشة يلعبون في المسجد، يعني: في يوم العيد، فزجرهم عمر، وهذا يدل على أن مثل هذا العمل غير مألوف، وأنه نادر؛ لأن عمر رضي الله عنه كذلك زجرهم، وكذلك الذي مر بالنسبة للجاريتين اللتين كانتا تغنيان، وتضربان بالدف، فأبو بكر زجرهما، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعهما)، فدل هذا على أن مثل هذا العمل غير مألوف، وأنه ينكر، ولكن كون النبي صلى الله عليه وسلم أقر عليه، دل على جوازه، ولكن في بعض الأحيان، وفي مناسبات نادرة، وليس دائماً وأبداً، ولهذا أنكر عمر رضي الله عنه وأرضاه صنيعهم هذا، والرسول قال له: (دعهم فإنما هم بنو أرفدة)، وبني أرفدة، قيل: إنه جد للحبشة، وقيل: إنه لقب على الحبشة.


    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في ترخيص النبي للحبشة باللعب في المسجد بعد زجر عمر لهم

    قوله:
    [أخبرنا إسحاق بن موسى].
    وهو ثقة، متقن، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري، ولا أبو داود.

    [حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري].

    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    وهو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو وعروة بن الزبير من الفقهاء السبعة.
    [عن أبي هريرة].
    هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحاب الرسول حديثاً.
    الرخصة في الاستماع إلى الغناء وضرب الدف يوم العيد
    شرح حديث عائشة في الترخيص للجواري في الغناء وضرب الدف يوم العيد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في الاستماع إلى الغناء وضرب الدف يوم العيد.أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة أنه حدثه: أن عائشة رضي الله تعالى عنها حدثته: (أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه دخل عليها وعندها جاريتان تضربان بالدف وتغنيان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه، وقال مرة أخرى: متسج ثوبه، فكشف عن وجهه فقال: دعهما يا أبا بكر، إنها أيام عيد، وهن أيام منى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [الرخصة في الاستماع إلى الغناء، وضرب الدف يوم العيد]، وأورد فيه حديث عائشة، وهو الذي تقدم ذكره في ضرب الدف، أورده هنا من أجل الغناء، وأنه رخص فيه في يوم العيد، ولكن للجواري الصغيرات وليس للكبيرات، ولهذا أبو بكر رضي الله عنه أنكر على تلك الجواري؛ لأن هذا غير مألوف، وغير معروف، وهو من الأمور المنكرة، ويعلمون أن الغناء لا يجوز، ولما رأى هذا بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وظن أنه نائم، وأن هذا من غير علمه، أنكر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مسجى في ثوبه، أو متسج ثوبه، أي: متغط، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهه وقال: (دعهما، إنها أيام عيد)، ودل هذا على جواز مثل هذا يوم العيد، ولكن في حق الجواري الصغيرات، يرخص لهن بضرب الدف، ويرخص لهن بالغناء الذي لا محذور ولا ريبة فيه، وليس فيه ما لا يصلح، وقالوا: إنه غناء مثل الحداء، أي: إنشاد الشعر على طريقة تشبه حداء الإبل.
    قوله: (وهن أيام منى)، يعني: كان عيد أضحى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأيام منى أي: الذي هو يوم العيد، والأيام التي بعده التي هي أيام التشريق.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الترخيص للجواري في الغناء وضرب الدف يوم العيد

    قوله:
    [أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله].
    هو أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري، وهو صدوق، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي.

    [حدثني أبي].
    وهو حفص بن عبد الله النيسابوري، وهو صدوق أيضاً، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثني إبراهيم بن طهمان].
    وهو ثقة يغرب، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك بن أنس].
    مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، الذي قال عنه الحافظ: رأس المتقنين وكبير المتثبتين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن عروة عن عائشة].
    وقد مر ذكر هؤلاء.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #293
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب قيام الليل وتطوع النهار)
    (290)


    - كتاب قيام الليل وتطوع النهار - باب الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك


    بيّن شرعنا الحكيم أن صلاة الإنسان في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة فإنها تؤدى في المسجد، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ترك البيوت بلا صلاة كالمقابر.

    الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك
    شرح حديث: (صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك.أخبرنا العباس بن عبد العظيم حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية بن أسماء عن الوليد بن أبي هشام عن نافع: أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً)].
    يقول النسائي رحمه الله: كتاب قيام الليل، وتطوع النهار، مراد النسائي رحمه الله بهذه الترجمة هو: بيان الأحكام التي دلت عليها الأحاديث المتعلقة بالنوافل، التي هي غير المكتوبة؛ لأن الفرائض التي فرضها الله عز وجل هذه صلوات مكتوبة، ولما ذكر الصلاة المكتوبة، وذكر كذلك جملة من الكتب المتعلقة بالصلوات التي تأتي في أوقات معينة، كالاستسقاء، والعيدين، والكسوف، أتى بالتطوع الذي هو قيام الليل والنوافل في النهار، وأتى بقيام الليل، لأن هذا هو اللفظ الذي يأتي كثيراً مع الأحاديث المتعلقة بصلاة الليل، فيقال فيه: قيام الليل، والمراد بالترجمة مطلقاً هو النوافل، وهي غير الفرائض، سواءً كانت في الليل أو في النهار، إلا أن الغالب على صلاة الليل يقال لها: قيام الليل، فمن أجل ذلك جمع بين ذكر الليل، وذكر النهار بذكر القيام مع الليل، وذكر التطوع مع النهار، وإن كان كله يقال له: تطوع، حتى قيام الليل، هو من قبيل التطوع؛ لأنه غير الفريضة، وهو مما سوى الفرائض.
    وقد أورد النسائي باب الحث على الصلاة في البيوت، والفضل في ذلك، أي: ترغيب، وبيان الفضل الذي يترتب على هذا العمل، وبيان فضل ذلك العمل الذي هو الصلاة في البيوت، وقد أورد النسائي، حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً)]، صلوا في بيوتكم، أي: النوافل التي هي سوى الفرائض، وأما الفرائض فإنها تصلى في المساجد، والمسلم يخرج من بيته إلى المساجد ليؤدي هذه الصلوات المفروضة، التي فرضها الله عز وجل على عباده، في اليوم والليلة خمس مرات، فقد بنيت المساجد لأداء الصلوات الخمس، ولإقامة ذكر الله عز وجل، وأما التطوع فإنه في البيوت أفضل.
    والنبي عليه الصلاة والسلام قال: [(صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً)]، والمقصود من قوله: [(صلوا في بيوتكم)]، أي: النوافل وليست الفرائض؛ لأن الفرائض، قد هم النبي عليه الصلاة والسلام بتحريق بيوت المتخلفين عن الصلاة في المساجد، وهذا يدل على وجوب صلاة الجماعة، وأنه يجب على المسلم، أن يخرج من بيته ليصلي الجماعة، وإنما الصلاة المطلوبة في البيوت هي النوافل، ولما قال عليه الصلاة والسلام: [(صلوا في بيوتكم، قال: ولا تتخذوها قبوراً)]، فالمراد بقوله: [(لا تتخذوها قبوراً)]، بعد قوله: [(صلوا في بيوتكم)]، هو بيان أن البيوت لا تشبه بالمقابر، وتكون شبيهة بالمقابر إذا خلت من الصلاة، لأن المقابر لا يصلى فيها، فلا تتخذ البيوت مثل المقابر لا يصلى فيها، وهذا يدل على أن المقابر لا يصلى فيها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أمر بالصلاة في البيوت، نهى أن تتخذ قبوراً، بأن تكون شبيهة بالمقابر التي ليست محلاً للصلاة، التي لا يجوز للإنسان أن يصلي فيها، أي: النوافل أو الفرائض، لا تتخذ المقابر مواضع للصلاة، وأما صلاة الجنازة على القبور، أو على القبر بعد الدفن لمن لم يصل عليه، فإن هذا جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا ينافي ذلك، النهي عن اتخاذ البيوت مقابر، يعني: وأنها لا تشبه بالمقابر بحيث لا يصلى فيها، وكذلك ما جاء من النهي عن الصلاة إلى القبور، والجلوس عليها، لا ينافي ذلك؛ لأن هذه صلاة خاصة تتعلق بالميت، والنبي عليه الصلاة والسلام صلى على القبر بعد دفنه، فدل هذا على أن صلاة الجنازة، تختلف عن الصلوات الأخرى التي هي: فرائض أو نوافل، [(صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً)].
    ثم أيضاً قيل: إن المراد بقوله: [(لا تتخذوها قبوراً)]، أي: لا يكون لكم فيها شأن إلا النوم، وأن تكونوا تتخذوا هذه المساكن للنوم فقط، وليس لها نصيب من العبادة، فيكون شأن البيوت تشبه المقابر، من حيث أنها تتخذ أمكنة للنوم فقط، والنوم أخو الموت، والنوم هو الموتة الصغرى، والله عز وجل يقول: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42]، يعني: يتوفاها في منامها، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42]، والنوم أخو الموت، ولهذا قد جاء أن أهل الجنة لا ينامون، وهم لا يذوقون فيها الموت، أي: الموت مطلقاً، سواءً الموت الذي هو الموت الأكبر، أو الموت الأصغر الذي هو مؤقت، والذي هو: خروج الروح لفترة مؤقتة، ففسر النهي عن اتخاذ البيوت مقابر، أي: لا تتخذ أماكن للنوم فقط، كما تتخذ المقابر للموتى، فتكون البيوت أماكن للموت الأصغر، والمقابر أماكن للموت الأكبر، وإنما يكون للبيوت نصيب من الصلاة.
    وقيل أيضاً: إن قوله: [(لا تتخذوها قبوراً)]، أي: لا تدفنوا الموتى في البيوت، لا تتخذوها أماكن للدفن، بل الموتى يدفنون في غير البيوت؛ لأن الدفن في البيوت هو بناء على القبور، والبناء على القبور لا يجوز، وإنما الدفن يكون في المقابر ولا يكون في البيوت؛ لأن البيوت ليست أماكن للدفن.
    وما جاء من كون النبي عليه الصلاة والسلام دفن في بيته، هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وجاء أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون، فهو دفن حيث مات عليه الصلاة والسلام، ودفنه في بيته من خصائصه، ودفن أبي بكر، وعمر، رضي الله عنهما معه في المكان الذي دفن فيه، ولهذا عمر رضي الله عنه، لما طعن، ومكث أياماً، كان مما عمله، أو مما أراده في تلك الفترة، أنه أرسل إلى أم المؤمنين عائشة يطلب منها أو يستأذن منها، أن يدفن مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر، ولما جاء الذي ذهب لاستئذانها، وأخبره بذلك فرح، ولورعه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، خشي أن تكون عائشة رضي الله عنها أجابت استحياء منه ما دام موجوداً، وأنه يمكن أن يتغير رأيها إذا مات؛ لأنها أخبرت بأنها قد هيأت لنفسها مكاناً تدفن فيه مع زوجها صلى الله عليه وسلم، وأبيها رضي الله تعالى عنه، وقالت: إنها تؤثره به، فخشي أن يكون هذا الإذن حياءً منه لما كان حياً، وأنه إذا مات يمكن أن يتغير رأيها، فأوصى بأنه إذا مات وحمل، يذهب به إليها، وتستأذن، فإن أذنت دفن، وإلا دفن مع المسلمين، أي معناه: أنه يدفن في المقابر التي يدفن فيها الموتى ولا يدفن في البيت وما قال: ادفنوني في بيتي، وإنما قال: ادفنوني مع المسلمين في مقابرهم.
    وعلى هذا فإن قوله: [(ولا تتخذوها قبوراً)]، يصلح فيه المعنى الذي جاء ذكره هنا، من حيث أنها لا تتخذ مشبهة بالمقابر، فلا يصلى فيها، وأيضاً لا تكون مشبهة بالمقابر، بحيث ما تتخذ إلا للنوم، وهو الموتة الصغرى، وأيضاً لا تتخذ أماكن للدفن؛ لأن الدفن لا يكون في البيوت، وإنما يكون في المقابر، وما جاء من دفنه عليه الصلاة والسلام في بيته، فإن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام.
    تراجم رجال إسناد حديث: (صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً)

    قوله:
    [أخبرنا العباس بن عبد العظيم].
    هو العباس بن عبد العظيم العنبري البصري، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء].
    هو عبد الله بن محمد بن أسماء بين عبيد الضبعي البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي].
    يروي عن عمه جويرية بن أسماء؛ لأن عبد الله بن محمد بن أسماء، أبوه: محمد، وهو أخو جويرية، وأسماء والد جويرية ووالد محمد، فـعبد الله بن محمد، يروي عن عمه جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، أي: فيه زيادة: ابن ماجه للذين خرجوا لابن أخيه عبد الله بن محمد، وجويرية بن أسماء، اسمه واسم أبيه، مما اتفق أن يكون من أسماء النساء، لأن جويرية من أسماء النساء، وأسماء من أسماء النساء، فهو وأبوه اتفقا أن تكون أسماؤهم من جنس أسماء النساء.
    [عن الوليد بن أبي هشام].
    صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن نافع].
    هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما].
    وهو أحد العبادلة الأربعة، من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، هؤلاء أربعة يقال لهم: العبادلة الأربعة؛ لأنهم في سن متقارب، وهم من صغار الصحابة، وقد عاشوا، وأدركهم من لم يدرك الكبار من الصحابة، وفي الصحابة ممن يسمى عبد الله كثير، لكن لقب العبادلة الأربعة، على هؤلاء الأربعة الصغار من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وممن يسمى عبد الله من أصحاب رسول الله غير هؤلاء: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وعبد الله أبي بكر، كثيرون يسمون باسم عبد الله، لكن الذين أطلق عليهم لقب العبادلة الأربعة من الصحابة، هم هؤلاء الأربعة من أصحابه الكرام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
    وقد قيل: إن عبد الله بن مسعود هو أحد العبادلة الأربعة، لكن الصحيح أنه ليس منهم؛ لأنهم متقاربون في السن، وعاشوا في وقت واحد، وهم من صغار الصحابة، وأما ابن مسعود، فهو من المهاجرين الأولين، وهو أيضاً من المتقدمين، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين، أي: في خلافة عثمان، وأما هؤلاء فقد عاشوا بعده في حدود ثلاثين سنة، أو أكثر من ثلاثين سنة، فأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، ولم يدرك كبار الصحابة، فلهذا يقال لهم: العبادلة الأربعة.
    وأيضاً عبد الله بن عمر، هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء سبعة، هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يرو أحد من الصحابة مثلما روى هؤلاء السبعة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    شرح حديث: (... أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا عفان بن مسلم حدثنا وهيب سمعت موسى بن عقبة سمعت أبا النضر يحدث عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليالي، حتى اجتمع إليه الناس، ثم فقدوا صوته ليلة فظنوا أنه نائم، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم، فقال: ما زال بكم الذي رأيت من صنعكم؛ حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)].أورد النسائي حديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام، اتخذ حجرة من حصير، يعني: تكون كالستار، يحتجزها أي: اقتطعها من المسجد، بحيث يصلي فيها، ولعل اتخاذه ذلك لضيق المكان في داخل منزله عليه الصلاة والسلام، ولما علم الصحابة رضي الله عنهم بصلاته، جاءوا، وصلوا معه، عليه الصلاة والسلام، ثم صلوا معه مرة أخرى، ثم لما رآهم تتابعوا، وأعلم بعضهم بعضاً، وكثروا لم يخرج في ليلة، وقد انتظروا خروجه عليه الصلاة والسلام، وظنوا أنه نائم، فجعل بعضهم يتنحنح، أي: ينبه الرسول صلى الله عليه وسلم ليخرج إليهم، فيصلي بهم كما صلى بهم في تلك الليالي السابقة، والنبي عليه الصلاة والسلام ما كان نائماً، ولكنه لم يخرج خشية أن يفترض عليهم قيام الليل، وكان هذا في رمضان، وهذا هو الأصل في صلاة التراويح.
    لقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليال في آخر الشهر، ولما رآهم تتابعوا، وكثروا، خشي أن يفرض عليهم، فترك ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا من شفقته على أمته، وحرصه على دفع المشقة عنها، وأن تكلف بما فيه مشقة عليها، فخشي أن يفرض ذلك، أي: صلاة الليل أو قيام رمضان، فأخبرهم بأنه يعلم بمكانهم، وأنهم حضروا، ولكن منعه من ذلك خشية افتراضه عليهم، أي: قيام رمضان، وهذا من شفقته على أمته عليه الصلاة والسلام، وحرصه على دفع العنت والمشقة عنها.
    ثم قد يقال: كيف يقول النبي: [(إني خشيت أن يفرض)]، وهو عليه الصلاة والسلام، لما عرج به إلى السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس، وكانت خمسين أولاً، ثم خففت إلى خمس، وصارت خمساً في العمل وخمسين في الأجر، وقال: ما يبدل القول لدي، يعني: أنها تقف عند هذا الحد، فكيف يزاد شيئاً يفرض، وقد خففت الخمسين إلى خمس؟
    والجواب عن هذا: أنه لا يختلف؛ لأن الخمس في اليوم والليلة، يعني فرضها في اليوم والليلة هذا هو الذي لا يحصل فيه زيادة؛ لأن الله تعالى خفف، لكن كونه يحصل في السنة يعني: في رمضان يفرض عليهم صلاة التراويح، وهذا لا ينافيه، كونه خفف عنهم في اليوم والليلة؛ لأن التخفيف كان عن اليوم والليلة، أما كونه يحصل لهم في شهر من السنة أن يفرض عليهم شيء، فهذا هو الذي خشيه الرسول عليه الصلاة والسلام.
    ثم إن أبا بكر رضي الله عنه، مدة خلافته الوجيزة سنتان وأشهر، لم يجمع الناس على صلاة التراويح، وكان مشغولاً بقتال المرتدين، وإرجاعهم إلى حظيرة الإسلام، وإلى ما كانوا عليه في زمنه عليه الصلاة والسلام، ولما جاء عمر رضي الله عنه، أعاد للناس الصلاة التي فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه تركها خشية أن تفرض؛ لأن الذي خشيه الرسول صلى الله عليه وسلم قد زال؛ ولأنه لا فرض بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما توفي رسول الله استقرت الشريعة، فالفرائض فرائض، والنوافل نوافل، فما هناك شيء يخشى بعد وفاته، وإنما الخشية في حياته، فما زال الوحي ينزل، وبعد وفاته زال ذلك الذي خشيه النبي صلى الله عليه وسلم، فأعاده عمر رضي الله عنه، وجمع الناس على صلاة التراويح؛ لأنه زال الشيء الذي من أجله ترك الصلاة بهم صلى الله عليه وسلم في آخر شهر رمضان.
    قوله: [(فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة)]، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، يعني: إلا المكتوبة فإنها في المسجد أفضل، بل هي واجبة في المسجد، وهذا فيه الحث على الصلوات في البيوت، وبيان أن الصلاة في البيت أفضل من الصلاة في المسجد.
    صلاة النافلة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد النبوي لمن صلى فيه
    ثم أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة)]، وهو في مسجده عليه الصلاة والسلام، وإذا كانت الصلاة في البيوت أفضل من الصلاة في مسجده، ومع أن الصلاة في مسجده بألف صلاة، فهذا يدلنا على أن الصلاة لمن صلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن صلاته في بيته أفضل من صلاته في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأجرها أعظم من الصلاة في مسجده، ومن صلى في مسجده فله أجر النافلة بألف نافلة، والفريضة بألف فريضة، لكن النافلة في البيت، لمن صلى في المسجد، أفضل من صلاة النافلة في مسجده صلى الله عليه وسلم، أما من لا يصلي الفرائض في مسجده عليه الصلاة والسلام، وإنما يصليها في مساجد أخرى، فلا يقال: إن صلاته في بيته، أفضل من صلاته في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ما أدى الفريضة في مسجده عليه الصلاة والسلام، حتى يريد أن يصلي في مسجده النوافل، وإنما تكون أفضل من صلاته في مسجده الذي صلى فيه الفريضة، لا يقال: إن من صلى في بيته في المدينة أفضل من صلاته في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: النوافل، ولكن من صلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتمكن من أن يصلي النوافل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه تركها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)]، فإن الصلاة في بيته أفضل من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام قال هذا في مسجده، ومعه أناس أرادوا أن يصلوا في مسجده نافلة، خشي أن تفترض عليهم.ومن العلماء من قال: إن صلاة الليل مطلقاً في البيوت أفضل، حتى صلاة التراويح، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ترك ذلك خشية أن يفترض قال: [(صلوا في بيوتكم فإن الصلاة في البيوت أفضل)]، لكن لما أعاد عمر رضي الله عنه تلك الشعيرة؛ لأنه زال الزمن أو انتهى الزمن الذي يخشى منه فرضها، أو يخشى فيه فرضها، فإن الاجتماع لصلاة التراويح، وحضور صلاة التراويح في المساجد أفضل؛ لأنها صارت شعيرة من شعائر الإسلام، وهي إظهارها جماعة في المساجد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي بهم، وترك تلك الصلاة خشية أن تفترض، ثم أرشدهم إلى أن يصلوا في البيوت؛ لأنه يخشى أن تفترض عليهم هذه الصلاة، لكن لما جمع عمر الناس على صلاة التراويح، فإن جماعة من أهل العلم قالوا: إن صلاة التراويح في المساجد أفضل من صلاتها في البيوت؛ لأن هذه شعيرة من شعائر الإسلام، أي: كونه يصلى، ويجتمع لهذه الشعيرة، ولهذه الصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)

    قوله:

    [أخبرنا أحمد بن سليمان].

    هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عفان بن مسلم].
    هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، ثبت، ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا وهيب].
    هو وهيب بن خالد البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت موسى بن عقبة المدني].
    ثقة، فقيه، إمام في المغازي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أبا النضر].
    هو سالم بن أبي أمية المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن بسر بن سعيد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد بن ثابت].
    وزيد بن ثابت، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكاتب الوحي، وهو صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (... عليكم بهذه الصلاة في البيوت)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير حدثنا محمد بن موسى الفطري عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب في مسجد بني عبد الأشهل، فلما صلى قام ناس يتنفلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بهذه الصلاة في البيوت)].أورد النسائي حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب في مسجد بني عبد الأشهل، ولما صلى، رآهم يتنفلون بعد الصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام: [(عليكم بهذه الصلاة في البيوت)]، وهذا يدل على تفضيل النوافل في البيوت على غيرها، وهو داخل تحت عموم قوله: (فإن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة)؛ لأن هذه من جملة النوافل، والحديث عام: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)، يشمل كل ما عدا الفرائض؛ لأن قوله: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)، يشمل تلك وغيرها، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينبههم على أن صلاتهم النافلة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد، وإلا فإن قوله: (فإن صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)، يشمل جميع النوافل وتدخل فيها هذه النافلة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... عليكم بهذه الصلاة في البيوت)
    قوله:
    [أخبرنا محمد بن بشار].
    هو الملقب بندار، وهو بصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير].
    صدوق، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا محمد بن موسى الفطري].
    صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة].
    ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو إسحاق بن كعب بن عجرة، وقد قال عنه الحافظ: إنه مجهول، وحديثه أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبيه كعب بن عجرة].
    هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وصحابي مشهور، وهو صاحب القصة المتعلقة بفدية حلق الرأس، في حق من كان محرماً إذا احتاج إلى حلق رأسه، وأنه يكون عليه فدية، فـكعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه هذا، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    والإسناد فيه إسحاق بن سعد، وهو مجهول الحال، لكن كما علمنا أنه وجدت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه، فهو يعتبر ثابتاً.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #294
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب قيام الليل وتطوع النهار)
    (291)

    كان من هدي النبي عليه الصلاة والسلام قيام الليل؛ فكان يصلي إحدى عشرة ركعة ثم يوتر بثلاث ركعات، وكان لا يقوم الليل كله، بل يقوم وينام.

    قيام الليل
    شرح حديث: (... فقام نبي الله وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قيام الليل.أخبرنا محمد بن بشار حدثني يحيى بن سعيد عن سعيد عن قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام: (أنه لقي ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فسأله عن الوتر؟ فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: عائشة رضي الله تعالى عنها، ائتها فسلها، ثم ارجع إلي، فأخبرني بردها عليك، فأتيت على حكيم بن أفلح، فاستلحقته إليها فقال: ما أنا بقاربها، إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئاً فأبت فيها إلا مضياً، فأقسمت عليه فجاء معي، فدخل عليها فقالت لـحكيم: من هذا معك؟ قلت: سعد بن هشام، قالت: من هشام ؟ قلت: ابن عامر، فترحمت عليه وقالت: نعم المرء كان عامر، قال: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أليس تقرأ القرآن؟ قال: قلت: بلى، قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فهممت أن أقوم، فبدا لي قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن قيام نبي الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أليس تقرأ هذه السورة: يا أيها المزمل؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه حولاً، حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله عز وجل خاتمتها اثني عشر شهراً، ثم أنزل الله عز وجل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعاً بعد أن كان الفريضة، فهممت أن أقوم، فبدا لي وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله عز وجل لما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ويتوضأ، ويصلي ثماني ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، يجلس فيذكر الله عز وجل، ويدعو، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين، وهو جالس بعدما يسلم، ثم يصلي ركعة، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس بعد ما سلم، فتلك تسع ركعات يا بني، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يدوم عليها، وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم، أو مرض، أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة كاملة حتى الصباح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان، فأتيت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فحدثته بحديثها، فقال: صدقت، أما أني لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة. قال أبو عبد الرحمن: كذا وقع في كتابي، ولا أدري ممن الخطأ في موضع وتره عليه السلام)].
    أورد النسائي: باب قيام الليل؛ وهي: صلاة الليل، وهي من النوافل التي هي غير الرواتب، أو الراتبة التي تكون بعد صلاة العشاء، هذا يقال له: قيام الليل، وأورد تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه: أن سعد بن هشام بن عامر، جاء إلى ابن عباس يسأله عن الوتر؟ فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: عائشة، اذهب إليها.
    فقوله: [ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض]، هذا فيه الدلالة على أن الإنسان إذا سئل عن شيء، وهو يعلم أن غيره يكون أعلم منه، وعنده الإجابة الشافية الكافية، فإنه يدله عليه، ويحيله إليه، ويشير بالذهاب إليه؛ لأن ابن عباس رضي الله عنه أرشد هذا الرجل إلى أن يسأل عائشة، وقال: إنها أعلم أهل الأرض؛ وذلك لأن صلاة الليل إنما تكون في البيوت وأهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم هم أعلم الناس بما يحصل منه، وبأفعاله التي تكون في البيوت، فذهب إلى حكيم بن أفلح، وطلب منه أن يذهب معه إليها، فامتنع وقال: [إنني كنت نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين فأبت إلا المضي]، يعني: من ذلك ما جرى من الحروب، ومن الاختلاف الذي حصل بعد قتل عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    فامتنع، فألح عليه، وأقسم عليه أن يذهب، فذهب؛ أقسم عليه فبر بقسمه، وذهب، وإن كان لا يريد الذهاب إليها؛ للسبب الذي ذكره وأشار إليه، ولما ذهب كانت تعرف حكيماً، سألته: [من هذا الذي معك؟] لأن هذا الذي جاء يسأل، هو الذي يسأل عنه، وكأنه طلب منه أن يذهب؛ لأنه على علم أنها على معرفة به، وأنها تعرفه، أي: تعرف حكيم بن أفلح، فقال: [سعد بن هشام، قالت: ومن هشام؟ قال: ابن عامر، فترحمت على عامر وأثنت عليه]، وهذا فيه دليل على أن الإنسان إذا حضر إليه أحد لا يعرفه، أنه يسأل عنه حتى يعرفه، وحتى يكون هناك تعارف، وحتى لا يكون جاء، ويسأل، ويذهب وهو لا يعرف، وإنما سألت عنه: [من هذا الذي معك؟ فأخبرها بأنه سعد بن هشام]، وهذا فيه دليل على أن مثل ذلك سائغ، وأنه هو الذي ينبغي، ومثل هذا ما جاء في حديث جابر الطويل في قصة حجة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحديث في إسناده أن محمد بن علي بن الحسين جاء ومعه أربعة أشخاص إلى جابر وقد عمي وكبر، فجاءوا وجلسوا إليه، وأرادوا أن يسألوه، فسأل عن أسمائهم واحداً واحداً، وهم خمسة، حتى عرف أن فيهم محمد بن علي بن الحسين، فقربه إليه؛ لأنه يريد أن يحدثه، ففتح أزارره ووضع يده على صدره، وجعل يحدثهم بالحديث الطويل حديث جابر.
    فمحل الشاهد من إيراد ذلك: أنه شبيه بالذي حصل من عائشة؛ من سؤالها عن الرجل الذي لا تعرفه، وأنه ينبغي للإنسان عندما يأتي إليه أحد فإنه يسأل عنه؛ حتى يكون على علم، وحتى يعرف، وحتى في المستقبل لا يحتاج إلى أن يسأل عنه، كما كان حكيم بن أفلح معروفاً عندها، فلم تحتج إلى السؤال عنه، فيكون هذا الشخص عندما يأتي مرة أخرى لا تحتاج إلى السؤال عنه، ولو جاء وذهب وهي لا تعرف اسمه بقي مجهولاً عندها.
    فسألوها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت: [أليس تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلقه القرآن] ومعنى خلقه القرآن عليه الصلاة والسلام: أنه يطبق ما جاء في القرآن من الأخلاق، والأعمال، والنهي والأمر فيتأدب بآداب القرآن، ويتخلق بالأخلاق التي جاءت في القرآن، ويمتثل الأوامر التي جاءت في القرآن، وينتهي عن النواهي التي جاءت في القرآن، فكان خلقه القرآن.
    ومن الأمثلة التي توضح هذا الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3]، قالت: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة، بعد أن أنزلت عليه هذه السورة، إلا قال في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)، يعني: ينفذ القرآن؛ لقوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:3]، ويقول: سبحانك اللهم وبحمدك، تنفيذاً لقوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:3]، فكان عليه الصلاة والسلام يطبق ما أُمر به من التسبيح، والاستغفار بقوله في الركوع والسجود: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي.
    قوله: [يتأول القرآن]، أي: يطبقه وينفذه؛ لأن التأويل هو ما يؤول إليه الشيء؛ لأن التأويل يأتي بمعنى التفسير، ويأتي بما يؤول إليه الأمر من الحقيقة، ويأتي بمعنى التأويل الذي هو معروف، وهو صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنىً بعيد عن ظاهره، والذي هو تأويل المتأولين الذين يصرفون النصوص عما تدل عليه، إلى معاني بعيدة لا تدل عليها، فقوله: [يتأول القرآن]، أي: ينفذ القرآن.
    فهذا مثال من أمثلة ما جاء في هذا الحديث أن خلقه القرآن، أي: يمتثل ما جاء في القرآن فعلاً وتركاً، ويتخلق بأخلاق القرآن، ويتأدب بآداب القرآن، فكان خلقه القرآن عليه الصلاة والسلام، وقد وصفه الله عز وجل في القرآن بأنه على خلق عظيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وصلاته الوتر

    قوله: [فهممت أن أقوم، فبدا لي قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم]، فسألها عن قيام رسول الله عليه الصلاة والسلام؟فقالت: [أليس تقرأ هذه السورة: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل:1]؟ إن الله عز وجل أنزل على رسوله أول هذه السورة، فكان يقوم، وكذلك أصحابه يقومون سنة، حتى تورمت أقدامهم، ثم إن الله عز وجل خفف عنهم فأنزل آخر السورة التي فيها التخفيف]، والتي فيها بيان أن قيام الليل صار تطوعاً بعد أن كان فريضة، فخفف الله تعالى عن نبيه عليه الصلاة والسلام، وصار تطوعاً وفريضة، وكان عليه الصلاة والسلام يقوم الليل وهو تطوع، ولهذا لما قالت له عائشة وكان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه: ( كيف تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: يا عائشة، أفلا أكون عبداً شكوراً )، يعني: فمن شكر الله عز وجل على أن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أنه كان يتقرب إليه بالعبادة، وكان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه؛ فلأنه يحب أن يكون عبداً شكوراً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فصار قيام الليل أولاً فرضاً عليه صلى الله عليه وسلم، ثم إنه كان تطوعاً في حقه، وفي حق أمته، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    قال: [فهممت أن أقوم فبدا لي وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم]، وهذا هو الذي كان سأل به ابن عباس أولاً عنه، وأرسله إلى عائشة للسؤال عنه، وقال: إنها أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها صاحبة البيت، وصلاة الليل إنما تكون في البيت، والوتر إنما يكون في البيت، فهي أعلم، وأدرى من غيرها.
    قال: [قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله عز وجل لما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ ويصلي ثمان ركعات].
    قوله: [يا أم المؤمنين]، هذا من الأدب، والتأدب مع أمهات المؤمنين، بحيث يخاطبونهن بهذا الوصف الذي وصفهن الله تعالى به، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، فهن أمهات المؤمنين، فكانوا يخاطبونها: يا أم المؤمنين، أو يقول بعضهم: يا أماه؛ لأنه من المؤمنين وهي أمه، فمنهم من يقول: يا أماه، ومنهم من يقول: يا أم المؤمنين، وهذا من الأدب مع زوجات رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث كان يخاطبونهن بقولهم: يا أم المؤمنين.
    ثم أيضاً هي في جوابها كانت تقول: يا بني! وهذه أيضاً من العبارات التي يقولها الكبير للصغير، بحيث يقوله له: يا بني، وهذا فيه عطف، ورفق، وإحسان، وأسلوب حسن يبعث في نفس الصغير الفرح والسرور، فكانت تقول له كما جاء في الحديث: يا بني، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لـأنس: يا بني.
    وكان صغار الصحابة يقولون لكبارهم: يا عم، وإن كان ليس من قرابته، كما في حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يوم بدر، أنه قال: (فنظرت فإذا عن يميني وشمالي شابان صغيران، فالتفت إليه أحدهما وقال: يا عم، أتعرف أبا جهل ؟ قال: وماذا تريد منه؟ قال: إنه كان يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن رأيته لن يفارق سوادي سواده حتى يموت الأقرب منا أجلاً). يعني: إما أنا وإلا هو، فالتفت إلى الثاني وقال له: يا عم، وسأله نفس السؤال، شابان صغيران هما من الأنصار وعبد الرحمن بن عوف من المهاجرين، وكل واحد منهما يقول له: يا عم، فهذا فيه دليل على أن الصغير يخاطب الكبير بقوله: يا عم، وإن لم يكن ليس من قبيلته، وليس من قرابته؛ لأن هؤلاء من الأنصار، وعبد الرحمن من المهاجرين وكانا يقولان له: يا عم، فمثل هذه من الآداب والأخلاق التي تكون في التخاطب؛ الكبير يقول: يا بني، والصغير يقول: يا عم، وكذلك كانوا يخاطبون أمهات المؤمنين بقولهم: يا أم المؤمنين، أو يا أماه.
    قالت: [كنا نعد له سواكه وطهوره]، الطهور: هو الماء الذي يتطهر به، أي: يتوضأ به، وهي من الألفاظ التي يفرق بين فتح أولها وضمه، بالفاء وبالعين، يعني: الطهور بالفتح: يراد به الماء الذي يتوضأ به، والطهور بالضم: المراد به الوضوء الذي هو الفعل، أي: الحركة التي هي أخذه وغسل الوجه، هذا يقال له: طُهور، ما يقال له: طَهور، وأما الماء الذي يتوضَأ به يقال له: طَهور، كما يقال: وَضوء ووُضوء. ومثله: سَحور وسحور؛ السَّحور هو الطعام الذي يقدم ليؤكل آخر الليل لمن يريد أن يصوم، والسُّحور هو الأكل، أي: كون الإنسان يأخذ ويتناول، هذا يقال له: سحور بالضم.
    ومثله: الوَجور والوُجور، الوَجور وهو الذي يوضع في فم المريض؛ يقال له: وَجور، والوضع بالفعل يقال له: وُجور.
    وكذلك الصَّعوط والصُّعوط الذي يوضع في الأنف، يعني يقال له: صَعود نفس المسحوق أو الشيء الذي يوضع في الأنف، يقال له: صَعوط، ونفس الوضع يقال له: صُعوط، فالطَّهور والطُّهور، والسَّحور والسُّحور، والوَضوء والوُضوء، والوَجور والوُجور، والصَّعوط والصُّعوط، كلها من الألفاظ التي يفرق بين فتح أوله وضمه، فما كان مفتوحاً يراد به العين أو الشيء الذي يستعمل، يعني كما هنا الطَّهور هو الماء؛ يعدون له ماء يتوضأ به إذا قام، وسواكه حتى يتسوك ويستاك عند وضوئه، وعند قيامه من الليل عليه الصلاة والسلام.
    قالت: [فيبعثه الله عز وجل لما شاء من الليل]، يعني: يقيمه من النوم، يقال له: بعث هنا؛ لأن النوم أخو الموت، والله عز وجل يقول: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42]، يعني: يبعثه مثلما يبعث الأموات، فالموت الذي هو الخروج من هذه الحياة بالبعث، والنشور، كذلك عندما يوقظ الله الإنسان ويجعله يستيقظ يقال له: بعث؛ لأنه مثل ذلك البعث؛ لأن هذا انتهاء تلك النومة أو هذه الموتة، وذاك انتهاء ذلك الموت بخروجه، فأطلق عليه بعث؛ لأنه بعث من نوم، فيبعث الناس من قبورهم فيحيون، بعد أن كانوا أمواتاً، فيحيون عند النفخ في الصور النفخة الثانية، وهنا إذا شاء الله عز وجل أن يبعثه بعثه.
    ومنه ما جاء في حديث علي رضي الله عنه لما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى علي، وفاطمة وقال: (ألا تقومان فتصليان؟ فقالا: إنما أنفسنا بيد الله، إذا شاء أن يبعثنا بعثنا)، يعني: أنهم ينامون، والله إذا شاء أن يبعثهم من نومهم.. (فالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب وهو يضرب يده على فخذه ويقول: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54]).
    قالت: [فيتسوك ويتوضأ ويصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، يجلس فيذكر الله عز وجل ويدعو، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، ثم يصلي ركعة، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني].
    ذكرت له وتر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثمان لا يجلس إلا في آخرها، فيجلس ويذكر الله عز وجل، ويسلم تسليماً يسمعهم إياه، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يقوم ويأتي بركعة، فتلك إحدى عشرة ركعة، فهذا هو وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: صلاته في الليل، والتي آخرها ركعة واحدة توتر تلك الركعات.
    وقد قال النسائي في آخر الحديث: [ولا أدري ممن الخطأ في بيان موضع وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم]، ومقصوده هذه الجملة؛ لأن الذي جاء في الأحاديث الصحيحة أن النبي عليه الصلاة والسلام يصلي ثماني ركعات، كما جاء في بعض الروايات، ثم يجلس يذكر الله عز وجل، ثم يقوم ولا يسلم، ثم يأتي بركعة، ثم يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، فهذه إحدى عشر ركعة؛ تسع كانت متصلة، وهو قائم فيها، وركعتين وهو جالس، فالخطأ الذي أشار إليه كون الركعتين التي صلاهما وهو جالس، كانتا قبل الوتر، وإنما المحفوظ والمعروف أنهما بعد الوتر.

    وتر النبي عندما كبر في السن أو أصابه طارئ منعه منه
    قالت: [فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس بعدما سلم، فتلك تسع ركعات يا بني].يعني: أنه لما أسن، وتقدمت به السن عليه الصلاة والسلام، صلى سبعاً، أي: وتراً، ثم صلى ركعتين وهو جالس، وهذا ليس فيه خطأ؛ لأن الركعتين وهو جالس جاءت بعد الوتر، وإنما الخطأ في الجملة التي تقدمت؛ وهي أن الركعتين التي صلاهما وهو جالس قبل أن يأتي بركعة الوتر، وهذا أقل ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام؛ أنه أوتر بسبع، هذا أقل شيء حصل منه، وأكثر شيء جاء عنه أنه صلى ثلاث عشرة ركعة.
    قوله: [وكان عليه الصلاة والسلام إذا صلى صلاة أحب أن يدوم عليها]، يعني: أنه يداوم على الصلاة التي يصليها، فكان يصلي إحدى عشرة ركعة، ولكنه لما كبر صلى سبعاً، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يداوم على الشيء، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام: (أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل).
    وقول عائشة رضي الله عنها: [وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا شغله عن قيام الليل نوم أو مرض أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة]، هذا يدلنا على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يداوم على صلاة الليل، ويداوم على قيام الليل، وأنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة، وكان يداوم على ذلك، وكان من هديه أنه إذا عمل عملاً داوم عليه عليه الصلاة والسلام، وإذا شغله شاغل عن قيام الليل من نوم أو وجع أو مرض، فإنه يصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة؛ قضاءً، أي: يقضي الإحدى عشرة ركعة، ولكنه لا يصليها إحدى عشرة كما كانت، فيصلي الوتر في النهار، وإنما يصلي مقدار تلك الركعات وزيادة ركعة، حتى يكون أتى بالمطلوب وزيادة، وحتى لا يكون أتى بالوتر في النهار.
    وهذا يدلنا على أن الإنسان إذا نسي وتره، أو نام عن وتره، أو شغله شاغل عن وتره، ولم يذكره حتى طلع الفجر، فإنه يقضيه في النهار ويزيد إليه ركعة، فإن كان من عادته أنه يصلي ثلاث ركعات، فإنه يصلي أربعاً، وإن كان من عادته أن يصلي خمس ركعات، فيصلي ستاً، وإن كان من عادته أن يصلي سبعاً، فيصلي ثمان ركعات في النهار، وإن كان من عادته أن يصلي تسعاً، فيصلي عشراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته أنه يصلي إحدى عشرة ركعة، فكان يصلي اثنتا عشرة ركعة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وهذا يدلنا على أن الراتبة الفائتة تقضى إذا فاتت؛ لأن قضاءها فيه ملازمة لها، بخلاف ما لو فاتت وتركها ولم يقضها، فإنه قد يجر إلى تساهل، لكن إذا فاتته يقضيها، ومعناه: أنه مداوم عليها، وملازم لها، ولو فاتته ما يتخلى عنها، بل يقضيها.
    ومثل ذلك الرواتب التي قبل الصلوات وبعد الصلوات، إذا حرص على أدائها في وقتها، وإذا فاتته أو انشغل عنها، فإنه يقضيها، لا شك أن هذا هو الأولى، وهو الأكمل، وليس بلازم، لكن هذا هو الأولى وهو الأفضل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقضي صلاة الليل إذا فاتته، أو إذا شغل عنها؛ بأن يصلي من النهار اثنتا عشرة ركعة، وكان عليه الصلاة والسلام شغل عن ركعتي الظهر اللتين بعد الظهر فقضاها بعد العصر، وكان يداوم على ذلك، ولكنه لما سئل: هل نقضيهما إذا فاتتنا؟ يعني بعد العصر. قال عليه الصلاة والسلام: لا. فدل هذا على أن هذا من خصائصه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    كيفية عبادة النبي صلى الله عليه وسلم
    قوله: [ولا أعلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة] يعني: إنما كان عليه الصلاة والسلام ينام ويقوم، ولا يكون ليله كله قيام، وليس كله نوم، بل قيام ونوم، كان يقوم وينام، فلا يصلي الليل كله، ولا يترك الصلاة مطلقاً، بل يصلي وينام، وهذا هديه عليه الصلاة والسلام، ولهذا لما بلغه أن جماعة من أصحابه واحد منهم قال: أنا أصوم الدهر أبداً، وواحد قال: أنا أقوم الليل، وواحد قال: لا أتزوج النساء، فبلغه ذلك، وقال عليه الصلاة والسلام: (إنه بلغني كذا وكذا، أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له، أما إني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)، فكان عليه الصلاة والسلام يحصل منه العمل والاستراحة، ولم يكن يصلي الليل كله، ولا يصوم باستمرار ويواصل الصيام، وإنما كان يصوم ويفطر، ويصلي وينام، ويتزوج النساء، هذا هديه عليه الصلاة والسلام، فكان لا يقرأ القرآن في ليلة عليه الصلاة والسلام.قوله: [ولا قام ليلة كاملة حتى الصباح]، يعني: أنه يحصل منه صلاة، ويحصل منه نوم، فليس كل ليله صلاة، وليس كل ليله نوم، بل ليس كل ليله صلاة، وليس كل نهاره صوم، بل يصلي وينام، ويصوم ويفطر عليه الصلاة والسلام، فما قام ليلة حتى الصباح؛ يعني: أنه يصلي وينام، يجمع بين هذا وهذا.
    قوله: [وما صام شهراً كاملاً إلا رمضان]، يعني: أنه ما كان يصوم شهراً كاملاً إلا رمضان، وكان أكثر ما كان يصوم في شعبان، وكذلك في المحرم، فأكثر صومه في ذلك، ولكن لم يكن يصوم الشهر كله، بل جاء عنه أو عن بعض الصحابة: ( أنه كان يصوم حتى يقولون: لا يفطر، ويفطر حتى يقولون: لا يصوم )، فمعناه أنه أحياناً يكثر الصيام من الشهر، وأحياناً يقل الصيام من الشهر، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    قوله: [فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها فقال: صدقت، أما أني لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة].
    إن ابن عباس لما سأله سعد بن هشام، ودله على عائشة، طلب منه أن يعود إليه ويخبره بجوابها له، ولما رجع إليه وأخبره وقص عليه الحديث الذي سمعه منها، قال: [صدقت، ولو كنت أدخل عليها لذهبت إليها وسمعته منها مشافهة]؛ ولعل كونه لا يدخل عليها، لكونه حصل بينه وبينها شيء، يعني: أغضبها عليه، وإلا فإن سعد بن هشام الذي ذهب إليها، وسمع منها مشافهة، مثله ابن عباس لو لم يكن هناك شيء يحول بينه وبين الذهاب إليها، ولعله صار في نفسها عليه شيء لأمر أغضبها عليه، فكان لا يذهب إليها لسبب ذلك، ويحصل أحياناً من بعض الصحابة أن يحصل بعض الكلمات التي تجعل البعض يتألم منها، وأذكر من الأمثلة: أن ابن الزبير رضي الله تعالى عنه، كانت عائشة رضي الله عنها تنفق كثيراً، ولا يبقى في يدها شيء، فقال كلمة آلمتها وغضبت عليه، ومنعته من أن يأتي إليها، قال عنها: تستحق أن يحجر عليها، فغضبت عليه غضباً شديداً، كونه يقول هذه الكلمة، فيمكن أن يكون ابن عباس حصل بينه وبينها شيء مثل هذا الكلام، أو ما إلى ذلك، فصار لا يذهب إليها، ولكن مع وجود ما يحصل بينهم من الشيء الذي قد يمنع من الذهاب في بعض الأحيان، ما كانوا يتقاطعون أو في قلوبهم شيء، بل ابن عباس لما جاءه سعد دله عليها، وقال: ألا أدلك على أعلم أهل الأرض؟ أم المؤمنين عائشة، اذهب إليها، ثم طلب منه أن يعود ويخبره بالحديث الذي تحدثه به، رضي الله تعالى عن عائشة، وعن ابن عباس وعن الصحابة أجمعين.
    أما قول أبي عبد الرحمن: (لا أدري ممن الخطأ في موضع وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) فإنه سبقت الإشارة إليه عند بيان أو عند ذكر قيامه الليل، وأنه لما ذكرت له الحديث، قالت: (إنه يقوم ثمان ركعات لا يجلس في شيء إلا في آخرها، ثم يجلس يذكر الله تعالى ويثني عليه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا إياه، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يسلم، ثم يقوم ويأتي بركعة)، هذا الذي جاء عند النسائي، وعند مسلم بيان الوتر أنه قبل الركعتين التي وهو جالس، يعني نفس الحديث موجود عند مسلم، إلا أن فيه بيان موضع الوتر، وأنه قبل الركعتين؛ الركعتين كانت في الآخر وليست في الأول. فإذاً: موضع الوتر هل هو قبل الركعتين وهو جالس أو بعدها؟ عند النسائي جاء أن الركعتين قبل، والوتر جاء بعدها، وعند مسلم أنه أتى بالوتر ثم أتى بالركعتين وهو جالس.
    قال النسائي: وجدت في كتابي هكذا، يعني: أن الركعتين وهو جالس كانتا قبل ركعة الوتر التي هي الأخيرة، وفي بعض الأحاديث: أنه كان بعدها، وهذا هو المحفوظ والمشهور، فقال: إن هذا خطأ، والموجود ما أدري ممن الخطأ؟ يعني من أي الرواة حصل الخطأ في بيان موضع وتره؟ هل هو قبل الركعتين وهو جالس أو بعده؟ لأنه هنا الخطأ في كون الركعتين قبل الوتر، ولهذا فيما يتعلق بالسبع الركعات صار الوتر قبلها، يعني عند النسائي نفسه في الحديث هذا: أن الركعتين وهو جالس كانتا بعد الركعة التي هي الوتر، صلى سبعاً، ثم صلى بعدها ركعتين وهو جالس، يعني صلى الوتر ثم أتى بالركعتين وهو جالس، فـالنسائي رحمه الله تعالى قال: وجدت في كتابي هكذا، ولا أدري ممن الخطأ في بيان موضع وتره عليه الصلاة والسلام؟ التي هي في الركعة الأخيرة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فقام نبي الله وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثني يحيى بن سعيد].
    هو القطان البصري، ثقة، ثبت، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد].
    هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، ثبت، كثير التدليس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زرارة].
    هو زرارة بن أوفى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقال الحافظ: إنه مات فجأة في الصلاة، وقد ذكر ابن كثير في تفسير قول الله عز وجل: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ [المدثر:8-9]، قال: إن زرارة بن أوفى وكان أميراً كان يصلي بالناس الفجر، فقرأ المدثر، ولما جاء عند هذه الآية بكى وشهق ثم وقع ثم مات. يعني: مات وهو يصلي بالناس وهو يقرأ سورة المدثر.
    [عن سعد بن هشام].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، التي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولاسيما الأمور التي تتعلق بالبيوت، وهي واحدة من سبعة أشخاص من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة، وقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    فالبحر هو ابن عباس، وزوجة النبي هي عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #295
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب قيام الليل وتطوع النهار)
    (292)

    - كتاب قيام الليل وتطوع النهار - باب ثواب من قام رمضان إيماناً واحتساباً - باب قيام شهر رمضان


    من حكمة الله عز وجل أنه فضل بعض العبادات في أزمنة وأوقات معينة، ومن ذلك قيام الليل، فمع أنه مستحب طوال أيام السنة؛ إلا أن لقيام رمضان مزية خاصة؛ إذ من قامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وقد أمّ النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في المسجد في بعض أيام العشر الأواخر ثم ترك خشية أن يفرض ذلك على الأمة، وهذا من رحمته بأمته صلى الله عليه وسلم.

    ثواب من قام رمضان إيماناً واحتساباً
    شرح حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ثواب من قام رمضان إيماناً واحتساباً.
    أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ثواب من قام رمضان، والمقصود من هذه الترجمة: بيان الأجر، أو المثوبة التي يثيب الله بها من يقوم رمضان إيماناً واحتساباً، وقد جاء في الحديث أن هذا الثواب هو مغفرة ما تقدم من ذنبه، يعني: ثوابه أن يغفر له ما تقدم من ذنبه.
    وقد أورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، فثوابه أنه يغفر له ما تقدم من ذنبه، وذكر هنا (قيام رمضان) ففيه ثواب من قام رمضان في قيام الليل؛ لأن قيام الليل يكون مطلقاً في جميع أيام السنة، الصلاة في رمضان وفي غير رمضان كلها يقال لها: قيام ليل، لكن هذا يتعلق بقيام رمضان، ليس في قيام السنة كلها، وإنما الحديث يتعلق بقيام رمضان، وهو جزء من السنة، ولكن فيه ثواب خاص، وأجر خاص، وهو أن (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
    وهذا حديث أبي هريرة: (من قام رمضان)، لكن هذا القيام يكون مشتمل على أمرين: أن يكون إيماناً، وأن يكون احتساباً، يعني: إيماناً، تصديقاً، اعترافاً، أو إيماناً بأنه من خير الأعمال، وأنه أفضل الأعمال وليس فرضاً، ولكنه من أعظم القربات عند الله عز وجل، ومن خير القربات عند الله سبحانه وتعالى، وتصديقاً بوعد الله، واحتساباً، أي: ابتغاء وجه الله، أي: ما كان دفعه إلى ذلك رياء، وإنما يريد الثواب من الله وحده، ويريد التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فالقيام الذي هذا ثوابه أن يكون مقيداً بهذين القيدين: أن يكون إيماناً، يقومه إيماناً واحتساباً، وثوابه أن يغفر له ما تقدم من ذنبه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة عن مالك].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو معمَّر من المعمرين، ولهذا أدرك مالكاً وروى عنه، ومالك توفي سنة مائة وتسع وسبعين، وقتيبة توفي سنة مائتين وأربعين وعمره تسعون سنة، أي: أنه لما توفي مالك عمره تسع وعشرون سنة، وقد عاش بعد مالك مدة طويلة، حيث كانت وفاته سنة مائتين وأربعين، ولهذا أدرك المتقدمين، وهذا هو السبب الذي يجعل بعض الرواة يكون من طبقة، ثم يدرك أكثر من طبقة، الطبقات الاثني عشر التي ذكرها ابن حجر، يعني أحياناً يعني يكون الشخص قد عُمِّر، فيكون أدرك عدة طبقات، مثل الأحاديث الثلاثية التي عند البخاري، ثلاثة أشخاص بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن الطبقات تكون اثنا عشر، لكن تتداخل بسبب كون الإنسان يصير معمَّر، فيدرك من لم يدرك غيره، فيكون مثلاً شخص في الطبقة العاشرة يروي عن شخص في الطبقة السابعة، أو في الطبقة الثامنة، فيكون فيه طبقتين أو ثلاث، أي راحت بسبب طول العمر الذي حصل للراوي، فـقتيبة روى عن أبي الأحوص سلام بن سليم، وقد توفي سنة مائة وتسع وسبعين، وعن مالك، وقد توفي أيضاً سنة مائة وتسع وسبعين، فـقتيبة أدرك المتقدمين؛ لأنه قد عُمِّر.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وقد ذكرت مراراً وتكراراً في مناسبات عديدة: أن معنى كون أنه وجد أربعة مذاهب من مذاهب أهل السنة، لا يعني أنه لا يوجد أئمة لهم أقوال، ولهم اجتهادات سوى هؤلاء، بل غيرهم كثير قبلهم وفي زمنهم وبعدهم وقبلهم، فقبلهم من التابعين الذين عرفوا بالفقه، وفيهم الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وكذلك في زمانهم، مثل: الليث بن سعد، ومثل: الأوزاعي، ومثل: الثوري، كل هؤلاء أناس عرفوا بالفقه والاجتهاد، لكن هؤلاء الأربعة صار لهم أتباع عنوا بفقههم، بتنظيمه وجمعه وترتيبه، والتأليف فيه، وشرحه وما إلى ذلك، فاشتهرت هذه المذاهب الأربعة، وإلا فإنه لا يعني أن غيرهم ليس كذلك، بل فيه علماء مثلهم في زمانهم وقبل زمانهم، وبعيد زمانهم مجتهدون.
    من المعلوم أن كل واحد من الأئمة الأربعة، وغيرهم من أئمة المسلمين، يحترمون ويقدرون، ويثنى عليهم، ويترحم عليهم، ويدعى لهم، ويستفاد من علمهم، لكن إذا وجد الدليل عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن الأخذ به متعين، وفي الأخذ به أخذ بوصاياهم؛ لأن كل واحد منهم أوصى بأنه إذا وجد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف قوله، فإنه يترك قوله ويصار إلى حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهذا فيه اتباع للدليل، وفيه أخذ بوصاياهم هم أنفسهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، حيث أوصى كلاً منهم، بأنه يصار إلى الدليل، وقد نقل الشافعي رحمة الله عليه، الإجماع فقال: (أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان)، فالإجماع على أن السنة تقدم على كل شيء، إذا ثبتت فيتعين الأخذ بها، ولا يقدم عليها قول أحد كائناً من كان.
    فالإنسان يكون فيهم معتدلاً، لا يغلو ولا يجفو، لا يغلو يقول: أن أقوالهم هي الصواب، أو قول واحد منهم هو الصواب، ومذهبه هو المذهب الحق، وقوله هو المقدم على غيره، ولا يجفى بأن يقال: لا نرجع إلى فقههم، ولا إلى كلامهم، ولا إلى ما كتب عنهم، كلا هذين الطرفين مذمومان: الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، والحق هو الاعتدال والتوسط، فيثنى عليهم، ويحترمون ويقدرون، ويرجع إلى كلامهم ويستفاد من علمهم، لكن إذا وجد الدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الأخذ به هو المتعين، وقد ضرب لذلك ابن القيم رحمه الله مثلاً، في آخر كتاب الروح، فقال بعد أن ذكر إنه يثنى عليهم، ويستفاد من علمهم، ويرجع إلى كلامهم، قال: لكن إذا وجد الدليل فإنه يصار إليه، وقال: مثلهم مثل النجم، فإن الإنسان يهتدي به إلى القبلة، حيث لا يكون عارفاً بالقبلة، لكنه إذا وصل إلى القبلة وصار تحت الكعبة، فإنه لا يبحث عن الكعبة عن طريق النجوم؛ لأن الكعبة أمامه، فكذلك الإنسان إذا ما ظهر له الدليل، وما عرف الدليل، يرجع إلى كلام الفقهاء، وإلى كلام العلماء، لكن إذا وقف على الدليل، ليس لأحد قول مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يقول: إنهم مثل النجوم يهتدى بهم إلى القبلة، حيث لا يعرف الإنسان القبلة ولا جهة القبلة، لكن إذا وصل إلى القبلة وصارت الكعبة أمامه، لا يحتاج أن يبحث في السماء عن القبلة، القبلة أمامه، فكذلك عندما يشكل الحق في المسألة يبحث، يرجع إلى كلام الفقهاء، ويعرض مآخذهم، وأدلتهم، وتعليلاتهم، واستنباطاتهم، وما عندهم من الأدلة، فإذا وجد الدليل فإنه يصير إليه.
    والإمام مالك رحمة الله عليه حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو الزهري، محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، ينسب إلى جده شهاب، وإلى جده زهرة بن كلاب، مشهور بنسبتين: بنسبته إلى زهرة بن كلاب فيقال: الزهري، وإلى جده شهاب الذي هو جد جده، فيقال له: ابن شهاب، وهو ثقة، إمام، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد بن عبد الرحمن].
    هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    رضي الله تعالى عنه، وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، أكثر أصحابه حديثاً عنه عليه الصلاة والسلام.
    حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل أبو بكر حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية عن مالك قال الزهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وحميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].أورد حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو بمعنى اللفظ السابق أو بمثل اللفظ السابق، (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، فهو مشتمل على ما ترجم له المصنف، مثل الذي قبله تماماً، المتن واحد، ولكن السياق والطريق يختلف.
    قوله:

    [أخبرنا محمد بن إسماعيل أبو بكر].

    هو الطبراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء].
    هو ابن عبيد الضبعي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا جويرية بن أسماء الضبعي].
    صدوق، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وذكرت في درس مضى: أن جويرية بن أسماء اسمه واسم أبيه متفق مع أسماء النساء؛ لأن جويرية من أسماء النساء، وأسماء من أسماء النساء، وهذا اسمه واسم أبيه متفق مع أسماء النساء، جويرية بن أسماء.
    [عن مالك قال الزهري].
    وقد مر ذكرهما.
    [أخبرني أبو سلمة وحميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم إلا أبا سلمة، فإن أبا سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف، أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم، قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.


    قيام شهر رمضان
    شرح حديث: (أن رسول الله صلى في المسجد ذات ليلة وصلى بصلاته ناس ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قيام شهر رمضان.أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة، وصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت إن يفرض عليكم، وذلك في رمضان)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: قيام رمضان، أي: مشروعيته واستحبابه، وقد أورد النسائي فيه حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وأن النبي عليه الصلاة والسلام قام ليلة في رمضان، فجاء أناس وصلوا معه، ثم في الليلة الثانية والثالثة، ثم بقي في بيته بعد ذلك ولم يخرج، وكانوا ينتظرونه، وقد مر في بعض الروايات من حديث عائشة: أن بعضهم كان يتنحنح، يعني: يريدون أن ينبهوه إذا كان نائماً؛ حتى يخرج فيصلي بهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبرهم وقال: (إنني علمت مكانكم، ولم يمنعني إلا أنني خشيت أن يفترض عليكم، وذلك في رمضان)، بين لهم أن هذا إنما حصل في رمضان، فخشي أن يفترض عليهم قيام رمضان.
    والحديث قد مر فيما مضى، قلنا فيه: أن صلاة التراويح إنها سنة، وأنها تشرع جماعة، والرسول صلى الله عليه وسلم فعلها، ولكنه خشي أن تفترض فتركها، ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب زمن التشريع، ولم يكن هناك فرض وإيجاب بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشريعة استقرت بوفاته عليه الصلاة والسلام، والمحذور الذي كان يخشاه النبي صلى الله عليه وسلم زال بوفاته، وفي زمن عمر رضي الله عنه، جمع الناس على صلاة التراويح، فدل هذا على أن صلاة التراويح سنة، وأنها مستحبة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلها أياماً، ولكنه تركها خشية أن تفترض على أمته، وهذا من شفقته على أمته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى في المسجد ذات ليلة وصلى بصلاته ناس ...)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكرهم.
    [عن عروة].
    هو ابن الزبير بن العوام، أحد الفقهاء السبعة المعروفين في المدينة في عصر التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها.

    شرح حديث: (صمنا مع رسول الله في رمضان فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل الأول)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا محمد بن الفضيل عن داود بن أبي هند عن الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: (صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، فقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه، قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة، ثم لم يصل بنا، ولم يقم حتى بقي ثلاث من الشهر، فقام بنا في الثالثة، وجمع أهله ونساءه حتى تخوفنا أن يفوتنا الفلاح، قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور)].أورد النسائي حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه، وأنه قال: (صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما بقي سبع من الشهر قام وصلى)، وصلى الناس بصلاته، ثم لم يصل في الليلة السادسة الباقية، أو في الليلة السادسة، أي: السادسة من ما بقي، (ثم صلى في الليلة الخامسة)، ثم لم يقم بعدها بليلة، ثم عندما بقي الليلة الرابعة، قام وصلى بهم (وجمع أهله ونساءه حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح) وهو السحور، يعني: معناه أنه يطيل إلى الفجر وأنهم ما يتسحرون، فقال يعني: (لو نفلتنا بقية ليلتنا)، يعني: قال أبو ذر: فقلت: (لو نفلتنا بقية ليلتنا)، يعني: لو أنك أكملت الليلة بنا مصلياً، فقال عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)، يعني: معناه الذي تريدونه هو حاصل، الذي تريدونه من الأجر هو حاصل بأنكم قمتم معي حتى انصرفت، (ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)، وهذا يدل على أن الإنسان عندما يصلي التراويح في رمضان، فإنه يستمر مع الإمام حتى ينتهي من صلاته، مهما صلى من الركعات، إن كان يصلي إحدى عشر، يستمر معه حتى يصلي إحدى عشر، وإن كان يصلي إحدى وعشرين، يستمر معه حتى يصلي إحدى وعشرين، وإن كان يصلي ثلاثين، يستمر معه حتى يصلي ثلاثين؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)، يعني: معناه أن هذا الأجر يحصل لمن استمر مع الإمام حتى انصرافه، والمراد بانصراف الإمام: انتهاء الصلاة التي جمع الناس لها، أو التي فيها التجميع.
    وبعض الناس يفهم خطأ، فيما إذا كان هناك إمامان يتناوبان، واحد يصلي مقدار من الركعات، واحد يصلي خمس، والثاني يصلي خمس فيصلي مع الإمام الأول الخمس، ثم يقول: إنه قام مع الإمام حتى انصرف، الإمام الأول ما انصرف، وإنما تحول من كونه إمام، إلى كونه مأموم، وهو باق في الصف، لكن يعقبه أحد في القراءة يعني وينوب عنه بحيث يصلي بقية الصلوات ويقرأ مكانه، فلا يقال: إن الإمام انصرف، وإنما المقصود بالانصراف هو انصراف الناس، وانتهاء الصلاة التي يصلونها، هذا هو الانصراف، ما هو انصراف إمام كان يصلي ثم تأخر، وصار واحد يعقبه.
    الحاصل: أن قيام رمضان، وكذلك قيام الليل مطلقاً، ليس فيه حد محدود ثابت لا يتغير ولا يتبدل، الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد على إحدى عشر، لكنه ما منع الزيادة على إحدى عشر، وقال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، معناه الأمر في ذلك واسع، لكن لا شك أن الأولى هو الصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن إذا ما فعل الأولى، وصلي صلاة يعني سائغة جائزة في التراويح، وهي أكثر من إحدى عشر، فإن الذي ينبغي للإنسان أن يستمر مع الإمام حتى ينصرف، ولو كان أنه يرى أن الأفضل هو إحدى عشر، حتى يحصل هذا الأجر الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة).

    تراجم رجال إسناد حديث أبي ذر: (صمنا مع رسول الله في رمضان فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل الأول)

    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو أبو قدامة السرخسي، وهو ثقة، مأمون سني، قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة، مأمون، سني. وقال: سني لأنه أظهر السنة في بلده، أظهر السنة ونشرها في بلده فقيل له: سني لهذا، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا محمد بن فضيل].
    هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي، وهو صدوق رمي بالتشيع، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، رمي بالتشيع، لكن نقل الحافظ ابن حجر عنه في ترجمته في مقدمة الفتح، نقل عن بعض العلماء بإسناده إليه، أنه قال كلمة تدل على سلامته من ما نسب إليه، وأنه على طريقة أهل السنة، وليس على طريقة الرافضة أو الشيعة، وذلك أنه قال: رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم عليه. وهذا كلام لا يقوله من خذل بأن يترحم على عثمان، بل هذا شأن أهل السنة، وأهل الإنصاف، وأهل التوفيق، أنهم يترحمون على خيار الأمة، وعلى سادات الأئمة، وعلى أئمة الأئمة، الخلفاء الراشدون الهادون المهديون الذين هم أفضل هذه الأمة التي هي أفضل الأمم وخير الأمم، فكونه يترحم على عثمان، ويدعو على من لا يترحم على عثمان، بأن لا يرحمه الله.. رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم عليه، يدعو له، ويدعو على من لا يدعو له، هذا من أهل السنة.
    فإذاً: ما نسب إليه من التشيع لا يضره، وقد يكون ذلك التشيع الذي نسب إليه من قبيل ما لا يضر، مثل تقديم علي على عثمان في الفضل وليس في الخلافة؛ لأن تقديم علي على عثمان في الفضل، هذه من المسائل التي لا يبدع من يقول بها، وإنما الذي يبدع من يقول بها: أنه أولى منه بالخلافة؛ لأن الصحابة اتفقوا على تقديم عثمان على علي، فمن رأى أنه أولى منه فقد اعترض على فعل الصحابة، وخالف طريقة الصحابة.
    أما مسألة الفضل، وكون علي أفضل، فهذا قول قال به بعض أهل السنة، وإن كان جمهور أهل السنة على خلافه، بل جمهور أهل السنة على أن تقديمهم في الفضل كتقديمهم في الخلافة، وقد جاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا يفضلونه ويخيرونه، حيث يقولون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكره، يقولون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، وينصون على أن عثمان هو الثالث في الفضل، كانوا يخيرون فيقولون: فلان خير ثم فلان ثم فلان ثم فلان، فأهل السنة والمشهور عند أهل السنة أن عثمان أفضل من علي، لكن بعض أهل السنة مثل: عبد الرحمن بن أبي حاتم، ومثل: الأعمش، ومثل: ابن جرير يعني يقولون بتفضيل علي على عثمان، ومثل: هذا لا يضر صاحبه، ولا يبدع صاحبه؛ لأنه وإن كان أفضل منه على قول هؤلاء، فإنهم لا يقولون بأنه أولى منه بالخلافة؛ لأنه قد يقدم المفضول مع وجود الفاضل على رأي هؤلاء، يعني ليس معناه أنه إذا قدم مفضول على فاضل، معناه أنه يصير أولى منه، وأنه يعني يعترض على الصحابة، لا، ما يعترضون على الصحابة، ولا يقولون: بأنه أولى منه بالخلافة هؤلاء، وإنما يقولون: أفضل منه، لكن قد يقدم المفضول مع وجود الفاضل؛ لأن الولاية يعني يولى فيها من يكون أصلح، ولا يلزم أن يولى من يكون خير، ومن يكون أفضل في العبادة، وأفضل في الدين؛ فإنه إذا كان البعض أفضل في التدبير، وفي الأمور التي يحتاج فيها في الولاية، فإنه تراعى المصلحة في ذلك، فتقديم علي على عثمان في الفضل عند هؤلاء، لا يعني أنه أولى منه بالخلافة؛ لأنه معلوم أنه قد يقدم المفضول مع وجود الفاضل.
    ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر عمرو بن العاص في جيش فيه أبو بكر، وعمر ولا يعني أن عمرو أفضل من أبي بكر، وعمر، ولما أمره فرح وظن أن هذا التأمير له تفضيل، فقال: (من أحب الناس إليك؟ قال: أبو بكر )، يعني ليس معناه أنه لما أمره أنه صار له ميزة على غيره، فقد يؤمر المفضول، مع وجود الفاضل، وأسامة بن زيد لما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم في الجيش الذي جهزه، وأمره وهو صغير، لا يعني ذلك أنه أفضل من غيره، وإنما لأمر اقتضى ذلك، فقد يولى المفضول مع وجود الفاضل.
    إذاً: ما جاء عن بعض السلف مثل: عبد الرحمن بن أبي حاتم، ومثل: الأعمش، ومثل: ابن جرير، وغيرهم من أن علياً أفضل من عثمان، هذا قول قال به بعض السلف، ولا يضر صاحبه شيئاً، ولا يؤثر في الرواية، فلعل محمد بن فضيل تشيعه من هذا القبيل، هذا التشيع الذي نسب إليه من هذا القبيل، وقد قال هذه الكلمة التي تدل على سلامته من البدعة، ومن سلوك مسالك أهل البدعة، قال: رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم عليه. يدعو له ويدعو على من لا يدعو له؛ لأن (لا رحم الله) دعاء عليه، دعاء على من لم يترحم على عثمان، رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان، ونحن نقول كما قال محمد بن فضيل: رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان. رضي الله عن عثمان ولا رضي الله عمن لا يترضى عن عثمان.
    [عن داود بن أبي هند].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الوليد بن عبد الرحمن].
    هو الوليد بن عبد الرحمن الحمصي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن جبير بن نفير].

    هو جبير بن نفير الحمصي، وهو ثقة، جليل، مخضرم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. والمخضرمون هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم: جبير بن نفير هذا، ومنهم: سويد بن غفلة، ومنهم: عبد الرحمن الصنابحي، ومنهم: أبو وائل شقيق بن سلمة، جماعة وصفوا بأنهم مخضرمون، أي: أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي عليه الصلاة والسلام.
    [عن أبي ذر].
    هو أبو ذر جندب بن جنادة، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (قمنا مع رسول الله في شهر رمضان ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا زيد بن الحباب أخبرني معاوية بن صالح حدثني نعيم بن زياد أبو طلحة سمعت النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما على منبر حمص يقول: (قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح، وكانوا يسمونه السحور)].أورد النسائي حديث النعمان بن بشير، وهو بمعنى الحديثين قبله كون النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلة ثلث الليل، ومرة نصف الليل، ومرة أكثر من ذلك، وأنهم في الليلة الأخيرة خشوا أن يفوتهم السحور، وهو دال على قيام الرسول صلى الله عليه وسلم ليالي من رمضان، وعرفنا أنه جاء في بعض الروايات: أنه ما منعه من أن يواصل بهم إلا خشية أن يفترض عليهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ..)

    قوله:
    [أخبرنا أحمد بن سليمان].
    ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا زيد بن الحباب].
    صدوق يخطئ في حديث الثوري، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أخبرني معاوية].
    هو معاوية بن صالح بن حدير، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني نعيم بن زياد].
    وهو: نعيم بن زياد أبو طلحة، ثقة يرسل، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [سمعت النعمان بن بشير].
    هو صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار الصحابة حيث توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات.
    الأسئلة




    الأمور الغيبية إذا ثبتت بإسناد صحيح إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنها تكون معتبرة
    السؤال: فضيلة الشيخ، أمر الله الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا إلا إبليس، قرأت في تفسير ابن كثير بأن حرباً قامت بين الملائكة والجن فأسرت الملائكة إبليس، فلما وجه الله الخطاب للملائكة، كان عندهم فلم يسجد، فما صحة هذا الكلام؟
    الجواب: كما هو معلوم هذا الكلام يبدو من لفظه أنه غير مستقيم، وفي الغالب أن هذا من الإسرائيليات التي في تفسير ابن كثير، وإبليس هو ليس من الملائكة، وإنما هو من جنس آخر وهم الجن، وهو أبو الجن، وأصل الجن، وقد جاء في القرآن أن الجن خلقوا من مارج من نار، وجاء في صحيح مسلم : (أن الملائكة خلقوا من نور)، الملائكة خلقوا من نور، (والجان خلقوا من نار)، فأصله غير أصلهم، ومادته غير مادتهم، ولكنهم متفقون بأننا لا نراهم، لا الملائكة، ولا الجن، يعني: كلهم من الجنس المستتر عنا الذي لا نراه، ولا يعني كونه أمر، وأنه جاء أمر الملائكة وأنهم سجدوا إلا إبليس، أن يكون منهم، بل هو من جنس آخر، فهو إما أن يكون يعني.. فالاستثناء يكون منقطع، يعني أنه من جنس آخر، من غير جنسهم، أو أنه ذكر معهم تبعاً لهم، وإن لم يكن منهم، وأنه أمر بالسجود كما أمروا، وهو ليس من الملائكة ولكنه من جنس يشبه جنس الملائكة في أنهم يستترون عنا، وأننا لا نراهم وهم يروننا، الملائكة يروننا ولا نراهم، والجن يروننا ولا نراهم، وأما هذا فظاهره كونه حصل حرب بين الجن والملائكة، وأن الملائكة أسروا إبليس وكذا، يعني هذا لفظه يدل على ما فيه.
    ومثل هذا من الأمور الغيبية التي لا يلتزم شيء منها، ولا يصدق شيء منها، إلا إذا ثبت عن طريق الإسناد، إذا ثبت بإسناد صحيح، عند ذلك يعتبر، إذا ثبت بإسناد صحيح إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنه يكون معتبراً، وإلا فإنه من جنس الإسرائيليات التي تذكر في الكتب وتنقل عن بني إسرائيل.
    صلاة الوتر بعد الجمع مع صلاة المغرب

    السؤال: كنت مسافراً فصليت المغرب والعشاء في الحرم المكي جمع تقديم، فهل لي أن أوتر بعد الصلاة؟
    وهل فعلي هذا صحيح؟

    الجواب: نعم، إذا كان الإنسان سيسافر بعد المغرب، فإنه إذا صلى الإمام المغرب وفرغ منها، يقوم ويصلي العشاء جمعاً، وإذا أوتر وصلى الوتر بعد ذلك، فإن له ذلك؛ لأن الوتر يبدأ بصلاة العشاء، يعني صلاة الليل تبدأ بالانتهاء من صلاة العشاء، ولو قدمت مع المغرب؛ لأنه يعتبر صلى العشاء، فله أن يوتر، ولو كان ذلك في وقت المغرب؛ لأنه ما دام قدمها فله أن يصلي وتره بعدها.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #296
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب قيام الليل وتطوع النهار)
    (293)

    - كتاب قيام الليل وتطوع النهار - باب الترغيب في قيام الليل - باب فضل صلاة الليل



    الإسلام يدل على كل فضيلة وينهى عن كل رذيلة، ومن الفضائل التي يدل عليها قيام الليل، فقد حث الشرع الحكيم على فعل ذلك الأمر لأن فيه شرفاً للمؤمن، ومنجاة من النار.

    الترغيب في قيام الليل
    شرح حديث: (إذا نام أحدكم عقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد ... فإن صلى انحلت العقد كلها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الترغيب في قيام الليلأخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نام أحدكم عقد الشيطان على رأسه ثلاث عقدٍ يضرب على كل عقدةٍ ليلاً طويلاً، أي: ارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة أخرى، فإن صلى انحلت العقد كلها، فيصبح طيب النفس نشيطاً، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)].
    يقول النسائي رحمه الله: الترغيب في قيام الليل، والترغيب في قيام الليل هو: الحث عليه، وبيان فضله، وأهميته، وقد أورد النسائي عدة أحاديث في هذه الترجمة، أولها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا نام أحدكم عقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد، فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدةٌ أخرى، فإذا صلى انحلت العقد كلها، فيصبح طيب النفس نشيطاً، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان).
    قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا نام أحدكم يعقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد)، الشيطان قيل: إنه هو إبليس الذي هو رأس الشياطين، وأصل الشياطين، وأبو الشياطين، وقيل: إنه من جنوده، أي: هؤلاء الذين يعقدون على رءوس الناس، وقيل: إنه القرين الذي يكون مع الإنسان، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينٌ من الجن، وقرين من الملائكة)، أي فيه قرين من الجن، وقرين من الملائكة، فالقرين من الجن يثبطه، ويجره إلى الشر، والقرين من الملائكة بخلافه، فالشيطان قيل فيه: إنه إبليس، وقيل: إنه من جنود إبليس، وقيل: إنه القرين الذي يكون مع كل إنسان، والذي جاء ذكره، وبيانه في صحيح مسلم، وقوله: (يعقد على رأس أحدكم ثلاث عقد)، معلومٌ أن هذا مما ثبت في الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من فعل الشياطين، وكل ذلك حقيقة، ونحن لا نعرف الكيفية التي يتم بها ذلك؛ لأننا لا نعرف كيفية الشياطين فلا نعرف كيفية عملهم، لكن النبي عليه الصلاة والسلام بين أنه يضرب.
    قوله: [(على كل عقدة ليلاً طويلاً أي ارقد)].
    [(ليلاً طويلاً)]، يعني: أنه بقي ليلٌ طويلٌ، فأنت نم، ولا تقم، فإذا استيقظ الإنسان، ولم يسترسل في النوم، ولم يستسلم لما رغبه فيه الشيطان من الإخلاد به إلى الراحة، وإلى الاستغراق في النوم، بأن قام ثم ذكر الله عز وجل عند قيامه، فإنه تنحل عقدة من العقد الثلاث، ثم إذا توضأ استعداداً للصلاة فإنها تنحل العقدة الثانية، فإذا صلى انحلت العقد كلها، وصار على هيئةٍ لا تناسب الشيطان، ولا يريدها الشيطان؛ لأن الشيطان يريد من الإنسان أن يستغرق في نومه، وأن يبقى في نومه، وأن يأخذه بالكسل والخمول، وألا يأخذ بالجد والنشاط، والحرص على طاعة الله عز وجل، ثم يصبح وهو على هذه الحال طيب النفس نشيطاً، أي: عنده طمأنينة، وراحة في النفس، وهدوء، وانشراح صدر، ونشاط، وقوة، والله عز وجل يقول: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، فهو عندما يقوم، ويذكر الله ويتوضأ ويصلي، كل هذا مما لا يريده الشيطان، وكل هذا مما يسوء الشيطان، وإلا لم يحصل منه ذلك، بل بقي في نومه مستغرقاً، فإنه يقوم خبيث النفس كسلان، عكس ذاك الذي كان طيب النفس نشيطاً، فهذا بضده تماماً؛ لأن هذا ما عنده لا ذكرٌ لله، ولا وضوء، ولا صلاة، وإنما قام، وعليه الكسل والخمول، وقد يكون يؤدي به ذلك أيضاً إلى تأخير صلاة الفجر، لا سيما إذا تأخر في النوم، فإنه يسترسل فيه، ويستغرق فيه، ويكون فيه شيءٌ من صفات المنافقين التي قال فيها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً).
    فالحديث فيه الترغيب في قيام الليل، والتحذير من أن يستولي الشيطان على الإنسان، وأن تكون النتيجة أن يصبح خبيث النفس كسلان، ولا يكون نشيطاً طيب النفس؛ لأنه أتى بما تنحل به العقد الثلاث التي عقدها الشيطان على رأس الإنسان.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا نام أحدكم عقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد ... فإن صلى انحلت العقد كلها ...)

    قوله:
    [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].
    هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، ثقةٌ، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن عيينة، وهو هنا غير منسوب، وهو يحتمل إذا جاء إطلاقه هكذا، يحتمل أنه ابن عيينة، ويحتمل أنه الثوري، لكن هنا لا يحتمل الثوري، بل هو ابن عيينة؛ لأن محمد بن عبد الله بن يزيد توفي سنة ست وخمسين ومائتين، والثوري توفي سنة مائة وواحد وستين، أي: أن الذي يمكنه أن يروي عنه هو ابن عيينة الذي توفي سنة سبع وتسعين ومائة، ولا ندري متى ولد؟ محمد بن عبد الله بن يزيد، لكن المدة التي بين وفاة الثوري، وبين وفاة محمد بن يزيد هي ست وتسعون سنة، فمعنى هذا إذا كان عمره فوق المائة بكثير يمكن أنه يروي عن الثوري، فالثوري توفي مائة وواحد وستين، وهذا توفي مائتين وست وخمسين، أي: بين وفاتيهما ستٌ وتسعون سنة، فلا يتأتى الرواية عنه إلا لو كان معمراً كثيراً، والذي ذكروا في ترجمته أنه روى عن ابن عيينة، وهو الذي توفي قبل المائتين بقليل.
    فإذاً سفيان هنا المهمل المراد به سفيان بن عيينة الهلالي المكي، وهو أيضاً كونه من بلده، وهما من بلدٍ واحد، وسفيان بن عيينة ثقةٌ، ثبتٌ، إمامٌ، فقيهٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزناد].
    هو عبد الله بن ذكوان المدني، كنيته أبو عبد الرحمن، وأما أبو الزناد فهو لقبٌ على صيغة الكنية؛ لأن اللقب قد يأتي على صيغة الكنية، ويأتي على صيغة النسب، وهنا لقبٌ على صيغة الكنية، وهو ثقةٌ، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أيضاً مشهورٌ بلقبه واسمه عبد الرحمن بن هرمز، يأتي ذكره باللقب كما هنا، ويأتي ذكره بالاسم، والنسب كما يأتي في بعض الأسانيد، وهو مشهورٌ بلقبه الأعرج، ومعرفة ألقاب المحدثين من أنواع علوم الحديث، وقيل في فائدة معرفتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر باسمه ثم ذكر بلقبه، فمن لا يعرف أن عبد الرحمن بن هرمز يلقب بـالأعرج، فإن وجد عبد الرحمن بن هرمز في إسناد، والأعرج في إسناد آخر، ظن أن الأعرج شخص آخر غير عبد الرحمن بن هرمز، لكن إذا عرف أن عبد الرحمن بن هرمز يلقب بـالأعرج، فلا يلتبس عليه كونه يأتي في بعض الأسانيد عبد الرحمن بن هرمز وفي بعضها الأعرج.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثرهم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع، فهؤلاء سبعةٌ من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عرفوا بكثرة الحديث عنه، وأكثر هؤلاء السبعة أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    وأبو هريرة أسلم في السنة السابعة، ولازم النبي عليه الصلاة والسلام، وتحمل عنه الكثير، وصار حديثه أكثر من حديث من كان متقدم الإسلام، وذلك له أسباب منها: ملازمته للنبي عليه الصلاة والسلام، ومنها: دعوة النبي عليه الصلاة والسلام له بأن يحفظ ما يسمعه كما جاء ذلك في بعض الأحاديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام دعا له، ومنها أيضاً: كونه ممن مكث في المدينة وعمر، والمدينة كانت يفد إليها الناس، فيلتقون بمن هو في المدينة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ويأخذون منه، ويأخذ منهم، إذا كانوا من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يأخذ منهم الأحاديث، ومن المعلوم أن بعضها مما سمعه، ومما شاهده، وبعضها مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم يحكي عن شيءٍ سابق، أو أنه سمعه من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون ذلك من قبيل مراسيل الصحابة.
    الحاصل أن كثرة أحاديثه لا إشكال فيها، وذلك للأمور التي أشرت إليها من الملازمة، ومن الدعوة الكريمة من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن ملازمته للمدينة ومكثه فيها، وكونه معمراً، ويفد إليه من يفد إلى المدينة، ويلتقي به من يأتي إلى المدينة، فيأخذ منه ويعطيه، فصار حديثه كثيراً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    شرح حديث: (ذكر عند رسول الله رجل نام ليلة حتى أصبح قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: (ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح، قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه)].ثم أورد حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل بات ليلةً حتى أصبح، فقال عليه الصلاة والسلام: (ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه)، معناه: أنه ذم لصنيعه، وتحذير من صنيعه، وقيل في الذي نام عنه: إنه نام عن صلاة العشاء، وقيل: إن المقصود إنه نام عن صلاة الليل، وهذا هو الذي أورده من أجله النسائي هنا، يعني فعل النسائي، وإيراده الحديث في هذا الموطن أو في هذا الباب باب الترغيب في قيام الليل، يفيد أن النوم إنما هو عن قيام الليل، وليس عن صلاة العشاء.
    وقوله عليه الصلاة والسلام: (ذلك رجل بال الشيطان في أذنيه)، هذا أيضاً على حقيقته، والشيطان كما هو معلوم يحرص على الحيلولة بين الإنسان وبين ما يعود عليه بالخير، أي: أن ذلك الرجل الذي نام، ووصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه بال الشيطان في أذنيه، أنه استغرق في النوم، وتمكن منه، ولم يهتم بأمر الصلاة حتى انقضى الليل دون أن يصلي، ولا مانع من أن يكون هذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة؛ لأن الشيطان كما هو معلوم يأكل، ويشرب، وينكح، ويبول، فهو حق على حقيقته، وهذا من عمل الشيطان في إيذاء الإنسان، والحيلولة بينه وبين ما يعود عليه بالخير، وذلك بأن يبول في أذنه، وذكر الأذن، ولم تذكر العين؛ لأن الأذن هي محل الإحساس، وسماع الحركة والأصوات، وكون الإنسان يتنبه، فإذا حصل للأذن شيء يجعل الإنسان لا يحس، ويستغرق في نومه، ولو وجد عنده شيءٌ من الحركة ما تنبه، فمعناه أن الشيطان بال في أذنه فصار لا يتنبه، وليس له إحساس، فجاء ذكر الأذن ولم يأت ذكر العين؛ وذلك لأن النوم يكون بإغماض العين، إلا أن الإحساس إنما هو في الأذن، فمن أجل ذلك جاء ذكر البول من الشيطان في الأذنين؛ لأنه إذا تمكن الشيطان من إيذائه فيهما ومن بوله فيهما، فإنه لا يحس، ولا يتنبه، ولا يستيقظ، ولو صار عنده شيءٍ ينبهه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ذكر عند رسول الله رجل نام ليلة حتى أصبح قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه ...)

    قوله:
    [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو ابن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقةٌ، ثبت، مجتهد، إمامٌ، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [أخبرنا جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد الضبي البصري، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي وائل].
    هو شقيق بن سلمة الكوفي، وهو مشهورٌ بكنيته أبو وائل، ويأتي ذكره بالكنية وذكره بالاسم، فيقال أحياناً: شقيق بن سلمة، وأحياناً يقال: شقيق فقط، وأحياناً يقال: أبو وائل كما هنا، أي: بالكنية فقط، وهو ثقةٌ مخضرم، أي: ممن أدرك الجاهلية والإسلام، ولم ير النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن مسعود].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من علماء الصحابة وفقهائهم وكبارهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين، وبعض العلماء قال: إنه من العبادلة الأربعة، وليس كذلك، بل العبادلة الأربعة هم من صغار الصحابة، وكانوا في سنٍ متقارب وهم: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو بن العاص، وابن الزبير، إذاً: العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم هؤلاء، وليس ابن مسعود منهم؛ لأنه متقدم الوفاة، وأما أولئك فإنهم متأخرون بعده بمدة، فـابن مسعود توفي سنة اثنين وثلاثين وأولئك بعد الستين أو قريباً من ذلك، فإذاً: عاشوا مدةً طويلة بعد ابن مسعود رضي الله تعالى عن الجميع، وحديث عبد الله بن مسعود عند أصحاب الكتب الستة.
    حديث: (يا رسول الله! إن فلاناً نام عن الصلاة البارحة...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد حدثنا منصور عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله تعالى عنه: أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن فلاناً نام عن الصلاة البارحة حتى أصبح، قال: ذاك شيطانٌ بال في أذنيه)].ثم أورد حديث ابن مسعود من طريقٍ أخرى، وهو مثل الذي قبله تماماً.
    قوله:

    [أخبرنا عمرو بن علي].

    هو الفلاس البصري، المحدث، الناقد، المتكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد].
    هو عبد العزيز بن عبد الصمد العمي البصري، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا منصور عن أبي وائل عن عبد الله].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

    شرح حديث: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى عن ابن عجلان حدثنا القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى ثم أيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (رحم الله امرءاً قام من الليل فصلى، ثم أيقظ أهله، فإن أبت نضح في وجهها الماء)، يعني: برفق، يعني: حتى يحصل لها النشاط، وتتنبه وتقوم، وعلى العكس أيضاً، (رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت، ثم أيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)، فهو دعاء من النبي عليه الصلاة والسلام بالرحمة لمن يكون كذلك، وفيه حثٌ على قيام الليل، بل وفيه كون الرجل يحث أهله، والمرأة تحث زوجها، وتساعده ويساعدها على القيام في الليل بالصلاة، مع الأخذ بالأسباب التي تنشط، والتي تجعل الإنسان يتنبه، وهو نضح الماء في الوجه، ويكون ذلك برفقٍ ولين، وليس بشدةٍ يحصل معها الإزعاج كما هو واضح.
    الحاصل أن الحديث فيه الترغيب في قيام الليل، بل وفيه حث من قام أن يقيم أهله، أو من قامت أن تقيم زوجها، وهذا من التعاون على البر والتقوى، ومن التعاون على الخير.
    تراجم رجال إسناد حديث: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى..)

    قوله:

    [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].

    هو الدورقي، وهو ثقةٌ، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخٌ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة.

    [حدثنا يحيى].
    هو ابن سعيد القطان البصري، المحدث، الناقد، الثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عجلان].
    هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوقٌ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا القعقاع].
    هو القعقاع بن حكيم المدني، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي صالح].
    هو ذكوان السمان، مشهورٌ بكنيته أبو صالح، واسمه ذكوان، ولقبه السمان، يأتي ذكره بالكنية، ويأتي ذكره بالاسم، وهو ثقةٌ، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.


    شرح حديث علي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة فقال: ألا تصلون؟ ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن علي بن حسين أن الحسين بن علي رضي الله عنه أخبره عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة فقال: ألا تصلون؟ قلت: يا رسول الله! إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثها بعثها، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54])].أورد النسائي حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام طرقه، وفاطمة وقال لهما: ألا تقومان فتصليان؟ فقال علي رضي الله عنه: إنما أنفسنا بيد الله، إذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فلما قال علي رضي الله عنه ذلك، انصرف النبي عليه الصلاة والسلام، قال علي: رأيته يضرب فخذه بيده ويقول: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54]). محل الشاهد من الحديث كون النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى علي، وفاطمة ليلاً وطرق عليهما الباب، وقال لهما: (ألا تصليان)، أي: ألا تصليان الليل، وفي ذلك حث على قيام الليل، وترغيب في قيام الليل، وكون الرجل يرشد أهله، وذويه، وأقاربه إلى هذا العمل الخير.
    وقول علي رضي الله تعالى عنه: (إنما أنفسنا بيد الله إذا شاء أن يبعثها بعثها)، يعني: أنهما ينامان، والنائم قد قبضت نفسه، وإذا شاء الله عز وجل أن يبعثه من نومه بعثه، وهذا فيه أن النوم أو القيام من النوم يقال له: بعث؛ لأن النوم أخو الموت، والموت يكون فيه بعث، والنوم يكون فيه بعث، أي بعثٌ من ذلك الموت الأصغر الذي هو النوم، وقد جاء في الحديث: (النوم أخو الموت، ولا ينام أهل الجنة)، ففيه ذكر البعث، وقد جاء في القرآن الكريم: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42]، يعني: يتوفاها في حال النوم فيقبضها، ثم يعيد النفس إلى الجسد إذا كان في العمر بقية، وإذا كان الأجل انتهى، فإن النفس تقبض في ذلك النوم ثم لا تعود، ولهذا قال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42]، التي انتهى أجلها بهذه النومة، وقبضت الروح، لا تعود، والتي في الأجل بقية، يعيدها الله عز وجل حتى تستكمل الأجل.
    الحاصل أن النوم، والقيام منه يطلق عليه أنه بعث، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام انصرف وهو يقول: (وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54])، يعني هذا فيه إشارة إلى ما حصل من علي رضي الله عنه من هذا الكلام الذي هو فيه جدل، ثم أيضاً هذا فيه دليلٌ على قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54])، ويستشهد بالآية التي في سورة الكهف وهي في الكفار، وهذا يفيد أن اللفظ يمكن أن يستعمل بعمومه، ولو كان أصل وروده في القرآن إنما يراد به الكفار، فيمكن أن يتمثل به، وأن يستشهد به في حق من هو مسلم؛ لأن عموم اللفظ يقتضيه، وإن كان الأصل في ذكره في القرآن إنما هو الكفار، فهذا يدل على أن مثل ذلك سائغ، وأن اللفظ العام الذي كان أصل مجيئه إنما هو في حق الكفار، أنه يجوز استعماله في حق المسلمين إذا وجد منهم ذلك الشيء الذي ينطبق عليه ذلك العموم.


    تراجم رجال إسناد حديث علي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة فقال: ألا تصلون؟ ...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبتٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، ثقةٌ، فقيه، إمام أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عقيل].
    هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري، هو بالتصغير وجده بالتكبير، وهو من قبيل المؤتلف والمختلف، عُقيل، وعَقيل؛ لأن الرسم واحد والحروف واحدة، والفرق إنما هو بالشكل، والحركات، عقيل بن خالد بن عقيل المصري، فهو بالتصغير، وجده بالتكبير، وهو من قبيل المؤتلف والمختلف، اتفقت الألفاظ في الرسم، واختلفت في النطق، والصيغة، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، ينسب إلى جده زهرة بن كلاب، وهو ثقةٌ، فقيه، مكثرٌ من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن علي بن الحسين].
    هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لقبه زين العابدين، وهو ثقةٌ، ثبت، فقيه، عابد مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن الحسين بن علي أخبره].
    هو الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته، وهو من صغار الصحابة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن علي بن أبي طالب].
    هو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، ذي المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وهو أفضل هذه الأمة بعد أبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وقد ورد في كتب السنة فضائل كثيرة ثابتة له رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهي دالةٌ على فضله، ونبله، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الإسناد اجتمع فيه ثلاثة من أئمة أهل السنة الذين يحبهم أهل السنة، ويقدرونهم، ويعرفون فضلهم، ويتولونهم، وتمتلئ قلوبهم من محبتهم، ولا يغلون فيهم ولا يجفون، بل هم معتدلون متوسطون، لا غلوٌ، ولا جفاء، بل يحبونهم لإيمانهم وتقواهم، ولقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم وأرضاهم، وهؤلاء الثلاثة هم من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، الذين يغلون فيهم، وينزلونهم منازل لا يستحقونها، ولا يرضونها هم لأنفسهم، والتي جاء في كتبهم المعتمدة عندهم ألفاظ فيها الغلو الشديد، والمبالغة الشديدة، وإضافة إليهم شيء لا يرضونه، ومن ذلك ما جاء في كتاب الكافي للكليني من أبواب تشتمل على أحاديث ينسبونها إلى الأئمة الاثني عشر، ومن هذه الأبواب: باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، وباب أنه ليس شيء من الحق إلا ما كان من عند الأئمة، وكل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، ومقتضى هذا الكلام أن كل ما جاء عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة، أنه مرفوضٌ مردود، بل إن القرآن نفسه إنما جمعه أبو بكر ثم عثمان، فالمصحف الذي بأيدي الناس هو من جامع عثمان رضي الله تعالى عنه، وعلى هذا فالقرآن ما خرج من عند أهل البيت، وما خرج من عند الأئمة، بل الذي جمعه أولاً أبو بكر الصديق ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، فلا شك أن هذا من أبطل الباطل، وهذا فيه قدحٌ في المنقول؛ لأن القدح في الناقل قدحٌ في المنقول، ما دام أن الصحابة لا يؤخذ ما جاء عن طريقهم، وأنه لا يؤخذ إلا ما جاء من طريق الإثني عشر، وأن كل شيءٍ لم يخرج من عندهم فهو باطل، أي: أن كل ما جاء عن أبي بكر، وعمر، وعثمان وغيرهم من الصحابة، فإنه باطل؛ لأنه ما خرج من الأئمة الاثني عشر، هذا هو معنى هذا الباب المشتمل على بعض الأحاديث المكذوبة، ومن ذلك أيضاً الباب الذي يقول فيه: بابٌ أن الأئمة يعلمون الكتب المنزلة على المرسلين كلها، وأنهم يعرفونها بلغاتها، يعني معناه كل كتابٍ أنزله الله فهو موجودٌ عند الأئمة الاثني عشر، وأنهم يعرفون كل اللغات التي نزلت بها الكتب، هذا كله غلوٌ وإطراء لا يرضاه الأئمة، والله لا يرضونه، والله لو سمعوه لتبرءوا منه، لكن هكذا شأن الكذابين يكذبون على الأئمة، وهذا الشيء لا تقبله العقول، ولا يتفق، ولا يؤيده النقل ولا العقل، فهذا من جملة غلوهم، وهذا من كلام المتقدمين الذي هو الكليني، وهذه أبوابه.
    أما المتأخرون المعاصرون، فأكبر زعيم عندهم هو الخميني، وقد قال في كتابه الحكومة الإسلامية في حق الأئمة الإثني عشر: وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملكٌ مقرب، ولا نبيٌ مرسل، وإن من ضروريات مذهبنا، يعني: من الأمور البديهية الضرورية، أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملكٌ مقرب، ولا نبيٌ مرسل، يعني معناه: أنهم يفضلون على الملائكة المقربين، وعلى الأنبياء المرسلين، هذا هو معنى هذه الكلمة، وهذا هو الغلو الذي ليس وراءه غلو، أما أهل السنة فليس عندهم لا غلوٌ ولا جفاء، بل يحبون الجميع، ويتولون الجميع، ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من كان منهم مؤمناً تقياً يحبونه لإيمانه، وأيضاً يحبونه لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو مذهب أهل السنة حق اعتدال، توسط، لا غلوٌ ولا جفاء، لا إفراطٍ ولا تفريط، ينزلونهم منازلهم التي يستحقونها، فلا يتجاوزون الحدود ولا يقصرون عما يليق بهم وما ينبغي أن يضاف إليهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.


    شرح حديث علي: (دخل عليّ رسول الله وعلى فاطمة من الليل فأيقظنا للصلاة ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد حدثني عمي حدثني أبي عن ابن إسحاق حدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن محمد بن مسلم بن شهاب عن علي بن حسين عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فاطمة من الليل فأيقظنا للصلاة، ثم رجع إلى بيته فصلى هوياً من الليل، فلم يسمع لنا حساً، فرجع إلينا فأيقظنا فقال: قوما فصليا، قال: فجلست وأنا أعرك عيني وأقول: إنا والله ما نصلي إلا ما كتب الله لنا، إنما أنفسنا بيد الله، فإن شاء أن يبعثنا بعثنا، قال: فولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ويضرب بيده على فخذه: ما نصلي إلا ما كتب الله لنا، وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54])].أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريقٍ أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه زيادة وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام كان قد أيقضهما أولاً ثم رجع وصلى، ولم يسمع لهما حساً، ما سمع حركة، فرجع إليهما وإذا هما أيضاً على نومتهما، فقال لهما ما قال، فقام علي رضي الله عنه وجعل يعرك عيناه، يعني: على إثر النوم، وقال هذا الذي قاله، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم يضرب يده على فخذه ويقول: (وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54]).

    تراجم رجال إسناد حديث علي: (دخل عليّ رسول الله وعلى فاطمة من الليل فأيقظنا للصلاة ...) من طريق ثانية

    قوله:
    [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم].
    هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

    [حدثني عمي].
    هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبي].
    هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. يروي..
    [عن ابن إسحاق].
    هو محمد بن إسحاق المطلبي المدني، وهو صدوقٌ يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني حكيم بن حكيم].
    هو حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، وهو صدوقٌ، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [عن محمد بن مسلم بن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وقد مر ذكره.
    [علي بن الحسين].
    علي بن الحسين، وأبوه الحسين، وأبوه علي بن أبي طالب، وقد مر ذكرهم.
    هذا الإسناد تساعي، أي: من أطول الأسانيد عند النسائي، وأطولها عنده العشاري، قد مر بنا أحاديث في فضل (قل هو الله أحد)، وفيه عشرة بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتساعي بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم تسعة أشخاص، وهذا الإسناد منها، وهي من الأسانيد النازلة، وأعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، وأنزل الأسانيد عند النسائي العشاريات، فالعشاري الذي هو عشرة أشخاص، وهذا من هذا القبيل.
    فضل صلاة الليل
    شرح حديث: (... وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فضل صلاة الليل. أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن هو ابن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان: شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: فضل قيام الليل، وأورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان: شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة: قيام الليل)، قوله: (وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل)، هذا هو مقصود النسائي من إيراد الحديث في الترجمة؛ لأنه يدل على فضل قيام الليل، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنه أفضل النوافل بعد الفرائض)، لا سيما إذا كان في آخر الليل، وهو: الثلث الآخر من الليل؛ لأنه الوقت الذي ينزل الله عز وجل فيه إلى السماء الدنيا، فيقول: (هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من سائلٍ فأعطيه سؤله؟ هذا من كذا هل من كذا)، فالحديث دالٌ على فضل قيام الليل، ودالٌ على أنه أفضل الصلاة بعد الفريضة كما هو نفس الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودالٌ أيضاً على أن أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، أي: الصيام فيه، وفيه يوم عاشوراء، وصيام يوم قبله أو يوم بعده، وهو من أفضل الصيام، وأفضل منه صيام يوم عرفة لغير الحجاج؛ لأنه قد جاء في فضل صيام عرفة أنه (يكفر السنة الماضية والآتية، وأما يوم عاشوراء فإنه يكفر السنة الماضية)، فصيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، والنبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث قال: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان: شهر الله المحرم)، أي: كونه يصام في شهر المحرم، وفي هذا الحديث الدلالة على أن خير الصيام بعد صيام رمضان الصيام في شهر الله المحرم.
    ومن المعلوم كما مر بنا قريباً أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صام شهراً كاملاً إلا رمضان، وأنه كان يصوم ويفطر، ويصلي وينام، عليه الصلاة والسلام، وكلمة المحرم هي: بالألف واللام، ولا يصلح أن يؤتى به بدون ألفٍ ولام، بل الألف واللام ملازمةٌ له، والإتيان به بدون ألف ولام خطأ، فلا يأتي في اللغة إلا وفيه الألف واللام كما جاء في هذا الحديث، وفيه أيضاً إضافته إلى الله عز وجل حيث قال: (شهر الله المحرم)، وقيل: إنه لم يأت إضافة شهرٍ إلى الله غير هذا الشهر، وقيل: إن السبب في ذلك أنه من الأشهر الحرم، ولفظه أو لفظ اسمه يشعر بالتحريم، وأنه محرم، وهو أحد الأشهر الحرم الأربعة التي هي: رجب الفرد، ويقال له: الفرد؛ لأنه شهرٌ من الأشهر الحرم وحده، ليس بجواره شهرٌ من أشهر الحرم، وأما الثلاثة الباقية فهي مسرودة بعضها وراء بعض، ولهذا يقال: ثلاثةٌ سردٌ وواحدٌ فرد، ثلاثةٌ سرد، يعني: مسرودة، وهي: ذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، شهر الحج، وشهر قبله، وشهر بعده، وشهر رجب الذي هو في وسط السنة، وفي أثناء السنة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)

    قوله:
    [أخبرنا قتيبة بن سعيد].
    وقد مر ذكره قريباً.
    [حدثنا أبي عوانة].
    هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقةٌ، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهورٌ بكنيته أبو عوانة.
    [عن أبي بشر].
    هو أبو بشر جعفر بن إياس بن أبي وحشية، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد بن عبد الرحمن].
    قال هنا: [هو ابن عوف]، وليس ابن عوف بل هو حميد بن عبد الرحمن الحميري، وذكر ابن عوف هنا وهم، وقد ذكر المزي في تحفة الأشراف الحديث تحت ترجمة حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة، وليس له، أي: حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة إلا هذا الحديث، أما حميد بن عبد الرحمن بن عوف فله أحاديث كثيرة في الكتب الستة، وقد ذكرها المزي في تحفة الأشراف متتابعة وهي كثيرة، لكن حميد بن عبد الرحمن الحميري ذكر له هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو عند مسلم وقد نسبه بأنه الحميري، وكذلك الحافظ ابن حجر نص في تعليقه على تحفة الأشراف بأن الوهم ممن دون النسائي، يعني: الذي أضاف هو ابن عوف هو من دون النسائي؛ لأنه جاء في غير نسخة ابن السني بدون ابن عوف، إذاً الخطأ ممن هو دون النسائي، فقوله هنا: هو ابن عوف، هذا خطأ، بل هو الحميري؛ وهذا يبين لنا ما سبق: أن كلمة هو ابن فلان، يمكن أن يزيدها من دون النسائي، وسبق أن مر بنا: أن النسائي يقال في بعض شيوخه: هو ابن فلان، ومعلومٌ أن النسائي لا يقول: هو ابن فلان، بل الذي يقوله من دون النسائي؛ لأن التلميذ لا يقول عن شيخه: هو ابن فلان، بل ينسبه كما يريد، فوجود شخص في شيوخ النسائي يقال فيه: هو ابن فلان، معلوم أن هذا ليس كلام النسائي، بل هو كلام من دون النسائي، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    أبو هريرة، وقد مر ذكره.

    حديث: (أفضل الصلاة بعد الفريضة: قيام الليل ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله حدثنا شعبة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية: أنه سمع حميد بن عبد الرحمن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة بعد الفريضة: قيام الليل، وأفضل الصيام بعد رمضان: المحرم)، أرسله شعبة بن الحجاج].ثم أورد النسائي طريقاً أخرى، وفيها حميد بن عبد الرحمن، قال فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قبيل المرسل، وقال: إنه أرسله شعبة، أي: إن رواية الإرسال جاءت من طريق شعبة؛ لأن جعفر بن أبي وحشية جاء عنه الإسناد الذي قبل هذا وهو موصول، وأما هذه الطريقة الثانية جاءت من طريق جعفر بن أبي وحشية، لكن عن طريق شعبة، فالإرسال من هذه الطريق التي فيها رواية شعبة، وأما رواية غيره ففيها الوصل، وإضافته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متصلاً وليس مرسلاً.
    قوله:
    [أخبرنا سويد بن نصر].
    هو المروزي، وهو ثقةٌ، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقةٌ، ثبتٌ، جوادٌ، مجاهدٌ، قال عنه الحافظ في التقريب بعد أن ذكر جملةً من خصاله الحميدة: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقةٌ، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية].
    وقد مر ذكر جعفر، وقد سمي هنا في هذا الإسناد، وأما في الإسناد السابق فهو لم يسم.
    [أنه سمع حميد بن عبد الرحمن].
    وهنا ما نسبه، ما قال: الحميري، ولا قال: ابن عوف، وقد مر ذكره.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #297
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب قيام الليل وتطوع النهار)
    (294)

    - كتاب قيام الليل وتطوع النهار - باب فضل صلاة الليل في السفر - باب وقت القيام
    لقيام الليل مزية عظيمة حيث ورد في السنة أن الله يحب العابد الذي آثر القيام على النوم رغم عنائه في السفر، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليل ويحب من العمل أدومه.
    فضل صلاة الليل في السفر
    شرح حديث: (ثلاثة يحبهم الله عز وجل ... فقام يتملقني ويتلو آياتي)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فضل صلاة الليل في السفر.أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة عن منصور سمعت ربعياً عن زيد بن ظبيان رفعه إلى أبي ذر رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثةٌ يحبهم الله عز وجل: رجلٌ أتى قوماً فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه، فتخلفهم رجلٌ بأعقابهم فأعطاه سراً لا يعلم بعطيته إلا الله عز وجل والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به، نزلوا فوضعوا رءوسهم، فقام يتملقني، ويتلو آياتي، ورجلٌ كان في سرية فلقوا العدو فانهزموا، فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب فضل صلاة الليل في السفر، المقصود من هذه الترجمة: كون الإنسان يقوم الليل وهو مسافر.
    فأورد فيه النسائي حديث أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه في قصة الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل، وهم: رجلٌ سأل قوماً لم يسألهم إلا بالله، لم يسألهم بقرابةٍ بينه وبينهم، فمنعوه فتخلف رجلٌ من أعقابهم، أو بأعقابهم، فأعطاه سراً لا يعلم تلك العطية إلا الله، والذي أعطاه، الله تعالى هو الذي يعلم، ومن الخلق ذلك الذي أعطى هذا السائل.
    فأحد الثلاثة الذين يحبهم الله هو المعطي وليس السائل، كما قد يتوهم من الحديث، بل الذي أعطى سراً، ولم يعلم بعطيته إلا الله عز وجل وذلك المعطي، هذا هو أحد الثلاثة الذين يحبهم الله، وليس الذي سأل بالله، والتقدير الذي يناسب: معطي رجلٍ سأل بالله كذا.
    فأحد الثلاثة هو المعطي وليس السائل، و(اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى)، فذاك المعطي الذي أعطى هذا الرجل الذي سأل بالله عز وجل ولم يسأل بقرابة فمنعوه، هو ذلك الذي تخلف منهم، وصار في أعقابهم، فأعطاه سراً بينه وبينه لم يطلع على ذلك إلا الله عز وجل، وذلك المعطي الذي أعطاه.
    وقومٌ كانوا في سرية يسيرون في الليل، فلما تعبوا من السفر، واحتاجوا إلى النوم، وصار النوم لا يعدله شيءٍ عندهم، وضعوا رءوسهم وناموا، وقام هو يتملق، ويسأل الله عز وجل، ومعنى (يتملق الله) أي: يتودد إليه، ويدعوه، ويلح عليه في الدعاء.
    فأحد الثلاثة هو هذا العابد الذي كان مع أولئك القوم السائرين، ولما طال سفرهم أو طال سيرهم في الليل، واحتاجوا إلى الرقاد، لما وصلوا الأرض وضعوا رءوسهم وناموا، وأما هو فبقي يصلي ويتملق الله عز وجل، أي: يتودد إليه، ويدعوه، ويلح عليه ويسأله، فذاك الرجل هو ممن يحبه الله عز وجل.
    وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، فيكون التقدير: عابد قوم، أي: الأول معطي رجل، والثاني من الثلاثة عابد قومٍ كانوا سائرين فلما ناموا جعل يصلي، ويسأل الله عز وجل ويتملقه ويدعوه، ويتودد إليه، ويطلب منه عطفه وجوده، وكرمه.
    والثالث رجلٌ كان في سرية يجاهد في سبيل الله، (فانهزموا فأقبل بصدره).
    قوله: [(فأقبل بصدره)]، أي: تأكيد لإقباله؛ لأن الصدر هو مقدم الإنسان، وهو الذي يكون عند الإقبال، لكن هذا من باب التأكيد، وهو مثل (يطير بجناحيه)، والطائر لا يطير إلا بجناحيه، فهذا مقبلٌ بصدره، يعني: صدره مقبلٌ به، وصدره أمامه، فلا يكون إلا أمامه، فمعناه أنه مقبلٌ غير مدبر، ومنه قول الشاعر يعني يمدح قبيلته وجماعته:
    فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدماء
    أي معناه: أنهم إذا جرحوا أو كلموا يكونون مقبلين غير مدبرين، فدماءهم تقطر على أقدامهم، وليست تقطر على أعقابهم هاربين، بأن يلحقهم العدو، ويجرحهم من الخلف، فتقطر دماءهم على أعقابهم من الوراء، وإنما تقطر دماؤهم على أقدامهم من الأمام؛ لأنهم مقبلين غير مدبرين.
    فهذا مقبلٌ بصدره، يقاتل حتى يفتح له أو يقتل، هذا هو متن الحديث، ومحل الشاهد منه الثاني من الثلاثة، وهو: عابد القوم الذين كانوا يسيرون في الليل، ولما كان النوم أغلى شيءٍ عندهم ولا يعدله شيء عندهم، وإذا قورن بشيءٍ صار النوم هو المقدم، فلما وصلوا الأرض وضعوا رءوسهم وناموا في الحال، وأما هو فأقبل يصلي، ويتعبد، ويسأل الله عز وجل، ويتملقه ويتودد، ويستعطف، ويسأل، ويرجو، ويلح، فهذا هو محل الشاهد لصلاة الليل في السفر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاثة يحبهم الله عز وجل ... فقام يتملقني ويتلو آياتي)
    قوله:
    [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو الملقب بـالزمن، كنيته أبو موسى، وهو بصريٌ ثقةٌ، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخٌ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، مات قبل البخاري بأربع سنوات، فـالبخاري توفي سنة ستٍ وخمسين ومائتين، ومحمد بن المثنى توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ومات معه في تلك السنة محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهما أيضاً من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وكانت وفاتهم في سنةٍ واحدة هؤلاء الثلاثة.
    [حدثنا محمد].
    محمد هنا غير منسوب، والمراد به ابن جعفر الملقب غندر، وإذا جاء محمد غير منسوب يروي عن شعبة أو يروي عنه محمد بن المثنى أو محمد بن بشار، فالمراد به غندر الذي هو محمد بن جعفر البصري الملقب غندر، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقةٌ، ثبتٌ، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقةٌ، وهو من أقران الأعمش، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت ربعياً].
    هو ربعي بن حراش الكوفي، وهو ثقةٌ، ثبتٌ، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد بن ظبيان].
    مقبولٌ، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن أبي ذر الغفاري].
    هو جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    والحديث في إسناده زيد بن ظبيان، وهو مقبول، والمقبول حديثه يعتبر إذا توبع، وهو لم يتابع، فالحديث غير صحيح، ولهذا ضعفه الشيخ الألباني وجعله من ضمن ضعيف سنن النسائي، لكن جاء في بعض الأحاديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي على راحلته وهو في السفر أينما توجهت، يستقبل القبلة عندما يريد أن يبدأ بالصلاة، ثم تتجه راحلته إلى الجهة التي يريد، فيصلي، وكان لا ينزل إلا إذا حان وقت الفريضة، فإنه ينزل ويصلي، وأما النوافل فإنه كان يصليها وهو على راحلته، ومن ذلك صلاته في الليل، فإنه كان يصلي وهو على راحلته، أي: النوافل، متجهاً أينما توجهت به راحلته إلى الوجهة التي يريد.
    وقت القيام
    شرح حديث عائشة: (... فأي الليل كان يقوم؟ قالت: إذا سمع الصارخ)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب وقت القيام: أخبرنا محمد بن إبراهيم البصري عن بشر هو ابن المفضل حدثنا شعبة عن أشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق قال: قلت لـعائشة رضي الله تعالى عنها: (أي الأعمال أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: الدائم. قلت: فأي الليل كان يقوم؟ قالت: إذا سمع الصارخ)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب وقت القيام، أي: وقت قيام الليل، أورد النسائي فيه حديث عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: (أي العمل أحب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قالت: العمل الدائم)، أي: الذي يداوم عليه هو الأحب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل وهو الأحب إلى الله، وكل ما كان أحب إلى رسول الله فهو أحب إلى الله، وما كان أحب إلى الله فهو الأحب إلى رسول الله، ولا يكون الأحب إلى رسول الله يختلف عن الأحب إلى الله، ولهذا فالحديث الموضوع الذي يقال فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم أنك أخرجتني من أحب البلاد إليّ فأسكني في أحب البلاد إليك)، فإن هذا موضوع، والأحب إلى رسول الله هو الأحب إلى الله، والنبي عليه الصلاة والسلام بين أن مكة هي: أحب البلاد إلى الله، فلما خرج مهاجراً التفت إليها وقال: (أما إنك أحب بلاد الله إلى الله، ولولا أنني أخرجت لما خرجت)، فالحديث الذي عكس هذا، أو لا يتفق مع هذا، أو يخالف هذا من جهة، وفيه أيضاً بيان مخالفة ما يحبه الرسول صلى الله عليه وسلم لما يحبه الله من جهة، (أنك أخرجتني من أحب البلاد إليّ، فأسكني أحب البلاد إليك)، معناه: الأحب إلى الله غير الأحب إلى رسول الله، وهذا خطأ، وهذا غير صحيح.
    فإذاً فيه محظورٌ من جهتين: من جهة أنه مخالف لما جاء في الحديث الصحيح الثابت وهو: (أن مكة أحب البلاد إلى الله)، يعني: ذاك الحديث يدل على أن أحب البلاد إلى الله المدينة، وفيه أيضاً من المخالفة أن الأحب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام غير الأحب إلى الله، ومن المعلوم أن محبة الرسول تابعة لمحبة الله، وما كان إلى الله تعالى أحب فهو إلى رسوله أحب؛ لأن محب الرسول صلى الله عليه وسلم تابعةٌ لمحبة الله، لا يكون الله تعالى يحب شيئاً والرسول يحب خلافه أو يحب غيره، وما كان إلى الله أحب فهو إلى رسوله عليه الصلاة والسلام أحب، فأحب العمل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الدائم، وقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: (أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل)، فالعمل الدائم هو الأحب إلى الله، وهو الأحب إلى رسوله الله.
    لماذا كان العمل الدائم هو الأحب إلى الله؟ لأن العمل الدائم يكون الإنسان على عبادة دائماً وأبداً، وعلى صلةٍ وثيقة بالله، ما يكون ينشط في بعض الأحيان ثم يكسل في أحيانٍ أخرى، فقد يأتيه الموت وهو في حال الغفلة والكسل، والإعراض، ولكنه إذا كان دائماً في عبادة ولو كانت قليلة، فإنه إذا مات يموت على خير؛ لأنه ملازم للعبادة، فأي وقتٍ يموت، يموت وهو مداوم على العبادة، ولهذا يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، المقصود بقوله: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يعني: داوموا على الإسلام، والتزموا بالإسلام، وبأحكام الإسلام؛ لأنكم إذا كنتم كذلك إذا جاءكم الأجل يأتيكم وأنتم على حالة طيبة، ومن المعلوم أن الإنسان لا يعلم متى يموت حتى يحسن في حال موته، وقد يأتيه الموت فجأة ولا يستطيع أن يتكلم، ولا يستطيع أن ينطق، لكن إذا كان الإنسان مداوم على عبادة، وملتزم بعبادة، فإنه أي وقتٍ يأتيه الموت يموت وهو مداومٍ على العبادة، بخلاف الذي ينشط في بعض الأحيان، ويهمل في بعض الأحيان، فإن هذا غير مداوم على العبادة، وقد يأتيه الموت في حال السهو والغفلة، ومثل هذه الآيات الكريمة، قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ضمن حديثٍ طويل: (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأتيه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)، فقوله: (فلتأتيه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر)، هو من جنس قوله: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يعني معناه: أنه يداوم على الإيمان، ويداوم على الطاعة، حتى إذا جاءه الأجل يأتيه وهو على حالةٍ طيبة.
    إذاً قول عائشة رضي الله عنها: (أحب العمل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الدائم)، أي: الذي يداوم عليه الإنسان، وقد مر في حديث عائشة الطويل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أحب أن يداوم عليه، ثم قالت: وكان إذا شغله عن صلاة الليل مرضٌ أو وجعٌ أو شيءٌ آخر، صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة)، يقضيها؛ لأنه يحب أن يداوم على العمل، ولا يتركه إذا فات، بل يقضيه؛ لأنه مداومٌ عليه وملازمٌ له، فأحب العمل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الدائم، وهو أيضاً أحب إلى الله، بل محبة الله، ومحبة الرسول متلازمتان، فالرسول صلى الله عليه وسلم يحب ما يحبه الله، ومحبته تابعةً لمحبة الله، وأما المسلمون فعلامة كون الإيمان تمكن من القلوب: أن تكون محبتهم تابعةٌ لمحبة الله ورسوله، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق على صحته: (ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله)، معناه: أن المحبة إنما هي في الله، ومن أجل الله، تابعةٌ لما يحبه الله، يحب الله ورسوله، ويحب ما يحبه الله ورسوله، ويحب من يحبه الله ورسوله، فيحب من يحبه الله ورسوله من الأشخاص، ويحب ما يحبه الله ورسوله من الأعمال.
    قوله: [(أي الليل كان يقوم؟ قالت: إذا سمع الصارخ)]، الصارخ هو: الديك، الديك إذا صوت، وأذن ووجد منه الصياح الذي هو الأذان يقوم فقد جاء في بعض الأحاديث أنه من كل الليل صلى، صلى من أوله، ومن وسطه، ومن آخره، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان يعلم من نفسه أنه ينام، وأنه يخشى ألا يستيقظ، فإنه يصلي قبل أن ينام ما أراد أن يصلي ويوتر، وقد أوصى بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام أبا هريرة، وأبا الدرداء، فجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام)، معناه: يصلي صلاته في الليل ويوتر قبل أن ينام، وجاء في حديث أبي الدرداء: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد)، كما في صحيح مسلم، وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم وتعبيره: (حبيبي)، وحديث أبي هريرة في الصحيحين وتعبيره: (خليلي)، (أوصاني خليلي)، وأما أبو الدرداء فيقول: (أوصاني حبيبي صلى الله بثلاث)، وفيه حديث أبي هريرة: (أن أوتر قبل أن أنام)، وحديث أبي الدرداء: أن أوتر قبل أن أرقد.
    الحاصل أن الإنسان على حسب ما يتيسر له، إذا كان يتمكن من القيام في آخر الليل، فصلاته في آخر الليل أفضل، وإن كان لا يتمكن فإنه يصلي الليل قبل أن ينام، ويوتر قبل أن ينام، وهذا هو ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه أبي هريرة، وأبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... فأي الليل كان يقوم؟ قالت: إذا سمع الصارخ)
    قوله: [أخبرنا محمد بن إبراهيم البصري].هو ابن صدران، وهو صدوقٌ، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن بشر هو ابن المفضل].
    هو بشر بن المفضل، وكلمة: بشر التلميذ الذي أتى بها هو محمد بن إبراهيم البصري، أما من دونه النسائي أو غير النسائي من دون النسائي، فهم الذين قالوا: هو ابن المفضل؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن فلان، بل ينسبه كما يريد، فلان ابن فلان ابن فلان، ويمكن يأتي بستة أسماء، أو يأتي بجده السادس أو السابع، مثل ما يفعل النسائي أحياناً يجيء سطر كامل كله نسب لشيخٍ من شيوخه، مثل عمرو بن عثمان، ومثل عمرو بن سواد، فإنه أحياناً يطول في نسبهم فيأتي خمسة أسماء أو ستة أسماء لهما، وأما غير التلميذ فهو الذي إذا أراد أن يزيد ما يوضح به، أتى بكلمة هو: ابن فلان، ولا يلزم أن تكون ممن دون التلميذ فقط، بل قد تكون ممن دونه بكثير، وقد سبق أن مر بنا أو مر بنا قريباً الحديث الذي فيما مضى الذي فيه: حميد بن عبد الرحمن هو ابن عوف، والذي ذكرت أن الحافظ ابن حجر قال: إنها وهمٌ، والوهم فيها ممن دون النسائي؛ لأنه وجد في نسخ النسائي التي ليست من رواية ابن السني ما فيها ابن عوف، وابن عوف جاء في رواية ابن السني، فالزيادة ممن دون النسائي، مع أن زيادة ابن عوف في أعلى الإسناد، لكن الذي زادها من أجل التوضيح هو من دون النسائي؛ لأن نسخة غير ابن السني أو الروايات التي هي غير روايات ابن السني ليس فيها ابن عوف، ليس في هذه الزيادة، إذاً هذه الزيادة ممن دون النسائي.

    الكلام على نعيم بن زياد وعمرو بن سواد الواردان في بعض أسانيد النسائي

    وبالمناسبة سبق أن مر بنا شخصان: أحدهما نعيم بن زياد الأنماري أبو طلحة، وذكرت لكم أن في التقريب الرمز بالدال والسين، أي: روى له أبو داود، والنسائي، وذكر بعض الإخوان أنه رمز له بالفاء، أي: أبو داود في التفرد، والنسائي، والموجود في نسخة التقريب الطبعة المصرية، وكذلك في نسخة تهذيب التهذيب، موجودٍ د س، لكن الموجود في تهذيب الكمال، والذي هو ليس بالرمز ولكنه بالحروف وبالكتابة، قال: أخرج له أبو داود في التفرد، والنسائي، وكما قلت لكم كثيراً: إذا حصل إشكال في الرموز يعني عند التقريب أو التهذيب، فإنه يرجع إلى تهذيب الكمال الذي فيه التنصيص وليس الترميز، التنصيص على الأسماء، يقول: أخرج له فلان وفلان وفلان، ويسميهم، أو الجماعة إلا فلان، أما يعني التقريب وتهذيب التهذيب، فإنها بالرموز، والرمز أحياناً يكون فيه شيء من التصحيف، لكن الكتابة هذه هي التي تعتبر معتبرة، فيؤمن فيها تصحيف الرموز، فإذاً نعيم بن زياد أبو طلحة الرمز له ف وس، (ف) أبو داود في التفرد، و(س) الذي هو النسائي، وقد مر بنا قريباً لعله في الإسناد ألف وستمائة وخمسة. وفيه شخصٌ آخر أيضاً سبق أن مر بنا وهو عمرو بن سواد، وفي نسخة التقريب موجود البصري، وهو المصري، وأنا قد سبق أن صححتها عندي، والدليل على أنه المصري يعني عدة أمور:
    الأمر الأول: أن نسخة تهذيب التهذيب، ونسخة خلاصة التذهيب فيها المصري.
    والأمر الثاني: أنه يروي عن ابن وهب، بل قالوا في ترجمته: أنه راوياً لـابن وهب، وابن وهب مصري، فهو راوٍ له، وما دام راوية له فهو مصري؛ لأن معناه: أنه معه وملازمٌ له، وهو في مصر، ثم أيضاً ذكروا أن ابن يونس ذكر ترجمة له، وابن يونس صاحب تاريخ مصر، مصري، فيكون مصرياً، وهذه الأمور التي ذكرتها توضح كونه مصرياً من جهة أن الذين نصوا عليه غير التقريب، تهذيب التهذيب، وخلاصة التذهيب، وكونه روايته عن ابن وهب كثيرة، وكونه راوياً لـابن وهب كما قالوا في ترجمته، وكونه أيضاً في تاريخ مصر مترجم له، كل هذا يبين أنه مصري وليس بصري، والتصحيف بين المصري، والبصري يحصل لتقاربهما، البصري، والمصري، يحصل التصحيف فيما بينهم، مثل ما يحصل التصحيف بين النجاري، والبخاري، فيأتي في التقريب: الأنصاري البخاري، وهي الأنصاري النجاري، يعني نسبةٌ عامة ثم نسبةٌ خاصة، وقد مر بنا قريباً: أن الصحابة والتابعين ما فيهم أحد ينسب إلى بخارة، وإنما من يأتي من الصحابة ومن التابعين، كلمة بخارة فهي تصحيف في الغالب، لا سيما إذا كان من الأنصار، فإنه يقال فيه: نجاري، ويأتي في التقريب في مواضع عديدة التصحيف بين هاتين الكلمتين: البخاري، والنجاري، فيقال: الأنصاري البخاري، وهي النجاري ليس البخاري، لكن الاشتباه، والائتلاف، والاختلاف بين هاتين الكلمتين.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #298
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب قيام الليل وتطوع النهار)
    (295)

    - كتاب قيام الليل وتطوع النهار - (باب ذكر صلاة رسول الله بالليل) إلى (باب ذكر صلاة نبي الله موسى)


    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في أوقات الليل كلها، ولم يكن له وقت ثابت للصلاة، وكان داود عليه السلام يصلي ثلث الليل وينام سدسه.

    ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل


    شرح حديث أنس: (ما كنا نشاء أن نرى رسول الله في الليل مصلياً إلا رأيناه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يزيد أخبرنا حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل مصلياً إلا رأيناه، ولا نشاء أن نراه نائماً إلا رأيناه)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، المقصود من هذه الترجمة: بيان ما كان عليه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من الصلاة في الليل، وأنه صلى في أوقات الليل كله، لم يكن ثابتاً على وقت معين من الليل، يلتزمه ولا يتركه، لا يتقدم عليه ولا يتأخر، بل كان يصلي من أول الليل، ومن وسطه، ومن آخره، ولهذا جاء حديث أنس رضي الله عنه الذي أورده النسائي أنه قال: (ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلياً إلا رأيناه، وما كنا نراه نائماً إلا رأيناه)، أي: أنه ليس هناك وقت محدد ثابت يصلي فيه، وإنما كان في جميع الأوقات، كما جاء في بعض الأحاديث أنه (من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوله، ووسطه، وآخره، وانتهى وتره إلى السحر)، فهذا حديث أنس هو من هذا القبيل، ما كانوا يشاءون أن يروه مصلياً إلا رأوه، في أي وقت من الأوقات يجدونه مصلياً، ويجدونه نائماً في تلك الأوقات في بعض الأحيان الأخرى.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس: (ما كنا نشاء أن نرى رسول الله في الليل مصلياً إلا رأيناه ...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه المروزي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [حدثنا يزيد]
    هو ابن هارون الواسطي، وهو ثقة، متقن، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا حميد].
    هو ابن أبي حميد الطويل البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبو سعيد، وجابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم أجمعين، وهذا الحديث إسناده رباعي، بين النسائي، وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عند النسائي أعلى من الرباعيات، ليس عنده ثلاثيات، أما البخاري فعنده ثلاثيات، وهي: اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، بين البخاري فيها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية، وهي: بإسناد واحد ضعيف، وأما مسلم، وأبو داود، والنسائي، فليس عندهم ثلاثيات، فأعلى ما عندهم الرباعيات.

    شرح حديث: (كان رسول الله يصلي العتمة ثم يسبح ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا حجاج قال ابن جريج عن أبيه: أخبرني ابن أبي مليكة: أن يعلى بن مملك أخبره: (أنه سأل أم سلمة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان يصلي العتمة، ثم يسبح، ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل، ثم ينصرف فيرقد مثل ما صلى، ثم يستيقظ من نومه ذلك فيصلي مثل ما نام، وصلاته تلك الآخرة تكون إلى الصبح)].ثم أورد النسائي حديث أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها، وهي أنها أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العتمة وهي: العشاء، ثم يسبح، أي: يصلي النافلة الراتبة التي بعد الصلاة، ثم بعد ذلك يصلي ما شاء من قيام الليل، ثم ينام مقدار ما صلى، ثم يستيقظ فيصلي مثل ما نام، وذلك يكون عند الصبح، أي: تلك الصلاة تكون عند الصبح.
    فقوله: [(ثم يستيقظ من نومه ذلك فيصلي مثل ما نام، وصلاته تلك الآخرة تكون إلى الصبح)].
    معناه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي صلاتين، وبينهما نوم بمقدار الصلاة التي قبلها، هذا هو حديث أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها، من هذه الطريق، كان فيه صلاة وبعدها نوم، ثم بعد ذلك صلاة، ثم بعد ذلك يأتي الفجر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يصلي العتمة ثم يسبح ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل ...)


    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].هو الحمال البغدادي، لقبه الحمال، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا حجاج].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس.
    [عن أبيه].
    هو عبد العزيز بن جريج المكي، وهو لين الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.
    [أخبرني ابن أبي مليكة].
    هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة منسوب إلى جده، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أن يعلى بن مملك].
    بوزن جعفر، وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [أنه سأل أم المؤمنين أم سلمة].
    هي هند بنت أبي أمية، أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة، والحديث في إسناده لين وهو: عبد العزيز بن جريج والد عبد الملك، ومقبول وهو: يعلى بن مملك، والحديث ضعفه الألباني، والمقبول هو: الذي يوجد له متابع فيكون حديثه مقبولاً بسبب المتابعة، وإذا لم يكن له متابع، فإنه يوصف بأنه: لين الحديث.

    حديث: (... كان رسول الله يصلي ثم ينام قدر ما صلى ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة عن يعلى بن مملك: (أنه سأل أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه سلم عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صلاته؟ فقالت: ما لكم وصلاته؟ كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح، ثم نعتت له قراءته، فإذا هي تنعت قراءةً مفسرةً حرفاً حرفاً)].أورد النسائي حديث أم سلمة من طريق أخرى، وفيه (أنه كان يصلي ثم ينام، ثم يقوم فيصلي، مثل ما نام ثم ينام)، وهذا يختلف عن الذي قبله؛ لأن فيه زيادة النوم بعد الصلاة الثانية، يعني: فيه صلاة ثم نوم، ثم صلاة ثم نوم، والطريقة السابقة فيها صلاة ثم نوم ثم صلاة ثم طلوع الفجر.
    قوله:
    [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبيد الله بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة].

    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، هناك غير منسوب وهنا منسوب.

    [عن يعلى بن مملك].

    وقد مر أنه مقبول، وأن حديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

    [أنه سأل أم سلمة].

    وقد مر ذكرها.
    والحديث مثل الذي قبله فيه يعلى بن مملك، وهو مقبول.
    ذكر صلاة نبي الله داود عليه السلام بالليل
    شرح حديث: (... وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر صلاة نبي الله داود عليه السلام بالليل.أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس: أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه)].
    أورد النسائي صلاة داود عليه الصلاة والسلام، وأورد فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه قال: [(إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام سدسه)]، أي أنه ينام نصفه، ثم يقوم ثلثه ويصلي، ثم ينام سدسه، ومعنى هذا أن النصف الأول يكون نائماً فيه، وبعد ذلك يكون مصلياً الثلث ثم السدس الباقي نائماً؛ لأن النصف ثلث وسدس، وثلث يصلي فيه، ثم سدس يكون نائماً فيه، وقيل: إن المراد من ذلك يعني بعد النوم المعتاد، وليس معنى ذلك أنه من غروب الشمس يكون النوم؛ ولكنه بعد مضي الوقت المعتاد الذي يكون فيه الصلاة، ويكون فيه الاستئناس والسمر، ثم عندما يأتي وقت النوم المعتاد ينام، وعلى هذا فالنوم الكثير يكون في الأول، ثم بعد ما يأخذ راحته من النوم وحاجته من النوم، يقوم ويصلي الثلث، ثم يبقى من النصف الثاني سدس فينام فيه، ومعنى ذلك أنه بعد صلاة العشاء مثلاً لمن يريد أن يقوم الليل، وأن يفعل فعل داود عليه الصلاة والسلام، يعني: بعد صلاة العشاء يبدأ الحساب، ولا يبدأ من المغرب، وإنما يبدأ من بعد صلاة العشاء، فينام نصف المدة، ثم يقوم ثلثها، ثم ينام السدس الباقي، والسدس الذي يكون في آخر الليل أيضاً يكون فيه استعداد للصلاة صلاة الفجر، وكونه أخذ راحته من النوم أيضاً بعد طول القيام في ذلك الثلث الذي فيه الصلاة، يأخذ راحته بعد هذا القيام حتى يقوم نشيطاً قوياً لصلاة الفجر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه)

    قوله:

    [أخبرنا قتيبة].

    وقد مر ذكره.

    [حدثنا سفيان].

    هو ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، ثبت، حجة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت مراراً: أن قتيبة، لا يروي إلا عن سفيان بن عيينة، لا يروي عن سفيان الثوري، ليس له رواية عن سفيان الثوري، بل روايته عن سفيان بن عيينة؛ لأن قتيبة ولد سنة مائة وخمسين، والثوري مات سنة مائة وواحد وستين، فعمر قتيبة حين وفاة الثوري إحدى عشرة سنة، ليس له عنه رواية، وإنما روايته عن سفيان بن عيينة الذي عاش بعد سفيان الثوري سبعاً وعشرين سنة، فروايته، أي: قتيبة، إنما هي: عن سفيان بن عيينة فقط، وليس له رواية عن سفيان الثوري، فـسفيان هنا مهمل غير منسوب، وهو: ابن عيينة، وابن عيينة حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن عمرو بن دينار].

    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عمرو بن أوس].

    هو عمرو بن أوس بن أبي أوس الثقفي، وهو ثقة، تابعي، كبير، وعده بعضهم في الصحابة، وقال الحافظ: إن هذا وهم، يعني عده في الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد الله بن عمرو بن العاص].

    رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ومما يذكر عند ذكر عبد الله بن عمرو وأبيه: أن أباه بلغ وهو صغير، وتزوج وهو صغير، وولد له وهو صغير، ويقال: أن عمراً أكبر من ابنه عبد الله بثلاث عشرة سنة، يعني أنه ولد له وهو ابن ثلاث عشرة.

    ذكر صلاة نبي الله موسى عليه السلام، وذكر الاختلاف على سليمان التيمي فيه

    شرح حديث: (أتيت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر صلاة نبي الله موسى عليه السلام، وذكر الاختلاف على سليمان التيمي فيه. أخبرنا محمد بن علي بن حرب حدثنا معاذ بن خالد أخبرنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتيت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره)].
    ثم أورد النسائي، صلاة نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم، المقصود بالصلاة، بعد الموت، وهي: صلاته في قبره، وليس الصلاة في الدنيا، صلاة داود واضح يعني صلاته في الدنيا، (كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام سدسه)، وأما الأحاديث الذي وردت في موسى، فإنما تتعلق بصلاته في قبره، يعني: وكلها عندما أسري برسول الله عليه الصلاة والسلام، جاء من طرق عديدة أنه رآه يصلي في قبره، وفي بعضها أنه رآه قائماً يصلي، لكن أكثره أنه كان يصلي في قبره، وهذه الصلاة هي: صلاة غير الصلاة التي في الدنيا، وإنما هي في القبر، وفي البرزخ، وهذا الحديث أو الأحاديث مكانها هي تتعلق بأحوال القبر، وبأحوال البرزخ، وبحياة الأنبياء وما إلى ذلك، لكنه أتى به هنا بصلاة الليل، أو تحت قيام الليل، لعل ذلك؛ لأنه كان ذلك في ليلة الإسراء؛ لأنه كان مروره به في الليل، وكان في ليلة الإسراء، وكان يصلي في قبره في ذلك الوقت الذي هو: وقت الليل، فلعل هذا هو السبب الذي جعل النسائي يورد الحديث في قيام الليل، وإلا فإنه ألصق بأحوال البرزخ وفيما يتعلق بالإيمان وأحوال القبر، هذا هو الذي يناسبه.
    وقوله: [(أتيت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره)]، وفيه دليل على أن الأنبياء أحياء في قبورهم، وأن موسى كان يصلي عندما رآه النبي عليه الصلاة والسلام في تلك الليلة، ومعلوم أنه رآه أيضاً في السماء السادسة، وهو الذي أشار عليه بأن يرجع إلى الله، ويطلب منه التخفيف، من الخمسين الصلاة التي فرضت حتى رجعت إلى خمس، ثم رآه في قبره، ويحتمل أن يكون ذلك قبل، وأن يكون بعد، الله تعالى أعلم، وذلك قبل الذهاب إلى السماء، ثم وجد موسى أمامه، ويمكن أن يكون بعد ذلك، ورأى موسى ورأى غيره من الأنبياء، رأى أرواحهم بصور أجسادهم في السماء، وأجسادهم لم تصعد إلى السماء إلا جسد عيسى، فإنه كان بروحه وجسده مرفوعاً إلى السماء، وأما غيره من الأنبياء، الذين ماتوا ودفنوا في الأرض، فالذي رآه في السماء هي: أرواح بصور أجسادها، وأما أجسادهم فإنها في الأرض ما خرجت من قبورهم، وقبورهم لا تكون خاليةً من أجسادهم، بل أجسادهم في قبورهم، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة)، معناه: أن الأموات في قبورهم، وأجسادهم في قبورهم، وأنه عند البعث أول القبور انشقاقاً عن صاحبه قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ففيه إثبات الحياة في البرزخ، ولكنها حياة تختلف عن الحياة الدنيا، ولا يقال: إنها من جنس الحياة الدنيا، بل هي: حياة خاصة، ليست هي الحياة الآخرة التي بعد البعث، وليست الحياة التي قبل الموت، وإنما حياة خاصة، حياة برزخية، والله تعالى أعلم بكيفيتها.
    وكذلك الحياة البرزخية ليست خاصةً للأنبياء، بل لغيرهم من حيث أنهم يكونون في قبورهم، يعذبون، أو ينعمون، الروح يعذب والجسد يعذب، وهم أحياء في قبورهم حياةً برزخية، الله تعالى أعلم بكيفيتها، وينال العذاب الجسد ويتألم به، وينال الروح وتتألم به، أي: بذلك العذاب، ولكن حياة الأنبياء، وحياة الشهداء حياة خاصة، حياة الأنبياء جاء في وصفها: (أن الأرض لا تأكل أجسادهم)، بل أجسادهم في قبورهم من حين توضع إلى البعث والنشور ما تأكله الأرض، بخلاف غيرهم، فإنها تأكله الأرض، ولكن الحياة البرزخية موجودة، والعذاب حاصل للجسد والروح، والنعيم حاصل للجسد والروح، والكيفية الله تعالى أعلم بها، ولو فتحنا القبر ورأينا الميت أكله التراب، فنحن نؤمن بأنه منعم أو معذب، وأن العذاب يصل إلى جسده، وأن النعيم يصل إلى الروح أيضاً، وقد جاء في الحديث بالنسبة للأنبياء: (أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم)، وجاء بالنسبة للشهداء: (أن أرواحهم في أجواف طير خضر تسرح في الجنة)، وجاء أن (نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة)، فالشهداء في أجواف طير، وأما المؤمنون فعلى صورة طير، وعلى صفة طير، أي: نسمة المؤمن طائر يعلق بالجنة، وعذاب القبر ونعيمه يحصل للروح والجسد، وحياة الأنبياء هي أكمل حياة، وحياة الشهداء التي ذكرها الله تعالى في القرآن هم ما نالوها إلا لاتباعهم الأنبياء، وسلوكهم على مسلك الأنبياء صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم.
    ومعنى: الكثيب الأحمر، الكثيب هو: التل من الرمل، وكان عنده قبر موسى، ومكانه لا يعلم، وليس هناك قبر نبي مقطوع به إلا قبر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، أما ما سواه من قبور الأنبياء فإنها غير معلومة، ولا يقطع بقبر أو بمكان قبر من قبور الأنبياء إطلاقاً، إلا قبر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
    أما أجساد الشهداء فالله أعلم، هل تبقى أو لا تبقى؟ ليس هناك نص يدل على أنها تبقى، لكن قد تبقى فترة مثل ما حصل لـعبد الله بن حرام والد جابر، فإنه بعد ستة أشهر من دفنه، وكان استشهد يوم أُحد، فقرب منه الوادي وكاد أن يجرفه السيل، فخشي أن السيل يحمله، فحفره أو نبشه ابنه جابر ووجد أنه كما وضعوه، يعني لم يتغير، ولم تأكل الأرض منه شيئاً، وهذا بعد ستة أشهر، لكن ما هناك نص على أنهم يبقون دائماً وأبداً، فقد يبقون مدةً طويلة، ويحصل لهم ما يحصل، وقد لا يبقون؛ لأنه ما جاء نص، أما بالنسبة للأنبياء، فقد جاء نص، فيقطع أن أجسادهم لا تأكلها الأرض.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أتيت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره)

    قوله: [أخبرنا محمد بن علي بن حرب].هو محمد بن علي بن حرب المروزي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.

    [حدثنا معاذ بن خالد المروزي].

    صدوق، أخرج له النسائي وحده.

    [أخبرنا حماد بن سلمة].

    هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، عابد، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن سليمان].

    كأنه سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويقال له: التيمي وهو ليس من تيم، ولكنه نزل فيهم فنسب إليهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن ثابت].

    هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن أنس].

    هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (أتيت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي) من طريق ثانية

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا العباس بن محمد حدثنا يونس بن محمد حدثنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمي وثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتيت على موسى عليه السلام عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي)، قال أبو عبد الرحمن: هذا أولى بالصواب عندنا من حديث معاذ بن خالد، والله تعالى أعلم].ثم أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها، إلا أنه ليس فيه: (في قبره)، يعني ما فيه ذكر: (وهو قائم يصلي في قبره)، كلمة: (في قبره)، غير موجودة بهذا السياق، لكنها موجودة في السياق الأول، والحديث من رواية حماد بن سلمة الطريق الأولى والطريق الثانية، الطريق الأولى فيها معاذ بن خالد والثانية يونس بن محمد، فهي مثل التي قبلها؛ إلا أنها ما فيها ذكر القبر، لكن ذكر القبر ثابت في الطريق التي قبلها وفي الطرق التي بعدها، التي جاءت من غير طريق حماد بن سلمة، بل من طرق أخرى فيها ذكر القبر، النسائي قال: إن هذه أولى بالصواب عندنا من طريق معاذ بن خالد؛ لأن يونس ثقة، ومعاذ بن خالد صدوق، فهنا المقارنة بين روايتين عن حماد بن سلمة، فواحد ثقة، وواحد صدوق، لكن رواية الصدوق التي فيها ذكر القبر، وأن الصلاة كانت في القبر، لو كان وحده لثبت بذلك الحديث؛ لأن الصدوق حديثه حسن، لكن هي القضية مقارنة بين رجلين رويا عن حماد: واحد في روايته عنه مع ذكر القبر، وواحد روايته عنه بدون ذكر القبر، لكن رواية القبر هي: ثابتة من غير طريق حماد، فليس في رواية يعني: معاذ بن خالد شيء، فحديثه لو لم يأت إلا من طريقه، هو من قبيل الحسن.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أتيت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي) من طريق ثانية


    قوله:

    [أخبرنا العباس بن محمد].

    هو العباس بن محمد الدوري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

    [حدثنا يونس بن محمد].

    هو يونس بن محمد البغدادي المؤدب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حماد].

    هو حماد بن سلمة، مر ذكره.

    [عن سليمان التيمي وثابت].

    حماد بن سلمة، يحدث عن شخصين: عن سليمان التيمي، وعن ثابت.

    شرح حديث: (مررت على موسى عليه السلام وهو يصلي في قبره) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني أحمد بن سعيد حدثنا حبان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت وسليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مررت على قبر موسى عليه السلام وهو يصلي في قبره)].أورد حديث أنس، وهو من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله تماماً، يعني: الطرق كلها تأتي، وفيها مرور الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بموسى وهو: يصلي في قبره، كلها بلفظ واحد، ومؤداها واحد، وكلها صحابيها واحد، وهي جاءت من طرق متعددة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (مررت على موسى عليه السلام وهو يصلي في قبره) من طريق ثالثة


    قوله:

    [أخبرني أحمد بن سعيد].

    هو الرباطي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي.
    يعني: أخرج له الجماعة إلا ابن ماجه، مثل إسحاق بن راهويه، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

    [حدثنا حبان].

    هو حبان بن هلال البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو حبان بفتح الحاء، غير حِبان، فيه حِبان عدد (كحبان بن موسى وغيره بكسر الحاء)، وحبان هذا الرجل، وحبان بن واسع الذي هو من التابعين، هؤلاء بفتح الحاء، وهذا من قبيل المؤتلف والمختلف، يتفقان في الرسم والحروف، ويختلفان في الشكل؛ لأن حِبان وحَبان الحروف واحدة، إلا أن الفرق هو فتح الحاء وكسر الحاء، فالذي معنا حَبان بفتح الحاء، وهو ثقة، متقن، وقال عنه بعض أهل العلم: إليه المنتهى في التثبت في البصرة، وهي: من أعلى صيغ التعديل، إذا قيل: فلان إليه المنتهى بالتثبت، يعني: من أعلى صيغ التعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا حماد عن أنس].

    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (مررت ليلة أسري بي على موسى وهو يصلي في قبره) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن خشرم حدثنا عيسى عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مررت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام وهو يصلي في قبره)].وهذا أيضاً مثله من حيث المتن.
    قوله:

    [أخبرنا علي بن خشرم].

    هو علي بن خشرم المروزي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، ومما يذكر في ترجمة علي بن خشرم: أنه كان مُعَمِّراً، وقال عن نفسه: صمت ثمانيةً وثمانين رمضاناً، يعني ثمانية وثمانين سنة وهو يصوم شهر رمضان، فهو من المعمرين.

    [حدثنا عيسى].

    هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو: أخو إسرائيل بن يونس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن سليمان التيمي عن أنس].

    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على موسى وهو يصلي في قبره) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا معتمر عن أبيه عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على موسى عليه السلام وهو يصلي في قبره)].ثم أورده من طريق أخرى، والمتن يعني كما هو.
    قوله:

    [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].

    وهو: الصنعاني، البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا معتمر].
    وهو: ابن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبيه سليمان بن طرخان التيمي عن أنس].

    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (أن النبي ليلة أسري به مر على موسى وهو يصلي في قبره) من طريق سادسة

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي وإسماعيل بن مسعود، قالا: حدثنا معتمر سمعت أبي قال: سمعت أنساً رضي الله عنه يقول: حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على موسى عليه السلام وهو يصلي في قبره)].أورد حديث أنس من طريق أخرى، وفيه: أن أنساً يروي عن بعض أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن روايته إنما هي عن الصحابة؛ لأنه لم يدرك الإسراء؛ لأن الإسراء كان بمكة، وهو إنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقصة الإسراء كانت في مكة قبل الهجرة بثلاث سنوات، فرواية أنس عن مثل هذا، إنما هي: من مراسيل الصحابة، الروايات التي مرت، التي فيها إسناد ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هو مرسل صحابي؛ لأنه ما حضر القصة، ولا أدركها، ولا أدرك الإسراء، وإنما يمكن أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، يحدث به بعد ذلك في المدينة، أو أنه سمعه من الصحابة، وهنا فيه التصريح، بأنه سمعه من بعض الصحابة، فهذا يتبين منه أنه مرسل صحابي.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي ليلة أسري به مر على موسى وهو يصلي في قبره) من طريق سادسة

    قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].هو بصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [وإسماعيل بن مسعود].

    هو بصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [حدثنا معتمر عن أبيه عن أنس].

    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (ليلة أسري بي مررت على موسى وهو يصلي في قبره) من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده


    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا ابن أبي عدي عن سليمان عن أنس رضي الله تعالى عنه، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة أسري بي مررت على موسى وهو يصلي في قبره)].ثم أورد الحديث من طريق أخرى.

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    قتيبة، قد مر ذكره.

    [حدثنا ابن أبي عدي].

    هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي منسوب إلى جده، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن سليمان عن أنس عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم].

    وقد مر ذكر ذلك كله.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #299
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب قيام الليل وتطوع النهار)
    (296)

    - كتاب قيام الليل وتطوع النهار - باب إحياء الليل - باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل


    كان النبي صلى الله عليه وسلم من عادته إحياء الليل، فكانت صلاته على حالات متفاوتة، فتارة يقوم أول الليل، وتارة وسطه، وتارة آخره وهي الأكثر، وكان يصلي وينام، ويحب من العمل أدومه وإن قل.
    إحياء الليل
    شرح حديث: (إنها صلاة رغب ورهب ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إحياء الليل. أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير حدثنا أبي وبقية قالا: حدثنا ابن أبي حمزة حدثني الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن خباب بن الأرت عن أبيه رضي الله تعالى عنه -وكان قد شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (أنه راقب رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة كلها حتى كان مع الفجر، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته جاءه خباب فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، لقد صليت الليلة صلاةً ما رأيتك صليت نحوها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل، إنها صلاة رغب ورهب، سألت ربي عز وجل فيها ثلاث خصال فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة؛ سألت ربي عز وجل: أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل: أن لا يظهر علينا عدواً من غيرنا فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يلبسنا شيعاً فمنعنيها)].
    يقول النسائي رحمه الله في هذه الترجمة: باب إحياء الليل، أي: إحياؤه بالصلاة، وذكر الله عز وجل، وقد أورد النسائي فيه حديث خباب بن الأرت رضي الله تعالى عنه، وكان من السابقين الأولين إلى الإسلام، وعُذب في الله، قال: لأرقبن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الليلة، أي: أنه استعد لينظر إلى ما يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة من الليالي، (فرآه صلى، ولما فرغ من صلاته جاء إليه وسأله، وقال: إنك صليت صلاةً ما رأيتك صليت نحوها، قال: أجل، إنها صلاة رغبٍ ورهب)، يعني: رغبة إلى الله ورهبة منه، وقال: إنني سألته ثلاثاً، فأعطاني اثنتين، ومنعني الثالثة، سأله ألا يهلك أمته بما أهلك به الأمم قبلها، وألا يظهر عليهم عدواً يستأصلهم، أو يقضي عليهم، أو يتولاهم، وسأله ألا يلبسهم شيعاً، فأعطاه الأولى والثانية، ولم يعطه الثالثة، الأولى أعطاه، بألا يهلك أمته كما أهلك الأمم التي عوجلت بالعذاب في الدنيا، وأهلكت جميعها، فهذه الأمة لا تعذب جميعاً، ولا يهلكها الله عز وجل كما أهلك الأمم قبلها، بل إن الله عز وجل شاء أن تبقى هذه الأمة وأن تستمر، وألا يحصل لها هلاك عام؛ لأن هذه الشريعة عامة شاملة خالدة، فشاء الله تعالى أن تبقى، وشاء أن يبقى أهلها، ولم يشأ أن يهلكهم، كما أهلك الأمم قبلهم، ولهذا لما أوذي عليه الصلاة والسلام في أول الأمر في مكة، وخرج مهموماً مغموماً بعد أن آذاه قومه، خرج إلى الطائف، وأوذي في الطائف، جاءه جبريل وقال: (إن هذا ملك الجبال يستأذنك بأن يطبق عليهم الأخشبين -وهما جبلا مكة-، فقال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً)، فلم يستعجل، وصبر واحتسب عليه الصلاة والسلام، وتحقق له ما أراده وما رجاه، فإن الله عز وجل فتح مكة له، ودخل أهلها في دين الله، وخرج من أصلابهم أناس يعبدون الله عز وجل، ويحملون هذا الدين الحنيف، الذي جاء به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
    وأعطاه الثانية وهي: ألا يظهر عليهم عدواً، بحيث يقضي على المسلمين، وتكون الولاية له على المسلمين، ولا يقام شرع الله عز وجل في الأرض، فجعل الخير باقياً، وجعل من هذه الأمة أمة قائمة على أمر الله، لا يضرها من خذلها، ولا من خالفها، حتى يأتي أمر الله، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ولا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله)، فأعطاه هذه الثانية.
    والثالثة وهي: (ألا يلبسهم شيعاً)، وأن لا يحصل الاختلاف والاقتتال، الذي يكون بين هذه الأمة، فلم يعطه إياها؛ ولهذا وجد بين المسلمين الاختلاف والاقتتال، فالحديث اشتمل على هذه الأمور الثلاثة، وقد بين عليه الصلاة والسلام أنه أعطي اثنتان ومنع الثالثة، والحديث فيه صلاة الليل وقيام الليل، وفيه ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الحرص على معرفة أحواله وأفعاله، وكون الواحد منهم يرقبه، وينظر ماذا يصنع، مثل ما فعل ابن عباس لما جاء وبات عند خالته ميمونة، لينظر إلى ماذا كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وهنا خباب عزم على أن ينظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام ماذا يصنع، فوجده صلى هذه الصلاة التي سأله عنها، فأخبره بأنها صلاة رغب ورهب، وأنه سأل الله عز وجل فيها هذه الأمور الثلاثة، فأعطاه اثنتين ومنعه الثالثة، ففيه إحياء الليل، أي: إحياء بعضه بالصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إنها صلاة رغب ورهب ...)
    قوله: [أخبرنا: عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

    [حدثنا أبي].

    يروي عن أبيه عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، وهو حمصي مثل ابنه، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، أي: الذين خرجوا له هم الذين خرجوا لابنه، إلا أنه هو ثقة، وابنه صدوق.

    [وبقية].

    صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [حدثنا ابن أبي حمزة].

    هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، من أثبت الناس في الزهري، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثني الزهري].

    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، إمام، فقيه، ثقة، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل].

    وفي نسخة: عبد الله بن عبد الله، وقال الحافظ ابن حجر: إنه شخص واحد، اختلف في اسمه، أحياناً يأتي عبيد الله، وأحياناً يأتي عبد الله، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.

    [عن عبد الله بن خباب بن الأرت].

    هو المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.

    [عن أبيه].

    هو خباب بن الأرت صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن السابقين الأولين، وممن عذب في الله، وممن شهد بدراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الاختلاف على عائشة في إحياء الليل
    شرح حديث: (كان إذا دخلت العشر أحيا رسول الله الليل ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل. أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن أبي يعفور عن مسلم عن مسروق ، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان إذا دخلت العشر أحيا رسول الله صلى الله عليه وسلم الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الاختلاف على عائشة، في حديث أو في أحاديث إحياء الليل، أورد فيه النسائي حديث عائشة رضي الله عنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها إذا دخلت (أحيا الليل، وجد وشد المئزر)، ففي هذا أنه يخص الليالي العشر الأخيرة من رمضان بأعمال، وذلك أنه كان يجد فيها ويحيي الليل، وقيل: إن شد المئزر كناية عن عدم إتيان النساء، وقيل: إنه للجد في العبادة والطاعة، وقيل: لهما جميعاً، أي: أنه كان لا يشتغل في حاجة النساء، وكان يجتهد في العبادة في تلك الليالي العشر؛ وذلك لأن الليالي العشر فيها ليلة القدر التي هي: خير من ألف شهر، فكان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها من الشهر، وعائشة رضي الله عنها، تخبر عن حاله عليه الصلاة والسلام، وأنه يحيي الليل، ويجد، ويشد المئزر عليه الصلاة والسلام، وفي هذا إحياء الليل، أو إحياء كثير من الليل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان إذا دخلت العشر أحيا رسول الله الليل ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].هو المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.

    [حدثنا سفيان].

    هو ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، مكثر من الرواية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي يعفور].

    هو عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن مسلم].

    هو ابن صبيح الكوفي، مشهور بكنيته أبي الضحى، يأتي ذكره بها كثيراً، ويأتي ذكره بالاسم كما هنا أتى باسمه غير منسوب، وهو المهمل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن مسروق].

    هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة].

    هي أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق التي حفظت الكثير من السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع، هؤلاء سبعة معروفون بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (كان رسول الله ينام أول الليل ويحيي آخره)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا يحيى حدثنا زهير عن أبي إسحاق قال: أتيت الأسود بن يزيد، وكان لي أخاً صديقاً فقلت: (يا أبا عمرو! حدثني ما حدثتك به أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قالت: كان ينام أول الليل، ويحيي آخره)]. أورد النسائي في نفس الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها، وهو (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام أول الليل، ويحيي آخره)، وهذا في بعض الأحيان؛ لأننا سبق أن عرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يروه مصلياً إلا رأوه، ولا أرادوا أن يروه نائماً إلا رأوه، بمعنى: أنه ينام من أول الليل ومن وسطه وآخره، ويصلي من أول الليل ووسطه وآخره، معناه: أنه ليس هناك وقت من الأوقات يكون النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً عليه: مصلياً أو نائماً، بل يصلي من أول الليل ومن وسطه ومن آخره، لكن كثيراً ما يصلي من آخره عليه الصلاة والسلام.
    وقول عائشة رضي الله عنها: (أنه كان ينام أول الليل، ويحيي آخره)، يعني: أنه في غالب أحواله أو في كثير من أحواله عليه الصلاة والسلام، وإلا فإنه ليس دائماً وأبداً، كما جاء ذلك مبيناً في الأحاديث التي مرت معنا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله ينام أول الليل ويحيي آخره)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو المخرمي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي.

    [حدثنا يحيى].

    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا زهير].

    هو زهير بن معاوية بن حديج الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي إسحاق].

    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، همدان: نسبة عامة، وسبيع: نسبة خاصة؛ لأن سبيعاً بطن من همدان، فينسب نسبةً خاصة غالباً فيقال: أبو إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن الأسود بن يزيد].

    هو ابن يزيد النخعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أبو عمرو الذي قال عنه أبو إسحاق: إنه كان أخاً لي صديقاً، يعني: أخاً في الله، وبينه وبينه صداقة، وأنه سأله عما يعلمه عن صلاة رسول الله، وأن يحدثه بما حدثته به أم المؤمنين، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ( كان ينام أول الليل، ويحيي آخره )، أي: أن ذلك في أكثر أحواله، وليس ذلك دائماً وأبداً كما عرفنا، وأبو إسحاق أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والأسود بن يزيد بن قيس أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة].

    وقد مر ذكرها.
    شرح حديث عائشة: (لا أعلم رسول الله قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى الصباح ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن إسحاق حدثنا عبدة بن سليمان عن سعيد عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلةً حتى الصباح، ولا صام شهراً كاملاً قط غير رمضان)].أورد النسائي حديث عائشة، وهو قطعة أو جزء من حديثها الطويل، الذي سبق أن مر عن سعد بن هشام، وسؤاله إياها، وكان معه حكيم بن أفلح، والحديث طويل سبق أن مر، وهذا جزء منه؛ أتى به هنا من أجل أنها لا تعلم أنه أحيا ليلةً إلى الصباح، معناه: أنه يصلي وينام، ليس إحيائه الليل كله، ولا ينام الليل كله، وإنما يقوم وينام كما أخبر عن هديه عليه الصلاة والسلام لما بلغه أن رجالاً قال واحد منهم: (أنا أصوم الدهر أبداً ولا أفطر، وقال واحد منهم: أنا أصلي الليل فلا أنام، وقال آخر: أنا لا أتزوج النساء، فلما بلغه خبرهم، قال عليه الصلاة والسلام: أما إني أخشاكم لله، وأتقاكم له، أما إني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)، فهديه عليه الصلاة والسلام توسط واعتدال، لا إفراط ولا تفريط، فما كان يقوم الليل كله، وما كان يترك القيام، بل كان يصلي وينام، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    ومحل الشاهد من إيراد الحديث: أنها ما كانت تعلم أنه قام ليلةً حتى الصباح، بل كان يصلي وينام عليه الصلاة والسلام، بعض ليله صلاة، وبعض ليله نوم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وكذلك أيضاً، أخبرتْ بأنه ما قرأ القرآن كله في ليلة، وكذلك ما صام شهراً كاملاً إلا رمضان، ولكن محل الشاهد هو أنه ما صلى ليلةً حتى الصباح.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (لا أعلم رسول الله قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى الصباح ...)


    قوله: [أخبرنا هارون بن إسحاق].صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي.

    [حدثنا عبدة بن سليمان].

    هو البصري وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن سعيد].

    هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، ثبت، كثير التدليس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن قتادة]

    هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن زرارة بن أوفى].

    هو البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن سعد بن هشام بن عامر].

    ثقة، أخرج حديثه أيضاً أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة رضي الله عنها].

    وقد مر ذكرها.


    شرح حديث: (عليكم من العمل ما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا شعيب بن يوسف عن يحيى عن هشام أخبرني أبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة فقال: من هذه؟ قالت: فلانة، لا تنام، فذكرت من صلاتها، فقال: مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله عز وجل حتى تملوا، ولكن أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها وعندها امرأة، فذكرت من صلاتها وأثنت عليها، وقال عليه الصلاة والسلام: مه، عليكم من العمل ما تطيقون)]، وفيه أنه أرشد إلى الرفق، وعدم الانقطاع في العبادة؛ لأن الانقطاع في العبادة، قد يترتب عليه تفويت مصالح أخرى، وقد يترتب عليه ملل، ثم يكون الترك، لكن إذا كان العمل ملازماً عليه، ومداوماً عليه، وهو قليل، فإنه خير من كثير يُقدم عليه ثم ينقطع عنه، ولهذا يقولون: قليل تداوم عليه، خير من كثير تنقطع عنه، فالعمل الدائم هو الأحب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الأحب إلى الله كما جاء في هذا الحديث: (أحب إلى الله من العمل أدومه)، وفي بعض الروايات: (وإن قل)، أي: وإن كان قليلاً، وقد مر بنا قريباً الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أن عائشة لما سئلت عن أحب الأعمال إلى الله؟ قالت: الدائم)، أي: الذي يداوم عليه، فهنا الأحب إلى الله العمل الدائم، والأحب إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، العمل الدائم، كما جاء ذلك في حديث مضى في هذه السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [(عليكم من العمل ما تطيقون)]، أي: ما تقدرون عليه، وما لا يحصل معه ملل، ولا يحصل معه أمور تفضي إلى التخلي عن العبادة بسبب الملل، وقال: (فإن الله لا يمل حتى تملوا)، والحديث سبق أن مر بنا، وليس فيه وصف الله بالملل، فالله تعالى لا يمل، فقوله: [(حتى تملوا)]، يعني: حتى لو حصل منهم الملل، فإن الله لا يمل، وليس معنى ذلك أنهم إذا ملوا مل، فالله تعالى لا يوصف بالملل.
    ثم قال عليه الصلاة والسلام: [(وإن أحب العمل ما داوم عليه صاحبه)]، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث، أي: بانقطاع العبادة، والاشتغال بها، وكون الإنسان يتعب نفسه، ويتسبب في فوات مصالح أخرى، فالله عز وجل الأحب إليه غير ذلك، وهو: العمل الدائم ولو كان قليلاً، أما الإكثار من العمل، ثم يعقبه الملل أو السأم، ثم الترك، فهذا لا ينبغي للمسلم أن يحصل ذلك منه، وإنما يداوم على العمل الصالح، ولو كان قليلاً، ولا يكثر العمل في وقت ما، فيكون ذلك سبباً في تفويت فوائد أخرى، أو إلحاق ضرر به، يمنعه من القيام بهذا الذي أراده أو الذي قصده، من إكثار العمل، ومن تكثيره.

    تراجم رجال إسناد حديث: (عليكم من العمل ما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا ...)


    قوله: [أخبرنا شعيب بن يوسف].هو النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [عن يحيى].

    هو يحيى بن سعيد القطان، وقد مر ذكره.

    [عن هشام].

    هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [أخبرني أبي].

    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام هذا، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وسليمان بن يسار، هؤلاء ستة متفق على عدهم من الفقهاء السبعة، والسابع منهم، فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن عائشة].
    و عائشة، وقد مر ذكرها.

    شرح حديث: (... ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن موسى عن عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فرأى حبلاً ممدوداً بين ساريتين، فقال: ما هذا الحبل؟ فقالوا: لـزينب تصلي فإذا فترت تعلقت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه [(أنه رأى حبلاً ممدوداً بين ساريتين في المسجد، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا لـزينب تصلي، وإذا حصل منها تعب تعلقت به، فقال: حلوه -يعني: أزيلوه- ثم قال: ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد)].
    يعني: يقعد عن الصلاة، أو يمكن أن يصلي وهو جالس؛ لأن صلاة النافلة يجوز للإنسان أن يصليها وهو جالس، لكن على النصف من صلاة القائم، لكن العمل أو الصلاة الطويلة التي تثمر التعب، وتفوت مصالح، غيرها أولى منها، كما سبق أن مر في الحديث الذي قبل هذا، وإنما يصلي الإنسان نشاطه، وإذا فتر فإنه يقعد، أي: لا يستمر في الصلاة، وإن صلى جالساً، فإن ذلك سائغ؛ لأن صلاة النافلة جائزة عن جلوس مع القدرة على القيام.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد)
    قوله: [أخبرنا عمران بن موسى].صدوق، أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

    [عن عبد الوارث].

    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا عبد العزيز].

    هو عبد العزيز بن صهيب البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن أنس بن مالك].

    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (أفلا أكون عبداً شكوراً)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن منصور واللفظ له، عن سفيان عن زياد بن علاقة سمعت المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه يقول: (قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبداً شكوراً)].أورد النسائي في نفس الترجمة حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام قام حتى تفطرت قدماه)]، يعني: صلى من الليل وقام حتى تفطرت قدماه، [(فقيل له: كيف تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فكان جوابه عليه الصلاة والسلام أن قال: أفلا أكون عبداً شكوراً)]، أي: أن كون الله عز وجل غفر له، ورفع منزلته، جعله يقبل على العبادة، وذلك شكراً لله عز وجل أن جعله كذلك، أي: جعله مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا مما كان عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الحرص على طاعة الله عز وجل، وعلى شكر الله عز وجل على ما أنعم به عليه، وشكره لله عز وجل بطاعته، يعني: يشكره على نعمه، وعلى الإحسان إليه بأن يتقرب إليه بالعبادة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أفلا أكون عبداً شكوراً)
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن منصور واللفظ له].قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ومحمد بن منصور الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.

    [عن سفيان].

    هو ابن عيينة، الاثنان يرويان عن سفيان، وهو ابن عيينة، وقد عرفنا فيما مضى أن قتيبة لا يروي إلا عن ابن عيينة، لا يروي عن الثوري شيئاً، وأما محمد بن منصور، فإنه يروي عن سفيان الثوري، وعن ابن عيينة، إلا أنه عند الإطلاق فإنه يصرف إلى ابن عيينة؛ لأنه مكي كما أن ابن عيينة مكي، ومما زاد الأمر وضوحاً بأنه ابن عيينة كون قتيبة روى أيضاً معه الحديث، وقتيبة لا يروي إلا عن ابن عيينة ولا يروي عن الثوري، كل ما جاء قتيبة يروي عن سفيان، فالمراد ابن عيينة ولا يراد به الثوري؛ لأن الثوري توفي سنة مائة وواحد وستين، وقتيبة ولد سنة مائة وخمسين، وهي السنة التي مات فيها أبو حنيفة، وولد فيها الشافعي، أي: إن عمر قتيبة حين وفاة الثوري، إحدى عشر سنة، وقد عمر قتيبة فكان عمره تسعين سنة، عاش إلى سنة مائتين وأربعين، وروايته عن سفيان بن عيينة، الذي عاش بعد الثوري سبعاً وعشرين سنة؛ لأنه توفي سنة مائة وسبع وتسعين، فكل ما جاء قتيبة يروي عن سفيان فالمراد به ابن عيينة.

    [عن زياد بن علاقة].

    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [سمعت المغيرة بن شعبة].

    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (كان رسول الله يصلي حتى تزلع قدماه) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا صالح بن مهران -وكان ثقة- حدثنا النعمان بن عبد السلام عن سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تزلع -يعني: تشقق- قدماه)].أورد النسائي حديث أبي هريرة، وهو: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي حتى تزلع -أي: تشقق- قدماه)، وهذا من جنس حديث المغيرة الذي تقدم أنه صلى حتى تفطرت قدماه عليه الصلاة والسلام.

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

    هو الفلاس البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو ناقد متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً.

    [حدثنا صالح بن مهران، قال: وكان ثقة].

    أي: الذي يقول هذا هو الفلاس، يعني عن صالح بن مهران وكان ثقة، أي: صالح بن مهران ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [حدثنا النعمان بن عبد السلام].

    ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.

    [عن سفيان].

    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة؛ لأنه في ترجمة النعمان بن عبد السلام قال: روى عن سفيان الثوري، وروى عنه أبو سفيان صالح بن مهران الأصبهاني، وروى عنه، يعني: جملة الذين رووا عنه أبو سفيان صالح بن مهران الأصبهاني، وسفيان بن سعيد بن مسروق ثقة، ثبت، حجة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عاصم بن كليب].

    صدوق رمي بالإرجاء، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن أبيه].

    هو كليب بن شهاب، وهو أيضاً صدوق، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن أبي هريرة].

    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة على الإطلاق.

    الأسئلة


    إخراج الزكاة من صندوق للإقراض والتوفير
    السؤال:
    نحن زملاء في العمل، وعملنا صندوقاً يساهم فيه كل عضو من المشتركين بما شاء من الأسهم، وقيمة كل سهم مائتي ريال، فإذا كان هذا الصندوق يترك فيه المال مدة سنة، ثم يقرضون منه من شاء إلى حد خمسة عشر ألفاً، فيصبح الصندوق للقرض والتوفير، وكل عضو يستطيع استرداد ماله حينما يكون في الصندوق مال أو ينتظر حتى يجتمع المال، فهل في الصندوق زكاة؟ وكيف استخراجه؟

    الجواب:
    إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال، أن كل واحد يضع مقداراً من المال في هذا الصندوق، وهم باقون على أملاكهم، ترجع إليهم أملاكهم إذا أرادوا، ويقرضون منها، فكل واحد باق على ملكه؛ لأنه لم يخرج من ملك الواحد، يعني: ليس تبرعاً، أي: تبرع به بحيث أنه يخرج من ملكه، ما دام أن الملك باق، وأنه لم يخرج من ملكه ما أخرجه ووضعه في الصندوق، وإنما هو للتوفير، ولإقراض من يحتاج إلى إقراضه، إذاً: المال باق على ملك المالكين، فهو يمكن أن يضمه إلى ماله، أي: المقدار الذي وضعه في الصندوق، عندما يخرج الزكاة يحسب الذي عنده، ويحسب الذي له في الصندوق أو الذي وضعه في الصندوق، ويخرج زكاة الجميع؛ لأن الكل ماله، أكثر ما في الأمر أن هذا المال في حوزته، وذاك وضع في ذلك الصندوق الذي قصد منه التوفير والإقراض عندما يحتاج أحد إلى إقراض.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #300
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,962

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب قيام الليل وتطوع النهار)
    (297)

    - كتاب قيام الليل وتطوع النهار - باب كيف يفعل إذا افتتح الصلاة قائماً، وذكر اختلاف الناقلين عن عائشة في ذلك


    جاءت روايات كثيرة تبين كيفية صلاة النبي عليه الصلاة والسلام في الليل، وأنها بكيفيات متعددة؛ فإذا صلى قائماً ركع قائماً، وإذا صلى جالساً ركع جالساً، وأحياناً يصلي قاعداً فإذا بقي قدر ثلاثين أو أربعين آية قام وقرأ وهو قائم ثم ركع.

    كيف يفعل إذا افتتح الصلاة قائماً، وذكر اختلاف الناقلين عن عائشة في ذلك

    شرح حديث: (كان رسول الله يصلي ليلاً طويلاً، فإذا صلى قائماً ركع قائماً ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف يفعل إذا افتتح الصلاة قائماً، وذكر اختلاف الناقلين عن عائشة في ذلك.أخبرنا قتيبة حدثنا حماد عن بديل وأيوب عن عبد الله بن شقيق عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً، فإذا صلى قائماً ركع قائماً، وإذا صلى قاعداً ركع قاعداً)].
    يقول النسائي رحمه الله: كيف يفعل الركوع إذا صلى قائماً وذكر اختلاف الناقلين عن عائشة في ذلك.
    ومراد النسائي رحمه الله من هذه الترجمة؛ هو: أنه إذا افتتح الصلاة قائماً، فإنه يركع وهو قائم، وإذا صلى وهو جالس، فإنه يركع ويسجد وهو جالس، أي: إن ركوعه وسجوده عن جلوس، إذا صلى جالساً، وركوعه وسجوده عن قيام إذا صلى قائماً، وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، [أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي ليلاً طويلاً] يعني: أنه يصلي وقتاً كبيراً من الليل، وكان هديه عليه الصلاة والسلام أنه إذا صلى قائماً ركع وهو قائم؛ أي: ركع عن قيام، وإذا صلى وهو جالس ركع وهو جالس، أي: ركع عن جلوس.
    فهذا هو معنى حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهو يدل على أن صلاة النافلة يمكن للإنسان أن يصلي وهو قائم، ويمكن أن يصلي وهو جالس، وقد جاء في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الإنسان إذا صلى النافلة وهو جالس، فأجره على نصف أجر القائم، وهذا فيما إذا كان قادراً، وأما إذا كان مريضاً، فإنه يكتب له في حال مرضه ما كان يكتب في حال صحته وعافيته؛ وذلك للحديث الذي رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب ما كان يعمل وهو صحيح مقيم) بمعنى: أن الأمور التي كان يفعلها في حال الإقامة ولم يتمكن منها في حال السفر، فالله تعالى يكتبها له، وكذلك الأعمال التي يعملها في حال الصحة ولم يتمكن منها في حال المرض، فالله تعالى يكتبها له في حال مرضه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يصلي ليلاً طويلاً، فإذا صلى قائماً ركع قائماً ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد].
    هنا حماد غير منسوب، وإذا جاء حماد غير منسوب فالمراد به ابن زيد؛ لأن قتيبة لا يروي إلا عن حماد بن زيد، وليس له عن حماد بن سلمة رواية، فإذا أهمله قتيبة فالمراد به حماد بن زيد.
    وقد ذكر الحافظ المزي في آخر ترجمة حماد بن سلمة، وبعد ترجمة حماد بن زيد؛ لأن حماد بن زيد، وحماد بن سلمة ترجمتهما متجاورتان؛ ولأن السين بعد الزاي، فـحماد بن زيد، ثم حماد بن سلمة، بعد ذكر ترجمة حماد بن سلمة ذكر بياناً فيما إذا كان مهملاً، فإنه إذا روى عنه فلان، وفلان، وفلان، فإنه يكون فلاناً، وإذا روى عن فلان يكون فلاناً، فذكر عدة أشخاص إذا كانوا هم التلاميذ، فإن من كان الراوي عن فلان أو فلان أو فلان مثلاً يعني: هو حماد بن زيد، وإذا كان فلان أو فلان، فهو حماد بن سلمة، وممن ذكره يروي عن حماد بن زيد: قتيبة، وأنه إذا جاء قتيبة يروي عن حماد غير منسوب، فالمراد: ابن زيد، وحماد بن زيد بن درهم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن بديل وأيوب].

    بديل هو ابن ميسرة البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    وأيوب هو أيوب بن أبي تميم السخسياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد الله بن شقيق].

    هو عبد الله بن شقيق العقيلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وعبد الله بن شقيق هذا هو تابعي، جليل، وهو الذي روي عنه الكلمة المأثورة الذي يقول فيها: لم يكن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، ولهذا وصفه النووي في رياض الصالحين فقال: عن عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي المتفق على جلالته.

    [عن عائشة].

    أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، التي رُميت بما رُميت به من الإفك، وأنزل الله تعالى براءتها بآيات تتلى من كتاب الله عز وجل، فمن رماها بعد ذلك بالإفك، أو أضاف الإفك إليها، فهو كافر بالقرآن، ومكذب بالقرآن؛ لأن الله عز وجل أنزل آيات تتلى في سورة النور، عشر آيات تتعلق ببراءة عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي ممن حفظ الله بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنها من أوعية السنة، وهي واحدة من سبعة أشخاص عُرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام، وهم ستة رجال وامرأة واحدة هي: عائشة رضي الله عنها؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس، وجابر بن عبد الله الأنصاري وهؤلاء ستة، وامرأة واحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    حديث: (... فإذا افتتح الصلاة قائماً ركع قائماً ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم أخبرنا وكيع حدثني يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قائماً وقاعداً فإذا افتتح الصلاة قائماً ركع قائماً، وإذا افتتح الصلاة قاعداً ركع قاعداً)].هنا أورد حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله؛ كان إذا افتتح الصلاة قائماً ركع قائماً، أي: عن قيام، وإذا افتتح الصلاة جالساً ركع جالساً، أي: ركع عن جلوس، وهو مثل الذي قبله.
    قوله:

    [أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم].

    صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، والنسائي.

    [أخبرنا وكيع].

    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، حافظ، مصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثني يزيد بن إبراهيم].

    هو التستري نزيل دمشق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن سيرين].

    هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد الله عن عائشة].

    عبد الله بن شقيق، وعائشة قد مر ذكرهما.

    شرح حديث عائشة: (أن النبي كان يصلي وهو جالس... قام فقرأ وهو قائم ثم ركع ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن القاسم عن مالك حدثني عبد الله بن يزيد وأبو النضر عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو جالس، فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام، فقرأ وهو قائم، ثم ركع، ثم سجد، ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهو: [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو جالس، فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام، فقرأ وهو قائم، ثم ركع، ثم سجد، ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك]، وهذا يدل على أنه إذا صلى جالساً أنه يركع وهو قائم؛ لأنه كان يصلي وهو جالس، ثم بعد ذلك إذا بقي من قراءته مقدار ثلاثين آية، قام وركع وهو قائم، فهذا لا ينافي الحديث المتقدم من الطريقين؛ وهما: إذا صلى قائماً ركع عن قيام، وإذا صلى جالساً ركع عن جلوس؛ لأنه أحياناً يفعل هذا، وأحياناً يفعل هذا، فإذا صلى جالساً ركع عن جلوس وأحياناً يركع عن قيام، وإذا بقي ثلاثين آية -كما في الحديث هذا- فإنه يقوم، ويقرأها وهو قائم، ثم يركع عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على أن بعض أحواله هكذا.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أن النبي كان يصلي وهو جالس... قام فقرأ وهو قائم ثم ركع ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري ثقة، ثبت، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم، صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، فقيه، أخرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.

    [عن مالك].

    هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة بمذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [حدثني عبد الله بن يزيد].

    هو عبد الله بن يزيد المخزومي المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [وأبو النضر].

    هو سالم بن أبي أمية المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.

    [عن أبي سلمة].

    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين ستة منهم متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال، والستة المتفق على عدهم هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أما السابع، ففيه ثلاثة أقوال، فقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الذي معنا هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد ذكرهم ابن القيم رحمة الله عليه في أول كتابه إعلام الموقعين، وهو إعلام بكسر الهمزة مصدر أعلم إخبار، إخبار الموقعين عن رب العالمين، أي: المفتين الذين يكتبون الفتاوى ويوقعون عليها عن الله عز وجل، يخبرون عن شرع الله سبحانه وتعالى، فهو كتاب إعلام وليس أعلام؛ لأنه ليس كتاب تراجم حتى يقال له: أعلام الموقعين، وإنما هو كتاب فقه، ومشتمل على إخبار الموقعين عن رب العالمين، وقد أورد في أوله جملة من الفقهاء من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم في كل بلد من البلدان في الحجاز، ومصر، والشام، والعراق، وعندما جاء إلى المدينة، وذكر الفقهاء في عصر الصحابة، والفقهاء في عصر التابعين، ذكر أن من الفقهاء في المدينة في عصر التابعين سبعة اشتهروا بلقب الفقهاء السبعة، وقد ذكرهم، وجعل السابع فيهم: أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وذكر بيتين من الشعر، اشتمل الثاني منهما على بيان السبعة، وسابعهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهذان البيتان هما قول الشاعر:
    إذا قيل: من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة؟
    فقل: هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة
    وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة].

    قد تقدم ذكرها.

    شرح حديث: (... فكان يصلي وهو جالس ... قام فقرأ بها ثم ركع) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى جالساً حتى دخل في السن، فكان يصلي وهو جالس، يقرأ، فإذا غبر من السورة ثلاثون أو أربعون آية، قام، فقرأ بها، ثم ركع)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلى جالساً إلا لما تقدمت به السن فإنه كان يصلي جالساً وإذا غبر من السورة ثلاثون آية يعني: بقي قام، فقرأ بها، ثم ركع)، و(غبر) هذه من الأضداد، تأتي بمعنى: الماضي، وتأتي بمعنى: الباقي، أو الذي يأتي، فهي من الألفاظ التي تأتي على الأضداد مثل: قرء، فإنه يأتي بمعنى: الحيض وبمعنى: الطهر، وهما ضدان، و(غبر) يأتي بمعنى الماضي وبمعنى المستقبل، وهما ضدان، ومثل: (عسعس) يأتي بمعنى: أقبل، وأدبر، وهما ضدان، فهناك كلمات يقال لها: من الأضداد، وقد ألف فيها مؤلفات، وهذا منها، ومنه كتاب الحافظ الذهبي (العبر في أخبار من غبر) يعني: أخبار من مضى؛ لأنه يتعلق بأخبار الماضين، والذي معنا هنا من قبيل الباقي وليس من قبيل الماضي؛ لأنه قال: (فإذا غبر ثلاثون آية، قام، وقرأها) يعني: إذا بقي ثلاثون آية، قام، وقرأها عن قيام، ثم ركع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    الحاصل: أن هذا مثل الرواية السابقة إلا أن فيها زيادة؛ (أنه كان يفعل ذلك لما أسن، أنه كان يصلي جالساً فإذا بقي مقدار ثلاثين آية، قام، وقرأها، ثم ركع عن قيام وكان صلى جالساً)، وكما قلت: هذه الرواية والتي قبلها يوفق بينها وبين الروايتين السابقتين؛ بأنه أحياناً يركع عن جلوس إذا صلى جالساً، وأحياناً يركع عن قيام إذا صلى جالساً؛ لأنه يقوم إذا بقي مقدار ثلاثين آية، فيقرؤها ويركع عليه الصلاة والسلام.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فكان يصلي وهو جالس ... قام فقرأ بها ثم ركع) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن راهوية الحنظلي المروزي وهو ثقة، ثبت، مجتهد، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

    [حدثنا عيسى بن يونس].

    هو ابن أبي إسحاق السبيعي أخو إسرائيل بن يونس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا هشام بن عروة].

    هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبيه]

    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، من الفقهاء السبعة المعروفين في عصر التابعين والذي مر ذكرهم قريباً، وهو من الستة المتفق على عدهم من الفقهاء السبعة كما أشرت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة].

    قد مر ذكرها.

    شرح حديث: (كان رسول الله يقرأ وهو قاعد فإذا أراد أن يركع قام ...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا ابن علية حدثنا الوليد بن أبي هشام عن أبي بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وهو قاعد فإذا أراد أن يركع قام قدر ما يقرأ إنسان أربعين آية)].هنا أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى وهي مثل الطريقين السابقتين؛ وهو أنه كان يصلي وهو جالس فإذا بقي مقدار ما يقرأ إنسان (أربعين آية) قام، وفي بعض الروايات (ثلاثين)، ولا تنافي بين ذكر الأربعين وذكر الثلاثين، فأحياناً يكون هكذا، وأحياناً يكون هكذا، وهو ما يكون في حدود هذا المقدار بين الثلاثين والأربعين، فإذا بقي هذا المقدار قام، وقرأه، وركع عن قيام صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقرأ وهو قاعد فإذا أراد أن يركع قام ...) من طريق ثالثة


    قوله:

    [أخبرنا زياد بن أيوب].

    هو البغدادي وهو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، ما خرج له مسلم، ولا ابن ماجه، وكان أحمد يلقبه: شعبة الصغير يعني: شعبة بن حجاج، ومعناه: أنه يشبه شعبة في الحفظ والإتقان، ولقبه دلويه.

    [حدثنا ابن علية].

    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بالنسبة إلى علية أمه، فقال له ابن علية.

    [حدثنا الوليد بن أبي هشام].

    صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن أبي بكر بن محمد].

    هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، وهو ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عمرة].

    هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية، وهي ثقة، أكثرت من الرواية عن عائشة، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    قد مر ذكرها.

    شرح حديث: (... فيصلي ثمان ركعات يخيل إلي أنه يسوي بينهن في القراءة والركوع والسجود ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي عن عبد الأعلى حدثنا هشام عن الحسن عن سعد بن هشام بن عامر قال: (قدمت المدينة، فدخلت على عائشة رضي الله عنها، قالت: من أنت؟ قلت: أنا سعد بن هشام بن عامر قالت: رحم الله أباك قلت: أخبريني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وكان، قلت: أجل، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل صلاة العشاء، ثم يأوي إلى فراشه، فينام، فإذا كان جوف الليل قام إلى حاجته وإلى طهوره، فتوضأ، ثم دخل المسجد، فيصلي ثمان ركعات، يخيل إلي أنه يسوي بينهن في القراءة، والركوع، والسجود، ويوتر بركعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يضع جنبه، فربما جاء بلال فآذنه بالصلاة قبل أن يغفى، وربما يغفى، وربما شككت أغفى أو لم يغف حتى يؤذنه بالصلاة، فكانت تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسن ولحم، فذكرت من لحمه ما شاء الله، قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس العشاء، ثم يأوي إلى فراشه، فإذا كان جوف الليل قام إلى طهوره وإلى حاجته، فتوضأ، ثم يدخل المسجد فيصلي ست ركعات، يخيل إليّ أنه يسوي بينهن في القراءة، والركوع، والسجود، ثم يوتر بركعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يضع جنبه، وربما جاء بلال، فآذنه بالصلاة قبل أن يغفى، وربما أغفى، وربما شككت أغفى أم لا، حتى يؤذنه بالصلاة قالت: فما زالت تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وقد مر حديث في أول الكتاب -الذي هو: كتاب قيام الليل، وتطوع النهار- من طريق سعد بن هشام بن عامر هذا الذي جاء، وطلب من حكيم بن أفلح أن يذهب معه إلى أم المؤمنين عائشة، وسألته عن هذا من هو الذي معك؟ قال: إنه سعد بن هشام، فقالت: ابن هشام قال: ابن عامر قالت: رحم الله أباك، ثم إنه سألها عدة أسئلة عن خلقه، وعن صلاته في الليل، وعن وتره، وهذه الطريق مختصرة عن الطريق السابقة، وفيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي العشاء، ثم ينام، ثم يقوم في جوف الليل، فيصلي ثمان ركعات، يخيل لـعائشة أنها متساوية في القراءة، والركوع، والسجود، ثم يأتي بركعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ولما أسن كان ينام بعد صلاة العشاء، ويستيقظ في جوف الليل، ويقضي حاجته ويتوضأ، ثم يصلي ستاً، ويصلي بعدها ركعة يوتر بها، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فهذه صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قائماً ويصلي جالساً، كان يصلي الليل جالساً، وقائماً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذه الرواية تختلف عن الرواية السابقة التي فيها أنه حصل فيها شيء من الخطأ أي: السابقة؛ وهي: أنه كان بعد أن يصلي ثماني ركعات يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يوتر بركعة، فيكون إحدى عشر، فجعل الثنتين وهو جالس متوسطة بين الثمان وبين الوتر، ولا شك أن تلك خطأ، كما قال النسائي نفسه قال: ولا أدري ممن الخطأ، وأما هذه الرواية فهي سليمة من الخطأ؛ لأن الوتر جاء بعد الثمان، يعني: صلاته تسع ثم أتى بركعتين وهو جالس، وبعدما أسن صلى ستاً، ثم صلى ركعة، ثم ركعتين وهو جالس.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فيصلي ثمان ركعات يخيل إلي أنه يسوي بينهن في القراءة والركوع والسجود ...)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد الأعلى].

    هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.

    [حدثنا هشام].

    هو هشام بن حسان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن الحسن].

    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [سعد بن هشام بن عامر].

    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة].

    قد مر ذكرها.

    الأسئلة

    الفرق بين علو الله تعالى وارتفاعه وبين علوه واستوائه
    السؤال: فضيلة الشيخ، ما الفرق بين علو الله تعالى وارتفاعه، وبين علوه واستوائه؟ وهل ورد عن السلف تفسير الاستواء بالجلوس؟ وهل يصح هذا التفسير؟ وجزاكم الله خيراً.
    الجواب: ما نعرف أنه جاء عن السلف تفسير الاستواء بالجلوس، وإنما عبارة السلف التي جاءت في تفسير الاستواء أربع وهي: علا، وارتفع، وصعد، واستقر، قد ذكرها ابن القيم في نونيته، وأن عباراتهم أربع هي هذه الأربع، وليس فيها ذكر الجلوس، وأما استواء الله عز وجل وعلوه، فالاستواء من صفات الأفعال، وهو استوى بعد خلق السماوات والأرض كما جاء في القرآن الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الفرقان:59] وأما العلو: فهو من صفاته الملازمة له التي لا تتعلق بالمشيئة والإرادة، فهو عال، ومن صفات ذاته العلو، وإنما الذي يتعلق بالمشيئة هو الاستواء؛ لأنه من صفات الأفعال، وأما العلو فليس من صفات الأفعال، بل هو من صفات الذات.
    التفصيل في زكاة المشاريع الاستثمارية قبل استلام رأس مالها

    السؤال: فضيلة الشيخ، رجل أخذ مشروع عمل، ولم يدفع له المال إلا بعد ثلاث سنوات فهل الزكاة عليه أو على أهل المشروع؟ وهل يزكي هذا المال لثلاث سنوات إن كان عليه زكاة؟

    الجواب: هو إذا ملكه فإنه إذا حال عليه الحول يزكيه، وإذا كان ملكه إياه من قبل وإنما أخره عند صاحبه الذي كان له عليه الحق، وهذا الشخص مليء، ويمكنه أن يعطيه متى أراد، ولكنه من طلب منه ذلك، فإنه يزكيه، ولو لم يقبضه؛ لأن الدين الذي على مليء مثل المال الذي في حوزة الإنسان؛ فإنه يحسبه مع ماله ويزكيه، وأما إذا كان غير مليء معسر، فإنه لمرة واحدة؛ لأنه ما دام أنه معسر قد لا يحصل عليه أبداً، فقد يكون معناه: أنه يصير من جملة الشيء الذي هو ميئوس منه.
    كيفية الجلوس في الصلاة
    السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي كيفية الجلوس في الصلاة؟
    الجواب: الجلوس في الصلاة الذي ورد، والذي جاءت به الأحاديث هو التورك والافتراش؛ الافتراش يكون بين السجدتين، ويكون في التشهد الأول، أو في الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد، والتورك يكون في التشهد الثاني من الصلاة التي فيها تشهدان، كالمغرب، والعشاء، والظهر، والعصر، فإن التورك يكون في التشهد الثاني من الصلاة ذات التشهدين، والمسألة خلافية بين العلماء منهم من قال: بالافتراش مطلقاً، ومنهم من قال: بالتورك مطلقاً، ومنهم من فصل، والتفصيل الذي ذكرت هو الأظهر، وهو الأرجح.
    أما بالنسبة للمريض فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] يفعل الذي يستطيع، إذا كان يستطيع أن يفعل هذا التفصيل يفعل، وإذا كان لا يستطيع الافتراش يتورك، أو لا يستطيع التورك يفترش.
    حكم استقدام عمال من الكفار في بلاد المسلمين
    السؤال: فضيلة الشيخ، هل يجوز عقد الإجارة لبعض الممرضات الذميات داخل المدينة أو خارجها جنب الجامعة الإسلامية؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.

    الجواب: أولاً: مجيء الكفار للجزيرة العربية، فقد جاء في السنة بأنه لا يسوغ، ولا يكون ذلك إلا إذا كان هناك ضرورة تلجئ إليه، فاستقدام عمال، وما إلى ذلك ممن يقوم مقامهم المسلمون، فإن هذا ليست من الضرورة، وهذا لا يجوز للناس المستقدمين أن يستقدموا الكفرة، وإنما يستقدموا المسلمين إذا كان هناك أمر يقتضي الاستقدام، وضرورة تلجئ إليه، والناس توسعوا في مسألة الاستقدام، وصار عندهم ترف فيما يتعلق بالاستقدام، وصاروا لا يحركون ساكناً إلا بعمال، وحتى البيوت كثر فيها العمال، فمثل هذا فيه محاذير، وفيه مفاسد كثيرة، ولو لم يكن فيه من المفاسد إلا كون المرأة تأتي بدون محرم، وهو خلاف السنة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم) وأما بالنسبة للكافرات والكفار فلا يجوز استقدامهم للجزيرة إلا لضرورة تلجئ إلى ذلك، والناس توسعوا في هذا من غير ضرورة، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (أمرت أن أخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً) والحديث في صحيح مسلم .
    كيفية قنوت الوتر ووقته
    السؤال: فضيلة الشيخ، هل القنوت في الوتر بعد الركوع أم قبله، وما هي كيفيته؟

    الجواب: قنوت الوتر يكون قبل الركوع وبعده، وكيفيته كما هو معلوم: فإنه يرفع اليدين في القنوت في الوتر، وأما في النوازل فقد جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام رفع اليدين، فيدعو بالدعاء الوارد، وكذلك أيضاً إذا دعا بشيء من الأدعية لا بأس بذلك؛ لأنه جاء عن بعض الصحابة أنهم كانوا يضيفون أدعية على ما جاء في حديث تعليم القنوت للحسن بن علي رضي الله تعالى عنه.
    حكم حلق الشعر الذي تحت الذقن
    السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم حلق الشعر الذي تحت الذقن، هل يعد من اللحية أم لا؟
    الجواب: ليس للإنسان أن يتعرض لحلق وجهه، يعني: شعر لحيته وما يتصل بها إلا الشارب، فإنه يقصره ولا يحلقه، ومن المعلوم أن الإنسان إذا قرب الموس من اللحية فإنه يأكلها.
    الجمع بين قوله: (اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً) وبين صلاته بعد الوتر ركعتين
    السؤال: كيف يجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً) وبين أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد الوتر؟

    الجواب: هذا قيل عنه: أنه ليبين الجواز وأن ذلك جائز، ولكن كون الإنسان يجعلها وتراً هذا هو الأصل، وإذا صلى بعد الوتر شيئاً من الصلوات فإنه جائز، وإذا استيقظ في آخر الليل وأراد أن يصلي وقد أوتر فله أن يصلي، لكن لا يوتر مرة أخرى، فهذا العمل الذي عمله الرسول صلى الله عليه وسلم يدل على جواز مثل ذلك العمل الذي قد يحتاج الإنسان إليه.
    حكم رفع اليدين في تكبيرات الجنازة
    السؤال: فضيلة الشيخ، هل رفع اليدين في الجنازة أفضل أم لا؟

    الجواب: رفع اليدين في تكبيرات الجنازة جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عمر مرفوعاً، وجاء عنه موقوفاً، والمرفوع فيه زيادة ثقة فيؤخذ بها، والسنة ثابتة في الرفع، فإذا أتى الإنسان بالرفع فقد أصاب السنة.
    عدد من سموا بأمير المؤمنين

    السؤال: فضيلة الشيخ، عن ذكر من سموا بأمير المؤمنين بالحديث وكم عددهم جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: ما أستطيع حصرهم، لكن أذكر منهم البخاري، والدارقطني، وإسحاق بن راهويه، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وقد جمعهم محمد حبيب الشنقيطي في قصيدة لكنه ذكر فيها أناساً قد تكلم فيهم، ومنهم عبد العزيز بن محمد الدراوردي الذي هو صدوق يخطئ، ذكره من بينهم، فهو جمعهم، وفيهم من لا يسلّم، ولعله قال ذلك بعض الناس وما التفت إلى الذي قيل فيه من التضعيف، لكن مثل من قيل فيه صدوق يخطئ أو كذا لا يصلح أن يوصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أنا ما أتذكرهم، لكن هذا الذي أذكر منهم.
    حكم الأذان للمرأة
    السؤال: فضيلة الشيخ، هل يشرع للمرأة أن تؤذن للنساء؟

    الجواب: ليس على النساء أذان ولا إقامة.
    نواقض الإسلام

    السؤال: ما هي نواقض الإسلام؟
    الجواب: نواقض الإسلام يمكن للإنسان أن يقرأ في كتب الفقه حكم المرتد، فإنهم يذكرون صيغاً عديدة، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ذكر عشرة منها مطبوعة ومنتشرة يمكن للإنسان يطلع عليها، ويمكن أن يرجع إلى باب حكم المرتد من كتب الفقه، فيجد أسماء كثيرة، وألفاظاً كثيرة يوصف من قالها بأنه مرتد وأنه كافر والعياذ بالله.
    حكم إيصال الماء تحت الذقن عند غسل الوجه
    السؤال: هل يجوز إيصال الماء تحت الذقن في الوضوء عند غسل الوجه؟

    الجواب: لا، الوجه هو ما تحصل به المواجهة، ومن السنة تخليل اللحية، وليس بواجب، وإنما يغسل ما تحصل به المواجهة، وتخليل اللحية مستحب، أي: كونه يدخل أصابعه وهي مبلولة بين الشعر، لكن كونه يغسل من داخل ليس هذا داخل في الوضوء.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •