تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 14 من 26 الأولىالأولى ... 456789101112131415161718192021222324 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 261 إلى 280 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #261
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (258)

    - باب التشديد في التخلف عن الجمعة
    بيّن الشرع الحكيم خطورة من يترك صلاة الجمعة بلا عذر أو ضرورة، إذ إن من فعل ذلك فإن الله يطبع على قلبه، ومن طبع الله على قلبه فلا يكون في قلبه إلا الشر. التشديد في التخلف عن الجمعة
    شرح حديث: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التشديد في التخلف عن الجمعة. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي الجعد الضمري وكانت له صحبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه)]. يقول النسائي رحمه الله: التشديد في التخلف عن الجمعة. والمقصود من هذه الترجمة بيان ما ورد من الوعيد، وما دلت عليه الأحاديث التي أوردها من خطورة شأن التخلف عن الجمعة، وأن ذلك خطير، وأنه يورث عقوبة كبيرة وعظيمة من الله عز وجل، ويترتب عليها أضرار لا حد لها. وأورد النسائي فيه حديث أبي الجعد الضمري رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه)، وهذا واضح الدلالة على ما ترجم له؛ بأن هذا تشديد وتغليظ، وبيان خطورة هذا الفعل الخطير الذي هو التخلف عن الجمعة، ثم قال: [تهاوناً]، يعني: قلة مبالاة مع عدم الاهتمام، وإن كان مقراً بها، وإن كان لا يجحدها؛ لأن من تركها جحوداً، أو ترك صلاة واحدة جحوداً، فذلك ردة، وكفر واضح لا إشكال فيه؛ لأن من أنكر أمراً معلوماً من دين الإسلام بالضرورة فقد كفر، فمن جحد الصلاة، وأنكرها فقد كفر، لكن من تركها تهاوناً، فهذا هو الذي فيه الخطورة. وترك الصلاة تهاوناً فيه خلاف بين العلماء في تكفير من حصل منه، أو عدم تكفيره، والحديث يدل على خطورة التخلف عن الجمعة، وأن من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه، والطبع على القلب عقوبة شديدة؛ لأنه إذا طبع على قلبه لا يكون فيه مجالاً للخير، وإنما لا يحصل فيه إلا الشر. وهذا الحديث يدلنا على أن من خطورة السيئة أن يعاقب عليها بالطبع على القلب، والختم على القلب، فلا يكون فيه خير، ولا مجال فيه للخير، وإنما هو شر. ثم إن الذنب الذي يحصل من الإنسان سيء، ولكن من العقوبة عليه أن يترتب عليه ما هو أخطر منه؛ وهو الطبع على القلب الذي يكون لا مجال فيه للخير، ولهذا جاء في القرآن: ((فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ))[الصف:5]، فالزيغ هو: ميل عن الحق، وإعراض عن الحق، يترتب عليه الإزاغة، فيكون الأمر في ذلك أخطر، والأمر في ذلك أشد، زيغ يترتب عليه إزاغة عن الحق والهدى، فيتيه في الضلال، ويعمى عن الحق، ويتقلب في الظلمات، ويحال بينه وبين الخير؛ لأنه طبع على قلبه، ((فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ))[الصف:5]، وهذه من أعظم عقوبات الذنوب؛ أن يعاقب عليها بالختم على القلب. والله عز وجل يقول: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))[النور:63]. وقد جاء عن الإمام أحمد رحمة الله عليه، أنه قال: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، (فقوله: لعله إذا رد بعض قوله)، يعني: بعض قول النبي صلى الله عليه وسلم، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ، فيهلك بسبب ذلك، فالذنب يورث ما هو أخطر من الذنب، وهو الطبع على القلب، والختم عليه، فلا يدخله خير، ولا مجال فيه إلا للشر والعياذ بالله، وقوله: أتدري ما الفتنة؟ هي التي في قوله تعالى: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ))[النور:63]، يعني: العقوبة على مخالفة الأمر فتنة، فما هي الفتنة؟ قال: الفتنة الشرك، يعني: قد يصل الأمر إلى ما هو أخطر من الذنب -الذي هو المعصية- وهو الشرك، قال: وذلك أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك بسبب ذلك؛ فإذا رد بعض قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. ويقول الله عز وجل: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً))[الأحزاب:36]. فمن العقوبة على السيئة السيئة بعدها، كما أن من ثواب الحسنة أن يوفق لحسنة بعدها، الحسنة تجلب الحسنة، والسيئة تجلب السيئة، بل تجلب ما هو أخطر منها وأعظم منها والعياذ بالله. فالحاصل: أن الحديث دال على ما ترجم له المصنف من التشديد في التخلف عن الجمعة، وأن ذلك أمر خطير، وأنه أمر في غاية الخطورة؛ لأن هذا الذنب -الذي هو التخلف- يورث العقوبة عليه؛ بأن يطبع على قلب صاحبه، والعياذ بالله.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه)
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].هو الدورقي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه كلهم مباشرة وبدون واسطة، ومثل يعقوب بن إبراهيم الدورقي، محمد بن المثنى العنزي الملقب الزمن، ومحمد بن بشار الملقب بندار، فإن هؤلاء الثلاثة كلهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة، فأصحاب الكتب الستة جميعاً رووا عن هؤلاء الثلاثة مباشرة، وبدون واسطة، فهؤلاء شيوخ لأصحاب الكتب الستة جميعاً.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو القطان، المحدث، الناقد، الثقة، المعروف كلامه في الجرح والتعديل، يأتي ذكره كثيراً بأن يقال: ضعفه القطان، أو وثقه القطان، وقد ذكر الذهبي في كتابه من يعتمد قوله في الجرح والتعديل يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وقال: إنهما إذا اجتمعا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه، ومعناه: أنهما يصيبان في قولهما، وأنه يعول على كلامهما، ويعتمد على كلامهما؛ لأنهما يصيبان الهدف فيما يقولان، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عمرو].
    هو ابن وقاص الليثي، وهو صدوق، له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيدة بن سفيان الحضرمي].
    هو عبيدة بن سفيان الحضرمي، وعبيدة بفتح العين، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي الجعد الضمري].
    هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: إن اسمه: أدرع، وقيل غير ذلك، وله هذا الحديث الواحد عند أصحاب السنن الأربعة، وليس له عند البخاري، ومسلم شيء، وعند أصحاب السنن الأربعة هذا الحديث الواحد؛ وهو الذي يتعلق بالتشديد في التخلف عن صلاة الجمعة، وبيان خطورة ذلك.
    شرح حديث: (من ترك جمعة ثلاثاً من غير ضرورة طبع الله على قلبه)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن سواد أنبأنا ابن وهب انبأنا ابن أبي ذئب عن أسيد بن أبي أسيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك جمعة ثلاثاً من غير ضرورة طبع الله على قلبه)].هنا أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري وهو بمعنى الحديث الذي قبله، فقوله: [من ترك ثلاث جمع من غير ضرورة طبع الله على قلبه]، وقوله هنا: [من غير ضرورة]، يعني: يبين عدم التهاون الذي ذكر في الحديث الذي قبله؛ لأن هناك تركها تهاوناً، وهنا تركها من غير ضرورة، يعني: أنه تركها تهاوناً؛ لأن هذا يفيد أنه إذا كان هناك ضرورة فإنه معذور، فيعتبر من أهل الأعذار، فيما إذا كان هناك ضرورة تلجئه إلى ذلك، أما إذا كان من غير ضرورة، وإنما دفعه عليه التهاون، وعدم الاهتمام، وقلة المبالاة، فإنه يعاقب بهذه العقوبة العظيمة؛ وهي الطبع على قلبه، والعياذ بالله.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من ترك جمعة ثلاثاً من غير ضرورة طبع الله على قلبه) قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد].ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [أنبأنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أنبأنا ابن أبي ذئب].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أسيد بن أبي أسيد].
    هو أسيد بن أبي أسيد البراد المديني، صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله بن أبي قتادة].
    هو عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري وأبوه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعبد الله ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، فهو ابن صحابي، عبد الله بن أبي قتادة، فأبوه صحابي، وهو تابعي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر بن عبد الله].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهو صحابي ابن صحابي، وأبوه استشهد يوم أحد رضي الله تعالى عنه وعن أبيه، وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو أحد السبعة المكثرين، والذين جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    فـجابر هو واحد منهم رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    وهذا الحديث ذكر في بعض النسخ أو في هوامشها، وهو بمعنى الحديث الذي قبله، ودال على ما دل عليه الحديث الذي قبله من جهة بيان خطورة التخلف عن صلاة الجمعة.
    شرح حديث: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن معمر حدثنا حبان حدثنا أبان حدثنا يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق عن زيد عن أبي سلام عن الحكم بن ميناء: أنه سمع ابن عباس وابن عمر يحدثان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على أعواد منبره: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، وليكونن من الغافلين)].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال وهو على المنبر: [لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين]، وهذا فيه: بيان خطورة التخلف عن الجمعة، وأنه يورث الختم على القلب، وهذا دال على ما دل عليه الذي قبله؛ لأن هناك (من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه)، وهنا [أن من لم ينته عن ترك الجمعات، ليختمن الله تعالى على قلبه، ثم ليكونن من الغافلين]، وهذا يدلنا على خطورة التخلف عن الجمعة، وأن أمره خطير، وأنه يورث أن يختم على قلبه، والختم على القلب هو الطبع على القلب، وهو من جنس الذي قبله.
    ثم ينتج عن ذلك الطبع أن يكون من الغافلين عن الله عز وجل، وعن طاعته، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، فيتيه في الضلال، ويعمى عن الحق والهدى، فيتخبط في الظلمات، ولا يكون له نصيب من النور الذي تكون به الحياة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن معمر].هو البصري البحراني، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حبان].
    هو ابن هلال، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وحبان بفتح الحاء وفيه حِبان، يعني: هنا ذكره حبان وغير منسوب وهو حبان بن هلال، وفيه حبان بن موسى، ومثل هذا النوع يسمى المؤتلف والمختلف، يعني: يتفقان في اللفظ ويختلفان في النطق، فالحروف واحدة ولكن النطق مختلف، هذا بفتح الحاء وهذا بكسر الحاء، فيقال له: المؤتلف والمختلف، يعني: مؤتلف خطاً مختلف نطقاً؛ لأن الخط واحد، والفرق التمييز بين اللفظين بالشكل، فهذا من أنواع علوم الحديث يسمى: المؤتلف والمختلف، وهو ما يتفق الاسمان فيه خطاً، ويختلفان نطقاً، فـحبان هو بفتح الحاء وليس بكسرها.
    ثم إن ذكر الاسم بدون النسب يسمى في أنواع علوم الحديث المهمل؛ وهو كونه يسمى ولا ينسب فيقال له: المهمل، بخلاف المبهم فهو الذي لا يسمى، ولكن يشار إليه بأن يقال: رجل، أو امرأة، أو شخص، أو إنسان، أو رجل آخر، أو ما إلى ذلك، فهذا يقال له: المبهم، وأما إذا ذكر اسمه ولم ينسب فإنه يقال له: المهمل.
    [حدثنا أبان].
    هو أبان بن يزيد العطار، وهو ثقة، له أفراد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً. وأبان بن يزيد العطار هو من رجال البخاري، وتكلم فيه، ولكن الحافظ ابن حجر ذكر في ترجمته أن الإسناد إلى الذي تكلم فيه غير ثابت، فالإسناد إلى المتكلم فيه غير ثابت، وهذا يوضح لنا ويبين لنا أن العلماء اعتنوا بالأسانيد إلى الرجال، وأن كلام الرجال يروى بالأسانيد، وأنه قد يضاف إلى الرجل شيء وهو غير ثابت، وقد يضاف إلى الرجل الذي تكلم في الرجل كلام ولا يكون ثابتاً؛ لأن في الإسناد إليه من لا يعتد بحديثه، فكما أنه لا يعتد بالرجل الذي لا يحتج به إذا روى حديثاً، فكذلك لا يحتج بكلامه إذا روى خبراً عن شخص، أو أخبر عن شخص بخبر ما، بأن قال عن فلان أنه كذا وكذا، وفي الإسناد من هو ضعيف لا يعول على كلامه، فيكون ذلك الكلام الذي قيل في الشخص، والذي قدح في الشخص من أجله، لا يعتبر ثابتاً؛ لأنه ما جاء عن ثقة، وما رواه ثقة.
    وهذا من عناية العلماء في الأسانيد، والرجال، والمتون، وأنه حتى كلام الرجال إذا قال فلان ثقة، أو قال فلان ضعيف يروونه بالإسناد؛ حدثني فلان، قال: حدثني فلان، أن فلان قال: فلان ثقة، أو أن فلان قال: فلان ضعيف أو أن فلان قال: فلان فيه كذا وكذا، وكثيراً ما يأتي عند الخطيب البغدادي في كتابه تاريخ بغداد الكلام في الرجال يأتي بالأسانيد؛ لأنه مسند -وهو الكتاب الواسع الكبير- ذكر الأسانيد إلى الرجال في كلامهم عن الرجال؛ في توثيقهم، وتجريحهم، وما إلى ذلك.
    [حدثنا يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، ثبت، يرسل ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، واليمامي نسبة إلى اليمامة، وهو صاحب الكلمة العظيمة التي رواها مسلم عنه بإسناده؛ قال: حدثنا فلان قال: حدثنا فلان أن يحيى بن أبي كثير قال: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)، فإسنادها إليه فقال: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)، ومعنى هذا: أن من أراد العلم فليتعب، ولينصب، وليبذل في سبيل حصوله النفس، والنفيس، ويحرص على شغل وقته به ليحصل منه ما يفيده، ويفيد غيره، وما ينفعه، وينفع غيره، فهذه كلمة تذكر إذا ذكر يحيى بن أبي كثير؛ لأنها كلمة عظيمة، كلمة لها وزنها ولها أهميتها، ولها دلالتها، وتدل على أهمية الاشتغال بالعلم، وعلى أن تحصيله لا يتم إلا بالعناء، والنصب، والمشقة، ويقولون في المثل: ملء الراحة لا يدرك بالراحة، أي: ملء الراحة الذي هو راحة اليد -وهو كناية عن الشيء القليل- لا يدرك بالراحة، ولكن الأشياء تحصل بالتعب، والنصب، والمشقة. وقد قيل: (من جد وجد ومن زرع حصد)، (ومن سار على الدرب وصل).
    وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجساد
    ويقول الشاعر:
    لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
    أي: لو أن السيادة تحصل بلا شيء أصبح الناس كلهم سادة؛ لأن السؤدد ما دام أنه يحصل بدون مقابل، وبدون تعب، وبدون نصب، ليس هناك فرق بين أحد وأحد، لكن لما كان السؤدد لا يحصل إلا بالتعب، والنصب، والمشقة، ما كل يحصل السؤدد.. لكن ما كل يصبر على المشقة، وما كل يصبر على التعب، والنصب، فما يصبر على الشيء الذي يوصله إلى ما فيه الخير، وإلى ما يعود عليه بالخير.
    والحاصل أن هذه كلمة تذكر إذا ذكر يحيى بن أبي كثير رحمة الله عليه، وتدل على أهمية الاشتغال بالعلم، والعناية بالعلم، والاهتمام بالعلم، وأن الإنسان يشغل وقته فيه ليحصل شيئاً ينفعه، وينفع غيره.
    [عن الحضرمي بن لاحق].
    هو التميمي، لا بأس به، أخرج له أبو داود، والنسائي، وكلمة (لا بأس به) تعادل صدوق؛ لأنها في درجتها وفي معناها، وبعض العلماء عنده اصطلاح خاص في كلمة: (لا بأس به)، وهي أنه يطلقها على الثقة، وهو يحيى بن معين، فلا بأس به عند يحيى بن معين توثيق، فهي تعادل ثقة، فإذا قال في الشخص الذي هو في القمة، وفي الشخص الذي هو مشهور بالعدالة، والحفظ، والإتقان: (لا بأس به) فالمراد به أنه ثقة، فهو اصطلاح خاص به، لكن لا بأس به المشهور عند المحدثين، وعند العلماء أنها تقال عن الثقة، وأنه بمنزلة صدوق، وهو الذي يعتبر حديثه حسناً، لأنه قل ضبطه وخف عن درجة الثقة فيقال له: صدوق، ويقال: لا بأس به، أو ليس به بأس، وحديثه يعتبر من قبيل الحديث الحسن.
    ثم أيضاً هذا من الأسماء التي هي على صيغة النسب؛ يعني: أحياناً تأتي الأسماء على صيغة النسب، فالحضرمي نسب ينسب به الشخص إلى حضرموت فيقال له: حضرمي، لكن هذا اسمه الحضرمي، ليست نسبة وإنما هذا اسمه، فأحياناً تأتي الاسم على صيغة النسب، مثل الحضرمي، ومثل المكي بن إبراهيم من كبار شيوخ البخاري، فاسمه على صيغة النسب، وعلى وزن النسب وعلى صفة النسب، أي: ليس نسبة إلى مكة، فهذا الذي اسمه مكي، ليس نسباً، وإنما النسب يأتي في الآخر فلان بن فلان المكي، وأما هذا اسمه مكي بن إبراهيم، وهذا اسمه الحضرمي بن لاحق، فاسمه الحضرمي بن لاحق اسم على لفظ النسب.
    [عن زيد].
    هو زيد بن سلام بن أبي سلام، وجده أبو سلام اسمه ممطور، ثقة يرسل، حديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جده أبي سلام].
    أبو سلام ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الحكم].
    هو الحكم بن ميناء، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود.
    [أن ابن عباس وابن عمر].
    هما عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وعبد الله بن عباس هو ابن عبد المطلب ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومثله عبد الله بن عمر؛ هو عبد الله بن عمر بن الخطاب أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والعبادة الأربعة هم من صغار الصحابة؛ عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر -وهما في هذا الإسناد- وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    وهذا الإسناد من أطول الأسانيد عند النسائي؛ لأنه تسعة أشخاص، أي: ليس عند النسائي أطول منه إلا العشاري الذي مر في فضل سورة: قل هو الله أحد، فقال: إن هذا أطول إسناد، وهذا الإسناد قريب منه؛ لأنه تساعي؛ لأن الإسناد محمد بن معمر يروي عن حبان بن هلال، وحبان بن هلال يروي عن أبان بن يزيد العطار، وأبان بن يزيد العطار يروي عن يحيى بن أبي كثير، ويحيى بن أبي كثير يروي عن الحضرمي بن لاحق، والحضرمي بن لاحق يروي عن زيد بن سلام بن أبي سلام، وزيد بن أبي سلام يروي عن جده أبي سلام، وأبو سلام يروي عن الحكم بن ميناء، والحكم بن ميناء يروي عن شخصين، والشخصان هؤلاء يعتبرون في درجة واحدة، ما يقال: إنه عشاري؛ لأن ابن عمر، وابن عباس في رتبة واحدة وفي درجة واحدة، والحديث عنهما جميعاً، فهو يعتبر حديثين؛ لأن الحديث هو باعتبار الصحابي، فيعتبرون الحديث حديثاً باعتبار الصحابي، ولهذا هو يعتبر حديثين؛ لأنه من مسند عبد الله بن عباس، ومن مسند عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وإذاً: فهو تساعي باعتبار الرواية، فلان عن فلان عن فلان، والحكم بن ميناء يروي عن اثنين في طبقة واحدة، وفي درجة واحدة، فيقال له: تساعي، وليس عشارياً، وكما قلت: هذا من أطول الأسانيد عند النسائي، وقد سبق أن مر بنا مراراً وتكراراً أن أعلى الأسانيد عنده الرباعيات، وأطولها العشاري.
    الأسئلة
    بيان قول القائل: (من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة كفر)
    السؤال: فضيلة الشيخ! أرجو توضيح هذه العبارة: (من ترك معلوماً من الدين بالضرورة كفر) مع التمثيل؟الجواب: أولاً ليس من ترك، الصحيح من أنكر أمراً معلوماً من دين الإسلام بالضرورة فإنه يكفر، يعني: مثل كون الإنسان ينكر كون الخمر حراماً، ويقول: لا، الخمر حلال، فهذا معلوم من الدين بالضرورة تحريمه. أو ينكر مثلاً الزكاة، ويقول: الزكاة ليست واجبة، وهي معلومة من الدين بالضرورة أنها واجبة، وأنها ركن من أركان الإسلام، فهذا هو معنى قوله: (من أنكر أمراً معلوماً من دين الإسلام بالضرورة، فإنه يكون كافراً).
    لكن الترك قد يترك ولا يكون كافراً، قد لا يخرج الزكاة ولا يكون كافراً ما دام أنه لم يجحد، ولم ينكر، فإذا كان الإنسان لا يخرج الزكاة بخلاً وتكاسلاً، فلا يقال: إنه كافر، بل تؤخذ منه قهراً، ولا يحكم بكفره، والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث أنه قال: (ما من صاحب ذهب، ولا فضة لا يؤدي زكاته إلا جاء يوم القيامة صفحت له صفائح من نار -ثم قال-: حتى يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار)، والكافر لا يرى سبيله إلى الجنة، وليس له سبيل إلى الجنة؛ لأن من حكم بكفره فلا سبيل له إلى الجنة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال في حقه: (حتى يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار)، فالذي يقال فيه: (إما إلى الجنة، وإما إلى النار) ما يقال: إنه كافر، لكن من أنكر أمراً معلوماً من دين الإسلام بالضرورة، كوجوبه أو تحريمه فإنه يكون كافراً.
    حكم الثمار التي تسقى بماء المجاري
    السؤال: فضيلة الشيخ! لقد قمت بشراء ثمار مزرعة في منطقة الخليلي، وهذه المزرعة تسقى من مياه المجاري أكرمكم الله، فهل يؤثر ذلك على الثمار؟ وما حكم الأكل منها؟الجواب: لا يؤثر؛ لأن قضية كونه يشرب من ماء غير نظيف لا يؤثر على الثمرة، لكن كما هو معلوم النفوس تعافه، وإلا فإنه لا يكون حراماً.
    مدى اعتبار الشخص عماً من الرضاعة إذا رضع من الجدة
    السؤال: فضيلة الشيخ! أرضعت جدتي لوالدي طفلاً بعد وصولها سن اليأس، فهل يكون هذا الرجل عماً لي باعتباره أخو أبي من الرضاعة؟الجواب: على كل لم يكن هناك ولادة؛ يعني: بالرضاع ينتشر الحرمة، فإذا درت المرأة وهي غير ذات لبن، وليست عن ولادة، فإنه يحصل التحريم بذلك إذا رضع الرضعات المحرمة؛ وهي خمس رضعات فأكثر.
    حكم خروج المرأة أثناء عدتها لقضاء الحاجات الضرورية
    السؤال: فضيلة الشيخ! امرأة مات عنها زوجها وهي ما زالت في عدتها، فهل لها أن تخرج إذا اضطرت إلى ذلك، كأن تذهب إلى المدرسة لإجراء الاختبارات؟الجواب: نعم لها ذلك، فمثل هذه الأمور الضرورية لها أن تخرج إليها.
    القول بعدم تكفير الرافضة المتوسلية بآل البيت إلا بعد مماتهم
    السؤال: ما حكم الإسلام في الرافضة الذين يتوسلون بآل البيت، ويطلبون منهم قضاء الحوائج، فقد قال لي شخص طالب علم: إنهم لا يحكم بكفرهم إلا إذا ماتوا على ذلك؟الجواب: هو لا شك أن العبرة بالنهاية؛ لأن الإنسان قد يكون على حالة طيبة ثم يختم له بحالة سيئة والعياذ بالله، وقد يكون العكس؛ على حالة سيئة ثم يختم له بحالة طيبة؛ والناس بالنسبة للنهايات والبدايات أربعة أقسام، يعني: من الناس من تكون بدايته طيبة ونهايته طيبة، يعني: ينشأ على خير.
    ويستمر على خير، فيموت على خير، ومن الناس من يكون بخلاف ذلك؛ ينشأ على شر، ويعيش على شر، فيموت على شر.
    ومن الناس من تكون بدايته سيئة ونهايته حسنة، وهذا مثل السحرة الذين قتلهم فرعون، يعني: كان عمرهم كله وهم في السحر والكفر، ثم من الله عليهم بالإسلام في آخر العمر، وقتلوا وماتوا على خير، وعلى العكس من ذلك؛ من يكون عاش على خير وعلى هدى، ثم أدركه الخذلان فارتد عن دين الإسلام، ومات على الردة، فهذه هي أحوال الناس بالنسبة للبدايات والنهايات.
    والعبرة هو بما يموت عليه الإنسان، ولهذا كان من طريقة ابن كثير في كتابه البداية والنهاية: أنه إذا ذكر شخصاً عنده شيء يقتضي كفره، أو كلاماً يكون في شخص كافر معروف كفره ومعلوم كفره، فإنه إذا لعنه يقيد ذلك بالنهاية والموت على ذلك.
    وأذكر مثالين في البداية والنهاية: أحدهما: أن نصرانياً أنشأ قصيدة طويلة يذم فيها الإسلام، ونبي الإسلام، وأهل الإسلام، وقد أوردها ابن كثير في البداية والنهاية، وأورد قصيدة لـابن حزم أطول منها رداً على النصراني في هذه القصيدة التي يتكلم فيها في الإسلام يذم هذا النصراني ويرد عليه بقصيدة طويلة، فلما ذكر ابن كثير قصيدة النصراني قال: عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إن كان مات كافراً. فأتى بهذا القيد؛ لأنه قد يكون على كفر، ولكن يختم له بخير، هذا المثال الأول.
    المثال الثاني: لما جاء في ترجمة أبي نصر الفارابي في البداية والنهاية، قال: مما جاء عنه أنه لا يقول بمعاد الأجساد، وإنما يقول: بمعاد الأرواح، أي: الأرواح تعاد والأجساد لا تعاد، فعقب عليها بقوله: فعليه إن كان مات على ذلك لعنة رب العالمين.



  2. #262
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (259)

    - (تابع باب التشديد في التخلف عن الجمعة) إلى (باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة)

    تجب صلاة الجمعة على المكلف إذا بلغ، وكفارة من ترك الجمعة بدون عذر التصدق بدينار أو بنصفه، وللجمعة فضائل وأعمال لا سيما الإكثار من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام فيها.
    تابع التشديد في التخلف عن الجمعة
    شرح حديث: (رواح الجمعة واجب على كل محتلم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التشديد في التخلف عن الجمعة.أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا الوليد بن مسلم حدثني المفضل بن فضالة عن عياش بن عباس عن بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رواح الجمعة واجب على كل محتلم)].
    هذا الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام: [رواح الجمعة واجب على كل محتلم]، أورده النسائي في التشديد في التخلف عن الجمعة، وقد مر بعض الأحاديث المتعلقة بالتشديد في التخلف عن الجمعة، وهي واضحة في الترجمة من جهة أن من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه، وقوله: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين)، وكلها واضحة الدلالة على الترجمة؛ لأن في ذلك تشديداً وفي ذلك ترهيباً، وبياناً لخطورة التخلف عن الجمعة.
    وهنا أورد النسائي هذا الحديث؛ وهو: [رواح الجمعة واجب على كل محتلم]، ومعنى ذلك أن الذهاب إلى الجمعة لازم متحتم على كل محتلم، فإذا أخل في ذلك، وتخلف عن الإتيان بهذا الواجب المتحتم فإنه يأثم، ويعرض نفسه لسخط الله ومقته، ففيه وجه لما ترجم له المصنف، لكن الأحاديث السابقة هي التي أوضح في التشديد، أو أوضح في الترجمة؛ لأن فيها بيان خطورة التخلف، وأنه يترتب عليها الختم على القلب، أو الطبع على القلب.
    وقوله: [واجب على كل محتلم]، المراد بالمحتلم: البالغ الذي بلغ الحلم، وهو التكليف وصار مكلفاً، ومن المعلوم أن الإنسان قد يبلغ الحلم قبل سن الخامسة عشرة، وذلك بأن يحصل له الاحتلام والإنزال، فيكون ذلك دلالة على وصوله سن البلوغ.
    وقوله: [واجب على كل محتلم]، يدل على أن النساء لا تجب عليهن الجمعة، ومن المعلوم أن الجمعة والجماعة هي من خصائص الرجال من حيث الوجوب، والنساء إذا حضرت الجمعة والجماعة فإن لها أن تحضر، وتؤدي فرضها بهذا الحضور الذي حضرته، لكن ليست الجمعة ولا الجماعة واجبة عليها، وإنما الوجوب واللزوم على كل محتلم، ومفهومه أن الصغير لا تجب عليه الجمعة، ولكنه يؤمر بها كغيرها من الصلوات الأخرى التي قال عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)، فالوجوب شيء، والأمر بها لكون الإنسان يعتادها ويألفها، ويكون على علم ومعرفة بها قبل أن يصل إلى سن التكليف، هذا شيء آخر، والوجوب إنما هو لمن بلغ الحلم.
    وإذا بلغ الإنسان أو أكمل خمسة عشر سنة فإنه يكون بالغاً، وإذا حصل له الاحتلام قبل ذلك فإنه يكون بالغاً، وكذلك إذا حصل الإنبات في الشعر الخشن حول القبل، فإنه يكون بذلك بالغاً. فهذه من علامات البلوغ وأمارات البلوغ التي يكون بها التكليف، ويكون بها الإنسان قد خرج من كونه غير مكلف إلى كونه مكلفاً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (رواح الجمعة واجب على كل محتلم)
    قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [حدثنا الوليد بن مسلم].
    هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، كثير التدليس والتسوية، يعني: مدلس تدليس الإسناد، وتدليس التسوية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني المفضل بن فضالة].
    هو ابن عبيد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عياش بن عباس].
    هو عياش بن عباس المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن بكير بن الأشج].
    هو بكير بن عبد الله بن الأشج ينسب إلى جده، فهنا هو منسوب إلى جده وإلا فأبوه عبد الله، وهو أيضاً مصري، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك رضي الله تعالى عن الجميع، وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهؤلاء السبعة اشتهروا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    [عن حفصة].
    هي أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وبنت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنها، وعن أبيها، وعن الصحابة أجمعين، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    كفارة من ترك الجمعة من غير عذر
    شرح حديث: (من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كفارة من ترك الجمعة من غير عذر.أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يزيد بن هارون حدثنا همام عن قتادة عن قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار)].
    هنا أورد النسائي باب كفارة من ترك الجمعة من غير عذر، والمقصود من هذه الترجمة أن من تركها بعذر فهو معذور ولا شيء عليه، والحديث الذي مر قبل هذا: (رواح الجمعة واجب على كل محتلم)، عام في كل مكلف، إلا أنه يخص منه من كان معذوراً في ترك الجمعة، وفي التخلف عن الجمعة، وهذه الترجمة فيها بيان كفارة من ترك الجمعة من غير عذر.
    وقد أورد فيه حديث سمرة بن جندب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار، فمن لم يجد فبنصف دينار]، فالكفارة التي دل عليها هذا الحديث هي دينار إن كان واجداً، وإن كان غير واجد للدينار فإنه يتصدق بنصف الدينار، لكن الحديث الذي فيه هذا الحكم وهو الكفارة بحق من ترك صلاة الجمعة متعمداً غير ثابت؛ لأن في إسناده قدامة بن وبرة، وهو مجهول، فهو غير ثابت.
    ويضاف إلى الجهالة في الإسناد النكارة في المتن، وهو كونه ترك أمراً خطيراً، وأمراً عظيماً؛ التي هي الجمعة يكفيه أن يتصدق بدينار، أو بنصف دينار، ويكون ذلك كفارة له، فهذا فيه نكارة من حيث المعنى، بالإضافة إلى الضعف في الإسناد، وكون فيه رجلاً مجهولاً وهو قدامة بن وبرة، ففيه: النكارة في المتن، وأن الإنسان إذا أتى بالكفارة أنها تكفر ذلك العمل الخطير الذي تركه، وهو كونه ترك الجمعة من غير عذر، مثل هذا لا يكفره دينار، ولا غير دينار، فالمتن فيه نكارة، والسند فيه رجل مجهول، فالحديث غير ثابت.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار...)
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].هو الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي.
    [حدثنا يزيد بن هارون].
    ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا همام].
    هو ابن يحيى بن دينار البصري، وهو ثقة، ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قدامة بن وبرة].
    مجهول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن سمرة بن جندب].
    هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (من ترك الجمعة متعمداً فليتصدق بدينار ...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا نصر بن علي أنبأنا نوح عن خالد عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك الجمعة متعمداً فعليه دينار، فإن لم يجد فنصف دينار)، وفي موضع آخر ليس فيه: متعمداً].هنا أورد النسائي حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله أن من ترك صلاة الجمعة متعمداً فيتصدق بدينار، وإن لم يجد يتصدق بنصف دينار، والحديث من الأحاديث التي وجدت في هامش بعض النسخ، وقد رواه ابن ماجه في سننه بهذا الإسناد نفسه الذي هو إسناد النسائي، وذكر الشيخ الألباني أنه ضعيف، وذكر أن فيه انقطاعاً كما قال المنذري، ولعل الانقطاع المراد به رواية الحسن عن سمرة، فإن رواية الحسن عن سمرة اختلف فيها، هل سمع الحسن من سمرة، أو أنه حديثه عنه مرسل؟ وفيه ثلاثة أقوال لأهل العلم، منهم من قال: إنه لم يسمع منه مطلقاً، ومنهم من قال: إنه سمع منه مطلقاً، ومنهم من قال: إنه سمع حديث العقيقة دون غيره، وهذا هو الذي ذكره النسائي كما سيأتي بعد بابين أو ثلاثة، فإنه قال: إن الحسن لم يسمع من سمرة بن جندب إلا حديث العقيقة، ففيه الانقطاع، وقد ذكر هذا الشيخ الألباني في التعليق على المشكاة، والحديث في سنن ابن ماجه بنفس الإسناد الذي عند النسائي هنا.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من ترك الجمعة متعمداً فليتصدق بدينار ...) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا نصر بن علي].هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، يعني: اسمه واسم أبيه يوافق اسم جده وجد أبيه، يعني: اسمان مكرران، نصر بن علي بن نصر بن علي، فهو حفيد للذي قبله؛ لأن من الرواة الذين خرج لهم نصر بن علي الجهضمي وحفيده نصر بن علي، فهو نصر بن علي بن نصر بن علي اسمان مكرران، ومثله خليفة بن خياط بن خليفة بن خياط، يأتي أحياناً بعض الأسماء تكرر، يعني: اسم الرجل واسم أبيه مع اسم جده وجد أبيه؛ فيتفق اسم الراوي مع اسم جده، واسم أبيه مع اسم أبي جده، نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أنبأنا نوح].
    هو نوح بن قيس البصري، وهو صدوق، رمي بالتشيع، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن خالد].
    هو خالد بن قيس، وهو أخو نوح بن قيس فيروي عن خالد بن قيس، وهو صدوق يُغرب، وقد أخرج حديثه مسلم، والترمذي في الشمائل، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري ولا الترمذي في السنن، وإنما خرج له في كتاب الشمائل.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن الحسن].
    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، المحدث، المشهور، محدث، فقيه، ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سمرة بن جندب].
    قد مر ذكرها في الإسناد الذي قبل هذا.
    ذكر فضل يوم الجمعة
    شرح حديث: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر فضل يوم الجمعة.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن يونس عن الزهري حدثنا عبد الرحمن الأعرج: أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: فضل يوم الجمعة، وأورد فيه النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها]، فالحديث دال على الترجمة؛ لأنه قال: [خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة]، وهذا يدل على فضله، وأنه أفضل الأيام، وهذا بالنسبة لأيام الأسبوع، وأما بالنسبة لأيام العام فأفضلها يوم عرفة، وصوم يوم عرفة لغير أهل عرفة هو آكد صيام التطوع، وأفضل صيام التطوع، وهو يكفر السنة الماضية والسنة الآتية، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا وافق يوم عرفة يوم جمعة تجتمع الفضيلتان؛ فضيلة يوم عرفة الذي هو أفضل الأيام، وفضيلة يوم الجمعة الذي هو أفضل أيام الأسبوع.
    والنبي عليه الصلاة والسلام بين شيئاً من خصائصه، فقال: [فيه خلق آدم]، فإن أبا البشر آدم عليه الصلاة والسلام خلق يوم الجمعة، ودخوله في الجنة كان يوم الجمعة، وإخراجه منها كان يوم الجمعة، وقيام الساعة يكون يوم الجمعة، ففيه: بداية خلق الإنسان، ونهاية الإنسان، فإن الساعة تقوم يوم الجمعة كما جاء في بعض الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وخصائص الجمعة كثيرة ذكرها ابن القيم في كتابه زاد المعاد في أوله، وقد أوصلها إلى ما يزيد على أربعين خصيصة وفضيلة، وهي كلها تتعلق في هذا اليوم، وقد أُلف فيه بعض الكتب الخاصة بفضائل يوم الجمعة، والحديث دال على فضل الجمعة؛ لأنه قال: [إنه خير يوم طلعت عليه الشمس]، ومما يجري فيه أن خلق أبي البشر كان فيه، ونهاية وجود البشر في هذه الحياة الدنيا إنما يتم يوم الجمعة وينتهي يوم الجمعة، فالساعة تقوم يوم الجمعة، فلا تقوم في أيام الأسبوع الأخرى، ولكن في أي شهر؟ وفي أي عام؟ لا يعلم ذلك إلا الله عز وجل، والنبي عليه الصلاة والسلام إذا سئل عن الساعة، إما أن يجيب بعدم علمه بها، أو يجيب بأمارة من أماراتها، أو شيء من العلامات التي تكون قبلها، أو يصرف النظر إلى ما هو أهم من ذلك كما في الرجل الذي سأله قال: (متى الساعة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: وماذا أعددت لها؟ قال: أعددت لها حب الله ورسوله، قال عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب)، وإنما الذي جاء في يوم الجمعة أنها فيه تقوم الساعة، ففيه بداية الخلق، وفيه نهاية الخلق.
    ولهذا كان من الأمور المشروعة في يوم الجمعة أنه يقرأ: ألم السجدة، وهل أتى على الإنسان في صبيحتها، وفي فجر يومها؛ وذلك لأنها مشتملة على بدء الخلق ونهاية الخلق، ففي ذلك تذكير بالمبدأ، والمعاد؛ لأن هذا اليوم كانت فيه بداية خلق البشر، وفيه نهاية البشر، فقراءة الإنسان لهاتين السورتين في فجر يوم الجمعة، فيه استذكار لما حصل في يوم الجمعة، ولما يحصل في يوم الجمعة في المستقبل، لما حصل في الماضي في يوم الجمعة من خلق آدم أبي البشر، ولما يحصل في المستقبل من قيام الساعة في يوم الجمعة، كما أخبر بذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ...)
    قوله: [سويد بن نصر].هو سويد بن نصر المروزي، ولقبه الشاه، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك، وهو يروي هنا عن عبد الله غير منسوب، والمراد به عبد الله بن المبارك المروزي، فكلما جاء سويد بن نصر يروي عن عبد الله مهمل غير منسوب، فالمراد به عبد الله بن المبارك؛ لأنه راويته، وهما مروزيان.
    وعبد الله بن المبارك المروزي ثقة، ثبت، حجة، إمام، مجاهد، قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في التقريب بعدما ذكر جملة من خصاله الحميدة، قال: جمعت فيه خصال الخير، وبعض العلماء قال: هو أجل من أن يقال فيه: ثقة، يعني: أنه بلغ الغاية في التوثيق، يعني: ثقة قليلة في حقه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو ابن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى جده زهرة بن كلاب أخو قصي بن كلاب، فيلتقي نسبه مع نسب النبي عليه الصلاة والسلام بـكلاب الذي هو والد قصي.. الذي من سلالته النبي صلى الله عليه وسلم، وزهرة الذي منه الزهري، فينسب إليه يقال: الزهري، نسبة إلى جده زهرة بن كلاب.
    وينسب أيضاً إلى جده شهاب الذي هو جد جده، الذي هو عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، وهو إمام متفق على جلالته، وإمامته، وإتقانه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة.
    وهو الذي قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز، وقد قال فيه السيوطي في الألفية:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
    أي: أمره بذلك عمر بن عبد العزيز في زمن خلافته رحمة الله عليه.
    [عن عبد الرحمن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز، والأعرج لقب، واسمه عبد الرحمن بن هرمز، فأحياناً يذكر بلقبه فقط وهو الأعرج، وأحياناً باسمه ونسبته عبد الرحمن بن هرمز، وأحياناً يجمع بين اسمه ولقبه فيقال: عبد الرحمن الأعرج، وهو مدني، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.
    إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة
    شرح حديث: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة... فأكثروا عليَّ من الصلاة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة.أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا حسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أي: يقولون: قد بليت، قال: إن الله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام شرعت في مواضع؛ منها يوم الجمعة، وليلة الجمعة، ومنها بعد الأذان، ومنها عند دخول المسجد والخروج منه، وعند ذكره، فكلما يذكر صلى الله عليه وسلم يصلى ويسلم عليه، عليه الصلاة والسلام، وقد جاء في بعض الأحاديث: (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)، صلى الله عليه وسلم، فيصلى ويسلم عليه صلى الله عليه وسلم دائماً وأبداً، ويكثر من الصلاة والسلام عليه، ولكن جاء في السنة في مواضع يصلي عليه فيها كما أشرت إلى بعضها.
    فأورد النسائي هذه الترجمة وهي: إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، وأورد فيها حديث أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه، أنه قال: [إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء].
    ومحل الشاهد هنا قوله: (فأكثروا من الصلاة علي)، وهذا يدلنا على الأمر أو الحث على إكثار الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في يوم الجمعة، وليلة الجمعة، والحديث فيه ما في الذي قبله من جهة خيريته، إلا أن هنا قال: [من أفضل أيامكم]، والحديث الأول قال: (خير يوم طلعت عليه الشمس)، وهو دال على فضل يوم الجمعة، ودال أيضاً على ما دل عليه الذي قبله من جهة أنه خلق فيه آدم، وفيه قبض، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، فكل ذلك حصل يوم الجمعة، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فالنفخة التي هي النفخ الذي يكون فيه البعث، وموت من كان على قيد الحياة في ذلك الزمان، فإن الساعة تقوم يوم الجمعة، وينفخ في الصور يوم الجمعة، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ )[الزمر:68].
    ففيه نفخة الموت التي هي نفخة الصعق، ونفخة البعث التي هي النفخة الثانية، ففيه بداية الخلق، وفيه نهاية الخلق، وهذه من الأمور التي تحصل في يوم الجمعة التي منها ما حصل، ومنها ما لم يحصل ولكنه سيحصل في المستقبل، كما أخبر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا من الإيمان بالغيب؛ لأن الإخبار عن أمور ماضية، والإخبار عن أمور مستقبلة، كله من الإيمان بالغيب، والحديث دال على الإيمان بالغيب ماضياً ومستقبلاً؛ لأن الحديث هذا فيه خلق آدم، وإدخاله الجنة، وإخراجه منها، وهو قد مضى، وهو غيب لا نعلمه إلا عن طريق الوحي، وفي المستقبل فيه النفخة، وفيه الصعقة، وهذا أمر يحصل في المستقبل وهو غيب لا نعلمه إلا بالإخبار عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو دال على الإيمان بالغيب ماضياً ومستقبلاً، ففيه الاثنان.
    ثم إن النبي عليه الصلاة السلام أرشد ورغب وحث على الصلاة عليه في يوم الجمعة، بل والإكثار من ذلك في يوم الجمعة وليلة الجمعة.
    وقوله: [إن صلاتكم معروضة علي] يعني: أنه يبلغ إياها، وتصل إليه الصلاة والسلام، وذلك بواسطة الملائكة السياحين كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سياحين، يبلغوني عن أمتي السلام)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، فيصل إليه، ويبلغ الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام، وكما جاءت بذلك الأحاديث.
    وقوله هنا: [فإن صلاتكم معروضة علي] يفسره الحديثان الذين أشرت إليهما، وهو إبلاغ الملائكة إياه، حيث قال: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام)، والحديث الآخر: (ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم).
    ولما قال: [فإن صلاتكم معروضة علي] وكانوا يعلمون أن الناس إذا قبروا أنهم يذهبون في التراب، وأنها تتلاشى أجسامهم، وتذهب في التراب، والله عز وجل قال: (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ )[ق:4]، يعني: فنحن نعلم ما يذهب من أجسادهم من ذرات تختلط بالتراب، ونحن نعلم ذلك ونعيده؛ نعيد تلك الذرات التي راحت في التراب، ونستخرجها من التراب حتى ترجع كل ذرة إلى مكانها، ويبعث في الإنسان الذي كان في الدنيا، ليس جسداً جديداً يوجد لا وجود له في الدنيا، بل الجسد الذي كان في الدنيا هو الذي يعاد، وتكون إعادته بأن ذراته التي راحت في التراب، الله تعالى يستخرجها ويعيدها حتى ترجع كل ذرة إلى مكانها، ويعود الإنسان على هيئته، فالجسم الذي كان في الدنيا هو الذي يعاد، وهو الذي ينعم، ويعذب، وليس هو جسم جديد ينعم، ويعذب، وإنما الذي ينعم ويعذب هو الجسد الذي كان في الدنيا؛ لأنه هو الذي أحسن وأساء، وقد جاء ذلك مبيناً في القرآن: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[يس:65]، فما تشهد إلا التي كانت في الدنيا، لا يشهد جسد جديد يخلق، ويخرج من القبر مخلوقاً، لا وجود له في الدنيا، ولا يعرف شيئاً عن الدنيا، وإنما الجسد الذي يكون يوم القيامة، والذي يعاد بعثه، هو الجسد الذي كان في الدنيا، فيعاد ويثاب على إحسانه إن كان محسناً، ويعاقب على الإساءة إذا كان مسيئاً، ويصل الثواب والعقاب إلى من حصل منه الإساءة، وليس إلى جسد جديد.
    قالوا: [وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟] فقد فهموا أن الإنسان إذا دفن أنه يتلاشى مع التراب، ويختلط بالتراب، ولكن أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن شأن الأنبياء يختلف عن الناس، قال: [إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء]، والله تعالى يقول مبيناً البعث وقدرته عليه، قال: (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ )[ق:4]، يعني: فنحن نعيد ذلك.
    وقصة الرجل الذي من بني إسرائيل الذي جاء في الحديث الذي قال: إذا أنا مت فأحرقوني في النار، واسحقوني ثم خذوا الرماد وذروه في الهواء، واجعلوا منه جزء في البحر، وجزء في البر، فإن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحد من العالمين، فالله عز وجل أمر البحر أن يخرج ما فيه، والبر أن يخرج ما فيه، حتى عادت كل ذرة إلى مكانها، وعاد نفس الجسد، وهذه كيفية البعث، فالجسد الذي في الدنيا هو الذي يبعث. وقصة إبراهيم حين قال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ )[البقرة:260]؛ يأخذ أربعة من الطيور ثم يقطعهن قطعاً، ثم يخلطها مع بعض، ثم يجعل على كل جبل قطعة من هذه المجموعة، ثم الله عز وجل يأمرها بأن تخرج تلك القطع المتجمعة حتى ترجع الطيور على ما كانت على هيئتها، وعلى شكلها، وتلك القطع من اللحم التي خلطت، وجمع بعضها إلى بعض، وفرقت في أماكن متعددة، يأتي كل جزء منها حتى يركب في مكانه، ويستقر في مكانه الذي كان عليه قبل أن تذبح وتقطع، فهذه كيفية الخلق، وإعادة الخلق يوم القيامة؛ أن نفس الأجساد التي كانت في الدنيا هي التي تعاد.
    وقوله: [إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء]، هذا يدل على أن أجساد الأنبياء في قبورهم كما كانوا، ولا يتأثرون، ولا تغيرهم البلاء وطول المكث، ولا يختلطون بالتراب.
    وأما بالنسبة لغير الأنبياء، فإنه لم يأت نص يدل على بقاء أجسادهم بدون تأثر، وبدون تغير، والشهداء الذين أخبر الله عز وجل أنهم عند ربهم يرزقون، لا يجزم ببقاء أجسادهم على ما هي عليه دون أن تتأثر، ودون أن تتغير؛ لأنه لم يأت نص في ذلك، وهذه الأمور من أمور الغيب التي لا يتكلم فيها إلا بدليل، لكن قد وجد من بعض الشهداء بعد مدة على حاله التي دفن عليها لم يتغير، ولم يتأثر، وهو عبد الله بن حرام الأنصاري والد جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فإنه استشهد يوم أحد، ودفن في أرض أحد، ثم إن الوادي قرب من قبره، فخشي أن يجترفه السيل، وأن يحمله من مكانه الذي هو فيه، فنبشه ابنه جابر رضي الله عنه، بعد ستة أشهر، ووجده كهيئته التي دفن عليها لم يتغير جسده، ولم تأكل الأرض شيئاً من جسده رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا لا يدل على بقاء الشهداء دائماً وأبداً، وإنما يدل على أنه قد تبقى مدة كما حصل في قصة عبد الله بن حرام والد جابر، ولكن البقاء إلى يوم البعث والنشور لم يأت فيه نص يدل عليه، وإنما جاء النص في حق الأنبياء، فيثبت ما جاء في الدليل، ويسكت عما لم يأت به الدليل، والله تعالى على كل شيء قدير.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة... فأكثروا عليَّ من الصلاة ...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].هو الكوسج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا حسين الجعفي].
    هو حسين بن علي الجعفي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن أبي الأشعث الصنعاني].
    هو شراحيل بن آده، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أوس بن أوس].
    هو صحابي سكن الشام، وقد أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    الأسئلة
    حكم إسقاط المرأة للجنين إذا كان الحمل يتعبها
    السؤال: فضيلة الشيخ! امرأة كشفت عن نفسها بالأشعة في مستشفى خاص، حيث أنها حامل في الشهر السادس، وقال لها الطبيب بأن الجنين بدون رأس، فذهبت إلى مستشفى حكومي فكشفت فقالوا لها مثل ذلك، فهل لها أن تسقط الجنين، علماً أنها متعبة جداً من الحمل؟الجواب: على كل أقول: الله تعالى أعلم، لكن ما دام أنه حي، والحياة موجودة فهي لا تسقطه وإنما تتركه، ويمكن أن كشفهم يكون خطأ.
    التوفيق بين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يسترقون) وقوله: (تداووا عباد الله)
    السؤال: فضيلة الشيخ! كيف نوفق بين قوله: (لا يسترقون)، وبين قوله: (تداووا عباد الله)، وجزاكم الله خيراً؟الجواب: التداوي سائغ وجائز، وهو مباح وليس بلازم، لكن هناك بعض العلاجات التي منها الاسترقاء والاكتواء، والتي جاءت في حديث ابن عباس رضي الله عنه، في قصة السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)، فالاسترقاء جائز، وكذلك الكي، ولكن إذا تركه الإنسان توكلاً على الله عز وجل، فإنه يكون من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، لكن لا يعني هذا أن الإنسان يترك الدواء، ولا يستعمل الدواء، بل يستعمل الدواء، والرسول عليه الصلاة والسلام أرشد إلى التداوي، وقال: (تداووا عباد الله ولا تداووا بحرام).



  3. #263
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (260)

    - باب فضل غسل يوم الجمعة - باب الهيئة للجمعة
    حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاهتمام بيوم الجمعة وذلك بالنظافة الكاملة بالغسل والتبكير والدنو من الإمام، وحث على لبس أحسن الثياب غير المحرمة شرعاً كالحرير.
    فضل غسل يوم الجمعة
    شرح حديث: (من غسل واغتسل وغدا وابتكر ودنا من الإمام...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل غسل يوم الجمعة.أخبرنا عمرو بن منصور وهارون بن محمد بن بكار بن بلال واللفظ له، قالا: حدثنا أبو مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن يحيى بن الحارث عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل واغتسل، وغدا وابتكر، ودنا من الإمام، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة صيامها وقيامها)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب فضل غسل الجمعة. هذه الترجمة معقودة لبيان أن الاغتسال للجمعة كما أن فيه نظافة ونزاهة، ودفعاً للأذى، والقذر عن الإنسان إذا كان فيه شيء من ذلك؛ فإن فيه أيضاً الأجر العظيم، والثواب الجزيل من الله عز وجل، عندما يحصل هو وغيره من أعمال أخرى رتب عليها ثواب عظيم.
    وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من غسل واغتسل، وغدا وابتكر، ودنا من الإمام ولم يلغ، كان له بكل خطوة يخطوها عمل سنة صيامها وقيامها).
    هذا ثواب عظيم من الله عز وجل لمن حصلت منه هذه الأمور المجتمعة التي هي: غسل، واغتسال، وغدو، وتبكير، وكذلك دنو من الإمام، وسماع للخطبة، وبُعد عن وجود اللغو فيها -أي: في الخطبة- فإنه يترتب على ذلك هذا الثواب.
    وقوله عليه الصلاة والسلام: (من غسل واغتسل).
    قوله: [(غسل)]، قيل: بالتخفيف، وقيل بالتشديد: غسَّل، وفسر بتفسيرات، منها: أن المراد: غسل رأسه، واغتسل، أي: غسل جميع جسده، وخص الرأس؛ لتمييزه على غيره لما قد يحصل فيه من أوساخ تجتمع، وكذلك أيضاً ما يحصل فيه من دهن، وما يحصل فيه من أشياء تضاف إليه، فإذا أراد أن يغتسل غسل رأسه، وأزال هذه الأشياء التي علقت فيه مما كان بفعل الإنسان كالدهن ونحوه، وما لم يكن من فعله كالوسخ، وما يحصل في الرأس بسبب طول المكث عن الغسل.
    ويؤيد هذا التفسير: أنه جاء في بعض روايات هذا الحديث عند أبي داود: (أنه غسل رأسه واغتسل)، فتكون تلك الرواية مفسرة لهذه الرواية، وفسر أيضاً بأن المراد بـ(غسل) أي: غسل أعضاءه، واغتسل، أي: قدم غسل الأعضاء الذي هو الوضوء، ثم أتى بعده بإفاضة الماء على سائر جسده، وهذا هو الغسل الكامل الذي فيه غسل أعضاء الوضوء أولاً، ثم غسل الجسد الذي هو إسالة الماء عليه، وإفاضة الماء على سائر الجسد، فيكون فيه تنصيص على أعضاء الوضوء، ثم بعد ذلك تعميم بإفاضة الماء على سائر الجسد.
    وفسر أيضاً بأن المراد بـ[(غسل)]: أنه غسل ثيابه، واغتسل بأن كان نظيف الجسد، والثوب، فتكون الثياب أيضاً تغسل، ويزال ما علق بها من أوساخ فتكون نظيفة، ويكون نظيف الجسد، نظيف الثياب.
    وفسر أيضاً بأن المراد بذلك: أنه جامع أهله، وتسبب في اغتسالهم، فيكون بذلك اغتسل، وتسبب في اغتسال غيره، ويكون بذلك اغتسل للجنابة، واغتسل أيضاً للجمعة، لكن عندما يكون على الإنسان غسل جنابة، وغسل جمعة، فإنه يتعين عليه أن ينويهما جميعاً، أو ينوي غسل الجنابة، ولا يكفي أن ينوي غسل الجمعة، وهو لم ينو غسل الجنابة إذا كان عليه جنابة، لكن إذا نواهما جميعاً، أو نوى الجنابة فإنه غسل الجنابة يكفي عن غسل الجمعة، فغسل الجنابة لا بد منه، وغسل الجمعة على خلاف فيه، هل هو واجب أو غير واجب؟ كما سبق أن تقدم.
    فهذه أقوال العلماء في معنى [(غسل واغتسل)].
    وقوله: [(وغدا وابتكر)]، (غدا) أي: ذهب غدواً، أي: في أول النهار، (وابتكر) قيل: إن معناه أنه بمعنى غدا: أي: بكر، وقيل: إنه معناه أنه حضر الخطبة من أولها، ولم يفته منها شيء.
    قوله: [(ودنا من الإمام ولم يلغ)].
    أي: أنه جاء مبكراً، وصار في الصفوف الأول، ومن المعلوم أن الإنسان عندما يأتي يبحث في أوائل الصفوف، فإذا كان الصف الأول فيه مكان، فإنه لا يتركه بغيره، ولا يجوز أن يبدأ بالصف الثاني إلا إذا امتلأ الصف الأول، الواجب هو إتمام الصفوف أولاً فأولاً، ولا يبدأ بالصف الثاني حتى يكمل الأول، ولا يبدأ بالثالث حتى يكمل الثاني، ولا يبدأ بالرابع حتى يكمل الثالث.. وهكذا، فتكمل الصفوف أولاً فأولاً؛ لأن في ذلك تحصيل الأجر، والمسابقة إلى الخيرات، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لو يعلم الناس ما في النداء، والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)، يعني: ما يفصل بينهم إلا القرعة، كل واحد يقول: أنا السابق، يميز بينهم بالقرعة التي تميز هذا من هذا، ومن له حق الأسبقية، فالدنو من الإمام يكون بكونه يأتي مبكراً، ويصير في الصفوف الأول؛ لأنه يحصل على فضل الصفوف الأول، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها)، ويحصل أيضاً الدنو من الإمام الذي فيه التمكن من سماع الخطبة، فيكون في ذلك استفاد من سماع الخطبة وإدراكها، والعلم بها، وأيضاً: استفاد تحصيل الأجر الذي يحصل لمن يأتي مبكراً إلى الصفوف الأول، فيكون سابقاً إلى الخيرات.
    قوله: [(ولم يلغ)]، يعني: لم يحصل منه لغو، واللغو مطلق، اللغو: هو رديء الكلام، ولكن بالنسبة للخطبة، حتى مجرد الكلام مع الغير، ولو كان أمراً بمعروف ونهياً عن منكر فإنه لغو، فلا يجوز لإنسان أن يقول لصاحبه: أنصت، يعني كونه يسمع أحداً يتكلم أو كذا، ثم يخاطبه ويقول: أنصت أو اسكت، فإن هذا لغو، كما جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    والمراد: أن الجمعة، وخطبة الجمعة لها شأن كبير، وسماعها له شأن كبير، ولا يتشاغل الإنسان عنها بشيء، فلا يشير إلى غيره، أو يتكلم مع غيره بأن يقول: أنصت، أو يقول: اسكت، وإنما يقبل على الخطبة، ويجتهد في إدراكها، كونه يعقلها، ويحيط بها، ويعرف أو يحصل هذه الفوائد العظيمة التي تكون في خطبة الجمعة، وخطبة الجمعة لها شأن عظيم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب، فقد لغوت)، (ومن مس الحصى فقد لغا)، فلا يتشاغل لا بعمل، ولا بقول، وإنما هو إنصات، واتجاه إلى سماع الخطبة، ومعرفتها، وعقلها والإحاطة بها.
    قوله: [(كان له بكل خطوة عمل سنة صيامها، وقيامها)]، وهذا عمل عظيم على شيء يسير، وهذا عمل يسير، وهذا هو الذي من أجله أورد النسائي هذه الترجمة وهي: فضل غسل يوم الجمعة، وأن فيه مع غيره هذا الفضل العظيم؛ لأن هذا الفضل لا يخصه، وليس مبنياً عليه وحده بل مبني على الاغتسال، وعلى إكمال الاغتسال بحصول الغسل، إما للرأس أو للأعضاء، وكل هذه الأمور التي فسر بها معنى الغسل إذا توفرت فإن ذلك خير، وذلك فيه فائدة عظيمة.
    وكذلك هذا الأجر مترتب على التبكير، والذهاب في الغدو مبكراً، ثم أيضاً مترتب على كونه يدنو من الإمام ويسمع الخطبة، ولا يلغو، فهذه هي التي رتب عليها هذا الثواب العظيم، الذي هو عمل سنة، (بكل خطوة عمل سنة صيامها وقيامها).
    تراجم رجال إسناد حديث: (من غسل واغتسل وغدا وابتكر ودنا من الإمام...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].هو عمرو بن منصور النسائي، وهو شيخ الإمام النسائي من بلد واحد، وعمرو بن منصور هذا ثقة، ثبت، أخرج له النسائي وحده.
    [وهارون بن محمد بن بكار].
    هو هارون بن محمد بن بكار بن هلال، وهو صدوق، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وهنا النسائي أطال في نسبة شيخه هارون، فذكر اسم أبيه، وجده، وجد أبيه، وكما ذكرت سابقاً: أن التلميذ يذكر شيخه كما يريد، وينسب شيخه كما يريد، يطيل في نسبه أو يقصر في نسبه، هذا يرجع إليه، لكن إذا كان التلميذ اختصر نسب شيخه، أو لم يذكر إلا اسمه، فغيره لا يزيد على ما ذكره التلميذ إلا مبيناً أن هذا العمل ليس من التلميذ، وذلك بأن يقول: هو ابن فلان، أو يقول: يعني ابن فلان، التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول: هو، وإنما ينسبه كما يريد.
    [واللفظ له].
    أي: للثاني الذي هو هارون بن محمد بن بكار بن بلال، اللفظ الذي ذكره ليس لفظ عمرو بن منصور شيخه الذي هو من أهل بلده، وإنما هو لفظ هارون بن محمد بن بكار بن بلال، قال: واللفظ له، أي: للثاني.
    وقد ذكرت فيما مضى أن النسائي أحياناً ينص على من له اللفظ إذا ذكر الشيخين، وأحياناً لا ينص، وذكرت أن التنصيص على من له اللفظ طريقة مسلم، وطريقة النسائي في كثير من الأحيان، وأما البخاري فهو لا ينص على من له اللفظ، ولكن عُرف بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا ذكر الحديث عن شيخين من شيوخه، فإن اللفظ يكون للثاني منهما، قال الحافظ ابن حجر: إن هذا عرف بالاستقراء من صنيع البخاري؛ وذلك لأنه يذكر الحديثين عن شيخين، فيكون اللفظ للثاني، ويأتي لفظ الأول في حديث يورد الحديث مرة أخرى بالإسناد الأول ليس معه أحد، ويكون اللفظ مغاير للفظ الذي أورده مع شيخ آخر.
    وقد ذكر ابن حجر هذه الفائدة في كتاب التيمم عند حديث جابر: (أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر...)، إلى آخر الحديث، وقد ذكر البخاري هذا الحديث عن شيخين من شيوخه، وقال: إنه للثاني منهما، وقال: إن طريقة البخاري التي عرفت بالاستقراء والتتبع: أن اللفظ يكون للثاني، بدليل أنه أحياناً يذكر الحديث مرة أخرى بإسناد الأول وليس معه أحد، ثم يختلف اللفظ، فيختلف اللفظ عن اللفظ المثبت، إذاً: هو لفظ الثاني وليس لفظ الأول، وعرف ذلك بالاستقراء، والتتبع.
    وابن حجر رحمة الله عليه، أعطى صحيح البخاري عناية تامة، واستقرأ طريقة البخاري ومنهجه في صحيحه، ونص على ذلك في كتابه فتح الباري في مواضع مختلفة، لكن هذه النتيجة إنما عرفت بالتتبع والاستقراء.
    [حدثنا أبو مسهر].
    صاحب هذه الكنية هو عبد الأعلى بن مسهر، وكنيته توافق اسم أبيه، هو ابن مسهر، وهو أبو مسهر، وقد ذكرت فيما مضى: أن معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفة هذا النوع: أن لا يظن التصحيف فيما إذا ذكر بالنسب أو ذكر بالكنية، فإن من لا يعرف الكنية لو جاء (أبو) بدل (ابن)، يظن أن (ابن) صحفت إلى (أبو)، مع أنه لا تصحيف، بل هذا صواب، وهذا صواب، هو أبو مسهر وهو ابن مسهر، إن قيل: عبد الأعلى بن مسهر فهو صواب، وإن قيل: عبد الأعلى أبو مسهر فهو صواب، لا تنافي ولا تصحيف في ذلك.
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد بن عبد العزيز].
    ثقة، إمام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن يحيى بن الحارث].
    هو يحيى بن الحارث الذماري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي الأشعث الصنعاني].
    هو شراحيل بن آدة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أوس بن أوس].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سكن الشام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.
    الهيئة للجمعة

    شرح حديث: (... إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الهيئة للجمعة.أخبرنا قتيبة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب رأى حلة فقال: (يا رسول الله! لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة، وللوفد إذا قدموا عليك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلها، فأعطى عمر منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله! كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أكسكها لتلبسها، فكساها عمر أخاً له مشركاً بمكة).
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الهيئة للجمعة، يعني: كون الإنسان يتجمل للجمعة، ويكون على هيئة حسنة، وقد مر أن الاغتسال واجب أو مستحب، وهذا من التهيؤ للجمعة، والتنظف للجمعة، فيكون الإنسان نظيف الجسد، نظيف الثياب، ذا هيئة حسنة في جسده وثيابه، وقد كان معروفاً عندهم التجمل للجمعة، وكذلك للوفود، أي: عندما يستقبل الإنسان الناس فإنه يكون على هيئة حسنة وهو يستقبلهم، كان هذا متقرر عندهم، ولهذا لما رأى عمر رضي الله عنه، حلة تباع، والذي عرضها للبيع شخص يقال له: عطارد، فقال عمر رضي الله عنه، للنبي صلى الله عليه وسلم: لو اشتريتها لتلبسها للجمعة وللوفود. فالرسول صلى الله عليه وسلم أقره على ما ذكر من حيث التجمل للجمعة والوفود، ولكن الذي أنكره، وبين أنه لا يسوغ هو كونها حريراً، والحرير لا يجوز لبسه للرجال، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)، يعني: الحرير الذي يلبسه في الدنيا لا حظ له ولا نصيب في الآخرة، بمعنى: أنه يحرم، ويعاقب عليه؛ وأنه لا يلبس الحرير، مثلما جاء بالنسبة للذهب والفضة، كما جاء في الحديث: (أنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)، يعني: الكفار، فالكفار يتمتعون، ويتنعمون بنعيم الدنيا ولذاتها ما حرم وما أبيح، والمسلمون ما تركوه لله عز وجل في الدنيا، فإنهم يحصلونه في الآخرة، فالرسول عليه الصلاة والسلام أخذ ذهباً وحريراً قال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها).
    الحاصل: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أقر عمر على ما أشار إليه من التجمل، ولكنه بين أن اتخاذ مثل ذلك غير سائغ، وإنما يلبسه من لا خلاق له في الآخرة، (من لا خلاق له) يعني: لا نصيب ولا حظ له في الآخرة، فهذا هو المقصود بالخلاق.
    وهذا يدلنا على أن لبس الحرير لا يجوز ولا يسوغ للرجال، وهو جائز وسائغ في حق النساء، والرجال لا يجوز لهم استعمال الحرير، كما أنه لا يجوز لهم استعمال الذهب في اللبس وفي أيديهم، أو التجمل به، وكذلك في الأسنان، أما كونه يخرب السن، ويؤتى بمكانه سن من ذهب، فهذا لا بأس به، وإنما البأس بمن يلبس أسنانه بذهب تجملاً، فإن هذا لا يسوغ ولا يجوز؛ لأنه ليس بضرورة، أما إذا كان مضطراً أن يجعل سناً من ذهب؛ لكونه ذهب سنه، أو حصل فيه شيء من التلف، فاستعمل الذهب فإنه لا بأس بذلك، وإنما الممنوع كونه يفعله للتجمل، سواءً كان أسناناً أو غير أسنان، كل ما يكون للتجمل فلا يسوغ، ولا يجوز لبس الذهب في حق الرجال، فلا يجوز للرجال استعمال الذهب، ولا يجوز لهم استعمال الحرير.
    قوله: [(إنه رأى حلة)]. (الحلة) قيل: برود من اليمن، وكانت من الحرير، وهذه الحلة التي أشار بها عمر كانت من الحرير، فالنبي عليه الصلاة والسلام بين أن الحرير لا يجوز للرجال، قال: (إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة)، والحلة قيل في معناها: أنها تتكون من شيئين: من إزار، ورداء، لا تطلق إلا على مجموع الاثنين، فهي اسم لمجموع شيئين، فلا يقال للرداء: حلة، ولا يقال للإزار: حلة، وإنما الحلة تكون من مجموع الأمرين.
    وفي هذا: دلالة على تحريم استعمال الحرير للرجال، وفيه: دلالة على التجمل للجمعة، وكذلك للوفود، وذلك بإقرار الرسول عليه الصلاة والسلام لـعمر فيما أشار إليه، وفيه: المشورة بما يراه الإنسان نافعاً، ومفيداً للمشار إليه؛ لأن عمر رضي الله عنه، رأى أن في ذلك مصلحة.
    ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام أُتي أو جاءه من هذه الحلل التي تشبه هذه الحلة، فأعطى عمر رضي الله عنه واحدة، أي: حلة من الحلل، فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: إنك قلت في حلة عطارد ما قلت؟! يعني: أنا عرضت أنك تشتريها وقلت: (يلبسها من لا خلاق له)، وأنت أعطيتني إياها، فكيف؟ قال صلى الله عليه وسلم: (ما أعطيتكها لتلبسها)، وإنما لتستفيد منها لا ليلبسها، يمكن أن يعطيها لمن له أن يلبسها، مثل النساء؛ النساء تلبس الحرير، فـعمر رضي الله عنه، لما سمع ما سمع أهداها، وأعطاها إلى أخ له مشرك بمكة.
    وفي هذا إشكال، وهو كونه أعطاها للمشرك؛ لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، والإنسان إذا كان وجد خمراً لا يعطيه لكافر، وإنما يريقه، ويتلفه، ولا يقول: إن الكفار يشربون الخمر، إذاً: لا يعطى الخمر إذا كان فيه خمر، وإنما الخمر تراق، ولا تعطى لمن يستعملها من الكفار؛ لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، كما أنهم مخاطبون بالأصول، فهم مخاطبون بالفروع، لكن الفروع لا تنفعهم بدون الأصول، وفائدة خطابهم بالفروع: أنهم يؤاخذون على ترك الأصول وعلى ترك الفروع، فيعاقبون على الاثنين، وهذا هو القول الصحيح في هذه المسألة في أصول الفقه، فالمسألة الأصولية: هل الكفار مخاطبون بالأصول والفروع، أو مخاطبون بالأصول فقط؟ قولان للعلماء، والصحيح أنهم مخاطبون بالأصول والفروع، لكن لا تنفعهم الفروع بدون الأصول، لو صلى الإنسان، أو لو صام الإنسان، أو عمل أي عمل وهو غير مؤمن بالله عز وجل، وغير داخل في الإسلام، فإنه لا ينفعه، ولكن فائدة الخطاب بالفروع أنه يؤاخذ على ترك الأصول، وعلى ترك الفروع.
    ولهذا جاء في القرآن: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ )[النحل:88]، فهذا فيه دليل على أن الكفر وما يضاف إليه من الأعمال الأخرى يؤاخذ عليها الكافر وكذلك أيضاً إذا بالنسبة للحساب، والجزاء، والمعاقبة، تكون على ترك الأصول، وعلى ترك الفروع، ومن أدلة ذلك قول الله عز وجل: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا )[الكهف:49]، يعني: الصغيرة، والكبيرة كلها تحصى، فمعناه: أن كتاب الكافر فيه الصغائر، والكبائر، أي: أن فيه ترك الأصول، وترك الفروع، فكله يؤاخذ عليه، فهذا فيه: دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع، كما أنهم مخاطبون بالأصول.
    ولعل عمر رضي الله عنه لم يكن يعلم بهذا، أو أنه أهداها إليه ليستعملها لا ليلبسها، وإعطاؤها للنساء، واستعمال النساء لها هو الذي لا إشكال فيه؛ لأنه مباح للنساء مسلمات وكافرات، فاستعمال الحرير للنساء مسلمات أو كافرات سائغ.
    ثم قال: (يا رسول الله! لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة، وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلها فأعطى عمر منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله! كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟!).
    وقوله: [(كسوتنيها)] المراد به: أعطيتنيها؛ لأنه أعطاه منها حلة، وهو ما أعطاه إياه ليلبسها، وإنما ليستفيد منها، قال: إنك قلت في حلة عطارد، يعني: أنه لا يلبسها إلا من خلاق له، وقد أعطيتني إياها، وهذا فيه: ما كان يحصل من الصحابة في مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يشكل عليهم؛ لأنه قال في الحرير: (إنما يلبسها من لا خلاق له)، ومع ذلك أعطاه حلة، فبين له أنه ما أعطاه إياها ليلبسها، وإنما ليستفيد منها، بأن يكسوها لمن يستفيد منها، أو يبيعها على من يمكن أن يستفيد منها فيما يسوغ الاستفادة فيه، وذلك كاستعمالها للنساء.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم أكسكها لتلبسها، فكساها عمر أخاً له مشركاً بمكة).
    تراجم رجال إسناد حديث: (... إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة عن مالك].قتيبة، هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو مولى ابن عمر، تابعي، مشهور، ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما].
    صحابي ابن صحابي، من خيار الصحابة ومن علمائهم، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد، وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
    وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، قتيبة ومالك ونافع وابن عمر.
    ومالك عن نافع عن ابن عمر هذه أصح الأسانيد عند البخاري، على الإطلاق، وهذه السلسلة: مالك عن نافع عن ابن عمر، ويقال لها: السلسلة الذهبية، وهي أصح الأسانيد عند الإمام البخاري رحمة الله عليه.
    شرح حديث: (إن الغسل يوم الجمعة على كل محتلم ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا الحسن بن سوار حدثنا الليث حدثنا خالد عن سعيد عن أبي بكر بن المنكدر: أن عمرو بن سليم أخبره عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الغسل يوم الجمعة على كل محتلم، والسواك، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه)].أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري الذي تقدم، وأعاده هنا من أجل أن فيه نظافة الجسد، وذلك بالاغتسال، والذي قبله فيه نظافة الثياب، وذلك باختيار الثياب النظيفة الجميلة، فذكر في الباب حديثين: حديث يتعلق باللباس، وحديث يتعلق بنظافة الجسد، وأورد فيه حديث أبي سعيد الذي تقدم، والذي فيه: أن غسل الجمعة واجب على كل محتلم، وكذلك السواك، وأن يمس من الطيب، يعني: أن فيه التهيؤ، والتجمل للجمعة، كلبس أحسن الثياب مما هو مباح، والاغتسال، وإزالة الوسخ عن الجسد، والسواك، والطيب. تراجم رجال إسناد حديث: (إن الغسل يوم الجمعة على كل محتلم ...)
    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].هو هارون بن عبد الله البغدادي الحمال، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا الحسن بن سوار].
    صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، محدث، فقيه، مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو فقيه مصر ومحدثها، مشهور بالفقه ومشهور بالحديث.
    [حدثنا خالد].
    هو ابن يزيد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد].
    هو سعيد بن أبي هلال المصري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب.
    [عن أبي بكر بن المنكدر].
    هو أخو محمد بن المنكدر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أن عمرو بن سليم أخبره].
    ثقة، من كبار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن أبي سعيد].
    هو عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي سعيد].
    هو أبو سعيد الخدري، وهو سعد بن مالك بن سنان، مشهور بكنيته ونسبته، كنيته أبو سعيد، ونسبته الخدري، وهو من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين أكثروا الحديث عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام والذين ذكرتهم آنفاً.
    وهذا الحديث إسناده: هارون بن عبد الله البغدادي الحمال، والحسن بن سوار، والليث بن سعد، وخالد بن يزيد المصري، وسعيد بن أبي هلال المصري، وأبو بكر بن المنكدر، وعمرو بن سليم، وعبد الرحمن بن أبي سعيد، وأبو سعيد، تسعة أشخاص، فهذا من أطول الأسانيد عند النسائي، وهما إسنادان متجاوران، يعني حديثان متجاوران، أحدهما من أعلى الأسانيد، وهو الحديث الذي قبله؛ حديث عبد الله بن عمر، والحديث الثاني حديث أبي سعيد الذي هو تسعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    شرح حديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو الأشعث عن يزيد بن زريع قال حدثنا شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) قال أبو عبد الرحمن: الحسن عن سمرة كتاباً، ولم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة].أورد النسائي حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه، الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل).
    (من توضأ يوم الجمعة فبها)، أي: بهذه الخصلة التي هي: الوضوء، وهو الشيء الواجب الذي لا بد منه؛ لقوله: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، كما جاء ذلك في الحديث.
    (ومن اغتسل فالغسل أفضل)، يعني: من أضاف إلى الوضوء الغسل فذلك أفضل، وهذا يدل على أن الغسل مستحب.
    والحديث من رواية الحسن البصري عن سمرة، ورواية الحسن عن سمرة اختلف في سماعه منه على ثلاثة أقوال: فمن العلماء من قال: إنه سمع مطلقاً، ومنهم من قال: لم يسمع مطلقاً، ومنهم من قال: سمع حديث العقيقة دون غيرها، وحديث العقيقة هو: (الغلام مرتهن بعقيقته يذبح يوم سابعه)، فهذا الحديث هو الذي جاء أن الحسن سمعه من سمرة رضي الله تعالى عنه.
    وجاء من طريق أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)، فالحديث ثابت، وهو دال على أن غسل يوم الجمعة متأكد، ولكنه ليس بواجب، وإنما هو مستحب، والحرص عليه لا شك أنه مطلوب، ولكن من لم يفعله فإنه لا يكون آثماً؛ لأنه لم يكن ترك واجباً، وقد جاء في بعض الأحاديث الأخرى ما يدل على ذلك، ومنها الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد..)، أيضاً توضأ، فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد، فاقتصر على ذكر الوضوء، وإحسانه.
    وكذلك أيضاً ما جاء عن عثمان رضي الله عنه، في زمن خلافة عمر، كان عمر يخطب الناس يوم الجمعة، فدخل عثمان، وهو يخطب، فـعمر رضي الله عنه، قطع الخطبة وقال له يخاطب عثمان: أي ساعة هذه؟ معناه أنك متأخر، تأخرت عن حضور الجمعة، فقال: والله يا أمير المؤمنين! كنت في كذا وكذا، فما إن سمعت الأذان حتى توضأت، وجئت، قال: وهذه أيضاً؟ يعني: بدون غسل.
    فحديث أبي سعيد من أطول الأسانيد، وأنزلها، ولا أطول منه إلا العشاري، وقد مر في فضل سورة: (قل هو الله) حديث بإسناد عشاري؛ بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أشخاص، قال النسائي بعده: وهذا هو أطول إسناد.
    فإذاً: أطولها على الإطلاق العشاري، والتساعي هو الذي يليه، وهذا الباب فيه مثال لأعلى الأسانيد ولأطول الأسانيد.



  4. #264
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (261)

    - باب فضل المشي إلى الجمعة
    بيّن الشرع فضل المشي إلى الجمعة ورتب على ذلك الكثير من الأجر والثواب، حيث يكون له بكل خطوة عمل سنة.
    فضل المشي إلى الجمعة
    شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة وغسل، وغدا وابتكر ومشى ولم يركب ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل المشي إلى الجمعة.أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير حدثنا الوليد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: أنه سمع أبا الأشعث حدثه: أنه سمع أوس بن أوس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة وغسل، وغدا وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام وأنصت ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة)].
    أورد النسائي: فضل المشي إلى الجمعة، يعني: كون الإنسان يمشي على قدميه، فهذا هو المقصود بالترجمة، أن في ذلك أجر عظيم، وثواب جزيل من الله عز وجل، وأورد فيه حديث أوس بن أوس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة وغسل)، وهذا بمعنى الذي مر قبله، في إسناد مضى من حديث أوس بن أوس في فضل غسل يوم الجمعة، مر ذكر الغسل والاغتسال.
    [(وابتكر ومشى ولم يلغ)].
    وابتكر، يعني: جاء مبكراً، ومشى على قدميه، ولم يركب؛ لأن في ذلك زيادة التعب، والنصب، والاجتهاد، وكثرة الخطى، وقد جاء فيه أنه بكل خطوة.. ومعنى هذا أن هذا يكون عن طريق المشي.
    (ودنا من الإمام وأنصت ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة)، قوله: (بكل خطوة)، يعني: يخطوها بقدميه؛ لأن قوله: (ومشى، ولم يركب)، يدل على أن هذا الأجر يحصله من مشى، ومن جاء من مكان بعيد راكباً بمكان فاضل، فهو على خير، وفضل الله تعالى واسع، لكن الحديث فيه فضل المشي، وأنه أولى من الركوب لمن تمكن منه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من اغتسل يوم الجمعة وغسل وغدا وابتكر ومشى ولم يركب ...)
    قوله: [أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وهنا النسائي أطال في نسبة شيخه، كما ذكرت من قبل أن التلميذ يذكر شيخه كما يريد، إن أراد يطول طول، وإن أراد أن يختصر اختصر، وهنا أطال في نسبته.
    [حدثنا الوليد].
    هو ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، كثير التدليس، والتسوية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر].
    ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [أنه سمع أبا الأشعث].
    هو شراحيل بن آده، وهو شامي، أخرج حديثه البخاري في الأدب، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أنه سمع أوس].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة.
    الأسئلة

    الاستفادة من حديث أوس في التبكير إلى الجمعة مسألة الدنو من الإمام
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يؤخذ من حديث أوس بن أوس فضل الدنو من الإمام في سائر الصلوات المفروضة؟الجواب: الدنو من الإمام كما هو معلوم مطلوب؛ لأن خير صفوف الرجال أولها، يدل هذا عليه: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها).
    حكم وصف الله بالعقل
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يتصف الله بالعقل؟الجواب: أقول: مثل هذا ما ورد، لا يضاف إلى الله عز وجل شيء لم يأت، يعني: الشيء الذي ما ورد لا يثبت ولا ينفى، ولكن يثبت عموماً وينفى عموماً أن الله تعالى متصف بكل كمال، ومنزه عن كل نقص، هذا يثبت وينفى عموماً، وأما التفاصيل فلا يثبت لله شيء على سبيل التنقيص إلا بدليل، ولا ينفى عنه إلا بدليل، بل يسكت عن الشيء الذي ما ورد.
    مدى جواز صلاة المأموم على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر الخطيب له وقت الخطبة
    السؤال: فضيلة الشيخ! إذا ذكر الإمام وهو في الخطبة على المنبر النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يصلي عليه المأمومون أو يعتبر هذا كأنه لغو؟الجواب: نعم، يصلي عليه المأمومون؛ لأن هذا إقبال على الإمام، وإقبال على الخطبة، وإنما المحذور الانشغال عن الخطبة، وذلك بمخاطبة الناس، والكلام مع الناس، هذا هو الذي فيه اللغو، وأما الشيء الذي مع الإمام، والذي فيه اتجاه إلى الإمام، وكونه يصلي، ويؤمن، هذا فيه إقبال على الخطبة، والمقصود هو الإقبال على الخطبة، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عندما يأتي ذكره صلى الله عليه وسلم، يصلي ويسلم عليه ولا بأس.
    الاعتداء في الدعاء على الظالم
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم دعاء المظلوم على الظالم بأن يعمي الله عين من افترى عليه؟الجواب: ليس للإنسان أن يتعدى في الدعاء، ويعتدي فيه، الإنسان يدعو على من ظلمه، لكن كونه يدعو عليه بشيء فوق أخذ حقه، أو فوق ما يكون به إصابته بالشيء الذي يكون به جزاءه، هذا من الاعتداء في الدعاء، إنسان ظلم في شيء يسير، ثم يدعو عليه ببلاء، ومصائب لا حد لها، هذا من الاعتداء في الدعاء.
    حكم وضع اليدين على الصدر بعد الركوع
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما دليل وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع؟الجواب: هي سنة، وضع اليدين على الصدر قبل الركوع وبعده دل عليه الحديث الذي فيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كان قائماً في الصلاة وضع اليمين على الشمال)، ومعلوم أن المصلي له حالات أربع لا خامس لها، فهو إما قائم، والقيام في حالتين: قبل الركوع وبعد الركوع، والحديث يقول: (إذا كان قائماً في الصلاة)، فهذا قائم، والركوع والسجود والجلوس له حالتان: حالة بين السجدتين، وحالة في التشهد، هذه أحوال المصلي الأربعة.
    وقوله: (إذا كان قائماً في الصلاة)، يشمل هاتين الحالتين: ما قبل الركوع، وما بعد الركوع.
    الإشارة في الجمعة من قبل المأموم
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما هو الدليل على عدم الإشارة في الجمعة مع أن جميع الأحاديث تقول: لا يقول، ولم يذكر، ولا يشير؟الشيخ: ولا يشير؟
    مداخلة: إي نعم. وأن لا يشير يوم الجمعة ولو كان هناك مصلحة، يعني: الظاهر أنه لو أشار إلى أحد يتكلم..
    الجواب: الذي ورد بالفعل مس الحصى، ومس الحصى كما هو معلوم عبث، والإشارة ما نعلم شيئاً يدل عليها؛ لأنه ما فيه شيء يفيد منعها ولا جوازها، لكن إذا كانت هذه الإشارة، ما يترتب عليها انشغال، والأمر ضرورة لا بد منه؛ لأن فيه تشويشاً، والناس لا يستطيعون أن يسمعوا الخطبة بسبب هذا التشويش، وحصل إشارة، فلا بأس بذلك إن شاء الله.
    حكم لبس الحرير للرجال
    السؤال: فضيلة الشيخ! قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لم أتركها.....)، ومعلوم أنها حلت للرجال فلا يجوز للنساء لبسها، فيكون إعطاء الحلة لـعمر ليهديها، فيبقى الإشكال في كون المشركين مخاطبون بفروع الشريعة؟الجواب: ما فيه شيء يفيد أن هذا شيء للرجال، وأن هذا للنساء، الرجال لا يجوز لهم لبس الحرير، فلا يجوز صنعه لهم، لكن يبدو أنها صالحة للجميع، والرجال لا يجوز لهم أن يلبسوها، والنساء لهن أن يلبسنها.
    أخ عمر بن الخطاب من الرضاعة
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل كان لـعمر رضي الله عنه أخ؟ أرجو أن تذكر لنا اسمه؟الجواب: ذكروا أن له أخا من الرضاعة، كما ذكره المعلق. هو: زيد بن الخطاب، وهو مسلم، ممن تقدم إسلامه.
    مخاطبة الإمام للمأموم في تصحيح الخطأ
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز للخطيب مخاطبة أحد في تصحيح الخطأ؟الشيخ: نعم يجوز أن يصحح الخطأ، مخاطبة الإمام ومخاطبة غيره له جائز، فلو خاطب الإمام أحداً وطلب على من يشوش أن يسكت، فلا بأس به؛ لأن مخاطبة الإمام، وكلام الإمام مع الناس، وكلام الناس مع الإمام، كل ذلك سائغ، للحديث الذي فيه جاء عثمان رضي الله عنه، متأخراً وعمر فقطع الخطبة قال له: أي ساعة هذه؟ فقال: إنني سمعت الأذان فما زدت على أن توضأت. فهذا كلام، والرجل الذي جاء والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب وقال: (هلكت الأموال وكذا وكذا، فادع الله أن يغيثنا، فدعا)، فمخاطبة المأمومين للإمام والإمام للمأمومين في الخطبة هذا جاءت به السنة.
    بيان تفسير حديث: (ما زال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ما زال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)؟الجواب: الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)، يعني: يعاقبون بأن يؤخروا، عن الخيرات، وعن تحصيل الثواب، والوقوع في الإثم؛ لأن هذا من العقوبات التي تكون على المعاصي كما سبق أن مر بنا قريباً: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين)، وكذلك الحديث الذي يقول: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه)، يعني: فالذنب يعاقب عليه بما هو أشد منه، فهذا التأخر عن الإمام، والتأخر عن وصل الصفوف، يعاقب عليه بأن يؤخره الله، لا يكون من أهل الخير، ولا يكون ممن يفوز بالخيرات.
    هل في العسل زكاة
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل في العسل زكاة؟الجواب: لا أدري.
    حكم الاستغاثة بغير الله
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم الإسلام في الذين يستغيثون بالأولياء، ويضعون حبة البركة لدفع العين؟الجواب: الاستغاثة بالأولياء وطلب الحاجات من الأولياء، هذا شرك بالله عز وجل؛ لأن الشرك هو دعوة غير الله معه، وصرف حق الله إلى غير الله، ومن المعلوم أن الاستغاثة وطلب الحاجات إنما تكون من الله عز وجل، (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )[الفاتحة:5]، (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )[الجن:18]، (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، فكون الإنسان يدعو غير الله بأن يخاطب ملائكة، ويطلب من الملائكة، يدعو الملائكة، ويدعو الجن، يدعو الأموات، يدعو الغائبين، هذا من دعوة غير الله، ومن صرف حق الله إلى غير الله، فهذا شرك بالله عز وجل.
    حكم قفل الباب للمصلي إن دعت الحاجة
    السؤال: فضيلة الشيخ! كيف يفعل من أراد قفل الباب خلفه وهو يصلي؟الجواب: إذا كان الأمر يحتاج إلى ذلك فيمكن أن يرجع إلى القهقرى، ويقفله مثل كونه يتقدم إلى الأمام ويتأخر القهقرى، يمكن.
    مدى صحة اعتبار الإمام أحمد من الجماعة
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل الإمام أحمد من الجماعة؟الجواب: الإمام أحمد كما هو معلوم ليس من الستة الذين هم أصحاب الكتب الستة، لكن بعض العلماء له اصطلاح، إذا قال: الجماعة، فيجعل مع الستة الإمام أحمد، وهذا عمل المجد بن تيمية في المنتقى الذي شرحه الشوكاني في نيل الأوطار، فاصطلاح المجد بن تيمية إذا قال: متفق عليه، يقصد البخاري، ومسلم، والإمام أحمد.



  5. #265
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (262)

    باب التبكير إلى الجمعة - باب وقت الجمعة
    حث النبي صلى الله عليه وسلم على المسارعة إلى الجمعة، ورتب على ذلك أجراً يتفاوت بتفاوت التبكير إليها، ووقت الجمعة يختلف صيفاً وشتاءً، لكنه يبدأ من أول النهار حتى بداية الخطبة؛ لأن الملائكة حينها يطوون صحفهم وينصتون إليها.
    التبكير إلى الجمعة
    شرح حديث: (إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد...)
    أولها هذه الطريق، وهي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد يكتبون من جاء إلى الجمعة) أي: معناه يكتبون الأول فالأول.(فإذا قعد الإمام طووا الصحف وجلسوا يستمعون الذكر) ثم قال عليه الصلاة والسلام: (المهجر إلى الجمعة) أي: المبكر الذي يحصل منه التبكير كثيراً، فإنه كالمهدي بدنة، كالذي يتقرب إلى الله ببدنة، ثم كالمهدي بقرة، ثم كالمهدي شاة، ثم كالمهدي بطة، ثم كالمهدي دجاجة، ثم كالمهدي بيضة، وبعد البيضة خروج الإمام، وطي الصحف، وجلوس الملائكة لتستمع الذكر، والحديث يدل على فضل التبكير إلى المسجد يوم الجمعة، وأنه يتفاوت على حسب التبكير، وعلى مقدار التبكير، فمن بكر كثيراً فهو كالمهدي بدنة، ومن يليه كالمهدي بقرة، وهكذا حتى يصل إلى كالمهدي بيضة، ففيه تفاوت الناس في الأجر، وتفاوت الناس في الثواب، وأن ذلك بحسب تفاوتهم في التبكير والتأخر عن الجمعة.
    ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أن الملائكة تقعد على أبواب المسجد، وأنهم يكتبون من يأتي إلى المسجد، وهذا فيه الإيمان بالملائكة، وأنهم خلق من خلق الله، أسند إليهم أعمالاً، ووكل إليهم أعمالاً يقومون بها، فمنهم من أعماله في السماء، ومنهم من أعماله في الأرض، ومنهم الموكل بالجبال، والموكل بالقرآن، والموكل بالقطر، والموكل بقبض الأرواح، والموكل بالأرحام، فأعمال كثيرة جاء الكتاب والسنة في بيان دلالتها على قيامهم بهذه الأعمال، وهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون كما قال الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )[التحريم:6]، فهذا يدلنا على أنه لا بد من الإيمان بالملائكة، وكذلك الإيمان بما جاء به الكتاب والسنة من بيان أعمالهم التي أسندت إليهم، وأضيفت إليهم.
    والإيمان بالملائكة أحد أصول الإيمان الستة التي بينها رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل، وهي: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) فالإيمان بهم من أصول الإيمان، فيؤمن بهم إجمالاً، ويؤمن بهم تفصيلاً، إجمالاً: بأن يؤمن بأن لله ملائكة أسند إليهم أعمال يقومون بها، والتفصيل: بأن يسمي من سمي منهم، ويعين العمل أو الأعمال التي جاء تعيينها بالكتاب والسنة لبعضهم، وكل ما جاء به الكتاب والسنة مما يتعلق بالملائكة فإنه يجب الإيمان به والتصديق، وأنه داخل في الإيمان بالملائكة الذي هو ركن من أركان الإيمان الستة المبينة في حديث جبريل، وكذلك المبينة في القرآن، كما في قوله عز وجل: ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ )[البقرة:177]، وكذلك: ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ )[البقرة:285]، وكذلك جاء في آيات أخرى التنصيص على الإيمان بالملائكة، والإيمان بغيرهم كما جاء مبيناً في آيات وفي أحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الحديث يدل على شيء من أعمال الملائكة، وهي القعود على أبواب المساجد يوم الجمعة، وأنهم يكتبون الأول فالأول.
    ثم بين عليه الصلاة والسلام تفاوت الناس في الأجر، والثواب، وأن من بكر كثيراً فهو كالمهدي بدنة، وهكذا حتى يصل إلى كالمهدي بيضة، وفرق شاسع بين من يهدي بدنة، ومن يهدي بيضة؛ فإن هذا قليل يسير، وهذا شيء كبير وعظيم عند الله عز وجل.
    ثم إن التبكير إنما يكون من أول النهار، فالناس يتفاوتون على حسب تبكيرهم من أول النهار، ومن المعلوم أن الجمعة ساعات وأوقات، والمراد بالساعات أجزاء من الزمان، وفي لغة العرب: أن الليل والنهار ينقسمان إلى أربع وعشرين ساعة، وكل ساعة من هذه الساعات لها اسم معين، وقد ذكر هذه الساعات وأسماءها الثعالبي في كتاب فقه اللغة؛ فإنه ذكر ساعات الليل، وساعات النهار، ساعات الليل اثنا عشر، وساعات النهار اثنا عشر، وكل ساعة لها اسم معين يخصها، وهذا موجود في اللغة العربية، ولكن المقصود بالساعة هو جزء من الزمان قد يكون فيه التفاوت؛ لأنه كما هو معلوم يحصل التفاوت في النهار بين الصيف، والشتاء، ويكون هناك فرق، لكن المعتبر من أول النهار، فسواءً كان النهار طويلاً أو قصيراً، فالعبرة التبكير إليها من أول النهار، وعند ذلك يتفاوت الناس بين من هو كالمهدي بدنة، وهي أنفس شيء يهدى، وكالمهدي بيضة، وهي أقل شيء يهدى، كما جاء مبيناً في هذا الحديث وغيره من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد...)
    قوله: [ أخبرنا نصر بن علي ].هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي البصري ، واسمه واسم أبيه يتفق مع اسم جده وجد أبيه، فاسمه يوافق اسم جده، واسم أبيه يوافق جد أبيه، نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الأعلى ].
    هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري ، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو ممن وافق اسمه اسم أبيه، هذا عبد الأعلى وأبوه عبد الأعلى ، وهو عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا معمر ].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري ، نزيل اليمن، وهو شيخ عبد الرزاق بن همام الصنعاني الذي يروي عنه كثيراً، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزهري ].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب ، ينسب إلى جده زهرة بن كلاب فيقال له: الزهري ، ويأتي منسوباً إلى جده شهاب فيقال: ابن شهاب ، وهذان أو هاتان النسبتان هي التي يرد فيها ذكره في الكتب فيقال: إما ابن شهاب، وإما الزهري ، وهو ثقة، إمام، محدث، فقيه، من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الأغر أبي عبد الله ].
    هو سلمان الأغر أبو عبد الله ، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي هريرة رضي الله عنه].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، والذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام، وأول هؤلاء السبعة وأكثر هؤلاء السبعة: أبو هريرة رضي الله عنه، فهو أكثرهم على الإطلاق.
    شرح حديث: (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة...) من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن سعيد عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على منازلهم، الأول فالأول، فإذا خرج الإمام طويت الصحف، واستمعوا الخطبة، فالمهجر إلى الصلاة كالمهدي بدنة، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة، ثم الذي يليه كالمهدي كبشاً، حتى ذكر الدجاجة، والبيضة)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد يكتبون الناس على حسب منازلهم، الأول فالأول، فالمهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة، ثم كالمهدي بقرة، ثم كالمهدي كبشاً، حتى ذكر الدجاجة، والبيضة) أي: كالمهدي دجاجة، وكالمهدي بيضة، وهو دال على ما دل عليه الذي قبله من كتابة الملائكة، وأنهم يكتبون الأول فالأول على حسب التبكير، والتأخير، وأن الأمر ينتهي إلى خروج الإمام وصعوده على المنبر، وعند ذلك يطوون الصحف، ويستمعون الذكر.
    وهو يدل على أن الملائكة كما أنها تحضر لتقوم بهذه المهمة التي هي كتابة الداخلين إلى المساجد أولاً فأولاً، فهم أيضاً يستمعون الذكر، ويحضرون الخطبة، ويستمعون ذكر الله عز وجل في الخطب التي يخطب بها الخطباء على الناس في يوم الجمعة.
    وهو دال أيضاً على تفاوت الناس في ثوابهم، وأن ذلك يتفاوت بتفاوت تقدمهم، وتبكيرهم إلى الجمعة وعدم تبكيرهم، فمنازلهم تكون على حسب التبكير، والتأخر ما بين المهدي بدنة، والمهدي بيضة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة ...) من طريق ثانية
    قوله: [ أخبرنا محمد بن منصور ].هو محمد بن منصور الجواز المكي وهو ثقة. للنسائي شيخان كلٌ منهما يقال له: محمد بن منصور، أحدهما: محمد بن منصور الجواز المكي ، والثاني: محمد بن منصور الطوسي ، ويتميز أو يعرف المقصود منهما في الإسناد بذكر الشيخ ومعرفة الشيخ أو الشيوخ، وهنا الشيخ الذي يروي عنه محمد بن منصور هو سفيان ، وسفيان هنا غير منسوب، والمراد به ابن عيينة المكي ، فهما مكيان؛ محمد بن منصور الجواز وسفيان بن عيينة مكيان، فيحمل عند الإطلاق على من يكون له بشيخه خصوصية؛ إما بكثرة ملازمة، أو لكونه من بلده؛ لأن من كان من البلد يكثر الأخذ عنه والالتقاء به، بخلاف الإنسان الذي يكون في بلد آخر، لا يحصل إلا برحلة، أو بكونه يأتي في وقت من الأوقات ثم يرجع.
    وسفيان بن عيينة كان بمكة، ومحمد بن منصور الجواز مكي وهو بمكة، أما محمد بن منصور الطوسي فهذا يأتي إلى مكة إما لحج أو عمرة ويلتقي بـسفيان بن عيينة ، فإذا احتمل محمد بن منصور للجواز والمكي ، فإنه يحمل على الجواز؛ لأنه من بلد شيخه سفيان بن عيينة ؛ ولكونه يتصل به كثيراً، ويأخذ عنه كثيراً، فيكون إبهام التلميذ له، أو إهمال التلميذ وعدم نسبته وتمييزه عن غيره، لكونه يروي عن سفيان ، وهما من بلد واحد، فالأقرب أن محمد بن منصور هو الجواز وليس الطوسي ، ثم أيضاً لا يؤثر، سواءً كان هذا أو هذا؛ لأن كلهم ثقات، وإنما الإشكال لو كان أحدهم ضعيفاً، والثاني ثقة، فهذا يؤثر على الإسناد، لكن مع هذا يترجح أنه الجواز المكي؛ لأن شيخه سفيان بن عيينة مكي ، وسفيان هنا غير منسوب والمراد به ابن عيينة ؛ لأن ابن عيينة هو الذي يروى عن الزهري ، وهو المعروف بالرواية عن الزهري ، بخلاف سفيان الثوري ، فإنه غير معروف بالرواية عن الزهري ، بل جاء أو ذكر الحافظ ابن حجر أنه لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، أي: الثوري ، وأما سفيان بن عيينة فهو كثير الرواية عن الزهري.
    ثم هناك مسافة طويلة بين وفاتيهما، الزهري توفي سنة مائة وأربعة وعشرين، أو مائة وخمسة وعشرين ، وابن عيينة توفي سنة مائة وسبعة وتسعين، بين وفاتيهما مسافة طويلة، فـسفيان بن عيينة معمَّر أدرك الزهري ، وهو من صغار التابعين، وأخذ عنه، وهو معروف بالرواية عنه.
    فالأصل أن سفيان هنا غير منسوب، فلا يؤثر إهماله وعدم نسبته.
    [ حدثنا سفيان بن عيينة].
    هو الهلالي المكي ، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مدلس، لكنه معروف أنه لا يدلس إلا عن الثقات.
    [ حدثنا الزهري ].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب ، وهو ثقة، حجة، فقيه، محدث، من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد ].
    هو ابن المسيب ، تابعي جليل، وهو من فقهاء المدينة السبعة المعروفين في عصر التابعين، سعيد بن المسيب هو أحدهم، قد ذكرت مراراً أن ستة منهم لا خلاف في عدهم في الفقهاء السبعة، وواحد منهم فيه خلاف على ثلاثة أقوال، فالستة الذين متفق على عدهم هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وسعيد بن المسيب ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وعروة بن الزبير بن العوام ، وسليمان بن يسار ، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة في المدينة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وسعيد بن المسيب قيل: إنه خير التابعين، وأنه أفضل التابعين، وقيل: إن خير التابعين هو أويس القرني ، ولا شك أن أويس القرني هو خير التابعين؛ لأنه جاء فيه نص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: (إن خير التابعين رجل يقال له: أويس القرني من قرن، يأتي من اليمن، فمن وجده منكم فليطلب منه أن يستغفر له) وكان عمر رضي الله عنه يسأل الذين يأتون من بلاد اليمن يذهبون إلى جهة فارس والعراق للجهاد في سبيل الله، فكان يسأل عنه حتى وجده، وأدركه، وعرفه، فهو خير التابعين بنص حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام: (إن خير التابعين رجل يقال له: أويس ).
    فإذاً: خير التابعين هو أويس كما أخبر بذلك رسول الله، لكن بعض العلماء قالوا: إن خيرية سعيد بن المسيب إنما هي بالعلم، وبالفقه، والحديث، وكونه معروفاً بالعلم، ومشهوراً به، وأما أويس القرني فلم يكن معروفاً بالعلم، ولكنه معروف بالفضل، وخيريته نص عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم هو ليس له رواية، وليس معروفاً بالعلم، ولكنه معروف بالزهد، ومعروف بالتواضع، هذا هو الذي عرف به.
    و المزي في تهذيب الكمال يذكر أشخاصاً لا رواية لهم في الكتب الستة، ويرمز لهم؛ لأنهم ذكروا في الكتب الستة وليس لهم رواية، ومنهم أويس القرني رمز له في البخاري، ومسلم ، مع أنه ليس له رواية فيهما، وإنما له ذكر فيهما.
    وسعيد بن المسيب حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي هريرة رضي الله عنه ].
    وقد تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث: (تقعد الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد...) من طريق ثالث
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا شعيب بن الليث أنبأنا الليث عن ابن عجلان عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تقعد الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد يكتبون الناس على منازلهم، فالناس فيه كرجل قدم بدنة، وكرجل قدم بقرة، وكرجل قدم شاة، وكرجل قدم دجاجة، وكرجل قدم عصفوراً، وكرجل قدم بيضة)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، يعني: في كون الملائكة تقعد على أبواب المسجد، وأنهم يكتبون الناس على حسب منازلهم، وأنهم يتفاوتون في الأجر، وأن الذي يبكر كثيراً يكون كالمهدي بدنة، ثم كالمهدي بقرة، ثم كالمهدي كبشاً، ثم كالمهدي دجاجة، ثم كالمهدي عصفوراً، ثم كالمهدي بيضة.
    والحديث دال على ما دل عليه الذي قبله، إلا أن هذا الحديث فيه ذكر العصفور، وقد قال الشيخ الألباني : أنه غير محفوظ، والمحفوظ هو ذكر الدجاجة كما جاء مبيناً في الأحاديث الأخرى، وليس فيه ذكر العصفور.
    وإسناد الحديث فيه من تكلم في روايته في أحاديث أبي هريرة ، وهو محمد بن عجلان ، فإنه قيل: اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (تقعد الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد...) من طريق ثالث
    قوله: [ أخبرنا الربيع بن سليمان ].هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي صاحب الشافعي، راوية كتبه، أي: كتب الشافعي ، وهو ابن عبد الجبار ، وفيه في طبقته الربيع بن سليمان بن داود الجيزي ، لكن الذي يروي عن شعيب بن الليث بن سعد هو المرادي ، وهو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار صاحب الشافعي ، وراوية كتبه عنه.
    وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي ، والمرادي نسبة إلى قبيلة من قبائل اليمن، وقيل أن الترمذي كان يروي عنه إجازة.
    [ حدثنا شعيب ].
    هو شعيب بن الليث بن سعد ، وهو ثقة، نبيل، فقيه، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [ أنبأنا الليث ].
    هو الليث بن سعد المصري، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، فقيه مصر ومحدثها، وهو ثقة، ثبت، فقيه، إمام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عجلان ].
    هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة ، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو الذي ذكر في ترجمته أن أمه حملت به ثلاث سنوات.
    [ عن سمي ].
    هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي صالح ].
    هو ذكوان السمان ، مشهور بكنيته، ومشهور باسمه، وكثيراً ما يأتي ذكره بالكنية أبو صالح ، يروي عن أبي هريرة ، واسمه ذكوان ولقبه السمان أو الزيات ؛ لأنه كان يبيع السمن والزيت، فيقال له: السمان، ويقال له: الزيات، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي هريرة ].
    وقد تقدم ذكره.
    وقت الجمعة
    شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقت الجمعة.أخبرنا قتيبة عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: وقت الجمعة، وأورد فيها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة) أي: راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة.
    (ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) وقد مر في الأحاديث السابقة أنهم يطوون الصحف، ثم يجلسون يستمعون الذكر، وقبل ذلك هم على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول.
    وهذا الحديث دال على فضل التبكير إلى الجمعة، وعلى فضل الاغتسال في الجمعة، ودال أيضاً على أن الاغتسال يكون مثل غسل الجنابة؛ لأنه قال: [(غسل الجمعة)]، أي: مثل غسل الجنابة، يعني الأكمل أن يتوضأ الوضوء، ثم يفيض الماء على سائر جسده، فهذا هو غسل الجنابة الأكمل، ويحصل الغسل بأن يفيض الماء على سائر جسده، وعلى جسده كله، وإن لم يتوضأ، فإن هذا يقال له: غسل، ويطلق عليه: أنه غسل، لكن الأكمل الذي يسبقه الوضوء.
    والنسائي أورد الحديث في وقت الجمعة ذكر فيه خمس ساعات، ثم يخرج بعدها الإمام، وهي تكون من أول النهار، ومعنى هذا يمضي هذا الوقت، ثم يأتي وقت الجمعة الذي هو خروج الإمام، ثم خطبته، ثم صلاته.
    هذا هو وجه إيراده في وقت الجمعة من جهة أنه نص على خمس ساعات تسبق الجمعة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة...)
    قوله: [ أخبرنا قتيبة ].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن مالك ].
    هو ابن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، صاحب المذهب المشهور، أحد المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة ].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    الأسئلة
    المقصود بالساعات الخمس لوقت الجمعة ووقت ابتدائها
    السؤال: هل الساعات الخمس المذكورة في الحديث هي بمعنى ساعاتنا الموجودة الآن؟الجواب: ليست بمعنى ساعاتنا هذه، وإنما هي مقدار من الزمان تتفاوت بين الصيف والشتاء، يعني: كما هو معلوم أن وقت النهار يختلف في الصيف عن الشتاء، ومعلوم أن الزمن بعد طلوع الشمس إلى خروج الإمام في الصيف يختلف، فإن الساعات تكون أكثر في زمن الصيف، وتقل في زمن الشتاء، وليست مثل ساعاتنا هذه؛ لأن ساعاتنا هذه محددة بزمن، والساعات إذا طال الليل أخذ من النهار، وإذا طال النهار أخذ من الليل، قد تكون ساعات الليل كثيرة، وساعات النهار قليلة، وبالعكس، وأما ذاك فإن التقسيم لليل والنهار، هو الذي يقسم إلى ساعات، وجاء في الحديث الذي سيأتي من أن يوم الجمعة اثنا عشرة ساعة، لكن هذه الساعات تتفاوت من وقت إلى آخر، يعني: مقدارها، وحجمها على حسب طول النهار وقصره.
    وتبدأ أول الساعات من أول النهار من طلوع الشمس.
    مدى صحة توفر الشروط المترتبة على أجر عمل سنة وصيامها
    السؤال: يا شيخ! حديث: (من غسل، واغتسل، وغدا، وابتكر، ودنا من الإمام، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة صيامها وقيامها) يعني: لا بد من توفر الشروط التي ذكرت لينال الأجر المذكور؟الجواب: نعم؛ لأن هذا بني على هذه الأمور المذكورة التي تقدمت.
    حكم الخشوع في الصلاة وكيفيته
    السؤال: هل الخشوع من واجبات الصلاة؟ وكيف يخشع المصلي في صلاته؟الجواب: الخشوع كما هو معلوم من الأمور المطلوبة في الصلاة، وكون الإنسان يقبل على صلاته هذا مطلوب منه، ويقبل عليها بأقوالها، وأفعالها، وواجباتها، وأركانها، ومستحباتها، ويتأمل، ويتفكر، فهذا هو الذي يكون قد استفاد من صلاته، وكونه يحصل منه البكاء، أقول: هذا يرجع إلى التأمل، والتفكر، وإلى تفاوت الناس في ذلك، ولكن كون الإنسان يقبل على صلاته، ويجتهد في الإتيان بما هو مطلوب فيها، وأن يحرص على إبعاد الشيطان عنه بحيث لا يشغله فيها، هذا هو الذي أدى ما عليه.
    حكم الحجز في الصفوف الأولى عند الذهاب للوضوء
    السؤال: يا شيخ! هل يجوز الحجز في مكان الصفوف الأولى عند الذهاب للوضوء؟الجواب: نعم، ليس فيه بأس، إذا كان الإنسان جاء مبكراً، ولكنه يحتاج إلى أن يذهب يتوضأ، فهذا شيء لا بأس به؛ لأن هذا أمر لا بد منه، كونه يذهب ويتوضأ، ويأتي؛ لأنه لا بد للإنسان الذي يحتاج إلى نقض الوضوء أن يتوضأ، وأن يقضي حاجته ويتوضأ، فكونه يحجز مكاناً، وهو قد جاء مبكراً، إن اضطر إلى الخروج ما في بأس مثل هذا، وإنما الذي لا ينبغي مثل كونه يروح يأكل، ويشرب، ويبيع، ويشتري، أو يزور أحداً من الناس، أو ما إلى ذلك، هذا الذي لا يصح أنه يحجز مكاناً.
    أما حضور الدرس فما ينبغي للإنسان أن يحجز مكاناً، ويحضر الدرس، وإنما يحضر الدرس ثم يذهب، ويصف حيث تنتهي به الصفوف.
    كيفية الصلاة على الطفل وكيفية جمع الدعاء للرجل والطفل في الصلاة عليهما
    السؤال: فضيلة الشيخ! أرجو أن توضح لنا كيفية صلاة الجنازة على الطفل، وكيف نجمع الدعاء إذا كانت الجنازة على رجل وطفل؟الجواب: صلاة الجنازة على الطفل مثل الصلاة على الكبير، هي أربع تكبيرات، التكبيرة الأولى يقرأ بعدها الفاتحة، التكبيرة الثانية يقرأ بعدها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والثالثة يدعى للميت كبيراً أو صغيراً، لكن إذا كان صغيراً يدعى بالدعاء المأثور: (اللهم اغفر لحينا، وميتنا، وصغيرنا، وكبيرنا، وذكرنا، وأنثانا..) إلى آخره، وإذا كان كبيراً يدعى بالدعاء المأثور: (اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه)، وكذلك أيضاً يدعو (باللهم اغفر لحينا، وميتنا، وصغيرنا، وكبيرنا)، لا بأس يجمع بين هذا وهذا، وإذا كان فيه كبير، وصغير يأتي بهذا، وهذا، بل لو أتى (باللهم اغفر لحينا، وميتنا، وصغيرنا، وكبيرنا)، مع (اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه) ما فيه بأس؛ لأن هذا كله دعاء للميت، فإذا كان في مجال للدعاء بحيث أن الإمام لم يكبر الرابعة، وصار في مجال، فليأت بالأدعية التي جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في ذلك.
    ولا نعلم دعاءً خاصاً للأطفال.
    حكم تغيير لون الشعر بالسواد
    السؤال: فضيلة الشيخ! يوجد حناء لونه أسود خالص، هل يجوز للرجال، والنساء الطلول بها؟الجواب: إذا كان أسوداً خالصاً حصل به المحظور، يعني: لا يجوز تغيير البياض بالسواد، قال صلى الله عليه وسلم: (غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد) والحناء طبعاً ليس أسود، بل يختلف لونه، ولونه معروف.
    أما أن يضاف له مواد فلا، فإذا كان يوضع فيه شيء يجعله أسود فالنتيجة واحدة، وصار فيه مخالفة أو معصية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد).
    مدى صحة رواية ابن عجلان عن طريق غير أبي هريرة
    السؤال: ذكرتم -حفظكم الله- أن محمد بن عجلان اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة ، فهل يعني أن روايته عن طريق غير أبي هريرة صحيحة؟الجواب: طبعاً هو صدوق، وحديثه من قبيل الحسن، لكن الرواية التي جاءت من طريق أبي هريرة، هي التي وصفت بأنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة ، يعني: هذا هو الذي أخذ عليه، أنه ما ضبط أحاديث أبي هريرة ، وأنها اختلطت عليه، لكن أحاديثه التي هي غير أحاديث أبي هريرة يبقى في الحسن، وأحاديث أبي هريرة إذا كان هناك شيء عن غيره يؤيده، ويعضده، فإنه يدل على أنه وفق فيما أتى به، يعني: في روايته من حديث أبي هريرة ؛ لكونه أتى بها على وجهها ما دام أن غيره رواها كما رواها، لكن الإشكال هنا فيما إذا انفرد.
    الحكم على حديث ابن عجلان الذي فيه ذكر العصفور
    السؤال: ذكرتم -حفظكم الله- في حديث ذكر العصفور أنه ليس بمحفوظ، والمحفوظ في حديث ذكر الدجاجة، فهل يطلق على حديث محمد بن عجلان أنه شاذ؟الجواب: هو حديث محمد بن عجلان كما هو معلوم من قبيل الحسن، إذا كان لم يخالف غيره، يعني إذا كان روى من طريق أبي هريرة لا يكون محفوظاً.
    حكم الصلاة الفائتة إذا دخل وقت الحاضرة
    السؤال: فضيلة الشيخ! بارك الله فيكم، شخص فاتته صلاة العشاء، فدخل المسجد النبوي وإذا صلاة الفجر قد أقيمت، فماذا يفعل: هل يصلي الحاضرة أو يقضي الفائتة؟ كذلك من فاتته المغرب حتى أقيمت العشاء، ماذا يفعل؟الجواب: الإنسان إذا كان عليه صلاة، وأدرك صلاة قائمة، فإنه يدخل مع الإمام بنية الصلاة الفائتة، وإذا فرغ من الصلاة يأتي بالصلاة الحاضرة، وسبق أن مر بنا قريباً أن إدراك الجماعة لا يسوغ اختلاف الترتيب، وإنما الذي يسوغ اختلاف الترتيب هو خوف خروج الوقت، يعني: إذا خشي خروج وقت الحاضرة؛ فإنه يؤتى بها وتقدم على غيرها من الفوائت؛ لأنه لو لم يؤت بها صارت مقضية، وهي تؤدى في وقتها.
    فالحاصل: أن الإنسان إذا جاء وعليه العشاء، وأدرك صلاة الفجر، فمثلاً نسي صلاة العشاء، وهو لا يجوز أن يؤخرها عن وقتها الاختياري الذي هو نصف الليل، والاضطراري الذي هو طلوع الفجر، وإذا خرج الوقت الاضطراري الذي هو طلوع الفجر، فإنها تكون مقضية، فإذا وجد الإمام يصلي الفجر يدخل معه بنية العشاء، وإذا سلم الإمام يقوم ويأتي بركعتين، ثم يصلي الفجر وحده، أو جماعة إن وجدت جماعة أخرى يصلون الفجر.
    حكم من صدم حمامة بسيارته وهو محرم بغير قصد
    السؤال: شخص محرم صدم حمامة بسيارته من غير قصد، فهل عليه شيء؟الجواب: ليس عليه شيء، ما دام أنه صدمها غير قاصد.
    إسقاط الدين عن المدين الفقير واعتباره من الزكاة
    السؤال: شخص له دين على آخر، وهذا الآخر يسدد بانتظام، وباقي جزء من الدين، وطلب من عليه الدين أن يسامحه، هل صاحب الدين يسامحه ويعتبرها زكاة، مع أنه يستحق الزكاة؟الجواب: المسامحة طيبة، لكن لا يجوز اعتبارها من الزكاة؛ لأن هذا معناه: أن الإنسان يستوفي حقوقه من الناس بواسطة إخراج الزكاة، يعني: ما يدفع الزكاة للفقراء، لكن يستوفي بها الديون، فإذا كان الشخص مثلاً معسراً يقول: والله بدلاً من أعطاء الزكاة للفقراء، أخصمها من الدين الذي عليه، ويصير معناه أنني استوفيت، وأسقطت عنه الدين، فهذا العمل لا يجوز، وإنما إن كان فقيراً فليعطه من الزكاة؛ لأنه معسر ما استطاع أن يوفيه، فهو يستحق أن يعطى من الزكاة؛ حتى يأكل، ويستفيد هو وأهله، وأما كون الإنسان يعتبر زكاته يخصمها من دين شخص على اعتبار أن هذا فقير، وأنني بدل ما تبقى ذمته مشغولة أنا أسقط عنه فهذا غير صحيح.


  6. #266
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (263)


    - تابع باب وقت الجمعة - باب أذان الجمعة

    من عظم شأن الصلاة ومكانتها في الإسلام أن الله جعل لكل صلاة وقتاً محدداً، ومن ذلك صلاة الجمعة التي وقتها عند زوال الشمس، وقد كان للجمعة أذان واحد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كانت خلافة عثمان جعل للجمعة أذانين وإقامة، لما رأى من كثرة الناس.
    تابع وقت الجمعة
    شرح حديث: (يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن الجلاح مولى عبد العزيز : أن أبا سلمة بن عبد الرحمن ، حدثه عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا آتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر)].فيقول النسائي رحمه الله، في الترجمة التي تحتها هذا الحديث، والحديث الذي قبله: وقت الجمعة، وقد مر حديث أبي هريرة الذي فيه ذكر الساعات: (من راح في الساعة الأولى، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة).
    وذكر الساعات فيه: إشارة إلى الوقت، وأنه يكون عند منتصف النهار، إما بعد الزوال، وإما قبل الزوال، وقد اختلف العلماء في وقت صلاة الجمعة، فمنهم من قال: إنه لا يكون إلا بعد الزوال، الخطبة، والصلاة، ومنهم من قال: إنه يكون قبل الزوال، وبعده، فيجوز أن تكون الخطبة، والصلاة قبل الزوال، وقول ثالث قال: إن الخطبة تكون قبل الزوال، والصلاة تكون بعد الزوال، وقد جاء فيه بعض الأحاديث والآثار الدالة على جواز ذلك قبل الزوال.
    وحديث أبي هريرة المتقدم فيه ذكر الساعات الخمس، وبعدها تحضر الملائكة لسماع الذكر الذي هو الخطبة، ويحتمل أن يكون ذلك بعد الزوال، وأن يكون قبله.
    والحديث الثاني الذي معنا وهو حديث جابر بن عبد الله ، يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (الجمعة اثنتا عشرة ساعة) يقول في هذا الحديث: (لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه، فالتمسوها في آخر ساعة بعد العصر) واللفظ كما يظهر ليس مستقيماً من حيث أنه فيه سقط، وقد جاء في السنن الكبرى.. والحديث بإسناده ومتنه في السنن الكبرى إلا أن فيه في بعض النسخ بعد قوله: (اثنتا عشرة ساعة): [(فيها ساعة لا يوجد فيها عبد يسأل الله شيئاً إلا أعطاه، فالتمسوها في آخر ساعة)]. يعني: في ساعة الإجابة، فيكون الضمير في (التمسوها) إلى هذا الذي هو محذوف، والذي جاء في بعض الروايات؛ لأن الحديث بهذا اللفظ مرجع الضمير ليس واضحاً، الذي هو (فالتمسوها)، (الجمعة اثنتا عشرة ساعة، لا يوجد فيها عبد يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، فالتمسوها في آخر ساعة بعد العصر)، فالتمسوها، أي: الإجابة، أي: ساعة الإجابة بعد العصر، وعلى هذا فاللفظ الذي في بعض نسخ السنن الكبرى للنسائي بهذه الزيادة التي هي فيها ساعة، هي مرجع الضمير في قوله: (فالتمسوها)، يعني لا يوجد فيها، أي: الساعة، وليس المقصود من ذلك الاثنتا عشرة ساعة، بدليل أنه قال: (فالتمسوها في آخر ساعة بعد العصر) والمقصود من ذلك ساعة الإجابة.
    وساعة الإجابة فيها أقوال عديدة ذكرها العلماء في تعيينها، وأقربها ما جاء في هذا الحديث، من أنها في آخر ساعة بعد العصر، وجاء في صحيح مسلم حديث ليس بثابت أنها تكون عندما يصعد الإمام للخطبة، ولكن الحديث غير ثابت، وأقرب شيء وأرجى شيء لهذه الساعة، هو هذا الوقت الذي جاء ذكره في هذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أرجى ساعة لساعة الإجابة يطلبها الإنسان في ذلك الوقت، هو آخر ساعة بعد العصر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة ...)
    قوله: [ أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو ].عمرو بن سواد مصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [ وأما الحارث بن مسكين ].
    هو المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
    ثم قوله: [ قراءة عليه وأنا أسمع ].
    أي: أنه أخذه عن الحارث بن مسكين قراءة عليه، وهو يسمع، أي أن غيره يقرأ وهو يسمع، وكثيراً ما يذكر النسائي عن الحارث بن مسكين هذه العبارة، وأنه كان يأخذ عنه سماعاً، يعني قراءة عليه، وهو يسمع، يسمع قراءة القارئ عليه، وهذا الذي يسمونه العرض، وهو أن التلميذ يعرض مسموع الشيخ على الشيخ فيقره على ذلك، ويقرأ عليه أصله أو فرعاً مقابلاً عليه، وإذا أدى فيقول: قراءة عليه، أو يقول: أخبرني قراءة عليه، أو أنبأني قراءة عليه، أو حدثني قراءة عليه، لكن الغالب أن يقول: قرئ عليه، وأنا أسمع، أو أخبرنا قراءة عليه، وأنا أسمع، يعني كما هنا؛ لأنه قال: أخبرنا ثم عطف، وهذا يسمى العرض، وهي الدرجة الثانية من درجات التحمل، وأعلى منها السماع، وهو كون الشيخ يملي، أو يحدث من حديثه بلفظه، والتلاميذ يسمعون فيكتبون من إملائه، أو من قراءته عليهم وهم يسمعون، ويليها درجة العرض التي يعبر عنها بحدثنا، وأخبرنا، وغالباً ما يعبر عنها بأخبرنا بدون قراءة عليه، يعني فيما يتعلق بالقراءة الشيخ يقول: أخبرنا، ويكفي في هذا، يقول: أخبرنا، وأيضاً يقال: أخبرنا قراءة عليه، أو قرئ عليه وأنا أسمع، أو قرأت على فلان.. وهكذا.
    ثم قال: [واللفظ له]، أي: للحارث بن مسكين ، يعني: هذا اللفظ موجود لشيخه الثاني الحارث بن مسكين ، وليس لشيخه الأول الذي هو عمرو بن سواد .
    [ عن ابن وهب ].
    هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمرو بن الحارث ].
    هو عمرو بن الحارث المصري أيضاً، وهو ثقة، فقيه، حافظ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الجلاح ].
    هو: أيضاً مصري، وهو: مولى بني أمية مولى الأمويين، وهنا قال: مولى عبد العزيز ، وهو من بني أمية، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [ أن أبا سلمة بن عبد الرحمن حدثه ].
    هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو تابعي، ثقة، وهو من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن السابع منهم فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، فالسابع منهم اختلف فيه على ثلاثة أقوال، وأبو سلمة هذا أحدهم على أحد الأقوال الثلاثة في السابع.
    [ عن جابر ].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري ، صحابي ابن صحابي، وهو من المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع.
    شرح حديث جابر بن عبد الله: (كنا نصلي مع رسول الله الجمعة ... قلت: أية ساعة؟ قال: زوال الشمس)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرني هارون بن عبد الله حدثني يحيى بن آدم حدثنا حسن بن عياش حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم نرجع فنريح نواضحنا، قلت: أية ساعة؟ قال: زوال الشمس)].أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وفيه: أنه قال: [(كنا نصلي مع الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم نرجح، ونريح نواضحنا)]، يعني: من العمل. [(قلت: أي ساعة؟ قال: زوال الشمس)]. يعني: الصلاة التي يصلون فيها زوال الشمس، فهذا فيه بيان وقت الجمعة، وأنها تكون في ذلك الوقت، وقد ذكرت أن الأقوال للعلماء فيها ثلاثة: الخطبة والصلاة بعد الزوال، الخطبة والصلاة قبل الزوال، وكذلك أيضاً تكون بعد الزوال، والخطبة قبل الزوال، والجمعة بعد الزوال.
    قوله: [(كنا نصلي مع رسول الله عليه الصلاة والسلام الجمعة ثم نرجع فنريح نواضحنا)] النواضح هي الإبل التي يسقون عليها، يعني: يخرجون الماء من الآبار بواسطتها، يقال لها: نواضح.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر بن عبد الله: (كنا نصلي مع رسول الله الجمعة ... قلت: أية ساعة؟ قال: زوال الشمس)
    قوله: [ أخبرني هارون بن عبد الله ].هو هارون بن عبد الله البغدادي الحمال ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ حدثني يحيى بن آدم ].
    هو يحيى بن آدم الكوفي ، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مصنف، ومن مصنفاته: كتاب الخراج، وهو مطبوع.
    [حدثنا الحسن بن عياش ].
    صدوق، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [ حدثنا جعفر بن محمد ].
    هو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، إمام من أئمة أهل السنة، وهو من أئمة أهل البيت، وأهل السنة يعرفون لأهل البيت منازلهم، وينزلونهم المنازل التي يستحقونها، فهم يثنون عليهم، ويحترمونهم، ويروون أحاديثهم، ولا يغلون، ولا يجفون، وإنما يتوسطون، فهو إمام من أئمة أهل السنة، يروون أحاديثه في كتبهم، ويعولون عليه في ذلك، بخلاف الرافضة فإنهم يصفون الأئمة الاثني عشر بأوصاف لا تجوز إلا لله من مثل قولهم كما هو موجود في كتاب الكافي، وهو من أشهر كتبهم، وأصح كتبهم، يذكرون أحاديث ينسبونها إلى بعض أئمة أهل البيت، وهي كذب وزور عليهم، وهم برآء منها، أن الأئمة يعلمون ما كان، وما سيكون، وأنهم يعلمون متى سيموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، ومنها: أنه ليس شيء من الحق إلا ما كان من عند الأئمة، وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، ومنها: أن الأئمة عندهم الكتب المنزلة على المرسلين كلهم، وأنهم يعرفونها بلغاتها، ومنها: الحديث الذي في الكافي الذي ينسب إلى أحد الأئمة الاثني عشر، ولعله الحسين رضي الله تعالى عنه، أنه قال: (الناس ثلاثة: عالم، ومتعلم، وغثاء، فنحن العالمون، وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء) فهذا من أحاديث الكافي الذي يعادل صحيح البخاري عند أهل السنة.
    فالحاصل: أن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إمام من أئمة أهل السنة، وهو من أئمة أهل البيت، وأهل السنة يعرفون قدر أهل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويرعون فيهم وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام في أهل بيته، ولا يجفون، ولا يغلون، وإنما يتوسطون، وخير الأمور الوسط، والحق وسط بين الإفراط، والتفريط، فليسوا مفرطين ولا مفرطين، ولا جافين، ولا غالين، وإنما هم متوسطون معتدلون على الجادة، ينزلون كلاً منزلته التي يستحقها، ومن كان من أئمة أهل البيت، ومن أهل الإيمان منهم، والعلم والصلاح، فإنهم يحبونه لتقواه وإيمانه بالله، ويحبونه لقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويحبونه لإيمانه، وتقواه، ولكونه من أهل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    وجعفر بن محمد، صدوق، فقيه، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    وبعض الرافضة يعيبون على البخاري كثيراً كونه ما أخرج له في الصحيح، ويذمونه لذلك، وهم يذمون جميع أهل السنة، لكن كونه ما خرج له في الصحيح، يذمونه لذلك، وأذكر في بيت من الأبيات أنشدها بعض الرافضة يمدح بها جعفر رحمة الله عليه، ويذم البخاري ، ويقول فيها:
    قلامة من ظفر إبهامه تعدل من مثل البخاري مائة
    يعني: قلامة من ظفر إبهام جعفر الصادق تعدل مائة من مثل البخاري ، فكما قلت: يتكلمون أو يعيبون البخاري لكونه ما خرج له في الصحيح.
    وأما أبوه محمد بن علي الملقب الباقر ، فهو إمام من أئمة أهل السنة، وهو إمام من أئمة أهل البيت، ويحب لإيمانه، وتقواه، ولقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر بن عبد الله].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم ذكر جابر ، والإمام مسلم رحمه الله يروي في صحيحه بهذه السلسلة أحاديث، منها حديث جابر الطويل في حجة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنها بهذا الإسناد الذي هو جعفر عن أبيه محمد عن جابر بن عبد الله ، الذي فيه صفة حجة الرسول عليه الصلاة والسلام مطولة، حديث طويل جداً وصف فيه جابر رضي الله عنه، صفة حجة الرسول عليه الصلاة والسلام.
    وكان في إسناد الحديث أنه جاءه نفر، ودخلوا عليه في منزله، فسألهم عن أسمائهم واحداً واحداً، وأخبروه بأنهم يريدون أن يحدثهم من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، فطلب محمد بن علي بن الحسين وقربه إليه، وجعل يده على صدره، وجعل يحدثهم بهذا الحديث الطويل الذي هو حديث حجة الرسول صلى الله عليه وسلم.
    و جابر رضي الله عنه، كما ذكرت هو أحد السبعة المكثرين من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين هم أكثر من غيرهم رواية للحديث عنه صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (كنا نصلي مع رسول الله ثم نرجع وليس للحيطان فيء يستظل به)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا شعيب بن يوسف حدثنا عبد الرحمن عن يعلى بن الحارث سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع ، يحدث عن أبيه، قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم نرجع وليس للحيطان فيء يستظل به)].أورد النسائي حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أنه قال: (كنا نصلي مع الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم نرجع وليس للحيطان فيء يستظل به) ليس للحيطان، أي: الجدران، ظل يستظل به، وهذا يدل على التبكير بالجمعة، وبصلاة الجمعة، يرجعون من الصلاة وقد فرغ منها، وليس للحيطان ظل يستظل به.
    والعلماء اختلفوا في النفي في هذا الحديث، فمنهم من قال: إنه يرجع إلى القيد والمقيد، وعلى هذا قالوا: إن هذا يستدل به على أن الصلاة، والخطبة كلها تكون قبل الزوال، إذا كان النفي يرجع للقيد، والمقيد الذي هو أصل الظل، يعني ما هناك ظل أصلاً، ومنهم من قال: إن النفي يرجع إلى القيد دون المقيد، يعني معناه: فيه ظل، ولكنه لا يصل إلى أن يستظل به، بأن يمشي أحد في ظلاله، وعلى هذا يكون معناه أن الخطبة تكون قبل الزوال، وعلى هذا إذا كان ليس هناك ظل يستظل به، وهم قد رجعوا، معناه أن هناك شيء من أعمال الصلاة التي هي الخطبة، موجودة قبل الزوال، ويحتمل أن يكون بعد الزوال، لكن الأقرب أن يكون شيء من ذلك قبل الزوال؛ ثم يوجد ظل، ولكنه لا يستظل به، وهذا معناه أنه قليل جداً لكن لا يصل إلى أن الإنسان يمشي تحته فيستفيد منه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كنا نصلي مع رسول الله ثم نرجع وليس للحيطان فيء يستظل به)
    قوله : [ أخبرنا شعيب بن يوسف ].هو النسائي ، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده، وهو من بلد النسائي.
    [ حدثنا عبد الرحمن ].
    هو ابن مهدي البصري ، وهو ثقة، ثبت، عارف بالرجال، والعلل، وهو من المتكلمين في الرجال جرحاً، وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يعلى بن الحارث ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ سمعت إياس بن سلمة ].
    هو إياس بن سلمة بن الأكوع ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ يحدث عن سلمة بن عمرو بن الأكوع ].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الأذان للجمعة
    شرح حديث السائب بن يزيد: (أن الأذان كان أول حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأذان للجمعة.أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني السائب بن يزيد : (أن الأذان كان أول حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ، فلما كان في خلافة عثمان وكثر الناس، أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الأذان للجمعة، أورد فيه النسائي حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه، أنه قال: أن الأذان كان أول في زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأبي بكر، وعمر ، أنه إذا جلس على المنبر حصل الأذان الأول، معناه فيه أذانان هو الأذان، والإقامة، يعني الإقامة يقال لها: الأذان، فالأذان الأول بالنسبة للإقامة هو هذا الذي يكون عند صعود الإمام على المنبر، وجلوسه عليه، يؤذن المؤذن، وإذا فرغ من الأذان بدأ بالخطبة، فكان الأمر في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام وعهد أبي بكر، وعمر ، أن الأذان الأول يكون عندما يكون النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه على المنبر، والأذان الثاني هو الإقامة، والإقامة يقال لها: أذان، وقد سبق أن مر بنا ذكر الحديث: (بين كل أذانين صلاة) أي: الأذان، والإقامة، المراد بالأذانين: الأذان، والإقامة، وكذلك حديث الصحابي الذي قال: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، قال: قلت: كم بين الأذان، والسحور؟ قال: قدر خمسين آية) المراد بالأذان: الإقامة، يعني السحور الذي هو الإمساك الذي يكون عند الأذان الثاني؛ لأنهم يتوقفون عند الأذان الثاني عن الأكل، عند الأذان الثاني بالنسبة للأول الذي يكون قبل طلوع الفجر، فهو انتهاء السحور فالأول بالنسبة للإقامة، والثاني بالنسبة للأذان الأول الذي يكون في الليل.
    قال قلت: (كم كان بين الأذان والسحور)؟ معلوم أن الأذان المقصود به الإقامة هنا؛ لأن المسافة بين الإقامة، وبين الأذان قدر قراءة خمسين آية، فالإقامة يقال لها: أذان، كما جاء في هذه الأحاديث، وهنا أيضاً أطلق عليها أذان؛ لأنه قال: الأذان الأول، والأذان الثاني هو الإقامة، ثم الأذان الثالث الذي أتى به عثمان، والذي يكون قبل ذلك الوقت حتى يتهيأ الناس للجمعة، ولهذا قال: الأذان الثالث، يعني مع الأذان، والإقامة، مع الأذان الذي عند الخطبة عند صعود الخطيب على المنبر، الإمام على المنبر، والثاني الذي هو الإقامة، والثالث الذي جاء قبل ذلك في الوقت الذي أتى به عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    وعثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أتى بهذا الأذان لما كثر الناس، وكان هذا على الزوراء، وهي دار في السوق، وذلك حتى يتهيأ الناس للجمعة، ويغلقوا حوانيتهم ليستعدوا للجمعة، ويتهيئوا؛ لأنهم لو بقوا على هذا الوضع، واستمروا إلى الأذان الثاني تفوتهم الخطبة، لكن عثمان رضي الله عنه وأرضاه، أتى بهذا الأذان، وفيه هذه الفائدة، وثبت الأمر على ذلك، لكنه ليس متصلاً بالأذان الثاني، أو قريباً منه جداً؛ لأنه ما تحصل الفائدة من وراء ذلك، وإنما يكون قبله بفترة ووقت كاف حتى يتهيأ الناس، ويستعدوا، كما هو موجود في بعض البلاد مثل نجد، وغيرها يؤذنون قبل دخول الخطيب بساعة كاملة أو قريباً منها.
    النسائي عقد الترجمة للأذان، بين ما كان عليه الأذان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر، وعمر، وأنه أذانان، الأذان الذي على المنبر، والإقامة، ثم عثمان رضي الله عنه، أتى بالأذان الثالث، ولعل من الأسباب التي جعلت عثمان بن عفان رضي الله عنه، يأتي بهذا الأذان: القصة التي حصلت له في زمن عمر ، وهو أنه كان منشغلاً في شيء، وعندما سمع الأذان الذي على المنبر، توضأ وأسرع وجاء إلى المسجد، وخاطبه عمر، وهو يخطب، فقال: أي ساعة هذه؟ فلما كان زمن خلافته أتى بأذان ينبه الناس إلى أن يستعدوا للصلاة، لما كثروا، واحتاجوا إلى التنبيه، أتى بهذا الأذان، وهو الخليفة الراشد، هذا الأذان الذي أتى به داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور).
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن الأذان كان أول حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة...)
    قوله: [ أخبرنا محمد بن سلمة ].هو محمد بن سلمة بن عبد الجبار المرادي المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم ، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [ حدثنا ابن وهب ].
    هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد تقدم.
    [ عن يونس ].
    هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن شهاب ].
    هو محمد بن مسلم بن عبد الله بن عبيد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب ، وهو ثقة، إمام، جليل، محدث، فقيه، وهو من صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرني السائب بن يزيد ].
    السائب بن يزيد ، هو صحابي صغير، له أحاديث قليلة، وقد حج به مع رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو ابن سبع سنين، وهو من صغار الصحابة، ومعلوم أن حجة الوداع توفي بعدها الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر تقريباً، ومعنى هذا أن عُمْر السائب بن يزيد حين وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سبع سنين، وهذا يدلنا على أن الراوي يتحمل في حال صغره، ويؤدي في حال كبره؛ لأن هذا يخبر عن الذي كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا يحتمل أن يكون من مراسيل الصحابة، لكن جاء عن بعض الصحابة، وهو في مثل سنه التصريح بالسماع، مثل النعمان بن بشير ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وعمره ثمان سنوات، وقد جاء أحاديث يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، ومنها حديث: (الحلال بين، والحرام بين) الحديث مشهور، يقول النعمان بن بشير : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، فتحمل في حال صغره، وأدى في حال كبره، والتحمل في حال الصغر، والأداء في حال الكبر سائغ، وكذلك التحمل في حال الكفر، والأداء في حال الإسلام أيضاً سائغ، وهو معروف، ومشهور عند المحدثين.
    والسائب بن يزيد رضي الله تعالى عنه، كان عمره سبع سنوات عند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم تقريباً، وقد حج به وعمره سبع سنوات، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث السائب بن يزيد: (إنما أمر بالتأذين الثالث عثمان حين كثر أهل المدينة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب: أن السائب بن يزيد أخبره، قال: (إنما أمر بالتأذين الثالث عثمان حين كثر أهل المدينة، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير مؤذن واحد، وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام)].أورد النسائي حديث السائب بن يزيد من طريق أخرى، وهو بمعنى الذي قبله.
    قوله: [(ليس فيه إلا مؤذن واحد)]، لا ينفي أن يكون له مؤذن آخر كما هو معلوم، وإنما المقصود غالباً، أي مؤذن واحد هو بلال ، وليس معنى ذلك أنه ليس هناك من يؤذن في بعض الأحيان غيره، لكن بلال هو الذي يؤذن غالباً.
    والحديث هو بمعنى الذي قبله، من جهة أن الأذان كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر عندما يرقى الإمام على المنبر، وأن التأذين الثالث أتى به عثمان لما كثر أهل المدينة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إنما أمر بالتأذين الثالث عثمان حين كثر أهل المدينة ...)
    قوله: [ أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله ].هو: محمد بن يحيى بن عبد الله الزهري النيسابوري ، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ حدثنا يعقوب ].
    هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا أبي ].
    هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [ عن صالح بن كيسان ].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد ].
    وقد مر ذكرهما.
    شرح حديث السائب بن يزيد: (كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله على المنبر يوم الجمعة..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر عن أبيه، عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: (كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة، فإذا نزل أقام، ثم كان كذلك في زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما)].أورد النسائي حديث السائب بن يزيد ، وهو بمعنى الذي قبله، إلا أنه ليس فيه زيادة الأذان الثالث، ليس فيه ذكر الأذان الثالث، وإنما فيه ذكر الأذان إذا كان على المنبر، ثم إذا انتهت الخطبة أقام، فهذان أذانان، وكان الأمر على ذلك في زمن أبي بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهما، والروايتان السابقتان فيهما أن عثمان زاد الأذان الثالث.
    تراجم إسناد: (كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله على المنبر يوم الجمعة)
    قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].محمد بن عبد الأعلى، هو البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
    [ حدثنا المعتمر ].
    هو ابن سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة، أخرج حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبيه ].
    سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ويقال: إنه ليس تيميماً، نزل فيهم فنسب إليهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزهري عن السائب ].
    وقد مر ذكرهما.
    الأسئلة
    الأحكام المتعلقة بمن رضع من امرأة رضعتين
    السؤال: فضيلة الشيخ، رجل يقول: إن ولدي الكبير رضعت معه ابنة أختي مرتين، هل أخوات هذه البنت يحللن لأولادي الآخرين أم لا؟الجواب: إذا كان رضع مرتين فقط فهو لا يؤثر، ولا يحرم، لا يحرم إلا الخمس الرضعات فأكثر، وأما الرضعتان، والثلاث، والأربع، فهذه لا تحرم، فإذا كان الأمر كذلك أنها ما رضعت إلا مرتين.. لكن ينبغي أن يعلم أن المرة الواحدة هي كون الصبي يلتقم الثدي، ثم يطلقه، فيمكن أن تكون الخمس رضعات في مجلس واحد، إذا مسك الثدي ثم رضع وأطلقه، ثم عاد، ومسكه ثم أطلقه، وهكذا، فهذه إذا حصلت ولو في مجلس واحد، يحصل به التحريم، لكن إن كان صاحب السؤال يريد بالمرتين أنه ما التقم الثدي إلا مرتين، فإنها لا تحرم، وأما إذا كان في مجلسين، والمجلس الواحد فيه عدة رضعات، يلتقم الثدي ثم يطلقه، ثم يلتقمه ويطلقه، وهو في مجلس واحد، فإن التحريم يحصل بذلك.
    وهذه البنت التي رضعت هي صارت أختاً لجميع أولاد الأم المرضعة، وكذلك أختاً لجميع أولاد زوجها صاحب اللبن، أولاده من زوجات متعددات أخرى غير المرضعة، وأما أخوات تلك الراضعة، فإنه لا دخل لهن بهذا الرضاع، فإن لأولاد هذا الرجل أن يتزوجوا من أخواتها؛ لأنهن ما رضعن، ولأن تلك الرضيعة هي التي صارت أختاً لأولاد المرأة، وأولاد الرجل، وأما أخواتها اللاتي ما رضعن، فأولئك لا علاقة لهن بهذا الرضاع.
    وقت سجود السهو إذا كان في الصلاة زيادة
    السؤال: فضيلة الشيخ، إذا سها الإمام في الركعة الرابعة وقام إلى الخامسة، ثم سبح القوم، وجلس، هل يكون سجود السهو قبل السلام أو بعد السلام؟الجواب: إذا كان قام، وسبحوا به، وجلس، فإنه يسجد بعد السلام؛ لأن فيه زيادة.



  7. #267
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (264)


    - (باب الصلاة يوم الجمعة لمن جاء وقد خرج الإمام) إلى (باب الصلاة يوم الجمعة لمن جاء والإمام يخطب)

    جعل الله تعالى لعباده أوقاتاً يجتمعون فيها للذكر والموعظة ومنها يوم الجمعة، ولأهمية الخطبة حرم الكلام وتخطي الرقاب والانشغال بأي شيء عنها، فمن جاء والإمام قد خرج للخطبة أو كان يخطب بالناس فليصل ركعتين خفيفتين ليدرك الخطبة، وعلى الإمام أن يخطب قائماً؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الصلاة يوم الجمعة لمن جاء وقد خرج الإمام
    شرح حديث: (إذا جاء أحدكم وقد خرج الإمام فليصل ركعتين...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة يوم الجمعة لمن جاء وقد خرج الإمام.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار سمعت جابر بن عبد الله يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء أحدكم وقد خرج الإمام فليصل ركعتين. قال شعبة: يوم الجمعة)].
    يقول النسائي رحمه الله في هذه الترجمة: باب الصلاة يوم الجمعة إذا خرج الإمام، والمقصود من هذه الترجمة: أن الإنسان إذا دخل وقد خرج الإمام، وصعد على المنبر، فإن الداخل لا يجلس، وإنما يصلي ركعتين قبل أن يجلس، سواءً كان الإمام قد دخل وهو على المنبر، ولم يبدأ بالخطبة، أو كان دخل، والإمام يخطب، فإن عليه أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، وأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام كانوا إذا دخلوا المسجد يوم الجمعة، يصلون ما أمكنهم أن يصلوا، ثم يجلسون، ولا يقومون إلا للصلاة، والذي كان موجوداً لا يقوم عندما يدخل الإمام، ويصعد على المنبر يتنفل، وإنما الذي يتنفل هو الذي يدخل بعد دخول الإمام، فإنه لا يجلس إلا وقد صلى ركعتين، أما من جاء قبل ذلك، فإنه يصلي ما أراد أن يصلي، ثم يجلس، ولا يقوم إلا للصلاة.
    وهذا يدلنا على مشروعية الصلاة يوم الجمعة بعدما يدخل الإمام، أن الداخل يصلي ركعتين، ولا يزيد على الركعتين؛ لأن قوله: [(فليصل ركعتين)]، التي هي تحية المسجد، لكن لا يزيد عليها؛ لأن الزيادة عليها فيه انشغال عن الإقبال على الخطبة، والاستماع إليها، لكن تحية المسجد تتأدى بصلاة ركعتين دون أن يزيد عليها بعدما يكون الإمام قد خرج حتى يكون مستعداً لسماع الخطبة، ومتهيئاً لمتابعة الإمام، ومتابعة الخطيب في خطبته.
    ثم إن لفظ الحديث: (إذا دخل أحدكم وقد خرج الإمام فليصل ركعتين)، هذا لفظ الحديث، شعبة أحد رواة الإسناد أراد أن يوضح، أو أتى بكلمة توضح المقصود فقال: يوم الجمعة، وهو معلوم، ومفهوم أن خروج الإمام، وصلاة ركعتين هو في صلاة الجمعة، أما إذا كان في الصلوات الأخرى، فالإمام إذا خرج أقيمت الصلاة، وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة كما جاء ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    فقوله: يوم الجمعة، هذه زيادة من شعبة أراد بها توضيح الوقت، وأنه يوم الجمعة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا جاء أحدكم وقد خرج الإمام فليصل ركعتين...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، إمام، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا من أعلى صيغ التعديل، وأرفع صيغ التعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن دينار].
    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ سمعت جابر بن عبد الله].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن جابر وعن أبيه، فهو صحابي ابن صحابي، وأبوه استشهد يوم أحد رضي الله تعالى عنه، وجابر بن عبد الله الأنصاري أحد السبعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء السبعة هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    مقام الإمام في الخطبة
    شرح حديث: (كان رسول الله إذا خطب استند إلى جذع نخلة...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [مقام الإمام في الخطبة.أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود أخبرنا ابن وهب أخبرنا ابن جريج: أن أبا الزبير حدثه: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلما صنع المنبر واستوى عليه، اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكتت)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مقام الإمام في الخطبة، أي: المكان الذي يكون عليه الإمام، وذلك أنه كان يكون على جذع مستنداً إليه، وذلك قبل أن يصنع المنبر ويوضع له، ثم إنه بعدما صنع تحول إليه، وأما الجذع الذي كان يقوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ويستند عليه، فجعل يحن، ويسمع الناس صوته، أي: صوت حنينه لما فقد وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، فنزل عليه الصلاة والسلام، فاعتنقه فسكت ذلك الجذع الذي كان يحن لما تحول عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
    وهذا يدلنا على أن المخلوقات الجامدة، يخلق الله عز وجل فيها ما يخلق من ذكره، وعبادته، وكذلك ما حصل لهذا الجذع من الحنين من أجل فقده لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ثم إن حنين الجذع، وحصول ذلك منه؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم تحول عنه فهذه من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى جعل هذا الجذع -الذي هو جذع نخلة- يحصل منه هذا الحنين لفراق النبي عليه الصلاة والسلام، ولكونه تحول عنه النبي صلى الله عليه وسلم إلى غيره.
    ثم إن حصول هذا البكاء، والحنين منه وقع حقيقة، وسُمع صوته وهو يبكي، ويحن؛ لكون النبي عليه الصلاة والسلام تحول عنه، وهو يدل على كمال قدرة الله عز وجل، والله تعالى على كل شيء قدير.
    وهذه مما جاءت به الأخبار، ويجب الإيمان بها، والتصديق، فهي من أمور الغيب التي نؤمن بها، ونصدق بها، ونعتقد أن ما جاء في الحديث حق، وأنه وقع على الحقيقة، والله عز وجل على كل شيء قدير.
    ومثل هذا -الذي حصل من هذا الجذع- أيضاً ما جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن حجراً بمكة أعرفه كان يسلم عليّ)، أي: إذا مررت عليه يسلم علي، ويقول: السلام عليك يا محمد! حجر من الحجارة أنطقه الله عز وجل، وجعل يتكلم بهذا الكلام؛ الذي هو السلام على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وهذا يدلنا على أنه إذا أنطق الله عز وجل شيئاً من المخلوقات بالكلام، فإن الكيفية التي يكون بها الإنطاق نحن لا نعقلها، ولا نعرفها، ولكن نؤمن، ونصدق بأنه وجد الكلام من ذلك المخلوق الذي هو حجارة، وذلك الحنين الذي هو من جذوع النخل، ووجد الكلام ووجد الحنين من غير أن نعرف هذه الكيفية.
    ومن المعلوم أن أهل السنة والجماعة يثبتون أن الله عز وجل يتكلم بصوت، وأنه يسمع، وكلام الله عز وجل مسموع، ولكن الكيفية لا نعقلها، كيفية كلام الله عز وجل نحن لا نعقلها، بعض المتكلمين الذين أعرضوا عن دلالة نصوص الكتاب والسنة، وعما كان عليه سلف هذه الأمة، فإنهم يقولون: إن الكلام الذي يُسمع لا يثبت لله عز وجل، قالوا: لأننا لو أثبتناه للزم أن نثبت الأمور التي نعقلها، والتي يحصل بها الكلام، وهم يقولون: لا نعقل كلاماً إلا بالهيئة التي نعرفها، وهي أن يكون هناك لسان، ولهات، وشفتان، ومخارج حروف، وحنجرة وما إلى ذلك، فلو أثبتنا الكلام لله عز وجل للزم أن نثبت هذه الأشياء، ويكون الله عز وجل مشابهاً لخلقه، هذا كلام غير صحيح، يجب إثبات الكلام، وأن الله تعالى يتكلم بصوت يسمع، ولكن لا يلزم أن يكون مثلما هو معلوم للناس من كيفية كلام الإنسان، إذا كان هذا حجر حصل منه الكلام، ونطق بالكلام، ولكن ما عرف كيفية كلامه، ولم يعرف بأنه بلسان، وحنجرة ،ولهات، ما حصل بهذه الطريقة، حجر تكلم ليس له لسان، ولا لهات، ولا مخارج حروف، وإنما الله تعالى أنطقه، وإذا كان هذا مخلوق نطق بالكلام وليس بالهيئة التي يقولها المتكلمون، والتي لا يعقلون كلاماً إلا بهذه الكيفية المعروفة في كلام الإنسان، هذا يبين لنا فساد ما يقولونه، وأن ما جاء عن الله يجب إثباته له، لكن على وجه يليق بكماله وجلاله، وحصول هذا الكلام بغير الطريقة المعقولة للناس والمعروفة للناس، يدلنا دلالة واضحة على أنه لا يلزم أن يكون الكلام لا يحصل إلا بهذه الطريقة، فهذا مخلوق من مخلوقات الله تكلم، وليس بالطريقة المعروفة التي فيها لسان، ولهات، ومخارج حروف، والله عز وجل يوم القيامة يختم على الأفواه فتنطق الأيدي، والأرجل، والجلود بما كان يعمله الإنسان، أنطقها الله عز وجل الذي أنطق كل شيء، لكن ليس بالطريقة المعهودة، ولا يلزم أن يكون الكلام بما هو معلوم في كلام الإنسان، فإن صفات الباري تليق بجلاله، وكماله، وصفات المخلوق تليق بضعفه، وافتقاره، ولا يلزم من إثبات الصفة لله عز وجل أن يكون فيها مشابهاً لخلقه.
    الحاصل: أن ما حصل في هذا الحديث من حنين الجذع، والحديث الآخر من سلام الحجر على النبي عليه الصلاة والسلام، أن الله تعالى أنطق ذلك الحجر، وجعل هذا الجذع يحن، ولم يكن هذا الحنين، وذلك الكلام، وفقاً لما هو معلوم للإنسان بكيفية كلامه وتكلمه، والله تعالى على كل شيء قدير.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا خطب استند إلى جذع نخلة...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد].هو المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [أخبرنا ابن وهب].
    هو عبد الله المصري وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، ثبت، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أن أبا الزبير حدثه].
    هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ أنه سمع جابر بن عبد الله].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    قيام الإمام في الخطبة
    شرح حديث كعب بن عجرة في قيام الإمام في الخطبة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قيام الإمام في الخطبة.أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن كعب بن عجرة قال: (دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعداً، فقال: انظروا إلى هذا يخطب قاعداً، وقد قال الله عز وجل: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا )[الجمعة:11])].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: قيام الإمام في الخطبة، يعني: وهو يخطب يكون قائماً لا يكون جالساً، هذه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد كان عليه الصلاة والسلام يخطب قائماً، وأنزل الله تعالى عليه هذه الآية التي أخبر عنه أنه كان قائماً وهو يخطب، وهي قول الله عز وجل: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا )[الجمعة:11]، يعني: تركوك قائماً تخطب، ففيه: الدلالة على ما ترجم له المصنف، وهو أن الخطيب يكون قائماً حال الخطبة، لا يكون جالساً، فالخطبة تكون عن قيام، ولا تكون عن جلوس، هذه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، دل عليها فعله، ودل عليها أيضاً ما جاء في القرآن من الإخبار عن فعله، وما كان يفعله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو كونه يخطب قائماً عليه الصلاة والسلام.
    فأورد النسائي حديث كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد دخل المسجد، وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب جالساً، فقال: (انظروا إلى هذا يخطب جالساً، وقد قال الله عز وجل: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا )[الجمعة:11])، يعني: ترك السنة، وترك الهيئة والفعل الذي ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وذكره الله تعالى في كتابه حاكياً فعله صلى الله عليه وسلم، وهو كونه يخطب قائماً، فدل هذا على كون الخطيب عندما يخطب، يخطب عن قيام، ولا يخطب من جلوس، بل السنة أن يكون قائماً، لكن لو حصل اضطرار إلى جلوسه، وكونه اضطر إلى ذلك، لا بأس بذلك، من أجل الضرورة، أما من غير ضرورة، فإن السنة أن يكون قائماً ولا يكون جالساً.
    تراجم رجال إسناد حديث كعب بن عجرة في قيام الإمام في الخطبة
    قوله: [أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم].هو أحمد بن عبد الله بن الحكم البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [ حدثنا محمد بن جعفر].
    ولقبه غندر، وهو: محمد بن جعفر البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وقد مر ذكره قريباً، وأنه وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمرو بن مرة].
    هو عمرو بن مرة المرادي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عبيدة].
    هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وقيل: إن كنيته هي اسمه وليس له اسم غير أبي عبيدة، فهي اسمه، وهي على صيغة الكنية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن كعب بن عجرة].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الفضل في الدنو من الإمام
    شرح حديث: (من غسل واغتسل وابتكر...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الفضل في الدنو من الإمام.أخبرنا محمود بن خالد حدثني عمر بن عبد الواحد سمعت يحيى بن الحارث يحدث عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس الثقفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل واغتسل، وابتكر، وغدا ودنا من الإمام وأنصت، ثم لم يلغ، كان له بكل خطوة كأجر سنة صيامها، وقيامها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: فضل الدنو من الإمام، وأورد فيها حديث أوس بن أوس الثقفي رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(من غسل واغتسل، وابتكر ودنا، وأنصت ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها)]، والحديث سبق أن مر في الاستدلال على فضل الاغتسال، وكذلك في موضع آخر، وهنا أورده من أجل: (ودنا) التي جاءت في الحديث: [(ودنا من الإمام)]، والدنو من الإمام فيه فوائد وهي: كون الإنسان يحصل أوائل الصفوف، والأمر الثاني: كونه يتمكن من سماع الخطبة، واستيعاب ما يقوله الإمام، والتمكن من تلقيه، وفهمه، وإدراكه.
    والخطبة إنما شرعت ليستفيد الناس منها، فدنو الإنسان من الإمام يجعله متمكناً من استيعاب ما يقوله الإمام، وما يأتي على لسان الإمام في خطبته التي يخطب فيها الناس، فيكون الإنسان مستفيداً من الخطبة حيث سمعها، وتمكن من سماعها؛ لدنوه من الإمام، وقربه منه.
    والحديث سبق أن مر في فرض الاغتسال، وكذلك في غيره، وهنا جاء من أجل ما اشتمل عليه من لفظ الدنو.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من غسل واغتسل وابتكر ...)
    قوله: [أخبرنا محمود بن خالد].هو محمود بن خالد الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثني عمر بن عبد الواحد].
    هو الدمشقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [سمعت يحيى بن الحارث].
    هو يحيى بن الحارث الشامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [ يحدث عن أبي الأشعث الصنعاني].
    هو شراحيل بن آده، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أوس بن أوس الثقفي].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي سكن الشام، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.
    النهي عن تخطي رقاب الناس والإمام على المنبر يوم الجمعة
    شرح حديث: (جاء رجل يتخطى رقاب الناس...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن تخطي رقاب الناس والإمام على المنبر يوم الجمعة.أخبرنا وهب بن بيان حدثنا ابن وهب سمعت معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن عبد الله بن بسر قال: كنت جالسا إلى جانبه يوم الجمعة، فقال: (جاء رجل يتخطى رقاب الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي اجلس فقد آذيت)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النهي عن تخطي رقاب الناس والإمام على المنبر يوم الجمعة. تخطي رقاب الناس، وكون الإنسان يأتي ويقفز من صف إلى صف، ويتجاوز أعناق الناس، بأن يتقدم، ثم يتخطى رقابهم، فيحصل في ذلك الإيذاء لهم، وقد جاء النهي في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث، الذي هو حديث عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنه.
    وقول أبي الزاهرية: (كنت جالساً إلى جنبه)، أي: جانب عبد الله بن بسر، فقال: [(إن رجلاً دخل يتخطى رقاب الناس والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال له: اجلس فقد آذيت)]، يعني: اجلس حيث ينتهي بك المجلس، ولا تتخطى الرقاب فقد آذيت الناس بتخطيك لرقابهم، وإنما على الإنسان إذا جاء متأخراً أن يصل الصفوف، ويتقدم إلى الصفوف، ولكنه لا يتخطى الرقاب، اللهم إلا أن يكون هناك فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي، فإن على المؤمنين أن يتقدموا إليها، وأن يغلقوها بحيث لا يبقى مجال لأحد أن يتقدم من أجله، من أجل الفُرج التي أمام الناس، وإنما يتقدمون، وكل صف يملى، ولا ينشأ الصف الذي بعده إلا إذا امتلأ الذي قبله، فلا ينشأ الصف الثاني إلا وقد امتلأ الصف الأول، ولا ينشأ الصف الثالث إلا وقد امتلأ الصف الثاني.. وهكذا، فلا يكون هناك فُرج تبقى بين الصفوف، وإنما الناس يتقدمون، ويسدون الفرج، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لهذا الرجل: [(اجلس فقد آذيت)]، وهذا يدلنا على أن تخطي رقاب الناس غير سائغ، إلا إذا كان هناك أمر يقتضيه، كأن يكون هو الإمام وسيذهب إلى مكانه، أو يرى فرجة لا يصل إليها إلا به، فإنه في هذه الحالة له التخطي، أما إذا كان من غير أمر يقتضيه، فليس للإنسان أن يتخطى رقاب الناس.
    ثم إن فيه: وصف التخطي بأنه أذى، ومن المعلوم أنه لا يسوغ لمسلم أن يؤذي مسلماً، وفيه أيضاً ما يدل على أن الإمام له أن يكلم من شاء من المأمومين، وكذلك المأمومون لهم أن يكلموا الإمام، فالكلام في وقت الخطبة لا يجوز إلا من الإمام أو من يكلمه الإمام، والنبي عليه الصلاة والسلام خاطب هذا الرجل وقال: (اجلس فقد آذيت)، قطع خطبته وقال: (اجلس فقد آذيت)، فهذا يدلنا على جواز كون الإمام يتكلم مع بعض المأمومين، وعكسه؛ وهو كون بعض المأمومين يكلم الإمام، وسيأتي في الحديث الذي بعد هذا ما يدل عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (جاء رجل يتخطى رقاب الناس...)
    قوله: [أخبرنا وهب بن بيان].ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا ابن وهب].
    هو المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد تقدم.
    [سمعت معاوية بن صالح].
    هو معاوية بن صالح بن حدير، وهو صدوق، له أوهام، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي الزاهرية].
    واسمه حدير، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وهو مشهور بكنيته أبو الزاهرية، واسمه حدير.
    [عن عبد الله بن بسر].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، وهو آخر من مات من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بالشام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الصلاة يوم الجمعة لمن جاء والإمام يخطب
    شرح حديث: (جاء رجل والنبي على المنبر يوم الجمعة فقال له: أركعت ركعتين...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة يوم الجمعة لمن جاء والإمام يخطب.أخبرنا إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد واللفظ له، قالا: حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: (جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة، فقال له: أركعت ركعتين؟ قال: لا، قال: فاركع)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الصلاة يوم الجمعة لمن جاء والإمام يخطب، يعني: أنه لا يجلس إلا وقد صلى ركعتين، وقد أورد النسائي فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، أن رجلاً دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: فاركع)، أي: صل ركعتين، أي: اركعهما، وهذا يدلنا على مشروعية الصلاة، أي: صلاة تحية المسجد إذا دخل الإنسان والإمام يخطب، فإنه لا يجلس إلا بعد أن يصلي ركعتين.
    وفيه أيضاً: دليل على جواز الكلام من الإمام، أو من يكلمه الإمام؛ لأن الحديث فيه كلام الإمام، وكلام غيره معه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب مأموماً من المأمومين وقال: (أركعت؟) يعني: صليتَ تحية المسجد؟ قال: لا، قال: (فاركع)، ففيه: مخاطبة الإمام لغيره، وإجابة غيره له، أو مخاطبة غيره له، يعني: كونه يخاطب الإمام، فيجوز للإمام أن يكلم المأمومين، ويجوز للمأمومين أن يكلموا الإمام وهو يخطب يوم الجمعة، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنها ما دل عليه هذا الحديث الذي معنا.
    تراجم رجال إسناد حديث: (جاء رجل والنبي على المنبر يوم الجمعة فقال له: أركعت ركعتين...)
    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن].هو إبراهيم بن الحسن المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [ويوسف بن سعيد].
    هو يوسف بن سعيد المصيصي، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.
    [واللفظ له].
    أي: للشيخ الثاني الذي هو يوسف بن سعيد.
    [حدثنا حجاج].
    هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، ثبت، يرسل، ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره قريباً.
    [ أخبرني عمرو بن دينار].
    هو المكي، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [ أنه سمع جابر بن عبد الله].
    وقد مر ذكره.
    الأسئلة
    الفرق بين الترجمتين في الصلاة يوم الجمعة لمن جاء وقد خرج الإمام أو جاء والإمام يخطب
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما الفرق بين هذه الترجمة، والترجمة السابقة: باب الصلاة يوم الجمعة لمن جاء وقد خرج الإمام؟الجواب: الذي يبدو كما هو واضح أن الفرق بينهما: أن خروج الإمام كما هو معلوم يعني: كونه خرج، وجلس على المنبر، لا يمنع من الإتيان بالركعتين، وخروج الإمام أوسع، وأعم من كون الإمام يخطب، يعني: ترجمة خروج الإمام أوسع من الترجمة الثانية التي هي كون الإمام يخطب؛ لأنها تشمل ما بين الخطبتين، وتشمل كونه جاء وقعد على المنبر.
    الجمع بين أحاديث آخر أهل الجنة دخولاً
    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً فيها، وهو الرجل الذي يخرج يزحف على يديه، ورجليه، وورد في حديث آخر الحثيات من حثيات الله عز وجل، وهم عتقاء الرحمن الذين يخرجون من النار برحمته، فهل هؤلاء هم آخر أهل الجنة دخولاً، أو ذلك الرجل المذكور في الحديث؟الجواب: الله تعالى أعلم، لكن ظاهر الحديث نص أن ذلك الشخص هو آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وخروجاً من النار، هو هذا الذي نص عليه، وأما أولئك فيمكن والله تعالى أعلم أنهم قبله يكونون.
    حكم زواج المرأة الثيب من غير ولي
    السؤال: هل للمرأة الثيب أن تتزوج بغير ولي، خاصة أن الرجل من الأجانب، وهو شيخ أو كذا، وهذا النكاح هل يجوز أو لا؟الجواب: لا نكاح إلا بولي، سواءً كانت بكراً، أو ثيباً، لا بد من الولي في النكاح، وسواءً كانت المزوجة بكراً أو كانت ثيباً.
    مدى صحة اعتقاد أن فتح كم الثوب من السنة
    السؤال: هل فتح كم الثوب من سنته صلى الله عليه وسلم أو لا؟ وما رأيكم فيمن يقول: إنه من عادته، وجبلته، ولم يفعله صحابته الكرام؟الجواب: الأزارير هي: توضع من أجل أن يزر بها، وهي لا توضع للزينة، وإنما توضع لضربها القميص وجيب القميص، والذي جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث بحديث وكان أزراره محلولاً، يعني: في تلك اللحظة التي حصل فيها كون الصحابي سمع الحديث، كان الأزرار محلولاً، ولكن لا يعني هذا أن يكون محلول الأزرار دائماً وأبداً، وإنما هي حالة نادرة، لكن كون هذه عادته دائماً، لا يدل عليه هذا اللفظ، وإلا لماذا توضع الأزارير؟ وما هي الحكمة من وضع الأزرار؟ وهل هو للزينة؟ أبداً، لا يتزين بالأزرار، وإنما الأزرار ليزر به القميص، فكونه حصل في حالة معينة، والصحابي الذي سمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعتها شاهد النبي صلى الله عليه وسلم محلول الأزرار، هذا يدل على أنها حالة طارئة، وأنها ليست عادته صلى الله عليه وسلم.
    حكم لبس الحديد في الخاتم والساعة
    السؤال: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله، هل يجوز لبس الحديد، والخواتم، والساعات مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي فيه ذكر لبس الذهب: (هذا شر، هذا حلية أهل النار)، وهل لا توجد شبهة في لبسه؟الجواب: التختم بالحديد لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه حلة أهل النار)، لكن كون الإنسان يستعمل الساعة وفيها حديد ما في بأس، هو ما لبس حديداً، وإنما لبس ساعة مشتملة على حديد.
    بيان معنى الدنو من الإمام وقت الخطبة خاصة في المسجد النبوي لبعد المنبر
    السؤال: فضيلة الشيخ! في المسجد النبوي لم يحصل الدنو من الإمام في الصفوف الأولى؛ لبعد المنبر عن الصف الأول؟الجواب: الصفوف الأول الذي يكون فيها هو دان من الإمام، وقريب من الإمام، ما هو معناه دنوه من الإمام أن يكون تحت المنبر، يعني وإنما يكون قريباً منه بحيث أنه يسمع صوته، ومن المعلوم أن الآن بواسطة مكبرات الصوت والكل يسمع الصوت، لكن لو انقطعت الكهرباء، فإن الذين يكونون قريباً من الإمام يسمعونه، ومن المعلوم أن الصف الأول هو قريب من الإمام، وفي المسجد النبوي هو قريب من الإمام في الصفوف الأول التي أمامه.
    نبذة عن ثلاثيات البخاري في صحيحه
    السؤال: فضيلة الشيخ! لو تذكر لنا نبذة عن ثلاثيات البخاري وطرقها؟الجواب: ثلاثيات البخاري ما أتذكر طرقها، لكن عددها اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً بالتكرار، وهي ستة عشر بدون تكرار، وبين البخاري، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ثلاثة أشخاص، أما طرقها ما أتذكرها، لكن من شيوخه فيها أبو عاصم النبيل، ومكي بن إبراهيم.
    معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة)
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة)؟الجواب: معنى هذا أن من كان في المدينة، وما يشبهها، وما يسامتها، يعني: يكون عن مكة شمالاً، فإنه إذا اجتهد في القبلة، ثم تبين أنه انحرف عنها يسيراً، ولكنه ما صلى، وهو بين الشرق والغرب فهي قبلة؛ لأن إصابة عين الكعبة إنما يكون من يكون عندها أو الذي يستقبل رأسها، أما من يكون عندها فهو يستقبل جهتها، وما بين المشرق والمغرب قبلة، يعني: الأمر في ذلك واسع، ومعناه: لو أن إنساناً صلى ثم تبين له أنه انحرف شيئاً يسيراً عن جهة القبلة فما يؤثر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ما بين المشرق والمغرب قبلة)، فهذا في حق من يكون شمالاً، وكذلك من يكون جنوباً، فما بين المشرق والمغرب قبلة له، ومن يكون في الغرب فما بين الجنوب والشمال له قبلة، ومن يكون في الشرق فما بين الجنوب، والشمال قبلة له كذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا في حق أهل المدينة الذين قبلتهم بين الشرق والغرب إلى جهة الجنوب.
    حكم الزيادة على أربع ركعات قبل العصر
    السؤال: هل يجوز الزيادة على أربع قبل العصر، مثل ثمان ركعات؟الجواب: الإنسان إذا دخل وأراد أن يصلي ما شاء فله ذلك، والذي جاء في الحديث: (رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً).
    شرح حديث: (اللهم اجعل في قلبي نوراً)
    السؤال: فضيلة الشيخ! لو تشرحوا لنا حديث: (اللهم اجعل في قلبي نوراً)؟الجواب: كما هو معلوم هذا دعاء يسأل الإنسان ربه أن يجعل في أعضائه نوراً؛ التي هي قلبه، وسمعه، وبصره، ويمينه، وأمامه، وعن شماله وخلفه كما جاء في الحديث، والحديث سبق أن مر بنا، وهو واضح في لفظه وفي معناه؛ لأنه كما هو معلوم المقصود بذلك، النور المعنوي، وهو أن يكون موفق في عبادته وفي سلوكه إلى الله عز وجل، بحيث يكون على نور، وعلى هدى، وعلى بصيرة، وعلى صراط مستقيم؛ لأن هذا هو النور الحقيقي، يعني نور الهدى، ونور العلم، ونور البصيرة في الدين، ونور كون الإنسان يعبد الله على صراط مستقيم، هذا هو المقصود بهذا الدعاء: (اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وأمامي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً..) إلى آخر الحديث.
    المقصود بالطبقات في علم المصطلح
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما المراد بالطبقات في علم المصطلح؟الجواب: الطبقة هم جماعة اشتركوا في السن ولقيا المشايخ، يعني: جماعة تقاربوا في السن ولقاء المشايخ، هؤلاء يقال لهم: طبقة، يعني: موجودين في وقت واحد يأخذون عن شيوخ شيوخهم.


  8. #268
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (265)

    - (باب الإنصات للخطبة يوم الجمعة) إلى (باب كيفية الخطبة)
    مما ينبغي مراعاته يوم الجمعة الإنصات للخطبة، ومن لم ينصت فلا جمعة له؛ لذلك فقد بين الشرع فضل الإنصات وما يحصل له من الأجر والفضل، وبين كيفية خطبة الحاجة، ويدخل في ذلك خطبة الجمعة.
    الإنصات للخطبة يوم الجمعة
    شرح حديث: (من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت فقد لغا)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإنصات للخطبة يوم الجمعة.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت؛ فقد لغا)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب الإنصات والإمام يخطب يوم الجمعة. وأورد النسائي فيه حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت؛ فقد لغا]، وهذا مطابق لما ترجم له المصنف من جهة أن الإنصات مطلوب، بل متعين، وذلك أنه مطلوب من الإنسان أن يقبل على الخطبة، وأن يتأملها، وأن يستفيد من هذه الخطبة؛ لأن شأنها عظيم.
    ومن شروط الجمعة: أن يتقدمها خطبتان، والخطبتان مطلوب من المصلي أن ينصت فيهما، وأن يقبل على الخطبة، وأن يستوعبها، وأن يستفيد من هذه الخطبة.
    وفيه: التحذير من التكلم بأي كلمة والإمام يخطب، فلا يخاطب غيره من الناس، ولا يتحدث مع أحد، بل لو حصل من صاحبه، أو ممن هو حوله شيء من الكلام، أو الحديث لا يتكلم معه ويقول له: أنصت، وإنما عليه أن يمسك عن ذلك، ويكون مقبلاً على خطبته، وهذا بخلاف الخطيب؛ فإنه يجوز أن يكلم الناس، وأن يكلمه الناس، وأن يتكلم هو مع الناس، وقد مر بنا بعض الأحاديث الدالة على هذا؛ مثل قصة الرجل الذي قال: (دخل والنبي عليه الصلاة والسلام يخطب، فقال له: أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فاركع)، فحصل الكلام من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، ومن ذلك الشخص الذي هو أحد الحاضرين، فالكلام مع الإمام، ومن المأمومين مع الخطيب ومن الخطيب لا بأس به، وأما الكلام من الناس بعضهم مع بعض فإن ذلك لا يسوغ ولا يجوز، وفيه هذا التحذير والترهيب، وأن من حصل منه ذلك فقد لغا.
    وقد جاء في بعض الروايات: (ومن لغا فلا جمعة له)، ومعنى هذا: أنه يفوته أجر الجمعة، وأجر فضيلة الجمعة، وإن كان حصل منه أداء الفرض، ولا يقال: إنه يعيد الصلاة، أو أن صلاته ليست بصحيحة، أو أنه ما أدى الصلاة المكتوبة، بل يقال: أدى الصلاة، ولكن فاته فضيلة الجمعة، وثوابها العظيم، وأجرها الجزيل الذي جاء بيانه في أحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    ثم الحديث فيه شيئان: التحذير من اللغو في يوم الجمعة والإمام يخطب، فإذا كان في غير يوم الجمعة فليس لها قيم خطبة الجمعة، ولا يقال: إن من حصل منه الكلام في غير خطبة الجمعة أنه مثل الجمعة، بل يختلف الأمر.
    وفيه: أن الأمر مقيد بكون الإمام يخطب، فلو كان بين الخطبتين، أو كان قبل أن يبدأ بالخطبة، فإن ذلك لا يُمنع منه، ولا يمنع الكلام، وإنما الكلام في حال خطبة الإمام، والمقصود من ذلك الإنصات، والإقبال على الخطبة، وكون الإنسان يستوعبها، ويستفيد منها؛ لأن شأن خطبة الجمعة عظيم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت فقد لغا)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا الليث].
    هو ابن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، إمام، مشهور، وهو فقيه مصر ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عقيل].
    هو عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي المصري، واسمه عُقيل بالتصغير، واسم جده عَقيل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وعَقيل، وعُقيل مثل هذا يعتبر من المؤتلف، والمختلف، وهو ما تتفق الألفاظ من حيث الكتابة، ولكنها تختلف من حيث النطق؛ لأن عَقيل وعُقيل لفظها واحد من حيث الرسم والكتابة، لكن الفرق بينها بالشكل، الحروف هي الحروف، والفرق بينها بالشكل: عَقيل، وعُقيل، فاسمه مصغر عُقيل، واسم جده عَقيل بفتح العين، وكسر القاف. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مشهور من صغار التابعين، كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، في زمن خلافته بجمع السنة، وقال فيه السيوطي في الألفية:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
    وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    ثقة، فقيه، من ثقات التابعين، ومن فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو محدث، فقيه، وإمام، مشهور، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة؛ وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير بن العوام، وسليمان بن يسار، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السابعة، والسابع منهم فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وقد عرف سبعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة الحديث عنه، وأكثر هؤلاء السبعة أبو هريرة؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع، فهؤلاء السبعة اشتهروا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر هؤلاء السبعة أبو هريرة رضي الله تعالى عنه.
    شرح حديث: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة ...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد حدثني أبي عن جدي حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ وعن سعيد بن المسيب: أنهما حدثاه: أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة، والإمام يخطب؛ فقد لغوت)].هنا أورد النسائي هذا الحديث من طريق أخرى، وهو بمعنى الذي قبله، يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: [إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت؛ فقد لغوت]، وهو بمعنى الذي قبله، وفيه تحذير من الكلام حال الخطبة يوم الجمعة، ولو كان الأمر بمثل هذه الكلمة التي هي كلمة (أنصت) فيما إذا كان سمع أحد يتكلم، فإنه لا يلتفت إليه، ولا يقول له: أنصت؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام بين أن هذا لغو، ففيه تحذير من هذا العمل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة ...) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث].ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وهو مصري.
    [ حدثني أبي ].
    هو شعيب بن الليث، وهو ثقة، نبيل، فقيه، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، يعني الذين خرجوا له هم الذين خرجوا لابنه عبد الملك، فـ عبد الملك وأبوه كل منهما خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن جدي].
    هو الليث بن سعد، وهو ثقة، ثبت، فقيه، إمام، مشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الإسناد من رواية الأبناء عن الآباء عن الأجداد؛ ففيها الراوي يروي عن أبيه، وأبوه يروي عن جده، وقد يكون الجد هو جد الراوي نفسه كما هنا، فإن عبد الملك يروي عن شعيب، وشعيب يروي عن الليث، والليث هو جد عبد الملك، وقد يكون الجد هو جد الأب، مثل رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فإن الصحيح فيها أن الجد هو جد شعيب، وهو جد عمرو، ولكنه ليس جده المباشر؛ لأنه عمرو بن شعيب بن محمد بن عمرو، فالرواية يعني: رواية الابن عن الأب، والأب عن جده، أي: جد الأب وليس جد الابن، فهذه من رواية الأبناء عن الآباء، وقد تكون الابن يروي عن أبيه، والأب يروي عن أبيه، مثلما هنا، وقد يكون رواية ابن عن أب عن جد، ولكن الجد ليس هو الجد المباشر، وإنما هو جد الأب، مثل رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
    [عن عُقيل].
    قد مر ذكره قريباً.
    [عن الزهري].
    قد مر ذكره.
    [عن عمر بن عبد العزيز].
    هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي الخليفة، يعد من الخلفاء الراشدين، وهو مشهور بفضله، وزهده، وورعه، وأيضاً هو محدث، وفقيه، يأتي ذكره في مسائل الفقه، يقال: قال فيها عمر بن عبد العزيز، ويأتي ذكره في الأسانيد يقال: حدثني عمر بن عبد العزيز كما هنا، وقد ألف بعض العلماء مؤلفاً في مسند عمر بن عبد العزيز، يعني الأحاديث التي يرويها عمر بن عبد العزيز أُلف فيها جزء يقال له: مسند عمر بن عبد العزيز.
    وهذا الرجل الذي اشتهر بالعلم فقهاً، وحديثاً، وتولى الخلافة سنتين ونصف، وكان فيها على سيرة حسنة، وعلى طريقة سليمة، ومشهور بالعدل، والفضل، والنبل، وعُمره لما توفي أربعون سنة، وهو ليس من المعمرين، فعمره قصير، ولكن مع ذلك بلغ ما بلغ من العلم، والفضل، وولي الخلافة، وصار مشهوراً بفضله، وفي عدله، وفي قيامه بالخلافة على وجه مرضي، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ].
    يقال فيه أيضاً: إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، يعني: بالقلب، وقال الحافظ ابن حجر: منهم من اعتبرهما اثنين، يعني: إبراهيم بن عبد الله بن قارظ شخص، وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ شخص، وإنما هو شخص واحد، الاسم فيه تقديم وتأخير، فيقال: عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، ويقال: إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، وهو صدوق، خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، كما ورد في تهذيب الكمال، وهو المعتمد.
    [ وسعيد بن المسيب].
    قد مر ذكره قريباً.
    [ أن أبا هريرة].
    قد مر ذكره قريباً.
    فضل الإنصات وترك اللغو يوم الجمعة

    شرح حديث: (ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر... وينصت حتى يقضي صلاته إلا كان كفارة لما قبله من الجمعة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فضل الإنصات وترك اللغو يوم الجمعة.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن منصور عن أبي معشر زياد بن كليب عن إبراهيم عن علقمة عن القرثع الضبي -وكان من القراء الأولين- عن سلمان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر، ثم يخرج من بيته حتى يأتي الجمعة، وينصت حتى يقضي صلاته؛ إلا كان كفارة لما قبله من الجمعة)].
    أورد النسائي باب فضل الإنصات وترك اللغو يوم الجمعة، يعني: والإمام يخطب، وأورد فيه حديث سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر ]، يعني: إما أن يتوضأ، ويتم وضوءه، وهذا هو الأمر الذي لا بد منه، أو مع ذلك يغتسل، وهو إما واجب أو مستحب على خلاف بين العلماء في ذلك، والذي ينبغي للإنسان المحافظة عليه، ولكنه إذا تركه -أي: الغسل- لا يأثم، فقوله: [كما أمر]، إما يحتمل أن يكون المراد به الوضوء الذي لا بد منه، أو يراد به الوضوء مع الغسل الذي هو مندوب متأكد، أو واجب على خلاف بين العلماء في ذلك.
    وقوله: [إلا كان كفارة لما قبله من الجمعة]، يعني: من هذه الجمعة إلى الجمعة التي قبلها، يكفِّر هذا العمل الذي عمله، وقد جاء في حديث آخر: (الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر)، والمقصود بذلك تكفير الصغائر، وأما الكبائر فإنها تحتاج إلى توبة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث: (ما اجتنبت الكبائر)، فيكون ذلك كفارة للصغائر، والحسنات تذهب السيئات، والسيئات التي تذهبها الحسنات هي الصغائر، وأما الكبائر فإنها تذهبها التوبة النصوح الصادقة التي تجب ما قبلها، وتقضي على ما قبلها، وكأن الإنسان لم يحصل منه ذنب بعد أن يتوب توبة نصوحاً تجُب ما قبلها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر... وينصت حتى يقضي صلاته إلا كان كفارة لما قبله من الجمعة)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، إمام، مجتهد، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو مشهور بالفقه كما أنه مشهور في الحديث، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، والنسائي يروي عن شيوخ عدة كل منهم يقال له: إسحاق بن إبراهيم، ويمكن معرفة الشخص -كما ذكرت من قبل- بالرجوع إلى طرق الحديث، إذا كان له طرق، فقد يكون يسمى في بعض الطرق، فيكون إهماله في بعض الطرق يتبين المراد من الطرق الأخرى التي صار فيها إيضاحه، وبيان نسبته، أو أنه يُنظر في الشيوخ الذين روى عنهم إسحاق بن إبراهيم، وهنا جرير بن عبد الحميد، وفي ترجمة جرير بن عبد الحميد في تهذيب الكمال: ما روى عنه من يسمى إسحاق بن إبراهيم إلا ابن راهويه، فيكون هذه من الطرق التي يميز بها الشخص عن غيره، ويعرف بها، وذلك بمعرفة الشيخ الذي روى عنه، فينظر من روى عنه الذين يسمون بهذا الاسم إسحاق بن إبراهيم، فتبين من تهذيب الكمال أن الذي روى عنه، هو: ابن راهويه ولم يذكر غيره روى عنه ممن يوافقه بهذا الاسم الذي هو: إسحاق بن إبراهيم.
    [ حدثنا جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، صحيح الكتاب، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهناك جرير شخص آخر وهو: جرير بن حازم، وهو فوقه، أقدم منه في الطبقة، وأعلى منه، وذاك الذي هو من طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة هو جرير بن عبد الحميد.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، من طبقة الأعمش، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي معشر زياد بن كليب].
    ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن إبراهيم ].
    هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي اشتهر عنه في مسائل الفقه التعبير عن الحيوانات التي لا دم فيها قوله: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، وقد ذكر ابن القيم في كتاب زاد المعاد أن أول من عرف عنه أنه عبر بهذه العبارة، وقال: ما لا نفس له سائلة؛ هو إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، وقد ذكر ابن القيم في كتاب الروح أن هذه الجملة حديث، قال: وفي الحديث: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه)، هذا في كتاب الروح، وأما في كتاب زاد المعاد فقد قال: إن أول من عرف عنه أنه عبر بهذه العبارة فقال: ما لا نفس له سائلة هو إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، وهذا يبين عدم صحة كون هذا حديث كما ذكره في الروح، ولعل هذا مما يوضح أن كتاب الروح كان متقدماً، وكان فيه أشياء مثل هذا، يعني ليست محققة، كما هو موجود في كتبه المتأخرة التي فيها التحقيق، وفيها التقعيد، فتأليفه كتاب الروح لعله متقدم، ولهذا صار فيه مثل هذا الخطأ، وصار فيه أيضاً أمور أخرى، مثل حكاية المنامات، والإكثار من ذكر المنامات، وما إلى ذلك من ما هو غير معهود في كتب ابن القيم، فهذا يشعر بأنه متقدم، وأن كلمة: (ما لا نفس له سائلة)، التعبير عنها جديد، ولم يكن من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
    [عن علقمة].
    هو علقمة بن قيس بن يزيد النخعي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن القرثع الضبي].
    هو القرثع الضبي الكوفي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن سلمان].
    هو سلمان الفارسي صاحب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وسلمان من فارس، ولكن رفعه الإسلام، ورفع من شأنه الإسلام بصحبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول الشاعر:
    لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
    فقد رفع الإسلام سلمان فارس ووضع الشرك النسيب أبا لهب
    فـ أبو لهب نسبه شريف، وهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لما لم يوفق للإسلام، ولم يكن من أهل الإسلام، ما نفعه نسبه، بل الشرك وضعه، وأما سلمان الفارسي فقد رفعه الإسلام.
    والرسول عليه الصلاة والسلام قبل ذلك يقول: كما في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: (ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه)، يعني: الذي يؤخره عمله عن دخول الجنة، ليس نسبه هو الذي يسرع به إليها، فالعبرة بالأعمال، والعبرة بالتقوى، كما قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )[الحجرات:13].
    كيفية الخطبة

    شرح حديث ابن مسعود: (علمنا خطبة الحاجة: الحمد لله، نستعينه ونستغفره ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيفية الخطبة.أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت أبا إسحاق يحدث عن أبي عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (علمنا خطبة الحاجة: الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم يقرأ ثلاث آيات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا )[الأحزاب:70]). قال أبو عبد الرحمن: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً، ولا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ولا عبد الجبار بن وائل بن حجر].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كيفية الخطبة؛ أي: كيف تكون الخطبة في بدايتها، ومطلعها، وأورد فيها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: [علمنا خطبة الحاجة]؛ يعني: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة، والحاجة فسرت بأنها أي حاجة، يعني: يريد الإنسان أن يجعل بين يديها خطبة، فإن هذه هي الخطبة.
    ومنهم من قال: إن المراد بالحاجة النكاح، فتكون خطبة الحاجة هي خطبة النكاح التي تكون بين يدي عقد النكاح.
    والنسائي أورد هذه الترجمة في أبواب الجمعة للإشارة إلى أنها إما أن تكون الحاجة مطلقاً، ويدخل فيها الجمعة، أو يكون الحديث دال على خطبة الحاجة، ولكن خطبة الجمعة تماثلها وتشبهها، ويبدأ بها كما يبدأ بخطبة الحاجة.
    وخطبة الحاجة جاءت في هذا الحديث وفي غيره من الأحاديث؛ وهي: [الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم يقرأ الثلاث آيات؛ آية من سورة آل عمران وهي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )[آل عمران:102]، ومطلع سورة النساء، والآية في آخر سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا )[الأحزاب:70] ]، يقرأ هذه الثلاث الآيات.
    والحديث من رواية أبي عبيدة عن أبيه، وقد قال النسائي عقب ذلك: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً، وعلى هذا فهو منقطع؛ يعني: مرسل، فروايته عن أبيه مرسلة؛ لأنه لم يسمع منه، لكن الحديث جاء من طرق أخرى عن عبد الله بن مسعود، وعن صحابة آخرين، وهو صحيح بمجموع تلك الطرق، والشيخ الألباني ألف فيه رسالة خاصة جمع فيها طرق الحديث، وما قيل في تلك الطرق، وهي بمجموعها يكون الحديث بها صحيحاً، وأما الحديث من هذه الطريق وحدها فهو لا يصح؛ لأنه منقطع، لكنه بمجموع الطرق الأخرى يكون صحيحاً، وتكون خطبة الحاجة ثابتة بالطرق المختلفة عن عبد الله بن مسعود، وعن غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    والنسائي قال في آخر الحديث: قال أبو عبد الرحمن. كلمة: (قال أبو عبد الرحمن) هذه يحتمل أن تكون هي من النسائي نفسه، يقول عن نفسه: قال أبو عبد الرحمن، فيذكر نفسه بالكنية، ويحتمل أن يكون غيره هو الذي قال: قال أبو عبد الرحمن، لكن الغالب أنه هو الذي قالها، وهذه الطريقة مشهورة عند المغاربة؛ أنه عندما يريد الإنسان أن يتكلم كلاماً يعلق فيه على شيء، أو ينبه فيه على شيء، أو يأتي بكلام من عنده يميزه عن غيره، يقول: قال أبو فلان، وهذا مشهور عند المغاربة كثيراً، وأيضاً يوجد عند المشارقة، مثل: الترمذي كثيراً ما يقول: قال أبو عيسى عندما يريد أن يتكلم على بعض الأحاديث، وكذلك النسائي يقول: قال أبو عبد الرحمن، لكن الغالب على المشارقة أنهم يقولون: قلت، وفيهم من يقول: قال أبو فلان، كما هو موجود في صنيع الترمذي: قال أبو عيسى، وكما هو موجود في صحيح أبي عبد الرحمن النسائي حيث يقول: قال أبو عبد الرحمن.
    ثم إنه لما ذكر هذه الفائدة؛ وهي: أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، أضاف إليها بالمناسبة فائدتين؛ وهي: أن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه أيضاً، وعبد الجبار بن وائل بن حجر لم يسمع من أبيه وائل بن حجر، وقد مر بنا هذا، وأن الصحيح، والأرجح أنه لم يسمع من أبيه، بخلاف أخيه علقمة فإنه سمع من أبيه، فـالنسائي بمناسبة رواية أبي عبيدة عن أبيه، وذكر الفائدة، أضاف إليها أيضاً فائدتين؛ وهي أن عبد الرحمن أيضاً لم يسمع من أبيه الذي هو أخوه، وأيضاً عبد الجبار بن وائل بن حجر.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (علمنا خطبة الحاجة: الحمد لله، نستعينه ونستغفره...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى]. هو العنزي أبو موسى الملقب الزمن، وهو بصري، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ ومحمد بن بشار].
    هو الملقب بندار، وهو بصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وهذان الشيخان محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار شيخان لأصحاب الكتب الستة، وأصحاب الكتب الستة رووا عنهما مباشرة، وبدون واسطة، وكانت وفاتهما سنة اثنتين وخمسين ومائتين قبل وفاة البخاري بأربع سنوات. وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة محمد بن المثنى: وكان هو وبندار كفرسي رهان. يعني مثل فرسي الرهان، يعني: متساويين؛ لأنهم في وقت واحد، وفي بلد واحد، وهم في الغالب متفقون في الشيوخ وفي التلاميذ، فهما كفرسي رهان؛ يعني: متساويان ما أحد يسبق الثاني لتقاربهما.
    [ حدثنا محمد بن جعفر].
    هو غندر، وقد مر ذكره قريباً، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، لقب بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [ سمعت أبا إسحاق].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، والسبيعي جزء من همدان، فيُنسب إلى همدن وإلى سبيع، إلى همدان نسبة عامة وإلى سبيع نسبة خاصة؛ لأن سبيع أخص من همدان؛ لأنهم جزء من همدان، وهو مشهور بالسبيعي، وهو كوفي، ثقة، يرسل، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أبي عبيدة].
    أبو عبيدة هو: ابن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو ابن مسعود الهذلي ، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن علماء الصحابة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وليس من العبادلة الأربعة في الصحابة؛ لأن العبادلة الأربعة هم من صغار الصحابة، وعبد الله بن مسعود من المتقدمين ومن السابقين، ووفاته سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه.
    الأسئلة


    حكم الرواية بعد الاختلاط إن وجد ما يعضدها
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما روي بعد الاختلاط إذا كان له ما يعضده فهل يقبل؟الجواب: نعم، إذا وجد ما يعضده فإن حديث المختلط يعتضد بغيره؛ لأنه هو الإشكال لكونه ما ضبطه، ما ضبطه لأنه اختلط، لكن إذا كان هناك شيء يعضده ويؤيده فإنه يعتضد.
    الجمع بين عدم قبول الشاذ وقبول زيادة الثقة
    السؤال: كيف نجمع بين القول بعدم قبول الشاذ، والقول بأن الزيادة من الثقة مقبولة؟الجواب: الشاذ كما هو معلوم هو المخالفة للثقات في شيء لا يمكن التوفيق بينه وبين غيره، مثل ما جاء في صحيح مسلم في صلاة الكسوف؛ فإن الشمس انكسفت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم، والأحاديث كلها تتحدث عن الكسوف، وصلاة الكسوف يوم مات ابنه إبراهيم، وأكثر الرواة في الصحيحين رووا أن كل ركعة بركوعين، وبعض الثقات في صحيح مسلم روى كل ركعة بثلاث ركوعات، فالثلاث الركوعات هذه شاذة؛ لأن رواية الذين قالوا ركوعين مقدمة على تلك الرواية الشاذة.
    وكذلك أيضاً ما جاء في صحيح مسلم في بعض الروايات حديث السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب، ولا عذاب؛ فإن أكثر الروايات في الصحيحين: (لا يسترقون، ولا يكتوون)، وفي صحيح مسلم في بعض الروايات عن بعض الثقات: (لا يرقون، ولا يكتوون)، فكلمة (يرقون) هذه غير محفوظة شاذة؛ لأن الأحاديث جاءت (يسترقون)، ثم أيضاً فيها نكارة من حيث المتن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رقي ورقى، رقاه جبريل، وهو يرقي غيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر كان يرقي غيره، فكيف يكون وصف هؤلاء أنهم لا يرقون.




  9. #269
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (266)

    - (باب حض الإمام في خطبته على الغسل يوم الجمعة) إلى (باب مخاطبة الإمام رعيته وهو على المنبر)
    من سنة الله عز وجل في خلقه وكونه أن فضل بعض الأيام على بعض، ومن ذلك يوم الجمعة، فقد فضله الله على سائر أيام الأسبوع؛ لاجتماع عدة فضائل فيه، منها أنه اليوم الذي يجتمع فيه المسلمون لاستماع الخطبة، فينبغي لمن حضر الجمعة أن يغتسل، والأمر للاستحباب، ولا يأثم من تركه، ولكن الاهتمام والعناية به أمر مطلوب.
    حض الإمام في خطبته على الغسل يوم الجمعة
    شرح حديث: (إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب حض الإمام في خطبته على الغسل يوم الجمعة.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم عن نافع عن ابن عمر قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب حض الإمام على الغسل في خطبته يوم الجمعة، مقصود الترجمة واضح، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام، كان يحث على الغسل يوم الجمعة، وهو على منبره يخطب، وقد أورد فيه النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل)]، وهذا أمر منه عليه الصلاة والسلام بالاغتسال لمن يذهب إلى الجمعة، وقد مر في الأحاديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)، وعرفنا أنه قد جاءت بعض الأحاديث التي فيها ما يفيد أن هذا للوجوب، أنه مصروف إلى الاستحباب لا يأثم الإنسان إذا تركه، ولكن الاهتمام والعناية به أمر مطلوب، وأنه أمر متأكد.
    وقوله عليه الصلاة والسلام: [(إذا راح أحدكم)]، أي: إذا ذهب؛ لأن (راح) تأتي بمعنى: ذهب في أي وقت، وتأتي في الذهاب في آخر النهار، وغالباً ما يكون الإتيان بها، في تفسير آخر النهار، فإذا قيل: غدا أو راح؛ فإن هذه تفيد السير في آخر النهار، وأما هنا فإن المراد بها الذهاب إلى الجمعة، ومن المعلوم أن التبكير للجمعة يكون في أول النهار، وليس في آخر النهار، فالعشي يبدأ من الزوال، وقد جاء في الحديث في قصة ذي اليدين: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى (إحدى صلاتي العشي)، أي: الظهر والعصر؛ لأنهما يقعان بعد نصف النهار، وما بعد نصف النهار يقال له: العشي، ويقال له: الرواح، أو الذهاب إليه يقال له: الرواح.
    الحاصل: أن كلمة (راح) في الحديث معناها: ذهب، وليس المقصود منها راح بمعنى أنه سار في آخر النهار أو بعد الزوال.
    وكون النبي عليه الصلاة والسلام خطب بذلك على المنبر، هذا يدل على أهمية الاغتسال، وعلى عظم شأنه، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم، حث عليه وهو على المنبر، وفيه بيان السنن على المنابر، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبين سنته في مختلف المجالات على المنابر، وفي المناسبات المختلفة، وقد أدى ما عليه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، على التمام والكمال.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل)
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة، وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري؛ لأنه مات قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، البخاري توفي سنة مائتين وست وخمسين، ومحمد بن بشار، الملقب بندار توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    [حدثنا محمد بن جعفر].
    هو الملقب غندر، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي البصري، وهو ثقة، حجة، ووصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحكم].
    هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، فقيه ،ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو مولى عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو ثقة، ثبت، أخرجه حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو: صحابي جليل، وأبوه صحابي، وهو من العبادلة الأربعة، من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أيضاً من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم يقول السيوطي في الألفية:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    فهؤلاء السبعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، تميزوا على غيرهم بكثرة رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهذا الحديث إسناده: محمد بن بشار عن محمد بن جعفر عن شعبة عن الحكم عن نافع عن ابن عمر، كلهم ممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث ابن عمر في تكلم النبي بغسل يوم الجمعة على المنبر من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن إبراهيم بن نشيط: (أنه سأل ابن شهاب عن الغسل يوم الجمعة؟ فقال: سنة، وقد حدثني به سالم بن عبد الله عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم بها على المنبر)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر من طريق أخرى، وفيه: أن إبراهيم بن نشيط سأل ابن شهاب الزهري عن الغسل يوم الجمعة؟ فقال: سنة، ثم حدث عن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه عبد الله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث به على المنبر.
    وقد حدثني به سالم بن عبد الله عن أبيه، يعني يقول الزهري: حدثني به سالم بن عبد الله، وهو: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من فقهاء التابعين، ومن الفقهاء السبعة في المدينة، في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع؛ لأن السابع منهم فيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وغير السابع متفق عليهم، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير بن العوام، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وعبد الله بن عمر مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    ثم أيضاً الحديث يدلنا على ما كان عليه سلف هذه الأمة، من الحرص على معرفة السنن، وسؤال العلماء عنها؛ فإن إبراهيم بن نشيط، سأل الزهري عن الغسل يوم الجمعة؟ فقال: سنة، والمقصود بالسنة هنا ليس المقصود بها السنة في اصطلاح الفقهاء، وإنما المقصود بها أنها جاءت بها السنة عن رسول الله، أي: أنها ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والسنة في الشرع المراد بها: كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: سنة، فقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من رغب عن سنتي فليس مني)، المراد به: كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة، القرآن والسنة كله سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكله طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام.
    وتطلق السنة ويراد بها ما هو أخص مما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، مما يجب العمل به، وهو يشمل الكتاب والسنة، تطلق على السنة التي تذكر مع الكتاب، مع القرآن، وهي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الوحي الذي أوحاه الله إلى رسوله، مما ليس قرآناً، فإن هذا يقال له: سنة، ويطلق عليه سنة، وإذا قيل في بعض المسائل الفقهية: دل عليها الكتاب والسنة والإجماع، المراد بذلك السنة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، المراد بها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
    فإذاً: السنة تطلق ويراد بها كل ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك قوله: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وتطلق ويراد بها السنة التي هي: شقيقة القرآن، والتي تذكر مع القرآن، والتي يقول فيها الرسول عليه الصلاة والسلام: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وسنتي)، وكذلك قول الفقهاء في المسائل الفقهية: دل عليها الكتاب والسنة والإجماع؛ فإن المراد بالسنة الحديث، فالحديث والسنة يكونان بمعنى واحد، أي: بهذا الاعتبار الذي كونه يراد بها ما أوحاه الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما ليس قرآناً.
    وتطلق في اصطلاح الفقهاء على المندوب والمستحب، أي: المأمور به وليس بواجب، فيقال: مسنون أو يسن، أو يندب أو يستحب، فهي عند الفقهاء بمعنىً واحد، لكن السنة في الشرع، تختلف عن السنة في اصطلاح الفقهاء، وهي: أن السنة في الشرع تشمل: كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كتاباً وسنة، وتشمل على المعنى الثاني، وهي ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، من الوحي الذي ليس قرآن، الوحي الغير المتلو الذي هو سنة الرسول، والذي هو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
    إذاً قول الزهري: سنة، المراد بها أنه جاءت به السنة عن رسول الله، وثبتت به السنة عن رسول الله، وهو من سنة رسول الله التي كما هو معلوم تشمل الواجب، والمستحب، والمحرم، والمكروه، فكل ما جاءت به السنة عن رسول الله يقال له: سنة، (عليكم بسنتي)، أي: خذوا الأوامر، واتركوا المناهي، خذوا الأوامر، سواءً كانت متحتمة، أو غير متحتمة، واتركوا النواهي، سواءً كانت للتحريم، أو لما هو دون التحريم، هذا هو المقصود بالسنة، أي: بخلاف السنة في اصطلاح الفقهاء، فإنها تختلف عن هذا؛ لأن هذا اصطلاح غير الاصطلاح الذي يأتي في الشرع، وفي الكتاب والسنة، وإذا قال الصحابي: من السنة كذا، أي: من ما جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني سواءً كان واجباً أو مندوباً، قال: سنة.
    ثم إنه ساق بإسناده إلى عبد الله بن عمر، وروى من طريق ابنه سالم عن عبد الله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم به على المنبر، أي: بالغسل، وأرشد إليه، وحث عليه، كما تقدم في الحديث الذي قبل هذا: (من راح إلى الجمعة فليغتسل)، يعني: من ذهب إلى الجمعة فليغتسل، أي: من أراد الذهاب إلى الجمعة فليغتسل.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في تكلم النبي بغسل يوم الجمعة على المنبر من طريق ثانية
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو المرادي المصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، هذا محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو من شيوخ النسائي، وفيهم محمد بن سلمة الحراني، وهذا ليس من شيوخ النسائي، بل هو من طبقة شيوخ شيوخه، يروي عنه بواسطة، فإذا جاء محمد بن سلمة، يروي عنه النسائي مباشرة، فالمراد به: المرادي المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة، يروي عنه النسائي بواسطة، فالمراد به الحراني.
    [حدثنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم بن نشيط].
    ثقة، أخرج له البخاري في الأدب، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ما خرج له مسلم، ولا الترمذي، وما خرج له البخاري في الصحيح.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى زهرة بن كلاب، ويلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم في كلاب، وزهرة أخو قصي بن كلاب، فينسب إلى جده الأبعد الذي هو: زهرة، وينسب أيضاً إلى جد جده وهو: شهاب، فيقال له: ابن شهاب، وهو مشهور بهاتين النسبتين، يقال: ابن شهاب، ويقال: الزهري، وهو ثقة، إمام، جليل، ومحدث، فقيه، ومن صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني به سالم].
    هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، فقيه، أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع، وعبد الله بن عمر تقدم.
    شرح حديث ابن عمر: (من جاء منكم الجمعة فليغتسل) من طريق ثالثة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو قائم على المنبر: (من جاء منكم الجمعة فليغتسل). قال أبو عبد الرحمن: ما أعلم أحداً تابع الليث على هذا الإسناد غير ابن جريج، وأصحاب الزهري يقولون: عن سالم بن عبد الله عن أبيه بدل عبد الله بن عبد الله بن عمر].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر من طريق أخرى، وفيه: [(من جاء منكم الجمعة فليغتسل)]، وهو مثل الذي قبله: (إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل)، ويقول النسائي بعد هذا: أنه لا يعلم أحداً تابع الليث بن سعد في روايته عن الزهري إلا ابن جريج، فإنه رواه كما رواه الليث، وذلك أنه من طريق عبد الله بن عبد الله عن أبيه عبد الله، وغير ابن جريج، والليث، لا يذكرون إلا سالم كما مر في الرواية السابقة، يعني: يذكرونه من رواية الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله، ومن المعلوم أن كلاً منهما ثقة، كل من سالم، وعبد الله ابني عبد الله بن عمر ثقة.
    ورواية الليث، وابن جريج ليست معلولة؛ لأن الزهري قد يكون رواه عن هذا وهذا، وكلٌ حدث بما سمع، فما ذكره النسائي ليس فيه علة للحديث؛ لأن الحديث كيفما دار فهو على ثقة، وكل منهما روى عنه الزهري، فيكون الزهري رواه عن هذا وهذا، وكلٌ رواه كما سمعه.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (من جاء منكم الجمعة فليغتسل) من طريق ثالثة
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، ثقة، ثبت، فقيه، إمام، مشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [عن عبد الله بن عبد الله].
    هو عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، اسمه على اسم أبيه، اسمه متفق مع اسم أبيه، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [وعبد الله بن عمر].
    مر ذكره.
    حث الإمام على الصدقة يوم الجمعة في خطبته


    شرح حديث أبي سعيد الخدري: (...وحث الناس على الصدقة فألقوا ثياباً...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب حث الإمام على الصدقة يوم الجمعة في خطبته.أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله سمعت أبا سعيد الخدري يقول: (جاء رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بهيئة بذة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصليت؟ قال: لا. قال: صل ركعتين، وحث الناس على الصدقة، فألقوا ثياباً، فأعطاه منها ثوبين، فلما كانت الجمعة الثانية، جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فحث الناس على الصدقة، قال: فألقى أحد ثوبيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاء هذا يوم الجمعة بهيئة بذة، فأمرت الناس بالصدقة فألقوا ثياباً، فأمرت له منها بثوبين، ثم جاء الآن فأمرت الناس بالصدقة، فألقى أحدهما، فانتهره وقال: خذ ثوبك)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: حث الإمام أو حض الإمام على الصدقة في خطبة الجمعة. أي: ما يحتاج الناس إلى بيانه ومعرفته، ومن ذلك الحث على الصدقة عند الحاجة إلى ذلك، وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: [(أن رجلاً دخل والنبي عليه الصلاة والسلام يخطب يوم الجمعة، وكان عليه هيئة بذة)]، يعني: ثيابه ليست كما ينبغي، وهذا يدل على فقره، وقلة ذات يده، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال له: [(أصليت؟ قال: لا. قال: قم فصل ركعتين)]، وهذا يدلنا على أن الإنسان إذا دخل والإمام يخطب، فإنه يصلي ركعتين ولا يجلس، وأنه لو جلس عليه أن يقوم، يعني: إذا نسي فعليه أن يقوم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر هذا أن يقوم، وأن يصلي ركعتين، وهذا يدلنا على أن تحية المسجد في حال خطبة الجمعة لا تسقط، وأن على الإنسان أن يأتي بها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر هذا الرجل بأن يصلي ركعتين.
    ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام حث على الصدقة في خطبته، (فألقوا ثياباً)، أي: الحاضرون ألقوا ثياباً؛ لأنهم يلبسون ثوبين، وقد مر أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل: (أيصلي الرجل في ثوبين؟ قال: وأيكم يجد ثوبين؟)، يعني: لو كان أنه ما يصلى إلا في ثوبين، من الذي يتمكن أنه يجد ثوبين ويصلي في ثوبين؟! لكن الإنسان يصلي في ثوب واحد، وإن صلى في ثوبين فلا بأس، فكان يكون على الواحد منهم ثوبان، فيلقون عندما يحثهم الرسول على الصدقة، وليس عندهم إلا ثيابهم، فإنهم يلقون بعض ثيابهم التي عليهم، وهذا يدلنا على مبادرتهم إلى الخير، وأنهم عندما يسمعون الحث على الصدقة، ولا يجد الإنسان ما يتصدق به إلا بعض ثيابه، فإنه يلقي بعض ثيابه ويتصدق بها، فهم سباقون إلى الخير رضي الله عنهم وأرضاهم.
    ومثل هذا ما حصل من حث الرسول صلى الله عليه وسلم النساء على الصدقة يوم العيد، وأنهن بادرن إلى ذلك، كن يلقين من خواتمهن وأقراطهن، يعني: يلقين من الشيء الذي عليهن، يبادرن إلى الصدقة، ويتصدقن مما على آذانهن وعلى أصابعهن، فيدلنا على مسارعة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم وأرضاهم إلى الخير وإلى الصدقة، (فأمر النبي عليه الصلاة والسلام له بثوبين).
    ثم إن هذا الرجل دخل في الجمعة الأخرى، والنبي عليه الصلاة والسلام حث على الصدقة، فتصدقوا وألقوا ثياباً، وهذا الذي عليه هذان الثوبان اللذان أعطيهما في الجمعة الماضية لفقره ولحاجته، قام وبادر وألقى واحداً منها، وهذا يدلنا على ما أشرت إليه من قبل، مسارعة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الخير، ولو كانوا قليلي ذات اليد؛ لأن هذا الرجل قليل ذات اليد، ومع ذلك لما سمع الحث على الصدقة في الجمعة القادمة، وقد أعطي ثوبان، خلع ثوباً منهما ووضعه، فقال صلى الله عليه وسلم: (جاء هذا يوم الجمعة بهيئة بذة، فأمرت الناس بالصدقة فألقوا ثيابهم، فأمرت له منها بثوبين، ثم جاء الآن فأمرت الناس بالصدقة، فألقى أحدهما، فانتهره وقال: خذ ثوبك).
    قوله: [(أمرت الناس بالصدقة فألقى أحد ثوبيه فانتهره)]، يعني: رفع صوته وقال: [(خذ ثوبك)]، يعني: أنت أولى به من غيرك، وهذا يدل على أن الإنسان إذا كان محتاج له، فهو أولى به من غيره، لاسيما وهو قد أعطيه من قبل، وهو بحاجة إليه.
    الحاصل: أن الحديث مطابق للترجمة من جهة حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدقة، وذلك في خطبتين من خطب الجمعة، يعني في يومين، حث على الصدقة في الجمعة الأولى، ثم حث على الصدقة في الجمعة الثانية.
    وبعض العلماء قال: إن هذا الرجل الذي أمره أن يقوم يصلي، قالوا: ليس الأمر المقصود به الصلاة، وإنما المقصود أن يراه الناس حتى يتصدقوا، وحتى يرأفوا به، وحتى يرقوا له ويتصدقوا عليه، وهذا ليس بصحيح، فإن المقصود الإتيان بتحية المسجد، ولهذا الرسول سأله قال: [(أصليت؟)]، فلو كان الأمر يتعلق بكونه يراد الرفق والإحسان إليه لما قال له: (قم صل ركعتين)، يعني: يمكن إذا كان صلى والناس ما تنبهوا له، لكنه قال: [(أصليت؟ قال: لا. قال: قم فصل)]، إذاً: القضية قضية كونه مأموراً بأن يصلي، وليس المقصود من كونه يقوم ليراه الناس، ويتصدقوا عليه، والرسول عليه الصلاة والسلام حث على الصدقة، وأعطاه من الصدقة، ما أعطاه الذي تجمع، وأن المقصود بالحث هو وحده، بل هو وغيره.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري: (... وحث الناس على الصدقة فألقوا ثياباً ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله].هو محمد بن عبد الله بن يزيد، وهو ثقة، أخرج النسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا سفيان].
    وهو ابن عيينة، وهنا غير منسوب، لكن كما قلت: من الطرق التي يعرف بها تعيين المهمل أن تنظر الطرق الأخرى، والحديث ممن خرجه ابن ماجه، وفيه قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، نص على تسميته، فهذا من الطرق التي يعرف بها المهمل، إذا عرفت طرق الحديث وتتبعت، قد يكون في بعضها التنصيص على نسبه، فيتبين المراد، ويتبين المقصود.
    وسفيان بن عيينة، ثقة، ثبت، حجة، إمام، وهو مكي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو مدلس، ولكنه معروف أنه لا يدلس إلا عن الثقات، وذكر سفيان غير منسوب يسمى المهمل في علم المصطلح، بخلاف المبهم، المبهم هو الذي لا يسمى الرجل، مثل أن يقال: حدثني رجل، أو حدثني ثقة، هذا مبهم؛ لأنه ما سمي، لكن إذا سمي ولم ينسب قيل له: المهمل، ومعرفة المهمل تكون إما بتتبع طرق الحديث، ويوجد التنصيص على أحد الأشخاص المحتمل أن يكونوا الراوي منهم، أو ينظر بالشيوخ والتلاميذ، ويعرف من يكون له ملازمة، ومن يكون له إكثار في الرواية، فإنه يحمل عليه.
    [عن ابن عجلان].
    هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عياض بن عبد الله].
    هو عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أبا سعيد الخدري].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مشهور بكنيته وبنسبته، فيذكر أحياناً بالنسبة والكنية، وأحياناً بالكنية فقط، فيقال كثيراً: أبو سعيد الخدري، ويقال في بعض الأحيان: أبو سعيد بدون النسبة، واسمه سعد بن مالك بن سنان، وهذا من أنواع علوم الحديث، يعني كون الشخص مشهور بنسبته، أو اسمه وكنيته، فيعرف باسمه، يعني: يحتاج إلى معرفة اسمه، وقد يكون الشخص معروفاً باسمه ليس مشهوراً بالكنية، فيحتاج إلى معرفة الكنية، وهذا من قبيل من اشتهر بالكنية، فيحتاج إلى معرفة اسمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
    مخاطبة الإمام رعيته وهو على المنبر


    شرح حديث جابر بن عبد الله: (... قال: أصليت؟ قال: لا. قال: قم فاركع)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [مخاطبة الإمام رعيته وهو على المنبر.أخبرنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: (بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، إذ جاء رجل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صليت؟ قال: لا. قال: قم فاركع)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مخاطبة الإمام الرعية وهو يخطب يوم الجمعة، أي: كونه يحدثهم، ويتكلم معهم، ويسأل ويجاب، هذا هو المقصود بالترجمة، وأورد النسائي فيه حديث جابر بن عبد الله: [(أن رجلاً دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له: أصليت؟ قال: لا، قال: قم فاركع)]، أي: فصل، أي: تحية المسجد، فالرسول خاطبه، الرسول قال له: [(أصليت؟ قال: لا. قال: اركع)]، ففيه مخاطبة الإمام رعيته وهو يخطب، مخاطبة الخطيب الناس عند الحاجة إلى ذلك؛ لأن المخاطبة حصلت من جهتين؛ لأنه أولاً قال له: أصليت؟ فأجابه قائلاً: لا، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: [(قم فاركع)]، أو اركع، يعني: ففيه مخاطبة الإمام، وهذا يدلنا على: أن كلام الإمام مع الرعية، وكلام أحد الناس أو بعض الناس مع الإمام وهو يخطب، أنه لا بأس به؛ لأنه سبق أن جاء في الحديث: أن رجلاً دخل والرسول يخطب فقال: (يا رسول الله، هلكت الأموال، وحصل كذا وكذا، فادع الله أن يغيثنا)، فتكلم معه وخاطبه، ففيه مخاطبة الخطيب للناس، ومخاطبة بعض الناس للخطيب، وذلك لا بأس به، وليس من قبيل كون الإنسان يتكلم، والرسول أمر بالإنصات، قال: (من لم ينصت فقد لغا)، فإن هذا ليس من هذا القبيل؛ لأن ذاك في الكلام مع الناس، أما الكلام مع الإمام، فقد جاءت به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    فالحديث واضح الدلالة على الترجمة.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر بن عبد الله: (... قال: أصليت؟ قال: لا. قال: قم فاركع)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
    [حدثنا حماد بن زيد].
    هو البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن دينار].
    هو المكي، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر بن عبد الله].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، صحابي ابن صحابي، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
    شرح حديث: (.. إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا أبو موسى إسرائيل بن موسى سمعت الحسن يقول: سمعت أبا بكرة يقول: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن معه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة، ويقول: إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين)].أورد النسائي حديث أبي بكرة رضي الله عنه، وفيه: أنه كان يخطب على المنبر، ومعه الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، فكان ينظر إليه مرة، وإلى الناس مرة، أي: حامله وهو يخطب، فينظر إليه، ثم ينظر إلى الناس، وقال عليه الصلاة والسلام وهو يخاطب الناس: [(إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين)]، فمقصود الترجمة كون النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو يخاطب الناس: [(إن ابني هذا سيد)]، يعني: ففيه مخاطبة الإمام للرعية؛ لأنه كان عليه الصلاة والسلام يخاطبهم بهذا؛ لأن هذا ليس من الخطبة، وليس من موضوع الخطبة، وإنما بالمناسبة، فالحديث دال على الترجمة من هذه الجهة، وهي مخاطبة الإمام للرعية.
    والحديث أيضاً دال على ما كان عليه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، من الشفقة والرحمة بالصغار، فإنه عطف على ابن ابنته الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه، وفيه أيضاً وصفه بأنه سيد، وهذا يدلنا على أن إطلاق مثل هذا اللفظ على الناس، أو على بعض المخلوقين، أنه سائغ، وعلى من يكون أهلاً لذلك، ولا يجوز إطلاقه على من لا يستحقه، مثل ما شاع في هذا الزمان، من إطلاق السيد حتى على الكفار، فضلاً عن الفساق، يطلق على الكفار أنهم سادة، وكثيراً ما نسمع في الإذاعة: السيد فلان، السيد فلان، وهم كفار لا يؤمنون بالله، أو لا يؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام من اليهود، والنصارى، فذلك لا يجوز، وقد جاءت السنة في النهي عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    ثم أيضاً: هذا الحديث يدل على الإخبار عن أمر مغيب، وقد وقع ذلك الأمر المغيب كما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام، قد جاء في بعض الأحاديث: [(وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)]، وهذا إخبار عن أمر لم يقع، وقد وقع كما أخبر عليه الصلاة والسلام، فإنه لما حصل ما حصل بين أهل الشام والعراق، وكان بعدما توفي علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وتولى الأمر من بعده الحسن، تنازل لـمعاوية، فاجتمع المسلمون على معاوية رضي الله تعالى عنه، وكان هذا مما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد وقع كما أخبر، وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، وهو أنه يخبر بالأمر المستقبل، فيقع طبقاً لما أخبر به عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام.
    ثم أيضاً قوله: [(فئتين من المسلمين عظيمتين)]، فيه وصف الفئتين بأنهما مسلمتان، وأنهم مسلمون، وأنه ليس أحد منهم كافراً، بل هم مسلمون، يعني هذه الفئة مسلمة، وهذه الفئة مسلمة، ولهذا كان يقول سفيان بن عيينة رحمة الله عليه: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: [(من المسلمين)]، يعجبنا جداً، أي: لأن فيه إطلاق الإسلام، أو الحكم على الفئتين بأنهما مسلمتان، علي ومن معه، ومعاوية ومن معه، هم مسلمون، وإن حصل بينهم القتال، وإن جرى بينهم ما جرى، فكل منهما اجتهد، والمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد، وكلهم مسلمون، والله تعالى أخبر بقوله: ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا )[الحجرات:9]، فهما طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)]، وفي بعض الروايات: [(وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)]، فكلمة (المسلمين) هذه فيها بيان أن كلاً من الطائفتين هم من أهل الإسلام، وما خرج أحد منهم عن الإسلام.
    تراجم رجال إسناد حديث: (.. إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو الجواز المكي، وهو ثقة، حديثه عند النسائي وحده، وسبق أن ذكرت أن النسائي له شيخ آخر اسمه محمد بن منصور، وهو الطوسي، إلا أن الرواية عن سفيان، وهو ابن عيينة، يرجح أنه الجواز المكي؛ لأنه من بلده، وهذه من الأشياء التي يميز بها المهمل، يعني: يكون أقرب ممن ليس من بلده؛ لأن الذي يكون من بلده يكون على صلة به دائماً، ويأخذ عنه كثيراً، والذي ليس من بلده، يراه مرة واحدة أو مرتين، بحيث يرحل لطلب العلم، ويلقى ذلك الشيخ، ويأخذ منه ما يأخذ، لكن ليس مثل الذي هو ملازم للشيخ، ودائماً مع الشيخ، فـمحمد بن منصور مكي، وسفيان بن عيينة مكي، ومحمد بن منصور طوسي، فإذاً: عندما يأتي محمد بن منصور، يروي عن سفيان وليس منسوباً، فإنه يحمل على الجواز المكي.
    ويأتي في بعض الروايات مسمى، يعني منسوباً، محمد بن منصور المكي عن سفيان، في بعض الأحايين، وقد مر بنا في بعض المواضع نسبته، وأنه المكي.
    وسفيان بن عيينة، قد مر ذكره.
    [حدثنا أبو موسى إسرائيل بن موسى].
    ثقة، خرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، ما خرج حديثه مسلم، ولا ابن ماجه، وأبو موسى إسرائيل بن موسى، ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدته: أن لا يظن التصحيف، لو جاء في بعض الروايات: إسرائيل أبو موسى بدل إسرائيل بن موسى، يعني من لا يعرف أن كنيته توافق اسم أبيه، يظن أن هذا تصحيف، ابن صحفت إلى أبي، فإذا عرف هذا يندفع هذا التوهم.
    [سمعت الحسن].
    هو ابن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، إمام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو يدلس ويرسل كثيراً.
    [عن أبي بكرة].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو نفيع بن الحارث الثقفي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.



  10. #270
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (267)


    - (باب القراءة في الخطبة) إلى (باب ما يستحب من تقصير الخطبة)
    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقرأ سورة (ق) في خطبة الجمعة، وإذا أتى بشهادة التوحيد فيها لا يزيد على أن يشير بالسبابة، وكان يقصر الخطبة ويطيل الصلاة.
    القراءة في الخطبة
    شرح حديث ابنة حارثة بن النعمان: (حفظت ق والقرآن المجيد من في رسول الله وهو على المنبر يوم الجمعة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القراءة في الخطبة.أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا هارون بن إسماعيل حدثنا علي وهو ابن المبارك عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن ابنة حارثة بن النعمان، قالت: (حفظت ق والقرآن المجيد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يوم الجمعة)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب القراءة في الخطبة، مقصود النسائي رحمه الله في هذه الترجمة: أن الخطبة يوم الجمعة، يمكن أن تشتمل على شيء من القرآن، وأن يقرأ فيها شيء من القرآن؛ لأن القرآن هو أعظم زاجر، وفيه أعظم تذكير بما ينبغي أن يذكر به، فاشتمال الخطبة على شيء من القرآن، جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومقصود النسائي هو: أن الخطبة أنها يمكن أن تشتمل، أو ينبغي أن تشتمل على شيء من القرآن.
    وأورد النسائي حديث ابنة حارثة بن النعمان الأنصارية رضي الله تعالى عنها، أنها قالت: [(حفظت ق من في رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يخطب)]، والحديث واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف، وعلى أن قراءة (ق) تكررت من رسول الله عليه الصلاة والسلام، في الخطبة يوم الجمعة، وأن هذه الصحابية رضي الله عنها حفظت هذه السورة من قراءة النبي عليه الصلاة والسلام لها في خطبة الجمعة، وإنما قرأ النبي عليه الصلاة والسلام في الخطبة هذه السورة العظيمة؛ لأنها مشتملة على أمور عديدة من الخلق الأول، والبعث، والنشور، والقوارع، والزواجر، التي اشتملت عليها هذه السورة، فهي سورة عظيمة فيها عبر وعظات، وفيها تذكير، وفيها ذكر الخلق الأول، والخلق الثاني، وأن إعادة الناس وخلقهم وبعثهم اشتملت عليه هذه السورة من وجوه متعددة، ثم كذلك ما جاء فيه من ذكر الجنة والنار، ومن ذكر الأمور الأخرى التي فيها عبر وعظات، فهي سورة عظيمة مشتملة على أمور فيها عبر وذكرى، والقرآن كله عبر وعظات، لكن هذه السورة، مشتملة على أمور عظيمة، فيها تذكير بالمبدأ والمعاد، وحشر الناس، ودخولهم الجنة أو النار، فهي مشتملة على أمور عظيمة لأجلها كان النبي عليه الصلاة والسلام يأتي بها في خطبة الجمعة.
    ثم جاء في بعض الأحاديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يقصر الخطبة ويطيل الصلاة، ومن المعلوم أن قصر الخطبة قصر نسبي، وإلا فإنه إذا قرئ فيها سورة (ق)، واشتملت الخطبة على قراءة سورة (ق)، فإن فيها شيء من الطول، إلا أنه وصف بأنه يقصر الخطبة، المقصود بها القصر النسبي، وكون هذه السورة يأتي بها في خطبة الجمعة، يدل على أنها مشتملة على ما هو أكثر من ذلك، وإذاً فالقصر إنما هو نسبي.
    كما أن الحديث الذي سيأتي أنه كان يقصر الخطبة ويطيل الصلاة، وقد جاء الأمر بالتخصيص أن هذه الإطالة إطالة نسبية، الطول والقصر أمران نسبيان، والحديث واضح الدلالة على الترجمة، وهي: أن الخطبة يوم الجمعة، ينبغي أن تشتمل على ذكر شيء من القرآن، وعلى تلاوة شيء من القرآن؛ لأن هذا الحديث واضح الدلالة على هذه الترجمة.
    تراجم رجال إسناد حديث ابنة حارثة بن النعمان: (حفظت ق والقرآن المجيد من في رسول الله وهو على المنبر يوم الجمعة)
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو العنزي أبو موسى، الملقب: الزمن، كنيته أبو موسى، وهو مشهور بها، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، ولم يكن بين وفاته وبين وفاة البخاري إلا أربع سنوات، فإن البخاري، توفي سنة ست وخمسين ومائتين، ومحمد بن المثنى، توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    [عن هارون].
    هو ابن إسماعيل البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود.
    [عن علي هو ابن المبارك].
    وكلمة: (هو ابن المبارك)، هي التي زادها من دون هارون بن إسماعيل؛ لأن هارون بن إسماعيل، لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن المبارك، وإنما يقول: علي بن المبارك، بدون أن يقول: هو، وإنما الذي يحتاج إلى أن يقول: (هو) هو من دون التلميذ؛ لأن التلميذ اقتصر على علي، ومن دون التلميذ، أراد أن يوضح من هو هذا المهمل، فأتى بكلمة (هو) الدالة على أن هذه الإضافة، هي ممن دون التلميذ، وليست من التلميذ، وهذا موجود في الأسانيد، في الكتب المختلفة، كتب الحديث، وهذا هو المقصود منه، وهذا من دقة المحدثين وعنايتهم، وأن الواحد منهم إذا أراد أن يوضح، أو أتى بشيء يوضح من عنده، فإنه يأت بما يدل عليه؛ لأنه لو لم يأت بكلمة: (هو) لفهم أن الذي قال: علي بن المبارك مثلاً هو تلميذه، مع أن تلميذه ما قال في هذا الإسناد: علي بن المبارك، وإنما قال: علي فقط، فمن دون هارون بن إسماعيل، هو الذي أتى بهذه الإضافة، وأتى بكلمة (هو) الدالة على أن الإضافة ليست من التلميذ وإنما هي ممن دونه، ومثلها عبارة أخرى يؤتى بها وهي: (يعني)، (يعني ابن فلان)، (يعني) بدل (هو) ابن فلان، يقال: يعني ابن فلان، هذه أيضاً تأتي.. عبارة أخرى يؤتى بها لتمييز المهمل، حيث يميزه من دون التلميذ.
    وعلي بن المبارك هذا ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو ابن أبي كثير اليمامي، ثقة، ثبت، يرسل ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عبد الرحمن].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابنة حارثة بن النعمان الأنصارية].
    وقيل: هي أم هشام، وهي صحابية مشهورة، أخرج حديثها مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    الإشارة في الخطبة

    شرح حديث عمارة بن رويبة: (ما زاد رسول الله على هذا وأشار بأصبعه السبابة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإشارة في الخطبة.
    أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن حصين (أن بشر بن مروان رفع يديه يوم الجمعة على المنبر، فسبه عمارة بن رويبة الثقفي وقال: ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا، وأشار بأصبعه السبابة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الإشارة في الخطبة، يعني: الإشارة بالإصبع بالسبابة بالتوحيد، يعني عندما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، يحرك أصبعه هكذا، فـالنسائي رحمه الله، أورد حديث عمارة بن رويبة الثقفي رضي الله تعالى عنه، يقول حصين بن عبد الرحمن: أن بشر بن مروان وهو أحد الأمراء، كان يخطب على المنبر يوم الجمعة، فكان يرفع يديه في الدعاء، فسبه عمارة بن رويبة وقال: [(ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا، وأشار بأصبعه السبابة)]، فهذا يدل على ثبوت الإشارة عند التشهد، وعند ذكر الله عز جل، إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، يشير بأصبعيه هكذا إلى وحدانية الله عز وجل، وإلى إفراده بالعبادة، وأنه هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
    ويدل على أن رفع اليدين عند خطبة الجمعة، ليس من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أنكر عمارة بن رويبة عمل هذا الأمير، وقال: [(إن النبي صلى الله عليه وسلم ما زاد هكذا، وأشار بأصبعه)]، فهو يدل على مشروعية، أو جواز الإشارة بالأصبع عند التشهد في الخطبة، ويدل على عدم رفع اليدين في الدعاء، في الخطبة إلا في الاستسقاء؛ فإنه جاء ما يدل على ذلك، في قصة الرجل الذي دخل والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال... إلى آخره، فرفع يديه ودعا)، فدل هذا على أن رفع اليدين للدعاء في خطبة الجمعة، إنما يكون عند الاستسقاء، وأما غير ذلك، فإنه لا يؤتى برفع اليدين؛ لأنه ما جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا أنكر هذا الصحابي على هذا الأمير فعله، وأخبر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، ما زاد على أن يشير بأصبعه السبابة، أي: عند ذكر الله عز وجل، وعند التشهد، ففيه الدلالة على ما ترجم له، وهو الإشارة في الخطبة، يعني: بالأصبع عند أشهد أن لا إله إلا الله.
    تراجم رجال إسناد حديث عمارة بن رويبة: (ما زاد رسول الله على هذا وأشار بأصبعه السبابة)
    قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [عن وكيع].
    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    وسفيان هنا غير منسوب، يحتمل أنه الثوري، ويحتمل ابن عيينة، ولكن المراد به الثوري، وليس ابن عيينة؛ لأن وكيع معروف بالرواية عن الثوري، وهو مكثر من الرواية عن الثوري، ومقل من الرواية عن ابن عيينة، فإذا أهمل شيخه، فإنه يحمل على من له به كثرة اتصال، وذلك أنه من أهل بلده، أي: وكيع بن الجراح كوفي، وسفيان بن عيينة كوفي، وهو كثير الاتصال به، وكثير الأخذ عنه؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إذا جاء وكيع عن سفيان، فالمراد به: الثوري؛ لأنه معروف بالإكثار من الرواية عن سفيان، ومقل من روايته عن سفيان بن عيينة، وهذا مما يعرف به المهمل ويميز المهمل: بأن يحمل على من له كثرة اتصال، ومن له خصوصية بشيخه من حيث كونه من بلده، أو كونه كثير الحديث عنه.
    فـسفيان الثوري، هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، إمام، محدث، فقيه، وثقة، حجة، ثبت، وإمام مشهور، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن حصين].
    هو حصين بن عبد الرحمن الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمارة بن رويبة].
    وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    وأما بشر بن مروان، فهذا ليس من رواة الحديث، ليس من رجال الإسناد، وإنما هو سبب إيراد الحديث، والمناسبة التي روي فيها الحديث كونه يخطب ويرفع يديه، وهو أمير من الأمراء، وقد أنكر فعله هذا عمارة بن رويبة، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر بأنه ما زاد رسول الله عليه الصلاة والسلام، على أن يشير بأصبعه.
    نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة، وقطعه كلامه ورجوعه إليه يوم الجمعة
    شرح حديث: (كان النبي يخطب فجاء الحسن والحسين ... فنزل النبي فقطع كلامه فحملهما...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة، وقطعه كلامه ورجوعه إليه يوم الجمعة.أخبرنا محمد بن عبد العزيز حدثنا الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما وعليهما قميصان أحمران يعثران فيهما، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فقطع كلامه فحملهما، ثم عاد إلى المنبر، ثم قال: صدق الله: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ )[التغابن:15]، رأيت هذين يعثران في قميصيهما، فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب نزول الإمام عن المنبر وقطعه كلامه ثم رجوع إليه، مقصود النسائي من هذه الترجمة أن الإمام وهو يخطب، يجوز له أن يقطع الخطبة لشيء، أو لأمر ما من الأمور التي قد يحتاج إليها، ثم يعود إلى مواصلة الكلام، بعد أن يرجع ويصعد المنبر مرة أخرى، بعد أن يكون فعل ما يريد من النزول، فإنه يقطع كلامه، ثم يعود إليه، هذا هو مقصود النسائي من الترجمة، أن ذلك سائغاً، والحديث الذي أورده واضح الدلالة على هذا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام، كان يخطب في الناس، فجاء الحسن والحسين، ابني ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، عنهما وعن أمهما وعن الصحابة أجمعين، وعليهما ثوبان أحمران يعثران فيهما، فالرسول صلى الله عليه وسلم قطع خطبته، وقطع كلامه، ونزل وحملهما، ثم عاد إلى كلامه وقال: [(صدق الله: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ )[التغابن:15]، رأيت هذين يعثران، فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما)]، الحديث واضح الدلالة على الترجمة.
    وفيه بيان ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، من الشفقة والرحمة بالصغار، والعطف عليهم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما رآهما ما صبر، بل قطع كلامه وهو يخطب، ونزل وحملهما، ثم عاد إلى خطبته صلى الله عليه وسلم، وهو دال على ما ترجم له المصنف، من قطع الخطبة والرجوع إليها، ودال أيضاً على جواز لبس الثياب الحمر كما جاء في هذا الحديث: أنهما عليهما ثوبان أحمران.
    وأما قوله: [(يعثران فيهما)]، معنى هذا: أنهما لصغرهما يحصل منهما التعثر والسقوط في الأرض؛ لأنهما صغيران، ولا يفهم منه أنهما يجران الثياب، وأنهما ثيابهما نازلة، وأنهما يعثران بها لأنها طويلة، وإنما يحمل هذا على صغرهما، وعلى كون الواحد يميل يميناً وشمالاً، فيحصل منه التعثر بسبب صغره، وكونه صغيراً، وليس معنى ذلك أنهما كانا يجران الثياب، ومن المعلوم أن الصغار يعاملون معاملة الكبار، بحيث أنهم يعودون على ما يسوغ، ويمنعون مما لا يسوغ، فلا يلبسون الملابس الطويلة، التي فيها الإسبال، وكما أنهم لا يلبسون الحرير، ولا يلبسون الشيء الذي لا يجوز أن يلبسه الكبار، وإنما المقصود منه هو هذا.
    ثم أيضاً فيه دلالة على أن الإنسان عندما يقع شيء، ثم يكون هذا الذي وقع مطابق لما جاء في القرآن، فإنه يقول: صدق الله: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ )[التغابن:15]؛ لأن الله عز وجل قال: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ )[التغابن:15]، ولما رآهما الرسول صلى الله عليه وسلم، شق عليه أن يتركهما، فنزل وحملهما وقال: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ )[التغابن:15]، صدق الله، في قوله كذا، فإن هذا الذي حصل، هو من جملة هذا الذي نص الله عليه في كتابه العزيز، وأن هذه من فتنة الولد، وأن الوالد يفتن بولده، ولهذا نزل الرسول صلى الله عليه وسلم وأشفق عليهما وحملهما، ولم يتركهما، لم يصبر عليه الصلاة والسلام، ففيه الدلالة على جواز مثل ذلك حينما يكون الإنسان وقع شيء مطابق لما جاء في القرآن، وأنه مثال من الأمثلة التي اشتمل عليها القرآن، يقول: صدق الله، يعني: الذي قال كذا وكذا، هذا هو الواقع، وهذا هو الذي حصل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي يخطب فجاء الحسن والحسين ... فنزل النبي فقطع كلامه فحملهما ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد العزيز].هو محمد بن عبد العزيز بن غزوان، وهو مروزي، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، وأبوه يقال له: أبو رزمة، واسمه غزوان، وقد ذكره النسائي مرة منسوباً إلى أبي بكر، وفي الإسناد الذي بعد هذا ذكره منسوباً إلى جده فقال: محمد بن عبد العزيز بن غزوان.
    [عن الفضل بن موسى].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مروزي أيضاً.
    [عن حسين بن واقد].
    هو بصري نزل مرو، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، فهو أيضاً يقال له: مروزي.
    [عن عبد الله بن بريدة بن الحصيب].
    هو مروزي وقاضي بمرو، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    بريدة بن الحصيب الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وأربعة من رجال هذا الإسناد، مروزيون نسبتهم المروزي: محمد بن عبد العزيز، والفضل بن موسى، وحسين بن واقد، وعبد الله بن بريدة، إلا الصحابي الذي هو بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه.
    وقوله: [صدق الله العظيم].
    العظيم وصف لله عز وجل، إذا قال: صدق الله العظيم، أو صدق الله الكريم، أو صدق الله الجليل، أو ما إلى ذلك، ما في بأس، كون الإنسان يقولها بمناسبة وقوع شيء فيعتبر مثال من الأمثلة التي تندرج تحت الآية، والتي يظهر فيها ما جاء في القرآن واضحاً جلياً في المشهد المعاين، وهو كون الإنسان يفتتن بأولاده، فيحرص عليهم ويشفق عليهم إلى حد أنه ترك الخطبة ونزل وحملهما، فإذا أضيف إليه (العظيم) قال: صدق الله العظيم أو ما إلى ذلك، ما في بأس، لكن ليس هذا من قبيل ما اعتاده كثير من القراء، عندما ينتهي من القرآن، أو يقرأ شيئاً من القرآن، يقول: صدق الله العظيم؛ فإن هذا ما فيه شيء يدل على ملازمته، وعلى ثبوته، وإنما هذا الذي نحن فيه شيء آخر، غير الكلام الذي اعتاده الكثير من القراء، وهي أنهم يختمون قراءتهم بـ(صدق الله العظيم).
    ما يستحب من تقصير الخطبة


    شرح حديث: (كان رسول الله يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يستحب من تقصير الخطبة.أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن غزوان أخبرنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد حدثني يحيى بن عقيل سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة)].
    أورد النسائي رحمه الله: باب ما يستحب من تقصير الخطبة، أي: كونها قصيرة، ومن المعلوم أن القصر كما ذكرت آنفاً نسبي؛ لأن الخطبة تشتمل على شيء خاص في بعض الأحيان، ومثل هذا فيه شيء من الطول، ولكن القصر هو وصف نسبي.
    أورد النسائي تحت هذه الترجمة: حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة)]، هذه من صفات رسول الله عليه الصلاة والسلام: أنه كان يكثر الذكر، ويقل اللغو.
    [(يقل اللغو)]، فسر بتفسيرين: إما أن يكون المقصود بالقل هنا العدم، لأنه يعبر به عن العدم، أي: أنه لا يحصل منه اللغو، أو أنه يراد باللغو: هو الكلام الذي يكون دون غيره في عظم الفائدة، مثل المزح فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يمزح، ولا يقول إلا حقاً في مزحه صلى الله عليه وسلم، لكن ما كان يكثر المزح، ولو كان مزحه لا يكون إلا في حق، وإنما الذي كان يكثر منه الكلام الجامع، والكلام الذي هو غير المزح، الذي مثله يصلح أن يقال: إنه لغو، بمعنى أنه أقل فائدة من غيره، فكثرة كلامه صلى الله عليه وسلم، إنما هي في الكلام الجامع الذي هو كثير الفوائد، وأحياناً يحصل منه أنه يمزح، ولكن مع كونه يمزح لا يقول إلا حقاً عليه الصلاة والسلام في مزحه، مثلما قال في بعض الأحاديث، المرأة التي قال: (لا يدخل الجنة عجوز)، ويريد أنها لا تدخلها وهي عجوز، وإنما تدخلها وقد عادت شابة بكراً، تدخلها في هذه الهيئة وهذه الصورة، من كونها عجوز، فهذا من مزحه صلى الله عليه وسلم، وهو حق، وكذلك الرجل الذي قال له: (نحملك على ولد الناقة، قال: وكيف يحملني ولد الناقة؟ قال: وهل الإبل كلها إلا من أولاد النوق)، يعني: فهذا من مزحه صلى الله عليه وسلم، فيكون يحمل اللغو على ما كان من هذا القبيل، فهو من ما يفسر إقلاله اللغو، بأن الإقلال معناه العدم، وأنه مثل (قليلاً ما يؤمنون)، أي: أنهم لا يؤمنون.
    [(ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة)]، وهذا هو محل الشاهد، (يقصر الخطبة).
    [(ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين ليقضي له الحاجة)]، وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم، وقربه من الناس، وشفقته عليهم، وقربه منهم صلى الله عليه وسلم، فهذه من صفاته وشمائله، أنه كان قريباً من الناس، وكان رفيقاً رحيماً، لا يأنف أن يمشي مع الأرملة، والمسكين، ليقضي له الحاجة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذه من صفاته.
    ومحل الشاهد من الحديث هو قوله: [(ويقصر الخطبة)].
    تراجم رجال إسناد: (كان رسول الله يكثر الذكي ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن غزوان].وهو الذي مر ذكره.
    [عن الفضل بن موسى].
    وقد مر ذكره.
    [عن حسين بن واقد].
    وقد مر ذكره، وهؤلاء الثلاثة مروزيون.
    [عن يحيى بن عقيل].
    وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وعقيل بالتصغير.
    [سمعت عبد الله بن أبي أوفى].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة

    المراد بالإشارة بالأصبع يوم الجمعة
    السؤال: هل المقصود بالإشارة بالأصبع يوم الجمعة هو عند الدعاء؟الجواب: الله تعالى أعلم، لكن الذي ورد في التشهد يحركها يدعو بها، لكن هذا أنه ما كان يزيد على أن يشير بأصبعه، والذي يظهر أنه عندما يأتي التشهد يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، يشير بأصبعه.
    ترتب الأجر على حج الصغير
    السؤال: فضيلة الشيخ، هل الصبي يؤجر إذا حج ولم يبلغ الحلم؟ وإن كان يؤجر، فما الدليل؟ وإن لم يكن له أجر، فلماذا شرع له الحج؟الجواب: الصبي إذا حج به وهو قبل البلوغ، فإنه له حج، وأجره له، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة التي كانت رفعت صبياً وقالت: (ألهذا حج يا رسول الله؟! قال: نعم ولكِ أجر)، فأثبت له الحج، فقال: نعم له حج، ولكن لها أجر لكونها حجت به؛ لأنها كانت السبب في ذلك، فحجه له، ووليه له أجر إذا قام بتحجيجه، يعني: كونه سبباً في ذلك، ومن المعلوم: أن حجه له، لكنه لا يكفي عن حجة الإسلام، إذا بلغ عليه أن يأتي بحجة الإسلام، وهذا من المسائل التي يقال فيها: إنه يصح النفل، ولا يصح الفرض، يعني: يؤتى بالنفل أو يجوز النفل، ولا يجوز الفرض؛ لأنه قبل البلوغ ما يجوز الفرض، ولا يصح الفرض، وإنما يصح النفل.
    العبرة بالمحرمية بزوجة الابن مجرد العقد
    السؤال: يقول: يا شيخ! رجل عقد على امرأة، ثم فارقها قبل الدخول، فهل لوالد هذا الرجل، أو ابنه أن يتزوج بتلك المرأة؟الجواب: أبداً، بمجرد العقد تحرم على الأب وعلى الابن، ليست القضية بالدخول، وإنما هو بالعقد، فإذا عقد رجل على امرأة، بمجرد عقده عليها حرمت على أبيه، وحرمت على ابنه.
    هل يعتبر الرجل محرماً لزوجة والد زوجته
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يعتبر الرجل محرماً لزوجة والد زوجته؟الجواب: يعني أنها جارة أم زوجته، لأن الرجل قد يكون له زوجات وواحدة من الزوجات تزوج بنتها، فطبعاً هو محرم لأم زوجته، أما الزوجة الثانية التي ليست أم زوجته، فهي أجنبية منه؛ ولهذا يجوز له أن يجمع بين بنت الرجل ومطلقته، أو المتوفى عنها، التي هي غير أم الزوجة، يجوز له أن يجمع بينهما؛ لأنها أجنبية.
    قطع النافلة للحوق صلاة الجنازة
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما الحكم في رجل دخل في صلاة النافلة، ومضى منها ركعة، فكبر لصلاة الجنازة، فقطع النافلة ودخل في صلاة الجنازة، هل هذا العمل له دليل؟الجواب: ما أعلم، لكن لو أتمها خفيفة، وصلى الجنازة، ما أدرك صلى وما فاته قضى، فهذا هو الأولى، وأما كونه يقطع النافلة بمثل هذا، ما أعلم شيئاً يدل عليه، لكن الأولى في العمل هو كون الإنسان يتمها خفيفة.
    وقت الإشارة بالسبابة في الصلاة
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل الإشارة بالسبابة تكون أيضاً في التشهد الأول والثاني في الصلاة؟الجواب: إي نعم، تكون في التشهدين.
    دعاء الاستخارة بعد السلام
    السؤال: فضيلة الشيخ! دعاء الاستخارة هل يكون في داخل الصلاة؟الجواب: بعد السلام، بعدما يسلم يأتي بالدعاء.
    حكم رفع اليدين في دعاء الاستخارة
    السؤال: هل يشرع في دعاء الاستخارة رفع اليدين؟الجواب: لا أعلم، لكن ما فيه بأس؛ لأن الذي ما ورد فيه شيء فيه ملازمة، وفيه دلالة على الترك، الأصل هو رفع اليدين، إلا إذا جاء شيء فيه رفع اليدين في أماكن معينة، مثل شيء تحصل المداومة عليه، كما عرف في رفع اليدين، مثل الخطبة، ومثل بعد الصلاة بعد الفريضة، مع كثرته، ما نقل أنه رفع يديه، فإن الأصل أنه ترفع اليدين، ولكن بالنسبة لصلاة الاستخارة بالذات، هل ورد أنها ترفع اليدين فيها؟ لا أدري.
    كيفية التفريق بين من خرج له النسائي باسم سمي أحدهما ثقة والآخر مجهول
    السؤال: يقول: فضيلة الشيخ! يوجد ممن خرج له الإمام النسائي رحمه الله من اسمه سمي اثنان، وفي طبقة واحدة، أحدهما ثقة، والآخر مجهول كما في التقريب، فكيف نفرق بينهما؟الجواب: طبعاً المعروف الذي خرج له أصحاب الكتب الستة، هو: سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، هذا هو المشهور.
    التعريف بالجيلاني وطريقته
    السؤال: من هو عبد القادر الجيلاني ؟ وما معنى أن له طريقة وله أتباعها؟الجواب: عبد القادر الجيلاني رجل من العلماء المتقدمين، ويقال للطريقة التي تنسب إليه، القادرية، بالنسبة إلى عبد القادر الجيلاني، ومن المعلوم أنه ليس هناك طرق توصل إلى الله عز وجل إلا طريق واحد، وهو ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، هذا هو الطريق الذي ليس هناك طريق يوصل إلى عز وجل إلا هو، وأما طريقة الجيلاني وتفاصيلها ما أذكرها، لكن الذي أعلمه، أنه ليس هناك طريق يوصل إلى عز وجل إلا طريق واحد، وهو ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام جاءت عنه الأحاديث الدالة على ذلك: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، من هي يا رسول الله الفرقة الناجية؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي).
    حكم إعطاء راتب العمال في بلد بسعر عملة بلدهم
    السؤال: فضيلة الشيخ! جاء تاجر من بلد عربي، ويستلم العاملين هنا ريالات سعودية، ويعطيهم مكتوباً بذلك على أن يكون التسليم في رمضان بعملة ذلك البلد في ذلك البلد، وعادة يعطي سعراً أعلى، فإذا كان ريالاً فهو الآن مائة وثلاثون من عملة ذلك البلد، يعطي عند الأجل الريال بمائة وسبعين؟الجواب: إذا كان بيعاً فهو لا يجوز؛ لأن البيع لا بد من القبض، ولا يجوز النسيئة فيه، أما إذا كان يقترض منهم ريالات سعودية، على أنه يوفيهم إياها في البلد بعملة أخرى، أي: توفية القرض، هذا لا بأس به، إذا اقترض ريالات وأوفاها بعملة أخرى، أما كونه يبيع ويشتري، والعملة غائبة، فهذا هو النسيئة التي لا تجوز.
    القول بمشروعية سب الأمراء أخذاً من بعض الأحاديث
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يؤخذ من حديث عمارة بن رويبة الثقفي مشروعية سب الأمراء؟الجواب: لا، هو الذي يحصل منه شيء يخالف السنة ينكر عليه؛ لأنه ما سب هذا الأمير إلا لأنه خالف السنة، يعني فعل فعلاً ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    الأكل والشرب مضطجعاً ومتكئاً
    السؤال: يا شيخ! هل يجوز الأكل والشرب مضطجعاً أو نائماً؟ وهل يجوز الاتكاء على يد واحدة؟الجواب: الأكل كما هو معلوم الأكل والشرب يكون عن جلوس، وأولى من أن يكون عن قيام، وأما في حال الاضطجاع ما أدري، ما أستطيع أقول فيه شيء في الأكل، وكذلك الشرب.
    وكون الإنسان يميل على أحد جنبيه أو يديه ويتكئ عليها، هذا ما أعلم شيئاً يمنعه، كونه يضطجع، ولكنه يكون متكئاً على عضده، على ذراعه، ما أعلم شيئاً يمنع هذا.
    معنى الإسفار بالفجر
    السؤال: فضيلة الشيخ! الإسفار بالفجر قلتم معناه: التأكد من دخول الوقت، هل معنى ذلك حتى يؤذن أم الإقامة؟الجواب: المراد طبعاً الصلاة، الدخول في الصلاة، المراد بالإسفار بالصلاة -يعني: الفجر- أي: أنه لا يسفر بمعنى أنها تؤخر، وإنما الأذان يكون في أول الوقت، والصلاة يبادر بها، فالمراد بالإسفار: أنه يدخل فيها، ومع طول القراءة يكون حصل شيء من الإسفار، وليس معنى ذلك أنه لا ينادى لها إلا بعدما يحصل الإسفار.




  11. #271
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (268)


    - (باب كم يخطب) إلى (باب الكلام والقيام بعد النزول عن المنبر)

    من السنة في خطبة الجمعة أن تكون خطبتان يفصل الخطيب بينهما بجلوس لا يتكلم فيه. ثم يقوم للخطبة الثانية ويقرأ فيها آيات ويذكر الله، وله بعد نزوله من المنبر أن يتكلم مع الناس في حاجتهم ثم يصلي.
    كم يخطب
    شرح حديث: (... ثم يقوم فيخطب الخطبة الآخرة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كم يخطب.أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسرائيل عن سماك عن جابر بن سمرة قال: (جالست النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيته يخطب إلا قائماً، ويجلس ثم يقوم فيخطب الخطبة الآخرة)].
    يقول المصنف رحمه الله: باب كم يخطب، أي: الخطيب يوم الجمعة، كم خطبة يخطب؟ المراد بهذه الترجمة عدد خطب الجمعة وأنها اثنتان، ليست خطبة واحدة، ولا أكثر من اثنتين، وإنما هما اثنتان فقط، هذا هو المقصود من الترجمة: باب كم يخطب.
    وقد أورد النسائي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: (جالست النبي عليه الصلاة والسلام فما رأيته يخطب إلا قائماً، وكان يخطب خطبة، ويجلس، ثم يقوم، ويخطب الخطبة الآخرة)، أي: أنه يخطب خطبتين، خطبة أولى وخطبة ثانية، والخطبتان للجمعة اثنتان لا بد منهما، فإنه لا بد لإقامة الجمعة: أن يتقدمها خطبتان.
    وجابر بن سمرة رضي الله عنه، يقول: (إنني ما رأيته يخطب إلا قائماً). وفي هذا بيان أن الخطبة تكون عن قيام، ولا تكون عن جلوس، ويخطب خطبتين يجلس بينهما، هذا هو الذي دل عليه هذا الحديث.
    وكونه جالس النبي عليه الصلاة والسلام، يفيدنا أنه عرف كونه يخطب قائماً، وكونه يخطب خطبتين، من مجالسته له وملازمته له.
    تراجم رجال إسناد حديث ... (ثم يقوم فيخطب الخطبة الآخرة)
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وهو من شيوخ الإمام مسلم الذين أكثر الرواية عنهم.
    [عن شريك].
    هو ابن عبد الله النخعي القاضي الكوفي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. وفي بعض نسخ النسائي المجتبى: إسرائيل وفي بعضها شريك والذي في تحفة الأشراف والسنن الكبرى شريك والذي يروي عنه في هذا الإسناد هو شريك.
    [عن سماك].
    هو سماك بن حرب الكوفي، وهو صدوق يخطئ، أو صدوق له أوهام، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جابر بن سمرة].
    هو ابن جنادة السوائي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    والحديث جاء من طرق أخرى منها صحيح ثابت، أي: حديث جابر بن سمرة المشتمل على كون النبي عليه الصلاة والسلام يخطب قائماً، وكونه يخطب للجمعة خطبتين.
    الفصل بين الخطبتين بجلوس



    شرح حديث ابن عمر: (... وكان يفصل بينهما بجلوس)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الفصل بين الخطبتين بجلوس.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عبيد الله عن نافع عن عبد الله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب الخطبتين وهو قائم، وكان يفصل بينهما بجلوس)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الفصل بين الخطبتين بجلوس، فيكون بينهما فاصل، ويكون أيضاً عن جلوس، فلا يكون عن قيام فقط، يعني يقف، ويسكت، ثم يستأنف الخطبة الثانية، وإنما يكون عن جلوس، هذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يخطب خطبتين يفصل بينهما بجلوس.
    ففيه إثبات أن الخطبة تكون عن قيام، وإثبات أن الجمعة لها خطبتان، وإثبات أنه يفصل بين الخطبتين بجلوس.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... وكان يفصل بينهما بجلوس)
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأن أباه مسعود، وهو أبو مسعود، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفة هذا النوع: أن لا يظن التصحيف فيما إذا كانت الرواية بالاسم، ثم جاء مذكوراً بالكنية بأن قيل: أخبرنا إسماعيل أبو مسعود، فإن من لا يعرف أن كنيته أبو مسعود قد يظن أن ابن صحفت إلى أبي، فصار إسماعيل أبو مسعود تصحيفاً، مع أنه ليس بتصحيف، بل هو أبو مسعود، وهو ابن مسعود، فإن ذكر باللقب فهو صواب، وإن ذكر بالكنية فهو صواب، ولا تصحيف في اللفظ.
    [حدثنا بشر].
    هو بشر بن المفضل البصري، وهو ثقة، ثبت، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، يقال له: العمري، ويقال له: المصغر؛ تمييزاً بينه، وبين أخيه عبد الله المكبر، فإنهما أخوان، عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، والمصغر ثقة، ثبت، وأما المكبر فهو ضعيف، المكبر عبد الله بن عمر أخوه، هذا ضعيف، فيقال له: المصغر تمييزاً له عن أخيه المكبر الذي هو عبد الله.
    [عن نافع].
    هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو ابن عمر بن الخطاب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم عن هؤلاء الأربعة وعن الصحابة أجمعين.
    والعبادلة الأربعة هم: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير بن العوام، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهم من صغار الصحابة، ويطلق عليهم لقب العبادلة الأربعة، وإلا فإن في أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ممن يسمى عبد الله كثير، فيهم عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن أبي أوفى، وعبد الله أبو بكر، عبد الله بن أبي بكر، وعبد الله بن مسعود، كل هؤلاء عبادلة، لكن العبادلة الأربعة يراد بهم هؤلاء الأربعة من صغار أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فإذا جاءت مسألة فقهية وقيل فيها: قال العبادلة الأربعة، أو قال بها العبادلة الأربعة، فالمراد بهم هؤلاء الأربعة، وابن مسعود ليس منهم، وقد عده بعضهم منهم، ولكن الصحيح عند العلماء أنه ليس منهم؛ لأن المراد بهم أربعة من صغار الصحابة، متقاربون في السن، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، لأن ابن مسعود توفي سنة اثنتين وثلاثين في أواخر خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وأما هؤلاء العبادلة الأربعة فإنهم ماتوا بعد الستين، ماتوا بعد الستين، وأدركهم من لم يدرك عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عن الجميع.
    وأيضاً عبد الله بن عمر أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن المكثرين من رواية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم سبعة من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم: أبو هريرة رضي الله عنه، وعبد الله بن عمر رضي الله عنه، وعبد الله بن عباس رضي الله عنه، وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وأبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وأنس بن مالك رضي الله عنه، وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهؤلاء سبعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    السكوت في القعدة بين الخطبتين

    شرح حديث جابر بن سمرة: (رأيت رسول الله يخطب يوم الجمعة قائماً يقعد قعدة لا يتكلم فيها)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السكوت في القعدة بين الخطبتين.أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد يعني: ابن زريع، حدثنا إسرائيل حدثنا سماك عن جابر بن سمرة قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً، ثم يقعد قعدة لا يتكلم، ثم يقوم فيخطب خطبة أخرى، فمن حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قاعداً فقد كذب)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: السكوت في الجلسة بين الخطبتين، ومعناه: أنه لا يتكلم في ذلك الجلوس، وليس له ذكر يخصه، وليس له كلام يخصه، وإنما هو جلوسه سكوت فقط، جلوس بين الخطبتين، وسكوت في ذلك الجلوس، فالمقصود هنا السكوت في الجلوس؛ لأنه قد مر الترجمة في عدد الخطب، وأنها اثنتان، وهذه الترجمة تتعلق بالفصل بين الخطبتين بجلوس، أو تبين المراد بالسكوت في ذلك الجلوس، وأنه يسكت، ولا يتكلم، ولا يأتي بشيء، ليس فيها دعاء يخصها، وليس فيها ذكر يخصها، ولا يتكلم فيها بشيء، وإنما يجلس يرتاح قليلاً، ثم يقوم إلى الخطبة الثانية.
    وقد أورد النسائي حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه، أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً، ثم يجلس جلسة لا يتكلم)، وهذا هو محل الشاهد من الترجمة: لا يتكلم، يعني: لا يتكلم في تلك الجلسة، (ثم يخطب الخطبة الآخرة).
    (ثم يقوم يخطب خطبة أخرى، فمن حدثكم أنه كان يخطب جالساً فقد كذب)، وهذا فيه: دليل على أن الخطبة تكون عن قيام لا تكون عن جلوس، وأن الخطب اثنتان، وأنه يفصل بينهما بجلوس، وأنه لا يتكلم في ذلك الجلوس، أي: لا يتكلم الإمام بين الخطبتين، وإذا كان هناك حاجة للكلام من الإمام أو من المأمومين لأمر يقتضي ذلك، كما هو معلوم بالنسبة للإمام حتى في الخطبة يمكن أن يتكلم، وأما بالنسبة للمأمومين فليس لهم أن يتكلموا في حال الخطبة، ويجوز لهم أن يتكلموا بين الخطبتين فيما إذا أراد الإنسان أن ينبه على شيء، فيتكلم بذلك بين الخطبتين، لا بأس بذلك، وإنما ليس لها شيء يخصها، أو ليس لها ذكر يخصها، أو دعاء يخصها، وإنما يكون السكوت، وإذا احتاج إلى الكلام لأمر يقتضي ذلك، فإنه لا مانع منه؛ لأن المنع إنما يكون في حال الخطبة؛ حتى يكون الإنسان مقبلاً على الخطبة، ومتجهاً إليها وإلى تفهمها، وإلى معرفتها والبعد عن الانشغال عنها.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة: (رأيت رسول الله يخطب يوم الجمعة قائماً ثم يقعد قعدة لا يتكلم فيها)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع].ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا يزيد].
    هو ابن زريع، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وكلمة: (يعني: ابن زريع)، هذه الذي قالها النسائي أو من دون النسائي، لم يقلها محمد بن عبد الله بن بزيع الذي هو تلميذ يزيد بن زريع؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول: هو، بل ينسبه كما يريد، يمكن أن يطيل في نسبه، وأن يقتصر في نسبه، لا يحتاج إلى أن يقول: هو، وإنما الذي يحتاج إليه هو من دون التلميذ، يعني: تلميذه اقتصر على ذكر الاسم فقط، فمن دونه أراد أن يضيف شيئاً يوضح هذا المهمل، ولكنه أتى بكلمة (يعني) أو بكلمة (هو)؛ حتى يبين أن هذا الإيضاح والبيان لنسب ذلك الرجل، إنما كان ممن دون التلميذ.
    وكلمة: (يعني) جملة فعلية، من فعل وفاعل، الفاعل فيها ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، يعني.. أي: يقول النسائي، أو من دون النسائي: أخبرنا يزيد يعني: محمد بن عبد الله بن بزيع ، فالفاعل ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، والقائل هو من دون التلميذ، القائل للكلمة من دون التلميذ، وفاعل الفعل المضارع هو التلميذ، ففيه ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، وقائلها من دون التلميذ.
    وهذا من دقة المحدثين، وعنايتهم بالإتيان بالألفاظ كما سمعوها، وإذا أرادوا أن يوضحوا أتوا بشيء يدل على ذلك، ولو لم يقولوا: (يعني) أو يقل: (هو) لفهم كلام من التلميذ، لو كان في الإسناد يزيد بن زريع هكذا بدون كلمة (يعني)، لفهم أن الذي قال يزيد بن زريع: هو محمد بن عبد الله بن بزيع، لكن محمد بن عبد الله بن بزيع قال: يزيد فقط ولا زاد عليها، فمن دونه أتى بكلمة (ابن زريع)، وأتى قبلها بكلمة (يعني)؛ حتى يعرف أن هذا الكلام ليس من التلميذ، وإنما هو ممن دون التلميذ.
    [حدثنا إسرائيل].
    هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وأبو إسحاق السبيعي هو عمرو بن عبد الله الهمداني، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
    فذاك شريك، وأما هذا فهو إسرائيل، ففي تحفة الأشراف في هذا الإسناد: إسرائيل هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وأما ذاك ليس فيه إسرائيل، وإنما فيه شريك، فالمراد به هنا إسرائيل.
    ففي الإسناد الأول شريك، وفي هذا الإسناد: إسرائيل.
    [حدثنا سماك عن جابر بن سمرة].
    وقد مر ذكرهما.
    القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها

    شرح حديث: (كان النبي يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم ويقرأ آيات ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها.
    أخبرنا عمرو بن علي عن عبد الرحمن حدثنا سفيان عن سماك عن جابر بن سمرة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يجلس، ثم يقوم، ويقرأ آيات ويذكر الله عز وجل، وكانت خطبته قصداً، وصلاته قصداً)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القراءة في الخطبة الثانية، والذكر، أي: أن الخطبة الثانية تشتمل على قراءة شيء من القرآن، وعلى ذكر لله عز وجل، وأورد النسائي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يجلس، ثم يقوم ويقرأ آيات ويذكر الله عز وجل)، أي: في الخطبة الثانية، أي: أنها تشتمل على قراءة شيء من القرآن، وعلى ذكر لله عز وجل، أي: الخطبة الثانية.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم ويقرأ آيات ...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، المحدث، الناقد، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكثيراً ما يأتي ذكره في كتب الرجال في الجرح والتعديل، يقال: وثقه الفلاس، ضعفه الفلاس، قال فيه الفلاس كذا، فهو يأتي كثيراً بلقبه الفلاس، وأحياناً يأتي باسمه، ونسبه عمرو بن علي.
    [عن عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، ثبت، عارف بالرجال والعلل، وهو متكلم في الرجال، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    سفيان غير منسوب هنا، فيقال له: مهمل، هذا النوع من أنواع الحديث يقال له: المهمل، كون الشخص يذكر اسمه، ولا يذكر نسبه، فيحتمل عدة أشخاص، هذا يسمى المهمل، كيف يعرف المهمل؟ كيف يميز المهمل بأنه سفيان بن عيينة أو سفيان الثوري؟ يعرف ذلك عن طريق الشيوخ، والتلاميذ، أو عن طريق الأسانيد، عن طريق الإسناد في كونه جاء في بعض الأسانيد ما يدل على أنه هذا أو هذا، وفي تحفة الأشراف هو سفيان الثوري، وفي سنن ابن ماجه: روى الحديث عن سفيان جماعة منهم وكيع، ووكيع معروف بالرواية عن سفيان الثوري، مكثر من الرواية عنه، ومقل من الرواية عن سفيان بن عيينة.
    فإذاً: الرجل المهمل هنا هو سفيان الثوري، وليس سفيان بن عيينة، وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سماك].
    سماك عن جابر بن سمرة، وقد مر ذكرهما.
    الكلام والقيام بعد النزول عن المنبر


    شرح حديث: (كان رسول الله ينزل عن المنبر فيعرض له الرجل فيكلمه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الكلام والقيام بعد النزول عن المنبر.
    أخبرني محمد بن علي بن ميمون حدثنا الفريابي حدثنا جرير بن حازم عن ثابت البناني عن أنس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر، فيعرض له الرجل فيكلمه، فيقوم معه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقضي حاجته، ثم يتقدم إلى مصلاه فيصلي)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الكلام والقيام بعد النزول عن المنبر، أي: أنه إذا نزل من المنبر له أن يقوم، وله أن يتكلم، وله أن يقف، ويتكلم مع من يريد الكلام معه، هذا هو المقصود من الترجمة، فليس بلازم أن يذهب إلى المصلي، ويدخل في الصلاة، وإنما إذا احتاج الأمر أن يتكلم مع أحد، وأن يقف مع أحد، ويحدثه، ويتكلم معه، فإنه لا بأس بذلك، هذا هو الذي تقتضيه الترجمة.
    ثم أورد النسائي في هذا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل من المنبر، فيعرض له الرجل فيقف معه، ويكلمه، ويقضي حاجته، ثم يتقدم إلى مصلاه فيدخل في الصلاة.
    النسائي رحمه الله أورد هذه الترجمة، وأورد تحتها هذا الحديث، وفي إسناد هذا الحديث جرير بن حازم، وهو ثقة، له أوهام، وقد قال بعض العلماء: إنه وهم في هذا الحديث، وإنما المقصود أن كون النبي صلى الله عليه وسلم يقف مع الرجل، ليس بعد نزوله من المنبر يوم الجمعة، وإنما كان في صلاة العشاء، فقد جاء وثبت عن طريق الثقات أنهم حدثوا أنه كانت تقام الصلاة، ثم يقف مع الرجل، ويتكلم معه، ويقضي حاجته، ثم يدخل في الصلاة، أي: يتقدم ويدخل في صلاة العشاء؛ ولهذا الشيخ الألباني ذكر هذا الحديث في الضعيفة وقال: إنه شاذ، والمحفوظ أنه في صلاة العشاء وليس في الجمعة، وقد ذكر الترمذي وكذلك أبو داود أنه ما توبع جرير بن حازم على هذا الحديث، وقال بعضهم: أنه وهم في هذا الحديث، وأن المحفوظ أنه في غير الجمعة، أي: كونه يقف بعد أن تقام الصلاة، ويتكلم مع من يريد الكلام معه، لم يكن هذا في الجمعة، وإنما كان في غيرها، أي: كان في صلاة العشاء.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله ينزل عن المنبر فيعرض له الرجل فيكلمه ...)
    قوله: [أخبرني محمد].
    هو محمد بن علي بن ميمون، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [حدثنا الفريابي].
    هو محمد بن يوسف الفريابي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا جرير بن حازم].
    هو جرير بن حازم البصري، وهو ثقة، له أوهام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثابت البناني].
    هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك] رضي الله تعالى عنه.
    وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، خدمه عشر سنين منذ أن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة حتى توفاه الله عز وجل، وهو: أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين مر ذكرهم آنفاً عند ذكر عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعن أنس وعن الصحابة أجمعين.
    الأسئلة



    حكم قول الخطيب: أستغفر الله لي ولكم بين الخطبتين
    السؤال: هل يا شيخ يجوز أن يقال: أستغفر الله لي ولكم بين الخطبتين؟الشيخ: الذي يخطب خطبة يقول في آخرها: أستغفر الله لي ولكم، جاء في صحيح البخاري في حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه في آخر كتاب الإيمان: أنه لما مات المغيرة بن شعبة قام وخطب الناس وقال: استغفروا لأخيكم، واطلبوا له العفو، فإنه كان يحب العفو، وانتظروا حتى يأتيكم أمير، ثم قال: إني ناصح لكم، ثم استغفر ونزل. فالاستغفار، والنزول جاء في أحاديث، لكن بالنسبة لخطبة الجمعة ما أتذكر.
    حكم التسمي بفراس والتكني به
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل هناك من السلف من تسمى باسم فراس، أو تكنى بأبي فراس؟ وهل هذه التسمية جائزة شرعاً مع العلم أني لم أجدها في كتب السير، والتراجم؟الجواب: قضية الاسم أنا لا أعلم شيئاً يدل على المنع، وأما كونه تسمى به أحد أو ما تسمى به أحد، فما أذكر، لكن أذكر هذا الشاعر الفرزدق كانت كنيته أبو فراس على ما أذكر وغيره مثل أبي فراس المهدي كما في التقريب أخرج له أبو داود والنسائي ويمكن الرجوع إلى كتب التراجم والكنى مثل: كنى الإمام مسلم وغيره.
    الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتأمين على دعاء الخطيب وقت الخطبة
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل ورد الدعاء آخر الخطبة؟ وهل يؤمن الحاضرون؟ وهل يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم خلال الخطبة؟الجواب: نعم، إذا دعا الخطيب يؤمن السامعون، وإذا جاء ذكر النبي عليه الصلاة والسلام يصلون عليه، عليه الصلاة والسلام، وليس هذا من الممنوع منه في حال الخطبة؛ لأن هذا إقبال على الخطبة، ومتابعة للخطيب، وفهم لما يقوله، وهذا مطلوب، وإنما المحذور أن ينشغل عنه، أن ينشغل عن الخطيب، وعن الخطبة، هذا هو الذي يمنع، أما كونه يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يأتي ذكره، أو كونه يؤمن عندما يدعو الإمام، لا مانع من ذلك.
    الحكم في ترجمة العمري ومدى صحة توثيق الشيخ الألباني له
    السؤال: فضيلة الشيخ! يقول: إنه قرأ في ترجمة عبد الله العمري المكبر في السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني في الجزء الثاني أن الشيخ أحمد شاكر وثقه، ووافقه الشيخ الألباني، وذكر أشياء يدافع عنه، فما وجهة نظركم؟الجواب: أنا ما أعرف، المشهور عن عبد الله المكبر بأنه ضعيف، ويميزون بينه، وبين المصغر بأن هذا ثقة وهذا ضعيف. كما قال في التقريب عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بأنه ضعيف.
    الحكم على حديث: (من قرأ قل هو الله أحد والمعوذتين سبع مرات من الجمعة القادمة)
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما صحة الحديث الذي قال: من قرأ قل هو الله أحد والمعوذتين يوم الجمعة سبع مرات من الجمعة القادمة؟الجواب: لا أعرف عنه شيئاً.
    قيام الموظف وقت دوامه بالعبادة بحجة أنه لا يوجد عمل
    السؤال: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله. إذا كان الإنسان يعمل في دائرة حكومة، ويوجد كثير من أوقات الفراغ في أثناء العمل، فهل يجوز له أن يقرأ القرآن أو يتنفل بالصلاة في أثناء هذا الفراغ، وهو لا يعلم مواعيد مراجعة المراجعين؟الجواب: الذي عليه أن يجلس في مكانه، وينتظر المراجعين، لا يذهب يصلي، فيأتي المراجعون، وهو يصلي، لكن إذا جلس يقرأ القرآن من حفظه ينتظر الناس، ما في بأس؛ لأن الناس إذا رأوه جاءوا، لكن كونه يقوم، ويذهب بحجة أن ما فيه أحد، لا، ليس له ذلك.
    حكم الاشتراك بالجمعيات الخاصة بالموظفين
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم التعامل بالجمعيات، يعني: أن يشترك مجموعة في مبلغ من المال يتفقون عليه؟الجواب: والله هذه مسألة اختلف فيها العلماء في هذا الوقت، منهم من أجازها، ومنهم من منعها، والأحوط أن الإنسان يتجنبها؛ لأن فيها شبهة، وأن كل إنسان يعتبر مقرضاً ومقترضاً، كل واحد منهم ما أقرض إلا ليقترض.
    حكم تحويل النية في الصلاة من فرض إلى نفل والعكس
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم تغيير النية في الصلاة؟الجواب: كون الإنسان يكون في نفل ويحولها إلى فرض ليس له ذلك؛ لأن صلاة الفرض لا بد للإنسان أن يبدأها من أولها، وأما كونها فرض ثم يحولها إلى نفل عند أمر اقتضى ذلك، ليس فيه مانع؛ لأن التحويل من فرض إلى نفل.
    كما أن الشفع يحوله إلى وتر، ما فيه مانع أبداً، خاصة إن خشي الفجر كأن يكون أتى بركعة توتر ما مضى، كونه يفوت عليه وقت الوتر، يأتي بالوتر، ولو كان أراد إنه يصلي ركعتين، لكن تبين له أن الوقت قارب أو ضاق، ما فيه بأس.
    حكم هدم المساجد المتقاربة في حين واحد لجمع المصلين
    السؤال: فضيلة الشيخ! إذا كان هناك في الحي الصغير عدة مساجد، فهل يجوز هدم بعضها ليجتمع المصلون في مسجد واحد؟الجواب: إذا كانت متقاربة جداً، فهذا لا يصلح تقاربها الشديد، وليس هناك أمر يقتضيه، قد تكون متقاربة، ولكن هناك أمر يقتضيه، مثل وجود شارع تمر فيه السيارات بكثرة، وهي مع تقاربها يخشى الناس من أخطار السيارات عندما يذهبون، فمثل هذا لا بأس به، أما إذا كانت كلها في مكان واحد، ومتقاربة جداً، فالحكم للأول منها.
    وقت التهجد في الليل
    السؤال: فضيلة الشيخ! من قام الساعة الرابعة قبل الفجر وصلى ما كتب له، هل يعتبر قام للتهجد؟الجواب: التهجد والله أعلم هي صلاة آخر الليل، والإنسان إذا صلى في آخر الليل يعتبر تهجداً، ولكن صلاة التهجد فيه من يصلي ركعتين، وفيه من يصلي أكثر من ذلك.
    مدى صحة القول بأن الإسناد الذي فيه سفيان مهمل
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما صحة القول بأن الإسناد الذي فيه سفيان مهمل، وبينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم اثنين وهو الثوري أو ابن عيينة ؟ الجواب: ما أظنه مستقيماً؛ لأن سفيان بن عيينة وإن كان متأخراً عن سفيان الثوري، إلا أنه متقدم كثير، يعني أدرك صغار التابعين، هو معمَّر أدرك صغار التابعين، روى عن الزهري، والزهري توفي سنة مائة وأربعة وعشرين، وهو توفي سنة مائتين واثنتين وتسعين، بين وفاتيهما مدة طويلة، فأقول: مثل هذا ما يستقيم؛ لأن مثل الزهري من صغار التابعين، وقد أكثر عنه سفيان بن عيينة، فلا يستقيم هذا، سفيان بن عيينة، والزهري يروي عن أنس بن مالك صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم، فبين سفيان بن عيينة وبين الرسول صلى الله عليه وسلم شخصين.
    حكم الأكل متكئاً
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز الأكل متكئاً؟الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إني لا آكل متكئاً)، فهذا يدل على تركه.
    سبب اختلاف أئمة الجرح والتعديل على التوثيق والتضعيف
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما سبب اختلاف أئمة الجرح والتعديل في التضعيف، والتوثيق؟الجواب: أقول: كل على حسب ما بلغه أو ظهر له، هذا هو سبب اختلافهم.
    حكم الصلاة على السقط
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم السقط؟ هل يعتبر ولادة من حيث ترك الصلاة؟الجواب: السقط يصلى عليه، ويدعى لوليه بالرحمة، والأم يعتبر لها ولادة فتعتبر نفساء إذا كان مخلق.
    حكم الإعلان عن شيء بعد الخطبة مباشرة قبل الصلاة
    السؤال: فضيلة الشيخ! بعض الأئمة بعد الانتهاء من الخطبة الثانية يعلن عن أشياء فوق المنبر، كأن يقول: سينعقد اجتماع في المكان الفلاني أو كذا، فهل هذا جائز؟الجواب: ما أعلم فيه شيئاً، لكن لو كان بعد الصلاة قد يكون أولى.
    حكم الجلوس مع المدخنين
    السؤال: فضيلة الشيخ! دعانا أحد الزملاء لوليمة، وكان هناك مدخنون، وجلسة، فهل يجوز علماً بأن المجلس مع المدخنين؟الجواب: إذا كان يعرف أن المجلس سيكون كذلك لا يذهب إليه، وإذا جاء ودخل ينصحهم، إن امتنعوا وإلا قام وترك المجلس.



  12. #272
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (269)


    - (باب عدد صلاة الجمعة) إلى (باب من أدرك ركعة من صلاة الجمعة)

    صلاة الجمعة ركعتان، ويستحب فيها قراءة الجمعة والمنافقون أو (سبح اسم ربك) والغاشية، كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    عدد صلاة الجمعة
    شرح حديث: (صلاة الجمعة ركعتان ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [عدد صلاة الجمعة.أخبرنا علي بن حجر حدثنا شريك عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال عمر: (صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم). قال أبو عبد الرحمن: عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عمر].
    يقول النسائي رحمه الله: عدد صلاة الجمعة، يعني: عدد ركعات صلاة الجمعة، أي: عدد ركعات صلاة الجمعة، وأنها ركعتان. وقد أورد النسائي حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر أي: عيد الفطر؛ ركعتان، وصلاة عيد الأضحى ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم).
    الحديث دال على ما ترجم له المصنف من عدد ركعات صلاة الجمعة، وأنها اثنتان، وهو أمر مجمع عليه بين العلماء أن صلاة الجمعة ركعتان، وقد دل عليها هذا الحديث حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه في كتابه (معارج الأصول إلى معرفة أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم): أنه ما من مسألة إجماعية إلا وهناك دليل يدل عليها؛ لأن مسائل الإجماع تكون مستندة إلى نص، ويقول: إنه ما من مسألة من مسائل الإجماع إلا وهي مستندة إلى نص.
    وابن حزم في كتابه (مراتب الإجماع) قال: إنه ما من مسألة أُجمع عليها إلا وهي مستندة إلى نص إلا القراض. الذي هو المضاربة، وهي نوع من أنواع الشركة، وعلق على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه حتى هذه المسألة جاء فيها النص، وقال: إن هذه المعاملة كانت موجودة في الجاهلية، وأقرها الإسلام، التي هي المضاربة، كون الإنسان يدفع رأس مال لشخص يعمل، وما حصل من ربح فهو بينهما على النسبة التي يتفقان عليها، هذه تسمى المضاربة، وتسمى القراض، وقد أجمع العلماء عليها، وقال ابن حزم: إنها ليست مستندة إلى نص، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنها مستندة إلى نص، وأنها كانت من المعاملات التي كانت في الجاهلية، وجاء الإسلام وأقرها، والسنة هي القول، والفعل والتقرير، إذا فعل شيء في زمنه، وبحضرته عليه الصلاة والسلام، وسكت، ولم ينكره، فإنه يعتبر إقراراً له، وهو عليه الصلاة والسلام لا يقر على باطل، لا يقر إلا على حق، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وكذلك صلاة العيدين الأضحى، والفطر هي ركعتان، وكذلك السفر ركعتان، أي: في غير المغرب؛ لأن المغرب لا تقصر، بل هي ثلاث دائماً وأبداً، ولا يدخلها القصر بالإجماع، بل هي ثلاث كما هي حضراً، وسفراً.
    ثم قال: (تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم)، وهذا قوله: ( تمام غير قصر)، يعني: هذا يدل على ما دل عليه حديث عائشة : أن أول ما فرضت الصلاة ركعتان، فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر، أي: زيد في صلاة الحضر، ومن العلماء من يقول: إنها زيدت في صلاة الحضر، ثم حصل القصر، وقد جاء ذلك في الكتاب، وجاء في السنة الذي هو القصر، وجاءت السنة أن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تجتنب مناهيه.
    وهو يدل على أن القصر إنما هو رخصة، وأنه تخفيف، وما جاء في حديث عائشة كان أولاً، ثم أتمت الصلاة، ثم قصرت الصلاة، أي: الرباعية قصرت في السفر إلى ركعتين.
    ورفع الحديث في قول عمر: (على لسان محمد صلى الله عليه وسلم)؛ لأنه أضافه إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
    والحديث قال فيه النسائي بعد أن أورد الحديث، قال أبو عبد الرحمن: عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عمر. وقال الحافظ في التقريب: واختلف في سماعه من عمر، فمنهم من قال: بأنه لم يسمع منه، ومنهم من قال: إنه سمع، بل قال: إن هذا الحديث نفسه صرح به عبد الرحمن بسماعه من عمر، في بعض طرقه من طريق يزيد بن هارون أن عبد الرحمن بن أبي ليلى صرح بسماعه من عمر، والشيخ الألباني ذكر هذا في الصحيحة، وفي إرواء الغليل أن عبد الرحمن سمع من عمر، وأن هذا الحديث جاء فيه التصريح بأنه أي عبد الرحمن سمعه من عمر؛ فإن الحديث متصل، ثم أيضاً الحديث بالنسبة لما فيه، كل ذلك ثابت، يعني كون صلاة الجمعة ركعتان، والفطر ركعتان، والأضحى ركعتان، والسفر ركعتان، كل هذا ثابت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة الجمعة ركعتان ...)
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا شريك].
    هو ابن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن زبيد].
    هو زبيد اليامي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وليس في الكتب الستة من يسمى زبيد بهذا الاسم سواه، فهو من الأسماء المفردة التي لم تتكرر التسمية بها.
    [عن عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن أبي ليلى المدني، ثم الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمر].
    هو ابن الخطاب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وثاني الخلفاء الراشدين، وأفضل هذه الأمة بعد أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومناقبه جمة، ومناقبه كثيرة، وقد أعز الله تعالى به الإسلام، ومكث في الخلافة عشر سنوات، وأشهراً حصل فيها الفتوحات العظيمة، وانتشر الحق، والهدى في أنحاء الأرض في خلافته، وفتحت الفتوح، بل قضي على الدولتين العظميين في ذلك الزمان، وهما دولة فارس، والروم في خلافته رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    القراءة في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين

    شرح حديث ابن عباس في قراءة سورة الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة أخبرني مخول سمعت مسلماً البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح (ألم تنزيل) و(هل أتى على الإنسان)، وفي صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القراءة في الجمعة بسورة الجمعة، وسورة المنافقين، وأورد فيه النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في فجر يوم الجمعة: (ألم تنزيل) و(هل أتى على الإنسان)، ويقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة، وسورة المنافقين)، سورة الجمعة في الركعة الأولى، وبسورة المنافقين في الركعة الثانية، فالحديث دال على مشروعية قراءة هاتين السورتين في بعض الأحيان؛ فإنه جاء القراءة في الجمعة بالمنافقين، وجاء أيضاً (بسبح اسم ربك الأعلى)، و(هل أتاك حديث الغاشية)، وجاء أيضاً قراءة الجمعة، ومعها (هل أتاك حديث الغاشية)، فالذي جاءت به السنة يؤخذ به، يؤخذ بهذا أحياناً، وبهذا أحياناً، هذا هو هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الذي جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث دال على ما ترجم له المصنف من مشروعية قراءة الجمعة، والمنافقين في صلاة الجمعة.
    وفيه: أيضاً قراءة (ألم تنزيل السجدة)، و(هل أتى على الإنسان) في فجر يوم الجمعة، وقيل في حكمة ذلك: أن هاتين السورتين مشتملتان على المبدأ، والمعاد، وعلى الخلق، والإعادة، ويوم الجمعة حصل فيه خلق آدم الذي هو أبو البشر، ويحصل فيه قيام الساعة، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ففي قراءتهما في فجر ذلك اليوم التذكير بهذه الأمور التي اشتملت عليها هاتان السورتان العظيمتان، وهما: سورة ألم السجدة، و(هل أتى على الإنسان).
    أما بالنسبة لقراءة الجمعة، والمنافقين، فلعل ذلك لكونها مشتملة على ذكر الجمعة، أي: سورة الجمعة، وسورة المنافقون أيضاً مشتملة على بيان صفات المنافقين وأحوالهم، والتحذير من ذلك، وفي آخرها: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ )[المنافقون:9-10]، ففيها أعظم زاجر، وأعظم تنبيه على عدم الاغترار بهذه الحياة الدنيا، والافتتان بها، وأن الإنسان يستعد للدار الآخرة بالأعمال الصالحة، ولا يهمل، ويفرط حتى إذا جاء الأجل تمنى أن يرجع إلى الدنيا ليعمل صالحاً، وأنى له الرجوع؛ لأنه لا يؤخر الأجل إذا جاء الأجل، وإنما على الإنسان أن يعرف أن هذا المصير الذي لا بد منه، وأن العاقل هو الذي يستعد لذلك اليوم، ولذلك الأجل، قبل أن يأتي الأجل، وحتى لا يحصل منه التمني، فهاتان السورتان مشتملتان على معان عظيمة، كالتذكير بهما في هذا اليوم الذي هو يوم الجمعة، وفي اجتماع الناس في الجمعة، في تلاوتهما تذكير، وعبر، وعظات.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في قراءة سورة الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    هو ابن الحارث البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني مخول].
    هو مخول بن راشد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت مسلماً البطين].
    هو مسلم بن عمران البطين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن جبير].
    هو سعيد بن جبير الكوفي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع، فـعبد الله بن عباس هو أحد هؤلاء السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    القراءة في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية

    شرح حديث: (كان رسول الله يقرأ في صلاة الجمعة بـ(سبح اسم ربك الأعلى) و(هل أتاك حديث الغاشية))
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد عن شعبة أخبرني معبد بن خالد عن زيد بن عقبة عن سمرة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القراءة في الجمعة، في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وأورد فيه حديث سمرة بن جندب: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الجمعة) بهاتين السورتين، ولا تنافي بينه، وبين ما جاء في الحديث الذي قبله؛ فإن المقصود أنه يقرأ أحياناً بهاتين السورتين، وأحياناً بهاتين السورتين، فهو يأتي بهاتين السورتين أحياناً، وبهاتين السورتين أحياناً، وهاتان السورتان أيضاً مشتملتان على عبر، وعظات، وعلى زواجر، وتذكير باليوم الآخر، وعدم الارتكان إلى الدنيا، والاشتغال بها، والاستعداد ليوم المعاد، والاستعداد لذلك بالأعمال الصالحة، فهما مشتملتان على هذه الأمور التي في قراءتهما في يوم الجمعة في الصلاة تذكير بما اشتملتا عليه، وتنبيه إلى الاستعداد ليوم المعاد، وذلك بالأعمال الصالحة التي تقرب العبد إلى ربه زلفى، والتي ترفعه عند الله عز وجل وتنفعه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقرأ في صلاة الجمعة بـ(سبح اسم ربك الأعلى) و(هل أتاك حديث الغاشية))
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].وقد مر ذكره.
    [حدثنا خالد بن الحارث البصري].
    وقد مر ذكره.
    [عن شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [أخبرني معبد بن خالد].
    هو معبد بن خالد بن مرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد بن عقبة].
    هو زيد بن عقبة الفزاري الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي، ما خرج له الشيخان ولا ابن ماجه.
    [عن سمرة].
    هو سمرة بن جندب، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    ذكر الاختلاف على النعمان بن بشير في القراءة في صلاة الجمعة
    شرح حديث: ( كان رسول الله يقرأ هل أتاك حديث الغاشية) من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على النعمان بن بشير في القراءة في صلاة الجمعة.أخبرنا قتيبة عن مالك عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله: (أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير: ماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة؟ قال: كان يقرأ هل أتاك حديث الغاشية)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الاختلاف على النعمان بن بشير في القراءة في صلاة الجمعة، وأورد فيه أولاً حديث النعمان الذي فيه: (أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير: ماذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ في يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة؟)، أي: السورة الثانية التي بعدها، فقال: (يقرأ بـ(هل أتاك حديث الغاشية))، وهذا يدلنا على أنه في بعض الأحيان كان يقرأ بهاتين السورتين: سورة الجمعة، وسورة هل أتاك حديث الغاشية، يجمع بين هاتين السورتين، وفي بعض الأحيان يقرأ الجمعة، والمنافقين، وفي بعضها سبح، والغاشية، وفي بعضها الجمعة، وهل أتاك حديث الغاشية.
    فجاء في بعض الروايات عنه: أنه يقرأ بعد الجمعة بـ(هل أتاك حديث الغاشية) كما جاء في هذه الرواية، وهو دال على أنه يقرأ فيها في بعض الأحيان، يقرأ في هاتين السورتين في بعض الأحيان.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقرأ هل أتاك حديث الغاشية) من طريق ثانية
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ضمرة بن سعيد].
    ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبيد الله بن عبد الله].
    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من فقهاء المدينة السبعة المشهورين في عصر التابعين وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير بن العوام، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
    وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة يروي عن النعمان بن بشير، والضحاك ليس من رجال الإسناد، وإنما جاء ذكره في الإسناد؛ لأنه هو الذي سأل، وإلا فإن عبيد الله يروي عن النعمان، ما يروي عن الضحاك؛ لأنه ما قال: حدثني الضحاك أو أخبرني الضحاك أنه سأل، وإنما قال: أنه سأل، فمعناه أن عبيد الله سمع السؤال والجواب، فيكون تلقيه عن المجيب مباشرة وبدون واسطة، فعلى هذا الضحاك بن قيس ليس من رجال الإسناد، وهو صحابي صغير، ورمز له في التقريب بـالنسائي، فلا أدري هل له أحاديث عند النسائي، أو أنه رمز له من أجل ذكره في هذا الحديث؟ وهو ليس من رجال الإسناد، بل هو سائل سأل، والذي يروي عن النعمان وهو: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو الذي سمع السؤال، والجواب، ومن عادة المزي، وكذلك الذين تبعوه، أنهم يرمزون للشخص إذا كان له ذكر في الكتب الستة، ذكر مجرد الذكر، وإن لم يكن راوياً، بل مجرد الذكر يذكرون له ترجمة، ويرمزون له بالكتاب الذي جاء ذكره فيه، مثل: أويس القرني، أويس القرني ما كان له رواية، وإنما جاء ذكره في بعض الأحاديث، وإلا فإنه ليس له رواية، ومع ذلك جاء في التهذيب وما تفرع عنه، في تهذيب الكمال وما تفرع عنه جاء ذكر أويس القرني، وكذلك يأتي أحياناً ذكر أشخاص ليس لهم إلا مجرد الذكر، ويأتي ذكرهم في رجال الكتب الستة، فلا أدري الضحاك هل له رواية، أو أنه مجرد هذا الذكر الذي جاء في هذا الحديث.
    فـعبيد الله يروي عن النعمان بن بشير.
    [عن النعمان بن بشير].
    وهو صحابي صغير؛ لأنه توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، وقد روى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وصرح بالسماع عنه في أحاديث، منها حديث: (الحلال بين والحرام بين)، الحديث المشهور، حديث النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلال بين والحرام بين..)، إلى آخر الحديث، فإنه هنا صرح فيه بأنه سمعه من رسول الله، فلا يعتبر من المراسيل؛ لأن بعض الأحاديث التي يرويها صغار الصحابة مراسيل، يعني عن الصحابة، ولا يؤثر ذلك؛ لأنها محمولة على الاتصال؛ لأن أصلها عن الصحابة، ولكن يأتي أحياناً من هؤلاء الصغار أنهم يصرحون بالسماع من رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما صرح النعمان بن بشير في سماعه حديث: (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات)، وهو في الصحيحين، وقد صرح فيه النعمان بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من صغار الصحابة.
    ومن المعلوم أن الصغير يتحمل في حال صغره، ويؤدي في حال كبره، وأن ذلك معتبر، كما أن الكافر إذا أسلم، وقد تحمل في حال كفره، وأدى بعد إسلامه، فإن ذلك معتبر، وكذلك الصغير سمع في حال صغره، وأدى في حال كبره، كل ذلك معتبر عند العلماء.
    والنعمان بن بشير حديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله عنه وأرضاه.
    شرح حديث: (كان رسول الله يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية ...) من طريق ثالثة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد عن شعبة: أن إبراهيم بن محمد بن المنتشر أخبره سمعت أبي يحدث عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وربما اجتمع العيد، والجمعة فيقرأ بهما فيهما جميعاً)].أورد النسائي حديث النعمان بن بشير، وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، و(هل أتاك حديث الغاشية)، وهو بمعنى الحديث الأول الذي جاء فيه (هل أتاك حديث الغاشية) مع الجمعة، وهذا الحديث فيه أن هل أتاك حديث الغاشية مع (سبح اسم ربك الأعلى)، وكل منهما ثابت، فيقرأ بها أحياناً بالجمعة، و(سبح اسم ربك الأعلى) و(هل أتاك حديث الغاشية)، وأحياناً بالجمعة، وهل أتاك حديث الغاشية، وأحياناً بالجمعة، والمنافقين كما مر في الحديث السابق، فهذا الاختلاف غير مؤثر؛ لأن كل ذلك ثابت، ويقرأ بما جاء في الحديث الأول أحياناً، وبما جاء في الحديث الثاني أحياناً، والاختلاف في كون (هل أتاك حديث الغاشية)، جاء في بعض الأحاديث: أنها تكون مع الجمعة، وفي بعضها: أنها تكون مع (سبح اسم ربك الأعلى).
    تراجم إسناد حديث: (كان رسول الله يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية ...) من طريق ثالثة
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة].وقد مر ذكرهم.
    [أن إبراهيم بن محمد بن المنتشر].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبره، سمعت أبيه].
    هو محمد بن المنتشر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حبيب بن سالم].
    هو مولى النعمان بن بشير وكاتبه، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن النعمان بن بشير].
    وقد مر ذكره.
    من أدرك ركعة من صلاة الجمعة

    شرح حديث: (من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من أدرك ركعة من صلاة الجمعة.أخبرنا قتيبة ومحمد بن منصور واللفظ له عن سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: من أدرك ركعة من الجمعة، أي: ما حكمه؟ والحكم كما دل عليه الحديث أنه أدرك الجمعة، (من أدرك ركعة من الجمعة، فقد أدرك الجمعة)، يضيف إليها أخرى، ويصليها صلاة جمعة ركعتان، أما إذا لم يدرك الركعة الأخيرة من الجمعة، فإنه يدخل مع الإمام، ويدرك فضل الجماعة، ولكنه إذا قام يصلي أربعاً، يصليها ظهراً، لا يصليها جمعة، وإنما إدراك الجمعة بإدراك ركعة مع الإمام، وتدرك الركعة بإدراك الركوع كما هو معلوم.
    وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [(من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك)]، أي: فقد أدرك الجمعة، ويضيف إليها ركعة أخرى، ويصليها صلاة جمعة، أي: ركعتين، ولكنه إذا لم يدرك الركعة، أي: فاته ركوع الركعة الثانية، فإنه يدخل مع الإمام، ولكنه إذا قام يصلي أربعاً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].مر ذكره قريباً.
    [ومحمد بن منصور].
    هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [عن سفيان].
    سفيان غير منسوب، وقتيبة لا يروي إلا عن الزهري، ما يروي عن سفيان الثوري، ومحمد بن منصور الجواز مكي، وسفيان بن عيينة مكي، وللنسائي شيخ آخر اسمه: محمد بن منصور الطوسي، ولكنه إذا ذكر يروي عن سفيان، فالمراد به: المكي، يحمل على المكي؛ لأنه من بلده، وله به خصوصية، أي: بـسفيان بن عيينة؛ لأنه عند الإهمال يحمل على من له به خصوصية، وهنا يكون هو الجواز؛ لأن الجواز مكي، وسفيان بن عيينة مكي، فعند الإطلاق، وعند الإهمال يحمل على من له فيه خصوصية؛ بأن يكون من أهل بلده، وممن يلازمه.
    وسفيان بن عيينة، ثقة، ثبت، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، مشهور بالنسبة إلى جده زهرة يقال له: الزهري، ومشهور بالنسبة إلى جده شهاب يقال له: ابن شهاب، وهو محدث فقيه إمام، وهو من صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع، وقد أشرت إليهم آنفاً.
    [عن أبي هريرة].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
    الأسئلة

    حكم من لم يدرك الركوع من الركعة الأخيرة من صلاة الجمعة
    السؤال: فضيلة الشيخ، بالنسبة لمن جاء متأخراً يوم الجمعة إن كان يعلم أنه فاتته صلاة الجمعة ينوي الظهر وإلا ينوي الجمعة؟الجواب: على كل إذا دخل معه وقد فاتته ركعتان ينويها ظهراً.
    حكم جمع العصر مع الجمعة في السفر أو مع عذر في الحضر
    السؤال: فضيلة الشيخ، هل يجوز جمع العصر مع الجمعة إذا كان هناك مطر ووحل شديد؟الجواب: جمع الجمعة مع العصر لا بأس به، إذا كان هناك أمر يقتضيه بأن تجمع العصر معها، أو يكون الإنسان مثلاً في المسجد الحرام، فيصلي الجمعة ويريد أن يسافر، فيصلي العصر بمائة ألف صلاة، بدل ما يصليها في البر بصلاة واحدة، فيصليها بمائة ألف صلاة هناك، ما فيه بأس.
    حكم لبس خاتم الفضة
    السؤال: فضيلة الشيخ، هل يجوز لبس خاتم الفضة؟الجواب: نعم يجوز، لبس خاتم الفضة جائز، وقد لبسه الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء حديث أنس: (كأني أنظر إلى وبيصه في يده صلى الله عليه وسلم)، يعني: خاتماً من فضة.
    حكم توريث الحمل والنفقة عليه من ماله قبل أن يولد
    السؤال: فضيلة الشيخ، هل الحمل الذي ما زال في بطن أمه يورث؟الجواب: نعم، الحمل يورث، كما هو معروف في أبواب الفقه في باب ميراث الحمل.
    وله طريقة خاصة يعني: أنه يقدر كذا، إن قدر كذا فيكون كذا، فهو موجود له باب في أبواب الفرائض كيفية ميراث الحمل.
    أما الإنفاق فإذا كان أحد سيتبرع بالإنفاق عليه، وما دام أن له مالاً، فيمكن إذا كان ما هناك من يقوم بالإنفاق عليه، فإنه ينفق عليه من ماله.
    مدى أحقية الزوجة بتركة زوجها الميت من أثاث البيت وبقية الورثة
    السؤال: أثاث البيت هل هو من حق زوجة المتوفى أو من حق جميع الورثة؟الجواب: هو ميراثهم، كل ما يتركه الميت فهو ميراث، لا يختص به أحد دون أحد.
    المقصود بقراءة (ألم السجدة) يوم الجمعة
    السؤال: فضيلة الشيخ، هناك من يقرأ بعض سورة السجدة في صلاة الفجر يوم الجمعة، وهي الآيات المشتملة على السجدة، ويكتفي بذلك دون قراءة السورة بكاملها، وهل من السنة قراءة بعض الآيات التي فيها سجدة من غير سورة السجدة في نفس الصلاة؟الجواب: السنة أن تقرأ السورتان معاً كما جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذا هو المشروع والمستحب، وأما قراءة آيات فيها سجدة ليست ألم السجدة، وتخصيص ذلك بالجمعة، فلا ينبغي هذا؛ لأنه ليس المقصود السجدة، وإنما المقصود قراءة ألم السجدة، ما هي القضية قضية وجود سجدة في الصلاة، فيبحث عن سورة أخرى يسجد فيها، وإنما المقصود قراءة هذه السورة وهي مشتملة على سجدة، ومعها سورة هل أتى على الإنسان.
    المقصود من قول عمر (تمام غير قصر)
    السؤال: فضيلة الشيخ، في الحديث الذي قال فيه عمر: (تمام غير قصر)، هل هي صفة للجميع أو لصلاة السفر؟ الجواب: يبدو أنها للسفر فقط؛ لأن تمام غير قصر المقصود به: السفر، وأنا ذكرت أن هذا يتفق مع ما جاء في حديث عائشة: (أن صلاة السفر ركعتان، فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر).
    حكم الحجاج عند العلماء
    السؤال: فضيلة الشيخ، هل من العلماء المتقدمين من كفَّر الحجاج ؟الجواب: لا أعلم، لا أعلم أحداً كفره، بل كانوا يصلون وراءه.
    الجزء من الكلب الذي يغسل منه سبعاً
    السؤال: هل من مس كلباً وهو مبلول يغسل سبعاً؟الجواب: لا، إذا كان لمس جلده ما يغسل، أقول: لأن الغسل جاء في ولوغه وفي لعابه، وأما مجرد لمس جسده ما يكون الإنسان لمس نجاسة.
    حكم تحمل الصغير وروايته قبل الكبر
    السؤال: هل تقبل رواية الصغير وهو صغير؟الجواب: لا، كونه يؤدي في حال صغره ما تقبل، وإنما يتحمل في حال صغره ويؤدي في حال كبره.
    من الكتب المشهورة في الناسخ والمنسوخ
    السؤال: يسأل عن كتاب في الناسخ والمنسوخ؟الجواب: كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار وهو للحازمي، لـأبي بكر الحازمي، هذا هو من الكتب المشهورة في هذا الفن.
    السبب في عدم ذكر الشيخ العباد في شرح النسائي أقوال الأئمة والخلاف المسائل
    السؤال: فضيلة الشيخ، ما أسمعكم تذكرون مذاهب الأئمة فيما تذكرون في شروح الأحاديث؟الجواب: كما هو معلوم أنا ما التزمت أني أذكر أقوال القائلين، وإنما أذكر ما يدل عليه الحديث، ما يدل عليه دون أن أذكر من قال بالأقوال إذا كان مختلفاً، إذا كانت المسألة فيها خلاف أذكر القائلين، أنا ليست هذه من عادتي، وإنما أشير إلى الخلاف، وأن بعض العلماء قال كذا، وبعضهم قال كذا، لا أذكر الأئمة ولا غيرهم.
    حقيقة المجاز في القرآن واللغة العربية
    السؤال: فضيلة الشيخ، هل في القرآن أو السنة مجاز؟الجواب: القرآن ليس فيه مجاز، وهو أسلوب من أساليب اللغة العربية الحقيقة، والذي يسمونه مجازاً كله حقيقة، إلا أن هذا قليل الاستعمال، وهذا كثير الاستعمال، أقول: هذا يستعمل في اللغة بكثرة، وهذا يستعمل في اللغة بقلة، وكله يقال له: حقيقة ولا يقال له: مجاز، فليس في القرآن مجاز، بل ليس في اللغة العربية؛ لأن المسألة فيها أقوال ثلاثة، منهم من يقول بالمجاز في اللغة والقرآن، ومنهم من يقول بعدمه فيهما، ومنهم من يقول بإثباته في اللغة وعدم إثباته في القرآن.
    المقصود من كلمة (تمام) في حديث عائشة
    السؤال: فضيلة الشيخ، إذا كانت كلمة (تمام) صفة لصلاة السفر، فما المقصود من معنى (تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم)؟الجواب: أنا قلت: إن المقصود من هذا أن هذه هي صلاة السفر، مثلما جاء في حديث عائشة: (أنها أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر)، فهي غير مقصورة.


  13. #273
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (270)

    - كتاب تقصير الصلاة في السفر

    اختار الله تعالى لهذه الأمة من الأمور أيسرها، وخفف عنها ما لم يخففه عن غيرها من الأمم، ومن هذه الأمور: قصر الصلاة وجمعها في السفر، وهي سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله، وكذلك صحابته من بعده، وهي صدقة تصدق الله بها على عباده.
    تقصير الصلاة في السفر
    شرح حديث: (... إنها صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب تقصير الصلاة في السفر.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن إدريس أخبرنا ابن جريج عن ابن أبي عمار عن عبد الله بن بابيه عن يعلى بن أمية قلت لـعمر بن الخطاب: ((فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا )[النساء:101]، فقد أمن الناس، فقال عمر رضي الله عنه: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)].
    يقول النسائي رحمه الله في هذه الترجمة: كتاب تقصير الصلاة. المراد من هذا الكتاب أي: الأحكام المتعلقة بالقصر، أي: قصر الرباعية إلى اثنتين في السفر، وقد أورد النسائي رحمه الله هذا الكتاب بعد كتاب الجمعة، وبعد الكتب المتقدمة؛ لأن الكتب المتقدمة قبل الجمعة هي تتعلق بالصلاة المفروضة التي فرضها الله عز وجل على عباده في اليوم والليلة خمس مرات، ثم أتى بعده بكتاب الجمعة، الذي هو فرض في الأسبوع يُصلى على هيئة خاصة، ولما فرغ مما يتعلق بالصلاة فيما يتعلق بتمامها، وفيما يتعلق بالجمعة، أورد هذا الكتاب الذي يتعلق بقصرها في السفر، وهو: أن الرباعية تُقصر إلى اثنتين، وتُصلى ركعتين بدل من أن تُصلى أربعاً كما كان في الحضر، فكان هذا الترتيب مناسباً من جهة أنه ذكر أولاً ألأبواب المتعلقة بالصلاة، وصفتها، وأحكامها، وصلاة الجماعة وما يتعلق بذلك، ثم ذكر الجمعة التي هي فرض مرة واحدة في الأسبوع، يأتي على هيئة معينة، ثم ذكر صلاة المسافر، وأنها تكون ركعتين بالنسبة للرباعية.
    وقد أورد النسائي أولاً: حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، عندما سأله يعلى بن أمية رضي الله تعالى عنه، وقال: (إن الله عز وجل يقول: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا )[النساء:101]، وقد أمن الناس أي: فكيف الناس يقصرون مع أن القرآن إنما جاء بذكر الخوف، والناس قد أمنوا، فقال: إنني قد عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنها صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)، أي: أن القصر في السفر جاءت به السنة، وأنها رخصة، وأنها صدقة تصدق الله بها على عباده، فاقبلوا رخصته، ومن المعلوم أن الأحكام الشرعية إنما تؤخذ من الكتاب، وتؤخذ من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
    وهذا الحديث دال على أن القصر في السفر مع الأمن، إنما هو مستفاد من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودالة عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة، منها هذا الحديث، وفي الحديث بيان أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام كانوا يرجعون إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما لا يتضح لهم من الآيات القرآنية، وكذلك الصحابة يرجع بعضهم إلى بعض؛ لأن يعلى بن أمية سأل عمر، وكان عمر قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآية التي ذكر فيها الخوف، والمسافر إنما يصلي ركعتين، وكون ذلك في حال الأمن، والآية إنما جاءت في حال الخوف، فبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أن هذه صدقة تصدق الله تعالى بها على عباده، فاقبلوا صدقته، فالسنة دالة في أحاديث عديدة على قصر الصلاة، وأنها تكون ركعتين في السفر، ومنها هذا الحديث.
    ثم أيضاً: الحديث يدل على اعتبار مفهوم المخالفة؛ لأن يعلى بن أمية سأل عمر؛ ولأن النص فيه ذكر الخوف، ومعناه: أنه غيره إنما يكون بخلافه، وكذلك عمر استشكل هذا الذي استشكله ابن أمية، وسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام، فبين أن هذا الحكم -الذي هو القصر في السفر- إنما هو ثابت في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنها صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته).
    تراجم رجال إسناد حديث: (... إنها صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، ثبت، مجتهد، محدث، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، وكلمة (ابن راهويه)، هذه من الألفاظ التي هي مختومة بالواو، والياء، والهاء، المحدثون ينطقون بها بهذه الصيغة فيقولون: راهْويه، بسكون الواو وضم ما قبلها وفتح الياء التي بعدها وسكون الهاء، وأما أهل اللغة فإنهم يأتون بها مفتوحة الواو ساكنة الياء فيقولون: راهَويه.
    [أخبرنا عبد الله بن إدريس].
    ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، مشهور بالنسبة إلى جده، وهو ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي عمار].
    هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله بن بابيه].
    ويقال: ابن باباه، ويقال: ابن بابي بدون (ها)، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن يعلى بن أمية].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويقال له: يعلى بن منية، وهي: أمه، وهو: صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وهو: عمر بن الخطاب، ذو المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وقد ولي الخلافة ومكث فيها عشر سنوات وأشهر، اتسعت فيها البلاد الإسلامية، وكثرت الفتوحات، وفتحت الشام، وفتحت بلاد فارس والروم، وقضي على الدولتين العظميين اللتين كانتا في ذلك الزمان؛ في زمن خلافته، وأوتي بكنوزهما، وأُنفقت في سبيل الله على يدي الفاروق، كما أخبر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام في قوله: (لتنفقن كنوزهما في سبيل الله)، فأما الجيوش المظفرة التي أرسلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد قضت على تلك الدولتين، وأتت بكنوز كسرى وقيصر، وأُنفقت في سبيل الله كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    شرح حديث ابن عمر: (إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن ولا نجد صلاة السفر في القرآن...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أمية بن عبد الله بن خالد: أنه قال لـعبد الله بن عمر: إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السفر في القرآن؟ فقال له ابن عمر: يا ابن أخي! إن الله عز وجل بعث إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئاً، وإنما نفعل كما رأينا محمداً صلى الله عليه وسلم يفعل].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر، وهو: بمعنى حديث أبيه عمر رضي الله عنه؛ لأن عمر رضي الله عنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صدقة تصدق الله بها عليكم)، أي: أنه جاءت به السنة عن رسول الله، وهنا ابن عمر سئل: أننا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السفر؟ فكان جواب عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: بعث الله فينا محمداً صلى الله عليه وسلم ولم نكن نعلم شيئاً، يعني: ما كنا نعلم شيئاً من الحق والهدى حتى جاءنا رسول الله عليه الصلاة والسلام بالكتاب والسنة، وإنما نفعل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، أي: نقصر الصلاة في السفر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصر؛ إذاً: قصر الصلاة في السفر جاءت به سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام من قوله وفعله، فحديث عمر المتقدم فيه القول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)، وأما حديث ابن عمر؛ فإنه ذكر الفعل، وأنه قال: إنما كنا نقصر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان يقصر الصلاة في السفر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصر.
    وفي هذا بيان أن السنة أصل في القرآن، وأنه يجب الأخذ بما جاء فيها، كما يجب الأخذ بالقرآن، وأنه لا بد من العمل بهما جميعاً، يُعمل بالقرآن كما يعمل السنة، ويُعمل بالسنة كما يُعمل بالقرآن، وقول الذي سأل ابن عمر: إنا كنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف، يقصد بصلاة الحضر ما جاء من الآيات التي فيها إطلاق الصلاة، هذا هو ما يتعلق بالنسبة لصلاة الحضر.
    وأما الخوف ففي قوله: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا )[النساء:101]؛ فإن هذا في صلاة القصر، وكان جواب عبد الله بن عمر: أن صلاة القصر في السفر جاءت بها سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام من فعله، وأننا نفعل كما رأينا النبي عليه الصلاة والسلام يفعل، وفي هذا بيان على ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم من الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، وأنهم يتابعونه في أقواله، وأفعاله، وتقريراته عليه الصلاة والسلام؛ لأن السنة قول من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفعل منه، وتقرير منه لغيره ممن فعل شيء بحضرته، وأقره على ذلك، ولم ينكر عليه، وهو عليه الصلاة والسلام لا يقر على باطل، ولا يسكت على باطل.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن ولا نجد صلاة السفر في القرآن...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو ابن سعد المصري، المحدث، الفقيه، فقيه مصر ومحدثها، وهو إمام مشهور، وثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى زهرة بن كلاب، ويلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب الذي هو أبو قصي، وزهرة، أبو قصي بن كلاب، وهو: مشهور بهاتين النسبتين إلى جده زهرة فيقال له: الزهري، وإلى جده شهاب فيقال: ابن شهاب، وهو جد جده الذي هو ابن شهاب أحد أجداده، وهو ثقة، إمام، فقيه، مشهور، هو من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام].
    أبوه هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، الذي هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع، وعبد الله هذا صدوق، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري، ومسلم، ولا أبو داود، والترمذي، وإنما خرج له النسائي، وابن ماجه.
    [عن أمية بن عبد الله بن خالد].
    ثقة، أخرج له النسائي، وابن ماجه، مثل تلميذه عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأمية بن عبد الله بن خالد، كل منهما خرج حديثه النسائي، وابن ماجه، إلا أن الأول صدوق، وأما الثاني: فهو ثقة.
    أنه سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما هذا السؤال، وهو أنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن ولا نجد صلاة السفر؟ فقال: إن الله بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئاً، ما كنا نعلم شيئاً من الحق والهدى الذي جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام قبل أن يأتينا، ثم جاءنا الله تعالى بالحق والهدى على يدي الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما نفعل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، أي: نقصر كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يقصر، فنحن نقصر الصلاة في السفر اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام، حيث كان يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (أن رسول الله خرج من مكة إلى المدينة لا يخاف إلا الله رب العالمين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا هشيم عن منصور بن زاذان عن ابن سيرين عن ابن عباس رضي الله عنهما، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خرج من مكة إلى المدينة لا يخاف إلا رب العالمين يصلي ركعتين).أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي عليه الصلاة السلام خرج من مكة إلى المدينة لا يخاف إلا رب العالمين يصلي ركعتين) يعني: يصلي في السفر ركعتين من غير خوف، والذي جاء في القرآن فيه ذكر الخوف، وهنا فيه بيان أنه صلى الله عليه وسلم كان يقصر مع الأمن وبدون خوف.
    وقوله: (لا يخاف إلا رب العالمين) أي: لا يخاف من أحد من الناس، ومن المعلوم أن الله تعالى يُخاف دائماً وأبداً، وأما المخلوقين فيُخافون في بعض الأحيان دون بعض، ولهذا شرعت الصلاة على وجه مخصوص، وهي: صلاة الخوف، وإذا ذهب الخوف تُصلى الصلاة كما كانت تُصلى بدون خوف، ولهذا قال: (لا يخاف إلا رب العالمين)، فهذا فيه بيان أن القصر إنما جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه مع الأمن وفي السفر، وليس مقيداً بالخوف؛ لأن المسألة ليست مقصورة على الخوف؛ بل أيضاً مع الأمن، ومع ذلك كان يصلي ركعتين.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله خرج من مكة إلى المدينة لا يخاف إلا الله رب العالمين ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
    [عن هشيم].
    هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، ثبت، كثير التدليس، والإرسال الخفي.
    والمقصود بالإرسال الخفي هو: أن يروي الشخص عمن عاصره، ولم يعرف أنه لقيه، يروي الشخص عمن عاصره ولم يُعرف أنه لقيه؛ فإن هذا يُقال له: إرسال خفي؛ لأنه يحتمل أنه لقيه؛ لأنه معاصر له، أما إذا كان الشخص لم يدرك عصره، فهذا إرسال جلي، وإرسال واضح، أي: كون الإنسان يروي عن إنسان مات قبل أن يولد، ويكون بينه وبينه مسافة طويلة، فهذا يُقال له: إرسال جلي؛ لأنه واضح أن فيه انقطاع، لكن إذا كان الشخص معاصر لمن روى عنه، ولم يعرف أنه لقيه، فهذا هو المرسل الخفي، ووصف بالخفاء لأنه ضد الجلي؛ ولأنه محتمل اللقيا، لكنها لم تثبت، فهو يعتبر من قبيل الإرسال الخفي، ولهذا فإن الفرق بين التدليس والإرسال الخفي: أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاءه إياه، يعني: شيخ من مشايخه عُرف لقاؤه إياه، يروي عنه ما لم يسمع منه بلفظ موهم السماع، كعن أو قال، مع أنه شيخ من شيوخه، معروف بالرواية عنه، وأما الإرسال الخفي: فهو أن يروي عمن عاصره، ولم يعرف أنه لقيه، فـهشيم بن بشير كثير التدليس، والإرسال الخفي.
    وحديث هشيم بن بشير الواسطي أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور بن زاذان].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن سيرين].
    هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب].
    هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، الذين وصفوا بلقب العبادلة الأربعة، وهم: أربعة من صغار الصحابة في عصر واحد متقاربون في السن، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمر بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وأيضاً هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    شرح حديث: (كنا نسير مع رسول الله بين مكة والمدينة ...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا ابن عون عن محمد عن ابن عباس قال: (كنا نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة لا نخاف إلا الله عز وجل نصلي ركعتين)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهي: بمعنى الطريق السابقة، أنهم كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة لا يخافون إلا الله، يصلون ركعتين، فيقصرون الرباعية، ويجعلونها اثنتين، مع أنه ليس هناك خوف؛ بل هم آمنون، فهذا مثل الذي قبله دال على أن قصر الصلاة في السفر جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله كما في حديث عمر المتقدم، ومن فعله كما جاء في حديث ابن عمر وحديث ابن عباس، الذي جاء من طريقين، هذه الطريق، والطريق الأولى التي قبلها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كنا نسير مع رسول الله بين مكة والمدينة..) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    هو ابن الحارث، وإذا جاء محمد بن عبد الأعلى يروي عن خالد، وهذا كثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد فيروي عن خالد غير منسوب، فالمراد به خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن عون].
    هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو ابن سيرين، وقد مر ذكره.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث: (رأيت عمر يصلي بذي الحليفة ركعتين ... فقال:إنما أفعل ما رأيت رسول الله يفعل)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر بن شميل أخبرنا شعبة عن يزيد بن خمير سمعت حبيب بن عبيد يحدث عن جبير بن نفير عن ابن السمط قال: (رأيت عمر بن الخطاب يصلي بذي الحليفة ركعتين، فسألته عن ذلك؟ فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل)].أورد النسائي حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أنه صلى ركعتين في ذي الحليفة، ولما سئل عن ذلك؟ قال: (إنما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل)، وهو: دال على جواز قصر الصلاة في السفر مع الأمن، وأنه يصلي الرباعية ركعتين، وفيه أيضاً دليل على أنه إذا خرج من بلده وجاوز البيوت فإنه يصلي ما دام أنه سافر سفراً تُقصر فيه الصلاة، فيبدأ بأحكام السفر؛ لأن عمر رضي الله عنه وأرضاه خرج من المدينة، وقصر في ذي حليفة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان قد قصر في ذي الحليفة لما خرج في حجة الوادع، فصلى الظهر أربعاً ثم خرج، وصلى بذي الحليفة العصر ركعتين.
    فحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه دال على القصر في السفر، وأن المعول عليه في ذلك الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال: (إنما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل)، وفيه أيضاً كما ذكرت، الدلالة على أن أحكام السفر تبدأ من حين ما يجاوز المسافر البلد الذي سافر منه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت عمر يصلي بذي الحليفة ركعتين ... فقال:إنما أفعل ما رأيت رسول الله يفعل)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وقد مر ذكره.
    [أخبرنا النضر بن شميل].
    ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن خمير].
    صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    ويزيد بن خمير، حمصي، والذي بعده حمصي، ثلاثة حمصيون، وكلهم أخرج لهم البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنة الأربعة، والأول صدوق والآخران ثقات، يزيد بن خمير، وحبيب بن عبيد، وجبير بن نفير.
    [عن ابن السمط].
    هو شرحبيل بن السمط، وقيل: له وفادة، أي: ممن وفد على رسول الله عليه الصلاة والسلام فله صحبه، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [قال: رأيت عمر بن الخطاب].
    يعني: ابن السمط وهو الذي سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
    شرح حديث أنس: (خرجت مع رسول الله من مكة إلى المدينة فلم يزل يقصر ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس قال: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فلم يزل يقصر حتى رجع فأقام بها عشراً)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فلم يزل يقصر حتى رجع)، أي: إلى المدينة، (وقام بها عشراً)، أي: بمكة. والمقصود بهذا: أنه كان ذلك في حجة الوداع، وأنه أقام بمكة وما حولها، وليست الإقامة كلها بمكة، بل بعضها بعرفة، وبعضها بمنى، وجملة ذلك عشرة أيام، وكان يقصر الصلاة، لكن البلد الذي أقام به وهو مكة أربعة أيام من اليوم الرابع إلى اليوم الثامن، وكان يقصر الصلاة، ثم بعد ذلك انتقل إلى منى، وجلس فيها اليوم الثامن، ثم ذهب إلى عرفة اليوم التاسع، ثم رجع إلى منى، وجلس فيها يوم العيد، والثلاثة الأيام التي بعده، وكانت مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة وما حولها عشرة أيام، وكان يقصر الصلاة منذ خرج من المدينة إلى أن رجع إليها، وهو دال على ما ترجم له النسائي من حيث أن المسافر يقصر الصلاة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان في حجة الوداع منذ خرج من المدينة إلى أن رجع إليها وهو يقصر الصلاة، لكنه ما أقام في مكان واحد أكثر من أربعة أيام؛ بل إقامته بمكة أربعة أيام، ثم بمنى يوم، ثم بعرفة يوم، ثم رجع إلى منى وأقام بها يوم العيد، والثلاثة الأيام التي بعده، وخرج في آخر اليوم في الثالث عشر، حيث تأخر ولم يتعجل عليه الصلاة والسلام، ونزل بالمحصب الذي هو: الأبطح، فالحديث دال على قصر الصلاة في السفر، وأنه ثابت بسنة رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس: (خرجت مع رسول الله من مكة إلى المدينة فلم يزل يقصر ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
    [حدثنا أبو عوانة].
    هو الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، مشهور بكنيته أبي عوانة، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، وممن أشتهر أيضاً بكنية أبي عوانة، صاحب المستخرج على صحيح مسلم: أبو عوانة الإسفراييني، وله كتاب يقال له: المستخرج، ويُقال له: الصحيح، ويُقال له: المسند، وكل هذه صفات له، فهو صحيح؛ لأنه مبني على كتاب صحيح، وهو مستخرج؛ لأنه مستخرج على كتاب معين، وهو مسند؛ لأنه بالأسانيد يرويه بأسانيده منه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [عن يحيى بن أبي إسحاق].
    هو البصري الحضرمي مولاهم، وهو صدوق ربما أخطأ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهذا الإسناد إسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي، قتيبة، وأبو عوانة، ويحيى بن أبي إسحاق، وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فهؤلاء أربعة بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ ولأن أعلى ما عنده الرباعيات، ليس عنده ثلاثيات في شيء، وأصحاب الكتب الستة ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، وثلاثة منهم ليس عندهم ثلاثيات، فأما الذين عندهم ثلاثيات فهم: البخاري، والترمذي، وابن ماجه، البخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية، وهي بإسناد واحد، وإسناده ضعيف، وهي خمسة بإسناد واحد وذلك الإسناد ضعيف، وأما الثلاثة الذين ليس عندهم ثلاثيات، بل أعلى ما عندهم الرباعيات، فهم: مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    شرح حديث ابن مسعود: (صليت مع رسول الله في السفر ركعتين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال أبي: أنبأنا أبو حمزة وهو: السكري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله تعالى عنه، قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين رضي الله عنهما)].أورد النسائي في هذه الترجمة حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وفيه (أنه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين)، ومع عمر ركعتين، ففيه إثبات صلاة القصر، وأنها ثابتة بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام والخليفتين الراشدين من بعده. فهو دال على ما ترجم له المصنف من تقصير صلاته في السفر.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (صليت مع رسول الله في السفر ركعتين ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق].ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [قال أبي].
    هو علي بن الحسن بن شقيق، وهو: المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أنبأنا أبو حمزة وهو السكري].
    هو محمد بن ميمون المروزي، ويقال له: السكري، وإنما قيل له: السكري؛ إشارة إلى حلاوة منطقه، وإلى حسن تعبيره، فهذه سبب النسبة، وهي نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن؛ لأن الذي يسبق إلى الذهن نسبة إلى السكر، لكن هنا نسبة إلى حلاوة المنطق، وأنه يشبه السكر في حلاوة منطقه، وهو مشهور بكنيته أبي حمزة، وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة (هو السكري)، هذه أتى بها من دون تلميذه، وهو: محمد بن علي بن الحسن بن شقيق أو النسائي أو من دون النسائي، هؤلاء هم الذين يحتمل أن يكونوا قالوا: هو السكري) وأما تلميذه علي بن الحسن بن شقيق فلا يحتاج إلى أن يقول: السكري، وإنما يقول: فلان بن فلان، وينسبه كما يريد.
    [عن منصور].
    هو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من أقران الأعمش.
    [عن إبراهيم].
    هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن علقمة].
    هو ابن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن مسعود الهدلي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من المهاجرين، وهو من علماء الصحابة، وقد قال بعض العلماء: أنه أحد العبادلة الأربعة، ولكن الصحيح أن العبادلة الأربعة كلهم من صغار الصحابة.
    ولأن ابن مسعود توفي سنة اثنتين وثلاثين في أواخر خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديث عبد الله بن مسعود أخرجه أصحاب الكتب الستة فليس داخلاً معهم.
    الأسئلة


    بداية القصر في صلاة المسافر إن اتصل العمران
    السؤال: شيخنا حفظكم الله! ذكرتم بأن الإنسان يبدأ القصر إذا جاوز العمران، الآن في بعض البلاد قد تصل العمران فيها عشرات الكيلو مترات أو زيادة؟الجواب: إذا اتسع البلد وامتد فإنه يكون من ضمن البلد، الأماكن التي حول البلد إذا وصلها العمران وامتد إليها بحيث أن العمران انتشر وامتد فإنه يعتبر من البلد، فلا تقصر الصلاة فيها، حتى يكون الإنسان قد خرج من البنيان، ومن الامتداد الذي قد حصل؛ لأن الامتداد إذا حصل والتوسع في البنيان؛ فإنه لا تقصر الصلاة فيه.
    وحديث مكان ذي الحليفة، يعني: إذا كان البنيان امتد إليه ووصل -أنا ما أتذكر الآن هل وصل إليه من غير انقطاع ومن غير تقطع- إذا كان وصل إليه يصلي من المدينة وليس خارج المدينة؛ لأن كل البنيان إذا امتد وانتشر؛ فإنه يكون في المدينة، ولو كان خارج الحرم؛ لأن الحرم شيء، والمدينة شيء، قد يطلق على المكان أنه مدينة وليس حرم؛ لأن الحرم محصور بحدود معينة، فإذا امتد البنيان وخرج عن الحرم يُقال: من المدينة، ولا يقال: من الحرم، أي: إذا خرج عن الحرم.
    حكم القصر في السفر بين العزيمة والرخصة
    السؤال: هل القصر في السفر عزيمة أم رخصة؟ وما هو الدليل؟الجواب: هذا فيه خلاف بين العلماء، فبعض العلماء قالوا: أنه عزيمة، ويستدل على ذلك بحديث أم المؤمنين عائشة: (أول ما فرضت الصلاة ركعتين أقرت صلاة السفر وزيدت في صلاة الحضر)، وكذلك ما جاء في حديث عمر رضي الله عنه: (إتمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: بأنه رخصة؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته).
    الأفضلية بين صلاة المسافر قصراً أو مع الجماعة إتماماً
    السؤال: أيهما أفضل: القصر في السفر، أم صلاة الجماعة للمسافر؟الجواب: الإنسان في السفر يصلي صلاة جماعة، ولا يترك الإنسان في السفر صلاة الجماعة؛ لأن الله تعالى أوجب الجماعة حتى مع الخوف، وهذا دليل على أن الجماعة واجبة، وأن الله تعالى شرعها حتى في الخوف، فكذلك في السفر، والناس إذا كانوا جماعة يصلون جماعة، وإذا كان الإنسان في بلد وسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؛ فإنه يخرج ويصلي مع الجماعة، لكنه إن صلى وحده، أو جاء بعدما فاتته الصلاة؛ فإنه يصليها ركعتين، ولكنه إذا صلى وراء إمام مقيم فإنه يتم، كما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قيل له: ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى وراء إمام يتم قال ابن عباس رضي الله عنه: (تلك السنة)، أي: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    مدى صحة القول بأن صوت المرأة عورة
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل صوت المرأة عورة؟الجواب: صوت المرأة ليس بعورة إلا إذا كان فيه افتتان، كالتلذذ به وسماعه من أجل التلذذ، فالتلذذ لا يجوز، أما إذا كان للحاجة فيما يتعلق ببيع، وشراء، أو غير ذلك، أو استفتاء، أو ما إلى ذلك من الأمور، فإنه لا مانع من الكلام مع النساء مع أمن الفتنة، لكن إذا كان هناك صوت يتلذذ به الإنسان فإنه لا يجوز، كما قال الله عز وجل: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ )[الأحزاب:32]؛ لأنه إذا كان الصوت فيه شيء يؤدي إلى التلذذ فيه، وسماعه من أجل التلذذ لا يجوز ولا يسوغ.
    حد الرجال الذين تقوم بهم الجمعة
    السؤال: فضيلة الشيخ! كم عدد الأشخاص الذين تقام بهم جمعة؟
    الجواب: ليس هناك حد معين.



  14. #274
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (271)

    - كتاب تقصير الصلاة في السفر - باب الصلاة بمكة
    صلاة المسافر ركعتان ما لم يأتم بمقيم، وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عباس.
    تقصير الصلاة في السفر
    شرح حديث: (صلاة الجمعة ركعتان ... والسفر ركعتان)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حميد بن مسعدة عن سفيان وهو ابن حبيب عن شعبة عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر قال: (صلاة الجمعة ركعتان، والفطر ركعتان، والنحر ركعتان، والسفر ركعتان، تمام غير قصر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم)].هذا الحديث من الأحاديث التي أوردها النسائي تحت كتاب تقصير الصلاة في السفر، وقد مر أحاديث عديدة تتعلق بأحكام السفر، وأن صلاة السفر ركعتان، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيما إذا صلى المسافرون وحدهم، أما إذا صلوا وراء إمام مقيم يتم، فإن المسافر عليه أن يصلي صلاة المقيم، ولو لم يدرك من الصلاة إلا آخرها؛ فإنه إذا قام يقضي فلا بد أن يقضي صلاة المقيم وهي أربع، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: جاءت بأن المسافر إذا صلى صلاة وراء مقيم فإنه يتم كصلاة المقيم، وذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سئل: ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى وراء إمام أتم؟ قال: تلك السنة؛ أي: تلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وقد مر جملة من الأحاديث في هذه الترجمة، وبقي بعض الأحاديث؛ أولها: حديث عمر رضي الله عنه: [صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة النحر ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم]، والحديث قد مر في الجمعة، وفي بيان مقدار صلاة الجمعة، وأنها ركعتان، وهنا أورده من أجل اشتماله على بيان صلاة المسافر، وأنها ركعتان، وقد مر الحديث، وهو من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر رضي الله تعالى عنه، فقال النسائي عقبه هناك: عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عمر، وذكرت في ما مضى: أن الحافظ ابن حجر قال: مختلف في سماعه من عمر، لكن القول بكونه سمع منه هو الصحيح، وقد جاء مصرحاً به -أي: بالسماع- في روايته هذا الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو حديث: صلاة الجمعة ركعتان... إلخ.
    وذكره بعض أهل العلم -ومنهم: مسلم في مقدمة صحيحه- أنه سمع من عمر، والحديث أورده من أجل ما جاء في آخره، وصلاة السفر ركعتان تمام من غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
    وقوله: [على لسان محمد صلى الله عليه وسلم] أي: أن الله تعالى فرض هذه الفرائض، وأنها من الله عز وجل، ولكنها جاءت في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن السنة هي التي تبين القرآن، وتوضحه، وتدل عليه، ويجب التعويل عليها كما يجب التعويل على القرآن، ومن قال: إنه يأخذ بالسنة، ولا يأخذ بالقرآن؛ فإنه كافر بالقرآن، وغير مؤمن بالقرآن؛ لأن القرآن جاء بالأخذ بالسنة في قول الله عز وجل: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )[الحشر:7]، ثم أيضاً ما عرف الناس عدد الركعات في الصلوات إلا عن طريق السنة، وهي مفروضة فرضها الله عز وجل، والمسلمون مجمعون على هذه الأعداد، فمن يقول: إنه يؤخذ بما في القرآن ولا يؤخذ بالسنة فهو كافر بالكتاب والسنة، وكيف يتعبد الله عز وجل من يقول هذا الكلام؟! كيف يصلي لله عز وجل؟! ومن أين في القرآن أن الظهر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن الفجر ركعتين؟ كل هذا لا وجود له إلا في السنة، ولا وجود له في القرآن، فالذي يقول: إنه لا يأخذ إلا بما في القرآن، ولا يأخذ ما في السنة، هو كافر بالكتاب وكافر بالسنة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة الجمعة ركعتان ... والسفر ركعتان)
    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].هو البصري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سفيان وهو: ابن حبيب].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب، وأصحاب السنن الأربعة، وقوله: (هو ابن حبيب)، هذه الذي قالها من دون تلميذه حميد بن مسعدة؛ لأن حميد بن مسعدة، عندما يذكر شيخه ينسبه كما يُريد فيقول: فلان بن فلان بن فلان الفلاني، أي: إذا شاء يذكر اسم أبيه وجده وجد أبيه، أو يذكر بلده، أو يذكر قبيلته، أو ما إلى ذلك، كل هذا يفعله التلميذ إذا أراد، لكن حميد بن مسعدة ما زاد على قوله: سفيان في روايته عنه، ولكن من دونه وهو: النسائي أو من دون النسائي، هم الذين جاءوا بكلمة (هو ابن حبيب)، ولكنهم أتوا بكلمة (هو) الدالة على أنها ممن دون التلميذ، وليست من التلميذ، وهذا كما أشرت سابقاً من الدقة عند المحدثين في تعبيراتهم، وفي ألفاظهم، وأنهم يلتزمون الألفاظ التي يقولها التلاميذ عن شيوخهم، وإذا أرادوا أن يوضحوا هذا المهمل؛ فإنهم يأتون بكلمة (هو) أو بكلمة (يعني) التي تدل على أن هذا الكلام المضاف الزائد ليس من التلميذ، وإنما هو من غير التلميذ.
    [عن شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، ثقة، إمام، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث من أئمة الجرح والتعديل، وهو لقب رفيع، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن زبيد].
    هو اليامي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
    هو ابن أبي ليلى المدني، ثم الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمر].
    هو ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين، والذي طال زمن خلافته، وحصل فيها الخير الكثير، وحصل فيها الفتوحات العظيمة الواسعة، وحصل فيها القضاء على الدولتين العظيمتين في ذلك الزمان؛ دولة فارس والروم، وأنفقت كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله على يدي الفاروق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله)؛ فإن ذلك تحقق في زمان الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومناقبه جمة، وفضائله كثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومن أجلّ فضائله: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما سلكت فجاً يا عمر! إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجك)، أي: أن عمر والشيطان لا يلتقيان في طريق واحد، فيهرب الشيطان من الطريق الذي يكون فيه عمر، رضي الله تعالى عن عمر وعن الصحابة أجمعين.
    شرح حديث: (فرضت صلاة الحضر أربعاً وصلاة السفر ركعتين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن وهب حدثنا محمد بن سلمة حدثني أبو عبد الرحيم حدثني زيد عن أيوب وهو: ابن عائذ عن بكير بن الأخنس عن مجاهد أبي الحجاج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرضت صلاة الحضر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم أربعاً، وصلاة السفر ركعتين، وصلاة الخوف ركعة)]. هنا أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وهو قوله: [فرضت صلاة الحضر على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم أربعاً، وصلاة السفر ركعتين، وصلاة الخوف ركعة]. وهو يدل على أمور ثلاثة: على أن صلاة الحضر أربع، وصلاة السفر ركعتان، وصلاة الخوف ركعة، وهي إحدى الصور التي جاءت في صلاة الخوف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنها جاءت على هيئات مختلفة، وأنها تكون ركعتين، وفيها تفاصيل فيما إذا كان العدو في جهة القبلة، أو في غير جهة القبلة، وفي هذا الحديث أنها تكون ركعة، فإذا اشتد الخوف فإنه يمكن أن تُصلى ركعة واحدة، وهذا من تخفيف الله عز وجل، وتيسيره على عباده، ومحل الشاهد من هذا ما يتعلق بالجملة الوسطى وهي: [أن صلاة السفر أنها تكون ركعتين].
    تراجم رجال إسناد حديث: (فرضت صلاة الحضر أربعاً وصلاة السفر ركعتين ...) قوله: [أخبرنا محمد بن وهب].هو الحراني، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد بن سلمة].
    هو الحراني، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، ومحمد بن سلمة هذا غير محمد بن سلمة المرادي المصري؛ فإن ذاك في طبقة متأخرة، وهو من طبقة شيوخ النسائي، وأما هذا فهو من طبقة شيوخ شيوخه؛ فإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي مباشرة، فالمراد به المصري المرادي، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي بواسطة كما هنا؛ لأنه يروي عنه بواسطة محمد بن وهب، فالمراد به الحراني الذي هو في طبقة شيوخ شيوخه.
    [حدثني أبو عبد الرحيم].
    هو خالد بن أبي يزيد الحراني، وهو مشهور بكنيته أبي عبد الرحيم، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثني زيد].
    هو ابن أبي أنيسة الجزري، وهو ثقة، له أفراد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب وهو ابن عائذ].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وكلمة (أيوب وهو ابن عائذ) مثل التي مر قريباً في سفيان هو ابن حبيب، هذه مثل تلك، فـ(أيوب هو ابن عائذ) هي ممن دون تلميذه زيد بن أبي أنيسة.
    [عن بكير بن الأخنس].
    ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأبو داود ،و النسائي، وابن ماجه.
    [عن مجاهد أبي الحجاج].
    هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج، المكي، ثقة، إمام في التفسير والعلم، وهو الذي أخذ عن ابن عباس في التفسير، وهو إمام مشهور، ومحدث، ومفسر، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن عمه، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم؛ وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عن الجميع، فقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي.
    شرح حديث: (إن الله عز وجل فرض الصلاة ... في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين) من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن ماهان حدثنا القاسم بن مالك عن أيوب بن عائذ عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن الله عز وجل فرض الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة)].هنا أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو بمعنى الذي قبله، وقوله: [إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم]، أي: هذا يبين أن ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو من الله، وأنه مبلغ عن الله، والله تعالى هو الذي فرض والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أوحي إليه، ولهذا فإن السنة هي وحيُ من الله، قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْي يُوحَى )[النجم:3-4].

    فالوحي وحيان: وحي هو القرآن المتلو المتعبد بتلاوته، والعمل به، ووحي متعبد بالعمل به كالقرآن وهي السنة، كما أنه متعبد بالعمل بالقرآن، فالسنة والقرآن متلازمان تلازم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا يكفي أن الإنسان يؤمن بالقرآن، ولا يؤمن بالسنة؛ فإن الإيمان بهما جميعاً لا بد منه، ومن كذب بالسنة فهو مكذب بالقرآن، ومن أنكر السنة فهو منكر للقرآن، فهما متلازمان تلازم شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولهذا قال في هذا الحديث: [إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام]، وهذا لا وجود له في القرآن، وإنما هو في السنة، والسنة الله عز وجل نزل الوحي بها على رسول الله كما نزل الوحي بالقرآن على رسول الله عليه الصلاة والسلام، إلا أن هذا متعبد بتلاوته، ومتعبد بالعمل به، وأما السنة فإنه متعبد بالعمل بها، كما أنه متعبد بالعمل بالقرآن.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل فرض الصلاة ... في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين) من طريق ثانية
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن ماهان].صدوق، أخرج حديثه النسائي.
    [حدثنا القاسم بن مالك].
    ثقة، صدوق فيه لين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [عن أيوب بن عائذ].
    قد مر ذكره.
    [عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس].
    هؤلاء الثلاثة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    الصلاة بمكة
    شرح حديث ابن عباس: (كيف أصلي بمكة إذا لم أصل في جماعة؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة بمكة.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى في حديثه عن خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة سمعت موسى وهو ابن سلمة، قال: قلت لـابن عباس: (كيف أصلي بمكة إذا لم أصل في جماعة؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)].
    المراد من هذه الترجمة: بيان أن المسافر إذا صلى مع الجماعة فإنه يصلي صلاة المقيم، ولكنه إذا صلى وحده فإنه يصلي ركعتين؛ لأنه مسافر، والمسافر يصلي ركعتين، والتبويب للصلاة بمكة، والمقصود منه التنصيص عليها؛ لأنها كانت سبب السؤال، والسؤال كان في مكة، وأنه إذا كان بمكة ماذا يفعل إذا كان مسافراً.
    والحكم لا يختص بمكة، الإنسان إذا كان مسافراً في أي بلد من البلدان فله حكم المسافر، بمعنى أنه إذا لم يعزم إقامة تزيد على أربعة أيام فإنه يقصر، فإن حضرت الجماعة يصلي صلاة الجماعة، وعليه أن يحضر الجماعة، ويصلي صلاة الجماعة، ولكنه إذا لم يصل صلاة الجماعة -بأن صلى وحده في البيت أو في المسجد- فإنه يصلي ركعتين؛ صلاة السفر، لكنه إذا أدرك صلاة الجماعة أو صلى مع الجماعة الذين هم مقيمون، فإنه يصلي صلاة مقيم، فليس المقصود من الترجمة التخصيص بمكة، وأن هذا العمل بمكة، وإنما المقصود أنه حصل السؤال عن كونه بمكة، فجاء التبويب هكذا، وإلا فإن الأمر لا يخص مكة، بل يكون في كل بلد يكون الإنسان فيه له حكم المسافر؛ فإنه إن أدرك الجماعة، أو حضر الجماعة المقيمة؛ فإنه يصلي صلاة الإمام المقيم، وإن فاتته الصلاة، أو صلى وحده، أو صلوا جماعة مسافرين، فإنهم يصلون صلاة المسافرين؛ أي: يصلون ركعتين.
    ولهذا الذي سأل ابن عباس: [كيف أصلي بمكة إذا لم أصلي في جماعة؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم].
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (كيف أصلي بمكة إذا لم أصل في جماعة؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم) قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن خالد بن الحارث].
    هو البصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج، وقد مر ذكره قريباً.
    [عن قتادة].
    هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن موسى وهو ابن سلمة].
    هو ابن المحبق البصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [ابن عباس].
    قد مر ذكره قريباً.
    شرح حديث ابن عباس: (... ما ترى أصلي؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد حدثنا قتادة: أن موسى بن سلمة حدثهم: أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما قلت: (تفوتني الصلاة في جماعة وأنا بالبطحاء، ما ترى أن أصلي؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)].هذه طريق أخرى عن ابن عباس موضحة للطريق السابقة، وإنه قال فيها: [تفوته الصلاة في الجماعة]، أي: أن الأصل أنه يذهب للجماعة، وأنه يصلي صلاة الجماعة، ولكن تفوته الصلاة، فماذا يصنع؟ فأخبر [بأنه يصلي ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم]، أي: أن المسافر يصلي ركعتين إذا صلى وحده، أو صلى مع جماعة مسافرين، ولكنهم إذا أدركوا الجماعة الحاضرة فإنهم يصلون صلاة الإمام المقيم، فيتمون الصلاة أربعاً، ولا يقصرون، فهذه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما جاء ذلك مبيناً عن ابن عباس عندما سئل: (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى وراء إمام مقيم صلى صلاة المقيم؟ قال: تلك السنة)، أي: تلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (... ما ترى أصلي؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده، وكنيته أبو مسعود كاسم أبيه، وهذا من أنواع علوم الحديث؛ معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع: ألَّا يظن التصحيف، فيما لو قيل: إسماعيل أبو مسعود بدل إسماعيل بن مسعود، فمن لا يعرف أن كنيته أبو مسعود، يظن أن (ابن) صحفت إلى (أبي) وصارت أبو مسعود بدل ابن مسعود، وهي ليست بدلاً منها ولا تصحيف، وكله صواب؛ هو أبو مسعود وهو ابن مسعود، وحديثه أخرجه النسائي، وحده.
    [حدثنا يزيد بن زريع].
    هو البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد].
    هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، حافظ ،كثير التدليس، من أثبت الناس عن قتادة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا قتادة، أن موسى بن سلمة، وحدثهم: أنه سأل ابن عباس].
    هؤلاء الثلاثة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    الأسئلة
    عقيدة القاضي عياض ونبذة عن كتابه الشفاء
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما رأيكم حفظكم الله في عقيدة القاضي عياض وكتابه الشفاء؟ وهل تنصح بقراءته جزاك الله خيراً؟الجواب: القاضي عياض رحمه الله عنده شيء من التأويل، وهذا موجود في المقولات التي تُنقل عنه، في صحيح مسلم ينقلها النووي، وكتابه الشفاء فيه أمور طيبة، ولكن فيه أشياء لا تخلو من نظر، وهو كتاب مفيد، والإنسان يستفيد منه، كما يستفيد من غيره، وكما هو معلوم لو كان أنه لا يقرأ إلا كتاب سليم مائة في المائة، لكانت الكتب التي تُقرأ قليلة جداً، لكن الإنسان يأخذ ما صفا، ويترك ما كدر، يأخذ الطيب، ويترك الردي.
    الفرق بين تدليس الشيوخ وتدليس التسوية
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما الفرق بين تدليس الشيوخ وتدليس التسوية؟الجواب: تدليس الشيوخ هو: كون الإنسان يذكر شيخه بما لا يعرف به؛ أي: يعمي، فكلامه صحيح، لكنه يذكره بغير ما اشتهر فيه، بحيث يذكر كنيته، ثم يذكره منسوباً إلى جده، أو منسوباً إلى بلده، ولا يذكر الشيء الذي يكون مشهوراً به، هذا يسمى تدليس الشيوخ، فيجعل الطريق صعباً أمام الباحث؛ بحيث قد يظن أنه شخص لا يعرف، فيبحث له عن ترجمة ويقول: لم أجد له ترجمة، بغير السبب الذي جعله فيه تعمية، وفيه خفاء، أنه ذكر بغير ما اشتهر به، فهذا يسمى تدليس الشيوخ، ومضرته أن فيه توعير الطريق أمام معرفته، وفيه قد يكون الشخص المعروف يقال عنه: إنه غير معروف؛ لأنه ذكر بغير ما اشتهر به، وقد يكون له أسباب؛ منها: كون الشخص يريد أن يعمي، لا يحب أن يذكر شيخه بما هو مشهور به؛ لأنه هناك أمر يقتضيه، وقالوا ممن كان معروفاً بهذا الخطيب البغدادي، فكان يحصل منه ذلك، ذكر هذا ابن صلاح في المقدمة.
    وأما تدليس التسوية: فهو يتعلق بالإسناد، فيأتي إلى إسناد فيه ثقات في وسطهم ضعفاء، فيحذف الضعفاء، ويصير الإسناد كأنه في ظاهره ثقات، مع أنه قد حذف منه ضعفاء، وهذا من أشهر أنواع التدليس؛ لان هذا ليس عمله يتعلق به هو؛ بل يتعلق بإضافته إلى غيره؛ لأن غيره ذكر شيخه، فهو إذا حذف ذلك الشيخ الضعيف من أثناء الإسناد، معناه أنه ألحق الضرر بغيره من حيث أنه نُسب إليه ما لم يقله؛ لأنه ذكر شيخه، فيحذف شيخه، ويضيف الكلام إلى شيخ شيخه، فهذا هو تدليس التسوية.
    معنى حديث: (زر غباً تزدد حباً) ومدى صحته
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما صحة هذا الحديث: (زر غباً تزدد حباً)، مع شرح الحديث؟الجواب: ما أتذكر شيئاً عن درجته، لكن معناه: أن الإنسان لا يكثر الزيارة، وإنما يكون يوم بعد يوم، فلا تكون الزيارة متواصلة حتى لا يحصل إثقال.
    معنى عبارة: (دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر)
    السؤال: فضيلة الشيخ! أرجو توضيح هذه العبارة: (دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر) وهل يكفر من قال هذه العبارة؟الجواب: هذا العبارة: (دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر) لا أدري معنى (دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر)، ولا أفهم معناها.
    ما صحة حديث: (أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام)
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما صحة الحديث الذي أخرجه الطبراني، والدارقطني عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام، وأكثر ما يكون عشرة أيام، فإذا زاد فهي مستحاضة).الجواب: لا أعرف عنه شيئاً.
    حكم الاستعانة بالجن المسلم
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم الاستعانة بالجن المسلم بما يقدر عليه من أمور الخير؟الجواب: ومن أين يعرف أنه مسلم؟! يمكن أن يكون فيهم منافقون كما أن في الإنس منافقين.
    ويمكن أنه يكون كاذباً فيما يقول كالإنسي، فالجني كذلك.
    حكم التأمين خلف دعاء الإمام في خطبة الجمعة
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز التأمين خلف دعاء الإمام في خطبة الجمعة؟الجواب: نعم يجوز، لا مانع منه، إذا دعا الخطيب في الجمعة فإنه يؤمن، وإذا صلى على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يصلي على الرسول صلى الله وسلم؛ لأن هذا لا محذور فيه، ولا مانع؛ لأن هذا فيه إقبال على الخطبة، وأما الأحاديث التي وردت أنك (إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)؛ لأن هذا فيه انشغال عن الخطبة، وأما هذا ففيه إقبال على الخطبة، وهو كون الإنسان يسمع كلامه، وإذا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم صلى عليه، وإذا دعا أمن على دعائه، هذا فيه إقبال على الخطبة، واتجاه للخطبة، وإقبال عليها، وعدم انصراف عنها.
    حكم طعام أهل الكتاب والمشركين
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز أكل الطعام الذي يعطينا إياه الكافر أو المشرك؟الجواب: المشرك كما هو معلوم لا يؤكل طعامه؛ أي: ذبائحهم حرام، وأما الكتابيون -اليهود والنصارى- فذبائحهم حلال، فيجوز ذلك، وإذا كان هذا مما يترتب عليه مصلحة، وهي استمالته، أو مداراته من أجل أنه يحصل سبيل إلى هدايته، وتقريبه وما إلى ذلك، فهذا شيء طيب.
    وغير الذبائح ليس فيها بأس؛ مثل: البر، والرز، والسكر وما إلى ذلك، أو الأواني أو ما إلى ذلك، وإنما المحذور هو الذبائح.
    الجمع بين حديث ابن عباس وحديث عائشة في أول ما فرض من الصلاة
    السؤال: فضيلة الشيخ! أشكل حديث ابن عباس (في كون الصلاة أول ما فرضت أربع ركعات)، مع أنه قد جاء في حديث عائشة قالت: (أول ما فرضت الصلاة ركعتين)، كيف الجمع بين الحديثين؟الجواب: ليس فيه ذكر الأولية، وإنما فيه ذكر تفاصيل صلاة الحضر، وصلاة السفر، وصلاة الخوف، وأن هذه أربع والسفر اثنتين والخوف ركعة، فليس فيه ذكر الأولية، وإنما فيه ذكر أن صلاة الحضر كذا، وصلاة السفر كذا، وصلاة الخوف كذا.
    حكم صلاة الجماعة على المسافر
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل صلاة الجماعة واجبة على المسافر؟الجواب: نعم، تجب صلاة الجماعة على المسافرين، ومن المعلوم أن الله تعالى أوجب صلاة الجماعة حتى في الخوف، وفي الشدة، فهي واجبة على المسافرين، كما أنها واجبة على المقيمين، ومعنى ذلك: أن المسافرين يصلوا جماعة، وليس كل واحد يصلي وحده، إذا كانوا مسافرين جماعة يصلون جماعة، لكن ليس معنى ذلك أنهم لو مروا في الطريق، وشافوا مسجداً من المساجد، والصلاة حاضرة، فإنه يتعين عليهم أن ينزلوا ويصلوا، لا، ما يتعين عليهم، لكن إذا كانوا في بلد ويسمعوا الآذان، فعليهم أن يذهبوا.
    الأفضل للمسافر أن يصلي صلاة الجماعة في المسجد أو في البيت
    السؤال: فضيلة الشيخ! رجل جاء إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ينوي الإقامة لمدة يومين، فأيهما الأفضل؟ أن يصلي في المسجد النبوي مع الجماعة؟ أو أن يصلي جماعة في محل سكنه؟
    الجواب: لا، يصلي جماعة في المساجد، حتى في غير المسجد النبوي، إذا كان حوله مسجد قريب، ويسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؛ فإنه يجيب ويصلي صلاة الجماعة.
    مدى ورود حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في شربه من زمزم قائماً
    السؤال: هل ورد حديث في الشرب من زمزم قائماً؟الجواب: نعم. ورد، الرسول صلى الله عليه وسلم شرب وهو قائم، عليه الصلاة والسلام، لكن لا يعني ذلك أن ماء زمزم لا يشرب إلا عن قيام، وإنما يعني شربه قائماً. فهو يدل على جواز الشرب قائماً في بعض الأحيان، وأنه جائز وإن كان الأولى هو الشرب عن قعود، وعن جلوس.
    بيان مدة القصر في السفر
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل هناك مدة للقصر في الصلاة في حال السفر إلى أي بلد؟ إذا كان يعلم مدة الإقامة أو لا يدري؟الجواب: نعم. إذا كان يعلم مدة الإقامة ولا تزيد على أربعة أيام، فهو يتم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام الإقامة المحققة التي أقامها في مكة هي أربعة أيام، أي في حجة الوداع، لما وصل في اليوم الرابع، وخرج من مكة إلى منى يوم الثامن، فهو جلس إقامة عند دخوله المدة التي هو باقيها في مكة معروف أنها أربعة أيام؛ لأن الحج يبدأ يوم ثمانية، فهذه الإقامة المحققة عند الدخول، وعُلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيبقاها، ويغادر بعدها في اليوم الثامن إلى منى، فإذا كان الإنسان عنده نية عند وصوله أي بلد من البلدان أن يبقى فيه أكثر من أربعة أيام، فحكمه حكم المقيمين، وإن كان عند دخوله البلد ينوي إقامة أربعة أيام فأقل؛ فإن هذا له أحكام المسافرين؛ فإذا كان دخل البلد يريد حاجة، ولا يعلم متى ستنقضي، كل يوم يقول: تخلص بكره، وكل يوم تخلص بكره؛ فإنه يقصر ولو طال الأمد، ما دام أنه لم يعزم أو يجمع على إقامة تزيد على أربعة أيام.
    حكم تكرار العمرة
    السؤال: فضيلة الشيخ! أنا زائر جئت لأداء العمرة، واعتمرت والحمد لله، لكني أريد أن آتي بعمرة ثانية، فهل هذا يجوز شرعاً؟الجواب: إذا كان اعتمر، وجاء للمدينة وأراد يذهب لمكة مرة ثانية، هذا شيء طيب ما فيه بأس، بل هذه العمرة مستحبة، فكون الإنسان يأتي إلى مكة من خارج المواقيت، ويكرر العمرة فهذا سائغ جائز، لكن العمرة المشروعة هي التي يأتي بها الإنسان من خارج المواقيت؛ إنسان جاء من بلده واعتمر، ثم جاء المدينة، وسيرجع إلى مكة مرة أخرى، يعتمر، فهذا شيء طيب، وإذا ما أراد أن يعتمر وهو يريد أن يذهب إلى مكة، فله أن يذهب إلى مكة بدون إحرام، لكن إذا كان يريد عمرة، فلا بأس لكن لا يتجاوز ميقات المدينة بدون إحرام.
    رأي الشيخ العباد في كتاب تفسير بحر المحيط
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما رأيكم في تفسير بحر المحيط؟الجواب: تفسير بحر المحيط -تفسير أبي حيان- ليس تفسيراً سليماً، ولكنه تفسير واسع ومفيد، لكن الإنسان كما هو معلوم الفائدة الكبيرة هي في الكتب التي فيها السلامة، مثل تفسير ابن جرير، وتفسير ابن كثير، وغيرها التي هي على طريقة السلف، وعلى منهج السلف، هي الأولى بأن يعتنى بها، وأن يحرص عليها، وأن يشغل الوقت فيها؛ لأنها على منهج السلف، وعلى طريقة السلف، بخلاف الكتب الأخرى، يمكن الإنسان يستفيد منها في آيات، لكن كونه يشغل نفسه فيها، هذا ما هو جيد، الاشتغال بما هو سليم ومفيد هو أولى.
    مداخلة: فضيلة الشيخ! هل تكون صلاة الخوف ركعة في جميع الصلوات؟
    الشيخ: الله تعالى أعلم.
    معنى قوله: (وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر)
    السؤال: ما معنى قوله: (وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر)؟الجواب: تمام غير قصر، معناه: أنها تامة وغير مقصورة، ركعتان وهذا مثلما جاء عن ابن عباس: (فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر وزيدت في صلاة الحضر).



  15. #275
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (272)


    - كتاب تقصير الصلاة في السفر - باب الصلاة بمنى

    ثبت في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن الحاج يقصر الصلاة الرباعية في منى، وعليه كان الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وصدراً من خلافة عثمان، وإنما أتم عثمان بعد ذلك لئلا يظن الأعراب أن الصلاة قصرت إلى ركعتين طوال العام.
    الصلاة بمنى
    شرح حديث حارثة بن وهب: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ... ركعتين)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة بمنى.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى آمن ما كان الناس وأكثره ركعتين].
    يقول النسائي رحمه الله: باب الصلاة في منى، المراد بهذه الترجمة بيان: أن الصلاة في منى في الحج أنها قصر وأنها ركعتان، ومعلوم أن الناس مقيمون في منى، بعدما يرجعون من عرفة، يبقون فيها يوم العيد، ويومين أو ثلاثة بعد يوم العيد، إن تعجلوا فتكون إقامتهم في منى ثلاثة أيام، وإن تأخروا فتكون أربعة أيام، يوم العيد وثلاثة أيام من بعده.
    فالمقصود من الترجمة: أن الناس بمنى المطلوب منهم أن يصلوا الرباعية ركعتين، وأن الصلاة في منى إنما تكون كذلك، ولو كان هناك إقامة، ولو كانوا مقيمين غير مرتحلين، وإنما هم مستقرون في منى هذه الأيام، فالمسافر يقصر ويصلي الرباعية ركعتين.
    وقد أورد النسائي عدة أحاديث تتعلق بالصلاة في منى، وأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بمنى ركعتين في حجة الوداع، الرباعية يصليها ركعتين مدة إقامته بمنى، يوم العيد ويوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر؛ لأنه تأخر عليه الصلاة والسلام ولم يتعجل، وقد أورد النسائي حديث حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه، قال: ( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى آمن ما كان الناس وأكثره ركعتين )، يعني: أن النبي عليه الصلاة والسلام قصر في منى ركعتين مع وجود الأمن وكثرة الناس، فليس القصر مقيد بالخوف كما جاء في الآية الكريمة: ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ )[النساء:101]، قد مر في بعض الأحاديث أن ابن عباس، أو ابن عمر، قال: أنه خرج مع صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وكان يصلي ركعتين لا يخاف إلا رب العالمين، معناه: أنه ليس هناك خوف من الناس، وإنما كان أمن، وإنما فيه الخوف من الله الذي يكون دائماً وأبداً، فكذلك أيضاً في منى مع وجود الأمن، ومع وجود كثرة الناس، النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين، فدل هذا على أن صلاة المسافر أنها ركعتان، سواءً كان هناك خوف، أو كان هناك أمن.
    تراجم رجال إسناد حديث حارثة بن وهب: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ... ركعتين)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو الأحوص].
    هو سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وهو ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو الأحوص توفي سنة 179هـ وهي السنة التي مات فيها مالك. وقتيبة يروي عن مالك، ويروي عن أبي الأحوص. وقتيبة، من المعمرين؛ لأنه ولد سنة 150هـ، وهي السنة التي مات فيها أبو حنيفة، وولد فيها الإمام الشافعي، سنة 150هـ، والشافعي توفي سنة 204هـ وعمره أربعاً وخمسون سنة، وأما قتيبة فعمر إلى سنة 240هـ، فصار عمره تسعون سنة، ولهذا أدرك المتقدمين، وهو من الطبقة العاشرة ويروي عن أبي الأحوص، وهو من الطبقة السابعة، بين طبقته وطبقة أبي الأحوص، طبقتين، والسبب في هذا كونه عمر فأدرك المتقدمين، فصار من في العاشرة يروي عن من في السابعة، وذلك لما حصل لقتيبة من طول في العمر، إذ ولد سنة 150هـ فأدرك مالك، وأدرك الشافعي، وأدرك من كان أيضاً قبلهما في الوفاة؛ لأن عمر قتيبة عند وفاة أبي الأحوص ومالك تسع وعشرين سنة، كان عمره عنده وفاتهما تسعة وعشرون سنة، فهذا هو السبب الذي يجعل شخص مثلاً متأخر في طبقة، يروي عن شخص متقدم عنه بطبقتين أو أكثر، وهذا هو الذي جعل الثلاثيات للبخاري، بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص: صحابة، وتابعين، وأتباع تابعين، فكون البخاري يروي عن أتباع التابعين، فتختصر الطبقات، والسبب كون الشخص يكون معمراً.
    [عن أبي إسحاق].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي، وهو ثقة مكثر، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حارثة بن وهب الخزاعي].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الإسناد: قتيبة، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن وهب، أربعة أشخاص، فهو من الرباعيات التي هي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن النسائي، أعلى ما عنده الرباعيات، وأنزل ما عنده العشاري، الذي هو عشرة أشخاص، بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلى ما عنده الرباعيات، وهذا منها، وحارثة بن وهب الخزاعي، من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو ابن زوجة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه؛ لأن عمر تزوج أمه.
    حديث حارثة بن وهب: (صلى بنا رسول الله بمنى... ركعتين) من طريق أخرى وتراجم رجال إسنادها
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا شعبة حدثنا أبو إسحاق، ح، حدثنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سفيان أخبرني أبو إسحاق عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين).أورد النسائي حديث حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو بمعنى الطريق السابقة، ومفيد ما أفادته الطريقة السابقة.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو الفلاس، المحدث، الناقد، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من المتكلمين في الرجال جرح وتعديلاً، وكثيراً ما يأتي ذكره بـالفلاس، فيقال: ضعفه الفلاس، وثقه الفلاس، قال فيه الفلاس كذا، وأحياناً يأتي بنسبته ونسبه، فيقال: عمرو بن علي كما هنا، فهو عمرو بن علي الفلاس.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، المتكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، هو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي إسحاق].
    هو السبيعي، وقد مر ذكره.
    [ح حدثنا عمرو بن علي].
    و(حاء) هذه للتحويل، أي: التحول من إسناد إلى إسناد آخر عند النسائي ؛ لأنه ذكر الإسناد الأول، ثم وقف في أثنائه ورجع من جديد بإسناد آخر، وأتى بكلمة حاء، أو بحرف حاء الذي: هو يدل على التحول من إسناد إلى إسناد، فيكون الإسنادان يلتقيان، ثم يتحدان بعد ذلك، فيكون طريقان مفترقان، ثم يلتقيان عند شخص، ثم يستمران من ذلك الشخص، وملتقى الإسنادين هو: أبو إسحاق السبيعي؛ لأن هذا الإسناد عمرو بن علي، عن يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة بن الحجاج، والطريق الثاني: عمرو بن علي، يروي عن يحيى بن سعيد القطان، ويروي عن سفيان، ثم سفيان يروي عن أبي إسحاق، وسفيان هنا يحتمل الثوري، ويحتمل ابن عيينة؛ لأن يحيى بن سعيد القطان روى عنهما جميعاً، لكن أبو إسحاق كوفي والثوري كوفي، فالأقرب أن يكون الذي روى عن أبي إسحاق السبيعي هو: الثوري؛ لأن كلاً منهما كوفي، ثم أيضاً من حيث البلد، فالبصرة والكوفة متقاربتان، يحيى بن سعيد القطان بصري، والبصرة قريبة من الكوفة، ويحيى بن سعيد القطان روى أيضاً عن ابن عيينة، وهو مكي، لكن أبو إسحاق كوفي، فيكون من حيث البلد، ومن حيث كثرة الاتصال، يكون بين الثوري وبين أبي إسحاق أكثر مما يكون بين ابن عيينة وأبي إسحاق.
    فالطرق التي يعرف بها المهمل: أن يُنظر إلى التلاميذ والشيوخ والبلد، وأيضاً ينظر إلى الأسانيد الأخرى فقد يكون فيها نسبة المهمل، وبيان نسبه، وأنه فلان بن فلان، فيتبين أنه أحد الاثنين، وسفيان الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، حجة، إمام فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، مثل: شعبة بن الحجاج، كلاً منهما وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث.
    [عن حارثة بن وهب الخزاعي].
    وقد تقدم في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث أنس: (صليت مع رسول الله بمنى ومع أبي بكر وعمر ركعتين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن بكير عن محمد بن عبد الله بن أبي سليم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه قال:(صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، ومع أبي بكر وعمر ركعتين، ومع عثمان ركعتين صدراً من إمارته).أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، ومع أبي بكر، وعمر، أي: صلى مع كل منهما في منى ركعتين، ومع عثمان صدراً من إمارته، يعني في أولها، ثم إنه بعد ذلك أتم رضي الله تعالى عنه، صار يتم في منى، والسنة في منى أن الصلاة الرباعية تصلى ركعتان؛ لأن هذا هو الذي فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفعله أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان مدة من خلافته، ثم بعد ذلك أتم عثمان رضي الله عنه، فصلى الرباعية أربعاً.
    وقد ذُكر أسباب عديدة كون عثمان أتم الصلاة الرباعية ولم يقصرها ويصليها ركعتين في منى، من أوضحها سببان: أحدهما: أنه رأى أن القصر إنما يكون في حال السفر الذي هو: السير، والانتقال، وأما في حال الإقامة فإنه يكون الإتمام، والسبب الثاني، أو الوجه الثاني: أنه رأى أن الحج يحضر فيه كثير من الناس، وأعراب، ويكثر فيهم الجهل، فإذا صلوا أو رأوا الإمام يصلي ركعتين، ظنوا أن هذه هي السنة في جميع أيام السنة، وأن الصلاة تكون ركعتين، فصلى أربعاً حتى لا يحصل من بعض الأعراب هذا التوهم، بسبب الجهل، هذان هما أحسن ما قيل في تأويل، أو بيان سبب كون عثمان، رضي الله تعالى عنه وأرضاه أتم. ومن المعلوم أن ما جاءت به سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعمل الخليفتين من بعده، وعمل عثمان في أول خلافته، أنه هو الذي وافق السنة، وهو المطابق للسنة. ومن المعلوم أن السنن تبين للناس، وتوضح للناس، وعثمان رضي الله عنه إنما أتم.. قالوا: لهذين السببين ولغيرهما، فالمشروع والحكم بالنسبة للمسافر في منى أنه يصلي ركعتين، ولا يصلي أربعاً، وهذا هو الذي يتفق مع ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعن الخليفتين الراشدين من بعده، وكذلك في أول خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس: (صليت مع رسول الله بمنى ومع أبي بكر وعمر ركعتين ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
    [حدثنا الليث].
    هو ابن سعد المصري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكير].
    هو ابن عبد الله بن الأشج المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عبد الله بن أبي سليم].
    وعندكم في الكتاب: ابن أبي سليمان، وهو محمد بن عبد الله بن أبي سليم المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي.
    [عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    شرح حديث ابن مسعود: (صليت بمنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا عبد الواحد عن الأعمش حدثنا إبراهيم سمعت عبد الرحمن بن يزيد ح وأنبأنا محمود بن غيلان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه قال: صليت بمنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين].ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما، أنه قال: (صليت مع رسول الله عليه الصلاة والسلام بمنى ركعتين)، وهذا دال على ما دلت عليه الأحاديث المتقدمة من أن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام هي: أن الصلاة تكون ركعتين للصلاة الرباعية، فجماعة من الصحابة جاء عنهم أنهم صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وبعضهم يقول: إنه صلى مع أبي بكر وعمر بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومع عثمان في أول خلافته رضي الله تعالى عن الجميع.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (صليت بمنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين)
    قوله: [أخبرنا قتيبة]. وقد مر ذكره.
    [حدثنا عبد الواحد].
    هو ابن زياد، وهو ثقة في حديثه، لين عن الأعمش، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، في حديثه مقال عن الأعمش.
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا إبراهيم].
    هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت عبد الرحمن بن يزيد].
    هو ابن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ح وأنبأنا محمود بن غيلان].
    (ح) هذه تحول من إسناد إلى إسناد، محمود بن غيلان هو المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا يحيى بن آدم الكوفي].
    ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو الثوري، وهو يروي عن الأعمش، وتلميذه وشيخه كل منهما كوفي، الذي هو سفيان الثوري، وتلميذه يحيى بن آدم وشيخه الأعمش كوفيان، وسفيان الثوري، مر ذكره قريباً. والأعمش أيضاً كذلك.
    [عن إبراهيم].
    هو ابن يزيد بن قيس النخعي، وقد مر ذكره.
    [عن عبد الرحمن بن يزيد].
    وقد مر ذكره أيضاً في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن عبد الله بن مسعود].
    وهذا هو ملتقى الإسنادين من حيث الإظهار، وإلا فإن الإسنادان ملتقيان عند الأعمش؛ لأن الأول عبد الواحد عن الأعمش، والثاني سفيان عن الأعمش، فملتقى الإسنادين الأعمش.
    فقوله: [عن عبد الله بن مسعود].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي، من المهاجرين، ومن علماء الصحابة، وكانت وفاته سنة 32هـ في أواخر خلافة عثمان، وليس هو من العبادلة الأربعة؛ لأنه متقدم، وليس من كبار الصحابة الذين هم في سن واحد، والعبادلة الأربعة ليس هو منهم، بل هم من صغار الصحابة، وأما هو فهو من كبارهم ومن متقدميهم.
    شرح حديث ابن مسعود: (صليت مع رسول الله ركعتين) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن خشرم حدثنا عيسى عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد صلى عثمان بمنى أربعاً حتى بلغ ذلك عبد الله فقال: لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين].حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: أنه بلغه أن عثمان رضي الله عنه صلى أربعاً، وقيل له: إنه صلى أربعاً، فقال: لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، في بيان أن ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هو القصر وليس الإتمام، ففيه بيان السنة، وأن عثمان رضي الله عنه، لما حصل منه الإتمام متأولاً، أن الذي ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام والخليفتين من بعده، وكذلك أيضاً هو في أول خلافته، إنما هو القصر وليس الإتمام، ولهذا بين عبد الله أنه لما حصل من الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه الإتمام بمنى، قال: صليت مع رسول الله عليه الصلاة والسلام بمنى ركعتين، فهذه هي سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعثمان تأول.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (صليت مع رسول الله ركعتين) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا علي بن خشرم].هو المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وهو من المعمرين، وجاء عنه أنه قال: صمت ثمانية وثمانين رمضاناً، وهو قارب المائة، معناه: أنه صام هذه السنين الكثيرة، ويحتمل أن يكون بعضها صامه وهو قبل البلوغ؛ لأنه قارب المائة، ثمانية وثمانين سنة وهو يصوم رمضان.
    [حدثنا عيسى].
    وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، أخو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    وقد مر ذكره، سليمان بن مهران، والأعمش لقبه، وقد مر قريباً.
    [عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه].
    وكذلك أيضاً مر في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث ابن عمر: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد أخبرنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، ومع أبي بكر رضي الله عنه ركعتين، ومع عمر رضي الله عنه ركعتين)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وكذلك مع أبي بكر في زمن خلافته، ومع عمر في زمن خلافته، وكلٌ يصلي ركعتين يقصر الرباعية ولا يتمها، فحديث عبد الله بن عمر، دال على ما دلت عليه الأحاديث السابقة عن جماعة من الصحابة في أن السنة أو أن الذي فعله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بمنى هو صلاة الرباعية ركعتين.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين ...)
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، ويقال له: سني لأنه أظهر السنة في بلده، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [أخبرنا يحيى].
    هو ابن سعيد القطان، وقد تقدم ذكره.
    [عن عبيد الله ].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، وهو المصغر، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو ابن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم الذين جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:

    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    شرح حديث ابن عمر: (صلى رسول الله بمنى ركعتين ...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وصلاها أبو بكر ركعتين، وصلاها عمر ركعتين، وصلاها عثمان صدراً من خلافته)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر من طريق أخرى، وهو بمعنى الذي قبله، إلا أن فيه زيادة أن عثمان رضي الله عنه صلاها ركعتين صدراً من خلافته، أي: ثم بعد ذلك أتمها، فالحديث دال على ما دل عليه الذي قبله، وفيه هذه الإضافة وهي: أن عثمان أيضاً صدراً من خلافته صلاها ركعتين.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (صلى رسول الله بمنى ركعتين ...) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وقد مر أن محمد بن سلمة الحراني الذي هو من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، وذكرت أنه إذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي مباشرة، فالمراد به المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي بواسطة بينه وبينه شخص، فالمراد به الحراني.
    [حدثنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو ابن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قام بجمع السنة، بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وهو الذي قال فيه السيوطي في الألفية:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
    [أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عمر].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [يروي عن أبيه عبد الله بن عمر].
    وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    لا ذاك متأخر، ذاك يروي عن نافع، وأما هذا يروي عن أبيه، ونافع يروي عن عبد الله بن عمر، فهذا عبيد الله ابنه؛ لأنه عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وأما ذاك عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر.
    الأسئلة

    الوضوء بما يخرج من المكيفات
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز الوضوء بماء يخرج من المكيفات؟الجواب: إذا كان أنه ما حصل فيه تغير يجوز، ما دام باقي على مائيته.
    حكم استخدام حبوب منع الحمل
    السؤال: فضيلة الشيخ! ما رأيكم حفظكم الله في استعمال حبوب منع الحمل؟الجواب: ما يصلح للنساء، ولا ينبغي أن تتعاطى هذا؛ لأن كثرة الحمل جاء في السنة ما يدل على طلبها، وعلى الرغبة فيها، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)، فمن مقاصد الشريعة: كثرة الحمل، وكثرة النسل. وليس تقليله، أو إضعافه، أو قطعه، فليس للنساء أنها تفعل هذا الفعل، إلا إذا كان هناك ضرورة ملجئة إلى ذلك، ويكون ذلك بنصيحة من طبيب مسلم، فيمكن هذا.
    الرد على من يقول: (لماذا يعذب الله من لم يعطه الهداية)
    السؤال: فضيلة الشيخ! يقول الله عز وجل: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )[القصص:56] فإذا كانت الهداية من الله سبحانه وتعالى، والختم على القلوب منه سبحانه وتعالى، فلماذا يعذب الله عز وجل من لم يعطه الهداية؟الجواب: من المعلوم أن الله عز وجل قدر كل ما هو كائن، أرسل الرسل لإرشاد الناس إلى طريق الخير، والتحذير من طريق الشر، وأعطى الله الناس عقولاً يميزون بها بين طريق الخير وبين طريق الشر، إذا أقدم الإنسان بإرادته ومشيئته واختياره على طريق الخير حصل له التوفيق، وصار من أهل الخير؛ لأنه اختار بمشيئته وإرادته طريق الخير، وإذا عرف طريق الخير وطريق الشر، ولكنه ترك طريق الخير، واختار طريق الشر بمشيئته وإرادته، وقد أُرشد إلى الطريقين، ولكنه بإرادته ومشيئته أقبل أو اختار طريق الشر، فيؤاخذ على فعله، وعلى عمله، ولهذا يمدح الناس ويذمون، كيف يمدحون ويذمون؟ يمدحون لأنهم أقدموا على شيء مشروع، وأمر مطلوب، وفيه المنفعة والمصلحة لهم، ويذمون على كونهم أقدموا على أمر فيه مضرتهم، وقد حذروا منه، وأعطاهم الله عقولاً يميزون بها بين ما ينفع وبين ما يضر، والمقادير لا يعلمها إلا الله عز وجل، المقدر الله تعالى هو الذي يعلمه، وقيل لهم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما للسعادة ييسرون لعمل السعادة، وأما للشقاء فييسرون لعمل الشقاء، والله عز وجل ما حصل منه جبل الناس على ما يحصل منهم بدون أن يكون لهم مشيئة وإرادة؛ لا، بل لهم مشيئة وإرادة، لكن هذه المشيئة والإرادة لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته، ولهذا تأتي الدعوة عامة، والهداية خاصة، والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ما فيه أحد يدعى إلى دار السلام وواحد ما يدعى، كل مدعو إلى دار السلام، حذف المفعول في يدعو لإفادة العموم، والله يدعو إلى دار السلام كل أحد، الجن والإنس جميعاً مدعوون إلى دار السلام، لكن الهداية ليست لكل أحد؛ لأن الله تعالى شاء أن يكون الناس فريقين: فريقاً في الجنة، وفريقاً في السعير، لكن الله تعالى ما جبلهم أو جبرهم على الأفعال التي يفعلونها، بل أعطاهم العقل، وأعطاهم القدرة، ففيهم من اختار طريق الخير، ومدح على ذلك، وأثيب على ذلك، ومنهم من اختار طريق الشر، فذم على ذلك، وعوقب على ذلك. ومن المعلوم أن هناك فرقاً بين من يقدم على الشيء بمشيئته وإرادته، وبين من يحصل له من غير مشيئة وإرادة، فالإنسان الذي يؤذي الناس، ويحصل منه الإضرار بالناس، إذا عُقب على إضراره بالناس، وحصل له الجزاء على إضراره بالناس، يكون هذا الجزاء على فعل اكتسبه، ليس على شيء هو ليس له فيه مشيئة وإرادة، فالإنسان الذي يؤذي الناس يُعاقب ويُقال: لا تؤذي الناس، لكن الذي ترتعش يده وتضطرب، ولا دخل له في إيقافها، ويُقال له: أوقف يدك؛ لأنه لا يستطيع هذا، ليس بمشيئته وإرادته.
    ولهذا فرق بين ما يكون للإنسان، وما يكون كسباً للإنسان، ولهذا جاء في تعريف الفاعل عند النحويين، يقولون: الفاعل اسم مرفوع يدل على من حصل منه الحدث أو قام به الحدث، مثل: أكل، وشرب، وقام، وقعد، هذا حصل منه الحدث، أو قام به الحدث، مثل مرض أو مات؛ لأن المرض قام به، ما فعل هو المرض، وما فعل الموت، وإنما الموت قام به، والمرض قام به، فالمرتعش وصف له، وليس فعل له، والضرب والأكل، والشرب الذي يحصل من الإنسان، هو فعل له، فيعاقب على ما يحصل منه بمشيئته وإرادته، ومن المعلوم أن الإنسان إذا بين له طريقين: طريق فيه أمن وفيه سهولة، وطريق فيه وعوره وفيه هلاك، إذا اختار بمشيئته وإرادته طريق الهلاك، فقد فعل بمشيئته وإرادته ما يعود عليه بالمضرة، وإذا اختار لنفسه طريق الأمن والسلامة والسهولة واليسر...
    يدفع عنه المضرة، وعلى هذا فالقدر سر من أسرار الله عز وجل، والناس لا يعلمون المقدر، ولكنه أرسلت إليهم الرسل وقيل لهم: هذا الطريق يوديكم الجنة، وهذا الطريق يوديكم إلى النار، وأعطوا عقولاً يميزون بها بين ما ينفع، وما يضر، فإن أقدموا على ما ينفع أثيبوا ومدحوا، وإن أقدموا على ما يضر ذموا وعوقبوا، والذم له سبب، والعقوبة لها سبب يرجع للإنسان، وإن كان مقدراً من الله عز وجل، والمدح والثواب له سبب، وهو يرجع إلى سبب من الإنسان، وهو كسبه واختياره.
    حكم التنفل بعد صلاة المغرب
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل ورد في فضل النافلة بعد المغرب ستاً أو أربع ركعات بعد الراتبة، أو هذا من البدع؟ نرجو التوضيح.الجواب: ما أعلم تحديداً للنوافل بعد المغرب، وإنما الذي ثبت ركعتان بعد المغرب، وهي من السنن الراتبة، لكن الإنسان إذا صلى وأراد أن يتنفل نوافل مطلقة بعد المغرب، أو في أي وقت، فالأمر في ذلك واسع، لكن يقول: هذه سنة المغرب، ولا تفعل سنة المغرب إلا بنص، أما النوافل المطلقة يتنفل كما يشاء.
    حكم قصر الصلاة لسكان منى إذا كانوا حجاجاً
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يقصر أهل منى أيام التشريق إذا كانوا حجاجاً؟الجواب: إذا كانت مساكنهم في منى، وكانوا من سكان منى، فإنهم لا يقصرون، وهم في منى، وإنما يقصرون في عرفة ومزدلفة، وأما أهل مكة فإنهم يقصرون في منى وعرفة ومزدلفة.
    الجمع والقصر للمسافر
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل للمسافر أن يقصر صلاته ويجمع الظهر مع العصر؟الجواب: نعم المسافر يقصر الرباعية، ويجمع بين الظهر والعصر.
    حكم الأم إذا أسقطت بعد سبعين يوماً من حملها
    السؤال: وضعت امرأة سقطاً لم تتجاوز مدة حمله سبعين يوماً، فهل تعتبر نفساء؟الجواب: لا تعتبر من النفساء؛ لأنه ما خلق، وهذا سقط قطعة من اللحم، تجمع في رحمها ولا يقال لها: نفساء.
    حكم تأخير هدي المتمتع
    السؤال: فضيلة الشيخ! حج رجل قبل سنتين متمتعاً ولم يفدِ فماذا يلزمه؟الجواب: يفدي الآن، يجب عليه أن يقضي ما كان تركه مما هو واجب عليه، ولا يجوز له التأخير، كان الواجب عليه أن يفدي أو يأتي بالفدية في وقتها، وعليه أن يبادر إلى التخلص من هذا الدين الذي عليه.
    ما ثبت دليل على فناء العرش
    السؤال: كل مخلوق يفنى ويبقى الله عز وجل، لكن بعد فناء العرش أين يكون الله؟الجواب: ما عندنا شيء يدل على أن العرش يفنى، المخلوقات يفنيها الله عز وجل، الأحياء يميتهم الله عز وجل، إلا من شاء الله تعالى بقاءه وعدم فنائه، مثل الحور العين في الجنة التي خلقت للبقاء ولم تخلق للفناء والموت، وأما العرش ما في شيء يدل على أنه يفنى.






  16. #276
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب تقصير الصلاة فى السفر
    (كتاب الجمعة)
    (273)

    - باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة - باب ترك التطوع في السفر
    يقصر المسافر الصلاة إذا أقام أقل من أربعة أيام، أما إذا نوى الإقامة أكثر من ذلك أتم من أول صلاة يؤديها.
    المقام الذي يقصر بمثله الصلاة

    ‏ شرح حديث أنس: (خرجنا مع رسول الله من المدينة إلى مكة، فكان يصلي بنا ركعتين حتى رجعنا ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة.أخبرنا حميد بن مسعدة أخبرنا يزيد أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي بنا ركعتين حتى رجعنا، قلت: هل أقام بمكة؟ قال: نعم أقمنا بها عشراً)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة. مقصود النسائي من هذه الترجمة المكث في البلد الذي تقصر في مدته الصلاة، أي: أن الإنسان إذا قدم بلداً ومكث فيها، فمتى يحق له أن يقصر وهو مقيم؟ هذا هو المقصود من هذه الترجمة، أي: المدة التي إذا مكثها الإنسان في بلد وهو مسافر، أنه يعتبر في حكم المسافر: يقصر، ولا يعتبر مقيماً. وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، منهم من قال: إن الإنسان إذا كان مسافراً، سواءً كان سائراً أو مقيماً، فإنه يقصر، لكن القول الذي عليه جمهور العلماء: أنه إذا عزم على إقامة في بلد أكثر من أربعة أيام، فإنه يعتبر في حكم المقيم من حين وصوله إلى ذلك البلد، فليس له قصر، بل عليه الإتمام، ويستدلون على ذلك بما حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، حيث قدم مكة في اليوم الرابع، ومكث فيها أربعة أيام إلى اليوم الثامن، حيث خرج منها إلى منى، وهذه المدة هي المدة التي ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام أقامها، أو عنده العزم على إقامتها عند قدومه مكة، فأخذ جمهور العلماء منه أن المدة التي إذا عزم على أكثر منها يعتبر في حكم المقيم وليس في حكم المسافر: أربعة أيام، استناداً إلى ما حصل في حجة الوداع من مكثه في مكة قبل الحج أربعة أيام؛ لأنه منذ قدم وهو ينتظر الحج، والحج يبدأ في اليوم الثامن، فتكون هذه المدة أربعة أيام فأقل، من أقامها يقصر الصلاة، ومن عزم على إقامة أكثر منها، أي: من أربعة أيام، فإنه يتم ولا يقصر.
    وقد أورد النسائي عدة أحاديث، منها: حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: (خرجنا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام يقصر الصلاة، يصلي ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة. هل أقام بمكة؟ قال: عشراً)، أي: أقام عشراً، لكن هذه العشر ليست بمكة وحدها، وإنما هي بمكة وما حوالي مكة من عرفات ومنى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقام بمكة أربعة أيام قبل الحج، ثم ذهب إلى منى وأقام فيه بقية اليوم الثامن وليلة التاسع، ثم ذهب إلى عرفة وأقام فيها اليوم التاسع، ثم رجع إلى منى، وأقام فيها العاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ثم رجع إلى مكة وطاف طواف الوداع، وسافر واتجه إلى المدينة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فتكون المدة التي مكثها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وما حوالي مكة، منذ أن قدم مكة حتى غادر مكة، عشراً، وذلك في حجة الوداع.
    فهذا الحديث ليس فيه العزم على إقامة عشرة أيام في بلد واحد، إنما هي في مكة أربع، ثم منها يوم في منى، ويوم في عرفة، وثلاثة أيام بعد ذلك بمنى، ثم النزول بالمحصب، ثم الوداع والسفر، فهذه العشر ليست إقامةً في مكان واحد، أو في بلد واحد، وإنما هي موزعة بين الإقامة بمكة، وعرفة، ومنى، فالإقامة المحققة هي الأربعة الأيام التي قبل الحج، ولهذا أخذ جمهور العلماء بها، واعتبروا أن العزم على إقامة أكثر من أربعة أيام عند قدومه البلد، يجعله في حكم المقيم، أما إذا دخل بلداً، وما كان عنده عزم على مدة معلومة، بل يريد قضاء حاجة، ولا يعلم متى تنقضي حاجته، هل تنقضي في يوم أو يومين أو أكثر؟ فإنه يعتبر مسافراً ولو طالت المدة، ويقصر ولو طالت المدة؛ لأنه ما قصد الإقامة، وإنما كل يوم يقول: إذا انتهت حاجتي أغادر وأنهي الإقامة، فمن كان كذلك فله حق القصر ولو طالت المدة، أما من عزم على إقامة عند دخوله البلد تزيد على أربعة أيام، فهذا حكمه حكم المقيمين، وليس حكمه حكم المسافرين.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس: (خرجنا مع رسول الله من المدينة إلى مكة، فكان يصلي بنا ركعتين حتى رجعنا ...)
    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].حميد بن مسعدة هو البصري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أخبرنا يزيد].
    وهو ابن زريع البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق].
    هو يحيى بن أبي إسحاق البصري، وهو صدوق ربما أخطأ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
    وهذا الحديث من الأسانيد الرباعية، وهو مسلسل بالبصريين؛ لأن كلاً من هؤلاء الأربعة من أهل البصرة: الذي هو حميد بن مسعدة، ويزيد بن زريع، ويحيى بن أبي إسحاق، وأنس بن مالك، هؤلاء بصريون، فهو مسلسل بالبصريين، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي هي الرباعيات؛ لأنه ليس عنده ثلاثيات، وإنما أعلى ما عنده الرباعيات.
    شرح حديث: (أن رسول الله أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الرحمن بن الأسود البصري حدثنا محمد بن ربيعة عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين)].أورد النسائي حديث ابن عباس: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أقام خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين)، المقصود من ذلك: في عام الفتح، وليس في حجة الوداع، حجة الوداع هو الذي مر في حديث أنس، لكن جاء في بعض الأحاديث الصحيحة: أنه أقام فيها تسعة عشر يوماً، وهذا إنما كان بمكة، فإذاً الصحيح الثابت أنه أقام بها تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، لكن هذا محمول كما هو واضح على عدم قصد الإقامة عند دخوله مكة؛ لأنه دخل مكة فاتحاً، وفتح الله عليه مكة، ومكث فيها، وليس هناك ما يفيد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عنده عزم على إقامة تسعة عشر يوماً، ومن المعلوم أن المسافر إذا عزم على إقامة تزيد على أربعة أيام، فحكمه حكم المقيم، وإذا كان هناك شيء يدل على قصده الإقامة، وإنما تتابعت الأيام ومضت الأيام دون أن يكون عنده عزم على إقامة معينة لأيام معلومة، فإنه يقصر ولو طالت المدة، والرسول صلى الله عليه وسلم مكث في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة في عام الفتح، فيكون هذا محمول على أنه ما كان هناك قصد إقامة تسعة عشر يوماً عندما دخل مكة، وإنما دخل فاتحاً ثم يرجع إلى المدينة؛ لأنها دار الهجرة، ولم يبق في مكة، ولن يرجع إلى مكة ليقيم بها، ولينزل بها، بل يبقى في دار هجرته صلى الله عليه وسلم المدينة، فهذا يحمل على أنه ما كان هناك قصد، وليس هناك شيء يدل على قصد هذه المدة، وهذا هو الذي أجاب به الجمهور عن كونه مكث تسعة عشر يوماً، وهو في مكة نفسها يقصر الصلاة، يعني: في بلد واحد، ليس كحجة الوداع، فحجة الوداع في مكة، وغير مكة، لكن في عام الفتح كان الجلوس في مكة، فيحمل على عدم قصد الإقامة، هذا هو الذي حمله الجمهور عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين)
    قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن الأسود البصري]. وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا محمد بن ربيعة].
    محمد بن ربيعة، ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الحميد بن جعفر].
    عبد الحميد بن جعفر، صدوق ربما وهم، وأخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب].
    يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عراك بن مالك].
    وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن عبد الله].
    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الثقفي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه أقوال ثلاثة: فقيل: إن السابع: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: إن السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: إن السابع: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، وعبيد الله هذا من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة.
    وقد ذكرهم ابن القيم في أول كتابه (إعلام الموقعين) عندما ذكر فقهاء الأمصار في البلاد المختلفة في العراق، والحجاز، ومصر، واليمن، وغير ذلك، وعندما جاء ذكر المدينة، وذكر الفقهاء في عصر الصحابة، والفقهاء في عصر التابعين، ذكر أن منهم الفقهاء السبعة، ولكن ذكر السابع منهم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وذكر بيتين من الشعر اشتمل ثانيهما على الفقهاء السبعة، وهو قول الشاعر:
    إذا قيل: من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجه
    فقل: هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجه
    هؤلاء هم الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين.
    [عن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب].
    وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، والعبادلة الأربعة يطلق على أربعة من صغار الصحابة كانوا في زمن متقارب، وفياتهم متقاربة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وأيضاً ابن عباس أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعائشة أم المؤمنين، قد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر
    البحر الذي هو ابن عباس. يقال له: البحر، ويقال له: الحبر.
    وأنس والبحر كـالخدري وجابر وزوجة النبي
    شرح حديث: (يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن عبد الملك بن زنجويه عن عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني إسماعيل بن محمد بن سعد: أن حميد بن عبد الرحمن أخبره: أن السائب بن يزيد أخبره: أنه سمع العلاء بن الحضرمي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً)].أورد النسائي حديث العلاء بن الحضرمي رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً)، المقصود من ذلك أن الذين هاجروا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، وتركوا مكة منتقلين إلى المدينة لنصرة الرسول عليه الصلاة والسلام، أنهم يبقون على هجرتهم وفي دار هجرتهم، ولا يرجعون إلى مكة، ويقيمون بها، وإنما عليهم إذا جاءوا، وإذا أدوا النسك أن يمكثوا فيها ثلاثاً، ولا يبقوا فيها، بل يبقون في دار هجرتهم، ولا يمكثون في البلد الذي هاجروا منها، وهي: مكة؛ لأنهم تركوها من أجل نصرة دين الله عز وجل، فإذا جاءوا إليها لنسك فيمكثون بعد الحج ثلاثاً، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يكرهون أن يبقوا في مكة، ويخشون الموت بمكة، ولهذا كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، لما أصابه مرض بمكة، كان يخشى أن يموت بها، وألا يحصل له الموت في دار هجرته التي هاجر إليها.
    وذكر الثلاث في هذه الترجمة إشارة إلى أن المسافر، أو الحاج إذا بقي في مكة بعد الحج ثلاثة أيام، أنه في حكم المسافر، وأنه يقصر الصلاة، لكن إذا أقام بها أربعاً وزاد على ذلك، فإنه حكمه حكم المقيم، ويكون شأنه شأن الذي أقام أكثر من أربعة أيام، أو جلس في بلد أكثر من أربعة أيام، فإنه يتم ولا يقصر، لكن إذا أقام ثلاثاً، أو أربعاً، بحيث لم يتجاوز أربعة أيام، فإن هذا مثل ما حصل قبل الحج من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه مكث في مكة أربعة أيام، فإيراد النسائي للحديث في هذه الترجمة إشارةً إلى أن المسافر، أو أن الحاج عندما يمكث في مكة بعد الحج ثلاثة أيام، أنه في حكم المسافر، وأن له أن يقصر الصلاة، وأن هذه من المدة التي إذا مكثها الإنسان فإنه يقصر ولو كان مقيماً، هذا هو مقصود النسائي من إيراد الحديث في هذا الباب.
    تراجم رجال إسناد حديث: (يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً)
    قوله: [أخبرني محمد بن عبد الملك بن زنجويه].وهو محمد بن عبد الملك بن زنجويه أو ابن زِنجويه، المحدثين يقولون: ما كان من هذا النوع بسكون الواو وضم ما قبلها، وفتح الياء وسكون الهاء، وأما اللغويون فيأتون به مختوماً بويه، الواو مفتوحة والياء ساكنة، والهاء بعدها ساكنة، (زنجويه)، (راهويه)، وغير ذلك ما كان من هذا القبيل، وأما المحدثون فيقولون، وينطقونه فيقولون: (راهويه)، و(زنجويه)، وغير ذلك، وما أشبه ذلك، واللغويون يجعلونه من قبيل ما هو مختوم بـ(ويه)، ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه أو ابن زنجويه ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. لم يخرج له الشيخان، بل خرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الرزاق].
    وهو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، حافظ، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني إسماعيل بن محمد بن سعد].
    هو إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، مثل إسحاق بن راهويه الذي يأتي ذكره كثيراً، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فهذا مثله.
    [أن حميد بن عبد الرحمن].
    هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبره أن السائب بن يزيد].
    السائب بن يزيد، وهو صحابي صغير، حج به مع رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره سبع سنين، وله أحاديث يرويها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    ويروي هنا عن صحابي، وهو العلاء بن الحضرمي، وهو صحابي مشهور، وهو الذي تولى إمارة البحرين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك في زمن بعض الخلفاء، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (يمكث المهاجر بمكة بعد نسكه ثلاثاً) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو عبد الرحمن قال الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع في حديثه عن سفيان عن عبد الرحمن بن حميد عن السائب بن يزيد عن العلاء بن الحضرمي قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يمكث المهاجر بمكة بعد نسكه ثلاثاً)].أورد النسائي حديث العلاء بن الحضرمي من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، أن المهاجر يقيم بعد قضاء النسك ثلاثاً، وحكمه حكم المسافر، يقصر الصلاة في هذه المدة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (يمكث المهاجر بمكة بعد نسكه ثلاثاً) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا أبو عبد الرحمن].يعني: النسائي، والذي قال: (أخبرنا) هو ابن السني الذي روى المجتبى عنه، فهذه رواية ابن السني، الذي أظهر أبا عبد الرحمن وقال: أخبرنا أبو عبد الرحمن، وليس على وفق ما تقدم؛ لأن الذي تقدم يقول النسائي: أخبرنا فلان، فـالنسائي هو الذي يقول: أخبرنا فلان، وأما هنا فيقول ابن السني: أخبرنا أبو عبد الرحمن، لماذا؟ لأن النسائي ما قال عن الحارث بن مسكين: أخبرنا، وإنما قال: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، وقد سبق أن ذكرت أن النسائي له مع الحارث بن مسكين حالتان: حالة كانت تراضي بينهما، وحالة كان فيها شيء من الوحشة، فكان في إحدى الحالتين التي كان أذن له بالرواية عنه، وسمح له بحضور مجلسه، فكان يقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه. النسائي نفسه يقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، فيعبر النسائي بقوله: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع.
    الحالة الثانية: أنه كان منع من حضور مجلسه، فكان يأتي، ويجلس من وراء الستار ويسمع، فيقول: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، ما يقول: أخبرني؛ لأنه ما أراد إخباره، وما قصد إخباره، وما قصد أن يأخذ عنه، فمن دقة النسائي رحمه الله أنما كان من هذا القبيل يكتفي بأن يقول: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، ومن أجل هذا قال ابن السني: أخبرنا أبو عبد الرحمن، قال: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، فمن أجل هذا أُظهر اسم النسائي هنا؛ لأنه بدلاً من كونه يبدأ الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، ولم يسبقها أخبرني، من أجل ذلك أظهر ابن السني اسم شيخه في هذا الإسناد، وقال: أخبرنا أبو عبد الرحمن، قال: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، هذا هو السبب الذي جعل النسائي يظهر اسمه هنا، والذي أظهره تلميذه الذي هو راوي السنن عنه، فراوية المجتبى -الذي هو السنن الصغرى- ابن السني هو الذي قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن، ولا أذكر في موضع أنه مر مثل هذا الموضع الذي فيه تسمية أبو عبد الرحمن، وكما قلت: الحارث بن مسكين مر ذكره مراراً، وفي بعضها يقول: أخبرني الحارث بن مسكين، وأحياناً يقول: أخبرنا فلان والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له، لكن كونه يأتي الحارث بن مسكين، وليس فيه ذكر: أخبرني، وليس مسبوقاً بشخص آخر من شيوخ النسائي، هذا هو الموضع الذي لعله أول موضع يمر بنا، وهذا هو وجه إظهار اسم النسائي في هذا الإسناد، والحارث بن مسكين ثقة، فقيه، مصري، قاضي مصر، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي.
    [عن سفيان].
    وهو سفيان بن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن حميد].
    وهو عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن، أي: ابن الذي في الإسناد الأول، حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهذا عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن، وكل من الأب والابن يروي عن السائب بن يزيد.
    السائب بن يزيد روى عنه حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وروى عنه عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، الأب والابن اشتركا في الأخذ عن السائب بن يزيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الرحمن بن حميد كأبيه ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن السائب بن يزيد عن العلاء].
    وقد مر ذكرهما.
    شرح حديث عائشة: (أنها قالت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت وأفطرت وصمت ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني أحمد بن يحيى الصوفي حدثنا أبو نعيم حدثنا العلاء بن زهير الأزدي حدثنا عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها: (اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، حتى إذا قدمت مكة قالت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت، وأفطرت وصمت، قال: أحسنت يا عائشة، وما عاب علي)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما وصلت مكة قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قصرت، وأتممت، وأفطرت، وصمت، فقال: أحسنت يا عائشة، ولم يعب علي).
    المقصود من إيراد الحديث: قولها فيه: (قصرت، وأتممت)، لكنه ليس واضح للترجمة؛ لأن الترجمة هي المدة التي يمكثها وله أن يقصر، وهذا ليس فيه ذكر المدة، ولا يتعلق بالمدة التي يمكثها الإنسان في البلد، وإنما كان في الطريق لما وصل إلى مكة، قالت: إنك فعلت كذا وكذا، وأنا فعلت كذا وكذا. وقد اختلف في ثبوت هذا الحديث، فمن العلماء من ضعف وتكلم فيه وقال: إنه منكر؛ لأن عائشة رضي الله عنها، ما يليق أنها تفعل فعلاً يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي معه، بحيث يفعل هو فعلاً، وهي تفعل شيئاً بخلافه، والذي ثبت عنها: أنها أتمت، ولكن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنها تأولت كما تأول عثمان، الذي مر بنا سابقاً، وأن أحسن ما قيل فيه: أنه رأى أن القصر إنما يكون فيما إذا كان سائراً، أو أنه فعل ذلك حتى لا يفهم الأعراب الذين يحضرون الموسم، أن القصر هو فرض الصلاة دائماً وأبداً، فقيل: إنها تأولت كما تأول عثمان، والذي قيل في تأولها: أنها رأت أنه لا يشق عليها، وأن القصر إنما هو من أجل المشقة، وهي ما رأت أنه ليس هناك مشقة، فتأولت هذا التأويل. وأما فعلها بحضرته ومعه عليه الصلاة والسلام، وكونها تخالفه، فهذا استبعده بعض أهل العلم، وقال: إن هذا يبعد من عائشة أن تفعل فعلاً يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وأيضاً تكلم فيه من جهة عبد الرحمن بن الأسود هل سمع منها، أو لم يسمع؟ وبعض العلماء يثبت سماعه منها، وبعضهم يقول: إنه مرسل، وليس بسماع؛ لأنه لم يسمع منها، لكن بعض العلماء استبعدوا أن يكون ذلك منها مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنها تفعل فعلاً يخالفه، والرسول عليه الصلاة والسلام هو القدوة والأسوة لأمته صلى الله عليه وسلم، والإتمام ثابت عنها بعد وفاته، ولهذا قال الراوي: تأولت كما تأول عثمان، وهذا هو الذي يناسب، كونها حصل منها اجتهادها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا ثابت في صحيح البخاري أنها تأولت كما تأول عثمان.
    ومما أيضاً ذكر أنه جاء في بعض الروايات ولكن ليست عند النسائي أنها قالت: (في رمضان)، والرسول صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنه أنه اعتمر في رمضان، اعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم أربع عمر وكلها في ذي القعدة، وليس منها شيء في رمضان، ولما دخل مكة عام الفتح ما دخل معتمراً، وإنما دخل وعلى رأسه المغفر.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أنها قالت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت وأفطرت وصمت ...)
    قوله: [أخبرني أحمد بن يحيى الصوفي].هو العابد الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي نعيم].
    وهو الفضل بن دكين الكوفي، فأبو نعيم كنيته اشتهر بها، ويأتي ذكره بالكنية كما هنا، ويأتي ذكره بالاسم فيقال: الفضل بن دكين، والفضل بن دكين ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وقد قيل عن الفضل بن دكين: أن فيه تشيعاً، لكن جاء عنه ما يدل على سلامته من ذلك، وأنه قال: ما كتبت عني الحفظة أنني سببت معاوية، فالذي يقول هذا الكلام يسلم الله لسانه من أن يتكلم في معاوية، هذا يدل على سلامته مما رمي به، وأن لسانه سلمه الله من أن يتكلم في صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم معاوية، الذي الكلام فيه عند الرافضة من أسهل ما يكون، بل الزيدية أنفسهم لا يتورعون عن أن يسبوا معاوية، إن لم يسبوا الشيخين، ويتكلموا في الشيخين، ويسبوهما، فإن سب معاوية عندهم، وعند غيرهم من أسهل ما يكون، فالذي يقول: إنه ما كتبت عليه الحفظة أنه سب معاوية. معنى هذا يدل على سلامته، وأنه على طريقة أهل السنة الذين أكرمهم الله عز وجل بسلامة قلوبهم، وألسنتهم لأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام جميعاً، سلم الله قلوبهم وألسنتهم من أن تكون القلوب فيها شيء على الصحابة، وألسنتهم أن تتكلم بما لا يليق في الصحابة، بل قلوبهم مليئة بحب الصحابة، وألسنتهم تذكر الصحابة بالجميل وتثني عليهم، وتترضى عنهم، وتدعو لهم، وتعرف فضلهم وسابقتهم، وأنهم وعدوا الحسنى جميعاً، كما قال الله عز وجل: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى )[الحديد:10]، وأبو نعيم هو من كبار شيوخ البخاري الذين ما أدركهم بعض الأئمة بعد البخاري؛ لأنه توفي سنة مائتين وثمانية عشر، والنسائي ولد مائتين وخمسة عشر، فعمره عند وفاة الفضل بن دكين ثلاث سنوات، ولهذا يروي عنه بواسطة؛ لأنه ما أدركه، فهو من كبار شيوخ البخاري المتقدمين، وممن اشتهر بـأبي نعيم : الأصبهاني صاحب الحلية، وصاحب معرفة الصحابة، فهذا متأخر، لكنه مشهور بهذه الكنية أبو نعيم. وأما أبو نعيم الفضل بن دكين الذي هو من كبار شيوخ البخاري، فكانت وفاته سنة مائتين وثمانية عشر، أو مائتين وتسعة عشر.
    [حدثنا العلاء بن زهير الأزدي].
    وهو الأزدي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الرحمن بن الأسود].
    هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وهي الصحابية الوحيدة التي أكثرت الرواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا فالذين عرفوا بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم سبعة أشخاص: ستة رجال، وامرأة واحدة، هي أم المؤمنين عائشة، فهي من أوعية السنة، وممن حفظ الله تعالى بها سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، لاسيما الأمور التي لا يطلع عليها إلا النساء، أمور البيوت التي لا يعلمها إلا النساء فإن عائشة رضي الله عنها وأرضاها حفظت السنن الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في بيوته، وفي خارج بيوته مما يتعلق بالسنن التي لا يعلمها إلا أهل البيوت، وكذلك مما يعلمه أهل البيوت، وغير أهل البيوت، روت الكثير عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله عنها وأرضاها.
    ترك التطوع في السفر

    شرح حديث ابن عمر في ترك التطوع في السفر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ترك التطوع في السفر.أخبرني أحمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو نعيم ، قال: حدثنا العلاء بن زهير، قال: حدثنا وبرة بن عبد الرحمن، قال: (كان ابن عمر لا يزيد في السفر على ركعتين، لا يصلي قبلها ولا بعدها، فقيل له: ما هذا؟ قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ترك التطوع في السفر، المقصود بذلك: الرواتب التي تسبق الصلاة وتلحق الصلاة، وأما النوافل المطلقة فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يتنفل وهو على الراحلة، وقد مر بنا بعض الأحاديث التي تتعلق باستقبال القبلة عند التنقل على الراحلة، وأن هذا مما يعفى عنه، الإنسان يركب على الراحلة ويدخل في الصلاة وهو مستقبل القبلة، ثم تتجه دابته إلى الوجهة التي يريدها من أي الجهات، ويتنفل على الراحلة يوميء إيماءً وهو راكبٌ على راحلته.
    المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يحافظ على شيءٍ من الرواتب إلا على ركعتي الفجر والوتر، ركعتي الفجر كان يحافظ عليها دائماً وأبداً في الحضر والسفر، والوتر كذلك ما كان يتركه لا في الحضر ولا في السفر، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فالمقصود من ترك التطوع الرواتب التي تسبق الصلاة المفروضة وتتبعها.
    ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما: (أنه كان لا يزيد على ركعتين في السفر)، يعني: لا يزيد على الرباعية ركعتين، فلا يصلي قبلها ولا بعدها، (فقيل له: ما هذا؟ قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع)، أي: أنه ما كان يتنفل قبل الراتبة ولا بعدها.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في ترك التطوع في السفر
    قوله: [أخبرني أحمد بن يحيى قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا العلاء بن زهير ].أحمد بن يحيى هو الذي تقدم، وأبو نعيم ، وكذلك العلاء بن زهير ، هؤلاء الثلاثة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    [حدثنا وبرة بن عبد الرحمن ]
    وبرة بن عبد الرحمن ثقةٌ، خرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
    [كان ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    شرح حديث ابن عمر في ترك التطوع في السفر من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا نوح بن حبيب، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عيسى بن حفص بن عاصم، قال: حدثني أبي ، قال: (كنت مع ابن عمر في سفرٍ فصلى الظهر والعصر ركعتين، ثم انصرف إلى طنفسة له فرأى قوماً يسبحون، قال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون، قال: لو كنت مصلياً قبلها أو بعدها لأتممتها، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على الركعتين، وأبا بكر حتى قبض، وعمر وعثمان رضي الله عنهم كذلك) ].ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنه صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين، وقام إلى طنفسةٍ كانت له فجلس عليها، والطنفسة: بساطٌ له خمل، فرأى أناساً يسبحون، يعني: يتنفلون؛ لأن التسبيح المقصود به هنا التنفل والصلاة، يعني صلاة النافلة يقال لها: سبحة، ولهذا يقال: سبحة الضحى، يعني: نافلة الضحى، فالتسبيح يطلق ويراد به قول: سبحان الله، ويطلق ويراد به صلاة النوافل، يقال لها: سبحة، أنه يسبح يعني يتنفل، (فرأى قوماً يسبحون)، يعني: يصلون نافلة بعد الصلاة، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قالوا: يسبحون، يعني: يصلون، فقال: (صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين).
    وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان ، يعني: صحبتهم وكانوا يفعلون كذا، أي: أنهم لا يزيدون في السفر على ركعتين، يعني: لا يتمون ولا يتنفلون، وقال: (لو كنت مصلياً قبلها أو بعدها لأتممتها)، والسنة جاءت بالقصر، وأنها تصلى ثنتين، فلا ترفع إلى أربع، ولا يصلى قبلها ولا بعدها، (ولو كنت مصلياً قبلها أو بعدها لأتممتها)، لم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتم ولا أنه تنفل، مع أن الإتمام أولى من التنفل، لو كانت القضية قضية الإتيان بزيادة في الركعات ولو كان ذلك سائغاً لكان الإتمام أولى من النافلة.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في ترك التطوع في السفر من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا نوح بن حبيب ]. نوح بن حبيب ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
    [ حدثنا يحيى بن سعيد ].
    هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقةٌ ثبتٌ ناقدٌ متكلمٌ في الرجال جرحاً وتعديلاً، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عيسى بن حفص بن عاصم].
    هو عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه الجماعة إلا الترمذي، يعني: أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [حدثني أبي]
    أبوه حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، وهو ثقةٌ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال: كنت مع ابن عمر ].
    ابن عمر رضي الله عنهما مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.


  17. #277
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب تقصير الصلاة فى السفر
    (كتاب الكسوف)
    (274)

    - (باب كسوف الشمس والقمر) إلى (باب الأمر بالصلاة عند الكسوف حتى تنجلي)
    جعل الله تعالى خسوف الشمس والقمر آية من آياته التي يخوف بها عباده، والخسوف والكسوف لفظان بمعنى واحد، وشرع لنا وقت الخسوف أن نهرع إلى الصلاة والذكر والتسبيح حتى ينجلي، وصلاة الخسوف سنة مؤكدة لا قضاء على من فاتته.
    كسوف الشمس والقمر

    شرح حديث: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الكسوف، وقال: كسوف الشمس والقمر.
    أخبرنا قتيبة حدثنا حماد عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه، وسلم: (إن الشمس، والقمر آيتان من آيات الله تعالى، لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكن الله عز وجل يخوف بهما عباده)].
    يقول النسائي رحمه الله: كتاب الكسوف، باب: كسوف الشمس والقمر. الكسوف، كسوف الشمس والقمر يقال: إن الكسوف والخسوف مترادفان، ويقال: إن الكسوف إنما يطلق على كسوف الشمس، والخسوف على خسوف القمر، وقد جاء في هذه الأحاديث إطلاق الكسوف على الشمس والقمر.
    ثم أورد حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه، والكسوف: هو التغير إلى السواد؛ ولهذا فإن كسوف الشمس والقمر يكون بتغير لونهما، وحصول السواد، أي: طروء التغير عليهما، وهما، أي: الشمس، والقمر (آيتان من آيات الله عز وجل يخوف الله تعالى بهما عباده) فإذا كانتا هاتان الآيتان يطرأ عليهما التغيير، والتحول من الإضاءة والإشراق إلى تغير لونهما، وكون الظلام الدامس يكون نتيجةً لحصول هذا التغير عليهما، فهذا فيه: إشارة إلى تغيير الكون، وإلى نهاية الدنيا، والله تعالى يخوف عباده بذلك
    وليس كسوفهما وخسوفهما من فعلهما، أو أنه يحصل نتيجةً لموت أحد ولا لحياته، وإنما يكون بتدبير الله عز وجل، وتصرفه في هاتين الآيتين من آياته، حيث يتصرف فيهما كيف يشاء، فيبقي ضوءهما، ويجعل التغير يطرأ عليهما إذا شاء، وفي ذلك تخويف للعباد، وتنبيه لهم إلى أن يرجعوا إلى الله عز وجل، وأن يتقربوا إليه بالطاعات التي يعود عليهم نفعها في الدنيا والآخرة.
    وقد أورد النسائي حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، وإنما يخوف الله بهما عباده)، فبين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن الله عز وجل يجري عليهما هذا التغيير؛ لتخويف عباده، ولتنبيههم إلى أن يعودوا إليه، وأن يعلموا أن الأمر أمره، وأن كل شيء بيده، وأنه يتصرف بالمخلوقات كيف يشاء، وأن هذين المخلوقين -الشمس والقمر- اللذين في حصول نورهما المنافع الكبيرة للناس، فالله تعالى يجري عليهما هذا التغير والتأثر فتتغير الحال وتتبدل، فيكون في ذلك تخويف للعباد، وتنبيه لهم إلى أن يعبدوا الله عز وجل، ويفزعوا إليه، ويعلموا أن الأمر أمره، والخلق خلقه، وبيده الأمر، وهو المتصرف في الخلق كيف يشاء سبحانه وتعالى.
    وإنما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته)؛ لأن حصول الكسوف الذي حصل للشمس في عهده صلى الله عليه وسلم كان في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم، وكان من عادات الجاهلية أنهم يقولون: أن هذا الذي يحصل إنما يحصل لموت عظيم، فبين عليه الصلاة والسلام أن الأمر ليس كذلك، وأن الأمر إنما هو بقدرة الله، وبمشيئته، يتصرف في ملكه كيف يشاء سبحانه وتعالى، وليس هذا لموت أحد ولا لحياته، فهذا الذي كان معروفاً عند أهل الجاهلية، ثم إن هذا الكسوف كان في اليوم الذي مات ابنه إبراهيم؛ فقال هذا دفعاً لتوهم مثل ذلك مما هو معروف في الجاهلية، وأضاف إلى ذلك أيضاً ذكر الحياة؛ لأنه إذا كان هذا التغير للشمس والقمر لا يكون لموت أحد، فأيضاً كذلك لا يكون لحياة أحد، فهو لا يكون للموت ولا للحياة، ولا يكون لوجود أحد ولا لفقده، وإنما هذا كله يرجع إلى قدرة الله ومشيئته وتدبيره عز وجل، وتصرفه في الكون كيف يشاء سبحانه وتعالى.
    وأُطلق على الشمس والقمر أنهما آيتان؛ لأنهما دالان على قدرة الله، وعلى ربوبيته، وعلى أنه الإله الحق الذي لا يصلح أن تكون العبادة إلا له؛ لأنه المتصرف في الخلق كيف يشاء، هو الموجد للمخلوقات، والمتصرف فيها، هو الذي يفنيها إذا شاء، فهو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، فهما آيتان من الآيات الدالة على قدرة الله ومشيئته، وعلى أن الله تعالى يتصرف في الكون كيف يشاء سبحانه وتعالى، فالشمس والقمر والليل والنهار من آيات الله، ( وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ )[فصلت:37]، وهنا قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله)، أي: من آيات الله الكثيرة الدالة على ربوبيته، وعلى وحدانيته، وعلى أنه الإله الحق الذي لا تصلح العبادة إلا له سبحانه وتعالى.
    قوله: [(لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته)]، وإنما يفعل الله ذلك بهما، ويجري هذا التغير عليهما؛ ليخوف بذلك عباده، فهذا هو الذي جاء عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من بيان الحكمة في هذا التغيير من الله عز وجل لهذين النيرين، وأن الله عز وجل يخوف العباد، وأن على العباد أن يكونوا دائماً وأبداً خائفين من الله، يستفيدون من الآيات والعبر، ويستدلون بالآيات والتصرف فيها على قدرة الله وربوبيته، وعلى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وبغلان: قرية من قرى بلخ من بلاد خراسان.
    [حدثنا حماد].
    وحماد هنا غير منسوب، وهو يحتمل أن ابن زيد، ويحتمل ابن سلمة، لكن قتيبة لا يروي إلا عن حماد بن زيد، وليس له رواية عن حماد بن سلمة؛ ولهذا فإذا جاء حماد غير منسوب، والذي يروي عنه قتيبة فإنه يحمل على حماد بن زيد، وقد ذكر المزي في تهذيب الكمال بعد ترجمة حماد بن زيد، وحماد بن سلمة كلاماً يتعلق بتمييز أحدهما عن الآخر فيما إذا أهمل ولم ينسب، وبيان من هو المراد، وذلك بذكر من لا يروي إلا عن حماد بن زيد، ومن لا يروي إلا عن حماد بن سلمة، وبذلك يعرف تمييز المهمل عند إهماله وعدم ذكر النسب، بمعرفة أن هذا الشخص لا يروي إلا عن هذا الشخص، فيتميز ويعرف المراد، وهنا حماد هو ابن زيد؛ لأن قتيبة لا يروي إلا عن حماد بن زيد، فعلى هذا يحمل ذكر حماد المهمل على أنه ابن زيد، وحماد بن زيد بن درهم ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو بصري.
    [عن يونس].
    هو ابن عبيد البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن].
    وهو الحسن بن أبي الحسن البصري، الثقة، الفقيه، المشهور، وهو يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بكرة].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو نفيع بن الحارث الثقفي وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الإسناد كل رجاله خرج لهم أصحاب الكتب الستة، من أوله إلى آخره، قتيبة بن سعيد، وحماد بن زيد، ويونس بن عبيد، والحسن البصري، وأبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل هؤلاء الخمسة خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة.
    التسبيح والتكبير والدعاء عند كسوف الشمس

    شرح حديث عبد الرحمن بن سمرة: (بينا أنا أترامى بأسهمٍ لي بالمدينة إذ انكسفت الشمس ... فجعل يسبح ويكبر ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التسبيح والتكبير والدعاء عند كسوف الشمس.

    أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا أبو هشام هو المغيرة بن سلمة حدثنا وهيب حدثنا أبو مسعود الجريري عن حيان بن عمير حدثنا عبد الرحمن بن سمرة قال: (بينا أنا أترامى بأسهمٍ لي بالمدينة إذ انكسفت الشمس، فجمعت أسهمي وقلت: لأنظرنّ ما أحدثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس، فأتيته مما يلي ظهره وهو في المسجد، فجعل يسبح، ويكبر، ويدعو حتى حسر عنها، قال: ثم قام فصلى ركعتين وأربع سجدات)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التسبيح والتكبير والدعاء عند كسوف الشمس، والحديث المتقدم فيه: بيان حصول الكسوف، وأن الله عز وجل يخوف به عباده، ثم هذه الترجمة تتعلق بما يفعل عند الكسوف، فإنه يسبح الله ويكبر ويدعو ويصلي، والصلاة تشتمل على هذه الأمور، تشتمل على التسبيح والتكبير والدعاء، فيكون التسبيح والتكبير والدعاء في الصلاة، وبعدها إذا حصل الفراغ من الصلاة ولم يحصل التجلي، فإنه يسبح الله، ويذكر، ويدعو حتى يحصل التجلي، ولا يصلي مرة ثانية، فعندما يصلي الناس، ويخرجون من الصلاة والكسوف لا يزال قائماً ولم يحصل التجلي فإنهم يسبحون، ويذكرون الله عز وجل، ويدعونه حتى يتجلى، ولا يعيدون الصلاة، فإذاً: الأمور التي تفعل هي: صلاة، وذكر، ودعاء حتى يحصل التجلي، هذا هو الذي جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (كنت أترامى في أسهمٍ لي، فكسفت الشمس، فجمعت أسهمي ثم قلت: لأذهبنّ لأنظر ما أحدث رسول الله)، يعني: ما الفعل الذي فعله رسول الله في هذه المناسبة؛ لأنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيعمل عملاً، وأنه سيقوم بفعل شيء، فأراد أن يعرف ما هي السنة التي تفعل عند حصول هذا الأمر الحادث الذي هو كسوف الشمس، فذهب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (فأتيته مما يلي ظهره وهو في المسجد، فجعل يسبح، ويكبر، ويدعو، حتى حسر)، أي: حتى حصل التجلي والانكشاف، وعادت الشمس إلى ضوئها، قال: (ثم صلى ركعتين وأربع سجدات).
    قد يفهم من هذا الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام ما بدأ بالصلاة إلا بعد ما حصل التجلي، والواقع أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل في الصلاة والكسوف موجود، أو أن الصحابي رضي الله عنه أراد أن يبين الأمور المجتمعة التي حصلت، والتي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حصل التجلي، لا أن الصلاة بدئ بها بعد التجلي، وإنما بدئ بها في حال الكسوف، والدعاء، والتكبير، والتسبيح يكون في الصلاة وبعد الصلاة إذا لم يحصل التجلي.
    فالمقصود من هذا الفعل هو بيان الأمور المجتمعة التي فعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لا أنها مرتبةً هذا الترتيب الذي هو: تسبيح، ودعاء، وتكبير، ثم بعد ذلك تكون الصلاة، بل إن الصلاة، والتسبيح، والتهليل، والتكبير إنما حصلت هذه الأمور مجتمعة عندما وجد الكسوف، والصلاة كما جاء في الأحاديث إنما هي حين الكسوف، وهي يقال لها: صلاة الكسوف، وإذا حصل التجلي، وحصل الانتهاء فلا يصلي، ولو أن الناس لم يعلموا عن الكسوف إلا بعد التجلي فلا يصلون؛ لأنها سنة مؤكدة فات وقتها، فإذا كان هناك ناس نائمون، أو أنهم ما علموا عن الكسوف إلا بعد ما انتهى فإنهم لا يصلون؛ لأن الصلاة إنما هي في وقت الكسوف حتى يوجد الانكشاف والتجلي، وعود النيرين إلى ما كان عليه من الإضاءة والإشراق.
    ثم قال: [(ركعتين وأربع سجدات)]، المقصود بذلك صلاة الكسوف، وهنا ليس فيه ذكر تفصيل الصلاة، وإنما فيه ذكر السجدات، وذكر الركعتين، والركعتان في كل ركعة منها ركوعان، وفي كل سجدة سجودان، فالحديث فيه ذكر الصلاة، وبعض العلماء قال: إن هذه نافلة كانت بعد التجلي، وضعف هذا بعض أهل العلم وقال: إن هذا لا يصح، ولم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه تنفل بعد الكسوف، وإنما المقصود بذلك صلاة الكسوف، والذي دفع إلى هذا هو ذكر ثم، وأن هذا بعد التجلي، لكن كما ذكرت أن المعروف عند أهل العلم أن هذه الأمور مجتمعة عند الكسوف، وليس المقصود التقديم والتأخير، وأن الصلاة ما وجدت إلا بعد التجلي، بل الصلاة والدعاء حصلت مجتمعةً عندما حصل الكسوف، ويكون الدعاء في الصلاة وفي خارجها قبلها وبعدها، وصلاة الكسوف كما سيأتي مبينة في كل ركعة ركوعان، على خلاف المعروف في الصلوات الأخرى، فإنها تختص بهذه الكيفية، وهي أن الركعة الواحدة لها ركوعان، ويقرأ الإنسان في كل ركعة قبل الركوع الأول وبعده.
    تراجم رجال إسناد حديث عبد الرحمن بن سمرة: (بينا أنا أترامى بأسهمٍ لي بالمدينة إذ انكسفت الشمس ... فجعل يسبح ويكبر ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].
    ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا أبو هشام هو المغيرة بن سلمة].
    هو المغيرة بن سلمة البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن وهيب].
    هو وهيب بن خالد البصري وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي مسعود الجريري].
    هو سعيد بن إياس البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حيان بن عمير].
    هو البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن عبد الرحمن بن سمرة].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الأمر بالصلاة عند كسوف الشمس


    شرح حديث: (إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ... فإذا رأيتموها فصلوا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالصلاة عند كسوف الشمس.
    أخبرنا محمد بن سلمة أخبرنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث: أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله تعالى، فإذا رأيتموهما فصلوا)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الأمر بالصلاة عند كسوف الشمس. وأورد النسائي حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فصلوا). المقصود من إيراد الحديث قوله في آخره: [(فصلوا)]؛ لأنه أمر بالصلاة؛ لأن الترجمة هي: الأمر بالصلاة عند كسوف الشمس، وهذا في قوله: [(فصلوا)]، وفي الحديث ذكر الخسوف للشمس والقمر؛ لأنه في بعض الأحاديث سيأتي كسوف الشمس والقمر، وفي بعضها يأتي خسوف الشمس والقمر، وإطلاق الخسوف عليهما، كما أنه يأتي إطلاق الكسوف عليهما، فالرواية المتقدمة فيها كسوف الشمس والقمر، وهنا في هذه الرواية خسوف الشمس والقمر، وهذا مما يدل على أن الخسوف والكسوف يطلقان على الاثنين، وأنه يقال: خسف، ويقال: كسف، أو حصل خسوفهما، أو حصل كسوفهما، أي: الشمس والقمر، فيطلق الخسوف والكسوف على الاثنين، (إن الشمس، والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فصلوا).
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ... فإذا رأيتموها فصلوا)
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].
    هو المرادي المصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [أخبرنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن الحارث].
    هو المصري أيضاً، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه].
    هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو القاسم بن محمد، وهو ثقة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الأمر بالصلاة عند كسوف القمر


    شرح حديث: (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ... فإذا رأيتموها فصلوا) من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالصلاة عند كسوف القمر.

    أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثني قيس عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولكنهما آيتان من آيات الله عز وجل، فإذا رأيتموهما فصلوا)].
    أورد النسائي ترجمةً أخرى وهي: باب الأمر بالصلاة عند كسوف القمر، وكل من الحديثين السابق وهذا يدلان على الأمر بالصلاة عند كسوف الشمس والقمر، لكن النسائي رحمه الله أورد حديثاً منهما تحت ترجمة كسوف الشمس، وأورد الحديث الآخر عند ترجمة كسوف القمر، وهما لفظهما واحد، ومعناهما واحد؛ ولكن من أجل إيراد الطرق المتعددة، وذكر التراجم المتنوعة، والاستدلال على كل منها، وتفريقها، وتقسيمها، وإيراد الأحاديث لكل منها، وإن كان الحديث الواحد يدل على أنه يصلى عند كسوف الشمس، وعند كسوف القمر؛ لأن الحديث الأول -وهو حديث ابن عمر-: (فإذا رأيتموهما فصلوا)، وهو يتعلق بالشمس والقمر، وحديث أبي مسعود هذا أورده في كسوف القمر، وهو يتعلق بالشمس والقمر، لكن المقصود أنه يأتي بالأحاديث من طرق مختلفة، وعن صحابة متعددين، ويستدل بهذا على مسألة، وهذا على مسألة، وإن كان كل من الحديثين يدل على المسألتين، فتفريق الأحاديث من أجل تعداد الأبواب، وتكثير الأبواب، والاستدلال على المسائل المختلفة، وإن كان الحديث الواحد يدل على كل منهما جميعاً، أورد حديث أبي مسعود الأنصاري المدني رضي الله عنه، وهو بمعنى حديث ابن عمر، ودال على ما دل عليه حديث ابن عمر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ... فإذا رأيتموها فصلوا) من طريق ثانية
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].
    ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، توفي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ومثله في سنة الوفاة، وكونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة اثنان آخران وهما: محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، فهؤلاء ثلاثة: محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ماتوا في سنة واحدة، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وكل واحد منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، يروون عنه مباشرةً وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى].
    هو ابن سعيد القطان البصري، المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن إسماعيل].
    هو ابن أبي خالد، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قيس].
    هو ابن أبي حازم البجلي، وهو ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والمخضرم هو الذي أدرك الجاهلية أول الإسلام، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وقيس بن أبي حازم قيل عنه: إنه هو الذي اتفق له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة، قيس بن أبي حازم، قيل: إنه لم يتفق لأحد أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة إلا هذا الرجل الذي هو قيس بن أبي حازم، هذا المخضرم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي مسعود].
    هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ويقال: إنه لم يشهد بدراً، وإنما نسب إلى بدر؛ لأنه سكنها.

    الأمر بالصلاة عند الكسوف حتى تنجلي


    شرح حديث: (إن الشمس والقمر آيتان ... فإذا رأيتموها فصلوا حتى تنجلي) من طريق ثالثة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالصلاة عند الكسوف حتى تنجلي.
    أخبرنا محمد بن كامل المروزي عن هشيم عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فصلوا حتى تنجلي)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الأمر بالصلاة عند الكسوف حتى تنجلي، أي: ينجلي الكسوف ويرجع نور القمر والشمس على حالته، ثم إنه ليس المقصود بهذه الترجمة أن يصلى حتى تنجلي، بمعنى: أنهم لو صلوا وتبين أنه لم يحصل التجلي فإنهم يعيدون الصلاة، لا، بل لا تعاد الصلاة، ولكن إذا صلوا وفرغوا من الصلاة ولم يحصل التجلي، فإنهم يستمرون في دعاء الله عز وجل وذكره حتى يحصل التجلي، وإذا لم يعلموا عن الكسوف من أوله، ولكنهم علموا عنه بعد أن فرغ غيرهم في مساجد أخرى، فلهم أن يصلوا؛ لأن الكسوف لا يزال قائماً، لكن من صلى وفرغ من صلاته ولم يحصل تجلٍ لا يعيد الصلاة، وبيان أن المشروعية للصلاة إنما هي ما دام الكسوف موجوداً، فإذا انتهى الكسوف فإنه لا صلاة، لا تصلى صلاة الكسوف بعد التجلي، وما دام التجلي موجوداً فإن الصلاة مشروعة، لكنها إذا فعلت وفرغ منها قبل التجلي لا تعاد.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الشمس والقمر آيتان ... فإذا رأيتموها فصلوا حتى تنجلي) من طريق ثالثة
    قوله: [أخبرنا محمد بن كامل المروزي].
    ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن هشيم].

    هو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، ثبت، كثير التدليس، والإرسال الخفي، وذكرت فيما مضى: أن التدليس: أن يروي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع، كعن أو قال، وأما الإرسال الخفي: فهو أن يروي عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه؛ لأن الإرسال إرسالان: إرسال جلي، وإرسال خفي، الإرسال الجلي: كأن يروي عن شخص لم يدرك عصره، بأن يقول: قال فلان، أو عن فلان، وهو لم يدرك عصره، مثل التابعي الذي يقول: قال رسول الله، هذا إرسال جلي واضح، أو يكون شخص في الإسناد يروي عن شخص ما أدرك عصره، هذا يقال له: إرسال جلي، لكن إذا كان أدرك عصره ولم يعرف أنه لقيه، يكون من الإرسال الخفي؛ لأن فيه احتمال اللقيا؛ لأن التعاصر موجود؛ كونهما متعاصران، فيقال له: إرسال خفي، ولهذا الفرق بين التدليس والإرسال الخفي: أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي، فهذا هو الفرق بينهما، وهشيم بن بشير الواسطي كثير التدليس والإرسال الخفي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري عن أبي بكرة].
    وقد مر ذكرهم.
    شرح حديث أبي بكرة: (كنا جلوساً مع النبي فكسفت الشمس فوثب يجر ثوبه فصلى ركعتين حتى انجلت ...) من طريق رابعة
    [أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن عبد الأعلى قالا: حدثنا خالد حدثنا أشعث عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: (كنا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكسفت الشمس فوثب يجر ثوبه فصلى ركعتين حتى انجلت)].
    أورد النسائي حديث أبي بكرة رضي الله عنه: أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكسفت الشمس فقام يجر ثوبه، يعني: قام مسرعاً، وهو كالذي قبله.



  18. #278
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب تقصير الصلاة فى السفر
    (كتاب الكسوف)
    (275)

    - (باب قدر القراءة في صلاة الكسوف) إلى (باب التشهد والتسليم في صلاة الكسوف)
    ورد في السنة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في القيام من صلاة الكسوف نحواً من سورة البقرة، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه جهر بالقراءة وفي أخرى أنه أسر بها، ولهذا اختلف أهل العلم في كيفية الجمع بينهما.
    قدر القراءة في صلاة الكسوف
    شرح حديث ابن عباس: (خسفت الشمس فصلى رسول الله... فقام قياماً طويلاً قرأ نحواً من سورة البقرة..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قدر القراءة في صلاة الكسوف. أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن القاسم عن مالك حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقام قياماً طويلاً قرأ نحواً من سورة البقرة، قال: ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع فقام قياماً طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد ثم قام قياماً طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياماً طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله عز وجل، قالوا: يا رسول الله! رأيناك تناولت شيئاً في مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت، قال: إني رأيت الجنة، أو أُريت الجنة، فتناولت منها عنقوداً، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظراً قط، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: لم يا رسول الله؟! قال: بكفرهن، قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب قدر القراءة في صلاة الكسوف. المقصود من هذه الترجمة بيان أن القراءة في صلاة الكسوف تطال، وكانت صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام كنحو من سورة البقرة، بهذا المقدار أو قريباً من هذا المقدار، وهذا فيه أن صلاة الكسوف تطال فيها القراءة، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، المشتمل على كيفية على صلاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للكسوف، وأنها خسفت الشمس فصلى بهم، فقام قياماً طويلاً كنحو من سورة البقرة، ثم ركع ركوعين، ثم سجد، ثم قام وصلى الركعة الثانية فيها ركوعان، ثم سجد، وكل ركوع هو دون الذي قبله، فالركعة الثانية دون الركعة الأولى وأقل منها.
    ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام خطب الناس، وقال: (إن الشمس، والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما، أو إذا رأيتم ذلك فصلوا)، ثم إنهم سألوه: قالوا: رأيناك كأنك تتناول شيئاً في الصلاة، وكان عليه الصلاة والسلام مد يده في الصلاة ليتناول شيئاً، هم يرون اليد الممدودة، ولا يرون الذي مدت إليه اليد، ورأوه تكعكع، أي: تأخر، ورجع القهقرى، فقال: إنها عرضت عليّ الجنة، وعرضت عليّ النار، ورأى عناقيد العنب متدلية في الجنة، ولما رأوه مد يده كان قد مد يده ليتناول عنقوداً من تلك العناقيد، ولكنه ترك ولم يأخذ شيئاً، قال عليه الصلاة والسلام: (ولو أخذت منه لأكلتم ما بقيت الدنيا)، وهذا يبين لنا عظم شأن نعيم الآخرة، وأن نعيم الدنيا ليس بشيء عند هذا النعيم، ذلك أن عنقوداً من عناقيد الجنة إلى قيام الساعة، يكفي الناس، ويأكل الناس منه إلى قيام الساعة، ولكن الله عز وجل شاء أن تكون أمور الآخرة مغيبة، وأن يكون النعيم مغيباً، وأن يكون العذاب مغيباً؛ حتى يتميز من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب، وحتى يتبين أولياء الله من أعداء الله، وحتى يتبين من يصدق ومن يكذب، من يصدق أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم ويستسلم لها، ويعتقد أنها حق على حقيقتها، وأنها لا بد، وأن توجد إن كانت مستقبلة طبقاً لما أخبر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فهذا هو السر الذي من أجله لم يأخذ النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قال: (لو أخذت لأكلتم ما بقيت الدنيا)، وعلى هذا تكون أمور الآخرة مشاهدة لا تكون غيبية، والله تعالى شاء أن تكون أمور الآخرة غيبة؛ حتى يتبين من يؤمن بالآخرة، ومن لا يؤمن بها، ومن يؤمن بما جاء به الوعد، والوعيد في الدار الآخرة، ومن لا يؤمن بذلك، فيتبين المصدق من المكذب، والمؤمن من غير المؤمن، فيتبين أولياء الله من أعداء الله، ورأوه تكعكع، أي: رجع القهقرى تأخر؛ لأنه رأى النار.
    ثم إنه رأى أكثر أهلها النساء، فقيل: (لم يا رسول الله؟! قال: يكفرن العشير، والإحسان)، (يكفرن العشير)، أي: كفرهن هذا كفر نعمة، كفر النعم، وليس الكفر بالله عز وجل، وإنما هو كفر النعم، وعدم الشكر على النعمة، ثم بين عليه الصلاة والسلام شأن النساء غالباً، فقال: (إنك لو أحسنت إلى أحداهن الدهر)، معناه أكثرت الإحسان إليها، (ثم رأت منك شيئاً)، أي: شيئاً يسوءها في يوم من الأيام، أنكرت الجميل الماضي الكثير الذي كان في مختلف الأيام، ومختلف العصور، وقالت: ما رأيت منك خيراً قط، فهذا هو كفر الجميل، وكفر الإحسان، وكفر العشير، والعشير هو الزوج، تكفر الإحسان: تنسى معروفه، وتجحد إحسانه إليها، وهو كثير؛ لأنها رأت أمراً ساءها، أو حصل لها أمر فيه ما يسوءها، فأنكرت الماضي، وقالت: ما رأيت منك خيراً قط، فبين عليه الصلاة والسلام أن هذا من سبب العذاب في النار، لكن دخول النار في حق من كان عاصياً، ولم يتجاوز الله عنه، ويغفر له ذنبه، فإنه إذا دخل النار لا يدوم بها، ويبقى فيها بقاء الكفار، وإنما يبقى فيها المدة التي شاء الله عز وجل أن يبقاها، ثم من دخل وهو مؤمن غير كافر، وهو من العصاة، لا بد وأن يأتي عليه وقت يخرج منها، ويدخل الجنة، فلا يبقى في النار أبد الآباد إلا من كان كافراً بالله، هذا هو الذي لا سبيل له إلى الخروج من النار، ولا سبيل له إلى دخول الجنة، وأما من كان عاصياً، ولو بلغت معصيته ما بلغت من الكبائر، والذنوب، فإن أمره إلى الله عز وجل، إن شاء تجاوز عنه، ولم يعذبه، وإن شاء عذبه، ولكن لا بد، وأن يخرج من النار، ويدخل الجنة، ولو طال الأمد في النار، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلها، ولا سبيل لهم إلى الخروج منها، فهذا مما اشتملت عليه خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خطب الناس بها بعد صلاة الكسوف، والتي ألقاها على الناس بعد صلاته الكسوف.
    والمقصود من إيراد الحديث هو بيان قدر القراءة، وأنها تكون طويلة، وجاء في الحديث أنها ( كقدر سورة البقرة أو كنحوٍ من سورة البقرة).
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (خسفت الشمس فصلى رسول الله... فقام قياماً طويلاً قرأ فيه نحواً من سورة البقرة)
    قوله: [محمد بن سلمة]. هو المرادي المصري، وهو ثقة، ثبت، أخرجه حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    ولقد ذكرت فيما مضى من رجال النسائي شخصاً آخر، ولكنه متقدم بطبقة على هذا الرجل، فهو من طبقة شيوخ شيوخه، وهو محمد بن سلمة الحراني، فإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي بواسطة فهو الحراني، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي مباشرة فهو المصري.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    وبمناسبة ذكر عبد الرحمن بن القاسم، سبق أن مر بنا محمد بن حمير قريباً، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه؛ لأنه في بعض النسخ كالنسخة المصرية رمز لـابن القاسم البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وكذلك رمز لـابن حمير الطبعة المصرية، ولكن الموجود في تهذيب الكمال: التنصيص على أنه خرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه، فنص على أن ابن ماجه خرج حديثه، أي: حديث محمد بن حمير الحمصي، فهذا قريباً منه، هذا كمثله إلا أنه يزيد ابن ماجه، محمد بن حمير مثل: عبد الرحمن بن القاسم، إلا أنه يزيد ابن ماجه، أي: خرج له ابن ماجه، أو خرج حديثه ابن ماجه.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وهو الإمام مالك ممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ومن المعلوم أن هؤلاء هم الأئمة الأربعة.
    هناك علماء مثلهم في زمانهم، وقبل زمانهم، وهم فقهاء ومحدثون، واشتهروا بالفقه، ولكن لم يحصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء الأئمة الأربعة من وجود أتباعهم يعنون بفقههم، ويدونونه ويرتبونه وينظمونه، وإلا فإن هناك علماء مثل: إسحاق بن راهويه، ومثل: سفيان الثوري، ومثل: الأوزاعي، ومثل: الليث بن سعد، ومنهم القريب من زمانهم، وهم فقهاء أجلاء معروفون بالفقه، ومعروفون بالحديث، ولكنه ما حصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء الأربعة من وجود أتباع يعنون بفقههم، ويرتبونه وينظمونه ويؤلفون فيه، وهؤلاء الأربعة، وغيرهم هم من العلماء المجتهدين الذين يجتهدون في المسألة، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، وخطؤهم مغفور، لكن ليس لأحد أن يتعصب، ولا أن يجفو، ولا أن يكون غالياً في أحد من الأئمة، أو جافياً في حق أحد من الأئمة، وإنما يعرف قدرهم، ويعرف فضلهم، ويعرف علمهم، ويستفيد من علمهم، ويرجع إلى كتبهم، وما ألفوه، وما أُلف في مذاهبهم، ويستفيد من ذلك، فلا يتعصب ولا يجفو، لا يقول: إن الأئمة هؤلاء الحق معهم، وأن غيرهم ليس كذلك، ولا يقول: إننا لا نرجع إلى كلام الأئمة، وإنما نحن رجال، وهم رجال، لا هذا، ولا هذا، يعتنى بفقههم، ويعرف فضلهم، ويدعو لهم، ويثنى عليهم، ويذكرون بالجميل اللائق بهم، بدون إفراط أو تفريط، وبدون غلو وجفاء، ويكون الأمر كما قال ابن القيم رحمه الله، في آخر كتاب (الروح)، قال: أشار إلى أنه يعرف الإنسان فضلهم، ويرجع إلى علمهم، ويستفيد من علمهم، لا سيما إذا كانت المسألة فيها خفاء، فهو يستعين بعلمهم في الوصول إلى الدليل، وإلى معرفة الحق، لكنه إذا وصل إلى الدليل، وعرفه انتهى إلى ما تكون النهاية إليه، ثم ضرب مثلاً لذلك فقال: إنهم مثل النجم الذي يهتدى به إلى جهة القبلة، حيث يكون الإنسان في فلاة يهتدي إلى جهة القبلة عن طريق النجوم، لكن إذا وصل إلى القبلة، وصار تحت الكعبة، ما يحتاج أن ينظر في السماء يبحث عن القبلة، فالكعبة أمامه، فكذلك هؤلاء، حيث يكون الدليل واضحاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، المعول عليه الدليل، لكن إذا كانت المسألة فيها خفاء، والأمر ليس فيه وضوح، فيستفيد منهم، ويستعين بفقههم في معرفة الحق والوصول إليه، هذا هو الإنصاف، وهذا هو العدل، وهذا هو الذي فيه الأخذ بوصاياهم؛ لأن كل واحد منهم أوصى بأنه يرجع إلى الحديث، وإلى الدليل عندما يوجد للواحد منهم قول في مسألة، قد جاء الدليل على خلافه، كل واحد منهم جاء عنه كلمات مأثورة جميلة تحث على الأخذ بالدليل، وأنه إذا وجد له قول يخالف الدليل، فإن العبرة بالدليل، وليس بقوله، وأنه إذا صح الحديث فهو مذهبه.
    ولهذا كان الإمام الشافعي رحمة الله عليه، في بعض المسائل التي لم يصح فيها الحديث عنده، فيعلق القول بها على صحة الحديث، يقول: إن صح الحديث قلت به، ويقول الشافعي: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس له أن يدعها لقول أحد منهم كائناً من كان، وهذا هو كلامهم، والأخذ بالدليل، والحرص على معرفة الدليل أخذ بوصاياهم، أما تقليدهم، والتعصب لهم، والنيل من غيرهم، فهذا ما لا يحمدونه هم، ولا يحمده كل منصف، وكل ذي عدل لا يحمد مثل هذا الصنيع.
    الإمام مالك رحمة الله عليه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعروفة المشهورة من مذاهب أهل السنة، والإمام مالك رحمه الله جاء عنه كلمة، وكان في هذا المسجد، يقول: الكل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر، ويشير إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
    والحاصل: أن الأئمة الأربعة كل واحد منهم جاء عنه كلمات مأثورة ترشد إلى الحث على اتباع الدليل، وإلى البحث عن الدليل، وإلى أنه يصار إلى الدليل، وأنه إذا وجد لواحد منهم قول يخالف، أو لا يتفق مع ما ثبت به الدليل، فإنه يحمل على أحسن المحامل، وأنه ما بلغه الحديث، أو أنه بلغه من وجه لم يصح، ولم يثبت عنده، أو غير ذلك من وجوه الأعذار التي يعتذر بها عن الأئمة، وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة قيمة سماها (رفع الملام عن الأئمة الأعلام)، بين فيها عظيم قدر الأئمة ومنازلهم، وتقديرهم ومعرفة فضلهم ونبلهم، والاعتذار عنهم فيما إذا وجد عن الواحد منهم قول قد جاء دليل صحيح بخلاف ذلك القول الذي قال به الإمام، وهو كتاب نفيس مع صغر حجمه، فقد أثنى عليه بعض العلماء، وهو الشيخ جمال الدين القاسمي، فإنه قال بعد أن ذكر هذا الكتاب، وأثنى عليه شيخ الإسلام لدفاعه عن الأئمة وثنائه عليهم، واحترامه لهم، قال: إن هذا الكتاب لو كان بالصين، فسافر أحد من أجل أن يظفر بنسخة منه، لكانت سفرته رابحة؛ لأنه مع قلة حجمه وصغره، معناه عظيم وواسع، فهو قليل المبنى، واسع المعنى.
    وهؤلاء الأئمة الأربعة، الإمام أحمد هو آخرهم، وكانت وفاته سنة مائتين، وواحد، وأربعين، وقبله الشافعي، وكانت وفاته سنة مائتين، وأربع، وكان أحمد تلميذاً للشافعي، والشافعي قبله الإمام مالك، وهو تلميذ للإمام مالك، وكانت وفاة الإمام مالك سنة مائة واثنين وسبعين، وأول الأئمة الأربعة أبو حنيفة، كانت وفاته سنة مائة وخمسين، مات في السنة التي ولد فيها الشافعي، وهي سنة مائة وخمسين، وتوفي الشافعي وعمره أربع وخمسون سنة، يعني: ولد سنة مائة وخمسين، ومات في سنة مائتين، وأربع، فثلاثة من الأئمة بعضهم شيخ لبعض، فـمالك شيخ للشافعي، والشافعي شيخ أحمد، وقد أورد الإمام أحمد حديثاً في مسنده من روايته عن الإمام الشافعي، والإمام الشافعي يرويه عن الإمام مالك، وهو حديث (نسمة المؤمن طائرٌ يعلق في الجنة)، وقد ذكر هذا الحديث ابن كثير في التفسير عند قول الله عز وجل: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )[آل عمران:169]، في آخر سورة آل عمران، وذكر هذا الحديث بهذا الإسناد، وقال: إن هذا حديث إسناده عزيز، أي: نادر، وهو من الأسانيد التي اجتمع فيها ثلاثة من الأئمة أصحاب المذاهب المشهورة.
    [عن زيد بن أسلم].
    ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن يسار].
    هو الهلالي مولى ميمونة، وهو ثقة فاضل، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف

    شرح حديث عائشة: (أن النبي صلى أربع ركعات في أربع سجدات، وجهر فيها بالقراءة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرني الوليد حدثنا عبد الرحمن بن نمر: أنه سمع الزهري يحدث عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى أربع ركعات في أربع سجدات، وجهر فيها بالقراءة، كلما رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف، أي: يجهر فيها بالقراءة في الليل والنهار، وصلاة الكسوف من رسول الله صلى الله عليه وسلم حصلت بالنهار، وقد جهر فيها بالقراءة، وأورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما خسفت الشمس صلى بهم أربع ركعات في أربع سجدات، وقد جاء في بعض الروايات: (أربع ركوعات في ركعتين، وأربع سجدات)، فالمقصود بالركوعات هي ركعتان في كل ركعة ركوعان، المجموع أربعة، والسجدات أربع، يعني: في كل ركعة ركوعان وسجدتان، فالمجموع أربع ركوعات، وأربع سجدات، ومقدار الركعات ركعتين، جهر فيها بالقراءة، وكان كلما يرفع رأسه، أي: من الركوع، سواءً الركوع الأول، أو الركوع الثاني، يقول: (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد).
    الحديث دال على ما ترجم له النسائي من مشروعية الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف، سواءً في الليل أو النهار؛ لأن كسوف الشمس الذي حصل في عهده صلى الله عليه وسلم، والذي صلى فيه صلاة الكسوف كان في النهار، وقد جهر فيه بالقراءة، كما جاء مبيناً في حديث عائشة هذا.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى أربع ركعات في أربع سجدات، وجهر فيها بالقراءة ...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم]. هو ابن مخلد الحنظلي المشهور بـابن راهويه، وهو ثقة، ثبت، مجتهد، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [أخبرني الوليد].
    هو ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، يدلس تدليس الإسناد، وتدليس التسوية، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، يروي..
    [عن عبد الرحمن بن نمر].
    هو الدمشقي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث ابن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى جده زهرة بن كلاب، ويلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب، وكلاب هو أبو قصي، وأبو زهرة؛ ولهذا يقال له: الزهري نسبةً إلى جده زهرة، ويقال له: ابن شهاب نسبةً إلى جده شهاب، وهو جد جده، وهاتان النسبتان إلى أجداده هما اللتان اشتهر بهما ذكر الزهري، فيقال: الزهري، أو ابن شهاب، وهو ثقة، فقيه، ومحدث، مكثر، وهو من صغار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي كلفه الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه بجمع السنة، وفيه يقول السيوطي بالألفية:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
    [عن عروة].
    هو ابن الزبير بن العوام، ثقة، فقيه، هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وهم سبعة أشخاص: ستة متفق على عدهم من الفقهاء السبعة، وواحد مختلف فيه، فالستة هم: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
    [عن عائشة].
    وعروة بن الزبير يروي عن خالته عائشة؛ لأن أمه أسماء بنت أبي بكر، فهو يروي عن خالته عائشة أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، التي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهي من أوعية السنة وحفاظها، لا سيما الأحاديث الكثيرة فيما يكون بين الرجل، وأهل بيته، وفي غير ذلك؛ ولهذا فإن السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، ستة رجال، وامرأة واحدة، والمرأة هي عائشة، والستة هم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد الخدري، هؤلاء ستة رجال وامرأة واحدة.
    ترك الجهر فيها بالقراءة


    شرح حديث سمرة: (أن النبي صلى بهم في كسوف الشمس لا نسمع له صوتاً ...)
    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك الجهر فيها بالقراءة.
    أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس عن ابن عباد رجل من بني عبد القيس عن سمرة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في كسوف الشمس لا نسمع له صوتاً)].
    أورد النسائي ترك الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف. وأورد حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، وهو حديث طويل قد مر، وهنا ذكر جملةً منه، وإنه صلى بهم الكسوف لا يسمعون له صوتاً، وهذا الحديث في إسناده شخص قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، وهو الذي يقبل حديثه إذا توبع، وهو لم يتابع على هذه الرواية التي فيها أنهم لا يسمعون له صوتاً؛ ولهذا أورد الحديث النسائي من أجل الاستدلال بترك القراءة، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى مرةً واحدة، وقد ثبت في الحديث الذي مضى أنه جهر في القراءة، فإذاً: هذا الحديث يكون ضعيفاً؛ لأنه أولاً: يخالف ما هو بثابت، والأمر الثاني: أن في سنده شخص لا يعول على حديثه إلا إذا توبع، وهو ثعلبة بن عباد البصري، فإنه مقبول، والمقبول لا يعول على حديثه إلا إذا توبع، فهو غير ثابت كونهم لم يسمعوا له صوتاً.
    ويحتمل أن يكون سمرة ممن تأخر في الصفوف، فكان لا يسمع لتأخره، وليس ذلك لكون النبي صلى الله عليه، وسلم ما جهر، بل الجهر ثابت في حديث عائشة المتقدم، وأما ترك الجهر فليس بثابت، ولو ثبت الحديث، فإنه يكون محمولاً على أن بعضهم ممن يكون موقفه بعيداً لا يسمع القراءة، لكن من يكون قريباً فإنه يسمع القراءة.
    تراجم رجال إسناد حديث سمرة: (أن النبي صلى بهم في كسوف الشمس لا نسمع له صوتاً ...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].عمرو بن منصور النسائي هو ثقة، ثبت، أخرج حديثه النسائي وحده، وهو شيخ النسائي من بلدة واحدة.
    [عن أبي نعيم].
    هو الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، ويأتي ذكره بها كثيراً كما هنا، وهو من شيوخ البخاري، بل من كبار شيوخ البخاري، والنسائي لا يروي عنه إلا بواسطة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، إمام، حجة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود بن قيس].
    هو الأسود بن قيس الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثعلبة بن عباد].
    مقبول، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سمرة].
    هو سمرة بن جندب بن جنادة، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    القول في السجود في صلاة الكسوف
    شرح حديث: (... وجعل يبكي في سجوده وينفخ ويقول: رب لم تعدني هذا ...)
    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القول في السجود في صلاة الكسوف. أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور الزهري حدثنا غندر عن شعبة عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال، قال شعبة: وأحسبه قال في السجود نحو ذلك، وجعل يبكي في سجوده، وينفخ، ويقول: رب لم تعدني هذا، وأنا أستغفرك، لم تعدني هذا، وأنا فيهم، فلما صلى قال: عرضت عليّ الجنة، حتى لو مددت يدي تناولت من قطوفها، وعرضت عليّ النار، فجعلت أنفخ خشية أن يغشاكم حرها، ورأيت فيها سارق بدنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورأيت فيها أخا بني دعدع سارق الحجيج، فإذا فطن له قال: هذا عمل المحجن، ورأيت فيها امرأةً طويلةً سوداء تعذب في هرة ربطتها، فلم تطعمها ولم تسقها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت، وإن الشمس، والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا انكسفت إحداهما، أو قال: فعل أحدهما شيئاً من ذلك، فاسعوا إلى ذكر الله عز وجل)].
    أورد النسائي ما يقوله في السجود باب قوله في السجود في صلاة الكسوف أورد فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وقد مر قريباً، وهو مشتمل على كيفية صلاة الكسوف، وعلى جمل من خطبة رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد صلاة الكسوف، وقد مر في الرواية السابقة أنه قال: (ورأيت صاحب السبتيتين)، وهنا قال: (سارق بدنتي رسول الله عليه الصلاة والسلام)، وقد ذكرت فيما مضى: أن بعض العلماء قال: لعل هذا هو المقصود بصاحب السبتيتين، وأنه سارق بدنتي الرسول صلى الله عليه وسلم اللتين بعث بهما إلى مكة، فأخذهما رجل من المشركين، وسماهما سائبتين، فهذا لعله يبين المقصود من ذلك، الذي هو صاحب السبتيتين، (سارق الحجيج، فإذا فطن له قال: هذا عمل المحجن)، يعني: المحجن هي عصا محنية الرأس، فإذا رأى متاعاً، أو كذا، مد المحجن حتى ينشب بها، فإن تفطن له الناس علق بالمحجن، وقال: هذا عمل المحجن، ورأى فيها أيضاً المرأة التي تعذب في الهرة التي حبستها حتى ماتت جوعاً، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.
    فالحاصل أن خطبة رسول الله عليه الصلاة والسلام مشتملة على جمل، وجاءت في أحاديث مفرقة، مثل هذه الأمور التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم في النار، وحديث ابن عباس الذي مر أنه رأى النساء، يعني في النار.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... وجعل يبكي في سجوده وينفخ ويقول: رب لم تعدني هذا ...)
    قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور الزهري].
    هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري، وهو صدوق، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، هذا الرجل ينتهي نسبه إلى المسور بن مخرمة صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا يقال له: المسوري، يعني: نسبة إلى المسور بن مخرمة.
    [عن غندر].
    هو محمد بن جعفر البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ولقبه غندر، واسمه محمد بن جعفر، يأتي ذكره باسمه كثيراً، ويأتي ذكره بلقبه أحياناً كما هنا، هنا ذكر بلقبه، ومعرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، فائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين، الذي ما يعرف أن غندر هو محمد بن جعفر، لو وجد محمد بن جعفر في طريق، وغندر في طريق، يظن أن غندر شخص، وأن محمد بن جعفر شخص، لكن من يعرف أن هذا لقب لهذا لا يلتبس عليه الأمر، فـغندر محمد بن جعفر البصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكثيراً ما يأتي ذكره يروي عن شعبة، بل يأتي أحياناً غير منسوب، اسمه محمد، ويروي عن شعبة، والمراد به غندر محمد بن جعفر، وهنا ذكره باللقب، وهو مشهور باللقب.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن السائب].
    صدوق، اختلط، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة. وعادة أصحاب التراجم الذي هو تهذيب الكمال: أن الشخص إذا كان روي له في الصحيح، ولو كان مقروناً، فإنهم يرمزون له برمز صاحب الصحيح، فإن عطاء بن السائب ليس له في صحيح البخاري إلا حديث واحد مقرون، في تفسير سورة الكوثر، حديث واحد مقرون، ما ذكر وحده بل معه غيره، ورمز له بالخاء، وكذلك عاصم بن أبي النجود، عاصم بن بهدلة صاحب القراءة المشهورة، أحد القراء السبعة، قال عنه في التقريب: رمز له لأصحاب الكتب الستة، وقال: حديثه في الصحيحين مقرون، أي: أنه عندما يجد ذكره في الصحيحين، فإنما يأتي مقروناً بغيره، ولا يأتي استقلالاً، ويروى عنه استقلالاً، بل يروى عنه وعن غيره، ويقال لمن كان من هذا القبيل: حديثه في الصحيحين مقرون، أو يقال: متابعة.
    [عن أبيه].
    هو السائب بن مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله بن عمرو].
    هو عبد الله بن عمرو بن العاص، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ومن الأشياء اللطيفة في أبيه: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه ولد له ابنه عبد الله وعمره ثلاثة عشر سنة، عمر عمرو بن العاص لما ولد له ابنه عبد الله ثلاثة عشر سنة، أي: احتلم وهو صغير، وبلغ وهو صغير، وتزوج وولد له وهو لم يبلغ الرابع عشرة والخامس عشرة من عمره.
    التشهد والتسليم في صلاة الكسوف

    شرح حديث: (كسفت الشمس ... ثم تشهد ثم سلم فقام فيهم...)
    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التشهد، والتسليم في صلاة الكسوف.أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير عن الوليد عن عبد الرحمن بن نمر: (أنه سأل الزهري عن سنة صلاة الكسوف؟ فقال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: كسفت الشمس، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى: أن الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر ثم قرأ قراءةً طويلة، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً مثل قيامه، أو أطول، ثم رفع رأسه وقال: سمع الله لمن حمده، ثم قرأ قراءةً طويلةً هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من الركوع الأول، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ثم كبر فسجد سجوداً طويلاً مثل ركوعه أو أطول، ثم كبر فرفع رأسه، ثم كبر فسجد، ثم كبر فقام، فقرأ قراءةً طويلةً هي أدنى من الأولى، ثم كبر، ثم ركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من الركوع الأول، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ثم قرأ قراءةً طويلةً، وهي أدنى من القراءة الأولى في القيام الثاني، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً دون الركوع الأول، ثم كبر فرفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ثم كبر فسجد أدنى من سجوده الأول، ثم تشهد، ثم سلم فقام فيهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس، والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فأيهما خسف به، أو بأحدهما، فافزعوا إلى الله عز وجل بذكر الصلاة)].
    الحديث الذي مضى أو هذه الترجمة التي هي: القول في السجود في صلاة الكسوف، المقصود منها كون النبي صلى الله عليه وسلم، قال في سجوده: (لم تعدني أن تعذبهم وأنا أستغفر)، هذا هو الذي عقد من أجله الترجمة، وهذا لا يصلح إلا لرسول عليه الصلاة والسلام، هو الذي يقول هذا الكلام، هو الذي وعد، وهو الذي قال هذا خضوعاً وابتهالاً إلى الله عز وجل، فغيره لا يقول مثل هذا الكلام، لكنه يأتي بالدعاء، والالتجاء إلى الله عز وجل وسؤاله.
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التشهد، والتسليم في صلاة الكسوف، أورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها، المشتمل على تفصيل صلاة الكسوف، على الطريقة، أو على الكيفية التي ثبتت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام عن جماعة من الصحابة، وهي ركعتان في كل ركعة ركوعان، وسجدتان، لكن في هذه الرواية زيادة: (ثم تشهد وسلم)، معناه: أن هذه الصلاة فيها تشهد، وتسليم، وعلى هذا فإن صلاة الكسوف توافق بقية الصلوات في هيئتها وكيفيتها، إلا أنها فيها ركوعان.. في كل ركعة ركوعان، وفيها إطالة القراءة، والركوع والسجود، وإلا فإنها مثل بقية الصلوات في ركوعها، وسجودها وتشهدها، وجلوسها، وسلامها، هي مثلها إلا أن الذي تخالف فيه، أو الذي جاء يخصها الإطالة، والركوع الذي هو من خصائص صلاة الكسوف، كونه يؤتى بزيادة ركوع في كل ركعة، فهذا من خصائص صلاة الكسوف.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كسفت الشمس ... ثم تشهد ثم سلم فقام فيهم ...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن الوليد].
    هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وقد مر ذكره قريباً.
    [عن عبد الرحمن بن نمر].
    وقد مر ذكره.
    [أنه سأل الزهري].
    وكذلك الزهري قد مر ذكره.
    [أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة].
    قد مر ذكرهما.
    شرح حديث: (صلى رسول الله في الكسوف فقام فأطال القيام ...)
    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا موسى بن داود حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع ثم سجد فأطال السجود، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم انصرف)].أورد النسائي حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها وعن أبيها، وعن الصحابة أجمعين، هذا الحديث الذي بينت فيه كيفية صلاة الكسوف، على الكيفية التي جاءت فيها الأحاديث الكثيرة، وهي في كل ركعة ركوعان وسجدتان، وهنا أورده في باب التشهد والتسليم؛ لأن فيه ذكر التسليم، والذي هو الانصراف؛ لأن الانصراف هنا التسليم، أورده من أجل ما جاء في آخره من ذكر الانصراف، ثم انصرف، أي: ثم سلم، فليس فيه ذكر التشهد، ولكن فيه ذكر الانصراف الذي هو التسليم، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذه الترجمة، وهي التشهد والتسليم في صلاة الكسوف.



  19. #279
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب تقصير الصلاة فى السفر
    (كتاب الكسوف)
    (276)

    - (باب القعود على المنبر بعد صلاة الكسوف) إلى (باب الأمر بالاستغفار في الكسوف)
    من يسر هذا الدين وتمامه أن الله عز وجل جعل لكلِّ نازلةٍ وحادثة ما يناسبها، ومن ذلك كسوف الشمس والقمر، فقد شرع لها صلاةً خاصة بها، يطوّل فيها القيام والركوع والسجود، ويكثر فيها من الذكر والدعاء والاستغفار، وتكون فيها خطبة يؤمر فيها بالتوبة والتذكير بوعد الله ووعيده.
    القعود على المنبر بعد صلاة الكسوف


    ‏ شرح حديث عائشة: (إن النبي خرج مخرجاً فخسف بالشمس ... فلما انصرف قعد على المنبر ...)
    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب القعود على المنبر بعد صلاة الكسوف. أخبرنا محمد بن سلمة عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد: أن عمرة حدثته: أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مخرجاً فخسف بالشمس، فخرجنا إلى الحجرة، فاجتمع إلينا نساء، وأقبل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ضحوة، فقام قياماً طويلاً، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه فقام دون القيام الأول، ثم ركع دون ركوعه، ثم سجد، ثم قام الثانية فصنع مثل ذلك، إلا أن قيامه، وركوعه دون الركعة الأولى، ثم سجد، وتجلت الشمس، فلما انصرف قعد على المنبر فقال فيما يقول: إن الناس يفتنون في قبورهم كفتنة الدجال)، مختصر].
    يقول النسائي رحمه الله: باب قعود الإمام على المنبر في الكسوف. مراد النسائي من هذه الترجمة هو وجود الخطبة من رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد صلاة الكسوف، وقعوده على المنبر، والقعود يحتمل أن يكون جلس، ويحتمل أن يكون قائماً، أو أنه حصل منه الجلوس، ثم حصل منه القيام، والمعروف عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يخطب قائماً، وسيأتي في الاستسقاء أنه جلس على المنبر، ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام إنما كان يخطب قائماً، ويرفع يديه، ويبالغ في الرفع، أي: في الاستسقاء، فهنا فيه التعبير بالقعود، وهو الذي جاء في الحديث، ويحتمل أن يكون على ظاهره، ويحتمل أن يكون المراد بذلك أنه صار إلى المنبر، وخطب الناس، والمعروف من عادته عليه الصلاة والسلام في خطبته أنه كان يخطب قائماً صلى الله عليه وسلم.
    وقد أورد النسائي حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد مر في بعض الطرق المتقدمة، وأورده هنا لما اشتمل عليه من ذكر القعود على المنبر، وهو أيضاً يدل على أن الكسوف للشمس حصل في الضحى، وفيه: صفة صلاة الكسوف على الهيئة المعروفة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، التي هي ركعتان في كل ركعة واحدة ركوعان، وسجدتان، وفيه: من موضوع الخطبة: [(أن الناس يفتنون في قبورهم كفتنة الدجال)]، وقد مر أحاديث، أو طرق متعددة عن عائشة، وغيرها، وفيها جزئيات من تلك الخطبة، أو قطع من تلك الخطبة، وهي بمجموعها تكون كثيرة، ولكنها متفرقة في الأحاديث، وكل حفظ ما لم يحفظه الآخر، وكل أثبت ما لم يثبته الآخر، وبعضها اتفقت عليه الروايات، لاسيما ما جاء فيه من قوله: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم).
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مخرجاً فخسف بالشمس ... فلما انصرف قعد على المنبر ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة]. هو المرادي المصري، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن الحارث].
    هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن عمرة].
    هي عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، تابعية أكثرت من الرواية عن عائشة، وهي ثقة، حديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثته أن عائشة].
    هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق، وهي واحدة من سبعة أشخاص من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، عرفوا بكثرة الرواية عنه عليه الصلاة والسلام، ستة رجال، وامرأة واحدة، الستة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك رضي الله تعالى عن الجميع، وأما المرأة فهي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    وهذا الإسناد فيه ستة أشخاص، نصفه الأعلى مدنيون، وهم: يحيى بن سعيد الأنصاري، وعمرة، وعائشة، ونصفه الأسفل مصريون، وهم: محمد بن سلمة المرادي، وعبد الله بن وهب، وعمرو بن الحارث، فنصفه الأدنى أو الأسفل مصريون، ونصفه الأعلى مدنيون.
    كيف الخطبة في الكسوف


    شرح حديث عائشة: (... إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ...) من طريق أخرى

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف الخطبة في الكسوف.
    أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبدة حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقام فصلى فأطال القيام جداً، ثم ركع فأطال الركوع جداً، ثم رفع فأطال القيام جداً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم رفع رأسه فأطال القيام، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ففرغ من صلاته، وقد جلي عن الشمس، فخطب الناس فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس، والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا، وتصدقوا، واذكروا الله عز وجل، وقال: يا أمة محمد! إنه ليس أحدٌ أغير من الله عز وجل أن يزني عبده، أو أمته، يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي كيف الخطبة؟ يعني: كيف تكون الخطبة؟ وما هو موضوع الخطبة؟ على أي شيء تشتمل الخطبة؟ خطبة الكسوف كما جاء في الروايات المختلفة تتضمن ما يتعلق بالمناسبة، وهو حصول كسوف الشمس، والقمر، ولكن ذلك ليس على ما هو معتاد في الجاهلية من أنهم يعتقدون أن الكسوف لموت العظماء، وإنما هو بأمر الله عز وجل، وتدبيره، وتصرفه في الكون كيف يشاء، فإن الشمس، والقمر مخلوقان من مخلوقات الله، وآيتان من آيات الله، يصرفهم الله كيف يشاء، فهو يجعلهما مضيئين يستفيد الناس من ضوئهما، وإذا شاء أن يطرأ عليهما التغير، وتحول حالهما من إضاءة وإشراق إلى اسوداد، وعدم ظهور النور، فهو سبحانه، وتعالى على كل شيء قدير، فهو.. الخطبة تتعلق بالمناسبة، وبيان (أن الشمس، والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد، ولا لحياته).
    وتشتمل أيضاً على بيان كونه رأى الجنة، والنار، وعرضتا عليه، وهو يصلي بالناس الكسوف، ورأى عناقيد العنب متدلية، (وأراد أن يأخذ عنقوداً فترك، ولو أخذ منه لأكل الناس ما بقيت الدنيا) إلى نهاية الدنيا، وهذا يدل على الترغيب في نعيم الآخرة، والاستعداد لذلك بالأعمال الصالحة، ثم أيضاً بيان التخويف من النار، وما شاهده فيها، وأنه رأى فيها المرأة التي تعذب بسبب الهرة التي حبستها، (لا هي أطعمتها، ولا سقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)، وكذلك رأى فيها سارق المحجن، (الذي يسرق الحجيج بمحجنه، وهي العصا المحنية الرأس فإذا فطن له الناس قال: علق بمحجني، وإذا لم يتنبه إليه الناس أخذه، ومضى)، ورأى كذلك سارق بدنتي الرسول عليه الصلاة والسلام اللتين أهداهما إلى الحرم، ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي الذي سيب السوائب، ورأى فيها النساء، وأنهن أكثر أهل النار، فهذا مما اشتملت عليه خطبة رسول الله، وكذلك مما اشتملت عليه قوله: [(لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته)].
    وقوله: [(لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً)]، كما جاء في هذه الرواية، وقد سبق أن مر في بعض الروايات الأخرى، وأن فيه إثبات الغيرة لله عز وجل على وجه يليق بكماله، وجلاله، وفيه: أن الله تعالى يطلع نبيه على ما شاء من الغيب، وأنهم لو اطلعوا على ما اطلع عليه لكثر بكاؤهم، ولقل ضحكهم، وقد أطلعه الله على أمور مغيبة، ومن ذلك: أنه أطلعه على الجنة، والنار، والناس يصلون الكسوف، ورأوا اليد الممدودة يده صلى الله عليه وسلم، وقد مدها ليتناول شيئاً، ولكنهم ما رأوا الذي مدت إليه، ورأوه تأخر، ورجع القهقرى، وهو في الصلاة، وما علموا، لماذا تقهقر وتأخر؟ وقد بين ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأنه تقدم ليأخذ عنقوداً، وترك، ولو أخذ لأكل الناس ما بقيت الدنيا، وتأخر لما رأى النار، وما فيها من المعذبين، ورآها يحطم بعضها بعضاً.
    فهذا مما اشتملت عليه خطبة رسول الله عليه الصلاة والسلام، والخطبة بعد الكسوف، المناسب فيها أن يكون فيها تخويف، وأن يكون فيها تحذير من الذنوب، والمعاصي، وأن الناس يقبلون على الله عز وجل، وتذكير بالجنة، والنار، وتذكير بما اشتملت عليه خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب الناس بعد أن صلى صلاة الكسوف.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ...) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم]. هو: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها، ولم يظفر بهذا اللقب إلا جماعة قليلون، منهم إسحاق هذا، والثوري، وشعبة، والبخاري، والدارقطني، وآخرون هم قليلون، وصفوا بهذا الوصف الذي هو من أعلى الأوصاف، وأرفع صيغ التعديل.
    [حدثنا عبدة].
    هو: عبدة بن سليمان الكلابي البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام بن عروة].
    هو: هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو: عروة بن الزبير بن العوام، أحد الثقات الفقهاء، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
    عندما يقال في مسألة من المسائل: قال بها الفقهاء السبعة، فإن المراد بهم سبعة في المدينة في عصر التابعين، منهم عروة بن الزبير هذا، وهم ستة متفق على عدهم في السبعة، والسابع مختلف فيه، عروة بن الزبير هذا، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد ذكرهم ابن القيم في أول كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين)، والكتاب اسمه إعلام، وليس أعلام، ليس كتاب تراجم حتى يقال له: أعلام، وإنما هو إعلام وإخبار الموقعين، أي: المفتين المخبرين بشرع الله، والمبينين لشرع الله، ولهذا ذكر في أوله جماعة من المعروفين بالفتوى من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتابعين ومن بعدهم في الأقطار المختلفة في الحجاز، واليمن، والشام، والعراق، ومصر، فذكر الفقهاء في تلك البلاد، ولما جاء عند المدينة ذكر الفقهاء من الصحابة، وذكر الفقهاء في عصر التابعين، وذكر الفقهاء السبعة في المدينة، وذكرهم، وسابعهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، سابع الفقهاء السبعة على ما ذكره ابن القيم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ثم ذكر بيتين من الشعر، البيت الثاني يشمل الفقهاء السبعة، وهو قول الشاعر:
    إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة
    فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة
    والسابع هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام على أحد الأقوال، وحديث عروة بن الزبير بن العوام أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    يروي عن خالته عائشة رضي الله تعالى عنها، وقد مر ذكرها.
    شرح حديث سمرة: (أن النبي خطب حين انكسفت الشمس ...)
    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن الأسود بن قيس عن ثعلبة بن عباد عن سمرة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب حين انكسفت الشمس، فقال: أما بعد)].أورد النسائي حديث سمرة بن جندب، وفيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(أما بعد)]، والحديث سبق أن مر، وفيه: ثعلبة بن عباد البصري، وهو مقبول، وروايته لا يعول عليها إلا إذا اعتضد، لكن [(أما بعد)]، هذا هو المعروف في خطب رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: [(أما بعد)]، إذا حمد الله، وأثنى عليه، قال: [(أما بعد)]، ثم أتى بما يريده من الكلام الذي هو موضوع الخطبة، فالحديث ضعيف الإسناد، ولكن قول: [(أما بعد)]، في الخطب، هذا هو المعروف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول في خطبه: [(أما بعد)]، أي: بعد أن يذكر الحمد، والثناء على الله عز وجل بما هو أهله، الذي هو مقدمة الخطبة، وافتتاح الخطبة، عندما يدخل في الموضوع يقول: [(أما بعد)]، فإنه كذا وكذا.
    تراجم رجال إسناد حديث سمرة: (أن النبي خطب حين انكسفت الشمس ...)
    قوله: [أخبرنا ابن سليمان].هو الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبو داود الحفري].
    هو عمر بن سعد الكوفي، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود بن قيس].
    هو الأسود بن قيس الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثعلبة بن عباد].
    هو ثعلبة بن عباد البصري، وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، وأصحاب السنن الأربعة.
    وعباد بكسر العين، وحذف الفتحة والتشديد الذي على الباء، وهي عِباد.
    [عن سمرة].
    هو سمرة بن جندب، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الأمر بالدعاء في الكسوف


    شرح حديث أبي بكرة: (كنا عند النبي فانكسفت الشمس ... فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)

    وقال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر بالدعاء في الكسوف.
    أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يزيد وهو ابن زريع حدثنا يونس عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس، فقام إلى المسجد يجر رداءه من العجلة، فقام إليه الناس، فصلى ركعتين كما يصلون، فلما انجلت خطبنا فقال: إن الشمس، والقمر آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، وأنهما لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتم كسوف أحدهما فصلوا، وادعوا حتى ينكشف ما بكم)].
    أورد النسائي، وهو الدعاء في الكسوف، فالمقصود من هذا: أنه عندما يحصل الكسوف يحصل الدعاء في الصلاة وفي غير الصلاة، وقد أورد النسائي حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما كسفت الشمس قام يجر رداءه من العجلة، هذا فيه أن جر الرداء كان عندما قام مسرعاً من العجلة، وإذا ردائه يسحب، يعني يصل إلى الأرض؛ لأنه قام مسرعاً، والنبي عليه الصلاة والسلام جاء عنه النهي عن جر الثياب، وعن إطالة الثياب، وقال: (ما أسفل من الكعبين فهو في النار)، ولكن قوله هنا: [(من العجلة)]، يفيد بأن هذا الجر حصل بسبب العجلة، فصاحب الرداء عندما يقوم يكون طرفه في الأرض، فيسحبه حتى يتناوله بعد ذلك، ويجعله على كتفيه، وينتهي الجر، لكن كونه أسرع، وقام مسرعاً، ورداؤه غير مستقر على كتفيه، صار يجره، ولهذا قال: [(من العجلة)]، أي: يجر رداءه من العجلة، وليس معناه أنه كان يطيل الرداء، وأنه يجر رداءه، وأن عادته كذلك، لا، وإنما كما هو معلوم عندما يكون الإنسان جالساً، ثم يكون الرداء غير مستقر عليه، ثم يقوم مسرعاً، فإنه يكون طرفه يسحب في الأرض حتى يتناوله، ويجعله مستقراً على كتفيه، وهنا قوله: [(من العجلة)]، يفيد بأن هذا الجر حصل لهذه المناسبة المفاجأة التي حصل فيها حصول الكسوف، وأنه قام مسرعاً عليه الصلاة والسلام، ثم صلى بالناس وخطبهم الخطبة، وذكر أنه إذا حصل أنهم يصلون، ويدعون حتى ينكشف ما بهم، والمقصود من ذلك إثبات الدعاء في الكسوف، في الخطبة، وفي غير الخطبة.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي بكرة: (كنا عند النبي فانكسفت الشمس ... فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. هو الفلاس، وهو لقبه، وهو محدث، ناقد، ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يزيد وهو ابن زريع].
    ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو ابن زريع) الذي قالها من دون عمرو بن علي؛ لأن عمرو بن علي ما زاد في روايته على قوله: يزيد، لكن النسائي، أو من دون النسائي هو الذي أتى بكلمة (هو ابن زريع) وذكر نسبه، وهو أنه ابن زريع، وأتى بكلمة (هو) حتى يعلم بأنها ليست من التلميذ، وإنما زادها من دون التلميذ، وهذا من عناية المحدثين، ودقتهم، وأنهم إذا زادوا شيئاً من أجل التوضيح، فيأتون بالشيء الذي يدل على أنه ليس من التلميذ، ولو أن من دون التلميذ أتى به، قال: يزيد بن زريع لفهم أن هذا كلام التلميذ، والتلميذ هذا ما قال: يزيد بن زريع، قال: يزيد فقط، لكن من دونه أتى بالتوضيح وأتى بكلمة (هو)، ومثلها كلمة (يعني) التي تأتي في بعض الروايات.
    [حدثنا يونس].
    هو ابن عبيد البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن].
    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، البصري، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بكرة].
    هو نفيع بن الحارث، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الأمر بالاستغفار في الكسوف


    شرح حديث أبي موسى: (خسفت الشمس فقام النبي فزعاً ... فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر بالاستغفار في الكسوف.
    أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي عن أبي أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: (خسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يخشى أن تكون الساعة، فقام حتى أتى المسجد، فقام يصلي بأطول قيام، وركوع، وسجود، ما رأيته يفعله في صلاته قط، ثم قال: إن هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد، ولا لحياته، ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى ذكره، ودعائه، واستغفاره)].
    أورد النسائي، هذه الترجمة وهي: الاستغفار في الكسوف، الاستغفار هو من الدعاء؛ لأن الدعاء عام ويدخل فيه الاستغفار؛ لأن الاستغفار طلب المغفرة، وطلب المغفرة دعاء، وهنا جاء التنصيص عليه من ذكر الخاص بعد العام، ولهذا جاء في الحديث نفسه: (ذكر الله، ودعائه، واستغفاره)، واستغفاره هو من ضمن الدعاء، إلا أن الدعاء عام، والاستغفار خاص، وهو جزء منه، فهذه الترجمة بعد الترجمة السابقة أخص منها؛ لأن الدعاء يشمل الاستغفار، وغير الاستغفار، وأما الاستغفار هو نص في الاستغفار، وهو طلب المغفرة من الله عز وجل.
    وقد أورد النسائي فيه حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه الذي فيه: أنه لما انكسفت الشمس قام مسرعاً يخشى أن تكون الساعة، قامت، وأن الساعة ستقوم، وقوله: [(يخشى أن تكون الساعة)]، يحتمل أن يكون هذا عن علم عن رسول الله، وأنه يخشى، ويكون ذلك قبل أن يعلم بالأمور التي تكون بين يديها، ومعلوم أنها لم تقع، ومثل ذلك ما جاء في قصة الدجال عندما قال: (إن يخرج وأنا فيكم فأنا) كذا، (وإن لم يخرج فكل حجيج نفسه)، معناه أن الرسول ما كان يدري شيئاً عن وقت خروجه، ثم إنه أُطلع على ذلك، فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ما كان عنده علم بتلك المقدمات التي تكون بين يدي الساعة وهي لم تقع، ويحتمل أن يكون هذا الراوي أو الصحابي، ظاناً، ومعلوم أن ظنه منه، ولا يلزم أن يكون ما ظنه صحيحاً، فقد يظن شيئاً ولا يكون صحيحاً، والرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يخشى أن تقوم الساعة، فهو يحتمل أن تكون الخشية حصلت من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبي موسى على علم بذلك، أو أنه حصل منه الظن، أنه يخشى أن تكون الساعة، ثم صلى بالناس، وخطبهم، وقال: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله، ودعائه، واستغفاره)، والمقصود من الترجمة هو قوله: [(واستغفاره)]، وهو من ذكر الخاص بعد العام الذي هو الاستغفار.
    تراجم إسناد حديث أبي موسى: (خسفت الشمس فقام النبي فزعاً ... فإذا رأيتم من ذلك شيئاً فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره)
    قوله: [أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي]. هو الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي أسامة].
    هو حماد بن أسامة، مشهور بكنيته أبو أسامة، وكنيته توافق اسم أبيه، وقد عرفنا فيما مضى أن هذا نوع من أنواع علوم الحديث، وهي معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع ألا يظن التصحيف، بأن يظن أن ابن صحفت إلى أبو، فيما إذا قيل: حماد بن أسامة أو حماد أبو أسامة. فهو مشهور بالكنية أبو أسامة، واسمه حماد بن أسامة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن بريد].
    هو ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وهو ثقة، يخطئ قليلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من الذين تكلم فيهم من رجال البخاري، وقد أورد الحافظ ابن حجر ترجمته في مقدمة الفتح، وذكر ما قيل فيه، وقال: إن أحمد قال: له أحاديث مناكير، ثم قال الحافظ ابن حجر: والإمام أحمد، وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة، وليس إذا قيل: له مناكير، معناه أن حديثه منكر، وإنما يأتي بأحاديث هي من قبيل الفرد المطلق، ومن المعلوم أن الفرد المطلق إذا كان صاحبه ممن يحتمل تفرده، فإنه يعول عليه، وإنما الذي لا يفيد هو من لا يعول عليه عند التفرد، يحتاج إلى من يعضده، فقوله: له مناكير، قال الحافظ ابن حجر: الإمام أحمد، وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة، يعني ليس معناه أن الحديث منكر، وأن أحاديثه تكون منكرة، وإنما هذا اصطلاح لبعض المحدثين، ومعرفة الاصطلاح، أو اصطلاحات المحدثين هذه مهمة؛ لأن من لا يعرف يعتبر هذا تضعيف، مع أنه ليس بتضعيف، وإذا فهم أن المراد بالمناكير الأفراد المطلقة، فمعناه ليس تضعيفاً، المنكر هو مخالفة الضعيف للثقة، هذا هو المنكر في الاصطلاح المشهور، لكن يأتي ذكر الأحاديث المناكير، وله أحاديث مناكير، وليس معنى ذلك أنها منكرة بحيث أنه لا يعول عليها، وإنما هي أفراد مطلقة، أي: تفرد بأحاديث، ومن المعلوم أن الثقة إذا تفرد بأحاديث، وهو يعتمد عليه، فتفرده لا يؤثر، وكم من حديث في الصحيح هو من الغرائب في الصحيح، أي: التي جاءت من طريق واحد، وأقرب مثالاً على ذلك: فاتحة البخاري، وخاتمة البخاري، أول حديث في صحيح البخاري وآخر حديث في صحيح البخاري، فإنهما غريبان، ما جاء إلا من طريق واحد، (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)، هذا ما جاء إلا عن عمر، ولا رواه عن عمر إلا علقمة بن وقاص الليثي، وما رواه عن علقمة بن وقاص الليثي إلا محمد بن إبراهيم التيمي، وما رواه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم انتشر بعد يحيى بن سعيد الأنصاري حتى قيل: إنه بلغ إلى سبعين، أو سبعمائة أخذوا عن يحيى بن سعيد الأنصاري، فكثر بعد ذلك، لكن من فوق هو غريب، معناه أنه فرد جاء من طريق واحد ما جاء بأكثر من طريق، آخر حديث في البخاري: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، جاء عن أبي هريرة، ولا روى عن أبي هريرة إلا أبو زرعة بن عمرو بن جرير، ورواه عن أبي زرعة إلا عمارة بن القعقاع، يعني: ما جاء إلا من طريق واحد، فهذان الحديثان، وهما فاتحة البخاري، وخاتمة البخاري، هما من الأحاديث الغريبة، الأفراد المطلقة، من الأفراد المطلقة لما ما جاءت إلا من طريق واحد، ومنها حديث: (النهي عن بيع الولاء وهبته)، أيضاً ما جاء إلا من طريق واحد عن ابن عمر، وكذلك حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، هو في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر، لكنه في غير الصحيح موجود عن أبي هريرة، ولهذا لما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: وهذا من غرائب الصحيح، وقد خلى منه مسند الإمام أحمد على سعته، وقد خلى منه، أي: حديث ابن عمر مسند الإمام على سعته، مسند الإمام أحمد، فيه أربعون ألف حديث، وليس فيه حديث ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس).
    حكم التفرد والإتيان بالغرائب إذا كان الراوي ممن يحتمل تفرده
    فالحاصل أن الأفراد المطلقة هذه ليست ضعيفة، ولا يضعف من تفرد بها، وإنما الأفراد، والغرائب تؤثر إذا كان الشخص لا يحتمل تفرده، ولا يعول عليه منفرداً، هذا بريد بن عبد الله بن أبي بردة في ترجمته هذه الكلمة، وهذا من الاصطلاح، ومن جنس ذلك كلمة (لا بأس به) عند يحيى بن معين، تعادل ثقة، وهذا اصطلاح يحيى بن معين يختلف عن غيره، وكلمة (لا بأس به) تعادل صدوق عند غير يحيى بن معين، وأما عند يحيى بن معين فتعادل ثقة، والحاصل أن الاصطلاح إذا عرف ما يظن تضعيف، أو أنه تقليل من قيمة الشخص، لا يؤثر ذلك، بريد بن عبد الله بن أبي بردة يروي عن جده أبي بردة؛ لأن بريد هو حفيد أبي بردة الذي يروي عنه هنا؛ لأنه بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى، فهي رواية حفيد عن جده، وذلك الجد يروي عن أبيه الذي هو أبو موسى الأشعري؛ لأن أبا بردة هو ابن أبي موسى الأشعري، وبريد هو حفيد أبي بردة؛ لأن بريد اسم أبيه عبد الله، فهو يروي عن جده أبي بردة بن أبي موسى، فهي من رواية حفيد عن جد، وذلك الجد يروي عن أبيه، فهو من رواية الأبناء عن الآباء، فيه رواية حفيد عن جد، ورواية ابن عن أبيه، هذا الإسناد، فيه رواية حفيد عن جده، ورواية ابن عن أبيه، فالحفيد هو بريد، والجد هو أبو بردة، والابن الذي يروي عن أبيه أبو بردة، والأب الذي يروي عنه الابن هو أبو موسى الأشعري، وأبو بردة اسمه قيل: عامر، وقيل: الحارث، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي موسى الأشعري].
    وهو: عبد الله بن قيس، مشهور بكنيته أبو موسى الأشعري، اسمه عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة


    فضل العالم على العابد
    السؤال: فضيلة الشيخ، ما صحة ما يروى: نوم العالم أفضل من عبادة الجاهل؟الجواب: لا أعلم عن هذا شيئاً، لكن الذي جاء في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه اشتمل على خمس فضائل من فضائل أهل العلم، يقول في هذه الجمل الخمس: (من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، وهذه القطعة موجودة في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم، الذي أوله: (من نفس عن مسلمٍ كربة)، وآخره: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، وفي أثنائه (ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، أما حديث أبي الدرداء فأوله: (من سلك طريقاً يلتمس به علماً)، وقد شرحه ابن رجب في جزء الذي هو حديث أبي الدرداء، (من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء -هذه الثالثة-، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، والخامسة: وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً، ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذه بحظٍ وافر)، فقوله عليه الصلاة والسلام: (وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب)، هذا يبين فضل العلم على العبادة، وذلك أن العلم فيه العبادة على بصيرة، وفيه معرفة الحق، والهدى ليصير الإنسان في نفسه على هدى، وليدل غيره على بصيرة، ويدعو غيره على بصيرة، كما قال الله عز وجل: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )[يوسف:108]، أما العابد فنفعه يخصه، ولا يتعداه إلى غيره؛ لأن صلاته له ما يتعدى نفعها، وأما العلم فنفعه يتعدى، أولاً: كون الإنسان يعبد الله على بصيرة، وأيضاً كونه يدعو غيره على بصيرة، وإذا دعا غيره على بصيرة، واستفاد من دعوته، وتوجيهه، وإرشاده، فيكتب له مثل أجور الذي استفاد من علمه، وتوجيهه، وإرشاده، كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: (من دعاء إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً).
    مدى محرمية الأبناء لخالة أبيهم
    السؤال: فضيلة الشيخ، هل أبنائي محرماً لخالتي أخت أمي؟
    الجواب: خالة الإنسان خالة لأبنائه، وأبناء أبنائه، وأبناء بناته، كلهم مهما نزلوا فهي خالة لهم، ومن تكون خالةً لك فهي خالةً لجميع ما تحدر منك، سواءً من أبنائك، أو بناتك.
    معنى قعود النبي عليه الصلاة والسلام على المنبر
    السؤال: فضيلة الشيخ، نرجو منكم إعادة شرح قعود النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر؟ الجواب: أنا أقول: إن ذكر القعود هنا في صلاة الكسوف ليس بواضح، وكذلك مثل ما جاء في الاستسقاء: أنه جلس على المنبر، وإنما يمكن أن يكون المراد به أنه صار على المنبر، كونه عبر بالقعود، لا يلزم منه أن يكون ذلك عن جلوس، وقد يحتمل أن يكون عن جلوس، لكن الواضح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب قائماً، ورفع يديه، حتى رؤي بياض إبطيه، وحول رداءه، واستقبل القبلة، كل هذا يفيد أنه كان عن قيام، وليس عن جلوس.


  20. #280
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الإستسقاء)
    (277)

    كتاب الاستسقاء - (باب متى يستسقي؟) إلى (باب جلوس الإمام على المنبر للاستسقاء)


    كتاب الاستسقاء، متى يستسقي الإمام



    شرح حديث: (جاء رجل فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الاستسقاء، متى يستسقي الإمام.أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله عز وجل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة، فجاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت، وانقطعت السبل، وهلكت المواشي، فقال: اللهم على رؤوس الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، فانجابت عن المدينة انجياب الثوب)].
    يقول النسائي رحمه الله: كتاب الاستسقاء، النسائي رحمه الله ذكر الكسوف، وصلاة الكسوف من الصلوات التي تحصل بمناسبات غير معلومة، وإنما بوجود الكسوف، فشرعت الصلاة، فأتى النسائي رحمه الله بكتاب الكسوف، ثم عقبه بكتاب الاستسقاء، وهي أيضاً صلاةً ليست ثابتة معلومة، وإنما تأتي على حسب الأحوال والمناسبات، حيث يكون الجدب، وحيث يكون القحط، يحصل الاستسقاء، فأورد النسائي رحمه الله هذا الكتاب مع الكتاب السابق؛ لأنها كلها تتعلق بمناسبات غير ثابتة، وليست في أوقات معينة، وإنما أوقاتها على حسب المناسبات، حيث يوجد الكسوف توجد الصلاة، وحيث يوجد القحط توجد الصلاة، والاستسقاء هو: طلب السقي، وهو دعاء الله عز وجل بأن يسقي الناس، وأن ينزل عليهم الغيث، هذا هو المراد بالاستسقاء، طلب السقي.
    ثم أورد النسائي باب متى يستسقي الإمام، وأورد فيه حديث أنس بن مالك: أن النبي عليه الصلاة والسلام دعا في خطبة الجمعة، لما طلب منه رجل أن يستسقي، وذكر الأمور التي وقع فيها الناس، والتي هي حاصلة، وهي أنها هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فطلب منه أن يستسقي، فرفع يديه عليه الصلاة والسلام ودعا، وسأل الله عز وجل أن يسقي الناس، وهذا هو الاستسقاء.
    فمتى يستسقي الإمام؟ إذا وجدت الحاجة التي تدعو إلى ذلك، وهي القحط والجدب، فإنه عند ذلك يحصل الاستسقاء، ويحصل استسقاء الإمام، والاستسقاء يكون في خطبة الجمعة، ويكون بالإتيان بالصلاة التي هي صلاة الاستسقاء، والخطبة فيها ودعاء الله عز وجل، والحديث الذي أورده النسائي يتعلق بخطبة الجمعة، وأن الاستسقاء فيها يكون عند الحاجة.
    أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً دخل والنبي عليه الصلاة والسلام يخطب يوم الجمعة، فسلم النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! ادع الله أن يغيثنا، هلكت الأموال، وانقطعت السبل)، يعني: هلكت الأموال لحصول القحط والجدب، بمعنى: أنها لم تجد شيئاً تأكله، فكان ذلك سبباً في هلاكها وموتها، قلة الطعام، وقلة الرعي، (وانقطعت السبل)، ما كان عند الإبل القدرة بسبب الهزال، وعدم وجود الطعام، فلا يتمكنون من السفر عليها، والانتقال من مكان إلى مكان لجلب الأرزاق، ولجلب الطعام، وما يحتاج الناس إليه، فالسبل انقطعت لضعف الرواحل، وعدم قدرتها على قطع المسافات، مع عدم وجود ما يقيتها، وهلكت الأموال بسبب قلة الطعام، وقلة الرعي، وأن ذلك كان من أسباب موت تلك الأموال التي هي الإبل والبقر والغنم، (فادع الله أن يغيثنا)، فرفع يديه رسول الله عليه الصلاة والسلام ودعا، وأنزل الله عز وجل الغيث، واستمر من الجمعة إلى الجمعة، والأمطار تتوالى، والأمطار تهطل على المدينة، فلما جاءت الجمعة الثانية، وكان عليه الصلاة والسلام يخطب يوم الجمعة، دخل رجل وقال: (يا رسول الله! تهدمت البيوت، وانقطعت السبل، وهلكت الأموال)، فادع الله أن يمسك عنا الماء، فالنبي عليه الصلاة والسلام دعا وقال: (اللهم على الآكام، والأودية، ومنابت الشجر)، وفي بعض الروايات: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب، والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر)، فقوله: (تهدمت البيوت) يعني: بسبب توالي الأمطار عليها، وكونها من الطين الذي إذا كثر عليه المطر ذاب، وحصل التهدم بسبب كثرة ما يقع، وما ينزل من المطر، لكونه استمر أسبوعاً كاملاً، (وهلكت الأموال) بسبب حصول البرد الذي يحصل مع كثرة الأمطار، وذلك البهائم وعدم تمكنها من الخروج لترعى، وانقطعت السبل، ما يأتي بالأرزاق والأموال، ويجلبها عليهم لتوالي نزول الأمطار، وكثرة نزوله، فالنبي عليه الصلاة والسلام سأل الله عز وجل (فانجابت السحب عن المدينة كانجياب الثوب عن صاحبه)، أي: مثل ما ينزع الثوب عن صاحبه، ولا يبقى عليه إذا نزع، فكذلك انجابت السحب عن المدينة، فلم يكن عليها شيء.
    الحاصل: أن الترجمة وهي: متى يستسقي الإمام، هي عند الحاجة إذا طلب السقي، وأنها تكون بالجمعة، وبغير الجمعة، أي: صلاة الاستسقاء، وفيه حصول جواز الكلام من الإمام، ومن يكلمه الإمام؛ لأن هذا الرجل خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم وناداه، فطلب منه أن يدعو، فهذا فيه جواز الكلام مع الإمام، وكلام الإمام مع المأمومين؛ لأن هذا الحديث فيه حصول الكلام من المأمومين أو بعض المأمومين مع الإمام، وذلك سائغ، وأما كلام الإمام فقد جاء في أحاديث أخرى التي فيها: (أن رجلاً دخل ولم يصل ركعتين، فقال له الرسول: أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين)، وفيه أنه عندما يحصل الشدة، والقحط، والجدب، يفزع إلى الله عز وجل بالدعاء، وكذلك أن خطبة الجمعة يستسقى بها، ويحصل الاستسقاء بخطبة الجمعة؛ لأن الحديث يتعلق بخطبة الجمعة؛ ولأنه كان في خطبة الجمعة، وفيه حصول استجابة الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام، حيث أنزل الله الغيث، وأنزل المطر، وتوالت الأمطار، من الجمعة إلى الجمعة أسبوعاً كاملاً، ثم طلب منه أن يدعو بإمساك الماء، فلم يدع بإمساك الماء، وإنما سأل سؤالاً فيه أدب، وفيه الاحتياج إلى الله عز وجل، وأن يجعل الأمطار لا تكون على المدينة، وإنما تكون على الآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، وفي بعضها قال: (اللهم حوالينا ولا علينا)، فهذا من الأدب في الدعاء، وأن الله عز وجل ليس من المناسب أن يطلب منه الإمساك، وأن يقول: اللهم أمسك عنا المطر، اللهم أوقف عنا المطر، وإنما يدعو بهذا الدعاء الذي فيه الأدب، والاحتياج إلى الله عز وجل، (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب، والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر)، والآكام، قيل: هي الأماكن المرتفعة الجبل الصغير، أو التل، أو من الرمل، أو المكان المرتفع من الأرض، فهذه يقال لها: آكام.
    قوله: [عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله عز وجل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة، فجاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت، وانقطعت السبل، وهلكت المواشي، فقال: اللهم على رؤوس الجبال والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، فانجابت عن المدينة انجياب الثوب)].
    فانجابت السحب على المدينة انجياب الثوب، وهذا بدعاء الرسول عليه الصلاة والسلام، دعا أولاً وكان ليس هناك أي قزعة في السماء، فتلبدت السماء بالغيوم، ونزل المطر وهم لم يصلوا إلى بيوتهم، بل وهم في المسجد، واستمرت حتى الجمعة الثانية، ولما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجعله الله عز وجل على الآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، انجابت عن المدينة، وتفرقت، وتقطعت تلك السحب حتى صارت السماء صحواً، وكان ذلك (كانجياب الثوب)، أي: كما ينزع الثوب عن صاحبه، فيبقى ليس عليه شيء، انجابت تلك السحب عن المدينة حتى لم يكن عليها شيء، وإنما السماء بادية لها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (جاء رجل فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، يروي عن..
    [عن مالك].
    هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، المشهور، الإمام، الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن شريك].
    هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر وهو صدوق، يخطئ، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه، هؤلاء هم: الذين أخرجوا لـشريك بن عبد الله بن أبي نمر، وهو غير شريك بن عبد الله القاضي؛ لأن هذا طبقته متقدمة يروي عن الصحابة، وأما شريك القاضي فهو متأخر، من طبقة شيوخ شيوخ البخاري، يروي عنه قتيبة، ويروي عنه غيره، فهو متأخر الطبقة عن هذا، أما هذا فهو متقدم، هذا الذي هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر متقدم يروي عن أنس بن مالك، وهو من التابعين، يروي عن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي روى حديث المعراج الطويل، الذي أورده البخاري في آخر الصحيح، وكان فيه أوهام، لأنه انفرد بها عن غيره، وتعتبر من أوهامه، وقد ذكرها ابن حجر، وذكرها ابن كثير، في تفسير سورة الإسراء في أولها؛ وهو من أحاديث البخاري التي وجد فيها أوهام، وأنكرت على شريك هذا، وهي من الأحاديث التي ليس عنها جواب في صحيح البخاري؛ لأن أكثر الأحاديث التي انتقدت على البخاري أجيب عنها، والحق في أغلبها مع البخاري، لا مع من اعترض عليه وانتقده، ولكن هذا الحديث مما انتقد، ولم يكن له جواب؛ لأن شريكاً انفرد بأمور لم يتابع عليها، فعدت من أوهامه، وقد جمعها ابن كثير في أول تفسير سورة الإسراء، وكذلك أشار إليها الحافظ ابن حجر وذكرها غيره، ومسلم رحمه الله ما أورد حديث شريك، بل أورد حديث أنس، من طريق ثابت البناني، ثم ذكر الإسناد من طريق شريك، ولم يذكر لفظه، بل قال: فقدم وأخر، وزاد ونقص، على حديث ثابت البناني؛ لأنه ما أورد لفظ شريك بن عبد الله بن أبي نمر، بل أورد رواية ثابت البناني عن أنس، وأحال عليها عندما جاء في رواية شريك، ولم يذكر لفظها، وأما البخاري فساقها بلفظ شريك بن عبد الله بن أبي نمر هذا، وصار فيها أوهام اختص بها، فاعتبرت من أغلاطه، وأوهامه، أي: أوهام شريك.
    [عن أنس بن مالك].
    وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد، وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء السبعة تميزوا عن غيرهم من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بالإكثار من رواية الأحاديث، عنه عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    وهذا الإسناد من رباعيات النسائي؛ لأن أعلى ما يكون عند النسائي الأسانيد الرباعية التي يكون فيها بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، وكانت وفاة النسائي سنة ثلاثمائة وثلاث، استكمل القرن الثالث، ومات في أوائل الرابع، وبينه وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أعلى ما يكون أربعة أشخاص، وهذا من الأسانيد العالية عند النسائي التي هي أعلى ما يكون، والنسائي، ومسلم، وأبو داود أعلى ما عندهم الرباعيات، هؤلاء الثلاثة من الأئمة الستة، أعلى ما عندهم الرباعيات، والبخاري عنده ثلاثيات، اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، بين البخاري، وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام ثلاثة أشخاص، وكانت وفاة البخاري سنة ست وخمسين ومائتين، والترمذي، عنده حديث واحد ثلاثي، وأما ابن ماجه، فعنده خمسة أحاديث ثلاثية، كلها بإسناد واحد وهو ضعيف؛ لأن الخمسة كلها بإسناد واحد، فإذاً: أصحاب الكتب الستة، ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، البخاري، والترمذي، وابن ماجه، وثلاثة ليس عندهم ثلاثيات، بل أعلى ما عندهم الرباعيات، وهم مسلم، وأبو داود، والنسائي.

    خروج الإمام إلى المصلى للاستسقاء
    شرح حديث: (إن رسول الله خرج إلى المصلى يستسقي ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [خروج الإمام إلى المصلى للاستسقاء. أخبرني محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا المسعودي عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم قال سفيان: فسألت عبد الله بن أبي بكر، فقال: سمعته من عباد بن تميم يحدث أبي: أن عبد الله بن زيد الذي أري النداء قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي، فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين )، قال أبو عبد الرحمن: هذا غلطٌ من ابن عيينة، وعبد الله بن زيد الذي أُري النداء هو عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وهذا عبد الله بن زيد بن عاصم].
    أورد النسائي: خروج الإمام إلى المصلى للاستسقاء، أي: مصلى العيد، مصلى الاستسقاء أو مصلى العيد، الأماكن التي تكون في الخلاء، وتكون مواضع يصلى بها الاستسقاء، ويصلى بها العيدين، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المصلى وقلب رداءه، وصلى بالناس ركعتين، ففيه الخروج إلى المصلى، وأنه يستحب الخروج إلى المصلى، حيث يحصل التمكن من ذلك، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يخرج إلى المصلى للاستسقاء، كما أنه يخرج إلى المصلى للعيدين، ففيه أنه كما يستسقى في خطبة الجمعة، كذلك يستسقى في الخروج إلى المصلى، وإيجاد الصلاة المشروعة للاستسقاء، وحصول الدعاء في الخطبة، كما يدعى في خطبة الجمعة يدعى في خطبة الاستسقاء، والرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا وهذا، استسقى في خطبة الجمعة، واستسقى في خروجه إلى المصلى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    والحديث من رواية عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري، وليس من رواية عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الذي أُري الأذان، هو: عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وأما عبد الله بن زيد بن عاصم، فهذا شخص آخر غير ذاك، وهذا مما يسمونه في علم المصطلح المتفق والمفترق، وهي: أن تتفق أسماء الرواة، أو أسماء آبائهم، وتختلف أشخاصهم.
    والحديث جاء عند النسائي في هذا الإسناد أنه عبد الله بن زيد الذي أري الأذان؛ ولهذا عقب عليه النسائي: بأن هذا خطأ من ابن عيينة؛ لأن الذي أُري الأذان ليس هذا، وإنما هو: عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وإنما هذا الذي روى حديث الاستسقاء هو: عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، هذا غير ذاك، ولهذا قال: هذا خطأً من ابن عيينة، أخطأ فنسب هذا الذي روى حديث الاستسقاء أنه عبد الله بن زيد الذي أُري الأذان، وليس الواقع كذلك، بل الذي أُري الأذان هو: عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وهذا عبد الله بن زيد بن عاصم، الذي يروي عن عباد بن تميم، وهو ابن أخيه لأمه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله خرج إلى المصلى يستسقي ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو الجواز المكي، ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة الهلالي، المكي، وهو ثقة، حجة، فقيه، إمام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. يروي عن أبي بكر.
    [عن المسعودي].
    هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المسعودي الكوفي، وهو صدوق، اختلط قبل موته، وقال عنه الحافظ: ضابطه أنما حدث عنه في بغداد فبعد الاختلاط، ومن المعلوم أن المختلط: ما حدث عنه بعد الاختلاط، فإنه لا يعول عليه، وما حدث عنه قبل الاختلاط، فهو المعول عليه، وما جهل، هل كان بعد الاختلاط أو قبله؟ فإنه أيضاً لا يعول عليه، ولا يعتمد على شيء مما رواه، إلا إذا عُرِف أنه قبل الاختلاط؛ لأنه يكون بذلك سلم مما حصل له، وهو الاختلاط، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي بكر].
    هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، المدني، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وقيل: اسمه كنيته أبو بكر، لا يعرف له اسم، بل هذا الذي يعرف به، وقيل: إن كنيته أبو محمد، واسمه أبو بكر، أي: بلفظ الكنية، وكنيته أبو محمد، وقيل: إن كنيته واسمه سواء، فهو أبو بكر اسم وكنية، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عباد بن تميم].
    هو عباد بن تميم بن غزية الأنصاري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [قال سفيان: فسألت عبد الله بن أبي بكر].
    ثم ذكر إسناداً آخر عن سفيان يرويه عنه محمد بن منصور، نا سفيان، أخبرنا سفيان، وكلمة (نا) إذا جاءت فهو يشير إلى اختصار أخبرنا، أخبرنا سفيان.
    قال سفيان: سألت عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم؛ لأن الذي روى عنه في الإسناد السابق هو: أبو بكر، يروي سفيان عن المسعودي عن أبي بكر، وهنا يروي سفيان عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، قال: سألت عبد الله بن أبي بكر:
    فقال: سمعته من عباد بن تميم يحدث أبي]، كلمة (عن) زائدة، يحدث أبي؛ لأن الإسناد الذي مضى أبو بكر، يروي عن عباد بن تميم، وهنا عبد الله بن أبي بكر، يروي عن عباد بن تميم، عن الذي يروي عن أبيه، ولكنه سمعه يحدث أباه، كان عباد بن تميم يحدث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعنده ابنه عبد الله، فكل منهما أخذ الحديث، فالحديث جاء من طريقين: من طريق سفيان عن المسعودي عن أبي بكر بن حزم عن عباد بن تميم، والطريق الثانية: سفيان يرويه عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم، أي: أعلى من الطريق السابقة؛ لأن الطريق السابقة بين سفيان وبين عباد شخصان، وهنا بين سفيان، وبين عباد شخص واحد، ومن الطريق الثانية التي أخرجها البخاري كما رواها عن علي بن المديني، عن سفيان، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد بن عاصم، فهي عالية، أعلى من الطريق الأولى التي فيها المسعودي، عن أبي بكر بن محمد بن حزم، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد بن عاصم، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وهو يروي عن ابن تميم، وهنا يلتقي الإسنادان؛ لأن الإسنادين التقيا عند عباد بن تميم، وعلى هذا، فأبو بكر بن محمد بن حزم، وابنه عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، كل منهما اشتركا في الرواية عن عباد بن تميم بن غزية المازني.
    [عن عبد الله بن زيد بن عاصم].
    صحابي مشهور، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وهذا اللفظ الذي ورد قال: (سمعته يحدث أبي)، فيه أن الراوي عندما يسمع غيره يحدث غيره، فإنه يمكن أن يروي عنه، ولو لم يكن يحدثه هو، بل سمعه يحدث غيره، فيروي عنه، ولو كان المقصود بالتحديث هو ذاك، أو الذي يحدث الآخر؛ لأن عباد بن تميم يحدث أبا بكر وابنه حاضر، فروى عن عباد بن تميم، وسمعه يحدث أباه، وقد سبق أن مر بنا: أنه لا يلزم في الرواية، أن يكون المحدث أراد أو قصد تحديث الذي يروي عنه، بل إذا سمعه يحدث غيره، فله أن يروي عن غيره، فقد سبق بنا قصة الحارث بن مسكين، مع النسائي، وأن للنسائي مع الحارث بن مسكين حالتان: حالة كان بينه وبينه تراضي، فكان يسمح له بأن يأخذ عنه، وأن يحضر مجلسه، ويحدث عنه، فكان يقول: أخبرنا، يقول النسائي عندما يروي ما كان من هذا القبيل: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، وكان في وقت من الأوقات، حصل بينه وبينه شيء من سوء التفاهم والوحشة، فمنعه أن يحضر مجلسه، فكان يأتي، ويجلس وراء الستار، ويسمع الحديث، فيحدث عنه، ولكنه لا يقول: أخبرني؛ لأنه ما قصد إخباره، وإنما يقول: الحارث بن مسكين، قراءةً عليه وأنا أسمع، وقد سبق أن مر بنا قريباً الإسناد الذي فيه من هذا القبيل، والذي قال فيه أبو بكر بن السني: قال أبو عبد الرحمن، قال: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع؛ لأن هذه الحالة من الحالات التي ما كان أُذن له، لكن من حيث الرواية يجوز لمن سمع محدثاً يحدث أن يأخذ عنه، يقول: سمعت فلان يقول: كذا وكذا، أو قال: فلان كذا، وإن لم يقصد تحديثه، ما دام أنه وجد السماع، وحصل السماع، فهنا يقول: سمعت عباد بن تميم يحدث أبي، ما كان يحدثه وإنما يحدث أباه، وهو روى بالإسناد، وهو الذي اعتمده البخاري، وهي رواية عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن تميم، وأنه سمعه يحدث أباه.

    الحال التي يستحب للإمام أن يكون عليها إذا خرج
    شرح حديث: (خرج رسول الله متضرعاً متواضعاً متبذلاً ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور ومحمد بن المثنى عن عبد الرحمن عن سفيان عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه قال: أرسلني فلان إلى ابن عباس أسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء؟ فقال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متضرعاً، متواضعاً، متبذلاً، فلم يخطب نحو خطبتكم هذه، فصلى ركعتين)].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: باب الحال التي يستحب للإمام أن يكون عليها إذا خرج، وكذلك غيره يخرجون كذلك؛ لأن الأشياء التي يفعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام يقتدى به فيها، إلا إذا عرف أنها من خصائصه، فعند ذلك لا يتابعه غيره في ذلك، والحال التي يكون عليها كونه يخرج متواضعاً، متخشعاً، متبذلاً، أي: لا يكون لابساً الألبسة التي فيها الهيئة والجمال والزينة، هذا هو معنى التبذل، وكونه متبذلاً، هذا بيان للحالة، أو مقصود الحالة التي يكون عليها عندما يخرج في الاستسقاء.
    ثم أورد النسائي حديث ابن عباس أن إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال: أرسلني فلان إلى ابن عباس أسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، وهنا أبهمه وقال: فلان، وهذا يسمى المبهم، وهو: أن يقال: فلان أو يقال: رجل، وأما المهمل أن يذكر اسمه، ولكنه لا ينسب، مثلما إذا قيل: سفيان، ولم يقال: ابن عيينة، ولا الثوري، هذا يقال له: مهمل، وأما إذا ذكر شخص بغير لفظ يدل عليه، ليس فيه ذكر اسمه، وإنما قيل: رجل، أو فلان، أو امرأة، أو ما إلى ذلك، هذا يسمى المبهم، وقد جاء في بعض الروايات، أنه الوليد بن عقبة أمير المدينة أرسله إلى ابن عباس يسأله؛ ولهذا جاء في بعض الروايات عن إسحاق بن عبد الله بن كنانة أنه قال: سألت ابن عباس، وفي بعضها قال: أرسلني فلان إلى ابن عباس أسأله، وكلها صحيحة؛ لأنه هو الذي سأله، وتولى المباشرة للسؤال؛ ولهذا قال: سألته، وقد أُرسل ليسأل، فكونه أرسله، وفي بعضها أنه قال: إني سألته ولم يقل: أرسلني، فالنتيجة واحدة، هو: وجود السؤال منه، ولكنه مندوباً عن غيره أو موكلاً في السؤال ليسأل ابن عباس، فسأله، فأجابه بأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج (متضرعاً، متواضعاً، متبذلاً، فلم يخطب نحو خطبتكم هذه، فصلى ركعتين).
    قوله: [(فصلى ركعتين)].
    والمقصود هنا بيان الهيئة التي يكون عليها، وهو إنه متضرع، متواضع، متبذل، وهو المقصود من إيراد هذا الحديث، والحديث، سيأتي من طرق أخرى، وفيه أنه دعا، واستسقى عليه الصلاة والسلام.

    تراجم رجال إسناد حديث: (خرج رسول الله متضرعاً متواضعاً متبذلاً ...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور ومحمد بن المثنى].هو المروزي الملقب بـالكوسج، وهو ثقة، حافظ، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود، والذين في الكتب الستة ممن يقال له: إسحاق بن منصور شخصان، هذا الذي هو: الكوسج، وإسحاق بن منصور السلولي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ومحمد بن المثنى].
    هو العنزي الملقب الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة، ومثله محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهؤلاء الثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي البصري، ثقة، ناقد، عالم بالرجال والعلل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، إمام، حجة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة].
    هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة، وهو مقبول، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو إسحاق بن عبد الله بن كنانة، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [قال: أرسلني فلان إلى ابن عباس].
    هو يروي عن ابن عباس؛ لأنه هو الذي سأل ابن عباس أما فلان الذي لم يذكره، سواءً عرف، أو لم يعرف؛ لأنه ليس من رواة الإسناد؛ لأن الإسناد: هو إسحاق يروي عن ابن عباس، وهو الذي سأله، وهو الذي حدث عن ابن عباس، وإنما ذاك هو كان السبب في السؤال، أو هو الذي أرسل من أجل السؤال، وهو الذي سأله والذي أجابه، أجاب ابن عباس فسمع الجواب، فهو يحدث عن ابن عباس، وقد سمع منه الجواب الذي أجاب به عندما سئل عن الهيئة، أو الحالة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما خرج يستسقي.
    وعبد الله بن عباس، هو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    والحديث من رواية هشام بن إسحاق، وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، وجاء من طرق أخرى ما تشهد له، فهو حديث ثابت، ومعتبر؛ لأنه قد توبع على ذلك، ووجد ما يعضده، والمقبول حديثه يقبل إذا اعتضد، وإذا جاء ما يشهد له.
    شرح حديث: (أن رسول الله استسقى وعليه خميصة سوداء ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا عبد العزيز عن عمارة بن غزية عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة سوداء)].أورد النسائي هذا الحديث عن عبد الله بن زيد بن عاصم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة سوداء)، فهذا يبين الهيئة التي كان عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، والخميصة هي: كساء، وهنا قال: سوداء، فهذا يبين اللباس الذي كان على رسول الله عليه الصلاة والسلام لما خرج يستسقي، الحديث الأول بين أنه كان متخشعاً، متضرعاً، متواضعاً، متبذلاً وهنا قال: (عليه خميصة سوداء).

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله استسقى وعليه خميصة سوداء ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
    [حدثنا عبد العزيز].
    هو ابن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمارة بن غزية].
    لا بأس به، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. وكلمة لا بأس به كما ذكر ذلك الحافظ في التقريب تعادل صدوق، ومثلها لا بأس به، وليس به بأس، هذه في درجة واحدة، وهي دون الثقة، ممن يكون حديثه إذا انفرد حسناً لذاته.
    [عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد].
    وقد مر ذكرهما.

    باب جلوس الإمام على المنبر للاستسقاء

    شرح حديث: ( خرج رسول الله متبذلاً متواضعاً متضرعاً فجلس على المنبر ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب جلوس الإمام على المنبر للاستسقاء. أخبرنا محمد بن عبيد بن محمد حدثنا حاتم بن إسماعيل عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه قال: (سألت ابن عباس عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء؟ فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعاً متضرعاً، فجلس على المنبر فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيدين)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: جلوس الإمام على المنبر في الاستسقاء، أي: كون الاستسقاء فيه خطبة، تشتمل على الذكر والدعاء وطلب السقي، وقد أورد فيه النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي فيه: أن إسحاق بن عبد الله بن كنانة سأل ابن عباس، وهنا قال: سألت ابن عباس، وهناك قال: أرسلني فلان أسأل ابن عباس، وهنا ما ذكر المرسل، وإنما قال: إنني سألت ابن عباس، فقال: (إن النبي عليه الصلاة والسلام خرج متواضعاً، متضرعاً، متبذلاً، فجلس على المنبر، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء، والتضرع، والتكبير، وصلى ركعتين كصلاة العيد)، وهذا فيه بيان أن صلاة الاستسقاء كصلاة العيدين، وهنا قال: جلس على المنبر، ويحتمل أن يكون المقصود: من ذلك كونه كان على المنبر وخطب، ويحتمل أن يكون الجلوس المعروف من هديه عليه الصلاة والسلام أنه كان يخطب قائماً، أن خطبه التي تكون في المجامع العامة مثل الجمع، ومثل التي يجتمع فيها الناس، أنه يكون قائماً حتى يراه الناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهنا قال: جلس فيحتمل أن يكون المقصود: بالجلوس معناه، وأنه جلس على المنبر، وأن يكون أنه صار على المنبر وخطب الناس.
    تراجم رجال إسناد حديث: ( خرج رسول الله متبذلاً متواضعاً متضرعاً فجلس على المنبر...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد بن محمد].
    هو محمد بن عبيد بن محمد المحاربي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا حاتم بن إسماعيل].
    صدوق يهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن إسحاق عن أبيه عن ابن عباس].
    وقد مر ذكر الثلاثة. فهشام مقبول، حديثه عند أصحاب السنن الأربعة، وأبوه صدوق، حديثه عند أصحاب السنن الأربعة.






الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •