تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 15 من 16 الأولىالأولى ... 5678910111213141516 الأخيرةالأخيرة
النتائج 281 إلى 300 من 301

الموضوع: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

  1. #281
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الأثنين
    الموافق : 8/ شعبان / 1442 هجري
    الموافق : 22/ مارس / 2021 ميلادي

    تابع / المجلد السابع عشر "


    130
    وَذكر فِي (كتاب شرف الْمُصْطَفى) أَن الَّذين قتلوا كَعْب بن الْأَشْرَف حملُوا رَأسه فِي مخلاة إِلَى
    لْمَدِينَة، فَقيل: إِنَّه أول رَأس حمل فِي الْإِسْلَام، وَقيل: أول رَأس حمل رَأس عَمْرو بن الْحمق، وَقيل: رَأس أبي عزة الجُمَحِي الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ.
    (17/138)
    وَأحد جبل من جبال الْمَدِينَة على أثل من فَرسَخ مِنْهَا، سمي أحد لتوحده وانقطاعه عَن جبال أخر هُنَاكَ، وَقَالَ السُّهيْلي: وَفِيه قبر هَارُون بن عمرَان، وَبِه قبض. وَكَانَ هُوَ وَأَخُوهُ مُوسَى، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، مرا بِهِ حاجين أَو معتمرين، وَفِي الْآثَار المسندة: أَنه يَوْم الْقِيَامَة عِنْد بَاب الْجنَّة من داخلها، وَفِي بَعْضهَا: أَنه ركن لبابها، ذكره ابْن سَلام فِي (تَفْسِيره) وَفِي (الْمسند) من حَدِيث أبي عِيسَى بن جُبَير مَرْفُوعا: أحد جبل يحبنا ونحبه، وَكَانَ على بَاب الْجنَّة، وَقَالَ السُّهيْلي: وَيُقَال لأحد ذُو عينين، وعينان تَثْنِيَة عين، جبل بِأحد وَهُوَ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إِبْلِيس، عَلَيْهِ اللَّعْنَة، وَيَوْم أحد، وَقَالَ: إِن سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد قتل، وَبِه أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّمَاة يَوْم أحد.
    .....
    (17/155)
    وَذكر ابْن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنِي عَاصِم ابْن عمر عَن مَحْمُود بن لبيد، قَالَ: كَانَ الْيَمَان وَالِد حُذَيْفَة وثابت بن وقش شيخين كبيرين فَتَركهُمَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ النِّسَاء وَالصبيان فرغبا فِي الشَّهَادَة فأخذا سيفيهما ولحقا بِالْمُسْلِمين بعد الْهَزِيمَة، فَلم يعرفوا بهما، فَأَما ثَابت فَقتله الْمُشْركُونَ، وَأما الْيَمَان فاختلفت عَلَيْهِ أسياف الْمُسلمين فَقَتَلُوهُ وَلَا يعرفونه، وَقَالَ ابْن سعد: إِن الَّذِي قتل الْيَمَان خطأ عتبَة بن مَسْعُود أَخُو عبد الله بن مَسْعُود، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، قَالَ حُذَيْفَة: قتلتم أبي قَالُوا: وَالله مَا عَرفْنَاهُ وَصَدقُوا، فَقَالَ حُذَيْفَة: يغْفر الله لكم فَأَرَادَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَدَيْهِ فَتصدق حُذَيْفَة بديته على الْمُسلمين فزاده ذَلِك عِنْد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرا، وَالْعجب من ابْن التِّين حَيْثُ يَقُول: وَلم يذكر فِي الحَدِيث الدِّيَة فِي قتل الْيَمَان وَالْكَفَّارَة، فَأَما لم تفرض حِينَئِذٍ أَو اكْتفى بِعلم السَّامع، وَلَو اطلع على مَا ذكرنَا لما أغرب فِي كَلَامه.
    .........ز
    (160 )
    بأمير الْمُؤمنِينَ حدث بعد ذَلِك، وَأول من لقب بِهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَذَلِكَ بعد قتل مُسَيْلمَة بِمدَّة. انْتهى. قلت: قَالَ ابْن التِّين: كَانَ مُسَيْلمَة يُسمى تَارَة بِالنَّبِيِّ وَتارَة بأمير الْمُؤمنِينَ، ورد عَلَيْهِ هَذَا الْقَائِل بقوله: فَإِن كَانَ يَعْنِي ابْن التِّين أَخذه من هَذَا الحَدِيث فَلَيْسَ بجيد، وإلاَّ فَيحْتَاج إِلَى نقل بذلك. انْتهى. قلت: قَوْله: لَيْسَ بجيد، غير جيد، لِأَن فِي الحَدِيث التَّصْرِيح بذلك، لِأَنَّهَا إِنَّمَا قَالَت بذلك لما رَأَتْ أَن أُمُور أَصْحَابه كلهَا كَانَت إِلَيْهِ، فَلذَلِك أطلقت عَلَيْهِ الإمرة، وَأما نسبتها إِلَى الْمُؤمنِينَ فباعتبار أَنهم كَانُوا آمنُوا بِهِ فِي زعمهم الْبَاطِل، وَقَوله: أول من لقب بِهِ عمر، لَا يُنَافِي ذَلِك، لِأَن هَذِه الأولية بِالنّظرِ إِلَى أبي بكر حَيْثُ لم يطلقوا عَلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ، اكْتِفَاء بِلَفْظ الْخلَافَة، وَمَعَ هَذَا كَانَ هُوَ أَيْضا أَمِير الْمُؤمنِينَ.
    .....
    (162)
    وَلما تولى أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْخلَافَة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أرسل جَيْشًا إِلَى قتال مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة، وَجعل خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَمِيرا عَلَيْهِم، وقصته طَوِيلَة، وملخصها أَن خَالِدا لما قرب من مُسَيْلمَة وتواجه الْفَرِيقَانِ وَقع حَرْب عَظِيم وصبر الْمُسلمُونَ صبرا لم يعْهَد مثله حَتَّى فتح الله عَلَيْهِم، وَولى الْكفَّار الأدبار وَدخل أَكْثَرهم الحديقة وأحاط بهم الصَّحَابَة، ثمَّ دخلوها من حيطانها وأبوابها فَقتلُوا من فِيهَا من الْمُرْتَدَّة من أهل الْيَمَامَة حَتَّى خلصوا إِلَى مُسَيْلمَة لَعنه الله فَتقدم إِلَيْهِ وَحشِي بن حَرْب قَاتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَمَاهُ بِحَرْبَة فأصابته وَخرجت من الْجَانِب الآخر، وسارع إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَة سماك بن حَرْب فَضَربهُ بِالسَّيْفِ فَسقط، وَكَانَ جملَة من قتلوا فِي الحديقة وَفِي المعركة قَرِيبا من عشرَة آلَاف مقَاتل، وَقيل: أحد وَعِشْرُونَ ألفا، وَقتل من الْمُسلمين سِتّمائَة، وَقيل: خَمْسمِائَة، وَالله أعلم. وَفِيهِمْ من الصَّحَابَة سَبْعُونَ رجلا، وَيُقَال: كَانَ عمر مُسَيْلمَة يَوْم قتل مائَة وَأَرْبَعين سنة.
    ..........
    (170 )
    فأمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمِ القُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كانُوا يَحْتَطِبُونَ بالنَّهَارِ ويُصَلُّونَ باللَّيْلِ حتَّى كانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قتَلُوهُمْ وغَدَرُوا بِهِمْ فبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذالِكَ فقَنَتَ شَهْرَاً يَدْعُو فِي الصُّبْحِ علَى أحْيَاءٍ مِنْ أحْيَاءِ العَرَبِ علَى رِعْلٍ وذَكْوَانَ وعُصَيَّةَ وبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أنَسٌ فقَرَأنَا فِيهِمْ قُرْآنَاً ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ رُفِعَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وأرْضَانَا. .
    (وَبني لحيان) ، قيل: ذكر بني لحيان فِي هَذِه الْقِصَّة وهمٌ وَإِنَّمَا كَانَ بَنو لحيان فِي قصَّة خبيب فِي قصَّة الرجيع
    قَالَ ابْن التِّين: إِمَّا أَن يكون كَانَ يُتْلَى ثمَّ نسخ رسمه، أَو كَانَ النَّاس يكثرون ذكره وَهُوَ من الْوَحْي ثمَّ تقادم حَتَّى صَار لَا يذكر إلاَّ خَبرا.
    وَفِي (شرف الْمُصْطَفى) : لما أُصِيب أهل بِئْر مَعُونَة جَاءَت الْحمى إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إذهبي إِلَى رعل وذكوان وَعصيَّة عَصَتْ الله وَرَسُوله، فَاتَتْهُمْ فقتلت مِنْهُم سَبْعمِائة رجل لكل رجل من الْمُسلمين عشرَة.

    .......
    (177)
    وَقَالَ قَتَادَة فِيمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ: كَانَ الْمُشْركُونَ أَرْبَعَة آلَاف أَو مَا شَاءَ الله من ذَلِك، وَالصَّحَابَة فِيمَا بلغنَا ألف، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: فَلَمَّا سمع بهم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب الخَنْدَق على الْمَدِينَة، وَقَالَ ابْن هِشَام: يُقَال: إِن الَّذِي أَشَارَ بِهِ سلمَان الْفَارِسِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ الطَّبَرِيّ والسهيلي: أول من حفر الخَنْدَق بَنو جهر بن أيرج وَكَانَ فِي زمن مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: فَعمل فِيهِ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ترغيباً للْمُسلمين فِي الْأجر وَعمل مَعَه الْمُسلمُونَ.
    .......
    (185)
    حبيب ابْن مسلمة) بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام: ابْن مَالك الْأَكْبَر ابْن وهب بن ثَعْلَبَة بن وَاثِلَة بن شَيبَان بن محَارب بن فهر بن مَالك الْقرشِي الفِهري، يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن، يُقَال لَهُ: حبيب الرّوم، لِكَثْرَة دُخُوله إِلَيْهِم ونيله مِنْهُم، وولاه عمر الجزيرة إِذْ عزل
    عَنْهَا عِيَاض بن غنم، وَقَالَ سعيد بن عبد الْعَزِيز: كَانَ حبيب بن مسلمة فَاضلا مجاب الدعْوَة، مَاتَ بالأرمينية سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين لَهُ ولأبيه صُحْبَة.
    ......
    (188)
    وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذمّ السجع حَيْثُ قَالَ مُنكر: أسجع كسجع الْكُهَّان؟ قلت: الْمُنكر والمذموم السجع الَّذِي يَأْتِي بالتكلف وبالتزام مَا لَا يلْزم، وسجعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من السجع الْمَحْمُود لِأَنَّهُ جَاءَ بانسجام واتفاق على مُقْتَضى السجية، وَكَذَلِكَ وَقع مِنْهُ فِي أدعية كَثِيرَة من غير قصد لذَلِك وَلَا اعْتِمَاد إِلَى وُقُوعه مَوْزُونا مقفًى بِقَصْدِهِ إِلَى القافية.
    .............
    (190)
    الْعَصْر) كَذَا وَقع فِي جمع نسخ البُخَارِيّ، وَوَقع فِي جَمِيع النّسخ عِنْد مُسلم: الظّهْر، مَعَ اتِّفَاق البُخَارِيّ وَمُسلم على رِوَايَته عَن شيخ وَاحِد بِإِسْنَاد وَاحِد، وَوَافَقَ مُسلما أَبُو يعلى وَآخَرُونَ، وَكَذَلِكَ أخرجه ابْن سعد عَن أبي غَسَّان مَالك بن إِسْمَاعِيل عَن جوَيْرِية بِلَفْظ: الظّهْر، وَابْن حبَان من طَرِيق أبي غَسَّان كَذَلِك، وَأَصْحَاب الْمَغَازِي كلهم مَا ذكرُوا إلاَّ الْعَصْر، وَكَذَلِكَ أخرجه أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق أبي حَفْص السّلمِيّ عَن جوَيْرِية، فَقَالَ: الْعَصْر، وَجمع بَين الرِّوَايَتَيْن ِ بِوُجُوه:
    الأول: بِاحْتِمَال أَن يكون قبل الْأَمر كَانَ صلى الظّهْر وَبَعْضهمْ لم يصلها، فَقَالَ لمن لم يصلها، لَا يصلين أحد الظّهْر، وَلمن صلاهَا: لَا يصلين أحد الْعَصْر
    انِي: بِاحْتِمَال أَن تكون طَائِفَة مِنْهُم راحت بعد طَائِفَة، فَقَالَ للطائفة الأولى: الظّهْر، وللطائفة الَّتِي بعْدهَا: الْعَصْر.
    الثَّالِث: أَن يكون الِاخْتِلَاف من حفظ بعض الروَاة.

    ......
    (195)
    ذَات الرّقاع، بِكَسْر الرَّاء وبالقاف وبالعين الْمُهْملَة: سميت بذلك لأَنهم رقعوا فِيهَا راياتهم، وَقيل: لِأَن أَقْدَامهم نقبت فَكَانُوا يلقون الْخرق، وَقيل: كَانُوا يلقون الْخرق فِي الخر وَقيل: سميت بذلك لشَجَرَة هُنَاكَ تسمى: ذَات الرّقاع، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: سميت بذلك لجبل فِيهِ بقع حمر وبيض وسود، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: ثمَّ أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ بعد غَزْوَة بني النَّضِير شَهْري ربيع وَبَعض جُمَادَى، ثمَّ غزا نجداً يُرِيد بني محَارب وَبني ثَعْلَبَة من غطفان، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة أَبَا ذَر، وَقَالَ ابْن هِشَام: وَيُقَال: عُثْمَان بن عَفَّان، ثمَّ سَار حَتَّى نزل نجداً وَهِي غَزْوَة ذَات الرّقاع، فلقي بهَا جمعا من غطفان فتقارب النَّاس وَلم يكن بَينهم حَرْب، وَقد أَخَاف الله النَّاس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى صلى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف، وَالْحَاصِل أَن غَزْوَة ذَات الرّقاع عِنْد ابْن إِسْحَاق كَانَت بعد بني النَّضِير وَقبل الخَنْدَق سنة أَربع، وَعند ابْن سعد وَابْن حبَان: أَنَّهَا كَانَت فِي الْمحرم سنة خمس، وَمَال البُخَارِيّ إِلَى أَنَّهَا كَانَت بعد خَيْبَر

  2. #282
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الجمعة
    الموافق : 12/ شعبان / 1442 هجري
    الموافق : 26/ مارس / 2021 ميلادي

    " ختم المجلد السابع عشر " من " عمدة القاري " للحافظ بدر الدين العيني رحمه الله


    (197)
    وَفِي (المعجم الْأَوْسَط) للطبراني: عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر قَالَ مُحَمَّد ابْن طَلْحَة: كَانَت غَزْوَة ذَات الرّقاع تسمى غَزْوَة الْأَعَاجِيب.
    ......
    (195)
    إِن بعض الْعلمَاء حملُوا اخْتِلَاف الصِّفَات فِي صَلَاة الْخَوْف على اخْتِلَاف الْأَحْوَال، وَبَعْضهمْ حملوها على التَّوَسُّع والتخيير،
    .....
    (198)
    شَارَ إِلَى أَن رِوَايَات جَابر متفقة على أَن الْغَزْوَة الَّتِي وَقعت فِيهَا صَلَاة الْخَوْف هِيَ غَزْوَة ذَات الرّقاع، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر، لِأَن سِيَاق رِوَايَة هِشَام عَن أبي الزبير هَذِه تدل على أَنه حَدِيث آخر فِي غَزْوَة أُخْرَى. قلت: لَا نسلم ذَلِك لِأَنَّهُ ذكر فِيمَا مضى عَن قريب عَن جَابر: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذَات الرّقاع من نخل فلقي جمعا من غطفان ...
    ......
    (198)
    وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن سَبَب غَزْوَة ذَات الرّقاع هُوَ أَن أَعْرَابِيًا قدم من حلب إِلَى الْمَدِينَة، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت نَاسا من بني ثَعْلَبَة وَمن بني أَنْمَار قد جمعُوا لكم جموعاً فَأنْتم فِي غَفلَة عَنْهُم، فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَرْبَعمِائَة، وَيُقَال: سَبْعمِائة، فعلى هَذَا غَزْوَة بني أَنْمَار متحدة مَعَ غَزْوَة بني محَارب وثعلبة، وَهِي غَزْوَة ذَات الرّقاع، وأنمار، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون وبالراء: قَبيلَة من بجيلة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْجِيم.
    .....
    (210)
    قَوْله: (مُسلما) بِكَسْر اللَّام الْمُشَدّدَة، كَذَا فِي نسخ البُخَارِيّ وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: مُسلما، بِفَتْح اللاَّم، فَالرِّوَايَة الأولى من التَّسْلِيم بِمَعْنى تَسْلِيم الْأَمر بِمَعْنى السُّكُوت، وَالثَّانيَِة من السَّلامَة من الْخَوْض فِيهِ، وَقَالَ ابْن التِّين: ويروى: مسيئاً، يَعْنِي من الْإِسَاءَة، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : فِيهِ بعد، ورد عَلَيْهِ بِأَن عياضاً ذكر أَنه النَّسَفِيّ رَوَاهُ عَن البُخَارِيّ بِلَفْظ مسيئاً وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَليّ بن السكن عَن الْفربرِي. قلت: الظَّاهِر أَن نِسْبَة هَذِه اللَّفْظَة إِلَى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من حَيْثُ إِنَّه لم يقل مثل مَا قَالَ أُسَامَة بن زيد: أهلك، وَلَا نعلم إلاَّ خيرا، بل قَالَ: لم يضيق الله عَلَيْك وَالنِّسَاء
    سواهَا كثير، وَمن هَذَا أَن بعض الغلاة من الناصبية تقربُوا إِلَى بني أُميَّة بِهَذِهِ اللَّفْظَة، فجزى الله تَعَالَى الزُّهْرِيّ خيرا حَيْثُ بَين للوليد بن عبد الْملك مَا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور.
    الَ الزُّهْرِيّ: قَالَت عَائِشَة: قَالَ عَليّ بِلَفْظ مُسلما، لَا بِلَفْظ: مسيئاً، وَقَالَ بَعضهم: الْمُرَاجَعَة فِي ذَلِك وَقعت مَعَ هِشَام بن يُوسُف فِيمَا أَحسب، وَذَلِكَ أَن عبد الرَّزَّاق رَوَاهُ عَن معمر فخالفه، فَرَوَاهُ بِلَفْظ: مسيئاً. قلت: الَّذِي فسره الْكرْمَانِي هُوَ الصَّوَاب، أَلا يرى أَن الْأصيلِيّ لما رَوَاهُ بِلَفْظ: مُسلما، قَالَ: كَذَا قرأناه؟ وَالله أعلم.
    ........
    (215)
    (أَنْتُم خير أهل الأَرْض) ، هَذَا يدل صَرِيحًا على فضل أهل الشَّجَرَة، وهم الَّذين بَايعُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحتهَا، وهم أهل بيعَة الرضْوَان. وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَلم يرد دُخُول نَفسه فيهم، وَاحْتج بِهِ بعض الشِّيعَة فِي تَفْضِيل عَليّ على عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، لِأَن عليا كَانَ حَاضرا وَعُثْمَان كَانَ غَائِبا بِمَكَّة، ورد بِأَن عُثْمَان كَانَ فِي حكم من دخل تَحت الْخطاب لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بَايع عَنهُ وَهُوَ غَائِب، فَدخل عُثْمَان فيهم، وَلم يقْصد فِي الحَدِيث تَفْضِيل بَعضهم على بعض، وَاحْتج بِهِ بَعضهم على أَن الْخضر، عَلَيْهِ السَّلَام، لَيْسَ بِنَبِي، لِأَنَّهُ لَو كَانَ حَيا مَعَ ثُبُوت كَونه نَبيا للَزِمَ تَفْضِيل غير النَّبِي على النَّبِي، وَهَذَا بَاطِل، فَدلَّ على أَنه لَيْسَ بحي حِينَئِذٍ، وَأجَاب من زعم أَنه نَبِي وَأَنه حَيّ بِثُبُوت الْأَدِلَّة الْوَاضِحَة على نبوته، وَأَنه كَانَ حَاضرا مَعَهم، وَلم يقْصد تَفْضِيل بعض على بعض، وَأجَاب بَعضهم بِأَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ فِي الْبَحْر، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا جَوَاب سَاقِط. قلت: لَا نسلم سُقُوطه لعدم الْمَانِع من ذَلِك، وَادّعى ابْن التِّين أَنه حَيّ وَبنى عَلَيْهِ أَنه لَيْسَ بِنَبِي
    لدُخُوله فِي عُمُوم من فضل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل الشَّجَرَة عَلَيْهِم، ورد عَلَيْهِ بِأَن إِنْكَاره نبوة خضر غير صَحِيح لما ذكرنَا، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي (تاريخنا الْكَبِير) . وَزعم ابْن التِّين أَيْضا أَن إلْيَاس، عَلَيْهِ السَّلَام، لَيْسَ بِنَبِي، وَبِنَاء على قَول من زعم أَنه حَيّ. قلت: لم يَصح أَنه كَانَ حَيا حِينَئِذٍ، وَلَئِن سلمنَا حَيَاته حِينَئِذٍ فَالْجَوَاب مَا ذَكرْنَاهُ الْآن فِي حق الْخضر، وَأما نفي نبوته فَبَاطِل لِأَن الْقُرْآن نطق بِأَنَّهُ {كَانَ من الْمُرْسلين} فَلَا يُمكن أَن يكون مُرْسلا وَهُوَ غير نَبِي
    ......
    (221 )
    عبد الله بن زيد ابْن عَاصِم عَم عباد بن تَمِيم الْأنْصَارِيّ الْمَازِني البُخَارِيّ الَّذِي قتل مُسَيْلمَة وَقتل هُوَ يَوْم الْحرَّة، وَهُوَ صَاحب حَدِيث الْوضُوء، وَغلط ابْن عُيَيْنَة فَقَالَ: هُوَ الَّذِي أرِي الْأَذَان.
    .....
    "
    .............
    (246)
    قَالَ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) : أَجمعُوا على أَن الْمُتْعَة نِكَاح لَا إِشْهَاد فِيهِ، وَأَنه نِكَاح إِلَى أجل تقع فِيهِ الْفرْقَة بِلَا طَلَاق وَلَا مِيرَاث بَينهمَا، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ حكم الزَّوْجَات فِي كتاب الله وَلَا سنة رَسُوله. انْتهى. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي (الْإِكْمَال) : اتّفق الْعلمَاء على أَن هَذِه الْمُتْعَة كَانَت نِكَاحا إِلَى أجل لَا مِيرَاث فِيهِ وفراقها يحصل بِانْقِضَاء الْأَجَل من غير طَلَاق، وَإِذا تقرر أَن نِكَاح الْمُتْعَة هُوَ الموقت فَلَو أقته بِمدَّة تعلم بِمُقْتَضى الْعَادة أَنَّهُمَا لَا يعيشان إِلَى انْقِضَاء أجلهَا كمائتي سنة وَنَحْوهَا فَهَل يبطل لوُجُود التَّأْقِيت، أَو يَصح لِأَنَّهُ زَالَ مَا كَانَ يخْشَى من انْقِطَاع النِّكَاح بِغَيْر طَلَاق، وَمن عدم الْمِيرَاث بَين الزَّوْجَيْنِ أطلق الْجُمْهُور عدم الصِّحَّة، فَإِن قلت: هَل ذهب أحد إِلَى جَوَازهَا؟ قلت: ادّعى فِيهِ غير وَاحِد من الْعلمَاء الْإِجْمَاع، وَقَالَ الْخطابِيّ فِي (المعالم) : كَانَ ذَلِك مُبَاحا فِي صدر الْإِسْلَام ثمَّ حرم، فَلم يبْق الْيَوْم فِيهِ خلاف بَين الْأَئِمَّة إلاَّ شَيْئا ذهب إِلَيْهِ بعض الروافض، قَالَ: وَكَانَ ابْن عَبَّاس يتَأَوَّل فِي إِبَاحَته للْمُضْطَر بطول الغربة وَقلة الْيَسَار وَالْجدّة، ثمَّ توقف عَنهُ وَأمْسك عَن الْفَتْوَى بِهِ. وَقَالَ أَبُو بكر الْحَازِمِي: يرْوى عَن ابْن جريج جَوَازه، وَقَالَ الْمَازرِيّ فِي (الْمعلم) : تقرر الْإِجْمَاع على مَنعه وَلم يُخَالف فِيهِ إلاَّ طَائِفَة من المبتدعة، وَقَالَ صَاحب (الْمُفْهم) : أجمع السّلف وَالْخلف على تَحْرِيمهَا إلاَّ مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه رَجَعَ، وإلاَّ الرافضة، وَحكى أَبُو عمر الْخلاف الْقَدِيم فِيهِ، فَقَالَ: وَأما الصَّحَابَة فَإِنَّهُم اخْتلفُوا فِي نِكَاح الْمُتْعَة، فَذهب ابْن عَبَّاس إِلَى إجازتها وتحليلها لَا خلاف عَنهُ فِي ذَلِك، وَعَلِيهِ أَكثر أَصْحَابه مِنْهُم: عَطاء بن أبي رَبَاح وَسَعِيد بن جُبَير وطاووس، قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضا تحليلها وإجازتها عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَجَابِر بن عبد الله، قَالَا: تَمَتعنَا إِلَى نصف من خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَتَّى نهى عمرُ النَّاسَ عنهَا فِي شَأْن عَمْرو بن حُرَيْث، وَنِكَاح الْمُتْعَة قبل التَّحْرِيم هَل كَانَ مُطلقًا أَو مُقَيّدا بِالْحَاجةِ وبالأسفار؟ قَالَ الطَّحَاوِيّ: كل هَؤُلَاءِ الَّذين رووا عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِطْلَاقهَا أخبروا أَنَّهَا كَانَت فِي سفر، وَلَيْسَ أحد مِنْهُم أخبر أَنَّهَا كَانَت فِي حضر، وَذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه أَبَاحَهَا لَهُم فِي الْغَزْو. وَقَالَ الْحَازِمِي: وَلم يبلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبَاحَهَا لَهُم وهم فِي بُيُوتهم، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: قد ذكر فِي حَدِيث ابْن عمر: أَنَّهَا كَانَت رخصَة فِي أول الْإِسْلَام لمن اضْطر إِلَيْهَا: كالميتة، وَإِذا تقرر أَن نِكَاح الْمُتْعَة غير صَحِيح فَهَل يحد من وطىء فِي نِكَاح مُتْعَة؟ فَأكْثر أَصْحَاب مَالك قَالُوا: لَا يحد لشُبْهَة العقد، وللخلاف الْمُتَقَدّم فِيهِ، وَأَنه لَيْسَ من تَحْرِيم الْقُرْآن، وَلكنه يُعَاقب عُقُوبَة شَدِيدَة. وَقَالَ صَاحب (الْإِكْمَال) : هَذَا هُوَ الْمَرْوِيّ عَن مَالك، وأصل هَذَا عِنْد بعض شُيُوخنَا التَّفْرِيق فِي الْحَد بَين مَا حرمته السّنة أَو حرمه الْقُرْآن، وَأَيْضًا فَالْخِلَاف بَين الْأُصُولِيِّين َ: هَل يَصح الْإِجْمَاع على أحد الْقَوْلَيْنِ بعد الْخلاف أَو لَا ينْعَقد؟ وَحكم الْخلاف باقٍ. قَالَ: وَهَذَا مَذْهَب القَاضِي أبي بكر، وَقَالَ الرَّافِعِيّ مَا ملخصه: إِن صَحَّ رُجُوع ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَجب الْحَد لحُصُول الْإِجْمَاع، وَإِن لم يَصح رُجُوعه فيبنى على أَنه لَو اخْتلف أهل عصر فِي مَسْأَلَة ثمَّ اتّفق مَن بَعدهم على أحد القولي فِيهَا، هَل يصير ذَلِك مجمعا عَلَيْهَا؟ فِيهِ وَجْهَان أصوليان، إِن قُلْنَا: نعم، وَجب الْحَد، وإلاَّ فَلَا، كَالْوَطْءِ فِي سَائِر الْأَنْكِحَة الْمُخْتَلف فِيهَا. قَالَ: وَهُوَ الْأَصَح، وَكَذَا صَححهُ النَّوَوِيّ، رَحمَه الله تَعَالَ
    .........
    (247)
    قال ابن عبد البر
    لنَّهْي عَن الْمُتْعَة يَوْم خَيْبَر غلط، وَقَالَ السُّهيْلي: النَّهْي عَن الْمُتْعَة يَوْم خَيْبَر لَا يعرفهُ أحد من أهل السّير ورواة الْأَثر، وَقد روى الشَّافِعِي عَن مَالك بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى يَوْم خَيْبَر عَن أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، لم يزدْ على ذَلِك، وَسكت عَن قصَّة الْمُتْعَة لما علم فِيهَا من الِاخْتِلَاف. قلت: قد اخْتلف فِي وَقت النَّهْي عَن نِكَاح الْمُتْعَة: هَل كَانَ زمن خَيْبَر؟ أَو فِي زمن الْفَتْح؟ أَو فِي غَزْوَة أَوْطَاس؟ وَهِي فِي عَام الْفَتْح، أَو فِي غَزْوَة تَبُوك؟ أَو فِي حجَّة الْوَدَاع؟ أَو فِي عمْرَة الْقَضَاء؟ فَفِي رِوَايَة مَالك وَمن تَابعه فِي حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن ذَلِك زمن خَيْبَر، كَمَا فِي حَدِيث الْبَاب، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث ابْن عمر، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة ابْن شهَاب، قَالَ: أَخْبرنِي سَالم بن عبد الله أَن رجلا سَأَلَ عبد الله بن عمر عَن الْمُتْعَة، فَقَالَ: حرَام. قَالَ: إِن فلَانا يَقُول بهَا: فَقَالَ: وَالله لقد علم أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حرمهَا يَوْم خَيْبَر، وَمَا كُنَّا مسافحين، وَفِي حَدِيث سُبْرَة بن معبد الْجُهَنِيّ عِنْد مُسلم: أَنه أذن فِيهَا فِي فتح مَكَّة، وَفِيه: فَلم أخرج حَتَّى حرمهَا، وَفِي حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع عِنْد مُسلم أَيْضا، أَنه رخص فِيهَا عَام أَوْطَاس ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ نهى عَنْهَا، وَفِي حَدِيث سُبْرَة عِنْد أبي دَاوُد: أَنه نهى عَنْهَا فِي حجَّة الْوَدَاع، وَفِي بعض طرق حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك، ذكره ابْن عبد الْبر، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث جَابر رَوَاهُ الْحَازِمِي فِي كتاب (النَّاسِخ والمنسوخ) وَفِيه يَقُول جَابر بن عبد الله: خرجنَا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى غَزْوَة تَبُوك، حَتَّى إِذا كُنَّا عِنْد الْعقبَة مِمَّا يَلِي الشَّام، جئن نسْوَة فَذَكرنَا تَمَتعنَا وَهن يجلن فِي رحالنا، أَو قَالَ: يطفن فِي رحالنا، فجاءنا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنظر إلَيْهِنَّ، فَقَالَ: من هَؤُلَاءِ النسْوَة؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله نتمتع مِنْهُنَّ. قَالَ: فَغَضب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه وتمعر لَونه وَاشْتَدَّ غَضَبه، فَقَامَ فِينَا خَطِيبًا، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ نهى عَن الْمُتْعَة، فتوادعنا يَوْمئِذٍ الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَلم نعد وَلَا نعود لَهَا أبدا فِيهَا، فسميت يَوْمئِذٍ: تَثْنِيَة الْوَدَاع، وَذكر عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الْحسن، قَالَ: مَا حلت الْمُتْعَة قطّ إلاَّ ثَلَاثًا فِي عمْرَة الْقَضَاء، مَا حلت قبلهَا وَلَا بعْدهَا.
    وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَهَذَا الْبَاب
    .................
    (248)
    وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَهَذَا الْبَاب فِيهِ اخْتِلَاف شَدِيد، وَفِيه أَحَادِيث كَثِيرَة لم نكتبها. قلت: الْجمع بَين هَذِه الْأَحَادِيث وترجيح بَعْضهَا عِنْد عدم إِمْكَان الْجمع على وُجُوه ذكرهَا الْعلمَاء. فَقَالَ الْمَازرِيّ: لَيْسَ هَذَا تناقضاً لِأَنَّهُ يَصح أَن ينْهَى عَنْهَا فِي زمن ثمَّ ينْهَى عَنْهَا فِي زمن آخر توكيداً، أَو ليشتهر النَّهْي ويسمعه من لم يكن سَمعه أَولا، فَسمع بعض الروَاة النَّهْي فِي زمن، وسَمعه آخَرُونَ فِي زمن آخر، فَنقل كل مِنْهُم مَا سَمعه وأضافه إِلَى زمن سَمَاعه. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: يحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَاحَهَا لَهُم للضَّرُورَة بعد التَّحْرِيم ثمَّ حرمهَا تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، فَيكون أَنه حرمهَا يَوْم خَيْبَر وَفِي عمْرَة الْقَضَاء، ثمَّ أَبَاحَهَا يَوْم الْفَتْح للضَّرُورَة، ثمَّ حرمهَا يَوْم الْفَتْح أَيْضا تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الصَّوَاب الْمُخْتَار أَن التَّحْرِيم وَالْإِبَاحَة كَانَا مرَّتَيْنِ، وَكَانَت حَلَالا قبل خَيْبَر ثمَّ حرمت يَوْم خَيْبَر، ثمَّ أبيحت يَوْم فتح مَكَّة وَهُوَ يَوْم أَوْطَاس لاتصالهما، ثمَّ حرمت يَوْمئِذٍ بعد ثَلَاثَة أَيَّام تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَذكر بَعضهم أَنه لَا يعرف شَيْء نسخ مرَّتَيْنِ إلاَّ نِكَاح الْمُتْعَة. قلت: زَاد بَعضهم عَلَيْهِ أَمر تَحْويل الصَّلَاة أَنه وَقع مرَّتَيْنِ، وَزَاد أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ ثَالِثا فَقَالَ: نسخ الله الْقبْلَة مرَّتَيْنِ، وَنسخ نِكَاح الْمُتْعَة مرَّتَيْنِ، وأباح أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة مرَّتَيْنِ، وَزَاد أَبُو الْعَبَّاس الْعَوْفِيّ رَابِعا، وَهُوَ الْوضُوء مِمَّا مسته النَّار، على مَا قَالَه ابْن شهَاب، وروى مثله عَن عَائِشَة، وَزَاد بَعضهم: الْكَلَام فِي الصَّلَاة نسخ مرَّتَيْنِ، حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض فِي (الْإِكْمَال) وَكَذَلِكَ المخابرة على قَول ابْن الْأَعرَابِي، وَفِي (التَّوْضِيح) : هَذَا أغرب مَا وَقع فِي الشَّرِيعَة، أُبِيح ثمَّ نهى عَنهُ يَوْم خَيْبَر، ثمَّ أُبِيح فِي عمْرَة الْقَضَاء وأوائل الْفَتْح، ثمَّ نهى عَنهُ، ثمَّ أُبِيح، ثمَّ نهى عَنْهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
    ..............
    (248)
    جوز أكل لحم الْخَيل، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي ثَوْر وَاللَّيْث وَابْن الْمُبَارك، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن سِيرِين وَالْحسن وَعَطَاء وَالْأسود بن يزِيد وَسَعِيد بن جُبَير، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُؤْكَل لحم الْخَيل، وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِي ّ وَأَبُو عبيد، وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بقوله تَعَالَى: {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها وزينة} (النَّحْل: 8) . خرج مخرج الامتنان، وَالْأكل من أَعلَى مَنَافِعهَا، والحكيم لَا يتْرك الامتنان بِأَعْلَى النعم ويمتن بأدناها، وَلما روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: نهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن لُحُوم الْخَيل وَالْبِغَال والحمر، فيعارض حَدِيث جَابر، وَالتَّرْجِيح للْمحرمِ. فَإِن قلت: حَدِيث جَابر صَحِيح، وَحَدِيث خَالِد مُتَكَلم فِيهِ اسناداً ومتناً، والاعتماد على أَحَادِيث الْإِبَاحَة لصحتها وَكَثْرَة رِوَايَتهَا. قلت: سَنَد حَدِيث خَالِد جيد، وَلِهَذَا لما أخرجه أَبُو دَاوُد سكت عَنهُ، فَهُوَ حسن عِنْده،
    .....
    (270)
    وَفِي مُرْسل أبي عمرَان الْجونِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ عَاده، يَعْنِي: عبد الله، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ أَجله قد حضر فيسر عَلَيْهِ وإلاَّ فاشفه. قَالَ: فَوجدَ خفَّة، فَقَالَ: كَانَ قد رفع مرزبة من حَدِيد، يَقُول: أَنْت كَذَا؟ فَلَو قلت: نعم لقمعني بهَا.
    ....
    (275 )
    وَقَالَ أَبُو عمر: حَاطِب بن أبي بلتعة اللَّخْمِيّ من ولد لخم بن عدي فِي قَول بَعضهم، وَقيل: كَانَ عبدا لعبد الله بن حميد الْمَذْكُور آنِفا بِالْكِتَابَةِ، فَأدى كتابتة يَوْم الْفَتْح، مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة، وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِكِتَاب إِلَى الْمُقَوْقس صَاحب مصر والإسكندرية فِي محرم سنة سِتّ بعد الْحُدَيْبِيَة، فَأَقَامَ عِنْده خَمْسَة أَيَّام وَرجع بهدية مِنْهَا مَارِيَة أم إِبْرَاهِيم وَأُخْتهَا سِيرِين، فَوَهَبَهَا لحسان بن ثَابت، وَبغلته دُلْدُل وَحِمَاره عفير وَعسل وَثيَاب وَغير ذَلِك من الظّرْف، وَقَالَ أَبُو عمر: أهْدى الْمُقَوْقس لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثَلَاث جوارٍ مِنْهُنَّ: أم إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأُخْرَى وَهبهَا لأبي جهم بن حُذَيْفَة الْعَدوي، وَأُخْرَى وَهبهَا لحسان بن ثَابت، ثمَّ بَعثه الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَيْضا إِلَى الْمُقَوْقس فَصَالحهُمْ، فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى دَخلهَا عَمْرو بن الْعَاصِ فنقض الصُّلْح وَقَاتلهمْ وافتتح مصر، وَذَلِكَ فِي سنة عشْرين، وَكَانَ حَاطِب تَاجِرًا يَبِيع الطَّعَام، وَترك يَوْم مَاتَ أَرْبَعَة آلَاف دِينَار ودراهم وَغير ذَلِك، وروى حَاطِب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: من رَآنِي بعد موتِي فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي حَياتِي، وَمن مَاتَ فِي أحد الْحَرَمَيْنِ يبْعَث فِي الْآمنينَ يَوْم الْقِيَامَة. وَقَالَ أَبُو عمر: لَا أعلم لَهُ غير هَذَا الحَدِيث، وَفِي الصَّحَابَة: حَاطِب، أَرْبَعَة سواهُ. قَالَه صَاحب (التَّوْضِيح) وَلم يذكر أَبُو عمر إلاَّ أَرْبَعَة مِنْهُم: خَاطب بن عَمْرو بن عتِيك شهد بَدْرًا وَلم يذكرهُ ابْن إِسْحَاق فِي الْبَدْرِيِّينَ ، وحاطب بن عَمْرو بن عبد شمس، وحاطب بن الْحَارِث مَاتَ بِأَرْض الْحَبَشَة مُهَاجرا، وحاطب
    بن أبي بلتعة
    ............
    (282 )

    وروى الدَّارَقُطْنِي ّ من رِوَايَة شَبابَة بن سوار عَن مَالك فِي هَذَا الحَدِيث:(من رأى مِنْكُم ابْن خطل فليقتله) ، وَاخْتلف فِي قَاتله، وَجزم ابْن إِسْحَاق بِأَن سعيد بن حُرَيْث وَأَبا بَرزَة الْأَسْلَمِيّ اشْتَركَا فِي قَتله. وَعَن الْوَاقِدِيّ: أَن قَاتله شريك بن عَبدة الْعجْلَاني، وَرجح أَنه أَبُو بَرزَة. وَفِي (التَّوْضِيح) وَفِيه دلَالَة على أَن الْحرم لَا يعْصم من الْقَتْل الْوَاجِب. قلت: إِنَّمَا وَقع قتل ابْن خطل فِي السَّاعَة الَّتِي أحل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا الْقِتَال بِمَكَّة، وَقد صرح بِأَن حرمتهَا عَادَتْ كَمَا كَانَت فَلم يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ لما ذكره، وروى أَحْمد من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن تِلْكَ السَّاعَة استمرت من صَبِيحَة يَوْم الْفَتْح إِلَى الْعَصْر
    ...........
    ............
    (288)
    (وَلَا فَارًّا بخربة) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا بَاء مُوَحدَة، وَهِي السّرقَة، كَذَا ثَبت تَفْسِيرهَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (وَلَا فَارًّا بخربة) يَعْنِي: السّرقَة، وَقَالَ ابْن بطال: الخربة، بِالضَّمِّ: الْفساد، وبالفتح: السّرقَة. وَقَالَ القاضيّ وَقد رَوَاهُ جَمِيع رُوَاة البُخَارِيّ غير الْأصيلِيّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
    ............
    (288)
    وَقَالَ ابْن التِّين: عبد الله بن ثعلبة هَذَا إِن كَانَ عقل ذَلِك أَو عقل عَنهُ كلمة كَانَت لَهُ صُحْبَة، وَإِن لم يعقل عَنهُ شَيْئا كَانَت لَهُ تِلْكَ فَضِيلَة، وَهُوَ من الطَّبَقَة الأولى من التَّابِعين. قلت: أغرب ابْن التِّين فِي هَذَا، وَقد ذكرُوا أَن لَهُ ولأبيه صُحْبَة.
    .....
    (289)
    مُحَمَّد بن مُسلم، وسنين، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون، وَقيل: بتَشْديد الْيَاء، ويكنى بِأبي جميلَة، بِفَتْح الْجِيم الضمرِي، وَيُقَال: السّلمِيّ، ذكره ابْن مَنْدَه وَابْن حبَان وَغَيرهمَا فِي الصَّحَابَة، وَقَالَ أَبُو عمر فِي (الِاسْتِيعَاب) : قَالَ مَالك بن شهَاب: أَخْبرنِي سِنِين أَبُو جميلَة أَنه أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح، وَقَالَ غَيره: وَحج مَعَه حجَّة الْوَدَاع، وَيرد بِهَذَا قَول ابْن الْمُنْذر: أَبُو جميلَة رجل مَجْهُول، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد قَالَه الشَّافِعِي أَيْضا وَقَالَ بَعضهم بعد قَوْله: عَن سِنِين، تقدم ذكره فِي الشَّهَادَات بِمَا يُغني عَن إِعَادَته. قلت: لم يغن ذكره فِي الشَّهَادَات عَن إِعَادَته هُنَا أصلا، لِأَن الْمَذْكُور فِي الشَّهَادَات فِي: بَاب إِذا زكى رجل رجلا كَفاهُ، وَقَالَ أَبُو جميلَة: وجدت مَنْبُوذًا فَلَمَّا رأى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: عَسى الغوير بؤساً، كَأَنَّهُ يتهمني، فَقَالَ: عريفي أَنه رجل صَالح، قَالَ: كَذَاك إذهب وعلينا نَفَقَته. انْتهى، فَمن أَيْن حَال أبي جميلَة من هَذَا حَتَّى يكون ذكره هُنَاكَ مغنياً عَن ذكره هَهُنَا؟

    ............
    (290)
    وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: فَقَالَت امْرَأَة من النِّسَاء: داروا عَنَّا عَورَة قارئكم. قَوْله: (فاشتروا) مفعولة مَحْذُوف أَي: فاشتروا ثوبا، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: فاشتروا لي قَمِيصًا عمانياً، وَهُوَ بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم، نِسْبَة إِلَى عمان من الْبَحْرين.
    .......
    (292)
    وَالْفرق بَين: الْمثل والنحو، أَن الْمثل مُتحد فِي الْحَقِيقَة، والنحو أَعم. وَقيل: هما مُتَرَادِفَانِ.
    ......
    (303)
    وَفِي (صَحِيح ابْن حبَان) : عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهيت ينعَت امْرَأَة من يهود، فَأخْرجهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ بِالْبَيْدَاءِ يدْخل كل جُمُعَة يستطعم.
    وَكَانَ يدْخل على سَوْدَة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أرَاهُ إلاَّ مُنْكرا فَمَنعه، وَلما قدم الْمَدِينَة نَفَاهُ، وَلأبي دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخنث قد خضب يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، فَقيل: يَا رَسُول الله هَذَا يتشبه بِالنسَاء، فنفاه إِلَى البقيع فَقيل: أَلا تقتله؟ فَقَالَ: إِنِّي نهيت عَن قتل الْمُصَلِّين.
    قَالَ ابْن عُيَيْنَة وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ المُخَنَّثُ هِيتٌ

    وَعند أبي مُوسَى: نفى أَبُو بكر ماتعاً إِلَى فدك وَلَيْسَ بهَا أحد يومئذٍ من الْمُسلمين، وَكَانَ فِي الْمَدِينَة مخنث آخر اسْمه: الْهدم، بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الدَّال وَفِي الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخرج الْحر، وَأخرج عمر رَضِي الله عَنهُ، فلَانا وَفُلَانًا، وَكَانَ هَؤُلَاءِ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ فيهم لين فِي القَوْل وخضاب فِي الْأَيْدِي والأرجل وَلَا يرْمونَ بِفَاحِشَة، وَرُبمَا لعب بَعضهم بالكرج وَفِي مَرَاسِيل أبي دَاوُد أَن عمر رَضِي الله عَنهُ، رأى لاعباً بالكرج فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت هَذَا يلْعَب بِهِ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لنفيتك من الْمَدِينَة. قلت: الكرج، بِضَم الْكَاف وَتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة وَفِي آخِره جِيم مُعرب: كرة.
    ........
    (311)
    (قَالَ رجل من الْأَنْصَار) ، قَالَ الْوَاقِدِيّ: هُوَ معتب ابْن قُشَيْر من بني عَمْرو بن عَوْف، وَكَانَ من الْمُنَافِقين. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) لم أر أحدا قَالَ: إِنَّه من الْأَنْصَار إلاَّ مَا وَقع هُنَا وَجزم بِأَنَّهُ حرقوص بن زُهَيْر السَّعْدِيّ وَلم يصب فِي ذَلِك، فَإِن قصَّة حرقوص غير هَذِه
    ...........


    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

  3. #283
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الجمعة
    الموافق : 19/ شعبان / 1442 هجري
    الموافق : 2 / ابريل / 2021 ميلادي

    * " المجلد الثامن عشر " من عمدة القاري " فوائد منتقاة من عمدة القاري " للحافظ العيني رحمه الله

    وبه نستعين "


    .............
    المجلد الثامن عشر
    (18/10)
    سم الصَّنَم: ذُو الخلصة، وَقيل: هُوَ اسْم صنم لدوس سيعبد فِي آخر الزَّمَان، ثَبت فِي الحَدِيث: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تَصْطَفِق أليات نسَاء دوس وخثعم حول ذِي الْخصْلَة. وَفِي (التَّلْوِيح) : الخلصة فِي اللُّغَة نَبَات ينْبت نَبَات الْكَرم لَهُ حب كعنب الثَّعْلَب. وَله ورق أغبر رقاق مُدَوَّرَة وَاسِعَة وَله ورد كورد الموز وَهُوَ أَحْمَر كخرز العقيق وَلَا يُؤْكَل وَلكنه يرْعَى، وموضعه الْيَوْم مَسْجِد جَامع لبلدة يُقَال لَهَا: العبلات من أَرض خثعم، ذكره الْمبرد عَن أبي عُبَيْدَة وَبَعض الشَّارِحين وهم فِيهِ وَقَالَ: إِنَّه كَانَ فِي بِلَاد فَارس، فَافْهَم.
    .............
    (18/26)
    وَقَالَ عِيَاض: فرضة بِلَاد الْيمن وَلم يزدْ فِي تَعْرِيفهَا شَيْئا، وَقَالَ الرشاطي: عمان فِي الْيمن، سميت بعمان بن سبأ وَفِي بِلَاد الشَّام بَلْدَة يُقَال لَهَا: عمان، بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْمِيم وَلَيْسَت بمرادة هُنَا قطعا. والبحرين ثنية بحرفي الأَصْل مَوضِع بَين الْبَصْرَة وعمان، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ بحراني.
    .........
    (18/30)
    (أرق أَفْئِدَة) ، جمع فؤاد، قَالَ الْخطابِيّ: وصف الأفئدة بالرقة والقلوب باللين لِأَن الْفُؤَاد غشاء الْقلب إِذا رق نفذ القَوْل فِيهِ وخلص إِلَى مَا وَرَاءه، وَإِذا غلظ تعذر وُصُوله إِلَى دَاخله، فَإِذا صَادف الْقلب شَيْئا علق بِهِ، أَي: إِذا كَانَ لينًا، وَالْمَشْهُور أَن الْفُؤَاد هُوَ الْقلب، فعلى هَذَا تكْرَار لفظ الْقلب بلفظين أولى من تكرره بِلَفْظ وَاحِد، وَقيل: الْفُؤَاد غير الْقلب وَهُوَ عين الْقلب، وَقيل: بَاطِن الْقلب، وَقيل: غشاء الْقلب.
    ....
    (33 )
    (والطفيل بن عَمْرو) أَي: قصَّة الطُّفَيْل، بِضَم الطَّاء: ابْن عَمْرو بن طريف بن الْعَاصِ بن ثَعْلَبَة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وَله حِكَايَة عَجِيبَة غَرِيبَة طويت ذكرهَا مَخَافَة التَّطْوِيل. وَمِنْهَا أَنه: رأى رُؤْيا فَقَالَ لأَصْحَابه: عبروها قَالُوا: وَمَا رَأَيْت؟ قَالَ: رَأَيْت رَأْسِي حلق، وَأَنه خرج من فمي طَائِر، وَأَن امْرَأَة لقيتني فأدخلتني فِي فرجهَا، وَكَانَ أبي يطلبني طلبا حثيثاً، فحيل بيني وَبَينه. قَالُوا: خيرا. قَالَ: أَنا وَالله فقد أولتها: أما حلق الرَّأْس فَقَطعه، وَأما الطَّائِر فروحي، وَأما الْمَرْأَة الَّتِي أدخلتني فِي فرجهَا فالأرض تحفر لي فأدفن فِيهَا، فقد روعت أَن أقتل شَهِيدا، وَأما طلب أبي إيَّايَ فَلَا أرَاهُ إلاَّ سيعذر فِي طلب الشَّهَادَة، وَلَا أرَاهُ يلْحق فِي سفرنا هَذَا، فَقتل الطُّفَيْل شَهِيدا يَوْم الْيَمَامَة، وجرح أَبوهُ ثمَّ قتل يَوْم اليرموك بعد ذَلِك فِي زمن عمر بن الْخطاب شَهِيدا.
    ....
    ( 35 )
    وَقد اخْتلف فِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَافا كثيرا، وَقَالَ خَليفَة بن خياط: أَبُو هُرَيْرَة هُوَ عُمَيْر بن عَامر بن عبد ذِي الشرس بن طريف بن عباب بن أبي صعبة بن مُنَبّه بن سعد بن ثَعْلَبَة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم: أصح شَيْء عندنَا فِي اسْم أبي هُرَيْرَة: عبد الرَّحْمَن بن صَخْر، وَقد غلبت عَلَيْهِ كنيته فَهُوَ كمن لَا اسْم لَهُ غَيرهَا، أسلم أَبُو هُرَيْرَة عَام خَيْبَر وشهدها مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَغْبَة فِي الْعلم، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَمْسَة آلافٍ حَدِيث وثلاثمائة حَدِيث وَأَرْبَعَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا، اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على ثَلَاثمِائَة حَدِيث وَخَمْسَة وَعشْرين حَدِيثا، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِثَلَاثَة وَتِسْعين، وَمُسلم بِمِائَة وَتِسْعين، وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة أحد أَكثر حَدِيثا مِنْهُ. وَقَالَ البُخَارِيّ: روى عَنهُ
    أَكثر من ثَمَانمِائَة رجل من بَين صَاحب وتابع، اسْتَعْملهُ عمر رَضِي تَعَالَى الله عَنهُ، على الْبَحْرين ثمَّ عَزله، ثمَّ أَرَادَهُ على الْعَمَل فَأبى عَلَيْهِ، وَلم يزل يسكن الْمَدِينَة حَتَّى مَاتَ فِيهَا سنة سبع وَخمسين، قَالَه خَليفَة بن خياط، وَقَالَ ابْن الْهَيْثَم بن عدي: توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسبعين، وَقيل: مَاتَ بالعقيق وَحمل إِلَى الْمَدِينَة وَصلى عَلَيْهِ الْوَلِيد بن عتبَة بن أبي سُفْيَان وَكَانَ أَمِيرا على الْمَدِينَة لمعاوية بن أبي سُفْيَان، وروى عَنهُ أَنه قَالَ: إِنَّمَا كنيت بِأبي هُرَيْرَة لِأَنِّي وجدت أَو لَا دهرة وحشية فحملتا فِي كمي، فَقيل: مَا هَذِه قلت: هرة، قيل: فَأَنت أَبُو هُرَيْرَة، وَقيل: رَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي كمه هرة، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَة.
    ......

    (55 )
    كسْرَى، بِكَسْر الْكَاف وَفتحهَا، وَهُوَ لقب كل من ملك الْفرس، وَمَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّة ِ: المظفر، وكسرى هَذَا الَّذِي أرسل إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْكتاب هُوَ كسْرَى أبرويز بن هُرْمُز بن أنو شرْوَان، وَهُوَ كسْرَى الْكَبِير الْمَشْهُور، وَقيل: كسْرَى هَذَا أنو شرْوَان، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخبر بِأَنَّهُ يقْتله ابْنه، وَالَّذِي قَتله ابْنه هُوَ كسْرَى أبرويز. قَوْله: (وَقَيْصَر) ، هُوَ لقب كل من ملك الرّوم، وَالْمرَاد مِنْهُ: هِرقل
    ..........
    (57)
    (بنت كسْرَى) ، هِيَ بوران كَمَا ذَكرنَاهَا الْآن، وَذكر الطَّبَرِيّ: أَن أُخْتهَا أَو زيمدخت ملكت أَيْضا، قَالَ الْخطابِيّ: فِي الحَدِيث أَن الْمَرْأَة لَا تلِي الْإِمَارَة وَلَا الْقَضَاء.
    .......
    (60)
    وروى الإِمَام أَحْمد من حَدِيث عَائِشَة، قَالَت: توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَدفن لَيْلَة الْأَرْبَعَاء، وَتفرد بِهِ، وَعَن عُرْوَة: توفّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حِين زاغت الشَّمْس لهِلَال ربيع الأول، وَعَن الْأَوْزَاعِيّ: توفّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ قبل أَن ينشب النَّهَار، وَفِي حَدِيث أبي يعلى بِإِسْنَادِهِ عَن أنس أَنه توفّي آخر يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وروى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ فِي كتاب الْمَغَازِي، قَالَ: مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإثنين وَعشْرين لَيْلَة من صفر، وبدىء وَجَعه عِنْد وليدة لَهُ يُقَال لَهَا: رَيْحَانَة، كَانَت من سبي الْيَهُود، وَكَانَ أول يَوْم مرض يَوْم السبت، وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْإِثْنَيْنِ لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول لتَمام عشر سِنِين من مقدمه الْمَدِينَة.
    .....
    (65 )
    حَدِيث عَائِشَة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ القصاب الْبَصْرِيّ قَوْله فِي الرفيق الْأَعْلَى قَالَ الْجَوْهَرِي الرفيق الْأَعْلَى الْجنَّة وَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن إِسْحَاق وَقيل الرفيق اسْم جنس يَشْمَل الْوَاحِد وَمَا فَوْقه وَالْمرَاد بِهِ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَمن ذكر فِي الْآيَة وَقَالَ الْخطابِيّ الرفيق الْأَعْلَى هُوَ الصاحب الْمرَافِق وَهُوَ هَهُنَا بِمَعْنى الرفقاء يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَقَالَ الْكرْمَانِي الظَّاهِر أَنه مَعْهُود من قَوْله تَعَالَى {وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} أَي أدخلني فِي جملَة أهل الْجنَّة من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ والْحَدِيث الْمُتَقَدّم يشْهد بذلك وَقيل المُرَاد بالرفيق الْأَعْلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّهُ رَفِيق بعباده وَغلط الْأَزْهَرِي قَائِل ذَلِك وَقيل أَرَادَ رفق الرفيق وَقيل أَرَادَ مرتفق الْجنَّة وَقَالَ الدَّاودِيّ هُوَ اسْم لكل مَا سما وَقَالَ الْأَعْلَى لِأَن الْجنَّة فَوق ذَلِك وَفِي التَّلْوِيح والمفسرون يُنكرُونَ قَوْله وَيَقُولُونَ إِنَّه صحف الرقيع بِالْقَافِ والرقيع من أَسمَاء السَّمَاء ورد على هَذَا بِمَا رُوِيَ من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا الرفيق مِنْهَا حَدِيث رَوَاهُ أَحْمد من رِوَايَة الْمطلب عَن عَائِشَة مَعَ الرفيق الْأَعْلَى مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم إِلَى قَوْله رَفِيقًا وَمِنْهَا حَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي بردة بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه وَفِيه فَقَالَ أسأَل الله الرفيق الأسعد مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَمِنْهَا رِوَايَة الزُّهْرِيّ فِي الرفيق الْأَعْلَى وَرِوَايَة عباد عَن عَائِشَة اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الْأَعْلَ
    .......
    (65)
    وَفِي (كتاب رجال الصَّحِيحَيْنِ) مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس بن ذُؤَيْب أَبُو عبد الله الذهلي النَّيْسَابُورِ ي روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع فِي قريب من ثَلَاثِينَ موضعا، وَلم يقل: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى الذهلي مُصَرحًا، وَيَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد، وَلَا يزِيد عَلَيْهِ، وَيَقُول: مُحَمَّد بن عبد الله، فينسبه إِلَى جده، وَيَقُول: مُحَمَّد بن خَالِد، فينسبه إِلَى جد أَبِيه، وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن البُخَارِيّ لما دخل نيسابور شغب عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي مَسْأَلَة خلق اللَّفْظ، وَكَانَ قد سمع مِنْهُ، فَلم يتْرك الرِّوَايَة عَنهُ وَلم يُصَرح باسمه، مَاتَ بعد البُخَارِيّ بِيَسِير سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
    ........
    (66)
    وَالْحَاصِل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَاتَ وَرَأسه بَين حنكها وصدرها فَإِن قلت تَعَالَى: يُعَارضهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِم وَابْن سعد من طَرِيقه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَاتَ وَرَأسه فِي حجر عَليّ رَضِي الله عَنهُ. قلت: لَا يُعَارضهُ وَلَا يدانيه، لِأَن فِي كل طَرِيق من طرقه شيعي فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِم، وَلَئِن سلمنَا فَنَقُول: إِنَّه يحْتَمل أَن يكون على آخِرهم عهدا بِهِ، وَأَنه لم يُفَارِقهُ إِلَى أَن مَاتَ فأسندته عَائِشَة بعده إِلَى صدرها فَقبض.
    ........
    (18/80)
    دَّثني أحْمَدُ بنُ الحَسَنِ حَدثنَا أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَل بنِ هِلاَلٍ حَدثنَا معْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ عنْ كَهْمَس عنِ ابْن بُرَيْدَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ غَزَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّ عشْرَةَ غَزْوَةً
    وَأحمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل ابْن هِلَال الْمروزِي الشَّيْبَانِيّ، خرج من مر وحملاً وَولد بِبَغْدَاد وَمَات بهَا وقبر مَشْهُور يزار ويتبرك بِهِ، وَكَانَ إِمَام الدُّنْيَا وقدوة أهل السّنة، مَاتَ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَلم يخرج البُخَارِيّ لَهُ فِي هَذَا الْجَامِع مُسْندًا غير هَذَا الحَدِيث، نعم اسْتشْهد بِهِ، قَالَ فِي النِّكَاح فِي: بَاب مَا يحل من النِّسَاء: قَالَ لنا أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ فِي اللبَاس فِي: بَاب هَل يَجْعَل نقش الْخَاتم ثَلَاثَة أسطر: وَزَادَنِي أَحْمد،
    ......
    تفسير القرآن
    (80/18)
    عَن ابْن عَبَّاس: الرَّحْمَن الرَّحِيم إسماه رقيقان أَحدهمَا أرق من الآخر، فالرحمن الرَّقِيق والرحيم العاطف على خلقه بالرزق، وَقيل: الرَّحْمَن لجَمِيع الْخلق، والرحيم للْمُؤْمِنين، وَقيل: رَحْمَن الدُّنْيَا وَرَحِيم الْآخِرَة، وَعَن ابْن الْمُبَارك: الرَّحْمَن إِذا سُئِلَ أعْطى، والرحيم إِذا لم يسْأَل يغْضب، وَعَن الْمبرد: الرَّحْمَن عبراني والرحيم عَرَبِيّ. قلت: فِي العبراني بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
    .......
    (80)
    الفاتحة
    إعلم أَن لسورة الْفَاتِحَة ثَلَاثَة عشر إسماً. الأول: فَاتِحَة الْكتاب، لِأَنَّهُ يفْتَتح بهَا فِي الْمَصَاحِف والتعليم، وَقيل: لِأَنَّهَا أول سُورَة نزلت من السَّمَاء. الثَّانِي: أم الْقُرْآن على مَا يَجِيء. الثَّالِث: الْكَنْز. وَالرَّابِع: الوافية، سميت بهَا لِأَنَّهَا لَا تقبل التنصف فِي رَكْعَة. وَالْخَامِس: سُورَة الْحَمد، لِأَنَّهُ أَولهَا: الْحَمد. وَالسَّادِس: سُورَة الصَّلَاة. وَالسَّابِع: السَّبع المثاني. وَالثَّامِن: الشِّفَاء والشافية، وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ
    رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَاتِحَة الْكتاب شِفَاء من كل سم. وَالتَّاسِع: الكافية لِأَنَّهَا تَكْفِي عَن غَيرهَا. والعاشر: الأساس لِأَنَّهَا أول سُورَة الْقُرْآن فَهِيَ كالأساس. وَالْحَادِي عشر: السُّؤَال لِأَن فِيهَا سُؤال العَبْد من ربه. وَالثَّانِي عشر: الشُّكْر، لِأَنَّهَا ثَنَاء على الله تَعَالَى. وَالثَّالِث عشر: سُورَة الدُّعَاء لاشتمالها على قَوْله: (اهدنا الصِّرَاط) .
    وسُمِّيَتْ أمَّ الكِتاب أنَّهُ يُبْدَأ بِكِتابَتِها فِي المَصاحِفِ ويُبْدَأ بِقِراءَتِها فِي الصَّلاَةِ
    وَسميت سُورَة الْفَاتِحَة أم الْكتاب وَذَلِكَ بِالنّظرِ إِلَى أَن الْأُم مبدأ الْوَلَد، وَقيل: سميت بهَا لاشتمالها على الْمعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآن من الثَّنَاء على الله تَعَالَى والتعبد بِالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد، وَقيل: لِأَن فِيهَا ذكر الذَّات وَالصِّفَات وَالْأَفْعَال. وَلَيْسَ فِي الْوُجُود سَوَاء. وَقيل: لاشتمالها على ذكر المبدأ والمعاش والمعاد، وَسميت: أم الْقُرْآن لِأَن الْأُم فِي اللُّغَة الأَصْل، سميت بِهِ لِأَنَّهَا لَا تحْتَمل شَيْئا مِمَّا فِيهِ النّسخ والتبديل، بل آياتها كلهَا محكمَة فَصَارَت أصلا، وَقيل: سميت أم الْقُرْآن لِأَنَّهَا تؤم غَيرهَا كَالرّجلِ يؤم غَيره فيتقدم عَلَيْهِ.

    ..........
    81)
    نسب الْغَزالِيّ وَالْفَخْر الرَّازِيّ وتبعهما الْبَيْضَاوِيّ هَذَا الحَدِيث إِلَى أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَهُوَ وهم، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو سعيد بن الْمُعَلَّى، وَقَالَ بَعضهم: وروى الْوَاقِدِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي رِوَايَة عَن أبي سعيد بن الْمُعَلَّى عَن أبي بن كَعْب وَلَيْسَ كَذَلِك، وَالَّذِي هُنَا هُوَ الصَّحِيح
    ........
    (81)
    وَشَيخ الْوَاقِدِيّ هُنَا مَجْهُول أَيْضا وَهُوَ مُحَمَّد بن معَاذ، وَقَالَ أَيْضا: الْوَاقِدِيّ شَدِيد الضعْف إِذا انْفَرد فَكيف إِذا خَالف؟ قلت: ذكر الْحَافِظ الْمزي هَذَا وَلم يتَعَرَّض إِلَى شَيْء من ذَلِك، وَمن الْعجب أَن الْوَاقِدِيّ أحد مَشَايِخ إِمَامه الشَّافِعِي ويحط عَلَيْهِ هَذَا الْحَط وَهُوَ، وَإِن كَانَ ضعفه بَعضهم، فقد وَثَّقَهُ آخَرُونَ، فَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: الْوَاقِدِيّ أَمِين النَّاس على أهل الْإِسْلَام، وَعَن مُصعب بن الزبير: ثِقَة مَأْمُون، وَكَذَا وَثَّقَهُ أَبُو عبيد وَأثْنى عَلَيْهِ ابْن الْمُبَارك وَآخَرُونَ.
    .....
    سورة البقرة
    (83)
    رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس، وَقيل: علمه أَسمَاء مَعْدُودَة، وَفِيه أَرْبَعَة أَقْوَال: الأول: أَنه علمه أَسمَاء الْمَلَائِكَة. الثَّانِي: أَنه علمه أَسمَاء الْأَجْنَاس دون أَنْوَاعهَا كَقَوْلِك: وَملك. الثَّالِث: أَنه علمه أَسمَاء مَا خلق الله فِي الأَرْض من الدو اب والهوام وَالطير. الرَّابِع: أَنه علمه أَسمَاء ذُريَّته. فَإِن قلت: هَل التَّعْلِيم مَقْصُور على الإسم دون الْمَعْنى أَو عَلَيْهِمَا؟ قلت: فِيهِ قَولَانِ
    ......
    (85)
    {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَقولُوا رَاعنا قُولُوا أنظرنا} الْآيَة نهى الله تَعَالَى الْمُؤمنِينَ أَن يشتبهوا بالكافرين فِي مقالهم وفعالهم، وَذَلِكَ أَن الْيَهُود كَانُوا يعانون من الْكَلَام مَا فِيهِ تورية لما يقصدونه من التنقص، فَإِذا أَرَادوا أَن يَقُولُوا: إسمع لنا، يَقُولُونَ: رَاعنا، ويورون بالرعونة الحماقة، وَمِنْهَا: الراعن وَهُوَ الأحمق، والأرعن عَن مُبَالغَة فِيهِ فَنهى الله تَعَالَى الْمُؤمنِينَ عَن مشابهة الْكَفَّارَة قولا وفعلاً، فَقَالَ: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَقولُوا رَاعنا} الْآيَة، وروى أَحْمد من حَدِيث ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تشبه بِقوم فَهُوَ مِنْهُم، وَقَرَأَ عبد الله بن مَسْعُود: عوناً، وَقَرَأَ الْحسن: رَاعنا، بِالتَّنْوِينِ من الرعن وَهُوَ الحماقة أَي: لَا تَقولُوا قولا رَاعنا مَنْسُوبا إِلَى الرعن. بِمَعْنى: رعينا. وَقَرَأَ الْجُمْهُور بِلَا تَنْوِين على أَنه فعل أَمر من المراعاة، وَالَّذِي قَالَه البُخَارِيّ يمشي على قِرَاءَة الْحسن....
    .....
    (88)
    وَأما (السلوى) فَكَذَلِك اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة: عَن أبي عَبَّاس: السلوى طَائِر شَبيه السمان يأكلوه مِنْهُ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَالشعْبِيّ وَالضَّحَّاك وَالْحسن وَعِكْرِمَة وَالربيع بن أنس، وَعَن وهب: هُوَ طير سمين مثل الْحَمَامَة يَأْتِيهم فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ من سبت إِلَى سبت، وَعَن عِكْرِمَة: طير أكبر من العصفور، وَقَالَ ابْن عَطِيَّة: السلوى طير بِإِجْمَاع الْمُفَسّرين، وَقد غلط الْهُذلِيّ فِي قَوْله: إِنَّه الْعَسَل، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: دَعْوَى الْإِجْمَاع لَا يَصح لِأَن المؤرخ أحد عُلَمَاء اللُّغَة وَالتَّفْسِير قَالَ: إِنَّه الْعَسَل، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: السلوى الْعَسَل، قَالُوا: والسلوى جمع بِلَفْظ الْوَاحِد أَيْضا، كَمَا يُقَال: سماني للْوَاحِد وَالْجمع، وَقَالَ الْخَلِيل: واحده سلوة، وَقَالَ الْكسَائي: السلوى وَاحِد وَجمعه سلاوي
    .....
    (88)
    وَقَالَ أَبُو حنيفَة: أول اجتناثها سُقُوط الْجَبْهَة، وَهِي تتطاول إِلَى أَن يَتَحَرَّك الْحر، وكمأة السهل بَيْضَاء رخوة، وَالَّتِي بالآكام سَوْدَاء جَيِّدَة، وَقيل: الكمأة هِيَ الَّتِي إِلَى الغبرة والسواد. وَفِي (الْجَامِع) : تخرج بِبَعْض الأَرْض، وَقَالَ ابْن خالويه فِي كِتَابه: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب من أَسمَاء الكمء إلاَّ الَّذِي أعرفك: الذعلوق والبرنيق والمغرود والفقع والجب وَبَنَات أوبر وَالْعقل والقعيل، بِتَقْدِيم الْقَاف على الْعين، والجباة
    وَالْفطر قَالَ ابْن سيدة: هُوَ ضرب من الكمأة.
    ......
    (89)
    أَن الكمأة من نفس الْمَنّ، وَأَبُو هُرَيْرَة أَخذ بِظَاهِرِهِ على مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث قَتَادَة، قَالَ: حدثت أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: أخذت ثَلَاثَة أكمؤ أَو خَمْسَة أَو سبعا فعصرتهن وَجعلت ماءهن فِي قَارُورَة وكحلت بِهِ جَارِيَة فبرئت، وَقَالَ ابْن خالويه: يعصر مَاؤُهَا ويخلط بِهِ أدوية ثمَّ يكتحل بِهِ، قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: الصَّحِيح أَنه ينْتَفع بصورتها فِي حَال وبإضافتها فِي أُخْرَى. وَفِي (الْجَامِع) لِابْنِ بيطار: هِيَ أصل مستدير لَا ورق وَلَا سَاق لَهَا ولونها إِلَى الْحمرَة مائل تُؤْخَذ فِي الرّبيع وتؤكل نِيَّة ومطبوخة، والغذاء الْمُتَوَلد مِنْهَا أغْلظ من الْمُتَوَلد من القرع وَلَيْسَت بردي، الكيموس، وَهِي فِي الْمعدة الحارة جَيِّدَة لِأَنَّهَا بَارِدَة رطبَة فِي الدرجَة الثَّانِيَة، وأجودها أَشدّهَا تلذذاً وملاساً، وأميلها إِلَى الْبيَاض، والمتخلخلة الرخوة رَدِيئَة جدا، وماؤها يجلو الْبَصَر كحلاً، وَهِي من أصلح أدوية الْعين، وَإِذا رتب بهَا الإثمد واكتحل بِهِ قوى الأجفان، وَزَاد فِي الرّوح الباصرة قُوَّة وحدة، وَيدْفَع عَنْهَا نزُول المَاء. وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ: أَن الْأَطِبَّاء يَقُولُونَ: إِن أكل الكمأة يجلو الْبَصَر، وَقيل: تُؤْخَذ فتشق وتوضع على الْجَمْرَة حَتَّى يغلي مَاؤُهَا ثمَّ يُؤْخَذ ميل فَيصير فِي ذَلِك الشق وَهُوَ فاتر فيكتحل بِهِ، وَلَا يَجْعَل الْميل فِي مَائِهَا وَهِي بَارِدَة يابسة، وَقيل: أَرَادَ المَاء الَّذِي تنْبت بِهِ وَهُوَ أول مطر ينزل إِلَى الأَرْض فتربى بِهِ الأكحال، وَقيل: إِن كَانَ فِي الْعين حرارة فماؤها وَحده شِفَاء، وَإِن كَانَ لغير ذَلِك فيركب مَعَ غَيره. وَقَالَ ابْن التِّين: قيل: أَرَادَ أَنَّهَا تَنْفَع من تَأْخُذهُ الْعين الَّتِي هِيَ النظرة، وَذَلِكَ أَن فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث: وماؤها شِفَاء من الْعين،
    ....
    (89)
    قَالَ الْخطابِيّ فِي قَوْله: (والكمأة من الْمَنّ) ، مَا ملخصه: أَنه لم يرد بِهِ أَنَّهَا من الْمَنّ الَّذِي أنزل على مُوسَى
    بني إِسْرَائِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِن الْمَرْوِيّ أَنه شَيْء كَانَ يسْقط عَلَيْهِم كالترنجبين
    وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ كَثِيرُونَ: شبهها بالمن الَّذِي أنزل عَلَيْهِم حَقِيقَة، عملا بِظَاهِر اللَّفْظ، وَقيل: معنى قَوْله: (الكمأة من الْمَنّ) يَعْنِي: مِمَّا من الله على عباده بهَا بإنعامه ذَلِك عَلَيْهِم.

    ......
    (89)
    أَن معنى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل: عبد الله، قَالَه عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس، وَوَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَاصِم عَنهُ، قَالَ جِبْرِيل عبد الله، وَمِيكَائِيل عبد الله، إيل: الله، وَعَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: كل إسم فِيهِ: إيل، فَهُوَ الله، وَيُقَال: إيل الله بالعبرانية، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ ابْن الْحُسَيْن، قَالَ: إسم جِبْرِيل عبد الله، وَمِيكَائِيل عبيد الله، يَعْنِي بِالتَّصْغِيرِ، وإسرافيل عبد الرَّحْمَن، وكل إسم فِيهِ إيل، فَهُوَ عبد الله، وَذكر عكس هَذَا وَهُوَ: أَن إيل مَعْنَاهُ: عبد، وَمعنى مَا قبله إسم لله. وَله وَجه، وَهُوَ أَن الإسم الْمُضَاف فِي لُغَة غير الْعَرَب غَالِبا يتَقَدَّم
    فِيهِ الْمُضَاف إِلَيْهِ على الْمُضَاف، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قرىء جبرئيل بِوَزْن قفشليل، وجبرئل بِحَذْف الْيَاء، وَجِبْرِيل بِحَذْف الْهمزَة، وَجِبْرِيل بِوَزْن قنديل، وجبرايل بلام شَدِيدَة، وجبرائيل بِوَزْن جبراعيل، وجبرائل بِوَزْن جبراعل، وَمنع الصّرْف فِيهِ للتعريف والعجمة. قَالَ: وقرىء ميكال بِوَزْن قِنْطَار، وَمِيكَائِيل كميكاعيل، وميكائل كميكاعل ومكئل كميعل وميكئل كميكعل وميكئيل كميكعيل، وَقَالَ ابْن جني: الْعَرَب إِذا نطقت بالأعجمي خلطت فِيهِ.

    .....
    (90)
    وَقَالَ ابْن جني: الْعَرَب إِذا نطقت بالأعجمي خلطت فِيهِ.
    .....
    (91)
    أَن أَبَيَا يَقُول: (لَا أدع شَيْئا) أَي: لَا أترك شَيْئا (سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَكَانَ لَا يَقُول أبي بنسخ شَيْء من الْقُرْآن، فَرد عمر رَضِي الله عَنهُ ذَلِك بقوله: وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {مَا ننسخ من آيَة} فَإِنَّهُ يدل على ثُبُوت النّسخ فِي الْبَعْض، وَهَذِه الْجُمْلَة، وَإِن كَانَت شَرْطِيَّة، إلاَّ أَنَّهَا لَا تدل على وُقُوع الشَّرْط، فالسياق هُنَا يدل عَلَيْهِ لِأَنَّهَا نزلت بعد وُقُوعه وإنكارهم عَلَيْهِ، وَيمْنَع عدم دلالتها فِي مثل هَذَا لِأَنَّهَا لَيست شَرْطِيَّة مَحْضَة.
    ..........
    (98)
    وَسبب نزُول هَذِه الْآيَة مَا رُوِيَ عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام: سَمِعت رجَالًا من أهل الْعلم يَقُولُونَ: إِن النَّاس إلاَّ عَائِشَة إِن طوافنا بَين هذَيْن الحجرين من أَمر الْجَاهِلِيَّة، وَقَالَ آخر من الْأَنْصَار: إِنَّمَا أمرنَا بِالطّوافِ بِالْبَيْتِ وَلم نؤمر بِالطّوافِ بني الصَّفَا والمروة، فَأنْزل الله تَعَالَى: {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} وَأما الَّذِي فِي الطّواف بِالْكَعْبَةِ فَمَا ذكره فِي: (تَفْسِير مقَاتل) : قَالَ يحيى ابْن أَخطب وَكَعب بن الْأَشْرَف وَكَعب بن أسيد وَابْن صوريا وكنانة ووهب بن يهودا وَأَبُو نَافِع للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تطوفون بِالْكَعْبَةِ حِجَارَة مَبْنِيَّة؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّكُم لتعلمون أَن الطّواف بِالْبَيْتِ حق، وَأَنه هُوَ الْقبْلَة مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، فَنزلت،
    شَعائِرُ عَلاَماتٌ واحِدَتُها شَعِيرَةٌ

    .....
    18/100)
    وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} (الْمَائِدَة: 45) إِلَى آخر الْآيَة، فَالْأولى مَنْسُوخَة لَا يعْمل بهَا وَلَا يحكم، وَمذهب أبي حنيفَة: أَن الْحر يقتل بِالْعَبدِ بِهَذِهِ الْآيَة، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْريّ وَابْن أبي ليلى وَدَاوُد، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَسَعِيد بن الْمسيب وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
    وَقَتَادَة وَالْحكم، وَعَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء وَعِكْرِمَة، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَمَالك: أَن الْحر لَا يقتل بِالْعَبدِ وَالذكر لَا يقتل بِالْأُنْثَى، أخذا بِهَذِهِ الْآيَة، أَعنِي قَوْله: {الْحر بِالْحرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبدِ} (الْبَقَرَة: 178) وَقد قُلْنَا: إِنَّهَا مَنْسُوخَة. قَوْله: (كتب عَلَيْكُم الْقصاص) ، ذكر الواحدي: أَن مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة الْمُمَاثلَة والمساواة، وَقَالَ ابْن الْحصار: الْقصاص الْمُسَاوَاة والمجازاة، وَالْمرَاد بِهِ الْعدْل فِي الْأَحْكَام، وَهَذَا حكم الله عز وَجل الَّذِي لم يزل وَلَا يزَال أبدا، فَلَا نسخ فِيهِ وَلَا تَبْدِيل لَهُ، وَالْمرَاد بِآيَة الْمَائِدَة تبين الْعدْل فِي تكافىء الدِّمَاء فِي الْجُمْلَة وَترك التَّفَاضُل لاجتهاد الْعلمَاء، وعَلى هَذَا فَلَيْسَ بَينهمَا تعَارض قُلْنَا الْأَنْسَب عُمُوم آيَة الْمَائِدَة وفيهَا مُقَابلَة مُطلقَة، وَهَذِه الْآيَة فِيهَا مُقَابلَة مُقَيّدَة، فَلَا يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد، على أَن مُقَابلَة الْحر بِالْحرِّ لَا يُنَافِي مُقَابلَة الْحر بِالْعَبدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ ذكر بعض مَا يَشْمَلهُ الْعُمُوم على مُوَافقَة حكمه، وَذَلِكَ لَا يُوجب تَخْصِيص مَا بَقِي.
    ......

  4. #284
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    اليوم : الجمعة
    الموافق : 26/ شعبان / 1442 هجري
    الموافق : 9/ ابريل / 2021 ميلادي

    " ختم المجلد الثامن عشر " من عمدة القاري للحافظ العيني رحمه الله


    تابع
    (18/104)
    قَوْله تَعَالَى: {أَيَّامًا معدودات} إِلَى آخر الْآيَة. قَوْله: (أَيَّامًا) ، مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره: صُومُوا أَيَّامًا معدودات. يَعْنِي: فِي أَيَّام معدودات أَي: مؤقتا بِعَدَد مَعْلُوم، وَقيل: مَنْصُوب بقوله: (ولعلكم تَتَّقُون أَيَّامًا) أَي: فِي أَيَّام. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: انتصاب: أَيَّامًا بالصيام كَقَوْلِك: نَوَيْت الْخُرُوج يَوْم الْجُمُعَة، وَقَالَ بَعضهم: وللزمخشري فِي إعرابه كَلَام متعقب لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه. (قلت) التعقيب فِي كَلَام المتعقب من غير تَأمل. وَقد سَمِعت الأساتذة الْكِبَار من عُلَمَاء الْعَرَب والعجم: أَن من رد على الزَّمَخْشَرِيّ فِي غير الاعتقاديات فَهُوَ رد عَلَيْهِ، والمتعقب هُوَ أَبُو الْبَقَاء حَيْثُ قَالَ: لَا يجوز أَن ينصب بالصيام لِأَنَّهُ مصدر وَقد فرق بَينه وَبَين أَيَّام بقوله: كَمَا كتب. وَمَا يعْمل فِيهِ الْمصدر كالصلة، وَلَا يفرق بَين الصِّلَة والموصول بأجنبي انْتهى (قلت) . قَالَ القَاضِي أَيْضا نصبها لَيْسَ بالصيام لوُقُوع الْفَصْل بَينهمَا، بل بإضمار صُومُوا. (قلت) للزمخشري فِيهِ دقة نظر وَهُوَ أَنه إِنَّمَا قَالَ: انتصاب أَيَّامًا بالصيام نظرا إِلَى أَن قَوْله: كَمَا كتب. حَال فَلَا يكون أَجْنَبِيّا عَن الْعَامِل والمعمول. وَقَالَ صَاحب (اللّبَاب) يجوز أَن ينْتَصب بالصيام إِذا جعلت: (كَمَا كتب) حَالا. وَقَالَ الزّجاج: الأجود أَن يكون الْعَامِل فِي أَيَّامًا، الصّيام كَأَن الْمَعْنى: كتب عَلَيْكُم أَن تَصُومُوا أَيَّامًا معدودات. وَلَقَد أَجَاد من قَالَ:
    (وَكم من عائب قولا صَحِيحا ... وآفته من الْفَهم السقيم)

    ...........
    (112)
    قَالَ الْخطابِيّ: الْقَبَائِل الَّتِي كَانَت تدين مَعَ قُرَيْش هم بَنو عَامر بن صعصعة وَثَقِيف وخزاعة. وَكَانُوا إِذا أَحْرمُوا لَا يتناولون السّمن والأقط وَلَا يدْخلُونَ من أَبْوَاب بُيُوتهم، وَكَانُوا يسمون الْخمس، لأَنهم تحمسوا فِي دينهم وتصلبوا، والحماسة الشدَّة.
    .......
    (113)
    وَقَالَ عَطَاءٌ النَّسْلُ الحَيَوَانُ
    أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح النَّسْل فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيهْلك الْحَرْث والنسل} (الْبَقَرَة: 205) الْحَيَوَان، وَوَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن جريج قلت لعطاء فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيهْلك الْحَرْث والنسل} قَالَ: الْحَرْث الزَّرْع، والنسل من النَّاس والأنعام.
    ....
    (114)
    أم حسبتم) إِلَى آخِره ذكر عبد الرَّزَّاق فِي (تَفْسِيره) : عَن قَتَادَة: نزلت هَذِه الْآيَة فِي يَوْم الْأَحْزَاب أصَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ وَأَصْحَابه بلَاء وَحصر، قَالَه الْقُرْطُبِيّ: وَهُوَ قَول أَكثر الْمُفَسّرين، قَالَ وَقيل: نزلت فِي يَوْم أحد. وَقيل: نزلت تَسْلِيَة للمهاجرين حِين تركُوا دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ بأيدي الْمُشْركين وآثروا رضَا الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أم حسبتم) ، قد علم فِي النَّحْو أَن: أم عَليّ نَوْعَيْنِ مُتَّصِلَة وَهِي الَّتِي تتقدمها همزَة التَّسْوِيَة نَحْو: {سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا} (إِبْرَاهِيم: 121) وَسميت مُتَّصِلَة لِأَن مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا لَا يسْتَغْنى بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر، ومنقطعة وَهِي الَّتِي لَا يفارقها معنى الإضراب، وَزعم ابْن الشجري عَن جَمِيع الْبَصرِيين أَنَّهَا أبدا بِمَعْنى: بل، وَهِي مسبوقة بالْخبر الْمَحْض. نَحْو: {تَنْزِيل الْكتاب لَا ريب فِيهِ من رب الْعَالمين أم يَقُولُونَ افتراه} (السَّجْدَة: 2) ومسبوقة بِهَمْزَة لغير الِاسْتِفْهَام. نَحْو: {ألهم أرجل يَمْشُونَ بهَا أم لَهُم أيد يبطشون بهَا} (الْأَعْرَاف: 195) إِذْ الْهمزَة فِيهَا للإنكار ثمَّ إِن: أم هَذِه قد اخْتلفُوا فِيهَا، فَقَالَ الزّجاج: مَعْنَاهَا بل حسبتم وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : مُنْقَطِعَة وَمعنى الْهمزَة فِيهَا للتقرير، وَفِي (تَفْسِير الْجَوْزِيّ) أم هُنَا لِلْخُرُوجِ من حَدِيث إِلَى حَدِيث، وَفِي (تَفْسِير ابْن أبي السنان) أم، هَذِه مُتَّصِلَة بِمَا قبلهَا لِأَن الِاسْتِفْهَام لَا يكون فِي ابْتِدَاء الْكَلَام فَلَا يُقَال: أم عِنْد خبر، بِمَعْنى: عنْدك،
    .....
    (118)
    قد قَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ أورد البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي (التَّفْسِير) فَقَالَ: يَأْتِيهَا فِي وَترك بَيَاضًا. انْتهى قلت: لَا نسلم عدم الْمُطَابقَة لما فِي نفس الْأَمر لِأَن مَا فِي نفس الْأَمر عِنْد من لَا يرى إِبَاحَة إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن أَن يقدر بعد كلمة فِي إِمَّا لفظ فِي الْفرج، أَو فِي الْقبل أَو فِي مَوضِع الْحَرْث، وَالظَّاهِر من حَال البُخَارِيّ أَنه لَا يرى إِبَاحَة ذَلِك، وَلَكِن لما ورد فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَا يفهم مِنْهُ إِبَاحَة ذَلِك، ووردت أَحَادِيث كَثِيرَة فِي منع ذَلِك تَأمل فِي ذَلِك وَلم يتَرَجَّح عِنْده فِي ذَلِك الْوَقْت أحد الْأَمريْنِ فَترك بَيَاضًا بعد فِي، ليكتب فِيهِ مَا يتَرَجَّح عِنْده من ذَلِك. وَالظَّاهِر أَنه لم يُدْرِكهُ فَبَقيَ الْبيَاض بعده مستمرا فجَاء الْحميدِي وَقدر ذَلِك حَيْثُ قَالَ: يَأْتِيهَا فِي الْفرج نظرا إِلَى حَال البُخَارِيّ أَنه لَا يرى خِلَافه. وَلَو كَانَ الْحميدِي علم من حَال البُخَارِيّ أَنه يُبِيح الْإِتْيَان فِي إدبار النِّسَاء لم يقدر هَذَا بل كَانَ يقدر يَأْتِيهَا فِي أَي مَوضِع شَاءَ، كَمَا صرح فِي رِوَايَة ابْن جرير فِي نفس حَدِيث عبد الصَّمد يَأْتِيهَا فِي دبرهَا ثمَّ قَالَ: هَذَا الْقَائِل: هَذَا الَّذِي اسْتَعْملهُ البُخَارِيّ نوع من أَنْوَاع البديع يُسمى الِاكْتِفَاء وَلَا بُد لَهُ من نُكْتَة يحسن سَببهَا اسْتِعْمَاله. قلت: لَيْت شعري من قَالَ من أهل صناعَة البديع أَن حذف الْمَجْرُور وَذكر الْجَار وَحده من أَنْوَاع البديع، والاكتفاء إِنَّمَا يكون فِي شَيْئَيْنِ متضادين يذكر أَحدهَا ويكتفي بِهِ عَن الآخر كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {سرابيل تقيكم الْحر} (النَّحْل: 81) وَالتَّقْدِير: وَالْبرد أَيْضا، وَلم يبين أَيْضا مَا هُوَ المحسن لذَلِك على أَن جُمْهُور النُّحَاة لَا يجوزون حذف الْمَجْرُور إِلَّا أَن بَعضهم قد جوز ذَلِك فِي ضَرُورَة الشّعْر. وَقد عَابَ الْإِسْمَاعِيلِ يّ على صَنِيع البُخَارِيّ ذَلِك، فَقَالَ: جَمِيع مَا أخرج عَن ابْن عمر مُبْهَم لَا فَائِدَة فِيهِ، وَقد روينَاهُ عَن عبد الْعَزِيز، يَعْنِي: الدَّرَاورْدِي عَن مَالك، وَعبيد الله بن عمر، وَابْن أبي ذِئْب ثَلَاثَتهمْ عَن نَافِع بالتفسير، وَرِوَايَة الدَّرَاورْدِي الْمَذْكُورَة قد أخرجهَا الدَّارَقُطْنِي ّ فِي (غرائب مَالك) من طَرِيقه عَن الثَّلَاثَة عَن نَافِع نَحْو رِوَايَة ابْن عون عَنهُ، وَلَفظ: نزلت فِي رجل من الْأَنْصَار أصَاب امْرَأَته فِي دبرهَا فأعظم النَّاس ذَلِك، قَالَ: فَقلت لَهُ من دبرهَا فِي قبلهَا؟ قَالَ لَا إلاّ فِي دبرهَا.
    وَأما اخْتِلَاف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب فَذهب مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَسَعِيد بن يسَار الْمدنِي وَمَالك إِلَى إِبَاحَة ذَلِك، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ أَبُو سعيد، أَن رجلا أصَاب امْرَأَته فِي دبرهَا فَأنْكر النَّاس ذَلِك عَلَيْهِ، وَقَالُوا: اثغرها؟ فَأنْزل الله عز وَجل {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} (الْبَقَرَة: 223) وَقَالُوا: معنى الْآيَة. حَيْثُ شِئْتُم من الْقبل والدبر، وَقَالَ عِيَاض: تعلق من قَالَ: بالتحليل بِظَاهِر الْآيَة وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه (أَحْكَام الْقُرْآن) جوزته طَائِفَة كَثِيرَة، وَقد جمع ذَلِك ابْن شعْبَان فِي كِتَابه (جماع النسوان) وَأسْندَ جَوَازه إِلَى زمرة كَبِيرَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَإِلَى مَالك من رِوَايَات كَثِيرَة، وَقَالَ أَبُو بكر الْجَصَّاص فِي كِتَابه (أَحْكَام الْقُرْآن) الْمَشْهُور عَن مَالك إِبَاحَة ذَلِك وَأَصْحَابه ينفون عَنهُ هَذِه الْمقَالة لقبحها وشناعتها وَهِي عَنهُ أشهر من أَن تدفع بنفيهم عَنهُ وَقد روى مُحَمَّد بن سعد عَن أبي سُلَيْمَان الْجوزجَاني، قَالَ: كنت عِنْد مَالك بن أنس، فَسئلَ عَن النِّكَاح فِي الدبر، فَضرب بِيَدِهِ على رَأسه، وَقَالَ: السَّاعَة اغْتَسَلت مِنْهُ وَرَوَاهُ عَنهُ ابْن الْقَاسِم: مَا أدْركْت أحدا اقْتدى بِهِ فِي ديني يشك فِيهِ أَنه حَلَال، يَعْنِي: وَطْء الْمَرْأَة فِي دبرهَا، ثمَّ قَرَأَ: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: فَأَي شَيْء أبين من هَذَا، وَمَا أَشك فِيهِ وَأما مَذْهَب الشَّافِعِي فِيهِ فَمَا قَالَه الطَّحَاوِيّ: حكى لنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم أَنه سمع الشَّافِعِي يَقُول: مَا صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي تَحْرِيمه وَلَا فِي تَحْلِيله وَالْقِيَاس أَنه حَلَال. وَقَالَ الْحَاكِم: لَعَلَّ الشَّافِعِي كَانَ يَقُول ذَلِك فِي الْقَدِيم، وَأما فِي الْجَدِيد فَصرحَ بِالتَّحْرِيمِ.
    وَذهب الْجُمْهُور إِلَى تَحْرِيمه فَمن الصَّحَابَة عَليّ بن أبي طَالب ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَجَابِر بن عبد الله وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَأَبُو الدَّرْدَاء وَخُزَيْمَة بن ثَابت وَأَبُو هُرَيْرَة وَعلي بن طلق وَأم سَلمَة وَقد اخْتلف عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَالأَصَح عَنهُ الْمَنْع، وَمن التَّابِعين سعيد بن الْمسيب وَمُجاهد وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَمن الْأَئِمَّة سُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الصَّحِيح، وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد وَإِسْحَاق وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَحَادِيث كَثِيرَة مِنْهَا: حَدِيث ابْن خُزَيْمَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِن الله لَا يستحيي من الْحق، لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن، أخرجه الطَّحَاوِيّ وَالطَّبَرَانِي ّ وَإِسْنَاده صَحِيح وَمِنْهَا: حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: هِيَ اللوطية
    الصُّغْرَى، يَعْنِي وَطْء النِّسَاء فِي أدبارهن، أخرجه الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح، وَالطَّيَالِسِي وَالْبَيْهَقِيّ. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا ينظر الله عز وَجل إِلَى رجل وطىء امْرَأَة فِي دبرهَا، أخرجه الطَّحَاوِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن مَاجَه وَأحمد. وَمِنْهَا حَدِيث جَابر بن عبد الله نَحْو حَدِيث خُزَيْمَة وَفِي رِوَايَة لَا بِحل مَا تَأتي النِّسَاء فِي حشوشهن وَفِي رِوَايَة فِي محاشهن اخرجه الطَّحَاوِيّ وَمِنْهَا: حَدِيث طلق بن عَليّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله لَا يستحيي من الْحق لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أعجازهن، أخرجه الطَّحَاوِيّ وَابْن أبي شيبَة، وَفِي رِوَايَة فِي أعجازهن، أَو قَالَ: فِي أدبارهن، وَأما الْآيَة فتأولوها: بفأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم مُسْتَقْبلين ومستدبرين، وَلَكِن فِي مَوضِع الْحَرْث، وَهُوَ الْفرج. فَإِن قلت: الْقَاعِدَة عنْدكُمْ أَن الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ لَا لخُصُوص السَّبَب. قلت: نعم لَكِن وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة فأخرجت الْآيَة عَن عمومها وأقصرتها على إِبَاحَة الْوَطْء فِي الْفرج، وَلَكِن على أَي وَجه كَانَ.
    ....
    (118)
    وَقَالَ السّديّ: هِيَ مزرعة يَزع فِيهَا أَو يحرث فِيهَا، وَقَالَ ابْن حزم: مَا رويت إِبَاحَة الْوَطْء فِي دبرهَا إلاّ عَن ابْن عَمْرو وَحده باخْتلَاف عَنهُ، وَعَن مَالك باخْتلَاف عَنهُ فَقَط، وَذكر أَبُو الْحسن المرغيناني، أَن من أَتَى امْرَأَته فِي الْمحل الْمَكْرُوه فَلَا حد عَلَيْهِ عِنْد الإِمَام أبي حنيفَة وَيُعَزر، وَقَالَ هُوَ كَالزِّنَا، وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا اتّفق الْعلمَاء الَّذين يعْتد بهم على تَحْرِيم وَطْء الْمَرْأَة فِي دبرهَا قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابنَا: لَا يحل الْوَطْء فِي الدبر فِي شَيْء من الْآدَمِيّين وَلَا غَيرهم من الْحَيَوَان على حَال من الْأَحْوَال
    ....
    (120)
    {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} (الطَّلَاق: 4) وَكَانَ ابْن عَبَّاس يرى أَن عَلَيْهَا أَن تَتَرَبَّص بأبعد الْأَجَليْنِ من الْوَضع أَو أَرْبَعَة أشهر وَعشرا للْجمع بَين الْآيَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ يسْتَثْنى مِنْهَا الزَّوْجَة إِذا كَانَت أمة، فَإِن عدتهَا على النّصْف من عدَّة الْحرَّة: شَهْرَان وَخَمْسَة أَيَّام، وَعَن الْحسن وَبَعض الظَّاهِرِيَّة التَّسْوِيَة بَين الْحَرَائِر وَالْإِمَاء
    ......
    (130
    عند الواحدي الصَّحَابَة الَّذين قَالُوا ذَلِك أَبُو بكر وَعمر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف ومعاذ بن جبل وناس من الْأَنْصَار، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَقَالُوا: مَا نزلت آيَة أَشد علينا من هَذِه الْآيَة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَكَذَا أنزلت. فَقولُوا: سمعنَا وأطعنا. فَمَكَثُوا بذلك حولا فَأنْزل الله عزل وَجل الْفرج والراحة بقوله: {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} فنسخت هَذِه الْآيَة مَا قبلهَا. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله تجَاوز لأمتي مَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم يعملوا أَو يتكلموا بِهِ، وَعند النّحاس، قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: هَذِه الْآيَة لم تنسخ، وَوجه مَا قَالَه بِأَن هَذِه الْآيَة خبر، وَالْأَخْبَار لَا يلْحقهَا نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ. قيل: وَمن زعم أَن من الْأَخْبَار نَاسِخا هَذِه الْآيَة لم تنسخ، وَوجه مَا قَالَه بِأَن هَذِه الْآيَة خبر، وَالْأَخْبَار لَا يلْحقهَا نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ قيل: وَمن زعم أَن من الأبخار نَاسِخا ومنسوخا فقد ألحد وأجهل. وَأجِيب بِأَنَّهُ وَإِن كَانَ خَبرا لكنه يتَضَمَّن حكما وَمهما كَانَ من الْأَخْبَار مَا يتَضَمَّن حكما أمكن دُخُول النّسخ فِيهِ كَسَائِر الْأَحْكَام وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يدْخلهُ النّسخ من الْأَخْبَار وَمَا كَانَ خَبرا مَحْضا لَا يتَضَمَّن حكما كالأخبار عَمَّا مضى من أَحَادِيث الْأُمَم وَنَحْو ذَلِك: وَقيل: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بالنسخ فِي الحَدِيث التَّخْصِيص، فَإِن الْمُتَقَدِّمين يطلقون لفظ النّسخ عَلَيْهِ كثيرا وَفِي (تَفْسِير ابْن أبي حَاتِم) من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: هَذِه الْآيَة لم تنسخ، وَلَكِن إِذا جمع الله الْخَلَائق يَقُول إِنِّي أخْبركُم مَا أخفيتم فِي أَنفسكُم مِمَّا لم يطلع عَلَيْهِ ملائكتي، فَأَما الْمُؤْمِنُونَ فيخبرهم ثمَّ يغْفر لَهُم، وَأما أهل الريب فيخبرهم بِمَا أخفوا من التَّكْذِيب فَذَلِك قَوْله: {يغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء}
    ......
    (135)
    قَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل إِذا نسوا شَيْئا مِمَّا أَمرهم الله بِهِ أَو أخطأوا أعجلت لَهُم الْعقُوبَة فَيحرم عَلَيْهِم شَيْء من الْمطعم وَالْمشْرَب على حسب ذَلِك الذَّنب، فَأمر الله تَعَالَى نبيه وَالْمُؤمنِينَ أَن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك.
    .......
    (135)
    {لَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ} فِيهِ
    سَبْعَة أَقْوَال: (الأول) : مَا لَا يُطَاق ويشق من الْأَعْمَال. (الثَّانِي) : الْعَذَاب. (الثَّالِث) : حَدِيث النَّفس والوسوسة. (الرَّابِع) : الغلمة وَهِي شدَّة شَهْوَة الْجِمَاع، لِأَنَّهَا رُبمَا جرت إِلَى جَهَنَّم. (الْخَامِس) : الْمحبَّة حُكيَ أَن ذَا النُّون تكلم فِي الْمحبَّة فَمَاتَ أحد عشر نفسا فِي الْمجْلس. (السَّادِس) : شماتة الْأَعْدَاء. قَالَ الله تَعَالَى إِخْبَارًا عَن مُوسَى وَهَارُون عَلَيْهِمَا السَّلَام: وَلَا تشمت بِي الْأَعْدَاء. (السَّابِع) : الْفرْقَة والقطيعة.
    .....
    (139)
    فَأُولَئِك الَّذين سمى الله) ، قَالَ ابْن عَبَّاس: هم الْخَوَارِج، قيل: أول بِدعَة وَقعت فِي الْإِسْلَام بِدعَة الْخَوَارِج، ثمَّ كَانَ ظُهُورهمْ فِي أَيَّام عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ تشعبت مِنْهُم شعوب وقبائل وآراء وَأَهْوَاء وَنحل كَثِيرَة منتشرة، ثمَّ نبعت الْقَدَرِيَّة ثمَّ الْمُعْتَزلَة ثمَّ الْجَهْمِية وَغَيرهم من أهل الْبدع الَّتِي أخبر عَنْهَا الصَّادِق المصدوق فِي قَوْله: وَسَتَفْتَرِقُ هَذِه الْأمة على ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إلاَّ وَاحِدَة. قَالُوا: وَمن هم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابي: أخرجه الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه)
    .......
    (140 )
    امْرَأَة عمرَان أم مَرْيَم، عَلَيْهَا السَّلَام، وَهِي حنة بنت فاقوذا
    ....
    (143)
    (ثمَّ الأريسين) ، قد مضى ضَبطه مشروحا وَجزم ابْن التِّين أَن المُرَاد هُنَا بالأريسيين أَتبَاع عبد الله بن أريس كَانَ فِي الزَّمن الأول بعث إِلَيْهِم نَبِي فاتفقواكلهم على مُخَالفَة نَبِيّهم. فَكَأَنَّهُ قَالَ: عَلَيْك إِن خَالَفت إِثْم الَّذين خالفوا نَبِيّهم، وَقيل: الأريسيون الْمُلُوك وَقيل: الْعلمَاء، وَقَالَ ابْن فَارس: الزراعون، وَهِي شامية الْوَاحِد أويس
    .........
    (147)
    (إِن الْيَهُود جاؤوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل وَامْرَأَة زَنَيَا) قَالَ ابْن بطال: قيل: إنَّهُمَا لم يَكُونَا أهل ذمَّة وَإِنَّمَا كَانَا أهل حَرْب، ذكره الطَّبَرِيّ، وَفِي رِوَايَة عِيسَى عَن ابْن الْقَاسِم: كَانَا من أهل فدك وخيبر حَربًا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم ذَاك، وَعَن أبي هُرَيْرَة: كَانَ هَذَا حِين قدم سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة. وَقَالَ مَالك إِنَّمَا كَانَا أهل حَرْب وَلَو كَانَا أهل ذمَّة لم يسألهم كَيفَ الحكم فيهم؟ وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَعند مَالك لَا يَصح إِحْصَان الْكَافِر وَإِنَّمَا رجمهما لِأَنَّهُمَا لم يَكُونَا أهل ذمَّة. قيل: هَذَا غير جيد لِأَنَّهُمَا كَانَا من أهل الْعَهْد، وَلِأَنَّهُ رجم الْمَرْأَة وَالنِّسَاء الحربيات لَا يجوز قتلهن مُطلقًا. وَقَالَ السُّهيْلي: اسْم الْمَرْأَة المرجومة: بسرة
    .....
    (147)
    وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: ائْتُونِي بِأَعْلَم رجلَيْنِ مِنْك، فَأتوهُ يَا بني صوريا، قَالَ الْمُنْذِرِيّ: لَعَلَّه عبد الله بن صوريا وكنانة بن صوريا، وَكَانَ عبد الله أعلم من بَقِي من الْأَحْبَار بِالتَّوْرَاةِ ثمَّ كفر بعد ذَلِك، وَزعم السُّهيْلي أَنه أسلم.
    ....
    (155)
    ذكر ابْن مَنْدَه أَسمَاء الأرداف فَبلغ نيفا وَثَلَاثِينَ شخصا
    ....
    (161)
    قَالَ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس: نزلت سُورَة النِّسَاء بِالْمَدِينَةِ وَكَذَا روى ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير وَزيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقَالَ ابْن النَّقِيب: جُمْهُور الْعلمَاء على أَنَّهَا مَدَنِيَّة وفيهَا آيَة وَاحِدَة نزلت بِمَكَّة عَام الْفَتْح فِي عُثْمَان بن أبي طَلْحَة وَهِي: {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} (النِّسَاء: 58) وَعدد حروفها سِتَّة عشر ألف حرف وَثَلَاثُونَ حرفا، وَثَلَاث آلَاف وَسَبْعمائة وَخمْس وَأَرْبَعُونَ كلمة، وَمِائَة وست وَسَبْعُونَ آيَة.

    .........
    (162)
    {فَإِن شهدُوا فأمسكوهن فِي الْبيُوت حَتَّى يتوفيهن الْمَوْت أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا} (النِّسَاء: 15) كَانَ الحكم فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام أَن الْمَرْأَة إِذا زنت فَثَبت زنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ العادلة حبست فِي بَيت فَلَا تمكن من الْخُرُوج إِلَى أَن تَمُوت.
    روى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت سُورَة النِّسَاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا حبس بعد سُورَة النِّسَاء.
    ....
    (163)
    وَلَا تجَاوز الْعَرَب رباع إِشَارَة إِلَى أَن هَذَا اخْتِيَاره، وَفِيه خلاف لِأَنَّهُ ابْن الْحَاجِب هَل يُقَال: خماس ومخمس إِلَى عشار ومعشر، قَالَ فِيهِ خلاف وَالأَصَح أَنه لم يثبت، وَذكر الطَّبَرِيّ أَن الْعشْرَة يُقَال فِيهَا إعشار، وَلم يسمع فِي غير بَيت للكميت، وَهُوَ قَوْله.
    (فَلم يستر بثوبك حَتَّى رميت. فَوق الرِّجَال خِصَالًا عشارا) .
    يُرِيد عشرا، وَذكر النُّحَاة أَن خلفا الْأَحْمَر أنْشد أبياتا غَرِيبَة فِيهَا من خماس إِلَى عشار.
    .........
    (170)
    وَفِي رِوَايَة عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النّسخ بقوله تَعَالَى: {وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض} وَبِه قَالَ الْحسن وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة، وَقَالَ ابْن الْمسيب: كَانَ الرجل يتبنى الرجل فيتوارثان على ذَلِك. فسخ قَوْله: {والرفادة} بِكَسْر الرَّاء بالإعانة والإعطاء. قَوْله: (ويوصي لَهُ) ، أَي: للحليف لِأَنَّهُ مِيرَاثه لما نسخ جَازَت الْوَصِيَّة.
    .......
    (171)
    (ذرة) ، الذّرة وَاحِدَة الذَّر وَهُوَ النَّمْل الْأَحْمَر الصَّغِير، وَسُئِلَ ثَعْلَب عَن الذّرة فَقَالَ: إِن مائَة نملة وزن حَبَّة. قَالَ ابْن الْأَثِير: وَقيل: إِن الذّرة لَا وزن لَهَا وَيُرَاد بهَا مَا يرى فِي شُعَاع الشَّمْس، وَزعم بعض الْحساب أَن زنة الشعيرة حَبَّة، وزنة الْحبَّة أَربع زرات وزنة الذّرة أَربع سمسمات، وزنة السمسمة أَربع خردلات، وزنة الخردلة أَربع وَرَقَات نخالة، وزنة الورقة من النخالة أَربع ذرات، فَعلمنَا من هَذَا أَن الذّرة أَرْبَعَة فِي أَرْبَعَة فَأَدْرَكنَا أَن الذّرة جُزْء من ألف وَأَرْبَعَة وَعشْرين حَبَّة، وَذَلِكَ أَن الْحبَّة ضربناها فِي أَربع ذرات جَاءَت سِتّ عشرَة سمسمة والست عشرَة ضربناها فِي أَربع جَاءَت مِائَتَيْنِ وست وَخمسين نخالة، فضربناها فِي أَربع جَاءَت ألفا وَعشْرين ذرة وَقيل: الذّرة رَأس النملة الْحَمْرَاء. وَقيل: الذّرة الخردلة، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ. قَالَ يزِيد بن هَارُون: زَعَمُوا أَن الذّرة لَيْسَ لَهَا وزن، ويحكى أَن رجلا وضع خبْزًا حَتَّى علاهُ الذَّر مِقْدَار مَا ستره ثمَّ وَزنه فَلم يزدْ على مِقْدَار الْخبز شَيْئا وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه أَدخل يَده فِي التُّرَاب ثمَّ نفخ فِيهِ. وَقَالَ: كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ ذرة وَعَن قَتَادَة: كَانَ بعض الْعلمَاء يَقُول: لِأَن تفضل حسناتي وزن ذرة أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا جَمِيعًا. وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود يرفعهُ يَا رب لم يبْق لعبدك إلاَّ وزن ذرة، فَيَقُول عز وَجل، ضعفوها لَهُ وأدخلوه الْجنَّة
    .......
    (172)
    نعم ترَوْنَ ربكُم يَوْم الْقِيَامَة وَهَذِه الرُّؤْيَة غير الرُّؤْيَة الَّتِي هِيَ ثَوَاب للأولياء وكرامة لَهُم فِي الْجنَّة إِذْ هَذِه للتمييز بَين من عبد الله وَبَين من عبد غَيره، وَفِيه رد على أهل الْبدع من الْمُعْتَزلَة والخوارج وَبَعض المرجئة فِي قَوْلهم: إِن الله لَا يرَاهُ أحد من خلقه، وَأَن رُؤْيَته مستحيلة عقلا وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خطأ صَرِيح وَجَهل قَبِيح. وَقد تظاهرت أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ من سلف الْأمة على إِثْبَات رُؤْيَة الله تَعَالَى فِي الآخر للْمُؤْمِنين. وَرَوَاهَا نَحْو من عشْرين صحابيا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْكَلَام فِيهِ مستقصًى فِي كتب الْكَلَام. وَأما رُؤْيَة الله فِي الدُّنْيَا فممكنة وَلَكِن الْجُمْهُور من السّلف وَالْخلف من الْمُتَكَلِّمين . وَغَيرهم على أَنَّهَا لَا تقع فِي الدُّنْيَا، وَحكى الإِمَام الْقشيرِي فِي (رسَالَته) عَن الإِمَام أبي بكر بن فورك أَنه حُكيَ فِيهَا قَوْلَيْنِ للْإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ: أَحدهمَا: وُقُوعهَا. وَالْآخر: أَنَّهَا لَا تقع قَوْله: (هَل تضَارونَ فِي ضَبطه رِوَايَات) الأولى: تضَارونَ بِضَم أَوله وَضم رائه من غير تَشْدِيد من الضير وَهُوَ الْمضرَّة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى. قَالُوا: (لَا ضير) أَي: لَا ضَرَر، وَمَعْنَاهُ: هَل يلحقكم فِي رُؤْيَته ضير أَي: ضَرَر. الثَّانِيَة: هَل تضَارونَ بِفَتْح التَّاء وَتَشْديد الضَّاد وَالرَّاء من الضَّرَر. وَمَعْنَاهُ هَل تضَارونَ غَيْركُمْ فِي حَال الرُّؤْيَة بزحمة وَمُخَالفَة فِي رُؤْيَة غَيرهَا أَو لخفائه كَمَا يَفْعَلُونَ أول لَيْلَة من الشَّهْر، وَقَالَ الْخطابِيّ: وَأَصله هَل تتضارون. أَي: تتزاحمون عِنْد رُؤْيَته حَتَّى يلحقكم الضَّرَر، ووزنه تتفاعلون، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ. الثَّالِثَة: تضَامون، بتَشْديد الْمِيم وَفتح أَوله: وَمَعْنَاهُ هَل تتضامون وتتوصلون إِلَى رُؤْيَته، وَأَصله من الانضمام. الرَّابِعَة: هَل تضَامون، بِضَم التَّاء وَتَخْفِيف الْمِيم من الضيم، وَهُوَ الْمَشَقَّة والتعب، وَأورد الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة فِي غير هَذَا الْموضع.
    ........
    (174)
    الْخَال يَأْتِي لمعان كَثِيرَة: (مِنْهَا) : معنى الْكبر لِأَن الْخَال بِمَعْنى الخائل وَهُوَ المتكبر، وَقَالَ بَعضهم: الْخَال يُطلق على معَان كَثِيرَة نظمها بَعضهم فِي قصيدة تبلغ نَحوا من الْعشْرين بَيْتا قلت: كتبت قصيدة فِي مُؤَلَّفِي (رونق الْمجَالِس) تنْسب إِلَى ثَعْلَب تبلغ هَذِه اللَّفْظَة فِيهَا نَحوا من أَرْبَعِينَ.
    نَطْمِسَ وُجُوها نُسَوِّيها حَتَّى تَعُودَ كَأفْعَالِهِمْ طَمَسَ الكِتابَ مَحاهُ

    ......
    (175)
    {كفى بجهنم سعيرا} (النِّسَاء: 55) وَفسّر سعيرا بقوله: وقودا. لَو كَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَقَالَ بَعضهم: هَذِه التفاسير لَيست لهَذِهِ الْآيَة وَكَأَنَّهَا من النساخ. قلت: هَذَا بعيد جدا لِأَن غَالب الْكتاب جهلة فَمن أَيْن لَهُم هَذِه التفاسير؟ وَبِأَيِّ وَجه يلحقون مثل هَذِه فِي مثل هَذَا الْكتاب الَّذِي لَا يحلق أساطين الْعلمَاء شاؤه؟ وَمن شَأْن النساخ التحريف والتصحيف والإسقاط وَلَيْسَ من دأبهم أَن يزِيدُوا فِي كتاب مُرَتّب منقح من عِنْدهم، وَلَو قَالَ: وَكَأَنَّهُ من بعض الروَاة المعتنين بالجامع لَكَانَ لَهُ وَجه، وَلَا يبعد أَن يكون هَذَا من نفس البُخَارِيّ من غير تفكر فِيهِ، فَإِن تنبه عَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ مَا أدْرك إِلَى وضع هَذِه التفاسير فِي محلهَا ثمَّ استمرت على ذَلِك.
    .........
    (175)
    وَأخرج الطَّبَرِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح عَن سعيد بن جُبَير. قَالَ: الجبت السَّاحر بِلِسَان الْحَبَشَة، والطاغوت الكاهن، وَهَذَا يدل على وُقُوع المعرب فِي الْقُرْآن. وَاخْتلف فِيهِ فَأنْكر الشَّافِعِي وَأَبُو عُبَيْدَة وُقُوع ذَلِك فِي الْقُرْآن وحملا مَا وجد من ذَلِك على توارد اللغتين، وَأَجَازَ ذَلِك قوم وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب وَاحْتج لذَلِك بِوُقُوع إسماء الْإِعْلَام فِيهِ كإبراهيم وَغَيره، فَلَا مَانع من وُقُوع إسماء الْأَجْنَاس فِيهِ أَيْضا وَقد وَقع فِي البُخَارِيّ جملَة من ذَلِك، وَقيل: مَا وَقع من ذَلِك فِي الْقُرْآن سَبْعَة وَعِشْرُونَ وَهِي (السلسبيل) و (كورت) وَبيع (روم) و (طُوبَى) و (سجيل) و (كافور) و (زنجبيل) و (ومشكاة) و (وسرادق) و (استبرق) و (صلوَات) و (سندس) و (طور) و (قَرَاطِيس) و (ربانيين) و (غساق) و (دِينَار) و (قسطاس) و (قسورة) و (اليم) و (ناشئة) و (كِفْلَيْنِ)
    و (مقاليد) و (فردوس) و (تنور) .
    ........
    (176)
    (وَأولى الْأَمر مِنْكُم) ، فِي تَفْسِيره أحد عشر قولا: الأول: الْأُمَرَاء، قَالَه ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَابْن زيد وَالسُّديّ. الثَّانِي: أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَه عِكْرِمَة. الثَّالِث: جَمِيع الصَّحَابَة، قَالَ مُجَاهِد. الرَّابِع: الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة قَالَه أَبُو بكر الْوراق فِيمَا قَالَه الثَّعْلَبِيّ. الْخَامِس: الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار، قَالَه عَطاء. السَّادِس: الصَّحَابَة والتابعون. السَّابِع: أَرْبَاب الْعقل الَّذين يسوسون أَمر النَّاس، قَالَه ابْن كيسَان. الثَّامِن: الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء، قَالَه جَابر بن عبد الله وَالْحسن وَأَبُو الْعَالِيَة. التَّاسِع: أُمَرَاء السَّرَايَا. قَالَه مَيْمُون بن مهْرَان وَمُقَاتِل والكلبي. الْعَاشِر: أهل الْعلم وَالْقُرْآن، قَالَه مُجَاهِد وَاخْتَارَهُ مَالك. الْحَادِي عشر: عَام فِي كل من ولي أَمر شَيْء، وَهُوَ الصَّحِيح، وإلي مَال البُخَارِيّ بقوله: (ذَوي الْأَمر)
    .........

    (185)
    قَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ رَحمَه الله، فِي هَذِه الْآيَة حكم الله تَعَالَى بِصِحَّة إِسْلَام من أظهر الْإِسْلَام وأمرنا بإجرائه على أَحْكَام الْمُسلمين وَإِن كَانَ فِي الْغَيْب بِخِلَافِهِ، وَهَذَا مِمَّا يحْتَج بِهِ على تَوْبَة الزنديق إِذا أظهر الْإِسْلَام فَهُوَ مُسلم. قَالَ: وَاقْتضى ذَلِك أَيْضا أَن من قَالَ: لَا إلاه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو قَالَ أَنا مُسلم، يحكم لَهُ بِالْإِسْلَامِ.
    ؟؟؟؟؟
    (187)
    قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن التَّابِعِيّ لِأَن سهلاً صَحَابِيّ ومروان تَابِعِيّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ. فِي هَذَا الحَدِيث رِوَايَة رجل من الصَّحَابَة، وَهُوَ سهل بن سعد عَن رجل من التَّابِعين وَهُوَ مَرْوَان بن الحكم، وَلم يسمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ بَعضهم: لَا يلْزم من عدم السماع عدم الصُّحْبَة. وَقد ذكره ابْن عبد الْبر فِي الصَّحَابَة انْتهى. قلت: وَلَو ذكره فِي كتاب (الِاسْتِيعَاب) فِي: بَاب مَرْوَان، وَلكنه قَالَ: لم ير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ خرج إِلَى الطَّائِف طفْلا لَا يعقل، وَقد ثَبت عَنهُ أَنه قَالَ لما طلب الْخلَافَة فَذكرُوا لَهُ ابْن عمر، فَقَالَ: لَيْسَ ابْن عمر بأفقه مني، وَلكنه أسنّ مني، وَكَانَت لَهُ صُحْبَة. فَهَذَا اعْتِرَاف مِنْهُ بِعَدَمِ الصُّحْبَة.

    .........
    (194)
    وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: مَقْصُود حُذَيْفَة أَن جمَاعَة من الْمُنَافِقين صلحوا واستقاموا فَكَانُوا خيرا من أُولَئِكَ التَّابِعين لمَكَان الصُّحْبَة وَالصَّلَاح كمجمع وَيزِيد بن حَارِثَة بن عَامر كَانَا منافقين فصلحت حَالهمَا واستقامت،
    انُوا طبقَة الصَّحَابَة فهم خير منطبقة التَّابِعين، لَكِن الله ابْتَلَاهُم فَارْتَدُّوا ونافقوا فَذَهَبت الْخَيْرِيَّة عَنْهُم، وَمِنْهُم من تَابَ فَعَادَت إِلَيْهِ الْخَيْرِيَّة.
    وَقَالَ ابْن التِّين: كَانَ حُذَيْفَة حذرهم أَن ينْزع مِنْهُم الْإِيمَان لِأَن الْأَعْمَال بالخواتيم.
    .......
    (195)
    وَالكَلالَةُ مَنْ لَمْ يَرِثْهُ أبٌ أوْ ابنٌ وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ
    أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الْكَلَالَة، وَهَذَا قَول أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه ابْن أبي شيبَة عَنهُ، وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ
    .......
    (197)
    وَقَالَ الْخطابِيّ: أَصله مؤيمن، فقلبت الْهمزَة هَاء لِأَن الْهَاء أخف من الْهمزَة وَهُوَ على وزن مسيطر ومبيطر، قَالَ ابْن قُتَيْبَة وَآخَرُونَ، مهيمن مفيعل يَعْنِي بِالتَّصْغِيرِ من أَمِين، قلبت همزته هَاء وَقد أنكر ذَلِك ثَعْلَب فَبَالغ حَتَّى نسب قَائِله إِلَى الْكفْر لِأَن الْمُهَيْمِن من الْأَسْمَاء الْحسنى وَأَسْمَاء الله تَعَالَى لَا تصغر، وَالْحق أَنه أصل بِنَفسِهِ لَيْسَ مبدلاً من شَيْء وأصل الهيمنة الْحِفْظ والارتقاب، يُقَال: هيمن فلَان على فلَان إِذا صَار رقيبا عَلَيْهِ فَهُوَ مهيمن، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة لم يَجِيء فِي كَلَام الْعَرَب على هَذَا الْبناء إلاَّ أَرْبَعَة أَلْفَاظ: مبيطر ومسيطر ومهيمن ومبيقر، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: الْمُهَيْمِن من صِفَات الله تَعَالَى، وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين: الْمُهَيْمِن الشَّهِيد وَالشَّاهِد، وَقيل: الرَّقِيب، وَقيل: الحفيظ.
    .........
    (18/208)
    وَقَالَ النوري: فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن عبد الله كَانَ يعْتَقد إِبَاحَة الْمُتْعَة، كَقَوْل ابْن عَبَّاس، وَأَنه لم يبلغهما نسخهَا وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: روى حَدِيث إِبَاحَة الْمُتْعَة جمَاعَة من الصَّحَابَة، فَذكره مُسلم فِي رِوَايَة ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس، وَجَابِر وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وسبرة بن معبد الْجُهَنِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَلَيْسَ فِي أَحَادِيثهم أَنَّهَا كَانَت فِي الْحَضَر، وَإِنَّمَا كَانَت فِي أسفارهم فِي الْغَزْو وَعند ضرورتهم وَعدم النِّسَاء مَعَ أَن بِلَادهمْ حارة وصبرهم عَنْهُن قَلِيل، وَقد ذكر فِي حَدِيث ابْن عمر: أَنَّهَا كَانَت رخصَة فِي أول الْإِسْلَام إِن اضطروا إِلَيْهَا كالميتة وَنَحْوهَا، وَعَن ابْن عَبَّاس نَحوه، وَقَالَ الْمَازرِيّ: ثَبت أَن نِكَاح الْمُتْعَة كَانَ جَائِزا فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ ثَبت بالأحاديث الصَّحِيحَة أَنه نسخ وانعقد الْإِجْمَاع على تَحْرِيمه وَلم يُخَالف فِيهِ إلاَّ طَائِفَة من المبتدعة، وتعلقوا بالأحاديث المنسوخة فَلَا دلَالَة لَهُم فِيهَا، وتعلقوا بقوله تَعَالَى: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فأتوهن أُجُورهنَّ} (النِّسَاء: 24) وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أجل. وَقِرَاءَة ابْن مَسْعُود هَذِه شَاذَّة لَا يحْتَج بهَا قُرْآنًا وَلَا خَبرا.
    ........
    (18/211)
    قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: حَدثنَا أسود بن عَامر أَنبأَنَا إِسْرَائِيل عَن سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ: لما حرمت الْخمر قَالَ أنَاس: يَا رَسُول الله أَصْحَابنَا الَّذين مَاتُوا وهم يشربونها؟ فَأنْزل الله عز وَجل: {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} قَالَ: وَلما حولت الْقبْلَة قَالَ أنَاس: يَا رَسُول الله! أَصْحَابنَا الَّذين مَاتُوا وهم يصلونَ إِلَى بَيت الْمُقَدّس، فَأنْزل الله: {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} (الْبَقَرَة: 113
    ........
    (215)
    ذكر فِي (التَّوْضِيح) إِنَّمَا هُوَ عَمْرو بن لحي، ولحي اسْمه: ربيعَة بن حَارِثَة بن عَمْرو مزيقيا بن عَامر مَاء السَّمَاء، وَقيل: لحي بن قمعة ابْن الياس بن مُضر، نبه عَلَيْهِ الدمياطي، وَفِي (تَفْسِير ابْن كثير) وَعمر وَهَذَا هُوَ ابْن لحي بن قمعة أحد رُؤَسَاء خُزَاعَة الَّذين ولوا الْبَيْت بعد جرهم، وَكَانَ أول من غير دين إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، فَأدْخل الْأَصْنَام إِلَى الْحجاز ودعا الرعاع من النَّاس إِلَى عبادتها والتقرب بهَا، وَشرع لَهُم هَذِه الشَّرَائِع الْجَاهِلِيَّة فِي الْأَنْعَام وَغَيرهَا
    .............
    (222)
    فَإِذا وصل قارىء البُخَارِيّ إِلَى هَذَا الْموضع ووقف على قَوْله: استكثرتم أضللتم، وَلم يكن الْقُرْآن فِي حفظه حَتَّى يقف عَلَيْهِ وَلم يعلم أَوله وَلَا آخِره، تحير فِي ذَلِك، فَإِذا رَجَعَ إِلَى شرح من شُرُوح هَؤُلَاءِ يزْدَاد تحيرا. وَشرح البُخَارِيّ لَا يظْهر بِقُوَّة الْحِفْظ فِي الحَدِيث أَو بعلوا السَّنَد أَو بِكَثْرَة النَّقْل، ولايخرج من حَقه إلاَّ من لَهُ يَد فِي الْفُنُون وَلَا سِيمَا فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول مَعَ تتبع مَعَاني أَلْفَاظه كلمة كلمة، وَبَيَان المُرَاد مِنْهُ والتأمل فِيهِ والغوص فِي تيار تحقيقاته والبروز مِنْهُ بمكنونات تدقيقاته.
    .....
    (224)
    وَذكر ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ (وَعِنْده مفاتح الْغَيْب) قَالَ: خَزَائِن الْغَيْب. وَقَالَ مقَاتل: عِنْده خَزَائِن غيب الْعَذَاب مَتى ينزله بكم، وَقَالَ الْجَوْزِيّ: مفاتح الْغَيْب هُوَ مَا غَابَ عَن بني آدم من الرزق والمطر وَالثَّوَاب، وَقيل: مفاتح الْغَيْب السَّعَادَة والشقاوة، وَقيل: الْغَيْب عواقب الْأَعْمَار وخواتيم الْأَعْمَال. وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: مفاتح الْغَيْب خَزَائِن الأَرْض، وَقيل: هُوَ مَا لم يكن بعد أَنه يكون لم لَا يكون وَمَا يكون وَكَيف يكون.
    ........
    (225)
    وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ كلُّ ذِي ظُفُرٍ البَعِيرُ وَالنّعَامَةُ
    هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابنن جريج من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وروى من طَرِيق آخر ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد مثله.
    ......
    (232)
    ي رِوَايَة الْأَكْثَرين (إِنَّه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ فِي الدُّعَاء) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني والحموي (فِي الدُّعَاء وَفِي غَيره) وَقَالَ الطَّبَرِيّ: حَدثنَا الْقَاسِم حَدثنَا الْحُسَيْن حَدثنِي حجاج عَن ابْن جريج عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: (إِنَّه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ فِي الدُّعَاء وَلَا فِي غَيره) ، والاعتداء فِي الدُّعَاء بِزِيَادَة السُّؤَال فَوق الْحَاجة وَيطْلب مَا يَسْتَحِيل حُصُوله شرعا وَيطْلب مَعْصِيّة. وبالاعتناء بالأدعية الَّتِي لم تُؤثر خُصُوصا إِذا كَانَ بالسجع الْمُتَكَلف وبرفع الصَّوْت والنداء والصياح لقَوْله تَعَالَى: {ادعوا ربكُم تضرعا وخفية} وأمرنا بِأَن نَدْعُو بالتضرع والاستكانة والخفية أَلا ترى أَن الله تَعَالَى ذكر عبدا صَالحا وَرَضي فعله فَقَالَ: {إِذْ نَادَى ربه نِدَاء خفِيا} (مَرْيَم: 3) وَفِي (التَّلْوِيح) (إِنَّه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ) إِلَى قَوْله، قَالَ غَيره: يشبه وَالله أعلم أَنه من قَول ابْن عَبَّاس، وَقد ذكره من غير عطف لذَلِك.
    ....
    (234)
    قَالَ الْجَوْهَرِي: السم الثقب وَمِنْه سم الْخياط ومسام الْجَسَد ثقبه، وَفِي (الْمغرب) المسام المنافذ من عِبَارَات الْأَطِبَّاء، وَفِي السم ثَلَاث لُغَات فتح السِّين وَهِي قِرَاءَة الْأَكْثَرين، وَضمّهَا وَبِه قَرَأَ ابْن مَسْعُود وَقَتَادَة، وَكسرهَا وَبِه قَرَأَ بو عمرَان الْجونِي، والخياط مَا يخاط بِهِ وَيُقَال: مخيط أَيْضا وَبِه قَرَأَ ابْن مَسْعُود وَأَبُو رزين
    ....
    (235)
    وَفسّر الطوفان بِأَنَّهُ من السَّيْل، وَاخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ فَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فِي رِوَايَة الطوفان كَثْرَة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع وَالثِّمَار. وَبِه قَالَ الضَّحَّاك: وَعَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة كَثْرَة الْمَوْت، وَهُوَ معنى قَوْله: وَيُقَال للْمَوْت الْكثير الطوفان، وَبِه قَالَ عَطاء، وَقَالَ مُجَاهِد: الطوفان المَاء والطاعون على كل حَال، وَعَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أُخْرَى هُوَ أَمر من الله طَاف بهم ثمَّ قَرَأَ: {فَطَافَ عَلَيْهِم طائف من رَبك وهم نائمون} (الْقَلَم: 19) . وَقَالَ الْأَخْفَش الطوفان واحده طوفانة وَقيل: هُوَ مصدر كالرجحان وَالنُّقْصَان. قلت: هُوَ اسْم للمصدر، فاقهم.
    .........
    (240)
    روى الْحَافِظ أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا: أَن الَّذِي لطم الْيَهُودِيّ فِي هَذِه الْقِصَّة هُوَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ، وَمَا ذكره البُخَارِيّ هُوَ الْأَصَح.
    ......
    (242)
    وَقَالَ جَعْفَر الصَّادِق: لَيْسَ فِي الْقُرْآن آيَة أجمع لمكارم الْأَخْلَاق مِنْهَا، وَلَعَلَّ ذَلِك لِأَن الْمُعَامَلَة إِمَّا مَعَ نَفسه أَو مَعَ غَيره، والغير إِمَّا عَالم أَو جَاهِل أَو لِأَن أُمَّهَات الْأَخْلَاق ثَلَاث لِأَن القوى الإنسانية ثَلَاث: الْعَقْلِيَّة والشهوية والغضبية، وَلكُل قُوَّة فَضِيلَة هِيَ وَسطهَا، للعقلية الْحِكْمَة وَبهَا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ، وللشهوية الْعِفَّة وَمِنْهَا أَخذ الْعَفو، وللغضبية الشجَاعَة وَمِنْهَا: الْإِعْرَاض عَن الْجُهَّال.
    ......
    245
    والتصدية فَسرهَا البُخَارِيّ بقوله: الصفير، وَكَذَا فَسرهَا مُجَاهِد رَوَاهُ عبد بن حميد من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَنهُ، وَفَسرهُ أَبُو عُبَيْدَة بالتصفيق حَيْثُ قَالَ: التصدية صفق الأكف، وَقَالَ ابْن جرير بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عمر: المكاء الصفير والتصدية التصفيق، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة: كَانَت قُرَيْش تَطوف بِالْبَيْتِ عُرَاة تصفر وتصفق.
    .......
    (253)
    ها ثَلَاثَة عشر اسْما اثْنَان مشهوران (بَرَاءَة) ، و (التَّوْبَة) و (سُورَة الْعَذَاب) و (والمقشقشة) لِأَنَّهَا تقشقش عَن النِّفَاق أَي: تبرىء، وَقيل: من تقشقش الْمَرِيض إِذا برأَ (والبحوث) لِأَنَّهَا تبحث عَن سرائر الْمُنَافِقين و (الفاضحة) لِأَنَّهَا فضحت الْمُنَافِقين و (المبعثرة) لِأَنَّهَا بعثرت أَخْبَار النَّاس وكشفت عَن سرائرهم و (المثيرة) لِأَنَّهَا أثارت مخازي الْمُنَافِقين و (الحافرة) لِأَنَّهَا حفرت عَن قُلُوبهم و (المشردة) لِأَنَّهَا تشرد بالمنافقين و (المخزية) لِأَنَّهَا تخزي الْمُنَافِقين و (المنكلة) لِأَنَّهَا تَتَكَلَّم و (المدمدمة) لِأَنَّهَا تدمدم عَلَيْهِم. وَاخْتلف فِي سَبَب سُقُوط الْبَسْمَلَة من أَولهَا. فَقيل: لِأَن فِيهَا نقض الْعَهْد وَالْعرب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانُوا إِذا نقض الْعَهْد الَّذِي كَانَ بَينهم وَبَين قوم لم يكتبوا فِيهِ الْبَسْمَلَة، وَلما نزلت برَاء بِنَقْض الْعَهْد قَرَأَهَا عَلَيْهِم عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلم يبسمل جَريا على عَادَتهم، وَقيل: لِأَن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: كَانَت الْأَنْفَال من أَوَائِل مَا نزل وَبَرَاءَة من آخِره، وَكَانَت قصَّتهَا شَبيهَة بِقِصَّتِهَا، وَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يبين لنا أَنَّهَا مِنْهَا فَظَنَنْت أَنَّهَا مِنْهَا فَمن ثمَّة قرنت بَينهمَا وَلم أكتب بَينهمَا الْبَسْمَلَة، رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ، وَقيل: لما سقط الْبَسْمَلَة مَعَه، رُوِيَ عَن عُثْمَان أَيْضا وَقَالَهُ مَالك فِي رِوَايَة ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم، وَقَالَ ابْن عجلَان: بَلغنِي أَن بَرَاءَة كَانَت تعدل الْبَقَرَة أَو قربهَا فَذهب مِنْهَا فَلذَلِك لم تكْتب الْبَسْمَلَة، وَقيل: لما كتب الْمُصحف فِي خلَافَة عُثْمَان اخْتلفت الصَّحَابَة. فَقَالَ بَعضهم: بَرَاءَة والأنفال سُورَة وَاحِدَة، وَقَالَ بَعضهم: هما سورتان، فَترك بَينهمَا فُرْجَة لقَوْل من لم يقل إنَّهُمَا سُورَة وَاحِدَة، وَبِه قَالَ: خَارِجَة وَأَبُو عصمَة وَآخَرُونَ، وَقيل: روى الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: سَأَلت عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن ذَلِك فَقَالَ: لِأَن الْبَسْمَلَة أَمَان وَبَرَاءَة
    نزلت بِالسَّيْفِ لَيْسَ فِيهَا أَمَان. قَالَ الْقشيرِي: وَالصَّحِيح أَن الْبَسْمَلَة لم تكْتب فِيهَا لِأَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، مَا نزل بهَا فِيهَا، وروى الثَّعْلَبِيّ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَا نزل عليّ الْقُرْآن إلاَّ آيَة آيَة وحرفا حرفا خلا بَرَاءَة وَقل هُوَ الله أحد فَإِنَّهُمَا أَنْزَلَتَا عليّ ومعهما سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة) .
    ..........
    (265)
    وَالْمرَاد بجمادى جُمَادَى الْآخِرَة وَقد يذكر وَيُؤَنث فَيُقَال جُمَادَى الأول وَالْأولَى وجمادى الآخر وَالْآخِرَة وَيجمع على جمادات كحبارى وحباريات وَسمي بذلك لجمود المَاء فِيهِ قلت كَأَنَّهُ حِين وضع أَولا اتّفق جمود المَاء فِيهِ وَإِلَّا فالشهور تَدور
    ....
    (266)
    أَن مُعَاوِيَة لما مَاتَ امْتنع ابْن الزبير من الْبيعَة ليزِيد بن مُعَاوِيَة وأصر على ذَلِك، وَلما بلغه خبر موت يزِيد بن مُعَاوِيَة دَعَا ابْن الزبير إِلَى نَفسه فبويع بالخلافة وأطاعه أهل الْحجاز ومصر وعراق وخراسان وَكثير من أهل الشَّام، ثمَّ جرت أُمُور حَتَّى آلت الْخلَافَة إِلَى عبد الْملك، وَذَلِكَ كُله فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ، وَكَانَ مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب الْمَعْرُوف بِابْن الْحَنَفِيَّة وَعبد الله بن عَبَّاس مقيمين بِمَكَّة مُنْذُ قتل الْحُسَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فدعاهما ابْن الزبير إِلَى الْبيعَة لَهُ فامتنعا وَقَالا: لَا نُبَايِع حَتَّى يجْتَمع النَّاس على خَليفَة، وتبعهما على ذَلِك جمَاعَة فَشدد عَلَيْهِم ابْن الزبير وحصرهم فَبلغ الْخَبَر الْمُخْتَار بن أبي عبيد وَكَانَ قد غلب على الْكُوفَة وَكَانَ فر مِنْهُ من كَانَ من قبل ابْن الزبير، فَجهز إِلَيْهِم جَيْشًا فأخرجوهما واستأذنوهما فِي قتال ابْن الزبير فامتنعا، وخرجا إِلَى الطَّائِف فأقاما بهَا حَتَّى مَاتَ ابْن عَبَّاس فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، ورحل ابْن الْحَنَفِيَّة بعده إِلَى جِهَة رضوى جبل يَنْبع فَأَقَامَ هُنَاكَ، ثمَّ أَرَادَ دُخُول الشَّام فَتوجه إِلَى نَحْو أَيْلَة فَمَاتَ فِي آخر سنة ثَلَاثَة أَو أول سنة أَربع وَسبعين، وَذَلِكَ عقيل قتل ابْن الزبير على الصَّحِيح.
    ....
    (274)
    إِنَّمَا جزم بذلك جَريا على مَا كَانَ اطلع عَلَيْهِ من أَحْوَاله وَلم يَأْخُذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بقوله: وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِجْرَاء لَهُ على ظَاهر حكم الْإِسْلَام، وَذهب بعض أهل الحَدِيث إِلَى تَصْحِيح إِسْلَام عبد الله بن أبي بِصَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح لمُخَالفَته الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة المصرحة بِمَا يُنَافِي فِي ذَلِك، وَقد أخرج الطَّبَرِيّ من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة فِي هَذِه الْقِصَّة قَالَ: فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره} قَالَ: فَذكر لنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَمَا يُغني عَنهُ قَمِيصِي من الله وَإِنِّي لأرجو أَن يسلم بذلك ألف من قومه، قَوْله: (فَأنْزل الله تَعَالَى) إِلَى آخِره: زَاد مُسَدّد فِي حَدِيثه عَن يحيى الْقطَّان عَن عبيد الله بن عمر فِي آخِره: فَترك الصَّلَاة عَلَيْهِم، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: فصلى عَلَيْهِ ثمَّ انْصَرف فَلم يمْكث إلاَّ يَسِيرا حَتَّى نزلت، وَزَاد ابْن إِسْحَاق فِي (الْمَغَازِي) فِي حَدِيث الْبَاب: فَمَا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مُنَافِق بعده حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى.
    ........
    (275)
    وَوَقع فِي أَكثر الرِّوَايَات: خيرني: يَعْنِي بَين الاسْتِغْفَار وَتَركه، وَكَذَا وَقع بِغَيْر شكّ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِ يّ أخرجه من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أبي ضَمرَة وَهُوَ أنس بن عِيَاض بِلَفْظ إِنَّمَا خيرني الله من التَّخْيِير فَحسب، وَقد اسْتشْكل فهم التَّخْيِير من الْآيَة حَتَّى إِن جمَاعَة من الأكابر طعنوا فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث مَعَ كَثْرَة طرقه، مِنْهُم: القَاضِي أَبُو بكر فَإِنَّهُ قَالَ لَا يجوز أَن يقبل هَذَا وَلَا يَصح أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه: وَمِنْهُم: أَبُو بكر الباقلاني فَإِنَّهُ قَالَ فِي (التَّقْرِيب) هَذَا الحَدِيث من أَخْبَار الْآحَاد الَّتِي لَا يعلم ثُبُوتهَا وَمِنْهُم: إِمَام الْحَرَمَيْنِ. قَالَ فِي (مُخْتَصره) هَذَا الحَدِيث غير مخرج فِي الصَّحِيح، وَقَالَ فِي (الْبُرْهَان) لَا يُصَحِّحهُ أهل الحَدِيث. وَمِنْهُم: الْغَزالِيّ، قَالَ فِي (الْمُسْتَصْفى) الْأَظْهر أَن هَذَا الحَدِيث غير صَحِيح وَمِنْهُم: الدَّاودِيّ، قَالَ: هَذَا الحَدِيث غير مَحْفُوظ، وَأجِيب بِأَنَّهُم ظنُّوا أَن قَوْله: (ذَلِك بِأَنَّهُم كفرُوا) ، الْآيَة نزل مَعَ قَوْله: {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم} وَلم يكن نُزُوله إلاّ متراخيا عَن صدر الْآيَة فَحِينَئِذٍ يرْتَفع الْإِشْكَال وَقد قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ ، مَا فِيهِ رفع للإشكال الْمَذْكُور، وَمُلَخَّص سُؤَاله أَنه قد تَلا قَوْله: (ذَلِك بِأَنَّهُم كفرُوا) قَوْله: (اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم) فَبين الصَّارِف عَن الْمَغْفِرَة لَهُم، وَمُلَخَّص جَوَابه أَنه مثل قَول إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: {وَمن عَصَانِي فَإنَّك غَفُور رَحِيم} (إِبْرَاهِيم: 36) وَذَلِكَ أَنه تخيل بِمَا قَالَ إِظْهَار الْغَايَة رَحمته ورأفته على من بعث إِلَيْهِ، وَقد رد كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ هَذَا من لَا يدانيه وَلَا يجاريه فِي مثل هَذَا الْبَاب، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز نِسْبَة مَا قَالَه إِلَى الرَّسُول لِأَن الله أخبر أَنه لَا يغْفر للْكفَّار وَإِذا كَانَ لَا يغْفر لَهُم فَطلب الْمَغْفِرَة لَهُم مُسْتَحِيل. وَهَذَا لَا يَقع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ورد عَلَيْهِ بِأَن النَّهْي عَن الاسْتِغْفَار لمن مَاتَ مُشْركًا
    لَا يسْتَلْزم النَّهْي عَن الاسْتِغْفَار لمن مَاتَ مظْهرا لِلْإِسْلَامِ
    .........
    (277)
    ي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب إِذا قَالَ الْمُشرك عِنْد الْمَوْت لَا إلاه إلاَّ الله، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن صَالح عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه إِلَى آخِره، بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه الْمسيب بِفَتْح الْبَاء وَكسرهَا، وَقَالَ النَّوَوِيّ: لم يرو عَن الْمسيب إلاَّ ابْنه، وَفِيه رد على الْحَاكِم أبي عبد الله فِيمَا قَالَه: إِن البُخَارِيّ لم يخرج عَن أحد مِمَّن لم يرو عَنهُ إلاَّ وَاحِد، وَلَعَلَّه أَرَادَ من غير الصَّحَابَة
    .......
    (280)
    عزيز عليه ما عنتم
    وجمعت هَذِه الْآيَة سِتّ صِفَات لسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الرسَالَة والنفاسة والعزة وحرصه على إِيصَال الْخيرَات إِلَى أمته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والرأفة وَالرَّحْمَة. قَالَ الْحُسَيْن بن الْفضل: لم يجمع الله لنَبِيّ من الْأَنْبِيَاء إسمين من أَسْمَائِهِ إلاَّ لسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ: {بِالْمُؤْمِنِين َ رؤوف رَحِيم} وَقَالَ عز وَجل: {إِن الله بِالنَّاسِ لرؤوف رَحِيم}
    ....
    (283)
    وَقَالَ أَبُو ثابِتٍ حَدثنَا إبْرَاهِيمُ وَقَالَ مَعَ خُزَيْمَةَ أوْ مَعَ أبي خُزَيْمَةَ
    أَبُو ثَابت مُحَمَّد بن عبيد الله الْمدنِي يروي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد، وَشك فِي رِوَايَته حَيْثُ قَالَ: مَعَ خُزَيْمَة، أَو مَعَ أبي خُزَيْمَة، وَكَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام بِالشَّكِّ، وَالْحَاصِل هُنَا أَن أَصْحَاب إِبْرَاهِيم بن سعد اخْتلفُوا، فَقَالَ بَعضهم: مَعَ أبي خُزَيْمَة، وَقَالَ بَعضهم: مَعَ خُزَيْمَة، وَشك بَعضهم. وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَن آيَة التَّوْبَة مَعَ أبي خُزَيْمَة، وَآيَة الْأَحْزَاب مَعَ خُزَيْمَة.
    ........
    (18/285)
    {وَلَو يعجل الله للنَّاس الشَّرّ استعجالهم بِالْخَيرِ} (يُونُس: 11) . نزلت هَذِه الْآيَة فِي النَّضر بن الْحَارِث حَيْثُ قَالَ: أللهم إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق، والتعجيل تَقْدِيم الشَّيْء قبل وقته، والاستعجال طلب العجلة، وَالْمعْنَى: لَو يعجل الله للنَّاس الشَّرّ إِذا دَعوه على أنفسهم عِنْد الْغَضَب وعَلى أَهْليهمْ وَأَمْوَالهمْ كَمَا يعجل لَهُم الْخَيْر لهلكوا
    ....
    (285)
    {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : أَي: المثوبة، وَقَالَ غَيره: الْحسنى قَول لَا إل هـ إلاَّ الله. قَوْله: (مثلهَا حسنى) أَي: مثل تِلْكَ الْحسنى حسنى أُخْرَى مثلهَا تفضلاً وكرماً، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ويزيدهم من فَضله} (النِّسَاء: 173) وَفسّر الزِّيَادَة بقوله: {مغْفرَة ورضوان} (فاطر: 30، الشورى: 26) ، وَعَن الْحسن: أَن الزِّيَادَة التَّضْعِيف، وَعَن عَليّ: الزِّيَادَة غرفَة من لُؤْلُؤ وَاحِدَة لَهَا أَرْبَعَة أَبْوَاب، أخرجه الطَّبَرِيّ.
    وَقَالَ غَيْرُهُ النّظَرُ إِلَى وجْهِهِ
    هَذَا لم يثبت إلاَّ لأبي ذَر وَأبي الْوَقْت خَاصَّة وَقَالَ بَعضهم: المُرَاد بِالْغَيْر فِيمَا أَظن قَتَادَة، وَقَالَ صَاحب (التشريح) : يَعْنِي غير مُجَاهِد، قلت: الأصوب هَذَا الْمَذْكُور فِيمَا قبله قَول مُجَاهِد فَيكون هَذَا قَول غَيره، وَالَّذِي اعْتمد عَلَيْهِ بَعضهم فِيمَا قَالَه على مَا أخرج الطَّبَرِيّ من طَرِيق سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة، قَالَ: الْحسنى هِيَ جنَّة، وَالزِّيَادَة النّظر إِلَى وَجه الرَّحْمَن، وذالا يدل على مَا اعْتَمدهُ على مَا لَا يخفى.
    ......
    (288)
    وَقَالَ مُجَاهِدٌ الجُودِيُّ جَبَلٌ بِالجَزِيرَةِ
    أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {واستوت على الجودي} (هود: 44) أَي: اسْتَوَت سفينة نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، على الجودي، وَهُوَ جبل بالجزيرة،
    وَقَالَ: أكْرم الله عز وَجل، ثَلَاثَة جبال بِثَلَاثَة أَنْبيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، حراء بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: والجودي بِنوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالطور بمُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.



    .......
    (298)
    وَحَدِيث نَبهَان التمار أخرجه الثَّعْلَبِيّ وَغَيره من طَرِيق مقَاتل عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس: أَن نَبهَان التمار أَتَتْهُ امْرَأَة حسناء جميلَة تبْتَاع مِنْهُ تَمرا، فَضرب على عجيزتها ثمَّ نَدم، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إياك أَن تكون امْرَأَة غازٍ فِي سَبِيل الله، فَذهب يبكي ويصوم وَيقوم فَأنْزل الله: {وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة أَو ظلمُوا أنفسهم ذكرُوا وَالله} (آل عمرَان: 135) فَأخْبرهُ فَحَمدَ الله، وَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذِه تَوْبَتِي قبلت، فَكيف لي بِأَن يتَقَبَّل شكري؟ فَنزلت: {أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} (هود: 114) الْآيَة. قيل: إِن ثَبت هَذَا حمل على وَاقعَة أُخْرَى لما بَين السياقين من الْمُغَايرَة. قلت: قَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تَجْرِيد الصَّحَابَة) نَبهَان التمار أَبُو مقبل لَهُ ذكر فِي رِوَايَة مقَاتل عَن الضَّحَّاك، ولسنا بِيَقِين،
    .....
    (302)
    عَن ابْن عَبَّاس: التمسوا. وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الْفرق بَين التحسس، بِالْحَاء الْمُهْملَة، والتجسس، بِالْجِيم؟ فَقَالَ: لَا يعدو أَحدهمَا عَن الآخر إلاَّ أَن التحسس فِي الْخَيْر والتجسس فِي الشَّرّ، وَقيل: بِالْحَاء لنَفسِهِ وبالجيم لغيره، وَمِنْه الجاسوس.
    .....
    (305)
    إعلم إِن: حاش على ثَلَاثَة أوجه (أَحدهَا) أَن تكون فعلا مُتَعَدِّيا متصرفا، تَقول: حَاشِيَته بِمَعْنى استثنيته (وَالثَّانِي) أَن تكون للتنزيه، نَحْو: حاش لله وَهِي عِنْد الْمبرد وَابْن جنى والكوفيين فعل لتصرفهم فِيهَا بالحذف. وَالصَّحِيح أَنَّهَا اسْم مرادف للتنزيه بِدَلِيل قِرَاءَة بَعضهم: حاشا لله، بِالتَّنْوِينِ كَمَا يُقَال بَرَاءَة لله من كَذَا وَزعم بَعضهم أَنَّهَا اسْم فعل وَمَعْنَاهَا: أَتَبرأ أَو تبرأت. (الثَّالِث) أَن تكون للاستثناء، فَذهب سِيبَوَيْهٍ وَأكْثر الْبَصرِيين إِلَى أَنَّهَا حرف دَائِما بِمَنْزِلَة إِلَّا لَكِنَّهَا تجر الْمُسْتَثْنى وَذهب الْجرْمِي والمازني والمبرد والزجاج والأخفش وَأَبُو زيد وَالْفراء وَأَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ إِلَى أَنَّهَا تسْتَعْمل كثيرا حرفا جارا، وقليلاً فعلا مُتَعَدِّيا جَامِدا لتضمنها معنى إلاَّ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة الشين فِي حاش فِي قَوْله حاش لله، مَفْتُوحَة بِغَيْر يَاء، وَبَعْضهمْ يدخلهَا فِي آخرهَا، كَقَوْل الشَّاعِر.
    حاشى أبي ثَوْبَان إِن بِهِ ضمنا

    ..........
    (314)
    وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: فِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على أَن الْحَامِل تحيض. وَهُوَ وَاحِد قولي الشَّافِعِي، وَقَالَ عَطاء وَالشعْبِيّ فِي آخَرين: لَا تحيض وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
    ........
    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
    بعون الله تَعَالَى وَحسن توفقيه قد تمّ الْجُزْء الثَّامِن عشر ويليه إِن شَاءَ
    الله تَعَالَى الْجُزْء التَّاسِع عشر وأوله سُورَة إِبْرَاهِيم
    .....

  5. #285
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم :

    اليوم : الجمعة
    الموافق : 4/ رمضان / 1442 هجري
    الموافق : 16/ ابريل / 2021 ميلادي

    " فوائد منتقاة من المجلد التاسع عشر " من " عمدة القاري " للحافظ بدر الدين العيني رحمه الله

    .............................. .......

    ( 19/15)
    وَالْحَمْد أول كلمة تكلم بهَا آدم عَلَيْهِ السَّلَام، حِين عطس، وَهِي آخر كَلَام أهل الْجنَّة من ذُريَّته، قَالَ الله تَعَالَى: {وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين}
    ......
    (19/15)
    وَقَالَ قوم: إِن السَّبع المثاني هِيَ السَّبع الطوَال، وَهِي: الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال وَالتَّوْبَة مَعًا، وهما سُورَة وَاحِدَة، وَلِهَذَا لم تكْتب بَينهمَا بَسْمَلَة، وَهُوَ قَول ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير وَالضَّحَّاك، وَعَن ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا سميت الطوَال مثاني لِأَن الْفَرَائِض وَالْحُدُود والأمثال وَالْخَبَر والعبر ثبتَتْ فِيهَا، وَعَن طَاوُوس وَابْن مَالك: الْقُرْآن كُله مثاني لِأَن الأنباء والقصص ثبتَتْ فِيهِ، فعلى هَذَا القَوْل المُرَاد بالسبع سَبْعَة أَسْبَاع الْقُرْآن،
    ....
    (12)
    والسبع المثاني هِيَ الْفَاتِحَة، وَإِنَّمَا سميت أم الْقُرْآن لاشتمالها على الْمعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآن من الثَّنَاء على الله تَعَالَى، وَمن التَّعَبُّد بِالْأَمر وَالنَّهْي وَمن الْوَعْد والوعيد، أَو لما فِيهَا من الْأُصُول الثَّلَاثَة: المبدأ والمعاش والمعاد، وَفِيه الرَّد على ابْن سِيرِين فِي قَوْله: لَا تَقولُوا أم الْقُرْآن إِنَّمَا هِيَ فَاتِحَة الْكتاب، وَأم الْكتاب هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ
    .....
    (18)
    أَنَّهَا كَانَت لَا تكف عَن الْغَزل وَلَا تبقي مَا غزلت، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة، قَالَ: هُوَ مثل ضربه الله تَعَالَى لمن ينْكث عَهده، وَقَالَ مقَاتل فِي تَفْسِيره: هَذِه الْمَرْأَة قرشية اسْمهَا ريطة بنت عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تَمِيم بن مرّة وتلقب جعرانة لحمقها، وَذكر السُّهيْلي: أَنَّهَا بنت سعد بن زيد مَنَاة بن تيم بن مرّة، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: كَانَت اتَّخذت مغزلاً بِقدر ذِرَاع وسنارة مثل الإصبع وفلكة عَظِيمَة على قدرهما تغزل الْغَزل من الصُّوف والوبر وَالشعر وتأمر جواريها بذلك، وَكن يغزلن إِلَى نصف النَّهَار، ثمَّ تأمرهن بِنَقْض جَمِيع ذَلِك، فَهَذَا كَانَ دأبها.
    ........
    (18)
    وَعَن عِكْرِمَة: من قَرَأَ الْقُرْآن لم يرد إِلَى أرذل الْعُمر، وروى ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره، من حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ: مائَة سنة
    ....
    (19/24)
    وَالَّذِي سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يصف لَهُم بَيت الْمُقَدّس هُوَ الْمطعم بن عدي فوصف لَهُم، فَمن مُصَفِّق وَمن وَاضع يَده على رَأسه مُتَعَجِّبا، وَكَانَ فِي الْقَوْم من سَافر إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَرَأى الْمَسْجِد فَقيل لَهُ: هَل تَسْتَطِيع أَن تنْعَت لنا بَيت الْمُقَدّس؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَذَهَبت أَنعَت لَهُم فَمَا زلت أَنعَت حَتَّى الْتبس عَليّ بعض النَّعْت، فجيء بِالْمَسْجِدِ حَتَّى وضع، قَالَ: فنعته وَأَنا أنظر إِلَيْهِ، فَقَالَ القوام: أما النَّعْت فقد أصَاب
    ....
    (19/28)
    {وآتينا دَاوُد زبوراً} قَالَ الرّبيع بن أنس: الزبُور هَذَا ثَنَاء على الله وَدُعَاء وتسبيح، وَقَالَ قَتَادَة، كُنَّا نتحدث أَنه دُعَاء علمه الله دَاوُد وتحميد وتمجيد لله لَيْسَ فِيهِ حَلَال وَلَا حرَام وَلَا فَرَائض وَلَا حُدُود.
    .....
    (30)
    قَالَ الْأَشْعَرِيّ: هُوَ النَّفس الدَّاخِل من الْخَارِج، قَالَ: وَقيل: هُوَ جسم لطيف يُشَارك الْأَجْسَام الظَّاهِرَة والأعضاء الظَّاهِرَة، وَقَالَ بَعضهم: لَا يعلمهَا إلاَّ الله تَعَالَى، وَقَالَ الْجُمْهُور: هِيَ مَعْلُومَة، وَقيل: هِيَ الدَّم، وَقيل: هِيَ نور من نور الله وحياة من حَيَاته، وَقيل: هِيَ أَمر من أَمر الله عز وَجل، أخْفى حَقِيقَتهَا وَعلمهَا على الْخلق. وَقيل: هِيَ روحانية خلقت من الملكوت فَإِذا صفت رجعت إِلَى الملكوت، وَقيل: الرّوح روحان روح اللاهوتية وروح الناسوتية، وَقيل: الرّوح نورية وروحانية وملكوتية إِذا كَانَت صَافِيَة، وَقيل: الرّوح لاهوتية، وَالنَّفس أرضية طينية نارية، وَقيل: الرّوح استنشاق الْهَوَاء، وَقَالَت عَامَّة الْمُعْتَزلَة: إِنَّهَا عرض، وَأغْرب ابْن الراوندي، فَقَالَ: إِنَّهَا جسم لطيف يسكن الْبدن، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: الْمُخْتَار أَنه جسم لطيف تُوجد بِهِ الْحَيَاة، وَقيل: الْأَرْوَاح على صور الْخلق لَهَا أيد وأرجل وَسمع وبصر.
    ثمَّ أعلم أَن أَرْوَاح الْخلق كلهَا مخلوقة وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة والأثر، وَاخْتلفُوا: هَل تَمُوت بِمَوْت الْأَبدَان والأنفس أَو لَا تَمُوت؟ فَقَالَت طَائِفَة: لَا تَمُوت وَلَا تبلى، وَقَالَ بَعضهم: تَمُوت وَلَا تبلى وتبلى الْأَبدَان، وَقيل: الْأَرْوَاح تعذب كَمَا تعذب الْأَجْسَام، وَقَالَ بَعضهم: تعذب الْأَرْوَاح والأبدان جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ تنعم، وَقَالَ بَعضهم: الْأَرْوَاح تبْعَث يَوْم الْقِيَامَة لِأَنَّهَا من حكم السَّمَاء وَلَا تبْعَث الْأَبدَان لِأَنَّهَا من الأَرْض خلقت، وَهَذَا مُخَالف للْكتاب والأثر وأقوال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ، وَقَالَ بَعضهم: نبعث الْأَرْوَاح يَوْم الْقِيَامَة وينشىء الله عز وَجل لَهَا أجساماً من الْجنَّة، وَهَذَا أَيْضا مُخَالف لما ذكرنَا، وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي الرّوح وَالنَّفس، فَقَالَ أهل الْأَثر: الرّوح غير النَّفس، وقوام النَّفس بِالروحِ، وَالنَّفس تُرِيدُ الدُّنْيَا وَالروح تَدْعُو إِلَى الْآخِرَة وتؤثرها، وَقد جعل الْهوى تبعا للنَّفس والشيطان مَعَ النَّفس والهوى، وَالْملك مَعَ الْعقل وَالروح، وَقيل: الْأَرْوَاح تتناسخ وتنتقل من جسم إِلَى جسم، وَهَذَا فَاسد، وَهُوَ شَرّ الْأَقَاوِيل وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: اخْتلفُوا فِي تَفْسِير الرّوح المسؤول عَنهُ فِي الْآيَة: مَا هُوَ؟ فَقَالَ الْحسن وَقَتَادَة: هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ: هُوَ ملك من الْمَلَائِكَة لَهُ سَبْعُونَ ألف رَأس، فِي كل رَأس سَبْعُونَ ألف وَجه، لكل وَجه مِنْهَا سَبْعُونَ ألف فَم، فِي كل فَم سَبْعُونَ ألف لِسَان لكل لِسَان مِنْهَا سَبْعُونَ ألف لُغَة، يسبح الله تَعَالَى بِتِلْكَ اللُّغَات كلهَا، يخلق من كل تَسْبِيحَة ملك يطير مَعَ الْمَلَائِكَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
    .......
    (45)
    (بدد) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي بِضَم الْبَاء وَالدَّال مَفْتُوحَة، وَزعم ابْن دُرَيْد أَن هدد إسم ملك من مُلُوك حمير زوجه سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام، بلقيس. قيل: إِن ثَبت هَذَا حمل على التَّعَدُّد والاشتراك فِي الإسم لبعد مَا بَين مُدَّة سُلَيْمَان ومُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَجَاء فِي تَفْسِير مقَاتل: أَن اسْمه منولة بن الجلندي بن سعيد الْأَزْدِيّ، وَقيل: هُوَ الجلندي، وَكَانَ بِجَزِيرَة الأندلس
    ......
    (46)
    (والغلام الْمَقْتُول اسْمه يَزْعمُونَ جيسور) ، الْقَائِل بذلك هُوَ ابْن جريج، وجيسور، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَضم السِّين الْمُهْملَة، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة عَن أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ عَن الْكشميهني بِفَتْح الْهَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن السكن، وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ بنُون بدل الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَعند عَبدُوس بنُون بدل الرَّاء، وَعَن السُّهيْلي أَنه رَآهُ فِي نُسْخَة بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْمُوَحَّدَة ونونين الأولى مَضْمُومَة بَينهمَا الْوَاو الساكنة، وَفِي تَفْسِير الضَّحَّاك: اسْمه حشرد، وَفِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ: اسْم الْغُلَام شَمْعُون
    .....
    (51)
    وَاخْتلفُوا فِي مَعْنَاهَا: فَعَن ابْن عَبَّاس إسم من أَسمَاء الله تَعَالَى، وَقيل: إسم الله الْأَعْظَم، وَعَن قَتَادَة هُوَ إسم من أَسمَاء الْقُرْآن، وَقيل: إسم السُّورَة، وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا: هُوَ قسم أقسم الله تَعَالَى بِهِ، وَعَن الْكَلْبِيّ: هُوَ ثَنَاء أثنى الله بِهِ على نَفسه، وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا: الْكَاف من كريم، وَالْهَاء من هاد، وَالْيَاء من رَحِيم، وَالْعين من عليم وعظيم، وَالصَّاد من صَادِق، رَوَاهُ الْحَاكِم من طَرِيق عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس.
    .....
    (55)
    حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا عُمَرُ بنُ ذَرٍّ قَالَ سَمِعْتُ أبي عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِجِبْرِيلَ مَا يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنا فَنَزَلَتْ وَمَا نَتَنَزَّلُ إلاّ بأمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أيْدِينا وَمَا خَلْفَنا.
    .....
    (53)
    (العَاصِي بن وَائِل) ، هُوَ وَالِد عَمْرو ابْن الْعَاصِ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، كَانَ لَهُ قدر فِي الْجَاهِلِيَّة وَلم يوفق لِلْإِسْلَامِ، وَقَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَ من حكام قُرَيْش، وَفِي (التَّوْضِيح) : الْعَاصِ بِلَا يَاء وَلَيْسَ من الْعِصْيَان إِنَّمَا هُوَ من عصى يعصو إِذا ضرب بِالسَّيْفِ قلت: لَا مَانع أَن يكون من الْعِصْيَان بل الظَّاهِر، أَنه مِنْهُ، وَإِنَّمَا حذفت الْيَاء للتَّخْفِيف
    ....
    (55)
    قَالَ ابْن جُبَير: بالنبطية طاه يَا رجل.
    أَي: قَالَ سعيد بن جُبَير: معنى طه بالنبطية: يَا رجل، والنبطية منسوبة إِلَى النبط، بِفَتْح النُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة وبالطاء الْمُهْملَة: قوم ينزلون البطائح بَين العراقين وَكَثِيرًا يسْتَعْمل وَيُرَاد بِهِ الزراعون، وَالْمَذْكُور هُوَ رِوَايَة: قوم،
    .....
    (60)
    وَفِي (مقامات التَّنْزِيل) : اخْتلفُوا فِي آيَة مِنْهَا وَهِي قَوْله: {أَفلا يرَوا أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها} (الْأَنْبِيَاء: 44) ، قَالَ: بِالْقَتْلِ والسبي، وَعَن عَطاء: بِمَوْت الْفُقَهَاء وَخيَار أَهلهَا، وَعَن مُجَاهِد: بِمَوْت أَهلهَا، وَعَن الشّعبِيّ: بِنَقص الْأَنْفس والثمرات،
    ......
    (61)
    قَول أهل اللُّغَة: نفشت إِذا رعت لَيْلًا بِلَا رَاع، وَإِذا رعت نَهَارا بِلَا رَاع أهملت،
    ....
    (62)
    وَقَالَ عِكْرَمَةُ حَصَبُ حَطَبُ بالحَبَشِيَّةِ
    أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم} (الْأَنْبِيَاء: 89) وَقَالَ عِكْرِمَة: الحصب هُوَ الْحَطب بلغَة الْحَبَش، وَلَيْسَ هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَعَن ابْن عَبَّاس: يَعْنِي الْأَصْنَام وقود جَهَنَّم، وَقَرَأَ بِالطَّاءِ، وَكَذَا رُوِيَ عَن عَائِشَة، وَقيل: الحصب فِي لُغَة أهل الْيمن الْحَطب، وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا أَنه قَرَأَهَا بالضاد الساقطة المنقوطة وَهُوَ مَا هيجت بِهِ النَّار.
    ....
    (65)
    (الْحَج: 91) وَقَالَ هبة بن سَلامَة: هِيَ من أَعَاجِيب سور الْقُرْآن لِأَن فِيهَا. مكياً ومدنياً وسفرياً وحضرياً وحربياً وسلمياً وليلياً ونهارياً وناسخاً ومنسوخاً وَهِي خَمْسَة آلَاف وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ حرفا، وَألف ومائتان
    ...(
    (66)
    {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إلاَّ إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} ... الْآيَة، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد الرَّازِيّ عَن أَبِيه: حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنِي مُعَاوِيَة عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وَقد تكلم الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِه الْآيَة أَشْيَاء كَثِيرَة، وَالْأَحْسَن مِنْهَا مَا قَالَه أَبُو الْحسن بن عَليّ الطَّبَرِيّ: لَيْسَ هَذَا التَّمَنِّي من الْقُرْآن وَالْوَحي فِي شَيْء وَإِنَّمَا هُوَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إِذا صفرت يَده من المَال وَرَأى مَا بِأَصْحَابِهِ من سوء الْحَال تمنى الدُّنْيَا بِقَلْبِه ووسوسة الشَّيْطَان، وَأحسن من هَذَا أَيْضا مَا قَالَه بَعضهم: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يرتل الْقُرْآن فارتصده الشَّيْطَان فِي سكتة من السكتات ونطق بِتِلْكَ الْكَلِمَات محاكياً نغمته بِحَيْثُ سَمعه من دنا إِلَيْهِ فظنها من قَوْله وأشاعها. قلت: تِلْكَ الْكَلِمَات هِيَ مَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم والطبري وَابْن الْمُنْذر من طرق عَن شُعْبَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة النَّجْم فَلَمَّا بلغ: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} (النَّجْم: 91) ألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه.
    (تِلْكَ الغرانيق العلى ... وَإِن شفاعتهن لترتجى)
    فَقَالَ الْمُشْركُونَ: مَا ذكر آلِهَتنَا بِخَير قبل الْيَوْم فَسجدَ وسجدوا، فَنزلت هَذِه الْآيَة وَرُوِيَ هَذَا أَيْضا من طرق كَثِيرَة، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: ذكر الطَّبَرِيّ فِي ذَلِك رِوَايَات كَثِيرَة بَاطِلَة لَا أصل لَهَا، وَقَالَ عِيَاض: هَذَا الحَدِيث لم يُخرجهُ أحد من أهل الصِّحَّة وَلَا رَوَاهُ ثِقَة بِسَنَد سليم مُتَّصِل مَعَ ضعف نقلته واضطراب رواياته وَانْقِطَاع إِسْنَاده، وَكَذَا من تكلم بِهَذِهِ الْقِصَّة من التَّابِعين والمفسرين لم يسندها أحد مِنْهُم وَلَا رَفعهَا إِلَى صَاحبه، وَأكْثر الطّرق عَنْهُم فِي ذَلِك ضَعِيفَة. وَقَالَ بَعضهم: هَذَا الَّذِي ذكره ابْن الْعَرَبِيّ وعياض لَا يمْضِي على الْقَوَاعِد، فَإِن الطّرق إِذا كثرت وتباينت مخارجها دلّ ذَلِك على أَن لَهَا أصلا. انْتهى.
    قلت: الَّذِي ذكرَاهُ هُوَ اللَّائِق بجلالة قدر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ قد قَامَت الْحجَّة وَاجْتمعت الْأمة على عصمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونزاهته عَن مثل هَذِه الرذيلة، وحاشاه عَن أَن يجْرِي على قلبه أَو لِسَانه شَيْء من ذَلِك لَا عمدا وَلَا سَهوا. أَو يكون للشَّيْطَان عَلَيْهِ سَبِيل أَو أَن يتقول على الله عز وَجل لَا عمدا وَلَا سَهوا. وَالنَّظَر وَالْعرْف أَيْضا يحيلان ذَلِك وَلَو وَقع لارتد كثير مِمَّن أسلم، وَلم ينْقل ذَلِك وَلَا كَانَ يخفى على من كَانَ بِحَضْرَتِهِ من الْمُسلمين.
    .....
    (67)
    عَن الضَّحَّاك: إِن هَذِه الْبِئْر إِنَّمَا كَانَت بحضرموت فِي بَلْدَة يُقَال لَهَا حاضورا، وَذَلِكَ أَن أَرْبَعَة آلَاف نفر مِمَّن آمن بِصَالح عَلَيْهِ السَّلَام، لما نَجوا من الْعَذَاب أَتَوا حَضرمَوْت وَمَعَهُمْ صَالح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلَمَّا حَضَرُوهُ مَاتَ صَالح فسميت حَضرمَوْت لِأَن صَالحا لما مَاتَ بنوا حاضورا وقعدوا على هَذِه الْبِئْر وَأمرُوا عَلَيْهِم رجلا يُقَال لَهُ جلهس بن جلاس بن سُوَيْد وَجعلُوا وزيره سخاريب ابْن سوَاده فأقاموا دهراً وتناسلوا حَتَّى نموا وكثروا ثمَّ عبدُوا الْأَصْنَام وَكَفرُوا بِاللَّه تَعَالَى، فَأرْسل الله إِلَيْهِم نَبيا يُقَال لَهُ حَنْظَلَة ابْن صَفْوَان كَانَ جمالاً فيهم فَقَتَلُوهُ فِي السُّوق فأهلكهم الله تَعَالَى وعطلت بئرهم وَخَربَتْ قصورهم.
    ......
    (73)
    وَكَانَت قصَّة اللّعان فِي شعْبَان سنة تسع من الْهِجْرَة، وَمِمَّنْ نَقله القَاضِي عَن الطَّبَرِيّ.
    وَاخْتلف الْعلمَاء فِي سَبَب نزُول آيَة اللّعان: هَل هُوَ بِسَبَب عُوَيْمِر الْعجْلَاني أم بِسَبَب هِلَال بن أُميَّة؟ فَقَالَ بَعضهم: بِسَبَب عُوَيْمِر الْعجْلَاني. وَاسْتَدَلُّوا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد أنزل الله الْقُرْآن فِيك وَفِي صَاحبَتك، وَقَالَ جُمْهُور الْعلمَاء: سَبَب نُزُولهَا قصَّة هِلَال، قَالَ: وَكَانَ أول رجل لَاعن فِي الْإِسْلَام، وَجمع الدَّاودِيّ بَينهمَا بِاحْتِمَال كَونهمَا فِي وَقت فَنزل الْقُرْآن فيهمَا، أَو يكون أَحدهمَا وهما. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: النَّقْل فيهمَا مشتبه مُخْتَلف، وَقَالَ ابْن الصّباغ: قصَّة هِلَال تبين أَن الْآيَة نزلت فِيهِ أَولا، وَأما قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لعويمر: إِن الله أنزل فِيك وَفِي صَاحبَتك، فَمَعْنَاه مَا نزل فِي قصَّة هِلَال لِأَن ذَلِك حكم عَام لجَمِيع النَّاس، وَقَالَ النَّوَوِيّ: لعلهما سَأَلَا فِي وَقْتَيْنِ متقاربين فَنزلت الْآيَة فيهمَا، وَسبق هِلَال بِاللّعانِ فَيصدق أَنَّهَا نزلت فِي ذَا وَذَاكَ. قلت: هَذَا مثل جَوَاب الدَّاودِيّ بِالْوَجْهِ الأول وَهُوَ الْأَوْجه فَإِن قلت: جَاءَ فِي حَدِيث أنس بن مَالك: هِلَال بن أُميَّة، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: لَاعن بَين الْعجْلَاني وَامْرَأَته، وَفِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود: وَكَانَ رجلا من الْأَنْصَار جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلاعن امْرَأَته. قلت: لَا اخْتِلَاف فِي ذَلِك لِأَن الْعجْلَاني هُوَ عُوَيْمِر، وَكَذَا فِي قَول ابْن مَسْعُود: وَكَانَ رجلا.
    فِيهِ حذف وَالتَّقْدِير: أَنه سَأَلَ وَقذف امْرَأَته وأنكبرت الزِّنَا
    * فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب: هِيَ طَلْقَة وَاحِدَة، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هِيَ فسخ. الْعَاشِر: فِيهِ أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أصلا لقَوْله: (فَكَانَت سنة لمن كَانَ بعدهمَا) . ا
    ثَّانِي عشر: فِيهِ إِثْبَات التَّوَارُث بَينهَا وَبَين وَلَدهَا، يفهم ذَلِك من قَوْله: فَكَانَ بعد ينْسب إِلَى أمه. وَجَاء فِي حَدِيث يَأْتِي أصرح مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله: ثمَّ جرت السّنة فِي الْمِيرَاث أَن يَرِثهَا وترث مِنْهُ مَا فرض الله لَهَا، وَهَذَا إِجْمَاع فِيمَا بَينه وَبَين الْأُم، وَكَذَا بَينه وَبَين أَصْحَاب الْفُرُوض من جِهَة أمه، وَبِه قَالَ الزُّهْرِيّ وَمَالك وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ أَحْمد: إِذا انْفَرَدت الْأُم أخذت جَمِيع مَاله بالعصوبة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا انْفَرَدت أخذت الْجَمِيع لَكِن الثُّلُث فرضا وَالْبَاقِي ردا على قَاعِدَته فِي إِثْبَات الرَّد. الثَّالِث عشر: فِيهِ أَن شَرط اللّعان أَن يكون بَين الزَّوْجَيْنِ لِأَن الله خصّه بالأزواج بقوله: {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم}
    الرَّابِع عشر: فِيهِ سُقُوط الْحَد عَن الرجل وَذَلِكَ لأجل أيمانه سقط الْحَد. الْخَامِس عشر: فِيهِ أَن شَرط وجوب اللّعان عدم إِقَامَة الْبَيِّنَة لقَوْله تَعَالَى: {ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء} حَتَّى لَو أقامهم الزَّوْج عَلَيْهَا بِالزِّنَا لَا يجب اللّعان ويقام عَلَيْهَا الْحَد. السَّادِس عشر: فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن شَرط وجوب اللّعان إِنْكَار الْمَرْأَة وجود الزِّنَا، حَتَّى لَو أقرَّت بذلك لَا يجب اللّعان ويلزمها حد الزِّنَا الْجلد إِن كَانَت غير مُحصنَة، وَالرَّجم إِذا كَانَت مُحصنَة، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.
    ......
    (89)
    وَقد ضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عبد الله بن أبي وحساناً وَمِسْطَحًا، وَقد ذكر أَبُو دَاوُد أَن حسانا حُد زَاد الطَّحَاوِيّ: ثَمَانِينَ، وَكَذَا حمْنَة ومسطح ليكفر الله عَنْهُم بذلك إِثْم مَا صدر مِنْهُم حَتَّى لَا يبْقى عَلَيْهِم تبعة فِي الْآخِرَة، وَأما ابْن أبي فَإِنَّهُ لم يحد لِئَلَّا ينقص من عَذَابه شَيْء، أَو إطفاء للفتنة وتألفاً لِقَوْمِهِ، وَقد روى الْقشيرِي فِي: (تَفْسِيره) : أَنه حد ثَمَانِينَ، وَقَالَ الْقشيرِي ومسطح: لم يثبت مِنْهُ قذف صَرِيح فَلم يذكر فِيمَن حد، وَأغْرب الْمَاوَرْدِيّ، فَقَالَ: إِنَّه لم يحد أحد من أهل الْإِفْك. قَوْله: (وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته) هَذَا إِظْهَار الْمِنَّة بترك المعاجلة بالعقاب، وَجَوَاب: لَوْلَا، مَحْذُوف تَقْدِيره: لعاجلكم بِالْعَذَابِ.
    ........
    (111)
    ولقمان بن باعور بن ناخر بن تارخ وَهُوَ آزر أَبُو إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَو قَالَ السُّهيْلي: لُقْمَان بن عنقابن سرون عَاشَ ألف سنة. وَأدْركَ دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأخذ عَنهُ الْعلم، وَكَانَ يُفْتِي قبل مبعث دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلَمَّا بعث دَاوُد قطع الْفتيا، وَقيل: كَانَ تلميذاً لِأَلف نَبِي، وَعند ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد: كَانَ عبدا أسود عَظِيم الشفتين مشقق الْقَدَمَيْنِ، وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَ عبدا حَبَشِيًّا بخاراً، وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: كَانَ من سودان مصر ذُو مشافر، أعطَاهُ الله الْحِكْمَة وَمنعه النُّبُوَّة، وَعَن جَابر بن عبد الله: كَانَ قَصِيرا أفطس من النُّبُوَّة، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: لم يكن نَبيا فِي قَول أَكثر النَّاس وَكَانَ رجلا صَالحا، وَعَن ابْن الْمسيب: كَانَ خياطاً، وَعَن الزّجاج: كَانَ نجاداً بِالدَّال الْمُهْملَة، كَذَا هُوَ بِخَط جمَاعَة من الْأَئِمَّة، وَقيل: رَاعيا، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ يحكم وَيَقْضِي فِي بني إِسْرَائِيل، وزمانه مَا بَين عِيسَى وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعند الحوتي عَن عِكْرِمَة: كَانَ نَبيا، وَهُوَ قد تفرد بِهَذَا
    القَوْل، وَقَالَ وهب بن مُنَبّه: كَانَ ابْن أُخْت أَيُّوب، وَقَالَ مقَاتل: ابْن خَالَة أَيُّوب، وَاسم ابْنه: أنعم، وَكَانَ كَافِرًا فَمَا زَالَ حَتَّى أسلم، وَقيل: مشْكم، وَقيل: ماثان، وَقيل: ثاران.



    ....
    (115)
    وَفسّر البُخَارِيّ الشكس بقوله: (الْعسر لَا يرضى بالإنصاف)

    م

    تابع
    ( 151)
    {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا} الْآيَة ... اخْتلفُوا فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة، فَعَن ابْن عَبَّاس: نزلت فِي أهل مَكَّة، قَالُوا: يزْعم مُحَمَّد أَنه من قتل النَّفس الَّتِي حرمهَا الله وَعبد الْأَوْثَان لم يغْفر لَهُ، فَكيف نهاجر ونسلم وَقد عَبدنَا مَعَ الله آلهاً آخر وقتلنا النَّفس الَّتِي حرمهَا الله؟ فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة، وَعنهُ أَنَّهَا نزلت فِي وَحشِي قَاتل حَمْزَة، وَعَن قَتَادَة: نَاس أَصَابُوا ذنوباً عَظِيمَة فِي الْجَاهِلِيَّة، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام اشفقوا أَن لَا يُتَاب عَلَيْهِم فَدَعَاهُمْ الله تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَة إِلَى الْإِسْلَام. وَعَن ابْن عمر: نزلت فِي عَيَّاش بن أبي ربيعَة والوليد بن الْوَلِيد وَنَفر من الْمُسلمين كَانُوا قد أَسْلمُوا ثمَّ فتنُوا وعذبوا فافتتنوا فَكُنَّا نقُول: لَا يقبل الله مِنْهُم صرفا وَلَا عدلا أبدا، قوم أَسْلمُوا ثمَّ تركُوا دينهم لعذاب عذبُوا بِهِ، فَنزلت.
    ....
    (144)
    قَالَ مُحَمَّد ابْن شُجَاع الثَّلْجِي: يحْتَمل أَن يكون خلق خلقه الله تَعَالَى يُوَافق اسْمه إسم الإصبع، وَمَا ورد فِي بعض الرِّوَايَات من أَصَابِع الرَّحْمَن يؤول بِالْقُدْرَةِ أَو الْملك، وَقَالَ الْخطابِيّ: الأَصْل فِي الإصبع وَنَحْوهَا أَن لَا يُطلق على الله إلاَّ أَن يكون بِكِتَاب أَو خبر مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ، فَإِن لم يَكُونَا فالتوقف عَن الْإِطْلَاق وَاجِب، وَذكر الْأَصَابِع لم يُوجد فِي الْكتاب وَلَا فِي السّنة القطعية، وَلَيْسَ معنى الْيَد فِي الصِّفَات بِمَعْنى الْجَارِحَة حَتَّى يتَوَهَّم من ثُبُوتهَا ثُبُوت الإصبع، وَقد روى هَذَا الحَدِيث كثير من أَصْحَاب عبد الله من طَرِيق عُبَيْدَة فَلم يذكرُوا فِيهِ تَصْدِيقًا لقَوْل الحبر، وَقد ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَا حَدثكُمْ بِهِ أهل الْكتاب فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم) ، وَالدَّلِيل على أَنه لم ينْطق فِيهِ بِحرف تَصْدِيقًا لَهُ وتكذيباً، وَإِنَّمَا ظهر مِنْهُ الضحك المخيل للرضاء مرّة، وللتعجب وَالْإِنْكَار أُخْرَى، وَقَول من قَالَ: إِنَّمَا ظهر مِنْهُ الضحك تَصْدِيقًا للحبر ظن مِنْهُ، وَالِاسْتِدْلَا ل فِي مثل هَذَا الْأَمر الْجَلِيل غير جَائِز، وَلَو صَحَّ الْخَبَر لَا بُد من التَّأْوِيل بِنَوْع من الْمجَاز، وَقد يَقُول الْإِنْسَان فِي الْأَمر الشاق إِذا أضيف إِلَى الرجل الْقوي المستقل المستظهر إِنَّه يعمله بإصبع أَو بخنصر وَنَحْوه، يُرِيد الِاسْتِظْهَار فِي الْقُدْرَة عَلَيْهِ والاستهانة بِهِ، فَعلم أَن ذَلِك من تَحْرِيف الْيَهُودِيّ، فَإِن ضحكه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا كَانَ على معنى التَّعَجُّب والتكبر لَهُ، وَقَالَ التَّمِيمِي تكلّف الْخطابِيّ فِيهِ، وأتى فِي مَعْنَاهُ مَا لم يَأْتِ بِهِ السّلف، وَالصَّحَابَة كَانُوا أعلم بِمَا رَوَوْهُ، وَقَالُوا: إِنَّه ضحك تَصْدِيقًا لَهُ، وَثَبت فِي السّنة الصَّحِيحَة: (مَا من قلب إِلَّا وَهُوَ بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الرَّحْمَن) ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْأمة فِي مثلهَا طَائِفَتَانِ مفوضة ومؤولة واقفون على قَوْله: {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} (آل عمرَان: 7) وَقَالَ النَّوَوِيّ، رَحمَه الله: وَظَاهر السِّيَاق يدل على أَنه ضحك تَصْدِيقًا بِدَلِيل قِرَاءَته الْآيَة الَّتِي تدل على صِحَة مَا قَالَ الحبر.
    ....
    (144)
    (إِلَّا من شَاءَ الله) ، اخْتلفُوا فِيهِ، فَقيل: هم الشُّهَدَاء عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ جبرل عَن هَذِه الْآيَة {من أُولَئِكَ الَّذين لم يَشَأْ الله قَالَ هُوَ الشُّهَدَاء) متقلدين أسيافهم حول الْعَرْش، وَقيل: هم جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل، رَوَاهُ أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن كَعْب الْأَحْبَار: هم إثنا عشر: حَملَة الْعَرْش ثَمَانِيَة وجبرائيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت، وَعَن الضَّحَّاك: هم رضوَان والحور الْعين وَمَالك والزبانية، وَعَن الْحسن: {إلاَّ من شَاءَ الله} يَعْنِي: الله وَحده، وَقيل: عقارب النَّار وحياتها.
    ....
    (145)
    حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْص حدّثنا أبي قَالَ حدّثنا الأعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا بَينَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ قَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أرْبَعُونَ يَوْماً قَالَ أبَيْتُ قَالَ أرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أبَيْتُ قَالَ أرْبَعُونَ شَهْراً قَالَ أبَيْتُ وَسَيُبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الإنْسَانِ إلاّ عَجْبَ ذَنَبِهِ فِيهِ يُرَكَّبُ الخَلْقُ.

    وَقَالَ بَعضهم: وَزعم بعض الشُّرَّاح أَنه وَقع عِنْد مُسلم: أَرْبَعِينَ سنة، وَلَا وجود لذَلِك. انْتهى. قلت: إِن كَانَ مُرَاده من بعض الشُّرَّاح صَاحب (التَّوْضِيح) : فَهُوَ لم يقل كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ: وَقد جَاءَت مفسرة فِي رِوَايَة غَيره فِي غير مُسلم: أَرْبَعُونَ سنة، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سعيد بن الصَّلْت عَن الْأَعْمَش فِي هَذَا الْإِسْنَاد: أَرْبَعُونَ سنة، وَهُوَ شَاذ، وَمن وَجه ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: مَا بَين النفخة والنفخة أَرْبَعُونَ سنة.
    ......
    (145)
    إلاَّ عجب ذَنبه) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم، وَهُوَ أصل الذَّنب وَهُوَ عظم لطيف فِي أصل الصلب، وَهُوَ رَأس العصعص، وروى ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب (الْبَعْث) من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قيل: يَا رَسُول الله! مَا الْعجب؟ قَالَ: مثل حَبَّة خَرْدَل. انْتهى. وَيُقَال لَهُ: عجم، بِالْمِيم كلاب ولازم، وَهُوَ أول مَخْلُوق من الْآدَمِيّ، وَهُوَ الَّذِي يبْقى ليركب عَلَيْهِ الْخلق، وَفَائِدَة إبْقَاء هَذَا الْعظم دون غَيره مَا قَالَه ابْن عقيل: لله عز وَجل فِي هَذَا سر لَا نعلمهُ لِأَن من يظْهر الْوُجُود من الْعَدَم لَا يحْتَاج إِلَى أَن يكون لفعله شَيْء يبْنى عَلَيْهِ وَلَا خميرة، فَإِن علل هَذَا يتجوز أَن يكون الْبَارِي جلت عَظمته جعل ذَلِك عَلامَة للْمَلَائكَة، على أَن يحيى كل إِنْسَان بجواهره بِأَعْيَانِهَا وَلَا يحصل الْعلم للْمَلَائكَة بذلك إلاَّ بإبقاء عظم كل شخص ليعلم أَنه إِنَّمَا أَرَادَ بذلك إِعَادَة الْأَرْوَاح إِلَى تِلْكَ الْأَعْيَان الَّتِي هِيَ جُزْءا مِنْهَا، كَمَا أَنه لما مَاتَ عُزَيْرًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَحِمَاره، أبقى عِظَام الْحمار فكساها ليعلم أَن ذَلِك المنشى ذَلِك الْحمار لَا غَيره، وَلَوْلَا إبْقَاء شَيْء لجوزت الْمَلَائِكَة أَن تكون الْإِعَادَة للأرواح إِلَى أَمْثَال الأجساد لَا إِلَى أعيانها. فَإِن قلت: فِي (الصَّحِيح) يبْلى كل شَيْء من الْإِنْسَان، وَهنا يبْلى إلاَّ عجب الذَّنب؟ قلت: هَذَا لَيْسَ بِأول عَام خص. ولأباول مُجمل فصل، كَمَا نقُول: إِن هذَيْن الْحَدِيثين خص مِنْهُمَا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، لِأَن الله تَعَالَى حرم على الأَرْض أَن تَأْكُل أَجْسَادهم وَألْحق ابْن عبد الْبر الشُّهَدَاء بهم، والقرطبي الْمُؤَذّن الْمُحْتَسب. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الْعجب بِعَدَمِ البلى دون غَيره؟ قلت: لِأَن أصل الْخلق مِنْهُ وَمِنْه يركب، وَهُوَ قَاعِدَة بَدْء الْإِنْسَان وأسه الَّذِي يبْنى عَلَيْهِ، فَهُوَ أَصْلَب من الْجَمِيع كقاعدة الْجِدَار، وَقَالَ بَعضهم: زعم بعض الشُّرَّاح أَن المُرَاد بِأَنَّهُ لَا يبْلى أَي: يطول بَقَاؤُهُ لَا أَنه لَا يبْلى أصلا، وَهَذَا مَرْدُود لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر بِغَيْر دَلِيل. انْتهى
    ......
    (147)
    وَذكر أَبُو محنف لوط فِي كِتَابه (حَرْب الْجمل) : الَّذِي قتل مُحَمَّدًا مُدْلِج بن كَعْب، رجل من بني سعد بن بكر، وَفِي كتاب الزبير بن أبي بكر: كَانَ مُحَمَّد أَمرته عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، بِأَن يكف يَده فَكَانَ كلما حمل عَلَيْهِ رجل قَالَ: نشدتك بحاميم، حَتَّى شدّ عَلَيْهِ رجل من بني أَسد بن خُزَيْمَة يُقَال لَهُ: حَدِيد فنشده بحاميم فَلم ينْتَه وَقَتله، وَقيل: قَتله كَعْب بن مُدْلِج من بني منقذ بن طريف، وَيُقَال: قَتله عِصَام بن مُقْشَعِر النصري، وَعَلِيهِ كَثْرَة الحَدِيث وَقَالَ المرزباني: هُوَ الثبت وَهُوَ يخدش فِي إِسْنَاد البُخَارِيّ لِأَن هذَيْن الْإِمَامَيْنِ إِلَيْهِمَا يرجع فِي هَذَا الْبَاب. قلت: الزَّمَخْشَرِيّ الْعَلامَة ذكر هَذَا الْبَيْت فِي أول سُورَة الْبَقَرَة وَنسبه إِلَى شُرَيْح بن أوفى الْمَذْكُور، وَفِي (الحماسة) البحترية
    .....
    (150)
    وَقَالَ السُّهيْلي فِي: (أَمَالِيهِ) : قيل: إِن البُخَارِيّ وَقع لَهُ فِي: أَتَى، من الْقُرْآن وهم: فَإِن كَانَ هَذَا وإلاَّ فَهِيَ قِرَاءَة بلغته وَوَجهه أعطيا الطَّاعَة كَمَا يُقَال فلَان يعْطى الطَّاعَة وَقَالَ وَقد قرى ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة لآتوها بِالْمدِّ وَالْقصر والفتنة ضد الطَّاعَة، وَإِذا جَازَ فِي إِحْدَاهمَا جَازَ فِي الْأُخْرَى. انْتهى، وَجوز بعض الْمُفَسّرين أَن: آتِيَا، بِالْمدِّ بِمَعْنى الْمُوَافقَة، وَبِه جزم
    صاحب الكشاف
    .....
    (165)
    وَقَالَ النَّوَوِيّ: أَنا الدَّهْر بِالرَّفْع، وَقيل بِالنّصب على الظّرْف. قلت: كَانَ أَبُو بكر بن دَاوُد الْأَصْفَهَانِي يرويهِ بِفَتْح الرَّاء من الدَّهْر مَنْصُوبَة على الظّرْف أَي: أَنا طول الدَّهْر بيَدي الْأَمر، وَكَانَ يَقُول: لَو كَانَ مضموم الرَّاء لصار من أَسمَاء الله تَعَالَى، وَقَالَ القَاضِي: نَصبه بَعضهم على التَّخْصِيص، قَالَ: والظرف أصح وأصوب، وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس: يجوز النصب أَي: بِأَن الله بَاقٍ مُقيم أبدا لَا يَزُول.
    قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هَذَا بَاطِل من وُجُوه: الأول: أَنه خلاف النَّقْل، فَإِن الْمُحدثين الْمُحَقِّقين لم يضبطوه إلاَّ بِالضَّمِّ، وَلم يكن ابْن دَاوُد من الْحفاظ وَلَا من عُلَمَاء النَّقْل. الثَّانِي: أَنه ورد بِأَلْفَاظ صِحَاح تبطل تَأْوِيله وَهِي: لَا تَقولُوا: يَا خيبة الدَّهْر، فَإِن الله هُوَ الدَّهْر. أَخْرجَاهُ، وَلمُسلم: لَا تسبوا الدَّهْر فَإِن الله هُوَ الدَّهْر. الثَّالِث: تَأْوِيله يَقْتَضِي أَن يكون عِلّة النَّهْي لم تذكر لِأَنَّهُ إِذا قَالَ لَا تسبوا الدَّهْر. فَأَنا الدَّهْر أقلب اللَّيْل وَالنَّهَار، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تسبوا الدَّهْر وَأَنا أقلبه، وَمَعْلُوم أَنه يقلب كل شَيْء من خير وَشر، وتقلبه للأشياء لَا يمْنَع ذمها وَإِنَّمَا يتَوَجَّه الْأَذَى فِي قَوْله: (يُؤْذِينِي ابْن آدم) على مَا كَانَت عَلَيْهِ الْعَرَب إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة يسبون الدَّهْر، وَيَقُولُونَ: عِنْد ذكر موتاهم، أبادهم الدَّهْر، ينسبون ذَلِك إِلَيْهِ ويرونه الْفَاعِل لهَذِهِ الْأَشْيَاء وَلَا يرونها من قَضَاء الله وَقدره.
    ..........
    (167)
    (الفتوحات الربانية) وعَلى هَذَا لَا يجوز نِسْبَة الْأَفْعَال الممدوحة والمذمومة للدهر حَقِيقَة، فَمن اعْتقد ذَلِك فَلَا شكّ فِي كفره، وَأما من يجْرِي على لِسَانه من غير اعْتِمَاد صِحَّته فَلَيْسَ بِكَافِر وَلكنه تشبه بِأَهْل الْكفْر وارتكب مَا نَهَاهُ عَنهُ الشَّارِع فليتب وليستغفر.
    .........
    (168)
    قد أوضحه الْإِسْمَاعِيلِ يّ فِي رِوَايَته بِلَفْظ: أَرَادَ مُعَاوِيَة أَن يسْتَخْلف يزِيد فَكتب إِلَى مَرْوَان وَكَانَ على الْمَدِينَة فَجمع النَّاس فخطبهم وَقَالَ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد رأى رَأيا حسنا فِي يزِيد ودعا إِلَى بيعَة يزِيد، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: مَا هِيَ إلاَّ هِرَقْلِيَّة، أَن أَبَا بكر وَالله لم يَجْعَلهَا فِي أحد من وَلَده وَلَا من أهل بَلَده وَلَا من أهل بَيته، فَقَالَ مَرْوَان: أَلَسْت الَّذِي قَالَ الله فِيهِ: {وَالَّذِي قَالَ لوَالِديهِ أُف لَكمَا} قَالَ: فسمعتها عَائِشَة، فَقَالَت: يَا مَرْوَان أَنْت الْقَائِل لعبد الرَّحْمَن كَذَا وَكَذَا، وَالله مَا أنزلت إلاَّ فِي فلَان بن فلَان الْفُلَانِيّ، وَفِي لفظ وَالله لَو شِئْت أَن أُسَمِّيهِ لسميت، وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن أَبَا مَرْوَان ومروان فِي صلبه، فمروان فضَض أَي: قِطْعَة من لعنة الله عز وَجل، فَنزل مَرْوَان مسرعا حَتَّى أَتَى بَاب عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَجعل يكلمها وتكلمه ثمَّ انْصَرف، وَفِي لفظ، فَقَالَت عَائِشَة: كذب وَالله مَا نزلت فِيهِ. قَوْله: (فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر شَيْئا) ، وَلم يبين مَا هَذَا الشَّيْء الَّذِي قَالَه عبد الرَّحْمَن لمروان، وأوضح ذَلِك الْإِسْمَاعِيلِ يّ فِي رِوَايَته،
    ......
    (171)
    فَأَما منا بعد وَإِمَّا فدَاء حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا} (مُحَمَّد: 4) وَفسّر: (أَوزَارهَا) بقوله: (آثامها) فعلى تَفْسِيره الأوزار جمع وزر والآثام جمع أَثم، وَقَالَ ابْن التِّين: لم يقل هَذَا أحد غير البُخَارِيّ، وَالْمَعْرُوف أَن المُرَاد بأوزارها الأسلحة. قلت: فعلى هَذَا الأوزار جمع وزر الَّذِي هُوَ السِّلَاح، وَفِي (الْمغرب) الْوَزْن بِالْكَسْرِ الْحمل الثقيل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: 461) أَي: حملهَا من الْإِثْم وَقَوْلهمْ: وضعت الْحَرْب أَوزَارهَا عبارَة عَن انْقِضَائِهَا لِأَن أَهلهَا يضعون أسلحتهم حِينَئِذٍ، وسمى السِّلَاح وزرا لِأَنَّهُ يثقل على لابسه قَالَ الْأَعْشَى:
    (واعددت للحرب أَوزَارهَا ... رماحا طوَالًا وخيلاً طوَالًا)
    وَهَذَا كُله يُقَوي كَلَام ابْن التِّين لَا مثل مَا قَالَه بَعضهم: إِن لكَلَام ابْن التِّين احْتِمَالا ويعضد كَلَام البُخَارِيّ مَا قَالَه الثَّعْلَبِيّ: آثامها وأجرامها، فيرتفع وَيَنْقَطِع الْحَرْب لِأَن الْحَرْب لَا يَخْلُو من الْإِثْم فِي أحد الْجَانِبَيْنِ والفريقين، ثمَّ قَالَ: وَقيل: حَتَّى تضع الْحَرْب آلتها وعدتها، وآلتهم وأسلحتهم
    وَقيل: مَعْنَاهُ حَتَّى يضع الْقَوْم المحاربون أَوزَارهَا وآثامها بِأَن يتوبوا من كفرهم ويؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله انْتهى. فَعرفت من هَذَا أَن لكل من كَلَام البُخَارِيّ. وَكَلَام ابْن التِّين وَجها.

    .........
    (173)
    وَاخْتلف فِي الرَّحِم الَّتِي يجب صلتها. فَقيل: هِيَ كل رحم محرم بِحَيْثُ لَو كَانَ أَحدهمَا ذكرا وَالْآخر أُنْثَى حرمت مناكحتها، فعلى هَذَا لَا يجب فِي بني الأغمام وَبني الأخوال لجَوَاز الْجمع فِي النِّكَاح دون الْمَرْأَة وَأُخْتهَا وعمتها. وَقيل: بل هَذَا فِي كل ذِي رحم مِمَّن ينْطَلق عَلَيْهِ ذَلِك من ذَوي الْأَرْحَام فِي الْمَوَارِيث محرما كَانَ أَو غَيره.
    .....
    (176)
    (نزرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بالنُّون وَتَخْفِيف الزاء وبالراء أَي: ألححت عَلَيْهِ وبالغت فِي السُّؤَال، ويروى بتَشْديد الزَّاي وَالتَّخْفِيف أشهر، وَقَالَ ابْن وهب: أكرهته أَي: أَتَيْته بِمَا يكره من سُؤَالِي فَأَرَادَ الْمُبَالغَة، والنزر الْقلَّة وَمِنْه الْبِئْر النزور الْقَلِيل المَاء. قَالَ أَبُو ذَر: سَأَلت من لقِيت من الْعلمَاء أَرْبَعِينَ سنة فَمَا أجابوا إلاَّ بِالتَّخْفِيفِ، وَكَذَا ذكره ثَعْلَب وَأهل اللُّغَة، وبالتشديد ضَبطهَا الْأصيلِيّ وَكَأَنَّهُ على الْمُبَالغَة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: نزرت قللت كَلَامه أَو سَأَلته فِيمَا لَا يحب أَن يُجيب فِيهِ.

    ..........
    (177)
    وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لم يصفه أحد بالسمن، وَلَقَد مَاتَ وَمَا شبع من خبز الخمير فِي يَوْم مرَّتَيْنِ، وأحسب بعض الروَاة لما رأى بدن ظن كثر لَحْمه وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ بدن تبدينا. أَي: أسن قَالَه أَبُو عبيد
    ......
    (180)
    وَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ الأولى النَّهْي عَن الْخذف لكَونه لَا ينْكَأ عدوا وَلَا يقتل الصَّيْد وَلَكِن يفقأ الْعين وَيكسر السن وَهَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم وَلِأَنَّهُ لَا مصلحَة فِيهِ وَيخَاف مفسدته ويلتحق بِهِ كل مَا شاكله فِي هَذَا وَفِيه أَن مَا كَانَ فِيهِ مصلحَة أَو حَاجَة فِي قتال الْعَدو أَو تَحْصِيل الصَّيْد فَهُوَ جَائِز وَمن ذَلِك رمي الطُّيُور الْكِبَار بالبندق إِذا كَانَ لَا يَقْتُلهَا غَالِبا بل تدْرك حَيَّة فَهُوَ جَائِز قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة النَّهْي عَن الْبَوْل فِي المغتسل قَالَ الْخطابِيّ إِنَّمَا نهى عَن مغتسل يكون جددا صلبا وَلم يكن لَهُ مَسْلَك ينفذ مِنْهُ الْبَوْل ويروى عَن عَطاء إِذا كَانَ يسيل فَلَا بَأْس وَعَن ابْن الْمُبَارك قد وسع فِي الْبَوْل فِي المغتسل إِذا جرى فِيهِ المَاء وَقَالَ بِهِ أَحْمد فِي رِوَايَة وَاخْتَارَهُ غير وَاحِد من أَصْحَابه وروى الثَّوْريّ عَمَّن سمع عَن ابْن مَالك يَقُول إِنَّمَا كره مَخَافَة اللمم وَعَن أَفْلح بن حميد رَأَيْت الْقَاسِم بن مُحَمَّد يَبُول فِي مغتسله وَفِي كتاب ابْن مَاجَه عَن عَليّ بن مُحَمَّد الطنافسي قَالَ إِنَّمَا هَذَا فِي الحفيرة فَأَما الْيَوْم فمغتسلاتهم بجص وصاروج يَعْنِي النورة وأخلاطها والقير
    فَإِذا بَال وَأرْسل عَلَيْهِ المَاء فَلَا بَأْس وَمِمَّنْ كره الْبَوْل فِي المغتسل عبد الله بن مَسْعُود وَزَاد أَن الْكِنْدِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَبكر بن عبد الله الْمُزنِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة وَعَن أبي بكرَة لَا يبولن أحدكُم فِي مغتسله وَعَن عبد الله بن يزِيد الْأنْصَارِيّ لَا تبل فِي مغتسلك وَعَن عمرَان بن حُصَيْن من بَال فِي مغتسله لم يطهر وَعَن لَيْث بن أبي سليم عَن عَطاء عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت مَا طهر الله رجلا يَبُول فِي مغتسله وَرخّص فِيهِ ابْن سِيرِين وَآخَرُونَ
    .....
    (181)
    (فَقَالَ سهل بن حنيف: اتهموا أَنفسكُم) ، ويروى: رَأْيكُمْ يُرِيد أَن الْإِنْسَان قد يرى رَأيا وَالصَّوَاب غَيره، وَالْمعْنَى: لَا تعملوا بآرائكم،
    مضى النَّاس إِلَى الصُّلْح بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة وَذَلِكَ أَن سهلاً ظهر لَهُ من
    أَصْحَاب عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَرَاهَة التَّحْكِيم وَقَالَ الْكرْمَانِي: كَانَ سهل يتهم بالتقصير فِي الْقِتَال. فَقَالَ: اتهموا أَنفسكُم فَإِنِّي لَا أقصر وَمَا كنت مقصرا وَقت الْحَاجة. كَمَا فِي يَوْم الْحُدَيْبِيَة، فَإِنِّي رَأَيْت نَفسِي يَوْمئِذٍ بِحَيْثُ لَو قدرت مُخَالفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقاتلت قتالاً عَظِيما. لَكِن الْيَوْم لَا نرى الْمصلحَة فِي الْقِتَال بل التَّوَقُّف أولى لمصَالح الْمُسلمين، وَأما الْإِنْكَار على التَّحْكِيم أفليس ذَلِك فِي كتاب الله تَعَالَى؟ فَقَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نعم، المنكرون هم الَّذين عدلوا عَن كتاب الله لِأَن الْمُجْتَهد لما رأى أَن ظَنّه أدّى إِلَى جَوَاز التَّحْكِيم فَهُوَ حكم الله، وَقَالَ سهل: اتهموا أَنفسكُم فِي الْإِنْكَار لأَنا أَيْضا كُنَّا كارهين لترك الْقِتَال يَوْم الْحُدَيْبِيَة وقهرنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصُّلْح.
    .....
    (183)
    الْقَعْقَاع بن معبد بن زُرَارَة بن عدس بن يزِيد بن عبد الله بن دارم التَّمِيمِي الدَّارمِيّ، قَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَ يُقَال لَهُ تيار الْفُرَات لجوده.
    ....
    (185)
    أَن فعلا بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْعين لَا يجمع على أَفعَال إلاَّ خَمْسَة أحرف: نَوَادِر،
    .....
    (188)
    وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يبْقى من الْجنَّة مَا شَاءَ الله تَعَالَى أَن يبْقى ثمَّ ينشىء الله لَهَا خلقا مِمَّا يَشَاء، وَفِي وَرَايَة لَهُ: وَلَا يزَال فِي الْجنَّة فضل حَتَّى ينشىء الله لَهَا خلقا فيسكنهم فضل الْجنَّة، قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا دَلِيل لأهل السّنة على أَن الثَّوَاب لَيْسَ متوقفا على الْأَعْمَال، فَإِن هَؤُلَاءِ يخلقون حِينَئِذٍ ويعطون فِي الْجنَّة وَمَا يُعْطون بِغَيْر عمل وَمثله أَمر الْأَطْفَال والمجانين الَّذين لم يعملوا طَاعَة قطّ. وَكلهمْ فِي الْجنَّة برحمة الله تَعَالَى وفضله، وَفِيه دَلِيل أَيْضا على عظم سَعَة الْجنَّة. فقد جَاءَ فِي (الصَّحِيح) (أَن للْوَاحِد فِيهَا مثل الدُّنْيَا عشرَة أَمْثَالهَا ثمَّ يبْقى فِيهَا شَيْء لخلق ينشئهم الله تَعَالَى لَهَا) .
    .....
    (189)
    ثمَّ اعْلَم أَن هَذِه الْأَحَادِيث من مشاهير أَحَادِيث الصِّفَات، وَالْعُلَمَاء فِيهَا على مذهبين أَحدهمَا: مَذْهَب المفوضة وَهُوَ الْإِيمَان بِأَنَّهَا حق على مَا أَرَادَ الله، وَلها معنى يَلِيق بِهِ وظاهرها غير مُرَاد وَعَلِيهِ جُمْهُور السّلف وَطَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين ، وَالْآخر: مَذْهَب المؤولة وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين ، على هَذَا اخْتلفُوا فِي تَأْوِيل الْقدَم وَالرجل، فَقيل: المُرَاد بالقدم هُنَا الْمُتَقَدّم وَهُوَ سَائِغ فِي اللُّغَة، وَمَعْنَاهُ: حَتَّى يضع الله فِيهَا من قدمه لَهَا من أهل الْعَذَاب، وَقيل: المُرَاد قدم بعض المخلوقين فَيَعُود الضَّمِير فِي قدمه إِلَى ذَلِك الْمَخْلُوق الْمَعْلُوم أَو ثمَّ مَخْلُوق اسْمه الْقدَم، وَقيل: المُرَاد بِهِ الْموضع. لِأَن الْعَرَب تطلق اسْم الْقدَم على الْموضع. قَالَ تَعَالَى: {لَهُم قدم صدق} (يُونُس: 2) أَي: مَوضِع صدق فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يلقِي فِي النَّار من الْأُمَم والأمكنة الَّتِي عصى الله عَلَيْهَا فَلَا تزَال تستزيد حَتَّى يضع الرب موضعا من الْأَمْكِنَة وَمن الْأُمَم الْكَافِرَة فِي النَّار فتمتلىء، وَقيل: الْقدَم قد يكون اسْما لما قدم من شَيْء، كَمَا تسمى مَا خبطت من الْوَرق خبطا، فعلى هَذَا من لم يقدم إلاّ كفرا أَو معاصي على العناد والجحود فَذَاك قدمه وَقدمه ذَلِك هُوَ مَا قدمه للعذاب وَالْعِقَاب الْحَالين بِهِ، والمعاندون من الْكفَّار هم قدم الْعَذَاب فِي النَّار، وَقيل: المُرَاد بِوَضْع الْقدَم عَلَيْهَا نوع من الزّجر عَلَيْهَا والتسكين لَهَا. كَمَا يَقُول الْقَائِل لشَيْء يُرِيد محوه وإبطاله، جملَته تَحت رجْلي، وَوَضَعته تَحت قدمي. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يعود الضَّمِير إِلَى الْمَزِيد، وَيُرَاد بالقدم الآخر لِأَنَّهُ آخر الْأَعْضَاء أَي: حَتَّى يضع الله آخر أهل النَّار فِيهَا، وَأما الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا الرجل فقد زعم الإِمَام أَبُو بكر بن فورك أَنَّهَا غير ثَابِتَة عِنْد أهل النَّقْل، ورد عَلَيْهِ بِرِوَايَة (الصَّحِيحَيْنِ) بهَا. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِن الرِّوَايَة الَّتِي جَاءَت بِلَفْظ الرجل تَحْرِيف من بعض الروَاة لظَنّه أَن المُرَاد بالقدم الْجَارِحَة. فرواها بِالْمَعْنَى فَأَخْطَأَ، ثمَّ قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِالرجلِ إِن كَانَت مَحْفُوظَة الْجَمَاعَة، كَمَا تَقول رجل من جَراد فالتقدير يضع فِيهَا جمَاعَة وإضافتهم إِلَيْهِ إِضَافَة اخْتِصَاص، وَاخْتلف المؤولون فِيهِ، فَقيل: إِن الرجل تسْتَعْمل فِي الزّجر كَمَا تَقول: وَضعته تَحت رجْلي، وَهَذَا قد مر فِي الْقدَم، وَقيل: المُرَاد بهَا رجل بعض المخلوقين، وَقيل: إِنَّهَا اسْم مَخْلُوق من المخلوقين، وَقيل: إِن الرجل تسْتَعْمل فِي طلب الشَّيْء على سَبِيل الْجد كَمَا يُقَال: قَامَ فِي هَذَا الْأَمر على رجل، وَمِنْهُم من أنكر هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا وكذبها، وَهَذَا طعن فِي الثِّقَات. وإفراط فِي رد (الصِّحَاح) وَمِنْهُم من روى بَعْضهَا وَأنكر أَن يتحدث بِبَعْضِهَا وَهُوَ مَالك، روى حَدِيث النُّزُول
    وأوله: وَأنكر أَن يتحدث بِحَدِيث: اهتز الْعرض لمَوْت سعد بن معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمِنْهُم من تأولها تَأْوِيلا يكَاد يُفْضِي فِيهِ إِلَى القَوْل بالتشبيه

  6. #286
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

    اليوم : الثلاثاء
    الموافق : 8 / رمضان / 1442 هجري
    الموافق : 20/ ابريل / 2021 ميلادي

    " الفوائد المنتقاة من " عمدة القاري " للحافظ العيني رحمه الله



    193)
    قَالَ الثَّعْلَبِيّ: كل جبل طور وَلَكِن الله عز وَجل، يَعْنِي بِالطورِ هُنَا الْجَبَل الَّذِي كلم الله عَلَيْهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، بِالْأَرْضِ المقدسة وَهُوَ بمدين واسْمه زبير، وَقَالَ مقَاتل بن حَيَّان: هما طوران، يُقَال لأَحَدهمَا طورزيتا وَللْآخر تينا لِأَنَّهُمَا ينبتان الزَّيْتُون والتين، وَلما كذب كفار مَكَّة أقسم الله بِالطورِ وَهُوَ الْجَبَل بلغَة النبط الَّذِي كلم الله عَلَيْهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، بِالْأَرْضِ المقدسة. وَقَالَ الْجَوْزِيّ: وَهُوَ طور سيناء، وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحَمَوِيّ فِي كِتَابه (الْمُشْتَرك) طورزيتا مَقْصُورا علم لجبل بِقرب رَأس عين، وطورزيتا أَيْضا جبل بِالْبَيْتِ الْمُقَدّس، وَفِي الْأَثر: مَاتَ بطورزيتا سَبْعُونَ ألف نَبِي قَتلهمْ الْجُوع، وَهُوَ شَرْقي وَادي سلوان، وَالطور أَيْضا علم لجبل بِعَيْنِه مطل على مَدِينَة طبرية بالأردن، وَالطور أَيْضا جبل عِنْد كورة تشْتَمل على عدَّة قرى بِأَرْض مصر بَين مصر وجبل فاران، وطور سيناء قيل: جبل بِقرب أيله، وَقيل: هُوَ بِالشَّام وسيناء حجارية، وَقيل: شجر فِيهِ وطور عَبْدَيْنِ اسْم لبلدة من نَصِيبين فِي بطن الْجَبَل المشرف عَلَيْهَا الْمُتَّصِل بجبل الجودي، وطور هَارُون، عَلَيْهِ السَّلَام، علم لجبل مشرف فِي قبل الْبَيْت الْمُقَدّس فِيهِ فِيمَا قبل قبر هَارُون، عَلَيْهِ السَّلَام.
    .......
    وَقَالَ مُجَاهِدٌ الطُّورُ الجَبَلُ بِالسُّرْيَانِي َةِ
    .......
    (196)
    ضِيزَى: عَوْجَاءُ
    أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ إِذا قسْمَة ضيزي} (النَّجْم: 22) وَفَسرهُ بقوله: (عوجاء) وَهُوَ مَرْوِيّ عَن مقَاتل، وَعَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة: قسْمَة جائرة حَيْثُ جعلتم لربكم من الْوَلَد مَا تَكْرَهُونَ لأنفسكم وَعَن ابْن سِيرِين: غير مستوية أَن يكون لكم الذّكر وَللَّه الْإِنَاث تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا.
    ........
    (199)
    وَالدَّلِيل على هَذَا مَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى وَلَقَد رآره نزلة أُخْرَى} قَالَ: رأى ربه بفؤاده مرَّتَيْنِ، وَله من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِه، وأصرح من ذَلِك مَا أخرجه ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَطاء أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لم يره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَيْنِه إِنَّمَا رَآهُ بِقَلْبِه، وَقد رجح الْقُرْطُبِيّ قَول الْوَقْف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَعَزاهُ لجَماعَة من الْمُحَقِّقين، وقوَّاه لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَاب دَلِيل قَاطع، وَغَايَة مَا اسْتدلَّ بِهِ للطائفتين، ظواهر متعارضة قَابِلَة للتأويل. قَالَ: وَلَيْسَت الْمَسْأَلَة من العمليات فيكتفي فِيهَا بالأدلة الظنية، وَإِنَّمَا هِيَ من المعتقدات فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا إلاَّ بِالدَّلِيلِ الْقطعِي، وَمَال ابْن خُزَيْمَة فِي كتاب التَّوْحِيد إِلَّا الْإِثْبَات وَأَطْنَبَ فِي الِاسْتِدْلَال، وَحمل مَا ورد عَن ابْن عَبَّاس على أَن الرُّؤْيَا وَقعت مرَّتَيْنِ: مرّة بِعَيْنِه وَمرَّة بِقَلْبِه، وَالله أعلم.

    .......
    (201)
    وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلف بِاللات أَو غَيرهَا من الْأَصْنَام أَو قَالَ: إِن فعلت كَذَا فَأَنا بعد يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو بَرِيء من الْإِسْلَام أَو من سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَحْو ذَلِك لم ينْعَقد يَمِينه بل عَلَيْهِ أَن يسْتَغْفر الله تَعَالَى وَيَقُول: لَا إلاه إِلَّا الله وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ سَوَاء فعله أم لَا. هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَمَالك وجماهير الْعلمَاء، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجب الْكَفَّارَة فِي كل ذَلِك إلاَّ فِي قَوْله: أَنا مُبْتَدع أَو بَرِيء من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو الْيَهُودِيَّة انْتهى. وَفِي (فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة) وَلَو قَالَ: هُوَ يَهُودِيّ أَو بَرِيء من الْإِسْلَام أَن فعل كَذَا عندنَا يكون يَمِينا. فَإِذا فعل ذَلِك الْفِعْل هَل يصير كَافِرًا هَذَا على وَجْهَيْن: إِن حلف بِهَذِهِ
    الْأَلْفَاظ وعلق بِفعل مَاض وَهُوَ عَالم وَقت الْيَمين أَنه كَاذِب اخْتلفُوا فِيهِ. قَالَ بَعضهم: يصير كَافِرًا لِأَنَّهُ تَعْلِيق بِشَرْط كَائِن وَهُوَ تَنْجِيز، وَقَالَ بَعضهم: لَا يكفر وَلَا يلْزمه الْكَفَّارَة، وَإِلَيْهِ مَال شيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده، وَإِن حلف بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ على أَمر مُسْتَقْبل. قَالَ بَعضهم: لَا يكفر وَيلْزمهُ الْكفَّار، وَالصَّحِيح مَا قَالَه السَّرخسِيّ أَنه ينظر إِن كَانَ فِي اعْتِقَاد الْحَالِف أَنه لَو حلف بذلك على أَمر فِي الْمَاضِي يصير كَافِرًا فِي الْحَال. وَإِن لم يكن فِي اعْتِقَاده ذَلِك لَا يكفر، سَوَاء كَانَت الْيَمين على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل أَو فِي الْمَاضِي. قَوْله تَعَالَى أَمر من التعالي، وَهُوَ الِارْتفَاع. تَقول مِنْهُ إِذا أمرت تعال يَا رجل، بِفَتْح اللَّام، وللمرأة تعالي، وللمرأتين تعاليا، وللنسوة تعالين، وَلَا يجوز أَن يُقَال مِنْهُ: تعاليت وَلَا ينْهَى عَنهُ.
    .....
    (203)
    قَالَ الْكرْمَانِي: سجد الْمُشْركُونَ لِأَنَّهَا أول سَجْدَة نزلت فأرادوا مُعَارضَة الْمُسلمين بِالسَّجْدَةِ لمعبودهم أَو وَقع ذَلِك مِنْهُم بِلَا قصد أَو خَافُوا فِي ذَلِك الْمجْلس من مخالفتهم، وَمَا قيل كَانَ ذَلِك بِسَبَب مَا ألقِي الشَّيْطَان فِي أثْنَاء قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
    (تِلْكَ الغرانيق العلى ... مِنْهَا الشَّفَاعَة ترتجى)
    فَلَا صِحَة لَهُ نقلا وعقلاً وَقَالَ بَعضهم: الِاحْتِمَالَات الثَّلَاثَة فِيهَا نظر، وَالْأول مِنْهَا لعياض، وَالثَّانِي: يُخَالِفهُ سِيَاق ابْن مَسْعُود حَيْثُ زَاد فِيهِ أَن الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مِنْهُم أَخذ كفا من حصا فَوضع جَبهته عَلَيْهِ فَإِن ذَلِك ظَاهر فِي الْقَصْد، وَالثَّالِث أبعد إِذْ الْمُسلمُونَ حِينَئِذٍ هم الَّذين كَانُوا خَائِفين من الْمُشْركين لَا الْعَكْس. قلت: ادّعى هَذَا الْقَائِل أَن فِي هَذِه الِاحْتِمَالَات نظرا، فَقَالَ فِي الأول: إِنَّه لعياض، يَعْنِي: مَسْبُوق فِيهِ بِالْقَاضِي عِيَاض، فَبين أَنه لعياض وَلم يبين وَجه النّظر، وَذكر وَجه النّظر فِي الثَّانِي: بقوله: يُخَالِفهُ سِيَاق ابْن مَسْعُود، وَهَذَا غير دَافع لبَقَاء الِاحْتِمَال فِي عدم الْقَصْد من الَّذِي أَخذ كفا من حصا فَوضع جَبهته عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الثَّالِث: أبعد. إِلَى آخِره فَالَّذِي ذكره أبعد مِمَّا قَالَه لِأَن الْمُسلمين كَانُوا خَائِفين من الْمُشْركين وَقت سجودهم لم يَكُونُوا يتمكنون من السُّجُود لِأَن السُّجُود مَوضِع الْجَبْهَة على الأَرْض وَمن يتَمَكَّن من ذَلِك وَرَاءه من يخَاف مِنْهُ خُصُوصا أَعدَاء الدّين، وقصدهم هَلَاك الْمُسلمين؟
    ....
    (220)
    والبسيسة عِنْد الْعَرَب الدَّقِيق والسويق بلت ويتخذ زادا، وَعَن عَطاء: بست أذهبت ذَهَابًا وَعَن ابْن الْمسيب: كسرت كسر
    ...
    (222)
    وَفِي تَفْسِير عبد بن حميد: اسْم هَذِه المجادلة خُوَيْلَة قَالَه مُحَمَّد بن سِيرِين، وَكَانَ زَوجهَا ظَاهر مِنْهَا، وَهُوَ أول ظِهَار كَانَ فِي الْإِسْلَام، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة: خُوَيْلَة بنت دليج وَقَالَ عِكْرِمَة هِيَ خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة هِيَ خُوَيْلَة بنت الصَّامِت، وَقَالَ أَبُو عمر: خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة وَزوجهَا أَوْس بن الصَّامِت، وسماها مُجَاهِد: جميلَة وسماها ابْن مَنْدَه: خَوْلَة بنت الصَّامِت، وَقَالَ أَبُو عمر. خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة بن أَصْرَم بن فهر بن ثَعْلَبَة بن غنم بن عَوْف، وَأما عُرْوَة وَمُحَمّد بن كَعْب وَعِكْرِمَة. فَقَالُوا: خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة، كَانَت تَحت أَوْس بن الصَّامِت أخي عبَادَة بن الصَّامِت، وَظَاهر مِنْهَا، وفيهَا نزلت: {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} (المجادلة: 1) إِلَى آخر الْقِصَّة فِي الظِّهَار، وَقيل: إِن الَّتِي نزلت فِيهَا هَذِه الْآيَة جميلَة امْرَأَة أَوْس بن الصَّامِت، وَقيل: بل هِيَ خُوَيْلَة بنت دليج وَلَا يثبت شَيْء من ذَلِك.
    .....
    (225)
    قَالَ الْقُرْطُبِيّ: فِيهِ حجَّة لمَالِك على أَن الْفَيْء لَا يقسم وَإِنَّمَا هُوَ موكول إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام، وَكَذَلِكَ الْخمس عِنْده، وَأَبُو حنيفَة يقسمهُ أَثلَاثًا وَالشَّافِعِيّ أَخْمَاسًا، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا نعلم أحدا قبل الشَّافِعِي قَالَ بالخمس من الْفَيْء، وَفِيه جَوَاز إدخار قوت سنة إِذا كَانَ من غَلَّته إِمَّا إِذا اشْتَرَاهُ من السُّوق؟ قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: فَأَجَازَهُ قوم وَمنعه آخَرُونَ إِذا أضرّ بِالنَّاسِ، وَجَوَاز الإدخار لَا يقْدَح التَّوَكّلُ
    ....
    (225)
    وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ أَصْحَابنَا: الْموضع الَّذِي وشم يصير نجسا فَإِن أمكن إِزَالَته بالعلاج وَجَبت إِزَالَته وَإِن لم يُمكن إلاَّ بِجرح فَإِن خَافَ مِنْهُ التّلف أَو فَوَات عُضْو أَو مَنْفَعَة عُضْو أَو شَيْئا فَاحِشا فِي عُضْو ظَاهر لم تجب إِزَالَته، وَإِذا تَابَ لم يبْق عَلَيْهِ إِثْم وَإِن لم يخف شَيْئا من ذَلِك وَنَحْوه لزمَه إِزَالَته ويعصى بِتَأْخِيرِهِ، وَسَوَاء فِي هَذَا كُله الرجل وَالْمَرْأَة.
    ....
    (226)
    الَ الْقُرْطُبِيّ: هُوَ نَص فِي تَحْرِيم ذَلِك، وَهُوَ قَول مَالك وَجَمَاعَة من الْعلمَاء، وَمنعُوا الْوَصْل بِكُل شَيْء من الصُّوف أَو الْخرق وَغَيرهَا لِأَن ذَلِك كُله فِي معنى الْوَصْل بالشعر ولعموم النَّهْي وسد الذريعة، وشذ اللَّيْث بن سعد فَأجَاز وَصله بالصوف وَمَا لَيْسَ بِشعر، وَهُوَ محجوج بِمَا تقدم، وأباح آخَرُونَ وضع الشّعْر على الرَّأْس، وَقَالُوا: إِنَّمَا نهى عَن الْوَصْل خَاصَّة وَهِي ظاهرية مَحْضَة وإعراض عَن الْمَعْنى، وشذ قوم فأجازوا الْوَصْل مُطلقًا وتأولوا الحَدِيث على غير وصل الشّعْر، وَهُوَ قَول بَاطِل، وَقد رُوِيَ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَلم يَصح عَنْهَا وَلَا يدْخل فِي هَذَا النَّهْي مَا يرْبط من الشّعْر بخيوط الشّعْر الملونة وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يشبه الشّعْر لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْهِيّا عَنهُ. إِذْ لَيْسَ هُوَ بوصل إِنَّمَا هُوَ للتجمل والتحسن. وَقَالَ النَّوَوِيّ: فَصله أَصْحَابنَا إِن وصلته بِشعر الْآدَمِيّ فَهُوَ حرَام بِلَا خلاف سَوَاء كَانَ من رجل أَو امْرَأَة لعُمُوم الْأَحَادِيث، وَلِأَنَّهُ يحرم الِانْتِفَاع بِشعر الْآدَمِيّ وَسَائِر أَجْزَائِهِ لكرامته بل يدْفن شعره وظفره وَسَائِر أَجْزَائِهِ، وَإِن وصلته بِشعر غير الْآدَمِيّ فَإِن كَانَ نجسا من ميتَة أَو شعر مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه إِذا انْفَصل فِي حَيَاته فَهُوَ حرَام أَيْضا، وَلِأَنَّهَا حاملة نَجَاسَة فِي صلَاتهَا وَغَيرهَا عمدا، وَسَوَاء فِي هذَيْن النَّوْعَيْنِ الْمُزَوجَة وَغَيرهَا من النِّسَاء وَالرِّجَال، وَأما الشّعْر الطَّاهِر فَإِن لم يكن لَهَا زوج وَلَا سيد فَهُوَ حرَام أَيْضا وَإِن كَانَ فَثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: لَا يجوز لظَاهِر الحَدِيث. الثَّانِي: يجوز، وأصحها عِنْدهم إِن فعلته بِإِذن السَّيِّد أَو الزَّوْج جَازَ، وإلاَّ فَهُوَ حرَام.
    ....
    (228)
    (فَقَامَ رجل من الْأَنْصَار) قَالَ الْخَطِيب: وَأَبُو طَلْحَة الْأنْصَارِيّ. وَقَالَ ابْن بشكوال: هُوَ زدي بن سهل وَأنْكرهُ النَّوَوِيّ: وَقيل: عبد الله بن رَوَاحَة وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ والنحاس. نزلت فِي أبي المتَوَكل وَأَن الضَّيْف ثَابت بن قيس. قَوْلهمَا: نزلت فِي أبي المتَوَكل وَأَن الضَّيْف ثَابت بن قيس. قَوْلهمَا: نزلت فِي أبي المتَوَكل: وهم فَاحش لِأَن أَبَا المتَوَكل النَّاجِي تَابِعِيّ إِجْمَاعًا
    ....
    (228)
    (عجب الله أَو ضحك) ، المُرَاد من الْعجب والضحك وَنَحْوهَا فِي حق الله عز وَجل لوازمها وغاياتها لِأَن التَّعَجُّب حَالَة تحصل عِنْد إِدْرَاك أَمر غَرِيب، والضحك ظُهُور الْأَسْنَان عِنْد أَمر عَجِيب وَكِلَاهُمَا محالان على الله تَعَالَى، وَقَالَ الْخطابِيّ: إِطْلَاق الْعجب لَا يجوز على الله، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الرِّضَا، وَحَقِيقَته أَن ذَلِك الصَّنِيع مِنْهُمَا حل من الرِّضَا عِنْد الله وَالْقَبُول بِهِ ومضاعفة الثَّوَاب عَلَيْهِ مَحل الْعجب عنْدكُمْ فِي الشَّيْء التافه إِذا رفع فَوق قدره وأعظى بِهِ الْأَضْعَاف من قِيمَته، قَالَ: وَقد يكون المُرَاد بالعجب هُنَا أَن الله تَعَالَى يعجب مَلَائكَته من صنيعهما لندور مَا وَقع مِنْهُمَا فِي الْعَادة. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عبد الله يَعْنِي البُخَارِيّ: الضحك هُنَا الرَّحْمَة، وَتَأْويل الضحك بِالرِّضَا أقرب من تَأْوِيله بِالرَّحْمَةِ لِأَن الضحك من الْكِرَام يدل على الرِّضَا فَإِنَّهُم يوصفون بالبشر عِنْد السُّؤَال. انْتهى، وَلَيْسَ فِي النّسخ الَّتِي فِي أَيدي النَّاس مَا نسبه الْخطابِيّ إِلَى البُخَارِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَالله أعلم.
    ....
    (235)
    فسموا الْفرس بالفروسية. وَقيل: إِنَّهُم من ولد بوان بن إيران بن الْأسود بن سَام، وَيُقَال لَهُم بالجزيرة الحضارمة، وبالشام: الجرامقة، وبالكوفة: الأحامرة، وبالبصرة: الأساورة، وباليمن: الْأَبْنَاء والأحرار، وَفِي كتاب (الطَّبَقَات) لصاعد: كَانَت الْفرس أول أمرهَا مُوَحدَة على دين نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَى أَن أَتَى برداسف المشرقي إِلَى طهمورس ثَالِث مُلُوك الْفرس بِمذهب الحنفاء وهم الصابئون، فَقبله مِنْهُ وَقصر الْفرس على التشرع بِهِ فاعتقدوه جَمِيعًا نَحْو ألف سنة ومائتي سنة إِلَى أَن تمجسوا جَمِيعًا بِظُهُور زرادشت فِي زمن بستاسف ملك الْفرس حِين مضى من ملكه ثَلَاثُونَ سنة، ودعى إِلَى دين الْمَجُوسِيَّة من تَعْظِيم النَّار وَسَائِر الْأَنْوَار وَالْقَوْل: بتركيب الْعَالم من النُّور والظلام واعتقاد القدماء
    الْخَمْسَة إِبْلِيس والهيولى وَالزَّمَان وَالْمَكَان وَذكر آخر فَقبل مِنْهُ بستاسف وَقَاتل الْفرس عَلَيْهِ حق انقادوا جَمِيعًا إِلَيْهِ ورفضوا دين الصابئة. واعتقدوا زرادشت نَبيا مُرْسلا إِلَيْهِم، وَلم يزَالُوا على دينه قَرِيبا من ألف سنة وَثَلَاث مائَة سنة إِلَى أَن أباد الله عز وَجل. ملكهم على عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
    ......
    (238)
    وَقَالَ الْكرْمَانِي: ابْن أبي ليلى إِذا أطلقهُ المحدثون يعنون بِهِ عبد الرَّحْمَن، وَإِذا أطلقهُ الْفُقَهَاء يُرِيدُونَ بِهِ ابْنه مُحَمَّدًا القَاضِي الإِمَام،
    .....
    (244)
    ن طَلَاق السّنة أَن يكون فِي طهر، وَهَذَا بَاب اخْتلفُوا فِيهِ. فَقَالَ مَالك: طَلَاق السّنة أَن يُطلق الرجل امْرَأَته فِي طهر لم يَمَسهَا فِيهِ تَطْلِيقَة وَاحِدَة ثمَّ يَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة بِرُؤْيَة أول الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة، وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِي ّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَذَا أحسن من الطَّلَاق، وَله فِي قَول آخر قَالَ إِذا أَرَادَ أَن يطلقهَا ثَلَاثًا، طَلقهَا عِنْد كل طهر وَاحِدَة من غير جماع، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأَشْهَب، وَزعم المرغيناني: أَن الطَّلَاق على ثَلَاثَة أوجه عِنْد أَصْحَاب أبي حنيفَة حسن وَأحسن وبدعي، فالحسن هُوَ طَلَاق السّنة وَهُوَ أَن يُطلق الْمَدْخُول بهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَة أطهار، وَالْأَحْسَن أَن يطلقهَا تَطْلِيقَة وَاحِدَة فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ وَيَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا والبدعي أَن يطلقهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَة وَاحِدَة أَو ثَلَاثًا فِي طهر وَاحِد فَإِذا فعل ذَلِك وَقع الطَّلَاق وَكَانَ عَاصِيا
    وَقَالَ عِيَاض: اخْتلف الْعلمَاء فِي صفة الطَّلَاق السّني. فَقَالَ مَالك وَعَامة أَصْحَابه، هُوَ أَن يُطلق الرجل امْرَأَته تَطْلِيقَة وَاحِدَة فِي طهر لم يَمَسهَا فِيهِ ثمَّ يَتْرُكهَا حَتَّى تكمل عدتهَا، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِي ّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: هَذَا أحسن الطَّلَاق، وَله قَول آخر إِنَّه إِن شَاءَ أَن يطلقهَا ثَلَاثًا طَلقهَا فِي كل طهر مرّة وَكِلَاهُمَا عِنْد الْكُوفِيّين طَلَاق سنة، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود، وَاخْتلف فِيهِ قَول أَشهب فَقَالَ مثله مرّة وَأَجَازَ أَيْضا ارتجاعها ثمَّ يُطلق ثمَّ يرتجع ثمَّ يُطلق فَيتم الثَّلَاث وَقَالَ الشَّافِعِي
    وَأحمد وَأَبُو ثَوْر، لَيْسَ فِي عدد الثَّلَاثَة سنة وَلَا بِدعَة وَإِنَّمَا ذَلِك فِي الْوَقْت.
    الثَّانِي: فِي قَوْله: (ليراجعها) دَلِيل، على أَن الطَّلَاق غير الْبَائِن لَا يحْتَاج إِلَى رضَا الْمَرْأَة.
    الثَّالِث: فِيهِ دَلِيل على أَن الرّجْعَة تصح بالْقَوْل وَلَا خلاف فِي ذَلِك، وَأما الرّجْعَة بِالْفِعْلِ فقد اخْتلفُوا فِيهَا. فَقَالَ عِيَاض: وَتَصِح عندنَا أَيْضا بِالْفِعْلِ الْحَال مَحل القَوْل الدَّال فِي الْعبارَة على الارتجاع: كَالْوَطْءِ والتقبيل واللمس بِشَرْط الْقَصْد إِلَى الارتجاع بِهِ، وَأنكر الشَّافِعِي صِحَة الارتجاع بِالْفِعْلِ أصلا وأثبته أَبُو حنيفَة، وَإِن وَقع من غير قصد وَهُوَ قَول ابْن وهب من أَصْحَابنَا فِي الواطىء من غير قصد.
    وَالرَّابِع: اسْتدلَّ بِهِ أَبُو حنيفَة أَن من طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض فقد أَثم، وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يُرَاجِعهَا فَإِن تَركهَا تمْضِي فِي الْعدة بَانَتْ مِنْهُ بِطَلَاق.
    الْخَامِس: أَن فِيهِ الْأَمر بالمراجعة، فَقَالَ مَالك: هَذَا الْأَمر مَحْمُول على الْوُجُوب، وَمن طلق زَوجته حَائِضًا أَو نفسَاء. فَإِنَّهُ يجْبر على رَجعتهَا فسوى دم النّفاس بِدَم الْحيض، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِي ّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: يُؤمر بالرجعة وَلَا يجْبر، وحملوا الْأَمر فِي ذَلِك على النّدب ليَقَع الطَّلَاق على السّنة، وَلم يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهَا إِذا انْقَضتْ عدتهَا لَا يجْبر على رَجعتهَا، وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا طَلقهَا فِي طهر قد مَسهَا فِيهِ لَا يجْبر على رَجعتهَا وَلَا يُؤمر بذلك، وَإِن كَانَ قد أوقع الطَّلَاق على غير سنة.
    السَّادِس: أَن الطَّلَاق فِي الْحيض محرم وَلكنه إِن أوقع لزم، وَقَالَ عِيَاض: ذهب بعض النَّاس مِمَّن شَذَّ أَنه لَا يَقع الطَّلَاق. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي منع الطَّلَاق فِي الْحيض. قلت: هَذِه عبَادَة غير معقولة الْمَعْنى، وَقيل: بل هُوَ معال بتطويل الْعدة.
    ..........
    (247)
    ن الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا آخر الْأَجَليْنِ عِنْد ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن أبي ليلى أَيْضا وَاخْتَارَهُ سَحْنُون، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رُجُوعه وانقضاء الْعدة بِوَضْع الْحمل وَعَلِيهِ فُقَهَاء الْأَمْصَار، وَهُوَ قَول أبي هُرَيْرَة وَعَمْرو ابْن مَسْعُود وَأبي سَلمَة. وَسبب الْخلاف تعَارض الْآيَتَيْنِ فَإِن كلاًّ مِنْهُمَا عَام من وَجه وخاص من وَجه.
    .....
    (254)
    وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ فَعَن مُجَاهِد وَمُقَاتِل وَالسُّديّ وَآخَرين: هُوَ الْحُوت الَّذِي يحمل الأَرْض، وَهِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس، وَاخْتلف فِي اسْمه، فَعَن الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل: يهموت، وَعَن الْوَاقِدِيّ: ليوثا وَعَن عَليّ: بلهوت، وَقيل: هِيَ حُرُوف الرَّحْمَن، وَهِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الر وح م، وَنون حُرُوف الرحمان مقطعَة، وَعَن الْحسن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك: النُّون، الدَّوَاء وَهِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا. وَعَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة: لوح من نور رَفعه الله إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن ابْن كيسَان: هُوَ قسم أقسم الله بِهِ، وَعَن عَطاء افْتِتَاح اسْمه نور وناصر ونصير، وَعَن جَعْفَر: نون نهر فِي الْجنَّة.
    .....
    (257)
    (يكْشف رَبنَا عَن سَاقه) ، من المتشابهات، وَلأَهل الْعلم فِي هَذَا الْبَاب قَولَانِ: أَحدهمَا: مَذْهَب مُعظم السّلف أَو كلهم تَفْوِيض الْأَمر فِيهِ إِلَى الله تَعَالَى وَالْإِيمَان بِهِ، واعتقاد معنى يَلِيق لجلال الله عز وَجل وَالْآخر: هُوَ مَذْهَب بعض الْمُتَكَلِّمين أَنَّهَا تتأول على مَا يَلِيق بِهِ، وَلَا يسوغ ذَلِك إلاَّ لمن كَانَ من أَهله بِأَن يكون عَارِفًا بِلِسَان الْعَرَب، وقواعد الْأُصُول وَالْفُرُوع، فعلى هَذَا قَالُوا: المُرَاد بالساق هُنَا الشدَّة، أَي: يكْشف الله عَن شدَّة وَأمر مهول، وَكَذَا فسره ابْن عَبَّاس، وَقَالَ عِيَاض: المُرَاد بالساق النُّور الْعَظِيم، وَرُوِيَ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَوْم يكْشف عَن سَاق) قَالَ: عَن نور عَظِيم يخرون لَهُ سجدا وَعَن قَتَادَة فِيمَا رَوَاهُ عبد بن حميد (يَوْم يكْشف عَن سَاق) عَن أَمر فظيع، وَعَن عبد الله هِيَ ستور رب الْعِزَّة إِذا كشف لِلْمُؤمنِ يَوْم الْقِيَامَة، وَعَن الرّبيع بن أنس: يكْشف عَن الغطاء فَيَقَع من كَانَ آمن بِهِ فِي الدُّنْيَا سَاجِدا، وَقَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَأما القَوْل من قَالَ: المُرَاد بالساق الشدَّة فِي الْقِيَامَة، وَفِي هَذَا قُوَّة لأهل التعطيل، وَجَاء حَدِيث عَن ابْن مَسْعُود يرفعهُ، وَفِيه
    وَزعم ابْن الْجَوْزِيّ: أَن ذَلِك بِمَعْنى كشف الشدائد عَن الْمُؤمنِينَ فيسجدون شكرا. وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِحَدِيث أبي مُوسَى مَرْفُوعا. فَيكْشف لَهُم الْحجاب فَيَنْظُرُونَ إِلَى الله، وَعَن ابْن مَسْعُود: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَامَ النَّاس لرب الْعَالمين أَرْبَعِينَ عَاما فِيهِ فَعِنْدَ ذَلِك يكْشف عَن سَاق ويتجلى لَهُم، وأوله بَعضهم بِأَن الله يكْشف لَهُم عَن سَاق لبَعض المخلوفين من مَلَائكَته وَغَيرهم، وَيجْعَل ذَلِك سَببا لبَيَان مَا شَاءَ من حكمته فِي أهل الْإِيمَان والنفاق. وَعَن أبي الْعَبَّاس النَّحْوِيّ أَنه قَالَ: السَّاق النَّفس. كَمَا قَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: وَالله لأقاتلن الْخَوَارِج وَلَو تلفت ساقي، فَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ تجلي ذَاته لَهُم وكشف الْحجب حَتَّى إِذا رَأَوْهُ سجدوا لَهُ.
    ....
    (285)
    لْحُكَمَاء يَشْمَل الْإِنْسَان كَونه نُطْفَة إِلَى أَن يَمُوت على سَبْعَة وَثَلَاثِينَ حَالا وَسَبْعَة وَثَلَاثِينَ اسْما، نُطْفَة ثمَّ علقَة ثمَّ مُضْغَة ثمَّ عظاما ثمَّ خلقا آخر ثمَّ جَنِينا
    ثمَّ وليدا ثمَّ رضيعا ثمَّ فطيما ثمَّ يافعا ثمَّ نَاسِيا ثمَّ مترعرعا ثمَّ حزورا ثمَّ مراهقا ثمَّ محتلما ثمَّ بَالغا ثمَّ أَمْرَد ثمَّ طارا ثمَّ باقلاً ثمَّ مستطرا ثمَّ مطرخما ثمَّ مخلطا ثمَّ صملاً ثمَّ ملتحيا ثمَّ مستويا ثمَّ مصعدا ثمَّ مجتمعا. والشاب يجمع ذَلِك كُله. ثمَّ ملهوزا ثمَّ كهلاً ثمَّ أشمط ثمَّ أشيخا ثمَّ شَبَّبَ ثمَّ حوقلاً ثمَّ صفتاتا ثمَّ هما ثمَّ هرما ثمَّ مَيتا. فَهَذَا معنى قَوْله: (لتركبن طبقًا عَن طبق) والطبق فِي اللُّغَة الْحَال قَالَه الثَّعْلَبِيّ
    وَقَالَ بَعضهم: مَا دَامَ الْوَلَد فِي بطن أمه فَهُوَ جَنِين، فَإِذا وَلدته يُسمى صَبيا مَا دَامَ رضيعا فَإِذا فطم يُسمى غُلَاما إِلَى سبع سِنِين ثمَّ يصير يافعا إِلَى عشر حجج ثمَّ يصير حزورا إِلَى خمس عشرَة سنة ثمَّ يصير قمدا إِلَى خمس وَعشْرين سنة ثمَّ يصير عنطنا إِلَى ثَلَاثِينَ سنة ثمَّ يصير صملاً إِلَى أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ يصير كهلاً إِلَى خمسين سنة ثمَّ يصير شَيخا إِلَى ثَمَانِينَ سنة ثمَّ يصير هما بعد ذَلِك فانيا كَبِيرا.



    ......
    (288)
    مَذْهَب الإِمَام أبي جَعْفَر الطَّحَاوِيّ أَنه تجب الصَّلَاة عَلَيْهِ كلما ذكر اسْمه.
    ...
    (290)
    وَاخْتلف فِي إرم ذَات الْعِمَاد فَقيل: دمشق. قَالَه سعيد بن الْمسيب، وَعَن الْقُرْطُبِيّ: هِيَ الاسكندرية، وَعَن مُجَاهِد: هِيَ أمة وَمَعْنَاهَا الْقَدِيمَة، وَعَن قَتَادَة: هِيَ قَبيلَة من عَاد، وَعَن ابْن إِسْحَاق: هِيَ جد عَاد، وَالصَّوَاب أَنَّهَا اسْم قَبيلَة أَو بَلْدَة
    هل خيام لَا يُقِيمُونَ فِي بَلْدَة وَحَاصِل الْمَعْنى أَنه قيل لَهُم ذَات الْعِمَاد لأَنهم كَانُوا أهل عَمُود لَا يُقِيمُونَ. وَكَانُوا سيارة ينتجعون الْغَيْث وينتقلون إِلَى الكلاء حَيْثُ كَانَ ثمَّ يرجعُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ فَلَا يُقِيمُونَ فِي مَوضِع، وَكَانُوا أهل جنان وزروع ومنازلهم كَانَت بوادي الْقرى، وَقيل: سموا ذَات الْعِمَاد لبِنَاء بناه شَدَّاد بن عَاد وحكايته مَشْهُورَة فِي التفاسير.



    ......
    (295)
    وَالَّذِي عقرهَا، وَهُوَ قدار بن سالف وَأمه قديرة وَهُوَ أُحَيْمِر ثَمُود الَّذِي يضْرب الْمثل فِي الشؤم، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَكَانَ أَحْمَر أشقر أَزْرَق قصير وَذكر ولد زنى، ولد على فرَاش ساف
    .....
    (295)
    الْأَمر بالإغماض والتجاهل والإعراض عَن سَماع صَوت الضراط، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا وَقع من أحدهم ضرطه فِي الْمجْلس يَضْحَكُونَ وَنهى الشَّارِع عَن ذَلِك إِذا وَقع وَأمر بالتغافل عَن ذَلِك والاشتغال بِمَا كَانَ فِيهِ، وَكَانَ هَذَا من جملَة أَفعَال قوم لوط، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِنَّهُم كَانُوا يتضارطون فِي الْمجْلس ويتضاحكون.
    ....
    (302)
    (اقْرَأ باسم رَبك) فِي قِرَاءَة: بِسم الله الرحمان الرَّحِيم، لَكِن فِي أول سُورَة الْفَاتِحَة فَقَط أَو فِي أول كل سُورَة من الْقُرْآن؟ فِيهِ خلاف مَشْهُور بَين الْعلمَاء. فمذهب الْحسن الْبَصْرِيّ وَمَا ذكره البُخَارِيّ.
    مَذْهَب الْحسن أَن الْبَسْمَلَة تكْتب فِي أول الْفَاتِحَة فَقَط ويكتفي فِي الْبَاقِيَة بَين كل سورتين بالعلامة، فَإِذا كَانَ هَذَا مذْهبه كَيفَ يَقُول الدَّاودِيّ إِن أَرَادَ خطا بِغَيْر الْبَسْمَلَة فَلَيْسَ بصواب وَإِن أَرَادَ بِالْإِمَامِ بِكَسْر الْهمزَة الَّذِي هُوَ الْفَاتِحَة فَكيف يَقُول: وَإِن أَرَادَ بِالْإِمَامِ أَمَام كل سُورَة بِفَتْح الْهمزَة يَعْنِي: فَكيف يَصح ذكر الإِمَام بِالْكَسْرِ، وَيُرَاد بِهِ الإِمَام بِالْفَتْح؟ وَقَالَ السُّهيْلي: هَذَا الْمَذْكُور عَن مصحف الْحسن شذوذ، قَالَ: وَهِي على هَذَا من الْقُرْآن إِذْ لَا يكْتب فِي الْمُصحف مَا لَيْسَ بقرآن، وَلَيْسَ يلْزم قَول الشَّافِعِي: إِنَّهَا آيَة من كل سُورَة وَلَا أَنَّهَا آيَة من الْفَاتِحَة، بل يَقُول إِنَّهَا آيَة من كتاب الله تَعَالَى مقترنة مَعَ السُّورَة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَدَاوُد، وَهُوَ قَول بَين الْقُوَّة لمن أنصف. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) لَا نسلم لَهُ ذَلِك، بل من تَأمل الْأَدِلَّة ظهر لَهُ أَنَّهَا من الْفَاتِحَة وَمن كل سُورَة. قلت: مُجَرّد الْمَنْع بِغَيْر إِقَامَة الْبُرْهَان مَمْنُوع، وَمَا قَالَه بِالْعَكْسِ، بل من تَأمل الْأَدِلَّة ظهر لَهُ أَنَّهَا لَيست من الْفَاتِحَة وَلَا من أول كل سُورَة، بل هِيَ آيَة مُسْتَقلَّة أنزلت للفصل بَين السورتين، وَلِهَذَا اسْتدلَّ ابْن الْقصار الْمَالِكِي على أَن بِسم الله الرحمان الرَّحِيم لَيست بقرآن فِي أَوَائِل السُّور من قَوْله: اقْرَأ باسم رَبك لم تذكر الْبَسْمَلَة

  7. #287
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    المجلد العشرون "
    اليوم : الثلاثاء
    الموافق : 15/ رمضان / 1442 هجري
    الموافق : 27/ ابريل / 2021 ميلادي

    " الفوائد المنتقاة من المجلد العشرين من " عمدة القاري " للحافظ العيني رحمه الله


    (20/25)
    وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا مَحْمُول على أَنه كَانَت ولَايَة إِقَامَة الْحُدُود لكَونه نَائِبا للْإِمَام عُمُوما أَو خُصُوصا وعَلى أَن الرجل اعْترف بشربها بِلَا عذرو إِلَّا فَلَا يحد بِمُجَرَّد رِيحهَا، وعَلى أَن التَّكْذِيب كَانَ بإنكار بعضه جَاهِلا إِذا لَو أنكر حَقِيقَة لكفر، وَقد أَجمعُوا على أَن من جحد حرفا معجما عَلَيْهِ من الْقُرْآن فَهُوَ كَافِر، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون معنى قَوْله: فَضَربهُ الْحَد أَي: رَفعه إِلَى الإِمَام فَضَربهُ، وَأسْندَ الضَّرْب إِلَى نَفسه مجَازًا لكَونه كَانَ سَببا فِيهِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَد لِأَنَّهُ جعل لَهُ ذَلِك من الْولَايَة أَو لِأَنَّهُ رأى أَنه أَقَامَ عَن الإِمَام بِوَاجِب أَو لِأَنَّهُ كَانَ فِي زمَان ولَايَته الْكُوفَة فَإِنَّهُ وَليهَا فِي زمَان عمر، رَضِي الله عَنهُ، وصدرا من خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ. انْتهى.
    وَقَول النَّوَوِيّ: على أَن الرجل اعْترف بشربها بِلَا عذر وإلاَّ فَلَا يحد بِمُجَرَّد رِيحهَا فِيهَا نظر لِأَن الْمَنْقُول عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يرى وجوب الْحَد بِمُجَرَّد وجود الرَّائِحَة.
    وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: فِي الحَدِيث حجَّة على من يمْنَع وجوب الْحَد بالرائحة كالحنيفة، وَقد قَالَ بِهِ مَالك وَأَصْحَابه وَجَمَاعَة من أهل الْحجاز. قلت: لَا حجَّة عَلَيْهِم فِيهِ لِأَن ابْن مَسْعُود مَا حد الرجل إلاَّ باعترافه، لِأَن نفس الرّيح لَيْسَ بقطعي الدّلَالَة على شرب الْخمر لاحْتِمَال الِاشْتِبَاه أَلا يُرى أَن رَائِحَة السَّفَرْجل الْمَأْكُول يشبه رَائِحَة الْخمر، فَلَا يثبت إلاَّ بِشَهَادَة أَو باعتراف.
    .........
    (20/27)
    وَذكر ابْن أبي دَاوُد من الْمُهَاجِرين أيضاتميم بن أَوْس الدَّارِيّ وَعقبَة بن عَامر وَمن الْأَنْصَار: معَاذ الَّذِي يكنى أَبَا حليمة وفضالة بن عبيد ومسلمة بن مخلد، وَعَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَرَأت الْقُرْآن وَأَنا ابْن عشر سِنِين، وَقد ظهر من هَذَا أَن الَّذين جمعُوا الْقُرْآن على عَهده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحصيهم أحد وَلَا يضبطهم عدد، وَذكر القَاضِي أَبُو بكر: فَإِن قيل: إِذا لم يكن دَلِيل خطاب فلأي شَيْء خص هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة بِالذكر دون غَيرهم؟ قيل لَهُ: إِنَّه يحْتَمل أَن يكون ذَلِك لتَعلق غَرَض الْمُتَكَلّم بهم دون غَيرهم، أَو يَقُول: إِن هَؤُلَاءِ فيهم دون غَيرهم. فَإِن قلت: قد حاول بعض الْمَلَاحِدَة فِيهِ بِأَن الْقُرْآن شَرطه التَّوَاتُر فِي كَونه قُرْآنًا، وَلَا بُد من خبر جمَاعَة أحالت الْعَادة تواطئهم على الْكَذِب قلت: ضَابِط التَّوَاتُر الْعلم بِهِ، وَقد يحصل بقول هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة، وَأَيْضًا لَيْسَ من شَرطه أَن يتَقَبَّل جَمِيعهم بل لَو حفظه كل جُزْء مِنْهُ عدد التَّوَاتُر لَصَارَتْ الْجُمْلَة متواترا، وَقد حفظ جَمِيع أَجْزَائِهِ مئون لَا يُحصونَ.
    ......
    (29)
    يروي أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود، قَالَ: كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره الرقيا إلاَّ بالمعوذات. قلت: قَالَ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه: لَا يَصح، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: وَفِي
    إِسْنَاده من لَا يعرف: وَابْن حَرْمَلَة لَا نعرفه فِي أصَاب عبد الله. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِحَدِيث عبد الرَّحْمَن بَأْس وَلم أر أحدا يُنكره أَو يطعن عَلَيْهِ، وَقَالَ السَّاجِي: لَا يَصح حَدِيثه، وَأما ابْن حبَان فَذكره فِي ثقاته، وَأخرج حَدِيثه فِي صَحِيح وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد،
    .....
    (30)
    (كفتاه) أَي: عَن قيام اللَّيْل، وَقيل: مَا يكون من الْآفَات تِلْكَ اللَّيْلَة، وَقيل: من الشَّيْطَان وشره، وَقيل: كفتاه من حزبه إِن كَانَ لَهُ حزب من الْقُرْآن، وَقيل: حَسبه بهما أجرا وفضلاً، وَقيل: أقل مَا يَكْفِي فِي قيام اللَّيْل آيتان مَعَ أم الْقُرْآن وَقَالَ المظهري: أَي دفعتا عَن قاريهما شَرّ الْإِنْس وَالْجِنّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ النَّوَوِيّ: كفتاه عَن قِرَاءَة سُورَة الْكَهْف وَآيَة الْكُرْسِيّ. انْتهى. لم يقل النَّوَوِيّ ذَلِك وَكَانَ سَبَب وهمه أَنه عِنْد النَّوَوِيّ عقيب هَذَا بَاب فضل سُورَة الْكَهْف
    وَآيَة الْكُرْسِيّ، فَلَعَلَّ النُّسْخَة الَّتِي كَانَت لَهُ سقط مِنْهَا شَيْء فصحف عَلَيْهِ
    ....
    (31)
    (تِلْكَ السكينَة) وَاخْتلف أهل التَّأْوِيل فِي تَفْسِير السكينَة، فَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هِيَ ريح هفافة لَهَا وَجه كوجه الْإِنْسَان، وَعنهُ: إِنَّهَا ريح خجوج وَلها رأسان، وَعَن مُجَاهِد: لَهَا رَأس كرأس الهر وجناحان وذنب كذنب الهر، وَعَن الرّبيع: هِيَ دَابَّة مثل الهر لعينيها شُعَاع فَإِذا التقى الْجَمْعَانِ أخرجت فَنَظَرت إِلَيْهِم فينهزم ذَلِك الْجَيْش من الرعب وَعَن ابْن عَبَّاس وَالسُّديّ: هِيَ طست من ذهب من الْجنَّة يغسل فِيهَا قُلُوب الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصرة وَالسَّلَام، وَعَن ابْن مَالك: طست من ذهب ألْقى فِيهَا مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، الألواح والتوراة والعصا. وَعَن وهب: روح من الله يتَكَلَّم، إِذا اخْتلفُوا فِي شَيْء بيَّن لَهُم مَا يُرِيدُونَ. وَعَن الضَّحَّاك: الرَّحْمَة، وَعَن عَطاء مَا يعْرفُونَ من الْآيَات فيسكنون إِلَيْهَا، وَهُوَ اخْتِيَار الطَّبَرِيّ، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْمُخْتَار أَنَّهَا من الْمَخْلُوقَات فِيهِ طمأنينة وَرَحْمَة وَمَعَهُ الْمَلَائِكَة، وَقد تكَرر فِي الْقُرْآن والْحَدِيث لفظ السكينَة، فَيحل فيكل مَوضِع وَردت فِيهِ على مَا يَلِيق بِهِ من الْمعَانِي الْمَذْكُورَة، وَالَّذِي يَلِيق فِي الْمَذْكُور فِي الْبَاب قَول الضَّحَّاك، وَالله أعلم.
    ....
    (33)
    إِن قِرَاءَة {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) لتعدل ثلث الْقُرْآن.
    وَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ. فَقَالَ الْمَازرِيّ: الْقُرْآن ثَلَاثَة أنحاء: قصَص وَأَحْكَام وصفات الله، عز وَجل، وَهَذِه السُّورَة متمحضة للصفات، وَهِي ثلث وجزء من الثَّلَاثَة، وَقيل: ثَوَابهَا يُضَاعف بِقدر ثَوَاب ثلث الْقُرْآن بِغَيْر تَضْعِيف، وَقيل: الْقُرْآن لَا يتَجَاوَز ثَلَاثَة أَقسَام: الْإِرْشَاد إِلَى معرفَة ذَات الله تَعَالَى، وَمَعْرِفَة أَسمَاء وَصِفَاته وَمَعْرِفَة أَفعاله وسننه، وَلما اشْتَمَلت هَذِه السُّورَة على التَّقْدِيس وازنها رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، بِثلث الْقُرْآن. وَقيل: إِن من عمل بِمَا تضمنته من الْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ والإذعان بالخالق كمن قَرَأَ ثلث الْقُرْآن، وَقيل: قَالَ ذَلِك لشخص بِعَيْنِه قَصده رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَقَالَ أَبُو عمر: نقُول بِمَا ثَبت عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا نعده وَنكل مَا جهلناه من مَعْنَاهُ فنره إِلَيْهِ، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا نَدْرِي لم تعدل هَذِه ثلث الْقُرْآن. وَقَالَ ابْن رَاهَوَيْه: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن لَو قَرَأَ الْقُرْآن كُله كَانَت قِرَاءَة {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) تعدل ذَلِك إذاقرأها ثَلَاث مَرَّات، لَا، وَلَو قَرَأَهَا أَكثر من مِائَتي مرّة. وَقَالَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ: لَعَلَّ الرجل الَّذِي بَات يُرَدِّدهَا كَانَت مُنْتَهى حفظه فجَاء يقلل عمله، فَقَالَ لَهُ سيدنَا رَسُوله الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهَا التعدل ثلث الْقُرْآن ترغيبا فِي عمل الْخَيْر، وَإِن قل: وَللَّه عز وَجل أَن يجازي عَبده على الْيَسِير بِأَفْضَل مِمَّا يجازي لكثير. وَقَالَ الْأصيلِيّ: مَعْنَاهُ يعدل ثَوَابهَا ثلث الْقُرْآن لَيْسَ فِيهِ {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) وَأما تَفْضِيل كَلَام رَبنَا بعضه على بعض فَلَا، لِأَنَّهُ كُله صفة لَهُ، وَهَذَا مَا ماشٍ على أحد المذهبين أَنه لَا تَفْضِيل فِيهِ، وَنَقله الْمُهلب عَن الْأَشْعَرِيّ وَأبي بكربن أبي الطّيب وَجَمَاعَة عُلَمَاء السّنة. فَإِن قلت: فِي مُسْند ابْن ووهب عَن ابْن لَهِيعَة عَن الْحَارِث بن يزِيد عَن أبي الْهَيْثَم عَن أبي سعيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: بَات قَتَادَة بن النُّعْمَان يقْرَأ {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) حَتَّى أصبح، فَذكرهَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أَنَّهَا لتعدت ثلث الْقُرْآن أَو نصفه. قلت: قَالَ أَبُو عمر: هَذَا شكّ من الرواي لَا يجوز أَن يكون شكا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَنَّهَا لَفْظَة غير مَحْفُوظَة فِي هَذَا الحَدِيث، وَلَا فِي غَيره وَالصَّحِيح الثَّابِت فِي هَذَا الحَدِيث وَغَيره أَنَّهَا لتعدل ثلث الْقُرْآن من غير شكّ، وَقد رُوِيَ ثلث الْقُرْآن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أبي بن كَعْب وَعمر، ذكرهمَا أَبُو عمر وَأَبُو أَيُّوب وَأَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ وَسماك عَن النُّعْمَان بن بشير وَأَبَان عَن أنس
    .....
    (40 )
    وَاخْتلفُوا فِي معنى التَّغَنِّي، فَعَن الشَّافِعِي: تَحْسِين الصَّوْت بِالْقُرْآنِ، وَيُؤَيِّدهُ قَول ابْن أبي مليكَة فِي سنَن أبي دَاوُد إِذا لم يكن حسن الصَّوْت يُحسنهُ مَا اسْتَطَاعَ، وَقيل: يَسْتَغْنِي بِهِ، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أَحْمد عَن وَكِيع وَقيل: يَسْتَغْنِي بِهِ عَن أَخْبَار الْأُمَم الْمَاضِيَة والكتب الْمُتَقَدّمَة، وَقيل: مَعْنَاهُ التشاغل بِهِ والتغني، وَقيل: ضد الْفقر، وَقيل: من لم يرتح لقرَاءَته وسماعه، وَقَالَ الإِمَام: أوضح الْوُجُوه فِي تَأْوِيله: من لم يغنه الْقُرْآن وَلم يَنْفَعهُ فِي إيمَانه وَلم يصدق بِمَا فِيهِ من وعد ووعيد فَلَيْسَ منا، وَمن تَأَول بِهَذَا التَّأْوِيل كره الْقِرَاءَة بالألحان والترجيع، رُوِيَ ذَلِك عَن أنس وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَسَعِيد بن جُبَير وَالنَّخَعِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم وَعبد الرَّحْمَن بن الْأسود فِيمَا ذكره ابْن أبي شيبَة فِي كتاب الثَّوَاب وَقَالُوا: كَانُوا يكرهونها بتطريب، وَهُوَ قَول مَالك، وَمِمَّنْ قَالَ: المُرَاد بِهِ تَحْسِين الصَّوْت والترجيع بقرَاءَته والتغني بِمَا شَاءَ من الْأَصْوَات واللحون الشَّافِعِي وَآخَرُونَ، وَذكر عمر بن شبة قَالَ: ذكرت لأبي عَاصِم النَّبِيل تَأْوِيل ابْن عُيَيْنَة الَّذِي ذكره عَن قريب، فَقَالَ: مَا يصنع ابْن عُيَيْنَة شَيْئا، حَدثنَا ابْن جريج عَن عَطاء عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: كَانَ لداود عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، معزفة يتَغَنَّى عَلَيْهَا ويبكى ويبكى، وَعَن ابْن عَبَّاس: أَنه كَانَ يقْرَأ الزبُور بسبعين لحنا وَيقْرَأ قِرَاءَة يطرب مِنْهَا المحموم، فَإِذا أَرَادَ أَن يبكي نَفسه لم تيقدابة فِي بر أَو بَحر إِلَّا أنصتن يسمعن ويبكين، وَمن الْحجَّة لهَذَا القَوْل أَيْضا حَدِيث ابْن مُغفل فِي وصف قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه: ثَلَاث مَرَّات، وَهَذَا غَايَة الترجيع، ذكره البُخَارِيّ فِي الِاعْتِصَام، وَسُئِلَ الشَّافِعِي عَن تَأْوِيل ابْن عُيَيْنَة، فَقَالَ: نَحن أعلم بِهَذَا لَو أَرَادَ الِاسْتِغْنَاء لقَالَ: من لم يسْتَغْن بِالْقُرْآنِ، وَلَكِن لما قَالَ: من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ، علمنَا أَنه أَرَادَ بِهِ التَّغَنِّي، وَكَذَلِكَ فسره
    ....
    (41 )
    وَقَالَ الطَّبَرِيّ: ومعقول: إِن الترنم لَا يكون إلاَّ بالصوت إِذا حسنه وطرب بِهِ وَقَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام: تحمل الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَت فِي حسن الصَّوْت على التحزن والتخويف والتشويق، وَرُوِيَ سُفْيَان عَن ابْن جريج عَن ابْن طَاوس عَن أَبِيه أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ: أَي النَّاس أحسن صَوتا بِالْقُرْآنِ؟ قَالَ: (الَّذِي إِذا سمعته رَأَيْته خشِي الله تَعَالَى وَعند الْآجُرِيّ من حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر عَن إِبْرَاهِيم عَن أبي الزبير عَن جَابر يرفعهُ: أحسن النَّاس صَوتا بِالْقُرْآنِ الَّذِي إِذا سمعته يقْرَأ حسبته يخْشَى الله عز وَجل.

    .....
    وَقَالَ الْكرْمَانِي: يجْهر بِهِ مَعْنَاهُ بتحسين صَوته وتحزينه وترقيقه، وَيسْتَحب ذَلِك مَا لم تخرجه الألحان عَن حد الْقِرَاءَة فَإِن أفرط حَتَّى زَاد حرفا أَو أخْفى حرفا فَهُوَ حرَام.
    ....
    (43)
    ن قِرَاءَة الْقُرْآن أفضل أَعمال الْبر كلهَا، لِأَنَّهُ لما كَانَ من تعلم الْقُرْآن أَو علمه أفضل النَّاس أَو خَيرهمْ دلّ عَليّ على مَا قُلْنَا. فَإِن قلت: إيما أفضل تعلم الْقُرْآن أَو تعلم الْفِقْه؟ قلت: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: تعلم اللَّازِم مِنْهُمَا فرض على الْأَعْيَان، وَتعلم جميعهما فرض على الْكِفَايَة إِذا قَامَ بِهِ قوم سقط عَن البَاقِينَ، فَإِن فَرضنَا الْكَلَام فِي التزيد مِنْهُمَا على قدر الْوَاجِب فِي حق الْأَعْيَان فالمتشاغل بالفقه أفضل، وَذَلِكَ رَاجع إِلَى حَاجَة الْإِنْسَان لِأَنَّهُ الْفِقْه أفضل من الْقِرَاءَة، وَإِنَّمَا كَانَ القارىء فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الأفقه فَلذَلِك قدم القارىء فِي الصَّلَاة.
    ....
    (45)
    خْتلف فِي اسْم هَذِه الْمَرْأَة الواهبة نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقيل: هِيَ خَوْلَة بنت حَكِيم، وَقيل: هِيَ أم شريك الْأَزْدِيَّة، وَقيل: مَيْمُونَة، حُكيَ هَذِه الْأَقْوَال الثَّلَاثَة أَبُو الْقَاسِم بن بشكوال فِي كتاب المبهماتوق ال شَيخنَا زين الدّين لَا يَصح شَيْء من هَذِه الْأَقْوَال الثَّلَاثَة أما خوله فَإِنَّهَا لم تتَزَوَّج، وَكَذَلِكَ أم شريك لم تتَزَوَّج، وَأما مَيْمُونَة فَكَانَت إِحْدَى زَوْجَاته، فَلَا يَصح أَن تكون هَذِه لِأَن هَذِه قدر زَوجهَا لغيره
    ......
    (45)
    جَوَاز عقد النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ. وَصورته أَن يَقُول الرجل: قد وهبت لَك ابْنَتي، فَيَقُول الآخر: قبلت أَو تزوجت، وسواه فِي ذَلِك سميا الْمهْر أَو لَا فَإِن سمياه فلهَا الْمُسَمّى وإلاَّ فلهَا مهر مثلهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا ينْعَقد بِلَفْظ الْهِبَة، وَبِه قَالَ ربيعَة وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد وَمَالك على اخْتِلَاف عَنهُ. وَلَا خلاف فِي جَوَاز هبة الْمَرْأَة نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ من خَصَائِصه لقَوْله عز وَجل: {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي} (الْأَحْزَاب: 05) وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك: لَا تحل الْهِبَة لأحد بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه مَا يسْتَدلّ بِهِ الشَّافِعِي على جَوَاز النِّكَاح بِمَا تراضى عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ: كالسوط والنعل، وَإِن كَانَت قِيمَته أقل من دِرْهَم، وَبِه قَالَ ربيعَة وَأَبُو الزِّنَاد وَابْن أبي ذِئْب وَيحيى بن سعيد وَاللَّيْث بن سعد وَمُسلم بن خَالِد الزنْجِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِي ّ وَدَاوُد وَابْن وهب من الْمَالِكِيَّة، وَقَالَ مَالك لَا يجوز أقل من ربع دِينَار قِيَاسا على الْقطع فِي السّرقَة، وَقَالَ ابْن حزم: وَجَائِز أَن يكون صَدَاقا كل مَاله نصف قلَّ أَو كثر، وَلَو أَنه حَبَّة بر أَو حَبَّة شعير أَو غير ذَلِك، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقوله: (وَلَو خَاتمًا من حَدِيد) وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: أكره أَن يكون الْمهْر بِمثل أجر الْبَغي وَلَكِن الْعشْرَة وَالْعِشْرين، وَعنهُ: السّنة فِي النِّكَاح الرطل من الْفضة، وَعَن الشّعبِيّ: كَانُوا يكْرهُونَ أَن يتَزَوَّج الرجل على أقل من ثَلَاث أواقي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: لَا يجوز أَن يكون الصَدَاق أقل من عشرَة دَرَاهِم، لما رُوِيَ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه: عَن شريك عَن دَاوُد الزعافري عَن الشّعبِيّ، قَالَ: قَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا مهر أقل من عشرَة دَرَاهِم. وَالظَّاهِر أَنه قَالَ تَوْفِيقًا لِأَنَّهُ بَاب لَا يُوصل إِلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاس. فَإِن قلت: قَالَ ابْن حزم: الرِّوَايَة عَن عَليّ بَاطِلَة لِأَنَّهَا عَن دَاوُد الزعافري، وَهُوَ فِي غَايَة السُّقُوط، ثمَّ هِيَ مُرْسلَة لِأَن الشّعبِيّ لم يسمع من عَليّ قطّ حَدِيثا. قلت: قَالَ ابْن عدي: لم أَرَ لَهُ حَدِيثا مُنْكرا جَاوز الْحَد إِذا رُوِيَ عَنهُ ثِقَة، وَإِن كَانَ لَيْسَ بِقَوي فِي الحَدِيث فَإِنَّهُ يكْتب حَدِيثه وَيقبل إِذا رُوِيَ عَنهُ ثِقَة، وَذكر عَن الْمزي أَن الشّعبِيّ سمع عَليّ بن أبي طَالب، وَلَئِن سلمنَا أَن رِوَايَته مُرْسلَة فقد قَالَ الْعجلِيّ: مُرْسل الشّعبِيّ صَحِيح وَلَا يكَاد يُرْسل إلاَّ صَحِيحا. وَالْجَوَاب عَن قَوْله: (وَلَو خَاتمًا من حَدِيد) أَنه خَارج مخرج الْمُبَالغَة كَمَا فِي قَوْله: تصدقوا وَلَو بظلف محرق، وَفِي لفظ: وَلَو بفرسن شَاة، وَلَيْسَ الظلْف والفرسن مِمَّا يتَصَدَّق بهما وَلَا مِمَّا ينتفعه بهما، وَيُقَال: وَلَعَلَّ الْخَاتم كَانَ يُسَاوِي ربع دِينَار، وَيُقَال: لَعَلَّ التماسه للخاتم لم يكن كل الصَدَاق بل شَيْء يعجله لَهَا قبل الدُّخُول: وَفِيه: إجَازَة اتِّخَاذ خَاتم الْحَدِيد. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي جَوَاز لبسه، وَفِيه: مَا يسْتَدلّ بِهِ الشَّافِعِي وَأحمد فِي رِوَايَة، والظاهرية على جَوَاز التَّزْوِيج على سُورَة من الْقُرْآن، وَعَلِيهِ أَن يعلمهَا وَلم يجوز ذَلِك أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَأحمد فِي رِوَايَة صَحِيحَة وَاللَّيْث بن سعد وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَقَالُوا: إِذا تزَوجهَا عَليّ تَعْلِيم سُورَة فَالنِّكَاح صَحِيح وَيجب فِيهِ مهر مثلهَا، وَهَذَا كمن تزوج امْرَأَة وَلم يسم لَهَا مهْرا فَإِنَّهُ يجب مهْرا لمثل وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَنهُ
    .....
    (47)
    (كَيْت وَكَيْت) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: كَيْت وَكَيْت، يعبر بهما عَن الْجمل الْكَثِيرَة، والْحَدِيث الطَّوِيل، وَمثلهَا: ذيت وذيت، وَقَالَ ثَعْلَب: كَيْت للأفعال، وذيت للأسماء، وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَن هَذِه الْكَلِمَة مثل: كَذَا إلاَّ بالمؤنث، وَزعم أَبُو السعادات أَن أَصْلهَا: كيه، بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّاء فِيهَا بدل من إِحْدَى الياءين وَالْهَاء الَّتِي فِي الأَصْل محذوفة وَقد تضم التَّاء وتكسر
    .....
    (49)
    جَوَاز الْقِرَاءَة للراكب على الدَّابَّة، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الرَّد على من كره الْقِرَاءَة على الدَّابَّة، نَقله ابْن أبي دَاوُد عَن بعض السّلف، كَيفَ يكره وأصل الْقِرَاءَة على الدَّابَّة مَوْجُود فِي الْقُرْآن؟ قَالَ عز وَجل: {لتستووا على ظُهُوره ثمَّ تَذكرُوا نعْمَة ربكُم استوتيم عَلَيْهِ} (الزخرف: 31) الْآيَة. وَقَالَ ابْن بطال: الْقِرَاءَة على الدَّابَّة سنة مَوْجُودَة، وأصل هَذِه السّنة قَوْله تَعَالَى: {لتستووا} (الزخرف: 31) الْآيَة
    ....
    (50)
    وَقَالَ الْجُمْهُور: جَازَ النسْيَان عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقه الْبَلَاغ والتعليم بِشَرْط أَن لَا يقْرَأ عَلَيْهِ، بل لَا بُد أَن يذكرهُ، وَأما غَيره فَلَا يجوز قبل التَّبْلِيغ، وَأما نِسْيَان مَا بلغه كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث فَهُوَ جَائِز بِلَا خلاف.
    ....
    باب حسن الصوت بالقرآن)
    كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يقدم الشَّاب الْحسن الصَّوْت لحسن صَوته بَين يَدي الْقَوْم.
    حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ أبُو بَكْرٍ حدَّثنا أبُو يَحْيَى الحِمَّانِيُّ حدَّثَنا بُرَيْدُ بنُ عبْدِ الله بنِ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوسَى، رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لهُ: يَا أَبا مُوسَى! لَقَدْ أوتيتَ مِزْمارا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاودَ.
    .....

    (58)
    عدم التَّحْدِيد فِي كمية الْقِرَاءَة لِأَنَّهُ عَام يَشْمَل الْجُزْء من الْقُرْآن وَأَقل مِنْهُ وَأكْثر مِنْهُ على حسب التَّيْسِير، فَلَا يَقْتَضِي جُزْءا معينا، وَلَا محدودا، وَلَا وقتا محدودا وَلَا معينا، وَمَا ورد فِيهِ من الْأَحَادِيث وَالْأَخْبَار لَا يدل على تنصيص الكمية فِي الْقدر وَالْوَقْت، فَافْهَم.
    ....
    (60)
    قَالَ الْكرْمَانِي. مُقْتَضى لَا تزد أَن لَا تجوز الزِّيَادَة. قلت: لَعَلَّ ذَلِك بِالنّظرِ إِلَى الْمُخَاطب، خاطبه لضَعْفه وعجزه. أَو أَن النَّهْي لَيْسَ للتَّحْرِيم، وَكَانَ أبي بن كَعْب يختمه فِي ثَمَان. وَكَانَ الْأسود يختمه فِي سِتّ، وعلقمة فِي خمس، وَرُوِيَ عَن معَاذ بن جبل، وَكَانَت طَائِفَة تقْرَأ الْقُرْآن كُله فِي لَيْلَة أَو رَكْعَة. وَرُوِيَ ذَلِك عَن عُثْمَان بن عَفَّان وَتَمِيم الدَّارِيّ. وَكَانَ سليم يختك الْقُرْآن فِي لَيْلَة ثَلَاث مَرَّات، ذكر ذَلِك أَبُو عبيد. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح: أَكثر مَا بلغنَا، قِرَاءَة ثَمَان ختمات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة، وَقَالَ السّلمِيّ: سَمِعت الشَّيْخ أَبَا عُثْمَان المغربي يَقُول: ابْن الْكَاتِب يخْتم بِالنَّهَارِ أَربع ختمات وبالليل أَربع ختمات
    .....
    (65)
    أَن النِّكَاح من سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَزعم الْمُهلب أَنه من سنَن الْإِسْلَام، وَأَنه لَا رَهْبَانِيَّة فِيهِ. وَأَن من تَركه رَاغِبًا عَن سنَنه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَهُوَ مَذْمُوم مُبْتَدع وَمن تَركه من أجل أَنه أرْفق لَهُ وأعون على الْعِبَادَة فَلَا ملامة عَلَيْهِ، وَزعم دَاوُد وَمن تبعه أَنه وَاجِب. وَأَن الْوَاجِب عِنْدهم العقد لَا الدُّخُول فَإِنَّهُ إِنَّمَا يجب عِنْدهم فِي الْعُمر مرّة، وَعند أَكثر الْعلمَاء هُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ وَعند أَحْمد فِي رِوَايَة: يلْزمه الزواج أَو التَّسَرِّي إِذا خَافَ الْعَنَت، وَغَيره لم يشْتَرط خوف الْعَنَت. فَإِن قلت: ظَاهر الْآيَة يدل على وُجُوبه؟ قلت: حصل الْجَواب عَنهُ بِمَا ذَكرْنَاهُ فِي أول الْبَاب، وَأَيْضًا فَإِن آخر الْآيَة وَهُوَ قَوْله: {أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} (النِّسَاء: 3) وينافي الْوُجُوب، وَذَلِكَ لِأَن فِيهِ
    تَّخْيِير بَين النِّكَاح والتسري، فالتسري لَا يجب بالِاتِّفَاقِ، فكذالك النِّكَاح لِأَنَّهُ لَا يَصح التَّخْيِير بَين وَاجِب وَغَيره، وَعند الشَّافِعِي: التخلي لِلْعِبَادَةِ أفضل لقَوْله عز وَجل فِي يحيى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَهُوَ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء مَعَ الْقُدْرَة على إتيانهن، فمدح الله بِهِ، وَلَو كَانَ النِّكَاح أفضل مَا مدح بِهِ وَالْجَوَاب عَنهُ أَن الشَّافِعِي لَا يرى شرع من قبلنَا شرعا لنا، فَكيف يحْتَج بِمَا لَا يرَاهُ؟ وَنحن نقُول: شرع لنا مَا لم ينص الله على إِنْكَاره. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن النِّكَاح مُعَاملَة فَلَا فضل لَهَا على الْعِبَادَة. قُلْنَا: هَذَا نظر إِلَى ظَاهره دون مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَن ينظر إِلَى الصُّور وَيتْرك الْمعَانِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ من أَصله ذَلِك، وَلَو كَانَ التخلي لِلْعِبَادَةِ خيرا من النِّكَاح نظرا إِلَى صورته مَا قطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحكم الصُّورَة بِالسنةِ، وَلَيْسَ فِي مدح حَال يحيى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَا يدل على أَنه أفضل من النِّكَاح، فَإِن مدح الصّفة فِي ذَاتهَا لَا يَقْتَضِي ذمّ غَيرهَا ذَلِك أَن النِّكَاح لم يفضل على التخلي لِلْعِبَادَةِ بصورته، وَإِنَّمَا تميز عَنهُ بِمَعْنَاهُ فِي تحصين النَّفس، وَبَقَاء الْوَلَد الصَّالح وَتَحْقِيق الْمِنَّة فِي النّسَب والصهر، فقضاء الشَّهْوَة فِي النِّكَاح لَيْسَ مَقْصُودا فِي ذَاته، وَإِنَّمَا أكد النِّكَاح بِالْأَمر قولا، وأكده بِخلق الشَّهْوَة خلقَة حَتَّى يكون ذَلِك أدعى للوفاء بمصالحه، والتيسير بمقاصده،
    وَهَذَا أَمر تفطن لَهُ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
    وَمن قَالَ بقوله: وَمن الثَّابِت برهانه على فَضِيلَة النِّكَاح أَنه يجوز مَعَ الْإِعْسَار، وَلَا ينْتَظر بِهِ حَالَة الثروة، بل هُوَ سَببهَا أَن كَانَا فقيرين. قَالَ الله تَعَالَى: {أَن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله} (النُّور: 23) فندب إِلَيْهِ ووعد بِهِ الْغَنِيّ، وَقد سبق حَدِيث الرجل الَّذِي لم يجد خَاتمًا من حَدِيد يصدق بِهِ زَوجته، وَهُوَ نَص على نِكَاح من لَا يقدر على فطر لَيْلَة بنائِهِ بهَا، وَلَا شكّ أَن التَّرْجِيح يتبع الْمصَالح ومقاديرها مُخْتَلفَة، وَصَاحب الشَّرْع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلم بِتِلْكَ الْمَقَادِير والمصالح.
    ......
    (67)
    قَالَ النَّوَوِيّ: والشاب عِنْد أَصْحَابنَا هُوَ من بلغ وَلم يُجَاوز ثلاثن سنة، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يُقَال لَهُ: حدث إِلَى سِتّ عشرَة سنة ثمَّ شَاب إِلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، ثمَّ كهل وَكَذَا ذكر الزَّمَخْشَرِيّ ، وَقَالَ ابْن شَاس الْمَالِكِي فِي الْجَوَاهِر إِلَى أَرْبَعِينَ، وَإِنَّمَا خص الشَّبَاب بِالْخِطَابِ لِأَن الْغَالِب وجود قُوَّة الدَّاعِي فيهم

    ....
    (68)
    وفال النَّوَوِيّ: اخْتلف الْعلمَاء فِي المُرَاد بِالْبَاءَةِ هُنَا على قَوْلَيْنِ: يرجعان إِلَى معنى وَاحِد، أصَحهمَا: أَن المُرَاد مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ وَهُوَ الْجِمَاع، فتقدير من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْجِمَاع لقدرته على مؤونته وَهِي مُؤَن النِّكَاح فليتزوج، وَمن لم يسْتَطع الْجِمَاع لعَجزه عَن مؤنه فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ ليقطع شَهْوَته يقطع شَرّ منيه كَمَا يقطعهُ الوجاء، وعَلى هَذَا القَوْل وَقع الْخطاب مَعَ الشَّبَاب الَّذين هم مَظَنَّة شَهْوَة النِّسَاء وَلَا ينفكون عَنْهَا غَالِبا. وَالْقَوْل الثَّانِي: إِن المُرَاد هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَن النِّكَاح، سَمِعت باسم مَا يلازمهما، وَتَقْدِيره: من اسْتَطَاعَ مِنْكُم مُؤَن النِّكَاح فليتزوج، وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ. قَالُوا: وَالْعَاجِز عَن الْجِمَاع لَا يحْتَاج إِلَى الصَّوْم لدفع الشَّهْوَة، فَوَجَبَ تَأْوِيل الْبَاءَة على الْمُؤَن، وانفصل الْقَائِلُونَ بِالْأولِ عَن ذَلِك بالتقدير الْمَذْكُور. انْتهى.
    ....
    (69)
    وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء، وَهُوَ الإخصاء وَهِي زِيَادَة مدرجة فِي الْخَبَر، وَتَفْسِير الوجاء بِالْإِخْصَاءِ فِيهِ نظر، فَإِن الوجاء: رض الانثيين، والإخصاء: قلعهما، وَإِطْلَاق الوجاء على الصّيام من مجَاز المشابهة، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة قَالَ بَعضهم: وَجَاء، بِفَتْح الْوَاو مَقْصُور وَالْأول أَكثر، وَاسْتدلَّ بِهِ الْخطابِيّ على جَوَاز المعالجة لقطع شَهْوَة النِّكَاح بالأدوية، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة وَيَنْبَغِي أَن يحمل على دَوَاء يسكن الشَّهْوَة دون مَا يقطعهَا أَصَالَة لِأَنَّهُ قد يقدر بعد فيندم لفَوَات ذَلِك فِي حَقه، وَقد صرح الشَّافِعِيَّة
    بِأَنَّهُ لَا يكسرها بالكافور وَنَحْوه، وَاسْتدلَّ بِهِ بعض الْمَالِكِيَّة على تَحْرِيم الاستمناء، وَقد ذكر أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة أَنه يُبَاح عِنْد الْعَجز لأجل تسكين الشَّهْوَة.

    .....
    (70)
    رُوِيَ مُسلم الحَدِيث الْمَذْكُور من طَرِيق عَطاء، ثمَّ قَالَ فِي آخِره: قَالَ عَطاء الَّتِي لَا يقسم لَهَا صَفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب قلت: حكى عِيَاض عَن الطَّحَاوِيّ أَن هَذَا وهم وَصَوَابه سَوْدَة، وَإِنَّمَا غلط فِيهِ ابْن جريج راوية عَن عَطاء، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا وهم من ابْن جريج الرَّاوِي عَن عَطاء، وَإِنَّمَا الصَّوَاب سَوْدَة، كَمَا فِي الْأَحَادِيث فَإِن قلت: يحْتَمل أَن تكون رِوَايَة ابْن جريج صَحِيحَة وَيكون ذَلِك فِي آخر أمره حَيْثُ رُوِيَ الْجَمِيع، فَكَانَ يقسم لجميعهن إلاَّ لصفية. قلت: قد أخرج ابْن سعد من ثَلَاثَة طرق أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقسم لصفية كَمَا يقسم لنسائه. فَإِن قلت: قد أخرج ابْن سعد هَذِه الطّرق كلهَا من رِوَايَة الْوَاقِدِيّ، وَهُوَ لَيْسَ بِحجَّة قلت: مَا لِلْوَاقِدِي وَقد رُوِيَ عَنهُ الشَّافِعِي وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة وَأَبُو عبيد وَأَبُو خَيْثَمَة، وَعَن مُصعب الزبيرِي ثِقَة مَأْمُون، وَكَذَا قَالَ الْمسَيبِي،
    وَقَالَ أَبُو عبيد: ثِقَة، وَعَن الداروردي: الْوَاقِدِيّ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث، مَاتَ قَاضِيا بِبَغْدَاد سنة سبع وَمِائَتَيْنِ وَدفن فِي مَقَابِر الخيزران وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسبعين سنة
    ......
    (73 )
    لَا يجوز لأحد من الْمُسلمين تَحْرِيم شَيْء مِمَّا أحل الله لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ على نَفسه من طَيّبَات المطاعم والملابس والمناكح بإحلال ذَلِك لَهَا بعض الْمَشَقَّة، أَو أَمنه، وَلَا فضل فِي ترك شَيْء مِمَّا أحله الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ وَالْفضل وَالْبر فِيمَا هُوَ فعل مَا ندب الله عباده إِلَيْهِ، وَعمل بِهِ رَسُوله وسنه لأمته وَتَبعهُ على هَذَا الْمِنْهَاج الْأَئِمَّة الراشدون، فَإِذا كَانَ ذَلِك تبين خطأ من آثر لِبَاس الشّعْر وَالصُّوف على لِبَاس الْقطن والكتان إِذا قدر على لبس ذَلِك من حلّه، وآثر أكل الفول والعدس على خبز الْبر وَالشعِير، وَترك أكل اللَّحْم والودك حذرا من عَارض الْحَاجة إِلَى النِّسَاء، وَالْأولَى بالأجسام إصلاحها لتعينه على طَاعَة ربه، وَلَا شَيْء أضرّ بالجسم من المطاعم الرَّديئَة لِأَنَّهُ مُفسد لعقله ومضغة لأدواته الَّتِي جعلهَا الله تَعَالَى سَببا إِلَى طَاعَته، وَمن ذَلِك التبتل وَالتَّرَهُّب لِأَنَّهُ دَاخل فِي معنى الْآيَة الْمَذْكُورَة. وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك من أجل أَنه مُكَاثِر رَبهم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة وَأَنه فِي الدُّنْيَا يُقَاتل بهم طوائف الْكفَّار، وَفِي آخر الزَّمَان يُقَاتلُون الدَّجَّال فَأَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكثر النَّسْل، وَلَا الْتِفَات إِلَى مَا رُوِيَ خَيركُمْ بعد الْمِائَتَيْنِ الْخَفِيف الحاذ الَّذِي لَا أهل لَهُ وَلَا ولد، فَإِنَّهُ ضَعِيف بل مَوْضُوع، وَكَذَلِكَ قَول حُذَيْفَة: إِذا كَانَ سنة خمسين وَمِائَة فَلِأَن يُربي أحدكُم جرو كلب خير لَهُ من أَن يُربي ولدا.
    .....
    (78)
    وَقَالَ ابْن بطال: أجمع الْعلمَاء أَنه يجوز للآباء تَزْوِيج الصغار من بناتهم وَإِن كن فِي المهد، إلاَّ أَنه لَا يجوز لِأَزْوَاجِهِنّ َ الْبناء بِهن إلاَّ إِذا صلحن للْوَطْء واحتملن الرِّجَال، وأحوالهن فِي ذَلِك مُخْتَلف فِي قدر خَلقهنَّ وطاقتهن، وَاخْتلف الْعلمَاء فِي تَزْوِيج غير الْآبَاء الْيَتِيمَة، فَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَابْن الْمَاجشون وَأَبُو ثَوْر: لَيْسَ لغير الْأَب أَن يُزَوّج الْيَتِيمَة الصَّغِيرَة، فَإِن فعل فَالنِّكَاح بَاطِل، وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن مَالك أَنه قَالَ يُزَوّج القَاضِي الصَّغِيرَة دون الْأَوْلِيَاء ووصي الْأَب وَالْجد عِنْد الشَّافِعِي عِنْد عدم الْأَب كلأب، وَقَالَت طَائِفَة: إِذا زوج الصَّغِيرَة غير الْأَب من الْأَوْلِيَاء فلهَا الْخِيَار إِذا بلغت، يروي هَذَا عَن عَطاء وَالْحسن وطاووس. وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَأبي حنيفَة وَمُحَمّد، إلاَّ أَنَّهُمَا جعلا الْجد كَالْأَبِ لَا خِيَار فِي تَزْوِيجه. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: لَا خِيَار لَهَا فِي جَمِيع الْأَوْلِيَاء. وَقَالَ أَحْمد: لَا أرى للْوَلِيّ وَلَا للْقَاضِي أَن يُزَوّج الْيَتِيمَة حَتَّى تبلغ تسع سِنِين، فَإِذا بلغت ورضيت فَلَا خِيَار لَهَا.
    ......
    (80)
    (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَتلك أمكُم) ، أَي: هَاجر أمكُم يَا بني مَاء السَّمَاء، أَرَادَ بِهِ الْعَرَب، لِأَن هَاجر أم إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالْعرب من نَسْله وَسموا بِهِ لأَنهم سكان الْبَوَادِي وَأكْثر مِيَاههمْ من الْمَطَر.
    .....
    (85)
    إِنِّي أرى فِي وَجه أبي حُذَيْفَة من دُخُول سَالم، فَقَالَ: أرضعيه وَهُوَ رجل كَبِير؟ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: قد علمت أَنه رجل كَبِير، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي مليكَة: أرضعيه تحرمي عَلَيْهِ وَيذْهب الَّذِي فِي وَجه أبي ذيفة، فَرَجَعت وَقَالَت: قد أَرْضَعَتْه، فَذهب الَّذِي فِي نفس أبي حُذَيْفَة. وَقَالَ القَاضِي: لَعَلَّهَا حلبته ثمَّ شربه من غير أَن يمس ثديها وَلَا الْتَقت بشرتاهما. هَذَا الَّذِي قَالَه حسن، وَقَالَ النَّوَوِيّ: يحْتَمل أَنه عُفيَ عَن مَسّه للْحَاجة كَمَا خص بالرضاعة مَعَ الْكبر، وَبِهَذَا قَالَت عَائِشَة وَدَاوُد، وَتثبت حُرْمَة الرَّضَاع برضاع الْبَالِغ كَمَا تثبت برضاع الطِّفْل، وَعند جُمْهُور الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وعلماء الْأَمْصَار: إِلَى الْآن لَا تثبت إلاَّ برضاع من لَهُ دون سنتَيْن، وَعند أبي حنيفَة: بِسنتَيْنِ وَنصف، وَعند زفر: بِثَلَاث سِنِين، وَعَن مَالك: بِسنتَيْنِ وَأَيَّام، وَاحْتَجُّوا فِيهِ بقوله تَعَالَى: {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة} (الْبَقَرَة: 332) وبأحاديث كَثِيرَة مَشْهُورَة، وَأَجَابُوا عَن حَدِيث سهلة على أَنه مُخْتَصّ بهَا وبسالم، وَقيل: إِنَّه مَنْسُوخ، وَالله أعلم.
    ...........
    )88(
    حكم الْأَكفاء فِي المَال فَهَذَا بَاب مُخْتَلف فِيهِ عِنْد من يشْتَرط الْكَفَاءَة، وَالْأَشْهر عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنه لَا يعْتَبر. وَنقل صَاحب الإفصاح عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: الْكَفَاءَة فِي الدّين وَالْمَال وَالنّسب، وَجزم بِاعْتِبَارِهِ أَبُو الطّيب والصيمري وَجَمَاعَة واعتبره الْمَاوَرْدِيّ فِي أهل الْأَمْصَار، وَخص الْخلاف بِأَهْل الْبَوَادِي والقرى المتفاخرين بِالنّسَبِ دون المَال.
    >>>>>...
    (89)
    فتنتهن أَشد الْفِتَن وَأَعْظَمهَا، وَيشْهد لَهُ قَوْله عز وَجل: {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات من النِّسَاء} (آل عمرَان: 41) فقدمهن على جَمِيع الشَّهَوَات لِأَن المحنة بِهن أعظم المحن على قدر الْفِتْنَة بِهن، وَقد أخبر الله عز وَجل أَن مِنْهُنَّ لنا أَعدَاء فَقَالَ: {إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ عدوا لكم فاحذروهم} (التغابن: 41) ويروي، أَن الله عز وَجل لما خلق الْمَرْأَة فَرح الشَّيْطَان فَرحا شَدِيدا، وَقَالَ: هَذِه حبالتي الَّتِي لَا تكَاد يخطيني من نصبتها لَهُ، وَجَاء فِي الحَدِيث النِّسَاء حبائل الشَّيْطَان، وَرُوِيَ: استعيذوا من شرار النِّسَاء وَكُونُوا من خيارهن على حذر، وَقَالَ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم: أوثق سلَاح إِبْلِيس النِّسَاء.
    ......
    (90)
    ن الْمَرْأَة نَاقِصَة الْعقل وَالدّين، وغالبا ترغب زَوجهَا عَن طلب الدّين، وَأي فَسَاد أضرّ من ذَلِك؟ وَرُوِيَ عَنهُ، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، قَالُوا: يَا رَسُول الله! وَمَا فتنتهن؟ قَالَ: إِذا لبس ربط الشَّام وحلل الْعرَاق وَعصب الْيمن وملن كَمَا تميل أسنمة البخت، فَإِذا فعلن ذَلِك كلفن الْغَيْر مَا لَيْسَ عِنْده. وَقد أخرج مُسلم من حَدِيث أبي سعيد فِي إثناء حَدِيث: وَاتَّقوا النِّسَاء فَإِن أول فتْنَة بني إِسْرَائِيل كَانَت من النِّسَاء.

  8. #288
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    تابع / المجلد العشرين من " عمدة القاري " للعيني رحمه الله
    اليوم : الأثنين
    الموافق : 21/ رمضان / 1442 هجري
    الموافق : 3/ مايو / 2021 ميلادي



    ( 90 )
    وَاخْتلفُوا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، فَقَالَ الشّعبِيّ والنخي وَالثَّوْري وَمُحَمّد بن سِيرِين وطاووس وَمُجاهد وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَالْحسن بن مُسلم وَأَبُو قلَابَة وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَالْحسن بن صَالح وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأَبُو ثَوْر: الْأمة إِذا أعتقت لَهَا الْخِيَار فِي نَفسهَا سَوَاء كَانَ زَوجهَا حرا أَو عبدا، وَهُوَ مَذْهَب أهل الظَّاهِر أَيْضا. وَقَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِي ّ وَالزهْرِيّ وَاللَّيْث بن سعد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق إِن كَانَ زَوجهَا عبدا فلهَا الْخِيَار، وَإِن كَانَ حرا فَلَا خِيَار لَهَا.
    وَاخْتلفُوا فِي زوج بَرِيرَة: هَل كَانَ حرا أَو عبدا فَروِيَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، من
    حَدِيث الْأسود عَن عَائِشَة أَنه كَانَ حرا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، وَرُوِيَ الطَّحَاوِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: أَنه كَانَ عبدا، وَرُوِيَ مُسلم أَيْضا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: أَنه كَانَ عبدا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَرُوِيَ البُخَارِيّ فِي الطَّلَاق من حَدِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: إِن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا يُقَال لَهُ: مغيث، كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يطوف خلفهَا يبكي ودموعه تسيل على لحيته والْحَدِيث، وَهَذِه أَحَادِيث متعارضة قد أَكثر النَّاس فِي معانيهاوتخريج وجوهها، فلمحمد بن جرير الطَّبَرِيّ: فِي ذَلِك كتاب، ولمحمد بن خُزَيْمَة كتاب، ولجماعة فِي ذَلِك أَبْوَاب أَكْثَرهَا تكلّف واستخراجات مُحْتَملَة وتأويلات مُمكنَة لَا يقطع بِصِحَّتِهَا، وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن يحمل على وَجه لَا يكون فِيهِ تضَاد، وَالْحريَّة تعقب الرّقّ وَلَا ينعكس، فَثَبت أَنه كَانَ حرا عِنْدَمَا خيرت بَرِيرَة، وعبدا قبله، وَمن أخبر بعبوديته لم يعلم بحريَّته قبل ذَلِك، وَلم يخيرها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ كَانَ عبدا وَلَا لِأَنَّهُ كَانَ حرا، وَإِنَّمَا خَيرهَا لِأَنَّهَا أعتقت، فَوَجَبَ تَخْيِير كل مُعتقة. وَرُوِيَ فِي بعض الْآثَار أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: ملكت نَفسك فاختاري، كَذَا فِي التَّمْهِيد فَكل من ملكت نَفسهَا تخْتَار سَوَاء كَانَ زَوجهَا حرا أَو عبدا.

    .......
    (20/92)
    يّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الْوَاو هُنَا بِمَعْنى: أَو الَّتِي هِيَ للتنويع، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي ذكر صفة أَجْنِحَة الْمَلَائِكَة: {مثنى وَثَلَاث وَربَاع} (فاطر: 1) أَرَادَ: مثنى أَو ثَلَاث أَو رباع، واستدلاله بقول عَليّ بن الْحُسَيْن زين العابدين، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من أحسن الْأَدِلَّة فِي الرَّد على الروافض لكَونه من أئمتهم الَّذين يرجعُونَ إِلَى قَوْلهم وَيدعونَ أَنهم معصومون، فَإِن قَالُوا: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ عَن تسع، وَلنَا بِهِ أُسْوَة، قُلْنَا: إِن ذَاك من خَصَائِصه، كَمَا خص أَن ينْكح بِغَيْر صدَاق، وَأَن أَزوَاجه لَا ينكحن بعده، وَغَيره ذَلِك من خَصَائِصه، وَمَوته عَن تسع كَانَ اتِّفَاقًا، وَصَحَّ أَن غيلَان بن سَلمَة أسلم وَتَحْته عشر نسْوَة، فَقَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إختر مِنْهُنَّ أَرْبعا وَفَارق سائرهن)
    .........
    (94 )
    وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَ حَمْزَة أسن من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسنتَيْنِ، وَقيل: بِأَرْبَع، وثوبية بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة مصغر ثوبة وَكَانَت مولاة لأبي لَهب بن عبد الْمطلب عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْتقهَا، وَاخْتلف فِي إسْلَامهَا، وَذكرهَا ابْن مندة فِي الصَّحَابَة، وَقَالَ أَبُو نعيم: وَلَا أعلم أحدا أثبت إسْلَامهَا غير ابْن مندة وَكَانَ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، يكرمها، وَكَانَت تدخل عَلَيْهِ بعدأن تزوج خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، ويصلها من الْمَدِينَة حَتَّى مَاتَت بعد فتح خَيْبَر وَكَانَت خَدِيجَة تكرمها.
    .....
    (94)
    وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هُوَ تَصْحِيف. قلت: هَذَا أقرب من جِهَة الْمَعْنى وَلِهَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيّ: يروي بِالْمُعْجَمَةِ ، وَحكى فِي الْمَشَارِق بِالْجِيم فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَلَا أَظُنهُ إلاَّ تصحيفا. قَوْله: (مَاذَا لقِيت) أَي: قَالَ الرَّائِي لأبي لَهب: مَاذَا لقِيت بعد موتك؟ قَوْله: (لم ألق بعدكم) كَذَا فِي الْأُصُول بِحَذْف الْمَفْعُول، وَعند عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ: لم ألق بعدكم رَاحَة، وَقَالَ ابْن بطال: سقط الْمَفْعُول من رِوَايَة البُخَارِيّ، وَلَا يَسْتَقِيم الْكَلَام إلاَّ بِهِ. قَوْله: (سقيت) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فِي هَذِه) كلمة: هَذِه إِشَارَة. وَلم يبين الْمشَار إِلَيْهِ وَبَينه عبد الرَّزَّاق فِي رِوَايَته بِالْإِشَارَةِ إِلَى النقرة الَّتِي بَين الْإِبْهَام والمسبحة، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِ يّ: وَأَشَارَ إِلَى النقرة الَّتِي بَين الْإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا من الْأَصَابِع، وَحَاصِل الْمَعْنى إِشَارَة إِلَى حقارة مَا سقى من المَاء، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: سقِِي نقطة من مَاء فِي جَهَنَّم بِسَبَب ذَلِك، قَالَ: وَذَلِكَ أَنه جَاءَ فِي الصَّحِيح أَنه رثي فِي
    لنّوم فَقيل لَهُ: مَا فعل رَبك هُنَاكَ؟ فَقَالَ: سقيت مثل هَذِه، وَأَشَارَ إِلَى ظفر إبهامه
    .....
    (96)
    وَفِي التَّوْضِيح: وَفِيه أَي: وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَن الْكَافِر قد يعْطى عوضا من أَعماله الَّتِي يكون مِنْهَا قربَة لأهل الْإِيمَان بِاللَّه، كَمَا فِي حق أبي طَالب. غير أَن التَّخْفِيف عَن أبي لَهب أقل من التَّخْفِيف عَن أبي طَالب، وَذَلِكَ لنصرة أبي طَالب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحياطته لَهُ وعداوة أبي لَهب لَهُ. وَقَالَ ابْن بطال: وَصَحَّ قَول من تَأَول فِي معنى الحَدِيث الَّذِي جَاءَ عَن الله تَعَالَى: إِن رَحمته سبقت غَضَبه، إِن رَحمته لاتنقطع عَن أهل النَّار المخلدين فِيهَا، إِذْ فِي قدرته أَن يخلق لَهُم عذَابا يكون عَذَاب النَّار لأَهْلهَا رَحْمَة وتخفيفا بِالْإِضَافَة إِلَى ذَلِك الْعَذَاب وَمذهب الْمُحَقِّقين أَن الْكَافِر لَا يُخَفف عَنهُ الْعَذَاب بِسَبَب حَسَنَاته فِي الدُّنْيَا، بل يُوسع عَلَيْهِ بهَا فِي دُنْيَاهُ. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: انْعَقَد الْإِجْمَاع على أَن الْكفَّار لَا تنفعهم أَعْمَالهم وَلَا يثابون عَلَيْهَا بنعيم وَلَا تَخْفيف عَذَاب، وَلَكِن بَعضهم أَشد عذَابا بِحَسب جرائمهم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَا ينفع الْكَافِر الْعَمَل الصَّالح. إِذْ الرُّؤْيَا لَيست بِدَلِيل، وَعلي تَقْدِير التَّسْلِيم يحْتَمل أَن يكون الْعَمَل الصَّالح وَالْخَيْر الَّذِي يتَعَلَّق لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَخْصُوصًا، كَمَا أَن أَبَا طَالب أَيْضا ينْتَفع بتَخْفِيف الْعَذَاب. وَذكر السُّهيْلي أَن الْعَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لما مَاتَ أَبُو لَهب رَأَيْته فِي مَنَامِي بعد حول فِي شَرّ حَال، فَقَالَ: مَا لقِيت بعدكم رَاحَة إلاَّ أَن الْعَذَاب يُخَفف عني كل يَوْم اثْنَيْنِ. قَالَ: وَذَلِكَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولد يَوْم الِاثْنَيْنِ وَكَانَت ثويبة بشرت أَبَا لَهب بمولده فَأعْتقهَا. وَيُقَال: إِن قَول عُرْوَة لما مَاتَ أَبُو لَهب: أريه بعض أَهله إِلَى آخِره خبر مُرْسل أرْسلهُ عُرْوَة وَلم يذكر من حَدثهُ بِهِ، وعَلى تَقْدِير أَن يكون مَوْصُولا فَالَّذِي فِي الْخَبَر رُؤْيا مَنَام فَلَا حجَّة فِيهِ، وَلَعَلَّ الَّذِي رَآهَا لم يكن إِذْ ذَاك أسلم بعد، فَلَا يحْتَج بِهِ. وَأجِيب ثَانِيًا: على تَقْدِير الْقبُول، يحْتَمل أَن يكون مَا يتَعَلَّق بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَخْصُوصًا من ذَلِك بِدَلِيل قصَّة أبي طَالب حَيْثُ خفف عَنهُ. فَنقل من الغمرات إِلَى الضحضاح، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: هَذَا التَّخْفِيف خَاص بِهَذَا وبمن ورد النَّص فِيهِ، وَالله أعلم. وَمن جملَة مَا يشْتَمل هَذَا على حُرْمَة الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ بِلَا خلاف، وَاخْتلف فِي الْأُخْتَيْنِ بِملك الْيَمين، وكافة الْعلمَاء على التَّحْرِيم أَيْضا خلافًا لأهل الظَّاهِر، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن عُثْمَان: حرمتهما آيَة وأحلتهما آيَة، وَالْآيَة الْمحلة لَهَا
    .....
    (96)
    مِمَّن يرى أَن قَلِيل الرَّضَاع وَكَثِيره سَوَاء فِي الْحُرْمَة، وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن وَعَطَاء وَمَكْحُول وطاووس وَالْحكم وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَاللَّيْث بن سعد وَمَالك وَالْأَوْزَاعِي ّ وَالثَّوْري لإِطْلَاق الْآيَة، وَهُوَ الْمَشْهُور عَن أَحْمد. وَقَالَت طَائِفَة: إِن الَّذِي يحرم مَا زَاد على الرضعة. ثمَّ اخْتلفُوا، فَعَن عَائِشَة: عشر رَضعَات، وعنها سبع رَضعَات، وعنها: خمس رَضعَات. وروى مُسلم عَنْهَا: كَانَ فِيمَا نزل من الْقُرْآن عشر رَضعَات، ثمَّ نسخن بِخمْس رَضعَات مُحرمَات، فَتوفي رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَهن مِمَّا يقْرَأ، وَإِلَى هَذَا ذهب الشَّافِعِي وَأحمد فِي رِوَايَة، وَذهب أَحْمد فِي رِوَايَة وَإِسْحَاق وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْمُنْذر وَدَاوُد وَأَتْبَاعه إِلَّا ابْن حزم إِلَى أَن الَّذِي يحرم ثَلَاث رَضعَات، وَمذهب الْجُمْهُور أقوى لِأَن الْأَخْبَار اخْتلفت فِي الْعدَد فَوَجَبَ الرُّجُوع إِلَى أقل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم، وَقَول عَائِشَة الَّذِي رَوَاهُ مُسلم لَا ينتهض حجَّة لِأَن الْقُرْآن لَا يثبت إلاَّ بالتواتر، والراوي رُوِيَ هَذَا على أَنه قُرْآن لَا خبر، فَلم يثبت كَونه قُرْآنًا، وَلَا ذكر الرَّاوِي أَنه خبر ليقبل قَوْله فِيهِ.
    ......
    (97)
    ا رضاعة مُعْتَبرَة إلاَّ الْمُغنيَة عَن الْجُوع أَو المطعمة عَنهُ، وَمن شواهده حَدِيث ابْن مَسْعُود: لَا رضَاع إلاَّ مَا شدّ الْعظم وَأنْبت اللَّحْم، أخرجه أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا مَوْقُوفا، وَحَدِيث أم سَلمَة: لَا يحرم من الرَّضَاع مَا فتق الأمعاء، أخرجه الرمذي وَصَححهُ وَيُمكن أَن يسْتَدلّ على أَن الرضعة الْوَاحِدَة لَا تحرم لِأَنَّهَا لَا تغني من جوع، فَإِذن يحْتَاج إِلَى تَقْدِير، فَأولى مَا يُؤْخَذ بِهِ مَا قدرته الشَّرِيعَة وَهُوَ خمس رَضعَات
    ن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تحرم المصة وَلَا المصتان، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَنْهَا: لَا تحرم الْخَطفَة والخطفتان، وَقَالَ ابْن بطال: أَحَادِيث عَائِشَة كلهَا مضطربة فَوَجَبَ تَركهَا ولارجوع إِلَى كتاب الله تَعَالَى. وَرُوِيَ أَبُو بكر الرَّازِيّ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: قَوْلهَا: لَا تحرم الرضعة والرضعتان، كَانَ فَأَما الْيَوْم فالرضعة الْوَاحِدَة تحرم فَجعله مَنْسُوخا، وَكَذَلِكَ الْجَواب عَن قَوْلهَا: لَا تحرم الإملاجة وَلَا الإملاجتان.

    ......
    (97)
    قَالَ القَاضِي عِيَاض: لم يقل أحد من أَئِمَّة الْفُقَهَاء وَأهل الْفَتْوَى بِإِسْقَاط حُرْمَة لبن الْفَحْل إلاَّ أهل الظَّاهِر وَابْن علية، وَالْمَعْرُوف عَن دَاوُد مُوَافقَة الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة. قلت: معنى لبن الْفَحْل يحرم أَنه يثبت حُرْمَة الرَّضَاع بَينه وَبَين الرَّضِيع
    وَيصير ولدا لَهُ، وَيكون أَوْلَاد الرَّضِيع أَوْلَاد الرجل، خلافًا لمن قَالَ: لبن الرجل لَا يحرم.
    إِن الصَّحَابِيّ إِذا رُوِيَ حَدِيثا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَحَّ عَنهُ، ثمَّ صَحَّ عَنهُ الْعَمَل بِخِلَافِهِ، أَن الْعَمَل بِمَا رأى لَا بِمَا روى، لِأَن عَائِشَة صَحَّ عَنْهَا أَن الِاعْتِبَار بِلَبن الْفَحْل، وَأخذ الْجُمْهُور مِنْهُم الْحَنَفِيَّة بِخِلَاف ذَلِك وَعمِلُوا بروايتها فِي قصَّة أخي أبي القعيس وحرموا بِلَبن الْفَحْل، وَكَانَ يلْزمهُم على قاعدتهم أَن يتبعوا عَائِشَة ويعرضوا عَن رِوَايَتهَا، وَهَذَا إِلْزَام قوي انْتهى. قلت: لَو علم هَذَا الْقَائِل مدرك مَا قالته الْحَنَفِيَّة فِي ذَلِك لما صدر مِنْهُ
    هَذَا الْكَلَام، وَلَكِن عدم الْفَهم وأريحية العصبية يحْملَانِ الرجل على أَن أخبط من هَذَا، وَقَاعِدَة أَصْحَابنَا فِيمَا قَالُوهُ لَيست على الْإِطْلَاق بل هِيَ لَا يَخْلُو الصَّحَابِيّ فِي عمله بِمَا رأى لَا بِمَا رُوِيَ أَنه إِن كَانَ عمله أَو فتواه قبل الرِّوَايَة أَو قبل بُلُوغه إِلَيْهِ كَانَ الحَدِيث حجَّة، وَإِن كَانَ بعد ذَلِك لم يكن حجَّة، لِأَنَّهُ ثَبت عِنْده أَنه مَنْسُوخ، فَلذَلِك عمل بِمَا رَآهُ لَا بِمَا رَوَاهُ، على أَن ابْن عبد الْبر قد ذكر أَن عَائِشَة أَيْضا كَانَت مِمَّن حرم لبن الْفَحْل.
    .....
    (103
    قَالَ: كَانَ جَابر بن زيد وَالْحسن يكرهان أَن يمس الرجل أم امْرَأَته يَعْنِي فِي الرجل يَقع على أم امْرَأَته، وَأما قَول بعض أهل الْعرَاق فَأخْرجهُ ابْن أبي شيبَة عَن جرير عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم وعامر فِي رجل وَقع على ابْنة امْرَأَته، قَالَا: حرمتا عَلَيْهِ كلتاهما، وَرُوِيَ عَن جرير عَن حجاج عَن ابْن هانىء الْخَولَانِيّ، قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: من نظر إِلَى فرج امْرَأَة لم تحل لَهُ أمهَا وَلَا بنتهَا.
    وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: لَا تَحْرُمُ حتَّى يُلْزِقَ بالأرْضَ، يَعْنِي: يُجامِعَ
    أَي: لَا تحرم الْبِنْت إِذا وطىء أمهَا، وَبِالْعَكْسِ أَيْضا. قَوْله: (حَتَّى يلزق) ، قَالَ ابْن التِّين بِفَتْح أَوله وَضَبطه غَيره بِالضَّمِّ، وَهُوَ أوجه، فسره البُخَارِيّ بقوله: (يَعْنِي بِجَامِع) وَكَأَنَّهُ أحترز بِهِ عَمَّا إِذا لمسها أَو قبلهَا من غير جماع لاتحرم.
    وجَوَّزَهُ ابنُ المُسَيَّبِ وعِرْوَةُ والزُّهْرِيُّ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عليٌّ: لَا تَحْرُمُ

    ......
    (107)
    كل من اسْمه عَاصِم فِي حفظه شَيْء وَأما خُصُوصا فقد قَالَ يحيى بن معِين كَانَ يحيى بن سعيد الْقطَّان لَا يحدث عَن عَاصِم الْأَحول يستضعفه وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم لَيْسَ بِالْحَافِظِ عِنْدهم وَلم يحمل عَنهُ ابْن إِدْرِيس لسوء مَا فِي سيرته وَقَالَ بَعضهم نصْرَة للْبُخَارِيّ أَن هَذَا الِاخْتِلَاف لَا يقْدَح عِنْد البُخَارِيّ لِأَن الشّعبِيّ أشهر بجابر مِنْهُ بِأبي هُرَيْرَة وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق آخر عَن جَابر بِشَرْط الصَّحِيح أخرجه النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن جَابر والْحَدِيث أَيْضا مَحْفُوظ من أوجه عَن أبي هُرَيْرَة فَلِكُل من الطَّرِيقَيْنِ مَا يعضده انْتهى
    .....
    (107)
    احْتج بِهِ على تَخْصِيص الْكتاب بِالسنةِ وَلَكِن فِيهِ خلاف فعندنا يجوز بالأحاديث الْمَشْهُورَة قَالَ صَاحب الْهِدَايَة هَذَا الحَدِيث من الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة الَّتِي يجوز بِمِثْلِهَا الزِّيَادَة على الْكتاب وَعند الشَّافِعِي وَآخَرين يجوز تَخْصِيص عُمُوم الْقُرْآن بِخَبَر الْآحَاد. الثَّانِي أجمع الْعلمَاء على القَوْل بِهَذَا الحَدِيث فَلَا يجوز عِنْد جَمِيعهم نِكَاح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَإِن علت وَلَا على ابْنة أَخِيهَا وَإِن سفلت وَلَا على خَالَتهَا وَإِن علت وَلَا على ابْنة أَخِيهَا وَإِن سفلت وَقَالَ ابْن الْمُنْذر لَا أعلم فِي ذَلِك خلافًا إِلَّا عَن فرقة من الْخَوَارِج وَلَا يلْتَفت إِلَى خلافهم مَعَ الْإِجْمَاع وَالسّنة وَذكر ابْن حزم أَن عُثْمَان البتي أَبَاحَهُ وَذكر الإسفرايني أَنه قَول طَائِفَة من الشِّيعَة محتجين بقوله تَعَالَى {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} قَالَ أَبُو عبيد فَيُقَال لَهُم لم يقل الله تَعَالَى إِنِّي لست أحرم عَلَيْكُم بعد وَقد فرض الله تَعَالَى طَاعَة رَسُوله على الْعباد فِي الْأَمر وَالنَّهْي فَكَانَ مِمَّا نهى عَن ذَلِك وَهِي سنة بِإِجْمَاع الْمُسلمين عَلَيْهَا.
    .......
    (110)
    وَاخْتلف الْعلمَاء فِي صُورَة نِكَاح الشّغَار الْمنْهِي عَنهُ، فَعَن مَالك: هُوَ أَن الرجل يُزَوّج أُخْته أَو وليته من رجل آخر على أَن يُزَوّج ذَلِك الرجل مِنْهُ ابْنَته أَيْضا أَو وليته، وَيكون بضع كل وَاحِد مِنْهُمَا صَدَاقا لِلْأُخْرَى دون صدَاق، وَكَذَا ذكره خَلِيل بن أَحْمد فِي كِتَابه، وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْوَسِيط: صورته الْكَامِلَة أَن يَقُول: زَوجتك ابْنَتي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك، على أَن يكون بضع كل وَاحِدَة مِنْهُمَا صَدَاقا لِلْأُخْرَى، وَمهما انْعَقَد نِكَاح ابْنَتي انْعَقَد نِكَاح ابْنَتك. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا فِيهِ تَعْلِيق وَشرط عقد فِي عقد وتشريك فِي الْبضْع، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: ينبغني أَن يُزَاد فِي هَذِه الصُّورَة. وَأَن لَا يكون مَعَ الْبضْع صدَاق آخر حَتَّى يكون مجمعا على تَحْرِيمه، فَإِنَّهُ إِذا ذكر فِيهِ الصَدَاق فِيهِ الْخلاف. قلت: هَذَا على مَذْهَبهم، وَأما عِنْد الْحَنَفِيَّة فالشغار هُوَ أَن يشاغر الرجل الرجل، يَعْنِي يُزَوّج ابْنَته أَو أُخْته على أَن يُزَوجهُ الآخر ابْنَته أَو أُخْته أَو أمته ليَكُون أحد الْعقْدَيْنِ عوضا عَن الآخر، فَالْعقد الصَّحِيح، وَيجب مهر الْمثل.
    وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَاخْتلفُوا فِي تزوج الرجل ابْنَته على أَن يُزَوجهُ الآخر ابْنَته وَيكون مهر كل وَاحِدَة مِنْهُمَا نِكَاح الْأُخْرَى؛ فَقَالَت طَائِفَة: النِّكَاح جَائِز وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا صدَاق مثلهَا، هَذَا قَول عَطاء وَعَمْرو بن
    دِينَار وَالزهْرِيّ وَمَكْحُول وَالثَّوْري والكوفيين، وَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول بهَا فلهَا الْمُتْعَة فِي قَول النُّعْمَان وَيَعْقُوب، وَقَالَت طَائِفَة: عقد النِّكَاح على الشّغَار بَاطِل وَهُوَ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِد فِي كل أَحْكَامه، هَذَا قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَكَانَ مَالك وَأَبُو عبيد يَقُولَانِ: نِكَاح الشّغَار مَنْسُوخ على كل حَال، وَفِيه قَول ثَالِث وَهُوَ: أَنَّهُمَا إِن كَانَا لم يدخلا بهما فسخ وَيسْتَقْبل النِّكَاح بِالْبَيِّنَةِ وَالْمهْر، وَإِن كَانَا قد خلا بهما فَلَهُمَا مهر مثلهمَا. وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ: وَأجَاب أَصْحَابنَا عَن الحَدِيث بِأَنَّهُ ورد، وَلَا خلاية عَن تَسْمِيَة الْمهْر واكتفائه بذلك من غيرأن يجب فِيهِ شَيْء آخر من المَال على مَا كَانَت عَلَيْهِ عَادَتهم فِي الْجَاهِلِيَّة، أَو هُوَ مَحْمُول على الْكَرَاهَة.
    .....
    لْهِبَة بِأَن تَقول الْمَرْأَة: وهبت نَفسِي لَك، وَالرِّجَال يَقُول: قبلت، وَلم يذكر الْمهْر، فَإِن جمَاعَة ذَهَبُوا إِلَى بطلَان النِّكَاح، يَعْنِي: لَا ينْعَقد النِّكَاح بِهَذَا، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَهُوَ قَول الْمُغيرَة وَابْن دِينَار وَأبي ثَوْر. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري: ينْعَقد بِهِ العقد وَلها صدَاق الْمثل، وَكَذَا ينْعَقد بِلَفْظ الصَّدَقَة بِلَفْظ البيع بِدُونِ لفظ النِّكَاح أَو التَّزْوِيج أَنه يَصح، وَعند الشَّافِعِي: لَا يَصح إلاَّ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ.
    ....
    111)
    خُوَيْلَة بِالتَّصْغِيرِ بنت حَكِيم بن أُميَّة كَانَت امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون وَكَانَت امْرَأَة صَالِحَة وَقَالَ أَبُو عمر تكنى أم شريك وَهِي الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ –
    .....
    (112)
    إِلَّا يُسَارع فِي هَوَاك " أَي فِي الَّذِي تحبه يَعْنِي مَا أرى إِلَّا أَن الله تَعَالَى موجد لمرادك بِلَا تَأْخِير منزلا لما تحبه وترضى وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ هَذَا قَول أبرزه الدَّلال والغيرة وَهُوَ من نوع قَوْلهَا مَا أحمدكما وَمَا أَحْمد إِلَّا الله وَإِلَّا فإضافة الْهوى إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يحمل على ظَاهره لِأَنَّهُ لَا ينْطق عَن الْهوى وَلَا يفعل بالهوى وَلَو قَالَت إِلَى مرضاتك لَكَانَ أليق وَلَكِن الْغيرَة تغتفر لأَجلهَا إِطْلَاق مثل ذَلِك قلت الَّذِي ذكرته أحسن من هَذَا على مَا لَا يخفى
    ......
    (110)
    قَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ أَبُو حنيفَة يَصح نِكَاح الْمحرم لقصة مَيْمُونَة، وَهُوَ رِوَايَة ابْن عَبَّاس. فَأُجِيب عَنهُ بِأَن مَيْمُونَة نَفسهَا رَوَت أَنه تزَوجهَا حَلَالا وَهِي أعرف بالقضية من ابْن عَبَّاس لتعلقها بهَا، وَبِأَن المُرَاد بالمحرم أَنه فِي الْحرم، وَيُقَال لمن هُوَ فِي الْحرم: محرم، وَإِن كَانَ حَلَالا قَالَ الشَّاعِر:
    قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما
    أَي: فِي حرم الْمَدِينَة، وَبِأَن فعله معَارض بقوله: لَا ينْكح الْمحرم، وَإِذا تَعَارضا يرجح القَوْل، وَبِأَن ذَلِك من خَصَائِصه، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم. انْتهى.
    .....
    (110)
    *وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَالَّذين رووا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا وَهُوَ محرم أهل علم، وَثَبت أَصْحَاب ابْن عَبَّاس سعيد بن جُبَير وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَطَاوُس وَمُجاهد وَعِكْرِمَة
    *وَجَابِر بن زيد، وَهَؤُلَاء كلهم فُقَهَاء يحْتَج برواياتهم وآرائهم، وَالَّذين نقلوا مِنْهُم فَكَذَلِك أَيْضا مِنْهُم عَمْرو بن دِينَار وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَعبد الله بن أبي نجيح فَهَؤُلَاءِ أَيْضا أَئِمَّة يقْتَدى برواياتهم. وَحَدِيث مَيْمُونَة الَّذِي أخرجه مُسلم فِيهِ زيد بن الْأَصَم، وَقد ضعفه عَمْرو بن دِينَار فِي خطابه لِلزهْرِيِّ وَترك الزُّهْرِيّ الْإِنْكَار عَلَيْهِ، وَأخرجه من أهل الْعلم وَجعله أَعْرَابِيًا بوالاً على عقيبة، وَكَيف يكون طعن أَكثر من ذَلِك؟ وقصده من هَذَا الْكَلَام نسبته إِلَى الْجَهْل بِالسنةِ. فَأن قلت: الزُّهْرِيّ احْتج بِهِ قلت احتجابه لَا يَنْفِي طعن عَمْرو بن دِينَار فِيهِ، فَإِن عَمْرو بن دِينَار فِي نَفسه حجَّة ثَبت وَلَا ينقص عَن الزُّهْرِيّ، على أَن بَعضهم قد رجحوه على مثل عَطاء وَمُجاهد وطاووس، وَالَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مَيْمُونَة، فِي إِسْنَاده مطر الْوراق، قَالَ الطَّحَاوِيّ: ومطر عِنْدهم مِمَّن يحْتَج بحَديثه، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مطر بن طهْمَان الْوراق لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَعَن أَحْمد: كَانَ فِي حفظه سوء، وَلَئِن سلمنَا أَنه مجمع عَلَيْهِ فِي توثيقه وَضَبطه وَلكنه لَيْسَ كرواة حَدِيث ابْن عَبَّاس وَلَا قَرِيبا مِنْهُم، فَافْهَم.

    وَالْجَوَاب عَن الرَّابِع: إِنَّه دَعْوَى فَيحْتَاج إِلَى برهَان. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: الصَّوَاب من القَوْل عندنَا أَن نِكَاح الْمحرم فَاسد لحَدِيث عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأما قصَّة مَيْمُونَة فتعارضت الْأَخْبَار فِيهَا. انْتهى
    قلت: أَيْن ذهب حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس؟ وَأما حَدِيث عُثْمَان الَّذِي أخرجه مُسلم عَنهُ أَنه قَالَ: الْمحرم لَا ينْكح وَلَا يخْطب فَفِي إِسْنَاده نبيه بن وهب وَلَيْسَ كعمرو بن دِينَار وَلَا كجابر بن دِينَار وَلَا لَهُ مَوضِع فِي الْعلم كموضع عَمْرو وَجَابِر، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: ضعف البُخَارِيّ حَدِيث عُثْمَان وَصحح حَدِيث ابْن عَبَّاس، فَلَو علم أَن رُوَاة حَدِيث عُثْمَان يساوون رَوَاهُ حَدِيث ابْن عَبَّاس لصحح كلا الْحَدِيثين، وَلَئِن سلمنَا أَنهم متساوون، فَنَقُول: معنى لَا ينْكح الْمحرم وَلَا يطَأ، وَهُوَ مَحْمُول على الْوَطْء أَو الْكَرَاهَة لكَونه سَببا للوقوع فِي الرَّفَث لَا إِن عقده لنَفسِهِ أَو لغيره، كَمَا مر مُمْتَنع، وَلِهَذَا قرنه بِالْخطْبَةِ، وَلَا خلاف فِي حوازها، وَإِن كَانَت مَكْرُوهَة فَكَذَا النِّكَاح والإنكاح وَصَارَ كَالْبيع وَقت النداء.
    .....
    ا أعلم جَوَازه كَانَ خَاصّا بالصحابة أَو كَانَ عَاما للْأمة؟ وَوَقع فِي حَدِيث أبي ذَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، التَّصْرِيح بالاختصاص، أخرجه الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، قَالَ: إِنَّمَا أحلّت لنا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتْعَة النِّسَاء ثَلَاث أَيَّام ثمَّ نهى عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
    قَالَ أبُو عبْدِ الله: وبَيَّنَهُ عَلِيٌّ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ مَنْسُوخٌ
    .....
    (114)
    جَوَاز عرض الْمَرْأَة نَفسهَا على الرجل الصَّالح وتعرف رغبتها فِيهِ لصلاحه وفضله، أَو لعلمه وشرفه، أَو لخصلة من خِصَال الدّين، وَأَنه لَا عَار عَلَيْهَا فِي ذَلِك، بل ذَلِك يدل على فَضلهَا، وَبنت أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، نظرت إِلَى ظَاهر الصُّورَة وَلم تدْرك هَذَا الْمَعْنى حَتَّى قَالَ أنس: هِيَ خير مِنْك، وَأما الَّتِي تعرض نَفسهَا على الرجل لأجل غَرَض من الْأَغْرَاض الدنياوية فأقبح مَا يكون من الْأَمر وأفضحه.
    ....
    (115)
    وَرُوِيَ دَاوُد بن أبي هِنْد عَن عِكْرِمَة: تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة من كِنْدَة يُقَال لَهَا: قيلة، فَمَاتَ وَلم يدْخل بهَا وَلَا حجبها، فتزوجتها عِكْرِمَة بن أبي جهل فَغَضب أَبُو بكر وَقَالَ: تزوجت امْرَأَة من نسَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ عمر: مَا هِيَ من نِسَائِهِ، مَا دخل بهَا وَلَا حجبها، وَلَقَد ارْتَدَّت مَعَ من ارْتَدَّ فَسكت. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَفِيه: فَسَاد قَول من قَالَ: إِن للْمَرْأَة الْبَالِغَة المالكة أمرهَا تَزْوِيج نَفسهَا وَعقد النِّكَاح عَلَيْهَا دون وَليهَا انْتهى. قلت: نِسْبَة هَذَا القَوْل إِلَى الْفساد من الْفساد، لِأَن من قَالَ هَذَا لم يقل من عِنْده، وَإِنَّمَا اعْتمد على حجَّة قَوِيَّة، وَهِي مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
    أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تنْكح الأيم حَتَّى تستأمر، وَلَا تنْكح الْبكر حَتَّى تُستأذن. قَالُوا يَا رَسُول الله! كَيفَ إِذْنهَا؟ قَالَ: أَن تسكت وَرُوِيَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر تستأذن فِي نَفسهَا وإذنها صمانها. فَإِن قلت: المُرَاد بالأيم فِي الحَدِيث الثّيّب دون غَيرهَا، ذكره الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي؟ قلت: هَذَا لفظ عَام يتَنَاوَل الْبكر وَالثَّيِّب والمطلقة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا وَيجب الْعَمَل بِعُمُوم الْعَام، وَأَنه يُوجب الحكم فِيمَا يتَنَاوَلهُ قطعا، وتخصيصه بِالثَّيِّبِ هُنَا إِخْرَاج للْكَلَام عَن عُمُومه.
    ....
    (117)
    وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي، وَهَكَذَا أفتى بِهِ بعد النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي. قلت: هَذَا عجب عَظِيم من التِّرْمِذِيّ يَقُول بِمَا لَا يَلِيق بِحَالهِ، لِأَن حَدِيث ابْن عَبَّاس: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي مَتى يُسَاوِي هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح الْمجمع على صِحَّته؟
    وَقد تكلمُوا فِي حَدِيث: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي، فَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ يَصح فِي هَذَا شَيْء إلاَّ حَدِيث سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن عَائِشَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ. قلت: سُلَيْمَان بن مُوسَى مُتكلم فِيهِ. قَالَ ابْن جريج وَالْبُخَارِيّ: عِنْده مَنَاكِير، وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: مطعون عَلَيْهِ، وَقَالَ الْعقيلِيّ: خولط قبل مَوته بِيَسِير، وَلَئِن سلمنَا صِحَة: لَا نِكَاح إلاَّ بوليّ، فِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس، فَالصَّحِيح أَنه مَوْقُوف، فَمَتَى يداني أَو يقرب هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح الْمَرْفُوع الثَّابِت عِنْد أهل النَّقْل؟ وَلِهَذَا تجنب البُخَارِيّ وَمُسلم فِي تَخْرِيجه عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره، وَقَالَ الْخطابِيّ: قَوْله: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي، فِيهِ ثُبُوت النِّكَاح على عُمُومه وخصوصه بولِي، وتأوله بَعضهم على نفي الْفَضِيلَة والكمال، وَهَذَا تَأْوِيل فَاسد، لِأَن الْعُمُوم يَأْتِي على أَصله جَوَازًا وكمالاً، وَالنَّفْي فِي الْمُعَامَلَات يُوجب الْفساد. قلت: سلمنَا أَنه على عُمُومه وَلَكِن مَعْنَاهُ مَحْمُول على الْكَمَال، كَمَا فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إلاَّ فِي الْمَسْجِد، وَجعله النِّكَاح من الْمُعَامَلَات فَاسد لِأَنَّهُ من الْعِبَادَات حَتَّى إِنَّه أفضل من الصَّلَاة النَّافِلَة فَيكون لَهُ جهتان من جَوَاز: نَاقص وكامل، فَإِن قلت: رُوِيَ: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي، عَن أبي هُرَيْرَة وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأنس بن مَالك وَجَابِر بن عبد الله وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم؟ قلت: حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد أَحْمد بن عدي، وَحَدِيث عمرَان عِنْد حَمْزَة السَّهْمِي فِي تَارِيخ جرجان وَعند الدَّارَقُطْنِي ّ، وَحَدِيث أنس عِنْد الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك، وَحَدِيث جَابر عِنْد أبي يعلى الْموصِلِي، وَحَدِيث أبي سعيد عِنْد الدَّارَقُطْنِي ّ، وَحَدِيث ابْن عمر عِنْد الدَّارَقُطْنِي ّ أَيْضا، وَحَدِيث معَاذ عِنْد ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْعِلَل المتناهية. أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَفِي إِسْنَاده الْمُغيرَة بن مُوسَى قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث وَقَالَ ابْن حبَان: يَأْتِي عَن الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات، فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ. وَأما حَدِيث عمرَان فَفِي إِسْنَاده عبد الله بن عَمْرو الوافقي، قَالَ عَليّ: كَانَ يضع الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِي ّ: كَانَ يكذب. وَأما حَدِيث أنس ... وَأما حَدِيث جَابر فَمَحْمُول على نفي الْكَمَال، وَأما حَدِيث أبي سعيد فَفِي إِسْنَاده ربيعَة بن عُثْمَان. قَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث، وَأما حَدِيث عبد الله بن عمر فَفِي إِسْنَاده ثَابت بن زُهَيْر، قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَأما حَدِيث معَاذ فَفِي إِسْنَاده أَبُو عصمَة نوح، قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ يتهم بِالْوَضْعِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِي ّ. مَتْرُوك.
    ..........
    (122)
    (زوجت أُخْتا لي) اسْمهَا جميل بِالْجِيم مُصَغرًا بنت يسَار، وَقيل بِغَيْر تَصْغِير حكى الْبَيْهَقِيّ، أَن اسْمهَا ليلى، وَتَبعهُ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ، وَوَقع عِنْد ابْن إِسْحَاق أَن اسْمهَا فَاطِمَة، وَاسم الرجل الَّذِي تَحْتَهُ جميل أَبُو البداح بن عَاصِم بن عدي الْقُضَاعِي حَلِيف الْأَنْصَار، وَقيل: أَبُو البداح لقب غلب عَلَيْهِ وكنيته أَبُو عَمْرو، وَقيل: أَبُو بكر، وَالْأول أَكثر، وَقد اخْتلف فِي صحبته فَقيل: الصُّحْبَة لِأَبِيهِ وَهُوَ من التَّابِعين، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: هَذَا الحَدِيث يصحح صحبته، والبداح بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة
    .....
    (125)
    وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح: وَكَأن البُخَارِيّ أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة الرَّد على ابْن شبْرمَة، فَإِن الطَّحَاوِيّ حكى عَنهُ أَن تَزْوِيج الْآبَاء الصغار لَا يجوز، ولهن الْخِيَار إِذا بلغن. قَالَ: وَهَذَا لم يقل بِهِ أحد غَيره. وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ لشذوذه ومخالفته دَلِيل الْكتاب وَالسّنة. وَقَالَ الْمُهلب: أجمعواعلى أَنه يجوز للْأَب تَزْوِيج اينته الصَّغِيرَة الَّتِي لَا يُوطأ مثلهَا الْعُمُوم قَوْله: {واللائي لم يحضن} (الطَّلَاق: 4) فَيجوز نِكَاح من لم يخضن من أول مَا يخلقن. وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي غير الْآبَاء، وَقَالَ ابْن حزم: لَا يجوز للْأَب وَلَا لغيره إنكاح الصَّغِير الذّكر حَتَّى يبلغ، فَإِن فعل فَهُوَ مفسوخ أبدا، وَاخْتَارَهُ قوم. وَفِيه دَلِيل على جَوَاز نِكَاح لَا وَطْء فِيهِ لعِلَّة بِأحد الزَّوْجَيْنِ لصِغَر أَو آفَة أَو غير إرب فِي الْجِمَاع، بل لحسن الْعشْرَة والتعاون على الدَّهْر وكفاية الْمُؤْنَة والخدمة، خلافًا لمن يَقُول: لَا يجوز نِكَاح لَا وَطْء فِيهِ، يُؤَيّدهُ حَدِيث سَوْدَة، وَقَوْلها: مَا لي فِي الرِّجَال من أرب.
    ......
    (126)
    وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْوَقْت الَّذِي تدخل فِيهِ الْمَرْأَة على زَوجهَا إِذا اخْتلف الزَّوْج وَأهل الْمَرْأَة، فَقَالَت
    طَائِفَة، مِنْهُم أَحْمد وَأَبُو عبيد: يدْخل وَهِي بنت تسع اتبَاعا لحَدِيث عَائِشَة، وَعَن أبي حنيفَة: نَأْخُذ بِالتسْعِ غير أَنا نقُول: إِن بلغت التسع وَلم تقدر على الْجِمَاع كَانَ لأَهْلهَا منعهَا، وَإِن لم تبلغ التسع وقويت على الرِّجَال لم يكن لَهُم منعهَا من زَوجهَا، وَكَانَ مَالك يَقُول: لَا نَفَقَة لصغيرة حَتَّى تدْرك أَو تطِيق الرِّجَال، وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا قاربت الْبلُوغ وَكَانَت جسيمة تحْتَمل الْجِمَاع فلزوجها أَن يدْخل بهَا وإلاَّ منعهَا أَهلهَا حَتَّى تحتمله أَي: الْجِمَاع.
    ......
    نْ عائِشَةَ: أنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تَزَوَّجَها وهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وبَنى بِها وهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنينَ، قَالَ هِشامٌ: وأُنْبِئْتُ أنَّها كانَتْ عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِينَ.
    ,,,,,
    (127)
    وَقَالَ ابْن بطال: أجمع الْعلمَاء على أَن السطان ولي من لَا ولي لَهُ، وَأَجْمعُوا على أَن لَهُ أَن يُزَوّجهَا إِذا دعت إِلَى كُفْء وَامْتنع الْوَلِيّ أَن يُزَوّجهَا. وَاخْتلفُوا إِذا غَابَ عَن الْبكر أَبوهَا وَعمي خَبره، وَضربت فِيهِ الْآجَال من يُزَوّجهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يُزَوّجهَا أَخُوهَا بِإِذْنِهَا، وَقَالَ الشَّافِعِي: يُزَوّجهَا السُّلْطَان دون بَاقِي الْأَوْلِيَاء، وَكَذَلِكَ الثّيّب إِذا غَابَ أقرب أوليائها. وَاخْتلفُوا فِي الْوَلِيّ من هُوَ؟ فَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ: هُوَ الْعصبَة الَّذِي يَرث وَلَيْسَ الْخَال وَلَا الْجد لأم وَلَا الْأُخوة للْأُم أَوْلِيَاء عِنْد مَالك فِي النِّكَاح، وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: كل من لزمَه اسْم ولي فَهُوَ ولي يعْقد النِّكَاح وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر. وَاخْتلفُوا فِيمَن أولى بِالنِّكَاحِ الْوَلِيّ أَو الْوَصِيّ؟ فَقَالَ بيعَة وَمَالك وَأَبُو حنيفَة وَالثَّوْري: الْوَصِيّ أولى، وَقَالَ الشَّافِعِي: الْوَلِيّ أولى وَلَا ولَايَة للْوَصِيّ على الصَّغِير، وَقَالَ ابْن حزم: وَلَا إِذن للْوَصِيّ فِي إنكاح أصلا لَا لرجل وَلَا لامْرَأَة صغيرين كَانَا أَو كبيرين
    ......
    128)
    وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: لَا ينْعَقد بِعِبَارَة النِّسَاء أصلا لقَوْله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي. والْحَدِيث الْمَذْكُور حجَّة عَلَيْهِم، وَمر الْكَلَام فِي حَدِيث: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي، مُسْتَوفى، خلاصته أَنه: لَيْسَ بمتفق عَلَيْهِ فَلَا يُعَارض مَا اتّفق عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ البُخَارِيّ وَيحيى بن معِين: لم يَصح فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث، يَعْنِي فِي اشْتِرَاط الْوَلِيّ. فَإِن قلت: رُوِيَ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل، فنكاحها بَاطِل. الحَدِيث. قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: قد تكلم بعض أهل الحَدِيث فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ. قَالَ ابْن جريج: ثمَّ لقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته فَأنْكر. وضعفوا هَذَا الحَدِيث من أجل هَذَا. فَإِن قلت: قَالَ الرمذي هَذَا حَدِيث حسن. قلت: من أَيْن لَهُ الْحسن وَقد أنكرهُ الزُّهْرِيّ؟ فَإِن قلت: إِنْكَاره لَا يعين التَّكْذِيب بل يحْتَمل أَنه رَوَاهُ فنسيه إِذْ كل مُحدث لَا يحفظ مَا رَوَاهُ. قلت: إِذا احْتمل التَّكْذِيب وَالنِّسْيَان فَلَا يبْقى حجَّة، وَيلْزم المحتج بِهِ أَن يَقُول بِمَفْهُوم الْخطاب وَمَفْهُوم هَذَا يَقْتَضِي صِحَة النِّكَاح بِإِذن الْوَلِيّ فَلَا تَقول بِهِ.
    ........
    (133)
    قَالَ الْخطابِيّ: تَحْقِيق الظَّن دون مَا يهجس فِي النَّفس فَإِن ذَلِك لَا يملك أَي: الْمحرم من الظَّن مَا يصر صَاحبه عَلَيْهِ وَيسْتَمر فِي قلبه دون مَا يعرض وَلَا يسْتَقرّ، وَالْمَقْصُود أَن الظَّن يهجم صَاحبه على الْكَذِب إِذا قَالَ على ظَنّه مَا لم يتيقنه فَيَقَع الْخَبَر عَنهُ حِينَئِذٍ كذبا. أَي: أَن الظَّن منشأ أَكثر الْكَذِب.
    ....
    (136)
    وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي أَكثر الصَدَاق وَأقله. فَزعم الْمُهلب أَنه لَا حدَّ لأكثره قَوْله تَعَالَى: {وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (النِّسَاء: 02) وَذكر عبد الرَّزَّاق عَن قيس بن الرّبيع عَن أبي حُصَيْن عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، قَالَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا تغَالوا فِي صدقَات النِّسَاء، فَقَالَت امْرَأَة: لَيْسَ ذَلِك يَا عمر، إِن الله عز وَجل قَالَ: {وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (النِّسَاء: 02) فَقَالَ: إِن امْرَأَة خَاصَمت عمر فَخَصمته، وَذكر أَبُو الْفرج الْأمَوِي وَغَيره: أَن عمر صدق أم كُلْثُوم ابْنة عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أَرْبَعِينَ ألفا، وَأَن الْحسن بن عَليّ تزوج امْرَأَة فَأرْسل إِلَيْهَا مائَة جَارِيَة وَمِائَة ألف دِرْهَم، وَتزَوج معصب بن الزبير عَائِشَة بنت طَلْحَة فَأرْسل إِلَيْهَا ألف دِرْهَم، فَقيل فِي ذَلِك:
    (بضع الفتاة بِأَلف ألف كاملٍ ... وتبيت سَادَات الجيوش شياعا)
    وأصدق النَّجَاشِيّ أم حَبِيبَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا ذكرهه أَبُو دَاوُد أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَكتب بذلك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ الْحَرْبِيّ: وَقيل: أصدقهَا أَرْبَعمِائَة دِينَار، وَقيل: مِائَتي دِينَار. وَفِي مُسلم: قَالَت عَائِشَة: كَانَ صدَاق رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ثِنْتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ونشا فَذَلِك خَمْسمِائَة دِرْهَم. وَقَالَ الْحَرْبِيّ: أصدق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوْدَة بَيْتا وَرثهُ، وَعَائِشَة على مَتَاع بَيت قِيمَته خَمْسُونَ درهما، رَوَاهُ عَطِيَّة عَن أبي سعيد، وأصدق زَيْنَب بنت خُزَيْمَة ثِنْتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ونشا، وَأم سَلمَة على مَتَاع قِيمَته عشرَة دَرَاهِم، وَقيل: كَانَ جرتين ورحى ووسادة حشوها لِيف، وَعند أبي الشَّيْخ: عَليّ جرار خضر ورحى يَد، وَعند التِّرْمِذِيّ: على أَرْبَعمِائَة دِرْهَم، وَفِي مُسلم: لما قَالَ الْأنْصَارِيّ وَقد تزوج: بكم تَزَوَّجتهَا؟ قَالَ: على أَربع أَوَاقٍ، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَربع أَوَاقٍ؟ كأنكم تنحتون الْفضة من عرض هَذَا الْجَبَل)
    ...........
    140(
    اخْتلف الْعلمَاء فِي الرجل يتَزَوَّج الْمَرْأَة وَيشْتَرط لَهَا أَن لَا يُخرجهَا من دارها أَو لَا يتزوجا عَلَيْهَا أَو لَا يتسرى أَو نَحْو ذَلِك من الشُّرُوط الْمُبَاحَة على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه يلْزمه الْوَفَاء بذلك، ذكر عبد الرَّزَّاق وَابْن عبد الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رجلا شَرط لزوجته أَن لَا يُخرجهَا، فَقَالَ عمر: لَهَا شَرطهَا. ثمَّ ذكرا عَنهُ مَا ذكره البُخَارِيّ، وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: أرى أَن يَفِي لَهَا شُرُوطهَا، وَرُوِيَ مثلهَا عَن طَاوُوس وَجَابِر بن زيد، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَحَكَاهُ ابْن التِّين عَن ابْن مَسْعُود وَالزهْرِيّ، وَاسْتَحْسنهُ بعض الْمُتَأَخِّرين. وَالثَّانِي: أَن يُؤمر الزَّوْج بتقوى الله وَالْوَفَاء بِالشُّرُوطِ وَلَا يحكم عَلَيْهِ بذلك حكما، فَإِن أَبى إلاَّ الْخُرُوج لَهَا كَانَ أَحَق النَّاس بأَهْله إِلَيْهِ ذهب عَطاء وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَرَبِيعَة وَأَبُو الزِّنَاد وَقَتَادَة، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ عَطاء: إِذا شرطت أَنَّك لَا تنْكح وَلَا تتسري وَلَا تذْهب وَلَا تخرج بهَا، بهَا بَطل الشَّرْط إِذا نَكَحَهَا. فَإِن قلت: رُوِيَ ابْن وهب عَن اللَّيْث عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن كثير بن فرقد عَن ابْن السباق: أَن رجلا تزوج امْرَأَة على عهد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَشرط لَهَا أَن لَا يُخرجهَا من دارها. فَوضع عَنهُ عمر بن الْخطاب الشَّرْط، وَقَالَ: الْمَرْأَة مَعَ زَوجهَا. زَاد أَبُو عبيد: وَلم يلْزمهَا الشَّرْط، وَعَن عَليّ مثله، وَقَالَ: شَرط الله قبل شروطهم. قلت: قَالَ أَبُو عبيد: تضادت الرِّوَايَة عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَاخْتلف فِيهِ التابعون فَمن بعدهمْ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: نَأْخُذ بالْقَوْل الأول ونرى أَن لَهَا شَرطهَا. وَقَالَ اللَّيْث بالْقَوْل الآخر وَوَافَقَهُ مَالك وسُفْيَان بن سعيد
    ......
    (141)
    أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع بن عبد الْعُزَّى بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصى الْقرشِي العبشمي صهر رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، زوج ابْنَته زَيْنَب أكبر بَنَاته، وَاخْتلف فِي اسْمه فَقيل: لَقِيط، وَقيل: مهشم، وَقيل: هشيم: وَالْأَكْثَر: لَقِيط، وَأمه هَالة بنت خويلد بن أَسد أُخْت خَدِيجَة لأَبِيهَا وَأمّهَا، وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ فِيمَن شهد بَدْرًا مَعَ كفار قُرَيْش وَأسر يَوْم بدر مَعَ من أسر، فَلَمَّا بعث أهل مَكَّة فِي فدَاء أساراهم قدم فِي فدائه أَخُوهُ عَمْرو بن الرّبيع بِمَال دَفعته زَيْنَب بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وقصته مَشْهُورَة، وَكَانَ مواخيا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصافيا، وَكَانَ أَبى أَن يُطلق زَيْنَب إِذْ مَشى إِلَيْهِ مشركو قُرَيْش فِي ذَلِك فَشكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصاهرته وَأثْنى عَلَيْهِ بذلك خيرا، وَهَاجَرت زَيْنَب مسلمة وَتركته على شركَة، ثمَّ بعد ذَلِك جرى عَلَيْهِ مَا جرى حَتَّى أسلم بعد قدومه على النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ورد رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ابْنَته إِلَيْهِ. وَاخْتلف: هَل ردهَا بعقدجديد أَو على عقده الأول؟ وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَي عشرَة.
    .....
    147
    إِن من كَانَ ينْكح فِي الْإِسْلَام يلبس ثوبا مصبوغاً بصفرة عَلامَة الْعَرُوس وَالسُّرُور، أَلا ترى إِلَى قَوْله: وَعلي بشاشة الْعَرُوس، وَقيل: إِنَّمَا كَانَ يلبسهَا ليعينه النَّاس على وليمته ومؤونته. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: أحسن الألوان كلهَا الصُّفْرَة لقَوْله تَعَالَى: {صفراء فَاقِع لَوْنهَا تسر الناظرين} (الْبَقَرَة: 96) فقرن السرُور بالصفر، فَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب الصُّفْرَة. أَلا ترى إِلَى قَول ابْن عَبَّاس، حِين سُئِلَ عَن صبغه بهَا، فَقَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصْبغ بالصفرة؟ فَأَنا أصبغ بهَا وأحبها. وَنقل ابْن عبد الْبر عَن الزُّهْرِيّ: أَن الصَّحَابَة كَانُوا يتخلقون وَلَا يرَوْنَ بِهِ بَأْسا، وَقَالَ ابْن سُفْيَان: هَذَا جَائِز عِنْد أَصْحَابنَا فِي الثِّيَاب دون لجسد، وَكره أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وأصحابهما أَن يصْبغ الرجل ثِيَابه أَو لحيته بالزعفران لحَدِيث أنس: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتزعفر الرجل
    ....
    (145
    وَقَالَ عِيَاض. لَا خلاف أَنه لَا حد لقَلِيل الْوَلِيمَة وَلَا لكثيرها، وَقَالَ الْمُهلب: فعل سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الولائم الْمُخْتَلفَة إِنَّمَا تجب على قدر الْيَسَار فِي ذَلِك الْوَقْت، وَلَيْسَ فِي قَوْله لعبد الرَّحْمَن: أولم وَلَو بِشَاة منعا لما دون ذَلِك، وَإِنَّمَا جعل الشَّاة غَايَة فِي التقليل ليساره وغناه، وَقيل: يحْتَمل أَنه قَالَ لَهُ ذَلِك لعسر الصَّحَابَة حِين هجرتهم، فَلَمَّا توسعوا بِفَتْح خَيْبَر وَشبه ذَلِك أولم سيدنَا الحيس وَشبهه، وَقد اخْتلف السّلف فِي وَقتهَا: هَل هُوَ عِنْد العقد أَو عقيبة؟ أَو عِنْد الدُّخُول أَو عَقِيبه؟ أَو موسع من ابْتِدَاء العقد إِلَى انْتِهَاء الدُّخُول؟ على أَقْوَال. قَالَ النَّوَوِيّ: اخْتلفُوا، فَقَالَ عِيَاض: إِن الْأَصَح عِنْد الْمَالِكِيَّة اسْتِحْبَابه بعد الدُّخُول، وَعَن جمَاعَة مِنْهُم: أَنَّهَا عِنْد العقد، وَعند ابْن حبيب: عِنْد العقد وَبعد الدُّخُول، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: يجوز قبل الدُّخُول وَبعده، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: عِنْد الدُّخُول، وَحَدِيث أنس: فَأصْبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عروسا بِزَيْنَب فدعي الْقَوْم، صَرِيح أَنَّهَا بعد الدُّخُول، وَاسْتحبَّ بعض الْمَالِكِيَّة أَن تكون عِنْد الْبناء وَيَقَع الدُّخُول عقيبها، وَعَلِيهِ عمل النَّاس.

    ....
    146
    وِيَ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من حَدِيث معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهد أَمْلَاك رجل من الْأَنْصَار فَخَطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنكح الْأنْصَارِيّ، وَقَالَ: على الألفة وَالْخَيْر وَالْبركَة والطائر الميمون وَالسعَة فِي الرزق وَأخرجه أَبُو عمر النوقاني فِي كتاب (معاشرة الأهلين) من حَدِيث أنس، وَزَاد فِيهِ: والرفاء والبنين؟ قلت: الَّذِي أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير ضَعِيف، وَأخرجه أَيْضا فِي الْأَوْسَط بِسَنَد أَضْعَف مِنْهُ، وَفِي حَدِيث النوقاني أبان الْعَبْدي وَهُوَ ضَعِيف، وَأخرج التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة أَنا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا رفأ الْإِنْسَان إِذا تزوج، قَالَ: (بَارك الله لَك وَبَارك عَلَيْك وَجمع بَيْنكُمَا فِي خير) . وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح
    وَأخرج النَّسَائِيّ من رِوَايَة أَشْعَث عَن الْحسن عَن عقيل بن أبي طَالب أَنه تزوج امكرأة من بني حبشم فَقَالُوا: بالرفاء والبنين، فَقَالَ: لَا تَقولُوا هَكَذَا، وَلَكِن قُولُوا، كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ بَارك لَهُم وَبَارك عَلَيْهِم، وَهُوَ مُرْسل.
    ....
    رُوِيَ ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عمر بن قيس الماصر قَالَ: شهِدت شريحا وَأَتَاهُ رجل من أهل الشَّام، فَقَالَ: إِنِّي تزوجت امْرَأَة، فَقَالَ: بالرفاء والبنين: قلت: هَذَا مَحْمُول على أَن شريحا لم يبلغهُ النَّهْي عَن ذَلِك.
    .....
    157
    قَالَ صَاحب التَّلْوِيح كَأَن البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَرَادَ بقوله: (وَمن أولم سَبْعَة أَيَّام) مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح من حَدِيث وهيب عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد: حَدَّثتنِي حَفْصَة أَن سِيرِين عرس بِالْمَدِينَةِ فأولم، فَدَعَا النَّاس سبعا، فَكَانَ فِيمَن دعى أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ صَائِم فَدَعَا لَهُم بِخَير وَانْصَرف، وَكَذَا ذكره حَمَّاد بن زيد إلاَّ أَنه لم يذكر حَفْصَة فِي إِسْنَاده وَقَالَ معمر عَن أَيُّوب: ثَمَانِيَة أَيَّام، وَالْأول أصح، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا من طَرِيق حَفْصَة بنت سِيرِين، قَالَت: لما تزوج أبي دَعَا الصَّحَابَة سَبْعَة أَيَّام، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَنْصَار دَعَا أبي بن كَعْب وَزيد بن ثَابت وَغَيرهمَا فَكَانَ أبي صَائِما فَلَمَّا طعموا دَعَا أبي وَأثْنى
    ....
    (178)
    م يعين النَّبِي الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، للوليمة يَوْمًا لَا يَوْمَيْنِ للْإِيجَاب أَو للاستحباب، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْإِطْلَاق وَيمْنَع التَّحْدِيد إلاَّ بِحجَّة يجب التَّسْلِيم لَهَا. فَإِن قلت: رُوِيَ أَبُو دَاوُد بِسَنَد صَحِيح عَن عبد الله بن عُثْمَان الثَّقَفِيّ عَن رجل أَعور من بني ثَقِيف، كَانَ يُقَال لَهُ زُهَيْر مَعْرُوف أَي: يُثنى عَلَيْهِ خيرا، وَإِن لم يكن اسْمه زُهَيْر بن عُثْمَان فَلَا أَدْرِي مَا اسْمه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْوَلِيمَة أول يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف، وَالْيَوْم الثَّالِث رِيَاء وسَمعه. انْتهى. فَكيف يَقُول البُخَارِيّ: وَلم يُوَقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا لَا يَوْمَيْنِ؟ قلت: قَالُوا إِنَّه لم يَصح عِنْده وَقَالَ فِي تَارِيخه الْكَبِير: لَا يَصح إِسْنَاده وَلَا يعرف لَهُ صُحْبَة، وَلما ذكره أَبُو عمر تبع البُخَارِيّ فَقَالَ: فِي إِسْنَاده نظر، يُقَال: إِن حَدِيثه مُرْسل وَلَيْسَ لَهُ غَيره. وَلَكِن قَالَ غَيره: هَذَا حَدِيث صَحِيح سَنَده حسن مَتنه، وَإِذا لم يعرفهُ هُوَ فقد عرفه غَيره، وَقَالَ ابْن حبَان فِي كتاب الصَّحَابَة: لَهُ صُحْبَة، وَذكره فِي جُمْلَتهمْ من غير تردد جمَاعَة كَثِيرَة مِنْهُم ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه الْأَوْسَط وَأَبُو أَحْمد العسكري وَالتِّرْمِذِيّ فِي تَارِيخه وَابْن السكن وَابْن قَانِع وَأَبُو عَمْرو الفلاس وَأَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ فِي كِتَابه المخزون والبغويان أَحْمد فِي مُسْنده الْكَبِير وَابْن بنته، وَقَالَ: لَا أعلم لزهير غير هَذَا: وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه الأصبهانيان وَمُحَمّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ وَذكر غير وَاحِد أَن الْحسن رُوِيَ عَنهُ فَإِن قلت: دخل بَينهمَا عبد الله بن عُثْمَان قلت: لَا يضر ذَلِك لِأَنَّهُ مَعْدُود أَيْضا فِي جملَة الصَّحَابَة عِنْد أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي: أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْتشْهدَ باليرموك. فَإِن قلت: رُوِيَ النَّسَائِيّ عَن الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا. قلت: لَا يضر ذَلِك الحَدِيث لِأَن الْحسن صَاحب فَتْوَى وَفقه، فَرُبمَا يسْأَل عَن شَيْء يكون مُسْندًا فيذكره بِغَيْر سَنَد، وَرُبمَا ينشط فيذكر سَنَده، وَهَذِه عَاده أشباهه من أَصْحَاب الْفَتْوَى،
    ن ذَلِك مَا رَوَاهُ عبد الله بن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، قَالَ: طَعَام أول يَوْم حق، وَطَعَام يَوْم الثَّانِي سنة، وَطَعَام يَوْم الثَّالِث سمعة وَمن سمع سمع الله بِهِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَانْفَرَدَ بِهِ، وَقَالَ: لَا نعرفه مَرْفُوعا إلاَّ من حَدِيث زِيَاد بن عبد الله وَهُوَ كثير الغرائب والمناكير، وَمِنْه مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْوَلِيمَة أول يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف، وَالثَّالِث رِيَاء وَسُمْعَة، وَفِي سَنَده عبد الْملك بن حُسَيْن النَّخعِيّ الوَاسِطِيّ تكلم فِيهِ غير وَاحِد، وَمِنْه مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أنس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْوَلِيمَة أول يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف، وَالثَّالِث رِيَاء وَسُمْعَة، وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح: سَنَده صَحِيح فَإِن قلت: قد قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث بقوى وَفِيه بكير بن خُنَيْس تكلمُوا فِيهِ. قلت: أثنى عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم أَحْمد بن صَالح
    ......
    (169)
    قَالَ أَبُو الْفضل عِيَاض بن مُوسَى: اخْتلف فِي سَنَد هَذَا الحَدِيث وَرَفعه مَعَ أَنه لَا اخْتِلَاف فِي صِحَّته وَأَن الْأَئِمَّة قبلوه وَلَا مخرج لَهُ فِيمَا انْتهى إِلَيّ إلاَّ من رِوَايَة عُرْوَة عَن عَائِشَة، فَروِيَ من غير طَرِيق: عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة من قَول سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُله، هَكَذَا رَوَاهُ عباد بن مَنْصُور والدراوردي وَعبد الله بن مُصعب الزبيرِي وَيُونُس بن أبي إِسْحَاق كلهم عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَا رَفعه جمَاعَة آخَرُونَ، وَقَالَ عِيَاض: لَا خلاف فِي رفع قَوْله. فِي هَذَا الحَدِيث: (كنت ل كَأَنِّي زرع لأم زرع) وَإِنَّمَا الْخلاف فِي بَقِيَّته. وَقَالَ الْخَطِيب: الْمَرْفُوع من هَذَا الحَدِيث قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كنت لم كَأبي زرع لأم زرع) وَمَا عداهُ، فَمن كَلَام عَائِشَة.

    * وَقَالَ الْفَارِسِي: هِيَ بدل من قطعناهم وَلَيْسَ بتمييز، وَكَانَ اجتماعهن وجلوسهن بقرية من قرى الْيمن، كَذَا وَقع رِوَايَة الزبير بن بكار، ووقَع فِي رِوَايَة الْهَيْثَم: أَنَّهُنَّ كن بِمَكَّة. وَقَالَ عِيَاض: إنَّهُنَّ كن من خثعم، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن أبي أويس عَن أَبِيه: أَنَّهُنَّ كن فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَذَا عِنْد النَّسَائِيّ فِي رِوَايَة.
    وَقَالَ أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِ ي: لَيْسَ شَيْء أَخبث غثاثة بَين الْأَنْعَام من الْجمل لِأَنَّهُ يجمع خبث الرّيح وخبث الطّعْم حَتَّى ضرب بِهِ الْمثل، وصفت زَوجهَا بالبخل وَقلة الخيروبعده من أَن ينَال خَيره مَعَ قلته كَاللَّحْمِ الهزيل المنتن الَّذِي يزهد فِيهِ فَلَا يطْلب، فَكيف إِذا كَانَ فِي رَأس جبل صَعب وعر لَا ينَال إلاَّ بِمَشَقَّة، وَذهب الْخطابِيّ إِلَى أَن تمثيلها بِالْجَبَلِ الوعر هُنَا إِشَارَة إِلَى سوء خلقه، والذهاب بِنَفسِهِ وترفعه تيها وكبرا، تُرِيدُ أَنه: مَعَ قلَّة خَيره يتكبر على عشيرته فَيجمع إِلَى الْبُخْل سوء الْخلق، وَهُوَ تَشْبِيه الْجَلِيّ بالخفي، والمتوهم بالمحسوس والحقير بالخطير.

    وَقَالَ الْأَخْفَش: العجر العقد تكون فِي سَائِر الْبدن، والبجر تكون فِي الْقلب، وَقَالَ أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِ ي: لم يَأْتِ أَبُو عُبَيْدَة بِالْمَعْنَى فِي هَذَا، وَإِنَّمَا عنت أَن زَوجهَا كثير الْعُيُوب فِي أخلاقه مُنْعَقد النَّفس عَن المكارم، وَقَالَ ابْن فَارس: يُقَال فِي الْمثل: أفضيت إِلَيْهِ بعجري وبجري أَي: بأَمْري كُله وَعَن الْأَصْمَعِي: يستعلمل ذَلِك فِي المعائب، أَي: ذكر عيوبه، وَقَالَ يَعْقُوب: أسراره، وَعبارَة غَيره: عيوبه الْبَاطِنَة وأسراره الكامنة، وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي وقْعَة الْجمل: (إِلَى الله أَشْكُو عجري وبجري) أَي: همومي وأحزاني، وَقيل: العجر ظَاهرهَا والبجر بَاطِنهَا. قَالَ الشَّاعِر:
    (لم يبْق عِنْدِي مَا يُبَاع بدرهم ... يَكْفِيك عجر حالتي عَن بجري)
    وَقَالَ عِيَاض: فِيهِ مُطَابقَة لفظية بَين دخل وَخرج، وَبَين أَسد وفهد مُطَابقَة معنوية، وَتسَمى أَيْضا الْمُقَابلَة. قَوْله: (وَلَا يسْأَل عَمَّا عهد) أَي: لَا يتفقد مَا ذهب من مَاله وَلَا يلْتَفت إِلَى معائب الْبَيْت وَمَا فِيهِ كَأَنَّهُ ساهٍ عَن ذَلِك. وَقَالَ عِيَاض: وَهَذَا يَقْتَضِي تفسيرين: لعهد عهد قبل فَهُوَ يرجع إِلَى تفقد المَال وعهد الْآن فَهُوَ بِمَعْنى الإغضاء عَن المعائب والاختلال.

    ............
    (182
    وَكَانَ ابْن سِيرِين يكره تَسْمِيَتهَا ضرَّة، وَيَقُول: إِنَّهَا لَا تضر وَلَا تَنْفَع وَلَا تذْهب من رزق الْأُخْرَى بِشَيْء، وَإِنَّمَا هِيَ جَارة، وَالْعرب تسمي صَاحب الرجل وخليطه جارا، وَتسَمى الزَّوْجَة أَيْضا جَارة لمخالطتها الرجل، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتَار عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، تَسْمِيَتهَا جَارة أدبا مِنْهُ أَن يُضَاف لفظ الضَّرَر إِلَى إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ.
    .......
    183
    شدَّة الْوَطْأَة على النِّسَاء مذمومة. فَإِن قلت: روى ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: علق سَوْطك حَيْثُ يرَاهُ الْخَادِم، وروى أَبُو ذَر: أخف أهلك فِي الله وَلَا ترفع عَنْهُم عصاك. قلت: أسانيدها واهية، وَضرب الْمَرْأَة لغير الهجر فِي المضجع لَا يجوز بل حرَام قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات}
    .....
    185
    وروى ابْن الْجَوْزِيّ فِي (كتاب النِّسَاء) من حَدِيث مُحَمَّد بن ربيعَة: حَدثنَا يحيى بن الْعَلَاء حَدثنَا الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المسوفة والمغلسة، أما المسوفة فَهِيَ الْمَرْأَة الَّتِي إِذا أرادها زَوجهَا قَالَت: سَوف، والمغلسة فِي لفظ المغسلة، هِيَ الَّتِي إِذا أرادها زَوجهَا قَالَت: إِنِّي حَائِض، وَلَيْسَ بحائض، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث لَيْث عَن عبد الْملك عَن عَطاء عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: جَاءَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله! مَا حق الزَّوْج على الْمَرْأَة؟ قَالَ: لَا تَمنعهُ نَفسهَا، وَإِن كَانَت على ظهر قتب. وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (كتاب الْعشْرَة) من حَدِيث يحيى بن الْعَلَاء بِلَفْظ: لَا تَمنعهُ نَفسهَا وَإِن كَانَت على رَأس تنور، وَرَوَاهُ ابْن عدي، وَلَفظه: على رَأس تنور أَو ظهر بَيت، وَيحيى بن الْعَلَاء ضَعِيف، وَفِي حَدِيث الْبَاب: إِن الْمَلَائِكَة تَدْعُو لأهل الطَّاعَة إِذا كَانُوا على طاعتهم وَتَدْعُو على أهل الْمعْصِيَة إِذا كَانُوا فِي مَعْصِيّة.
    .....
    186
    أَن صَبر الرجل على ترك الْجِمَاع أَضْعَف من صَبر الْمَرْأَة. وَفِيه: أَن أقوى التشويشات على الرجل دَاعِيَة النِّكَاح. وَلذَلِك حض الشَّارِع النِّسَاء على مساعدة الرجل فِي ذَلِك.
    ..............
    188
    لكُل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ حق على الآخر، وَمن جملَة حق الْمَرْأَة على زَوجهَا أَن يُجَامِعهَا، وَاخْتلفُوا فِي مِقْدَاره فَقيل: يجب مرّة، وَقيل فِي كل أَربع لَيَال، وَقيل: فِي كل طهر مرّة. وَقَالَ ابْن حزم: فرض على الرجل أَن يُجَامع امْرَأَته الَّتِي هِيَ زَوجته، وَأدنى ذَلِك مرّة فِي كل طهر إِن قدر على ذَلِك، وَإِلَّا فَهُوَ عَاص لله تَعَالَى، وروى عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن مَالك بن مغول عَن الشّعبِيّ، قَالَ: جَاءَت امْرَأَة إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! إِن زَوجي يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل. فَقَالَ عمر: لقد أَحْسَنت الثَّنَاء على زَوجك فَقَالَ كَعْب بن سوار: لقد اشتكت فَقَالَ عمر: أخرج من مَقَالَتك فَقَالَ: أَتَرَى أَن ينزل منزلَة الرجل لَهُ أَربع نسْوَة فَلهُ ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَلها يَوْم وَلَيْلَة. وَقَالَ أَحْمد: وَقَالَ مَالك: إِذا كف رجل عَن جماع أَهله من غير ضَرُورَة لَا يتْرك حَتَّى يُجَامع أَو يُفَارق أحب ذَلِك أَو كرهه، لِأَن مضارّ بهَا. وبنحوه قَالَ أَحْمد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يُؤمر أَن يبيت عِنْدهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا يفْرض عَلَيْهِ من الْجِمَاع شَيْء بِعَيْنِه، وَإِنَّمَا يفْرض لَهَا النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَأَن يأوي إِلَيْهَا. وَقَالَ الثَّوْريّ: إِذا اشتكت زَوجهَا جعل لَهُ ثَلَاثَة أَيَّام وَلها يَوْم وَلَيْلَة، وَهُوَ قَول أبي ثَوْر.

  9. #289
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
    " ختم وتلخيص المجلد العشرين من " عمدة القاري " للحافظ العيني رحمه الله
    اليوم : الجمعة
    الموافق : 25/ رمضان / 1442 هجري
    الموافق : 7/ مايو / 2021 ميلادي


    تابع / الجزء الأخير (20)
    ( 190)
    ذكر هجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ فِي غير بُيُوتهنَّ أَي: وَيذكر عَن مُعَاوِيَة رَفعه، غير أَن لَا يهجر أَي رويت عَنهُ قصَّة الهجر مَرْفُوعَة إلاَّ أَنه قَالَ: أَن لَا يهجر إلاَّ فِي الْبَيْت، وَهَذَا الَّذِي لمحه غلط مَحْض، فَإِن مُعَاوِيَة بن حيدة مَا روى قصَّة هجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَزوَاجه وَلَا يُوجد هَذَا فِي شَيْء من المسانيد وَلَا فِي الْأَجْزَاء، وَلَيْسَ مُرَاد البُخَارِيّ مَا ذكره، وَإِنَّمَا مُرَاده حِكَايَة مَا ورد فِي سِيَاق حَدِيث مُعَاوِيَة بن حيدة، فَإِن فِي بعض طرقه وَلَا يقبح وَلَا يضْرب الْوَجْه غير أَن لَا تهجر إلاَّ فِي الْبَيْت، فَظن الْكرْمَانِي أَن الِاسْتِثْنَاء من تصرف البُخَارِيّ وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ حِكَايَة مِنْهُ عَمَّا ورد من لفظ الحَدِيث. انْتهى.

    قلت: نِسْبَة الْكرْمَانِي إِلَى غلط مَحْض غلط مَحْض مِنْهُ، وَفِيه ترك الْأَدَب وَذَلِكَ أَن الْكرْمَانِي مَا تصرف فِي هَذَا الحَدِيث إِلَّا على حسب مَا يَقْتَضِيهِ اخْتِلَاف الرِّوَايَتَيْن ِ المذكورتين اللَّتَيْنِ ذكرهمَا، وَمَعَ هَذَا يحْتَمل أَن يكون مُعَاوِيَة قد روى قصَّة هجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ، فَإِن بَاب الرِّوَايَة وَاسع جدا. وَقَوله: فَإِن مُعَاوِيَة بن حيدة مَا روى قصَّة هجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَزوَاجه وَلَا يُوجد هَذَا فِي شَيْء من المسانيد وَلَا فِي الْأَجْزَاء دَعْوَى بِلَا برهَان، وليت شعري كَيفَ يَدعِي هَذِه الدَّعْوَى وَهُوَ لم يحط بِمَا جَاءَ من المسانيد وَمن الْأَجْزَاء، وَلَا وقف هُوَ على قدر عشر معشار مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على أَن كَلَام الْكرْمَانِي إِثْبَات وَكَلَامه نفي، وَالْإِثْبَات مقدم لِأَنَّهُ إِخْبَار عَن مَوْجُود، وَالنَّفْي إِخْبَار عَن مَعْدُوم.
    ..........
    (192)
    وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا يكره من ضرب النِّسَاء التَّعَدِّي فِيهِ والإسراف، وَقد بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك، فَقَالَ: ضرب العَبْد من أجل الرّقّ يزِيد فَوق ضرب الْحر لتباين حاليهما، وَلِأَن ضرب النِّسَاء إِنَّمَا جَازَ من أجل امتناعها على زَوجهَا من أجل المباضعة، وَقَالَ ابْن التِّين: وَاخْتلف فِي وجوب ضربهَا فِي الْخدمَة وَالْقِيَاس يُوجب أَنه إِذا جَازَ ضربهَا فِي المباضعة جَازَ فِي الْخدمَة الْوَاجِبَة للزَّوْج عَلَيْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَقَالَ ابْن حزم: لَا يلْزمهَا أَن تخْدم زَوجهَا فِي شَيْء أصلا، لَا فِي عجين وَلَا فِي طبخ وَلَا كنس وَلَا غزل وَلَا غير ذَلِك، ثمَّ نقل عَن أبي ثَوْر أَنه قَالَ: عَلَيْهَا أَن تخدمه فِي كل شَيْء، وَيُمكن أَن يحْتَج لَهُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح: أَن فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، شكت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تَجِد من الرَّحَى، وَبقول أَسمَاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: كنت أخدم الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَا حجَّة فيهمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فيهمَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمرهمَا، وَإِنَّمَا كَانَتَا متبرعتين.
    .........
    (195)
    وَرُوِيَ عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة التَّفْرِقَة بَين الْحرَّة وَالْأمة، فتستأمر الْحرَّة وَلَا تستأمر الْأمة وهم: عبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر، وَمن التَّابِعين سعيد بن جُبَير وَمُحَمّد بن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَعَمْرو بن مرّة وَجَابِر بن زيد وَالْحسن وَعَطَاء وطاووس، وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد بن حَنْبَل، وَحَكَاهُ صَاحب (التَّقْرِيب) عَن الشَّافِعِي، وَكَذَا غزاه إِلَيْهِ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم.
    ......
    أَن الْمَرْأَة إِن كَانَت حرَّة فقد ادّعى فِيهِ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) أَنه لَا خلاف بَين الْعلمَاء فِي أَنه لَا يعْزل عَنْهَا إلاَّ بِإِذْنِهَا وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله دَعْوَى الْإِجْمَاع لَا تصح، فقد اخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي على طَرِيقين: أظهرها كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ رَحمَه الله: إِنَّهَا إِن رضيت جَازَ لَا محَالة، وإلاَّ فَوَجْهَانِ أصَحهمَا عِنْد الْغَزالِيّ الْجَوَاز، وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ فِي (الشَّرْح الصَّغِير) وَالنَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) إِنَّه الْأَصَح وَقَالَ فِي (الرَّوْضَة) إِنَّه الْمَذْهَب وَالطَّرِيق الثَّانِي: أَنَّهَا إِن لم تَأذن لم يجز، وَإِن أَذِنت فَوَجْهَانِ؟ وَإِن كَانَت الْمَرْأَة الْمُزَوجَة أمة فَاخْتلف الْعلمَاء فِي وجوب اسْتِئْذَان سَيِّدهَا فَحكى ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) : عَن مَالك وَأبي حنيفَة وأصحابهما أَنهم قَالُوا: الْإِذْن فِي الْعَزْل عَنْهَا إِلَى مَوْلَاهَا وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهُ أَن يعْزل عَنْهَا بِدُونِ إِذْنهَا وَإِذن مَوْلَاهَا، وَإِن كَانَت الْمَرْأَة أمة لَهُ، فَقَالَ ابْن عبد الْبر: لَا خلاف بَين فُقَهَاء الْأَمْصَار أَنه يجوز الْعَزْل عَنْهَا بِغَيْر إِذْنهَا وَإنَّهُ لَا حق لَهَا فِي ذَلِك، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله هَكَذَا أطلق نفي الْخلاف وَلَيْسَ بجيد، وَقد فرق أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي الْأمة بَين الْمُسْتَوْلدَة وَغَيرهَا، فَإِن لم يكن قد اسْتَوْلدهَا فَقَالَ الْغَزالِيّ وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ: لَا خلاف فِي جَوَازه، قَالَ الرَّافِعِيّ: صِيَانة للْملك، وَاعْترض صَاحب (الْمُهِمَّات) بِأَن فِيهِ وَجها حَكَاهُ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر أَنه لَا يجوز لحق الْوَلَد، وَإِن كَانَت مُسْتَوْلدَة لَهُ فَقَالَ الرَّافِعِيّ: رتبها مرتبون على الْمَنْكُوحَة الرقيقة، وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَن الْوَلَد حر، وَآخَرُونَ على الْحرَّة والمستولدة أولى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهَا لَيست راسخة فِي الْفراش، وَلِهَذَا لَا تسْتَحقّ الْقسم. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَهَذَا أظهر.
    ........
    196
    روى مُسلم من حَدِيث أبي الْأسود عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن جد أمة بنت وهب أُخْت عكاشة: حضرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أنَاس الحَدِيث. وَفِيه: ثمَّ سَأَلُوهُ عَن الْعَزْل؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَاك الوأد الْخَفي، وَبِه اسْتدلَّ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَالم بن عبد الله وَالْأسود بن يزِيد. وطاووس وَقَالُوا: الْعَزْل مَكْرُوه لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الْعَزْل بِمَنْزِلَة الوأد إِلَّا أَنه خَفِي، لِأَن من يعْزل عَن امْرَأَته إِنَّمَا يعْزل هربا من الْوَلَد، فَلذَلِك سمي: الموؤدة الصُّغْرَى، والموؤدة الْكُبْرَى هِيَ الَّتِي تدفن وَهِي حَيَّة، كَانَ إِذا ولد لأَحَدهم بنت فِي الْجَاهِلِيَّة دفنوها فِي التُّرَاب وَهِي حَيَّة فَكيف التَّوْفِيق بَين هَذَا وَبَين حَدِيث جَابر وَأبي سعيد وَغَيرهمَا وَفِي حَدِيث جَابر: قُلْنَا يَا رَسُول الله إِنَّا كُنَّا نعزل، فَزَعَمت الْيَهُود أَنَّهَا الموؤدة الصُّغْرَى، فَقَالَ: كذبت الْيَهُود، إِن الله إِذا أَرَادَ أَن يخلقه لم يمنعهُ
    ......
    196
    أُجِيب عَن هَذَا بِوُجُوه: الأول: أَنه يحْتَمل أَن يكون الْأَمر فِي ذَلِك كَمَا وَقع فِي عَذَاب الْقَبْر لما قَالَت الْيَهُود إِن الْمَيِّت يعذب فِي قَبره، فكذبهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يطلعه الله على ذَلِك، فَلَمَّا أطلعه الله على عَذَاب الْقَبْر أثبت ذَلِك واستعاذ بِاللَّه مِنْهُ، وَهَهُنَا كَذَلِك. الثَّانِي: مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ: إِنَّه مَنْسُوخ بِحَدِيث جَابر وَغَيره فَإِن قلت: ذكرُوا أَن جذامة أسلمت عَام الْفَتْح فَيكون حَدِيثهَا مُتَأَخِّرًا فَيكون نَاسِخا لغير قلت: ذكرُوا أَيْضا أَنَّهَا أسلمت قبل الْفَتْح، وَقَالَ عبد الْحق: هُوَ الصَّحِيح. الثَّالِث: قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: حَدِيث جذامة مُضْطَرب الرَّابِع: يرجع إِلَى التَّرْجِيح، فَحَدِيث جذامة يرد من حَدِيثهَا، وَحَدِيث جَابر بِرِجَال الصَّحِيح وَله شَاهد من حَدِيث أبي سعيد على مَا سَيَأْتِي، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي أخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي سَلمَة عَنهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْل؟ فَقيل: إِن الْيَهُود تزْعم أَنَّهَا الموؤدة الصُّغْرَى، فَقَالَ: كذبت يهود.
    ............
    199
    وَالْآيَة تخبر بِأَنَّهُم لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يعدلُوا قلت: الْمَنْفِيّ فِي الْآيَة الْعدْل بَينهُنَّ من كل جِهَة أَلا ترى كَيفَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَلَا تلمني فِيمَا تملك وَلَا أملك؟ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: يَعْنِي بِهِ الْحبّ والمودة لِأَن ذَلِك مِمَّا لَا يملكهُ الرجل وَلَا هُوَ فِي قدرته. وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَنْهُمَا: لَا تَسْتَطِيع أَن تعدل بالشهوة فِيمَا بَينهُنَّ وَلَو حرصت، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: دلّت هَذِه الْآيَة على أَن التَّسْوِيَة بَينهُنَّ فِي الْمحبَّة غير وَاجِبَة، وَقد أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عَائِشَة أحب إِلَيْهِ من غَيرهَا من أَزوَاجه، فَلَا تميلوا كل الْميل بأهوائكم حَتَّى يحملكم ذَلِك على أَن تَجُورُوا فِي الْقسم على الَّتِي لَا تحبون
    .......
    199
    وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله: وَحمل الشَّافِعِي ذَلِك على الْأَوْلَوِيَّة والاستحباب، وَنَصّ على جَوَاز الْقسم لَيْلَتَيْنِ لَيْلَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَثَلَاثًا. وَقَالَ فِي (الْمُخْتَصر) وأكره مُجَاوزَة الثَّلَاث فَحَمله الْأَكْثَرُونَ على الْمَنْع وَنقل عَن نَصه فِي (الْإِمْلَاء) أَنه كَانَ يقسم مياومة ومشاهرة ومسانهة، قَالَ الرَّافِعِيّ: فَحَمَلُوهُ على مَا إِذا رضين وَلم يَجْعَلُوهُ قولا آخر، وَحكى عَن صَاحب (التَّقْرِيب) أَنه: يجوز أَن يقسم سبعا سبعا. وَعَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَغَيره أَنه تجوز الزِّيَادَة مَا لم تبلغ التَّرَبُّص بِمدَّة الْإِيلَاء وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: لَا يجوز أَن يَبْنِي الْقسم على خمس سِنِين مثلا، وَحكى الْغَزالِيّ فِي (الْبَسِيط) وَجها: أَنه لَا تَقْدِير بِزَمَان وَلَا تَوْقِيت أصلا فَإِنَّمَا التَّقْدِير إِلَى الزَّوْج انْتهى كَلَامه.
    قلت: وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَلَا أرى مُجَاوزَة يَوْم إِذْ لَا حجَّة مَعَ من تحظى سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى غَيرهَا. أَلا ترى قَوْله فِي الحَدِيث: أَن سَوْدَة وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة، وَلم يحفظ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قسمته لأزواجه أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة، وَلَو جَازَ ثَلَاثَة لجَاز خَمْسَة شهرا، ثمَّ يتخطى بالْقَوْل إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ، فَلَا يجوز مُعَارضَة السّنة.
    وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة الْقسم بَين النِّسَاء وَهُوَ مُتَّفق على اسْتِحْبَابه، فإمَّا وُجُوبه فَادّعى صَاحب (الْمُفْهم) الِاتِّفَاق على وُجُوبه، فَقَالَ شَيخنَا: وَفِي دَعْوَى الِاتِّفَاق نظر فَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم: مَذْهَبنَا إِنَّه لَا يلْزم أَن يقسم لنسائه، بل لَهُ إحسانهن كُلهنَّ، لَكِن يكره تعطيلهن. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَعَن القَاضِي أبي حَامِد حِكَايَة أَنه يجب الْقسم بَينهُنَّ وَلَا يجوز لَهُ الْإِعْرَاض.
    .....
    200
    وَأخرج الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من عشر طرق صِحَاح، ثمَّ قَالَ: فَذهب قوم إِلَى أَن الرجل إِذا تزوج الثّيّب أَنه بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ سبَّع لَهَا وسبّع لسَائِر نِسَائِهِ، وَإِن شَاءَ أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا وَدَار على بَقِيَّة نِسَائِهِ يَوْمًا يَوْمًا وَلَيْلَة لَيْلَة قلت: أَرَادَ بالقوم إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعامر الشّعبِيّ ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبا ثَوْر وَأَبا عبيد، ثمَّ قَالَ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، فَقَالُوا: إِن ثلَّث لَهَا ثلَّث لسَائِر نِسَائِهِ كَمَا إِذا سبَّع لَهَا وسبَّع لسَائِر نِسَائِهِ. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَالْحكم بن عتبَة وَأَبا حنيفَة وَأَبا يُوسُف ومحمدا رَحِمهم الله، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث أم سَلمَة أخرجه الطَّحَاوِيّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: (إِن شِئْت سبعت عنْدك سبعت عِنْدهن) وَأخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) مطولا وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ بأطول مِنْهُ وَأخرجه أَبُو يعلى أَيْضا وَالْبَيْهَقِيّ. قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَلَمَّا قَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن شِئْت سبعت لَك سبعت عِنْدهن، أَي: أعدل بَينهُنَّ وَبَيْنك فَاجْعَلْ لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ سبعا، كَذَلِك إِذا جعل لَهَا ثَلَاثًا جعل لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ ثَلَاثًا. وَقَالَت الشَّافِعِيَّة: حَدِيث أنس الْمَذْكُور حجَّة على الْحَنَفِيَّة قلت: كَذَلِك حَدِيث أم سَلمَة حجَّة على الشَّافِعِيَّة، واحتجت الْحَنَفِيَّة أَيْضا بِحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقسم بَين نِسَائِهِ فيعدل الحَدِيث رَوَاهُ الْأَرْبَعَة، وَقد مر عَن قريب، فَظَاهره يَقْتَضِي الْمُسَاوَاة بَينهُنَّ مُطلقًا.

    ......
    200
    انَ صلى الله عليه وسلم كان يَدُور على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة من اللَّيْل وَالنَّهَار وَهن إِحْدَى عشرَة، وَجمع بَينهمَا بِأَن أَزوَاجه كن تسعا فِي هَذ الْوَقْت وسريتاه مَارِيَة وَرَيْحَانَة، على رِوَايَة من روى أَن رَيْحَانَة كَانَت أمة، وروى بَعضهم أَنَّهَا كَانَت زَوْجَة، وَلَقَد سَمِعت أساتذتي الْكِبَار رَحِمهم الله تَعَالَى، أَن كل نَبِي من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام أُعطي قُوَّة أَرْبَعِينَ رجلا وَأعْطِي نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُوَّة أَرْبَعِينَ نَبيا، فَتكون قوته على هَذَا قُوَّة ألف رجل وسِتمِائَة رجل، فَانْظُر إِلَى ورعه وَصَبره الْعَظِيم الَّذِي لم يُعْط أحد مثله كَيفَ اكْتفى بِهَذَا الْمِقْدَار، وَانْظُر إِلَى سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، حَيْثُ كَانَت لَهُ ألف امْرَأَة على مَا قيل، مِنْهَا ثَلَاثمِائَة حرائر وَسَبْعمائة إِمَاء أما دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام، فَكَانَت لَهُ مائَة امْرَأَة، وَمَعَ هَذَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطوي الْأَيَّام لَا يَأْكُل ويواصل فِي الصَّوْم حَتَّى كَانَ يشد الْحجر على بَطْنه وَيقوم بالليالي حَتَّى تتورم قدماه، وَمَا هَذِه إِلَّا فَضَائِل خصّه الله بهَا وَجعله أفضل خلقه وَسيد أنبيائه، صلوَات الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ.
    ............
    (204)
    والْحَدِيث أخرجه مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير حَدثنَا وَكِيع وَعَبدَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن امْرَأَة قَالَ: يَا رَسُول الله} أَقُول: إِن زَوجي أَعْطَانِي مَا لم يُعْط. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: المتشبع بِمَا لم يُعْط كلابس ثوبي زور، قَالَ الدَّارَقُطْنِي ّ فِي (الْعِلَل) : عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: إِنَّمَا يرويهِ هَكَذَا معمر وَالْمبَارك بن فضَالة، وَالصَّحِيح: عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء. وَإِخْرَاج مُسلم حَدِيث هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة لَا يَصح، وَالصَّوَاب حَدِيث عَبدة ووكيع وَغَيرهمَا عَن هِشَام عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء. وَلما رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي (سنَنه) من حَدِيث معمر عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، قَالَ: هَذَا خطأ وَالصَّوَاب حَدِيث أَسمَاء. قلت: وَمُسلم أخرجه أَيْضا من حَدِيث هِشَام عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء، فَيحْتَمل أَن يكون كِلَاهُمَا صَحِيحَيْنِ عِنْده. ثمَّ إِن البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين أَحدهمَا: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن هِشَام عَن حَمَّاد بن زيد عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْآخر: عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن هِشَام بن عُرْوَة إِلَى آخِره.

    ........
    210
    أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْمُعْطِي وَلَكِن وصل إِلَيْهَا بِوَاسِطَة. فَافْهَم. وَاسْتدلَّ قوم بِهَذِهِ الْقِصَّة، مِنْهُم أَبُو ثَوْر، على أَن على الْمَرْأَة الْقيام بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ زَوجهَا من الْخدمَة وَالْجُمْهُور أجابوا عَن هَذَا بِأَنَّهَا كَانَت متطوعة بذلك وَلم يكن لَازِما.
    .....
    210
    قَالَ الطَّيِّبِيّ رَحمَه الله هَذَا الْحصْر فِي غَايَة من اللطف لِأَنَّهَا أخْبرت إِذا كَانَت فِي غَايَة الْغَضَب الَّذِي يسلب الْعَاقِل اخْتِيَاره لَا يغيرها عَن كَمَال الْمحبَّة
    المستغرقة ظَاهرهَا وباطنها الممتزجة بروحها وَإِنَّمَا عبرت عَن التّرْك بالهجران لتدل بِهِ على أَنَّهَا تتألم من هَذَا التّرْك الَّذِي لَا اخْتِيَار لَهَا فِيهِ قَالَ الشَّاعِر
    (إِنِّي لأمنحك الصدود وإنني ... قسما إِلَيْك مَعَ الصدود لأميل)
    وَقَالَ الْمُهلب قَوْلهَا مَا أَهجر إِلَّا اسْمك يدل على أَن الِاسْم من المخلوقين غير الْمُسَمّى وَلَو كَانَ عين الْمُسَمّى وهجرت اسْمه لهجرته بِعَيْنِه وَيدل على ذَلِك أَن من قَالَ أكلت اسْم الْعَسَل لَا يفهم مِنْهُ أَنه أكل الْعَسَل وَإِذا قلت لقِيت اسْم زيد لَا يدل على أَنه لَقِي زيدا وَإِنَّمَا الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى فِي الله عز وَجل وَحده لَا فِيمَا سواهُ من المخلوقين لمباينته عز وَجل وأسمائه وَصِفَاته حكم أَسمَاء المخلوقين وصفاتهم انْتهى وَالتَّحْقِيق فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن قَوْلهم الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى على معَان ثَلَاثَة. الأول مَا يجْرِي مجْرى الْمجَاز وَالثَّانِي مَا يجْرِي مجْرى الْحَقِيقَة. وَالثَّالِث مَا يجْرِي مجْرى الْمَعْنى فَالْأول نَحْو قَوْلك رَأَيْت جملا يتَصَوَّر من هَذَا الِاسْم فِي نفس السَّامع مَا يتَصَوَّر من الْمُسَمّى الْوَاقِع تَحْتَهُ لَو شَاهده فَلَمَّا نَاب الِاسْم من هَذَا الْوَجْه مناب الْمُسَمّى فِي التَّصَوُّر وَكَانَ التَّصَوُّر فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا شَيْئا وَاحِدًا صَحَّ أَن يُقَال أَن الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى على ضرب من التَّأْوِيل وَإِن كُنَّا لَا نشك فِي أَن الْعبارَة غير الْمعبر عَنهُ وَالثَّانِي أَكثر مَا يتَبَيَّن فِي الْأَسْمَاء الَّتِي تشتق للمسمى من معَان مَوْجُودَة فِيهِ قَائِمَة بِهِ كَقَوْلِنَا لمن وجدت مِنْهُ الْحَيَاة حَيّ وَلمن وجدت مِنْهُ الْحَرَكَة متحرك فالاسم فِي هَذَا النَّوْع لَازم للمسمى يرْتَفع بارتفاعه وَيُوجد بِوُجُودِهِ الثَّالِث الْعَرَب تذْهب بِالِاسْمِ إِلَى الْمَعْنى الْوَاقِع تَحت التَّسْمِيَة فَيَقُولُونَ هَذَا مُسَمّى زيد أَي اسْم هَذَا الْمُسَمّى بِهَذِهِ اللَّفْظَة الَّتِي هِيَ الزَّاي وَالْيَاء وَالدَّال وَيَقُولُونَ فِي الْمَعْنى هَذَا اسْم زيد فيجعلون الِاسْم والمسمى فِي هَذَا الْبَاب مترادفين على الْمَعْنى الْوَاقِع تَحت التَّسْمِيَة كَمَا جعلُوا الِاسْم وَالتَّسْمِيَة مترادفين على الْعبارَة
    .....
    212
    ي رِوَايَة الْكشميهني: اسْتَأْذنُوا فِي أَن ينكحوا ابنتهم عَليّ بن أبي طَالب، وَجَاء أَن عليا رَضِي الله عَنهُ اسْتَأْذن بِنَفسِهِ على مَا أخرجه الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ صَحِيح إِلَى سُوَيْد بن غَفلَة، قَالَ: خطب عَليّ بنت أبي جهل إِلَى عَمها الْحَارِث بن هِشَام، فَاسْتَشَارَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: عَن حسبها تَسْأَلنِي؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِن أتأمرني بهَا، قَالَ: لَا، فَاطِمَة بضعَة مني وَلَا أَحسب إلاَّ أَنَّهَا تحزن أَو تجزع. فَقَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا آتِي شَيْئا تكرههُ. وَاسم المخطوبة جويرة أَو العوراء أَو جميلَة.
    ......
    215
    وَاسم هَذَا المخنث: هيت، بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق على الْأَصَح، وَذكر ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي أَن اسْم المخنث فِي حَدِيث الْبَاب: ماتع، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقيل: بالنُّون، وَحكى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كَون ماتع لقب هيت أَو بِالْعَكْسِ أَو أَنَّهُمَا اثْنَان خلافًا، وَجزم الْوَاقِدِيّ بالتعدد فَإِنَّهُ قَالَ: كَانَ هيت مولى عبد الله بن أبي أُميَّة، وَكَانَ ماتع مولى فَاخِتَة، وَذكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفاهما إِلَى الْحمى، وَذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي (الصَّحَابَة) من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن مهَاجر عَن أبي بكر بن حَفْص أَن عَائِشَة قَالَت لمخنث كَانَ بِالْمَدِينَةِ يُقَال لَهُ: أَنه، بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد النُّون: أَلا تدلنا على امْرَأَة نخطبها على عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر؟ قَالَ: بلَى، فوصف امْرَأَة تقبل بِأَرْبَع وتدبر بثمان، فَسَمعهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا أَنه أخرج من الْمَدِينَة إِلَى حَمْرَاء الْأسد وَليكن بهَا مَنْزِلك، وَقَالَ ابْن حبيب: المخنث هُوَ الْمُؤَنَّث من الرِّجَال وَإِن لم يعرف مِنْهُ فَاحِشَة، مَأْخُوذَة من التكسر فِي الشَّيْء وَغَيره، وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد أَتَى بمخنث قد خضب يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، فَقيل: يَا رَسُول الله إِن هَذَا يتشبه بِالنسَاء، فنفاه إِلَى النقيع بالنُّون ثمَّ الْقَاف
    ....
    216
    وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: وَزعم مُسلم بن الْحجَّاج أَن عُرْوَة بن الزبير روى عَنهُ أَنه: رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيت أم سَلمَة فِي ثوب وَاحِد ملتحفا بِهِ مُخَالفا بَين طَرفَيْهِ، وَذَلِكَ غلط، وَإِنَّمَا الَّذِي روى عَنهُ عُرْوَة بن عبد الله بن أبي أُميَّة
    ......
    220
    حْتج بعض الْفُقَهَاء بِهِ على أَن الِاسْتِثْنَاء بعد السُّكُوت عَن النَّهْي جَائِز بِخِلَاف قَول مَالك: وَاحْتَجُّوا بقوله: لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله لم يَحْنَث، وَلَيْسَ كَمَا توهموه، لِأَن هَذَا لم يُمكن يَمِينا وَإِنَّمَا كَانَ قولا جعل الْأَمر لنَفسِهِ وَلم يجب فِيهِ كَفَّارَة فَتسقط عَنهُ بِالِاسْتِثْنَا ءِ.
    .....
    226
    الطَّلَاق السّني أَن يُطلق امْرَأَته حَالَة طَهَارَتهَا عَن الْحيض، وَلَا تكون مَوْطُوءَة فِي ذَلِك الطُّهْر وَأَن يشْهد شَاهِدين على الطَّلَاق، فمفهومه: أَنه إِن طَلقهَا فِي الْحيض أَو فِي طهر وَطئهَا فِيهِ أَو لم يشْهد يكون طَلَاقا بدعيا. وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق السّنة، فَقَالَ مَالك: طَلَاق السّنة أَن يُطلق الرجل امْرَأَته فِي طهر لم يسمهَا فِيهِ تَطْلِيقَة وَاحِدَة ثنم يَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة بِرُؤْيَة أول الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة. وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِي ّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هَذَا حسن من الطَّلَاق، وَله قَول آخر، وَهُوَ: مَا إِذا أَرَادَ أَن يطلقهَا ثَلَاثًا طَلقهَا عِنْد كل طهر طَلْقَة وَاحِدَة من غير جماع، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأَشْهَب، وَزعم المرغيناني أَن الطَّلَاق على ثَلَاثَة أوجه عِنْد أَصْحَاب أبي حنيفَة: حسن وَأحسن وبدعي، فَالْأَحْسَن أَن يطلقهَا وَهِي مَدْخُول بهَا تَطْلِيقَة وَاحِدَة فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ وَيَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا، وَالْحسن وَهُوَ طَلَاق السّنة وَهُوَ أَن يُطلق الْمَدْخُول بهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَة أطهار، والبدعي أَن يطلقهَا ثلاقا بِكَلِمَة وَاحِدَة، أَو ثَلَاثًا فِي طهر وَاحِد، فَإِذا فعل ذَلِك وَقع الطَّلَاق وَكَانَ عَاصِيا.
    .....
    227
    أَن الطَّلَاق فِي الْحيض محرم وَلكنه وَاقع، وَذكر عِيَاض عَن الْبَعْض أَنه لَا يَقع. قلت: هُوَ قَول الظَّاهِرِيَّة، وروى مثل ذَلِك عَن بعض التَّابِعين وَهُوَ شذوذ لم يعرج عَلَيْهِ أصلا. الثَّانِي: أَن الْأَمر فِيهِ بالرجعة على الْوُجُوب أم لَا؟ . وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. الثَّالِث: يُسْتَفَاد مِنْهُ أَن طَلَاق السّنة أَن يكون فِي طهر الرَّابِع: قَوْله: (فَلْيُرَاجِعهَا) دَلِيل على أَن الطَّلَاق غير الْبَائِن لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى رضَا الْمَرْأَة. الْخَامِس: فِيهِ دَلِيل على أَن الرّجْعَة تصح بالْقَوْل، وَلَا خلاف فِيهِ. وَأما بِالْفِعْلِ فَفِيهِ خلاف، فَأَبُو حنيفَة أثْبته، وَالشَّافِعِيّ نَفَاهُ. السَّادِس: اسْتدلَّ بِهِ أَبُو حنيفَة أَن من طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض أَثم وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يُرَاجِعهَا، فَإِن تَركهَا حَتَّى مَضَت الْعدة بَانَتْ مِنْهُ بِطَلَاق
    ...
    130
    قَالَ ابْن الْمُنْذر: اخْتلفُوا فِي قَول إلحقي بأهلك وَشبهه من كنايات الطَّلَاق، فَقَالَت طَائِفَة، يَنْوِي فِي ذَلِك فَإِن أَرَادَ طَلَاقا، وَإِن لم يردهُ لم يلْزمه شَيْء، هَذَا قَول الثَّوْريّ وَأبي حنيفَة، قَالَا: إِذا نوى وَاحِدَة أَو ثَلَاثًا فَهُوَ مَا نوى، وَإِن نوى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَة، وَقَالَ مَالك: إِن أَرَادَ بِهِ الطَّلَاق فَهُوَ مَا نوى وَاحِدَة أَو ثِنْتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، وَإِن لم يرد شَيْئا فَلَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الْحسن وَالشعْبِيّ: إِذا قَالَ: إلحقي بأهلك، أَو: لَا سَبِيل عَلَيْك أَو: الطَّرِيق لَك وَاسع إِن نوى طَلَاقا فَهِيَ وَاحِدَة وَإِلَّا فَلَيْسَ بِشَيْء.

    .............
    233
    ن من السّلف من لم يجوز وُقُوع الطَّلَاق الثَّلَاث، وَفِيه خلاف. فَذهب طَاوُوس وَمُحَمّد بن إِسْحَاق وَالْحجاج بن أَرْطَأَة وَالنَّخَعِيّ وَابْن مقَاتل والظاهرية إِلَى أَن الرجل إِذا طلق امْرَأَته ثَلَاثًا مَعًا فقد وَقعت عَلَيْهَا وَاحِدَة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث طَاوُوس: أَن أَبَا الصَّهْبَاء قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: الْعلم إِنَّمَا كَانَت الثَّلَاث تجْعَل وَاحِدَة على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبي بكر، وَثَلَاثًا من إِمَارَة عمر. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: نعم. وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَقيل: لَا يَقع شَيْء وَمذهب جَمَاهِير الْعلمَاء من التَّابِعين وَمن بعدهمْ مِنْهُم: الْأَوْزَاعِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَأَصْحَابه وَمَالك وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَأحمد وَأَصْحَابه، وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، عل أَن من طلق امْرَأَته ثَلَاثًا وقعن، وَلكنه يَأْثَم، وَقَالُوا: من خَالف فِيهِ فَهُوَ شَاذ مُخَالف لأهل السّنة، وَإِنَّمَا تعلق بِهِ أهل الْبدع وَمن لَا يلْتَفت إِلَيْهِ لشذوذه عَن الْجَمَاعَة الَّتِي لَا يجوز عَلَيْهِم التواطؤ على تَحْرِيف الْكتاب وَالسّنة. وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس بِمَا ملخصه إِنَّه مَنْسُوخ، بَيَانه أَنه لما كَانَ زمن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (يَا أَيهَا النَّاس! قد كَانَ لكم فِي الطَّلَاق أَنَاة وَإنَّهُ من تعجل أَنَاة الله فِي الطَّلَاق ألزمناه إِيَّاه) ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح وخاطب عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بذلك النَّاس الَّذين قد علمُوا مَا قد تقدم من ذَلِك فَفِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يُنكر عَلَيْهِ مِنْهُم مُنكر وَلم يَدْفَعهُ دَافع، فَكَانَ ذَلِك أكبر الْحجَج فِي نسخ مَا تقدم من ذَلِك، وَقد كَانَ فِي أَيَّام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشْيَاء على معانٍ فَجَعلهَا أَصْحَابه من بعده على خلاف تِلْكَ الْمعَانِي، فَكَانَ ذَلِك حجَّة ناسخة لما تقدم، من ذَلِك: تدوين الدَّوَاوِين وَبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد قد كن يبعن قبل ذَلِك، والتوقيت فِي حد الْخمر وَلم يكن فِيهِ تَوْقِيت.
    ....
    135
    اخْتلف الْعلمَاء فِي قَول الرجل: أَنْت طَالِق الْبَتَّةَ، فَذكر ابْن الْمُنْذر عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنَّهَا وَاحِدَة، وَإِن أَرَادَ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاث، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. . وَقَالَت طَائِفَة: الْبَتَّةَ ثَلَاث، رُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عمر وَابْن الْمسيب وَعُرْوَة وَالزهْرِيّ وَابْن أبي ليلى وَمَالك وَالْأَوْزَاعِي ّ وَأبي عبيد، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو عبيد الْقَاسِم، قَالَ: حدقنا يحيى بن سعيد الْقطَّان قَالَ: حَدثنَا ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة أَنه سُئِلَ ابْن الزبير عَن المبتوتة فِي الْمَرَض فَقَالَ: طلق عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ابْنة الإصبغ الْكَلْبِيَّة فبتها ثمَّ مَاتَ وَهِي فِي عدتهَا فَورثَهَا عُثْمَان، قَالَ ابْن الزبير: وَأما أَنا فَلَا أرى أَن تَرث المبتوتة.
    وَقَالَ الشَّعْبِيُّ تَرِثُهُ

    .........
    236
    وَجَب الْوَطْء بِحَدِيث الْعسيلَة فَإِنَّهُ خبر مَشْهُور يجوز بِهِ الزِّيَادَة على النَّص، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ إلاَّ لسَعِيد بن الْمسيب فَإِنَّهُ قَالَ: العقد الصَّحِيح كَاف، وَيحصل بِهِ التَّحْلِيل للزَّوْج الأول وَلم يُوَافقهُ على هَذَا أحد إلاَّ طَائِفَة من الْخَوَارِج، وَذكر فِي (كتاب الْقنية) لأبي الرَّجَاء مُخْتَار بن مَحْمُود الزَّاهدِيّ: إِن سعيد بن الْمسيب رَجَعَ عَن مذْهبه هَذَا فَلَو قضى بِهِ قاضٍ لَا ينفذ قَضَاؤُهُ، وَإِن أفتى بِهِ أحذ عزّر. وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: الْإِنْزَال شَرط، لَا تحل للْأولِ حَتَّى يَطَأهَا الثَّانِي وطأ فِيهِ إِنْزَال، وَزعم أَن معنى الْعسيلَة الْإِنْزَال، وَخَالفهُ سَائِر الْفُقَهَاء، فَقَالُوا: التقاء الختانين يحلهَا للزَّوْج الأول. وَهُوَ مَا يفْسد الصَّوْم وَالْحج وَيُوجب الْحَد وَالْغسْل ويحصن الزَّوْجَيْنِ ويكمل الصَدَاق. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَو أَتَاهَا الزَّوْج الثَّانِي وَهِي نَائِمَة أَو معنى عَلَيْهَا لَا تشعر أَنَّهَا لَا تحل للزَّوْج حَتَّى يذوقان جَمِيعًا الْعسيلَة، إِذْ غير جَائِز أَن يُسَوِّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا فِي ذوق الْعسيلَة وَتحل بِأَن يَذُوق أَحدهمَا.



    .....
    236
    قَالَ ابْن بطال: اخْتلفُوا فِي عقد نِكَاح الْمُحَلّل، فَقَالَ مَالك: لَا يحلهَا إلاَّ بِنِكَاح رَغْبَة، فَإِن قصد التَّحْلِيل لم يحلهَا، وَسَوَاء علم الزَّوْجَانِ بذلك أَو لم يعلمَا، وَيفْسخ قبل الدُّخُول وَبعده، وَهُوَ قَول اللَّيْث وسُفْيَان بن سعيد وَالْأَوْزَاعِي ّ وَأحمد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ: النِّكَاح جَائِز وَله أَن يُقيم على نِكَاحه أَو لَا، وَهُوَ قَول عَطاء وَالْحكم، وَقَالَ الْقَاسِم وَسَالم وَعُرْوَة وَالشعْبِيّ: لَا بَأْس أَن يَتَزَوَّجهَا لِيحِلهَا إِذا لم يعلم بذلك الزَّوْجَانِ، وَهُوَ مأجور بذلك. وَهُوَ قَول ربيعَة وَيحيى بن سعيد، وَذهب الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْر إِلَى أَن نِكَاح الَّذِي يفْسد هُوَ الَّذِي يعْقد عَلَيْهِ فِي نفس عقد النِّكَاح أَنه إِنَّمَا يَتَزَوَّجهَا ليحللها ثمَّ يطلقهَا، وَمن لم يشْتَرط ذَلِك، فَهُوَ عقد صَحِيح، وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة مثله، وروى أَيْضا عَن مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا نوى الثَّانِي تحليلها للْأولِ لم يحل لَهُ ذَلِك، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وروى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر عَن أبي حنيفَة أَنه إِن شَرط عَلَيْهِ فِي نفس العقد أَنه إِنَّمَا يَتَزَوَّجهَا لِيحِلهَا للْأولِ فَإِنَّهُ نِكَاح صَحِيح ويحصنان بِهِ وَيبْطل الشَّرْط، وَله أَن يمْسِكهَا، فَإِن طَلقهَا حلت للْأولِ.
    وروى ابْن أبي شيبَة من رِوَايَة قبيصَة بن جَابر عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لَا أُوتِيَ بِمُحَلل ومحلل لَهُ إلاَّ رجمتها، وروى عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن عبد الله بن شريك العامري سَمِعت ابْن عمر يسْأَل عمر: طلق امْرَأَته ثمَّ نَدم، فَأَرَادَ رجل أَن يَتَزَوَّجهَا ليحللها لَهُ، فَقَالَ ابْن عمر: كِلَاهُمَا زانٍ وَلَو مكثا عشْرين سنة، فَهَذِهِ الْأَحَادِيث والْآثَار كلهَا تدل على كَرَاهِيَة النِّكَاح الْمَشْرُوط بِهِ التَّحْلِيل، وَظَاهره يَقْتَضِي التَّحْرِيم. قلت: لفظ الْمُحَلّل يدل على صِحَة النِّكَاح، لِأَن الْمُحَلّل هُوَ الْمُثبت للْحلّ، فَلَو كَانَ فَاسِدا لما سَمَّاهُ محللاً، وَلَا يدْخل أحد مِنْهُم تَحت اللَّعْنَة إلاَّ ءذا قصد الاستحلال وَحَدِيث على رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِيهِ شكّ أَبُو دَاوُد حَيْثُ قَالَ: لَا أرَاهُ رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعلول بِالْحَارِثِ، وَحَدِيث عقبَة بن عَامر قَالَ عبد الْحق: إِسْنَاده حسن،
    ....
    240
    قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: إِذا قَالَ لامْرَأَته: أَنْت عَليّ حرَام، الِاعْتِبَار فِيهِ نِيَّته، وَوصل عبد الرَّزَّاق هَذَا التَّعْلِيق عَن معمر عَنهُ، قَالَ: إِذا نوى طَلَاقا فَهُوَ طَلَاق وإلاَّ فَهُوَ يَمِين انْتهى. وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود وَابْن عمر، وَبِه قَالَ النَّخعِيّ وطاووس. وَفِي (التَّوْضِيح) : فِي هَذِه الصُّورَة أَرْبَعَة عشر مذهبا. قلت: ذكر الْقُرْطُبِيّ ثَمَانِيَة عشر قولا. قيل: وَزَاد غَيره عَلَيْهَا، وَذكر ابْن بطال مِنْهَا ثَمَانِيَة أَقْوَال. فَقَالَت طَائِفَة: هِيَ ثَلَاث، وَلَا يسْأَل عَن نِيَّته، روى ذَلِك عَن عَليّ وَزيد بن ثَابت وَابْن عمر، وَبِه قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ فِي رِوَايَة الحكم بن عتيبة وَابْن أبي ليلى وَمَالك، وروى عَنهُ وَعَن أَكثر أَصْحَابه أَن قَالَ ذَلِك لامْرَأَته قبل الدُّخُول فَثَلَاث، إلاَّ أَن يَقُول: نَوَيْت وَاحِدَة. وَقَالَ عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة هِيَ وَاحِدَة إلاَّ أَن يَقُول أردْت ثَلَاثًا فَثَلَاث، وَإِن نوى وَاحِدَة فَوَاحِدَة
    بَائِنَة وَإِن نوى يَمِينا فَهُوَ يَمِين يكفرهَا وَإِن لم ينْو فرقة وَلَا يَمِينا فَهِيَ كذبة، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، غير أَنهم قَالُوا: إِن نوى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَة، وَإِن لم ينْو طَلَاقا فَهِيَ يَمِين وَهُوَ قَول. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: إِن نوى طَلَاقا فَهِيَ تطليقه وَهُوَ أملك بهَا وَإِن لم ينْو طَلَاقا فَهِيَ يَمِين يكفرهَا. وَعَن ابْن عمر مثله. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَيْسَ قَوْله: (أَنْت حرَام) بِطَلَاق حَتَّى ينويه فَإِن أَرَادَ الطَّلَاق فَهُوَ مَا أَرَادَ من الطَّلَاق، وَإِن قَالَ: أردْت تجريما لَا طَلَاق كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين وَلَيْسَ بقول، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: يلْزمه كَفَّارَة ظِهَار، وَهُوَ قَول أبي قلَابَة وَسَعِيد بن جُبَير وَأحمد، وَقيل: إِنَّهَا يَمِين فيكفر، وروى عَن الصّديق وَعمر وَابْن مَسْعُود وَعَائِشَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَعَطَاء وَالْأَوْزَاعِي ّ وَأبي ثَوْر، وَقيل: لَا شَيْء فِيهِ وَلَا كَفَّارَة كتحريم المَاء، وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ ومسروق وَأبي سَلمَة، وَقَالَ أَبُو سَلمَة: مَا أَدْرِي حرمتهَا أوحرمت الْقُرْآن، وَهُوَ شذوذ.
    وَقَالَ أهْلُ العِلْمِ: إذَا طَلَّقَ ثَلاَثا فَقدْ حَرُمَتْ عَليْهِ، فَسَمَّوْهُ حَرَاما بالطَّلاَقِ والفِرَاق، ولَيْسَ هاذَا كالَّذِي يُحَرِّمُ الطعامَ لأنهُ لَا يُقالُ لِطَعامِ الحِلِّ: حرَامٌ، ويُقالُ لِلْمُطَلَّقَةِ: حَرَامٌ. وَقَالَ فِي الطَّلاَقِ ثَلاَثا: لَا تَحِلُّ لهُ حتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ
    ......
    240
    وَقَالَ الْمُهلب: من نعم الله تَعَالَى على هَذِه الْأمة، فِيمَا خفف عَنْهُم، أَن من قبلهم كَانُوا إِذا حرمُوا على أنفسهم شَيْئا حرم عَلَيْهِم، كَمَا وَقع ليعقوب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَخفف الله ذَلِك عَن هَذِه الْأمة ونهاهم عَن أَن يحرموا على أنفسهم شَيْئا مِمَّا أحل لَهُم، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} (الْمَائِدَة: 78) انْتهى. وَحَاصِل الْكَلَام أَن بَين الْمَسْأَلَتَيْ نِ فرقا، وَأَن تَحْرِيم الْمُبَاح يَمِين، وَأَن فِيهِ ردا على من لم يفرق بَين قَوْله لامْرَأَته: أَنْت عَليّ حرَام، وَبَين قَوْله: هَذَا الطَّعَام عَليّ حرَام، حَيْثُ لَا يلْزمه شَيْء فيهمَا، كَمَا ذكرنَا عَن قريب من قَالَ ذَلِك، وَذكرنَا أَقْوَال الْعلمَاء فِيهِ
    .....
    242
    قالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ على أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الاحتيال؟ فَأجَاب بِأَنَّهُ من مقتضيات الْغيرَة الطبيعية للنِّسَاء وَهُوَ صَغِيرَة مَعْفُو عَنْهَا مكفرة
    ن الْغيرَة مجبولة فِي النِّسَاء طبعا، فالغيري تعذر فِي منع مَا يَقع مِنْهَا من الاحتيال فِي وَقع ضَرَر الضرة.
    .......
    248
    أخرج ابْن مَاجَه عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن النزار بن سُبْرَة عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا طَلَاق قبل النِّكَاح. قلت: جُوَيْبِر بن سعيد الْبَلْخِي ضَعِيف. فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع حَدثنَا حَدثنَا هشيم عَامر الْأَحول عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده. قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا نذر لإبن آدم فِيمَا لَا يملك وَلَا عتق لَهُ فِيمَا لَا يملك. وَقَالَ: حَدِيث عبد الله بن عَمْرو حَدِيث حسن صَحِيح، وَهُوَ أحسن شَيْء رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب. قلت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه أَيْضا، وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده كَلَام كثير فَمن النَّاس من رده فَعَن أَحْمد: عَمْرو بن شُعَيْب لَهُ أَشْيَاء مَنَاكِير، وَإِنَّمَا يكْتب حَدِيثه وَيعْتَبر بِهِ فَأَما أَن يكون حجَّة فَلَا. وَقَالَ أَبُو عبيد الْآجُرِيّ: قيل لأبي دَاوُد عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: لَا وَلَا نصف حجَّة. وَقَالَ البُخَارِيّ: رَأَيْت أَحْمد بن حَنْبَل، وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبا عبيد وَعَامة أَصْحَابنَا يحتجون بِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: مَا تَركه أحد من الْمُسلمين قَالَ البُخَارِيّ من النَّاس بعدهمْ، وَأجَاب أَصْحَابنَا بعد التَّسْلِيم بِصِحَّتِهِ. أَنا أَيْضا قَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا طَلَاق للرجل فِيمَا لَا يملك، وَوُقُوع الطَّلَاق فِيمَا قُلْنَا بعد أَن يملك بِالتَّزْوِيجِ الْمُعَلق فَيكون الطَّلَاق بعد النِّكَاح،
    ....
    250
    الَ إِبْرَاهِيم خَلِيل الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لزوجته سارة أم إِسْحَاق عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَوَقع فِي (شرح الْكرْمَانِي) : أم إِسْمَاعِيل، وَهُوَ خطأ، وَالظَّاهِر أَنه من النَّاسِخ، وَأم إِسْمَاعِيل هَاجر وَسَارة ابْنة عَم إِبْرَاهِيم هاران أُخْت لوط، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلقَوْل إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، هَذِه أُخْتِي قصَّة، وَهِي أَن الشَّام وَقع فِيهِ قحط فَسَار إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَى مصر وَمَعَهُ سارة وَلُوط،، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَ بهَا فِرْعَوْن وَهُوَ أول الفراعنة عَاشَ دهرا طَويلا، وَكَانَت سارة من أجمل النِّسَاء، فَأتى إِلَى فِرْعَوْن رجل وَأخْبرهُ بِأَنَّهُ قدم رجل وَمَعَهُ امْرَأَة من أحسن
    النِّسَاء فَأرْسل إِلَى إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ: مَا هَذِه الْمَرْأَة مِنْك؟ قَالَ: أُخْتِي وَخَافَ أَن يَقُول لَهُ هَذِه امْرَأَتي أَن يقْتله، فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ أَهْوى إِلَيْهَا بِيَدِهِ فيبست إِلَى صَدره، فَقَالَ لَهَا: سَلِي إلهك أَن يُطلق عني فَقَالَت سارة أللهم إِن كَانَ صَادِقا فَأطلق لَهُ يَده، فأطلقها الله، قيل: فعل ذَلِك مَرَّات، فَلَمَّا رأى ذَلِك ردهَا إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ووهب لَهَا هَاجر وَهِي جَارِيَة قبطية.
    ......
    250
    ذكر الْفَارِسِي فِي كِتَابه (مجمع الغرائب) قَول من قَالَ: الإغلاق الْغَضَب، قَالَ: هَذَا غلط لِأَن أَكثر طَلَاق النَّاس فِي الْغَضَب إِنَّمَا هُوَ الْإِكْرَاه، وَأخرج أَبُو دَاوُد حَدِيث عَائِشَة: (لَا طَلَاق وَلَا عتاق فِي إغلاق) ، قَالَ أَبُو دَاوُد: الغلاق أَظُنهُ الْغَضَب، وَترْجم على الحَدِيث الطَّلَاق على غيظ، وَوَقع عِنْده بِغَيْر ألف فِي أَوله، وَحكى الْبَيْهَقِيّ أَنه روى بِالْوَجْهَيْنِ ، فَوَقع عِنْد ابْن مَاجَه فِي هَذَا الحَدِيث: الإغلاق، بِالْألف، وَترْجم عَلَيْهِ: طَلَاق الْمُكْره، وَقَالَ ابْن المرابط: الإغلاق حرج النَّفس وَلَيْسَ يَقع على أَن مرتكبه فَارق عقله حَتَّى صَار مَجْنُونا فيدعى أَنه كَانَ فِي غير عقله
    .....
    254
    وَقَالَ عَلِيٌّ: بقَر حَمْزَةُ خَوَاصِرَ شارِفَيَّ، فَطَفِقَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَلُومُ حَمْزَةَ، فإذَا حَمْزَةُ قدْ ثَمِلَ مُحَمَرَةٌ عَيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ هَلْ أنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لأبي؟ فَعَرَفَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ ثَمِلَ، فَخَرَجَ وخَرَجْنَا معَهُ.
    أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الِاسْتِدْلَال بِأَن السَّكْرَان لَا يُؤَاخذ بِمَا صدر مِنْهُ فِي حَال سكره من طَلَاق وَغَيره، وَعلي هُوَ ابْن أبي طَالب، رَضِي الله عَنهُ، وَهَذَا قِطْعَة من حَدِيث قد مَضَت فِي غَزْوَة بدر فِي بَاب مُجَرّد عقيب: بَاب شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا. مطولا
    وَقد ثَبت فِي (الصَّحِيح) أَن جمَاعَة اصطحبوا الْخمر يَوْم أحد واستشهدوا فِي ذَلِك الْيَوْم، فَكَانَ تَحْرِيم الْخمر بعد أحد لهَذَا الحَدِيث الصَّحِيح.
    ...253
    قَالَ نَافِع مولى ابْن عمر لَهُ: مَا حكم رجل طلق امْرَأَته الْبَتَّةَ يَعْنِي: بَائِنا إِن خرجت من الدَّار؟ فَأجَاب ابْن عمر: إِن خرجت وَقع طَلَاقه بَائِنا، وَإِن لم تخرج لَا يَقع شَيْء، لِأَنَّهُ تَعْلِيق بِالشّرطِ فَلَا يتنجز إلاَّ عِنْد وجود الشَّرْط
    ....
    254
    طَلَاق العجمي بِلِسَانِهِ جَائِز، وَقَالَ صَاحب (الْمُحِيط) : الطَّلَاق بِالْفَارِسِيَّ ةِ المتعارفة أَرْبَعَة: أَحدهَا: لَو قَالَ لَهَا: هشتم ترا، أَو بهشتم ترا أززني، روى ابْن رستم فِي (نوادره) عَن أبي حنيفَة: لَا يكون طَلَاقا إِلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَن مَعْنَاهُ يؤول إِلَى معنى التَّخْلِيَة وَلَفظ التَّخْلِيَة لَا يَصح إلاَّ بِالنِّيَّةِ وَاللَّفْظ الثَّانِي: لَو قَالَ؛ بله كردم، وَاللَّفْظ الثَّالِث: لَو قَالَ: اي كشادة كردم، يَقع راجعيا بِلَا نِيَّة. وَاللَّفْظ الرَّابِع: لَو قَالَ: دست باز داشتم، قيل: يكون رَجْعِيًا، وَقيل: بَائِنا، وَلَو قَالَ: جهار رَاه برتو كشاده است، لَا يَقع وَإِن نوى. وَلَو قَالَ بالتركي: (بو شادم سني بر طَلَاق) تقع وَاحِدَة رَجْعِيَّة، وَلَو قَالَ: (إيكي طَلَاق) يَقع ثتنان، وَلَو قَالَ: (أوج طَلَاق) يَقع ثَلَاث.
    ....
    255
    وَفِي (الْفَتَاوَى الصُّغْرَى) لأبي يَعْقُوب بن يُوسُف الجصاصي: إِن الْجُنُون الطَّبَق عَن أبي يُوسُف أَكثر السّنة وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة، وَفِي رِوَايَة سَبْعَة أشهر، وَالصَّحِيح ثَلَاثَة أَيَّام. وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق الصَّبِي، فَعَن ابْن الْمسيب وَالْحسن: يلْزم إِذا عقل وميز، وَحده عِنْد أَحْمد أَن يُطيق الصّيام ويحصي، وَعند عَطاء إِذا بلغ اثْنَتَيْ عشر سنة، وَعَن مَالك رِوَايَة إِذا ناهز الِاحْتِلَام.
    ....
    256
    قَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا: من عزم على ترك وَاجِب أَو فعل محرم وَلَو بعد عشْرين سنة مثلا عصى فِي الْحَال. وَأجَاب بِأَن المُرَاد بِحَدِيث النَّفس مَا لم يبلغ إِلَى حد الْجَزْم وَلم يسْتَقرّ. أما إِذا عقد قلبه بِهِ وَاسْتقر عَلَيْهِ فَهُوَ مُؤَاخذَة بذلك الْجَزْم، نعم لَو بَقِي ذَلِك الخاطر وَلم يتْركهُ يسْتَقرّ لَا يؤاخذه خُذ بِهِ بل يكْتَسب لَهُ بِهِ حَسَنَة. وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن هَذَا من خَصَائِص هَذِه الْأمة، وَأَن الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة كَانُوا يؤاخذون بذلك، وَقد اخْتلف أَيْضا: هَل كَانَ ذَلِك يُؤَاخذ بِهِ فِي أول الْإِسْلَام؟ ثمَّ نسخ وخفف ذَلِك عَنْهُم، أَو هُوَ تَخْصِيص وَلَيْسَ بنسخ، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ الله} (الْبَقَرَة: 482) فقد قَالَ غير وَاحِد من الصَّحَابَة، مِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَابْن عَسَاكِر: إِنَّهَا مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} (الْبَقَرَة: 682) وَاعْلَم أَن المُرَاد بالْكلَام كَلَام اللِّسَان لِأَن الْكَلَام حَقِيقَة، وَقَول ابْن الْعَرَبِيّ المُرَاد بِهِ الْكَلَام النَّفْسِيّ، وَإِن
    القَوْل الْحَقِيقِيّ هُوَ الْمَوْجُود بِالْقَلْبِ الْمُوَافق للْعلم، مَرْدُود عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَه تعصبا لما حكى عَن مذْهبه من وُقُوع الطَّلَاق بالعزم وَإِن لم يتَلَفَّظ، وَلَيْسَ لأحد خلاف أَنه إِذا نوى الطَّلَاق بِقَلْبِه وَلم يتَلَفَّظ بِهِ أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا مَا حَكَاهُ الْخطابِيّ عَن الزُّهْرِيّ وَمَالك: أَنه يَقع بالعزم، وَحَكَاهُ ابْن الْعَرَبِيّ عَن رِوَايَة أَشهب عَن مَالك فِي الطَّلَاق وَالْعِتْق وَالنّذر أَنه يَكْفِي فِيهِ عزمه وجزمه فِي قلبه بِكَلَامِهِ النَّفْسِيّ، وَهَذَا فِي غَايَة الْبعد ونقضه الْخطابِيّ على قَائِله بالظهار وَغَيره، فَإِنَّهُم أَجمعُوا على أَنه لَو عزم على الظِّهَار لم يلْزمه حَتَّى يتَلَفَّظ بِهِ، وَلَو حدث نَفسه بِالْقَذْفِ لم يكن قَاذِفا، وَلَو حدث نَفسه فِي الصَّلَاة لم يكن عَلَيْهِ إِعَادَة. وَقد حرم الله الْكَلَام فِي الصَّلَاة، فَلَو كَانَ حَدِيث النَّفس فِي معنى الْكَلَام لكَانَتْ صلَاته تبطل، وَقد قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِنِّي لأجهز جيشي وَأَنا فِي الصَّلَاة، وَمِمَّنْ قَالَ: إِن طَلَاق النَّفس لَا يُؤثر عَطاء بن أبي رَبَاح وَابْن سِيرِين وَالْحسن وَسَعِيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَجَابِر بن زيد وَقَتَادَة وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَاسْتدلَّ بِهِ جمَاعَة أَنه إِذا كتب بِالطَّلَاق وَقع لِأَن الْكِتَابَة عمل، وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْحسن وَأحمد بن حَنْبَل، وَشرط فِيهِ مَالك الْإِشْهَاد على الْكِتَابَة، وَجعله الشَّافِعِي غَايَة إِن نوى بِهِ الطَّلَاق وَقع وإلاَّ فَلَا، وَفِي (الْمُحِيط) : إِذا كتاب طَلَاق امْرَأَته فِي كتاب أَو لوح أَو على حَائِض أَو أَرض وَكَانَ مستبينا وَنوى بِهِ الطَّلَاق يَقع، وَإِن لم يكن مستبينا أَو كتب فِي الْهَوَاء وَالْمَاء لَا يَقع، وَإِن نوى.
    وَقال قَتَادَةُ: إِذا طَلَّقَ فِي نفْسِهِ فلَيْسَ بِشَيْءٍ
    ....
    258
    وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالزهْرِيّ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِي ّ وَعبد الله بن الْمُبَارك وَابْن أبي ليلى وَالْحسن بن صَالح وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الْأَصَح: حد الْمُحصن الرَّجْم فَقَط لحَدِيث مَاعِز. فَإِن قلت: روى عبَادَة بن الصَّامِت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خُذُوا عني، قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا: الْبكر يجلد وينفى، وَالثَّيِّب يجلد ويرجم، رَوَاهُ مُسلم وَغَيره. قلت: حَدِيث عبَادَة مَنْسُوخ بِحَدِيث العسيف، أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة، وَفِيه: فَإِن اعْترفت فارجمها ... الحَدِيث، وَهَذَا آخر الْأَمريْنِ، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة مُتَأَخِّرَة الْإِسْلَام وَلم يتَعَرَّض فِيهِ للجلد، وَاسْتدلَّ الأصوليون أَيْضا على تَخْصِيص الْكتاب بِالسنةِ بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجم ماعزا وَلم يجلده، وَآيَة الْجلد شَامِلَة للمحصن وَغَيره.

    .....
    259
    روى أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) عَن أبي عوَانَة عَن أبي بشر: حَدثنِي ثِقَة من أهل الْبَصْرَة عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصل على مَاعِز بن مَالك وَلم ينْه عَن الصَّلَاة عَلَيْهِ. قلت: ضعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي (التَّحْقِيق) بِأَن فِيهِ مَجَاهِيل. فَإِن قلت:
    أخرج أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس: أَن مَاعِز بن مَالك أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّه زنى، فَأمر بِهِ فرجم وَلم يصل عَلَيْهِ. قَالَ النَّوَوِيّ فِي (الْخُلَاصَة) : إِسْنَاده صَحِيح. قلت: أخرجه النَّسَائِيّ مُرْسلا، وَلَئِن سلمنَا صِحَّته فَإِن رِوَايَة الْإِثْبَات مُقَدّمَة لِأَنَّهَا زِيَادَة علم.

    .......
    260
    وَقَالَ النَّسَفِيّ: الْخلْع الْفَصْل من النِّكَاح بِأخذ المَال بِلَفْظ الْخلْع، وَشَرطه شَرط الطَّلَاق، وَحكمه وُقُوع الطَّلَاق الْبَائِن، وَهُوَ من جِهَته يَمِين وَمن جِهَتهَا مُعَاوضَة. وَأجْمع الْعلمَاء على مَشْرُوعِيَّة الْخلْع إلاَّ بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، حَكَاهُ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) قَالَ عقبَة بن أبي الصَّهْبَاء: سَأَلت بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن الرجل يُرِيد أَن يخالع امْرَأَته، فَقَالَ: لَا يحل لَهُ أَن يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا. قلت: فَأَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِن خِفْتُمْ أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت} (الْبَقَرَة: 922) قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَة. قلت: وَمَا نسخهَا؟ قَالَ: مَا فِي سُورَة النِّسَاء، قَوْله تَعَالَى: {وَإِن أردتم استبدال زوج مَكَان زوج وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (النِّسَاء: 02) الْآيَة قَالَ ابْن عبد الْبر: قَول بكر بن عبد الله هَذَا خلاف السّنة الثَّابِتَة فِي قصَّة ثَابت بن قيس وحبيبة بنت سهل وَخَالف جمَاعَة الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء بالحجاز وَالْعراق وَالشَّام انْتهى وخصص ابْن سِيرِين وَأَبُو قلَابَة جَوَازه بِوُقُوع الْفَاحِشَة فَكَانَا يَقُولَانِ: لَا يحل للزَّوْج الْخلْع حَتَّى يجد على بَطنهَا رجلا، لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: {إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} (النِّسَاء: 91، الطَّلَاق: 1) قَالَ أَبُو قلَابَة: فَإِذا كَانَ ذلكف قد جَازَ لَهُ أَن يضارها ويشق عَلَيْهَا حَتَّى تختلع مِنْهُ. قَالَ أَبُو عمر: لَيْسَ هَذَا بِشَيْء لِأَن لَهُ أَن يطلقهَا أَو يلاعنها، وَأما أَن يضارها ليَأْخُذ مَالهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك
    ......
    268
    وَذكر ابْن عبد الْبر مغيثا هَذَا فِي الصَّحَابَة، قَالَ: وَكَانَ عبدا لبَعض بني مُطِيع، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: كَانَ عبدا أسود لِابْنِ الْمُغيرَة، فِي رِوَايَة هشيم عِنْد سعيد بن مَنْصُور: وَكَانَ عبدا لآل بني الْمُغيرَة من بني مَخْزُوم، وَوَقع فِي (الْمعرفَة) لِابْنِ مَنْدَه: مغيث مولى ابْن أَحْمد بن جحش، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: عبدا لآل أبي أَحْمد، وَالْجمع بَينهم بعيد، إلاَّ أَن يُقَال: إِنَّه كَانَ مُشْتَركا بَينهم، وَفِيه تَأمل
    .......
    269
    أَن بغض الرجل للرجل الْمُسلم لَا على وَجه الْعَدَاوَة لَهُ، وَلمن لاختيار الْبعد عَنهُ لسوء خلقه وخبث عشرته، أَو لأجل شَيْء يكرههُ النَّاس جَائِز كَمَا فِي قصَّة امْرَأَة ثَابت بن قيس بن شماس، فَإِنَّهَا بغضته مَعَ مكانته مَعَ الدّين وَالْفضل لغير بَأْس لأجل دمامته وَسُوء خلقه، حَتَّى افتدت مِنْهُ. الْخَامِسَة: أَنه لَا حرج على مُسلم فِي هوى امْرَأَة مسلمة وحبه لَهَا، ظهر ذَلِك أَو خَفِي، لَا إِثْم عَلَيْهِ فِي ذَلِك؟ وَإِن أفرط مَا لم بَات محرما وَلم يغش إِثْمًا.
    .........
    270
    جَاءَت الْآثَار، وَعَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأهل الْعلم بعدهمْ: أَن نِكَاح الكتابيات حَلَال، وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِي ّ وَالثَّوْري والكوفيون وَالشَّافِعِيّ وَعَامة الْعلمَاء، وَقَالَ غَيره: وَلَا يرْوى خلاف ذَلِك إلاَّ عَن ابْن عمر، فَإِنَّهُ شَذَّ عَن جمَاعَة الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَلم يجز نِكَاح الْيَهُودِيَّة والنصرانية وَخَالف ظَاهر قَوْله وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب وَلم يلْتَفت أحد من الْعلمَاء إِلَى قَوْله: (وَقد تزوج) عُثْمَان بن عَفَّان نائلة بنت الفرافضة الْكَلْبِيَّة، وَهِي نَصْرَانِيَّة تزَوجهَا على نِسَائِهِ، وَتزَوج طَلْحَة بن عبيد الله يَهُودِيَّة، وَتزَوج حُذَيْفَة يَهُودِيَّة وَعِنْده حرتان مسلمتان، وَعنهُ إِبَاحَة نِكَاح الْمَجُوسِيَّة،
    ......
    270
    فَإِذا أسلمت المشركة وَهَاجَرت إِلَى الْمُسلمين فقد وَقعت الْفرْقَة بإسلامها بَينهَا وَبَين زَوجهَا الْكَافِر عِنْد جمَاعَة الْفُقَهَاء، وَوَجَب استبراؤها بِثَلَاث حيض ثمَّ تحل للأزواج، هَذَا قَول مَالك وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِي ّ وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله عَنهُ: لَا عدَّة عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهَا اسْتِبْرَاء رَحمهَا بِحَيْضَة، وَاحْتج بِأَن الْعدة إِنَّمَا تكون عَن طَلَاق، وإسلامها فسخ وَلَيْسَ بِطَلَاق.
    .....
    279
    بْن أبي شيبَة من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ. قَالَ: سَأَلت الزُّهْرِيّ عَن الْأَسير فِي أَرض الْعَدو مَتى تزوج امْرَأَته؟ فَقَالَ: لَا تزوج مَا علمت أَنه حَيّ، وَمن وَجه آخر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: يُوقف مَال الْأَسير وَامْرَأَته حَتَّى يسلما أَو يموتا. قَوْله: (فسنته) أَي: حكمه حكم الْمَفْقُود، وَمذهب الزُّهْرِيّ فِي امْرَأَة الْمَفْقُود أَنَّهَا تربص أَربع سِنِين، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع كل من يحفظ عَنهُ من أهل الْعلم على أَن زَوْجَة الْأَسير لَا تنْكح حَتَّى يعلم يَقِين وَفَاته مَا دَامَ على الْإِسْلَام، هَذَا قَول النَّخعِيّ وَالزهْرِيّ وَمَكْحُول وَيحيى الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة وَأبي ثَوْر وَأبي عبيد، وَبِه نقُول.
    وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي حكم الْمَفْقُود إِذا لم يعلم مَكَانَهُ وَعمي خَبره، فَقَالَت طَائِفَة: إِذا خرج من بَيته وَعمي خَبره فَإِن امْرَأَته لَا تنْكح أبدا وَلَا يفرق بَينه وَبَينهَا حَتَّى يُوقن بوفاته أَو يَنْقَضِي تعميره، وسبيل زَوجته سَبِيل مَاله، رُوِيَ هَذَا القَوْل عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأبي حنيفَة وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب البُخَارِيّ. وَقَالَت طَائِفَة: تَتَرَبَّص امْرَأَته أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد عدَّة الْوَفَاة. وَرُوِيَ أَيْضا عَن عَليّ بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس وَابْن عَمْرو وَعَطَاء وَابْن أبي رَبَاح، وَإِلَيْهِ ذهب مَالك وَأهل الْمَدِينَة وَأحمد وَإِسْحَاق.
    ........
    كتاب " الظهار "
    ( 280)
    سَبَب نزُول هَذ الْآيَات، وَهُوَ أَن خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة كَانَت امْرَأَة جسيمة الْجِسْم فرآها زَوجهَا سَاجِدَة فِي صلَاتهَا فَنظر إِلَى عجيزتها، فَلَمَّا انصرفت أرادها فامتنعت عَلَيْهِ وَكَانَ أمرأ فِيهِ سرعَة ولمم فَقَالَ لَهَا: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي، ثمَّ نَدم على مَا قَالَ. وَكَانَ الْإِيلَاء وَالظِّهَار من طَلَاق أهل الْجَاهِلِيَّة، فَقَالَ لَهَا: مَا أَظُنك إلاَّ قد حرمت عَليّ، فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله {إِن زَوجي أَوْس بن الصَّامِت تزَوجنِي وَأَنا شَابة غنية ذَات مَال وَأهل حَتَّى أكل مَالِي وأفنى شَبَابِي وتفرق أَهلِي وَكبر سني ظَاهر مني، وَقد نَدم فَهَل من شَيْء يجمعني وإياه ينعشني بِهِ؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حرمت عَلَيْهِ، فَقَالَت: يَا رَسُول الله} وَالَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مَا ذكر طَلَاقا وَإنَّهُ أَبُو وَلَدي وَأحب النَّاس إِلَيّ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حرمت عَلَيْهِ. فَقَالَت: أَشْكُو إِلَى الله فَاقَتِي وَوحْدَتِي. قد طَالَتْ صحبتي ونفضت لَهُ بَطْني، أَي: كثر وَلَدي، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أَرَاك إِلَّا قد حرمت عَلَيْهِ، وَلم أومر فِي شَأْنك بِشَيْء، فَجعلت تراجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا قَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حرمت عَلَيْهِ، هَتَفت وَقَالَت: أَشْكُو إِلَى الله فَاقَتِي وَشدَّة حَالي، أللهم أنزل على لِسَان نبيك، وَكَانَ هَذَا أول ظِهَار فِي الْإِسْلَام، فَأنْزل الله تَعَالَى عَلَيْهِ: {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا}
    ..........
    280
    إعلم أَن الْأَلْفَاظ الَّتِي يصير بهَا الْمَرْء مُظَاهرا على نَوْعَيْنِ: صَرِيح، نَحْو أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي، أَو أَنْت عِنْدِي كَظهر أُمِّي، وكناية نَحْو: أَن يَقُول: أَنْت عَليّ كأمي، أَو مثل أُمِّي، أَو نَحْوهمَا، يعْتَبر فِيهِ نِيَّته، فَإِن أَرَادَ ظِهَارًا كَانَ ظِهَارًا، وَإِن لم ينْو لَا يصير ظِهَارًا وَعند مُحَمَّد بن الْحسن: هُوَ ظِهَار، وَعَن أبي يُوسُف: هُوَ مثله إِن كَانَ فِي الْغَضَب وَعنهُ أَن يكون إِيلَاء وَإِن نوى طَلَاقا. كَانَ طَلَاقا بَائِنا.
    النَّوْع الثَّالِث: لَا يكون الظِّهَار إِلَّا بالتشبيه بِذَات محرم، فَإِذا ظَاهر بِغَيْر ذَات محرم فَلَيْسَ بظهار، وَبِه قَالَ الْحسن وَعَطَاء وَالشعْبِيّ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَعنهُ وَهُوَ أشهر أَقْوَاله: إِن كل من ظَاهر بِامْرَأَة حل لَهُ نِكَاحهَا يَوْمًا من الدَّهْر فَلَيْسَ ظِهَارًا، وَمن ظَاهر بِامْرَأَة لم يحل لَهُ نِكَاحهَا قطّ فَهُوَ ظِهَار. وَقَالَ مَالك: من ظَاهر بِذَات محرم أَو بأجنبية فَهُوَ كُله ظِهَار، وَعَن الشّعبِيّ: لَا ظِهَار إلاّ بِأم أَو جده، وَهُوَ قَول للشَّافِعِيّ رَوَاهُ عَنهُ أَبُو ثَوْر، وَبِه قَالَت الظَّاهِرِيَّة.
    ........
    282
    وَاخْتلف فِي الظِّهَار من الْأمة وَأم الْوَلَد، فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح الظِّهَار مِنْهُمَا، وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِي ّ وَاللَّيْث: لَا يكون من أمته مُظَاهرا. احْتج الْكُوفِيُّونَ بقوله تَعَالَى: {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم} (المجادلة: 2)
    وَالْأمة لَيست من نسائنا.

    ..........
    282
    ي بَيَان الْكَفَّارَة، وَهُوَ تَحْرِير رَقَبَة قبل الْوَطْء سَوَاء كَانَت ذكرا أَو أُنْثَى صَغِيرَة أَو كَبِيرَة مسلمة أَو كَافِرَة لإِطْلَاق النَّص. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تجوز الْكَفَّارَة بالكافرة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد، وَقَالَ ابْن حزم: يجوز الْمُؤمن وَالْكَافِر والسالم والمعيب وَالذكر وَالْأُنْثَى، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: لَا تجوز الرَّقَبَة المعيبة وَقَالَ ابْن حزم: وروينا عَن النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ أَن عتق الْأَعْمَى يَجْزِي فِي ذَلِك، وَعَن ابْن جريج: إِن الأشل يَجْزِي فِي ذَلِك، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْمَجْنُون لَا يَصح.

    .......
    282
    وَأعلم أَن الْكَفَّارَة على أَنْوَاع:
    الأول: عتق الرَّقَبَة. فَإِن عجز صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين لَيْسَ فيهمَا شهر رَمَضَان وَالْأَيَّام المنهية، وَهِي يَوْمًا الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق، فَإِن وطىء فيهمَا لَيْلًا أَو نَهَارا نَاسِيا أَو عَامِدًا اسْتَأْنف الصَّوْم، وَذكر ابْن حزم عَن مَالك أَنه إِذا وطىء الَّتِي ظَاهر مِنْهَا لَيْلًا قبل تَمام الشَّهْرَيْنِ يبتدىء بهما من ذِي قبل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يتمهما بانياً على مَا صَامَ مِنْهُمَا. وَقَالَ أَصْحَابنَا: فَإِن وَطئهَا فِي الشَّهْرَيْنِ لَيْلًا عَامِدًا أَو يَوْمًا نَاسِيا، أَو أفطر فيهمَا مُطلقًا يَعْنِي: سَوَاء كَانَ بِعُذْر أَو بِغَيْر عذر اسْتَأْنف الصَّوْم عِنْدهمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف: وَلَا يسْتَأْنف إلاَّ بالإفطار. وَبِه قَالَ الشَّافِعِي. وَقَالَ مَالك وَأحمد: إِن كَانَ بِعُذْر لَا يسْتَأْنف وَلم يجز للْعَبد إلاَّ الصَّوْم، فَإِن لم يسْتَطع الصَّوْم أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا كالفطرة فِي قدر الْوَاجِب يَعْنِي: نصف صَاع من بر أَو صَاع من تمر أَو شعير، وَقَالَ الشَّافِعِي: لكل مِسْكين مد من غَالب قوت بَلَده، وَعند مَالك مد بِمد هِشَام وَهُوَ مدان بِمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعند أَحْمد من الْبر مد وَمن تمر وشعير مدان، وَإِن طعم ثَلَاثِينَ مِسْكينا، ثمَّ وطيء، فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: يتم الْإِطْعَام كَمَا لَو وطىء قبل أَن يطعم لم يكن عَلَيْهِ إلاَّ إطْعَام وَاحِد. وَقَالَ اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِي ّ وَمَالك يسْتَأْنف إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا.
    ..........
    282
    فِيمَن ظَاهر ثمَّ كرر ثَانِيَة أَو ثَالِثَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ كَفَّارَة وَاحِدَة، فَإِن كرر رَابِعَة فَعَلَيهِ كَفَّارَة أُخْرَى. قَالَه ابْن حزم، وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. إِذا ظَاهر فِي مجْلِس وَاحِد مرَارًا فكفارة وَاحِدَة، وَإِن ظَاهر فِي مقاعد شَتَّى فَعَلَيهِ كَفَّارَات شَتَّى، وَالْإِيمَان كَذَلِك وَهُوَ قَول قَتَادَة وَعَمْرو بن دِينَار، وَقَالَ ابْن حزم: صَحَّ ذَلِك عَنْهُمَا، وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ فِي ذَلِك إلاَّ كَفَّارَة وَاحِدَة، قَالَ ابْن حزم: روينَا عَن طَاوُوس وَعَطَاء وَالشعْبِيّ أَنهم قَالُوا: إِذا ظَاهر من امْرَأَة خمسين مرّة فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة، وَصَحَّ مثله عَن الْحسن، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ الْحسن أَيْضا: إِذا ظَاهر مرَارًا فَإِن كَانَ فِي مجَالِس شَتَّى فكفارة وَاحِدَة مَا لم يكفر وَالْإِيمَان كَذَلِك، قَالَ معمر: وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ، وَقَول مَالك، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ كرر الظِّهَار فِي مجْلِس وَاحِد وَنوى التّكْرَار فكفارة وَاحِدَة، وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَلِكُل ظِهَار كَفَّارَة، وَسَوَاء كَانَ ذَلِك فِي مجْلِس وَاحِد أَو مجَالِس.
    ........
    283
    فِيمَن وَجَبت عَلَيْهِ كَفَّارَة الظِّهَار، وَلم تسْقط بِمَوْتِهِ وَلَا بموتها وَلَا طَلَاقه لَهَا هِيَ من رَأس مَاله إِن مَاتَ أوصى بهَا أَو لم يوصِ، وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيَّة وَعند أَصْحَابنَا الدُّيُون نَوْعَانِ حُقُوق الله وَحُقُوق الْعباد، فَحق الله أَن
    لم يوص بِهِ يسْقط سَوَاء كَانَ صَلَاة أَو زَكَاة، وَيبقى عَلَيْهِ الْإِثْم والمطالبة فِي حكم الْآخِرَة، وَإِن أوصى بِهِ يعْتَبر من الثُّلُث، فعلى الْوَارِث أَن يطعم عَنهُ لكل صَلَاة، وَقت نصف صَاع كَمَا فِي الْفطْرَة، وللوتر أَيْضا عِنْد أبي حنيفَة، وَإِن كَانَ صوما يَصُوم لكل يَوْم كَصَلَاة كل وَقت، وَإِن كَانَ حجا فعلى الْوَارِث الإحجاج عَنهُ من الثُّلُث وَكَذَا الحكم فِي النذور وَالْكَفَّارَات ، وَأما دين الْعباد فَهُوَ مقدم بِكُل حَال.
    ...........
    283
    ي ظِهَار العَبْد. فَفِي (موطأ مَالك) أَنه سَأَلَ ابْن شهَاب عَن ظِهَار العَبْد، فَقَالَ نَحْو ظِهَار الْحر، وَقَالَ مَالك: صِيَام العَبْد فِي الظِّهَار شَهْرَان. وَقَالَ أَبُو عمر: لَا خلاف بَين الْعلمَاء أَن الظِّهَار للْعَبد لَازم. وَأَن كَفَّارَته الْمجمع عَلَيْهَا الصَّوْم، قَالَ: وَاخْتلفُوا فِي الْعتْق وَالْإِطْعَام، فَأجَاز أَبُو ثَوْر وَدَاوُد للْعَبد الْعتْق إِن إعطاه سَيّده وَأبي ذَلِك سَائِر الْعلمَاء، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَن أطْعم بِإِذن مَوْلَاهُ جَازَ، وَإِن أعتق بِلَا إِذْنه لم يجز وَأحب إِلَيْنَا أَن يَصُوم، وَقَالَ مَالك: وإطعام العَبْد كإطعام الْحر سِتِّينَ مِسْكينا لَا أعلم فِيهِ خلافًا.

    .........
    285
    وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: إِن كَانَت إِشَارَته تعرف فِي طَلَاقه ونكاحه وَبيعه فَهُوَ جَائِز عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ يشك فِيهِ فَهُوَ بَاطِل، وَقَالَ: وَلَيْسَ ذَلِك بِقِيَاس، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَان، وَالْقِيَاس فِي هَذَا كُله بَاطِل لِأَنَّهُ لَا يتَكَلَّم وَلَا تعقل إِشَارَته، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَفِي ذَلِك إِقْرَار من أبي حنيفَة أَنه حكم بِالْبَاطِلِ لِأَن الْقيَاس عِنْده حق، فَإِذا حكم بضده وَهُوَ الِاسْتِحْسَان فقد حكم بضد الْحق، وَفِي إِظْهَار القَوْل بالاستحسان وَهُوَ ضد الْقيَاس دفع مِنْهُ للْقِيَاس الَّذِي هُوَ عِنْده حق انْتهى. قلت: هَذَا كَلَام من لَا يفهم دقائق الْأَحْكَام مَعَ المكابرة والجرأة على مثل الإِمَام الْأَعْظَم الَّذِي انتشى فِي خير الْقُرُون، وَقَول أبي حنيفَة: الْقيَاس فِي هَذَا بَاطِل، هَل يسْتَلْزم بطلَان الأقيسة كلهَا، وَلَيْسَ الِاسْتِحْسَان ضد الْقيَاس، بل هُوَ نوع مِنْهُ لِأَن الْقيَاس على نَوْعَيْنِ: جلي وخفى وَالِاسْتِحْسَا ن قِيَاس خَفِي، وَمن لَا يدْرِي هَذَا كَيفَ يتحدث بِكَلَام فِيهِ افتراء وجرأة بِغَيْر حق؟ وَكَذَلِكَ ابْن بطال الَّذِي أطلق لِسَانه فِي أبي حنيفَة بِوَجْه بَاطِل حَيْثُ قَالَ حاول البُخَارِيّ بِهَذَا الْبَاب الرَّد على أبي حنيفَة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكم بِالْإِشَارَةِ فِي هَذِه الْأَحَادِيث، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَحَادِيث الْبَاب، ثمَّ نقل كَلَام ابْن الْمُنْذر، ثمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا حمل أَبَا حنيفَة على قَوْله هَذَا لِأَنَّهُ لم يعلم السّنَن الَّتِي جَاءَت بِجَوَاز الإشارات فِي أَحْكَام مُخْتَلفَة. انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه أدب فَمن قَالَ: إِن أَبَا حنيفَة لم يعلم هَذِه السّنَن، وَمن نقل عَنهُ أَنه لم يجوز الْعَمَل بِالْإِشَارَةِ، وَهَذِه كتب أَصْحَابنَا ناطقة بِجَوَاز ذَلِك كَمَا نبهنا على بعض شَيْء من ذَلِك وَقَالَ أَصْحَابنَا إِشَارَة الْأَخْرَس وكتابته كالبيان بِاللِّسَانِ فَيلْزمهُ الْأَحْكَام بِالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَة حَتَّى يجوز نِكَاحه وطلاقه وعتاقه وَبيعه وشراؤه وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام، بِخِلَاف معتقل اللِّسَان يَعْنِي: الَّذِي حبس لِسَانه فَإِن إِشَارَته غير مُعْتَبرَة لِأَن الْإِشَارَة لَا تنبىء عَن المُرَاد إلاَّ إِذا طَالَتْ وَصَارَت معهودة كالأخرس، وَقدر التُّمُرْتَاشِي ّ الامتداد بِالسنةِ وَعَن أبي حنيفَة: أَن العقلة إِن دَامَت إِلَى وَقت الْمَوْت يَجْعَل إِقْرَاره بِالْإِشَارَةِ، وَيجوز الْإِشْهَاد عَلَيْهِ. قَالُوا: وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، وَفِي (الْمُحِيط) : وَلَو أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى امْرَأَة وَقَالَ: زَيْنَب أَنْت طَالِق فَإِذا هِيَ عمْرَة، طلقت عمْرَة لِأَنَّهُ أَشَارَ وسمى، فَالْعِبْرَة للْإِشَارَة لَا للتسمية. قَوْله: (والأمور) أَي: الْأُمُور الْحكمِيَّة وَغَيرهَا.
    ...............
    288
    عجبا مِنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي غَيره: وَجَابِر الْجعْفِيّ قد وَثَّقَهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة، وناهيك بهما فَكيف يَقُول هَذَا ثمَّ يَحْكِي الِاتِّفَاق على ضعفه؟ هَذَا تنَاقض بيّن. وَأَبُو عَازِب اسْمه مُسلم بن عَمْرو، فَإِن قلت: فِي سَنَد حَدِيث ابْن مَسْعُود عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق وَهُوَ ضَعِيف. قلت: حَدِيثه قد تقوى بِغَيْرِهِ. فَإِن قلت: فِي سَنَد حَدِيث أبي هُرَيْرَة سُلَيْمَان ابْن أَرقم وَهُوَ مَتْرُوك. قلت: فِي غَيره كِفَايَة. فَإِن قلت: فِي سَنَد حَدِيث عَليّ مُعلى بن هِلَال وَهُوَ مَتْرُوك. قلت: الْمَتْرُوك قد يسْتَعْمل عِنْد وجود المقبول. وَقد يسكت عَنهُ لحُصُول الْمَقْصُود بِغَيْرِهِ. وَلَا شكّ أَن بعض هَذِه الْأَحَادِيث تشهد لبَعض وَأَقل أَحْوَاله أَن يكون حسنا فَيصح الِاحْتِجَاج بِهِ، وَالْعجب من الْكرْمَانِي حَيْثُ يَقُول: وَفِيه أَي: وَفِي حَدِيث الْبَاب ثُبُوت الْقصاص بِالْمثلِ خلافًا للحنفية، فَلم. لَا يَقُول فِي هَذِه الْأَحَادِيث: لَا قَود إلاَّ بِالسَّيْفِ خلافًا للشَّافِعِيَّة؟ وأعجب مِنْهُ صَاحب (التَّوْضِيح) حَيْثُ يَقُول: وَهُوَ حجَّة على أبي حنيفَة فِي قَوْله: لَا يُقَاد إلاَّ بِالسَّيْفِ، فَمَا معنى تَخْصِيص أبي حنيفَة من بَين الْجَمَاعَة الَّذين قَالُوا بقوله وهم: الشّعبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَهَؤُلَاء أساطين فِي أُمُور الدّين؟ وَلَكِن هَذَا من نبض عرق العصبية الْبَارِدَة.
    وَأجَاب أَصْحَاب أبي حنيفَة عَن حَدِيث الْبَاب بأجوبة. الأول: بِأَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام يقتل الْقَاتِل بقول الْمَقْتُول وَبِمَا قتل بِهِ. الثَّانِي: مَا قَتله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. إلاَّ باعترافه، فَإِن لفظ الِاعْتِرَاف أخرجه البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ ، وَفِي (صَحِيح مُسلم) : فَأخذ الْيَهُودِيّ فاعترف. وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: فَلم يزل بِهِ حَتَّى أقرّ. الثَّالِث: أَنه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، علمه بِالْوَحْي، فَلذَلِك لم يحْتَج إِلَى الْبَيِّنَة وَلَا إِلَى الْإِقْرَار. وَالرَّابِع: مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ: إِنَّه يحْتَمل أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى أَن ذَلِك الْقَاتِل يجب قَتله لله، إِذْ كَانَ إِنَّمَا قتل على مَال قد، بَين ذَلِك فِي بعض الحَدِيث، ثمَّ روى الحَدِيث الْمَذْكُور، فَإِن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل دم ذَلِك الْيَهُود قد وَجب لله عز وَجل كَمَا يجب دم قَاطع الطَّرِيق لله تَعَالَى، فَكَانَ لَهُ أَن يقْتله كَيفَ شَاءَ بِسيف وَبِغير ذَلِك. الْخَامِس: إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي زمن كَانَت المُثلة مُبَاحَة، كَمَا فِي العرنيين، ثمَّ نسخ ذَلِك بانتساخ المُثلة.

    ......

    290
    وَنزلت هَذِه الْآيَات فِي شعْبَان سنة تسع فِي عُوَيْمِر الْعجْلَاني مُنصَرفه من تَبُوك، أَو فِي هِلَال بن أُميَّة، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور، وَقَالَ الْمُهلب: الصَّحِيح أَن الْقَاذِف عُوَيْمِر وهلال بن أُميَّة بن سعد بن أُميَّة خطا، وَقد روى أَبُو الْقَاسِم عَن ابْن عَبَّاس أَن الْعجْلَاني عُوَيْمِر قذف امْرَأَته، كَمَا روى ابْن عمر وَسَهل بن سعد، وَأَظنهُ غَلطا من هِشَام بن حسان، وَمِمَّا يدل على أَنَّهَا قصَّة وَاحِدَة توقفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا حَتَّى نزلت الْآيَة الْكَرِيمَة، وَلَو أَنَّهُمَا قضيتان لم يتَوَقَّف على الحكم فِي الثَّانِيَة بِمَا نزل عَلَيْهِ فِي الأولى، وَالظَّاهِر أَنه تبع فِي هَذَا الْكَلَام مُحَمَّد بن جرير فَإِنَّهُ قَالَ فِي (التَّهْذِيب) يستنكر قَوْله فِي الحَدِيث: هِلَال ابْن أُميَّة، وَإِنَّمَا الْقَاذِف عُوَيْمِر بن الْحَارِث بن زيد بن الْجد بن عجلَان. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَفِيمَا قَالَاه نظر، لِأَن قصَّة هِلَال وقذفه زَوجته بِشريك ثَابِتَة فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) فِي موضِعين: فِي الشَّهَادَات وَالتَّفْسِير، وَفِي (صَحِيح مُسلم) من حَدِيث هِشَام عَن مُحَمَّد قَالَ: (سَأَلت أنس بن مَالك، وَأَنا أرى أَن عِنْده مِنْهُ علما، فَقَالَ: إِن هِلَال بن أُميَّة قذف امْرَأَته بِشريك بن سمحاء، وَكَانَ أَخا للبراء بن مَالك لأمه، وَكَانَ أول رجل لَا عَن فِي الْإِسْلَام قَالَ: فَتَلَاعَنا) . . الحَدِيث.
    ...........
    (294)
    وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ، فَقَالُوا: لَا حدّ فِي التَّعْرِيض وَلَا لعان بِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُوجب على هَذَا الرجل الَّذِي عرض بامرأته حدا، وَأوجب مَالك الْحَد بالتعريض وَاللّعان بِهِ أَيْضا إِذا
    فهم مِنْهُ مَا يفهم من التَّصْرِيح وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَفِي الحَدِيث دَلِيل قَاطع على صِحَة الْقيَاس وَالِاعْتِبَار بنظيره من طَرِيق وَاحِدَة قَوِيَّة، وَهُوَ اعْتِبَار الشّبَه الخلقي. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَفِيه يلْحق الْوَلَد الزَّوْج، وَإِن اخْتلفت ألوانها وَلَا يحل لَهُ نفيهُ بِمُجَرَّد الْمُخَالفَة فِي اللَّوْن، وَفِيه زجر عَن تَحْقِيق ظن السوء.
    .......
    296
    (بابُ التَّلاَعُنِ فِي المَسْجِدِ)
    أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز التلاعن فِي الْمَسْجِد، وَقَالَ بَعضهم أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى خلاف الْحَنَفِيَّة: أَن اللّعان لَا يتَعَيَّن فِي الْمَسْجِد، وَإِنَّمَا يكون حَيْثُ كَانَ الإِمَام أَو حَيْثُ شَاءَ. قلت: الَّذِي يفهم مِمَّا قَالَه إِنَّمَا وضع هَذِه التَّرْجَمَة لتعين اللّعان فِي الْمَسْجِد وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هَذَا بَيَان مَا قد وَقع من التلاعن فِي الْمَسْجِد، وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يكون الْمَسْجِد مُتَعَيّنا، وَلِهَذَا قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : اسْتحبَّ جمَاعَة أَن يكون التلاعن بعد الْعَصْر فِي أَي مَكَان كَانَ، وَالْمَسْجِد الْجَامِع أَحْرَى.
    ....
    297
    وَأجْمع الْعلمَاء على جَرَيَان التَّوَارُث بَين الْوَلَد وَبَين أَصْحَاب الْفُرُوض من جِهَة أمه وهم إخْوَته وأخواته من أمه وجداته من أمه ثمَّ إِذا دفع إِلَى أمه فَرضهَا وَإِلَى أَصْحَاب الْفُرُوض وَبَقِي شَيْء فَهُوَ لمولى أمه إِن كَانَ عَلَيْهَا وَلَاء. وَإِلَّا يكون لبيت المَال عِنْد من لَا يرى بِالرَّدِّ وَلَا بتوريث ذَوي الْأَرْحَام. قَوْله: (مَا فرض الله لَهَا) ، وَهُوَ الثُّلُث إِن لم يكن لَهُ ولد وَلَا ولد ابْن وَلَا اثْنَان من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات، فَإِن كَانَ شَيْء من ذَلِك فلهَا السُّدس، فَإِن فضل شَيْء من أَصْحَاب الْفُرُوض فَهُوَ لبيت المَال عِنْد الزُّهْرِيّ وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأبي ثَوْر. وَقَالَ الحكم وَحَمَّاد: تَرثه وَرَثَة أمه، وَقَالَ آخَرُونَ: عصبته عصبَة أمه، رُوِيَ هَذَا عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَعَطَاء أَحْمد بن حَنْبَل. قَالَ أَحْمد: فَإِن انْفَرَدت الْأُم أخذت جَمِيع مَاله بالعصوبة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا انْفَرَدت أخذت الْجَمِيع الثُّلُث بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ على قَاعِدَته.

    ...........
    298
    أَنه كَانَ قد قَالَ عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَو وجد مَعَ امْرَأَته رجلا لضربه بِالسَّيْفِ حَتَّى يقْتله، فابتلي بعويمر الْعجْلَاني وَهُوَ من قومه ليريه الله تَعَالَى كَيفَ حكمه فِي ذَلِك وليعرفه أَن التسليط فِي الدِّمَاء لَا يسوغ فِي الدَّعْوَى، وَلَا يكون إلاَّ بِحكم الله تَعَالَى، ليرْفَع أَمر الْجَاهِلِيَّة. وَقَالَ الْكرْمَانِي قولا أَي: كلَاما لَا يَلِيق نَحْو مَا يدل على عجب النَّفس والنخوة والغيرة وَعدم الْحِوَالَة إِلَى إِرَادَة وَحَوله وقوته. وَقَالَ بَعضهم: كَانَ ذَلِك بمعزل عَن الْوَاقِع ثمَّ طول الْكَلَام. قلت: لَيْسَ فِي كَلَامه مَا هُوَ بمعزل عَن الْوَاقِع، لكنه لم يُصَرح فِيهِ. قَوْله: إِنَّه لَو وجد مَعَ امْرَأَته رجلا لضربه بِالسَّيْفِ، وَذكرهَا مَا يَقْتَضِيهِ أَن يفعل فعل من عِنْده نخوة ومروءة وغيرة عِنْد وجودهذا الْأَمر، وَأما عدم حِوَالَة الْأَمر فِيهِ إِلَى الله تَعَالَى فَيمكن أَنه لم يكن علم مَا حكم الله فِي هَذَا حَتَّى ابْتُلِيَ وَعرف
    وَذكر أَن ابْن سِيرِين عيَّر رجلا بفلس ثمَّ نَدم وانتظر الْعقُوبَة أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ نزل بِهِ.
    .....
    304
    أجمع الْعلمَاء على أَن عدَّة الآيسة من الْمَحِيض ثَلَاثَة أشهر، وَأما أولات الْأَحْمَال. . فَقَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق: أَكثر الْعلمَاء، وَالَّذِي، مضى عَلَيْهِ الْعَمَل أَنَّهَا إِذا وضعت حملهَا فقد انْقَضتْ عدتهَا، وَخَالف فِي ذَلِك عَليّ وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَإِنَّهُمَا قَالَا: عدتهَا آخر الْأَجَليْنِ، وَرُوِيَ أَيْضا عَن سَحْنُون، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: الرُّجُوع عَن ذَلِك، وَيُؤَيّد ذَلِك أَن أَصْحَابه عَطاء وَعِكْرِمَة وَجَابِر بن زيد قَالُوا كَقَوْل الْجَمَاعَة، وَقَالَ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان: لَا تخرج عَن الْعدة حَتَّى يَنْقَضِي نفَاسهَا وتغتسل مِنْهُ.
    .........
    305
    وَجَمِيع الشُّرَّاح جزموا أَنه عبد الله بن الأرقم، وَالظَّاهِر أَن أول شَارِح للْبُخَارِيّ وهم فِيهِ ثمَّ تبعه كل من أَتَى بعده من الشُّرَّاح، وَأما تَرْجَمَة عبد الله فَهُوَ: عبد الله بن الأرقم بن عبد يَغُوث بن وهب بن عبد منَاف بن زهرَة، أسلم يَوْم الْفَتْح وَكتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ لأبي بكر ثمَّ لعمر، وَاسْتَعْملهُ عُثْمَان على بَيت المَال سِنِين، ثمَّ استعفاه فأعفاه. وَقَالَ خَليفَة بن خياط: لم يزل عبد الله بن الأرقم على بَيت المَال خلَافَة عمر كلهَا وسنتين من خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: مَا رَأَيْت أحدا أخْشَى لله مِنْهُ.
    ......
    307
    أَن الْمُطلقَة ثَلَاثًا لَا تجب لَهَا النَّفَقَة وَلَا السُّكْنَى عِنْد قوم إِذا لم تكن حَامِلا، وَاحْتَجُّوا بالأحاديث الْمَذْكُورَة، وهم: الْحسن الْبَصْرِيّ وَعَمْرو بن دِينَار وطاووس وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَعِكْرِمَة وَالشعْبِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَإِبْرَاهِيم فِي رِوَايَة وَأهل الظَّاهِر، وَقَالَ قوم: لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى حَامِلا أَو غير حَامِل، وهم حَمَّاد وَشُرَيْح وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَالْحسن بن صَالح وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن وَهُوَ مَذْهَب عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مسعد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
    وَقَالَ قوم: لَهَا السُّكْنَى بِكُل حَال وَالنَّفقَة إِذا كَانَت حَامِلا، وهم: عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة وَاحْتج أَصْحَابنَا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِأَن عمر وَعَائِشَة وَأُسَامَة بن زيد ردوا حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس وأنكروه عَلَيْهَا وَأخذُوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: لَا نَدع كتاب رَبنَا وَسنة نَبينَا لقَوْل امْرَأَة وهمت أَو نسيت، وَكَانَ عمر يَجْعَل لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى،
    .....
    311
    (وَحش) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالشين الْمُعْجَمَة أَي: مَكَان خَال لَا أنيس بِهِ. قَوْله: (فَلذَلِك) أَي: فلأجل كَونهَا فِي مَكَان وَحش أرخص لَهَا بالانتقال وَقد احْتَرَقَ ابْن حزم هُنَا، فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد وَهُوَ ضَعِيف جدا، ورد بِمَا ذكرنَا، وَلَا سِيمَا قَول يحيى بن معِين: هُوَ أثبت النَّاس فِي هِشَام بن عُرْوَة.
    وَالْحَاصِل من هَذِه الْأَحَادِيث بَيَان رد عَائِشَة حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس على الْوَجْه الَّذِي ذكرته من غير بَيَان الْعلَّة فِيهِ، وَأَن الْمُطلقَة المبانة لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى. وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : وَحَدِيث فَاطِمَة رده عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا نَدع كتاب رَبنَا وَلَا سنة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقول امْرَأَة لَا نَدْرِي صدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت؟ إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: للمطلقة الثَّلَاث النَّفَقَة وَالسُّكْنَى مَا دَامَت فِي الْعدة، ورده أَيْضا زيد بن ثَابت وَأُسَامَة بن زيد وَجَابِر وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم، وَقَالَ بَعضهم: ادّعى. بعض الْحَنَفِيَّة أَن فِي بعض طرق حَدِيث عمر: للمطلقة ثَلَاثًا السُّكْنَى وَالنَّفقَة، ورده ابْن السَّمْعَانِيّ بِأَنَّهُ من قَول بعض المجازفين فَلَا تحل رِوَايَته، وَقد أنكر أَحْمد ثُبُوت ذَلِك عَن عمر أصلا وَلَعَلَّه أَرَادَ مَا ورد من طَرِيق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لكَونه لم يلقه. انْتهى. قلت: مَا المجازف إلاَّ من ينْسب المجازفة إِلَى الْعلمَاء من غير بَيَان، فَإِن كَانَ مُسْتَنده إِنْكَار أَحْمد ثُبُوت ذَلِك عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلَا يفِيدهُ ذَلِك لِأَن الَّذين قَالُوا بذلك يَقُولُونَ بِثُبُوت ذَلِك عَن عمر، فالمثبت أولى من النَّافِي لِأَن مَعَه زِيَادَة علم. وَقد قَالَ الطَّحَاوِيّ، الَّذِي هُوَ إِمَام جهبذ فِي هَذَا الْفَنّ: لما جَاءَت فَاطِمَة بنت قيس فروت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لَهَا: إِنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة لمن كَانَت عَلَيْهَا الرّجْعَة، خَالَفت بذلك كتاب الله تَعَالَى نصا، لِأَن كتاب الله تَعَالَى قد جعل السُّكْنَى لمن لَا رَجْعَة عَلَيْهَا، وخالفت سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ، وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلاف مَا رَوَت، فَخرج الْمَعْنى الَّذِي مِنْهُ أنكر عَلَيْهَا عمر مَا أنكر خُرُوجًا صَحِيحا، وَبَطل حَدِيث فَاطِمَة فَلم يجب الْعَمَل بِهِ أصلا انْتهى


    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات


  10. #290
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    الحمد لله
    المجلد ( 21 ) من عمدة القاري للحافظ العيني رحمه الله
    تكملة ( 1- 150 صفحة )
    اليوم : الأربعاء
    الموافق : 30/ رمضان / 1442 هجري
    الموافق :12/ مايو / 2021 ميلادي


    ( 21/3)
    وَزعم ابْن التِّين أَنَّهَا لَا رِوَايَة لَهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أخرج لَهَا مُسلم حَدِيثهَا: كَانَ اسْمِي برة فسماني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب، وَأخرج لَهَا البُخَارِيّ حَدِيثا تقدم فِي أَوَائِل السِّيرَة النَّبَوِيَّة. وَقَالَ أَبُو عمر: ولدتها أمهَا بِأَرْض الْحَبَشَة وقدمت بهَا وحفظت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَت عِنْد عبد الله بن زَمعَة بن الْأسود فَولدت لَهُ وَكَانَت من أفقه نسَاء
    زمانها
    .....
    (5/21)
    رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رخص للْمَرْأَة أَن تحد على زَوجهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا، وعَلى أَبِيهَا سَبْعَة أَيَّام وعَلى من سواهُ ثَلَاثَة أَيَّام؟ قلت: هَذَا غير صَحِيح لما تقدم أَن أم حَبِيبَة لما توفّي أَبوهَا تطيبت بعد ثَلَاث، ولعموم الْأَحَادِيث،
    .......
    (13/21)
    وَقَالَ الْمُهلب: النَّفَقَة على الْأَهْل والعيال وَاجِبَة بِالْإِجْمَاع، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: النَّفَقَة على الْأَوْلَاد مَا داموا صغَارًا فرض عَلَيْهِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وأبدأ بِمن تعلو لِأَن الْوَلَد مَا دَامَ صَغِيرا فَهُوَ عِيَال. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَاخْتلفُوا فِيمَن بلغ من الْأَبْنَاء وَلَا مَال لَهُ وَلَا كسب، فَقَالَت طَائِفَة: على الْأَب أَن ينْفق على ولد صلبه الذُّكُور حَتَّى يحتلموا وَالْبَنَات حَتَّى يزوجن، فَإِن طَلقهَا. قيل الْبناء فَهِيَ على نَفَقَتهَا، وَإِن طَلقهَا بعد الْبناء أَو مَاتَ عَنْهَا فَلَا نَفَقَة لَهَا على أَبِيهَا وَلَا نَفَقَة لولد الْوَلَد على الْجد، هَذَا قَول مَالك، وَأي: نَفَقَة الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وَاجِبَة بِشَرْط الْعَجز مَعَ قيام الْحَاجة، وَأما نَفَقَة بني الْأَعْمَام وَأَوْلَاد العمات فَلَا تجب عِنْد عَامَّة الْعلمَاء. خلافًا لِابْنِ أبي ليلى
    ......
    وَقَالَ الطَّبَرِيّ: فِيهِ دَلِيل الرَّد على الصُّوفِيَّة حَيْثُ قَالُوا: الإدخار من يَوْم لغد يسيء فَاعله إِذْ لم يتوكل على ربه حق توكله، وَلَا خَفَاء بِفساد هَذَا القَوْل.
    .......
    18/21)
    وَاخْتلفُوا فِي ذَات الزَّوْج هَل تجبر على رضَاع وَلَدهَا؟ قَالَ ابْن أبي ليلى: نعم مَا كَانَت امْرَأَته، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي ثَوْر، وَقَالَ الثَّوْريّ والكوفيون وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمهَا رضاعه وَهُوَ على الزَّوْج على كل حَال، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: تجبر على رضاعه إلاَّ أَن يكون مثلهَا لَا يرضع فَذَلِك على الزَّوْج.
    .......
    (22
    وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مِقْدَار مَا يفْرض السُّلْطَان للزَّوْجَة على زَوجهَا. فَقَالَ مَالك: يفْرض لَهَا بِقدر كفايتها فِي الْيُسْر والعسر وَيعْتَبر حَالهَا من حَاله، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة: وَلَيْسَت مقدرَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: مقدرَة بِاجْتِهَاد الْحَاكِم فِيهَا. وَهِي تعْتَبر بِحَالهِ دونهَا. فَمن كَانَ مُوسِرًا فمدان كل يَوْم، وَإِن كَانَ متوسطا فَمد وَنصف، وَمن كَانَ مُعسرا فَمد، فَيجب لبِنْت الْخَلِيفَة مَا يجب لبِنْت الحارس.
    وَقَالَ ابْن بطال: أجمع الْعلمَاء على أَن للْمَرْأَة مَعَ النَّفَقَة على الزَّوْج الْكسْوَة وجوبا على قدر الْكِفَايَة لَهَا وعَلى قدر الْيُسْر والعسر.
    ............
    كتاب الأطعمة
    (29)
    أجمعت الْعَرَب كَمَا قَالَ فُضَيْل بن عِيَاض على أَن الشِّبَع من الطَّعَام مَذْمُوم ولوم، وَنَصّ الشَّافِعِي، رَحمَه الله تَعَالَى، على أَن الْجُوع يذكي، وروى عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا: من قلَّ طعمه صَحَّ بَطْنه وَصفا قلبه، وَمن كثر طعمه سقم بَطْنه وقسا قلبه، وَرُوِيَ: لَا تميتوا الْقُلُوب بِكَثْرَة الطَّعَام وَالشرَاب فَإِن الْقلب ثَمَرَة كالزرع إِذا كثر عَلَيْهِ المَاء انْتهى، وروى الزَّمَخْشَرِيّ فِي (ربيع الْأَبْرَار) من حَدِيث الْمِقْدَام بن معدي كرب مَرْفُوعا: مَا مَلأ ابْن آدم وعَاء شرا من بَطْنه، فَحسب الرجل من طَعَامه مَا أَقَامَ صلبه.

    ..........
    28
    عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مَرْفُوعا إِذا أكل أحدكُم الطَّعَام فَلْيقل: بِسم الله فَإِن نسي فِي أَوله فَلْيقل بِسم الله أَوله وَآخره، وَالْأَمر بِالتَّسْمِيَةِ عِنْد الْأكل مَحْمُول على النّدب عِنْد الْجُمْهُور، وَحمله بَعضهم على الْوُجُوب لظَاهِر الْأَمر، وَقَالَ النَّوَوِيّ: اسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة فِي ابْتِدَاء الطَّعَام مجمع عَلَيْهِ، وَكَذَا يسْتَحبّ حمد الله فِي آخِره. قَالَ الْعلمَاء: يسْتَحبّ أَن يجْهر بالتسيمة لينبه غَيره فَإِن تَركهَا عَامِدًا أَو نَاسِيا أَو جَاهِلا أَو مكْرها أَو عَاجِزا لعَارض ثمَّ تمكن فِي أثْنَاء أكله يسْتَحبّ لَهُ أَن يُسَمِّي، وَتحصل التَّسْمِيَة بقوله: بِسم الله فَإِن اتبعها بالرحمان الرَّحِيم كَانَ حسنا، وَيُسمى كل وَاحِد من الآكلين. وَقَالَ الشَّافِعِي، فَإِن سمى وَاحِد مِنْهُم حصلت التَّسْمِيَة
    وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: الْأَمر بِالْأَكْلِ مِمَّا يَلِيهِ وَالْأكل بِالْيَمِينِ حمله أَكثر أَصْحَابنَا على النّدب، وَبِه صرح الْغَزالِيّ وَالنَّوَوِيّ، وَقد نَص الشَّافِعِي فِي (الْأُم) على وُجُوبه، وَزعم الْقُرْطُبِيّ أَن الْأكل بِالْيَمِينِ مَحْمُول على النّدب، وَلِأَنَّهُ من بَاب تشريف الْيَمين، وَلِأَنَّهَا أقوى فِي الْأَعْمَال
    وأسبق وَأمكن وَلِأَنَّهَا مُشْتَقَّة من الْيمن وَالْبركَة وَفِي حَدِيث أبي دَاوُد: يَجْعَل يَمِينه لطعامه وَشَرَابه وشماله لما سوى ذَلِك، فَإِن احْتِيجَ إِلَى الِاسْتِعَانَة بالشمال فبحكم التّبعِيَّة، وَذكر الْقُرْطُبِيّ أَن الْأكل مِمَّا يَلِي الْآكِل سنة مُتَّفق عَلَيْهَا وخلافها مَكْرُوه شَدِيد الاستقباح إِذا كَانَ الطَّعَام وَاحِدًا.
    .....
    30
    (لَا تاكلوا بالشمال فَإِن الشَّيْطَان يَأْكُل بالشمال) ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: معنى قَوْله: إِن الشَّيْطَان يَأْكُل بِشمَالِهِ، أَي: يحمل أولياءه من الْإِنْس على ذَلِك ليضاربه عباد الله الصَّالِحين، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ عدُول عَن الظَّاهِر وَالْأولَى حمل الْخَبَر على ظَاهره، وَأَن الشَّيْطَان يَأْكُل حَقِيقَة لِأَن الْعقل لَا يحِيل ذَلِك، وَقد ثَبت الْخَبَر بِهِ فَلَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيله. قلت: للنَّاس فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن صنفا مِنْهُم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ. وَالثَّانِي: أَن صنفا مِنْهُ لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون. وَالثَّالِث: أَن جَمِيعهم يَأْكُلُون وَلَا يشربون. وَهَذَا قَول سَاقِط. وروى أَبُو عمر بِإِسْنَادِهِ عَن وهب بن مُنَبّه. بقوله: وَسُئِلَ عَن الْجِنّ مَا هم؟ وَهل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون ويموتون. فَقَالَ: هم أَجنَاس، فَأَما خَالص الْجِنّ فهم ريح لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون وَلَا يتوالدون، وَمِنْهُم أَجنَاس يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتوالدون ويتناكحون، مِنْهُم السعالي والغول والقطرب وَغير ذَلِك، وَالَّذين يَقُولُونَ: هم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ اخْتلفُوا على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَن أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لَا مضغ وبلع، وَهَذَا قَول لم يرد عَلَيْهِ الدَّلِيل، وَالْآخر: أَن أكلهم وشربهم مضغ وبلع، وَهَذَا القَوْل الَّذِي تشهد لَهُ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.
    ........
    وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذِه الْأَحَادِيث جَوَاز الشِّبَع وَإِن كَانَ تَركه أَحْيَانًا أفضل، وَقد ورد عَن سُلَيْمَان وَأبي جُحَيْفَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أَكثر النَّاس شبعا فِي الدُّنْيَا أطولهم جوعا فِي الْآخِرَة. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: الشِّبَع وَإِن كَانَ مُبَاحا فَإِن لَهُ حدا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَمَا زَاد على ذَلِك سرف، وَالْمُطلق مِنْهُ مَا أعَان الْأكل على طَاعَة ربه، وَلم يشْغلهُ ثقله عَن أَدَاء مَا وَجب عَلَيْهِ.
    ......
    33
    وَاخْتلف فِي حد الْجُوع على رأيين: أَحدهمَا: أَن يَشْتَهِي الْخبز وَحده، فَمَتَى طلب الأدام فَلَيْسَ بجائع. ثَانِيهمَا: أَنه إِذا وَقع رِيقه على الأَرْض لم يَقع عَلَيْهِ الذُّبَاب، ذكره فِي (الْإِحْيَاء) وَذكر أَن مَرَاتِب الشِّبَع تَنْحَصِر فِي سَبْعَة: الأول: مَا تقوم بِهِ الْحَيَاة. الثَّانِي: أَن يزِيد حَتَّى يُصَلِّي عَن قيام ويصوم وَهَذَانِ واجبان. الثَّالِث: أَن يزِيد حَتَّى يُقَوي على أَدَاء النَّوَافِل. الرَّابِع: أَن يزِيد حَتَّى يقدر على التكسب، وَهَذَانِ مستحبان. الْخَامِس: أَن يمْلَأ الثُّلُث وَهَذَا جَائِز. السَّادِس: أَن يزِيد على ذَلِك وَبِه يثقل الْبدن وَيكثر النّوم وَهَذَا مَكْرُوه. السَّابِع: أَن يزِيد حَتَّى يتَضَرَّر وَهِي البطنة الْمنْهِي عَنْهَا وَهَذَا حرَام.
    .........
    35
    وَقَالَ ابْن بطال: أكل المرقق جَائِز مُبَاح وَلم يتْركهُ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إلاَّ زهدا فِي الدُّنْيَا وتركا للتنعم وإيثارا لما عِنْد الله وَغير ذَلِك، وَكَذَلِكَ الْأكل على الخوان، وَلَيْسَ نفي أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْكُل على كل خوان، وَلَا أَنه أكل شَاة سميطا يرد قَول من روى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أكل على خوان وَأَنه أكل شواء، وَإِنَّمَا أخبر كل بِمَا علم، وَمن علم حجَّة على من لم يعلم، لِأَنَّهُ زَاد عَلَيْهِ فَوَجَبَ قبُولهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ أنس: مَا أعلم أَو مَا رَأَيْت أَنه أكل شَاة مسموطة، وَلم يقطع على أَنه لم يَأْكُل، وَجرى ابْن بطال فِيمَا قَالَه على أَن المسموط هُوَ المشوي عِنْده. فَإِن قلت: إِذا كَانَ المسموط هُوَ المشوي عِنْده فيعارضه حَدِيث أم سَلمَة الَّذِي أخرجه التِّرْمِذِيّ أَنَّهَا قربت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جنبا مشويا فَأكل مِنْهُ. قلت: الْجَواب مَا ذَكرْنَاهُ من أَن من علم حجَّة على من لم يعلم إِلَى آخِره.
    .......

    40
    وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: يُؤْخَذ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة اسْتِحْبَاب الِاجْتِمَاع على الطَّعَام، وَأَن لَا يَأْكُل الْمَرْء وَحده، فَإِن الْبركَة فِي ذَلِك. قلت: وَقد ذكرنَا أَن الطَّبَرَانِيّ، روى من حَدِيث ابْن عمر: (كلوا جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا) الحَدِيث.
    ........
    41
    وَحكى القَاضِي عِيَاض عَن أهل الطِّبّ والتشريح أَنهم زَعَمُوا أَن أمعاء الإنساء سَبْعَة: الْمعدة ثمَّ ثَلَاثَة أمعاء بعْدهَا مُتَّصِلَة بهَا البواب والصائم وَالرَّقِيق، وَهِي كلهَا رقاق ثمَّ ثَلَاثَة غِلَاظ: الْأَعْوَر والقولون والمستقيم، وطرفه الدبر: وَلَقَد نظم شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله الأمعاء السَّبْعَة ببيتين وهما:
    (سَبْعَة أمعاء لكل آدَمِيّ ... معدة بوابها مَعَ صَائِم)
    (ثمَّ الرَّقِيق أَعور قولون مَعَ ... الْمُسْتَقيم مَسْلَك للطاعم)
    وَقيل: أَسمَاء الأمعاء السَّبْعَة: الاثنا عشر والصائم والقولون واللفائفي بالفاءين وَقيل: بالقافين وبالنون، والمستقيم والأعور، فللمؤمن يَكْفِيهِ ملْء أَحدهَا، وَالْكَافِر لَا يَكْفِيهِ إلاَّ ملْء كلهَا.
    .....
    42
    وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: سَمِعت ابْن أبي عمرَان يَقُول: قد كَانَ قوم حملُوا هَذَا الحَدِيث على الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا كَمَا يَقُول: (فلَان يَأْكُل الدُّنْيَا أكلا) أَي يرغب فِيهَا ويحرص عَلَيْهَا، فالمؤمن يَأْكُل فِي معًى وَاحِد لزهادته فِي الدُّنْيَا، وَالْكَافِر فِي سَبْعَة أمعاء أَي: لرغبته فِيهَا وَلم يحملوا ذَلِك على الطَّعَام. قَالُوا: وَقد رَأينَا مُؤمنا أَكثر طَعَاما من كَافِر، وَلَو تَأَول ذَلِك على الطَّعَام اسْتَحَالَ معنى الحَدِيث، وَقيل: هُوَ رجل خَاص بِعَيْنِه، وَكَانَ كَافِرًا ثمَّ أسلم، وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك، وَاخْتلفُوا فِي هَذَا الرجل. فَقيل: ثُمَامَة بن أَثَال، وَبِه جزم الْمَازرِيّ وَالنَّوَوِيّ، وَقيل: جَهْجَاه الْغِفَارِيّ، وَقيل: نَضْلَة بن عَمْرو الْغِفَارِيّ، وَقيل: أَبُو بصرة الْغِفَارِيّ، وَقيل: ابْنه بصرة بن أبي بصرة الْغِفَارِيّ، وَقيل: أَبُو غَزوَان غير مُسَمّى، وروى الطَّبَرَانِيّ، بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع رجال فَأخذ كل رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا اسْمك قَالَ أَبُو غَزوَان، قَالَ: فَحلبَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع شِيَاه، فَشرب لَبنهَا كُله، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل لَك يَا أَبَا غَزوَان أَن تسلم؟ قَالَ: نعم، فَأسلم فَمسح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدره فَلَمَّا أصبح حلب لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاة وَاحِدَة فَلم يتم لَبنهَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَالك يَا أَبَا غَزوَان؟ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد رويت. قَالَ: إِنَّك أمس كَانَ لَك سَبْعَة أمعاء وَلَيْسَ لَك الْيَوْم إلاَّ وَاحِد.
    .....
    45
    الَ النَّوَوِيّ: الصِّفَات السَّبْعَة فِي الْكَافِر وَهِي: الْحِرْص والشره وَطول الأمل والطمع وَسُوء الطَّبْع والحسد وَحب السّمن، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: شهوات الطَّعَام سبع: شَهْوَة الطَّبْع، وشهوة النَّفس، وشهوة الْعين، وشهوة الْفَم، وشهوة الْأذن، وشهوة الْأنف، وشهوة الْجُوع، وَهِي الضرورية الَّتِي يَأْكُل بهَا الْمُؤمن وَأما الْكَافِر فيأكل بِالْجَمِيعِ.

    ..........
    لَا آكل مُتكئا) أَي: حَال كوني مُتكئا. وَقَالَ الْخطابِيّ حسب الْعَامَّة أَن المتكىء هُوَ المائل على أحد شقيه، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل المتكىء هُنَا هُوَ الْمُعْتَمد على الْوَطْأَة
    الَّذِي تَحْتَهُ، وكل من اسْتَوَى قَاعِدا على طائه فَهُوَ متكىء أَي: إِذا أكلت لم أقعد مُتَمَكنًا على الأوطئة فعل من يستكثر من الْأَطْعِمَة، ولكنني آكل الْعلقَة من الطَّعَام فَيكون قعودي مستوفرا. لَهُ وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: أما أَنا فَلَا آكل مُتكئا، وَاسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَن ترك الْأكل مُتكئا من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد عده أَبُو الْعَبَّاس بن الْقَاص من خَصَائِصه. وَالظَّاهِر عدم التَّخْصِيص، وَقد روى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَأْكُل مُتكئا، وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: يكره أَيْضا لِأَنَّهُ من فعل المتعظمين وَأَصله مَأْخُوذ من مُلُوك الْعَجم، وَقد أخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس وخَالِد بن الْوَلِيد وَعبيدَة السَّلمَانِي وَمُحَمّد بن سِيرِين وَعَطَاء بن يسَار وَالزهْرِيّ جَوَاز ذَلِك مُطلقًا، وَإِذا ثَبت كَونه مَكْرُوها أَو خلاف الأولى فاستحب فِي صفة الْجُلُوس للْأَكْل أَن يكون جانبا على رُكْبَتَيْهِ وَظُهُور قَدَمَيْهِ أَو ينصب الرجل الْيُمْنَى وَيجْلس على الْيُسْرَى.
    .........
    50
    روى الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَأم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: لَا تقطعوا الْخبز بالسكين كَمَا تقطعه الْأَعَاجِم، وَإِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يَأْكُل اللَّحْم فَلَا يقطعهُ بالسكين وَلَكِن ليأخذه بِيَدِهِ فلينهسه بِفِيهِ، فَإِنَّهُ أهنأ وأمرأ، وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة أبي معشر عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تقطعوا اللَّحْم بالسكين فَإِنَّهُ من صَنِيع الْأَعَاجِم) ، فانهسوه فَإِنَّهُ أهنأ وأمرأ. قلت: فِي سَنَد حَدِيث الطَّبَرَانِيّ عباد بن كثير الثَّقَفِيّ وَهُوَ ضَعِيف، وَحَدِيث أبي دَاوُد قَالَ النَّسَائِيّ: أَبُو معشر لَهُ أَحَادِيث مَنَاكِير مِنْهَا هَذَا، وَقَالَ ابْن عدي: لَا يُتَابع عَلَيْهِ وَهُوَ ضَعِيف، وَاسم أبي معشر نجيح.
    ..........
    57
    وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاء: أقَالَ: حَتَّى جِئْنَا المَدِينَةِ؟ قَالَ: لَا)
    أَي: قَالَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج. قلت لعطاء بن أبي رَبَاح: أقَال؟ أَي: هَل قَالَ جَابر فِي قَوْله: كُنَّا نتزود لحرم الْهَدْي حَتَّى جِئْنَا إِلَى الْمَدِينَة؟ قَالَ عَطاء: لَا أَي: لم يقل ذَلِك جَابر، وَقد وَقع فِي رِوَايَة مُسلم قلت لعطاء: أقَال جَابر حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَة؟ قَالَ: نعم، وَقد نبه الْحميدِي فِي جمعه على اخْتِلَاف البُخَارِيّ وَمُسلم فِي هَذِه اللَّفْظَة وَلم يذكر أَيهمَا أرجح، وَالظَّاهِر أَن يرجح مَا قَالَه البُخَارِيّ لِأَن أَحْمد أخرجه فِي (مُسْنده) عَن يحيى بن سعيد كَذَلِك وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى بن سعيد كَذَلِك، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ المُرَاد بقوله: لَا، نفي الحكم بل مُرَاده أَن جَابِرا لم يُصَرح باستمرار ذَلِك حَتَّى قدمُوا فَيكون على هَذَا معنى قَوْله فِي رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء: كُنَّا نتزود لُحُوم الْهَدْي إِلَى الْمَدِينَة أَي: لتوجهنا إِلَى الْمَدِينَة، وَلَا يلْزم من ذَلِك بَقَاؤُهَا مَعَهم حَتَّى يصلوا الْمَدِينَة. قلت: هَذَا كَلَام واهٍ لِأَنَّهُ قَالَ: إِلَى الْمَدِينَة، بِكَلِمَة إِلَى الَّتِي أصل وَضعهَا للغاية، وَهنا للغاية المكانية كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} (الْإِسْرَاء: 1) وَفِيمَا قَالَه جعل: إِلَى، للتَّعْلِيل وَلم يقل بِهِ أحد، وَيُقَوِّي وهاء كَلَام هَذَا الْقَائِل مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ثَوْبَان قَالَ: ذبح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أضْحِية. ثمَّ قَالَ لي: يَا ثَوْبَان أصلح لحم هَذِه، فَلم أزل أطْعمهُ مِنْهُ حَتَّى قدم الْمَدِينَ
    .........
    58
    وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَنْوَاع الْفَضَائِل ثَلَاثَة: نفسية وبدنية وخارجة. فالنفسانية ثَلَاثَة بِحَسب القوى الثَّلَاث الَّتِي للْإنْسَان الْعَقْلِيَّة والغضبية والشهوية فالهم والحزن مِمَّا يتَعَلَّق بالعقلية، والجبن بالغضبية، وَالْبخل بالشهوية وَالْعجز والكسل بالبدنية. وَالثَّانِي: عِنْد سَلامَة الْأَعْضَاء وَتَمام الْآلَات. وَالْأول: عِنْد نُقْصَان الْعُضْو كَمَا فِي الْأَعْمَى والأشل والضلع وَالْغَلَبَة بالخارجية. وَالْأول مَالِي، وَالثَّانِي جاهي، فَهَذَا الدُّعَاء من جَوَامِع الْكَلم لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
    .........
    59
    (بصفية) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف بنت حييّ بن أَخطب النَّضْرِية أم الْمُؤمنِينَ من بَنَات هَارُون بن عمرَان أخي مُوسَى بن عمرَان، عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَأمّهَا برة بنت سموأل، سباها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام خَيْبَر فِي شهر رَمَضَان سنة سبع من الْهِجْرَة ثمَّ أعْتقهَا وَتَزَوجهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا. قَالَ الْوَاقِدِيّ: مَاتَت فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة خمسين، وَقَالَ غَيره: مَاتَت فِي خلَافَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ.
    ......
    62
    قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلَيْكُم بالقرع فَإِنَّهُ يزِيد فِي الدِّمَاغ، وَفِي (فَوَائِد الشَّافِعِي) رَحمَه الله من حَدِيث عَائِشَة، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا طبخت فأكثري فِيهِ الدُّبَّاء فَإِنَّهُ يشد قلب الحزين، وَقَالَ شَيخنَا: وَفِي بعض طرق حَدِيث أنس أَنه يُرِيد فِي الْعقل وَفِي بعض طرق حَدِيث أنس فِي (مُسْند الإِمَام أَحْمد) أَن القرع كَانَ أحب الطَّعَام إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
    .........
    63
    وَمثل هَذَا الرجل الَّذِي يتبع بِلَا دَعْوَة يُسمى طفيليا مَنْسُوبا إِلَى رجل من أهل الْكُوفَة يُقَال لَهُ: طفيل من بني عبد الله بن غطفان كَانَ يَأْتِي الولائم من غير أَن يدعى إِلَيْهَا، وَكَانَ يُقَال لَهُ: طفيل الأعراس، وَهَذِه الشُّهْرَة إِنَّمَا اشْتهر بهَا من كَانَ بِهَذِهِ الصّفة بعد الطُّفَيْل الْمَذْكُور. وَأما شهرته عِنْد الْعَرَب قَدِيما فَكَانُوا يسمونه: الوارش، بالشين الْمُعْجَمَة هَذَا إِذا دخل لطعام لم يدع إِلَيْهِ، فَإِن دخل لشراب لم يدع إِلَيْهِ يسمونه الواغل بالغين الْمُعْجَمَة.

    ..........
    65
    إِن الْغُلَام لما وضع الْقَصعَة بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واشتغل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يتتبعُ الدُّبَّاء مِنْهَا أقبل الْغُلَام على عمله، وَقَالَ ابْن بطال: لَا أعلم فِي اشْتِرَاط أكل الدَّاعِي مَعَ الضَّيْف إلاَّ أَنه أبسط لوجهه وأذهب لاحتشامه، فَمن فعل فَهُوَ أبلغ فِي قرى الضَّيْف، وَمن ترك فَهُوَ جَائِز.
    .......
    66
    وَصفته مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر، وَفِيه وَرَأَيْت فِي يَمِين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قثاء وَفِي شِمَاله رطبا وَهُوَ يَأْكُل من ذَا مرّة وَمن ذَا مرّة، وَفِي إِسْنَاده أَصْرَم بن حَوْشَب وَهُوَ ضَعِيف جدا، وَلَا يلْزم من هَذَا الحَدِيث. لَو ثَبت أكله بِشمَالِهِ فَلَعَلَّهُ كَانَ يَأْخُذ بِيَدِهِ الْيُمْنَى من الشمَال رطبَة فيأكلها مَعَ القثاء الَّتِي فِي يَمِينه فَلَا مَانع من ذَلِك، وَالْحكمَة فِي جمعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا كَمَا ورد فِي بعض طرقه يطفىء حر هَذَا برد هَذَا وروى أَبُو الشَّيْخ ابْن حبَان فِي (كتاب أَخْلَاق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) من رِوَايَة يحيى بن هَاشم عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُل الْبِطِّيخ بالرطب والقثاء بالملح، وَيحيى بن هَاشم السمسار كذبه يحيى وَغَيره
    .........
    68
    وَقَالَ الرّبيع بن خَيْثَم: مَا للنفساء عِنْدِي خير من الرطب، وَلَا للْمَرِيض من الْعَسَل، ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة رَوَاهُ عبد بن حميد وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو يعلى الْموصِلِي من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَفعه قَالَ: أطعموا نفساءكم الْوَلَد الرطب، فَإِن لم يكن رطب فتمر وَلَيْسَ من الشّجر شَجَرَة أكْرم على الله تَعَالَى من شَجَرَة نزلت تحتهَا مَرْيَم، عَلَيْهَا السَّلَام، وَقِرَاءَة الْجُمْهُور: تساقط،
    ..........
    70
    ي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق الرَّمَادِي عَن سعيد بن أبي مَرْيَم شيخ البُخَارِيّ فِيهِ: وَكَانَت الأَرْض لي بطرِيق رومة، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو، وَهِي الْبِئْر الَّتِي اشْتَرَاهَا عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وسبلها، وَهِي فِي نفس الْمَدِينَة. وَقيل: إِن رومة رجل من بني غفار كَانَت لَهُ الْبِئْر قبل أَن يَشْتَرِيهَا عُثْمَان فنسبت إِلَيْهِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: رومة بِضَم الرَّاء مَوضِع، وَفِي بَعْضهَا بِضَم الدَّال الْمُهْملَة بدل الرَّاء ولعلها دومة الجندل، وَقَالَ بَعضهم وَنقل الْكرْمَانِي: أَن فِي بعض الرِّوَايَات دومة بدال بدل الرَّاء ولعلها دومة الجندل قَالَ: وَهَذَا بَاطِل، لِأَن دومة الجندل إِذْ ذَاك لم تكن فتحت حَتَّى يُمكن أَن يكون لجَابِر فِيهَا أَرض انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه بَاطِل لِأَن الَّذِي فِي الحَدِيث بطرِيق رومة، وَهَذَا ظَاهر، وَأما رِوَايَة الدَّال فمعناها: كَانَت لجَابِر أَرض كائنة بِالطَّرِيقِ الَّتِي يُسَافر مِنْهَا إِلَى دومة: الجندل، وَلَيْسَ مَعْنَاهَا الَّتِي بدومة الجندل حَتَّى يُقَال: لِأَن دومة الجندل إِذْ ذَاك لم تكن فتحت، ودومة الجندل على عشر مراحل من الْمَدِينَة.
    ...
    70
    وَقَالَ النَّوَوِيّ: تَخْصِيص من عَجْوَة الْمَدِينَة وَعدد السَّبع من الْأُمُور الَّتِي علمهَا الشَّارِع وَلَا نعلم نَحن حكمتها فَيجب الْإِيمَان بهَا وَهُوَ كأعداد الصَّلَوَات وَنصب الزَّكَاة، وَقَالَ الْمظهر: يجوز أَن يكون فِي ذَلِك النَّوْع مِنْهُ هَذِه الخاصية
    ...........
    72
    وَقَالَ النَّوَوِيّ: اخْتلفُوا فِي هَذَا النَّهْي: هَل هُوَ على التَّحْرِيم أَو الْكَرَاهَة؟ الصَّوَاب: التَّفْصِيل فَإِن كَانَ الطَّعَام مُشْتَركا بَينهم فالقران حرَام إلاَّ برضاهم، وَيحصل بتصريحهم أَو بِمَا يقوم مقَامه من قرينَة حَال بِحَيْثُ يغلب على الظَّن ذَلِك، وَإِن كَانَ الطَّعَام لغَيرهم حرم، وَإِن كَانَ لأَحَدهم وَأذن لَهُم فِي الْأكل اشْترط وَيحرم بِغَيْرِهِ، وَذكر الْخطابِيّ: أَن شَرط هَذَا الاسْتِئْذَان إِنَّمَا كَانَ فِي زمنهم حَيْثُ كَانُوا فِي قلَّة من الشَّيْء فأمَّا الْيَوْم مَعَ اتساع الْحَال لَا يحْتَاج إِلَى الاسْتِئْذَان، وَاعْترض عَلَيْهِ النَّوَوِيّ بِأَن الصَّوَاب التَّفْصِيل لِأَن الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ لَا لخُصُوص السَّبَب لَو ثَبت السَّبَب كَيفَ وَهُوَ غير ثَابت؟ وَيُقَوِّي هَذَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه الْبَزَّار من طَرِيق الشّعبِيّ عَنهُ قَالَ: قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَمرا بَين أَصْحَابه فَكَانَ بَعضهم يقرن فَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقرن إلاّ بِإِذن أَصْحَابه، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) بِلَفْظ: كنت فِي الصّفة فَبعث إِلَيْنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَمْر عَجْوَة. فَسَكَبت بَيْننَا وَكُنَّا نقرن الثِّنْتَيْنِ من الْجُوع، فَكُنَّا إِذا قرن أَحَدنَا قَالَ لأَصْحَابه: أَنِّي قد قرنت فأقرنوا، قَالَ هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وَقَالَ الْبَزَّار: لم يروه عَن عَطاء بن السَّائِب عَن الشّعبِيّ إلاَّ جرير بن عبد الحميد، وَرَوَاهُ عمرَان بن عُيَيْنَة عَن عَطاء عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن أبي هُرَيْرَة انْتهى. قَالَ: شَيخنَا وَعَطَاء بن السَّائِب تغير حفظه بِآخِرهِ، وَجَرِير مِمَّن روى عَنهُ بعد اخْتِلَاطه، قَالَه أَحْمد بن حَنْبَل: فَلَا يَصح الحَدِيث إِذا وَالله أعلم
    ...........
    76
    الَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا وَقعت لقْمَة أحدكُم فليأخذها فليُمِطْ مَا كَانَ بهَا من أَذَى وليأكلها وَلَا يَدعهَا للشَّيْطَان. وَلَا يمسح يَده بالمنديل حَتَّى يلعق أَصَابِعه فَإِنَّهُ لَا يدْرِي فِي أَي طَعَامه الْبركَة، يَعْنِي: فِيمَا أكل أَو فِيمَا بَقِي فِي الْإِنَاء، فيلعق يَده وَيمْسَح الْإِنَاء رَجَاء حُصُول الْبركَة. وَالْمرَاد بِالْبركَةِ. وَالله أعلم مَا يحصل بِهِ التغذية وتسلم عاقبته من أَذَى ويقوى على طَاعَة الله تَعَالَى، وَغير ذَلِك، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وأصل الْبركَة الزِّيَادَة وَثُبُوت الْخَيْر والامتناع بِهِ.
    وَالثَّالِث: أَنه يَنْبَغِي فِي لعق الْأَصَابِع الِابْتِدَاء بالوسطى ثمَّ السبابَة ثمَّ الْإِبْهَام. كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث كَعْب بن عجْرَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَأْكُل بأصابعه الثَّلَاث قبل أَن يمسحها بالإبهام وَالَّتِي تَلِيهَا وَالْوُسْطَى، ثمَّ رَأَيْته يلعق أَصَابِعه الثَّلَاث فيلعق الْوُسْطَى ثمَّ الَّتِي تَلِيهَا ثمَّ الْإِبْهَام، وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن الْوُسْطَى أَكثر الثَّلَاثَة تلويثا بِالطَّعَامِ لِأَنَّهَا أعظم الْأَصَابِع وأطولها. فَينزل فِي الطَّعَام مِنْهُ أَكثر مِمَّا ينزل من السبابَة، وَينزل من السبابَة فِي الطَّعَام أَكثر من الْإِبْهَام لطول السبابَة على الْإِبْهَام وَيحْتَمل أَن يكون البدء بالوسطى لكَونهَا أول مَا ينزل فِي الطَّعَام لطولها.

    .........
    وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: فَإِن شَاءَ أحد أَن يَأْكُل بالخمس فَليَأْكُل فقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يتعرق الْعظم وينهش اللَّحْم وَلَا يُمكن أَن يكون ذَلِك فِي الْعَادة إلاَّ بالخمس كلهَا. وَقَالَ شَيخنَا: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ يُمكن بِالثلَاثِ، وَلَئِن سلمنَا مَا قَالَه: فَلَيْسَ هَذَا أكلا بالأصابع الْخمس، وَإِنَّمَا هُوَ مُمْسك بالأصابع فَقَط لَا آكل بهَا، وَلَئِن سلمنَا أَنه آكل بهَا لعدم الْإِمْكَان فَهُوَ مَحل الضَّرُورَة كمن لَيْسَ لَهُ يَمِين، فَلهُ الْأكل بالشمال. قلت: حَاصِل هَذَا أَن شَيخنَا منع اسْتِدْلَال ابْن الْعَرَبِيّ بِمَا ذكره، وَالْأَمر فِيهِ أَن السّنة أَن يَأْكُل بالأصابع الثَّلَاث وَإِن أكل بالخمس فَلَا يمْنَع، وَلكنه يكون تَارِكًا للسّنة إلاَّ عِنْد الضَّرُورَة فَافْهَم.
    ........
    80
    وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: ورد الْإِيمَان نِصْفَانِ: نصف صَبر وَنصف شكر، وَرُبمَا يتَوَهَّم متوهم أَن ثَوَاب الشُّكْر يقصر عَن ثَوَاب الصَّبْر فأزيل توهمه بِهِ، يَعْنِي: هما متساويان فِي الثَّوَاب: وَوجه الشّبَه حبس النَّفس إِذْ الشاكر يحبس نَفسه على محبَّة الْمُنعم بِالْقَلْبِ والإظهار بِاللِّسَانِ وَقَالَ أهل اللُّغَة: رجل طاعم حسن الْحَال فِي الْمطعم، ومطعامٌ كثير القِرى، ومطعم كثير الْأكل، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: سوى بَين درجتي الطَّاعَة من الْغَنِيّ وَالْفَقِير فِي الْأجر.

    .....
    81
    وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْفضل أَي: الْعَقِيقَة، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق: سنة لَا يَنْبَغِي تَركهَا لمن قدر عَلَيْهَا، وَقَالَ أَحْمد: هِيَ أحب إليّ من التَّصَدُّق بِثمنِهَا على الْمَسَاكِين وَقَالَ مرّة: إِنَّهَا من الْأَمر الَّذِي لم يزل عَلَيْهِ أَمر النَّاس عندنَا. وَقَالَ مَالك: هِيَ من الْأَمر الَّذِي لَا اخْتِلَاف فِيهِ عِنْدهم، وَقَالَ يحيى بن سعيد: أدْركْت النَّاس وَمَا يدعونها عَن الْغُلَام وَالْجَارِيَة. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَمِمَّنْ كَانَ يَرَاهَا ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وروى عَن فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وروى عَن الْحسن وَأهل الظَّاهِر أَنَّهَا وَاجِبَة، وتأولوا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَعَ الْغُلَام عقيقة) على الْوُجُوب وَقَالَ ابْن حزم: هِيَ فرض وَاجِب يجْبر الْإِنْسَان عَلَيْهَا إِذا فضل لَهُ من قوته مقدارها وَفِي (شرح السّنة) وأوجبها الْحسن قَالَ: يجب عَن الْغُلَام يَوْم سابعه فَإِن لم يعق عَنهُ عق عَن نَفسه، وَقَالَ ابْن التِّين قَالَ أَبُو وَائِل: هِيَ سنة فِي الذُّكُور دون الْإِنَاث، وَكَذَا ذكره فِي (المُصَنّف) عَن مُحَمَّد وَالْحسن، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيست بِسنة. وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: هِيَ تطوع كَانَ النَّاس يفعلونها ثمَّ نسخت بالأضحى، وَنقل صَاحب (التَّوْضِيح) عَن أبي حنيفَة والكوفيين: أَنَّهَا بِدعَة وَكَذَلِكَ قَالَ بَعضهم فِي شَرحه وَالَّذِي نقل عَنهُ أَنَّهَا بِدعَة أَبُو حنيفَة. قلت: هَذَا افتراء فَلَا يجوز نسبته إِلَى أبي حنيفَة وحاشاه أَن يَقُول مثل هَذَا: وَإِنَّمَا قَالَ: لَيست بِسنة فمراده إِمَّا لَيست بِسنة ثَابِتَة، وَإِمَّا لَيست بِسنة مُؤَكدَة وروى عبد الرَّزَّاق عَن دَاوُد بن قيس. قَالَ: سَمِعت عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْعَقِيقَة فَقَالَ: لَا أحب العقوق. قَالُوا: يَا رَسُول الله! ينْسك أَحَدنَا عَمَّن يُولد لَهُ فَقَالَ: من أحب مِنْكُم أَن ينْسك عَن وَلَده فَلْيفْعَل عَن الْغُلَام شَاتَان مكافأتان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة، فَهَذَا يدل على الِاسْتِحْبَاب.

    ...........
    87
    (والأذى) ، قيل: هُوَ إِمَّا الشّعْر أَو الدَّم أَو الْخِتَان، وَقَالَ الْخطابِيّ: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: لما سمعنَا هَذَا الحَدِيث طلبنا من يعرف معنى إمَاطَة الْأَذَى فَلم نجد، وَقيل: المُرَاد بالأذى هُوَ شعره الَّذِي علق بِهِ دم الرَّحِم فيماط عَنهُ بِالْحلقِ، وَقيل: إِنَّهُم كَانُوا يلطمون بِرَأْس الصَّبِي بِدَم الْعَقِيقَة، وَهُوَ أَذَى فَنهى عَن ذَلِك، وَقد جزم الْأَصْمَعِي بِأَنَّهُ حلق الرَّأْس، وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن الْحسن كَذَلِك، وَالْأَوْجه أَن يحمل الْأَذَى على الْمَعْنى الْأَعَمّ، وَيُؤَيّد ذَلِك أَن فِي بعض طرق حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب ويماط عَنهُ أقذاره، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ.

    .........
    88
    الْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن قُرَيْش بن أنس بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعَقِيقَة عَن هَارُون بن عبد الله عَن قُرَيْش بِهِ، وَقد توقف الْبرد نجي فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث من أجل اخْتِلَاط قُرَيْش، هَذَا وَزعم أَنه تفرد بِهِ وَأَنه وهم، وَكَأَنَّهُ تبع فِي ذَلِك مَا حَكَاهُ الْأَثْرَم عَن أَحْمد أَنه ضعف حَدِيث قُرَيْش هَذَا، وَقَالَ: مَا أرَاهُ بِشَيْء قلت: قُرَيْش تغير سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ وَاسْتمرّ على ذَلِك سِتّ سِنِين، وَمَات سنة تسع وَمِائَتَيْنِ، ولقريش متابع، روى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من أَن أَبَا حَمْزَة رَوَاهُ عَن الْحسن كَرِوَايَة قُرَيْش سَوَاء، وَلَعَلَّ سَماع شيخ البُخَارِيّ عَن قُرَيْش كَانَ قبل الِاخْتِلَاط، وَقَالَ ابْن حزم: لَا يَصح لِلْحسنِ سَماع عَن سَمُرَة إلاَّ حَدِيث الْعَقِيقَة وَحده، ورد عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ
    .....
    90
    (إِلَّا مَا ذكيتم) ، عَائِد على مَا يُمكن عوده عَلَيْهِ مِمَّا اتّفق سَبَب مَوته وَأمكن تَدَارُكه وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة. وَعَن ابْن عَبَّاس إِلَّا مَا ذبحتم من هَذِه الْأَشْيَاء وَفِيه روح فكلوه فَهُوَ ذكي، وَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالسُّديّ، وَرُوِيَ عَن طَاوُوس وَالْحسن وَقَتَادَة وَعبيد بن عُمَيْر وَالضَّحَّاك وَغير وَاحِد، أَن المذكاة مَتى تحركت حَرَكَة تدل على بَقَاء الرّوح فِيهَا بعد الذّبْح فَهِيَ حَلَال وَهَذَا مَذْهَب جُمْهُور الْفُقَهَاء، وَبِه يَقُول أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، رَحِمهم الله.
    ......
    92
    وعدي بن حَاتِم بن عبد الله بن سعد الطَّائِي الْجواد بن الْجواد، وَكَانَ إِسْلَامه سنة الْفَتْح، وَثَبت هُوَ وَقَومه على الْإِسْلَام نزل الْكُوفَة وَشهد الْفتُوح بالعراق، ثمَّ كَانَ مَعَ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَات بِالْكُوفَةِ زمن الْمُخْتَار سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْن عشْرين وَمِائَة سنة، وَيُقَال: مَاتَ بقرقيسيا، وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي (كتاب المعمرين) . قَالُوا: عَاشَ عدي بن حَاتِم مائَة وَثَمَانِينَ سنة، وَكَانَ أَعور.

    .........
    93
    إِذا حللتم فاصطادوا} وَقَالَ عِيَاض: الِاصْطِيَاد يُبَاح لمن اصطاده للاكتساب وَالْحَاجة وَالِانْتِفَاع بِالْأَكْلِ وَالثمن، وَاخْتلفُوا فِيمَن اصطاد للهو، وَلَكِن يقْصد التذكية وَالْإِبَاحَة وَالِانْتِفَاع فكرهه مَالك وَأَجَازَهُ اللَّيْث وَابْن عبد الحكم فَإِن فعله بِغَيْر نِيَّة التذكية فَهُوَ حرَام لِأَنَّهُ فَسَاد فِي الأَرْض وَإِتْلَاف نفس عَبَثا وَقد نهى سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن قتل الْحَيَوَان إلاَّ لمأكلة وَنهى أَيْضا عَن الْإِكْثَار من الصَّيْد، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مَرْفُوعا: من سكن الْبَادِيَة فقد جَفا، وَمن اتبع الصَّيْد فقد غفل، وَمن لزم السُّلْطَان افْتتن وَقَالَ: حسن غَرِيب وَأعله الْكَرَابِيسِي بِأبي مُوسَى أحد رُوَاته، وَقَالَ حَدِيثه لَيْسَ بالقائم، وروى أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بأسناد ضَعِيف، وَأَيْضًا من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب، قَالَ الدَّارَقُطْنِي ّ: تفرد بِهِ شريك
    .....
    93
    وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي التَّسْمِيَة على الصَّيْد والذبيحة فَروِيَ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين وَنَافِع مولى عبد الله وَالشعْبِيّ: أَنَّهَا فَرِيضَة فَمن تَركهَا عَامِدًا أَو سَاهِيا لم يُؤْكَل مَا ذبحه وَهُوَ قَول أبي ثَوْر والظاهرية وَذهب مَالك وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة، وأصحابهم إِلَى أَنه إِن تَركهَا عَامِدًا لم يُؤْكَل، وَأَن تَركهَا سَاهِيا أكلت. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَابْن الْمسيب وَالْحسن بن صَالح وطاووس وَعَطَاء وَالْحسن بن أبي الْحسن النَّخعِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وجعفر بن مُحَمَّد وَالْحكم وَرَبِيعَة وَأحمد وَإِسْحَاق وَرَوَاهُ فِي (المُصَنّف) عَن الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة وَفِي (المغنى) وَعَن أَحْمد رِوَايَة وَهُوَ الْمَذْهَب أَنَّهَا شَرط إِن تَركهَا عمدا أَو سَهوا فَهِيَ ميتَة وَفِي رِوَايَة إِن تَركهَا على إرْسَال السهْم نَاسِيا أكل، وَإِن تَركهَا على الْكَلْب أَو الفهد لم يُؤْكَل. وَقَالَ الشَّافِعِي: يُؤْكَل الصَّيْد والذبيحة فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا تعمد ذَلِك أَو نَسيَه، رُوِيَ ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء.
    .......
    105
    مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه عَن يحيى بن سليم عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن أبي الزبير عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (مَا أَلْقَاهُ الْبَحْر أَو جزر عَنهُ فكلوه، وَمَا مَاتَ فِيهِ وطفا فَلَا تأكلوه) . فَإِن قلت: ضعف الْبَيْهَقِيّ هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ يحيى بن سليم: كثير الْوَهم سيء الْحِفْظ وَقد رَوَاهُ غَيره مَوْقُوفا. قلت: يحيى بن سليم أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فَهُوَ ثِقَة وَزَاد فِيهِ الرّفْع، وَنقل ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه عَن يحيى أَنه ثِقَة. فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِسْمَاعِيل بن أُميَّة مَتْرُوك. قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ ظن أَنه إِسْمَاعِيل بن أُميَّة أَبُو الصَّلْت الزَّارِع، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَأما هَذَا فَهُوَ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة الْقرشِي الْأمَوِي، وَالَّذِي ظَنّه لَيْسَ فِي طبقته. فَإِن قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ الثَّوْريّ وَأَيوب وَحَمَّاد عَن أبي الزبير مَوْقُوفا على جَابر، وَقد أسْند من وَجه ضَعِيف عَن ابْن أبي ذِئْب عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَا اصطدتموه وَهِي حَيّ فكلوه. وَمَا وجدْتُم مَيتا طافيا فَلَا تأكلوه. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وروى عَن جَابر خلاف هَذَا، وَلَا أعرف لِابْنِ أبي ذِئْب عَن أبي الزبير شَيْئا. قلت: قَول البُخَارِيّ: أعرف لِابْنِ أبي ذِئْب عَن أبي الزبير شَيْئا على مذْهبه فِي أَنه يشْتَرط لاتصال الْإِسْنَاد المعنعن ثُبُوت السماع، وَقد أنكر مُسلم ذَلِك إنكارا شَدِيدا. وَزعم أَنه قَول مخترع، وَأَن الْمُتَّفق عَلَيْهِ أَنه يَكْفِي للاتصال إِمْكَان اللِّقَاء وَالسَّمَاع، وَابْن أبي ذِئْب أدْرك زمَان أبي الزبير بِلَا خلاف وسماعه مِنْهُ مُمكن. فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن وهب بن كيسَان عَن جَابر مَرْفُوعا وَعبد الْعَزِيز ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ. قلت: أخرج الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) حَدِيثا عَنهُ وَصحح سَنَده. وَأخرج حَدِيثه هَذَا الطَّحَاوِيّ فِي (أَحْكَام الْقُرْآن) .
    .........

  11. #291
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    تكملة للفوائد من " عمدة القاري " للحافظ العيني رحمه الله
    الحمد لله رب العالمين
    الموافق : 7/ شوال / 1442 هجري
    الموافق : 19/ مايو / 2021 ميلادي


    105
    مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه عَن يحيى بن سليم عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن أبي الزبير عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (مَا أَلْقَاهُ الْبَحْر أَو جزر عَنهُ فكلوه، وَمَا مَاتَ فِيهِ وطفا فَلَا تأكلوه) . فَإِن قلت: ضعف الْبَيْهَقِيّ هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ يحيى بن سليم: كثير الْوَهم سيء الْحِفْظ وَقد رَوَاهُ غَيره مَوْقُوفا. قلت: يحيى بن سليم أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فَهُوَ ثِقَة وَزَاد فِيهِ الرّفْع، وَنقل ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه عَن يحيى أَنه ثِقَة. فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِسْمَاعِيل بن أُميَّة مَتْرُوك. قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ ظن أَنه إِسْمَاعِيل بن أُميَّة أَبُو الصَّلْت الزَّارِع، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَأما هَذَا فَهُوَ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة الْقرشِي الْأمَوِي، وَالَّذِي ظَنّه لَيْسَ فِي طبقته. فَإِن قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ الثَّوْريّ وَأَيوب وَحَمَّاد عَن أبي الزبير مَوْقُوفا على جَابر، وَقد أسْند من وَجه ضَعِيف عَن ابْن أبي ذِئْب عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَا اصطدتموه وَهِي حَيّ فكلوه. وَمَا وجدْتُم مَيتا طافيا فَلَا تأكلوه. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وروى عَن جَابر خلاف هَذَا، وَلَا أعرف لِابْنِ أبي ذِئْب عَن أبي الزبير شَيْئا. قلت: قَول البُخَارِيّ: أعرف لِابْنِ أبي ذِئْب عَن أبي الزبير شَيْئا على مذْهبه فِي أَنه يشْتَرط لاتصال الْإِسْنَاد المعنعن ثُبُوت السماع، وَقد أنكر مُسلم ذَلِك إنكارا شَدِيدا. وَزعم أَنه قَول مخترع، وَأَن الْمُتَّفق عَلَيْهِ أَنه يَكْفِي للاتصال إِمْكَان اللِّقَاء وَالسَّمَاع، وَابْن أبي ذِئْب أدْرك زمَان أبي الزبير بِلَا خلاف وسماعه مِنْهُ مُمكن. فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن وهب بن كيسَان عَن جَابر مَرْفُوعا وَعبد الْعَزِيز ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ. قلت: أخرج الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) حَدِيثا عَنهُ وَصحح سَنَده. وَأخرج حَدِيثه هَذَا الطَّحَاوِيّ فِي (أَحْكَام الْقُرْآن) .
    .........
    107
    فَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي (الْمُدَوَّنَة) عَن مَالك: أكل الضفدع والسرطان والسلحفاة جَائِز من غير ذَكَاة، وروى عَن ابْن الْقَاسِم: مَا كَانَ مَأْوَاه المَاء يُؤْكَل من غير ذَكَاة وَإِن كَانَ يرْعَى فِي الْبر، وَمَا كَانَ مَأْوَاه ومستقره الْبر لَا يُؤْكَل إِلَّا بِذَكَاة وَعَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم: لَا يؤكلان إلاَّ بِذَكَاة. قَالَ ابْن التِّين: وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ.
    ثمَّ اعْلَم أَن قَول الشّعبِيّ يردهُ مَا رَوَاهُ أَبُو سعيد عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي (كتاب الْأَطْعِمَة) بِسَنَد صَحِيح أَن ابْن عمر قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن ضفدع يَجعله فِي دَوَاء فَنهى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن قَتله، قَالَ أَبُو سعيد فَيكْرَه أكله إِذْ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن قَتله لِأَنَّهُ لَا يُمكن أكله إلاَّ مقتولاً. وَإِن أكل غير مقتول فَهُوَ ميتَة وَزعم ابْن حزم أَن أكله لَا يحل أصلا ووى أَبُو دَاوُد فِي الطِّبّ وَفِي الْأَدَب، وَالنَّسَائِيّ فِي الصَّيْد عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد بن خَالِد عَن سعيد بن الْمسيب عَن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان الْقرشِي: أَن طَبِيبا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الضفدع يَجْعَلهَا فِي دَوَاء فَنهى عَن قَتلهَا. وَرَوَاهُ أَحْمد وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مسانيدهم) وَالْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) فِي الطِّبّ، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأقوى مَا ورد فِي الضفدع هَذَا الحَدِيث وَقَالَ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ فِيهِ دَلِيل على تَحْرِيم أكل الضفدع لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن قَتله، وَالنَّهْي عَن قتل الْحَيَوَان إِمَّا لِحُرْمَتِهِ كالآدمي، وَإِمَّا لتَحْرِيم أكله كالصرد، والهدهد، والضفدع لَيْسَ بِمحرم فَكَانَ النَّهْي منصرفا إِلَى الْوَجْه الآخر.
    وَلَمْ يَرَ الحَسَنُ بِالسُّلحَفَاةِ بَأسا

    .......
    109
    وَقَالَ أَبُو حَاتِم: وَأَبُو جحادب شيخ الجنادب وسيدها، وَقَالَ ابْن خالويه لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب للجراد اسْم أغرب من العصفود، وللجراد نَيف وَسِتُّونَ اسْما فَذكرهَا وَصفَة الْجَرَاد عَجِيبَة فِيهَا صفة عشرَة من الْحَيَوَانَات وَذكر بَعْضهَا ابْن الشهرزوري فِي قَوْله:
    (لَهَا فخذا بكر وساقا نعَامَة ... وقادمتا نسر وجوءجوء ضيغم)
    (حبتها أفاعي الرمل بَطنا وأنعمت ... عَلَيْهَا جِيَاد الْخَيل بِالرَّأْسِ والفم)

    وَفَاته: عين الْفِيل وعنق الثور وَقرن الْإِبِل وذنب الْحَيَّة، وَاخْتلف فِي أَصله فَقيل: نثرة حوت، ورد فِي حَدِيث ضَعِيف أخرجه ابْن مَاجَه عَن أنس رَفعه بِأَن الْجَرَاد نثرة حوت من الْبَحْر، وَقيل: إِنَّه بري، وَقيل: هُوَ صنفان أَحدهمَا يطير فِي الْهَوَاء يُقَال لَهُ الْفَارِس، وَالْآخر ينزو نَزْوًا يُقَال لَهُ: الراجل، وَله سِتَّة أرجل، إِذا كَانَ أَيَّام الرّبيع وَأَرَادَ أَن يبيض التمس الأَرْض الصلبة والصخرة الصلدة الَّتِي لَا تعْمل فِيهَا المعاول فيضربه بِيَدِهِ فينفرج فيلقي فِيهَا بيضه ويلقي كل وَاحِد مائَة بَيْضَة ويطير وَيَتْرُكهَا فَإِذا أَتَى أَيَّام الرّبيع واعتدل الزَّمَان وينشق ذَلِك الْبيض فَيظْهر مثل الذَّر الصغار فيسيح على وَجه الأَرْض وَيَأْكُل زَرعهَا حَتَّى يُقَوي فينهض إِلَى أَرض أُخْرَى ويبيض كَمَا فعل فِي الْعَام الأول، وآفتها الطير وَالْبرد، وَأجْمع الْعلمَاء على جَوَاز أكله بِغَيْر تذكية إلاَّ أَن الْمَشْهُور عِنْد الْمَالِكِيَّة اشْتِرَاط تذكيته، وَاخْتلفُوا فِي صفتهَا فَقيل: يقطع رَأسه. وَقَالَ ابْن وهب: أَخذه ذَكَاته، وَعَن مَالك إِذا أَخذه حَيا ثمَّ قطع رَأسه أَو شواء أَو قلاه فَلَا بَأْس بِأَكْلِهِ، وَمَا أَخذه حَيا فَغَفَلَ عَنهُ حَتَّى مَاتَ لَا يُؤْكَل، وَذكر الطَّحَاوِيّ فِي (كتاب الصَّيْد) أَن أَبَا حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قيل لَهُ أَرَأَيْت الْجَرَاد هُوَ عنْدك بِمَنْزِلَة السّمك من أصَاب مِنْهُ شَيْئا أكله سمى أَو لم يسم؟ قَالَ: نعم. قلت: وأينما وجدت الْجَرَاد آكله؟ قَالَ: نعم. قلت: وَإِن وجدته مَيتا على الأَرْض؟ قَالَ: نعم. قلت: وَإِن أَصَابَهُ مطر فقلته؟ قَالَ: نعم. لَا يحرم الْجَرَاد شَيْء على حَال.

    ........
    110
    حدَّثنا أبُو الوَلِيد حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ أبِي يَعْفُورِ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ أبِي أوْفَى، رَضِيَ الله عَنْهُما. قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَبْعَ غَزَوَاتٍ. أوْ سِتّا كُنَّا نَأكُلُ مَعَهُ الجَرَادَ.
    وَأَبُو يَعْفُور بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الْفَاء وبالواو وبالراء متصرفا اسْمه وقدان بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْقَاف وبالدال الْمُهْملَة وبالنون، وَيُقَال: اسْمه وَاقد، ووقدان لقبه، وَكَذَا قَالَه مُسلم وَهُوَ الْأَكْبَر وَلَهُم أَبُو يَعْفُور الْأَصْغَر اسْمه عبد الرَّحْمَن بن عبيد وَكِلَاهُمَا ثِقَة من أهل الْكُوفَة. وَلَيْسَ للأكبر فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر تقدم فِي الصَّلَاة فِي أَبْوَاب الرُّكُوع من صفة الصَّلَاة، وَجزم النَّوَوِيّ بِأَنَّهُ الْأَصْغَر هُنَا. وَتبع فِي ذَلِك ابْن الْعَرَبِيّ وَغَيره، وَالصَّوَاب أَنه الْأَكْبَر، وَبِه جزم الكلاباذي، وَالَّذِي يرجح كَلَامه جزم التِّرْمِذِيّ بعد تَخْرِيجه هَذَا الحَدِيث بِأَن رَاوِي حَدِيث الْجَرَاد هُوَ الَّذِي اسْمه وَاقد، وَيُقَال: وقدان، وَهَذَا هُوَ الْأَكْبَر، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا أَن ابْن أبي حَاتِم جزم فِي تَرْجَمَة الْأَصْغَر بِأَنَّهُ لم يسمع من عبد الله بن أبي أوفى، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: رَحمَه الله، أَبُو يَعْفُور الْأَصْغَر لم يسمع من أحد من الصَّحَابَة، وَأَبُو يَعْفُور الْأَكْبَر سمع من جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم ابْن عمر وَأنس وَعبد الله بن أبي أوفي، وَمَات سنة عشْرين وَمِائَة، وَاسم أبي أوفى عَلْقَمَة بن خَالِد الْأَسْلَمِيّ.
    ...........
    111
    وَهَذَا الحَدِيث يدل على جَوَاز أكل الْجَرَاد قَالُوا أكل الْجَرَاد حَلَال بِالْإِجْمَاع، وَخَصه ابْن الْعَرَبِيّ بِغَيْر جَراد الأندلس لما فِيهِ من الضَّرَر الْمَحْض، وَعَن الْمَالِكِيَّة فِي الْمَشْهُور خِلَافه ووردت أَحَادِيث أُخْرَى بِأَكْلِهِ.
    وَمِنْهَا حَدِيث ابْن عمر أخرجه ابْن مَاجَه من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: أحلّت لنا ميتَتَانِ الْحُوت وَالْجَرَاد. كَذَا رَوَاهُ فِي أَبْوَاب الصَّيْد ثمَّ رَوَاهُ فِي أَبْوَاب الْأَطْعِمَة وَزَاد فِيهِ وَدَمَانِ: الكبد وَالطحَال، وَعبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم ضَعِيف ضعفه يحيى بن معِين وَغَيره.
    ......
    111
    ووردت أَحَادِيث أُخْرَى بِالْوَقْفِ وبالمنع. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي ّ من حَدِيث زَيْنَب بنت منجل، وَيُقَال: منخل عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زجر صبياننا عَن الْجَرَاد وَكَانُوا يَأْكُلُونَهُ قَالَ أَبُو الْحسن: وَالصَّوَاب أَنه مَوْقُوف. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن سُلَيْمَان سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْجَرَاد فَقَالَ: لَا أحله وَلَا أحرمهُ. قَالَ: وَقد رُوِيَ مُرْسلا وروى ابْن أبي عَاصِم من حَدِيث بَقِيَّة: حَدثنِي نمير ابْن يزِيد حَدثنِي أبي أَنه سمع صدي بن عجلَان يحدث أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِن مَرْيَم بنت عمرَان، عَلَيْهَا السَّلَام، سَأَلت رَبهَا عز وَجل أَن يطْعمهَا لَحْمًا لَا دم لَهُ، فأطعمها الْجَرَاد فَقَالَت: اللَّهُمَّ أنعشه بِغَيْر رضَاع وتابع بَينه وَبَين بنيه بِغَيْر شياع،
    ..........
    120
    وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: مَا أعْجَزَكَ مِنَ البَهَائِمِ مِمَّا فِي يَدَيْكَ فَهُوَ كَالصَّيْدِ وَفِي بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ مِنْ حَيْثُ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَذَكِّهِ}
    هَذَانِ أثران معلقان، وصل الأول ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عِكْرِمَة عَنهُ بِهَذَا قَالَ: فَهُوَ بِمَنْزِلَة الصَّيْد، وَوصل الثَّانِي عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة عَنهُ قَالَ: إِذا وَقع الْبَعِير فِي الْبِئْر فاطعنه من قبل خاصرته وَاذْكُر اسْم الله وكل. قَوْله: (مِمَّا فِي يَديك) أَي: مِمَّا كَانَ لَك، وَفِي تصرفك وعجزت عَن ذبحه الْمَعْهُود.
    {وَرَأي ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ}
    ذَلِك إِشَارَة إِلَى مَا ذكر من أَن حكم الْبَهِيمَة الَّتِي تند مثل حكم الْحَيَوَان الوحشي، فَرَأى ذَلِك عَليّ بن أبي طَالب، وَعبد الله بن عمر وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم،
    .......121
    121
    قَالَ ابْن التِّين: الأَصْل فِي الْإِبِل النَّحْر، وَفِي الشَّاة وَنَحْوهَا الذّبْح، وَأما الْبَقر فجَاء فِي الْقُرْآن ذكر ذَبحهَا وَفِي السّنة ذكر نحرها، وَاخْتلف فِي نحر مَا يذبح وَذبح مَا ينْحَر، فَأَجَازَهُ الْجُمْهُور وَمنعه ابْن الْقَاسِم، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: رُوِيَ عَن أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَمَالك وَالشَّافِعِيّ جَوَاز ذَلِك إلاَّ أَنه يكره، وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: لَا يكره وَهُوَ قَول عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة وَقَالَ أَشهب: إِن ذبح بَعِيرًا من غير ضَرُورَة لَا يُؤْكَل.
    .....
    122
    وَاخْتلف الْعلمَاء فِي اشْتِرَاط قطع الْأَوْدَاج كلهَا فعندنا أَن قطع الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة حل الْأكل وَإِن قطع أَكْثَرهَا فَكَذَلِك عِنْد أبي حنيفَة. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا بُد من قطع الْحُلْقُوم والمريء وَأحد الودجين حَتَّى لَو قطع بعض الْحُلْقُوم أَو المريء لم يحل، هَكَذَا ذكر الْقَدُورِيّ الإختلاف فِي (مُخْتَصره) وَالْمَشْهُور فِي كتب مَشَايِخنَا أَن هَذَا قَول أبي يُوسُف وَحده، وَالْحَاصِل أَن عِنْد أبي حنيفَة: إِذا قطع الثَّلَاث أَي: ثَلَاث كَانَ من الْأَرْبَعَة جَازَ وَعَن أبي يُوسُف ثَلَاث رِوَايَات: إِحْدَاهَا: هَذِه. وَالثَّانيَِة: اشْتِرَاط قطع الْحُلْقُوم مَعَ الآخرين. وَالثَّالِثَة: اشْتِرَاط قطع الْحُلْقُوم والمري وَأحد الودجين وَعَن مُحَمَّد: يعْتَبر أَكثر كل فَرد، يَعْنِي: أَكثر كل وَاحِد من الْأَرْبَعَة، وَفِي (وجيز الشَّافِعِيَّة) يعْتَبر قطع الْحُلْقُوم والمريء دون الآخرين، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَعَن الاصطخري يَكْفِي قطع الْحُلْقُوم أَو المريء وَفِي (الْحِلْية) هَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي وَخلاف الْإِجْمَاع، وَعَن الثَّوْريّ: إِن قطع الودجان أَجْزَأَ وَلَو لم يَقع الْحُلْقُوم والمري، وَعَن مَالك وَاللَّيْث يشْتَرط قطع الودجين والحلقوم فَقَط.
    وَقَالَ ابنُ عُمَرَ وَابنُ عَبَّاسٍ وَأنَسٌ: إذَا قَطَعَ الرَّأْسَ فَلا بَأْسَ}
    أثر ابْن عمر وَصله أَبُو مُوسَى الزَّمن من رِوَايَة أبي مجَاز: سَأَلت ابْن عمر عَن ذَبِيحَة قطع رَأسهَا؟ فَأمر ابْن عمر بأكلها وَأثر ابْن عَبَّاس وَصله ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس سَأَلَ عَن ذبح دجَاجَة طير رَأسهَا. فَقَالَ: ذَكَاة وحية بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف أَي: شَرِيعَة منسوبة إِلَى الوحاء وَهُوَ الْإِسْرَاع والعجلة، وَأثر أنس بن مَالك وَصله أَبُو بكر بن أبي شيبَة من طَرِيق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس أَن جزارا لأنس ذبح دجَاجَة فاضطربت فذبحها من قفاها فأطار رَأسهَا فأرادوا طرحها فَأَمرهمْ أنس بأكله
    وَقَالَ بعض الْعلمَاء: حكم الْخَيل فِي الذَّكَاة حكم الْبَقر يُرِيد أَنَّهَا تنحر وتذبح وَأَن الْأَحْسَن فِيهَا الذّبْح.

    .........
    وَأخرج الْعقيلِيّ فِي (الضُّعَفَاء) من طَرِيق الْحسن عَن سَمُرَة. قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن تصبر الْبَهِيمَة وَأَن يُؤْكَل لَحمهَا إِذا صبرت وَقَالَ الْعقيلِيّ: جَاءَ فِي النَّهْي عَن صَبر الْبَهِيمَة أَحَادِيث جيادا وَأما النَّهْي عَن أكلهَا فَلَا يعرف إلاَّ فِي هَذَا. وَقَالَ شَيخنَا فِي (شرح التِّرْمِذِيّ) فِيهِ تَحْرِيم أكل المصبورة لِأَنَّهُ قتل مَقْدُور عَلَيْهِ بِغَيْر ذَكَاة شَرْعِيَّة. قلت: إِن أدْركْت وذكيت فَلَا بَأْس كَمَا فِي الْمَقْتُول بالبندقة.
    ......
    127
    جَوَاز أكل لحم الدَّجَاج، وَفِي (التَّوْضِيح) قَامَ الْإِجْمَاع على حلّه، وَهُوَ من رَقِيق المطاعم وناعمها، وَمن كره ذَلِك من المتقشفين من الزهاد فَلَا عِبْرَة بكراهته، وَقد أكل مِنْهَا سيد الزهاد وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن تكون جلالة وروى الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ لَا يأكلها حَتَّى يقصرها أَيَّامًا. وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل بيض الدَّجَاجَة قصرهَا ثَلَاثَة أَيَّام وَقَالَ أَبُو حنيفَة الدَّجَاجَة تخلط وَالْجَلالَة لَا تَأْكُل غير الْعذرَة وَهِي الَّتِي تكره: وَزعم ابْن حزم أَن الْجَلالَة من ذَوَات الْأَرْبَع خَاصَّة وَلَا يُسمى الطير والدجاجة جلالة وَقَالَ ابْن بطال: وَالْعُلَمَاء مجمعون على جَوَاز أكل الْجَلالَة. وَقد سُئِلَ سَحْنُون عَن خروف أَرْضَعَتْه خنزيرة فَقَالَ: لَا بَأْس بِأَكْلِهِ وَقَالَ الطَّبَرِيّ: وَالْعُلَمَاء مجمعون على أَن جملا أَو جديا غذي بِلَبن كلبة أَو خنزيرة غير حرَام أكله. وَلَا خلاف أَن ألبان الْخَنَازِير نَجِسَة كالعذرة وَالله تَعَالَى أعلم.
    .....
    133
    (الْبَحْر) ، صفة لِابْنِ عَبَّاس سمي بِهِ لسعة علمه وَيُرَاد بِهِ: بَحر الْعلم وَقَالَ بَعضهم: هُوَ من تَقْدِيم الصّفة على الْمَوْصُوف مُبَالغَة فِي تَعْظِيم الْمَوْصُوف. قلت: لَا تتقدم الصّفة على الْمَوْصُوف.
    ......
    وفقهاء الْأَمْصَار مجمعون على تَحْرِيم الْحمر الْأَهْلِيَّة إلاَّ أَنه رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه أَبَاحَ أكلهَا، وَرُوِيَ مثله عَن عَائِشَة وَالشعْبِيّ.
    وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: اخْتلف فِي تَحْرِيم الْحمر على أَرْبَعَة أَقْوَال: الأول: حرمت شرعا. الثَّانِي: حرمت لِأَنَّهَا كَانَت جوال الْقرى. أَي: تَأْكُل الجلة وَهِي النَّجَاسَة. وَالثَّالِث: أَنَّهَا كَانَت حمولة الْقَوْم. الرَّابِع: أَنَّهَا حرمت لِأَنَّهَا أفنيت قبل الْقِسْمَة. فَمنع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن أكلهَا حَتَّى تقسم. قلت: ذكر الطَّحَاوِيّ هَذِه الْأَقْوَال فَأخْرج فِي القَوْل الأول: عَن اثْنَي عشر نَفرا من الصَّحَابَة فِي تَحْرِيم أكل الْحمر الْأَهْلِيَّة من غير قيد، وَقد ذَكَرْنَاهُمْ فِي (شرحنا لمعاني الْآثَار) وَأخرج فِي القَوْل الثَّانِي: عَن ابْن مَرْزُوق عَن وهب عَن شُعْبَة عَن الشَّيْبَانِيّ، قَالَ: ذكرت لسَعِيد بن جُبَير حَدِيث ابْن أبي أوفى فِي أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إيَّاهُم بإكفاء الْقُدُور يَوْم خَيْبَر، فَقَالَ: إِنَّمَا نهى عَنْهَا لِأَنَّهَا كَانَت تَأْكُل الْعذرَة. وَأخرج فِي القَوْل الثَّالِث: من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس: مَا نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم خَيْبَر عَن أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة إلاَّ من أجل أَنَّهَا ظهر وَأخرج فِي القَوْل الرَّابِع: من حَدِيث عدي بن ثَابت عَن الْبَراء أَنهم أَصَابُوا من الْفَيْء حمرا فذبحوها فَفِيهِ أَنَّهَا كَانَت نهبة وَلم تكن قسمت.

    >>>>>>>>
    132
    وَاخْتلف الْعلمَاء فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث فَذهب الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَن النَّهْي فِيهِ للتَّحْرِيم، وَلَا يُؤْكَل ذُو الناب من السبَاع وَلَا ذُو المخلب من الطير، وَاسْتثنى الشَّافِعِي مِنْهُ الضبع والثعلب خَاصَّة لِأَن نابهما ضَعِيف. قلت: هَذَا التَّعْلِيل فِي مُقَابلَة النَّص فَهُوَ فَاسد. وَقَالَ ابْن الْقصار: حمل النَّهْي فِي هَذَا الحَدِيث على الْكَرَاهَة عِنْد مَالك، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن السبَاع لَيست بمحرمة كالخنزير لاخْتِلَاف الصَّحَابَة فِيهَا، وَقد رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه أجَاز أكل الضبع. وَأخرجه الْحَاكِم من حَدِيث جَابر. وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَهُوَ ذُو نَاب فَدلَّ بِهَذَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَرَادَ بِتَحْرِيم كل ذِي نَاب من السبَاع الْكَرَاهَة وَالْحَاصِل فِي هَذَا الْبَاب أَن عَطاء بن أبي رَبَاح ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق أباحوا أكل الضبع وَهُوَ مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْأَوْزَاعِي ّ وَالثَّوْري وَعبد الله بن الْمُبَارك وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: لَا يُؤْكَل الضبع وحجتهم فِيهِ الحَدِيث الْمَذْكُور، فَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ يتَنَاوَل كل ذِي نَاب والضبع ذُو نَاب. وَحَدِيث جَابر لَيْسَ بِمَشْهُور، وَهُوَ مُحَلل وَالْمحرم يقْضِي على الْمُبِيح احْتِيَاطًا وَقيل: حَدِيث جَابر مَنْسُوخ، وَوَجهه أَن طلب المخلص عَن التَّعَارُض فِي الْأَحَادِيث بِوُجُوه مِنْهَا طلب المخلص بِدلَالَة التَّارِيخ والتعارض ظَاهر بَين الْحَدِيثين، وَدلَالَة التَّارِيخ فِيهِ أَن النَّص الْمحرم ثَابت من حَيْثُ الظَّاهِر فَيكون مُتَأَخِّرًا عَن الْمُبِيح، فالأخذ بِهِ يكون أولى، وَلَا يَجْعَل الْمُبِيح مُتَأَخِّرًا لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ إِثْبَات النّسخ مرَّتَيْنِ فَلَا يجوز. وَقيل: حَدِيث جَابر انْفَرد بِهِ عبد الرَّحْمَن بن أبي عمار وَلَيْسَ بِمَشْهُور بِنَقْل الْعلم وَلَا هُوَ حجَّة إِذا انْفَرد فَكيف إِذا خَالفه من هُوَ أثبت مِنْهُ.
    .....
    133
    احْتج جُمْهُور الْفُقَهَاء وأئمة الْفَتْوَى على جَوَاز الِانْتِفَاع بجلد الْميتَة بعد الدّباغ، وَذكر ابْن الْقصار أَنه آخر قَول مَالك، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَرُوِيَ عَن ابْن شهَاب أَنه أَبَاحَ الِانْتِفَاع بهَا قبل الدّباغ مَعَ كَونهَا نَجِسَة وَأما أَحْمد فَذهب إِلَى تَحْرِيم الْجلد وَتَحْرِيم الِانْتِفَاع بِهِ قبل الدّباغ وَبعده وَاحْتج بِحَدِيث عبد الله بن عكيم قَالَ: أَتَانَا كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قبل مَوته: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب، أخرجه الشَّافِعِي وَأحمد وَالْأَرْبَعَة وَصَححهُ ابْن حبَان وَحسنه التِّرْمِذِيّ، وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي دَاوُد قبل مَوته بِشَهْر، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: كَانَ أَحْمد يذهب إِلَيْهِ، وَيَقُول هَذَا آخر الْأَمر ثمَّ تَركه لما اضْطر بوافي إِسْنَاده، وَكَذَا قَالَ الْجلَال نَحوه، ورد ابْن حبَان على من ادّعى فِيهِ الِاضْطِرَاب. وَقَالَ: سمع ابْن عكيم الْكتاب يقْرَأ وسَمعه من مَشَايِخ جُهَيْنَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا اضْطِرَاب، وَأعله بَعضهم بالانقطاع وَهُوَ مَرْدُود، وَبَعْضهمْ بِكَوْنِهِ كتابا وَلَيْسَ بعلة قادحة وَبَعْضهمْ بِأَن ابْن أبي ليلى راوية عَن ابْن عكيم لم يسمعهُ مِنْهُ. لما وَقع عِنْد أبي دَاوُد عَنهُ أَنه انْطلق وأناس مَعَه إِلَى عبد الله بن عكيم قَالَ: فَدَخَلُوا وَقَعَدت على الْبَاب، فَخَرجُوا إِلَيّ فَأَخْبرُونِي، فَهَذَا يَقْتَضِي أَن فِي السَّنَد من لم يسم وَلَكِن صَحَّ بتصريح عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى بِسَمَاعِهِ من ابْن عكيم فَلَا أثر لهَذِهِ الْعلَّة أَيْضا. وَالْجَوَاب الصَّحِيح عَنهُ أَن حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور من الصِّحَاح، وَإنَّهُ سَماع، وَحَدِيث ابْن عكيم كِتَابَة فَلَا يُقَاوم ذَلِك لما فِي الْكِتَابَة من شُبْهَة الِانْقِطَاع. قلت: وَذكر فِيهِ أَيْضا من الْعِلَل الِاخْتِلَاف فِي صُحْبَة ابْن عكيم، فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره: لَا صُحْبَة لَهُ فَهُوَ مُرْسل. فَإِن قلت: روى الطَّبَرِيّ فِي (تَهْذِيب الْآثَار) من حَدِيث جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا تنتفعوا من الميتتة بِشَيْء وروى أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينْتَفع من الْميتَة بإهاب وروى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نهى عَن جُلُود السبَاع أَن تفترش. قلت: فِي رُوَاة حَدِيث جَابر زَمعَة وَهُوَ مِمَّن لَا يعْتَمد على نَقله وَفِي عَامَّة إِسْنَاد حَدِيث ابْن عمر مَجَاهِيل لَا يعْرفُونَ. وَأما النَّهْي عَن جُلُود السبَاع فقد قيل: إِنَّهَا كَانَت تسْتَعْمل قبل الدّباغ.
    ........
    134
    قال البخاري
    حدَّثنا خَطَّابُ بنُ عُثْمانَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرٍ عَنْ ثَابِتِ بنِ عَجْلانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ، رَضِيَ الله عَنْهُما يَقُولُ: مَرَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَعَنْزٍ مَيِّتَةٍ. فَقَالَ: مَا عَلَى أهْلِها لَوْ انُتَفَعُوا بِإهابِها.
    وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة كلهم شَامِيُّونَ حمصيون مَا لَهُم فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، إلاَّ مُحَمَّد بن حمير فَلهُ حَدِيث آخر سبق فِي الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة فَإِن قلت: هَؤُلَاءِ مُتَكَلم فيهم، فَكيف وَضعه البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) أما خطاب فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِي ّ: رُبمَا أَخطَأ وَأما مُحَمَّد بن حمير فَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم لَا يحْتَج بِهِ وَأما ثَابت فَقَالَ أَحْمد أَنا أتوقف فِيهِ. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع فِي حَدِيثه؟ قلت: قَالَ بَعضهم: إنّ هَؤُلَاءِ من المتابعات لَا من الْأُصُول وَالْأَصْل فِيهِ الَّذِي قبله انْتهى. وَهَذَا غير كَاف للرَّدّ وَلَكِن نقُول: أما خطاب فَإِنَّهُ كَانَ يعد من الأبدال، وَذكره ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) وَوَثَّقَهُ أَيْضا الدَّارَقُطْنِي ّ مَعَ قَوْله: رُبمَا أَخطَأ. وَأما مُحَمَّد بن حمير، فَعَن يحيى ودحيم ثِقَة وَعَن النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس وروى لَهُ. وَأما ثَابت فقد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث، وَلما ذكره الْعقيلِيّ فِي (الضُّعَفَاء) أنكر عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان.
    والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الذَّبَائِح عَن سَلمَة بن أَحْمد بن عُثْمَان الفوزي عَن جده لأمه خطاب بن عُثْمَان بِهِ
    ............
    135
    قَالَ النَّوَوِيّ: أَجمعُوا على أَن الْمسك طَاهِر يجوز اسْتِعْمَاله فِي الْبدن وَالثَّوْب وَيجوز بَيْعه، وَحكى ابْن التِّين عَن ابْن شعْبَان من الْمَالِكِيَّة أَن فَأْرَة الْمسك إِنَّمَا تُؤْخَذ فِي حَال الْحَيَاة أَو بِذَكَاة من لَا تصح ذَكَاته من الْكَفَرَة وَهِي مَعَ ذَلِك مَحْكُوم بطهارتها لَا يَسْتَحِيل عَن كَونهَا دَمًا حَتَّى تصير مسكان كَمَا يَسْتَحِيل فِي حَال الدَّم إِلَى اللَّحْم فيطهر وَيحل أكله، وَلَيْسَت بحيوان حَتَّى يُقَال: تنجست بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء يحدث بِالْحَيَوَانِ كالبيض.
    وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على طَهَارَة الْمسك إِلَّا مَا حكى عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من كَرَاهَته، وَهَكَذَا حكى ابْن الْمُنْذر عَن جمَاعَة ثمَّ قَالَ: وَلَا يَصح الْمَنْع فِيهِ إلاَّ عَن عَطاء بِنَاء على أَنه جُزْء مُنْفَصِل، وَقَالَ أَصْحَابنَا: الْمسك حَلَال للرِّجَال وللنساء وَفِي (التَّوْضِيح) قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَمِمَّنْ أجَاز الِانْتِفَاع بالمسك عَليّ بن أبي طَالب وَابْن عمر وَأنس وسلمان الْفَارِسِي، وَمن التَّابِعين: سعيد بن الْمسيب وَابْن سِيرِين وَجَابِر بن زيد، وَمن الْفُقَهَاء مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَخَالف ذَلِك آخَرُونَ، وَذكر ابْن أبي شيبَة عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كره الْمسك، وَقَالَ: لَا تحنطوني بِهِ وَكَرِهَهُ عمر بن عبد الْعَزِيز وَعَطَاء وَالْحسن وَمُجاهد وَالضَّحَّاك وَقَالَ أَكْثَرهم لَا يصلح للحي وَلَا للْمَيت، وَهُوَ عِنْدهم بِمَنْزِلَة مَا قطع من الْميتَة وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا يَصح ذَلِك إلاَّ عَن عَطاء، وَهَذَا قِيَاس غير صَحِيح، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا: أطيب طيبكم الْمسك، وَهَذَا نَص قَاطع للْخلاف. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَقد روينَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِإِسْنَاد جيد أَنه كَانَ لَهُ مسك يتطيب بِهِ.
    .....
    لَيْسَ للصحابي فَضِيلَة أفضل من فَضِيلَة الصُّحْبَة، وَلِهَذَا سموا بالصحابة مَعَ أَنهم عُلَمَاء كرماء شجعاء إِلَى تَمام فضائلهم.
    ......
    135
    قَالَ الجاحظ: لَا يُقَال الأرنب إلاَّ للْأُنْثَى، وَيُقَال الأرنب شَدِيدَة الْجُبْن كَثِيرَة الشبق وَإِنَّهَا تكون سنة ذكر أَو سنة أُنْثَى، وَأَنَّهَا تحيض، وَإِنَّهَا تنام مَفْتُوحَة الْعين انْتهى
    ..........
    136
    وَاخْتلفُوا فِيهِ فعامة الْعلمَاء على جَوَاز أكل الأرنب وَكَرِهَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ وَابْنه وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَعِكْرِمَة، وَحكى الرَّافِعِيّ عَن أبي حنيفَة أَنه حرمهَا وغلطه النَّوَوِيّ فِي النَّقْل عَن أبي حنيفَة. قلت: هَذَا جدير بالتغليظ فَإِن أَصْحَابنَا قَالُوا: لَا خلاف فِيهِ لأحد من الْعلمَاء قَالَ الْكَرْخِي: وَلم يرَوا جَمِيعًا بَأْسا بِأَكْل الأرنب، وَأَنه لَيْسَ من السبَاع وَلَا من أَكلَة الْجِيَف.
    وَرويت فِيهِ أَحَادِيث وأخبار كَثِيرَة. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة الشّعبِيّ عَن جَابر بن عبد الله أَن رجلا من قومه صَاد أرنبا أَو ثِنْتَيْنِ فذبحهما بمروة فقطعهما حَتَّى لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلَهُ فَأمره بأكلهما وَانْفَرَدَ التِّرْمِذِيّ بِهِ. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث الشّعبِيّ عَن مُحَمَّد بن صَيْفِي قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بأرنبين فذبحتهما بمروة فَأمرنِي بأكلهما. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث عمار قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأهدى إِلَيْهِ رجل من الْأَعْرَاب أرنبا فأكلناه. فَقَالَ الْأَعرَابِي: إِنِّي رَأَيْت بهَا دَمًا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا بَأْس) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي ّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن عَائِشَة. قَالَت: أهدي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أرنب وَأَنا نَائِمَة فخبا لي مِنْهَا الْعَجز فَلَمَّا قُمْت أَطْعمنِي، وَفِي سَنَده زيد بن عِيَاض وَهُوَ ضَعِيف. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة حَدثنَا وَكِيع عَن إِبْرَاهِيم أَن رجلا سَأَلَ عبد الله بن عُمَيْر عَن الأرنب؟ فَقَالَ: لَا بَأْس بهَا قَالَ: إِنَّهَا تحيض؟ قَالَ: إِن الَّذِي يعلم حَيْضهَا يعلم طهرهَا، وَإِنَّمَا هِيَ حاملة من الْحَوَامِل وَعَن ابْن الْمسيب عَن سعد أَنه كَانَ يأكلها. قيل لسعد: مَا تَقول؟ قَالَ: كنت آكلها وَعَن عبيد بن سعد أَن بِلَالًا رأى أرنبا فذبحها فَأكلهَا وَعَن الْحسن أَنه كَانَ لَا يرى يأكلها بَأْسا وَقَالَ طَاوُوس: الأرنب حَلَال. وَقَالَ حسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: أَنا أعافها وَلَا أحرمهَا على الْمُسلمين وَقَالَ ابْن حزم: وَصَحَّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى بأرنب مشوية فَلم يَأْكُل مِنْهَا. وَأمر الْقَوْم بأكلها. وَأما مَا رَوَاهُ عِكْرِمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَتَى بأرنب فَقيل لَهُ: إِنَّهَا تحيض فكرهها فمرسل، وَمَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن إِبْرَاهِيم بن عمر عَن عبد الْكَرِيم بن أُميَّة قَالَ: سَأَلَ جرير بن أنس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الأرنب فَقَالَ: لَا آكلها انبئت أَنَّهَا تحيض. فَقَالَ ابْن حزم: أَبُو أُميَّة هَالك، وَذكر حَمْزَة الْأَصْبَهَانِي ّ أَن الْجِنّ تهرب من لعب الأرنب، وَذَلِكَ أَن الأرنب لَيست من مطايا الْجِنّ لِأَنَّهَا تحيض.
    ......
    136
    أَحَادِيث كَثِيرَة بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة عَن رجال شَتَّى من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، لم يصحح أحد مِنْهُم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تَحْرِيمهَا، وَأكْثر من روى أَنه أمسك عَن أكلهَا عيافة، وَقد وضع الطَّحَاوِيّ بَابا للضباب فروى أَولا حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن حَسَنَة، قَالَ: نزلنَا أَرضًا كَثِيرَة الضباب فأصابتنا مجاعَة فطبخنا مِنْهَا، وَإِن الْقُدُور لتغلي بهَا إِذْ جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْنَا: ضباب أصبناها فَقَالَ: إِن أمة من بني إِسْرَائِيل مسخت دَوَاب فِي الأَرْض وَإِنِّي أخْشَى أَن تكون هَذِه وَإِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ ابْن حزم: حَدِيث صَحِيح إلاَّ أَنه مَنْسُوخ بِلَا شكّ. ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: ذهب قوم إِلَى تَحْرِيم لُحُوم الضباب، وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيث. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ الْأَعْمَش وَزيد بن وهب وَآخَرين. ثمَّ قَالَ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ فَلم يرَوا بهَا بَأْسا. قلت: أَرَادَ بالآخرين هَؤُلَاءِ عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَسَعِيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَبِه قَالَت الظَّاهِرِيَّة، ثمَّ قَالَ: وَقد كره قوم أكل الضَّب مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد. ثمَّ قَالَ: الْأَصَح عِنْد أَصْحَابنَا أَن الْكَرَاهَة كَرَاهَة تَنْزِيه لَا كَرَاهَة تَحْرِيم لتظاهر الْأَحَادِيث الصِّحَاح بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحرَام.
    .,....
    139
    وَفِي (التَّوْضِيح) الوسم فِي الصُّورَة مَكْرُوه عِنْد الْعلمَاء كَمَا قَالَه ابْن بطال. وَعِنْدنَا أَنه حرَام، وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مر على حمَار قد وسم فِي وَجهه فَقَالَ: لعن الله الَّذِي وسمه، وَإِنَّمَا كرهوه لشرف الْوَجْه وَحُصُول الشين فِيهِ وتغيير خلق الله، وَأما الوسم فِي غير الْوَجْه للعلامة وَالْمَنْفَعَة بذلك فَلَا بَأْس إِذا كَانَ يَسِيرا غير شائن أَلا ترى أَنه يجوز فِي الضَّحَايَا وَغَيرهَا؟ وَالدَّلِيل على أَنه لَا يجوز الشائن من ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حكم على أَن من شان عَبده أَو مثل بِهِ باستئصال أنف أَو أذن أَو جارحة عتقه عَلَيْهِ، وَأَن يعْتق إِن جرحه أَو يشق أُذُنه، وَقد وسم الشَّارِع إبل الْأُضْحِية، وَقد تقدم وسم الْبَهَائِم فِي: بَاب وسم الإِمَام إبل الصَّدَقَة فِي كتاب الزَّكَاة.
    .........
    عَمْرو بن مُحَمَّد الْكُوفِي الْعَنْقَزِي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْقَاف بعْدهَا زَاي نِسْبَة إِلَى بيع العنقز. قَالَه ابْن حبَان وَوَثَّقَهُ أَيْضا والعنقز المرزنجوش. وَقيل: الريحان وَفِي (ديوَان الْأَدَب) العنقز المردكوش. قلت: المرزنجوش مُعرب مردكوش وَهُوَ نبت مَشْهُور
    .....
    الأضحية
    (ومعروف) ، الْمَعْرُوف اسْم جَامع لكل مَا عرف من طَاعَة الله عز وَجل والتقرب إِلَيْهِ وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس وَلكُل مَا ندب إِلَيْهِ الشَّرْع وَنهى عَنهُ من المحسنات والمقبحات، وَهُوَ من الصِّفَات الْغَالِبَة أَي: أَمر مَعْرُوف بَين النَّاس إِذا رَأَوْهُ لَا ينكرونه.

    .......
    148
    (ضحى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَزوَاجه) وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَن نِسَائِهِ. قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا مَحْمُول على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، استأذنهن فِي ذَلِك، فَإِن تضحية الْإِنْسَان عَن غَيره لَا تجوز إِلَّا بِإِذْنِهِ.
    ......
    153
    أَن الإِمَام يَنْبَغِي لَهُ أَن يفرق الضَّحَايَا على من لَا يقدر عَلَيْهَا من بَيت مَال الْمُسلمين وَقَالَ ابْن بطال إِن كَانَ قسمتهَا بَين الْأَغْنِيَاء فَهِيَ من الْفَيْء وَإِن كَانَ خص بهَا الْفُقَرَاء فَهِيَ من الزَّكَاة
    ........
    153
    ووردت أَحَادِيث كَثِيرَة تدل على الْوُجُوب مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة عَن ابْن عون عَن أبي رَملَة حَدثنَا محفف من سليم قَالَ كُنَّا وقوفاً مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَات فَقَالَ (يَا أَيهَا النَّاس على كل أهل بَيت فِي كل عَام أضحاة وعتيرة) الحَدِيث قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن غَرِيب فَإِن قلت قَالَ عبد الْحق إِسْنَاده ضَعِيف وَقَالَ ابْن الْقطَّان وعلته الْجَهْل بِحَال أبي رَملَة واسْمه عَامر فَلَا يعرف إِلَّا بِهَذَا يرْوى عَنهُ ابْن عون قلت تَحْسِين التِّرْمِذِيّ إِيَّاه يكفى للاستدلال بِهِ على الْوُجُوب ومحفف بن سليم بن الْحَارِث الْأَزْدِيّ الغامدي روى هَذَا الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكره أَبُو نعيم فِي تَارِيخ اصبهان أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اسْتَعْملهُ على أَصْبَهَان وَنزل الْكُوفَة وَأَبُو رَملَة ذكره أَبُو دَاوُد مُصَرحًا باسمه عَامر
    ..........
    154
    {وَأمَرَ أبُو مُوسَى بَناتِهِ أنْ يُضَحِّينَ بِأيْدِيهِنَّ}
    لَا مُطَابقَة لهَذِهِ التَّرْجَمَة بل بَينهمَا مباينة. وَكَانَ مَحَله فِي الْبَاب الَّذِي قبله على مَا لَا يخفى. وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ وَوصل هَذَا التَّعْلِيق الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من طَرِيق الْمسيب بن رَافع أَن أَبَا مُوسَى كَانَ يَأْمر بَنَاته أَن يذبحن نسائكهن بأيديهن، وَسَنَده صَحِيح وَفِيه: أَن ذبح النِّسَاء نسائكهن يجوز إِذا كن يحسنَّ الذّبْح.
    .....
    161
    وَقَالَ ابْن التِّين: لم يخْتَلف الْمَذْهَب أَن الْأكل غير وَاجِب، خلاف مَا ذكره القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَن بعض النَّاس أَنه وَاجِب، وَقَالَ ابْن حزم: فرض على كل مضح أَن يَأْكُل من أضحيته وَلَو لقْمَة فَصَاعِدا.
    .........
    162
    وَالْجَوَاب عَن أثر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه مَحْمُول على أَن السّنة الَّتِي خطب فِيهَا عَليّ كَانَ بِالنَّاسِ فِيهَا جهد كَمَا وَقع فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِذَلِك أجَاب ابْن حزم فَقَالَ: إِنَّمَا خطب عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِالْمَدِينَةِ فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَ عُثْمَان حوصر فِيهِ وَكَانَ أهل الْبَوَادِي قد ألجأتهم الْفِتْنَة إِلَى الْمَدِينَة فَأَصَابَهُمْ الْجهد، فَلذَلِك قَالَ عَليّ مَا قَالَ، وَيُؤَيّد صِحَة هَذَا أَن الطَّحَاوِيّ أخرج من طَرِيق اللَّيْث
    واحاديث النسخ
    قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِنِّي كنت نَهَيْتُكُمْ عَن لُحُوم الْأَضَاحِي أَن تؤخروها فَوق ثَلَاثَة أَيَّام فادخروها مَا بدا لكم) . وَأخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث ربيعَة بن النَّابِغَة عَن أَبِيه عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن زِيَارَة الْقُبُور الحَدِيث، وَفِي آخِره: نَهَيْتُكُمْ عَن لُحُوم الْأَضَاحِي أَن تحبسوها بعد ثَلَاث فاحبسوا مَا بدا لكم قَالَ الذَّهَبِيّ: ربيعَة بن النَّابِغَة عَن أَبِيه عَن عَليّ فِي الْأُضْحِية لم يَصح، وَقَالَ ابْن حبَان: ربيعَة روى عَن أَبِيه عَن عَليّ، وعداده فِي أهل الْكُوفَة وَهُوَ ثِقَة، ثمَّ وفْق الطَّحَاوِيّ بَين الرِّوَايَتَيْن ِ المتنافيتين بِمَا ذَكرْنَاهُ الْآن بقولنَا وَالْجَوَاب عَن أثر عَليّ، رَضِي الله عَنهُ.

    وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ، لم يبلغ النَّهْي عليا وَلَا عبد الله بن وَاقد وَلَو بلغهما مَا حَدثا بِالنَّهْي، وَالنَّهْي مَنْسُوخ، بِكُل حَال، وَالله أعلم.
    .........
    كتاب الأشربة
    (وَكَانَ الْخمر الْعَتِيق من الإسف ... ط ممزوجة مَاء زلال)
    وَذكرهَا حَيْثُ قَالَ: الْعَتِيق لإِرَادَة الشَّرَاب، وَلها أَسمَاء كَثِيرَة وَذكر صَاحب (التَّلْوِيح) مَا يناهز تسعين اسْما، وَذكر ابْن المعتز مائَة وَعشْرين اسْما وَذكر ابْن دحْيَة مائَة وَتِسْعين أسما قَوْله: (وَالْميسر) الغمار، وَعَن عَطاء وَمُجاهد وطاووس كل شَيْء من الْقمَار فَهُوَ الميسر حَتَّى لعب الصّبيان بالجوز، وَقَالَ رَاشد بن سعيد وَحَمْزَة بن حبيب: حَتَّى الكعاب والجوز وَالْبيض الَّتِي يلْعَب بهَا الصّبيان وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : الميسر الْقمَار مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعلهمَا،
    .........
    166
    (بابٌ الخَمْرُ مِنَ العِنَبِ)
    يمشي على مَذْهَب أبي حنيفَة، فَإِن مذْهبه: الْخمر هِيَ مَاء الْعِنَب إِذا غلا وَاشْتَدَّ وَقذف بالزبد، وَالْخمر من غير الْعِنَب لَا يُسمى خمرًا حَقِيقَة، وعَلى مَذْهَب غَيره لَا يُرَاد مِنْهُ الْحصْر، وَإِن كَانَت صورته صُورَة الْحصْر كَمَا فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: الْخمر من هَاتين الشجرتين النَّخْلَة والعنبة، رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِن ظَاهره يَقْتَضِي أَن ينْحَصر الْخمر على هَاتين الشجرتين، لِأَن قَوْله: الْخمر اسْم للْجِنْس فاستوعب بذلك جَمِيع مَا يُسمى خمرًا، فَانْتفى بذلك أَن يكون الْخَارِج مِنْهُمَا أَن يُسمى باسم الْخمر، مَعَ أَنه ورد فِي حَدِيث ابْن عمر: نزل تَحْرِيم الْخمر: وَهِي من خَمْسَة أَشْيَاء: الْعِنَب وَالتَّمْر وَالْحِنْطَة وَالشعِير وَالْعَسَل، على مَا يَجِيء عَن قريب، فَإِن كَانَ الْأَمر كَذَلِك يؤل الحَدِيث. وَقد أولوه بتأويلات.

    وَالثَّالِث: أَن يكون المُرَاد كَون الْخمر من هَاتين الشجرتين وَإِن كَانَت مُخْتَلفَة، وَلَكِن المُرَاد من الْعِنَب هُوَ الَّذِي يفهم مِنْهُ الْخمر حَقِيقَة، وَلِهَذَا يُسمى خمرًا سَوَاء كَانَ قَلِيلا أَو كثيرا، أسكر أَو لم يسكر، أَو يكون المُرَاد من التَّمْر مَا يكون مُسكرا فَلَا يكون غير الْمُسكر مِنْهُ دَاخِلا فِيهِ، وَكَذَا الْكَلَام فِي كل مَا جَاءَ من إِطْلَاق الْخمر على غير الْعِنَب. فَإِن قلت: كل مَا أسكر يُطلق عَلَيْهِ أَنه خمر، أَلا ترى حَدِيث ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: كل مُسكر خمر، وكل مُسكر حرَام. قلت: الْمَعْنى فِي هَذَا الْخَبَر وَفِيمَا جَاءَ مثله من الْأَخْبَار أَنه يُسمى خمرًا حَالَة وجود السكر دون غَيره، بِخِلَاف مَاء الْعِنَب المشتد فَإِنَّهُ خمر سَوَاء أسكر أَو لم يسكر، وَالدَّلِيل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: الْخمر مَا خامر الْعقل، على مَا يَجِيء عَن قريب، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُسمى خمرًا عِنْد مخامرته الْعقل، بِخِلَاف مَاء الْعِنَب المشتد، وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام، فَإِنِّي مَا رَأَيْت أحدا من الشُّرَّاح حرر هَذَا الْموضع، بل أَكْثَرهم غضوا عَنهُ عيونهم، غير أَنِّي رَأَيْت فِي (شرح ابْن بطال) كَذَا ذكر بَاب الْخمر من الْعِنَب وَغَيره، فَإِن صَحَّ هَذَا من البُخَارِيّ فَلَا يحْتَاج إِلَى كَلَام أصلا وإلاَّ فالمخلص فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ مِمَّا فتح لنا من الْفَيْض الإلهي، فَلهُ الشُّكْر والْمنَّة
    فِي (التَّوْضِيح) فِي هَذَا الحَدِيث، وَفِي الَّذِي بعده رد على الْكُوفِيّين فِي قَوْلهم: إِن الْخمر من الْعِنَب خَاصَّة، وَإِن كل شراب يتَّخذ من غَيره فَغير محرم مَا دون الْمُسكر مِنْهُ.
    ...........
    وَقَالَ ابْن محيريز: سَمِعت أَبَا مُوسَى يخْطب على مِنْبَر الْبَصْرَة: أَلا إِن خمر أهل الْمَدِينَة الْبُسْر وَالتَّمْر، وخمر أهل فَارس الْعِنَب، وخمر أهل الْيمن البتع، وخمر الْحَبَش السكركة وَهُوَ الْأرز.
    وَقَالَ مَعْنٌ: سألْتُ مالِكَ بنَ أنَسٍ عنِ الفُقَّاعِ؟ فَقَالَ: إِذا لَمْ يُسْكِرْ فَلاَ بأسَ، وَقَالَ ابنُ الدَّرَاوَردْيّ ِ سألْنا عَنْهُ فَقَالُوا: لَا يُسْكِرُ لَا بَأْس بهِ.
    ............
    170
    صَّحَابَة اخْتلفُوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا فَروِيَ عَن عُبَيْدَة أَنه قَالَ: حفظت عَن عمر رَضِي الله عَنهُ فِي الْجد سبعين قَضِيَّة كلهَا يُخَالف بَعْضهَا بَعْضًا، وَعَن عمر أَنه جمع الصَّحَابَة ليجتمعوا فِي الْجد على قَول، فَسَقَطت حَيَّة من السّقف فَتَفَرَّقُوا، فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ أَبى الله إلاَّ أَن يَخْتَلِفُوا فِي الْجد، وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: من أَرَادَ أَن يفتح جراثيم جَهَنَّم فليقض فِي الْجد، يُرِيد أُصُولهَا، والجراثيم جمع جرثومة وَهِي الأَصْل. وَقَالَ أَبُو بكر وَابْن الزبير وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَأَبُو مُوسَى رَضِي الله عَنْهُم: هُوَ يحجب الْأُخوة. وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة،
    ..........
    175
    ي ثَلَاث مَوَاضِع يَقُول: قَالَ هِشَام بن عمار فِي الْأَشْرِبَة هَذَا، وَفِي الْمَغَازِي: إِن النَّاس كَانُوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم الْحُدَيْبِيَة تفَرقُوا فِي ظلال شجر، وَفِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تكن مثل فلَان، كَانَ يقوم اللَّيْل، فَفِي هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة لَا يَقُول: حَدثنَا وَلَا أخبرنَا، وَالظَّاهِر أَنه أَخذ هَذَا الحَدِيث عَن هِشَام هَذَا مذاكرة.
    والْحَدِيث صَحِيح وَإِن كَانَت صورته صُورَة التَّعْلِيق، وَقد تقرر عِنْد الْحفاظ أَن الَّذِي يَأْتِي بِهِ البُخَارِيّ من التَّعَالِيق كلهَا بِصِيغَة الْجَزْم يكون صَحِيحا إِلَى من علقه عَنهُ، وَلَو لم يكن من شبوخه. فَإِن قلت: قَالَ ابْن حزم: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع فِيمَا بَين البُخَارِيّ وَصدقَة بن خَالِد والمنقطع لَا تقوم بِهِ حجَّة. قلت: وهم ابْن حزم فِي هَذَا، فَالْبُخَارِي إِنَّمَا قَالَ: قَالَ هِشَام بن عمار: حَدثنَا صَدَقَة وَلم يقل: قَالَ صَدَقَة بن خَالِد. قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) وليته أعله بِصَدقَة فَإِن يحيى قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْء، رَوَاهُ ابْن الْجُنَيْد عَنهُ، وروى الْمروزِي عَن أَحْمد: لَيْسَ بِمُسْتَقِيم وَلم يرضه. قلت: هَذَا تمنٍ غير مرجو فِيهِ، المُرَاد فَإِن عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ عَن أَبِيه، فَقِيه ثِقَة لَيْسَ بِهِ بَأْس، أثبت من الْوَلِيد بن مُسلم صَالح الحَدِيث. وَقَالَ دُحَيْم وَالْعجلِي وَمُحَمّد بن سعد وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم: ثِقَة، وروى عَن يحيى أَيْضا، وَذهل صَاحب (التَّوْضِيح) وَظن أَنه الْمَنْقُول عَن أَحْمد وَيحيى فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك فِي صَدَقَة بن عبد السمين وَهُوَ أقدم من صَدَقَة بن خَالِد، وَقد شَاركهُ فِي كَونه دمشقياً، وَفِي رِوَايَة عَن بعض شُيُوخه كزيد بن وَاقد وَهُوَ صَدَقَة بن خَالِد الْقرشِي الْأمَوِي أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي مولى أم الْبَنِينَ أُخْت مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان. قَالَه البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم، وَقيل: مولى أم الْبَنِينَ أُخْت عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ قَالَه هِشَام بن عمار الرَّاوِي عَنهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث
    ..........
    177
    وَقَالَ ابْن بطال: المسخ فِي حكم الْجَوَاز فِي هَذِه الْأمة إِن لم يأتِ خبر يُهْلِكهُمْ يرفع جَوَازه، وَقد وَردت أَحَادِيث بَيِّنَة الْأَسَانِيد أَنه يكون فِي هَذِه الْأمة خسف ومسخ، وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث أَن الْقُرْآن يرفع من الصُّدُور، وَأَن الْخُشُوع وَالْأَمَانَة ينزعان مِنْهُم، وَلَا مسخ أَكثر من هَذَا، وَقد يكون الحَدِيث على ظَاهره فيمسخ الله من أَرَادَ تَعْجِيل عُقُوبَته، كَمَا أهلك قوما بالخسف، وَقد رَأينَا ذَلِك عيَانًا، فَكَذَلِك المسخ يكون، وَزعم
    لْخطابِيّ أَن الْخَسْف وَالْمَسْخ يكونَانِ فِي هَذِه الْأمة كَسَائِر الْأُمَم، خلافًا لمن زعم أَن ذَلِك لَا يكون، وَإِنَّمَا مسخها بقلوبها، وَفِي كتاب سعيد بن مَنْصُور: حَدثنَا أَبُو دَاوُد وَسليمَان بن سَالم الْبَصْرِيّ حَدثنَا حسان بن سِنَان عَن رجل عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ: يمسخ قوم من أمتِي آخر الزَّمَان قردة وَخَنَازِير، قَالُوا: يَا رَسُول الله! وَيشْهدُونَ أَنَّك رَسُول الله وَأَن لَا إِلَه إِلَّا الله؟ قَالَ: نعم، وَيصلونَ وَيَصُومُونَ ويحجون. قَالُوا: فَمَا بالهم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: اتَّخذُوا المعازف والقينات والدفوف وَيَشْرَبُونَ هَذِه الْأَشْرِبَة فَبَاتُوا على لهوهم وشرابهم فَأَصْبحُوا قردة وَخَنَازِير، وَلما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إلاَّ من هَذَا الْوَجْه، وَفِي (النَّوَادِر) لِلتِّرْمِذِي: حَدثنَا عَمْرو بن أبي عمر حَدثنَا هِشَام بن خَالِد الدِّمَشْقِي عَن اسماعيل بن عَيَّاش عَن أَبِيه عَن ابْن سابط عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تكون فِي أمتِي فزعة، فَيصير النَّاس إِلَى عُلَمَائهمْ، فَإِذا هم قردة وَخَنَازِير
    ............
    183
    وَسُئِلَ الشَّافِعِي عَن رجل شرب خليطين مُسكرا فَقَالَ: هَذَا بِمَنْزِلَة رجل أكل لحم خِنْزِير ميت، فَهُوَ حرَام من جِهَتَيْنِ: الْخِنْزِير حرَام، وَالْميتَة حرَام، وَالسكر حرَام.

    ..........
    وَالْخَامِس: أَنه لَا كَرَاهَة فِي شَيْء من ذَلِك، وَلَا بَأْس بِهِ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف: قَالَ النَّوَوِيّ: أنكر عَلَيْهِ الْجُمْهُور، وَقَالُوا: هَذِه منابذة لصَاحب الشَّرْع، فقد ثبتَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة فِي النَّهْي عَنهُ، فَإِن لم يكن حَرَامًا كَانَ مَكْرُوها. قلت: هَذِه جرْأَة شنيعة على إِمَام أجل من ذَلِك، وَأَبُو حنيفَة لم يكن قَالَ ذَلِك بِرَأْيهِ، وَإِنَّمَا مُسْتَنده فِي ذَلِك أَحَادِيث مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عبد الله الْحَرْبِيّ عَن مسعر عَن مُوسَى بن عبد الله عَن امْرَأَة من بني أَسد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ ينْبذ لَهُ زبيب فيلقي فِيهِ تمر، أَو تمر فَيلقى فِيهِ زبيب، وروى أَيْضا عَن زِيَاد الحساني: حَدثنَا أَبُو بَحر حَدثنَا عتاب بن عبد الْعَزِيز حَدَّثتنِي صَفِيَّة بنت عَطِيَّة قَالَت: دخلت مَعَ نسْوَة من عبد الْقَيْس على عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا، فسألنا عَن التَّمْر وَالزَّبِيب، فَقَالَت: كنت أَخذ قَبْضَة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه فِي الْإِنَاء فأمرسه ثمَّ أسقيه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروى مُحَمَّد بن الْحسن فِي (كتاب الْآثَار) أخبرنَا أَبُو حنيفَة عَن ابْني إِسْحَاق وَسليمَان الشَّيْبَانِيّ عَن ابْن زِيَاد: أَنه أفطر عِنْد عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَسَقَاهُ شرابًا فَكَأَنَّهُ أَخذ مِنْهُ، فَلَمَّا أصبح غَدا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الشَّرَاب؟ مَا كدت أهتدي إِلَى منزلي. فَقَالَ ابْن عمر: مَا زدناك على عَجْوَة وزبيب. فَإِن قلت: قَالَ ابْن حزم: فِي الحَدِيث الأول لأبي دَاوُد امْرَأَة لم تسم، وَفِي الثَّانِي أَبُو بَحر لَا يدْرِي من هُوَ عَن عتاب، وَهُوَ مَجْهُول عَن صَفِيَّة وَلَا يدْرِي من هِيَ؟ قلت: هَذِه ثَلَاثَة أَحَادِيث بشد بَعْضهَا بَعْضًا على أَن ابْن عدي قَالَ: أَبُو بَحر مَشْهُور مَعْرُوف وَله أَحَادِيث غرائب عَن شُعْبَة وَغَيره من الْبَصرِيين، وَهُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه،
    ........
    وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس: أَن الدَّابَّة إِذا أكلت الْعلف واستقل فِي كرشها فَكَانَ أَسْفَله فرثاً وأوسطه لَبَنًا وَأَعلاهُ دَمًا، والكبد مسلطة عَلَيْهِ فتقسم الدَّم وتجريه فِي الْعُرُوق وتجري اللَّبن فِي الضَّرع وَيبقى الفرث فِي الكرش وَحده.
    ......
    191
    وَقَالَ ابْن بطال: أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي كَرَاهَة الشّرْب قَائِما لم تصح عِنْده، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ بجيد، بل إِذا تَعَارَضَت عِنْده الْأَحَادِيث لَا يتَعَرَّض إِلَى الحكم.
    .......

  12. #292
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    ختم وانتقاء الفوائد من " عمدة القاري " للحافظ العيني رحمه الله
    اليوم : الثلاثاء
    الموافق : 13/ شوال / 1442 هجري
    الموافق : 25/ مايو / 2021 ميلادي

    " تابع /

    كتاب الأشربة
    (وَكَانَ الْخمر الْعَتِيق من الإسف ... ط ممزوجة مَاء زلال)
    وَذكرهَا حَيْثُ قَالَ: الْعَتِيق لإِرَادَة الشَّرَاب، وَلها أَسمَاء كَثِيرَة وَذكر صَاحب (التَّلْوِيح) مَا يناهز تسعين اسْما، وَذكر ابْن المعتز مائَة وَعشْرين اسْما وَذكر ابْن دحْيَة مائَة وَتِسْعين أسما قَوْله: (وَالْميسر) الغمار، وَعَن عَطاء وَمُجاهد وطاووس كل شَيْء من الْقمَار فَهُوَ الميسر حَتَّى لعب الصّبيان بالجوز، وَقَالَ رَاشد بن سعيد وَحَمْزَة بن حبيب: حَتَّى الكعاب والجوز وَالْبيض الَّتِي يلْعَب بهَا الصّبيان وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : الميسر الْقمَار مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعلهمَا،
    .........
    200
    وَاخْتلفُوا: هَل يجوز الشّرْب بِنَفس وَاحِد؟ فَروِيَ عَن ابْن الْمسيب وَعَطَاء بن أبي رَبَاح أَنَّهُمَا أجازاه بِنَفس وَاحِد، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وطاووس وَعِكْرِمَة كَرَاهَة الشّرْب بِنَفس وَاحِد، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ شرب الشَّيْطَان، وَقَالَ الْأَثْرَم: هَذِه الْأَحَادِيث فِي ظَاهرهَا مُخْتَلفَة وَالْوَجْه فِيهَا عندنَا أَنه يجوز الشّرْب بِنَفس وباثنين وبثلاثة وبأكثر مِنْهَا، لِأَن اخْتِلَاف الرِّوَايَة فِي ذَلِك يدل على التسهيل فِيهِ، وَإِن اخْتَار الثَّلَاث فَحسن
    ................
    201
    الْمَدَائِنِ) وَهِي مَدِينَة عَظِيمَة على دجلة بَينهَا وَبَين بَغْدَاد سَبْعَة فراسخ، وَكَانَت مسكن مُلُوك الْفرس، وَبهَا إيوَان كسْرَى الْمَشْهُور، وَكَانَ فتحهَا على يَد سعد بن أبي وَقاص فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله عَنهُ، سنة عشر. وَقيل قبل ذَلِك، وَكَانَ حُذَيْفَة عَاملا عَلَيْهَا فِي خلَافَة عمر ثمَّ عُثْمَان إِلَى أَن مَاتَ بعد قتل عُثْمَان سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ فِي أول خلَافَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
    ........
    204
    وَذكر فِيهِ أَن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قدحاً كَانَ عِنْد أنس، على مَا يَأْتِي الْآن، وَذكروا أَيْضا أَنه كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قدح يُقَال لَهُ: الريان، وَآخر يُقَال لَهُ: المغيث، وَآخر مضبب بِثَلَاث ضبات من فضَّة، وَقيل: من حَدِيد، وَفِيه حَلقَة يعلق بهَا أَصْغَر من الْمَدّ وَأكْثر من نصف الْمَدّ. وَعَن عَاصِم قَالَ: رَأَيْت عِنْد أنس قدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِيهِ ضبة من فضَّة، رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: وَكَانَ قد انصدع فسلسله من فضَّة، قَالَ: وَهُوَ قدح عريض من نضار، والقدح الَّذِي يشرب بِهِ الفسقة مَعْلُوم بَين النَّاس أَنه من زجاج وَمن بلور وَمن فضَّة وَنَحْوهَا، وَكَانَت أقداح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلهَا من جنس الْخشب، فَإِن قلت: روى الْبَزَّار من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن الْمُقَوْقس أهْدى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدح قَوَارِير فَكَانَ يشرب مِنْهُ؟ قلت: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، وَلَئِن سلمنَا صِحَّته فَنَقُول: لم يكن شرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ مثل شرب غَيره من المترفين، وَلَا شرابه مثل شرابهم.
    ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
    (بابُ الشُّرْبِ منْ قَدَحِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وآنِيَتِهِ)

    أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة دفع توهم من يَقع فِي خياله أَن الشّرْب فِي قدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد وَفَاته تصرف فِي ملك الْغَيْر بِغَيْر إِذن، فَبين أَن السّلف كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُورث وَمَا تَركه فَهُوَ صَدَقَة، وَلَا يُقَال: إِن الْأَغْنِيَاء كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك، وَالصَّدَََقَة لَا تحل للغني لِأَن الْجَواب: أَن الْمُمْتَنع على الْأَغْنِيَاء من الصَّدَقَة هُوَ الْمَفْرُوض مِنْهَا، وَهَذَا لَيْسَ من الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة. قلت: الْأَحْسَن أَن يُقَال: إِنَّمَا كَانُوا يشربون من قدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأجل التَّبَرُّك بِهِ، أما فِي حَيَاته فَلَا نزاع فِيهِ، وَأما بعد مَوته فَكَذَلِك للتبرك بِهِ، وَلَا يُقَال: إِن من كَانَ عِنْده شَيْء من ذَلِك أَنه استولى عَلَيْهِ بِغَيْر وَجه شَرْعِي، أَلا ترى أَنه كَانَ عِنْد أنس قدح، وَعند سهل قدح، وَعند عبد الله بن سَلام آخر؟ وَكَانَت جبته عِنْد أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَلَا يُقَال: إِنَّهُم حازوا هَذِه الْأَشْيَاء بِغَيْر وَجه شَرْعِي.
    .......
    213
    بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث زيد بن الأرقم، قَالَ: عادني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من زوج كَانَ بعيني. فَإِن قلت: روى الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِي ّ مَرْفُوعا: ثَلَاثَة لَيْسَ لَهُم عِيَادَة: الْعين والدمل والضرس. قلت: صَحِيح الْبَيْهَقِيّ أَنه مَوْقُوف على يحيى بن أبي كثير، ويستدل بِعُمُوم الحَدِيث أَيْضا على عدم التَّقْيِيد بِزَمَان يمْضِي من ابْتِدَاء مَرضه، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَجزم الْغَزالِيّ فِي (الْإِحْيَاء) بِأَنَّهُ لَا يُعَاد إلاَّ بعد ثَلَاث، وَأسْندَ إِلَى حَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه عَن أنس: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا يعود مَرِيضا إلاَّ بعد ثَلَاث. قلت: هَذَا ضَعِيف جدا تفرد بِهِ مسلمة بن عَليّ وَهُوَ مَتْرُوك، وَقد سُئِلَ عَنهُ أَبُو حَاتِم فَقَالَ: هُوَ حَدِيث بَاطِل. فَإِن قلت: لحَدِيث أنس هَذَا شَاهد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) . قلت: فِيهِ راوٍ مَتْرُوك أَيْضا، ويستدل بِإِطْلَاق الحَدِيث أَيْضا على أَن العيادة لَا تقيد بِوَقْت دون وَقت، لَكِن جرت الْعَادة بهَا فِي طرفِي النَّهَار، وَترْجم البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب الْمُفْرد) : العيادة فِي اللَّيْل......
    .......
    214
    من يحصل لَهُ صرع بِسَبَب الرّيح، أَي: الرّيح الَّتِي تحتبس فِي مناقد الدِّمَاغ وتمنع الْأَعْضَاء الرئيسية عَن انفعالها منعا غير تَامّ، أَو بخار يرْتَفع إِلَيْهِ من بعض الْأَعْضَاء، وَالرِّيح هُوَ مَا يكون منشأ للصرع وَسَببه: شدَّة تعرض فِي بطُون الدِّمَاغ، وَفِي مجاري الأعصاب المحركة، وَسبب الزّبد غلظ الرُّطُوبَة وَالرِّيح وَقد يكون الصرع من الْجِنّ وَلَا يَقع إلاَّ من النُّفُوس الخبيثة مِنْهُم، وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس: صرع الْجِنّ للإنس قد يكون عَن شَهْوَة وَهوى وعشق، كَمَا يتَّفق للإنس مَعَ الْإِنْس، وَقد يتناكح الْإِنْس وَالْجِنّ ويولد بَينهمَا ولد، وَقد يكون عَن بغض ومجازاة مثل أَن يؤذيهم بعض النَّاس أَو يَبُول على بَعضهم أَو يصب مَاء حاراً وَيقتل بَعضهم، وَإِن كَانَ الْإِنْس لَا يعرف ذَلِك، وَأنكر طَائِفَة من الْمُعْتَزلَة كالجبائي وَأبي بكر الرَّازِيّ وَمُحَمّد بن زَكَرِيَّاء الطَّبِيب وَآخَرُونَ دُخُول الْجِنّ فِي بدن المصروع، وأحالوا وجود روحين فِي جَسَد مَعَ إقرارهم بِوُجُود الْجِنّ، وَهَذَا خطأ، وَذكر أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي (مقالات أهل السّنة وَالْجَمَاعَة) أَنهم يَقُولُونَ: إِن الْجِنّ يدْخل فِي بدن المصروع كَمَا قَالَ لله عز وَجل: {الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا أَلا يقومُونَ إلاَّ كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس} (الْبَقَرَة: 275) وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل: قلت لأبي: إِن قوما يَقُولُونَ: إِن الْجِنّ لَا تدخل فِي بدن الْإِنْس، فَقَالَ: يَا بني! يكذبُون، هُوَ ذَا يتَكَلَّم على لِسَانه، وَفِي حَدِيث أم أبان الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أخرج عَدو الله، وَكَذَا فِي حَدِيث أُسَامَة بن زيد: أخرج يَا عَدو الله فَإِنِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار: أجسامهم كالهواء فَلَا يمْتَنع دُخُولهمْ فِي أبدان الْإِنْس كَمَا يدْخل الرّيح وَالنَّفس المتردد، وَالله أعلم
    ..........
    بُو الدَّرْدَاء لَهُ زوجتان كل مِنْهُمَا تسمى أم الدَّرْدَاء إِحْدَاهمَا: أم الدَّرْدَاء الْكُبْرَى اسْمهَا خيرة بنت أبي حَدْرَد اسْمه عبد الله الْأَسْلَمِيّ كَانَت صحابية من فضلاء النِّسَاء وعقلائهن، مَاتَت بِالشَّام فِي خلَافَة عُثْمَان قبل أبي الدَّرْدَاء بِسنتَيْنِ، وَالْأُخْرَى: أم الدَّرْدَاء الصُّغْرَى اسْمهَا هجيمة بنت حييّ الوصابية، وَقَالَ أَبُو عمر: لَا أعلم لَهَا خَبرا يدل على صُحْبَة أَو رُؤْيَة، وَمن خَبَرهَا أَن مُعَاوِيَة خطبهَا بعد أبي الدَّرْدَاء فَأَبت أَن تتزوجه، فأيتهما الَّتِي عَادَتْ رجلا من أهل الْمَسْجِد من الْأَنْصَار؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن المرادة هَهُنَا الْكُبْرَى، وَقيل: لَيْسَ كَذَلِك بل هِيَ الصُّغْرَى، لِأَن الْأَثر الْمَذْكُور أخرجه البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب الْمُفْرد) من طَرِيق الْحَارِث بن عبيد وَهُوَ شَامي تَابِعِيّ صَغِير لم يلْحق أم الدَّرْدَاء الْكُبْرَى فَإِنَّهَا مَاتَت قبل موت أبي الدَّرْدَاء فِي خلَافَة عُثْمَان، كَمَا قُلْنَا. قَالَ: رَأَيْت أم الدَّرْدَاء على رَاحِلَة أَعْوَاد لَيْسَ لَهَا غشاء تعود رجلا من الْأَنْصَار فِي الْمَسْجِد، وَالصُّغْرَى عاشت إِلَى أَوَاخِر خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان، وَمَاتَتْ فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ بعد الْكُبْرَى بِنَحْوِ خمسين سنة، فَإِن قلت: قد جعل ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم وَأَبُو مسْهر، خيرة وهجمية وَاحِدَة. قلت: قَالُوا: هَذَا وهم وَالصَّحِيح أَنَّهُمَا ثِنْتَانِ كَمَا ذكرنَا، ولي فِيهِ تَأمل لَا يخفى.
    .......
    218
    وَأَبُو طَالب عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْمه: عبد منَاف.
    ......
    220
    شَارَ بِهَذَا إِلَى الرَّد على من زعم من الصُّوفِيَّة أَن الدُّعَاء لكشف الْبلَاء يقْدَح فِي الرضى وَالتَّسْلِيم. قلت: المذموم هُوَ الشكوى إِلَى الْخلق، أما إِلَى الْخَالِق فَلَا، وَلَقَد شكى الْأَلَم والوجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَصْحَابه وَجَمَاعَة مِمَّن يقْتَدى بهم، رُوِيَ أَن الْحسن الْبَصْرِيّ دخل عَلَيْهِ أَصْحَابه وَهُوَ يشكو ضرسه، فَقَالَ: رب مسني الضّر وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ، وَلَا أحد من بني آدم إلاَّ وَهُوَ يألم من الوجع ويشتكي من الْمَرَض إلاَّ أَن المذموم من ذَلِك ذكره للنَّاس تضجراً وتسخطاً، وَأما من أخبر بِهِ إخوانه ليدعوا لَهُ بالشفاء والعافية وَأَن أنينه وتأوهه استراحة فَلَيْسَ ذَلِك بشكوى، وَجزم أَبُو الطّيب وَابْن الصّباغ وَجَمَاعَة من الشَّافِعِيَّة أَن أَنِين الْمَرِيض وتأوهه مَكْرُوه، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا ضَعِيف أَو بَاطِل، فَإِن الْمَكْرُوه مَا ثَبت فِيهِ نهي مَقْصُود، وَهَذَا لم يثبت فِيهِ ذَلِك، وَاحْتج بِحَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب.
    ,........
    225
    ودعا عمر بن الْخطاب وَعمر بن عبد الْعَزِيز بِالْمَوْتِ، وردَّ بِأَن هَؤُلَاءِ إِنَّمَا سَأَلُوا مَا قَارن الْمَوْت، فَالْمُرَاد بذلك ألحقنا بدرجاتهم، وَحَدِيث عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ معمر عَن عَليّ بن زيد، وَهُوَ ضَعِيف
    .......
    227
    (وَمذهب أهل السّنة) أَنه لَا يثبت بِالْعقلِ ثَوَاب وَلَا عِقَاب بل ثبوتهما بالشريعة، حَتَّى لَو عذب الله تَعَالَى جَمِيع الْمُؤمنِينَ كَانَ عدلا، وَلكنه أخبر بِأَنَّهُ لَا يفعل بل يغْفر للْمُؤْمِنين ويعذب الْكَافرين. (والمعتزلة) يثبتون بِالْعقلِ الثَّوَاب وَالْعِقَاب ويجعلون الطَّاعَة سَببا للثَّواب مُوجبَة لَهُ، وَالْمَعْصِيَة سَببا للعقاب مُوجبَة لَهُ. والْحَدِيث يرد عَلَيْهِم.
    ..........
    230
    الطب على قسمَيْنِ. أَحدهمَا: الْعلم. وَالثَّانِي: الْعَمَل.
    وَالْعلم هُوَ معرفَة حَقِيقَة الْغَرَض الْمَقْصُود وَهُوَ مَوْضُوع فِي الْفِكر الَّذِي يكون بِهِ التَّدْبِير، وَالْعَمَل: هُوَ خُرُوج ذَلِك الْمَوْضُوع فِي الْفِكر إِلَى الْمُبَاشرَة بالحس وَالْعَمَل بِالْيَدِ.
    وَالْعلم يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام. أَحدهَا: الْعلم بالأمور الطبيعية. وَالثَّانِي: الْعلم بالأمور الَّتِي لَيست بطبيعية. وَالثَّالِث: الْعلم بالأمور الْخَارِجَة عَن الْأَمر الطبيعي، وَالْمَرَض هُوَ خُرُوج الْجِسْم عَن المجرى الطبيعي والمداواة رده إِلَيْهِ، وَحفظ الصِّحَّة بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ،
    قَالَه الْقُرْطُبِيّ: والشفاء مَمْدُود. والْحَدِيث لَيْسَ على عُمُومه، وَاسْتثنى مِنْهُ الْهَرم وَالْمَوْت وَفِيه إِبَاحَة التَّدَاوِي وَجَوَاز الطِّبّ، وَهُوَ رد على الصُّوفِيَّة أَن الْولَايَة لَا تتمّ إلاَّ إِذا رَضِي بِجَمِيعِ مَا نزل بِهِ من الْبلَاء، وَلَا يجوز لَهُ مداواته، وَهُوَ خلاف مَا أَبَاحَهُ الشَّارِع.

    ...........
    230
    والحجم فِي الْبِلَاد الحارة أنجح من الفصد، والفصد فِي الْبِلَاد الَّتِي لَيست بحارة أنجح من الحجم، وَبَقِيَّة الْأَمْرَاض بالدواء المسهل اللَّائِق بِكُل خلط مِنْهَا.
    .
    ............
    235
    الدَّوَاء بالعسل، وَهُوَ يذكر وَيُؤَنث، وأسماؤه تزيد على الْمِائَة، وَله مَنَافِع كَثِيرَة. يجلي الأوساخ الَّتِي فِي الْعُرُوق والأمعاء، وَيدْفَع الفضلات، وَيغسل خمل الْمعدة ويسخنها تسخيناً معتدلاً، وَيفتح أَفْوَاه الْعُرُوق، ويشد الْمعدة والكبد والكلى والمثانة، وَفِيه تَحْلِيل للرطوبات أكلا وطلاء وتغذية،. وَفِيه حفظ للمعجونات وإذهاب لكيفية الْأَدْوِيَة المستكرهة، وتنقية للكبد والصدر وإدرار الْبَوْل والطمث، ونفع للسعال الْكَائِن من البلغم، ونفع لأَصْحَاب البلاغم والأمزجة الْبَارِدَة، وَإِذا أضيف إِلَيْهِ الْخلّ نفع أَصْحَاب الصَّفْرَاء، ثمَّ هُوَ غذَاء من الأغذية ودواء من الْأَدْوِيَة وشراب من الْأَشْرِبَة وحلوى من الحلاوات وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات، وَمن مَنَافِعه أَنه: إِذا شرب حاراً بدهن الْورْد نفع من نهش الْحَيَوَان، وَإِذا شرب بِمَاء نفع من عضة الْكَلْب الْكَلْب، وَإِذا جعل فِيهِ اللَّحْم الطري حفظ طراوته ثَلَاثَة أشهر، وَكَذَا الْخِيَار والقرع والباذنجان والليمون وَنَحْو ذَلِك من الْفَوَاكِه، وَإِذا لطخ بِهِ الْبدن للقمل قتل الْقمل والصيبان، وَطول الشّعْر وَحسنه ونعمه، وَإِن اكتحل بِهِ جلا ظلمَة الْبَصَر، وَإِن اسْتنَّ بِهِ صقل الْأَسْنَان وَحفظ صِحَّتهَا، وَهُوَ عَجِيب فِي حفظ جثة الْمَوْتَى فَلَا يسْرع إِلَيْهَا الْبلَاء وَهُوَ مَعَ ذَلِك مَأْمُون الغائلة قَلِيل الْمضرَّة، وَلم يكن معول قدماء الْأَطِبَّاء فِي الْأَدْوِيَة المركبة إلاَّ عَلَيْهِ، وَلَا ذكر للسكر فِي أَكثر كتبهمْ أصلا، وَهُوَ فِي أَكثر الْأَمْرَاض وَالْأَحْوَال أَنْفَع من السكر لِأَنَّهُ مليح ويجلو ويدر ويحلل وَيغسل، وَهَذِه الْأَفْعَال فِي السكر ضَعِيفَة، وَفِي السكر إرخاء الْمعدة وَلَيْسَ ذَلِك فِي الْعَسَل، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب كل يَوْم قدح عسل ممزوجاً بِمَاء على الرِّيق، وَهِي حِكْمَة عَجِيبَة فِي حفظ الصِّحَّة، وَلَا يَعْقِلهَا إلاَّ الْعَالمُونَ، وَكَانَ بعد ذَلِك يتغدى بخبزالشعير مَعَ الْملح أَو الْخلّ وَنَحْوه، ويصابر شطف الْعَيْش وَلَا يضرّهُ لما سبق من شربه الْعَسَل
    ..........
    233
    وَقَالَ النَّوَوِيّ: اعْترض بعض الْمَلَاحِدَة فَقَالَ: الْعَسَل مسهل فَكيف يشفي صَاحب الإسهال؟ وَهَذَا جهل من الْمُعْتَرض، وَهُوَ كَمَا قَالَ بل كذبُوا بِمَا لم يحيطوا بِعِلْمِهِ، فَإِن الإسهال يحصل من أَنْوَاع كَثِيرَة، وَمِنْهَا الإسهال الْحَادِث من الهيضة، وَقد أجمع الْأَطِبَّاء على أَن علاجه بِأَن تتْرك الطبيعة وفعلها، وَإِن احْتَاجَت إِلَى معِين على الإسهال أعينت، فَيحْتَمل أَن يكون إسهاله من الهيضة، وَأمره بِشرب الْعَسَل معاونة إِلَى أَن فنيت الْمَادَّة فَوقف الإسهال، وَقد يكون ذَلِك من بَاب التَّبَرُّك، وَمن دُعَائِهِ وَحسن أَثَره وَلَا يكون ذَلِك حكما عَاما لكل النَّاس، وَقد يكون ذَلِك خارقاً للْعَادَة من جملَة المعجزات، وَقيل: الْمَعْنى: فِيهِ شِفَاء لبَعض النَّاس، وَأولُوا الْآيَة وَحَدِيث أبي سعيد الَّذِي يَأْتِي على الْخُصُوص، وَقَالُوا: الْحجامَة وَشرب الْعَسَل والكي إِنَّمَا هِيَ شِفَاء لبَعض الْأَمْرَاض دون بعض
    ........
    238
    وَقَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: الْعَسَل عِنْد الْأَطِبَّاء أقرب إِلَى أَن يكون دَوَاء لكل دَاء من الْحبَّة السَّوْدَاء، وَمَعَ ذَلِك فَإِن من الْأَمْرَاض مَا لَو شرب صَاحبه الْعَسَل لتأذى بِهِ، وَإِذا كَانَ المُرَاد بقوله: فِي الْعَسَل {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} (النَّحْل: 69) الْأَكْثَر الْأَغْلَب، فَحمل الْحبَّة السَّوْدَاء على ذَلِك أولى، وَقَالَ غَيره: كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصف الدَّوَاء بِحَسب مَا يُشَاهِدهُ من حَال الْمَرِيض، فَلَعَلَّ قَوْله: (فِي الْحبَّة السَّوْدَاء) وَافق مرض من مزاجه بَارِد فَيكون معنى قَوْله: (شِفَاء من كل دَاء) أَي: من هَذَا الْجِنْس الَّذِي وَقع فِيهِ القَوْل، والتخصيص بالحيثية كثير شَائِع. وَقَالَ ابْن أبي حَمْزَة، رَحمَه الله: تكلم نَاس فِي هَذَا الحَدِيث وخصوا عُمُومه وردوه إِلَى قَول أهل الطِّبّ والتجربة، ولإخفاء بغلط قَائِل ذَلِك، وَذَلِكَ لأَنا إِذا صدقنا أهل الطِّبّ ومدار علمهمْ غَالِبا إِنَّا هُوَ على التجربة الَّتِي بناؤها على ظن غَالب فتصديق من لَا ينْطق عَن الْهوى أولى بِالْقبُولِ من كَلَامهم
    .........
    239
    قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: ذكر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَبْعَة أشفية فِي الْقسْط فَسمى مِنْهَا اثْنَيْنِ ووكل بَاقِيهَا إِلَى طلب الْمعرفَة أَو الشُّهْرَة فِيهَا، وَقد عدد الْأَطِبَّاء فِيهَا عدَّة مَنَافِع. فَإِن قلت: إِذا كَانَ فِيهِ كَثْرَة الْمَنَافِع فَمَا وَجه تخصيصها بِسبع؟ قلت: تعْيين السَّبْعَة لما أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علمهَا بِالْوَحْي وتحققها وَأما غَيرهَا من الْمَنَافِع فقد علمت بالتجربة، فَذكر مَا علمه بِالْوَحْي دون غَيره، أَو نقُول: إِنَّمَا فصل مِنْهَا مَا دعت الْحَاجة إِلَيْهِ وَسكت عَن غَيره، كَأَنَّهُ لم يبْعَث لبَيَان تفاصيل الطِّبّ وَلَا ليعلم صَنعته، وَقد ذكر الْأَطِبَّاء من مَنَافِع الْقسْط: أَنه يدر الطمث وَالْبَوْل، وَيقتل ديدان الأمعاء، وَيدْفَع السم وَحمى الرّبع والورد، ويسخن الْمعدة، ويحرك شَهْوَة الْجِمَاع، وَيذْهب الكلف طلاء
    ......
    240
    قَالَ الْكرْمَانِي: غَرَض البُخَارِيّ يَعْنِي: من هَذِه التَّرْجَمَة أَنه لَا كَرَاهَة فِي بعض الْأَيَّام أَو السَّاعَات. قلت: وَقت الْحجامَة فِي أَيَّام الشَّهْر لم يَصح فِيهِ شَيْء عِنْده، فَلذَلِك لم يذكر حَدِيثا وَاحِدًا من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا تعْيين الْوَقْت. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من احْتجم لسبع عشرَة وتسع عشرَة وَإِحْدَى وَعشْرين كَانَ شِفَاء من كل دَاء، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحتجم فِي الأخدعين والكاهل، وَكَانَ يحتجم التِّرْمِذِيّ عشرَة وتسع عشرَة وَإِحْدَى وَعشْرين، وَقَالَ: حَدِيث حسن، وروى أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم العَبْد الْحجام يذهب بِالدَّمِ ويخف الصلب ويجلو عَن الْبَصَر، وَإِن خير مَا تحتجمون فِيهِ يَوْم سَبْعَة عشرَة وَيَوْم تِسْعَة عشر وَيَوْم إِحْدَى وَعشْرين، وروى أَبُو نعيم الْحَافِظ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: الْحجامَة فِي الرَّأْس شِفَاء من سبع: الْجُنُون والجذام والبرص وَالنُّعَاس ووجع الأضراس والصداع والظلمة يجدهَا فِي عينه، وَمن حَدِيث بن عمر بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ يرفعهُ: الْحجامَة تزيد فِي الْحِفْظ وَفِي الْعقل وتزيد الْحَافِظ حفظا، فعلى اسْم الله يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْجُمُعَة وَيَوْم السبت وَيَوْم الْأَحَد وَيَوْم الِاثْنَيْنِ وَيَوْم الثُّلَاثَاء، وَلَا تحتجموا يَوْم الْأَرْبَعَاء، فَمَا ينزل من جُنُون وَلَا جذام وَلَا برص إلاَّ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث سلمى، خَادِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا كَانَ أحد يشتكي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجعاً فِي رَأسه إلاَّ قَالَ: احْتجم، وَلَا وجعاً فِي رجلَيْهِ إلاَّ قَالَ: اخضبهما.
    .....
    241
    كَانُوا قَدِيمًا يُعَالِجُونَ الْتِهَابَاتِ الْحَلْقِ، بِغَمْزِ الْحَلْقِ بِالْأَصَابِعِ، أَوْ بِالْخِرْقَةِ، وَنَحْوِهَا، فَيَطْعَنُونَ بِهَا الْمَوْضِعَ، فَيَتَفَجَّرُ مِنْهُ دَمٌ أَسْوَدُ، وَرُبَّمَا سَبَّبَ قرْحَةً، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ الْخَطَأِ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى الْعِلَاجِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْقُسْطِ الْهِنْدِيِّ.
    .........
    وَقد أخرج الطَّبَرِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن سِيرِين قَالَ: إِذا بلغ الرجل أَرْبَعِينَ سنة لم يحتجم، قَالَ بَعضهم: وَهَذَا مَحْمُول على من لم تتَعَيَّن حَاجته إِلَيْهِ، وعَلى من لم يعْتد بِهِ. قلت: هَذَا أَيْضا يتمشى فِيمَن لَا تتَعَيَّن حَاجته إِلَيْهِ من الشبَّان مِمَّن كَانُوا قبل الْأَرْبَعين، وفيمن لَا يعْتد بِهِ مِنْهُم، وَقيل: الْأَطِبَّاء على خلاف مَا قَالَه ابْن سِيرِين، وَقَالَ ابْن سينا فِي أرجوزته المطولة فِي الفصادة.
    (وَمن يكن تعود الفصاده ... فَلَا يكن يقطع تِلْكَ الْعَادة)
    (لَكِن من قد بلغ الستينا ... وَكَانَ ذَا ضخامة مُبينًا)
    (فافصده فِي سنة مرَّتَيْنِ ... وَلَا تحد فِيهِ عَن الْفَصْلَيْنِ)
    (إِن بلغ السّبْعين فافصد مره ... وَلَا تزد فِيهِ على ذِي الكره)
    (وَإِن يزدْ خمْسا فَفِي العامين ... فِي الباسليق افصده مرَّتَيْنِ)
    (وأمنعه بعد ذَاك كل فصد ... فَإِن ذَاك بالشيوخ مردي)
    ...........
    244
    وَصله الْإِسْمَاعِيلِ يّ قَالَ: حَدثنَا أَبُو يعلى حَدثنَا مُحَمَّد ابْن عبد الله الْأَزْدِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَوَاء فَذكره سَوَاء، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يحتجم فِي أَمَاكِن مُخْتَلفَة لاخْتِلَاف أَسبَاب الْحَاجة إِلَيْهَا، وَرُوِيَ أَن حجمه فِي هامته كَانَ لوجع أَصَابَهُ فِي رَأسه من أكله الطَّعَام المسموم بِخَيْبَر.
    .......
    246
    وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث جَوَاز الرّقية، وَفِي بَعْضهَا النَّهْي. وَالْأَحَادِيث فِي الْقسمَيْنِ كَثِيرَة، وَوجه الْجمع بَينهمَا أَن الرقى يكره مِنْهَا مَا كَانَ بِغَيْر اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَبِغير أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته وَكَلَامه فِي كتبه الْمنزلَة، وَأَن يعْتَقد أَن الرقيا نافعة لَا محَالة فيتكل عَلَيْهَا، وَإِيَّاهَا أَرَادَ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا توكل من استرقى، وَلَا يكره مِنْهَا مَا كَانَ بِخِلَاف ذَلِك كالتعوذ بِالْقُرْآنِ وَأَسْمَاء الله والرقى المروية، وَقَالَ أَيْضا: معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا رقية إلاَّ من عين أَو حمة، لَا رقية أولى وأنفع، وَهَذَا كَمَا قيل: لَا فَتى إِلَّا عَليّ، وَقد أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير وَاحِد من الصَّحَابَة بالرقية، وَسمع بِجَمَاعَة يرقون فَلم يُنكر عَلَيْهِم. وَقَالَ الْخطابِيّ: لم يرد بِهِ حصر الرّقية الْجَائِزَة فيهمَا، وَإِنَّمَا المُرَاد: لَا رقية أَحَق وَأولى من رقية الْعين والحمة لشدَّة الضَّرَر فيهمَا.
    ......
    247
    حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِن خير أكحالكم الإثمد يجلو الْبَصَر وينبت الشّعْر، وَعند التِّرْمِذِيّ محسناً: اكتحلوا بالإثمد فَإِنَّهُ يجلو الْبَصَر وينبت الشّعْر، وَكَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكحلة يكتحل مِنْهَا كل لَيْلَة ثَلَاثَة فِي هَذِه وَثَلَاثَة فِي هَذِه، وَفِي رِوَايَة: وثنتين فِي الْيُسْرَى، وَفِي (الْعِلَل الْكَبِير) : سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هُوَ حَدِيث مَحْفُوظ.
    .......
    249
    مَا قَالَه عِيَاض: اخْتلفت الْآثَار فِي المجذوم، فجَاء عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل مَعَ مجذوم، وَقَالَ: ثِقَة بِاللَّه وتوكلاً عَلَيْهِ، قَالَ: فَذهب عمر رَضِي الله عَنهُ وَجَمَاعَة من السّلف إِلَى الْأكل مَعَه، وَرَأَوا أَن الْأَمر باجتنابه مَنْسُوخ، وَمِمَّنْ قَالَ بذلك عِيسَى بن دِينَار من الْمَالِكِيَّة. (الْخَامِس) مَا قَالَه الطَّبَرِيّ: اخْتلف السّلف فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث، فَأنْكر بَعضهم أَن يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بالبعد من ذِي عاهة جذاماً كَانَ أَو غَيره، قَالُوا: قد أكل مَعَ مجذوم وَأَقْعَدَهُ مَعَه، وَفعله أَصْحَابه المهديون، وَكَانَ ابْن عمر وسلمان يصنعان الطَّعَام للمجذومين ويأكلان مَعَهم، وَعَن عَائِشَة: أَن امْرَأَة سَأَلتهَا أَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (فر من المجذوم فرارك من الْأسد؟ فَقَالَت عَائِشَة: كلا وَالله، وَلكنه قَالَ: لَا عدوى، وَقَالَ: فَمن أعدى الأول؟ وَكَانَ مولى لنا أَصَابَهُ ذَلِك الدَّاء فَكَانَ يَأْكُل فِي صحافي وَيشْرب فِي أقداحي وينام على فِرَاشِي) . قَالُوا: وَقد أبطل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَدْوى (السَّادِس) مَا قَالَه بَعضهم: إِن الْخَبَر صَحِيح، وَأمره بالفرار مِنْهُ لنَهْيه عَن النّظر إِلَيْهِ



    256
    وَمَا ورد فِي الحَدِيث: أَن الطَّاعُون وخز الْجِنّ. قلت: طاعون عمواس كَانَ فِي سنة ثَمَان عشرَة، وعمواس قَرْيَة بَين الرملة وَبَيت الْمُقَدّس، وطاعون عمواس هُوَ أول طاعون وَقع فِي الْإِسْلَام وَمَات فِي الشَّام فِي هَذَا الطَّاعُون ثَلَاثُونَ ألفا. وَأما الحَدِيث الْمَذْكُور فَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فنَاء أمتِي بالطعن والطاعون. قَالُوا: يَا رَسُول الله! هَذَا الطعْن قد عَرفْنَاهُ، فَمَا الطَّاعُون؟ قَالَ: وخز إخْوَانكُمْ من الْجِنّ، وَفِي كل شَهَادَة. وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي (كتاب الطواعين) وَقَالَ فِيهِ: وخز أعدائكم من الْجِنّ، وَلَا تنَافِي بَين اللَّفْظَيْنِ لِأَن الْأُخوة فِي الدّين لَا تنَافِي الْعَدَاوَة لِأَن عَدَاوَة الْإِنْس وَالْجِنّ بالطبع، وَإِن كَانُوا مُؤمنين فالعداوة مَوْجُودَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الوخز طعن لَيْسَ بنافذ، وَقَالَ بَعضهم: لم أر لفظ: إخْوَانكُمْ، بعد التتبع الطَّوِيل الْبَالِغ فِي شَيْء من طرق الحَدِيث. قلت: هَذِه اللَّفْظَة ذكرهَا هُنَا ابْن الْأَثِير وَذكرهَا أَيْضا نَاقِلا من (مُسْند أَحْمد) قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن عبد الله أبي الْبَقَاء الشبلي الْحَنَفِيّ، وَكفى بهما الِاعْتِمَاد على صِحَّتهَا، وَعدم اطلَاع هَذَا الْقَائِل لَا يدل على الْعَدَم. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: الطَّاعُون غُدَّة تخرج فِي المراق والآباط، وَقد تخرج فِي الْأَيْدِي والأصابع وَحَيْثُ شَاءَ الله تَعَالَى، وَقيل: الطَّاعُون انصباب الدَّم إِلَى عُضْو، وَقيل: هيجان الدَّم وانتفاخه، وَقَالَ الْمُتَوَلِي: وَهُوَ قريب من الجذام من أَصَابَهُ تآكلت أعضاؤه وتساقط لَحْمه. وَقَالَ الْغَزالِيّ: هُوَ انتفاخ جَمِيع الْبدن من الدَّم مَعَ الْحمى، أَو انصباب الدَّم إِلَى بعض الْأَطْرَاف، فينتفخ ويحمر وَقد يذهب ذَلِك الْعُضْو. وَقَالَ ابْن سينا: الطَّاعُون مَادَّة سميَّة تحدث ورماً قتالاً لَا يحدث إلاَّ فِي الْمَوَاضِع الرخوة والمغاير من الْبدن، وأغلب مَا يكون تَحت الْإِبِط أَو خلف الْأذن أَو عِنْد الأرنبة، قَالَ: وَسَببه دم رَدِيء مائل إِلَى العفونة وَالْفساد يَسْتَحِيل إِلَى جَوْهَر سمي يفْسد الْعُضْو ويغير مَا يَلِيهِ وَيُؤَدِّي إِلَى الْقلب كَيْفيَّة ردية فَيحدث الْقَيْء والغثيان والغشي والخفقان، وَهُوَ لرداءته لَا يقبل من الْأَعْضَاء إلاَّ مَا كَانَ أَضْعَف بالطبع، وأردؤه مَا يَقع فِي الْأَعْضَاء الرئيسة، وَالْأسود مِنْهُ قل من يسلم مِنْهُ، وأسلمه الْأَحْمَر ثمَّ الْأَصْفَر،
    .......
    257
    حديث الطاعون
    وَكَانَ عبد الله بن الْحَارِث يلقب ببّه، بباءين موحدتين الثَّانِيَة مُشَدّدَة، وَمَعْنَاهُ: الممتلىء الْبدن من النِّعْمَة، ويكنى أَبَا مُحَمَّد، مَاتَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ، وَأما وَلَده رَاوِي هَذَا الحَدِيث فَهُوَ مِمَّن وَافق اسْمه اسْم أَبِيه، وَكَانَ يكنى أَبَا يحيى، وَمَات سنة تسع وَتِسْعين وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث
    .......
    262
    قَالَ ابْن الْأَثِير: وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث جَوَاز الرقى، وَفِي بَعْضهَا النَّهْي عَنْهَا، فَمن الْجَوَاز قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استرقوا لَهَا فَإِن بهَا النظرة، أَي: اطْلُبُوا لَهَا من يرقيها، وَمن النَّهْي قَوْله: لَا يسْتَرقونَ وَلَا يَكْتَوُونَ، وَالْأَحَادِيث فِي الْقسمَيْنِ كَثِيرَة، وَوجه الْجمع بَينهمَا أَن الرقى يكره مِنْهَا مَا كَانَ بِغَيْر اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَبِغير أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته وَكَلَامه فِي كتبه الْمنزلَة، وَأَن يعْتَقد أَن الرّقية نافعة لَا محَالة، فيتكل عَلَيْهَا، وَإِيَّاهَا أَرَادَ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا توكل من استرقى، وَلَا يكره مِنْهَا مَا كَانَ بِخِلَاف ذَلِك، كالتعوذ بِالْقُرْآنِ وَأَسْمَاء الله تَعَالَى والرقى المروية.
    .........
    وَرُوِيَ عَن مَالك أَنه قَالَ: أكره رقي أهل الْكتاب وَلَا أحبه لأَنا لَا نعلم هَل يرقون بِكِتَاب الله أَو بالمكروه الَّذِي يضاهي السحر، وروى ابْن وهب أَن مَالِكًا سُئِلَ عَن الْمَرْأَة ترقي بالحديدة وَالْملح، وَعَن الَّذِي يكْتب الْكتاب يعلقه عَلَيْهِ، ويعقد فِي الْخَيط الَّذِي يرْبط بِهِ الْكتاب سبع عقد، وَالَّذِي يكْتب خَاتم سُلَيْمَان فِي الْكتاب، فكرهه كُله مَالك، وَقَالَ: لم يكن ذَلِك من أَمر النَّاس.
    الثَّالِث: فِيهِ إِبَاحَة النفث فِي الرقى وَالرَّدّ على من أنكر ذَلِك من الإسلاميين، وَقد روى الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: إِذا رقيت بآي الْقُرْآن فَلَا تنفث. وَقَالَ الْأسود: أكره النفث، وَكَانَ لَا يرى بالنفخ بَأْسا، وَكَرِهَهُ أَيْضا عِكْرِمَة وَالْحكم وَحَمَّاد، قَالَ أَبُو عمر: أَظن حجَّة من كرهه ظَاهر قَوْله عز وَجل: {وَمن شَرّ النفاثات فِي العقد} (الفلق: 4) ، وَذَلِكَ نفث سحر وَالسحر محرم، وَمَا جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أولى، وَفِيه الْخَيْر وَالْبركَة.
    ..........
    264
    روى شُعْبَة عَن الركين قَالَ: سَمِعت الْقَاسِم بن حسان يحدث عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكره الرقي إلاَّ بالمعوذات. قلت: قَالَ الطَّبَرِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِمثلِهِ إِذْ فِيهِ من لَا يعرف، ثمَّ إِنَّه لَو صَحَّ لَكَانَ إِمَّا غَلطا أَو مَنْسُوخا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا أَدْرَاك أَنَّهَا رقية.
    .......
    264
    وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا يرد قَول ابْن الصّلاح وَغَيره: إِن البُخَارِيّ إِذا علق بِصِيغَة التمريض يكون غير صَحِيح عِنْده. قلت: ابْن الصّلاح وَغَيره من أهل الحَدِيث على أَن الَّذِي يُورِدهُ البُخَارِيّ بِصِيغَة التمريض لَا يكون على شَرطه، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس على شَرطه كَمَا ذكرنَا، وَإِلَّا يُرَاد عَلَيْهِ بَاقٍ غير أَن أحد مَشَايِخنَا ساعد البُخَارِيّ، وَذكر أَنه قد يصنع ذَلِك إِذا ذكر الْخَبَر بِالْمَعْنَى، وَلَا شكّ أَن الَّذِي ذكره عَن ابْن عَبَّاس لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالرقية بِفَاتِحَة الْكتاب، وَفِيه نظر لَا يخفى.
    .......
    265
    قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الْعين نظر باستحسان وَأَن يشوبه شَيْء من الْحَسَد وَيكون النَّاظر خَبِيث الطَّبْع كذوات السمُوم، وَلَوْلَا هَذَا لَكَانَ كل عاشق يُصِيب معشوقه بِالْعينِ، يُقَال: عنت الرجل إِذا أصبته بِعَيْنِك فَهُوَ معِين ومعيون وَالْفَاعِل عائن.
    .......

  13. #293
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    .( 21 )

    ......

    264
    وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا يرد قَول ابْن الصّلاح وَغَيره: إِن البُخَارِيّ إِذا علق بِصِيغَة التمريض يكون غير صَحِيح عِنْده. قلت: ابْن الصّلاح وَغَيره من أهل الحَدِيث على أَن الَّذِي يُورِدهُ البُخَارِيّ بِصِيغَة التمريض لَا يكون على شَرطه، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس على شَرطه كَمَا ذكرنَا، وَإِلَّا يُرَاد عَلَيْهِ بَاقٍ غير أَن أحد مَشَايِخنَا ساعد البُخَارِيّ، وَذكر أَنه قد يصنع ذَلِك إِذا ذكر الْخَبَر بِالْمَعْنَى، وَلَا شكّ أَن الَّذِي ذكره عَن ابْن عَبَّاس لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالرقية بِفَاتِحَة الْكتاب، وَفِيه نظر لَا يخفى.
    .......
    265
    قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الْعين نظر باستحسان وَأَن يشوبه شَيْء من الْحَسَد وَيكون النَّاظر خَبِيث الطَّبْع كذوات السمُوم، وَلَوْلَا هَذَا لَكَانَ كل عاشق يُصِيب معشوقه بِالْعينِ، يُقَال: عنت الرجل إِذا أصبته بِعَيْنِك فَهُوَ معِين ومعيون وَالْفَاعِل عائن.
    .......
    267
    وَقَالَ الْخطابِيّ: الرّقية الَّتِي أَمر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ مَا يكون بقوارع الْقُرْآن، وَبِمَا فِيهِ ذكر الله تَعَالَى على ألسن الْأَبْرَار من الْخلق الطاهرة النُّفُوس، وَهُوَ الطِّبّ الروحاني، وَعَلِيهِ كَانَ مُعظم الْأَمر فِي الزَّمَان الْمُتَقَدّم الصَّالح أَهله، فَلَمَّا عز وجود هَذَا الصِّنْف من أبرار الخليقة مَال النَّاس إِلَى الطِّبّ الجسماني حَيْثُ لم يَجدوا الطِّبّ الروحاني نجوعاً فِي الأسقام لعدم الْمعَانِي الَّتِي كَانَ يجمعها الرقاة المقدسة من البركات، وَمَا نهى عَنهُ هُوَ رقية العزامين وَمن يدعى تسخير الْجِنّ.
    ..........
    267
    وروى مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَفعه: الْعين حق وَلَو كَانَ شَيْء سَابق الْقدر سبقته الْعين، وَإِذا استغسلتم فَاغْسِلُوا، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: كَانَ يُؤمر العائن فيتوضأ ثمَّ يغْتَسل مِنْهُ الْمعِين، وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث عَامر بن ربيعَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا رأى أحدكُم من نَفسه أَو مَاله أَو أَخِيه شَيْئا يُعجبهُ فَليدع بِالْبركَةِ، فَإِن الْعين حق، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أَسمَاء بنت عُمَيْس أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله! إِن ولد جَعْفَر تسرع إِلَيْهِم الْعين أَو نسترقي لَهُم؟ قَالَ: نعم، فَإِنَّهُ لَو كَانَ شَيْء سَابق الْقدر لسبقته الْعين، وَفِي كتاب ابْن أبي عَاصِم من طَرِيق صعصعة: أَكثر مَا يحْفر لأمتي من الْقُبُور الْعين، وَقَالَ أَبُو عمر. قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: علام يقتل أحدكُم أَخَاهُ؟ دَلِيل على أَن الْعين رُبمَا قتلت، وَكَانَت سَببا من أَسبَاب الْمنية وَقَوله: (وَلَو كَانَ شَيْء يسْبق الْقدر لسبقته الْعين) دَلِيل على أَن الْمَرْء لَا يُصِيبهُ إلاَّ مَا قدر لَهُ، وَأَن الْعين لَا تسبق الْقدر وَلكنهَا من الْقدر، قَوْله: فَليدع بِالْبركَةِ، فِيهِ دَلِيل على أَن الْعين لَا تضر وَلَا تعدو إِذا برك العائن فَوَاجِب على كل من أعجبه شَيْء أَن يبرك فَإِنَّهُ إِذا دَعَا بِالْبركَةِ صرف الْمَحْذُور لَا محَالة، والتبريك أَن يَقُول: تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ، اللَّهُمَّ بَارك فِيهِ، وَيُؤمر العائن بالاغتسال وَيجْبر إِن أَبى، لِأَن الْأَمر حَقِيقَة للْوُجُوب وَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يمْنَع أَخَاهُ مَا ينْتَفع بِهِ أَخُوهُ وَلَا يضرّهُ هُوَ لاسيما إِذا كَانَ سَببه، وَهُوَ الْجَانِي عَلَيْهِ، والاغتسال هُوَ أَن يغسل وَجهه وَيَديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجلَيْهِ وداخلة إزَاره فِي قدح ثمَّ صب عَلَيْهِ، ويروى: وَيَديه إِلَى الْمرْفقين والركبتين، وَقَالَ أَبُو عمر: وَأحسن شَيْء فِي تَفْسِير الِاغْتِسَال مَا وَصفه الزُّهْرِيّ رَاوِي الحَدِيث الَّذِي عِنْد مُسلم: يُؤْتى بقدح من مَاء ثمَّ يصب بِيَدِهِ الْيُسْرَى على كَفه الْيُمْنَى، ثمَّ بكفه الْيُمْنَى على كَفه الْيُسْرَى ثمَّ يدْخل يَده الْيُسْرَى فَيصب بهَا على مرفق يَده الْيُمْنَى ثمَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى على مرفق يَده الْيُسْرَى، ثمَّ يغسل قدمه الْيُمْنَى ثمَّ يدْخل الْيُمْنَى فَيغسل قدمه الْيُسْرَى، ثمَّ يدْخل يَده الْيُمْنَى فَيغسل الرُّكْبَتَيْنِ ، ثمَّ يَأْخُذ دَاخِلَة إزَاره فَيصب على رَأسه صبة وَاحِدَة وَلَا يضع الْقدَم حَتَّى يفرغ، وَأَن يصب من خَلفه صبة وَاحِدَة يجْرِي على جسده، وَلَا يوضع الْقدح فِي الأَرْض، وَيغسل أَطْرَافه
    ........
    273
    (والشؤم فِي ثَلَاث) أَي: فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء، هَذَا معَارض فِي الظَّاهِر لقَوْله: (لَا طيرة) وَدفع الْخطابِيّ هَذِه الْمُعَارضَة حَيْثُ قَالَ: هَذَا عَام مَخْصُوص إِذْ هُوَ فِي معنى الِاسْتِثْنَاء من الطَّيرَة، أَي: الطَّيرَة مَنْهِيّ عَنْهَا إلاَّ أَن يكون لَهُ دَار يكره سكناهَا، أَو امْرَأَة يكره صحبتهَا، أَو فرس كَذَلِك فليفارقهن، وَقيل: شُؤْم الدَّار ضيقها وَسُوء جارها، وشؤم الْمَرْأَة سلاطة لسانها وَعدم وِلَادَتهَا، وشؤم الْفرس أَن لَا يغزى عَلَيْهَا. وَقَالَ مَالك: هُوَ على ظَاهره، فَإِن الدَّار قد يَجْعَل الله سكناهَا سَببا للضَّرَر، وَكَذَا الْمَرْأَة الْمعينَة أَو الْفرس قد يحصل الضَّرَر عِنْده بِقَضَاء الله تَعَالَى، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ. قَوْله: (الشؤم فِي ثَلَاث) وَلم يقل فِيهِ إِن وَفِي رِوَايَة أُخرى: إِن كَانَ الشؤم فِي شَيْء، وَفِي أُخرى: إِن كَانَ فِي شَيْء فَفِي كَذَا وَكَذَا، فَكيف يجمع بَين هَذِه وَبَين قَوْله: (لَا طيرة؟) الْجَواب: إِن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قد غلظت على من روى هَذَا الحَدِيث، وَقَالَت: إِنَّمَا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ: الطَّيرَة فِي الْمَرْأَة وَالدَّار وَالدَّابَّة. قَالَ: وَهَذَا رد لصريح خبر رُوَاته ثِقَات، وَالصَّحِيح أَن الْمَعْنى إِن خيف من شَيْء أَن يكون سَببا لما يخَاف شَره ويتشاءم بِهِ فَهَذِهِ الْأَشْيَاء لَا على السَّبِيل الَّذِي يَظُنهَا أهل الْجَاهِلِيَّة من الطَّيرَة والعدوى. وَقَالَ الْخطابِيّ: لما كَانَ الْإِنْسَان لَا يَسْتَغْنِي عَن هَذِه الْأَشْيَاء: الدَّار وَالْفرس وَالزَّوْجَة، وَكن لَا يسلمن من عَارض مَكْرُوه، فأضيف إِلَيْهَا الشؤم إِضَافَة مَحل، وَقَالَ ابْن التِّين: الشؤم مَهْمُوز وَيُسمى كل مَحْذُور ومكروه شؤماً ومشامة والشومى الْجِهَة الْيُسْرَى
    ,,,,,,,
    274
    قَالَ ابْن الْأَثِير: الطَّيرَة بِمَعْنى الْجِنْس والفأل بِمَعْنى النَّوْع، وَمِنْه الحَدِيث: أصدق الطَّيرَة الفأل، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الفأل يسْتَعْمل فِيمَا يسر وَفِيمَا يسوء، وَالْغَالِب فِي السرُور، والطيرة لَا تكون إلاَّ فِي السوء، وَقد تسْتَعْمل مجَازًا فِي السرُور. وَقَالَ الْخطابِيّ: الْفرق بَين الفأل والطيرة أَن الفأل إِنَّمَا هُوَ من طَرِيق حسن الظَّن بِاللَّه، والطيرة إِنَّمَا هِيَ من طَرِيق الاتكال على مَا سواهُ.
    ..........
    277
    بَاب فِي بَيَان السحر وَأَنه ثَابت مُحَقّق، وَلِهَذَا أَكثر البُخَارِيّ فِي الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ بِالْآيَاتِ الدَّالَّة عَلَيْهِ. والْحَدِيث الصَّحِيح وَأكْثر الْأُمَم من الْعَرَب وَالروم والهند والعجم بِأَنَّهُ ثَابت وَحَقِيقَته مَوْجُودَة وَله تَأْثِير، وَلَا إستحالة فِي الْعقل فِي أَن الله تَعَالَى يخرق الْعَادة عِنْد النُّطْق بِكَلَام ملفق أَو تركيب أجسام وَنَحْوه على وَجه لَا يعرفهُ كل أحد، وَأما تَعْرِيف السحر فَهُوَ أَمر خارق للْعَادَة صادر عَن نفس شريرة لَا يتَعَذَّر معارضته، وَأنكر قوم حَقِيقَته وأضافوا مَا يَقع مِنْهُ إِلَى خيالات بَاطِلَة لَا حَقِيقَة لَهَا، وَهُوَ اخْتِيَار أبي جَعْفَر الاستراباذي من الشَّافِعِيَّة وَأبي بكر الرَّازِيّ من الْحَنَفِيَّة وَابْن حزم الظَّاهِرِيّ، وَالصَّحِيح قَول كَافَّة الْعلمَاء يدل عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة. فَإِن قلت: مَا وَجه إِيرَاد: بَاب السحر، فِي كتاب الطِّبّ؟ قلت: لَا شكّ أَن السحر نوع من الْمَرَض وَهُوَ يمرض المسحور، وَلِهَذَا ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أما وَالله لقد شفاني)
    ......
    278
    انَت الشَّيَاطِين تصعد إِلَى السَّمَاء فتقعد مِنْهَا مقاعد للسمع فيسمعون من كَلَام الْمَلَائِكَة مَا يكون فِي الأَرْض من موت أَو غيث أَو أَمر، فَيَأْتُونَ الكهنة فَيُخْبِرُونَهُ مْ فَتحدث الكهنة النَّاس فيجدونه كَمَا قَالُوا، وَزَادُوا مَعَ كل كلمة سبعين كلمة، فاكتتب النَّاس ذَلِك الحَدِيث فِي الْكتب وَفَشَا فِي بني إِسْرَائِيل: أَن الْجِنّ تعلم الْغَيْب، فَبعث سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لجمع تِلْكَ الْكتب فَجَعلهَا فِي صندوق ثمَّ دَفنهَا تَحت كرسيه وَلم يكن أحد من النَّاس يَسْتَطِيع أَن يدنو من الْكُرْسِيّ إلاَّ احْتَرَقَ. وَقَالَ: لَا أسمع أحدا يذكر أَن الشَّيَاطِين يعلمُونَ الْغَيْب إلاَّ ضربت عُنُقه، فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَان وَذهب الْعلمَاء الَّذين كَانُوا يعْرفُونَ أَمر سُلَيْمَان جَاءَ شَيْطَان فِي صُورَة إِنْسَان إِلَى نفر من بني إِسْرَائِيل فَقَالَ لَهُم: هَل أدلكم على كنز لَا تأكلونه أبدا؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فاحفروا تَحت الْكُرْسِيّ، فَحَفَرُوا ووجدوا تِلْكَ الْكتب، فَلَمَّا أخرجوها قَالَ الشَّيْطَان: إِن سُلَيْمَان إِنَّمَا كَانَ يضْبط الْإِنْس وَالْجِنّ وَالطير بِهَذَا السحر، ثمَّ طَار وَذهب وَفَشَا فِي النَّاس أَن سُلَيْمَان كَانَ ساحراً، فاتخذت بَنو إِسْرَائِيل تِلْكَ الْكتب، فَلَمَّا جَاءَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خاصموه بهَا فَذَلِك قَوْله: تَعَالَى: {وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا يعلمُونَ النَّاس السحر}
    ..........
    وَالْعرب إِذا قبحت مذكراً شبهته بالشيطان، وَإِذا قبحت مؤنثاً شبهته بالغول، وَلم تَرَهَا.
    ........
    284
    والنشرة بِضَم النُّون وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة، وَهِي الرّقية الَّتِي بهَا يحل عقد الرجل عَن مُبَاشرَة الْأَهْل، وَهَذَا يدل على جَوَاز النشرة، وَأَنَّهَا كَانَت مَشْهُورَة عِنْدهم وَمَعْنَاهَا اللّغَوِيّ ظَاهر فِيهَا، وَهُوَ نشر مَا طوى السَّاحر، وتفريق مَا جمعه. فَإِن قلت: روى عبد الرَّزَّاق عَن عقيل بن معقل عَن همام بن مُنَبّه قَالَ: سُئِلَ جَابر بن عبد الله عَن النشرة؟ فَقَالَ: من عمل الشَّيْطَان قلت: ترك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِنْكَار على عَائِشَة لما ذكرت لَهُ النشرة دَلِيل الْجَوَاز، وَمَا رُوِيَ عَن جَابر فَمَحْمُول على نشرة بِأَلْفَاظ لَا يعلم مَعَانِيهَا. وَقَالَ الشّعبِيّ: لَا بَأْس بالنشرة الْعَرَبيَّة الَّتِي لَا تضر إِذا وطِئت، وَهِي أَن يخرج الْإِنْسَان فِي مَوضِع عضاء فَيَأْخُذ عَن يَمِينه وشماله من كل ثمَّ بذيبه وَيقْرَأ فِيهِ، ثمَّ يغْتَسل بِهِ، وَفِي كتب وهب بن مُنَبّه: أَن يَأْخُذ سبع وَرَقَات من سدر أَخْضَر فيدقها بَين حجرين ثمَّ يضْربهَا بِالْمَاءِ، ثمَّ يقْرَأ
    .......
    287
    قيد التمرات بالعجوة لِأَن السِّرّ فِيهَا أَنَّهَا من غرس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَمَا ذكرنَا، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من حَدِيث جَابر رَفعه: الْعَجْوَة من الْجنَّة، وَهِي شِفَاء من السم، وَقَالَ الْخطابِيّ: كَون الْعَجْوَة تَنْفَع من السم وَالسحر إِنَّمَا هُوَ ببركة دَعْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتمر الْمَدِينَة، لَا لخاصية فِي التَّمْر، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون نخلا خَاصّا من الْمَدِينَة لَا يعرف الْآن، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك لخاصية فِيهِ، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك خَاصّا بِزَمَانِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا يردهُ وصف عَائِشَة لذَلِك بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ الْمَازرِيّ: هَذَا مِمَّا لَا يعقل مَعْنَاهُ فِي طَريقَة علم الطِّبّ، وَلَعَلَّ ذَلِك كَانَ لأهل زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة، أَو لأكثرهم.

    .......
    أخرج ابْن أبي شيبَة وَغَيره: أَن خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ لما نزل الْحيرَة قيل لَهُ: احذر السم لَا يسقيكه الْأَعَاجِم، فَقَالَ: ائْتُونِي بِهِ، فَأتوهُ بِهِ فَأَخذه بِيَدِهِ، ثمَّ قَالَ: بِسم الله، واقتحمه فَلم يضرّهُ. قلت: وَقع هَكَذَا كَرَامَة لخَالِد فَلَا يتأسى بِهِ، ويؤكد عدم جَوَازه حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنهُ
    ........
    292
    سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعٍ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ.
    لم أر أحدا من الشُّرَّاح ذكر وَجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، وَلَا سِيمَا الشَّارِح الَّذِي يَدعِي أَن فِي هَذَا الْفَنّ يُرجع إِلَيْهِ، وَظهر لي فِيهِ شَيْء من الْأَنْوَار الإلهية، وَإِن كَانَ فِيهِ تعسف، وَهُوَ أَن التَّرْجَمَة إِنَّمَا وضعت للنَّهْي عَن اسْتِعْمَال السم مُطلقًا. فَفِي الحَدِيث مَا يمْنَع ذَلِك من الأَصْل فَبين ذكرهمَا متعاقبين وَجه لَا يخفى.

    ........
    292
    وَقَالَ ابْن التِّين: اخْتلف فِي ألبان الأتن على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: على الْخلاف فِي لحومها. هَل هِيَ مُحرمَة أَو مَكْرُوهَة؟ وَالثَّانِي: بعد تَسْلِيم التَّحْرِيم هَل لبنهن حَلَال قِيَاسا على لبن الْآدَمِيَّة ومرارة السَّبع على الِاخْتِلَاف أَيْضا فِي لحومها؟ هَل هِيَ مُحرمَة أَو مَكْرُوهَة؟
    ........
    293
    وَقد أخرج أَبُو يعلى بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: عمر الذُّبَاب أَرْبَعُونَ لَيْلَة، والذباب كُله فِي النَّار إلاَّ النَّحْل، وَقَالَ الجاحظ: كَونه فِي النَّار لَيْسَ تعذيباً لَهُ بل ليعذب أهل النَّار بِهِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال: إِنَّه لَيْسَ شَيْء من الطُّيُور يلغ إلاَّ الذُّبَاب. وَقَالَ أفلاطون: الذُّبَاب أحرص الْأَشْيَاء حَتَّى إِنَّه يلقِي نَفسه فِي كل شَيْء وَلَو كَانَ فِيهِ هَلَاكه، ويتولد من العفونة، وَلَا جفن للذبابة لصِغَر حدقتها، والجفن يصقل الحدقة فالذبابة تصقل بِيَدَيْهَا فَلَا تزَال تمسح عيينها وَهُوَ من أَكثر الطُّيُور سفاداً، وَرُبمَا بَقِي عَامَّة الْيَوْم على الْأُنْثَى، وَأدنى الْحِكْمَة فِي خلقه: أَذَى الْجَبَابِرَة، وَقيل: لَوْلَا هِيَ لجافت الدُّنْيَا.
    ...........
    294
    وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا مِمَّا يُنكره من لم يشْرَح الله قلبه
    بِنور الْمعرفَة، وَلم يتعجب من النحلة جمع الله فِيهَا الشِّفَاء والسم مَعًا، فتعسل من أَعْلَاهَا وَتَسِم من أَسْفَلهَا بحمتها، والحية سمها قَاتل ولحمها مِمَّا يستشفى بِهِ من الترياق الْأَكْبَر من سمها، فريقها دَاء ولحمها دَوَاء، وَلَا حَاجَة لنا مَعَ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّادِق الصدوق إِلَى النَّظَائِر، وأقوال أهل الطِّبّ الَّذين مَا وصلوا إِلَى علمهمْ إلاَّ بالتجربة، والتجربة خطر، وَالله على كل شَيْء قدير، وَإِلَيْهِ التَّوَكُّل والمصير
    ......
    بَاب فِي بَيَان حكم من جر إزَاره من غير قصد التخييل، فَإِنَّهُ لَا بَأْس بِهِ من غير كَرَاهَة، وَكَذَلِكَ يجوز لدفع ضَرَر يحصل لَهُ، كَأَن يكون تَحت كعبيه جراح أَو حكة أَو نَحْو ذَلِك، إِن لم يغطها تؤذيه الْهَوَام كالذباب وَنَحْوه بِالْجُلُوسِ عَلَيْهَا، وَلَا يجد مَا يَسْتُرهَا بِهِ إلاَّ إزَاره أَو رِدَائه أَو قَمِيصه، وَهَذَا كَمَا يجوز كشف الْعَوْرَة للتداوي وَغير ذَلِك من الْأَسْبَاب المبيحة للترخص. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: وَأما جَوَازه لغير ضَرُورَة لَا لقصد الْخُيَلَاء، فَقَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّه مَكْرُوه وَلَيْسَ بِحرَام، وَحكي عَن نَص الشَّافِعِي، رَضِي الله عَنهُ التَّفْرِقَة بَين وجود الْخُيَلَاء وَعَدَمه، وَهَذِه التَّرْجَمَة سَقَطت لِابْنِ بطال رَحمَه الله.
    ......
    (إِذْ خسف الله بِهِ) قَوْله: (رجل) قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا الرجل يحْتَمل أَن يكون من هَذِه الْأمة، وسيقع بعد وَأَن يكون من الْأُمَم السالفة فَيكون إِخْبَارًا عَمَّا وَقع، وَقيل: هُوَ قَارون، وَقَالَ السُّهيْلي: إِن اسْمه هيزن من أَعْرَاب فَارس، وَجزم الكلاباذي والجوهري أَنه قَارون
    ..........


    ....
    (302)
    وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: لم أر للقميص ذكرا صَحِيحا إِلَّا فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة. وقصة ابْن أبي، وَلم أر لَهما ثَالِثا فِيمَا يتَعَلَّق بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ جَاءَ ذكر الْقَمِيص فِي عدَّة أَحَادِيث أخر. مِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة الَّذِي مضى فِي الْجَنَائِز: كفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَلَاثَة أَثوَاب لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة. وَمِنْهَا: حَدِيث أم سَلمَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: (كَانَ أحب الثِّيَاب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَمِيص) وَمِنْهَا: حَدِيث أَسمَاء بنت يزِيد بن السكن، قَالَت: (كَانَ كم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الرسغ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا لبس قَمِيصًا بَدَأَ بميامنه) ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا، ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ غير وَاحِد عَن شُعْبَة وَلم يرفعهُ وَإِنَّمَا رَفعه عبد الصَّمد بن عبد الْوَهَّاب عَن شُعْبَة وَمن هَذَا الْوَجْه أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَمِنْهَا: حَدِيث أبي سعيد أخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا: كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استجد ثوبا سَمَّاهُ باسم عِمَامَة أَو قَمِيصًا أَو رِدَاء وَذكر أَبُو دَاوُد أَن حَمَّاد بن سَلمَة وَعبد الْوَهَّاب أَرْسلَاهُ.
    .....
    304
    وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: القباء والفروج كِلَاهُمَا ثوب ضيق الكمين وَالْوسط مشقوق من خَلفه يلبس فِي السّفر وَالْحَرب لِأَنَّهُ أعون على الْحَرَكَة، وَقَالَ ابْن بطال: القباء من لبس الْأَعَاجِم.
    ........ز
    306
    روينَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا أَن أول من لبس السروايل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام رَوَاهُ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِي ّ، وَقيل: هَذَا هُوَ السَّبَب فِي كَون أول من يكسى يَوْم الْقِيَامَة، كَمَا ثَبت فِي (الصَّحِيحَيْنِ) من حَدِيث ابْن عَبَّاس، فَلَمَّا كَانَ أول من أَتَّخِذ هَذَا النَّوْع من اللبَاس الَّذِي هُوَ أستر للعورة من سَائِر الملابس جوزي بِأَن يكون أول من يكسى يَوْم الْقِيَامَة.
    وَفِيه: اسْتِحْبَاب لبس السَّرَاوِيل، وَقد روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سُوَيْد بن قيس قَالَ: جلبت أَنا ومخرفة الْعَبْدي بزاً من هجر، فجاءنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسادومنا بسراويل ... الحَدِيث، وَرَوَاهُ أَبُو يعلى فِي (مُسْنده) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مطولا.
    ............
    307
    وَفِي (كتاب الْجِهَاد) لِابْنِ أبي عَاصِم: حَدثنَا أَبُو مُوسَى حَدثنَا عُثْمَان بن عمر عَن الزبير ابْن جوان عَن رجل من الْأَنْصَار قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عمر فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن} الْعِمَامَة سنة؟ فَقَالَ: نعم، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف: إذهب فاسدل عَلَيْك ثِيَابك وألبس سِلَاحك، فَفعل ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبض مَا سدل بِنَفسِهِ ثمَّ عممه فسدل من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه، وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا الْحسن بن عَليّ حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم عَن رشد عَن ابْن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بعمامة سَوْدَاء من قطن، وَأفضل لَهُ من بَين يَدَيْهِ مثل هَذِه، وَفِي رِوَايَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: عمم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن عَوْف بعمامة سَوْدَاء كرابيس وأرخاها من خَلفه قدر أَربع أصباع، وَقَالَ: هَكَذَا فاعتم، وَقَالَ مَالك: الْعمة والاحتباء والانتعال من عمل الْعَرَب، وَسُئِلَ مَالك عَن الَّذِي يعتم بالعمامة وَلَا يَجْعَلهَا من تَحت حلقه فأنكرها، وَقَالَ: ذَلِك من عمل النبط، وَلَيْسَت من عمَّة النَّاس إلاَّ أَن تكون قَصِيرَة لَا تبلغ أَو يفعل ذَلِك فِي بَيته أَو فِي مَرضه فَلَا بَأْس بِهِ، قيل لَهُ) فيرخي بَين الْكَتِفَيْنِ؟ قَالَ: لم أر أحدا مِمَّن أردركته يُرْخِي بَين كَتفيهِ إلاَّ عَامر بن عبد الله بن الزبير، وَلَيْسَ ذَلِك بِحرَام، وَلَكِن يرسلها بَين يَدَيْهِ وَهُوَ أكمل وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء قد أرْخى طرفها بَين كَتفيهِ، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اعتم سدل عمَامَته بَين كَتفيهِ، قَالَ نَافِع: وَكَانَ ابْن عمر يَفْعَله، وَقَالَ عبد الله بن عمر: رَأَيْت الْقَاسِم وسالماً يفْعَلَانِ ذَلِك، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا اعتم أرْخى عمَامَته بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه. وَفِيه: الْحجَّاج بن رشد وَهُوَ ضَعِيف، وَفِي حَدِيث أبي عُبَيْدَة الْحِمصِي عَن عبد الله بن بشر قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يَوْم خَيْبَر فعممه بعمامة سَوْدَاء أرسلها من وَرَائه وَعَن مَنْكِبه الْيُسْرَى، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: إِذا
    وَقع إرخاء العذبة من بَين الْيَدَيْنِ كَمَا يَفْعَله طَائِفَة الصُّوفِيَّة وَجَمَاعَة من أهل الْعلم فَهَل الْمَشْرُوع فِيهِ إرخاؤها من الْجَانِب الْأَيْسَر كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد أَو إرسالها من الْجَانِب الْأَيْمن لشرفه؟ وَلم أر مَا يدل على تعْيين الْجَانِب الْأَيْمن إلاَّ فِي حَدِيث أبي أُمَامَة وَلكنه ضَعِيف،
    ي (معرفَة الصَّحَابَة) من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن عبد الله بن بشر عَن عبد الرَّحْمَن بن عدي البهراني عَن أَخِيه عبد الْأَعْلَى بن عدي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يَوْم غَد يرخم فعممه وأرخى عذبة الْعِمَامَة من خَلفه، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا فاعتموا، فَإِن العمائم سيماء الْإِسْلَام، وَهِي الحاجز بَين الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين، وَقَالَ الشَّيْخ: مَعَ أَن العذبة الطّرف كعذبة السَّوْط وكعذبة اللِّسَان أَي: طرفه فالطرف الْأَعْلَى يُسمى عذبة من حَيْثُ اللُّغَة، وَإِن كَانَ مُخَالفا للإصطلاح الْعرفِيّ الْآن، وَفِي بعض طرق حَدِيث ابْن عمر مَا يَقْتَضِي أَن الَّذِي كَانَ يُرْسِلهُ بَين كَتفيهِ من الطّرف الْأَعْلَى رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ وَغَيره من رِوَايَة أبي عبد السَّلَام عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قلت لِابْنِ عمر: كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يعتم؟ قَالَ: كَانَ يُدِير كور الْعِمَامَة على رَأسه ويغرزها من وَرَائه ويرخي لَهُ ذؤابة بَين كَتفيهِ.
    ......
    تمّ بعون الله وَحسن توفيقه طبع الْجُزْء الْحَادِي وَالْعِشْرين من (عُمْدَة القارىء) شرح (صَحِيح البُخَارِيّ) ويليه إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْجُزْء الثَّانِي وَالْعشْرُونَ وأوله بَاب الأكسية والخمائص وفقنا الله لتَمام طبعه، وألهم الْمُسلمين لما فِيهِ خَيرهمْ وصلاحهم آمين

    الموافق / ليلة الجمعة لعام 1442 هجري .

  14. #294
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    المجلد ( 22 ) من " عمدة القاري للحافظ العيني رحمه الله

    (3/22 )

    ( 22 )
    وَاخْتلفُوا فِي الْحِكْمَة فِي تَحْرِيم الْحَرِير على الرجل فَقيل: السَّرف، وَقيل: الْخُيَلَاء، وَقيل: للتشبه بِالنسَاء. وَحكى ابْن دَقِيق الْعِيد عَن بَعضهم أَن تَعْلِيل التَّحْرِيم التَّشَبُّه بالكفار وَيدل عَلَيْهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث: هُوَ لَهُم فِي الدُّنْيَا وَلنَا فِي الْآخِرَة. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَالَّذِي يَصح من ذَلِك مَا هُوَ فِيهِ السَّرف، وَقَالَ شَيخنَا: السَّرف مَنْهِيّ عَنهُ فِي حق الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَإِنَّمَا هُوَ من زِينَة النِّسَاء، وَقد أذن للنِّسَاء فِي التزين وَنهى الرِّجَال عَن التَّشَبُّه بِهن، وَلعن الشَّارِع الرِّجَال المتشبهين بِالنسَاء، وَهَذَا الحَدِيث حجَّة لِلْجُمْهُورِ بِأَن الْحَرِير حرَام على الرِّجَال. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْإِجْمَاع انْعَقَد على ذَلِك.
    وَحكى القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي الْمَسْأَلَة عشرَة أَقْوَال: الأول: أَنه حرَام على الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَهُوَ قَول عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا. الثَّانِي: أَنه حَلَال للْجَمِيع. الثَّالِث: حرَام إلاَّ فِي الْحَرْب. الرَّابِع: أَنه حرَام إلاَّ فِي السّفر. الْخَامِس: أَنه حرَام إلاَّ فِي الْمَرَض. السَّادِس: أَنه حرَام إلاَّ فِي الْغَزْوَة. السَّابِع: أَنه حرَام إلاَّ فِي الْعلم. الثَّامِن: أَنه حرَام فِي الْأَعْلَى دون الْأَسْفَل، أَي: افتراشه. التَّاسِع: أَنه حرَام وَإِن خلط بِغَيْرِهِ. الْعَاشِر: أَنه حرَام إلاَّ فِي الصَّلَاة عِنْد عدم غَيره. وَفِيه: حجَّة على إِبَاحَة قدر لإصبعين فِي الْأَعْلَام، وَلَكِن وَقع عِنْد أبي دَاوُد من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَاصِم الْأَحول فِي هَذَا الحَدِيث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن الْحَرِير إلاَّ مَا كَانَ هَكَذَا وَهَكَذَا، إِصْبَعَيْنِ وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة
    ........
    12/22
    حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدّثنا عُثْمانُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا عَلِيُّ بنُ المُبارَكِ عَنْ يَحْياى بنِ أبِي كَثِيرٍ عَنْ عِمْرَانَ بنِ حِطَّانَ قَالَ: سألْتُ عائِشَةَ عَن الحَرِيرِ فقالَتِ: ائْتِ ابنَ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ، قَالَ: فَسألْتُهُ، فَقَالَ: سَلِ ابنَ عُمَرَ، قَالَ: فَسألْتُ ابنَ عُمَرَ فَقَالَ: أخْبرني أبُو حَفْصٍ يَعْنِي: عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيا مَنْ لَا خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ،
    12
    وَعمْرَان بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة ابْن حطَّان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة وبالنون السدُوسِي، كَانَ رَئِيس الْخَوَارِج وشاعرهم، وَهُوَ الَّذِي مدح ابْن ملجم قَاتل عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، بالأبيات الْمَشْهُورَة. فَإِن قلت: كَانَ تَركه من الْوَاجِبَات، وَكَيف يقبل قَول من مدح قَاتل عَليّ رَضِي الله عَنهُ؟ قلت: قَالَ بَعضهم: إِنَّمَا أخرج لَهُ البُخَارِيّ على قَاعِدَته فِي تَخْرِيج أَحَادِيث المبتدع إِذا كَانَ صَادِق اللهجة متديناً انْتهى. قلت: لَيْسَ للْبُخَارِيّ حجَّة فِي تَخْرِيج حَدِيثه، وَمُسلم لم يخرج حَدِيثه، وَمن أَيْن كَانَ لَهُ صدق اللهجة وَقد أفحش فِي الْكَذِب فِي مدحه ابْن ملجم اللعين، والمتدين كَيفَ يفرح بقتل مثل عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، حَتَّى يمدح قَاتله؟ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع.

    .........
    (22/21)
    قَالَ: رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عمر ثوبا فَقَالَ: إلبس جَدِيدا وعش حميدا ومت شَهِيدا، وَأعله النَّسَائِيّ وَصَححهُ ابْن حبَان، وروى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ من حَدِيث أبي سعيد: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استجد ثوبا سَمَّاهُ باسمه: عِمَامَة أَو قَمِيصًا أَو رِدَاء، ثمَّ يَقُول: اللَّهم لَك الْحَمد أَنْت كسوتنيه أَسأَلك من خَيره وَخير مَا صنع لَهُ، وَأَعُوذ بك من شَره وَشر مَا صنع لَهُ، وَأخرجه الْحَاكِم أَيْضا وَصَححهُ، وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث عمر رَفعه: من لبس ثوبا جَدِيدا فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي كساني مَا أواري بِهِ عورتي وأتجمل بِهِ فِي حَياتِي، ثمَّ عمد إِلَى الثَّوْب الَّذِي أخلق فَتصدق بِهِ كَانَ فِي حفظ الله وَفِي كنف الله حَيا وَمَيتًا، وروى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه من حَدِيث معَاذ بن أنس رَفعه: من لبس ثوبا فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي كساني هَذَا ورزقنيه من غير حول مني وَلَا قُوَّة، غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه،
    ........
    23
    وَقَالَ ابْن الْأَثِير: النَّعْل هِيَ الَّتِي تسمى الْآن: تاسومة. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: النَّعْل لِبَاس الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وَإِنَّمَا اتخذ النَّاس غَيرهَا لما فِي أَرضهم من الطين، وَقد تطلق النَّعْل على كل مَا بَقِي الْقدَم
    ,,,,,,,,
    26
    ي (علل التِّرْمِذِيّ) من حَدِيث لَيْث عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، قَالَت: رُبمَا مَشى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نعل وَاحِدَة، وروى ابْن علية وَالثَّوْري عَن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَنْهَا أَنَّهَا مشت فِي خف وَاحِد، قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: الصَّحِيح عَن عَائِشَة مَوْقُوف، وروى ابْن أبي شيبَة عَن ابْن إِدْرِيس عَن لَيْث عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يمشي فِي نعل وَاحِدَة إِذا انْقَطع شسعه مَا بَينه وَبَين أَن تصلح، وَمن حَدِيث رجل من مزينة: رَأَيْت عليا رَضِي الله عَنهُ، يمشي فِي نعل وَاحِد بِالْمَدَائِنِ، وَعَن زيد بن مُحَمَّد أَنه رأى سالما يمشي فِي نعل وَاحِدَة بِالْمَدَائِنِ، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لم يَأْخُذ أهل الْعلم بِرَأْي عَائِشَة فِي ذَلِك، وَالَّذِي روى من هَؤُلَاءِ أَن النَّهْي عِنْدهم نهي تَنْزِيه، وَيحْتَمل أَن النَّهْي مَا بَلغهُمْ، وَالله أعلم.
    .........
    30
    حْرِيم خَاتم الذَّهَب على الرِّجَال، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَأَجْمعُوا على تَحْرِيمه على الرِّجَال إلاَّ مَا حُكيَ عَن ابْن أبي بكر مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم فَإِنَّهُ أَبَاحَهُ، وَعَن بَعضهم أَنه مَكْرُوه لَا حرَام. قلت: رُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَنهم لبسوه، فَمن الصَّحَابَة: أنس بن مَالك والبراء بن عَازِب وَجَابِر بن سَمُرَة وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وَزيد بن أَرقم وَزيد بن حَارِثَة وَسعد ابْن أبي وَقاص وصهيب بن سِنَان وَطَلْحَة بن عبيد الله وَعبد الله بن يزِيد وَأَبُو أسيد. وَمن التَّابِعين: عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم وَآخَرُونَ.
    وَأجِيب عَن فعل الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، بجوابين: أَحدهمَا: أَنه لَعَلَّهُم لم يبلغهم النَّهْي. وَالثَّانِي: لَعَلَّهُم حملُوا النَّهْي على التَّنْزِيه وَإِن طَرحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِخَاتم الذَّهَب للتنزه عَن الدُّنْيَا كَمَا كَانَ ينْهَى أَهله عَن الْحِلْية مَعَ أَنَّهَا كَانَت مُبَاحَة للنِّسَاء.

    ......
    31
    اتَّخَذَ خاتَماً مِنْ ذَهَبٍ وجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي باطنَ كَفِّهِ ونَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رسولُ الله، فاتَّخَذَ النَّاسُ مِثْلَهُ، فَلما رآهُمْ قَدِ اتَّخَذُوها رَمَى بِهِ، وَقَالَ: لَا ألْبَسُهُ أبَداً، ثُمَّ اتَّخَذَ خاتَماً مِنْ فِضَّةٍ فاتخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الفِضَّة.
    قَالَ ابنُ عُمَرَ: فَلَبِسَ الخاتَمَ بَعْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمانُ حَتَّى وَقَعَ مِنْ عُثْمانَ فِي بِئْرِ أرِيسَ.
    ......
    33
    وَقَالَ مَالك: لَا خير أَن يكون نقش فصه تمثالاً. وَقد ذكر عبد الرَّزَّاق آثاراً بِجَوَاز اتِّخَاذ التماثيل فِي الخواتيم وَلَيْسَت بصحيحة، مِنْهَا: مَا رَوَاهُ عَن معمر عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عقيل أَنه أخرج خَاتمًا فِيهِ تِمْثَال أَسد، وَزعم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يتختم بِهِ، وَمَا رَوَاهُ معمر عَن الْجعْفِيّ: أَن نقش خَاتم ابْن مَسْعُود إِمَّا شَجَرَة وَإِمَّا شَيْء بَين ذبابتين، وَابْن عقيل تَركه مَالك والجعفي مَتْرُوك، وروى عَن معمر عَن قَتَادَة عَن أنس وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه كَانَ نقش خَاتمه كركياً لَهُ رأسان، فَهَذَا، وَإِن كَانَ صَحِيحا، فَلَا حجَّة فِيهِ لترك النَّاس الْعَمَل بِهِ ولنهيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصُّور، وَلَا يجوز مُخَالفَة النَّهْي. وَفِي (التَّوْضِيح) : رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، أَنه كَانَ لَهُ أَربع خَوَاتِيم يتختم بهَا: ياقوت لِقَلْبِهِ نقشه: لَا إِلَه إِلَّا الله الْملك الْحق الْمُبين، وفيروزج لنصره، ونقشه: الله الْملك، وَخَاتم من حَدِيد صيني لقُوته نقشه: الْعِزَّة لله جَمِيعًا، وعقيق لحرزه نقشه: مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إلاَّ بِاللَّه. قَالَ: حَدِيث مُخْتَلف رُوَاته مأمونون سوى أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد الرَّازِيّ فَلَا أعرف عَدَالَته، فَكَأَنَّهُ هُوَ وَاضعه.
    .....
    35
    ن مَوضِع الْخَاتم عِنْد التَّخَتُّم فِي الْخِنْصر دون غَيره من السبابَة وَالْوُسْطَى، وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي بردة بن أبي مُوسَى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: نهاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ألبس خَاتمًا فِي هَذِه، وَهَذِه يَعْنِي السبابَة الْوُسْطَى.
    ..............
    37
    قد وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة فِي التَّخَتُّم فِي الْيُمْنَى: مِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتختم فِي يَمِينه، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ. وَمِنْهَا: حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتختم فِي يَمِينه، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِي ّ فِي (الْكَبِير) . وَمِنْهَا: حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم فِي يَمِينه، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ. وَمِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم فِي يَمِينه، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْبَزَّار وَأَبُو الشَّيْخ. وَمِنْهَا: حَدِيث أنس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم فِي يَمِينه، أخرجه النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل: وَمِنْهَا: حَدِيث أبي أُمَامَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم فِي يَمِينه، أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي: (الْكَبِير) وَأَبُو الشَّيْخ فِي: (كتاب الْأَخْلَاق) . وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يتختم فِي يَمِينه حَتَّى قَبضه الله إِلَيْهِ، أخرجه الدَّارَقُطْنِي ّ فِي (غرائب مَالك) .
    ووردت أَحَادِيث أُخْرَى فِي التَّخَتُّم فِي الْيَسَار. مِنْهَا: حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يلبس خَاتمه فِي يسَاره، وَأخرجه أَبُو الشَّيْخ وَإِسْنَاده ضَعِيف. وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم فِي يسَاره وَكَانَ فصه فِي بَاطِن كَفه، أخرجه أَبُو دَاوُد، وَهَذَا يُخَالف حَدِيث الْبَاب. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ الْحسن وَالْحُسَيْن يتختمان فِي يسارهما، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَقد جَاءَ فِي بعض طرقه: عَن الْحسن وَالْحُسَيْن رفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعَمْرو وَعلي رَضِي الله عَنْهُم، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي (كتاب أَخْلَاق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَالْبَيْهَقِيّ فِي (كتاب الْأَدَب)
    ...........
    وَأَبُو بكر وَعَمْرو وَعلي وَالْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم، يتختمون فِي الْيَسَار.
    وَقد اخْتلف الروَاة عَن أنس: هَل كَانَ يتختم فِي يَمِينه أَو يسَاره؟ وَقد، رَوَاهُ عَنهُ ثَابت الْبنانِيّ، وثمامة بن عبد الله، وَحميد الطَّوِيل، وَشريك بن بَيَان على الشَّك فِيهِ، وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، وَقَتَادَة، وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. فَأَما ثُمَامَة وَحميد وَشريك بن بَيَان وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب فَلَيْسَ فِي رواياتهم تعرض لذكر الْيَمين أَو الْيَسَار. وَأما رِوَايَة ثَابت وَقَتَادَة وَالزهْرِيّ فَفِيهَا التَّعَرُّض لذَلِك. فَأَما رِوَايَة ثَابت فأخرجها مُسلم من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس قَالَ: كَانَ خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هَذِه، وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصر من يَده الْيُسْرَى. وَأما رِوَايَة قَتَادَة فَاخْتلف عَلَيْهِ فِيهَا، فَقَالَ سعيد بن أبي عرُوبَة عَنهُ عَن أنس: كَانَ يتختم فِي يَمِينه، وَقَالَ شُعْبَة وَعَمْرو بن عَامر عَن قَتَادَة، عَنهُ: كَانَ يتختم فِي يسَاره، وَأما رِوَايَة الزُّهْرِيّ فرواها طَلْحَة وَيحيى الزرقي وَسليمَان بن بِلَال عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبس خَاتم فضَّة فِي يَمِينه، وَرَوَاهُ ابْن وهب ومعتمر ابْن سُلَيْمَان عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس من غير تعرض لذكر لبسه لَهُ فِي يَمِينه.
    وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن اخْتِلَاف الْأَحَادِيث فِي ذَلِك، فَقَالَ: لَا يثبت هَذَا وَلَا هَذَا، وَلَكِن فِي يَمِينه أَكثر، وَرجح الشَّافِعِيَّة الْيَمين وَهُوَ الْأَشْهر عِنْدهم، وَقَالَ شَيخنَا فِي (شرح التِّرْمِذِيّ) : فِي الْأَحَادِيث اسْتِحْبَاب التَّخَتُّم فِي الْيَمين، وَهُوَ أصح الْوَجْهَيْنِ لأَصْحَاب الشَّافِعِي: أَن التَّخَتُّم فِي الْيَمين أفضل مِنْهُ فِي الْيَسَار، وَذهب مَالك إِلَى اسْتِحْبَاب التَّخَتُّم فِي الْيَسَار، وَكره التَّخَتُّم فِي الْيَمين وَقَالَ: إِنَّمَا يَأْكُل وَيشْرب وَيعْمل بِيَمِينِهِ فَكيف يُرِيد أَن يَأْخُذ باليسار ثمَّ يعْمل؟ قيل لَهُ: أفيجعل الْخَاتم فِي الْيَمين للْحَاجة يذكرهَا؟ قَالَ: لَا بَأْس بذلك، وَأما مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فقد ذكر فِي الْأَجْنَاس وَيَنْبَغِي أَن يلبس خَاتمه فِي خِنْصره الْيُسْرَى وَلَا يلْبسهُ فِي الْيَمين وَلَا فِي غير خنصر الْيُسْرَى من أَصَابِعه، وَسوى الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي (شرح الْجَامِع الصَّغِير) بَين الْيَمين واليسار، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: هُوَ الْحق لاخْتِلَاف الرِّوَايَات، وَيُقَال: جَاءَت أَحَادِيث صَحِيحَة فِي الْيَمين، وَلَكِن اسْتَقر الْأَمر على الْيَسَار. قلت: يدل على ذَلِك مَا قَالَه الْبَغَوِيّ فِي (شرح السّنة) : إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تختم أَولا فِي يَمِينه ثمَّ تختم فِي يسَاره، وَكَانَ ذَلِك آخر الْأَمريْنِ. وَقَالَ بَعضهم: وَالَّذِي يظْهر أَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف الْقَصْد، فَإِن كَانَ الْقَصْد للتزين بِهِ فاليمين أفضل، وَإِن كَانَ للتختم بِهِ فاليسار أفضل، انْتهى. قلت: إخفاء هَذَا كَانَ أولى من ظُهُوره، وَمن أَيْن هَذَا التَّفْصِيل وَالْحَال أَن التَّخَتُّم للزِّينَة مَكْرُوه لَا يَلِيق للرِّجَال؟ بل تَركه أولى مُطلقًا إلاَّ لذِي حكم، كَمَا ذَكرْنَاهُ. فَإِن قلت: إِذا تختم فِي غير خِنْصره مَا يكون حكمه؟ قلت: يكره أَشد الْكَرَاهَة، وَفِيه مُخَالفَة للسّنة. حكى صَاحب (الكافى) من الشَّافِعِيَّة وَجْهَيْن فِي جَوَاز لبسه فِي غير خِنْصره، وَذكر الرَّافِعِيّ أَن الْمَرْأَة قد تتختم فِي غير الْخِنْصر. فَإِن قلت: إِذا كَانَ التَّخَتُّم بِغَيْر الْفضة مَاذَا يكون حكمه؟ قلت: أما من الذَّهَب فَحَرَام على الرِّجَال، وَأما من الْحَدِيد والرصاص والنحاس وَنَحْوهَا فَكَذَلِك حرَام مُطلقًا، وَأما العقيق فَلَا بَأْس بالتختم بِهِ، وروى أَصْحَابنَا أثرا فِيهِ، وَهُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم بالعقيق، وَقَالَ: تختموا بِهِ فَإِنَّهُ مبارك. قلت: فِيهِ نظر، وَلَكِن ابْن منجويه روى عَن إِبْرَاهِيم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من تختم بالياقوت الْأَصْفَر لن يفْتَقر، والزمرد يَنْفِي الْفقر) . وَقَالَ: من لَيْسَ العقيق لم يقْض لَهُ إلاَّ بِالَّذِي هُوَ أسعد فَإِنَّهُ مبارك، وَصَلَاة فِي خَاتم عقيق بِثَمَانِينَ صَلَاة. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَلَا أصل لذَلِك، وروى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من تختم بالعقيق وَنقش عَلَيْهِ: وَمَا توفيقي إلاَّ بِاللَّه، وَفقه الله لكل خير وأحبه الْملكَانِ الموكلان بِهِ، ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي (الموضوعات)
    .........
    48
    (لم يبلغ الشيب) أَي: لم يبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الشيب وَفِي رِوَايَة مُسلم بِإِسْنَاد البُخَارِيّ، فَقَالَ لَهُ: لم يرَ من الشيب إلاَّ قَلِيلا. وَاخْتلف فِي الْقَلِيل، فَقيل: كَانَ تسع عشرَة شَعْرَة بَيْضَاء، وَقيل: عشرُون، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم فِي: (كتاب الشيب) عَن أنس: خمس عشرَة، وَعند ابْن سعد: سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة، وَفِي حَدِيث الْهَيْثَم بن دهر: ثَلَاثُونَ شَعْرَة عددا وَفِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: مَا كَانَ فِي رَأسه ولحيته من الشيب إلاَّ شَعرَات فِي مفرق رَأسه إِذا ادهن، وأراهن الدّهن وكل اتّفق على أَنه قد كَانَ شيب، وَقَالَ أَبُو بكر وَأَبُو جُحَيْفَة: تراك يَا رَسُول الله قد شبت؟ قَالَ: وَمَالِي لَا أشيب؟ وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَة: أَكْثَرهَا فِي عنفقته، زَاد غَيره: وصدغيه، والعنفقة الشّعْر الَّذِي بَين الشّفة والذقن، وَقَالَ القَاضِي: اخْتلف فِي خضابه فَمَنعه الْأَكْثَرُونَ مِنْهُم أنس، وأثبته بَعضهم لحَدِيث أم سَلمَة وَابْن عمر: أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصْبغ بالصفرة، وَجمع بَينهمَا بِأَن ذَلِك كَانَ طيبا فَظَنهُ من رَآهُ صبغاً
    ..........
    49
    وَبَيَان ذَلِك على التَّحْرِير أَن أم سَلمَة كَانَ عِنْدهَا شَعرَات من شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حمر فِي شَيْء مثل الجلجل، وَكَانَ النَّاس عِنْد مرضهم يتبركون بهَا ويستشفون من بركتها وَيَأْخُذُونَ من شعره ويجعلونه فِي قدح من المَاء فيشربون المَاء الَّذِي فِيهِ الشّعْر فَيحصل لَهُم الشِّفَاء، وَكَانَ أهل عُثْمَان أخذُوا مِنْهَا شَيْئا وجعلوه فِي قدح من فضَّة فَشَرِبُوا المَاء الَّذِي فِيهِ فَحصل لَهُم الشِّفَاء، ثمَّ أرْسلُوا عُثْمَان بذلك الْقدح إِلَى أم سَلمَة فَأَخَذته أم سَلمَة وَوَضَعته فِي الجلجل، فَاطلع عُثْمَان فِي الجلجل فَرَأى فِيهِ شَعرَات حمراً.
    .....
    50
    عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يكره تَغْيِير الشيب، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من شَاب شيبَة فِي الْإِسْلَام كَانَت لَهُ نورا يَوْم الْقِيَامَة إلاَّ أَن ينتفها أَو يخضبها، وَعَن ابْن مَسْعُود: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكره خِصَالًا، فَذكر مِنْهَا: تَغْيِير الشيب، وَقد غير جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ الشيب، فَروِيَ عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: كَانَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ، يخرج إِلَيْنَا وَكَانَ لحيته ضرام العرفج من الْحِنَّاء والكتم، وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: اختضب أَبُو بكر بِالْحِنَّاءِ والكتم، واختضب عمر رَضِي الله عَنهُ، بِالْحِنَّاءِ بحتاً بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق، أَي: صرفا خَالِصا، وَكَانَ الشّعبِيّ وَابْن أبي مليكَة يختضبان بِهِ، وَمِمَّنْ كَانَ يصْبغ بالصفرة عَليّ وَابْن عمر والمغيرة وَجَرِير البَجلِيّ وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَطَاء وَأَبُو وَائِل وَالْحسن وطاووس وَسَعِيد بن الْمسيب، وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: وَالصَّوَاب عندنَا أَن الْآثَار الَّتِي رويت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بتغييره وَالنَّهْي عَنهُ صِحَاح، وَلَكِن بَعْضهَا عَام وَبَعضهَا خَاص، فَقَوله: خالفوا الْيَهُود وغيروا الشيب، المُرَاد مِنْهُ الْخُصُوص أَي: غيروا الشيب الَّذِي هُوَ نَظِير شيبَة أبي قُحَافَة، وَأما من كَانَ أشمط فَهُوَ الَّذِي أمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن لَا يُغَيِّرهُ.
    ......
    52
    وَأما أول من صبغ لحيته بِالسَّوَادِ ففرعون مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَله حِكَايَة ذَكرنَاهَا فِي (تاريخنا) .
    ......

    63
    وَقَالَ الطَّبَرِيّ: اخْتلف الْعلمَاء فِي معنى نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْوَصْل فِي الشّعْر، فَقَالَ بَعضهم: لَا بَأْس عَلَيْهَا فِي وَصلهَا شعرهَا بِمَا وصلت بِهِ من صوف وخرقة وَغير ذَلِك، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَأم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم، وَسَأَلَ ابْن أَشوع عَائِشَة: ألعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَاصِلَة؟ قَالَت: أيا سُبْحَانَ الله! وَمَا بَأْس بِالْمَرْأَةِ الزَّعْرَاء أَن تَأْخُذ شَيْئا من صوف فتصل بِهِ شعرهَا فتتزين بِهِ عِنْد زَوجهَا؟ إِنَّمَا لعن الْمَرْأَة الشَّابَّة تبغي فِي شبيبتها ... .
    قَالُوا: هَذَا الحَدِيث بَاطِل وَرُوَاته لَا يعْرفُونَ، وَابْن أَشوع لم يدْرك عَائِشَة، والزعراء بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء ممدوداً وَهِي الَّتِي لَا شعر لَهَا، وَقَالَ قوم: لَا يجوز الْوَصْل مُطلقًا وَلَكِن لَا بَأْس أَن تضع الْمَرْأَة الشّعْر وَغَيره على رَأسهَا وضعا مَا لم تصله، رُوِيَ ذَلِك عَن إِبْرَاهِيم.
    .......
    68
    وَقَالَ الْخطابِيّ: المُرَاد من الصُّور الَّتِي فِيهَا الرّوح مِمَّا لم يقطع رَأسه أَو لم يمتهن بِالْوَطْءِ، وَأغْرب ابْن حبَان فَادّعى أَن هَذَا الحكم خَاص بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: وَهُوَ نَظِير الحَدِيث الآخر: لَا تصْحَب الْمَلَائِكَة رفْقَة فِيهَا جرس، قَالَ: فَإِنَّهُ مَحْمُول على رفْقَة فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ إِذْ محَال أَن يخرج الْحَاج أَو الْمُعْتَمِر لقصد بَيت الله على رواحل لَا تصحبها الْمَلَائِكَة وهم وَفد الله عز وَجل. فَإِن قلت: قَالَ الله تَعَالَى عِنْد ذكر سُلَيْمَان، (يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل قَالَ مُجَاهِد: كَانَت صوراً من نُحَاس، أخرجه الطَّبَرَانِيّ، وَقَالَ قَتَادَة: كَانَت من خشب وَمن زجاج، أخرجه عبد الرَّزَّاق. قلت: كَانَ ذَلِك جَائِزا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَة، وَكَانُوا يعْملُونَ أشكال الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ مِنْهُم على هيئتهم فِي عِبَادَتهم ليتعبدوا كعبادتهم، ثمَّ جَاءَ شرعنا بِالنَّهْي عَن ذَلِك
    ........
    76
    أَنه لعن فَاعل ذَلِك، وَقَالَ: إِنَّا قد نهينَا أَن نركب الثَّلَاثَة على الدَّابَّة. وَأخرج الطَّبَرِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: إِذا رَأَيْتُمْ ثَلَاثَة على دَابَّة فارجموهم حَتَّى ينزل أحدهم. قلت: حَدِيث جَابر ضَعِيف، وَحَدِيث أبي سعيد فِي إِسْنَاده ليّن، وَحَدِيث زادان مُرْسل لَا يُعَارض الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل، وَحَدِيث أبي بردة غير مَرْفُوع، وَحَدِيث المُهَاجر ضَعِيف، وَحَدِيث عَليّ مَوْقُوف.
    وَرُوِيَ مَا يُخَالف ذَلِك، فَأخْرج الطَّبَرِيّ بِسَنَد جيد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانُوا يَوْم بدر ثَلَاثَة على بعير، وأرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن أبي شيبَة من طَرِيق الشّعبِيّ عَن ابْن عمر، قَالَ: مَا أُبَالِي أَن أكون عَاشر عشرَة على دَابَّة إِذا طاقت، وَقد جمعُوا بَين مُخْتَلف الحَدِيث فِي ذَلِك أَن النَّهْي مَحْمُول على أَن الدَّابَّة إِذا عجزت عَن ذَلِك كالحمار، وَإِن الْجَوَاز مَحْمُول على أَن الدَّابَّة إِذا أطاقت ذَلِك كالناقة وَالْبَغْلَة، قلت: مُخْتَصر الْجَواب أَن كل مَا جَاءَ من أَخْبَار النَّهْي عَن ركُوب الثَّلَاثَة مرتدفين لَا يُقَاوم حَدِيث الْبَاب وَأَمْثَاله.
    .....
    (22/86)
    قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: ضبط الْوَاجِب من الطَّاعَة لَهما وَالْمحرم من العوق مَا لَهما فِيهِ عسر. ورتب العقوق مُخْتَلفَة، وَقَالَ ابْن عبد السَّلَام: لم أَقف فِي عقوق الْوَالِدين وَلَا فِيمَا يختصان بِهِ من الْحُقُوق على ضَابِط اعْتمد عَلَيْهِ، فأيما يحرم فِي حق الْأَجَانِب فَهُوَ حرَام فِي حَقّهمَا وَمَا يجب للأجانب فَهُوَ وَاجِب لَهما، وَلَا يجب على الْوَلَد طاعتهما فِي كل مَا يأمران بِهِ وَلَا فِي كل مَا ينهيان عَنهُ بِاتِّفَاق الْعلمَاء، وَقَالَ الشَّيْخ تفي الدّين السُّبْكِيّ: إِن ضَابِط العقوق إيذاؤهما بِأَيّ نوع كَانَ من أَنْوَاع الْأَذَى. قل أَو كثر، نهيا عَنهُ أَو لم ينهيا أَو يخالفهما فِيمَا يأمران أَو ينهيان بِشَرْط انْتِفَاء الْمعْصِيَة فِي الْكل، وَحكى قَول الْغَزالِيّ: أَن أَكثر الْعلمَاء على وجوب طاعتهما فِي الشُّبُهَات، وَوَافَقَهُمَا عَلَيْهِ، وَحكى قَول الطرطوسي من الْمَالِكِيَّة: أَنَّهُمَا إِذا نهياه عَن سنية راتبة الْمرة بعد الْمرة أَطَاعَهُمَا، وَإِن كَانَ ذَلِك على الدَّوَام فَلَا طَاعَة لَهما فِيهِ لما فِيهِ من إماتة الشَّرْع، وَوَافَقَهُ على ذَلِك أَيْضا.
    .......
    88
    وأد الْبَنَات وَهُوَ دفنهن بِالْحَيَاةِ، يُقَال: وأدها يئدها وأداً فَهِيَ مؤودة، ذكرهَا الله فِي كِتَابه، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَفْعَلُونَ ذَلِك كَرَاهَة فِيهِنَّ. وَيُقَال: إِن أول من فعل ذَلِك قيس بن عَاصِم التَّمِيمِي، وَكَانَ بعض أعدائه أغار عَلَيْهِ فَأسر بنته فاتخذها لنَفسِهِ ثمَّ حصل بَينهم صلح فَخير ابْنَته فَاخْتَارَتْ زَوجهَا، فآلى قيس على نَفسه أَن لَا تولد لَهُ بنت إلاَّ دَفنهَا حَيَّة، فَتَبِعَهُ الْعَرَب على ذَلِك، وَكَانَ من الْعَرَب فريق ثَان يقتلُون أَوْلَادهم مُطلقًا إِمَّا نفاسة مِنْهُ على مَا ينقصهُ من مَاله، وَإِمَّا من عدم مَا يُنْفِقهُ عَلَيْهِ، وَقد ذكر الله أَمرهم فِي الْقُرْآن، وَكَانَ صعصعة بن نَاجِية التَّمِيمِي جد الفرزدق همام بن غَالب بن صعصعة أول من فدى المؤودة، وَذَلِكَ أَنه كَانَ يعمد إِلَى من يفعل ذَلِك فيفدي الْوَلَد مِنْهُ بِمَال يتفقان عَلَيْهِ، وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ الفرزدق بقوله:
    (وجدى الَّذِي منع الوائدات ... وأحي الوئيد فَلم يؤدٍ)
    ........
    90
    قَالَ عِيَاض: لَا خلاف فِي أَن صلَة الرَّحِم وَاجِبَة فِي الْجُمْلَة وقطيعتها مُصِيبَة كَبِيرَة، وللصلة دَرَجَات فأدناها: ترك المهاجرة وصلتها بالْكلَام وَلَو بِالسَّلَامِ، وَيخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف الْقُدْرَة وَالْحَاجة فَمِنْهَا وَاجِب وَمِنْهَا مُسْتَحبّ، فَلَو وصل بعض الصِّلَة وَلم يصل غايتها لَا يُسمى قَاطعا. وَاخْتلفُوا فِي حد الرَّحِم الَّتِي تجب صلتها فَقيل: كل ذِي رحم محرم بِحَيْثُ لَو كَانَ أَحدهمَا ذكرا وَالْآخر أُنْثَى حرمت منا كحتها، فعلى هَذَا لَا تدخل أَوْلَاد الْأَعْمَام والأخوال، وَقيل: هُوَ عَام فِي كل ذِي رحم من ذَوي الْأَرْحَام فِي الْمِيرَاث، قَالَ: وَهُوَ الصَّوَاب.
    >>>>>
    91
    إِن قلت الْآجَال مقدرَة وَكَذَا الأرزاق لَا تزيد وَلَا تنقص {فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} قلت أُجِيب عَن هَذَا بِوَجْهَيْنِ (أَحدهمَا) أَن هَذِه الزِّيَادَة بِالْبركَةِ فِي الْعُمر بِسَبَب التَّوْفِيق فِي الطَّاعَات وصيانته عَن الضّيَاع وَحَاصِله أَنَّهَا بِحَسب الكيف لَا الْكمّ (وَالثَّانِي) أَن الزِّيَادَة على حَقِيقَتهَا وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى علم الْملك الْمُوكل بالعمر وَإِلَى مَا يظْهر لَهُ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ بالمحو وَالْإِثْبَات فِيهِ {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} كَمَا أَن عمر فلَان سِتُّونَ سنة إِلَّا أَن يصل رَحمَه فَإِنَّهُ يُزَاد عَلَيْهِ عشرَة وَهُوَ سَبْعُونَ وَقد علم الله عز وَجل بِمَا سيقع لَهُ من ذَلِك فبالنسبة إِلَى الله تَعَالَى لَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَيُقَال لَهُ الْقَضَاء المبرم وَإِنَّمَا يتَصَوَّر الزِّيَادَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم وَيُسمى مثله بِالْقضَاءِ الْمُعَلق وَيُقَال المُرَاد بَقَاء ذكره الْجَمِيل بعده فَكَأَنَّهُ لم يمت وَهُوَ إِمَّا بِالْعلمِ الَّذِي ينْتَفع بِهِ أَو الصَّدَقَة الْجَارِيَة أَو الْخلف الصَّالح
    >>>>>
    95
    قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: لَيْسَ الْوَصْل أَن تصل من وصلك ذَلِك الْقصاص وَلَكِن الْوَصْل أَن تصل من قَطعك، وَهَذَا حَقِيقَة الْوَصْل الَّذِي وعد الله عباده عَلَيْهِ جزيل الْأجر، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذين يصلونَ ... . يُوصل}
    ......

  15. #295
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    ( 22 ) / عمدة القاري
    اليوم : الخميس
    الموافق : 22/ شوال / 1442 هجري
    الموافق : 3/ يونيو / 2021 ميلادي
    : " فوائد المجلد الثاني والعشرين : " من عمدة القاري للحافظ العيني رحمه الله


    2
    .....
    106
    قيل: هُوَ الْأَعرَابِي الَّذِي بَال فِي الْمَسْجِد، وَهُوَ ذُو الْخوَيْصِرَة الْيَمَانِيّ، وَقيل: الْأَقْرَع بن حَابِس، وَيُؤَيّد كَون الْأَعرَابِي هُوَ الَّذِي بَال فِي الْمَسْجِد مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من وَجه آخر عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: دخل أَعْرَابِي الْمَسْجِد فَقَالَ: أللَّهم اغْفِر لي ولمحمد وَلَا تغْفر لأحد مَعنا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد احتظرت وَاسِعًا، ثمَّ تنحى الْأَعرَابِي فَبَال فِي نَاحيَة الْمَسْجِد ... الحَدِيث
    .........
    110
    وَاخْتلف فِي حد الْجوَار، فَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: من سمع النداء فَهُوَ جَاءَ، وَقيل: من صلى مَعَك صَلَاة الصُّبْح فِي الْمَسْجِد فَهُوَ جَار، وَعَن عَائِشَة: حق الْجوَار أَرْبَعُونَ دَارا من كل جَانب، وَعَن الْأَوْزَاعِيّ مثله، ثمَّ كَيْفيَّة حفظ حق الْجَار هِيَ: أَن يعاشر مَعَ كل وَاحِد من الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ بِمَا يَلِيق بِحَالهِ من إِرَادَة الْخَيْر وَدفع الْمضرَّة والنصيحة وَنَحْو ذَلِك.
    .......
    125
    (إذهب) أَمر من الرجل للرجل الَّذِي أمره بالتعوذ يَعْنِي: انْطلق فِي شغلك. وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا كَلَام من لم يفقه فِي دين الله وَلم يعرف أَن الْغَضَب نَزغ من نزغات الشَّيْطَان، وتوهم أَن الِاسْتِعَاذَة مُخْتَصَّة بالمجانين، وَلَعَلَّه كَانَ من جُفَاة الْعَرَب، أَو يُقَال: لَعَلَّه كَانَ كَافِرًا أَو منافقاً أَو شدَّة الْغَضَب أخرجته عَن حيّز الِاعْتِدَال بِحَيْثُ زجر الناصح لَهُ، وَقد أخرج أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا من حَدِيث عَطِيَّة السَّعْدِيّ: إِن الْغَضَب من الشَّيْطَان.
    .....
    130
    وَقَالَ ابْن بطال: وَقد فرق أهل اللُّغَة بَين النمام والقتات فَذكر الْخطابِيّ أَن النمام الَّذِي يكون مَعَ الْقَوْم يتحدثون فينم حَدِيثهمْ، والقتات الَّذِي يتسمع على الْقَوْم وهم لَا يعلمُونَ ثمَّ ينم حَدِيثهمْ،
    .......
    136
    وَرُوِيَ أَنه سُئِلَ عَن النشرة فَقَالَ: هِيَ من عمل الشَّيْطَان، وَقَالَ الْحسن: النشرة من السحر وَهُوَ ضرب من الرقي والعلاج يعالج بِهِ من كَانَ يظنّ أَن بِهِ شَيْئا من الْجِنّ. وَقَالَ عِيَاض: النشرة نوع من التطبب بالاغتسال على هيأة مَخْصُوصَة بالتجربة لَا يحيلها الْقيَاس الظني، وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي جَوَازهَا، وَقيل: من قَالَ: إِن تنشرت مَأْخُوذ من النشر أَو من نشر الشَّيْء وَهُوَ إِظْهَاره كَيفَ يجمع بَين قَوْلهَا: فَأخْرج؟ وَبَين قَوْلهَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (فَهَلا استخرجته) ؟ . وَأجِيب: بِأَن الْإِخْرَاج الْوَاقِع كَانَ لأصل السحر، والاستخراج
    الْمَنْفِيّ كَانَ لأجزاء السحر.
    .......
    140
    الَ أَبُو جَعْفَر بن حمدَان النَّيْسَابُورِ ي: كل مَا قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ لي فلَان، فَهُوَ عرض ومناولة، وَقَالَ بعض المغاربة: يَقُول البُخَارِيّ: قَالَ لي، وَقَالَ لنا: مَا علم لَهُ إِسْنَاد لم يذكرهُ للاحتجاج بِهِ، وَإِنَّمَا ذكره للاستشهاد بِهِ، وَكَثِيرًا مَا يعبر المحدثون بِهَذَا اللَّفْظ مِمَّا جرى بَينهم فِي المذاكرات والمناظرات، وَأَحَادِيث المذاكرة قَلما
    حتجون بهَا، قَالَه الْحَافِظ الدمياطي، وهشيم بن بشير أَبُو مُعَاوِيَة الوَاسِطِيّ
    ........
    وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ الْعلمَاء: تحرم الْهِجْرَة بَين الْمُسلمين أَكثر ن ثَلَاث لَيَال بِالنَّصِّ، وَيُبَاح فِي الثَّلَاث بِالْمَفْهُومِ، وَإِنَّمَا عفى عَنهُ فِي ذَلِك لِأَن الْآدَمِيّ مجبول على الْغَضَب فسومح بذلك الْقدر ليرْجع وَيَزُول ذَلِك الْعَارِض.
    .......
    145
    قَالَ بَعضهم: كَأَن البُخَارِيّ رمز بالترجمة إِلَى توهين الحَدِيث الْمَشْهُور زرغباً تَزْدَدْ حبا، قلت: هَذَا تخمين فِي حق البُخَارِيّ لِأَنَّهُ حَدِيث مَشْهُور رُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وهم: عَليّ وَأَبُو ذَر وَأَبُو هُرَيْرَة وَعبد الله بن عَمْرو وَعبد الله بن عمر وَأَبُو بَرزَة وَأنس وَجَابِر وحبِيب بن مسلمة وَمُعَاوِيَة بن حيدة، وَقد جمع أَبُو نعيم وَغَيره طرقه، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي (تَارِيخ نيسابور) والخطيب فِي (تَارِيخ بَغْدَاد) بطرِيق قوي: فَإِن قلت: كَانَ الصّديق أولى بالزيارة لدفع مشقة التّكْرَار عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: قَالَ ابْن التِّين: لم يكن يَجِيء إِلَى أبي بكر لمُجَرّد الزِّيَارَة بل لما يتزايد عِنْده من علم الله، وَقيل: كَانَ سَبَب ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَاءَ إِلَى بَيت أبي بكر رَضِي الله عَنهُ، يَأْمَن من أَذَى الْمُشْركين، بِخِلَاف مَا لَو جَاءَ أَبُو بكر إِلَيْهِ، وَقيل: يحْتَمل أَن أَبَا بكر كَانَ يَجِيء إِلَيْهِ فِي النَّهَار وَاللَّيْل أَكثر من مرَّتَيْنِ.
    ........
    147
    وَقَالَ النَّوَوِيّ: لَا حلف فِي الْإِسْلَام مَعْنَاهُ: حلف التورات وَمَا يمْنَع الشَّرْع مِنْهُ، وَأما المؤاخاة والمحالفة على طَاعَة الله والتعاون على الْبر فَلم ينْسَخ، إِنَّمَا الْمَنْسُوخ مَا يتَعَلَّق بالجاهلية.
    .
    وَقَالَ أَصْحَابنَا: الضحك أَن يسمع هُوَ نَفسه فَقَط، والقهقهة أَن يسمع غَيره، والتبسم لَا يسمع هُوَ وَلَا غَيره، فالضحك يفْسد الصَّلَاة لَا الْوضُوء، والقهقهة تفْسد الصَّلَاة وَالْوُضُوء جَمِيعًا، والتبسم لَا يفسدهما.
    ........

    175
    وَاخْتلف فِي وُجُوبهَا: فأوجبها اللَّيْث بن سعد فرضا لَيْلَة وَاحِدَة، وَأَجَازَ للْعَبد الْمَأْذُون لَهُ أَن يضيف مِمَّا فِي يَده، وَاحْتج بِحَدِيث عقبَة، وَقَالَت جمَاعَة من أهل الْعلم: الضِّيَافَة من مَكَارِم الْأَخْلَاق فِي باديته وحاضرته، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَقَالَ مَالك: لَيْسَ على أهل الْحَضَر ضِيَافَة، وَقَالَ سَحْنُون: إِنَّمَا الضِّيَافَة على أهل الْقرى، وَأما الْحَضَر فالفندق ينزل فِيهِ المسافرون، وَحَدِيث عقبَة كَانَ فِي أول الْإِسْلَام حِين كَانَت الْمُوَاسَاة وَاجِبَة، فَأَما إِذا أَتَى الله بِالْخَيرِ وَالسعَة فالضيافة مَنْدُوب إِلَيْهَا وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جائزته فِي يَوْم وَلَيْلَة، دَلِيل على أَن الضِّيَافَة لَيست بفريضة، والجائزة فِي لِسَان الْعَرَب المنحة والعطية، وَذَلِكَ تفضل وَلَيْسَ بِوَاجِب وحسين فِي السَّنَد هُوَ الْمعلم.
    ........
    177
    لأبي الدرداء زوجتان كل واحدة منهما كنيتهما أم الدرداء الكبرى صحابية وهي خيرة والصغرى تابعية وهي هجيمة .
    .......
    182
    ن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تعمد إسكانهما ليخرج الْقسمَيْنِ عَن الشّعْر، وَاخْتلف هَل قَالَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متمثلاً؟ أَو قَالَه من قبل نَفسه لإنشائه فَخرج مَوْزُونا؟ وَإِلَى الأول مَال الطَّبَرِيّ وَغَيره وَبِه جزم ابْن التِّين، وَقَالَ: إنَّهُمَا من شعر عبد الله بن رَوَاحَة، وَاخْتلف أَيْضا فِي جَوَاز تمثل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالشعر وإنشاده حاكياً عَن غَيره، فَالصَّحِيح جَوَازه. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: الصحي فِي ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَمَثَّل أَحْيَانًا بِالْبَيْتِ، فَقَالَ:
    (هَل أَنْت إِلَّا إِصْبَع)
    إِلَى آخِره.
    وَقَالَ: أصدق كلمة قَالَهَا الشَّاعِر:
    أَلا كل شَيْء مِمَّا خلا الله بَاطِل
    على مَا يَجِيء الْآن. وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَمَثَّل من الْعشْر:
    (ويأتيك بالأخبار من لم تزَود)
    فَإِن قلت: قد رُوِيَ عَن جُبَير بن مطعم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة يستعيذ من الشَّيْطَان: من همزَة ونفخه ونفثه وَفَسرهُ عَمْرو بن مرّة رَاوِيه قَالَ: نفثه الشّعْر ونفخة الْكبر وهمزه الموته، أَي: الْجُنُون، وَرُوِيَ عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما نزل إِبْلِيس إِلَى الأَرْض قَالَ: يَا رب! إجعل لي قُرْآنًا قَالَ: الشّعْر وَرُوِيَ ابْن لَهِيعَة عَن أبي قبيل المغافري، قَالَ: سَمِعت عبد الله ابْن عمر، يَقُول: من قَالَ ثَلَاثَة أَبْيَات من الشّعْر من تِلْقَاء نَفسه لم يدْخل الفردوس، وَقَالَ ابْن مَسْعُود: الشّعْر مَزَامِير الشَّيْطَان. قلت: قَالَ الطَّبَرِيّ: هَذِه أَخْبَار واهية) .
    ........

  16. #296
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    (( 22 ))
    ختم وتلخيص المجلد الثاني والعشرين من " عمدة القاري "
    اليوم : الأحد
    الموافق : 25/ شوال / 1442 هجري
    الموافق : 6/ يونيو / 2021 ميلادي




    207
    >>>
    >>>>
    207
    أَنه لَا بَأْس بِأَن يكتني الرجل بِأبي الْقَاسِم، وَأَن يتسمى مَعَ ذَلِك بِمُحَمد، وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة ومالكاً وَأحمد فِي رِوَايَة، ثمَّ افترق هَؤُلَاءِ فرْقَتَيْن، فَقَالَت فرقه، وهم مُحَمَّد ابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشَّافِعِيّ: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يتكنى بِأبي الْقَاسِم كَانَ اسْمه مُحَمَّدًا أَو لم يكن، وَقَالَت فرقة أُخْرَى، وهم الظَّاهِرِيَّة وَأحمد فِي رِوَايَة: لَا يَنْبَغِي لمن تسمى بِمُحَمد أَن يتكنى بِأبي الْقَاسِم، وَلَا بَأْس لمن لم يتسم بِمُحَمد أَن يتكنى بِأبي الْقَاسِم. وَفِي حَدِيث الْبَاب عَن جَابر على مَا يَأْتِي النَّهْي عَن الْجمع بَينهمَا، أَعنِي: بَين الإسم والكنية، وَقيل: الْمَنْع فِي حَيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للإيذاء، وَأبْعد بَعضهم فَمنع التَّسْمِيَة بِمُحَمد وروى سَالم بن أبي الْجَعْد: كتب عمر رَضِي الله عَنهُ إِلَى أهل الْكُوفَة: لَا تسموا باسم نَبِي، وروى أَبُو دَاوُد عَن الحكم بن عَطِيَّة عَن ثَابت عَن أنس رَفعه: تسمون أَوْلَادكُم مُحَمَّدًا ثمَّ تلعنوه؟ وَقَالَ الطَّبَرِيّ: يحمل النَّهْي على الْكَرَاهَة دون التَّحْرِيم، وَصحح الْأَخْبَار كلهَا وَلَا تعَارض وَلَا نسخ، وَكَانَ إِطْلَاقه لعَلي رَضِي الله عَنهُ فِي
    ذَلِك إعلاماً مِنْهُ أمته ليُفِيد جَوَازه مَعَ الْكَرَاهَة، وَترك الْإِنْكَار عَلَيْهِ دَلِيل الْكَرَاهَة
    >>>
    208
    الْمسيب فَإِنَّهُ مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة، قَالُوا: لم يرو عَن الْمسيب إلاَّ سعيد. قَالَ الْكرْمَانِي: فِيهِ خلاف لما هُوَ الْمَشْهُور من شَرط البُخَارِيّ أَنه لم يرو عَن أحد لَيْسَ لَهُ إلاَّ راوٍ واحدٍ، وَأما جده حزن بن أبي وهب بن عُمَيْر بن عَابِد بن عمرَان بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي فَكَانَ من الْمُهَاجِرين وَمن أَشْرَاف قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة، قَالَ الكلاباذي: روى عَن حزن ابْنه الْمسيب حَدِيثا وَاحِدًا فِي الْأَدَب، وحديثاً آخر مَوْقُوفا فِي ذكر أَيَّام الْجَاهِلِيَّة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.

    ....
    208
    وَفِي الحَدِيث: إِنَّكُم تدعون يَوْم الْقِيَامَة بأسمائكم وَأَسْمَاء أبائكم، فَأحْسنُوا أسماءكم. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يُسمى باسم قَبِيح الْمَعْنى وَلَا باسم مَعْنَاهُ التَّزْكِيَة والمدح وَنَحْوه، وَلَا باسم مَعْنَاهُ الذَّم والسب، بل الَّذِي يَنْبَغِي أَن يُسمى بِهِ مَا كَانَ حَقًا وصدقاً.
    .........
    212
    قَالَ ابْن حبَان: لما كبر إِسْمَاعِيل تغير حفظه فَكثر الْخَطَأ فِي حَدِيثه وَهُوَ لَا يعلم وَقد رَوَاهُ وَهُوَ مختلط، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: قد رَأَيْت فِي بعض الرِّوَايَات عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ: سَأَلت الزُّهْرِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: إِن اسْتخْلف الْوَلِيد بن يزِيد وإلاَّ فَهُوَ الْوَلِيد بن عبد الْملك، وَهَذِه الرِّوَايَة لَا أعلم صِحَّتهَا. قلت: فَإِن صحت دلّت على ثُبُوت الحَدِيث. والوليد بن يزِيد أولى بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَشْهُورا بالإلحاد مبارزاً بالعناد، وَإِنَّمَا قَالَ: أَسمَاء فرا عينكم لِأَن فِرْعَوْن مُوسَى اسْمه الْوَلِيد، وَلما لم يكن هَذَانِ الحديثان وأمثالهما على شَرط البُخَارِيّ لم يذكر شَيْئا مِنْهُمَا، وَأورد فِي الْبَاب الحَدِيث الَّذِي يدل على الْجَوَاز.
    ........
    213
    حَدِيث صُهَيْب: أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَهُ مَالك تكنى أَبَا يحيى وَلَيْسَ لَك ولد؟ قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كناني، وروى ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: كَانَ رجال من الصَّحَابَة يكتنون قبل أَن يُولد لَهُم. وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كناه أَبَا عبد الرَّحْمَن قبل أَن يُولد لَهُ.
    ....
    215
    الْتحق بذلك قَاضِي الْقُضَاة وَإِن كَانَ اشْتهر فِي بِلَاد الْمشرق من قديم الزَّمَان إِطْلَاق ذَلِك على كَبِير الْقُضَاة، وَقد سلم أهل الغرب من ذَلِك، وَاسم: كَبِير الْقُضَاة، عِنْدهم قَاضِي الْجَمَاعَة. قلت: أول من تسمى قَاضِي الْقُضَاة أَبُو يُوسُف من أَصْحَاب أبي حنيفَة، وَفِي زَمَنه كَانَ أساطين الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء والمحدثين فَلم ينْقل عَن أحد مِنْهُم إِنْكَار ذَلِك، نعم يمْتَنع أَن يُقَال: أقضى الْقُضَاة، لِأَن مَعْنَاهُ: أحكم الْحَاكِمين، وَالله سُبْحَانَهُ هُوَ أحكم الْحَاكِمين، وَهَذَا أبلغ من قَاضِي الْقُضَاة، لِأَنَّهُ أفعل التَّفْضِيل، وَمن جهلاء هَذَا الزَّمَان من مسطري سجلات الْقُضَاة يَكْتُبُونَ للنائب: أقضى الْقُضَاة، وللقاضي الْكَبِير: قَاضِي الْقُضَاة.
    ....
    220
    بَاب فِي بَيَان جَوَاز رفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء. وَفِيه الرَّد على من قَالَ: لَا يَنْبَغِي النّظر إِلَى السَّمَاء تخشعاً وتذللاً لله تَعَالَى وَهُوَ بعض الزهاد، وروى عَن عَطاء السّلمِيّ أَنه مكث أَرْبَعِينَ سنة لَا ينظر إِلَى السَّمَاء، فحانت مِنْهُ نظرة فَخر مغشياً عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ فتق فِي بَطْنه، وَذكر الطَّبَرِيّ عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَنه كره أَن يرفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء فِي الدُّعَاء، وَإِنَّمَا نهى عَن ذَلِك الْمُصَلِّي فِي دُعَاء كَانَ أَو غَيره، كَمَا تقدم فِي كتاب الصَّلَاة عَن أنس رَفعه: مَا بَال أَقوام يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة؟ فَاشْتَدَّ قَوْله فِي ذَلِك حَتَّى قَالَ: لينتهين عَن ذَلِك أَو ليخطفن أَبْصَارهم، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن جَابر نَحوه، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه عَن ابْن عمر نَحوه، وَقَالَ: أَن تلتمع، وَصَححهُ ابْن حبَان.
    من حَدِيث أَوله: مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِي ويومي وَبَين سحرِي وَنَحْرِي ... الحَدِيث، وَفِيه: فَرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء وَقَالَ: الرفيق الْأَعْلَى، أخرجه هَكَذَا أَحْمد عَن إِسْمَاعِيل ابْن علية عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن عبد الله بن أبي مليكَة عَن عَائِشَة، وَقد مضى للْبُخَارِيّ فِي الْوَفَاة النَّبَوِيَّة من طَرِيق حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب بِتَمَامِهِ لَكِن فِيهِ: فَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء. وَأخرج مُسلم من حَدِيث أبي مُوسَى: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا مَا يرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء. وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن سَلام: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جلس يتحدث يكثر أَن يرفع رَأسه إِلَى السَّمَا

    ...........
    222
    وَالْخطْبَة، وَهِي مَأْخُوذَة من أصل كريم ومعدن شرِيف وَلَا ينكرها إلاَّ جَاهِل، وَقد جمع الله لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي عَصَاهُ من البارهين الْعِظَام مَا آمن بِهِ السَّحَرَة المعاندون لَهُ، واتخذها سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام لخطبته وموعظته وَطول صلَاته، وَكَانَ ابْن مَسْعُود صَاحب عَصا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يخْطب بالقضيب، وَكفى بذلك شرفاً للعصا، وعَلى ذَلِك كَانَت الْخُلَفَاء والخطباء، وَذكر أَن الشعوبية تنكر على خطباء الْعَرَب أَخذ المخصرة وَالْإِشَارَة بهَا إِلَى الْمعَانِي، وهم طَائِفَة تبغض الْعَرَب وتذكر مثالبها وتفضل عَلَيْهَا الْعَجم، وَفِي اسْتِعْمَال الشَّارِع المخصرة الْحجَّة الْبَالِغَة على من أنكرها.
    ........
    224
    (وتشميت الْعَاطِس) وَقَالَ ابْن بطال، مَا ملخصه إِن التَّرْجَمَة مُقَيّدَة بِالْحَمْد والْحَدِيث مُطلق، وَظَاهره أَن كل عاطس يشمت على التَّعْمِيم، وَالْمُنَاسِب للتَّرْجَمَة حَدِيث أبي هُرَيْرَة لِأَنَّهُ مُقَيّد بِالْحَمْد، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يقدم حَدِيث أبي هُرَيْرَة ثمَّ يذكر حَدِيث الْبَراء، ثمَّ اعتذر عَنهُ بِأَن هَذَا من الْأَبْوَاب الَّتِي أعجلته الْمنية عَن تهذيبها، وَقَالَ بَعضهم نصْرَة للْبُخَارِيّ مَا ملخصه: إِنَّه يرد عذره الْمَذْكُور وَإنَّهُ إِنَّمَا الَّذِي فعله إِمَّا إِشَارَة إِلَى مَا وَقع فِي بعض طرق الحَدِيث الَّذِي يُورِدهُ، وَإِمَّا فِي حَدِيث آخر وعد الْعلمَاء ذَلِك من دَقِيق فهمه وَحسن تصرفه، فَإِن إِيثَار الأخفى على الأجلى شحذاً للذهن وبعثاً للطَّالِب على تتبع طرق الحَدِيث. انْتهى. قلت: أما كَلَام ابْن بطال فَإِنَّهُ غير جلي لِأَنَّهُ لَو قدم الْمُقَيد على الْمُطلق لأورد عَلَيْهِ بِأَن الْمُقَيد جُزْء الْمُطلق، وَتَقْدِيم المتضمن للجزء أولى، وَالَّذِي قَصده يفهم من هَذَا الْوَضع على أَن التَّرْتِيب لَيْسَ بِشَرْط، وَأما كَلَام بَعضهم فَلَا يجدي شَيْئا لِأَن من وقف على حَدِيث من أَحَادِيث الْكتاب يتعسر عَلَيْهِ أَن يقف على مَا وَقع فِي بعض طرقه وَفِي تَحْصِيل حَدِيث آخر. وَقَوله فَإِن فِي إِيثَار الأخفى ... إِلَى آخِره تنويه للنَّاظِر وإحالة على تتبع أَمر مَجْهُول، وَهَذَا لَيْسَ بدأب عِنْد الْعلمَاء.
    .......
    226
    قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: وَالَّذِي عِنْدِي أَنه لَا يمْتَنع إلاَّ من خَافَ مِنْهُ ضَرَرا، فَأَما غَيره فيشمت امتثالاً لِلْأَمْرِ، ويناقضه للتكبر فِي مُرَاده. قلت: قد جرت الْعَادة عِنْد سلاطين مصر أَنه إِذا عطس لَا يشمته أحد، وَإِذا دخل عَلَيْهِ أحد لَا يسلم عَلَيْهِ، وَالَّذِي قَالَه الشَّيْخ يعْمل فِيهِ بالتفصيل الْمَذْكُور. وَالْخَامِس: عِنْد الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة، لِأَن التشميت يخل بالإنصات الْمَأْمُور بِهِ. وَالسَّادِس: من عطس وَهُوَ يُجَامع أَو فِي الْخَلَاء فيؤخر ثمَّ يحمد ويشمته من سَمعه، فَلَو خَالف فَحَمدَ فِي تِلْكَ الْحَالة هَل يسْتَحق التشميت؟ قَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر. قلت: النّظر أَنه يشمت لظَاهِر الحَدِيث.

    ......
    229
    (فَلْيقل: يهديكم الله وَيصْلح بالكم) ، قَالَ ابْن بطال: ذهب الْجُمْهُور إِلَى هَذَا، وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن يَقُول: يغْفر الله لنا وَلكم. وَأخرجه الطَّبَرِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَغَيرهمَا، وَقَالَ ابْن بطال: ذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَنه يتَخَيَّر بَين اللَّفْظَيْنِ. قَوْله: (بالكم) أَي: شَأْنكُمْ، وَقيل: البال الْحَال، وَقيل: الْقلب.
    .........
    230
    قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك فِي الْقِرَاءَة الأولى ثمَّ نسخت تِلَاوَته معنى، وَلم يطلع عَلَيْهِ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا. وَالْمرَاد بالاستئناس الاسْتِئْذَان بتنحنح وَنَحْوه عِنْد الْجُمْهُور. وَأخرج الطَّبَرِيّ عَن مُجَاهِد: حَتَّى تستأنسوا: تتنحنحوا أَو تنخموا، وَأخرج ابْن أبي حَاتِم بِسَنَد ضَعِيف من حَدِيث أبي أَيُّوب قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله} هَذَا السَّلَام فَمَا الِاسْتِئْنَاس؟ قَالَ: يتَكَلَّم الرجل بتسبيحة وَتَكْبِيرَة وَيَتَنَحْنَح فَيُؤذن أهل الْبَيْت. وَأخرج الطَّبَرِيّ من طَرِيق قَتَادَة. الاسْتِئْذَان ثَلَاثًا، فَالْأولى ليسمع، وَالثَّانيَِة لِيَتَأَهَّبُوا لَهُ، وَالثَّالِثَة أَن شاؤوا أذنوا وَإِن شاؤوا أَرَادوا. والاستئناس فِي اللُّغَة طَالب الإيناس وَهُوَ من الْأنس بِالضَّمِّ ضد الوحشة، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: معنى: تستأنسوا، تستبصروا ليَكُون الدَّاخِل على بَصِيرَة فَلَا يُصَادف مَا لَا يكره صَاحب الْمنزل أَن يطلعوا عَلَيْهِ. وَأخرج من طَرِيق الْبَراء، قَالَ: الِاسْتِئْنَاس فِي كَلَام الْعَرَب
    ........
    247
    (ابْن سلول) بِالرَّفْع لِأَن سلول إسم أم عبد الله، وَلَا يظنّ أَن سلول أَبُو أبيّ
    ........
    252
    وَعَن أبي الْوَلِيد بن رشد: أَن الْقيام على أَرْبَعَة أوجه: الأول: مَحْظُور، وَهُوَ أَن يَقع لمن يُرِيد أَن يُقَام إِلَيْهِ تكبراً وتعاظماً على القائمين إِلَيْهِ. وَالثَّانِي: مَكْرُوه وَهُوَ أَن يَقع لمن لَا يتكبر وَلَا يتعاظم على القائمين، وَلَكِن يخْشَى أَن يدْخل نَفسه بِسَبَب ذَلِك مَا يحذر، وَلما فِيهِ من التَّشَبُّه بالجبابرة. وَالثَّالِث: جَائِز وَهُوَ أَن يَقع على سَبِيل الْبر وَالْإِكْرَام لمن لَا يُرِيد ذَلِك، ويؤمن مَعَه التَّشَبُّه بالجبابرة. وَالرَّابِع: مَنْدُوب وَهُوَ أَن يقوم لمن قدم من سفر فَرحا بقدومه ليسلم عَلَيْهِ أَو إِلَى من تَجَدَّدَتْ لَهُ نعْمَة فيهنيه بحصولها. أَو مُصِيبَة فيعزيه بِسَبَبِهَا. وَقَالَ التوربشتي فِي (شرح المصابيح) : معنى قَوْله: (قومُوا إِلَى سيدكم) أَي: إِلَى إعانته وإنزاله عَن دَابَّته، وَلَو كَانَ المُرَاد التَّعْظِيم لقَالَ: قومُوا لسيدكم، وَاعْترض عَلَيْهِ الطَّيِّبِيّ بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَونه لَيْسَ للتعظيم أَن لَا يكون للإكرام، وَمَا اعتل بِهِ من الْفرق بَين إِلَى وَاللَّام ضَعِيف، لِأَن إِلَى فِي هَذَا الْمقَام فخم من اللَّام، كَأَنَّهُ قيل: قومُوا وامشوا إِلَيْهِ تلقياً وإكراماً، وَهَذَا مَأْخُوذ من ترَتّب الحكم على الْوَصْف الْمُنَاسب الْمشعر بالعلية، فَإِن قَوْله: (سيدكم) عِلّة للْقِيَام، وَذَلِكَ لكَونه شريفاً على الْقدر، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْقيام على وَجه الْبر وَالْإِكْرَام جَائِز كقيام الْأَنْصَار لسعد، وَطَلْحَة لكعب، وَلَا يَنْبَغِي لمن يُقَام لَهُ أَن يعْتَقد اسْتِحْقَاقه لذَلِك، حَتَّى إِن ترك الْقيام لَهُ حنق عَلَيْهِ أَو عاتبه أَو شكاه.
    ..........
    255
    ابْن الْمُبَارك هُوَ عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام وحفاظ الْإِسْلَام، وتفقه على أبي حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ، وعده أَصْحَابنَا من جملَة أَصْحَاب أبي حنيفَة، وَقَالَ ابْن سعد: مَاتَ بهيت منصرفاً من الْغَزْو سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَله ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
    ..........
    271
    (وأوكوا) من الإيكاء، وَهُوَ الشد والربط والأسقية جمع سقاء وَهِي الْقرْبَة وَفَائِدَته صيانته من الشَّيْطَان فَإِنَّهُ لَا يكْشف غطاء وَلَا يحل سقاء، وَمن الوباء الَّذِي ينزل من السَّمَاء فِي لَيْلَة من السّنة كَمَا ورد بِهِ فِي الحَدِيث، والأعاجم يَقُولُونَ: تِلْكَ اللَّيْلَة فِي كانون الأول، وَمن المقذرات والحشرات،
    .......
    272
    (الْخِتَان) وَاجِب على ظَاهر الْأَقْوَال على الرِّجَال وَالنِّسَاء. وَفِي قَول: سنة فِيهَا، وَبِه قَالَ مَالك والكوفيون، وَفِي قَول: وَاجِب على الرِّجَال دون النِّسَاء، وَقد رُوِيَ مَرْفُوعا: الْخِتَان سنة للرِّجَال ومكرمة للنِّسَاء وَلَكِن هَذَا ضَعِيف: وَاخْتلفُوا فِي وقته، فَقَالَت الشَّافِعِيَّة: بعد الْبلُوغ وَيسْتَحب فِي السَّابِع بعد الْولادَة اقْتِدَاء بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا فَإِنَّهُ ختنهما يَوْم السَّابِع من ولادتهما، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَقَالَ اللَّيْث: الْخِتَان للغلام مَا بَين سبع سِنِين إِلَى الْعشْر، وَقَالَ مَالك: عَامَّة مَا رَأَيْت الْخِتَان ببلدنا إِذا أشغر، وَقَالَ مَكْحُول: إِن إِبْرَاهِيم، صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه، ختن ابْنه إِسْحَاق لسبعة أَيَّام وختن ابْنه إِسْمَاعِيل لثلاث عشرَة سنة. قَ
    ...........
    277
    مَا ذكره الثَّعْلَبِيّ أَن رجلا أَتَى الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ فَشَكا إِلَيْهِ الجدوبة فَقَالَ لَهُ الْحسن: اسْتغْفر الله، وَأَتَاهُ آخر فَشَكا إِلَيْهِ الْفقر، فَقَالَ لَهُ: اسْتغْفر الله، وَأَتَاهُ آخر فَقَالَ: ادْع الله لي أَن يَرْزُقنِي إبناً، فَقَالَ: اسْتغْفر الله، وَأَتَاهُ آخر فَشَكا إِلَيْهِ جفاف بساتينه، فَقَالَ لَهُ: اسْتغْفر
    الله، فَقيل لَهُ: أَتَاك رجال يَشكونَ أبواباً ويسألون أنواعاً فَأَمَرتهمْ كلهم بالاستغفار، فَقَالَ: مَا قلت من ذَات نَفسِي فِي ذَلِك شَيْئا إِنَّمَا اعْتبرت فِيهِ قَول الله عز وَجل حِكَايَة عَن نبيه نوح عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لِقَوْمِهِ. {اسْتَغْفرُوا ربكُم}
    ........
    279
    شْتِغَاله بِالنّظرِ فِي مصَالح الْأمة ومحاربة الْأَعْدَاء وتأليف الْمُؤَلّفَة وَنَحْو ذَلِك شاغل عَن عَظِيم مقَامه من حُضُور مَعَ الله عز وَجل وفراغه مِمَّا سواهُ، فيراه ذَنبا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَإِن كَانَت هَذِه الْأُمُور من أعظم الطَّاعَات وَأفضل الْأَعْمَال فَهُوَ نزُول عَن عالي دَرَجَته فيستغفر لذَلِك. وَقيل: كَانَ دَائِما فِي الترقي فِي الْأَحْوَال فَإِذا رأى مَا قبلهَا دونه اسْتغْفر مِنْهُ، كَمَا قيل: حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين، وَقيل: يَتَجَدَّد للطبع غفلات تفْتَقر إِلَى الاسْتِغْفَار. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هفوات الطباع البشرية لَا يسلم مِنْهَا أحد، والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِن عصموا من الْكَبَائِر فَلم يعصموا من الصَّغَائِر. قلت: لَا نسلم ذَلِك، بل عصموا من الصَّغَائِر والكبائر جَمِيعًا قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا
    .......
    292
    وَقَالَ ابْن بطال: هُوَ وَقت شرِيف خصّه الله عز وَجل بالتنزل فِيهِ فيتفضل على عباده بإجابة دُعَائِهِمْ وَإِعْطَاء سُؤَالهمْ فِيهِ وغفران ذنوبهم، وَهُوَ وَقت غَفلَة وخلوة واستغراق فِي النّوم واستلذاذ لَهُ، ومفارقة اللَّذَّة والدعة صَعب لَا سِيمَا على أهل الرَّفَاهِيَة، وَفِي زمن الْبرد، وَكَذَا أهل التَّعَب مَعَ قصر اللَّيْل، فالسعيد من يغتنم هَذَا، والموفق هُوَ الله عز وَجل
    . قَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذَا الدُّعَاء من الْجَوَامِع إِذْ فِيهِ اعْتِرَاف بغاية التَّقْصِير وَهُوَ كَونه ظَالِما ظلما كثيرا، وَطلب غَايَة الإنعام الَّتِي هِيَ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة، إِذْ الْمَغْفِرَة ستر الذُّنُوب ومحوها، وَالرَّحْمَة إِيصَال الْخيرَات. فَالْأول: عبارَة عَن الزحزحة عَن النَّار، وَالثَّانِي: إِدْخَال الْجنَّة، وَهَذَا هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم، أللهم اجْعَلْنَا من الفائزين بكرمك يَا أكْرم الأكرمين.
    ...........
    296
    قَالَ ابْن عبد الْبر: كَانُوا قد عرفُوا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا استرحم لإِنْسَان قطّ فِي غزَاة يَخُصُّهُ بِهِ إلاَّ اسْتشْهد، فَلَمَّا سمع عمر رَضِي الله عَنهُ ذَلِك قَالَ: لَو متعتنا بعامر.
    .........
    302
    قَالَ ابْن بطال: حَدثنِي أَبُو بكر الرَّازِيّ قَالَ: كنت بأصبهان عِنْد أبي نعيم أكتب الحَدِيث عَنهُ، وَهُنَاكَ شيخ يُقَال لَهُ: أَبُو بكر بن عَليّ، عَلَيْهِ مدَار الْفتيا، فسعى بِهِ عِنْد السُّلْطَان فسجنه، فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن يَمِينه يُحَرك شَفَتَيْه بالتسبيح لَا يفتر فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قل لأبي بكر بن عَليّ يَدْعُو بِدُعَاء الكرب الَّذِي فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) حَتَّى يفرج الله عَنهُ، قَالَ: فَأَصْبَحت فَأَخْبَرته فَدَعَا بِهِ فَلم يكن إلاَّ قَلِيلا حَتَّى أخرج من السجْن. وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله: أرسل إِلَى الْحجَّاج فقلتهن، فَقَالَ: وَالله أرْسلت إِلَيْك وَأَنا أُرِيد أَن أَقْتلك فلأنت الْيَوْم أحب إِلَى من كَذَا وَكَذَا، وَزَاد فِي لَفظه: فسل حَاجَتك.

    ............
    304
    قَالُوا فِي تَعْرِيف الْقَضَاء وَالْقدر: الْقَضَاء هُوَ الحكم بالكليات على سَبِيل الْإِجْمَال فِي الْأَزَل، وَالْقدر هُوَ الحكم بِوُقُوع الجزئيات الَّتِي لتِلْك الكليات على سَبِيل التَّفْصِيل فِي الْإِنْزَال، قَالَ الله تَعَالَى: { (51) وَإِن من شَيْء. . إِلَّا بِقدر مَعْلُوم}
    ..........
    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات "

  17. #297
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    المجلد (( 23 ))

    اليوم : السبت
    الموافق 12/ يونيو / 2021 ميلادي
    الموافق : 2/ ذو القعدة / 1442 هجري

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
    ختم وتلخيص المجدل الثالث والعشرين من " عمدة القاري " للحافظ العيني رحمه الله

    ..........

    ( 23 )
    (23/7)
    (وَأَعُوذ بك من فتْنَة الدُّنْيَا) قَالَ شُعْبَة: سَأَلت عبد الْملك بن عُمَيْر عَن فتْنَة الدُّنْيَا؟ قَالَ الدَّجَّال: كَذَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِ يّ، وَإِطْلَاق الدُّنْيَا على الدَّجَّال لكَون فتنته أعظم الْفِتَن الكائنة فِي الدُّنْيَا، وَقد ورد ذَلِك صَرِيحًا فِي حَدِيث أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الحَدِيث وَفِيه أَنه: لم تكن فتْنَة فِي الأَرْض مُنْذُ ذَرأ الله ذُرِّيَّة آدم أعظم من فتْنَة الدَّجَّال، أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه.
    .........
    23/10
    انَ أكْثَرُ دُعاءِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ { (2) رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار} (الْبَقَرَة: 102)
    .............................. ..............


    وَقَالَ عِيَاض: إِنَّمَا كَانَ يكثر الدُّعَاء بِهَذِهِ الْآيَة لجمعها مَعَاني الدُّعَاء كُله من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، قَالَ: والحسنة عِنْدهم هَهُنَا النِّعْمَة، فَسَأَلَ نعيم الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والوقاية من الْعَذَاب .....................
    قَالَ الْحسن: الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا الْعلم وَالْعِبَادَة، وَفِي الْآخِرَة الْجنَّة. وَقَالَ قَتَادَة: الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا الْعَافِيَة وَقَالَ السّديّ فِي الدُّنْيَا المَال وَفِي الْآخِرَة الْجنَّة وَعَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ الزَّوْجَة الصَّالِحَة من الْحَسَنَات
    ........
    20
    وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ الْقَرَافِيّ فِي (كتاب الْقَوَاعِد) : قَول الْقَائِل فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين، دُعَاء بالمحال لِأَن صَاحب الْكَبِيرَة يدْخل النَّار وَدخُول النَّار يُنَافِي الغفران. أَقُول: فِيهِ منع ومعارضة، أما الْمَنْع فَلَا نسلم الْمُنَافَاة إِذا الْمنَافِي هُوَ الدُّخُول المخلد كَمَا للْكفَّار إِذْ الْإِخْرَاج من النَّار بالشفاعة وَنَحْوهَا أَيْضا غفران، وَأما الْمُعَارضَة فَهِيَ بقوله تَعَالَى حِكَايَة عَن نوح عَلَيْهِ السَّلَام: { (71) رب اغْفِر لي ولوالدي وَلمن دخل بَيْتِي. . مُؤمنا وَلِلْمُؤْمنِين َ وَالْمُؤْمِنَات} (نوح: 82) وَقَالَ بَعضهم: نقل الْكرْمَانِي تبعا لمغلطاي عَن الْقَرَافِيّ ... إِلَى آخِره.
    قلت: قطّ لم يتبع الْكرْمَانِي أحدا فِي نَقله هَذَا عَن الْقَرَافِيّ. وَفِيه: ترك الْأَدَب أَيْضا حَيْثُ يُصَرح بقوله مغلطاي، وَلَو كَانَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين مغلطاي تِلْمِيذه أَو رَفِيقه فِي الِاشْتِغَال لم يكن من الْأَدَب أَن يذكرهُ باسمه بِدُونِ التَّعْظِيم،
    ..........
    33
    والأمل مَذْمُوم لجَمِيع النَّاس إلاَّ الْعلمَاء فلولا أملهم وَطوله لما صنفوا وَلما ألفوا، وَقد نبه عَلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ بقوله:
    (وآمال الرِّجَال لَهُم فضوح ... سوى أمل المُصَنّف ذِي الْعُلُوم)
    وَالْفرق بَين الأمل وَالتَّمَنِّي أَن الأمل مَا يقوم بِسَبَب وَالتَّمَنِّي بِخِلَافِهِ، وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء: إِن الْإِنْسَان لَا يَنْفَكّ عَن الأمل فَإِن فَاتَهُ الأمل عول على التَّمَنِّي وَقيل: كَثْرَة التَّمَنِّي تخلق الْعقل وتفسد الدّين وتطرد القناعة، وَقَالَ الشَّاعِر
    (الله أصدق والآمال كَاذِبَة ... وَجل هَذَا المنى فِي الصَّدْر وسواس)



    .......
    وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : روينَا فِي كتاب أبي اللَّيْث السَّمرقَنْدِي، رَحمَه الله قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صَلَاح أول هَذِه الْأمة بالزهد وَالْيَقِين وَيهْلك آخرهَا بالبخل والأمل) قلت: روى هَذَا الحَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَفعه، أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا، وَأثر عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه ابْن الْمُبَارك فِي (رقائقه) وَرَوَاهُ نعيم بن حَمَّاد عَن سُلَيْمَان ابْن خَلاد: حَدثنَا سُفْيَان عَن زبيد اليامي عَن مهَاجر الطَّبَرِيّ عَنهُ.
    ......
    36
    وَاخْتلفُوا فِي المُرَاد بالتعمير فِي الْآيَة على أَقْوَال فَعَن مَسْرُوق: أَنه أَرْبَعُونَ سنة، وَعَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: سِتّ وَأَرْبَعُونَ سنة، وَعَن ابْن عَبَّاس: سَبْعُونَ سنة، وَعَن سهل بن سعد: سِتُّونَ سنة، وَعَن أبي هُرَيْرَة: من عمر سِتِّينَ سنة أَو سبعين سنة، فقد أعذر الله إِلَيْهِ فِي الْعُمر. قَوْله: {وَجَاءَكُم النذير} اخْتلفُوا فِيهِ، فَقيل: الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن زيد بن عَليّ: الْقُرْآن، وَعَن عِكْرِمَة وسُفْيَان بن عُيَيْنَة ووكيع: الشيب، وَهُوَ الْأَصَح
    ......
    50
    (بَاب مَا قدَّمَ مِنْ مالِهِ فَهْوَ لَهُ)

    وَالْمرَاد: بالتقديم صرف مَاله قبل مَوته فِي مَوَاضِع القربات، وَهَذِه التَّرْجَمَة مَعَ حَدِيث الْبَاب تدل على أَن إِنْفَاق المَال فِي وُجُوه الْبر أفضل من تَركه لوَرثَته. فَإِن قلت: هَذَا يُعَارض قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسعد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (إِنَّك أَن تذر وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تتركهم عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) قلت: لَا تعَارض بَينهمَا لِأَن سَعْدا أَرَادَ أَن يتَصَدَّق بِمَالِه كُله فِي مَرضه. وَكَانَ وَارثه بنته، وَلَا طَاقَة لَهَا على الْكسْب فَأمره أَن يتَصَدَّق مِنْهُ بِثُلثِهِ وَيكون بَاقِيه لابنته وَبَيت المَال، وَحَدِيث الْبَاب إِنَّمَا خَاطب بِهِ أَصْحَابه فِي صحتهم وحرضهم على تَقْدِيم شَيْء من مَالهم لينفعهم يَوْم الْقِيَامَة، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أَن تَقْدِيم جَمِيع مَاله عِنْد مَرضه، فَإِن ذَلِك تَحْرِيم للْوَرَثَة وتركهم فُقَرَاء يسْأَلُون النَّاس، وَإِنَّمَا الشَّارِع جعل لَهُ التَّصَرُّف فِي مَاله بِالثُّلثِ فَقَط.
    (المكثرون هم الأخسرون) وَمَعْنَاهُ: المكثرون من المَال هم المقلون فِي الثَّوَاب يَعْنِي كَثْرَة المَال تؤول بِصَاحِبِهِ إِلَى الإقلال من الْحَسَنَات يَوْم الْقِيَامَة إِذا لم يُنْفِقهُ فِي طَاعَة الله تَعَالَى، فَإِن أنفقهُ فِيهَا كَانَ غَنِيا من الْحَسَنَات يَوْم الْقِيَامَة.



    .......
    55
    وَأحمد بن شبيب بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن سعيد الحبطي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة وبالطاء الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى الحبطات من بني تَمِيم الْبَصْرِيّ وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَضَعفه ابْن عبد الْبر تبعا لأبي الْفَتْح الْأَزْدِيّ، والأزدي غير مرضِي فَلَا يتبع فِي ذَلِك.
    قلت: فَلذَلِك قَالَ فِي (رجال الصَّحِيحَيْنِ) : روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع مَقْرُونا إِسْنَاده بِإِسْنَاد آخر، وَأَبوهُ شبيب بن سعيد روى عَنهُ ابْنه أَحْمد فِي الاستقراض ومناقب عُثْمَان مُفردا، وَفِي غير مَوضِع مَقْرُونا، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد.
    ............
    59
    وَقَالَ الْخطابِيّ: اشكل الْأَمر فِي شدّ الْحجر على قوم حَتَّى توهموا أَنه تَصْحِيف من الحجز بالزاي جمع الحجزة الَّتِي يشد بهَا الْإِنْسَان وَسطه، لَكِن من أَقَامَ بالحجاز عرف عَادَة أَهله فِي أَن المجاعة تصيبهم كثيرا فَإِذا خوى الْبَطن لم يكن مَعَه الانتصاب فيعمد حينئذٍ إِلَى صَفَائِح رقاق فِي طول الْكَفّ فيربطها على الْبَطن فتعتدل الْقَامَة بعض الِاعْتِدَال.
    قلت: وَمِمَّنْ أنكر ربط الْحجر ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : قَوْله: (على طريقهم) أَي: طَرِيق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه مِمَّن كَانَ طَرِيق مَنَازِلهمْ إِلَى الْمَسْجِد متحدة.
    ........
    65
    وَقَالَ مُجاهِدٌ: سَداداً سَدِيداً صِدْقاً
    قَول مُجَاهِد هَذَا ثَبت عِنْد الْأَكْثَرين وَثَبت عِنْد الطَّبَرِيّ وَالْفِرْيَابِي عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {قولا سديداً} (النِّسَاء: 92) قَالَ: سداداً. والسداد بِفَتْح السِّين: الْعدْل المعتدل الْكَافِي وبالكسر مَا يسد الْخلَل، وَقَالَ بَعضهم: زعم مغلطاي وَتَبعهُ شَيخنَا ابْن الملقن أَن الطَّبَرِيّ وصل تَفْسِير مُجَاهِد عَن مُوسَى بن هَارُون عَن عَمْرو بن طَلْحَة عَن أَسْبَاط عَن السّديّ عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَهَذَا وهم فَاحش، فَمَا للسدي عَن ابْن أبي نجيح رِوَايَة.
    قلت: رِعَايَة الْأَدَب مَطْلُوبَة، وليته قَالَ: الشَّيْخ مغلطاي، أَو عَلَاء الدّين، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَال لَهُ: عَلَاء الدّين مَعَ أَنه هُوَ شيخ شَيْخه، لِأَنَّهُ كثيرا مَا يذكرهُ فِي شَرحه بتعظيم، وَقد علم أَنه إِذا اجْتمع الْمُثبت والنافي أَخذ بقول الْمُثبت لِأَن لَهُ زِيَادَة علم.
    ............
    75
    وَقَالَ ابْن بطال: النذير الْعُرْيَان رجل من خثعم حمل عَلَيْهِ رجل يَوْم ذِي الخلصة فَقطع يَده وَيَد امْرَأَته فَانْصَرف إِلَى قومه فَحَذَّرَهُمْ فَضرب بِهِ الْمثل فِي تحقق الْخبز. وَقَالَ ابْن السّكيت: اسْم الرجل الَّذِي حمل عَلَيْهِ عَوْف بن عَامر الْيَشْكُرِي، وَالْمَرْأَة كَانَت من بني كنَانَة، وتنزيل هَذِه الْقِصَّة على لفظ الحَدِيث بعيد لِأَنَّهُ لَيْسَ
    فِيهَا أَنه كَانَ عُريَانا. وَقَالَ أَبُو عبد الْملك: هَذَا مثل قديم، وَذَلِكَ أَن رجلا لَقِي جَيْشًا فجردوه وعروه، فجَاء إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت الْجَيْش بعيني وَإِنِّي أَنا النذير لكم وتروني عُريَانا جردني الْجَيْش فالنجاء النَّجَاء، وَقَالَ ابْن السّكيت: ضرب بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمثل لأمته لِأَنَّهُ تجرد لإنذارهم.
    ........
    82
    وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِذا حدث العَبْد نَفسه بالمعصية لم يُؤَاخذ، فَإِذا عزم فقد خرج عَن تحديث النَّفس فَيصير من أَعمال الْقلب، فَإِن عقد النِّيَّة على الْفِعْل فحينئذٍ يَأْثَم، وَبَيَان الْفرق بَين الْهم والعزم أَنه لَو حدث نَفسه فِي الصَّلَاة وَهُوَ فِيهَا بقطعها لم تَنْقَطِع، فَإِذا عزم حكمنَا بقطعها.
    وَقَالَ الطَّبَرِيّ: وَفِي هَذَا الحَدِيث تَصْحِيح مقَالَة من يَقُول: إِن الْحفظَة تكْتب مَا يهم بِهِ العَبْد من حَسَنَة أَو سَيِّئَة، وَتعلم اعْتِقَاده كَذَلِك، ورد مقَالَة من زعم أَن الْحفظَة لَا تكْتب إلاَّ مَا ظهر من عمل العَبْد وَتسمع. فَإِن قيل: الْملك لَا يعلم الْغَيْب فَكيف يعلم بهم العَبْد؟ قيل لَهُ: قد جَاءَ فِي الحَدِيث أَنه اذا هم بحسنة فاحت مِنْهُ رَائِحَة طيبَة، وَإِذا هم بسيئة فاحت مِنْهُ رَائِحَة كريهة.
    .........
    81
    وَفِي الْعُزْلَة عَن النَّاس فَوَائِد كَثِيرَة وأقلها الْبعد من شرِّهم وَقد قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: وجدت النَّاس أكبر ثقلة، وروى ابْن الْمُبَارك: أخبرنَا
    شُعْبَة عَن حبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن حَفْص بن عَاصِم: أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: خُذُوا حظكم من الْعُزْلَة، وَفِي رِوَايَة قَالَ عمر: الْعُزْلَة رَاحَة من خليط السوء، وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: أَلا أخْبركُم بِخَير النَّاس منزلا؟ قُلْنَا: بلَى يَا رَسُول الله {قَالَ: رجل أَخذ بعنان فرسه فِي سَبِيل الله} وأخبركم بِالَّذِي يَلِيهِ؟ رجل معتزل فِي شعب يُقيم الصَّلَاة ويؤتي الزَّكَاة، ثمَّ قَالَ: فَإِن قَالَ قَائِل: أَيْن مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من قَوْله: الْمُسلم الَّذِي يخالط النَّاس ويصبر على أذاهم خير من الْمُسلم الَّذِي لَا يخالط النَّاس وَلَا يصبر على أذاهم؟
    المصرية الَّتِي هِيَ كرْسِي الْإِسْلَام لَا يتَوَلَّى فِيهَا الْقُضَاة والحكام وَسَائِر أَصْحَاب المناصب إِلَّا بالرشي والبراطيل، وَلَا يُوجد هَذَا فِي بِلَاد الرّوم وَلَا فِي بِلَاد الْعَجم.
    .
    .....
    المصرية الَّتِي هِيَ كرْسِي الْإِسْلَام لَا يتَوَلَّى فِيهَا الْقُضَاة والحكام وَسَائِر أَصْحَاب المناصب إِلَّا بالرشي والبراطيل، وَلَا يُوجد هَذَا فِي بِلَاد الرّوم وَلَا فِي بِلَاد الْعَجم.
    ........
    86
    قيل: إِن أَكثر النَّاس أهل نقص وَأهل الْفضل عَددهمْ قَلِيل بِمَنْزِلَة الرَّاحِلَة فِي الْإِبِل الحمولة. قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَكِن ثر النَّاس لَا يعلمُونَ} (الْأَعْرَاف: 781 وَغَيرهَا) وَقَوله: {وَلَكِن أَكْثَرهم يجهلون} (الْأَنْعَام: 111) وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الَّذِي يُنَاسب التَّمْثِيل أَن الرجل الجواد الذي يتَحَمَّل أثقال النَّاس والحمالات عَنْهُم ويكشف كربهم عَزِيز الْوُجُود كالراحلة فِي الْإِبِل الْكَثِيرَة.

    ........
    86
    وَفِي الصَّحَابَة من يُسمى بجندب خَمْسَة أنفس: جُنْدُب بن جُنَادَة أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ، وجندب بن مكين الْجُهَنِيّ، وجندب بن ضَمرَة الجندعي، وجندب بن كَعْب الْعَبْدي، وجندب بن عبد الله البَجلِيّ وَهُوَ الَّذِي روى عَنهُ سَلمَة بن كهيل، وَالْأَشْهر مِنْهُم أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ، فَقَالَ خَليفَة بن خياط: مَاتَ جُنْدُب يَعْنِي: أَبَا ذَر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ بالربذة، قَرْيَة من قرى الْمَدِينَة فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصلى عَلَيْهِ ابْن مَسْعُود. وَأما جُنْدُب الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث فَلم يذكر أحد تَارِيخ وَفَاته
    .......
    89
    وَقَالَ الْقشيرِي: قرب العَبْد من ربه يَقع أَولا بإيمانه ثمَّ بإحسانه، وَقرب الرب من عَبده مَا يَخُصُّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا من عرفانه، وَفِي الْآخِرَة من رضوانه، وَفِيمَا بَين ذَلِك من وُجُوه لطفه وامتنانه، وَلَا يتم قرب العَبْد من الْحق إلاَّ ببعده من الْخلق. قَالَ: وَقرب الرب بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة عَام للنَّاس، وباللطف والنصرة خَاص بالخواص، وبالتأنيس خَاص بالأولياء.
    .........
    97
    أول النَّهَار وَآخره بِالنِّسْبَةِ إِلَى أهل الدُّنْيَا، وَالَّذِي يعرض على الْمُؤمن مقعدان يراهما جَمِيعًا. وَفَائِدَة الْعرض لِلْمُؤمنِ نوع من الْفَرح وللكافر نوع من الْعَذَاب، وَالْعرض على الرّوح حَقِيقَة وعَلى مَا يتَّصل بِهِ من الْبدن الِاتِّصَال الَّذِي يُمكن بِهِ إِدْرَاك التَّنْعِيم أَو التعذيب. وَقَالَ ابْن بطال حاكياً عَن غَيره: إِن المُرَاد بِالْعرضِ هُنَا الْإِخْبَار بِأَن هَذَا مَوضِع جزائكم على أَعمالكُم عِنْد الله، لِأَن الْعرض لَا يَقع على شَيْء فانٍ، فالعرض الَّذِي يَدُوم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة هُوَ الْعرض الَّذِي على الْأَرْوَاح خَاصَّة، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن حمل الْعرض على الْإِخْبَار عدُول عَن الظَّاهِر بِغَيْر مُقْتَضى لذَلِك، فَلَا يجوز الْعُدُول إلاَّ بصارفٍ يصرفهُ عَن الظَّاهِر. انْتهى.
    قلت: فِيهِ نظر لِأَن الْأَبدَان تفنى وَالَّذِي يفنى حكمه حكم المعدم وَلَا يتَصَوَّر الْعرض على الْمَعْدُوم. وَقَوله: (عدُول عَن الظَّاهِر بِغَيْر مُقْتَضى، غير مُسلم لِأَن الحكم بِالظَّاهِرِ مُتَعَذر، والصارف عَن الظَّاهِر مَوْجُود وَهُوَ امْتنَاع الْعرض على الْمَعْدُوم، وَقَالَ بَعضهم: يُؤَيّد الْحمل على الظَّاهِر أَن الْخَبَر ورد على الْعُمُوم فِي الْمُؤمن وَالْكَافِر، فَلَو اخْتصَّ الْعرض بِالروحِ لم يكن للشهيد فِي ذَلِك كثير فَائِدَة لِأَن روحه منعمة جزما، كَمَا فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَكَذَا روح الْكَافِر معذبة فِي النَّار جزما، فَإِذا حمل على الرّوح الَّتِي لَهَا اتِّصَال بِالْبدنِ ظَهرت فَائِدَة ذَلِك فِي حق الشَّهِيد، وَفِي حق الْكَافِر أَيْضا. انْتهى.

    ........
    100
    الْعَاشِر: الْمَلَائِكَة كلهم، جزم بِهِ ابْن حزم فِي (الْملَل والنحل) : فَقَالَ: الْمَلَائِكَة أَرْوَاح لَا أَرْوَاح فِيهَا فَلَا يموتون أصلا.
    .....
    101
    وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يَده عبارَة عَن قدرته وإحاطته بِجَمِيعِ مخلوقاته، وَالْيَد تَأتي لمعان كَثِيرَة: بِمَعْنى الْقُوَّة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُر عَبدنَا دَاوُد ذَا الأيد} (ص: 71) وَبِمَعْنى الْملك، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {قل إِن الْفضل بيد الله} (آل عمرَان: 37) ، وَبِمَعْنى: النِّعْمَة تَقول: كم يَد لي عِنْد فلَان، أَي: كم من نعْمَة أسديتها إِلَيْهِ، وَبِمَعْنى الصِّلَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { (2) أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} (الْبَقَرَة: 732) وَبِمَعْنى الْجَارِحَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { (38) وَخذ بِيَدِك ضغثا} وَبِمَعْنى الذل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد) قَالَ الْهَرَوِيّ أَي عَن ذل وَقَوله تَعَالَى (يَد الله فَوق ايديهم) (ص: 44) قيل: فِي الْوَفَاء، وَقيل: فِي الثَّوَاب. وَفِي الحَدِيث: (هَذِه يَدي لَك) ، أَي: استسلمت لَك وانقدت لَك، وَقد يُقَال ذَلِك للعاتب، وَالْيَد الاستسلام. قَالَ الشَّاعِر.
    (أطَاع يدا بالْقَوْل فَهُوَ ذَلُول)
    أَي: انْقَادَ واستسلم. وَالْيَد السُّلْطَان، وَالْيَد الطَّاعَة، وَالْيَد الْجَمَاعَة، وَالْيَد الْأكل، وَالْيَد النَّدَم:
    ........
    114
    وَوصل مُتَابَعَته إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) : عَن النَّضر بن شُمَيْل عَن أبي عَامر الخزاز بِزِيَادَة فِيهِ وَهِي قَوْله: عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، قَالَ: قَالَت إِنِّي لأعْلم أَي آيَة فِي الْقُرْآن أَشد. فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا هِيَ قلت: {من يعْمل سوء يجز بِهِ} (النِّسَاء: 321) فَقَالَ: إِن الْمُؤمن يجازى بِأَسْوَأ عمله فِي الدُّنْيَا، يُصِيبهُ الْمَرَض حَتَّى النكبة، وَلَكِن من نُوقِشَ الْحساب عذب.
    .........
    117
    (سَبَقَك بهَا عكاشة) اخْتلفُوا فِي الْحِكْمَة فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِهَذَا القَوْل، فَقَالَ الْفراء: كَانَ الآخر منافقاً، ورد هَذَا بِأَن الأَصْل فِي الصَّحَابَة عدم النِّفَاق، وَقيل: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، علم بِالْوَحْي أَنه يُجَاب فِي عكاشة وَلم يَقع ذَلِك فِي حق الآخر، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: يظْهر لي الأول سَأَلَ عَن صدق قلب فَأُجِيب، وَأما الثَّانِي فَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ حسم الْمَادَّة، فَلَو قَالَ للثَّانِي: نعم، فَلَا شكّ أَن يقوم ثَالِث ورابع إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ، وَلَيْسَ كل النَّاس يصلح لذَلِك، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لم يكن عِنْد الثَّانِي من تِلْكَ الْأَحْوَال مَا كَانَ عِنْد عكاشة، فَلذَلِك لم يجب. وَقَالَ السُّهيْلي: الَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَنَّهَا كَانَت سَاعَة إِجَابَة علمهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاتفقَ أَن الرجل قَالَ بَعْدَمَا انْقَضتْ، وَالله أعلم.
    .......
    123
    وتمسكوا بقوله تَعَالَى {فَمَا تنفعهم شَفَاعَة الشافعين} وَغير ذَلِك من الْآيَات وَأجَاب أهل السّنة بِأَنَّهَا فِي الْكفَّار وَجَاءَت الْأَحَادِيث بِإِثْبَات الشَّفَاعَة المحمدية متواترة وَدلّ عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} وَالْجُمْهُور على أَن المُرَاد بِهِ الشَّفَاعَة وَبَالغ الواحدي فَنقل فِيهِ الْإِجْمَاع وَقَالَ الطَّبَرِيّ قَالَ أَكثر أهل التَّأْوِيل الْمقَام الْمَحْمُود هُوَ الَّذِي يقومه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليريحهم من كرب الْموقف وَرُوِيَ أَحَادِيث كَثِيرَة تدل على أَن الْمقَام الْمَحْمُود الشَّفَاعَة عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا وَعَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَعَن أبي مَسْعُود كَذَلِك وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَقَالَ الطَّبَرِيّ أَيْضا قَالَ لَيْث عَن مُجَاهِد فِي قَوْله مقَاما مَحْمُودًا يجلسه مَعَه على عَرْشه ثمَّ أسْندهُ وَبَالغ الواحدي فِي رد هَذَا القَوْل وَنقل النقاش عَن أبي دَاوُد صَاحب السّنَن أَنه قَالَ من أنكر هَذَا فَهُوَ مُتَّهم وَقد جَاءَ عَن ابْن مَسْعُود عِنْد الثَّعْلَبِيّ وَعَن ابْن عَبَّاس عِنْد أبي الشَّيْخ عَن عبد الله بن سَلام رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن مُحَمَّدًا يَوْم الْقِيَامَة على كرْسِي الرب بَين يَدي الرب
    .......
    127
    وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي (كشف عُلُوم الْآخِرَة) : إِن بَين إتْيَان أهل الْموقف آدم وإتيانهم نوحًا ألف سنة، وَكَذَا بَين كل نَبِي وَنَبِي إِلَى نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ بَعضهم: وَلم أَقف لذَلِك على أصل، وَلَقَد أَكثر فِي هَذَا الْكتاب من إِيرَاد أَحَادِيث لَا أصل لَهَا فَلَا تغتر بِشَيْء مِنْهَا. انْتهى.
    قلت: جلالة قدر الْغَزالِيّ يُنَافِي مَا ذكره، وَعدم وُقُوفه لذَلِك على أصل لَا يسْتَلْزم نفي وقُوف غَيره على أصل، وَلم يحط علم هَذَا الْقَائِل بِكُل مَا ورد وَبِكُل مَا نقل حَتَّى يَدعِي هَذِه الدَّعْوَى.
    .....
    135
    والحوض الَّذِي يجمع فِيهِ المَاء وَيجمع على أحواض وحياض. وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِيهِ كَثِيرَة بِحَيْثُ صَارَت متواترة من جِهَة الْمَعْنى، وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَهُوَ الْكَوْثَر على بَاب الْجنَّة يسقى الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُ، وَهُوَ مَخْلُوق الْيَوْم. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي (التَّذْكِرَة) : ذهب صَاحب (الْقُوت) : وَغَيره إِلَى أَن الْحَوْض يكون بعد الصِّرَاط، وَذهب آخَرُونَ إِلَى الْعَكْس، وَالصَّحِيح أَن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حوضين: أَحدهمَا فِي الْموقف قبل الصِّرَاط، وَالْآخر دَاخل الْجنَّة، وكل مِنْهُمَا يُسمى: كوثراً، وَفِي بعض النّسخ: كتاب فِي الْحَوْض، وَقَبله الْبَسْمَلَة.
    الكوثر
    وَقد أنكر الْحَوْض الْخَوَارِج وَبَعض الْمُعْتَزلَة، وَمِمَّنْ كَانَ يُنكره عبيد الله بن زِيَاد أحد أُمَرَاء الْعرَاق، وَهَؤُلَاء ضلوا فِي ذَلِك وخرقوا إِجْمَاع السّلف وفارقوا مَذْهَب أَئِمَّة الْخلف.
    وَرويت أَحَادِيث الْحَوْض عَن أَكثر من خمسين صحابياً.
    .......
    138
    (جرباء) بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة مَقْصُورا عِنْد الْجُمْهُور، وَقَالَ عِيَاض: جَاءَ فِي البُخَارِيّ ممدوداً، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : الصَّوَاب أَنَّهَا مَقْصُورَة وَذكرهَا البُخَارِيّ وَمُسلم، قَالَ: وَالْمدّ خطأ (وأذرح) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَضم الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة كَذَا فِي رِوَايَة الْجُمْهُور. قَالَ عِيَاض: وَوَقع فِي رِوَايَة العذري فِي مُسلم بِالْجِيم وَهُوَ وهم، قَالَ الْكرْمَانِي: وهما موضعان. قَالَ: وَفِي (صَحِيح مُسلم) قَالَ عبيد الله: فَسَأَلته يَعْنِي ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ: قَرْيَتَانِ بِالشَّام بَينهمَا مسيرَة ثَلَاث لَيَال. انْتهى.
    قلت: قَالَ الرشاطي: الجرباء على لفظ تَأْنِيث الأجرب قَرْيَة بِالشَّام، وَقَالَ ابْن وضاح: أذرح بفلسطين، قَالَ الرشاطي: وباذرح بَايع الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مُعَاوِيَة وَأَعْطَاهُ مُعَاوِيَة مِائَتي ألف دِرْهَم.
    وَهَذَا الْموضع يحْتَاج إِلَى بسط كَلَام لوُقُوع الِاخْتِلَاف الْكثير فِي طول الْحَوْض وَعرضه، وَهنا قَالَ: مَا بَين جرباء وأذرح، وَلم بَين قدر الْمسَافَة بَينهمَا، وَفِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو على مَا يَجِيء حَوْضِي مسيرَة شهر، وَفِي حَدِيث أنس عِنْده أَيْضا: قدر حَوْضِي كَمَا بَين أَيْلَة وَصَنْعَاء من الْيمن، وَفِي حَدِيث حَارِثَة بن وهب عِنْده أَيْضا: كَمَا يبين الْمَدِينَة وَصَنْعَاء، وَفِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة عِنْد مُسلم: بعد مَا بَين طَرفَيْهِ كَمَا بَين صنعاء وأيلة، وَفِي حَيْثُ عقبَة بن عَامر عِنْده أَيْضا: وَإِن عرضه كَمَا بَين أَيْلَة إِلَى الْجحْفَة. وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: مَا بَين عدن وأيلة، وَفِي حَدِيث أبي ذَر: مَا بَين عمان إِلَى أَيْلَة. وَفِي حَدِيث أبي بردة عِنْد ابْن حبَان: مَا يين ناحيتي حَوْضِي كَمَا يبين أَيْلَة وَصَنْعَاء مسيرَة شهر. وَفِي حَدِيث جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كَمَا يبين صنعاء إِلَى

    الْمَدِينَة، وَفِي حَدِيث ثَوْبَان: مَا بَين عدن وعمان البلقاء، وَعند عبد الرَّزَّاق فِي حَدِيث ثَوْبَان: مَا بَين مَكَّة وأيلة، وَفِي لفظ: مَا بَين مَكَّة وعمان، وَفِي حَدِيث عبد الله بن عمر وَعند أَحْمد: بعْدهَا بَين مَكَّة وأيلة، وَفِي لفظ: مَا بَين مَكَّة وعمان، وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة بن أسيد: مَا بَين صنعاء إِلَى بَصرِي، وَفِي حَدِيث أنس عِنْد أَحْمد: كَمَا بَين مَكَّة وأيلة، أَو: بَين صنعاء وَمَكَّة، وَفِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد ابْن أبي شيبَة وَابْن مَاجَه: مَا بَين كعبة إِلَى الْقُدس، وَفِي حَدِيث عتبَة بن عمر وَعند الطَّبَرَانِيّ: كَمَا بَين الْبَيْضَاء إِلَى بَصرِي.
    وَقد جمع الْعلمَاء بَين هَذَا الِاخْتِلَاف، فَقَالَ القَاضِي عِيَاض: هَذَا من اخْتِلَاف التقادير لِأَن ذَلِك لم يَقع فِي حَدِيث وَاحِد فيعد اضطراباً من الروَاة، وَإِنَّمَا جَاءَ من أَحَادِيث مُخْتَلفَة عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة سَمِعُوهُ فِي مَوَاطِن مُخْتَلفَة، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْرب فِي كل مِنْهَا مثلا لبعد أقطار الْحَوْض وسعته بِمَا سنح لَهُ من الْعبارَة، وَيقرب ذَلِك ببعد مَا بَين الْبِلَاد النائية بَعْضهَا من بعض، لَا على إِرَادَة الْمسَافَة المتحققة. قَالَ: فَبِهَذَا يجمع بَين الْأَلْفَاظ الْمُخْتَلفَة من جِهَة الْمَعْنى. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه نظر من جِهَة أَن ضرب الْمثل وَالتَّقْدِير إِنَّمَا يكون فِيمَا يتقارب، وَإِمَّا هَذَا الِاخْتِلَاف المتباعد الَّذِي يزِيد تَارَة إِلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَينْقص إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا. انْتهى.
    قلت: فِي نظره نظر لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما أخبر بِثَلَاثَة أَيَّام كَانَ هَذَا الْمِقْدَار، ثمَّ إِن الله تَعَالَى تفضل عَلَيْهِ باتساعه شَيْئا بعد شَيْء، وَكلما اتَّسع أخبرهُ بِقدر مَا اتَّسع، وكل من روى بِمِقْدَار خلاف مَا رَوَاهُ غَيره بِحَسب ذَلِك، وَبِهَذَا الْوَجْه يحصل الْجَواب الشافي عَن الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور، فَلَا يحْتَاج بعد ذَلِك إِلَى كَلَام طَوِيل غير طائل، كَمَا صدر ذَلِك عَن بَعضهم.
    .......
    150
    وَيزِيد من الزِّيَادَة الرشك بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وبالكاف مَعْنَاهُ القسام، وَقَالَ الغساني: هُوَ بِالْفَارِسِيَّ ةِ الغيور، وَقيل: هُوَ كَبِير اللِّحْيَة، يُقَال: بلغ طول لحيته إِلَى أَن دخلت فِيهَا عقرب وَمَكَثت ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا يدْرِي بهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الرشك بِالْفَارِسِيَّ ةِ الْقمل الصَّغِير يلتصق بأصول الشّعْر،
    ...........
    154
    وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا بَاب غَرِيب من الْعلم وَهُوَ: أَن يُ نهى عَن الشَّيْء أَن يفعل، حَتَّى إِذا فعل وَقع وَاجِبا، وَفِي لفظ: إِنَّمَا يسْتَخْرج، دَلِيل على وجوب الْوَفَاء وَفِي (التَّوْضِيح) : النّذر ابْتِدَاء جَائِز، والمنهي عَنهُ الْمُعَلق، كَأَنَّهُ يَقُول: لَا أفعل خيرا يَا رب حَتَّى تفعل بِي خيرا، فَإِذا دخل فِيهِ فَعَلَيهِ الْوَفَاء.
    ........

  18. #298
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    (( 23 ))

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
    تلخيص وختم المجلد الثالث والعشرين
    اليوم : الأربعاء
    الموافق :5/ ذو القعدة / 1442 هجري
    الموافق : 15/ مايو / 2021 ميلادي

    " عمدة القاري " للحافظ بدر الدين العيني رحمه الله



    ...........
    ( 23/154)
    وَمعنى: لَا حول لَا تَحْويل للْعَبد فِي مَعْصِيّة الله إلاّ بعصمة الله، وَلَا قُوَّة لَهُ على طَاعَة الله إِلَّا بِتَوْفِيق الله. وَقيل: معنى لَا حول لَا حِيلَة، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هِيَ كلمة استسلام وتفويض، وَأَن العَبْد لَا يملك من أمره شَيْئا لَيْسَ لَهُ حِيلَة فِي دفع شَرّ وَلَا قُوَّة فِي جلب خير إلاَّ بِإِرَادَة الله عز وَجل.
    ....
    175
    وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَاخْتلفُوا فِيمَا على من حلف بِالْقُرْآنِ الْعَظِيم وَحنث، فَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقُول: عَلَيْهِ بِكُل آيَة يَمِين، وَبِه قَالَ الْحسن وَقَالَ النُّعْمَان: لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: من حلف بالرحمن فَحنث إِن أَرَادَ بالرحمن الله فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين، وَإِن أَرَادَ سُورَة الرَّحْمَن فَلَا كَفَّارَة وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَرَبِيعَة: إِذا قَالَ: أشهد لَا أفعل كَذَا، ثمَّ فعل فَهُوَ يَمِين. فَإِن قَالَ: حَلَفت وَلم يحل، فَقَالَ الْحسن وَالنَّخَعِيّ: لَزِمته يَمِين، وَقَالَ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان: هِيَ كذبة، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِذا قَالَ عَلَيْهِ يَمِين وَلم يكن حلف فَلهَذَا بَاطِل، وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: هِيَ يَمِين، فَإِن قَالَ: هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ إِن فعل كَذَا، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر: يستغر الله. وَقَالَ طَاوُوس وَالْحسن وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِي ّ وَأَصْحَاب الرَّأْي: عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق
    ..............
    180
    قَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ فِي الْبَاب مَا يدل عَلَيْهِ. يَعْنِي: لَيْسَ فِي الْبَاب حَدِيث يدل على مَا ترْجم، ثمَّ تكلّف بِالْجَوَابِ بِمَا لَيْسَ تَحْتَهُ طائل، فَقَالَ: يرْوى عَن أبي إِسْحَاق الْمُسْتَمْلِي أَنه قَالَ: انتسخت كتاب البُخَارِيّ من أَصله الَّذِي كَانَ عِنْد الْفربرِي فرأيته لم يتم بعد، وَقد بقيت عَلَيْهِ مَوَاضِع مبيضة كَثِيرَة فِيهَا تراجم لم يثبت بعْدهَا شَيْئا، وَمِنْهَا أَحَادِيث لم يترجم عَلَيْهَا، فاضفنا بعض ذَلِك إِلَى بعض. قَالُوا: وَقد وَقع فِي النّسخ كثير من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان لِأَن أَبَا الْهَيْثَم والحموي نسخا مِنْهُ أَيْضا، فبحسب مَا قدر كل وحد مِنْهُم مَا كَانَ فِي رقْعَة أَو فِي حَاشِيَة أَو مُضَافَة أَنه من الْموضع الْفُلَانِيّ أَضَافَهُ إِلَيْهِ. انْتهى. وَ
    .........
    185
    والعهد على خَمْسَة أوجه تلْزم الْكَفَّارَة فِي وَجْهَيْن وَتسقط فِي اثْنَيْنِ وَاخْتلف فِي الْخَامِس، فَإِن قَالَ: عَليّ عهد الله، كفر إِن حنث، وَإِن قَالَ: وعد الله كفر عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة، وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن أَرَادَ بِهِ يَمِينا كفر، وإلاَّ فَلَا، وَقَالَ الدمياطي: لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ إِذا قَالَ: وعد الله، حَتَّى يَقُول: عَليّ عهد الله، أَو: أَعطيتك عهد الله، وَإِن قَالَ: أعَاهد الله فَقَالَ ابْن أبي حبيب: عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين، وَقَالَ ابْن شعْبَان: لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالك: إِذا قَالَ على عهد الله وميثاقه فَعَلَيهِ كفارتان إلاَّ أَن يَنْوِي التَّأْكِيد
    ....
    187
    قَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي الْيَمين بِصِفَات الله تَعَالَى، فَقَالَ مَالك فِي (الْمُدَوَّنَة) : الْحلف بِجَمِيعِ صِفَات الله وأسمائه لَازم كَقَوْلِه: والسميع والبصير والعليم والخبير واللطيف، أَو قَالَ: وَعزة الله وكبريائه وَقدرته وأمانته، وَحقه فَهِيَ أَيْمَان كلهَا تكفر، وَذكر ابْن الْمُنْذر مثله عَن الْكُوفِيّين إِذا قَالَ: وعظمة الله وكبريائه وجلال الله وَأَمَانَة الله، وَحنث عَلَيْهِ الْكَفَّارَة، وَكَذَلِكَ فِي كل اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى. وَقَالَ الشَّافِعِي: فِي جلال الله وعظمة الله وقدرة الله وَحقّ الله وَأَمَانَة الله إِن نوى بهَا الْيَمين فَذَاك وإلاَّ فَلَا، وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ عَن أبي حنيفَة: وَإِن قَول الرجل: وَحقّ الله وَأَمَانَة الله لَيست بِيَمِين لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: من كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه
    .....
    187
    قَوْله: (قدمه) قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ من المتشابهات، وَقَالَ الْمُهلب: أَي مَا قدم لَهَا من خلقه وَسبق لَهَا بمشيئته ووعده مِمَّن يدخلهَا. وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل، معنى الْقدَم هُنَا الْكفَّار الَّذين سبق فِي علم الله تَعَالَى أَنهم من أهل النَّار، وَحمل الْقدَم على الْمُتَقَدّم لِأَن الْعَرَب تَقول للشَّيْء الْمُتَقَدّم: قدم، وَقيل: الْقدَم خلق يخلقه الله يَوْم الْقِيَامَة فيسميه قدماً ويضيفه إِلَيْهِ من طَرِيق الْفِعْل وَالْملك يَضَعهُ فِي النَّار فتمتلىء النَّار مِنْهُ، وَقيل: المُرَاد بِهِ قدم بعض خلقه فأضيف إِلَيْهِ كَمَا يَقُول: ضرب الْأَمِير اللص، على معنى أَنه عَن أمره، وَسُئِلَ الْخَلِيل عَن معنى هَذَا الْخَبَر فَقَالَ: هم قوم قدمهم الله تَعَالَى إِلَى النَّار. وَعَن عبد الله بن الْمُبَارك: من قد سبق فِي علمه أَنهم من أهل النَّار، وكل مَا تقدم فَهُوَ قدم، قَالَ الله تَعَالَى: {إِن لَهُم قدم صدق عِنْد رَبهم} (يُونُس: 2) يَعْنِي: أعمالاً صَالِحَة قدموها، وَرُوِيَ عَن حسان بن عَطِيَّة: حَتَّى يضع الْجَبَّار قدمه، بِكَسْر الْقَاف، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن وهب بن مُنَبّه، وَقَالَ: إِن الله تَعَالَى قد كَانَ خلق قوما قبل آدم عَلَيْهِ السَّلَام، يُقَال لَهُم: الْقدَم، رؤوسهم كرؤوس الْكلاب وَالدَّوَاب وَسَائِر أعضائهم كأعضاء بني آدم، فعصوا رَبهم فأهلكهم الله تَعَالَى يمْلَأ الله جَهَنَّم مِنْهُم حِين تستزيد فَإِن قلت: جَاءَ فِي مُسلم: حَتَّى يضع تبَارك وَتَعَالَى فِيهَا رجله، فَتَقول:
    .............
    188
    أَبُو عبد الله الْأَسدي الْمَكِّيّ سكن الْكُوفَة وَسمع أنس بن مَالك، وَعَن جرير: أَتَى عَلَيْهِ نَيف وَتسْعُونَ سنة وَكَانَ يتَزَوَّج وَلَا يمْكث حَتَّى تَقول الْمَرْأَة: فارقني من كَثْرَة جمَاعه،
    ........
    189
    قَالَ الْكرْمَانِي: أَي بَقِيَّة حزن وتحسر من قتل أَبِيه بذلك الْوَجْه.
    قلت: هَكَذَا فسره الْكرْمَانِي، على أَن لفظ: بَقِيَّة، مَرْفُوعَة وَهِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بَقِيَّة خير، بِالْإِضَافَة أَي: اسْتمرّ الْخَيْر فِيهِ. وَقَالَ بَعضهم: وهم الْكرْمَانِي فِي تَفْسِيره وَالصَّوَاب من المُرَاد أَنه حصل لَهُ خير بقوله للْمُسلمين الَّذين قتلوا أَبَاهُ خطأ بقوله: عَفا الله عَنْكُم، وَاسْتمرّ ذَلِك الْخَيْر فِيهِ.
    قلت: نِسْبَة الْكرْمَانِي إِلَى الْوَهم وهم، لِأَن الْكرْمَانِي إِنَّمَا فسره على رِوَايَة الْكشميهني على مَا ذَكرْنَاهُ، وَالْأَقْرَب فِيهَا مَا فسره لِأَنَّهُ تحسر غَايَة التحسر على قتل أَبِيه على يَد الْمُسلمين على مَا لَا يخفى.
    ..........
    190
    حلف الرجل على أَمر ماضٍ كذبا عَامِدًا غموس وظاناً على أَن الْأَمر كَمَا قَالَ لَغْو،
    وَاخْتلفُوا فِي حكمهَا. فَقَالَ ابْن الْبر: أَكثر أهل الْعلم لَا يرَوْنَ فِي الْغمُوس كَفَّارَة، وَنَقله ابْن بطال أَيْضا عَن جهمور الْعلمَاء، وَبِه قَالَ النَّخعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمَالك وَمن تبعه من أهل الْمَدِينَة وَالْأَوْزَاعِي ّ فِي أهل الشَّام وَالثَّوْري وَسَائِر أهل الْكُوفَة وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد وَأَصْحَاب الحَدِيث، وَقَالَ الشَّافِعِي: فِيهَا الْكَفَّارَة، وَبِه قَالَ طَائِفَة من التَّابِعين.
    .........
    194
    مَاعَة من أهل الْيمن كَانُوا يهوداً، وَلما غلب يُوسُف ذُو نواس على الْيمن وطرد عَنْهَا الْحَبَشَة فجَاء الْإِسْلَام وهم على ذَلِك، وَقد أخرج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الشّعبِيّ عَن الْأَشْعَث قَالَ: خَاصم رجل من المخضرمين رجلا منا يُقَال لَهُ: الخفشيش إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَرض لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمخضرم، جىء بشهودك على حَقك وإلاَّ حلف لَك ... الحَدِيث، وَهَذَا مُخَالف لسياق مَا فِي الصَّحِيح، فَإِن كَانَ ثَابتا حمل على تعدد الْقَضِيَّة.
    ........
    200
    قَوْله: (لم يَحْنَث فِي قَول بعض النَّاس) قَالَ ابْن بطال: مُرَاد البُخَارِيّ بِبَعْض النَّاس أَبُو حنيفَة وَمن تبعه، فَإِنَّهُم قَالُوا: إِن الطلاء والعصير ليسَا نبيذاً لِأَن النَّبِيذ فِي الْحَقِيقَة مَا نبذ فِي المَاء ونقع فِيهِ وَمِنْه سمى المنبوذ مَنْبُوذًا لِأَنَّهُ ينْبذ ويطرح، فَأَرَادَ البُخَارِيّ الرَّد عَلَيْهِم، ورد عَلَيْهِ من لَيْسَ لَهُ تعصب، فَقَالَ: الَّذِي قَالَه هَذَا الشَّارِح بمعزل عَن مَقْصُود البُخَارِيّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تصويب قَول أبي حنيفَة، وَمن قَالَ: لم يَحْنَث وَلَا يضرّهُ.
    ثمَّ حسن بَعضهم مِمَّن لم يدْرك دقائق مَذْهَب أبي حنيفَة كَلَام ابْن بطال، فَقَالَ: وَالَّذِي فهمه ابْن بطال أوجه وَأقرب إِلَى مُرَاد البُخَارِيّ، وليت شعري مَا وَجه الأوجهية والقرب وَأَبُو حنيفَة مَا رأى من شرب الطلاء، إِلَّا الطلاء الَّذِي كَانَ يشربه أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
    ......
    204
    اخْتلف الْعلمَاء فِيمَن نذر أَن يتَصَدَّق بِجَمِيعِ مَاله على عشرَة أَقْوَال.
    الأول: يلْزمه ثلث مَاله، وَبِه قَالَ مَالك. الثَّانِي: إِنَّه إِن كَانَ مَلِيًّا فَكَذَلِك، وَإِن كَانَ فَقِيرا فكفارة يَمِين، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَابْن وهب. الثَّالِث: إِن كَانَ متوسطاً يخرج بِحِصَّة الثُّلُث، وَهُوَ قَول ربيعَة. الرَّابِع: يخرج مَا لَا يضر بِهِ، وَهُوَ قَول سَحْنُون من الْمَالِكِيَّة. الْخَامِس: يخرج زَكَاة مَاله، يرْوى ذَلِك عَن ربيعَة أَيْضا. السَّادِس: يخرج جَمِيع مَاله، وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. السَّابِع: إِن علقه بِشَرْط كَقَوْلِه: إِن شفى الله مريضي، أَو إِن دخلت الدَّار ... فَالْقِيَاس أَن يلْزمه إِخْرَاج كل مَاله، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. الثَّامِن: إِن أخرج نَذره مخرج التبرر مثل: إِن شفي الله مريضي فَيلْزمهُ جَمِيع مَاله، وَإِن كَانَ لجاجاً وغضباً فيقصد منع نَفسه من فعل مُبَاح كَأَن دخلت الدَّار فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَن يَفِي بذلك أَو يكفر كَفَّارَة يَمِين، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. التَّاسِع: لَا يلْزمه شَيْء أصلا، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى، وطاووس وَالشعْبِيّ. الْعَاشِر: يحبس لنَفسِهِ من مَاله قوت شَهْرَيْن ثمَّ يتَصَدَّق بِمثلِهِ إِذا أَفَادَ، وَهُوَ قَول زفر.
    ..........
    205
    بَاب {لم تحرم مَا أحل الله لَك} وَأورد فِيهِ حديثين عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، وَبَين فيهمَا قصَّة تَحْرِيم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَارِيَة الَّتِي أهداها إِلَيْهِ الْمُقَوْقس صَاحب اسكندرية، وَالْعَسَل، وَذكرنَا الِاخْتِلَاف فِيهِ: هَل نزلت الْآيَة فِي تَحْرِيم مَارِيَة أَو فِي تَحْرِيم الْعَسَل؟
    ....
    207
    وَيُقَال معنى: (وَيظْهر فيهم السّمن) أَنه كِنَايَة عَن رغبتهم فِي الدُّنْيَا وإيثارهم شهواتها على الْآخِرَة وَمَا أعد الله فِيهَا لأوليائه من الشَّهَوَات الَّتِي لَا تنفد وَالنَّعِيم الَّذِي لَا يبيد يَأْكُلُون فِي الدُّنْيَا كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام وَلَا يقتدون بِمن كَانَ قبلهم من السّلف الَّذين كَانَت همتهم من الدُّنْيَا فِي أَخذ الْقُوت وَالْبُلغَة وَتَأْخِير شهواتهم إِلَى الْآخِرَة.
    .........
    210
    وَفِي (التَّوْضِيح) : الْفِعْل الَّذِي يتَضَمَّن فعل النّذر خَاصَّة كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم فَالْمَشْهُور من مَذَاهِب الْفُقَهَاء أَنه لَا يفعل. وَقَالَ مُحَمَّد بن الحكم: يصام عَنهُ وَهُوَ الْقَدِيم للشَّافِعِيّ، وَصحت بِهِ الْأَحَادِيث فَهُوَ الْمُخْتَار، وَقَالَهُ أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأهل الظَّاهِر، وَعند الْحَنَفِيَّة: لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد وَلَا يَصُوم عَنهُ، وَنقل ابْن بطال إِجْمَاع الْفُقَهَاء على أَنه: لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد فرضا وَلَا سنة لَا عَن حَيّ وَلَا عَن ميت، وَالْجَوَاب عَمَّا رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه: صَحَّ عَنهُ خلاف ذَلِك، فَقَالَ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) : إِنَّه بلغه أَن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانَ يَقُول: لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد وَلَا يَصُوم أحد عَن أحد، وَيحمل قَوْله. فِي الْأَثر الْمَذْكُور صلي عَنْهَا إِن شِئْت، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: صلي عَلَيْهَا، فَأَما أَن يُقَام: على، مقَام: عَن إِذْ: حُرُوف الْجَرّ بَينهَا مناوبة، وَأما أَن يُقَال: الضَّمِير رَاجع إِلَى قبَاء. انْتهى.
    .........
    214
    وَقَالَ الْمُهلب: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا أَن يبين أَن المَال يَقع على كل متملك، أَلا ترى قَول عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أصبت أَرضًا لم أصب مَالا قطّ أنفس مِنْهُ، وَقَول أبي طَلْحَة: أحب الْأَمْوَال إِلَيّ بيرحاء، وهم الْقدْوَة فِي الفصاحة وَمَعْرِفَة لِسَان الْعَرَب؟ وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا الرَّد على أبي حنيفَة، فَإِنَّهُ يَقُول: إِن من حلف أَو نذر أَن يتَصَدَّق بِمَالِه كُله فَإِنَّهُ لَا يَقع يَمِينه ونذره من الْأَمْوَال إلاَّ على مَا فِيهِ الزَّكَاة خَاصَّة. انْتهى.
    قلت: قد كثر اخْتلَافهمْ فِي تَفْسِير المَال حَيْثُ قَالَ ابْن عبد الْبر وَآخَرُونَ: إِن المَال فِي لُغَة دوس، قَبيلَة أبي هُرَيْرَة، غير الْعين كالعروض وَالثيَاب، وَعند جمَاعَة: المَال هُوَ الْعين كالذهب وَالْفِضَّة خَاصَّة، وَحكى المطرزي أَن المَال هُوَ الصَّامِت كالذهب وَالْفِضَّة والناطق، وَحكى القالي عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: المَال عِنْد الْعَرَب أَقَله مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة، وَمَا نقص عَن ذَلِك فَلَا يُقَال لَهُ مَال. وَقَالَ ابْن سَيّده فِي (العريض) : الْعَرَب لَا توقع اسْم المَال مُطلقًا إلاَّ على الْإِبِل لشرفها عِنْدهم وَكَثْرَة غنائها، قَالَ: وَرُبمَا أوقعوه على أَنْوَاع الْمَوَاشِي كلهَا، وَمِنْهُم من أوقعه على جَمِيع مَا يملكهُ الْإِنْسَان لقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم} (النِّسَاء: 5) فَلم يخص شَيْئا دون شَيْء، وَهُوَ اخْتِيَار كثير من الْمُتَأَخِّرين ، فَلَمَّا رأى البُخَارِيّ هَذَا الِاخْتِلَاف أَشَارَ إِلَى أَن المَال يَقع على كل متملك، كَمَا حكى عَنهُ الْمُهلب، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، فتبيَّن من ذَلِك أَنه اخْتَار هَذَا القَوْل فَلَا حَاجَة إِلَى قَول صَاحب (التَّوْضِيح) : إِنَّه أَرَادَ بِهِ الرَّد على أبي حنيفَة، لِأَنَّهُ اخْتَار قولا من الْأَقْوَال فَكَذَلِك اخْتَار أَبُو حنيفَة قولا من الْأَقْوَال، فَلَا اخْتِصَاص بِذكر الرَّد عَلَيْهِ خَاصَّة، وَلَكِن عرق العصبية الْبَاطِلَة نَزعه إِلَى ذَلِك.

    .......
    220
    مَا توارث أهل الْمَدِينَة قرنا أَي: جيلاً بعد جيل على ذَلِك، وَلم يتَغَيَّر إِلَى زَمَنه، أَلا ترى أَن أَبَا يُوسُف لما اجْتمع مَعَ مَالك فِي الْمَدِينَة فَوَقَعت بَينهمَا المناظرة فِي قدر الصَّاع فَزعم أَبُو يُوسُف أَنه ثَمَانِيَة أَرْطَال، وَقَامَ مَالك وَدخل بَيته وَأخرج صَاعا وَقَالَ: هَذَا صَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ أَبُو يُوسُف: فَوَجَدته خَمْسَة أَرْطَال وَثلثا، فَرجع أَبُو يُوسُف إِلَى قَول مَالك وَخَالف صَاحِبيهِ فِي هَذَا.
    ....
    230
    حديث " لا تسأل الإمارة "
    هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس بن ذُؤَيْب الذهلي النَّيْسَابُورِ ي الْحَافِظ الْمَشْهُور، وَقَالَ صَاحب كتاب (رجال الصَّحِيحَيْنِ) : روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي قريب من ثَلَاثِينَ موضعا وَلم يقل: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى الذهلي مُصَرحًا بل يَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد تَارَة وَلَا يزدْ عَلَيْهِ، وَتارَة يَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله، فينسبه إِلَى جده، وَتارَة يَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد بن خَالِد فينسبه إِلَى جد أَبِيه، وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن البُخَارِيّ لما دخل نيسابور، شغب عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي مَسْأَلَة خلق اللَّفْظ وَكَانَ قد سمع مِنْهُ وَلم يتْرك الرِّوَايَة عَنهُ وَلم يُصَرح باسمه. وَمَات مُحَمَّد بن يحيى بعد البُخَارِيّ بِيَسِير، تَقْدِيره نَحْو سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَعُثْمَان بن عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ مر فِي الْغسْل يروي عَن عبد الله بن عون عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة الْقرشِي سكن الْبَصْرَة وَمَات بِالْكُوفَةِ سنة خمسين.
    .............
    230
    وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِيهِ: أَنه كَانَ ينْتَظر الْوَحْي وَلَا يحكم بِالِاجْتِهَادِ ثمَّ أجَاب بقوله: وَلَا يلْزم من عدم اجْتِهَاده فِي هَذِه الْمَسْأَلَة عدم اجْتِهَاده مُطلقًا، أَو كَانَ يجْتَهد بعد الْيَأْس من الْوَحْي، أَو حَيْثُ مَا تيَسّر عَلَيْهِ، أَو لم يكن من الْمسَائِل التعبدية.
    .....

    240/23
    قَالَ ابْن بطال: وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء فِيمَا رَوَاهُ ابْن مَسْعُود، وَفِي جَوَاب أبي مُوسَى إِشْعَار بِأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا قَالَه، وَقَالَ أَبُو عمر: لم يُخَالف فِي ذَلِك إلاَّ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وسلمان بن ربيعَة الْبَاهِلِيّ، وَقد رَجَعَ أَبُو مُوسَى عَن ذَلِك، وَلَعَلَّ سلمَان أَيْضا رَجَعَ كَأبي مُوسَى، وسلمان هَذَا مُخْتَلف فِي صحبته وَله أثر فِي فتوح الْعرَاق أَيَّام عمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَاسْتشْهدَ فِي زمَان عُثْمَان وَكَانَ يُقَال لَهُ: سلمَان الْخَيل، لمعرفته بهَا، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: يُؤْخَذ من قصَّة أبي مُوسَى وَابْن مَسْعُود جَوَاز الْعَمَل بِالْقِيَاسِ قبل معرفَة الْخَبَر وَالرُّجُوع إِلَى الْخَبَر بعد مَعْرفَته، وَنقض الحكم إِذا خَالف النَّص.
    .......
    250
    هُوَ أَخُو سعد بن أبي وَقاص، مُخْتَلف فِي صحبته فَذكره العسكري فِي الصَّحَابَة وَذكر أَنه أصَاب دَمًا بِمَكَّة فِي قُرَيْش فانتقل إِلَى الْمَدِينَة، وَلما مَاتَ أوصى إِلَى سعد، وَذكره ابْن مَنْدَه فِي الصَّحَابَة وَلم يذكر مُسْتَندا إلاَّ قَول سعد: عهد إِلَى أخي أَنه وَلَده، وَأنكر أَبُو نعيم ذَلِك وَذكر أَنه الَّذِي شج وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأحد، وَمَا علمت لَهُ إسلاماً، بل قد روى عبد الرَّزَّاق من طَرِيق عُثْمَان الْجَزرِي عَن مقسم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا بِأَن لَا يحول على عتبَة الْحول حَتَّى يَمُوت كَافِرًا فَمَاتَ قبل الْحول، وَهَذَا مُرْسل، وَجزم الدمياطي وَابْن التِّين بِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا، وَأم عتبَة هِنْد بنت وهب بن الْحَارِث ابْن زهرَة وَأم أَخِيه سعد حمْنَة بنت سُفْيَان بن أُميَّة.

    ........
    254
    قَالَ الأسْوَدُ: وَكَانَ زَوْجُها حُرًّا. قَوْلُ الأسْوَدِ مُنْقَطَعٌ
    أَي: قَول الْأسود بن يزِيد الرَّاوِي عَن عَائِشَة: كَانَ زوج بَرِيرَة حرا، ثمَّ قَالَ البُخَارِيّ: قَول الْأسود مُنْقَطع، فَقيل: الْمُنْقَطع هُوَ أَن يسْقط من الْإِسْنَاد رجل أَو يذكر فِيهِ رجل مُبْهَم، وَقَالَ الْخَطِيب: الْمُنْقَطع مَا روى عَن التَّابِعِيّ فَمن دونه مَوْقُوفا عَلَيْهِ من قَوْله أَو فعله، وَقيل: الْمُنْقَطع مثل الْمُرْسل وَهُوَ كل مَا لَا يتَّصل إِسْنَاده، غير أَن الْمُرْسل أَكثر مَا يُطلق على مَا رَوَاهُ التَّابِعِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمَشْهُور أَن الْمُرْسل قَول غير الصَّحَابِيّ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

    ......
    256
    فَقَالَ البُخَارِيّ: قَالَ بَعضهم: عَن ابْن موهب سمع تميماً، وَلَا يَصح لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْوَلَاء لمن أعتق) . وَقَالَ الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت إِنَّمَا يرويهِ عبد الْعَزِيز بن عمر عَن ابْن موهب، وَابْن موهب لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا نعلمهُ لَقِي تميماً، وَمثل هَذَا لَا يثبت. وَقَالَ الْخطابِيّ: ضعف هَذَا الحَدِيث أَحْمد، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ إِسْنَاده بِمُتَّصِل قَالَ: وَأدْخل بَعضهم بَين ابْن موهب وَبَين تَمِيم قبيصَة رَوَاهُ يحيى بن حَمْزَة، وَقيل: إِنَّه تفرد فِيهِ بِذكر قبيصَة، وَقد رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي عَن ابْن موهب بِدُونِ ذكر تَمِيم، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: هَذَا الحَدِيث مُضْطَرب، هَل هُوَ عَن ابْن موهب عَن تَمِيم أَو بَينهمَا قبيصَة؟ وَقَالَ بعض الروَاة فِيهِ: عَن عبد الله بن موهب، وَبَعْضهمْ: ابْن موهب، وَعبد الْعَزِيز رَاوِيه لَيْسَ بِالْحَافِظِ. وَقَالَ بَعضهم: ابْن موهب لم يدْرك تميماً، وَقد أَشَارَ النَّسَائِيّ إِلَى أَن الرِّوَايَة الَّتِي وَقع التَّصْرِيح فِيهَا بِسَمَاعِهِ من تَمِيم خطأ، وَلَكِن وَثَّقَهُ بَعضهم، وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ولاَّه الْقَضَاء بفلسطين. وَنقل أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي فِي (تَارِيخه) : بِسَنَد لَهُ صَحِيح عَن الْأَوْزَاعِيّ: أَنه كَانَ يدْفع هَذَا الحَدِيث وَلَا يرى لَهُ وَجها. انْتهى كَلَامه.
    قلت: صحّح هَذَا الحَدِيث أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن الْمخْرج مُتَّصِل، ورد على الْأَوْزَاعِيّ فَقَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِك وَلم أر أحدا من أهل الْعلم يرفعهُ، وَأخرجه الْحَاكِم من طَرِيق ابْن موهب عَن تَمِيم، ثمَّ قَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم. وَأخرجه الْأَرْبَعَة فِي الْفَرَائِض: فَأَبُو دَاوُد رَوَاهُ عَن يزِيد بن خَالِد بن موهب الرَّمْلِيّ وَهِشَام بن عمار الدِّمَشْقِي قَالَا: حَدثنَا يحيى هُوَ ابْن حَمْزَة عَن عبد الْعَزِيز بن عمر قَالَ: سَمِعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد الْعَزِيز عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب، وَقَالَ هِشَام: عَن تَمِيم الدَّارِيّ أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله {وَقَالَ يزِيد: إِن تميماً قَالَ: يَا رَسُول الله} مَا السّنة فِي الرجل يسلم على يَدي الرجل من الْمُسلمين؟ فَقَالَ: هُوَ أولى النَّاس بمحياه ومماته. انْتهى.
    ............
    263
    (ألَمْ تَرَيْ أنَّ مُجَزِّزاً نَظَرَ آنِفاً إِلَى زَيْدِ بنِ حارثَةَ وأُسامَةَ بنِ زَيْدٍ فَقَالَ: إنَّ هاذِهِ الأقْدامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ) .
    مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن مجززاً الْمَذْكُور حكم بالقيافة فِي زيد بن حَارِثَة وَأُسَامَة بن زيد، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يقدحون فِي نسب أُسَامَة لِأَنَّهُ كَانَ أسود شَدِيد السوَاد لَكِن أمه كَانَت سَوْدَاء، وَكَانَ أَبوهُ زيد أَبيض من الْقطن، فَلَمَّا قَالَ هَذَا الْقَائِف مَا قَالَ مَعَ اخْتِلَاف اللَّوْن سر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك لكَونه كافاً لَهُم عَن الطعْن فِيهِ لاعتقادهم ذَلِك.
    والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح
    .............
    266
    قَالَ أَبُو عمر: الْجُمْهُور من عُلَمَاء السّلف وَالْخلف على أَن الْحَد فِي الشّرْب ثَمَانُون، وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِي ّ وَعبيد الله بن الْحسن وَالْحسن بن حَيّ وَإِسْحَاق وَأحمد، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي. وَقَالَ: اتّفق إِجْمَاع الصَّحَابَة فِي زمن عمر على الثَّمَانِينَ فِي حد الْخمر وَلَا مُخَالف لَهُم مِنْهُم وعَلى ذَلِك جمَاعَة التَّابِعين وَجُمْهُور فُقَهَاء الْمُسلمين. وَالْخلاف فِي ذَلِك كالشذوذ المحجوج بالجمهور، وَقَالَ ابْن مَسْعُود: مَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي، وروى الدَّارَقُطْنِي ّ من حَدِيث يحيى بن فليح عَن مُحَمَّد بن يزِيد عَن عِكْرِمَة عَن مَوْلَاهُ أَن الشُّرَّاب كَانُوا يضْربُونَ فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْأَيْدِي وَالنعال والعصي حَتَّى توفّي، وَكَانَ فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فجلدهم أَرْبَعِينَ ثمَّ عمر كَذَلِك
    ......
    273
    وَلَيْسَ من عَادَة الْعَرَب والعجم أَن يَقُولُوا: قبح الله فلَانا عرض نَفسه للضرب فِي عقد جَوْهَر وَتعرض للعقوبة بالغلول فِي جراب مسك، وَإِنَّمَا الْعَادة فِي مثل هَذَا أَن يُقَال: لَعنه الله تعرض لقطع الْيَد فِي حَبل رت، أَو كبة شعر، أَو رِدَاء خلق. وَكلما كَانَ من هَذَا الْفَنّ أَحْقَر فَهُوَ أبلغ. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِن ذَلِك من بَاب التدريج لِأَنَّهُ إِذا اسْتمرّ ذَلِك بِهِ لم يَأْمَن أَن يُؤَدِّيه ذَلِك إِلَى سَرقَة مَا فَوْقهَا حَتَّى يبلغ فِيهِ الْقطع فتقطع يَده فليحذر هَذَا الْفِعْل وليتركه قبل أَن تملكه الْعَادة وَيَمُوت عَلَيْهَا ليسلم من سوء عاقبته، وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَا قَالَه الْأَعْمَش مُحْتَمل، وَقد يحْتَمل أَن يكون هَذَا قبل أَن يبين الشَّارِع الْقدر الَّذِي يقطع فِيهِ السَّارِق، وَقيل: هَذَا مَحْمُول على الْمُبَالغَة فِي التَّنْبِيه على عظم مَا خسر وحقر مَا حصل، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَنَظِير حمله على الْمُبَالغَة مَا حمل عَلَيْهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من بنى لله مَسْجِدا وَلَو كمفحص قطاة فَإِن أحدا لم يقل فِيهِ إِنَّه أَرَادَ الْمُبَالغَة فِي ذَلِك، وإلاَّ فَمن الْمَعْلُوم أَن مفحص الْقُضَاة وَهُوَ قدر مَا تحصن بِهِ بيضها لَا يتَصَوَّر أَن يكون مَسْجِدا. وَمِنْه: تصدقن وَلَو
    ...
    278
    وَذكر الشَّافِعِي فِي كتاب (اخْتِلَاف عَليّ وَابْن مَسْعُود) : أَن عليا كَانَ يقطع من يَد السَّارِق الْخِنْصر والبنصر وَالْوُسْطَى خَاصَّة، وَيَقُول: أستحي من الله أَن أتركه بِلَا عمل، وَوَقع فِي بعض نسخ البُخَارِيّ: وَقطع عَليّ الْكَفّ بِدُونِ كلمة: من.

    .......
    279
    وَيُونُس هَذَا لَا يُقَارب عنْدكُمْ وَلَا عِنْد غَيْركُمْ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَكيف تحتجون بقول يُونُس وتتركون قَول سُفْيَان؟ وَقَالَ بَعضهم: نقل الطَّحَاوِيّ عَن الْمُحدثين أَنهم يقدمُونَ ابْن عُيَيْنَة فِي الزُّهْرِيّ على يُونُس، فَلَيْسَ مُتَّفقا عَلَيْهِ عِنْدهم بل أَكْثَرهم على الْعَكْس، وَمِمَّنْ جزم بِتَقْدِيم يُونُس على سُفْيَان فِي الزُّهْرِيّ يحيى بن معِين وَأحمد بن صَالح الْمصْرِيّ. انْتهى.
    قلت: سُفْيَان إِمَام عَالم ورع زاهد حجَّة ثَبت مجمع على صِحَة حَدِيثه، وَكَيف يقارنه يُونُس بن يزِيد، وَقد قَالَ ابْن سعد: كَانَ يُونُس حُلْو الحَدِيث وَكَثِيره، وَلَيْسَ بِحجَّة، وَرُبمَا جَاءَ بالشَّيْء الْمُنكر.
    ......

  19. #299
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    (( 24 ))
    المجلد الرابع والعشرين
    اليوم : الحمعة
    الموافق : 8/ ذو القعدة / 1442 هجري
    الموافق : 18/ يونيو / 2021 ميلادي

    " عمدة القاري " للحافظ العيني رحمه الله


    (22/24)
    قَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ أَن التَّعْرِيض بِالْقَذْفِ يُوجب الْحَد. قلت: اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب. فَقَالَ قوم: لَا حدَّ فِي التَّعْرِيض، وَإِنَّمَا يجب بالتصريح الْبَين، وَرُوِيَ هَذَا عَن ابْن مَسْعُود، وَبِه قَالَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَالشعْبِيّ وَطَاوُس وَحَمَّاد وَابْن الْمسيب فِي رِوَايَة، وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالْحسن بن حييّ، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ إِلَّا أَنَّهُمَا يوجبان عَلَيْهِ الْأَدَب والزجر، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث الْبَاب وَعَلِيهِ يدل تبويب البُخَارِيّ. وَقَالَ آخَرُونَ: التَّعْرِيض كالتصريح، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَعُثْمَان وَعُرْوَة وَالزهْرِيّ وَرَبِيعَة، وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِي ّ، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رُوِيَ عَن وُجُوه أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حد فِي التَّعْرِيض بالفاحشة، وَعَن ابْن جريج الَّذِي حَده عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي التَّعْرِيض عِكْرِمَة بن عَامر بن هِشَام بن عبد منَاف بن عبد الدَّار، هجا وهب بن زَمعَة بن الْأسود بن عبد الْمطلب بن أَسد، فَعرض لَهُ فِي هجائه. وَسمعت ابْن أبي مليكَة يَقُول ذَلِك، وَرُوِيَ نَحْو هَذَا عَن ابْن الْمسيب. وَفِيه: إِثْبَات الشُّبْهَة وَإِثْبَات الْقيَاس بِهِ. وَفِيه: الزّجر عَن تَحْقِيق ظن السوء وَتقدم حكم الْفراش على اعْتِبَار المشابهة.
    .........
    (24/24)
    وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مبلغ التَّعْزِير على أَقْوَال. أَحدهَا: لَا يُزَاد على عشر جلدات إلاّ فِي حد، وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق. وَالثَّانِي رُوِيَ عَن اللَّيْث أَنه قَالَ: يحْتَمل أَن لَا يتَجَاوَز بالتعزير عشرَة أسواط، وَيحْتَمل مَا سوى ذَلِك. وَالثَّالِث: أَن لَا يبلغ فَوق عشْرين سَوْطًا. وَالرَّابِع: أَن لَا يبلغ أَكثر من ثَلَاثِينَ جلدَة، وهما مرويان عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَالْخَامِس قَالَ الشَّافِعِي فِي قَوْله الآخر: لَا يبلغ عشْرين سَوْطًا. وَالسَّادِس قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: لَا يبلغ بِهِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا بل ينقص مِنْهُ سَوْطًا، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي قَول وَالسَّابِع قَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف: أَكْثَره خَمْسَة وَسَبْعُونَ سَوْطًا. وَالثَّامِن قَالَ مَالك: التَّعْزِير رُبمَا كَانَ أَكثر من الْحَد إِذا أدّى الإِمَام اجْتِهَاده إِلَى ذَلِك، وَرُوِيَ مثله عَن أبي يُوسُف وَأبي ثَوْر وَالتَّاسِع قَالَ اللَّيْث: لَا يتَجَاوَز تِسْعَة وَأَقل، وَبِه قَالَ أهل الظَّاهِر، نَقله ابْن حزم والعاشر قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَلَا يجوز اعْتِبَار التَّعْزِير بالحدود لأَنهم لم يَخْتَلِفُوا فِي أَن التَّعْزِير موكول إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام فيخفف تَارَة ويشدد أُخْرَى.
    .......
    (24/40)
    أَن مُخَالف الْإِجْمَاع كَافِر فَمن أنكر وجوب مجمع عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِر، وَالصَّحِيح تَقْيِيده بإنكار مَا يعلم وُجُوبه من الدّين ضَرُورَة: كالصلوات الْخمس، وَقيد بَعضهم ذَلِك بإنكار وجوب مَا علم وُجُوبه بالتواتر: كالقول بحدوث الْعَالم فَإِنَّهُ مَعْلُوم بالتواتر، وَقد حكى القَاضِي عِيَاض الْإِجْمَاع على تَكْفِير الْقَائِل، بقدم الْعَالم وَاسْتثنى بَعضهم مَعَ الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة: الصَّائِل، فَإِنَّهُ يجوز قَتله للدَّفْع؟ وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يجوز دَفعه إِذا أدّى إِلَى الْقَتْل. فَلَا يحل تعمد قَتله إِذا انْدفع بِدُونِ ذَلِك، فَلَا يُقَال: يجوز قَتله، بل دَفعه. وَقيل: الصَّائِل على قتل النَّفس دَاخل فِي قَوْله. التارك الْجَمَاعَة، وَاسْتدلَّ بِهِ أَيْضا على قتل الْخَوَارِج والبغاة لدخولهم فِي مُفَارقَة الْجَمَاعَة، وَفِيه حصر مَا يُوجب الْقَتْل فِي الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة، وَحكى ابْن الْعَرَبِيّ عَن بعض أَصْحَابهم: أَن أَسبَاب الْقَتْل عشرَة، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَلَا يخرج عَن هَذِه الثَّلَاثَة بِحَال، فَإِن من سحر أَو سبّ الله أَو سبّ النَّبِي أَو الْملك فَإِنَّهُ كَافِر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بقوله تَعَالَى: {من قتل نفسا بِغَيْر نفس أَو فَسَاد فِي الأَرْض فأباح الْقَتْل بِالْفَسَادِ، وَبِحَدِيث قتل الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فِي الَّذِي يعْمل عمل قوم لوط، وَقيل: هما فِي الْفَاعِل بالبهيمة.
    ..........
    43
    خُزَاعَة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالزاي وَهِي قَبيلَة كَانُوا غلبوا على مَكَّة وحكموا فِيهَا، ثمَّ أخرجُوا مِنْهَا فصاروا فِي ظَاهرهَا، وَكَانَت بَينهم وَبَين بني بكر عَدَاوَة ظَاهِرَة فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَت خُزَاعَة حلفاء بني هَاشم بن عبد منَاف إِلَى عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت بَنو بكر حلفاء قُرَيْش. قَوْله: رجلا من بني لَيْث وَاسم الرجل الْقَاتِل من خُزَاعَة: خرَاش، بِالْخَاءِ والشين المعجمتين ابْن أُميَّة الْخُزَاعِيّ، وَاسم الْمَقْتُول مِنْهُم فِي الْجَاهِلِيَّة: أَحْمَر، وَاسم الْمَقْتُول من بني لَيْث: قَبيلَة، لم يدر اسْمه، وَبَنُو لَيْث قَبيلَة مَشْهُورَة ينسبون إِلَى لَيْث بن بكر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر.
    ..........
    45
    أَن الْمُسلمين كَانُوا قتلوا الْيَمَان أَبَا حُذَيْفَة خطأ يَوْم أحد فَعَفَا حُذَيْفَة عَنْهُم بعد قَتله.
    وَقد أخرج أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ فِي السّير عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: أَخطَأ الْمُسلمُونَ بِأبي حُذَيْفَة يَوْم أحد حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَة: يغْفر الله لكم وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ: فبلغت النَّبِي فزاده عِنْده خيرا ووداه من عِنْده.
    .........
    50
    وَقَالَ ابْن بطال: أَجمعُوا على قلع السن بِالسِّنِّ فِي الْعمد. وَاخْتلفُوا فِي سَائِر عِظَام الْجَسَد، فَقَالَ مَالك: فِيهَا الْقود إلاَّ مَا كَانَ مخوفا أَو كَانَ كالمأمومة والمنقلة والهاشمة فَفِيهَا الدِّيَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَاللَّيْث وَالْحَنَفِيَّة: لَا قصاص فِي عظم غير السن لِأَن دون الْعظم حَائِل من جلد وَلحم وَعصب تتعذر مَعَه الْمُمَاثلَة، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: اتَّفقُوا على أَنه لَا قصاص فِي عظم الرَّأْس فَيلْحق بِهِ سَائِر الْعِظَام، وَقَالَ بَعضهم: وَتعقب بِأَنَّهُ قِيَاس مَعَ وجود النَّص فَإِن فِي حَدِيث الْبَاب أَنَّهَا كسرت الثَّنية فَأمرت بِالْقصاصِ مَعَ أَن الْكسر لَا تطرد فِيهِ الْمُمَاثلَة. قلت: لَا يرد مَا ذكره لِأَن مُرَاده من قَوْله: سَائِر الْعِظَام هِيَ الَّتِي لَا تتَحَقَّق فِيهَا الْمُمَاثلَة.
    ..........
    55
    ثَبت فِي كتاب الدِّيات الَّذِي كتبه سيدنَا رَسُول الله لآل عَمْرو بن حزم أَنه قَالَ فِي: الْيَد خَمْسُونَ من الْإِبِل فِي كل إِصْبَع عشر من الْإِبِل، وَأجْمع الْعلمَاء على أَن فِي الْيَد نصف الدِّيَة، وأصابع الْيَد وَالرجل سَوَاء، وعَلى هَذَا أَئِمَّة الْفَتْوَى، وَلَا فضل لبَعض الْأَصَابِع عِنْدهم على بعض. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: روينَا عَن عمر وَعلي وَعُرْوَة بن الزبير تَفْضِيل بعض الْأَصَابِع على بعض، روى الثَّوْريّ وَحَمَّاد بن زيد بن يحيى بن سعيد عَن ابْن الْمسيب: أَن عمر جعل فِي الْإِبْهَام خمس عشرَة وَفِي البنصر تسعا، وَفِي الْخِنْصر سِتا، وَفِي السبابَة وَالْوُسْطَى عشرا عشرا. حَتَّى وجد فِي كتاب الدِّيات عِنْد آل عَمْرو بن حزم أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ: الْأَصَابِع كلهَا سَوَاء فَأخذ بِهِ وَترك الأول. وَرَوَاهُ جَعْفَر بن عون عَن يحيى بن سعيد عَن ابْن الْمسيب قَالَ: قضى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي الْإِبْهَام بِثَلَاث عشرَة وَالَّتِي تَلِيهَا بثنتي عشرَة وَفِي الْوُسْطَى بِعشْرَة وَفِي الَّتِي تَلِيهَا بتسع وَفِي الْخِنْصر بست، وَلم يلْتَفت أحد من الْفُقَهَاء إِلَى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ لما ثَبت فِي حَدِيث الْبَاب عَن ابْن عَبَّاس، وَحَدِيث عَمْرو بن حزم.
    وَأما مفاصل الْأَصَابِع فَروِيَ عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة عَن عمر، رَضِي الله
    .......
    55
    عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ غُلاماً قُتِلَ غيلَةً، فَقَالَ عُمَرُ: لَوِ اشْتَرَكَ فِيها أهْلُ صَنْعاءَ لَقَتَلْتُهُمْ.
    عَن ابْن عمر: أَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قتل سَبْعَة من أهل صنعاء بِرَجُل،
    وَهَذَا الْأَثر حجَّة لِلْجُمْهُورِ على أَن الْجمع يقتل بِوَاحِد، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح كَأَن البُخَارِيّ أَرَادَ بأثر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الرَّد على مُحَمَّد بن سِيرِين، قَالَ: فِي الرجل يقْتله الرّجلَانِ يقتل أَحدهمَا وَيُؤْخَذ الدِّيَة من الآخر،
    .........
    61
    من الْأَحْكَام فِيهِ أَن الْقَتِيل إِذا وجد فِي الْمحلة فالقسامة وَالدية على أهل الْمحلة.
    وَقَالَ أَبُو عمر: مَا نعلم فِي شَيْء من الْأَحْكَام المروية عَن رَسُول الله فِي الِاضْطِرَاب والتضاد مَا فِي هَذِه الْقَضِيَّة فَإِن الْآثَار فِيهَا متضادة متدافعة، وَهِي قَضِيَّة وَاحِدَة. وَذكر أَبُو الْقَاسِم الْبَلْخِي فِي معرفَة الرِّجَال عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت عَمْرو بن شُعَيْب يحلف فِي الْمَسْجِد الْحَرَام: وَالله الَّذِي لَا إلاه إلاَّ هُوَ إِن حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة فِي الْقسَامَة لَيْسَ كَمَا حدث، وَلَقَد وهم. وَقَالَ أَبُو عمر: وَقد خطأ جمَاعَة من أهل الحَدِيث حَدِيث سعيد بن عبيد وذموا البُخَارِيّ فِي تَخْرِيجه وَتَركه رِوَايَة يحيى بن سعيد. قَالَ الْأصيلِيّ: أسْندهُ عَن يحيى شُعْبَة وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ وَعِيسَى بن حَمَّاد وَبشر بن الْمفضل وَهَؤُلَاء سِتَّة نفر أسندوه، وأرسله مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن بشير بن يسَار، وَلم يذكر سهل بن أبي حثْمَة. وَقَالَ الْأَثْرَم: قَالَ أَحْمد: الَّذِي أذهب إِلَيْهِ فِي الْقسَامَة حَدِيث بشير من رِوَايَة يحيى فقد وَصله عَنهُ حفاظ وَهُوَ أصح من حَدِيث سعيد بن عبيد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا أعلم أحدا تَابع سعيد بن عبيد على رِوَايَته عَن بشير، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح قد ذكره الدَّارَقُطْنِي ّ من حَدِيث حبيب بن أبي ثَابت عَن بشير مثله.
    ...........
    68
    فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِن اسْتعْمل عبدا فِي بِئْر يحفرها وَلم يَأْذَن لَهُ سَيّده فِي الْإِجَارَة فَهُوَ ضَامِن إِن عطب، وَذَلِكَ إِذا بَعثه إِلَى سفر بِكِتَاب، وروى ابْن وهب عَن مَالك: لَا ضَمَان عَلَيْهِ سَوَاء أذن لَهُ سَيّده فِي الْإِجَارَة أَو لم يَأْذَن مِمَّا أصَاب، إلاَّ أَن يَسْتَعْمِلهُ فِي غرر كَبِير لِأَنَّهُ لم يُؤذن لَهُ فِيهِ
    .......
    71
    وَقَالَ أَبُو عبيد الْهَرَوِيّ: اخْتلف فِي تَفْسِير الرِّكَاز أهل الْعرَاق وَأهل الْحجاز، فَقَالَ أهل الْعرَاق: هِيَ الْمَعَادِن، وَقَالَ أهل الْحجاز: هِيَ كنوز أهل الْجَاهِلِيَّة، وكلٌّ مُحْتَمل فِي اللُّغَة، وَالْأَصْل فِيهِ قَوْلهم: ركز فِي الأَرْض إِذا ثَبت أَصله.
    ..........
    85
    وأقربهم إِلَى قَول أهل الْحق الإباضية، وَقد بقيت مِنْهُم بَقِيَّة بالغرب. وَقَالَ الْجَوْهَرِي الإباضية فرقة من الْخَوَارِج أَصْحَاب عبد الله بن إباض التَّيْمِيّ
    .......
    97
    قَالَ ابْن حزم: الْإِكْرَاه قِسْمَانِ: إِكْرَاه على كَلَام، وإكراه على فعل. فَالْأول لَا يجب بِهِ شَيْء: كالكفر وَالْقَذْف وَالْإِقْرَار بِالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَة وَالطَّلَاق وَالْبيع والابتياع وَالنُّذُور والأيمان وَالْعِتْق وَالْهِبَة وَغير ذَلِك. وَالثَّانِي: على قسمَيْنِ:
    أَحدهمَا مَا تبيحه الضَّرُورَة كَالْأَكْلِ وَالشرب، فَهَذَا يبيحه الْإِكْرَاه فَمن أكره على شَيْء من ذَلِك فَلَا يلْزمه شَيْء لِأَنَّهُ أَتَى مُبَاحا لَهُ إِتْيَانه. وَالْآخر: مَا لَا تبيحه كَالْقَتْلِ والجراح وَالضَّرْب وإفساد الْأَمْوَال، فَهَذَا لَا يبيحه الْإِكْرَاه، فَمن أكره على شَيْء من ذَلِك لزمَه. وَفِي التَّوْضِيح وَقَالَت طَائِفَة: الْإِكْرَاه فِي القَوْل وَالْفِعْل سَوَاء إِذا أسر الْإِيمَان، رُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب، وَهُوَ قَول مَكْحُول وَمَالك وَطَائِفَة من أهل الْعرَاق.
    ..........

  20. #300
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,615

    افتراضي رد: [ 2000 فائدة فقهية وحديثية من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله ]

    (( 24 ))

    فوائد المجلد الرابع والعشرين من " عمدة القاري " للحافظ العيني رحمه الله

    اليوم : الأثنين
    الموافق / 11/ ذو القعدة / 1442 هجري
    الموافق : 21/ يونيو / 2021 ميلادي



    2))
    (107/24)

    وَأثر إِبْرَاهِيم هَذَا وَصله مُحَمَّد بن الْحسن فِي كتاب الْآثَار عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَنهُ بِلَفْظ: إِذا اسْتحْلف الرجل وَهُوَ مظلوم فاليمين على مَا نوى وعَلى مَا روى، وَإِذا كَانَ ظَالِما فاليمين على نِيَّة من استحلفه. وَقَالَ ابْن بطال: قَول النَّخعِيّ يدل على أَن النِّيَّة عِنْده نِيَّة الْمَظْلُوم أبدا، أَو إِلَى مثله ذهب مَالك وَالْجُمْهُور، وَعند أبي حنيفَة: النِّيَّة نِيَّة الْحَالِف أبدا، وَقَالَ غَيره: وَمذهب الشَّافِعِي أَن الْحلف إِذا كَانَ عِنْد الْحَاكِم فالنية نِيَّة الْحَاكِم. وَهِي رَاجِعَة إِلَى نِيَّة صَاحب الْحق، وَإِن كَانَ فِي غير الْحَاكِم فالنية نِيَّة الْحَالِف.
    ....
    110
    قَالَ النَّسَفِيّ فِي الْكَافِي عَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ: لَيْسَ من أَخْلَاق الْمُؤمنِينَ الْفِرَار من أَحْكَام الله بالحيل الموصلة إِلَى إبِْطَال الْحق.
    111
    وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا وَجه تعلق الحَدِيث بِالْكتاب؟ . قلت: قَالُوا مَقْصُود البُخَارِيّ الرَّد على الْحَنَفِيَّة حَيْثُ صححوا صَلَاة من أحدث فِي الجلسة الْأَخِيرَة، وَقَالُوا: إِن التَّحَلُّل يحصل بِكُل مَا يضاد الصَّلَاة فهم متحيلون فِي صِحَة الصَّلَاة مَعَ وجود الْحَدث. وَوجه الرَّد أَنه مُحدث فِي الصَّلَاة فَلَا تصح لِأَن التَّحَلُّل مِنْهَا ركن فِيهَا لحَدِيث: وتحليلها التَّسْلِيم، كَمَا أَن التَّحْرِيم بِالتَّكْبِيرِ ركن مِنْهَا، وَحَيْثُ قَالُوا: الْمُحدث فِي الصَّلَاة يتَوَضَّأ وَيَبْنِي، وَحَيْثُ حكمُوا بِصِحَّتِهَا عِنْد عدم النِّيَّة فِي الْوضُوء بعلة أَنه لَيْسَ بِعبَادة. انْتهى.
    وَقَالَ ابْن الْمُنِير: أَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى رد قَول من قَالَ بِصِحَّة صَلَاة من أحدث عمدا فِي أثْنَاء الْجُلُوس الْأَخير، وَيكون حَدثهُ كسلامه بِأَن ذَلِك من الْحِيَل لتصحيح الصَّلَاة مَعَ الْحَدث. انْتهى. وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ رد على من قَالَ: إِن من أحدث فِي الْقعدَة الْأَخِيرَة إِن صلَاته صَحِيحَة. انْتهى. وَقيل: التَّحْرِيم يُقَابله التَّسْلِيم لحَدِيث: تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم، فَإِذا كَانَ أحد الطَّرفَيْنِ ركنا كَانَ الطّرف الآخر ركنا
    قلت: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة أصلا فَإِنَّهُ لَا يدل أصلا على شَيْء من الْحِيَل، وَقَول الْكرْمَانِي: فهم متحيلون فِي صِحَة الصَّلَاة مَعَ وجود الْحَدث، كَلَام مَرْدُود غير مَقْبُول أصلا لِأَن الْحَنَفِيَّة مَا صححوا صَلَاة من أحدث فِي الْقعدَة الْأَخِيرَة بالحيلة، وَمَا للحيلة دخل أصلا فِي هَذَا، بل حكمُوا بذلك بقوله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، لِابْنِ مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِذا قلت هَذَا أَو فعلت هَذَا فقد تمت صَلَاتك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه
    ........
    112
    إِن فِي كل مَوضِع قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ بعض النَّاس، فمراده الْحَنَفِيَّة أَو أَبُو حنيفَة وَحده، وَهَذَا غير وَارِد عَلَيْهِم لأَنهم قَالُوا بِصِحَّة الْعقْدَيْنِ فِيهِ وبوجوب مهر الْمثل لوُجُود ركن النِّكَاح من أَهله فِي مَحَله، وَالنَّهْي فِي الحَدِيث لإخلاء العقد عَن الْمهْر فَصَارَ كالعقد بِالْخمرِ.
    ........
    كتاب " التعبير "
    126
    وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: الرُّؤْيَا إدراكات يخلقها الله عز وَجل فِي قلب العَبْد على يَدي ملك أَو شَيْطَان إِمَّا بأسمائها أَي: حَقِيقَتهَا وَإِمَّا بكناها أَي: بعبارتها، وَإِمَّا تَخْلِيط، ونظيرها فِي الْيَقَظَة: الخواطر، فَإِنَّهَا قد تَأتي على نسق فِي قصد وَقد تَأتي مسترسلة غير محصلة.

    .......
    131
    قَالَ الْخطابِيّ نَاقِلا عَن بَعضهم مَا ملخصه: إِن أول مَا بدىء بِهِ الْوَحْي إِلَى أَن توفّي ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة أَقَامَ بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة وبالمدينة عشرا وَكَانَ يُوحى إِلَيْهِ فِي مَنَامه فِي أول الْأَمر بِمَكَّة سِتَّة أشهر وَهِي نصف سنة فَصَارَت، هَذِه الْمدَّة جُزْءا من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة بنسبتها من الْوَحْي فِي الْمَنَام، ثمَّ اعْلَم أَن قَوْله: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا هُوَ الَّذِي وَقع فِي أَكثر الْأَحَادِيث، وَفِي رِوَايَة لمُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: جُزْء من خَمْسَة وَأَرْبَعين، وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث ابْن عمر جُزْء من سبعين جُزْءا، وَكَذَا أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ من وَجه آخر مَرْفُوعا. وللطبراني من وَجه آخر عَنهُ: من سِتَّة وَسبعين. وَسَنَده ضَعِيف. وَأخرجه ابْن عبد الْبر من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار عَن ثَابت عَن أنس مَرْفُوعا: جُزْء من سِتَّة وَعشْرين، وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى حَدِيثا فِي هَذَا الْبَاب، وَفِيه: قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنِّي سَمِعت الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب يَقُول: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: الرُّؤْيَا الصَّالِحَة من الْمُؤمن جُزْء من خمسين جُزْءا من النُّبُوَّة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ والطبري من حَدِيث أبي ذَر بن الْعقيلِيّ: جُزْء من أَرْبَعِينَ.
    .......
    135
    قَالَ الْجَوْهَرِي: الْيَمَامَة بِلَاد كَانَ اسْمهَا الجو بِالْجِيم وَتَشْديد الْوَاو، وَقَالَ الْكرْمَانِي: بَين مَكَّة واليمن، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْيَمَامَة اسْم جَارِيَة زرقاء كَانَت تبصر الرَّاكِب من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام، يُقَال: أبْصر من زرقاء الْيَمَامَة، فسميت الْبِلَاد الْمَذْكُورَة باسم هَذِه الْجَارِيَة لِكَثْرَة مَا أضيف إِلَيْهَا، وَقيل: جو الْيَمَامَة.
    ....
    135
    حد عشر كوكباً نصب على التَّمْيِيز وأسماؤها: جرثان والطارق وَالذَّيَّال وَذُو الْكَتِفَيْنِ وَذُو القابس وَوَثَّاب وَعَمُودَان والفليق وَالْمصْبح والضروج وَذُو الفرغ.
    .......
    وَهُوَ ابْن اثْنَي عشرَة سنة، وَقيل: كَانَ بَين رُؤْيا يُوسُف ومصير إخْوَته إِلَيْهِ أَرْبَعُونَ سنة، وَقيل: ثَمَانُون.
    .........
    140
    أصدق الرُّؤْيَا بالأسحار. أخرجه أَحْمد مَرْفُوعا وَصَححهُ ابْن حبَان وَذكر نصر بن يَعْقُوب الدينَوَرِي أَن الرُّؤْيَا أول اللَّيْل تبطىء بتأويلها، وَمن النّصْف الثَّانِي تسرع بتفاوت أَجزَاء اللَّيْل، وَأَن أسرعها تَأْوِيلا رُؤْيا السحر وَلَا سِيمَا عِنْد طُلُوع الْفجْر، وَعَن جَعْفَر الصَّادِق: أسرعها تَأْوِيلا رُؤْيا القيلولة.
    .........
    142
    مَفَاتِيح الْكَلم أَي: لفظ قَلِيل يُفِيد مَعَاني كَثِيرَة، وَهَذَا غَايَة البلاغة، وَسَتَأْتِي رِوَايَة أُخْرَى: بعثت بجوامع الْكَلم، وَقَالَ البُخَارِيّ: بَلغنِي أَن جَوَامِع الْكَلم هُوَ أَن الله تَعَالَى يجمع الْأُمُور الْكَثِيرَة الَّتِي كَانَت تكْتب فِي الْكتب قبله فِي الْأَمر الوحد والأمرين، أَو نَحْو ذَلِك
    .......
    143
    الْمَسِيح الدَّجَّال وَفِي تَسْمِيَة الدَّجَّال بالمسيح خَمْسَة أَقْوَال، وَفِي تَسْمِيَته بالدجال عشرَة أَقْوَال ذَكرنَاهَا كلهَا فِي كتَابنَا الموسوم بزين الْمجَالِس وَكَذَلِكَ ذكرنَا فِي تَسْمِيَة عِيسَى ابْن مَرْيَم بالمسيح ثَلَاثَة وَعشْرين وَجها اختصرنا هُنَا ذكره خوفًا من السَّآمَة، ومختصره معنى الْمَسِيح فِي عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، كَونه لَا يمسح ذَا عاهة إلاَّ برىء، وَمَعْنَاهُ فِي الدَّجَّال كَونه مَمْسُوح إِحْدَى الْعَينَيْنِ، وَقيل فِيهِ: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
    .........
    145
    الَ عبد الله بن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، وَوَصله عَن عَليّ بن أبي طَالب القيرواني فِي كتاب التَّعْبِير من طَرِيق مسْعدَة بن اليسع عَن عبد الله بن عون، وَفِي التَّوْضِيح قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي طَالب فِي كِتَابه نور الْبُسْتَان وربيع الْإِنْسَان لَا فرق بَين رُؤْيا النَّهَار وَاللَّيْل، وحكمهما وَاحِد فِي الْعبارَة، وَكَذَا رُؤْيا النِّسَاء ورؤيا الرِّجَال.
    .......
    153
    سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله إِذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيا المُؤْمِنِ، ورُؤْيا المُؤْمِنِ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ، وَمَا كَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فإنّهُ لَا يَكْذِبُ

    وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الْمَعْنى إِذا تقَارب زمَان اللَّيْل وزمان النَّهَار وَهُوَ وَقت استوائهما أَيَّام الرّبيع، وَذَلِكَ وَقت اعْتِدَال الطبائع الْأَرْبَع غَالِبا. وَالثَّانِي: أَن المُرَاد من اقتراب الزَّمَان انْتِهَاء مدَّته إِذا دنا قيام السَّاعَة. وَقَالَ ابْن بطال: الصَّوَاب هُوَ الثَّانِي، وَقَالَ الدَّاودِيّ: المُرَاد بتقارب الزَّمَان نقص السَّاعَات وَالْأَيَّام والليالي، وَمرَاده بِالنَّقْصِ سرعَة مرورها وَذَلِكَ قرب قيام السَّاعَة. وَقيل: معنى كَون رُؤْيا الْمُؤمن فِي آخر الزَّمَان لَا تكَاد تكذب أَنَّهَا تقع غَالِبا على الْوَجْه المرئي لَا تحْتَاج إِلَى التَّعْبِير فَلَا يدخلهَا الْكَذِب، وَالْحكمَة فِي اخْتِصَاص ذَلِك بآخر الزَّمَان أَن الْمُؤمن فِي ذَلِك الْوَقْت يكون غَرِيبا كَمَا فِي الحَدِيث: بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا أخرجه مُسلم، فيقل أنس الْمُؤمن ومعينه فِي ذَلِك الْوَقْت فيكرم بالرؤيا الصادقة،
    وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: المُرَاد وَالله أعلم بآخر الزَّمَان الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث زمَان الطَّائِفَة الْبَاقِيَة مَعَ عِيسَى ابْن مَرْيَم، صلوَات الله عَلَيْهِمَا وَسَلَامه، بعد قَتله الدَّجَّال
    ,,,,,,,
    157
    قَالَ الْمُهلب: الْعين الْجَارِيَة تحْتَمل وُجُوهًا فَإِن كَانَ مَاؤُهَا صافياً عبرت بِالْعَمَلِ الصَّالح وإلاَّ فَلَا، وَقيل: الْعين الْجَارِيَة عمل جَار من صَدَقَة أَو مَعْرُوف لحي أَو ميت، وَقيل: عين المَاء نعْمَة وبركة وَخير وبلوغ أُمْنِية إِن كَانَ صَاحبهَا مَسْتُورا، وَإِن كَانَ غير عفيف أَصَابَته مُصِيبَة يبكي لَهَا أهل دَاره.
    رُؤْيَة الْوضُوء فِي الْمَنَام وَسِيلَة إِلَى سُلْطَان أَو عمل، فَإِن أتمه فِي النّوم حصل مُرَاده فِي الْيَقَظَة، وَإِن تعذر لعجز المَاء مثلا، أَو تَوَضَّأ بِمَا لَا يجوز الصَّلَاة بِهِ، فَلَا. وَالْوُضُوء للخائف أَمَان وَيدل على حُصُول الثَّوَاب وتكفير الْخَطَايَا.
    قَالَ أهل التَّعْبِير: الطّواف يدل على الْحَج وعَلى التَّزْوِيج وَحُصُول أَمر مَطْلُوب من الإِمَام وعَلى بر الْوَالِدين وعَلى خدمَة عَالم وَالدُّخُول فِي أَمر الإِمَام، فَإِن كَانَ الرَّائِي رَقِيقا دلّ على نصحه لسَيِّده.
    قَالَ المعبرون: من رأى أَنه يطير فَإِنَّهُ كَانَ إِلَى جِهَة السَّمَاء من غير تعريج ناله ضَرَر، فَإِن غَابَ فِي السَّمَاء وَلم يرجع مَاتَ، وَإِن رَجَعَ أَفَاق من مَرضه، وَإِن كَانَ يطير عرضا سَافر ونال رفْعَة بِقدر طيرانه، فَإِن كَانَ بجناح فَهُوَ مَال أَو سُلْطَان يُسَافر فِي كنفه، وَإِن كَانَ بِغَيْر جنَاح فَهُوَ يدل عل التَّعْزِير فِيمَا يدْخل فِيهِ


    .....
    165
    الْعَنسِي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون اسْمه الْأسود الصَّنْعَانِيّ وَكَانَ يُقَال لَهُ ذُو الْحمار لِأَنَّهُ علم حمارا إِذا قَالَ لَهُ اسجد؟ يخْفض رَأسه، قَتله فَيْرُوز الديلمي، ومسيلمة بن حبيب الْحَنَفِيّ الْيَمَانِيّ وَكَانَ صَاحب نيرنجات، وَهُوَ أول من أَدخل الْبَيْضَة فِي القارورة: قَتله وَحشِي قَاتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
    .......
    180
    إ ن الشَّرّ اضمحل فِي زَمَانه. قلت: حمله الْحسن الْبَصْرِيّ على الْأَكْثَر الْأَغْلَب فَسئلَ عَن وجود عمر بن عبد الْعَزِيز بعد الْحجَّاج، فَقَالَ: لَا بُد للنَّاس من تَنْفِيس، وَقيل: إِن المُرَاد بالتفضيل تَفْضِيل مَجْمُوع الْعَصْر، فَإِن عصر الْحجَّاج كَانَ فِيهِ كثير من الصَّحَابَة أَحيَاء، وَفِي عصر عمر بن عبد الْعَزِيز انقرضوا، وَالزَّمَان الَّذِي فِيهِ الصَّحَابَة خير من الزَّمَان الَّذِي بعده لقَوْله خير الْقُرُون قَرْني، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوله: أَصْحَابِي أَمَنَة لأمتي فَإِذا ذهب أَصْحَابِي أَتَى أمتِي مَا يوعدون، أخرجه مُسلم.
    ...........
    205
    وَكَانَت عَائِشَة على جمل اسْمه عَسْكَر اشْتَرَاهُ يعلى بن أُميَّة رجل من عرينة بِمِائَتي دِينَار فَدفعهُ إِلَى عَائِشَة، وَكَانَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِالْمَدِينَةِ وَلما بلغه الْخَبَر خرج فِي أَرْبَعَة الآف فيهم أَرْبَعمِائَة مِمَّن بَايعُوا تَحت الشَّجَرَة وَثَمَانمِائَة من الْأَنْصَار، وَهُوَ الَّذِي ذكره البُخَارِيّ: بعث عَليّ عمار بن يَاسر وَابْنه الْحسن فَقدما الْكُوفَة فصعدا الْمِنْبَر يَعْنِي عماراً وَالْحسن صعدا مِنْبَر جَامع الْكُوفَة، فَكَانَ الْحسن بن عَليّ فَوق الْمِنْبَر لِأَنَّهُ ابْن الْخَلِيفَة وَابْن بنت رَسُول الله صلى الله تَعَالَى وَآله وَسلم
    ......
    212
    قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي التَّذْكِرَة خرجت نَار بالحجاز بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ بدؤها زَلْزَلَة عَظِيمَة فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء بعد الْعَتَمَة الثَّالِث من جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة، واستمرت إِلَى ضحى النَّهَار يَوْم الْجُمُعَة، فسكنت وَظَهَرت النَّار بقريظة عِنْد قاع التَّنْعِيم بِطرف الْحرَّة ترى فِي صور الْبَلَد، الْعَظِيم عَلَيْهَا سور مُحِيط بهَا عَلَيْهِ شراريف كشراريف الْحُصُون وأبراج ومآذن، وَيرى رجال يَقُودُونَهَا لَا تمر على جبل إلاَّ دكته وأذابته،
    وَيخرج من مَجْمُوع ذَلِك نهر أَحْمَر ونهر أَزْرَق لَهُ دوِي كَدَوِيِّ الرَّعْد يَأْخُذ الصخور وَالْجِبَال بَين يَدَيْهِ وَيَنْتَهِي إِلَى محط الركب الْعِرَاقِيّ، فَاجْتمع من ذَلِك ردم صَار كالجبل الْعَظِيم، وانتهت النَّار إِلَى قرب الْمَدِينَة، وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ يَأْتِي ببركة النَّبِي الْمَدِينَة نسيم بَارِد، وشوهد لهَذِهِ النَّار غليان كغليان الْبَحْر وانتهت إِلَى قَرْيَة من قرى الْيمن فأحرقتها، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: لقد رَأَيْتهَا صاعدة فِي الْهَوَاء من نَحْو خَمْسَة أَيَّام من الْمَدِينَة، وَسمعت أَنَّهَا رئيت من مَكَّة وَمن جبال بصرى. وَقَالَ النَّوَوِيّ: تَوَاتر الْعلم بِخُرُوج هَذِه النَّار عِنْد جَمِيع أهل الشَّام، وَقَالَ أَبُو شامة فِي ذيل الروضتين وَردت فِي أَوَائِل شعْبَان سنة أَربع وَخمسين كتب من الْمَدِينَة فِيهَا شرح أَمر عَظِيم حدث بهَا، فِيهِ تَصْدِيق لما فِي الصَّحِيحَيْنِ فَذكر هَذَا الحَدِيث. وَفِي بعض الْكتب: ظهر فِي أول جُمُعَة من جُمَادَى الْآخِرَة فِي شَرْقي الْمَدِينَة نَار عَظِيمَة، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة نصف يَوْم، انفجرت من الأَرْض وسال مِنْهَا وَاد من نَار حَتَّى حَاذَى جبل أحد، وَفِي كتاب آخر: سَالَ مِنْهَا وَاد مِقْدَاره أَرْبَعَة فراسخ وَعرضه أَرْبَعَة أَمْيَال يجْرِي على وَجه الأَرْض يخرج مِنْهَا مهاد وجبال صغَار
    .............


    3
    ...
    222
    قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: خلا زَمَاننَا عَن خلافتهم. قلت: لم يخل إِذْ فِي الغرب خَليفَة مِنْهُم على مَا قيل، وَكَذَا فِي مصر. انْتهى. قلت: لم يشْتَهر أصلا أَن فِي الغرب خَليفَة من بني الْعَبَّاس، وَلَكِن كَانَ فِيهِ من الحفصيين من ذُرِّيَّة أبي حَفْص صَاحب ابْن
    تومرت، وَقد انتسبوا إِلَى عمر بن الْخطاب وَهُوَ قرشي، وَفِي مصر مَوْجُود من بني الْعَبَّاس وَلَكِن لَيْسَ بحاكم بل تَحت حكم.
    .........
    230
    وَاخْتلف فِي مَشْرُوعِيَّة الْحَاجِب للْحَاكِم، فَقَالَ الشَّافِعِي وَجَمَاعَة. يَنْبَغِي للْحَاكِم أَن لَا يتَّخذ حاجباً، وَذهب آخَرُونَ إِلَى جَوَازه، وَقَالَ آخَرُونَ: بل يسْتَحبّ ذَلِك لترتيب الْخُصُوم وَمنع المستطيل وَدفع الشرير، وَنقل ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ قَالَ: الَّذِي أحدثه بعض الْقُضَاة من شدَّة الْحجاب وَإِدْخَال بطائق الْخُصُوم لم يكن من فعل السّلف، وَلنْ يَأْتِي آخر هَذِه الْأمة بِأَفْضَل مَا أَتَى بِهِ أَولهَا، وَهَذَا من التكبر، وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يرقد فِي الأفنية نَهَارا.
    .......
    242
    وَقَالَ الطَّبَرِيّ: ذهب الْجُمْهُور إِلَى جَوَاز أَخذ القَاضِي الْأُجْرَة على الحكم لكَونه يشْغلهُ الحكم عَن الْقيام بمصالحه. غير أَن طَائِفَة من السّلف كرهت ذَلِك وَلم يحرموه مَعَ ذَلِك، وَقَالَ أَبُو عَليّ الْكَرَابِيسِي: لَا بَأْس للْقَاضِي أَن يَأْخُذ الرزق على الْقَضَاء عِنْد أهل الْعلم قاطبة من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ، وَهُوَ قَول فُقَهَاء الْأَمْصَار، وَلَا أعلم بَينهم اخْتِلَافا، وَقد كره ذَلِك قوم مِنْهُم مَسْرُوق، وَلَا أعلم أحدا مِنْهُم حرمه. وَقَالَ صَاحب الْهِدَايَة ثمَّ إِن القَاضِي إِذا كَانَ فَقِيرا فَالْأَفْضَل بل الْوَاجِب أَخذ كِفَايَته، وَإِن كَانَ غَنِيا فَالْأَفْضَل الِامْتِنَاع عَن أَخذ الرزق من بَيت المَال رفقا بِبَيْت المَال. وَقيل: الْأَخْذ هُوَ الْأَصَح صِيَانة للْقَضَاء عَن الهوان ونظراً لمن يُولى بعده من المحتاجين وَيَأْخُذ بِقدر الْكِفَايَة لَهُ ولعياله.
    وقالَتْ عَائِشَةُ: يأكُلُ الوَصِيُّ بِقَدْرِ عُمالَتِهِ.

    ..........
    250
    وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَلَا ألزم من أَقَامَ الْحَد فِي الْمَسْجِد مأثماً لِأَنِّي لَا أجد دَلِيلا عَلَيْهِ. وَفِي التَّوْضِيح وَأما الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا النَّهْي عَن إِقَامَة الْحُدُود فِي الْمَسْجِد فضعيفة.
    وَقَالَ عُمَرُ: أخْرِجاهُ مِنَ المَسْجِد.
    أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب: أَخْرجَاهُ، أَي الَّذِي وَجب عَلَيْهِ الْحَد من الْمَسْجِد،
    .............
    253
    قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ مغلطاي الْمصْرِيّ: كَأَنَّهُ يُرِيد بِبَعْض النَّاس الشَّافِعِي، وَهُوَ رد لقَوْل من قَالَ: إِن البُخَارِيّ إِذا قَالَ: بعض النَّاس، أَرَادَ بِهِ أَبَا حنيفَة، ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي: أَقُول غرضهم بذلك غَالب الْأَمر أَو فِي مَوضِع تشنيع عَلَيْهِ وقبح الْحَال، أَو أَرَادَ بِهِ هَاهُنَا أَيْضا بعض الْحَنَفِيَّة، لِأَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ بِأَنَّهُ لَا بُد من اثْنَيْنِ، غَايَة مَا فِي الْبَاب أَن الشَّافِعِيَّة أَيْضا قَائِل بِهِ، لَكِن لم يكن مَقْصُودا بِالذَّاتِ انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: المُرَاد بِبَعْض النَّاس مُحَمَّد بن الْحسن فَإِنَّمَا الَّذِي اشْترط أَنه لَا بُد فِي التَّرْجَمَة من اثْنَيْنِ، ونزلها منزلَة الشَّهَادَة. وَوَافَقَهُ الشَّافِعِي فَتعلق بذلك مغلطاي، فَقَالَ: فِيهِ رد لقَوْل من قَالَ: إِن البُخَارِيّ ... الخ. قلت: سُبْحَانَ الله مَا هَذَا التعصب الْبَاطِل حَتَّى يوقعوا بِهِ أنفسهم فِي الْمَحْذُور فمآله لكرماني الَّذِي طرح جِلْبَاب الْحيَاء وَبقول أَو فِي مَوضِع تشنيع عَلَيْهِ وقبح الْحَال وَمَا التشنيع وقبح الْحَال، إِلَّا على من يتَكَلَّم فِي الْأَئِمَّة الْكِبَار الَّذين سَبَقُوهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَقُوَّة الدّين وَكَثْرَة الْعلم وَشدَّة الْوَرع والقرب من زمن النَّبِي وَمَعَ هَذَا فالكرماني مَا جزم بِأَن مُرَاد البُخَارِيّ بِبَعْض النَّاس أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن لِأَنَّهُ ردد فِي كَلَامه، وَالْعجب من بَعضهم الَّذِي جزم بِأَن المُرَاد بِهِ مُحَمَّد بن الْحسن، فهروبهم عَن المُرَاد بِهِ الشَّافِعِي مثل مَا ذكره الشَّيْخ
    .......
    282
    المُرَاد من اثْنَي عشر هم عدد الْخُلَفَاء من بني أُميَّة ثمَّ عِنْد خُرُوج الْخلَافَة من بني أُميَّة وَقعت الْفِتَن الْعَظِيمَة والملاحم الْكَثِيرَة حَتَّى اسْتَقَرَّتْ دولة بني الْعَبَّاس فتغيرت الْأَحْوَال عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ تغييراً بَينا. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون اثْنَا عشر بعد الْمهْدي الَّذِي يخرج فِي آخر الزَّمَان، وَقيل: وجد فِي كتاب دانيال: إِذا مَاتَ الْمهْدي ملك بعده خَمْسَة رجال من ولد السبط الْأَكْبَر، ثمَّ خَمْسَة من ولد السبط الْأَصْغَر، ثمَّ يُوصي آخِرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الْأَكْبَر، ثمَّ يملك بعده وَلَده، فَيتم بذلك اثْنَا عشر ملكا كل وَاحِد مِنْهُم إِمَام مهْدي. وَعَن كَعْب الْأَحْبَار: يكون اثْنَا عشر مهدياً ثمَّ ينزل روح الله فَيقْتل الدَّجَّال وَقيل: المُرَاد من وجود اثْنَي عشر خَليفَة فِي جَمِيع مُدَّة الْإِسْلَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
    أَنه لَا يهْلك هَذِه الْأمة حَتَّى يكون مِنْهَا اثْنَا عشر خَليفَة كلهم يعْمل بِالْهدى وَدين الْحق، مِنْهُم رجلَانِ من أهل بَيت مُحَمَّد، يعِيش أَحدهمَا أَرْبَعِينَ سنة، وَالْآخر ثَلَاثِينَ سنة، وَقيل: جَمِيع من ولي الْخلَافَة من الصّديق إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز أَرْبَعَة عشر نفسا مِنْهُم اثْنَان لم تصح ولايتهما وَلم تطل مدتهما وهما: مُعَاوِيَة بن يزِيد، ومروان بن الحكم، وَالْبَاقُونَ اثْنَا عشر نفسا على الْوَلَاء كَمَا أخبر وَكَانَت وَفَاة عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سنة إِحْدَى وَمِائَة، وتغيرت الْأَحْوَال بعده وانقضى الْقرن الأول الَّذِي هُوَ خير الْقُرُون.
    .........

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
    اللهم لك الحمد والشكر على نعمتك وامتنانك
    ختم وتلخيص واقتناص الفوائد من المجلد الرابع والعشرون من " عمدة القاري "
    ويليه المجلد الأخير من " عمدة القاري " للحافظ العيني رحمه الله

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •