تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 12 من 13 الأولىالأولى ... 2345678910111213 الأخيرةالأخيرة
النتائج 221 إلى 240 من 249

الموضوع: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

  1. #221
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [188]
    الحلقة (219)




    شرح سنن أبي داود [188]

    أنعم الله على العباد بأن سخر لهم الأنعام لهم فيها منافع، وفرض عليهم فيها الزكاة وقد جاءت السنة بتحديد أنصبة الزكاة ومقاديرها.

    ما جاء في زكاة السائمة


    شرح حديث (هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في زكاة السائمة. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتاباً زعم أن أبا بكر رضي الله عنه، كتبه لأنس رضي الله عنه، وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بعثه مصدقاً وكتب له، فإذا فيه: ( هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين التي أمر الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه: فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم في كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين، فإن لم يكن فيها بنت مخاضٍ فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستاً وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه، وأن يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليس عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه). قال أبو داود : ههنا لم أضبطه عن موسى كما أحب: (ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليس عنده إلا حقة فإنها تقبل منه). قال أبو داود : إلى ههنا ثم أتقنته: (ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليس عنده إلا بنت مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها. وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار من الغنم، ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدِّق، ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها. وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها ) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي (باب في السائمة) والسائمة هي بهيمة الأنعام التي ترعى أكثر الحول ، أي: لا يتعب صاحبها عليها بالعلف، ولا يتكلف لها علفاً، وإنما ترعى في البر وفي المراعي دون أن يحصل عليه كلفة بعلفها. وهذا يدل على أن صاحب الغنم أو الإبل إذا كان يعلفها أكثر الحول فإنه لا زكاة فيها؛ لأنه قد تعب وخسر عليها، ونماؤها إنما حصل بإنفاقه وبتعبه، فلا زكاة في الأنعام إلا أن تكون سائمة ترعى ولا يتكلف عليها بشيء. وقد أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه كتاب أبي بكر إليه لما جعله مصدقاً على البحرين -يعني: عاملاً على الصدقات في البحرين- فأعطاه هذا الكتاب الذي عليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بيان فرائض الصدقة، أي: مقاديرها وتحديدها. قوله: [ هذه فريضة الصدقة ] يعني: هذا بيان فريضة الصدقة، أي: بيان مقاديرها والنصاب والحد الأدنى والأوقاص التي لا زكاة فيها بين المقدارين من بهيمة الأنعام، ففي ذلك الكتاب بيان ما يستحق عند كل مقدار. وقوله: [ التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ] المراد بذلك أنه قدرها وبين مقاديرها، ومعلوم أنه جاء في القرآن إيجاب الزكاة دون تحديد وتقدير، وجاء بيان تحديد ذلك وتقديره في السنة، ومعلوم أن البيان الذي حصل من رسول صلى الله عليه وسلم ليس هو من عنده، وإنما هو من عند الله؛ لأن السنة وحي من الله، كما أن القرآن وحي من الله كما قال الله عز وجل وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. قوله: [ والتي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ] يحتمل أن يكون المراد: أمر الله بها رسوله في قوله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، ويحتمل أن يكون المراد أن هذا التفصيل من الله: ولا شك أن هذه التفاصيل من الله، وليست من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مبلغٌ عن الله، والسنة هي وحيٌ من الله مبينة وموضحة للقرآن، ودالة على القرآن. قوله: [ فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ] يعني: على هذا التقدير وعلى هذا البيان الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المفصل لبيان المقادير، فيعطيها إذا سئلها على وجهها، أما إذا سئل أكثر من ذلك فإنه لا يعطي ما لم يجب عليه، وإنما يعطي ما وجب عليه. وهذا مثل ما جاء في حديث ابن عباس من قصة معاذ بن جبل عندما بعث إلى اليمن فقال: (فإن هم أجابوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أجابوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم)يعني: لا تأخذ الكرائم النفيسة التي تكبر وتعظم في عيون أهلها، فإن أخذها ظلم، ولذلك قال: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) يعني: عليه أن يخشى أن يدعو عليه من ظلمه بأخذ شيء أكثر مما يجب عليه؛ فتصيبه الدعوة، ويستجيب الله عز وجل دعاءه على هذا الذي ظلمه.
    بيان زكاة الإبل وأنصبتها

    قوله: [ فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم ] بدأ ببيان هذه التفاصيل، فبين عليه الصلاة والسلام أن زكاة الإبل تنقسم إلى قسمين: قسم قليل تخرج زكاته من غير نوعه وهو الغنم؛ لأنه لو أخرج من نوعه لكان في ذلك ضرر على أصحاب الأموال، ولو لم يؤخذ منهم شيء مع أن المال فيه خير كثير، وبلغ مبلغ النصاب؛ فإنه يفوت على الفقراء شيء من الحقوق التي يستحقونها في أموال الأغنياء، فجاءت الشريعة ببيان المقادير على وجهٍ ينفع الفقير ولا يضر الغني. فإذا بلغت الإبل خمساً وعشرين وحال عليها الحول فيبدأ بإخراج الزكاة من جنسها، وإذا كانت أقل من خمس وعشرين فإن الزكاة فيها تكون من الغنم، في كل خمس ذود شاة، يعني أن الخمس من الإبل فيها شاة وقد مر في الحديث (ليس فيما دون خمس ذود صدقة). يعني: ما نقص عن الخمس لا زكاة فيه، والخمس هي أقل مقدار يزكى، ولكن زكاته تكون من غير جنسه أي: من الغنم وليس من الإبل؛ لأنه لو أخرج ناقة من الخمس لصارت الزكاة خُمُس المال، وفي ذلك ضررٌ على صاحب المال. فإذا بلغت تسعاً فليس فيها إلا شاة، فإذا بلغت عشراً صار فيها شاتان إلى أربع عشرة، فإذا صارت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه، وإذا بلغت تسع عشرة فليس فيها إلا ثلاث شياه، فإذا بلغت عشرين صار فيها أربع شياه إلى أربع وعشرين، فإذا بلغت خمساً وعشرين بدأ يخرج من جنسها، وهي ابنة مخاض. قوله: [ فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم ] أي: الزكاة فيما دون خمس وعشرين -أي: من أربع وعشرين فما دون- الغنم، وبين ذلك بقوله: (في كل خمس ذود شاة) ثم إلى أربع وعشرين فيها أربع شياه، الوقص، وهو ما بين الفريضتين، ولا زكاة فيه، وإنما الزكاة في مقدار الفريضة. والأربع التي فوق العشرين ليس فيها شيء، فإذا بلغت خمساً وعشرين فيخرج الزكاة من جنسها بنت مخاض. وبنت المخاض هي التي أكملت من عمرها سنة ودخلت في السنة الثانية، فأمها غالباً تكون قد حملت، فيقال لها: بنت مخاض لأن أمها ذات مخاض، وهذا في الغالب، وقد تكون أمها ما حملت وليس في بطنها حمل، ولكن جرياً على الغالب قيل لها: بنت مخاض. ففي خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض، فإذا زادت واحدة وصارت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون، وإذا لم تكن عنده بنت المخاض في المقدار الذي من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين فإنه يخرج ابن لبون ذكر، فالكبر في الذكر مقابل النفاسة التي في الإناث؛ لأن الإناث في الصدقة مفضلة على غيرها؛ لأنها تلد وتنمى، فإذا زاد واحدة عن خمس وثلاثين فصارت ستاً وثلاثين من الإبل ففيها بنت لبون، وهي التي أكملت سنتين من عمرها ودخلت في السنة الثالثة. وقيل لها: بنت لبون؛ لأن أمها تكون قد ولدت رضيع لبن، لأنها في السنة الأولى صارت ذات حمل، ثم بعد ذلك عندما تبلغ بنتها سنتين تكون قد ولدت، فقيل لها: ابنة لبون، يعني: أمها ذات لبن. ومن ستة وثلاثين إلى خمس وأربعين فيها ابنة لبون، فإذا زادت واحدة صارت ستةً وأربعين وفيها حقة، والحقة هي التي أكملت ثلاث سنين من عمرها ودخلت في السنة الرابعة. ومن ست وأربعين إلى ستين ليس فيها إلا حقة، فإذا زادت واحدة وصارت إحدى وستين ففيها جذعة، وهي التي أكملت أربع سنوات من عمرها ودخلت في السنة الخامسة، وهذا هو أعلى مقدار سن يخرج في الزكاة، وبعد ذلك يأتي التضعيف والتكرار. والأموال التي تخرج في الزكاة ليست مما يحصل به الهدي والأضحية؛ لأن الأضحية والهدي لا يكون إلا بالثني الذي أكمل خمس سنوات، لكن كل الأسنان التي في زكاة الإبل هي دون السن الذي يجزئ في الأضحية والهدي؛ لأن المقصود بذلك أن ينمى، ولا يتجاوز فيه الجذعة، فإذا زاد المال على ذلك فينتقل إلى تضعيف الحقة، وتضعيف بنت اللبون، وأما بنت المخاض والجذعة فلا تضاعفان، وإنما الذي يضاعف هو الوسط: ابنة اللبون والحقة. فمن واحد وستين إلى خمس وسبعين ليس فيها إلا جذعة، فإذا زادت واحدة وصارت ستة وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة وصارت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، فإذا وصلت المائتين حصل التساوي إما بإخراج خمس بنات لبون أو أربع حقاق؛ لأن المائتين هو العدد الذي ينقسم على خمسين وعلى أربعين، وهو الذي يسمى في الحساب: المضاعف المشترك البسيط، وهو أقل عدد ينقسم على عددين بدون باق.
    أحكام تباين أسنان الإبل في الزكاة

    قوله: [ (فإذا تباينت أسنان الإبل) ] بمعنى: أن الذي بلغت إبله إحدى وستين، وليس عنده جذعة، فإنه يؤخذ منه حقة، ويضاف إلى ذلك شاتين أو عشرين درهماً جبراً للنقص الذي بين الحقة والجذعة. وقوله: [ (إن استيسرتا له) ] يعني: إن كانتا عنده وتيسرتا له، وهو مخير بين عشرين درهماً أو شاتين. قوله: [ (ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين) ] هذا عكسه، فتؤخذ منه الجذعة ويعطى الفرق وهو شاتان أو عشرون درهماً. قوله: [ (ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليس عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه) ] أي: يقال في الحقة مع بنت اللبون مثلما قيل في الجذعة والحقة، فإذا كان عنده الحد الأعلى فإنه يؤخذ منه ويعطى الفرق، وإن لم يكن عنده إلا الحد الأدنى فإنه يؤخذ منه ويعطي هو الفرق. ولا يخرج من الذكور إلا ابن اللبون. [ قال أبو داود : من هاهنا لم أضبطه عن موسى كما أحب: (ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليس عنده إلا حقة فإنها تقبل منه) قال أبو داود : إلى هاهنا ثم أتقنته: (ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين) ]. يعني: إن كان عنده السن الأعلى أخذ منه وأعطي الفرق، وإن كان عنده السن الأدنى فإنه يعطي السن الأدنى ويدفع الفرق، وفي ذلك الوقت كانت الشاة الواحدة قيمتها عشرة دراهم. قوله: [ (ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليس عنده إلا بنت مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء) ] يعني: أن الذكر إذا أخذ مكان بنت المخاض فلا يعطى شيئاً؛ لأن الفرق في سن الذكر الزائد يقابل نقص كونه ليس أنثى. وإخراج صدقة الإبل نقداً فيه خلاف بين أهل العلم، ومعلوم أن الزكاة كانت تنمى، وكان لها رعاة، وتحصل الاستفادة منها، وهذا لا يتأتى في القيمة، لكن إذا احتيج إلى القيمة، واضطر الناس إلى أن يأخذوها فلا بأس؛ لأن الدولة قد لا تستطيع تنميتها، فيمكن أن تؤخذ القيمة إذا احتيج إلى ذلك، وهذا راجع للمصدق الذي يأخذ الصدقات، فهو الذي يرى المصلحة. قوله: [ (ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها) ] هذا رجوع إلى ما تقدم وهو (في كل خمس ذود شاة، والأربع ليس فيها شيء؛ لأنها دون النصاب، إلا إذا شاء صاحبها أن يخرج شيئاً تطوعاً فلا بأس بذلك، وأما كونه يؤخذ منه بغير رضاه فلا يجوز، ولكن هذا يرجع إليه، فإن أراد أن يتطوع وقال: أنا أدفع هذا تطوعاً فإنه يؤخذ منه).
    بيان زكاة الغنم وأنصبتها

    قوله: [ (وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياة إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة) ]. جاء في الحديث ذكر زكاة سائمة الغنم، فليس فيها شيء حتى تبلغ أربعين، فإن كانت تسعاً وثلاثين فليس فيها شيء، فإذا بلغت أربعين بدأ يحسب الحول من حين بلوغها أربعين، فالحد الأدنى الذي يزكى هو أربعين شاة، وفيها شاة واحدة إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة على مائة وعشرين وصارت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت عن ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، وأكبر وقص في زكاة الغنم هو من مائتين وواحدة إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين؛ لأن الثلاث شياه تبدأ من مائتين وواحدة إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين، فإذا زادت واحدة وبلغت أربعمائة ففيها أربع شياه، ففي كل مائة شاة، فخمسمائة شاة فيها خمس شياه، وستمائة فيها ست شياه، وألف فيها عشر شياه.. وهكذا.
    ما لا يؤخذ في زكاة الغنم

    قوله: [ (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة) ] وهي الكبيرة التي طعنت في السن وبلغت الهرم؛ لأن لحمها لا يكون طيباً، ولأنها لا يحصل إنتاجها والاستفادة منها كما يستفاد من الصغيرة. قوله: [ (ولا ذات عوار من الغنم) ] قيل: هي التي فيها نقص، فإن العَوار هو العيب، والعُوار: هو فقد أحد العينين. قوله: [ (ولا تيس الغنم) ] وهو فحلها. قوله: [ (إلا أن يشاء المصدق) ] أي: صاحب الغنم؛ لأن صاحب الغنم بحاجة إلى فحله، فلا يؤخذ منه فيتضرر بسبب ذلك، ولكنه إذا شاء أن يخرج الفحل فلا بأس، فقوله: (إلا أن يشاء المصدق) يرجع إلى فحل الغنم. وأما الهرمة وذات العوار فلا تؤخذ إلا إذا كانت الغنم كلها من هذا القبيل، فإنه يؤخذ واحدة منها، فإذا كانت كلها معيبة فتؤخذ واحدة معيبة، وإذا كانت كلها هرمة فتؤخذ هرمة، ولكن الذي يحتاج إلى مشيئة المالك هو تيس الغنم الذي يحتاج إليه، فأخذه إضرار به، والمصَّدِّق المراد به المالك، وأما العامل فيقال له: المصَدِّق. والأنثى أنفع للفقير من حيث التنمية في الإبل، وأما بالنسبة للغنم فيجوز أن يخرج ذكراً أو أنثى، وقد يكون الذكر أنفع للفقير؛ لأنه قد يحتاج للفحل من أجل أن ينزو على غنمه.
    تحريم الحيل في إخراج الزكاة

    قوله: [ (ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) ]. هذا فيه دليل على أن الخلطة تصير المالين كالمال الواحد إذا اشتركت الغنم في المرعى والراعي والمراح والفحل، فتزكى زكاة مال واحد، وجاء في هذا الحديث أنه لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة؛ لأنه أحياناً يكون بجمع المال أو بتفريقه قلة الصدقة أو كثرتها، والخشية قد تكون من العامل وقد تكون من المالك، فالمالك قد يفرق المجتمع أو يجمع المفترق حتى تقل الزكاة، والعامل قد يجمع المتفرق أو يفرق المجتمع من أجل أن تكثر الزكاة. فمثلاً: إذا كان لثلاثة أشخاص مائة وعشرون شاة، فإذا جمعت تكون الزكاة فيها شاة واحدة، لكن لو كان عند كل رجل منهم أربعون شاة ففيها ثلاث شياه، فكون العامل يجد خلطة في مائة وعشرين فيفرقها على الثلاثة ويقول: آخذ من كل واحد شاة لا يجوز، وهذا قد يكون من العامل من أجل تكثير الصدقة. ومثال تفريق المجتمع أن يكون لرجلين أربعون شاة، فيفرقانها فيجعلان عند كل واحد منهما عشرين، فيكون ليس فيها زكاة، لكن إذا جمع بينها فتكون أربعين وفيها شاة. قوله: [ (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) ] فإذا كان أحدهما عنده عشرون شاة، والآخر عنده عشرون، وأخذت شاة واحدة منهما، فالذي أخذت شاته يرجع على صاحبه بنصف الشاة؛ لأن الشاة الواحدة هي عن المجموعتين من الغنم، فيتراجعان بينهما بالسوية، بمعنى: أن هذا عليه نصف شاة، وهذا عليه نصف شاة. قوله: [ (فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها) ] وهذا مثلما مر أن الأربع من الإبل ليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وكذلك ما دون الأربعين من الغنم ليس فيها زكاة إلا أن يشاء ربها تطوعاً، لأنها دون النصاب.
    زكاة الفضة

    قوله: [ (وفي الرقة ربع العشر) ] الرقة هي الفضة، وفيها ربع العشر. قوله: [ (فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها) ] هنا ذكر أعلى عقد من العقود، وهو مائة وتسعون، ولا يعني ذلك أنه إذا كان المال مائة وتسعة وتسعين يكون فيه شيء، بل ما بين المائة والتسعين والمائة والتسعة والتسعين ليس فيها شيء؛ لأن قوله: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) يدخل فيه مائة وتسعة وتسعون؛ لأن الخمس الأواقي هي مائتا درهم، فإذا نقص درهم واحد عن المائتين فلا زكاة فيها.

    تراجم رجال إسناد حديث (هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله...)


    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتاباً ]. ثمامة بن عبد الله بن أنس صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن جده أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي سنن النسائي إسناد لهذا الحديث فيه أن ثمامة يروي عن أنس .
    الأسئلة



    حكم من أعد الزكاة ليخرجها فسرقت منه


    السؤال: رجل أعد المقدار الذي عليه من ماله للزكاة، ثم سرق منه ذلك القدر، فهل عليه إعادة إخراجه مرة أخرى؟


    الجواب: مادام أنه كان في حوزته ولم يصل إلى الفقراء فإن عليه أن يخرجه، ومجرد كونه خصصه أو هيأه لأن يخرجه ولم يصل إلى مستحقيه لا يكفي، فعليه أن يخرج بدله، حتى لو نقص المال المتبقي عن النصاب، لأن الزكاة وجبت عليه قبل أن يسرق منه هذا المال، فالوجوب قد استقر قبل ضياع شيء منه، فتجب عليه الزكاة وإن نقص المال.

    حكم دفع الزكاة لطلبة العلم

    السؤال: هل يصلح أن يدفع المزكي زكاة ماله لطلبة العلم إذا لم يكونوا من الأصناف الثمانية المذكورين في الآية؟

    الجواب: إذا كانوا فقراء فيعطيهم لفقرهم، أما أن يعطيهم ليطلبوا العلم وهم ليسوا فقراء فليس له ذلك؛ لأن مصارف الزكاة بينها الله عز وجل في كتابه العزيز، فلا تتجاوز إلى غيرها.

    كيفية إخراج زكاة المال المستمر في النماء

    السؤال: أعمل سائقاً في سيارة أجرة، وبعد مرور عام من عملي هذا يكون عندي مال كثير يبلغ النصاب، ولكن لا أستطيع أن أفرق فيه بين ما أكتسبه اليوم أو قبل عام؛ لذلك يصعب علي تقدير المال الواجب علي من الزكاة، فكيف أصنع؟


    الجواب: المناسب للإنسان أن يخصص شهراً يخرج فيه الزكاة، فإذا لم يستطع أن يضبط دخله في كل وقت وحوله بمفرده ليزكيه بمفرده؛ فإنه يخصص شهراً معيناً من السنة يزكي فيه المال المتوافر، سواء كان قد مضى عليه سنة كاملة أو مضى عليه أقل.

    كفر الطائفة الممتنعة عن إخراج الزكاة


    السؤال: إذا امتنعت طائفة من الناس عن أداء الزكاة، وكان لها شوكة وقاتلت الحاكم على ذلك، فهل يحكم بكفرها؟ وما صحة نقل الإجماع على كفرها؟


    الجواب: إذا جحدوا وجوب الزكاة يكونون كفاراً، وأما إذا لم يجحدوا وجوب الزكاة، ولكنهم عندهم بخل، ولا يريدون أن يؤخذ منهم شيء، فهذا ليس كفراً.

    حكم زكاة الغنم التي ترعى نهاراً وتعلف ليلاً


    السؤال: عندي غنم بلغت النصاب، لكنها ترعى صباحاً وأعلفها ليلاً طوال العام، فهل فيها زكاة؟


    الجواب: المعول عليه هو الغالب عليها، فإذا كانت ترعى ويعلفها شيئاً يسيراً فهذا لا يؤثر، ولكن إذا كانت معتمدة على العلف، ولا ترعى إلا شيئاً يسيراً، فلا زكاة فيها، فالمعول عليه هو الغالب.

    لا مجال للرأي في الزكاة


    السؤال: كيف تجب الزكاة على من يملك ستة وخمسين ريالاً فقط، ولا تجب على من يملك تسعاً وثلاثين شاة؟


    الجواب: هكذا جاءت الشريعة في تحديد المقادير بالنسبة للفضة وبالنسبة للغنم، والشريعة إذا جاءت بشيء فإنه يعمل بما جاءت به ولا يسأل عن الفرق وعن المقادير والتفاوت بينها، وإنما يؤخذ بما جاءت به الشريعة، ولا يعترض عليها، ولا مجال للرأي فيها، والواجب اتباع النص.

    حكم زكاة السيارات المستخدمة لنقل بضائع الشركات

    السؤال: أنا صاحب مؤسسة، ولي عتاد متنوع يساهم في تنمية رأس المال، فهل تجب الزكاة على هذا العتاد؟


    الجواب: إن كان المقصود بالعتاد أشياء تستعمل لتنمية المال مثل السيارات التي يستخدمها في النقل، فليس فيها زكاة.

    حكم زكاة صاحب الأنعام السائمة التي يباع لبنها


    السؤال: إذا كان صاحب الأنعام يعلفها ويخسر فيها، ولكنه يستفيد منها بأن يبيع لبنها وفحولها، فيربح ويغطي الخسارة، فهل عليه زكاة؟


    الجواب: إذا كانت ترعى أكثر الحول ففيها زكاة، سواء ربح أو لم يربح.

    حكم بيع الغنم وإعطاء ثمنها للفقراء في الزكاة


    السؤال: عندي مائة رأس غنم، وأعرف مستحقين للزكاة أكثر من ستة، فهل يجوز لي بيع الصدقة الواجب إخراجها من الغنم وأعطي المستحقين الزكاة نقوداً لا غنماً؟


    الجواب: يجوز أن تخرج قيمتها المحققة التي ليس فيها نقص وتوزعها عليهم، ولا بأس بذلك.

    حكم طاعة الإمام إذا ظهر فسقه


    السؤال: قول الخطابي : وفي هذا دليل على أن الإمام والحاكم إذا ظهر فسقهما بطل حكمهما، هل هذا الكلام صحيح؟


    الجواب: ليس بصحيح اللهم إلا إذا أمر الحاكم بمعصية الله، فلا يطاع في معصية الله، أما الخروج على الحاكم فلا يجوز إذا حصل منه الفسق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)، أما إذا كان قصده أنه لا يجوز تنفيذ شيء من معصية الله عز وجل فهو صحيح، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله.

    حكم إعطاء الزكاة للأخت الفقيرة


    السؤال: هل يجوز لي أن أعطي الزكاة لأختي، علماً بأن زوجها متوفى، وليس هناك من ينفق عليها؟


    الجواب: إذا كانت فقيرة فلك أن تخرج الزكاة لها، لكن ليعلم أن القريب له حق غير الزكاة، وبعض الناس يتخلص من الحقوق التي عليه بالزكاة، فيقول: إذا لم أعطها من الزكاة فسأعطيها من مالي، فيجعل الزكاة وقاية للمال، فهذا لا يجوز، وأما إذا لم يكن في إعطائه لأخته الزكاة حيلة لوقاية ماله فلا بأس بذلك.

    معنى الآيات المكية التي فيها ذكر الزكاة


    السؤال: ما تفسير الآيات المكية التي فيها الأمر بالزكاة؟


    الجواب: تشريع الزكاة ومقاديرها جاء في المدينة، وكانت الزكاة في مكة غير محددة، فالتحديد جاءت به السنة، والإجمال جاء في القرآن المكي، وجاءت السنة ببيان ذلك، ولكن هذا البيان وتفصيله إنما جاء في المدينة.

    حديث (هما لله ولرسوله) لا يدل على عدم وجوب زكاة الحلي


    السؤال: استدل بعض أهل العلم بقول صاحبة المسكتين: (هما لله ولرسوله) على عدم وجوب الزكاة، فما توجيهكم؟


    الجواب: هي أعطت المال الذي عندها كله لله عز وجل متقربة به إليه، ويكون ذلك على نظر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فليس هذا زكاة، فلما سمعت أن فيه عذاباً أرادت أن تتخلص منه، ولم تخرجه على أنه زكاة، فليس فيه دليل على عدم وجوب زكاة الحلي.

    من يتولى توزيع الزكاة على الفقراء

    السؤال: هل صاحب المال هو الذي يتولى توزيع زكاة ماله، أم يجب عليه أن يعطيها لمن تولى أمره من حاكم أو أمير منطقة؟


    الجواب: الأموال الظاهرة كالمواشي والحبوب والثمار يرسل الوالي المصدق ليجمعها، وأما الأمور الخفية كالنقود التي تكون في حوزة الإنسان وليست أموراً ظاهرة فهو الذي يتولى توزيعها، وكذلك أموال التجارة التي لا يعلم مقاديرها إلا المالك فهو الذي يتصرف فيها، وأما المواشي والزروع والثمار التي ترى، فيرسل الوالي خارصاً يخرص الزرع أو الثمار، ثم يخرج المقدار الذي حدد له إخراجه عند استواء الثمار والجذاذ. إذاً: هناك أموال ظاهرة، وهناك أموال خفية، فالأموال الظاهرة إذا أرسل الإمام عاملاً ليأخذها تدفع له، وإذا لم يرسل الإمام العامل فنفس المالك يتولى توزيعها، وأما الأموال الخفية فيتولاها المالك.

    رواية البخاري في صحيحه عن بعض المبتدعة الثقات


    السؤال: هل الإمام البخاري روى عن بعض المبتدعة في صحيحه؟

    الجواب: نعم هذا موجود، والحافظ ابن حجر ذكر في مقدمة الفتح أسماء رجال البخاري الذين قدح فيهم ببدعة أو بسوء حفظ أو بأي شيء قادح، وأجاب عن الإمام البخاري بأن بعض الذين نسب إليهم بدعة معينة إنما أخرج لهم في الشواهد أو في شيء لا يتعلق ببدعتهم أو ما إلى ذلك. ومقدمة الفتح المسماة هدي الساري فيها فوائد عظيمة تتعلق بالبخاري وبرجال البخاري وبأحاديث البخاري المتكلم فيها، وقد عقد فصلاً خاصاً بالرجال الذين تكلم فيهم من رجال البخاري ، وبين الكلام عن كل واحد منهم، والإيراد الذي أورد عن كل واحد منهم، والكلام عنه، وذكر من رمي ببدعة ولم يثبت ذلك عنه، أو ثبت ولكنه ما روى عنه فيما يتعلق ببدعته، وهذه المقدمة لا يستغني عنها طالب العلم.

    كلام الرسول عليه الصلاة والسلام منه ما هو وحي ومنه ما هو اجتهاد


    السؤال: هل كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته هو من الوحي أو قد يكون اجتهاداً من نفسه؟

    الجواب: منه ما قد يكون اجتهاداً، ولكنه لا يقر على الخطأ، مثل قوله في مسألة التأبير: (أنتم أعلم بدنياكم).

    قصر المريض للصلاة


    السؤال: المريض الذي يجوز له الجمع بين الصلاتين، هل يحل له أن يقصر الرباعية؟


    الجواب: المريض لا يقصر فإنما، رخص له في الجمع، ولم يرخص له في القصر.

    حكم المنامات والهواتف في اليقظة

    السؤال: لم أكن أقوم بفرائض الإسلام، وبينما أنا وحدي سمعت صوتاً باللغة العربية يقول: عليك بالصلاة! ثم أمرني بالتسبيح، ثم بحفظ القرآن، وأي خطأ أقوم به يلومني عليه، ولقد رأيت في منامي نوراً عظيماً يقترب مني وهو يقول: شفع فيك محمد صلى الله عليه وسلم؟


    الجواب: الإنسان لا ينبغي له أن يسلم نفسه للمنامات وللهواتف التي تهتف به أو يخيل إليه ذلك، وإنما عليه أن يستقيم على طاعة الله وطاعة رسوله، ويبحث عن الحق والهدى ويتبعه، ولا يعول على الهواتف ولا على المنامات.

    حكم التصوير بالكاميرا

    السؤال: حديث: (لعن الله المصورين)، هل المقصود صاحب المهنة أم أي إنسان يستخدم الكاميرا؟

    الجواب: اللعن مطلق كما هو معلوم، لكن صاحب المهنة الموغل في المعصية، والمشتغل فيها باستمرار؛ جرمه أشد وأعظم؛ لأن المعصية كلما كثرت وتعددت زادت المصيبة فيها، واللعن يصدق عل كل من يندرج تحت هذا اللفظ، لكن صاحب المهنة أشد؛ لأنه مستمر على هذا البلاء."



  2. #222
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [189]

    الحلقة (220)



    شرح سنن أبي داود [189]

    أمر الله تعالى المؤمنين بإخراج الزكاة، وبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، فبين أنصبة زكاة الإبل والغنم والبقر، وأنصبة الذهب والفضة، وبين أسنان ما يخرج في زكاة الأنعام، ونهى عن جمع المفترق أو تفريق المجتمع منها من أجل الزكاة، كما بين نصاب الحبوب التي تخرج من الأرض، فعلى من يملك المال أن يتفقه في ذلك حتى يؤدي حق الله كما أمره الله.

    تابع ما جاء في زكاة السائمة


    شرح حديث (كتب رسول الله كتاب الصدقة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن الحسين عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه فعمل به أبو بكر رضي الله عنه حتى قبض، ثم عمل به عمر رضي الله عنه حتى قبض، فكان فيه: في خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياة، وفي عشرين أربع شياة، وفي خمس وعشرين ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين ابنة لبون. وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة، فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين، فإن زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياة إلى ثلاثمائة، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة شاة، وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة. ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق مخافة الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب). قال: قال الزهري : إذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثاً: ثلثاً شراراً، وثلثاً خياراً، وثلثاً وسطاً، فأخذ المصدق من الوسط، ولم يذكر الزهري البقر ]. سبق حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه كتاب أبي بكر إلى أنس لما استعمله على صدقات البحرين، وهو مطابق لحديث ابن عمر الذي أورده المصنف هنا، فإنه مماثل له في كثير من الأمور التي اشتمل عليها في بيان مقادير زكاة الإبل ومقادير زكاة الغنم، وكون الخلطة في المالين تصير المالين كالمال الواحد، وأنه لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وأنه لا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار، وتقدم الكلام على حديث أنس ، والكلام على حديث ابن عمر كالكلام على حديث أنس فلا نعيده. قوله: [ قال الزهري : إذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثاً ] المصدق هو العامل، فيقسم الغنم ثلاثة أثلاث: ثلثاً خياراً، وثلثاً وسطاً، وثلثاً شراراً، يعني: رديئة، فالزكاة لا تؤخذ من الخيار ولا من الرديئة وإنما تؤخذ من الوسط؛ لأنها لو أخذت من الخيار لكان في ذلك إضرار بأصحاب الأموال، وقد جاء في حديث ابن عباس في قصة بعث معاذ بن جبل إلى اليمن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (وإياك وكرائم أموالهم) أي: خيارها وحسانها، ولا تؤخذ الشرار أو الرديئة؛ لأن هذا فيه إضرار بالفقراء، وإذا أخذ الوسط صار في ذلك مصلحة في حق الجميع. وقوله: [ (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه) ] هذا فيه زيادة على ما تقدم، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة، ولم يخرجه إلى عماله حتى قبض، وقد مر في حديث أنس رضي الله عنه أن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بين فيه فرائض الزكاة كما أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث: أن هذا الكتاب كان مع سيفه صلى الله عليه وسلم، وأن أبا بكر والصحابة عملوا به من بعده، وقد مر في الحديث السابق أن أبا بكر كتب بهذا إلى أنس لينفذه ويعمل بما فيه.

    تراجم رجال إسناد حديث (كتب رسول الله كتاب الصدقة...)


    قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي هو ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ عن عباد بن العوام ] عباد بن العوام وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان بن حسين ]. سفيان بن حسين وهو ثقة إلا في الزهري أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذه رواية سفيان عن الزهري ، وهو ثقة إلا في الزهري ، ففي روايته عن الزهري كلام، ولكن قد تابعه سليمان بن كثير فلم ينفرد بهذا عن الزهري . [ عن سالم ]. سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو تابعي ثقة أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث (كتب رسول الله كتاب الصدقة ...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن يزيد الواسطي أخبرنا سفيان بن حسين بإسناده ومعناه قال: (فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون) ولم يذكر كلام الزهري ]. أورد المصنف الحديث بإسناد آخر، ولكنه ذكر فيه أن ابن اللبون يؤخذ بدل ابنة المخاض إذا لم توجد ابنة المخاض، وابنة المخاض هي التي أكملت سنة واحدة من عمرها، ودخلت في السنة الثانية، وهي تجب في خمس وعشرين من الإبل إلى خمس وثلاثين، وإذا لم توجد بنت مخاض فإنه يخرج بدلها ابن لبون، وعلى هذا فتكون الزيادة في السن في الذكر مقابل الفضل والحسن الذي يكون في الأنثى؛ لأن الأنثى فيها مصلحة للفقراء. ولم يأت في الأحاديث التي بينت مقادير الزكاة أن الذكر الذي يكون سنه أعلى من سن الأنثى يؤخذ بدلها إلا في ابنة المخاض، فإنه يؤخذ بدلها ابن لبون ذكر، ولم يأت فيما يتعلق بابنة اللبون أنه يؤخذ بدلها حق، ولا في الحقة أنه يؤخذ بدلها جذع، وهو الذي أكمل أربع سنين ودخل في السنة الخامسة، وإنما جاء هذا في ابنة المخاض فقط، فإذا لم توجد فإنه يؤخذ مكانها ابن لبون ذكر. ولم يذكر الراوي هنا كلام الزهري الذي فيه ذكر الخيار والشرار والوسط. وقد ذكرنا في الدرس الماضي أن بنت المخاض سميت بذلك لأن أمها قد حملت، فهي دخلت في السنة الثانية وأمها صارت ذات حمل، وأما بنت اللبون فسميت بذلك لأن أمها قد ولدت فصارت ذات لبن. وهي التي أكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة من عمرها. والحقة سميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الجمل، يعني: صارت أهلاً لأن يطرقها الجمل وأن يرغب فيها الجمل؛ لأنها أكملت ثلاث سنوات ودخلت في السنة الرابعة، ولذلك قال: (حقة طروقة الجمل) أي: استحقت أن يطرقها الجمل. والجذعة هي التي أكملت السنة الرابعة ودخلت في الخامسة. والثنية هي التي أكملت الخامسة ودخلت في السادسة، والذي يجزئ في الأضحية والهدي هو الثني، وعلى هذا فالأموال الزكوية في الإبل كلها لم تصل إلى الحد الذي يجزئ في الأضحية؛ لأن أسنانها صغيرة؛ لأنه يقصد منها تنميتها وتربيتها وتنشئتها، فهذه الأسنان الأربعة التي هي: بنت المخاض وبنت اللبون والحقة والجذعة كلها لم تصل إلى السن الذي يجزئ في الأضحية؛ لأنه لا يجزئ في الأضحية من الإبل إلا ما كان ثنياً أكمل خمس سنوات ودخل في السنة السادسة.
    تراجم رجال إسناد حديث (كتب رسول الله كتاب الصدقة ...) من طريق ثانية

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ]. وهو ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أخبرنا سفيان بن حسين بإسناده ومعناه ]. يعني: سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه بإسناد الحديث ومعناه، وليس بلفظه، فإذا قيل: (بمعناه) أي: أنه لم يتفق معه في الألفاظ تماماً، وإنما يتفق معه في المعنى.
    شرح حديث الزهري (هذه نسخة كتاب رسول الله الذي كتبه في الصدقة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كتبه في الصدقة، وهي عند آل عمر بن الخطاب قال ابن شهاب : أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر و سالم بن عبد الله بن عمر فذكر الحديث قال: (فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعاً وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة حتى تبلغ تسعاً وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وبنت لبون حتى تبلغ تسعاً وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعاً وخمسين ومائة، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعاً وستين ومائة، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة حتى تبلغ تسعاً وسبعين ومائة، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعاً وثمانين ومائة، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون حتى تبلغ تسعاً وتسعين ومائة، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون، أي السنين وجدت أخذت وفي سائمة الغنم.. فذكر نحو حديث سفيان بن حسين وفيه: ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار من الغنم ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه بيان ما اشتمل عليه ذلك الكتاب، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه تفصيلاً فيما يتعلق بما زاد على العشرين ومائة، فإنه فيما مضى قال: في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، وهذا الحديث فيه تفصيل لما أجمل في الرواية السابقة من قوله: (فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة) فإذا كانت مائة وعشرين فليس فيها إلا حقتان، فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة. ومعنى هذا أنها إذا صارت مائة وثلاثين فتعدها أربعين وأربعين وخمسين، ففيها بنتا لبون وحقة واحدة، فإذا كانت مائة وأربعين، فتعدها خمسين وخمسين وأربعين ففيها حقتان وبنت لبون، وإذا صارت مائة وخمسين فتعدها خمسين وخمسين وخمسين ففيها ثلاث حقاق، وإذا صارت مائة وستين فتعدها أربعين وأربعين وأربعين وأربعين، ففيها أربع بنات لبون، وإذا صارت مائة وسبعين، ففيها ثلاث بنات لبون وحقة واحدة، فتعد أربعين ثلاث مرات ثم بعد ذلك تعد خمسين، فتكون مائة وسبعين, وإذا صارت مائة وثمانين ففيها حقتان وبنتا لبون؛ لأنك تعدها خمسين وخمسين وأربعين وأربعين، وإذا صارت مائة وتسعين ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون؛ لأنك تعدها خمسين وخمسين وخمسين وأربعين، فإذا وصلت مائتين فتعدها أربعين خمس مرات أو تعدها خمسين أربع مرات، يعني: فيخرج أي السنين أحب، فإن كانت عنده خمس بنات لبون أخرجها، وإن كان عنده أربع حقاق أخرجها؛ لأنه تساوى العددان، وهو الذي يسمونه في الحساب (المضاعف المشترك البسيط) وهو أصغر عدد ينقسم على عددين بدون كسر؛ لأن أصغر عدد ينقسم على خمسين وينقسم على أربعين هو المائتان. ثم بعد ذلك كلما زادت الإبل عن المائتين فهو على هذا المنوال، في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ولو بلغت ما بلغت، فالحساب يكون على اعتبار الأربعين والخمسين. فالحاصل: أن هذه الرواية تفصيل لما أجمل في الرواية السابقة: (فإذا زاد على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة). قوله: [ (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار من الغنم ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق) ] يعني: (إلا أن يشاء المصدق) فيما يتعلق بتيس الغنم، وقد تقدم شرح هذا.
    تراجم رجال إسناد حديث (هذه نسخة كتاب رسول الله الذي كتبه في الصدقة)

    قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن المبارك ]. عبد الله بن المبارك المروزي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس بن يزيد ]. يونس بن يزيد الأيلي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. مر ذكره. [ قال: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه في الصدقة وهو عند آل عمر بن الخطاب، أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر ]. فيه أنه قرأها على سالم بن عبد الله كما مر في الرواية السابقة أن الزهري يروي عن سالم ، وهنا يقول: أقرأنيها. [ وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر و سالم بن عبد الله بن عمر ]. يعني: أنها عند آل عمر ، وقد انتسخها من هذين الأخوين: عبد الله بن عبد الله و سالم بن عبد الله .
    تفسير مالك لمعنى (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع)

    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قال مالك : وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع هو أن يكون لكل رجل أربعون شاة، فإذا أظلهم المصدق جمعوها لئلا يكون فيها إلا شاة ]. هذا مثال يوضح الجمع بين المفترق خشية الصدقة، وهو أن يكون اثنان لكل واحد منهما أربعون شاة، وليسا خليطين بل متفرقان، فكل واحد منهما عليه شاة، فيجمعان بين الأربعين والأربعين حتى لا يؤخذ منهما إلا شاة واحدة، فعندما يجيء المصدق يجمع هذا غنمه مع غنم هذا ويقولان: نحن خليطان، فيحسبها ثمانين، وليس عليهما فيها إلا شاة واحدة، بل لو كانوا ثلاثة وكل واحد له أربعون شاة، وصاروا خلطاء، فما عليهم إلا شاة واحدة، لكن لو كان كل واحد منهم غنمه على حدة، فكل واحد من الثلاثة عليه شاة. (ولا يفرق بين مجتمع) كأن يجيء المصدق ووجد غنم الثلاثة الخلطاء مائة وعشرين، فلا يفرق بينها ويقول: نأخذ من هذا واحدة، ومن هذا واحدة، ومن هذا واحدة، فيكون فيها ثلاث شياة؛ لأنهم خلطة، فلا يجوز الجمع بين المتفرق ولا التفريق بين المجتمع من أجل الصدقة. قوله: [ ولا يفرق بين مجتمع، أن الخليطين إذا كان لكل واحد منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياة، فإذا أظلهما المصدق فرقا غنمهما، فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة، فهذا الذي سمعت في ذلك ]. يعني: إذا كان خليطان لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فيكون المجموع مائتين وشاتين، فإذا كانت متفرقة فليس فيها إلا شاتان، فإذا كان مال هذا على حدة، ومال هذا على حدة، فكل واحد عليه شاة؛ لأنه إلى مائة وعشرين ليس فيها إلا شاة واحدة، لكن إذا كانت مختلطة وصارت مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياه. وضابط الخلطة أن تختلط الإبل أو الغنم في المراح والمرعى والراعي والفحل، فترعى جميعاً، وتكون في المراح جميعاً، والراعي لها واحد، والفحل أو الفحول لها واحدة، فهذه خلطة، وهي تصير المالين كالمال الواحد. واختلفوا في المراح، فبعضهم يقول: إذا اختلف المراح فليست خلطة، وبعضهم يقول: اختلاف المراح لا يؤثر في الخلطة. وهذا في المواشي، فلا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة، وقد يكون هذا التفريق أو الجمع من جانب المصدق، وقد يكون من جانب المصّدق الذي هو المالك، فالخلطة هي التي تجتمع فيها هذه الأمور.
    تراجم رجال إسناد أثر مالك في تفسير الحديث

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قال مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث علي بن أبي طالب في الزكاة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة وعن الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه قال زهير : أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهماً درهم، وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم، فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك. وفي الغنم في أربعين شاة شاة، فإن لم يكن إلا تسع وثلاثون فليس عليك فيها شيء. وساق صدقة الغنم مثل الزهري. وقال: وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي الأربعين مسنة، وليس على العوامل شيء. وفي الإبل: فذكر صدقتها كما ذكر الزهري قال: وفي خمس وعشرين خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الجمل إلى ستين). ثم ساق مثل حديث الزهري قال: فإذا زادت واحدة -يعني: واحدة وتسعين- ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق. وفي النبات ما سقته الأنهار أو سقت السماء العشر، وما سقى الغرب ففيه نصف العشر. وفي حديث عاصم و الحارث: الصدقة في كل عام قال زهير : أحسبه قال: (مرة)، وفي حديث عاصم : إذا لم يكن في الإبل ابنة مخاض ولا ابن لبون فعشرة دراهم أو شاتان]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه المتعلق ببيان مقادير الزكاة في المواشي وفي الدراهم وفي الحبوب والثمار، وبدأ فيما يتعلق بزكاة الفضة، وقوله: (من كل أربعين درهماً درهم) المقصود من ذلك بيان نسبة الصدقة إلى أصل المال، وليس المقصود أن الأربعين فيها زكاة؛ لأنه قال بعد ذلك: (وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم) فالمقصود بيان مقدار الزكاة بالنسبة إلى أصل المال، يعني أنها جزء من أربعين جزءاً، وهذا بالنسبة لما بلغ نصاباً فأكثر، وهذا معناه أنه يخرج ربع العشر. قوله: [ (وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم) ] يعني: حتى تبلغ النصاب، فالنصاب مائتا درهم، فلو نقص المال عن النصاب ولو درهماً واحداً فإنه لا زكاة فيه، وقد جاء في الحديث الذي سبق: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) والأوقية أربعون درهماً، والخمس الأواق مائتا درهم، وهي تساوي الآن ستة وخمسين ريالاً بالريال السعودي الفضي، وأما بالنسبة للريالات الورقية فنصابها بحسب قيمة ستة وخمسين ريالاً من الفضة، وقد تزيد القيمة وتنقص. قوله: [ (فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم) ]، هذا فيه بيان أقل النصاب وهو المائتان، ومقدار زكاتها خمسة دراهم من مائتين، وهي تعادل واحداً من أربعين. قوله: [ (فما زاد فعلى حساب ذلك) ] أي: يخرج من الجميع ربع العشر، من المائتين فما زاد. قوله: [ (وفي الغنم في أربعين شاة شاة) ] هذا بيان نصاب الغنم، وهو متفق مع ما تقدم من أن الأربعين شاة فيها شاة واحدة. قوله: [ (فإن لم يكن إلا تسع وثلاثون فليس عليك فيها شيء) ] يعني: إذا نقصت عن النصاب واحدة فصارت تسعة وثلاثين فلا زكاة فيها، ولو حال عليها الحول، لكن إذا ولدت له سخلة فصارت أربعين فيبدأ يحسب الحول. قوله: [ وساق صدقة الغنم مثل الزهري ] يعني: أحال على حديث الزهري المتقدم الذي فيه: (إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان، إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه..) إلخ.
    زكاة البقر

    قوله: [ (وفي البقر في كل ثلاثين تبيع) ]. نصاب زكاة البقر ثلاثون، فإذا كانت تسعاً وعشرين فليس فيها زكاة كما أن تسعاً وثلاثين من الغنم ليس فيها زكاة، فإذا بلغت البقر ثلاثين بدأ حساب الحول، فإذا حال عليها الحول فإنه يزكيها فيخرج منها تبيعاً، وهو الذي أكمل سنة من عمره ودخل في السنة الثانية، وهنا ذكر تبيعاً، وجاء في حديث معاذ الذي سيأتي: (تبيع أو تبيعة) فهو مخير بين الذكر والأنثى، إما تبيع وإما تبيعة، وسمي تبيعاً لأنه يتبع أمه. قوله: [ (وفي الأربعين مسنة) ] يعني: من ثلاثين إلى تسع وثلاثين ما فيها إما تبيع أو تبيعة كما جاء في حديث معاذ ، فإذا زادت واحدة وصارت أربعين ففيها مسنة، وهي التي أكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة، وهذا السن هو الذي يجزئ من البقر في الأضحية وفي الهدي، وهو ما تم له سنتان. ثم إذا بلغت ستين ففيها تبيعان كما سيأتي في حديث معاذ. قوله: [ (وليس على العوامل شيء) ] العوامل هي الإبل والبقر التي يعمل الإنسان عليها لإخراج الماء أو للحرث، فهذه لا زكاة فيها، وإنما الزكاة في السائمة التي ترعى الحول وتكون للنماء، أما إذا كانت يحرث عليها أو يخرج الماء بواسطتها بالدلاء والغرب فلا زكاة فيها. قوله: [ (وفي الإبل) فذكر صدقتها كما ذكر الزهري ]. وقد تقدم ذلك.
    شذوذ قوله (وفي خمس وعشرين خمس من الغنم)

    قوله: [ (وفي خمس وعشرين خمس من الغنم) ]. هذا مخالف لما جاء عن الزهري ، ولما في حديث أنس بن مالك المتقدم أن إخراج الغنم إلى أربع وعشرين، فإذا زادت واحدة فيبدأ يخرج من جنسها، وهي بنت مخاض، وهنا جعل في خمس وعشرين خمس شياة، فيكون المعتبر ما جاء في ذينك الحديثين، وما جاء هنا فهو من قبيل الشاذ. قوله: [ (فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض) ] هذا معناه أن بنت المخاض ما تخرج إلا من ست وعشرين، لكن في حديث أنس وحديث ابن عمر أن ابنة المخاض تخرج من خمس وعشرين، وهو المحفوظ. قوله: [ (فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الجمل إلى ستين)، ثم ساق مثل حديث الزهري ، قال: (فإذا زادت واحدة -يعني صارت إحدى وتسعين- ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق) ] هذا كله موافق لما تقدم.
    زكاة النبات

    قوله: [ (وفي النبات ما سقته الأنهار أو سقت السماء العشر، وما سقى الغرب ففيه نصف العشر) ] قوله: (وفي النبات) يعني: زكاة الخارج من الأرض، فما سقته الأنهار أو المطر ففيه العشر؛ لأنه نما بدون تعب ومشقة، فحصلت الفائدة الكبيرة والتعب قليل، ففيه العشر. وإذا سقي بالغرب ففيه نصف العشر، والغرب هو الدلو الكبير الذي يستنبط به الماء بواسطة الإبل والبقر، ويقال: لها: السواني، ففيه نصف العشر؛ لأنه فيه تعب، فقلت الزكاة، بخلاف الذي ليس فيه تعب فزادت الزكاة، فروعي فيما قل فيه التعب زيادة الزكاة، وفيما كثر فيه التعب نقص الزكاة، فما سقي بكلفة ومشقة فيه نصف العشر، وما سقي بدون كلفة وبدون مشقة ففيه العشر.
    الصدقة في كل عام مرة

    قوله: [ وفي حديث عاصم و الحارث : (الصدقة في كل عام) ] يعني: في كل عام مرة، وذلك حتى يحول عليه الحول، فلا زكاة في مال إلا إذا حال عليه الحول، فيزكى مرة واحدة في كل سنة، لكن ما يتعلق بالنبات والخارج من الأرض لا يشترط له الحول؛ لأن حوله حصول الثمرة، وقد تكون مدته أربعة شهور، وقد تكون ثلاثة شهور، وقد تكون أكثر، ولا يقال: لابد أن تمضي عليه سنة كاملة؛ لأن السنة الكاملة إنما تكون في الذي ينمى كزكاة التجارة وزكاة المواشي وزكاة النقدين، وأما زكاة الثمار والحبوب فمرة في السنة، ولو تكرر الزرع في السنة فإنه كلما استوى وحصل استواؤه يزكيه إذا بلغ نصاباً. قوله: [ قال زهير : أحسبه قال: (مرة) ]. يعني: في كل عام مرة.

    ما يدفع جبراً للواجب في زكاة الإبل إن لم يوجد سنه


    قوله: [ وفي حديث عاصم : (إذا لم يكن في الإبل ابنة مخاض ولا ابن لبون فعشرة دراهم أو شاتان)]. ليس المقصود أنها عوض عن ابن اللبون أو ابنة المخاض، وإنما تؤخذ منه ابنة المخاض ويعطي الفرق إذا كان الواجب عليه ابنة لبون، أو العكس؛ فإذا كان الواجب عليه ابنة مخاض فتؤخذ منه ابنة لبون ويعطى الفرق، ولكن هذا فيه مخالفة لما تقدم في ذكر العشرة الدراهم؛ لأن الحديث المتقدم فيه عشرون درهماً أو شاتان، وهنا قال: (عشرة دراهم أو شاتان) وأما الشاتان فمطابق لما تقدم، وأما عشرة الدراهم فمخالف لما تقدم، فالمعول عليه ما تقدم في الأحاديث السابقة من أن الفرق شاتان أو عشرون درهماً. وذكر الشاتين والعشرة الدراهم هنا المقصود به الفرق، وليس المقصود العوض عن بنت المخاض أو ابن اللبون الذكر؛ لأننا عرفنا أن العشرين فيها أربع شياه، فكيف يكون في الخمس وعشرين شاتان أو عشرة دراهم؟! إذاً: القضية هي قضية ذكر الفرق، ولكن الحديث فيه اختصار، وفيه مخالفة لما تقدم فيما يتعلق بالعشرة الدراهم، فالمحفوظ أنها عشرون درهماً.
    تراجم رجال إسناد حديث علي بن أبي طالب في الزكاة

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي مر ذكره. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو إسحاق ]. أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن ضمرة ]. عاصم بن ضمرة صدوق أخرج له أصحاب السنن. [ وعن الحارث الأعور ]. الحارث الأعور ضعيف أخرج له أصحاب السنن. [ عن علي رضي الله عنه ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث علي بن أبي طالب في الزكاة من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم وسمى آخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة و الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببعض أول هذا الحديث قال: (فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك) -قال: فلا أدري أعلي يقول: فبحساب ذلك، أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟- وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول، إلا أن جريراً -قال: ابن وهب - يزيد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: [ (فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم) ] وهذا قد تقدم. وقوله: [ (وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً) ]. هذا فيه بيان زكاة الذهب، وأن النصاب عشرون ديناراً أو عشرون مثقالاً، وفيه نصف العشر وهو نصف دينار؛ لأن العشرين ديناراً ربع عشرها نصف دينار. إذاً: نصاب الذهب عشرون ديناراً أو عشرون مثقالاً، وهي تساوي اثنين وتسعين غراماً بالاصطلاح المشهور الآن، وزكاة الذهب والفضة والنقدين ربع العشر. قوله: [ (فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك) ]. يعني: مثل ما تقدم بالنسبة للفضة، فيخرج ربع العشر مما زاد على قدر النصاب، فإذا وجد النصاب فمهما زاد فإنه يخرج منه ربع العشر. قوله: [ قال: فلا أدري أعلي يقول: فبحساب ذلك أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ ]. هذا شك في لفظة: (فبحساب ذلك) هل هو من قول علي أو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قوله: [ (وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) ] يعني: لابد من وجود النصاب مع حولان الحول، ويستنثى من ذلك النبات وما تخرجه الأرض فإن حوله استواؤه وحصول الانتفاع منه. قوله: [ إلا أن جرير -قال: ابن وهب - يزيد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) ]. قوله: [ قال ابن وهب ] مقحمة؛ لأن ابن وهب يروي عن جرير كما جاء في الإسناد، وعلى هذا فيكون جريراً هو الذي زاد في الرواية، وجاءت: [ قال ابن وهب ] مقحمة بينهما، فاللفظة فيها شيء من الخفاء بهذه الصيغة؛ لأن كلمة (قال ابن وهب ) جاءت مقحمة بين اسم إنَّ وخبرها لأن جريراً اسمها، و(يزيد) خبر إنَّ، وجاءت (قال ابن وهب ) مقحمة بين اسم إنَّ وخبرها، أي: فالعبارة فيها خلل؛ لأنه قد يفهم منها أن جريراً هو الذي يروي عن الرواة، مع أن العكس هو الصحيح كما جاء في الإسناد، فأصل الكلام: إن جريراً يزيد في الحديث: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) يعني: أنه وإن وجد النصاب فلابد من حولان الحول.

    تراجم رجال إسناد حديث علي بن أبي طالب في الزكاة من طريق ثانية


    قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. سليمان بن داود المهري المصري ثقة أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وسمى آخر ]. لم يذكره الراوي. [ عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة و الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه ]. قد مر ذكر هؤلاء.
    شرح حديث (قد عفوت عن الخيل والرقيق...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله علية وآله وسلم (قد عفوت عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقه الرقة من كل أربعين درهماً درهماً، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم) ]. أورد المصنف حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قد عفوت عن الخيل والرقيق) يعني: لا زكاة في الخيل ولا في الرقيق -وهو المملوك- ولكن إذا كان الرقيق والخيل للتجارة فيزكيهما زكاة التجارة، وأما إذا كانا من غير باب التجارة فليس فيهما زكاة. والخيل لا زكاة فيها ولو كانت سائمة ما دامت لم تعد للبيع، والعبيد ليس فيهم زكاة إلا زكاة الفطر؛ لأن زكاة الفطر تجب على الحر والعبد والذكر والأنثى, فهذا هو الذي يجب في الرقيق فقط. فليس في الخيل والرقيق زكاة إلا إذا اتخذت للتجارة؛ لأن زكاة التجارة هي أوسع المجالات في الأموال الزكوية. قوله: [ (فهاتوا صدقه الرقة من كل أربعين درهماً درهماً). ]. هذا مثل ما تقدم. قوله: [ (وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم) ]. وهذا كما تقدم أيضاً، وقوله: مائة وتسعين ذكر أعلى عقد دون المائتين، ولا يعني ذلك أن الفرق بين المائة والتسعين وبين المائتين يكون فيه زكاة؛ لأنه قال بعد ذلك: (فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم) فالزكاة لا تكون إلا في المائتين، وسبق أن مر حديث: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة).

    ترجمة رجال إسناد حديث (قد عفوت عن الخيل والرقيق...)


    قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة ]. تقدم ذكرهما. [ عن علي عليه السلام ]. كلمة: (عليه السلام) ليست من المؤلفين والمصنفين، وإنما هي من نساخ الكتب كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره لقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، قال رحمه الله: إن كتابة مثل هذه الكلمة وكذلك (كرم الله وجهه) إنما هي من عمل نساخ الكتب، وليست من عمل المؤلفين, ثم قال: والذي ينبغي أن يسوى بين الصحابة، والذي جرت عليه عادة السلف أنهم يترضون على الصحابة، ويترحمون على من بعدهم، فكونه يخص بكلمة: (عليه السلام) وكلمة: (كرم الله وجهه) ليس من عمل المؤلفين، وإنما هو من عمل نساخ الكتب.

    خلاف الرواة في حديث (قد عفوت عن الخيل والرقيق...)


    [ قال أبو داود : روى هذا الحديث الأعمش عن أبي إسحاق كما قال أبو عوانة ، ورواه شيبان أبو معاوية و إبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عن النبي صلى الله علية وآله وسلم مثله ]. يعني أنه جاء مرفوعاً كما في الطريق السابقة، وجاء أيضاً من طريق الأعمش مرفوعاً. و الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة, و أبو إسحاق مر ذكره. وقوله: (كما قال أبو عوانة ) يعني في الرواية السابقة. و شيبان أبو معاوية هو شيبان بن عبد الرحمن التميمي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و إبراهيم بن طهمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وروى حديث النفيلي شعبة و سفيان وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه، أوقفوه على علي ]. وهو الذي تقدم في الإسناد السابق. و شعبة هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وسفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه وصف أيضاً بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و سفيان الثوري مشهور بالفقه والحديث، و شعبة مشهور بالحديث، وكلاهما وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وكل منهما أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه ]. يعني أنه موقوف على علي ، والراجح أنه مرفوع.
    الأسئلة



    حكم نقص النصاب أثناء الحول ثم اكتماله في نفس الحول

    السؤال: إذا نقص النصاب في أثناء الحول ثم اكتمل فهل يبدأ بالحساب منذ أن اكتمل أو يبنى على ما تقدم؟


    الجواب: هذا فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: إذا حصل النقص أثناء الحول فإنه لابد من اكتماله مرة ثانية، ويبدأ حساب الحول، ومنهم من يقول: إنه ينظر إلى الطرفين الأول والأخير، فما دام المال كان كاملاً في الأول وفي الآخر فإنه يعتبر كاملاً مدة الحول، والذي يظهر -والله أعلم- أنه إذا نقص المال أثناء الحول ثم اكتمل فإنه يستأنف حولاً جديداً من حين اكتماله.

    حكم إخراج القيمة في زكاة الإبل إذا لم يجد السن الواجب عليه


    السؤال: وجبت علي في زكاة الإبل حقة، ولكن ليست عندي، فهل يجوز أن أخرج قيمتها؟


    الجواب: سبق في الروايات السابقة أنه إذا كانت عنده السن التي دونها فإنه يعطيها ويعطي عشرين درهماً أو شاتين، وإذا كانت عنده التي فوقها فإنه يعطيها ويعطى هو شاتين أو عشرين درهماً, هذا هو الذي جاء في الحديث، فإذا تباينت الأسنان فإنه يؤخذ منه السن الأعلى ويعطى الفرق، أو يعطي سناً أدنى ويدفع الفرق.

    حكم إعطاء الزكاة للولد الفقير

    السؤال: هل يجوز إعطاء الزكاة للابن أو الابنة إذا كانا فقيرين؟


    الجواب: لا تعطى الزكاة لا للأصول ولا للفروع، بل إذا كانا فقيرين يجب عليه أن ينفق عليهما.

    حكم إعطاء الزكاة لأولاد الأخ اليتامى

    السؤال: أنا رجل عندي زكاة، وأبناء أخي أيتام، وأنا أعطي الزكاة أبناء أخي كل شهر بقدر ما يحتاجونه, فهل يجوز ذلك؟


    الجواب: كونه يعطيهم كل شهر فمعناه أنه ينفق عليهم من الزكاة شهراً شهراً، والزكاة إنما تجب إذا حال الحول، والأقارب لهم حق غير الزكاة، وبعض الناس يتخلص من الواجب عليه من حق الأقارب وصلة الأرحام بالزكاة، ويقول: الزكاة خارجة ولابد، وإذا لم أعطهم الزكاة فسأعطيهم من المال، فأنا بدلاً من أن أخرج شيئاً من المال أعطيهم من الزكاة، وأتخلص من حقهم بذلك، وهذا لا يجوز. والزكاة لا تخرج وقاية للمال بأن يتخلص من الحقوق التي عليه بواسطة الزكاة, ومثل ذلك الذي يكون له ديون عند الناس، فتجده يعطي الفقير من أجل أن يوفيه أو يخصم الدين من الزكاة، فيستوفي الديون بواسطة الزكاة، ولا يعطي الفقير الذي عليه الدين من أجل يأكل ويستفيد منها، بل من أجل أن أن يستوفي الدين الذي له بواسطة الزكاة! وإذا كانت الزكاة قليلة والمال قليلاً فكونه يعطي أبناء أخيه اليتامى أفضل؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة.

    كيفية إخراج الصدقات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم


    السؤال: إذا لم يعمل بكتاب الصدقات هذا في عهد الرسول صلى الله علية وآله وسلم فكيف كانت تؤخذ الصدقات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟


    الجواب: لا شك أنهم كانوا يأخذون الزكاة بإرشاده، فلعله كان يبلغهم ويخبرهم بما يأخذون، ثم كتب هذا الكتاب الذي أظهر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كما في الرواية السابقة، وفي عهده كانوا يأخذون الزكاة طبقاً لتعليمه وإرشاده صلى الله عليه وسلم، ولا يتصرفون في الأخذ بدون تعليم منه صلى الله عليه وسلم.

    كيفية زكاة أربعمائة وخمسين من الإبل

    السؤال: لو كان عندي أربعمائة وخمسون من الإبل، فهل يمكن إخراج زكاتها بنت لبون واحدة وإحدى عشرة بنت مخاض؟


    الجواب: بنت المخاض لا تتكرر، والجذعة لا تكرر، والتكرار إنما هو للسنين اللذين في الوسط وهما: بنت اللبون والحقة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، أما بنت المخاض فتخرج في أول النصاب من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين، فلا تتكرر بعد ذلك، فأربعمائة وخمسون فيها تسع حقاق؛ لأنها تسع خمسينات.

    زكاة البقر التي تعلف

    السؤال: البقر التي تعلف في المزارع هل عليها زكاة؟


    الجواب: البقر والغنم والإبل إذا كانت تعلف أكثر الحول لا زكاة فيها، حتى لو كان يباع لبنها، فإذا باع اللبن وبلغت النقود نصاباً وحال عليها الحول فإنه يزكيها.

    الأصناف التي يجب فيها الزكاة مما يخرج من الأرض


    السؤال: حديث: (وفي النبات ما سقته الأنهار) هل يمكن أن يستدل به على أن كل ما يخرج من الأرض ففيه زكاة إلا ما خصته الأحاديث، ويرد به على الذين قالوا: إن الزكاة في خمسة أصناف فقط مما يخرج من الأرض؟


    الجواب: جاء في الحديث: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) فجاء التنصيص على أن الزكاة فيما يوسق، وليس كل شيء يوسق، فالفواكه والخضروات لا توسق، أعني: لا تكال.

    كيفية طلب العلم

    السؤال: في بلدي لا يوجد علماء ولا حلقات للعلم مثل بلدكم هذا، فأرجو نصيحتكم لي في كيفية طلب العلم، وهل يكون على الأشرطة أو الكتب؟ وكيف أوفق بين الفنون ومراحلها؟


    الجواب: على الإنسان أن يحرص على أن يحصل في بلده من يكون عنده علم وبصيرة وسلامة في العقيدة؛ حتى يستفيد منه، وإذا لم يتمكن من ذلك فليحرص على أشرطة العلماء الذين في سماع أشرطتهم وكلامهم خير كثير، وعلم وفائدة، مثل الشيخ: عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، ومثل الشيخ: محمد بن صالح العثيمين ، ومثل الشيخ: صالح الفوزان ، ومثل الشيخ المفتي: عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، وغيرهم من المشايخ الذين يستفيد الإنسان من أشرطتهم ومن علمهم، وليس كل الأشرطة يسمعها الإنسان ويقدم عليها؛ لأن بعض الأشرطة فيها ضرر، فإذا تيسر له من عنده علم في بلده فلاشك أن هذا هو المطلوب، وإذا لم يحصل العالم الثقة فليحرص على اقتناء الأشرطة والكتب النافعة التي لأمثال هؤلاء العلماء.

    محبة أهل السنة لآل البيت

    السؤال: نريد من فضيلتكم توضيح حب أهل السنة والجماعة لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه ليس هناك جفوة ولا شدة من أهل السنة تجاههم، وبعض الإخوة الفضلاء يأخذ على المشايخ عدم ذكر فضل أهل البيت، فهل من كلمة عن أهل البيت وبيان فضلهم حتى يزول ما في النفس؟


    الجواب: سبق لي في دروس متعددة ذكر بعض النصوص عن أهل السنة في بيان قدر أهل البيت واحترامهم وتوقيرهم، ولي محاضرة خاصة بأهل البيت ومحبة أهل البيت وما ينبغي لأهل البيت، ولعلها موجودة في أشرطة الجامعة، ومما جاء في فضل آل البيت ومحبة آل البيت أن ابن كثير رحمه الله عند تفسير قول الله عز وجل: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] ذكر عن كل من أبي بكر و عمر أثرين يدلان على تعظيم أهل البيت وبيان شأنهم وعظيم منزلتهم. أما الأثران اللذان عن أبي بكر فقد أوردهما البخاري في صحيحه: أحدهما: أن أبا بكر قال: والله لأن أصل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أصل قرابتي. يعني: آل محمد يحب أن يصلهم أكثر مما يصل آل أبي بكر الذين هم قرابته رضي الله عنه وأرضاه، وهذا يبين عظيم منزلة أهل البيت عند أبي بكر رضي الله عنه الذي هو خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير أمة أخرجت للناس، وخيرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. والأثر الثاني: وهو أيضاً في البخاري ، قال: ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. يعني: راعوا وصيته في أهل بيته صلى الله عليه وسلم، فهذا أمر لغيره أن يراعي لأهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم حقهم. أما الأثران اللذان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فأحدهما: أن عمر بن الخطاب قال للعباس يوم أسلم: والله لإسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم -وهو أبوه- قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك. والأثر الثاني: وهو في صحيح البخاري : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أصاب الناس قحط وخرج يستسقي استسقى بالعباس ، واختار العباس ليستسقي للناس ويدعو لهم؛ لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا -يعني: طلبنا منه الدعاء وتوسلنا بدعائه- فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قم يا عباس فادع الله. فقال: (بعم نبينا) وما قال: بالعباس ؛ لأنه يريد من ذلك الرابطة أو السبب الذي جعله يختاره؛ فاختاره لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم. و ابن كثير رحمه الله ذكر طريقة أهل السنة في احترام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تفسير قول الله: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23]، وبين أنه ليس المراد من هذه الآية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم علي وعمه وذريتهما، وإنما المقصود بالآية: أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من قريش لما بينه وبينهم من القرابة أن يتركوه يبلغ رسالة ربه إذا لم يساعدوه على تبليغها، فإذا لم يكونوا عوناً له على التبليغ فليخلوا بينه وبين الدعوة إلى ربه، وذكر أثراً عن ابن عباس -في صحيح البخاري - يبين هذا المعنى، ولما ذكر ابن كثير أن المراد من هذه الآية هو ما جاء عن ابن عباس بين حق آل البيت ومنزلتهم وعظيم قدرهم، وأن هناك نصوصاً تدل على فضلهم وتعظيمهم وتوقيرهم، وأنه جاء عن الصديق الأعظم أبي بكر رضي الله عنه و عمر رضي الله عنه ما يدل على فضلهم، وذكر بعض النصوص التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضلهم، فهذا هو ما كان عليه سلف هذه الأمة، بل خير هذه الأمة وأفضل هذه الأمة أبو بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما.

    حكم الاستسقاء بذبح بقرة وبضرب الدفوف والطبول

    السؤال: سائل من المغرب يقول: في بلدنا عندما يتأخر نزول المطر نقوم بحمل علم، وتجتمع القرى المجاورة إلى قريتنا، ونذهب جمعياً إلى ولي من أولياء الله الصالحين، ونسوق معنا بقرة، ونذهب بالدفوف والطبول إلى ذلك الولي، فنذبح البقرة عنده، وندعوه المطر، فيأتي بالفرج، وينزل المطر، فما حكم هذا؟

    الجواب: هذا الفعل من أبطل الباطل وأنكر المنكرات، فكونكم تذهبون إلى قبر وتذبحون عنده وتسألونه المطر أو تسألون منه أن يطلب لكم المطر من أبطل الباطل، وهذا العمل الذي عملته عليك أن تتوب إلى الله عز وجل منه، وتندم على ما مضى، ولا تعود إليه مرة أخرى، ولا تحمل لهم هذا العلم، ولا تجمع الناس، ولا تذهب بهم, ولكن إذا حصل القحط وحصل الجدب فاسألوا الله عز وجل، ولا بأس بالصدقة حينئذٍ، وللولاة أن يطلبوا من الرعية الصدقة، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما الذهاب إلى أصحاب القبور والاستغاثة بأصحاب القبور فهذا شرك بالله عز وجل، والإنسان عليه أن يحذر أشد الحذر من هذا العمل السيئ الذي هو أسوأ الأعمال وأشدها خطورة؛ لأن الاستغاثة بغير الله وسؤال الحاجات من غير الله والذبح لغير الله كل ذلك من الأمور المحرمة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله من ذبح لغير الله) فهذا العمل الذي عملته من أنكر المنكرات وأبطل الباطل، وعليك التوبة والندم على ما قد مضى، وأن تحذر الناس من هذا العمل، ولا تعود لمثل هذا العمل.

    نصاب الذهب

    السؤال: بعض الكتب الفقهية تذكر أن نصاب الذهب خمسة وثمانون غراماً، وسمعنا من فضيلتكم أنه اثنان وتسعون غراماً؟


    الجواب: ذكر شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه أنه اثنان وتسعون غراماً.

    مصلح الزجاج ليس عليه زكاة إذا لم يكن الزجاج عروض تجارة


    السؤال: لي محل أبيع فيه زجاج النوافذ، وقد سألت عن زكاة هذه البضاعة فقالوا: لا زكاة فيها، وأنتم تقولون: فيها زكاة؛ لأنها عروض تجارة فكيف أزكي عن السنوات السابقة؟ وكيف أزكي تجارتي الآن؟


    الجواب: إذا كنت تبيع وتشتري في الزجاج فتجارتك عروض تجارة، وأما إذا كنت عاملاً تشتري الزجاج لتركبه لأصحاب البيوت، ولا تشتريه من أجل أن تبيعه فما تحصله من النقود في مقابل هذا العمل إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول تزكيه، وأما إذا كنت تبيع وتشتري في الزجاج فهو كالبيع والشراء في السكر والحديد والسيارات والإبل والغنم وغير ذلك. وإذا كان السائل يجعل الزجاج عروض تجارة فعليه أن يزكي السنوات الماضية بأن يقدر ما عليه ويحتاط لدينه، ويخرج الشيء الذي يعتقد أن ذمته تبرأ به عما مضى من السنوات.

    حكم زكاة الآلات التي يمتلكها التاجر

    السؤال: هل يحسب التاجر أدوات عمله مع السلع كالميزان والرفوف عند إخراج زكاة العروض؟


    الجواب: هذه لا تحسب؛ لأنها ليست مما يباع ويشترى، وهي مثل الدكان، فالرفوف والميزان والسيارات التي ينقل عليها البضائع، لا زكاة عليها؛ لأنها غير معروضة للبيع، وإنما الزكاة على ما يعرض للبيع والشراء.

    حكم زكاة النبات إذا سقي بالمطر والسواني

    السؤال: كم زكاة النبات إذا كان أحياناً يسقى بالسماء وأحياناً بالسواني ونحوها؟


    الجواب: بعض أهل العلم ذكر أن زكاته تكون ثلاثة أرباع العشر، وإذا أخرج العشر فلا شك أنه خير له، ولكن إذا أخرج ثلاثة أرباع العشر فله وجه من جهة أن هناك كلفة وهناك عدم كلفة، وليست الكلفة متحققة دائماً كالذي يخرج منه نصف العشر، وعدم الكلفة ليست متحققة دائماً كالذي يخرج منه العشر.

    حكم إخراج زكاة النبات إذا لم يربح المزارع

    السؤال: إذا كلفت الزراعة الزارع لإعداد زراعته تكاليف معينة، ثم كانت فائدة إنتاجه في العام تقدر بنفس قيمة التكاليف، فالبتالي يكون قد استعاد ما خسره لإعداد زراعته؛ فهل عليه زكاة؟


    الجواب: الزرع الذي استوى عليه زكاة، ولا ينظر إلى كونه خسر فيه أو ربح، فهذا مال ظاهر يزكى ولو كان عليه دين.

    صحة الصلاة على سجادة طاهرة مبسوطة على فراش متنجس

    السؤال: هل تصح الصلاة على سجادة مبسوطة على فراش نجس؟


    الجواب: تصح الصلاة إذا كان بين الإنسان وبين النجاسة حائل؛ لأنه ليس معنى شرط إزالة النجاسة أن تكون الأرض التي تحته ولو كان بينه وبينها مسافة طاهرة، بل لو كانت الأرض نجسة وفوقها سجادة طاهرة، وهو يصلي على السجادة فلا بأس؛ لأن السجادة طاهرة، وهي التي يباشرها ولا يباشر النجاسة.

    حكم نفقة المطلقة طلاقاً بائناً وسكناها

    السؤال: إذا كان الطلاق بائناً فهل يجوز للمرأة الخروج من المنزل؟


    الجواب: نعم، يجوز لها الخروج، بل إن بعض العلماء يقول: ليس لها سكن ولا نفقة.

    حكم سحب المال عن طريق آلات الصرف

    السؤال: ما حكم سحب المال عن طريق آلات الصرف، علماً بأن بعض البنوك تأخذ أربعة ريالات مقابل سحب ألف ريال؟


    الجواب: إذا كانت هذه الريالات المأخوذة مقابل التسهيل فلا بأس؛ لأن هذه الوسيلة تجعل الإنسان يسحب مالاً في الليل وفي النهار وفي أي وقت، فكونه يدفع مقابل هذه البطاقة مبلغاً من المال من أجل أن يحصل على مراده في أي وقت شاء فهذه منفعة ظاهرة، وتلك الوسيلة التي اتخذت للوصول إلى هذه المنفعة لا بأس بها، وهذه البطاقة لها قيمة من أجل السحب بها في أي وقت، فالقيمة معتبرة صحيحة، ولا بأس بهذا."




  3. #223
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [190]

    الحلقة (221)

    شرح سنن أبي داود [190]

    تجب الزكاة في البقر السائمة في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة، ومن منع الزكاة فإنها تؤخذ منه قهراً وشطر ماله تعزيراً له وزجراً لغيره.

    تابع ما جاء في زكاة السائمة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا بهز بن حكيم ح، وحدثنا محمد بن العلاء أخبرنا أبو أسامة عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون، ولا يفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجراً، -قال ابن العلاء مؤتجراً بها فله أجرها- ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا عز وجل، ليس لآل محمد منها شيء) ]. هذا الحديث وما قبله وما بعده من الأحاديث داخلة تحت ترجمة باب زكاة السائمة، عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون) أي: أن زكاة الإبل -وكذلك الغنم والبقر- إنما هي في السائمة التي ترعى أكثر الحول، والتي لا يتعب عليها صاحبها ويتكلف لها ويخسر عليها، وإنما الزكاة فيما ترعى أكثر الحول. قوله: (في أربعين بنت لبون) يعني: أن الأربعين فيها هذا السن بنت لبون، لكن لا يعني ذلك أن هذا الحكم خاص بهذا العدد الذي هو أربعون؛ لأنه جاء في الأحاديث المتعددة أن بنت اللبون تكون من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين، فأي عدد بين هذين العددين فيه بنت لبون، فليس لقوله: (أربعين) مفهوم أن ما فوقه وما تحته يختلف، بل هذا العدد من جملة الأعداد التي تخرج فيها بنت اللبون؛ لأن بنت اللبون تخرج في الستة والثلاثين والسبعة والثلاثين والثمانية والثلاثين والتسعة والثلاثين والأربعين والواحد وأربعين والاثنين وأربعين والثلاثة وأربعين والأربعة وأربعين والخمسة وأربعين, فكل هذه الأعداد فيها بنت لبون. إذاً: الأربعون فرد من أفراد تلك الأعداد التي في أي عدد منها بنت لبون، وعلى هذا فمفهومه ليس معتبراً تحت الأربعين وفوق الأربعين، بل المعتبر ما جاء فيه النص من أنه من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين فيها بنت لبون, ولعله ذكر الأربعين لأنه العقد الذي يكون فيه بنت لبون، فهو من جنس ما سبق أن الدراهم إذا كانت مائة وتسعين فليس فيها زكاة؛ لأن هذا أعلى عقد تحت المائتين. قوله: [ (ولا يفرق إبل عن حسابها) ] هذا كما تقدم أنه لا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، لا من العامل ولا من المالك، كأن تكون مجتمعة فتفرق من أجل أن تزيد الزكاة إذا كان التفريق من العامل، أو من أجل أن تقل الزكاة إذا كان التفريق من المالك. قوله: [ (من أعطاها مؤتجراً، قال ابن العلاء : مؤتجراً بها فله أجرها) ] ابن العلاء هو محمد بن العلاء الشيخ الثاني لأبي داود ؛ لأن أبا داود روى الحديث من طريق موسى بن إسماعيل ومن طريق محمد بن العلاء ، فطريق موسى بن إسماعيل ليس فيها كلمة (بها), وإنما فيها كلمة (مؤتجراً) فقط, وأما طريق محمد بن العلاء -وهي الطريق الثانية- ففيها: (مؤتجراً بها) أي: محتسباً وطالباً الأجر والثواب من الله عز وجل. وقوله: (فله أجرها) يعني: فله ما أدى وله ما نوى. قوله: [ (ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله, عزمة من عزمات ربنا) ] أي: من منع إخراج الزكاة الواجبة عليه فإننا نأخذها منه، ونأخذ أيضاً شطر ماله بالإضافة إليها، وقد اختلف في المراد من هذه الجملة، فمن العلماء من قال إنه على ظاهره، وأنه تؤخذ منه الزكاة ويؤخذ أيضاً نصف ماله، عقوبة على امتناعه، ويكون ذلك عقوبة مالية، (عزمة من عزمات ربنا) أي: أن هذا يكون من الأمور التي تؤخذ حقاً؛ لأنه جاء به الشرع، وجاء الإذن من الله عز وجل؛ لأن السنة وحي من الله عز وجل، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى كما قال عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4-5]، فما يأتي به هو من الله عز وجل، فقوله: (عزمة من عزمات ربنا) أي: أن هذا الأخذ الذي نأخذه من الأمور العزائم أي: المحققة الثابتة. وهناك أقوال أخرى قيلت في المراد منه، فقيل: إن هذا تهديد، وقيل: معنى قوله: (وشطر ماله) أن يشطر ماله شطرين: شطر حسان، وشطر دون ذلك، وتؤخذ الزكاة من شطر الحسان، وقيل غير ذلك. ولكن ظاهر الحديث أن المراد به عقوبة مالية، وأنه يؤخذ الشطر عقوبة مالية, واختلف العلماء في هذا، فمنهم من قال: إن ذلك كان جائزاً ثم نسخ، ومنهم من قال: النسخ يحتاج إلى دليل، وهذا حكم ثابت وليس بمنسوخ، والله تعالى أعلم. ثم قال: (ليس لآل محمد منها شيء) فالزكاة لا تحل لآل محمد كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من جملة الأدلة الدالة على أن الزكاة لا تحل لآل محمد، ولا يكون لآل محمد منها شيء، فإنما هي أوساخ الناس.

    تراجم رجال إسناد حديث (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون...)


    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ] هو ابن سلمة بن دينار البصري، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا بهز بن حكيم ]. بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا محمد بن العلاء ]. (ح) علامة التحول من إسناد إلى إسناد، و محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ أخبرنا أبو أسامة ]. حماد بن أسامه البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ]. بهز بن حكيم مر ذكره، وأبوه هو حكيم بن معاوية بن حيدة ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. وجده هو معاوية بن حيدة القشيري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.


    شرح حديث (من كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن معاذ رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم -يعني محتلماً- ديناراً أو عدله من المعافر. ثياب تكون باليمن) ]. حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه فيه دليل على أن نصاب البقر ثلاثون، وما قل عن الثلاثين لا زكاة فيه ولو كان تسعاً وعشرين، فالحد الأدنى الذي تخرج فيه زكاة من البقر ثلاثون، وهو النصاب، وفيه تبيع أو تبيعة، يعني ذكراً أو أنثى، والتبيع: هو الذي مضى من عمره سنة ودخل في السنة الثانية، وقيل له تبيع أو تبيعة لأنه يتبع أمه. قوله: (ومن كل أربعين مسنة) يعني: إذا بلغ العدد أربعين فإنه يكون فيها مسنة، والمسنة: هي التي أكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة من عمرها. قوله: [ (لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة) ]. يعني: أن نصاب زكاة البقر مبني على الثلاثين والأربعين، فإذا كانت ثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة، وإذا كانت أربعين ففيها مسنة، والخمسون ليس فيها غير مسنة، وإذا صارت ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان، وإذا صارت سبعين ففيها تبيع ومسنة، وإذا صارت ثمانين ففيها مسنتان، وهكذا في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة... قوله: [ (ومن كل حالم -يعني: محتلماً- ديناراً) ] المقصود من ذلك الجزية على أهل الكتاب الذين كانوا في اليمن، فيؤخذ من الذي بلغ الحلم ديناراً جزية، وهذا يدل على أن الجزية إنما تؤخذ من المحتلمين البالغين الذكور، وهذه الجزية تؤخذ من اليهود والنصارى إذا فتحت البلاد فلم يقاتلوا المسلمين، وبقوا على دينهم، فتؤخذ منهم الجزية، ومقدارها دينار على كل محتلم. قوله: [ (أو عدله من المعافر) ] أي: قيمته أو ما يساويه من المعافر، وهي أكسية وبرود تنسب إلى قبيلة مشهورة بهذا الاسم، فالجزية إما دينار أو ما يقابلها من الألبسة التي كانت تنسج وتصنع في اليمن، ويقال لها: معافر.

    تراجم رجال إسناد حديث (من كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة)


    قوله: [ حدثنا النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي، ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو معاوية ]. أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي وائل ]. وهو شقيق بن سلمة، وهو ثقة مخضرم أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذ ]. معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    إخراج الذكور في زكاة المواشي


    قال الخطابي : ليس في أصول الزكاة مدخل للذكران في المواشي إلا في صدقة البقر ا.هـ. لكن الذي عنده غنم له أن يخرج من ذكورها، ولعل مقصوده أن النص إنما جاء فيما يتعلق بالبقر، ولكنه قد جاء أيضاً فيما يتعلق بالإبل في موضع واحد فقط، وهو ابن اللبون الذكر إذا لم توجد بنت مخاض، فتكون الزيادة التي في سن الذكر في مقابل الفضيلة التي في الأنثى، وإذا كانت الغنم ذكوراً يخرج منها ذكر, ولكن إذا كانت ذكوراً وإناثاً فإنه يخرج منها ذكور أو إناث، وسبق أن مر بنا أن تيس الغنم لا يأخذه المصدِّق إلا أن يشاء المتصدق، والواجب أن يخرج من الأوساط، وإذا كان الغالب الذكور فيخرج ذكر، وإذا كان الغالب الإناث فيخرج أنثى، ويؤخذ من الأوساط لا من الخيار ولا من الأشرار، وإنما يؤخذ من الوسط.

    شرح حديث زكاة البقر من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و النفيلي و ابن المثنى قالوا: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن مسروق عن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وقال: (مثله) أي: مثل الرواية السابقة التي جاءت عن أبي وائل عن معاذ . قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة و ابن ماجة . [ و النفيلي و ابن المثنى ]. النفيلي هو عبد الله بن محمد الذي مر ذكره، و ابن المثنى هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم ]. إبراهيم هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. مسروق بن الأجدع، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذ ]. مر ذكره.
    شرح حديث زكاة البقر من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فذكر مثله، لم يذكر ثياباً تكون باليمن، ولا ذكر (يعني محتلماً) ] أورد المصنف الحديث من طريق ثالثة عن معاذ وقال: (مثله) إلا أنه لم يذكر الثياب التي تكون باليمن وهي المعافر، ولا ذكر (يعني محتلماً) في التفسير، وإنما ذكر (حالماً) فقط بدون تفسير، فكلمة: (يعني محتلماً) ليست موجودة في هذه الرواية، وليس فيها ذكر الثياب اليمانية. قوله: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ]. هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ، صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. وهو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل ]. مر ذكرهم.

    ذكر أصحاب الأعمش الذين رووا عنه حديث زكاة البقر


    [ قال أبو داود :ورواه جرير و يعلى و معمر و شعبة و أبو عوانة و يحيي بن سعيد عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق قال: يعلى و معمر عن معاذ مثله ]. ذكر المصنف رواية عدد من أصحاب الأعمش عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق ، وقال: إن يعلى و معمر وهما من هؤلاء الستة الذين رووا عن الأعمش قالا: عن معاذ . وجرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و يعلى بن عبيد الطنافسي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و معمر بن راشد الأزدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . و يحيي بن سعيد القطان البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق ]. مر ذكرهم.

    شرح حديث سويد بن غفلة في النهي عن أخذ خيار المال في الزكاة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة قال: (سار سرت، أو قال: أخبرني من سار مع مصدق النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألّا تأخذ من راضع لبن، ولا تجمع بين مفترق، ولا تفرق بين مجتمع) وكان إنما يأتي المياه حين ترد الغنم فيقول: أدو صدقات أموالكم، قال: فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء -قال: قلت: يا أبا صالح! ما الكوماء؟ قال: عظيمة السنام- قال: فأبى أن يقبلها قال: إني أحب أن تأخذ خير إبلي قال: فأبى أن يقبلها، قال: فخطم له أخرى دونها فأبى أن يقبلها، ثم خطم له أخرى دونها فقبلها وقال: إني آخذها وأخاف أن يجد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: عمدت إلى رجل فتخيرت عليه إبله) ]. قوله: [ (فإذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] يعني في كتابه. [ (ألا تأخذ من راضع لبن) ] هذا الكلام موجه إلى المصدق، يعني: من ذات راضع لبن وهي الحلوب التي فيها لبن وترضع؛ وذلك لأنها من خيار المال. قوله: [ (ولا تجمع بين مفترق) ] أي: من أجل أن تكثر الصدقة، وهذا خطاب للمصدق، وذلك بأن يكون رجل عنده مثلاً مائة وواحدة، وآخر عنده مائة وواحدة، فيجمعها العامل من أجل أن يأخذ منهما ثلاث شياة؛ لأنه لو كان كل واحد منهما على حدة فكل واحد عليه شاة واحده؛ لأن أربعين شاة إلى مائة وعشرين ما فيها إلا شاة، فإذا زادت واحدة صار فيها شاتين إلى مائتين، فإن زادت واحدة صار فيها ثلاث شياة، فإذا كان الأول عنده مائة وواحدة، والثاني عنده مائة وواحدة، صارت مائتين واثنتين، فلو بقي كل على ما هو عليه فإنه لا يؤخذ إلا شاتين: شاة من هذا، وشاة من هذا؛ لكن إذا جمع بين الغنمين أخذ منها ثلاثاً. وقوله: [ (ولا تفرق بين مجتمع) خطاب للعامل ألا يفرق بين مجتمع من أجل أن تكثر الصدقة، بأن يكون رجلان لكل واحد منهما أربعون شاة، وهم خلطة، فيفرق غنمهما، فيأخذ من هذا شاة، ومن هذا شاة، وإنما الواجب عليهما شاة واحدة. قوله: [ (وكان إنما يأتي المياه حين ترد الغنم) ] هذا فيه دليل على أن العامل يذهب إلى أصحاب المواشي على مياههم، ولا يجلس في مكان ويكلفهم أن يسوقوا غنمهم إليه حتى يزكي أموالهم، بل يأتي المياه، وإذا وردت الغنم أو الإبل أو البقر فإنه يأخذ الزكاة منها؛ حتى لا يشق على الناس أن يأتوا إليه لأخذ الزكاة. قوله: [ (فيقول: أدوا صدقات أموالكم) ] وتكون من الوسط لا من الخيار ولا من الشرار؛ لأنها لو أخذت من الخيار لكان في ذلك إضرار بأصحاب الأموال، ولو أخذت من الشرار لكان في ذلك إضرار بالفقراء، ولكن يؤخذ الوسط كما سيأتي في الحديث: (إن الله لم يأخذ منكم خيره، ولم يأمركم بشره). قوله: [ (فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء) ] أي: فعمد رجل من أصحاب المواشي، والكوماء فسرها بأنها الكثيرة الشحم السمينة، فأبى أن يأخذها المصدق؛ لأن الواجب هو الوسط وهذه من الخيار، ولكن سيأتي أنه لا بأس بذلك إذا رضي المتصدق بأن يدفع شيئاً أحسن من الوسط، وأدى الخيار بطواعية منه ورضا، ولكن المصدق لعله لم يكن عنده علم بجواز ذلك، وخشي أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الناقة الحسناء السمينة يظن أنه عمد إلى خيار المال فأخذها. قوله: [ (فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء، قال: قلت: يا أبا صالح ! ما الكوماء؟ قال: عظيمة السنام، قال: فأبى أن يقبلها، قال: إني أحب أن تأخذ خير إبلي، قال: فأبى أن يقبلها، قال: فخطم له أخرى دونها فأبى أن يقبلها، ثم خطم له أخرى دونها فقبلها) ] خطم يعني: وضع الخطام على رأسها ليقودها به؛ لأن الإبل تقاد بالخطام، وأما إذا كانت في المراعي فلا تخطم؛ لأن الخطام قد يكون سبباً في ضررها بأن يعلق في شجرة فتنحبس بسبب ذلك، فيؤدي إلى انحباسها مدة طويلة وربما تهلك. قوله: [ (وقال: إني آخذها وأخاف أن يجد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: عمدت إلى رجل فتخيرت عليه إبله) ] وهذا يدل على أن هذه الإبل الثلاث كلها من الخيار، وأن كل واحدة أرفع من الثانية، وكان أعطى ناقة كوماء ثم أخرى دونها ثم الثالثة دونها، ومع ذلك فهو خائف أنه إذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عمدت إلى إبله وأخذت خيارها.

    تراجم رجال إسناد حديث سويد بن غفلة في النهي عن أخذ خيار المال في الزكاة


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب ]. أبو عوانة مر ذكره، و هلال بن خباب صدوق أخرج له أصحاب السنن. [ عن ميسرة أبي صالح ]. ميسرة أبو صالح مقبول أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن سويد بن غفلة ]. سويد بن غفلة تابعي مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، و سويد بن غفلة مثل المعرور بن سويد كلاهما مخضرم، وكل منهما معمر، والثاني كان عمره مائة وعشرين سنة وهو أسود شعر الرأس واللحية بدون أن يخضب بالسواد، وإنما كان ذلك خلقة، و سويد بن غفلة كان يصلي بالناس التراويح في رمضان وعمره مائة وعشرون سنة! قوله: [ (عن مصدق النبي صلى الله عليه وسلم) ] هو غير مسمى، ومعلوم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المجهول فيهم في حكم المعلوم، فلا تؤثر الجهالة في الصحابة؛ لأنهم عدول بتعديل الله وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : ورواه هشيم عن هلال بن خباب نحوه إلا أنه قال: (لا يفرق) ]. هشيم مر ذكره، و هلال بن خباب مر ذكره. وقوله: إلا أنه قال: (لا يفرق)، هذه الرواية يحتمل أن الخطاب فيها للعامل أو للمالك، أما الرواية الأولى فهي للعامل، فقوله: (لا تفرق) خطاب للعامل وحده، وقوله: (لا يفرق) تصلح للعامل الذي هو المصدِّق وتصلح للمالك الذي هو المصَّدِّق.
    شرح حديث سويد بن غفلة من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن أبي ليلى الكندي عن سويد بن غفلة قال: (وكان مصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخذت بيده وقرأت في عهده: لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، ولم يذكر (راضع لبن)) ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه: (لا يجمع بين مفترق) ولم يذكر (راضع لبن). قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن صباح البزاز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك ]. شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق اختلط لما ولي القضاء، وهو يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عثمان بن أبي زرعة ]. عثمان بن أبي زرعة ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن أبي ليلى الكندي ]. ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و ابن ماجة . [ عن سويد بن غفلة ]. سويد بن غفلة مر ذكره.
    شرح حديث مسلم بن ثفنة في اجتناب الخيار في الزكاة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا وكيع عن زكريا بن إسحاق المكي عن عمرو بن أبي سفيان الجمحي عن مسلم بن ثفنة اليشكري قال الحسن : روح يقول: مسلم بن شعبة قال: (استعمل نافع بن علقمة أبي على عرافة قومه، فأمره أن يصدقهم قال: فبعثني أبي في طائفة منهم، فأتيت شيخاً كبيراً يقال له: سعر بن ديسم فقلت: إن أبي بعثني إليك -يعني لأصدقك- قال: ابن أخي! وأي نحو تأخذون؟ قلت: نختار حتى إنا نتبين ضروع الغنم، قال: ابن أخي! فإني أحدثك أني كنت في شعب من هذه الشعاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غنم لي، فجاءني رجلان على بعير فقالا لي: إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك لتؤدي صدقة غنمك، فقلت: ما علي فيها؟ فقالا: شاة، فأعمد إلى شاة قد عرفت مكانها ممتلئة محضاً وشحماً، فأخرجتها إليهما فقالا: هذه شاة الشافع, وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نأخذ شافعاً، قلت: فأي شيء تأخذان؟ قالا: عناقاً جذعة أو ثنية قال: فأعمد إلى عناق معتاط -والمعتاط التي لم تلد ولداً وقد حان ولادها- فأخرجتها إليهما فقالا: ناولناها، فجعلاها معهما على بعيرهما ثم انطلقا) ]. قوله: [ استعمل نافع بن علقمة أبي على عرافة قومه فأمره أن يصدقهم ]. قوله: (أبي) هو والد مسلم بن ثفنة أو مسلم بن شعبة ، وقوله: (على عرافة قومه). يعني: جعله المسئول عن القبيلة، فالعريف هو المسئول عن القبيلة، الذي يرجع إليه في شأن القبيلة، وترجع إليه القبيلة، فهو مرجعها، وقد جاء في أحاديث ذكر العرفاء، ولكل جماعة عرفاء يعرفون بهم، ويكونون مرجعاً لهم، ومما جاء في ذلك الحديث الصحيح في قصة السبي في غزوة حنين حين جاء وفد هوازن وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد سبيهم عليهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قسمه فقال: (إن إخوانكم جاءوا تائبين، وإننا نريد أن نرد عليهم سبيهم، فمن رضي وطابت نفسه فذاك، وإلا فإننا نعطيه بدلاً عنه من أول فيء يفيئه الله علينا فقالوا: طيبنا طيبنا) يعني: ارتفعت الأصوات فقال: (فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم من طيب منكم ممن لم يطيب) أو كما قال. قوله: [ فأمره أن يصدقهم، قال: فبعثني أبي في طائفة منهم ]. يعني: أن الأب بعث ابنه الذي هو مسلم بن ثفنة أو مسلم بن شعبة . قوله: [ فأتيت شيخاً كبيراً يقال له سعر بن ديسم فقلت: إن أبي بعثني إليك، يعني لأصدقك ] يعني: لآخذ زكاة مالك؛ لأن المصدق هو الذي يأخذ زكاة المال. قوله: [ قال: ابن أخي! وأي نحو تأخذون؟ ]. يعني: ما هو النوع الذي تأخذون؟ قوله: [ نختار حتى إنا نتبين ضروع الغنم ]. يعني: نختار في الزكاة حتى نتبين ضروع الغنم لننظر هل ضرعها كبير فيه لبن كثير، ومعناه أنهم يأخذون الخيار، فأخبره أن الأمر بخلاف ذلك. قوله: [ قال: ابن أخي! فإني أحدثك أني كنت في شعب من هذه الشعاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غنم لي، فجاءني رجلان على بعير فقالا لي: إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليك لتؤدي صدقة غنمك فقلت: ما علي فيها؟ فقالا: شاة، فأعمد إلى شاة قد عرفت مكانها ممتلئة محضاً وشحماً فأخرجتها إليهما، فقالا: هذه شاة الشافع ]. أي: كان في شعب من الشعاب، فجاء رجلان من عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبا منه إخراج الزكاة، فقال: (ما الذي علي فيها؟) يعني: ما مقدار الزكاة الواجبة علي؟ (قالا: شاة، قال: فعمدت إلى شاة في الغنم أعرف مكانها ممتلئة محضاً وشحماً) يعني: لبناً وشحماً، (فقالا: هذه شاه الشافع) هي الحامل كما سيأتي، ويحتمل أنها التي قد ولدت، وصار ولدها شفعاً بها؛ لأنه يتبعها فصارت به شفعاً، فبدلاً من كونها واحدة صارت بولدها شفعاً، وهي مثل بنت المخاض التي أمها بنت اللبون، فبنت المخاض التي في بطن أمها ولد، وأما بنت اللبون فهي التي أمها قد ولدت فصارت ذات لبن. وسواء كانت ذات لبن أو صارت ذات حمل فإنها لا تؤخذ في الزكاة؛ لأن ذات اللبن من خيار المال، وقد مر حديث: (راضع لبن) يعني: ذات رضاع، وكذلك الحامل التي في بطنها حمل من خيار المال، فلا تؤخذ هذه ولا هذه. قوله: [ فأي شيء تأخذان؟ قالا: عناقاً جذعة أو ثنية ]. هذا فيه بيان أن الشاة تطلق على الذكر والأنثى من الضأن والماعز، فكلاهما يقال له شاة؛ ولهذا يأتي كثيراً في الأضاحي وفي الهدي ذكر الشاة، وليس المقصود بها الضأن، وإنما المقصود بها الضأن والماعز، فكل ذلك يطلق عليه شاة. والعناق هي التي لم تكمل سنة، وهي لا تجزئ في الأضحية، والثنية من الماعز هي التي أكملت سنة، وهي التي يضحى بها ويهدى، والجذعة من الضأن هي التي لها ستة أشهر، والثنية هي التي أكملت سنة، والضأن في الأضحية يجزئ فيه الجذع، وأما بالنسبة للماعز فلا يجزئ إلا الثني. قوله: [ فأعمد إلى عناق معتاط -والمعتاط التي لم تلد ولداً وقد حان ولادها- فأخرجتها إليهما فقالا: ناولناها، فجعلاها معهما على بعيرهما ثم انطلقا ]. يعني: ما سبق أن ولدت، وجاء وقت كونها تحمل، فقالا: ناولناها؛ لأنهما كانا راكبين. ثم ذهبا بها.

    تراجم رجال إسناد حديث مسلم بن ثفنة في اجتناب الخيار في الزكاة


    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زكريا بن إسحاق المكي ]. زكريا بن إسحاق المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن أبي سفيان الجمحي ]. عمرو بن أبي سفيان الجمحي ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن مسلم بن ثفنة اليشكري ]. وهو مقبول أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن سعر بن ديسم ] وهو مخضرم، وقيل: له صحبة، أخرج له أبو داود و النسائي . والحديث ضعيف، فيه مسلم بن ثفنة ، وفيه أيضاً رجل مختلف في صحبته، والحديث ضعفه الألباني .
    بيان خطأ وكيع في اسم مسلم بن ثفنة

    [ قال أبو داود : رواه أبو عاصم عن زكريا قال أيضاً: مسلم بن شعبة كما قال روح ]. يعني: أن وكيعاً غلط في الإسناد عندما قال: مسلم بن ثفنة وإنما هو مسلم بن شعبة . و روح بن عبادة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي حدثنا روح حدثنا زكريا بن إسحاق بإسناده بهذا الحديث قال: مسلم بن شعبة قال فيه: والشافع التي في بطنها الولد ]. قوله: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي ]. محمد بن يونس ثقة، أخرج له أبو داود. [ حدثنا روح عن زكريا بن إسحاق ]. مر ذكرهما."





  4. #224
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [191]

    الحلقة (222)


    شرح سنن أبي داود [191]


    كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث المصدقين لجمع الصدقات من قبائل العرب، وكان يحدد لهم الأنصبة وما يخرج فيها، ويأمرهم بالرفق بالناس واتقاء كرائم أموالهم.

    تابع ما جاء في زكاة السائمة


    شرح حديث (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان...)


    [ قال أبو داود : وقرأت في كتاب عبد الله بن سالم بحمص عند آل عمرو بن الحارث الحمصي عن الزبيدي قال: وأخبرني يحيى بن جابر عن جبير بن نفير عن عبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه من غاضرة قيس قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام، ولا يعطي الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره) ]. قوله: (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان) هذا إجمال من أجل الاهتمام والعناية والتشويق لما سيذكر بعد ذلك، مثل قوله: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان) ثم يأتي التفسير، وهنا قال: (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان) ثم يأتي التفسير، وهذا فيه حث على الاهتمام بما سيأتي، وأيضاً ذكر العدد يجعل الإنسان يضبط العدد، ولو نسى شيئاً فإنه سيعلم أنه حصل نقص؛ لأنه لابد أن يطابق العدد المعدود، فإذا ذكر العدد أولاً فإنه يجعل الإنسان يطالب نفسه بالمعدود حتى يطابق العدد، فهذا من فوائد تقديم العدد. قوله: [ (من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله) ] هذه الخصلة الأولى من الثلاث، وهي إخلاص العبادة لله عز وجل، وهذا هو الأساس؛ لأن إفراد الله بالعبادة أساس كل عمل، وكل عمل من الأعمال لا يقبل إلا إذا كان خالصاً لوجه الله عز وجل وحده لا شريك له. ولا إله إلا الله هي كلمة الإخلاص والتوحيد، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، فهي مشتملة على نفي وإثبات، نفي عام في أولها، وإثبات خاص في آخرها، النفي العام الذي في أولها هو نفي العبادة عن كل ما سوى الله، والإثبات الخاص الذي في آخرها هو إثبات العبادة لله وحده لا شريك له. قوله: [ (وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه) ]. هذه الخصلة الثانية، وهي محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، أي: أنه يخرج الزكاة عن طيب نفس، فلا يخرجها عن كراهية وعدم رضا وعدم ارتياح؛ لأن هذا حكم الله، وهذا حق أوجبه الله عز وجل في أموال الأغنياء للفقراء شكراً لله عز وجل على هذه النعمة، والزكاة من أسباب نماء المال وأسباب كثرته كما جاء في الحديث: (ما نقص مال من صدقة، بل تزده بل تزده). قوله: [ (رافدة عليه كل عام) ] الرفد هو الزيادة، فالمعنى أنها زيادة ونماء في ماله. قوله: [ (ولا يعطي الهرمة ولا الدرنة) ]. يحتمل أن يكون قوله: (من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا هو) اثنتين، ثم الثالثة ما يتعلق بالزكاة، ويحتمل أن يكون خصلة واحدة، وإعطاء الزكاة طيبة بها نفسه هي الخصلة الثانية، وكونه لا يعمد إلى شيء فيه عيب وفيه نقص فيخرجه الخصلة الثالثة. والهرمة هي: الكبيرة التي طعنت في السن وبلغت سن الهرم، والدرنة هي التي فيها الجرب، وتسمى الجرباء. قوله: [ (ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة) ]. المرض نقص فيها، وقد يؤدي إلى هلاكها، أو يكون النقص الذي يحصل لها بسبب المرض شديداً، والشرط اللئيمة هي أرذل المال ورديئه. قوله: [ (ولكن من وسط أموالكم) ] يعني: أن الذي يخرج من الوسط، لا من الخيار ولا من الشرار، وإنما من وسط المال، وقد تقدم في كلام الزهري أن المال يقسم أثلاثاً: ثلثاً خياراً، وثلثاً شراراً، وثلثاً وسطاً، والزكاة تؤخذ من الوسط، فهذا الحديث يدل على أن كلام الزهري صحيح، وأنه دل عليه الدليل. قوله: [ (فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره) ]. خيره هو خيار المال، وشره هو شرار المال، والشارع إنما طلب الوسط.

    تراجم رجال إسناد حديث (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان...)


    [ قال أبو داود : وقرأت في كتاب عبد الله بن سالم بحمص عند آل عمرو بن الحارث الحمصي ]. عبد الله بن سالم الحمصي ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ عن الزبيدي ]. الزبيدي هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ قال: وأخبرني يحيى بن جابر ]. أي: قال الزبيدي : وأخبرني يحيى بن جابر ، والواو هذه تدل على وجود معطوف عليه محذوف أخبره بهذا وبغيره؛ لأنه لو كان الحديث يتعلق بما ذكره فقط فلن يأتي بالواو، وإنما سيقول: أخبرني، لكن إذا أتى بالواو دل على أن هناك معطوفاً عليه محذوفاً، يعني أخبره بشيء آخر وبهذا، فهو أخبرني بكذا وبكذا وأخبرني بكذا. و يحيى بن جابر ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جبير بن نفير ]. جبير بن نفير ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن معاوية الغاضري ]. عبد الله بن معاوية الغاضري صحابي أخرج له أبو داود وحده. قيل: يحيى بن جابر لم يسمع من جبير بن نفير ، وإنما سمع من ابنه عبد الرحمن بن جبير ، و عبد الرحمن بن جبير بن نفير ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن مثل أبيه. والإسناد فيه انقطاع من جهة أن أبا داود لم يدرك عبد الله بن سالم ، فبينهما واسطة، والحديث صححه الألباني أو حسنه، ولكن لعل له شواهد من غير هذا الطريق.
    شرح حديث بعث أبي لجمع الصدقات

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن منصور حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عمارة بن عمرو بن حزم عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصدقاً فمررت برجل، فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا ابنة مخاض، فقلت له: أد ابنة مخاض فإنها صدقتك؟ فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها، فقلت له: ما أنا بآخذ ما لم أومر به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منك قريب، فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت علي فافعل، فإن قبله منك قبلته، وإن رده عليك رددته، قال: فإني فاعل، فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض علي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: يا نبي الله! أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي، وايم الله ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا رسوله قط قبله، فجمعت له مالي، فزعم أن ما علي فيه ابنة مخاض؛ وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، وقد عرضت عليه ناقة فتية عظيمة ليأخذها فأبى علي، وهاهي ذه قد جئتك بها يا رسول الله! خذها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ذاك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك، قال: فهاهي ذه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها، قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقبضها ودعا له في ماله بالبركة) ]. قول أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مصدقاً أي: عاملاً على الصدقة، يأخذ الصدقات من أصحابها، فذكر أنه جاء إلى رجل فعرض عليه إبله فرآها وإذا عليه فيها ابنة مخاض؛ وهي التي أكملت السنة ودخلت في السنة الثانية، وهي تخرج من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين، فقال: الذي عليك في إبلك هذه ابنة مخاض، فأتى بناقة فتية عظيمة سمينة، وقال: خذها، فقال: لن آخذها؛ لأن هذه فوق الحق، ولكن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب فاذهب إليه فإن أذن أخذتها، فقال ذلك الرجل: إني فاعل، يعني ما أرشدتني إليه، فذهب أبي ومعه ذلك الرجل ومعه الناقة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن رسوله طلب منه ابنة مخاض، قال: وإنني أعطيته ناقة فتية فأبى أن يقبلها، فقال: وهاهي ذه يعني: الناقة التي عرضتها عليه هي هذه الناقة، فقال عليه الصلاة والسلام: (ذلك الذي عليك)، أي: الواجب عليك هو هذا السن الذي ذكره لك، قال: (فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك) فأمر بأخذها ودعا له بالبركة صلى الله عليه وسلم. فهذا يدلنا على أن المصدق يأخذ الحق، ولا يجوز له أن يزيد على السن الذي يجب على المالك، وأخذ النفائس في الزكاة من الظلم كما في حديث معاذ الذي سيأتي، ولكن إذا تطوع صاحب المال بأن دفع شيئاً أحسن مما يجب عليه، وطابت نفسه بذلك، فإنه يقبل منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذاك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه، وقبلناه منك) أي: أنه يقبل منه، ويحصل على زيادة الأجر على ذلك الشيء الزائد. وفي هذا بيان ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الجود وبذل المال وإعطاء المستحق بانشراح، بل إعطاء ما هو أكثر من الواجب وما هو فوق الواجب. وفيه الدعاء بالبركة لصاحب الزكاة، لاسيما إذا أحسن في إخراج الزكاة، وأداها بطيب نفس، وكل من أعطى الزكاة يدعى له، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر هذا الرجل بأن الله تعالى يأجره إذا دفع شيئاً أكثر مما هو واجب عليه، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبارك الله له في ماله.
    تراجم رجال إسناد حديث بعث أبي لجمع الصدقات

    قوله: [ حدثنا محمد بن منصور ]. محمد بن منصور هو الطوسي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . وهناك محمد بن منصور آخر لم يرو له أبو داود ، وإنما روى له النسائي ، وهو محمد بن منصور الجواز المكي ، فإذا جاء محمد بن منصور في سنن أبي داود فالمراد به الطوسي ؛ لأن الجواز ليس من رجال أبي داود ، وإنما هو من رجال النسائي ، و الطوسي أيضاً من رجال النسائي . [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثني أبي ]. يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. محمد بن إسحاق صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن أبي بكر ]. عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ]. يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ عن عمارة بن عمرو بن حزم ]. عمارة بن عمرو بن حزم وهو ثقة أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي بن كعب ]. أبي بن كعب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث بعث معاذ إلى اليمن

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا زكريا بن إسحاق المكي عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه آله وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال: إنك تأتي قوماً أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، ورسم له الخطة التي يسير عليها في الدعوة إلى الله عز وجل، وكانت هذه الخطة مبنية على البدء بالأهم فالأهم، وقال له صلى الله عليه وسلم: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب)، وهذا فيه بيان أحوال المدعوين الذين سيذهب إليهم، وأنهم أهل كتاب، وهذا يدل على أن الإنسان عندما يذهب إلى جهة للدعوة إلى الله فينبغي له أن يعرف أحوال أولئك الناس الذين في ذلك البلد. ثم قال له: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) فأول شيء يدعى إليه التوحيد؛ لأن التوحيد هو الأساس، فالشهادتان هما الأساس لغيرهما، وكل عمل من الأعمال لا ينفع صاحبه إلا إذا كان مبنياً على الشهادتين: الشهادة لله بالوحدانية والألوهية، والشهادة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. فيبدأ في الدعوة بالأهم فالأهم، وأهم شيء يدعى إليه التوحيد؛ لأن أي عمل إذا لم يكن مبنياً على التوحيد فإنه يكون مردوداً على صاحبه؛ لأن العمل إذا لم يكن خالصاً لله يرد على صاحبه لفقد الإخلاص، وهذا هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وإذا وقع العمل غير مطابق لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم يرد لفقد شرط المتابعة، وهذا هو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: الشهادتان هما أس الأسس، وهما الركن الركين، وهما أساس في نفسهما وأساس لغيرهما، وكل عمل ليس مبنياً عليهما فإنه لا عبرة به ولا قيمة له. ثم قال: (فإن هم أجابوك لذلك) أي: شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فانتقل معهم إلى الخطوة التي تليها وهي الصلاة: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، وهذا يدلنا على أن أعظم ما يدعى إليه بعد التوحيد الصلاة، وأن أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة؛ لأن الصلاة صلة وثيقة بين العبد وبين ربه، وهي تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، بخلاف الأعمال الأخرى فإنها لا تتكرر كتكررها، فللصلاة شأن عظيم؛ ولهذا يبدأ بها بعد التوحيد. ثم قال: (فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم) وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة. والحديث يدل على رسم الخطة التي يسار إليها في الدعوة إلى الله، وأنه يبدأ بالأهم فالأهم، وأن أهم شيء يدعى إليه التوحيد، وأنه لابد من الجمع بين الشهادتين: الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. واستدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذاً بأن يدعوهم أولاً إلى الإسلام ثم إلى الصلاة، ثم إلى الزكاة، فلو كانوا مخاطبين بفروع الشريعة لأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بهذا وبهذا وبهذا، هذا وجه الاستدلال لمن قال بهذا القول. ولكن القول الآخر أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وهو القول القوي، وقد جاء في ذلك نصوص تدل على ذلك كما قال الله عز وجل عن أهل سقر مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:42-43] ومن المعلوم أن الصلاة من الفروع العملية، وكذلك قال الله عز وجل: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [فصلت:6-7] فأخبر أن المشركين لا يؤتون الزكاة، فهم مخاطبون بها، لكن الخطاب إنما هو بالإتيان بالأصول أولاً وبالفروع ثانياً، لا أن يطلب منهم الفروع وإن لم يأتوا بالأصول؛ لأن الفروع إذا أتي بها دون الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة؛ فإنه لا عبرة بها، وتكون مردودة على صاحبها؛ لقول الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]. إذاً: هم مخاطبون بالأصول وبالفروع، ويؤاخذون على ترك الأصول وترك الفروع، فالقول بأنهم مخاطبون بفروع الشريعة كما أنهم مخاطبون بأصولها هو القول القوي الذي تدل عليه الأدلة، وفائدته أنهم يؤاخذون على هذا وعلى هذا، ومعلوم أن الكفار يتفاوتون، فبعضهم أخبث من بعض، وبعضهم أشد عذاباً من بعض، ولهذا فالكفر دركات كما أن الإيمان درجات، والكفار في النار على دركات كما أن أهل الجنة في الجنة على درجات، هؤلاء بعضهم فوق بعض، وهؤلاء بعضهم أسفل من بعض، والكفار في جهنم وإن كانوا كلهم في عذاب دائم مستمر، إلا أنهم متفاوتون في ذلك العذاب، ومعلوم أن الكافر الذي يصد عن سبيل الله ويكون شديد النكاية بالمسلمين أعظم من الكافر الذي كفره على نفسه، ولا يكون شديد النكاية وشديد الإيذاء للمسلمين. إذاً: الحديث لا يدل على أن الكفار غير مخاطبين، وإنما فيه دليل على التدرج من الأهم إلى المهم في الدعوة، فيبدأ لهم بالأساس الذي إذا أتوا به انتقلوا إلى غيره، ولكن لا يعني ذلك أنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة، بل هم مخاطبون للأدلة التي دلت على ذلك، ومنها الآيتان اللتان أشرت إليهما. قوله: (فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) يدل على أن الزكاة عندما تؤخذ من الأغنياء تصرف للفقراء، والفقراء من مصارف الزكاة الثمانية الذين ذكرهم الله عز وجل في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ...)[التوبة:60] الآية، وهذا يدل على أن الزكاة يجوز أن تخرج لصنف واحد؛ لأنه قال: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم). ويدل الحديث على الفرق بين الغني والفقير، وأن الغني هو الذي عنده مال يزكى، والفقير هو الذي ليس عنده شيء يزكى، بل إنه ليس عنده مال أصلاً، أو عنده مال لا يكفيه، فيعطى من الزكاة ما يكفيه لمدة سنة، وذلك لأن الزكاة تؤخذ كل سنة فيعطى من الزكاة ما يكفيه لسنة، وإذا مضت السنة فيعطى من الزكاة للسنة القادمة وهكذا. وفيه دليل على أن الزكاة تصرف في بلد المال؛ لأنه قال في أهل اليمن: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، ولا شك أن الفقراء في البلد أولى الناس بزكاة أغنياء البلد، ولكن لا بأس أن تنقل الزكاة من بلد إلى بلد؛ لأنه قد يقال: المقصود بقوله: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) المسلمون أينما كانوا، فتؤخذ من أغنياء المسلمين، وترد على فقراء المسلمين، لكن لا شك أن فقراء البلد هم الأولى، وإذا كانت الزكاة فيها فائض أو كانت الحاجة في بلد آخر أشد وأعظم فإنه يجوز نقلها. وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (فإن هم أجابوك لذلك) أي: دفعوا الزكاة (فإياك وكرائم أموالهم) يعني: احذر أن تأخذ كرائم الأموال وهي الأموال النفيسة التي تعظم في عيون أهلها، والتي يصعب عليهم أخذها، وقد مر في الحديث أن الزكاة تكون من الأوساط، ولا تكون من الخيار ولا من الأشرار، كما سبق أن مر كلام الزهري الذي ذكره أبو داود وفيه أن المال يقسم أثلاثاً: ثلثاً خياراً، وثلثاً شراراً، وثلثاً وسطاً، فالزكاة إنما تؤخذ من الوسط. هذا الحديث ذكر الزكاة ولم يذكر الصيام، مع أن فرض الصيام متقدم ، فقد فرض في السنة الثانية، وبعث معاذ إلى اليمن كان في السنة العاشرة، فقيل: إنه لم يذكر الصيام؛ لأنه أراد أن يبين له أن يبدأ بالأهم فالأهم، وأيضاً: من أقدم على أن يؤدي الصلاة، ثم الزكاة، فإنه من السهل عليه أن يؤدي ما وراء ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم ما قصد أن يستوعب الأمور التي يدعى إليها، وإنما أرشده إلى أنه يبدأ بالأهم فالأهم؛ ولذا لم يذكر بقية أركان الإسلام من الصيام والحج؛ لأن مقصوده الإشارة بالبدء بالأهم فالأهم، ومن استجاب لهذه الأشياء التي ذكرت فإن الأشياء التي لم تذكر سيستجيب لها من باب أولى.

    تراجم رجال إسناد حديث بعث معاذ إلى اليمن


    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زكريا بن إسحاق المكي ]. زكريا بن إسحاق المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن عبد الله بن صيفي ]. يحيى بن عبد الله بن صيفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي معبد ]. أبو معبد هو نافذ مولى ابن عباس وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس و جابر وأم المؤمنين عائشة ستة رجال وامرأة واحدة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. وهذا الحديث رجاله كلهم ممن خرج له أصحاب الكتب الستة: الإمام أحمد و وكيع و زكريا بن إسحاق و يحيى بن عبد الله بن صيفي و نافذ مولى ابن عباس و ابن عباس .

    شرح حديث (المعتدي في الصدقة كمانعها)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (المعتدي في الصدقة كمانعها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في المعتدي في الصدقة وأنه كمانعها، وذكر الحديث في هذه الترجمة له وجه؛ لأن له علاقة بالحديث الذي قبله؛ لأن الحديث الذي قبله فيه النهي عن أخذ كرائم الأموال والتحذير من ذلك، وأخذ كرائم الأموال من الاعتداء، وأيضاً: له تعلق بالباب الذي وراءه؛ لأن الباب الذي بعده فيه عدة أحاديث كلها تتعلق بالاعتداء في الصدقة. قوله عليه الصلاة والسلام: (المعتدي في الصدقة كمانعها) فسر المعتدي في الصدقة بتفسيرين: أحدهما: أن يضعها في غير مستحقيها، فهو كمانعها؛ لأن إخراجها إنما يكون في سبيلها، وفي المواضع التي أمر بأن توضع فيها، فإذا وضعها في غير موضعها فكأنه لم يخرجها، بل هو آثم وكأنه ما أخرج الصدقة؛ لأنه وضعها في غير موضعها. الثاني: فسر بأن يكون الاعتداء من العامل؛ وذلك بأن يأخذ أزيد من الواجب، أو يأخذ من كرائم الأموال، فيأثم بذلك كمانعها. وقيل: يحتمل أن يكون المراد أن المصدق -الذي هو العامل- إذا أخذ كرائم الأموال فإن ذلك يؤدي إلى كون صاحب المال في المستقبل يكتم المال، ويتهرب من دفع الزكاة بسبب الظلم وبسبب الاعتداء عليه. وكل ذلك لا شك أنه لا يجوز، فلا يجوز أن المالك يعطيها لمن لا يستحقها، ولا أن العامل يظلم صاحب المال، ولا أن يتسبب العامل بأخذ الكرائم في التهرب من الزكاة وعدم دفعها.
    تراجم رجال إسناد حديث (المعتدي في الصدقة كمانعها)

    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. يزيد بن أبي حبيب المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن سنان ]. سعد بن سنان ويقال: سنان بن سعد وهو صدوق له أفراد، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."


  5. #225
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [192]

    الحلقة (223)



    شرح سنن أبي داود [192]

    أمر الشارع عمال الصدقات بالرفق وحذرهم من أخذ الخيار والكرائم وحثهم على الدعاء لأصحاب الأموال، وأمر أصحاب الأموال بإرضاء مصدقيهم وإن اعتدوا، وقد بين الشرع أنصبة الأنعام وبين زكاة كل نصاب، وقد فسر العلماء ما ورد من أسماء الإبل المختلفة باختلاف الأعمار، كما ذكره أبو داود عنهم.

    رضا المصدق


    شرح حديث بشير بن الخصاصية في اعتداء المصدقين


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب رضا المصدق. حدثنا مهدي بن حفص و محمد بن عبيد المعنى قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن رجل يقال له: ديسم ، وقال ابن عبيد : من بني سدوس عن بشير بن الخصاصية رضي الله عنه، قال ابن عبيد في حديثه: وما كان اسمه بشيراً ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سماه بشيراً ، قال: قلنا: (إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال: لا) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب رضا المصدق، أي: العامل الذي يأتي لأخذ الزكاة، والمقصود أنه يرضى في حدود ما هو سائغ، وهو الوسط، وليس المعنى أنه يعطى أكثر مما يستحق وأكثر مما هو واجب في المال، اللهم إلا إذا كان صاحب المال هو الذي رضي بهذا، وهو الذي أراد هذا، كما سبق أن مر قريباً في حديث أبي حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه)، فرضا المصدق يكون بإعطائه الحق، وعدم منازعته، وعدم المخاصمة معه، وعدم التلكؤ والممانعة في إخراج الزكاة، بل يخرج الإنسان الحق الذي عليه بطيب نفس، حتى يكون كلا الطرفين راضياً، فصاحب المال يخرج الزكاة برضا وانشراح صدر، والعامل يأخذ الحق الذي هو واجب على صاحب المال، فالرضا يكون من الطرفين. وهذه الترجمة تتعلق برضا المصدق الذي هو العامل، ورضاه إنما يكون فيما هو واجب على المصدق، لا أن رضاه يكون بشيء أكثر من ذلك، وأنه يجب أن يرضى ولو طلب ما هو أكثر، فليس الأمر كذلك؛ لأنه كما سبق يعطى الواجب ولا يعطى أكثر من ذلك. قوله: [ قلنا: إن أهل الصدقة يعتدون علينا ]. أهل الصدقة هم المصدقون، أي: العمال الذين يأتون لجباية الصدقة، وقوله: (يعتدون علينا) أي: بأن يأخذوا أكثر مما هو واجب علينا. قال: (أفلا نكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ قال: لا)، يعني: ليس للإنسان أن يكتم شيئاً من ماله بقدر ذلك الشيء الذي يعتدى عليه، ويجعل ذلك في مقابل الزيادة، فإذا كان -مثلاً- عليه جذعة التي تستحق عند واحد وستين، فيخفي شيئاً من المال حتى لا يخرج جذعة، ويجعل ذلك في مقابل ما أخذ منه ظلماً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا)؛ لأن كتم المال والترخيص بكتم المال قد يؤدي بأصحاب الأموال إلى إخفاء أموالهم، ويتعودون الكذب وإخفاء الحقيقة والواقع، فالواجب أنهم لا يخفون شيئاً من أموالهم، وإذا طلب منهم الشيء الذي هو أكثر مما هو واجب عليهم يمتنعون من دفعه، وإذا طلب منهم الشيء الواجب عليهم دفعوه، وإذا أخذ منهم فوق الواجب بالقهر وبالقوة فإنهم يشكون إلى الوالي وإلى الإمام ليدفع الظلم عنهم.
    تراجم رجال إسناد حديث بشير بن الخصاصية في اعتداء المصدقين

    قوله: [ حدثنا مهدي بن حفص ]. مهدي بن حفص مقبول أخرج حديثه أبو داود . [ و محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد بن حساب وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ المعنى قالا: حدثنا حماد ]. أي: أنهما متفقان من حيث المعنى، وإن اختلفا في الألفاظ، وحماد هو حماد بن زيد بن درهم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل يقال له: ديسم ]. هو ديسم السدوسي وهو مقبول أخرج له أبو داود . [ عن بشير بن الخصاصية ]. بشير بن الخصاصية رضي الله عنه وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . الحديث فيه رجلان مقبولان، فهو غير صحيح، والكتمان لا يجوز، والرسول صلى الله عليه وسلم بين لهم أنه ليس لهم أن يكتموا. وقوله: [ قال ابن عبيد في حديثه: (وما كان اسمه بشيراً ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه بشيراً) ]. هذه فائدة ذكرها محمد بن عبيد وهو الشيخ الثاني من شيوخ أبي داود في الإسناد.

    شرح حديث بشير بن الخصاصية من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي و يحيى بن موسى قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب بإسناده ومعناه إلا أنه قال: (قلنا: يا رسول الله! إن أصحاب الصدقة يعتدون). قال أبو داود : رفعه عبد الرزاق عن معمر ]. في الإسناد السابق قال: ( قلنا: إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال: لا) ]. فالمخاطب غير معين، هل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره؟ فليس فيه: (قلنا يا رسول الله) أما الحديث الثاني ففيه أنهم قالوا: (قلنا يا رسول الله!) فهو صريح في أن المخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ بإسناده ومعناه إلا أنه قال: (قلنا: يا رسول الله! إن أصحاب الصدقة يعتدون) ]. يعني أن الفرق بين هذا الحديث والذي قبله أن هذا عيَّن المخاطب، وأنه الرسول صلى الله عليه وسلم، والأول لم يعين المخاطب، فيحتمل أن يكون الرسول وأن يكون غيره.

    تراجم رجال إسناد حديث بشير بن الخصاصية من طريق ثانية


    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ و يحيى بن موسى ]. يحيى بن موسى ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب بإسناده ومعناه ]. أيوب قد مر ذكره، وفيه الرجل المقبول الذي هو ديسم السدوسي . [ قال أبو داود : رفعه عبد الرزاق عن معمر ]. أي: ذكر كلمة: (قلنا: يا رسول الله) عبد الرزاق عن معمر .
    شرح حديث (سيأتيكم ركيب مبغضون..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم و محمد بن المثنى قالا: حدثنا بشر بن عمر عن أبي الغصن عن صخر بن إسحاق عن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (سيأتيكم ركيب مبغضون، فإن جاءوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون، فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليها، وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم، وليدعوا لكم) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتيكم ركيب مبغضون)، والمقصود بهم عمال الزكاة، وذكر أنهم مبغضون لأن بعض الناس عنده حرص على المال، ورغبة في الأخذ، وليس عنده رغبة في الإعطاء، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ومنعاً وهات) فهات سهلة، وخذ صعبة عنده. قوله: [ (فإن جاءوكم فرحبوا بهم) ] يعني: لاقوهم بالبشر والترحيب. قوله: [ (وخلوا بينهم وبين ما يبتغون) ] يعني: يأخذون ما يريدون من مالكم. قوله: [ (فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليها) ] إن أحسنوا فلأنفسهم، وإن أساءوا فعليها. قوله: [ (وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم، وليدعوا لكم) ]. هذا الحديث ضعيف، والإنسان إذا سئلها على وجهها أداها، وإذا سئلها على غير وجهها لا يؤديها، كما سبق في حديث أنس الطويل الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما هذا الحديث فغير صحيح؛ لأن فيه من هو متكلم فيه كما سيأتي في الإسناد.

    تراجم رجال إسناد حديث (سيأتيكم ركيب مبغضون..)


    قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ]. عباس بن عبد العظيم العنبري البصري ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى العنزي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بشر بن عمر ]. بشر بن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الغصن ]. أبو الغصن هو ثابت بن قيس بن غصن ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في رفع اليدين و أبو داود و النسائي . [ عن صخر بن إسحاق ]. صخر بن إسحاق لين الحديث، وحديثه أخرجه أبو داود . [ عن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك ]. عبد الرحمن بن جابر بن عتيك وهو مجهول أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. وهو صحابي أخرج له أبو داود و النسائي . إذاً: الحديث فيه لين، وفيه مجهول، فهو مردود، وأيضاً في معناه نكارة؛ لأنه قال عن الركب: مبغضون، وليس كل إنسان يبغض العمال، وإنما الذي يبغضهم من عنده شح، وكثير من الناس يحبون أن يتخلصوا من الواجب الذي عليهم وأن يؤدوه، وألا يبقى في ذممهم شيء، وفيهم من يخرج أكثر من الواجب كما مر بنا في بعض الأحاديث. [ قال أبو داود : أبو الغصن هو: ثابت بن قيس بن غصن ].
    شرح حديث (أرضوا مصدقيكم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا عبد الواحد -يعني ابن زياد - ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان -وهذا حديث أبي كامل - عن محمد بن أبي إسماعيل حدثنا عبد الرحمن بن هلال العبسي عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (جاء ناس -يعني من الأعراب- إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: إن ناساً من المصدقين يأتونا فيظلمونا، فقال: أرضوا مصدقيكم قالوا: يا رسول الله! وإن ظلمونا؟ قال: أرضوا مصدقيكم، زاد عثمان وإن ظلمتم). قال أبو كامل في حديثه: قال جرير : ما صدر عني مصدق بعدما سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وهو عني راض ]. أورد أبو داود حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه وقوله في إرضاء المصدقين، وهم العمال، فيرضون بإعطائهم الواجب، وإذا اعتدى العامل وأخذ أكثر من الواجب فإنه إما أن يدفع له ويشتكى أو يبين له بأن هذا ليس لك، وإنما الذي لك كذا وكذا، وفيه أن جريراً رضي الله عنه وأرضاه بعدما سمع هذا الحديث قال: ما أتاني مصدق إلا وذهب من عندي راضياً أي: أنه يؤدي الحق الذي عليه، وأنه قد يزيد من باب التطوع وليس من باب الوجوب.
    تراجم رجال إسناد حديث (أرضوا مصدقيكم)

    قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الواحد -يعني ابن زياد - ]. عبد الواحد بن زياد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ]. عبد الرحيم بن سليمان وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن أبي إسماعيل ]. وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الرحمن بن هلال العبسي ]. وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جرير بن عبد الله ]. جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    ما جاء في دعاء المصدق لأهل الصدقة



    شرح حديث (اللهم صل على آل أبي أوفى)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب دعاء المصدق لأهل الصدقة. حدثنا حفص بن عمر النمري و أبو الوليد الطيالسي المعنى قالا: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: (كان أبي من أصحاب الشجرة، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان، قال: فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى) ]. قوله في الترجمة: [ دعاء المصدق لأهل الصدقة ] يعني دعاء العامل لأهل الصدقة إذا أخذ صدقاتهم، فإنه يدعو لهم، والمقصود من الترجمة الدعاء، والصلاة هي دعاء، فقوله: (اللهم صل على آل أبي أوفى) هو دعاء لهم، وكذلك يستحب أن يدعو لهم بالبركة؛ للحديث الذي سبق أن مر وفيه: (ودعا له بالبركة) في قصة الذي دفع ناقة أكبر من السن التي هي واجبة عليه. قوله: [ ( كان أبي من أصحاب الشجرة) ] هذا: عبد الله بن أبي أوفى كان أبوه من الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وكون الصحابي يذكر أنه من أهل الشجرة يدل على أنه صاحب منقبة؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أهل بيعة الرضوان: (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة)؛ ولذا يأتي في وصف بعض الصحابة: فلان بايع تحت الشجرة، فلان من أهل بيعة الرضوان، أي: أنه من أهل هذه المنقبة والفضيلة، وكانوا ألفاً وأربعمائة. قوله: [ (وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى) ] الصلاة هي دعاء، وقيل: إن العامل يدعو لهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، وقيل: المقصود من ذلك الدعاء بأي دعاء يعود عليهم بالخير والفائدة في الدنيا والآخرة؛ ولهذا عقد أبو داود رحمه الله الترجمة: دعاء المصدق لأهل الصدقة، وقوله: (آل أبي أوفى) قيل: المقصود به المتصدق وهو أبو أوفى ، وقيل: المقصود هو وآله.
    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم صل على آل أبي أوفى)

    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر النمري ] . حفص بن عمر النمري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ و أبو الوليد الطيالسي ]. و أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة الهمداني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي أوفى ]. عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    تفسير أسنان الإبل


    تفسير أهل اللغة وغريب الحديث لأسنان الإبل


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفسير أسنان الإبل. قال أبو داود : سمعته من الرياشي ، و أبي حاتم وغيرهما، ومن كتاب النضر بن شميل ، ومن كتاب أبي عبيد ، وربما ذكر أحدهم الكلمة؛ قالوا: يسمى الحوار، ثم الفصيل إذا فصل، فتكون بنت مخاض لسنة إلى تمام سنتين، فإذا دخلت في الثالثة فهي ابنة لبون، فإذا تمت لها ثلاث سنين فهو حِقّ وحقة إلى تمام أربع سنين؛ لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها الفحل وهي تلقح، ولا يلقح الذكر حتى يثني، ويقال للحقة: طروقة الفحل؛ لأن الفحل يطرقها إلى تمام أربع سنين، فإذا طعنت في الخامسة فهي جذعة حتى يتم لها خمس سنين، فإذا دخلت في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثني حتى يستكمل ستاً، فإذا طعن في السابعة سمي الذكر رباعياً، والأنثى رباعية إلى تمام السابعة، فإذا دخل في الثامنة وألقى السن السديس الذي بعد الرباعية فهو سديس وسدسٌ إلى تمام الثامنة، فإذا دخل في التسع وطلع نابه فهو بازل أي: بزل نابه يعني: طلع، حتى يدخل في العاشرة فهو حينئذ مخلفٌ، ثم ليس له اسم ولكن يقال: بازل عام وبازل عامين، ومخلف عام، ومخلف عامين، ومخلف ثلاثة أعوام إلى خمس سنين، والخلفة الحامل. قال أبو حاتم : والجذوعة: وقت من الزمن ليس بسن، وفصول الأسنان عند طلوع سهيل. قال أبو داود : وأنشدنا الرياشي : إذا سهيل آخر الليل طلع فابن اللبون الحق والحق جذع لم يبق من أسنانها غير الهبع والهبع الذي يولد في غير حينه ]. هذه الترجمة ليس فيها أحاديث، وإنما فيها بيان أسنان الإبل وتفسيرها وتوضيحها، ونقل ذلك عن أئمة اللغة، وأبو داود رحمه الله ذكر هذا الكلام الذي نقله عن أربعة من العلماء، اثنين سمع منهما وهما الرياشي و أبو حاتم ، واثنين قرأ من كتبهما وهما أبو عبيد القاسم بن سلام و النضر بن شميل ، وكل منهما له كتاب في غريب الحديث، وقال: (وربما ذكر أحدهم الكلمة) أي: أن هذا الكلام الذي سيذكره من التفسير ليس عن كل واحد منهم جميعاً، وأنهم متفقون عليه كله، وإنما فيه شيء يتفقون عليه، وشيء قد يكون بعضهم ينفرد بالكلمة، ولكنه ما خرج عن مجموع كلامهم.
    تراجم علماء اللغة الذين فسروا أسنان الإبل

    الرياشي هو عباس بن الفرج ، وهو ثقة أخرج له أبو داود . و أبو حاتم هو سهل بن محمد بن عثمان السجستاني اللغوي وهو صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . قوله: [ وغيرهما ]. يعني وسمعه من غير هذين الاثنين. [ ومن كتاب النضر بن شميل ]. يعني أنه رآه في كتاب النضر بن شميل ، وكذلك في كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام ، و النضر بن شميل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو عبيد القاسم بن سلام ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وفي جزء القراءة و أبو داود .
    شرح أسنان الإبل كما ذكرها أهل اللغة وغريب الحديث

    ثم بدأ بذكر الأسنان، فإذا خرج من بطن أمه فإنه يقال له: حوار، ثم يقال له: فصيل، وهذا كله قبل أن يدخل في السنة الثانية؛ لأن الحوار والفصيل يكونان في السنة الأولى، والحوار من حين يخرج من بطن أمه، ثم يقال له: فصيل، ثم يقال له: ابن مخاض ذكر أو ابنة مخاض أنثى إذا أكملت السنة الأولى ودخلت في السنة الثانية، فإذا دخلت في الثالثة يقال لها: بنت لبون، وإذا دخلت في الرابعة يقال لها: حقة، وإذا دخلت في الخامسة يقال لها: جذعة، فإذا دخلت في السادسة يقال لها: ثنية أو ثني إذا كان ذكراً، فإذا طعن في السابعة سمي الذكر رباعياً والأنثى رباعية، وإذا دخل في الثامنة يقال له: سديس وسدس، فإذا دخل في التاسعة يقال له: بازل، وإذا دخل في العاشرة يقال له: مخلف، ثم تقف الأسنان عند ذلك، إلا أنه يقال في البازل: بازل عام، وبازل عامين، ويقال في المخلف: مخلف عام، ومخلف عامين، ومخلف ثلاثة أعوام، ومخلف أربعة أعوام، ومخلف خمسة أعوام، وهذا هو الحد الأعلى الذي ذكر لأسنان الإبل. قوله: (فإذا تمت لها ثلاث سنين فهو حق وحقة إلى تمام أربع سنين؛ لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها الفحل ). يعني ينزو عليها، أو المعنى أنها تمسك للفحل. قوله: (وهي تلقح، ولا يلقح الذكر حتى يثني) . يعني لا يلقح الذكر حتى يثني أي: يكمل خمس سنين ويدخل في السنة السادسة، والثني هو الذي يبدأ فيه سن الأضاحي؛ لأن الذي يجزئ في الأضاحي والهدي الجذع من الضأن والثني من غيره، والثني من المعز ما أكمل سنة، ومن البقر ما أكمل سنتين، ومن الإبل ما أكمل خمس سنوات. قوله: (ويقال للحقة: طروقة الفحل؛ لأن الفحل يطرقها). هذا تعليل لسبب تسميتها طروقة وحقة، وهي أنها استحقت أن يطرقها الجمل. وبالنسبة للبازل والمخلف فإنهما يتفقان إذا دخل في العاشرة، فيقال له: بازل عامين، ويقال له: مخلف عام، يعني: يقال له: مخلف عام وهو بازل عامين. قوله: (قال أبو حاتم : والجذوعة وقت من الزمن ليس بسن). يعني الوقت الذي تحصل فيه الولادة في غير الوقت المعتاد. ثم ذكر الأوقات المعتادة بالنسبة لنتاج الإبل، فقال: (وفصول الأسنان عند طلوع سهيل ). أي: أن الحساب يبدأ من طلوع سهيل؛ لأن الغالب أن الولادة تكون عند طلوع سهيل، وكأن الإبل تهيج في وقت من الأوقات فتحمل الذكور على الإناث فتكون ولادتها في وقت طلوع سهيل، وهو نجم معروف يقال له: سهيل، فيكون بدء الحساب من طلوع سهيل، فتنتقل من كونها جذعة إلى كونها رباعية، ومن كونها رباعية إلى كونها سدس، وهكذا، فالحساب يكون من طلوع سهيل، ومن ولد في غير الوقت المعتاد فإنه يحسب من ذلك الوقت، لكن الذي لا يعرف وقت ولادته فإنه يصار فيه إلى وقت إنتاج الإبل الذي هو طلوع سهيل. فقوله: (وفصول الأسنان عند طلوع سهيل). يعني: إذا طلع سهيل فمن كانت بنت مخاض تنتقل إلى كونها بنت لبون، ومن كانت بنت لبون تنتقل إلى كونها حقة، ومن كانت حقة تنتقل إلى كونها جذعة، وهكذا، ومن كانت ولادتها في غير هذا الوقت الذي هو الغالب والمعتاد؛ فإنه يقال لها جذوعة، وهي أيضاً الهبع الذي يولد في غير سنه. وقوله: (الجذوعة وقت من الزمن ليس بسن). يعني: من ولد في الصيف أو في غير وقت سهيل فهو ليس بسن، فلا يحسب منه الحساب المعتاد، ولكنه يحسب من حين ولادته؛ لأنه لم يولد في الوقت المعتاد. قوله: (وأنشدنا الرياشي : إذا سهيل آخر الليل طلع فابن اللبون الحق والحق جذع لم يبق من أسنانها غير الهبع ]. يعني الذي كان سنه ابن لبون ينتقل إلى كونه حقاً، والذي كان حقاً ينتقل من كونه حقاً إلى كونه جذعاً، ولم يبق من أسنانها إلا الهبع وهو الذي لم يولد في الوقت الغالب والمعتاد وهو وقت طلوع سهيل."

  6. #226
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [193]
    الحلقة (224)



    شرح سنن أبي داود [193]

    من آداب المصدق: أن يأتي الناس في مواردهم ولا يجلبهم إلى مكان يجلس فيه، ولا يجوز للرجل أن يبتاع صدقته، ولا زكاة في خيل ولا رقيق، ولا فيما خرج من الأرض حتى يبلغ نصاباً، فإذا بلغه ففيه عشر أو نصفه بحسب السقي.

    أين تصدق الأموال؟


    شرح حديث (لا جلب ولا جنب)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أين تصدق الأموال. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن أبي عدي عن ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا جلب ولا جنب، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في بيان أين يأخذ المصدق الصدقات، يعني: هل يذهب إلى أصحاب الأموال والمواشي على مياههم التي يردون عليها، أم أنه يجلس في مكان معين ويرسل للناس أن يأتوا إليه بمواشيهم؟ الجواب: العامل يذهب إلى أصحاب المواشي على مياههم، ولا يكلفهم مشقة الذهاب إليه، والتحول من الأماكن التي يسرحون فيها في البراري، ولا يجعلهم ينتقلون من مكان إلى مكان ليأتوا إلى المصدق فيدفعوا إليه الزكاة، وإنما يأتي إليهم على المياه، وينتقل من ماء إلى ماء ويأخذ الزكاة على المياه، وهذا فيه رفق بالناس وعدم إدخال مشقة عليهم. هذا هو المقصود من الترجمة، أي: أن الزكوات تؤخذ منهم على مياههم، ولا يجلس العامل في مكان ثم يرسل إلى الناس أن يأتوا إليه. أورد أبو داود حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا جلب ولا جنب) ] المراد بالجلب: هو كون المصدق يكون في ناحية من النواحي ويطلب من أصحاب الأموال أن يجلبوا أموالهم إليه، وأن يسوقوها إليه من أجل أن يأخذ منهم الزكاة، هذا هو المقصود بالجلب فيما يتعلق بزكاة المواشي. وله معنى آخر فيما يتعلق بالسباق، وهو أن يجعل فرساً آخر بجانب الفرس الذي يسابق عليه حتى يتحول إليه، أو أن أناساً يصيحون بالفرس من أجل أن يزيد في العدو، فجاء الجلب بهذا المعنى وبهذا المعنى، لكن الذي يطابق الترجمة هو المعنى الأول، وهو كون العامل يكون في ناحية من النواحي ويأمر أصحاب الأموال أن يأتوا إليه. وكذلك فسر الجنب بهذا المعنى، وهو أن يكون في جانب من الجوانب التي فيها المياه، ثم يأمر الناس أن يأتوا إليه، فيكون قريباً من معنى الجلب. قوله: (ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم) هذا تأكيد للمعنى الأول، يعني: إلا في أماكنهم وفي مياههم، فقوله: (لا تؤخذ إلا في دورهم) هو بمعنى قوله: (لا جلب)؛ لأنه لو كانت الصدقات لا تؤخذ من الناس في دورهم وفي مياههم فإنهم سيذهبون بها ويجلبونها إلى العمال من أجل أن يأخذوا منها الزكاة.

    تراجم رجال إسناد حديث (لا جلب ولا جنب)


    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي عدي ]. هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. وهو محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. شعيب بن محمد وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي جليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، وهم: عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير ، وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر ابن إسحاق في تفسير (لا جلب ولا جنب)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: سمعت أبي يقول عن محمد بن إسحاق في قوله: (لا جلب ولا جنب) قال: أن تصدق الماشية في مواضعها ولا تجلب إلى المصدق، والجنب عن غيره هذه الفريضة أيضاً، لا يجنب أصحابها، يقول: ولا يكون الرجل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة فتجنب إليه، ولكن تؤخذ في موضعه ]. قوله: (لا يجنب أصحابها) يعني أنه يجعل الجنب من العامل أو من أصحاب الأموال، فلا يجنب أصحابها بمعنى أن يبتعدوا عنه إذا علموا بالمصدق، فيذهبون إلى أماكن أخرى غير المكان الذي كانوا فيه، وإنما يبقون في أماكنهم حتى يأتي إليهم العامل ويأخذ منهم، فلا يجنب أصحاب الأموال، ولا يجنب العامل أيضاً بحيث يكون في جانب من المياه ثم يأمر أصحاب الأموال بأن يأتوا إليه، فالجنب يكون من جهة العامل ويكون من جهة المالكين.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن إسحاق في تفسير (لا جلب ولا جنب)

    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ]. يعقوب بن إبراهيم بن سعد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. مر ذكره، وهذا المتن يقال له: مقطوع؛ لأن المتن انتهى إلى محمد بن إسحاق ، وفيه تفسير للجلب والجنب الذي جاء في الحديث، و محمد بن إسحاق هو راوي الحديث كما في الإسناد السابق، ثم ذكر أبو داود إسناداً انتهى إليه والمتن من قوله فيه تفسير الجلب والجنب، وهذا يسمى في علم المصطلح المقطوع، والمقطوع: هو المتن الذي انتهى إلى من دون الصحابي؛ لأن المتن إذا انتهى إلى الصحابي يقال له: موقوف، والمتن الذي انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، والمتن الذي ينتهي إلى التابعي أو من دون التابعي يقال له: مقطوع، فالمقطوع من صفات المتون بخلاف المنقطع فإنه من صفات الأسانيد؛ لأنه سقوط راو من الإسناد. قوله: [ والجنب عن غيره هذه الفريضة ] يعني: أن العامل يجنب عن الملاك أو الملاك يجنبون عن العامل بمعنى أنهم يبتعدون عنه، وقوله: (هذه الفريضة) المقصود بها الزكاة، يعني: يجنبون من أجل الفريضة التي هي واجبة عليهم، ويريدون أن يبتعدوا عن العامل حتى لا يؤدوا الحق، أو أن العامل يكون في جانب ويأمرهم أن يأتوا إليه. ومعنى كلمة (غيره) في قوله: (والجنب عن غيره هذه الفريضة) يعني: العامل يجنب عن المالك، والمالك يجنب عن العامل، فكل واحد منهما يجنب عن الآخر، ففيه إجناب عن الغير، العامل يكون في جانب بعيد عن الملاك أو الملاك يبتعدون ويكونون في جانب بعيدين عنه.
    الرجل يبتاع صدقته


    شرح حديث (لا تبتعه ولا تعد في صدقتك)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يبتاع صدقته: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمل على فرس في سبيل الله، فوجده يباع، فأراد أن يبتاعه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال: لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب الرجل يبتاع صدقته، يعني: يشتريها، أي أنه تصدق بصدقة، ثم يجدها تباع فهل يشتريها أو لا يشتريها؟ أورد أبو داود رحمه الله حديث عمر رضي الله عنه: (أنه حمل على فرس في سبيل الله) أي: أنه أعطاه لرجل ليجاهد عليه في سبيل الله؛ لأن الحمل على الفرس معناه حمل الرجال كما جاء في القرآن الكريم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [التوبة:92]، وذلك جواباً لمن كانوا يأتون إليه يطلبون أن يحملهم ليجاهدوا؛ لأنهم لا ظهر عندهم ولا مركوب، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم: (لا أجد ما أحملكم عليه) فيتولون وأعينهم تفيض من الدمع؛ حزناً حيث لم يتيسر لهم أن يجاهدوا لعجزهم ولضعفهم وقلة ذات أيديهم. وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غزوة تبوك: (إن في المدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم)، وفي بعض الروايات: (إلا شركوكم في الأجر، حبسهم العذر) أي: حبسهم العذر عن الجهاد، فهم يجاهدون بنياتهم، يقول ابن القيم رحمه الله: الجهاد يكون بالنية، ويكون بالمال، ويكون بالنفس، ويكون باللسان، يعني في الدعوة إلى الله عز وجل والدفاع عن الإسلام. قوله: (حمل عليه في سبيل الله) أي: أنه أعطاه إياه ليجاهد عليه، وليس معناه أنه وقف؛ لأن الوقف لا يباع، ولكنه أعطاه الفرس ليجاهد عليه، فهو مالك له، ولهذا أمكنه أن يبيعه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله فقال: (لا تبتعه ولا تعد في صدقتك) ولعل هذا المنع -والله أعلم- لأن صاحبه إذا عرف أن الذي سيشتريه هو الذي أعطاه إياه فلعله يسامحه أو يعطيه برخص، فمنع من ذلك قطعاً لهذه الذريعة، والإنسان لا يعود في صدقته، ولا يشتري صدقته، لكن لو عادت إليه بالإرث أو أعطاها لشخص ثم مات عنها وكان هو الوارث له، فإن ذلك يعود عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث (لا تبتعه ولا تعد في صدقتك)


    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث من الأسانيد العالية عند أبي داود ؛ لأنه من الرباعيات، والرباعيات هي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، فهو عن القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، فبين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود ، وهي كثيرة.
    حكم من اشترى صدقته

    وحكم من اشترى صدقته أن البيع باطل، ويجوز للفقير أن يبيعها، ولكن لا يجوز للمتصدق عليه أن يشتريها.
    صدقة الرقيق


    شرح حديث ( ليس في الخيل والرقيق زكاة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صدقة الرقيق. حدثنا محمد بن المثنى و محمد بن يحيى بن فياض قالا: حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن رجل عن مكحول عن عراك بن مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق). حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب الزكاة في الرقيق، وهم المملوكون من الرجال والنساء، وإذا كان الإنسان عنده جملة من الأرقاء فليس فيهم زكاة، لكن على وليهم أن يخرج عنهم زكاة الفطر، أما إذا كان الإنسان يبيع ويشتري في الرقيق فإنه يزكي الرقيق زكاة التجارة، فيقوم الأرقاء الذين في حوزته عند حولان الحول، ويضم إليهم ما كان عنده متوافراً من النقود، ويخرج من الجميع ربع العشر. والإسناد الأول فيه مجهول، ولكن الإسناد الثاني هو بمعناه وهو صحيح، وليس فيه علة ولا كلام، إلا أن زكاة الفطر في الرقيق واجبة كما جاء في صحيح مسلم في بعض الروايات، وعلى هذا فالحديثان صحيحان حتى الحديث الذي في سنده رجل مبهم، والجهالة التي فيه لا تؤثر؛ لأن الحديث الذي بعده صحيح يشهد له.

    تراجم رجال إسناد حديث (ليس في الخيل والرقيق زكاة)

    قوله: [حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كل واحد منهم روى عنه مباشرة وبدون واسطة. [ و محمد بن يحيى بن فياض ]. محمد بن يحيى بن فياض ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الوهاب ]. عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم وهو المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل ]. قال الحافظ : كأنه إسماعيل بن أمية بن عمرو الأموي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب السنن، وهذا احتمال، ولكن الجهالة لا تؤثر هنا؛ لأن الحديث ثابت بالذي بعده. [ عن مكحول ]. مكحول الشامي وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عراك بن مالك ]. عراك بن مالك وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق. وقوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار ]. عبد الله بن دينار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين. [ عن عراك عن أبي هريرة ]. مر ذكرهما.

    وجوب زكاة الفطر على سيد الرقيق


    ليس على السيد زكاة في رقيقه إلا زكاة الفطر، فيجب عليه أن يزكي عنهم؛ لأنها تجب على الحر والعبد والذكر والأنثى، ولا يجب عليه زكاة في عينه؛ لأنه ليس من الأموال الزكوية.
    صدقة الزرع


    شرح حديث (فيما سقت السماء والأنهار والعيون العشر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صدقة الزرع. حدثنا هارون بن سعيد بن الهيثم الأيلي حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلاً العشر، وفيما سقي بالسواني أو النضح نصف العشر) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب صدقة الزرع، أي: حكم الزكاة في الزرع ومقدارها، وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلاً العشر) ] المقصود بالسماء المطر الذي يسخره الله بين السماء والأرض، ثم ينزله، فما شرب من النبات بماء المطر فإن فيه العشر؛ لأنه ليس هناك مشقة على صاحبه في سقيه، وكذلك الأنهار والعيون الجارية التي تجري ولا يحتاج المزارع إلى تعب ومشقة في استعمالها، أو كان النبات بعلاً، أي: يشرب بعروقه، ولا يستخرج له صاحبه ماء ولا يسقي بالنضح، وإنما يشرب بعروقه، أي: أن الماء قريب منه فيشرب بعروقه، فهذا يقال له: بعل كما أنه يقال للذي يسقى بماء المطر: بعل، فهذا فيه العشر. قوله: (بالسواني أو النضح) السواني: جمع سانية، وهي الإبل أو البقر أو الحمير التي يستخرج الماء بها بواسطة الدلاء الكبيرة، فيكون الرشاء على البقرة -مثلاً- ثم يكون هناك غرب، فتمشي النواضح حتى يصل الماء إلى خارج البئر فيصب في حوض، ثم يسقى به بالسواني، ولهذا يقال للبعير: سانية، ويقال له أيضاً: ناضح، فالناضح والسانية هو البعير الذي يخرج الماء بواسطته، فما سقي بالسواني أو النضح ففيه نصف العشر، وكذلك أيضاً ما في هذا الزمان من المضخات والحفارات التي تأتي بالماء من أماكن بعيدة، ويكون تشغيلها بواسطة التيار الكهربائي، وتخرج الماء بواسطة المضخات والمكائن التي تستخرجه أو يحفظ في مواسير تثبت في الأرض ثم يخرج الماء بواسطة الكهرباء، وهذا من جنس النضح لأنه يتعب عليه، وفيه استهلاك وقود لإخراجه؛ ولذا فإن فيه نصف العشر. والحاصل أن ما حصل بدون مشقة وبدون عناء وبدون تعب ففيه العشر، وما حصل بمشقة وعناء وتعب واستهلاك أموال ففيه نصف العشر.

    تراجم رجال إسناد حديث (فيما سقت السماء والأنهار والعيون العشر)


    قوله:[ حدثنا هارون بن سعيد بن الهيثم الأيلي ]. هارون بن سعيد بن هيثم الأيلي ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد ]. عبد الله بن وهب المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويونس بن يزيد الأيلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم بن عبد الله ]. سالم بن عبد الله بن عمر ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو عبد الله بن عمر وقد مر ذكره.
    متى يجب ثلاثة أرباع العشر في الزكاة

    إذا كان هناك مشقة وعدم مشقة في السقي فينظر إلى الغالب، فإن كان الغالب هو المشقة ففيه نصف العشر، وإن كان الغالب عدم المشقة ففيه العشر، وإن كانا سواء ففيه ثلاثة أرباع العشر.
    شرح حديث ( فيما سقت الأنهار والعيون العشر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فيما سقت الأنهار والعيون العشر، وما سقي بالسواني ففيه نصف العشر) ]. حديث جابر هو بمعنى حديث ابن عمر المتقدم، والحديث استدل به من يقول: إن الخارج من الأرض ليس له نصاب وإن الزكاة تجب في القليل والكثير، ولكن الحديث الذي بين أن الزكاة إنما تجب بالنصاب هو الذي يعتمد، ويخص به عموم هذا الحديث؛ لأن قوله: (فيما سقت السماء) يعم ما كان قليلاً أو كثيراً لإطلاقه، ولو لم يأت ما يدل على تحديد النصاب لكان كل شيء يخرج فيه العشر أو نصف العشر لإطلاقه؛ ولهذا أخذ بعض العلماء بإطلاقه، لكن الحديث الذي فيه: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) يدل على أن هناك نصاباً إذا وصل إليه مقدار الزرع أو الثمر فإنه يزكى وإذا نقص عنه فإنه لا يزكى.
    تراجم رجال إسناد حديث (فيما سقت الأنهار والعيون العشر)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو ]. عبد الله بن وهب مر ذكره، وعمرو هو ابن الحارث المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    تفسير البعل

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني و حسين بن الأسود العجلي قالا: قال وكيع : البعل: الكبوس الذي ينبت من ماء السماء. قال ابن الأسود : وقال يحيى -يعني ابن آدم - سألت أبا إياس الأسدي عن البعل فقال: الذي يسقى بماء السماء. وقال النضر بن شميل : البعل ماء المطر ]. أورد أبو داود آثاراً في تفسير البعل، وأنه الذي يسقى بماء السماء أو يسقى بماء المطر، وفيه أن بعضهم قال: البعل هو المطر، وكلها ترجع إلى الذي يسقى بماء الأمطار.
    تراجم رجال أسانيد تفسير البعل

    قوله: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني ]. الهيثم بن خالد الجهني وهو ثقة أخرج له أبو داود . [ و حسين بن الأسود العجلي ]. وهو حسين بن علي بن الأسود صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه الترمذي ، قال الحافظ في التقريب: لم يثبت أن أبا داود روى عنه. [ عن وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال ابن الأسود : وقال يحيى، يعني ابن آدم ]. ابن الأسود هو الحسين بن علي. و يحيى بن آدم الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال النضر بن شميل : البعل ماء المطر ]. النضر بن شميل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب غريب الحديث الذي مر في تفسير أسنان الإبل.
    شرح حديث (خذ الحب من الحب)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب عن سليمان -يعني ابن بلال - عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال: خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خذ الحب من الحب) يعني: زكاة الحب من الحب، وكل شيء زكاته من نوعه، فزكاة الحبوب حبوب، وزكاة التمر تمر، وزكاة الإبل إبل، وزكاة البقر بقر، وزكاة الغنم غنم، إلا أن هذا العموم يستثنى منه ما يتعلق بالإبل فإن ما دون الخمس والعشرين تزكى من الغنم، وإنما تخرج من الإبل إذا بلغت خمساً وعشرين.
    تراجم رجال إسناد حديث (خذ الحب من الحب)

    قوله: [ حدثنا الربيع بن سليمان ]. الربيع بن سليمان المرادي وهو ثقة أخرج له أصحاب السنن. [ حدثنا ابن وهب ]. عبد الله بن وهب وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان يعني ابن بلال ]. سليمان بن بلال ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ]. شريك بن عبد الله بن أبي نمر وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فقد خرج له في الشمائل. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذ بن جبل ]. معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني ، بسبب شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وهو صدوق يخطئ.

    انتقاد البخاري في روايته عن شريك بن أبي نمر لحديث الإسراء


    وابن أبي نمر روى عنه البخاري حديث الإسراء الطويل،وفيه أخطاء، وقد انفرد بها شريك هذا، واعتبروها من أغلاطه، وانتقدت روايته على البخاري ، وحديثه من الأحاديث التي لا جواب عنها، فإن الحافظ ابن حجر رحمه الله أجاب عن كثير من الأحاديث التي انتقدت على البخاري ، أما هذا الحديث فهو من الأحاديث التي لا جواب عنها، فإن فيه أشياء منكرة تفرد بها شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، وقد أورد البخاري روايته في آخر الصحيح مطولة، أما مسلم رحمه الله فإنه لم يذكر لفظه، وإنما ذكر لفظ ثابت البناني عن أنس ، وبعده أتى بطريق شريك فقال: قدم وأخر وزاد ونقص، ولم يسق لفظه، وإنما أشار إلى الفرق بينه وبين رواية ثابت وأنه قدم وأخر وزاد ونقص، والزيادات التي عند شريك نبه عليها العلماء ومنهم الحافظ ابن كثير في أول تفسير سورة الإسراء، حيث بين أغلاطه واحداً واحداً، وكذلك الحافظ ابن حجر في شرح الحديث في فتح الباري ذكر أغلاط شريك ، واعتبرها غير صحيحة، لكن هذا الحديث ليس فيه إشكال، فكل شيء زكاته منه إلا زكاة التجارة فإنها تزكى بالقيمة. والفواكه والخضروات لا زكاة فيها؛ لأنها لا توسق، أي لا تكال، ولا تدخر، وليست من الأقوات.

    حال رواية من قيل فيه صدوق له أوهام


    الإسناد إذا كان فيه صدوق يهم، أو صدوق يخطئ، أو صدوق له أوهام؛ فإنه يقبل، فكثيراً ما تأتي أحاديث صحيحة فيها صدوق له أوهام أو صدوق يخطئ، وبعضهم من رجال الصحيح، وتكون روايته في الصحيح؛ لأن الحكم عليه بصدوق هو لابن حجر رحمة الله عليه، وغيره قد يحكم عليه بحكم آخر.

    عجائب رآها أبو داود في مصر


    [ قال أبو داود : شبرت قثاءة بمصر ثلاثة عشر شبراً، ورأيت أترجة على بعير بقطعتين قطعت وصيرت على مثل عدلين ]. هذه من العجائب والغرائب، فهذه قثاءة طولها ثلاثة عشر شبراً، والذراع شبران، والمتر ذراعان، فسيكون طول هذه القثاءة ثلاثة أمتار وربع! ورأى أترجة قطعت قطعتين، وكل واحدة صارت عدلاً على البعير، يعني جعلت قطعة في جانب وقطعة في جانب كالمحمل الذي يكون عليه من الجانبين .

    زكاة العسل


    شرح حديث هلال في زكاة العسل

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب زكاة العسل. حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث المصري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: (جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعشور نحل له، وكان سأله أن يحمي له وادياً يقال له: سلبة، فحمى له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الوادي، فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأله عن ذلك، فكتب عمر رضي الله عنه: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عشور نحله فاحم له سلبة، وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء) ]. زكاة العسل لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما أورد أبو داود هذا الحديث وهو لا يدل على زكاة العسل، ولكن يدل على أن ذلك الرجل حمى له الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك الوادي، وأنه كان يأتي بعشور من عنده متبرعاً فقبلها منه، ولما ولي عمر رضي الله عنه وأرضاه سأله سفيان بن وهب عن ذلك فقال: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاحم له، وإلا فهو ذباب غيث يأكله من يشاء، وفي نسخة: متى شاء، فهذا ليس دليلاً على زكاة العسل، وإنما كان يأتي بالعشور في مقابل كون الوادي حمي له، ولهذا قال عمر رضي الله عنه: إن أدى إليك ما كان يؤديه فاحم له وإلا فلا، فهذا يدل على أنه ليس من قبيل الزكاة؛ لأن الزكاة تجب وليس فيها تخيير، وتجب بدون أن يبذل له شيء يستفيد منه، فالحديث لا يدل على زكاة العسل. وقد اختلف العلماء في العسل هل يزكى أو لا يزكى؟ فمنهم من قال: إنه لا زكاة فيه؛ لأنه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على أنه يزكى، وبعض أهل العلم قال: إنه يزكى لأنه يشبه الخارج من الأرض، والذي يظهر -والله أعلم- أنه لا زكاة فيه؛ لأنه لم يأت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي ورد لا يدل على أن فيه زكاة، وإنما يدل على أنه طلب أن يحمي له وادياً فحماه له، فكان يعطي عشور العسل متبرعاً، و عمر رضي الله عنه قال للوالي الذي سأله: (إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحم له وإلا فلا) فلو كان فيه زكاة لما تعلق الأمر بحماية أو غير حماية، فإن الزكاة واجبة ومتعينة، فلا دليل فيه على الزكاة في العسل، وليس هناك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على ذلك، ومن أوجبه بالقياس على الخارج من الأرض فإنه قياس مع الفارق، فالخارج من الأرض نصابه خمسة أوسق، يعني ثلاثمائة صاع، وفيه العشر أو نصف العشر، والعسل ليس كذلك.
    تراجم رجال إسناد حديث هلال في زكاة العسل

    قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ]. أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا موسى بن أعين ]. موسى بن أعين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عمرو بن الحارث المصري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. مر ذكرهم جميعاً.
    معنى قوله (فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء)

    قوله: [ فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء ]. يعني: العسل يأتي من الذباب الذي هو النحل، هذا هو المقصود بالذباب. وقوله: (يأكله من يشاء) يعني: من سبق إليه، فالنحل يأكل من الشجر ومن الزهور، ثم يجمع العسل في مكان واحد، فمن سبق إليه فهو له، ولهذا يقال: إن أحلى مطعوم في الدنيا العسل وهو من هذا الذباب، وأجمل لباس الدنيا الحرير وهو من دودة القز، فالعسل والحرير إنما يخرجان من هذه الحيوانات المستكرهة التي ليست جميلة، وهذا فيه إشارة إلى نقصان الدنيا، وأن أجمل شيء فيها وأحلى شيء فيها إنما جاء من مثل هذا.
    شرح حديث (من كل عشر قرب قربة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا المغيرة -ونسبه إلى عبد الرحمن بن الحارث المخزومي - قال: حدثني أبي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن شبابة -بطن من فهم- فذكر نحوه قال: (من كل عشر قرب قربة) وقال سفيان بن عبد الله الثقفي قال: وكان يحمي لهم واديين، زاد: فأدوا إليه ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحمى لهم وادييهم ]. هذا الحديث مثل الذي قبله، وهو يتعلق بتعشير العسل مقابل حماية الوادي لهم وليس من باب الزكاة.

    تراجم رجال إسناد حديث (من كل عشر قرب قربة)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ]. أحمد بن عبدة الضبي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا المغيرة ]. المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي وهو صدوق يهم أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. وهو عبد الرحمن بن الحارث صدوق له أوهام أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. مر ذكرهم.
    شرح حديث (من عشر قرب قربة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن بطناً من فهم بمعنى المغيرة قال: من عشر قرب قربة، وقال: واديين لهم ]. هذا الحديث أيضاً مثل الذي قبله.
    تراجم رجال إسناد حديث (من عشر قرب قربة)

    قوله: [ حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ]. هو المرادي وقد مر ذكره. [ حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد ]. أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مر ذكرهم."


  7. #227
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [194]
    الحلقة (225)





    شرح سنن أبي داود [194]

    من أحكام الزكاة: أنه لا تجب الزكاة في الأموال المعدة للقنية والاستعمال كالخيل والرقيق، ومثلها السيارة والبيت ونحو ذلك، ومن أحكامها: أنه يشرع خرص العنب وهو على الشجر ثم إخراج زكاته زبيباً، وكذلك خرص النخل وإخراج زكاته تمراً.

    خرص العنب


    شرح حديث (عتاب بن أسيد في خرص العنب)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في خرص العنب. حدثنا عبد العزيز بن السري الناقط حدثنا بشر بن منصور عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيباً كما تؤخذ زكاة النخل تمراً) ]. الخرص هو أن يرسل الإمام أناساً ليخرصوا الثمرة، وفيه مصلحة المالك ومصلحة الفقراء، أما مصلحة المالك فإنه يعرف مقدار ثمرته ليخرج عشرها أو نصف عشرها في الزكاة، ولا يفوت على المساكين شيئاً إذا عرف حقهم، وفيه مصلحة له من حيث إنه يتصرف في ماله ويستفيد منه ويبيع، ويقوم بدفع مقدار الزكاة بعدما تجف الثمرة، فيخرص العنب وتخرج الزكاة زبيباً، ويخرص النخل رطباً وتخرج زكاته تمراً بعدما يجف. إذاً: الخرص فيه مصلحة للمالك لتمكينه من أن يتصرف في ماله لأن له فيه شركاء وهم الفقراء والمساكين، فلو أنه تصرف فيه من غير أن يخرص لترتب على ذلك أنه قد يفوت حق الفقراء، لكن بعد الخرص فإنه يبيع ويأكل ويتصدق وقد عرف المقدار الذي تجب عليه في الزكاة، والفقراء يكون حقهم قد حفظ، فهذه فائدة الخرص. والخرص جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد أبو داود رحمه الله أحاديث عديدة في ثلاثة أبواب، وكلها ذكر الألباني رحمه الله أنها ضعيفة، وأنه لم يثبت منها شيء، لكن قد ثبت الخرص في صحيح البخاري في كتاب الزكاة في غزوة تبوك، وترجم عليه البخاري : باب خرص النخل، وفيه أنهم لما مروا بوادي القرى في طريقهم إلى تبوك مروا على حديقة لامرأة فيها نخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (اخرصوا، فخرصوا وخرصها هو وقال: إنها تبلغ عشرة أوسق، ثم قال لصاحبة البستان: أحصي ثمرة نخلك وأعلمينا إذا رجعنا) ، وبعد رجوعهم مروا عليها وأخبرتهم بأنها عشرة أوسق كما خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث طويل وقد اشتمل على أمر عجيب في تبوك، وهو أنهم لما ذهبوا إلى تبوك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إنها ستهب عليكم ريح شديدة) فأمر كل رجل أن يعقل بعيره، وألا يقوم، فقام رجل فحملته الريح وألقته في جبل طيء، يعني حملته الريح من تبوك إلى حائل وألقته هناك. والمقصود أن الخرص ثابت من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري ، وهنا أورد أبو داود رحمه الله في باب خرص العنب حديث عتاب بن أسيد رضي الله عنه، وهو أمير مكة، أمره النبي صلى الله عليه وسلم على مكة وكان صغيراً، وهو من صغار الصحابة رضي الله عنه، فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يخرص العنب وتخرج زكاته زبيباً كما يخرص الرطب وتخرج زكاته تمراً، والعنب لا شك أنه من جنس التمر، وهو من الأموال الزكوية لأنه يصير زبيباً، وهو يدخر، وهو قوت من الأقوات؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره في الأقوات التي تخرج في زكاة الفطر، وهو مما يوسق ويكال. الحديث فيه انقطاع بين سعيد بن المسيب و عتاب بن أسيد ؛ لأن عتاب بن أسيد توفي في اليوم الذي مات فيه أبو بكر وسعيد بن المسيب لم يدركه، فهو غير صحيح للانقطاع الذي فيه، لكن كون العنب يتخذ زبيباً، وأنه يدخر ويكال، وهو قوت من الأقوات، فتجب فيه الزكاة مثل التمر.

    تراجم رجال إسناد حديث (عتاب بن أسيد في خرص العنب)


    قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن السري الناقط ]. عبد العزيز بن السري الناقط وهو مقبول أخرج له أبو داود . [حدثنا بشر بن منصور ]. بشر بن منصور وهو صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عبد الرحمن بن إسحاق ]. عبد الرحمن بن إسحاق وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن المسيب ]. وهو ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عتاب بن أسيد ]. هو صحابي رضي الله عنه أخرج له أصحاب السنن.
    طريق أخرى للحديث

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي حدثنا عبد الله بن نافع عن محمد بن صالح التمار عن ابن شهاب بإسناده ومعناه قال أبو داود : و سعيد لم يسمع من عتاب شيئاً ]. ذكر المصنف الحديث من طريق أخرى وأحال على الطريقة السابقة، وذكر أبو داود بعد ذلك أن سعيداً لم يسمع من عتاب شيئاً أي: أنه لم يدركه. قوله: [ حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ]. محمد بن إسحاق المسيبي صدوق أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا عبد الله بن نافع ]. عبد الله بن نافع وهو ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن صالح التمار ]. محمد بن صالح التمار وهو صدوق يخطئ أخرج له أصحاب السنن. [ عن ابن شهاب بإسناده ]. يعني عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد وقد مر ذكرهم.
    كيفية الخرص وكيفية إخراج الزكاة بعد الخرص

    قوله: [ (فإن لم تدعوا أو تجذوا الثلث فدعوا الربع) ] يعني: إذا لم تتركوا الثلث فاتركوا الربع، ففيه تخيير للخارص لينظر للمصلحة، إما أن يدع الثلث وإن لم يفعل فإنه يدع الربع. والخرص تقدير وليس بيقيني، لكنه طريق إلى تحصيل المصلحة، وقد ثبت في السنة، وما دام أنه ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري فلا كلام بعد ذلك؛ وفيه مصلحة وفائدة للمالك وللفقراء. والواجب اختيار الخارصين المأمونين من أهل الخبرة، فيعرف الحاصل، وهل هو مطابق للواقع أو غير مطابق للواقع، قال العلماء: فإن لم يرض المالك وادعى أن الخارص ظلمه فعليه البينة.
    شرح حديث (إذا خرصتم فجذوا ودعوا الثلث ..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الخرص. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن مسعود قال: جاء سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه إلى مجلسنا قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا خرصتم فجذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا أو تجذوا الثلث فدعوا الربع). قال أبو داود : الخارص يدع الثلث للحرفة ، وكذا قال يحيى القطان ]. لعلها للخرفة، وأما الحرفة فمعناها هنا غير واضح، وفي القاموس: الخرفة هو ما يجنى من الرطب، والمخرف هو الزنبيل الذي يخرف به الثمر، فمعنى الخرفة ما يحتاج إليه الملاك من أجل أن يخترفوا من الثمرة. قوله: [ (إذا خرصتم فجذوا ودعوا الثلث) ]. يعني: خذوا الزكاة ودعوا الثلث، قيل: إن الثلث الذي يترك هو ثلث الزكاة بأن يعطى للمالك لينفقه بنفسه على الفقراء، أو يترك له ثلث الثمرة فلا يحاسب عليها من أجل أن يستفيد منها بأن يجني ويعطي ويهدي ويتصدق ما دام رطباً، ثم بعد ذلك يخرج الزكاة من وراء الثلث أو الربع، ولكن الحديث في إسناده من هو متكلم فيه، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرص ولا يترك للمالك شيء، وإنما يؤخذ منه مقدار الزكاة، والباقي له وهو إما تسعة الأعشار أو له تسعة الأعشار والنصف على حسب سقي النخل إما بكلفة أو بعدم كلفة، فإذا كان بكلفة فزكاته نصف العشر، وإذا كان بغير كلفة فزكاته العشر.
    تراجم رجال إسناد حديث (إذا خرصتم فجذوا ودعوا الثلث... )

    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خبيب بن عبد الرحمن ]. خبيب بن عبد الرحمن ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن مسعود ]. عبد الرحمن بن مسعود بن نيار وهو مقبول أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سهل بن أبي حثمة ]. سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    مشروعية الخرص وكيفيته

    قوله: [ (فإن لم تدعوا أو تجذوا الثلث فدعوا الربع) ] يعني: إذا لم تتركوا الثلث فاتركوا الربع، ففيه تخيير للخارص لينظر للمصلحة، إما أن يدع الثلث وإن لم يفعل فإنه يدع الربع. والخرص تقدير وليس بيقيني، لكنه طريق إلى تحصيل المصلحة، وقد ثبت في السنة، وما دام أنه ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري فلا كلام بعد ذلك؛ وفيه مصلحة وفائدة للمالك وللفقراء. والواجب اختيار الخارصين المأمونين من أهل الخبرة، فيعرف الحاصل، وهل هو مطابق للواقع أو غير مطابق للواقع، قال العلماء: فإن لم يرض المالك وادعى أن الخارص ظلمه فعليه البينة.
    متى يخرص التمر


    شرح حديث (كان ابن رواحة يخرص النخل حين يطيب)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب متى يخرص التمر حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: أخبرت عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت وهي تذكر شأن خيبر: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود، فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه) ]. المقصود من هذا الباب أنه يخرص النخل إذا بدأ يطيب ويؤكل منه؛ ليتمكن صاحبه من الاستفادة منه، وليحفظ حق الفقراء والمساكين، وكذلك العنب يخرص عندما يستوي والناس يأكلونه عنباً، وإذا حصلت جائحة بعد ذلك فإنه لا يلزمه؛ لأن الحق إنما يثبت عند سلامته، أما لو حصلت جائحة عليه فإن الإنسان لا يلزم أن يدفع شيئاً وقد اجتيح ماله وأصابته جائحة. ومعنى الخرص أن يأتي العامل إلى النخل وينظر فيه، فيقول: هذه النخلة تساوي كذا صاعاً، وهكذا يمشي بين النخل ويقدر كم تساوي، فيخرج بنتيجة هي أن ثمرة هذا البستان تبلغ كذا وكذا، كما خرص الرسول صلى الله عليه وسلم حديقة المرأة وقال لأصحابه: (اخرصوا) وهو خرص وقال: (إنها تبلغ عشرة أوسق) ، وقال: (إذا رجعنا أخبرينا بما خرج) فلما رجعوا وقد حصل الجذاذ والكيل قالت: إنها أخرجت عشرة أوسق طبقاً لما خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالخرص هو الحصر والتقدير، ولابد أن يكون الخارص من أهل النظر والخبرة والمعرفة، وبعض العلماء قال: إنه تخمين وليس بيقين فلا يعول عليه، ولكن مادام أنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه طريق شرعي.
    تراجم رجال إسناد حديث (كان ابن رواحة يخرص النخل حين يطيب)

    قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حجاج ]. حجاج بن محمد المصيصي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرت عن ابن شهاب ]. هذا يدل على وجود انقطاع بينه وبين من روى عنه، فالسند منقطع، وابن جريج مدلس، ولكنه هنا بين وجود الواسطة بقوله: أخبرت عن ابن شهاب ، و ابن شهاب مر ذكره. [ عن عروة ]. عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ] . أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث ضعيف من أجل الانقطاع الذي بين ابن جريج وبين الزهري . قوله: [ فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل ]. يعني: عندما يأتي وقت طيبه قبل أن يؤكل؛ لأن صاحبه يجنيه إذا بدأ طيبه، فيخرص في هذه الحال التي يمكن صاحبه من الانتفاع منه، والزكاة لا تخرج إلا عندما يجف التمر، ولا تخرج رطباً. ولا يخرص النخل إلا عندما يطيب التمر، ولا يخرص وهو صغير جداً؛ لأنه عرضة لأن يتساقط ويتلف، وأما إذا طاب واحتيج إليه فإنه يخرص. واليهود لا تخرج منهم الزكاة، ولكن كان يخرص نخلهم من أجل حق المسلمين؛ لأن للمسلمين النصف من نخلهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على أنهم يعملون في النخل وللمسلمين النصف، ولهم النصف مقابل العمل فيه، فالخرص كان من أجل معرفة حق المسلمين الذي هو النصف الذي صولحوا عليه.
    ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة


    شرح حديث (نهى عن الجعرور ولون الحبيق)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل رضي الله عنه عن أبيه رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة) قال الزهري : لونين من تمر المدينة ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة أي: ما لا يجوز أن يخرج في الصدقة وهو الرديء، وقد سبق أن مر بنا في زكاة المواشي أن المال يقسم ثلاثة أقسام: ثلث خيار، وثلث وسط، وثلث رديء، فلا يجوز أن يؤخذ الخيار، ولا أن يؤخذ الرديء، وإنما يؤخذ من وسط المال، وكذلك بالنسبة للثمر، فإنه لا يؤخذ أطيب النخل وأحسن الثمرة ولا أردؤها وإنما يؤخذ من الوسط. قوله: [ (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة). قال الزهري : لونين من تمر المدينة ]. يعني: أنهما من رديء التمر، ومعنى هذا أنه لا يؤخذ الرديء في الصدقة كما قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] يعني الرديء غير الطيب، بل كما قال الله عز وجل: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].
    تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن الجعرور ولون الحبيق)

    قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. محمد بن يحيى بن فارس الذهلي وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ سعيد بن سليمان ]. سعيد بن سليمان وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عباد ]. عباد بن العوام وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان بن حسين ]. سفيان بن حسين وهو ثقة إلا في الزهري وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. الزهري قد مر ذكره، وهذا من رواية سفيان بن حسين عنه، لكن قد جاء له متابع في الزهري كما سيذكر المصنف بعد ذلك. [ عن أبي أمامة بن سهل ]. أبو أمامة بن سهل اسمه أسعد ، قيل: له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. سهل بن حنيف رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وأسنده أيضاً أبو الوليد عن سليمان بن كثير عن الزهري ]. أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن كثير ]. أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو لا بأس في غير الزهري . إذاً: سفيان بن حسين و سليمان بن كثير كلاهما في روايته عن الزهري ضعيف، وكلاهما رويا عنه هذا الحديث، لكن الحديث الآتي بعده يشهد له من حيث المعنى، وهو أنه لا يتصدق بالرديء.

    شرح حديث (إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا يحيى -يعني: القطان - عن عبد الحميد بن جعفر قال: حدثني صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسجد وبيده عصا وقد علق رجل قنا حشفاً فطعن بالعصا في ذلك القنو وقال: لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها، وقال: إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة) ]. أورد أبو داود حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وبيده عصا، وهناك قنو معلق في المسجد صدقة لمن يريد أن يأكل منه، وكان ذلك القنو حشفاً، والحشف هو التمر الرديء الذي صار يابساً؛ ولهذا يضرب المثل للرداءة بالحشف، وإذا جمع الإنسان بين خصلتين دنيئتين قالوا: أحشفاً وسوء كيلة؟! يعني التمر نفسه رديء، وأيضاً الكيل فيه خلل، فجمع بين الخصلتين المكروهتين، فالرسول صلى الله عليه وسلم طعن بالعصا فيه وقال: (لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها) ، وهذا فيه إرشاد وتنبيه إلى التصدق بما هو خير وبما هو أولى، لكن إذا كان الإنسان كل ما عنده من هذا القبيل فهو معذور، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286] لكن إذا كان عنده ما هو خير من ذلك فالأولى للإنسان أن يتصدق بما هو خير، ولا يتصدق بما هو سيئ ورديء. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة)، ومعنى هذا أن أجره على قدر العمل وعلى قدر الإحسان، فإذا كان عمله قليلاً وعمله ضعيفاً فإنه يحصل أجراً قليلاً على قدر عمله وعلى قدر فعله، وقيل: إنه يأكل ذلك حقيقة والله تعالى أعلم.

    تراجم رجال إسناد حديث (إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة)


    قوله: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي ]. نصر بن عاصم الأنطاكي لين الحديث أخرج له أبو داود . [ عن يحيى يعني القطان ]. يحيى بن سعيد القطان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الحميد بن جعفر ]. عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن صالح بن أبي عريب ]. صالح بن أبي عريب وهو مقبول أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن كثير بن مرة ]. كثير بن مرة وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن عوف بن مالك ]. عوف بن مالك رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الحديث فيه رجل لين الحديث، وفيه رجل مقبول، لكن الألباني صححه فكأنه لشواهده أو لشيء آخر."


  8. #228
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [195]
    الحلقة (226)





    شرح سنن أبي داود [195]

    فرضت زكاة الفطر من رمضان طهرة للصائم وطعمة للمساكين، فيجب على المسلم الحرص على أدائها في وقتها حتى يقبل صيامه.

    زكاة الفطر


    شرح حديث (فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب زكاة الفطر. حدثنا محمود بن خالد الدمشقي و عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي قالا: حدثنا مروان قال عبد الله : حدثنا أبو يزيد الخولاني ، وكان شيخ صدق، وكان عبد الله بن وهب يروي عنه، حدثنا سيار بن عبد الرحمن قال: محمود الصدفي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة باب زكاة الفطر أي: الفطر من رمضان، وزكاة الفطر يذكرها العلماء في كتاب الزكاة وهي مرتبطة برمضان، ولكن لكونها زكاة يأتي ذكرها في باب الزكاة، وإن كانت متعلقة برمضان، وقد أضيفت إلى الفطر من رمضان، وهي شكر لله عز وجل على هذه النعمة وهي إتمام الصيام وإكماله، حيث إن الإنسان وفق لإتمامه، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه) فهو كل يوم يفطر يفرح لأنه وفق لأداء تلك العبادة ذلك اليوم، وإذا أكمل شهر رمضان وأفطر في آخر يوم فإنه بذلك يفرح فرحاً أكبر لأنه أتم هذه العبادة كلها، وفرحة عند لقاء ربه حيث يثيبه على عمله وعلى صيامه وعلى تقربه إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة التي منها الصيام. وهي أضيفت إلى الفطر، والفطر يكون عند غروب الشمس في آخر يوم من رمضان؛ ولهذا يقول العلماء: غروب الشمس هو الحد الفاصل بين من تجب عليه ومن لا تجب عليه، فمن كان موجوداً قبل أن تغرب الشمس فتخرج عنه زكاة الفطر، ومن ولد بعد غروب الشمس فليس عليه زكاة الفطر؛ لأنه ليس موجوداً في وقت وجوب الزكاة عند وقت الفطر، وبعض العلماء يقول: الفطر هو لطلوع الفجر؛ لأن وقت الليل وقت للأكل دائماً، والصيام إنما هو بالنهار، فيتحقق فطره بكونه يأكل في اليوم الذي يلي آخر يوم في رمضان وهو يوم العيد، لكن تمام النعمة الكبيرة على الإنسان بأنه وفق لأداء تلك العبادة يتحقق بغروب الشمس، وبه يحصل الفطر من رمضان، فهذا هو الأظهر، وهو كون الفطر يتحقق بغروب الشمس، وأن تمام النعمة على الإنسان حصلت عندما غربت عليه الشمس في آخر يوم من رمضان. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة -أي صلاة العيد- فهي صدقة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) والحديث يدل على أن زكاة الفطر فرض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما يبلغ عن الله، فهو مبلغ ما يفرضه الله وما يوجبه الله كما قال الله عز وجل وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، وعلى هذا فيكون هو قد بلغ الذي أوحي إليه كما جاء أن إبراهيم حرم مكة والرسول حرم المدينة أي: أظهر إبراهيم حرمة مكة، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أظهر حرمة المدينة، والتحريم شرعه الله عز وجل، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو مبلغ عن الله وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. فزكاة الفطر فريضة واجبة متحتمة، وقد فرضت لمصلحة جهتين: جهة المزكي وجهة المساكين، فهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، وهذا يرجع للصائم، وطعمة للمساكين وهم الفقراء المحتاجون الذين هم بحاجة إلى الطعام، ففيها جمع بين مصلحة طرفين: المتصدق والمتصدق عليه، فالمتصدق الذي هو المزكي تكون طهرة له من اللغو والرفث الذي يحصل له في صيامه، واللغو هو الكلام الذي لا يقصد مثل ما جاء في لغو اليمين مثل: لا والله، وبلى والله، والرفث يطلق على معنيين: يطلق على الجماع ومقدمات الجماع، ويطلق على الفاحش من القول، وهنا يراد به الفاحش من القول، فيكون ذلك طهرة له من ذلك الكلام الذي يحصل في حال الصيام، وأيضاً فيها إطعام للمساكين وإحسان إليهم. ووقتها يكون قبل الصلاة، وهذا هو أفضل الأوقات لإخراجها، وتقسم بعد الصلاة، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين؛ حتى لا يحصل النسيان لها فتفوت، وأيضاً حتى تصل إلى المساكين، ويكونوا يوم العيد قد تحقق أن عندهم الشيء الذي يكفيهم من الطعام. ومن أداها بعد صلاة العيد فهي صدقة من الصدقات في نفس اليوم، وبعض أهل العلم قال: إنه وقت إخراج؛ لأن المقصود بزكاة الفطر أن الفقراء يكون عندهم شيء يوم العيد، وهي إذا جمعت فإنما توزع بعد الصلاة، فكذلك الإنسان لو تصدق بها بعد الصلاة فإنها تعتبر في محلها، لكن فاته وقت الفضيلة والوقت الأولى لإخراجها وهو قبل صلاة العيد.

    تراجم رجال إسناد حديث (فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم ..)


    قوله: [ حدثنا محمود بن خالد الدمشقي ]. محمود بن خالد الدمشقي ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي ]. عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي . [ حدثنا مروان ]. مروان بن محمد الطاطري ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي يزيد الخولاني ]. صدوق أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا سيار بن عبد الرحمن ]. صدوق أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ قال: محمود الصدفي ]. هو الشيخ الأول محمود بن خالد الصدفي . [ عن عكرمة ]. عكرمة هو مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة ، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."


  9. #229
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [196]
    الحلقة (227)





    شرح سنن أبي داود [196]

    اختلفت الأحاديث في مقدار ما يخرج من الحنطة في الزكاة، وقد بين العلماء الواجب من ذلك، كما بينوا الروايات الشاذة من الصحيحة في ذلك، وأيضاً فقد وردت أحاديث تدل على جواز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين.

    متى تؤدى زكاة الفطر



    شرح حديث (أمرنا رسول الله بزكاة الفطر أن تؤدى ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب متى تؤدى. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، قال: فكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين) ]. المراد من هذه الترجمة بيان وقت إخراج زكاة الفطر، ووقتها الأفضل والأولى أن تكون يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأنه جاء ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومنهم ابن عمر كما في هذه الرواية أنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج زكاة الفطر قبل الخروج إلى الصلاة) أي: الخروج لصلاة العيد، قال: وكان ابن عمر يخرجها قبل العيد بيوم أو يومين، وهذا يدلنا على أن إخراجها يوم العيد قبل الصلاة هو أفضل أوقات إخراجها، وأن إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين جائز، وذلك لقربه من العيد؛ ولأن إيصالها إلى أصحابها قبل العيد بيوم أو يومين قد تدعو الحاجة إليه؛ لأنه قد لا يتيسر التوزيع في يوم العيد قبل الصلاة، لكن إذا تيسر فهو الأولى والأفضل. وأما تقديمها قبل العيد بأكثر من يومين فلم يأت شيء يدل عليه، وهو بعيد عن الوقت الذي تجب فيه زكاة الفطر وهو غروب الشمس من آخر يوم من رمضان، وأيضاً يفوت فيه المقصود من كون الزكاة تحصل في وقت الفطر؛ لأنه قد يحصل أكلها ونفادها قبل مجيء العيد بوقت طويل، فكانت السنة أن يؤتى بها قبل الصلاة يوم العيد، وإن قدمت قبل العيد بيوم أو يومين -كما جاء عن الصحابة- فلا بأس بذلك.
    تراجم رجال إسناد حديث ( أمرنا رسول الله بزكاة الفطر أن تؤدى ... )

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة. [ حدثنا موسى بن عقبة ]. موسى بن عقبة المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ] ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    كم يؤدي في زكاة الفطر


    شرح حديث ( زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر ... )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كم يؤدي في زكاة الفطر. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك ، وقرأه علي مالك أيضاً، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرض زكاة الفطر، قال فيه فيما قرأه علي مالك : زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر ، أو صاع من شعير، على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين). أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: كم يؤدي في زكاة الفطر؟ أي: مقدار زكاة الفطر، وهي صاع من قوت البلد، وكان قوت البلد في ذلك الزمان هو البر والشعير والتمر والأقط والزبيب، وهي متفاوتة في المنفعة، ومتفاوتة أيضاً في القيمة، وقد حدد ذلك بأنه صاع، وهذا يدلنا على أن زكاة الفطر قدرها صاع، أي: أربعة أمداد، وأن القيمة لم تذكر، فدل على أنه لا تخرج الزكاة قيمة، وإنما تخرج طعاماً. وزكاة الفطر مثل الكفارات تخرج من الطعام، ولعل الحكمة في ذلك -والله أعلم- أن الطعام إذا وقع في أيدي الناس يستفيدون منه مباشرة بخلاف النقود، فإنها قد تكون في أيديهم ويقل الطعام فلا يحصلون ما يريدون، أو أن الناس لا يجودون بالطعام إذا كانت القيمة مبذولة، وقد جاء النص في زكاة الفطر والكفارات أنها تخرج طعاماً ولا تخرج قيمة. والرسول صلى الله عليه وسلم جعل زكاة الفطر من الأصناف الخمسة التي كانت الأقوات المعتادة في زمنه صلى الله عليه وسلم، ويجوز إخراجها من الأقوات الأخرى التي لم يأت ذكرها في الحديث كالأرز والذرة وغير ذلك من الحبوب التي هي قوت وطعام، ومقدار زكاة الفطر صاع كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، وفي هذه الرواية ذكر صنفين من الأقوات التي كانت موجودة في ذلك الزمان وهما: التمر، والشعير. قوله: (على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين)، يدل على أنها واجبة على كل مسلم سواء كان ذكراً أو أنثى، حراً أو عبداً، صغيراً أو كبيراً، فكل مسلم تخرج عنه زكاة الفطر، وأما الكفار فلا يخرج عنهم أحد الزكاة؛ لأن الزكاة إنما تكون على المسلمين، وهي التي فيها أجر، وفيها ثواب، وفيها طهرة لهم، وأما الكفار فهم وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة إلا أن مخاطبتهم بالأصول والفروع معاً، ولا بد يأتوا بالأصول وبالفروع جميعاً، وهم مؤاخذون على ترك الأصول وعلى ترك الفروع، فزكاة الفطر إنما تجب على المسلمين؛ ولهذا قال: (من المسلمين).

    تراجم رجال إسناد حديث (زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر ..)


    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال: وقرأه عليَّ مالك أيضاً ]. يعني: أنه أخذ الحديث منه على وجهين: قرأه القعنبي عليه وهو يسمع، وكذلك قرأه مالك عليه. [ عن نافع عن ابن عمر ]. مر ذكرهما. وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود ، فهو من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله. قوله: [ قال فيه فيما قرأه عليَّ مالك ]. بيَّن اللفظ الذي قرأه عليه مالك .

    شرح حديث ( فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً ... )


    قال المصنف رحمه الله تعالى [ حدثنا يحيى بن محمد بن السكن حدثنا محمد بن جهضم حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمر بن نافع عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر صاعاً، فذكر بمعنى مالك ، زاد: والصغير والكبير ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) ]. هذه طريق أخرى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهي مثل الطريق السابقة إلا أن فيها زيادة ذكر الصغير والكبير، وفيها بيان وقت أدائها، وأنه يكون قبل الصلاة، وقد مر أن هذا هو أولى وأفضل وقت لإخراجها. وذكر الصغير لا ينافي أن زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، فالصائم يحصل له من إخراج الزكاة عنه أو منه شيئان: التطهير له من اللغو والرفث، وأيضاً طعمة للمساكين. وأما إذا كان صغيراً فإنه يحصل منه الطعمة للمساكين.
    تراجم رجال إسناد حديث ( فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً ... )

    قوله: [ حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ]. صدوق ، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي. [ حدثنا محمد بن جهضم ]. صدوق ، أخرج له البخاري ومسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا إسماعيل بن جعفر ]. إسماعيل بن جعفر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن نافع ]. عمر بن نافع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن أبيه عن عبد الله بن عمر ]. أبوه نافع العدوي مولى ابن عمر ، وقد مر ذكرهما.
    زيادة لفظة (من المسلمين) في حديث زكاة الفطر

    [ قال أبو داود : رواه عبد الله العمري عن نافع بإسناده، قال: (على كل مسلم)، ورواه سعيد الجمحي عن عبيد الله عن نافع قال فيه: (من المسلمين)، والمشهور عن عبيد الله ليس فيه: (من المسلمين) ]. أي: أن عبد الله بن عمر العمري المكبر رواه عن نافع بلفظ: (على كل مسلم)، بدل من قوله: (من المسلمين)، ورواه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر بلفظ: (من المسلمين)، قال: والحديث المشهور عن عبيد الله ليس فيه: (من المسلمين)، فأكثر الروايات التي جاءت من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ليس فيها: (من المسلمين)، ولكنها جاءت من بعض الطرق الصحيحة، فهذا الوصف وهذا القيد الذي هو: (من المسلمين)، ثابت ومعتبر.

    تراجم رجال إسناد زيادة لفظة ( من المسلمين )


    [ قال أبو داود : رواه عبد الله العمري ]. عبد الله بن عمر العمري المكبر ، وهو ضعيف أخرج له مسلم وأصحاب السنن . [ ورواه سعيد الجمحي ]. سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، وهو صدوق له أوهام أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر أخو عبد الله المتقدم ، وهذا هو المصغر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث ابن عمر في زكاة الفطر من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أن يحيى بن سعيد و بشر بن المفضل حدثاهم عن عبيد الله ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه فرض صدقة الفطر صاعاً من شعير أو تمر، على الصغير والكبير والحر والمملوك: زاد موسى : والذكر والأنثى) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه ذكر فرض زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير، وقد سبق ذلك في بعض الروايات السابقة.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في زكاة الفطر من طريق أخرى


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي. [ أن يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و بشر بن المفضل ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر مر ذكره. [ وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجة . [ عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله ]. قد مر ذكرهم. [ قال أبو داود : قال فيه أيوب و عبد الله -يعني: العمري - في حديثهما عن نافع : (ذكر أو أنثى) أيضاً ]. هذه إشارة إلى طريق أخرى، وهي: أن عبد الله العمري ، وأيوب بن أبي تميمة السختياني ذكرا الذكر والأنثى كما ذكرت في الطريق السابقة. وأيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    حكم زكاة الفطر عن الجنين

    لا تجب زكاة الفطر على الجنين، وقد ذكر بعض أهل العلم أنها لا تجب عليه إجماعاً، ولكن استحبها بعض أهل العلم على الجنين، فهي غير واجبة وليست لازمة، وقد جاء عن الإمام أحمد أنه استحب أن تخرج زكاة الفطر عن الجنين.
    حكم تأخير زكاة الفطر لعذر

    زكاة الفطر تجب في وقت معين، والإنسان الذي يكون قادراً على إخراجها يجب عليه أن يخرجها أو يوكل أحداً في إخراجها إذا لم يستطع إخراجها، وأما إذا كان قادراً ومتمكناً ولم يخرجها بنفسه أو لم يوكل أحداً في إخراجها عنه فإنه يكون مفرطاً مقصراً؛ لأن لها وقتاً معيناً، والواجب إخراجها في وقتها، وإذا كان الفقراء غير موجودين فيمكن أن يطلب منهم أن يوكلوا من يستلمها لهم ثم يعطيهم إياها بعد ذلك. وذهب بعض العلماء إلى أنها تقضى.
    شرح حديث (جعل عمر نصف صاع حنطة في زكاة الفطر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعاً من شعير أو تمر أو سلت أو زبيب قال عبد الله : فلما كان عمر رضي الله عنه وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء)]. أورد أبو داود حديث ابن عمر أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من سلت، أو صاعاً من زبيب، والزبيب جاء ذكره هنا، وكذلك السلت، وهو نوع من الطعام يشبه الشعير، وهذه الرواية فيها من هو متكلم فيه، ولكن كل ما كان قوتاً معتاداً يجوز إخراج الزكاة منه، سواء كان مذكوراً في الأحاديث أو غير مذكور، والذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوات هي: البر، والشعير، والتمر، والزبيب، والأقط؛ وذلك لكونها أقواتهم، والسلت لم يثبت في الرواية، ولكنه إذا كان طعاماً وقوتاً في بلد أو في مكان من الأمكنة فإنه يجوز إخراجه؛ لأن كل طعام يقتاته الناس يجوز إخراج الزكاة منه. قوله: [ فلما كان عمر رضي الله عنه وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء ]. هنا ذكر هذا عن عمر رضي الله عنه، والمعروف المشهور بهذا هو معاوية رضي الله عنه كما جاء في بعض الأحاديث الثابتة، فقد ثبت أن معاوية هو الذي جعل نصف صاع من الحنطة يعدل صاعاً من غيرها، وأما عمر فغير معروف عنه هذا، فلعل أحد الرواة وهم في ذكر عمر هنا.

    تراجم رجال إسناد حديث (جعل عمر نصف صاع حنطة في زكاة الفطر)


    قوله: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني ]. الهيثم بن خالد الجهني ثقة، أخرج له أبو داود. [ حدثنا حسين بن علي الجعفي ]. حسين بن علي الجعفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زائدة ]. زائدة بن قدامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد ]. عبد العزيز بن أبي رواد ، صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن نافع عن عبد الله بن عمر ]. مر ذكرهما. والحديث فيه ابن أبي رواد هذا، وهو متكلم فيه، قال فيه الحافظ : صدوق ربما وهم، ومن قيلت فيه هذه العبارة يحسن حديثه، وأظن أن الألباني ضعف هذا الحديث.
    شرح أثر عبد الله بن عمر (فعدل الناس بعد نصف صاع من بر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و سليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن نافع أنه قال: قال عبد الله رضي الله عنه: فعدل الناس بعد نصف صاع من بر، قال: وكان عبد الله يعطي التمر، فأعوز أهل المدينة التمر عاماً فأعطى الشعير ]. ذكر المصنف الحديث من طريق أخرى عن ابن عمر ، وأن الناس عدلوا نصف صاع من بر بالصاع من غيره، كما جاء ذكره عن عمر رضي الله عنه، والمشهور به معاوية ، وجاء عن عدد من الصحابة، ولكن ليس كلهم على ذلك بل هم مختلفون، منهم من رأى أنه لا يخرج إلا صاعاً من أي طعام؛ لأن الأقوات التي ذكرت متفاوتة وليست كلها على حد سواء، ومع ذلك جعلت الزكاة صاعاً مع حصول التفاوت بين الشعير وبين التمر وبين الزبيب وبين الأقط، وكذلك البر يكون متفاوتاً أيضاً، فبعض الصحابة تبعوا معاوية رضي الله عنه فجعلوا نصف صاع من البر يعدل صاعاً من غيره، وإخراج نصف الصاع من البر بدل الصاع من غيره هو محل خلاف بين الصحابة، و أبو سعيد الخدري رضي الله عنه -كما سيأتي- كان يرى إخراجها صاعاً كاملاً، وكان يداوم ويستمر على إخراج الصاع وعدم النقصان عنه. قوله: [ وكان عبد الله يعطي التمر فأعوز أهل المدينة التمر عاماً فأعطى الشعير ]. هذا فيه دليل على اختيار الأولى والأكمل والأفضل والأنفع. وقوله: (فأعوز التمر) أي: قل التمر، فأخرج الشعير، ومعنى هذا أن الشعير دونه، ومع ذلك جاءت الشريعة بأنه صاع سواءً من هذا أو من هذا مع أنها متفاضلة غير متساوية، ومعلوم أن التمر أولى وأفضل من الشعير، فكان ابن عمر رضي الله عنه يعطي هذا الأكمل والأفضل، ولكنه لما أعوز وقل التمر في وقت من الأوقات في المدينة أخرج الشعير.
    تراجم رجال إسناد أثر عبد الله بن عمر (فعدل الناس بعد نصف صاع من بر)

    قوله: [ حدثنا مسدد و سليمان بن داود العتكي ]. سليمان بن داود العتكي هو أبو الربيع الزهراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا حماد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن نافع عن عبد الله ]. مر ذكرهم.
    شرح حديث ( كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله زكاة الفطر صاعاً من طعام ... )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا داود -يعني ابن قيس - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير، حر أو مملوك، صاعاً من طعام، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجاً أو معتمراً، فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى أن مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك، فقال أبو سعيد : فأما أنا فلا أزال أخرجه أبداً ما عشت) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر إذ كان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، يعني: ذكر الخمسة الأصناف، قيل: الطعام المقصود به البر، ولكنه كان قليلاً، وكانوا يخرجون صاعاً من هذا أو من هذا أو من هذا مع تفاوتها في القيمة، وعلى هذا فالمعتبر هو الكيل والمقدار وإن تفاوتت القيمة، وكل صاع منها يجزي، إلا أن ما كان منها أنفع وأكثر فائدة فإنه الأولى أن يخرج وأن يقدم على غيره، وهذا بالنسبة للأقوات الموجودة في زمانه صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأنفع والأكثر فائدة للناس في هذا الزمان مثل الأرز الذي هو قوت كثير من الناس في هذا الزمان، ولا يحتاج إلى طحن، والفائدة منه كبيرة، فينظر إلى ما هو الأنفع، وإلى ما هو الأكثر استعمالاً عند الناس، وما هو الذي يحرصون عليه، فيخرج منه. قال: (فلما كان معاوية ، وجاء حاجاً أو معتمراً)، يعني جاء من دمشق إلى الحجاز في زمن ولايته رضي الله عنه، وكان قد كلم الناس على المنبر، وكان مما كلمهم به أنه رأى أن مدين من سمراء الشام -وهي الحنطة التي تزرع في الشام- تعدل الصاع من التمر، والصاع أربعة أمداد، فأخذ الناس بما قاله معاوية رضي الله عنه، أما أبو سعيد رضي الله عنه فقال: أما أنا فلا أزال أخرجها صاعاً أبداً ما عشت، أي: لا ينقص عن الصاع.
    تراجم رجال إسناد حديث (كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله زكاة الفطر صاعاً من طعام...)

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة مر ذكره. [ حدثنا داود يعني: ابن قيس ]. داود بن قيس ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عياض بن عبد الله ]. عياض بن عبد الله ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي، والرباعيات هي أعلى الأسانيد عند أبي داود . هذا ولا شك أن إخراج الصاع هو الأكمل والأفضل، وهو الذي فيه الاحتياط في الدين.
    شذوذ رواية (أو صاعاً من حنطة) وتراجم رجال إسنادها

    [ قال أبو داود : رواه ابن علية و عبدة وغيرهما عن ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض عن أبي سعيد بمعناه، وذكر رجل واحد فيه عن ابن علية : أو صاعاً من حنطة، وليس بمحفوظ ]. ذكر المصنف حديث أبي سعيد من طريق أخرى وفيه: أن رجلاً ذكر صاعاً من حنطة، أي: بهذا اللفظ، وهو ليس بمحفوظ، وإنما الذي جاء ذكر الطعام، والطعام المقصود به هو الحنطة. وقوله: [رواه ابن علية]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [وعبدة بن سليمان] ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عنابن إسحاق]. هو محمد بن إسحاق المدني ، صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام]. مقبول أخرج له أبو داود و النسائي. [ قال بمعناه ]. يعني: بمعنى الحديث المتقدم، إلا أنه قال: صاع حنطة. قوله: [ وذكر رجل واحد فيه عن ابن علية: (أو صاعاً من حنطة)، وليس بمحفوظ ]. يعني: أنه جاء عن ابن علية من رواية راو واحد عنه أنه قال: (صاعاً من حنطة)، وذكر الصاع من الحنطة، وهذا غير محفوظ بهذا اللفظ، والمحفوظ لفظ الطعام، وهذا الراوي هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أخبرنا إسماعيل : ليس فيه ذكر الحنطة ]. هذه طريق أخرى عن مسدد عن إسماعيل بن علية ، وليس فيه ذكر الحنطة، وإنما ذكر الحنطة في الطريق السابقة.
    وهم من قال (نصف صاع من بر) في حديث أبي سعيد وتراجم رجال الإسناد

    [ قال أبو داود : وقد ذكر معاوية بن هشام في هذا الحديث عن الثوري عن زيد بن أسلم عن عياض عن أبي سعيد رضي الله عنه: (نصف صاع من بر)، وهو وهم من معاوية بن هشام أو ممن روى عنه ]. ذكر المصنف حديث أبي سعيد وفيه: (نصف صاع من بر)، قال: وهو وهم من معاوية بن هشام أو ممن روى عن معاوية بن هشام ، والمقصود أن حديث أبي سعيد فيه: (صاعاً من طعام)، وليس فيه نصف صاع من بر. ومعاوية بن هشام صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ، و مسلم وأصحاب السنن. والثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وزيد بن أسلم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعياض عن أبي سعيد مر ذكرهما.
    شرح حديث (لا أخرج أبداً إلا صاعاً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حامد بن يحيى أخبرنا سفيان ح، وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان سمع عياضاً قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (لا أخرج أبداً إلا صاعاً، إنا كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاع تمر أو شعير أو أقط أو زبيب. هذا حديث يحيى ، زاد سفيان : أو صاعاً من دقيق)، قال حامد : فأنكروا عليه، فتركه سفيان . قال أبو داود: فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيها ذكر التمر والشعير والزبيب والأقط، وفيها: (أو صاعاً من دقيق)، وهذه في رواية سفيان بن عيينة ، فأنكروا عليه فترك ذلك، وقال أبو داود : هذه وهم من ابن عيينة ، يعني: ذكر الدقيق، ومعلوم أن الدقيق هو من البر والحنطة، وإخراجه جائز؛ لأن الدقيق طعام، وهو بر مطحون، وإخراجه يكفي المسكين مؤنة طحنه، إلا أن الصاع من البر إذا طحن تزيد كميته، فلا بأس بإخراج الدقيق في زكاة الفطر لكن بأن يزاد عليه ما يقابل الصاع المطحون؛ لأن الصاع من البر إذا طحن يصير أكثر من صاع؛ لأنه بعد الطحن يزيد في الكيل، والسنة جاءت بذكر صاع من هذه الأشياء، فإذا طحن البر فإنه يجوز، وهو إن كان غير ثابت في الرواية إلا أنه من حيث المعنى جائز؛ لأنه طعام، إلا أن ذلك الطعام يزاد فيه بما يعادل الصاع من البر إذا طحن، ولا يعطى صاعاً من دقيق فقط بل يزاد فيه ما يعادل زيادة الصاع من البر المطحون بحيث يكون كأنه صاع من بر، وإخراج الدقيق فيه مصلحة للفقير.
    تراجم رجال إسناد حديث (لا أخرج أبداً إلا صاعاً)

    قوله: [ حدثنا حامد بن يحيى ]. حامد بن يحيى ثقة، أخرج له أبو داود . [ أخبرنا سفيان ]. سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح، وحدثنا مسدد حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان ]. محمد بن عجلان المدني ، صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. سمع عياضاً عن أبي سعيد الخدري ]. مر ذكرهما.
    من روى نصف صاع من قمح


    شرح حديث (صاع من بر أو قمح على كل اثنين)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من روى نصف صاع من قمح. حدثنا مسدد و سليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري ، قال مسدد : عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه ، وقال سليمان بن داود : عن عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (صاع من بر أو قمح على كل اثنين ، صغير أو كبير ، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، أما غنيكم فيزكيه الله ، وأما فقيركم فيرد الله تعالى عليه أكثر مما أعطى). زاد سليمان في حديثه: (غني أو فقير)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: من روى نصف صاع من قمح) والقمح والبر والحنطة بمعنى واحد، وأورد أبو داود حديث الصحابي المختلف في اسمه ثعلبة بن أبي صعير أو عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير. قوله: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صاع من بر أو قمح على كل اثنين) ] أو للشك، لكن البر والقمح هما شيء واحد، والمعنى: أن الصاع يكون على كل اثنين، ومعناه: أن الواحد يجب عليه نصف صاع. قوله: [ (صغير أو كبير ، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى) ]. وقد مر أنها واجبة على هؤلاء بشرط أن يكونوا مسلمين. قوله: (أما غنيكم فيزكيه الله) لأن إخراج الزكاة فيها تطهير وفيها نماء. قوله: (وأما الفقير فيعطيه الله أكثر مما أعطى) يعني: يعوضه الله خيراً، وهذا يدل على أن الفقير يجب عليه إخراج زكاة الفطر إذا كان عنده شيء يكفيه أكثر من حاجته يوم العيد وليلته، فإذا كان لا يجد ثم تصدق عليه بعدة آصع فإنه يخرج الزكاة منها؛ لأنه يكون حينئذ واجداً وعنده ما يكفيه أكثر من قوت يومه وليلته، وبعض العلماء يقول: إن الذي يخرج هو الغني، والفقير لا يخرج شيئاً، ولكن هذا شيء يجب للإفطار، ولا يشترط فيه الغنى والفقر، وإنما يشترط فيه الوجدان في ذلك الوقت، فإذا وجد قوتاً زائداً عن حاجته في ذلك اليوم والليلة فيجب عليه أن يخرج الزكاة. قوله: [ زاد سليمان في حديثه: (غني أو فقير) ]. يعني زاد هذا اللفظ مع ما تقدم: ذكر أو أنثى، حر أو مملوك ، صغير أو كبير.

    تراجم رجال إسناد حديث (صاع من بر أو قمح على كل اثنين)


    قوله: [ حدثنا مسدد و سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد بن زيد عن النعمان بن راشد ]. النعمان بن راشد صدوق سيء الحفظ ، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. تقدم ذكره. [ عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه ]. قال في التقريب: ثعلبة بن صعير أو ابن أبي صعير ، ويقال: ثعلبة بن عبد الله بن صعير ، ويقال: عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، مختلف في صحبته، أخرج له أبو داود وحده. وقال في ترجمة عبد الله بن ثعلبة بن صعير : ويقال: ابن أبي صعير ، له رؤية ولم يثبت له سماع، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي .
    شرح حديث ( قام رسول الله خطيباً فأمر بصدقة الفطر .. )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن الحسن الدرابجردي حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا همام حدثنا -بكر هو ابن وائل - عن الزهري عن ثعلبة بن عبد الله أو قال: عبد الله بن ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ح: وحدثنا محمد بن يحيى النيسابوري حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا همام عن بكر الكوفي -قال محمد بن يحيى : هو بكر بن وائل بن داود - أن الزهري حدثهم عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير عن أبيه، قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً فأمر بصدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير على كل رأس. زاد علي في حديثه: أو صاع بر أو قمح بين اثنين، ثم اتفقا: عن الصغير والكبير والحر والعبد) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن ثعلبة من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، حيث جعل صاع البر عن اثنين، يعني كل واحد عليه نصف صاع.
    تراجم رجال إسناد حديث ( قام رسول الله خطيباً فأمر بصدقة الفطر ... )

    قوله: [ حدثنا علي بن الحسن الدرابجردي ]. علي بن حسن الدرابجردي ثقة، أخرج له أبو داود. [ حدثنا عبد الله بن يزيد ]. عبد الله بن يزيد المقرئ ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. همام بن يحيى ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بكر هو ابن وائل ]. بكر بن وائل صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثعلبة بن عبد الله أو عبد الله بن ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. تقدم ذكره، وهنا لم يقل: عن أبيه. [ ح، وحدثنا محمد بن يحيى النيسابوري ]. محمد بن يحيى النيسابوري هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. مر ذكره. [ حدثنا همام عن بكر الكوفي ، قال محمد بن يحيى : هو بكر بن وائل بن داود ]. يعني أن بكراً الكوفي هو ابن وائل الذي تقدم. [ عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير عن أبيه ]. تقدم ذكرهم. قال المصنف رحمه الله: [ زاد علي في حديثه: (أو صاع بر أو قمح بين اثنين) ]. يعني: زاد علي الشيخ الأول، علي بن الحسن الدرابجردي : صاع بر بين اثنين. والألباني صحح هذا الحديث، لكن هذه الزيادة التي فيها البر جاءت من طريق علي بن الحسن ، والطريق الأولى ليس فيها ذكر الأب، فهو مرسل فلا أدري ما وجه التصحيح، والمشهور أنه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل الصاع من البر على اثنين. وحديث مسدد السابق فيه النعمان بن راشد وهو صدوق سيئ الحفظ. والاحتياط أن الإنسان يخرج صاعاً من البر؛ لأن إخراج نصف الصاع مختلف فيه بين الصحابة، وهذه الأحاديث عارضها غيرها، فتكون شاذة.
    شرح حديث ( خطب رسول الله الناس قبل الفطر بيومين.. )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: قال ابن شهاب : قال عبد الله بن ثعلبة ، قال أحمد بن صالح : قال العدوي : قال أبو داود : قال أحمد بن صالح : وإنما هو العذري : (خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس قبل الفطر بيومين، بمعنى حديث المقرئ) ]. ذكر المصنف الحديث من طريق أخرى، وذكر أن هذا بمعنى حديث عبد الله بن يزيد المقرئ المكي المتقدم في الإسناد السابق.
    تراجم رجال إسناد حديث ( خطب رسول الله الناس قبل الفطر بيومين .. )

    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال ابن شهاب : قال عبد الله بن ثعلبة ]. مر ذكرهما. [ قال أحمد بن صالح : قال العدوي ]. يعني: نسبه فقال: العدوي . [ قال أبو داود : قال أحمد بن صالح : وإنما هو العذري ]. يعني: وصف عبد الرزاق عبد الله بن ثعلبة بأنه العدوي ، ثم قال أحمد بن صالح : وإنما هو العذري وليس العدوي، والعدوي تصحيف من العذري، وإنما هو عذري من بني عذرة، والتصحيف يكون بين الألفاظ المتشابهة والمتقاربة، مثل أبو إياس وأبو أناس.
    شرح أثر ابن عباس (أخرجوا صدقة صومكم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا سهل بن يوسف قال: حميد أخبرنا عن الحسن قال: خطب ابن عباس رحمه الله في آخر رمضان على منبر البصرة فقال: (أخرجوا صدقة صومكم، فكأن الناس لم يعلموا، فقال: من ها هنا من أهل المدينة؟ قوموا إلى إخوانكم فعلموهم فإنهم لا يعلمون، فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الصدقة صاعاً من تمر أو شعير، أو نصف صاع من قمح على كل حر أو مملوك ذكر أو أنثى صغير أو كبير، فلما قدم علي رضي الله عنه رأى رخص السعر قال: قد أوسع الله عليكم فلو جعلتموه صاعاً من كل شيء)، قال حميد : وكان الحسن يرى صدقة رمضان على من صام ]. قوله: (حميد أخبرنا): تأخرت الصيغة، كأنه قال: أخبرنا حميد عن الحسن؛ لأنه أحياناً تأتي الصيغة متأخرة عن المسند إليه، والأصل أن الصيغة تتقدم على المسند إليه الفاعل، وأحياناً تتأخر الصيغة، وشعبة رحمة الله عليه أحياناً تأتي عنه هذه الطريقة، وهنا سهل بن يوسف هو الذي قال: (حميد أخبرنا)، يعني: تأخرت (أخبرنا) عن حميد ، وحميد هو فاعل (أخبرنا)، يعني: قال سهل بن يوسف: أخبرنا حميد عن الحسن. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو مثل الذي قبله فيه ذكر إخراج زكاة الفطر، وأنها تكون نصف صاع من البر. قوله: [ فلما قدم علي رضي الله عنه رأى رخص السعر قال: قد أوسع الله عليكم فلو جعلتموه صاعاً من كل شيء ] يعني: لا تفرقوا بين القمح وغيره، وأخرجوا صاعاً من البر وغيره، والحديث في إسناده الحسن عن ابن عباس قيل: إنه لم يسمع منه، وهو مدلس. قوله: [ وكان الحسن يرى صدقة رمضان على من صام ] هذا رأي، يعني: أن الصغير ليس عليه زكاة فطر؛ ولعل ذلك لكونه جاء في بعض الروايات أنها طهرة الصائم من اللغو والرفث، والذي ما صام فليس هناك تطهير له، لكن قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها على الصغير والكبير، فالمعول عليه هو ما جاءت به السنة، ويكون الذي يحصل من الصغير الطعمة للمساكين، والذي يحصل ممن صام أنها طهرة له من اللغو والرفث وطعمة للمساكين.

    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس (أخرجوا صدقة صومكم)


    قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى أبو موسى العنزي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سهل بن يوسف ]. سهل بن يوسف، ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حميد أخبرنا ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ خطب ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وتقدم أن الحديث فيه انقطاع بين الحسن و ابن عباس .

    الأحوط إخراج صاع من بر


    هذه الأحاديث بعضها صححها الألباني ، ولكن قد جاء عن أبي سعيد الخدري أنه قال: (صاعاً من طعام)، والطعام المراد به البر، والخلاف بين الصحابة في ذلك موجود، فالأولى والاحتياط في الدين ألا يخرج الإنسان نصف صاع من البر، وإنما يخرج صاعاً من البر، ومما يدل على ذلك أن الأنواع الأخرى كلها أيضاً متفاوتة، فالشعير دون التمر من حيث القيمة، وقد يكون الزبيب في بعض الأحيان أغلى من التمر، وقد يكون الأقط في بعض الأوقات قيمته أكثر من التمر، فالمعتبر هو المقدار وإن تفاوتت هذه الأشياء، وما دام أن الأمر فيه احتمال فإن الأخذ بما هو أحوط أولى، والذي تطمئن إليه النفس أن الإنسان يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه، وهو أن يخرج الصاع من أي طعام حتى من البر، ولاشك أن هذا هو الأولى. ومن فعل ذلك بناءً على فتوى أو بناءً على اجتهاد أو ثبت عنده الحديث وأخذ به؛ فعمله صحيح، ولكن الأولى إخراج الصاع."



  10. #230
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [197]
    الحلقة (228)





    شرح سنن أبي داود [197]

    اختلف العلماء في جواز نقل الزكاة من بلد المال الزكوي إلى غيره من البلاد، وقد وردت أحاديث تدل على الجواز وأحاديث دالة على المنع، وقد وفق العلماء بينها كما في هذه المادة.

    تعجيل الزكاة


    شرح حديث أبي هريرة في تعجيل زكاة العباس


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تعجيل الزكاة. حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا شبابة عن ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقة، فمنع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله، وأما خالد بن الوليد فإنكم تظلمون خالداً ، فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأما العباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهي علي ومثلها، ثم قال: أما شعرت أن عم الرجل صنو الأب أو صنو أبيه) . أورد أبو داود رحمه الله باب تعجيل الصدقة، وتعجيلها هو تقديمها قبل حلول وقتها، والأصل أن الزكاة تجب إذا بلغ المال النصاب وحال عليه الحول، ومسألة تعجيلها قبل حولان الحول، وقبل وقت وجوبها، فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازه ومنهم من منعه، وقد جاءت أحاديث تدل على الجواز منها ما هو صريح ومنها ما هو محتمل، وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث عمر على الصدقة. أي: بعثه عاملاً على الصدقة، وهذا يدل على مشروعية بعث الإمام العمال لأخذ الزكاة، وقد جاء في القرآن أن العاملين عليها من مصارفها. قوله: (بعث عمر على الصدقة فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس) . ابن جميل قيل: اسمه عبد الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله). وهذا ما يسمونه في علم البلاغة: تأكيد الذم بما يشبه المدح؛ فقيل: إنه ينقم أنه كان فقيراً، ثم يأتي بعد ذلك بشيء قد يفهم منه أنه عذر له وهو في الحقيقة ليس بعذر، (ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله) أي: أنه كان فقيراً فغير الله حاله من الفقر إلى الغنى، وعلى هذا: فإذا لم يكن هناك إلا هذا العذر فهو غير معذور. وهناك عكس هذه المسألة، وهو: تأكيد المدح بما يشبه الذم، وهو علم من علوم البلاغة. وقوله: (وأما خالد : فإنكم تظلمون خالداً ، فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله) فقد فسر بتفسيرين، فقيل إن المراد به: إنه طلب منه زكاة هذه الأشياء على أنها تجارة، أي: طلب منه زكاة التجارة، فيكون في ذلك دليل على مشروعية أو وجوب الزكاة في عروض التجارة، وقيل: إن المقصود من ذلك استبعاد أن يحصل منه المنع مع أنه قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، والأعتد فسرت بأنها ما يُعدّ، ومن ذلك الخيل، فكونه يتطوع وتجود نفسه بتحبيس هذه الأموال في سبيل الله فهذا أمر ليس بالسهل، والذي يجود بمثل هذا وهو مستحب وليس بواجب فمن باب أولى أن يبادر إلى أداء الواجب، وأنه لا يمنع ذلك. قوله: (وأما العباس فهي عليّ ومثلها)، وفي بعض الروايات: (فهي عليه ومثلها). فقوله: (فهي عليّ ومثلها) فُسِّر بتفسيرين: فإما أن النبي صلى الله عليه وسلم تحمّل عنه؛ لأنه عمه، وإما أنه استسلف منه زكاة عامين على اعتبار أنها تكون مقدمة، وإذا جاء وقت حلولها فلا يجب عليه شيء؛ لأنه قد سبق أن قدمها وعجلها، وهذا هو محل الشاهد من الترجمة، ومن إيراد هذا الحديث؛ لأنه بهذا المعنى يفهم منه أن الرسول طلب منه أن يعجلها فعجلها، فتكون قد بذلت قبل وجوبها. وأما على رواية: (فهي عليه ومثلها) أي: على العباس ، أي: أنه أمهله وأخره لمصلحة وفائدة، أو لحاجة العباس إلى ذلك، فأخر إخراج الزكاة عنه إلى عام قابل، وفي العام القابل تكون عليه الزكاة ومثلها؛ لكونها مؤخرة، فعليه هذه الزكاة المؤخرة، وزكاة العام القادم الذي أخرت إليه. فهذا هو معنى الحديث على الروايتين، ومحل الشاهد منه إنما هو على الرواية الأولى التي أوردها المصنف وهي قوله: (فهي علي ومثلها). ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو الأب، أو صنو أبيه؟) يعني: مثل أبيه في الاحترام والتوقير، وقد أُطلق على العم أنه أب في كتاب الله عز وجل، فقد ذكر من جملة الآباء في سورة البقرة في قوله: قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ [البقرة:133] فإسماعيل عمّ وليس أباً، ومع ذلك أطلق عليه أنه أب، فهو مثله. ولهذا جاء عند أبي داود في (المراسيل): (إنّ العم في كتاب الله أب) وهو إشارة إلى هذه الآية، يعني: أنه أطلق عليه أنه أب، وأن له حق الاحترام والتوقير كما يوقر ويحترم الأب. وموضوع تأخير الزكاة ورد فيه حديث العباس هذا، فإذا ثبت هذا التأخير فللإمام أن يؤخر ذلك إذا رأى مصلحة في ذلك؛ استناداً إلى ما حصل في حديث العباس على الرواية الثانية وهي: (فهي عليه ومثلها).

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في تعجيل زكاة العباس


    قوله: [ حدثنا الحسن بن الصباح ]. الحسن بن الصباح ، صدوق يهم أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا شبابة ]. شبابة بن سوار، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ورقاء ]. ورقاء بن عمرو اليشكري صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزناد ]. وهو عبد الله بن ذكوان المدني ، كنيته أبو عبد الرحمن ، ولقبه أبو الزناد ، واللقب هنا على صيغة الكنية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ]. وهو عبد الرحمن بن هرمز الملقب الأعرج ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

    حكم الترحم على الصحابة والترضي عنهم

    جاء في الحديث الذي مر قبل هذا الذي: (عن ابن عباس رحمه الله)، وقد جاء في بعض الأحاديث الترحم على الصحابة، ولا شك أنه يُترحم على الصحابة، ولكن الذي اشتهر على ألسنة السلف هو الترضي عنهم، والترحم على من بعدهم، ويجوز الترحم عليهم والترضي على من بعدهم، فكل ذلك سائغ، ولكن المشهور وهو الجادة: أنه يترضى عن الصحابة، ويترحم على من بعدهم. والترضي على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو دعاء وليس إخباراً، وأما أصحاب الشجرة فهو إخبار بأن الله قد رضي عنهم، وليس دعاء، قال الله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، فإذا قال الإنسان: رضي الله عنهم مخبراً وداعياً في حق هؤلاء فهذا ليس فيه إشكال؛ لأن القرآن جاء بالإخبار بأنهم قد رُضي عنهم، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة) إلا أن جعله دعاءً هو المناسب، وإن أريد الإخبار بمعنى الدعاء فإنه قد جاء الإخبار عن الله في كتابه مع تأكيد ذلك بقوله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]. والصحابة رضي الله عنهم كلهم وعدوا الحسنى كما جاء في سورة الحديد: وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10] أي: الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، فهم وإن كانوا متفاوتين إلا أن الكل وُعِد الحسنى، والحسنى هي الجنة كما قال الله عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] وقد جاء تفسيرها في حديث صهيب الذي رواه مسلم في صحيحه: أن الْحُسْنَى هي الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله، وكما أن ثواب الذين أحسنوا الحسنى فعاقبة الذين أساءوا السوأى.

    شرح حديث (أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم تعجيل صدقته قبل أن تحل..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن زكريا عن الحجاج بن دينار عن الحكم عن حجية عن علي رضي الله عنه (أن العباس رضي الله عنه: سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك، قال مرة: فأذن له في ذلك) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أن العباس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل زكاته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك، وقال مرة: فأذن له في ذلك، فهذا فيه دليل على تعجيل الزكاة قبل حلول وقتها، ويدل على أن العباس رضي الله عنه نفسه قد استأذن في تعجل زكاته، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقوي الرواية التي مرت في الحديث السابق بلفظ: (وأما العباس فهي عليَّ ومثلها).

    تراجم رجال إسناد حديث (أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم تعجيل صدقته قبل أن تحل..)


    قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن زكريا ]. إسماعيل بن زكريا بن مرة الخلقاني ، وهو صدوق يخطئ قليلاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحجاج بن دينار ]. الحجاج بن دينار لا بأس به، أخرج له أصحاب السنن. [ عن الحكم ]. الحكم هو ابن عتيبة الكندي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حجية ]. وهو حجية بن عدي الكندي صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب السنن. [ عن علي ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم عن منصور بن زاذان عن الحكم عن الحسن بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحديث هشيم أصح ]. ثم ذكر إسناداًَ آخر وهو مرسل؛ لأنه من طريق الحسن بن مسلم بن يناق عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون مرسلاً، قال: وهو أصح، يعني: هذا الإسناد، لكن الحديث السابق المتصل حسن، وهذا يؤيده. [ قال أبو داود : روى هذا الحديث هشيم ]. هشيم هو: ابن بشير الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور بن زاذان ].. منصور بن زاذان وهو ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم عن الحسن بن مسلم ].. الحكم هو ابن عتيبة . والحسن بن مسلم هو ابن يناق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا الترمذي . ولمنصور بن زاذان كلمة مشهورة تبين مدى عبادته، وقوة صلته بالله عز وجل، وقد سبق أن ذكرتها، وهي مذكورة في ترجمته، وهي تدل على كمال عبادته، وعلى شغله وعنايته بها، فقد روي أنه لو قيل لمنصور بن زاذان إن ملك الموت بالباب ما كان بإمكانه أن يزيد شيئاً على ما كان يفعل من قبل، يعني: أنه مستعد للموت، وأن حياته كلها طاعات، وأنه لو أخبر بأن ملك الموت بالباب ما كان بإمكانه أنه يأتي بشيء جديد؛ لملازمته العبادة، ومداومته عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل)، وكما يقولون: قليل تداوم عليه خير من كثير تنقطع عنه، فهذه الكلمة مذكورة في ترجمته، وهي تدل على عبادته، وأنه ملازم للتقوى والاستقامة.

    من فقه تعجيل الزكاة

    وأما فقه هذه المسألة: فإذا كان هناك حاجة إلى تعجيل الزكاة فهو لا شك أنه إحسان، وأما الوجوب فلا يجب إلا إذا حال الحول، فكونه يقدم الشيء قبل أن يحل للحاجة إليه فلا شك أن هذا شيء جميل، والفائدة فيه متحققة، والمضرة منتفية، وهذا مما يحمد عليه صاحبه، أعني: كونه يعجل الزكاة عندما يُحتاج إليها، وقبل أن يأتي وقت وجوبها، وذكر أنه لمدة عامين. وأما إذا نما المال فإنه يخرج الزائد إذا تبين أن الذي قدمه أقل من الواجب، فالواجب هو ما كان عند حلول الزكاة، فإذا كان قدم شيئاً أقل من ذلك فإن عليه أن يكمل؛ لأن الوجوب وتحقُّق المقدار إنما هو عند حلول الزكاة، ولكن الذي يعجل -وإن حصل نقص- فلا شك أنه محسن، وإن حصل زيادة فإن عليه أن يأتي بالزيادة؛ حتى تبرأ لذمته.
    حمل الزكاة من بلد إلى بلد


    شرح حديث عمران بن حصين في عدم نقل الزكاة من بلد إلى بلد


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد. حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبي أخبرنا إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين عن أبيه أن زياداً أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين رضي الله عنهما على الصدقة فلما رجع قال لعمران : أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد أبو داود باباً في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد؟ أي: أن تكون زكاة المال في بلد، فتنقل من ذلك البلد وتوزع على فقراء بلد آخر. وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، فمنهم من منعها، ومنهم من أجازها، والذين أجازوها قالوا: إن البلد إذا كان محتاجاً أو أكثر حاجة إليها من غيره فهو أولى، وإذا كان غيره أشد حاجة إليها منه فإنه يجوز نقلها إليه. أما إذا كانت الحاجة متساوية فإن البلد الذي فيه المال يكون أحق بها من الآخر. وقد أورد المصنف الترجمة بالاستفهام، وأورد حديثاً ليس فيه دلالة على نقل الزكاة وإنما فيه دلالة على بذل الزكاة في بلد المال، فقد أورد حديث عمران بن حصين: (أن أحد الولاة أرسله مصدّقاً، ولما جاء قال: أين المال؟ قال: وهل أرسلتني للمال؟ إنا كنا نأخذه كما نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ونضعه كما كنا نضعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا يماثل ما جاء في حديث معاذ : (أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقراءهم)، والمقصود بذلك أهل اليمن، أي: تؤخذ من أغنياء اليمن وترد على فقراء اليمن، وحديث معاذ هذا من العلماء من قال فيه: إن المراد به المسلمون، أي: تؤخذ من أغنياء المسلمين، وترد على فقراء المسلمين، وعلى هذا فيجوز نقلها من بلد إلى بلد. والحاصل: أن فقراء البلد الذي فيه المال هم أحق بزكاة ماله؛ لأنهم هم الذين يشاهدون ذلك المال ويبصرونه، فهم أحق الناس بفوائده ومنافعه وزكاته، ولكن يجوز النقل إلى بلد آخر إذا كانت الحاجة أشد، أو كان هناك فائض عن فقراء البلد. وأما نقلها إلى بلد آخر لأجل قرابة له فقراء فقد سبق أن ذكرت عدة مرات أن الأقارب لهم حق غير الزكاة، وبعض الناس قد يتخذ من الزكاة وقاية للمال، فيقول: ما دام أنّ الزكاة خارجة فبدلاً من أن أعطيها لأجنبي سأعطيها لقريب مني؛ حتى أسلم من الحق الذي له علي في مالي! فلا يجوز أن تتخذ وقاية للمال، لكن إذا كان المال قليلاً والزكاة قليلة فلا شك أن إعطاءها للقريب أولى من إعطائها للبعيد، وذلك حيث لا يمكن أن يكون هناك مجال لإعطاء القريب من أصل المال، لكن إذا كان صاحب المال من بلد ليس فيه أموال زكوية تعطى لفقراء ذلك البلد، فالبلد الذي فيه المال يكون أولى؛ لعدم وجود شيء يكفي أهل ذلك البلد. والأمر -كما قلت- في ذلك واسع، فمن أخرجها في بلده فله وجه، ومن أرسلها لقريبه فله وجه، وهذا فيما إذا كان المال قليلاً، أما إذا كان كثيراً فأقرباؤه الذين ليسوا في البلد، أو كانوا في البلد فإنه يعطيهم من ماله؛ لأن لهم حقاً غير الزكاة.
    تراجم رجال إسناد حديث عمران في عدم نقل الزكاة من بلد إلى بلد

    قوله: [ حدثنا نصر بن علي] نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين ]. إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين ، وهو صدوق أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. أبوه هو عطاء بن أبي ميمونه وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عمران بن حصين ]. عمران بن حصين أبو نجيد رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ثم هذا الحديث الذي معنا وهو حديث عمران فيه دلالة على أن زكاة المال تخرج في بلد المال؛ لأن عمران بن حصين رضي الله عنه كان يأخذها من الأغنياء ويعطيها الفقراء، لكن قد جاء ما يدل على أنها تجبى وأنه يؤتى بها، وذلك كما في قصة ابن اللتبية ، فإنه لما جاء قال: (هذا لكم وهذا أهدي إلي)، فقوله: (هذا لكم) يعني: أنه أتى بالزكاة، فهو يدل على أن هذا أمر سائغ، ولعل عمران بن حصين رضي الله عنه كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل مثل هذا الذي ذكره من كونه يأخذ المال ويعطيه الفقراء، وقصة ابن اللتبية فيها أنه جاء بالمال، ولعله طُلب منه أن يأتي به. والحاصل أنه يمكن للعامل أن يوزع المال على المحتاجين، ويمكن أن يأتي به، وهذا على حسب ما يتفق عليه مع ولي الأمر، فإن قال له: اقبضها ووزعها، فإنه يفعل ذلك، وإن قال له: اقبضها وائت بها فإنه يفعل ذلك. قوله: [ أن زياداً أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين ]."



  11. #231
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [198]
    الحلقة (229)





    شرح سنن أبي داود [198]

    لقد حث ديننا الحنيف على التصدق والبذل والإعطاء، ورتب على ذلك الأجور العظيمة، ففي التصدق والبذل التخلص من أمراض النفوس وأدرانها كالبخل والشح والهلع، وفيه إعانة للفقراء والمساكين من المسلمين، فنفع ذلك لازم ومتعد، وخير الأمور ما كان نفعه لازماً ومتعدياً. كما أن ديننا حث المؤمن على العفاف والاستغناء، وألا يسأل الناس حتى يعطوه أو يمنعوه، إلا من كان مضطراً إلى ذلك، فلا بأس.

    من يُعطى الصدقة


    شرح حديث (من سأل وله ما يغنيه..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى. حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خموش، أو خدوش، أو كدوح في وجهه، فقال: يا رسول الله! وما الغنى؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب) ]. أورد أبو داود باب من يعطى من الصدقة، وحدّ الغنى، يعني: من الذي يعطى من الصدقة وما حدّ الغنى، أي: ومن هو الفقير ومن هو الغني؟ والذي يعطى من الصدقة أعم من كونه فقيراً؛ لأن الصدقة مصارفها ثمانية، فهل لابد أن تكون الزكاة في المصارف الثمانية أو أنه يجوز صرفها في صنف واحد؟ قال بعض أهل العلم: لابد أن توزع على المصارف الثمانية، ومنهم من قال: يكفي توزيعها في صنف واحد كما جاء في حديث معاذ : (تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم) وكما حصل من عمران بن حصين عندما جمعها وأعطاها للفقراء. وحدُّ الغنى جاء في الحديث الذي أورده أبو داود من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خموش، أو خدوش، أو كدوح في وجهه، فقال: يا رسول الله! وما الغنى؟)؛ لأنه قال: (وله ما يغنيه) فطلبوا منه أن يفسر قوله: (وله ما يغنيه)، فقال: (خمسون درهماً، أو قيمتها من الذهب) وكأن المقصود من ذلك أنه يسأل في حينه وفي وقته وعنده ما يكفيه، وأما لو كان عند الإنسان خمسون درهماً فإنه يجوز أن يعطى من الزكاة ما يكفيه لمدة سنة، والمحذور هنا هو أن يسأل الإنسان وعنده شيء يغنيه في يومه وليلته أو أكثر من ذلك كما سيأتي، فالإنسان الذي عنده كفايته لا يسأل في الوقت الذي عنده تلك الكفاية، ولكن إذا نفذ ما عنده فله أن يسأل. وعلى هذا فذكر هذا العدد ليس قيداً في كون الإنسان لا يعطى من الزكاة وعنده خمسون درهماً، وإنما يتعلق بمنع المسألة، وأن الإنسان لا يسأل وعنده هذا المقدار، لأنه غني في وقته وإن كان ليس عنده شيء يغنيه طوال السنة، ولذلك فهو أهل لأن يعطى من الزكاة، والزكاة تؤخذ في كل عام فيعطى الفقراء ما يكفيهم إلى نهاية العام، ثم إذا جاء العام الآخر أخذت الزكاة فيعطون ما يكفيهم .. وهكذا. إذاًً: هذا المقدار ليس حداً لكونه لا يعطى من الزكاة، ولكنه حد لكونه لا يسأل؛ لأن عنده شيئاً يغنيه عن السؤال في وقته. قوله: (خموش، أو خدوش، أو كدوح) هي آثار في الوجه، ومعنى ذلك: أنه سأل وأراق ماء وجهه، فيعاقب يوم القيامة بأن يأتي وهو على هذه الهيئة التي تصير علامة على سؤاله وهو ليس أهلاً لذلك؛ فإنه غني في الوقت الذي سأل فيه.
    تراجم رجال إسناد حديث (من سأل وله ما يغنيه..)

    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا يحيى بن آدم ]. يحيى بن آدم الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حكيم بن جبير ]. حكيم بن جبير ، وهو ضعيف، أخرج له أصحاب السنن. [ عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ]. محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث ضعيف، ففي إسناده حكيم بن جبير ، ولكن قد جاءت أحاديث أخرى تدل على ذم المسألة، وعقوبة صاحبها. وأما سؤال ولاة الأمر، فالذي يبدو أنه لا بأس به إذا كان للإنسان شيء قليل لا يكفيه ولا يغنيه، وأما الذي عنده شيء كثير ولكنه يتكثر فهذا الذي ينبغي له أن يستعفف، وينبغي له ألا يسأل ولاة الأمر. وفي هذا الوقت يكون عند الإنسان راتب يكفيه، لكنه يريد أن يستزيد، فهذا لو يستعفف لكان خيراً له، فمن يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله، وأما إذا جاء من غير مسألة ولا إشراف نفس فلا بأس بأخذه كما في حديث عمر (من غير مسألة ومن غير إشراف نفس) الحديث. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال يحيى : فقال عبد الله بن عثمان لسفيان : حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير ، فقال سفيان : فقد حدثناه الزبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ]. [ قال: يحيى ]. يحيى بن آدم الذي مر ذكره. [ فقال عبد الله بن عثمان لسفيان ]. عبد الله بن عثمان هو البصري وسفيان هو الثوري. وقوله: (حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير)، أي: الذي أحفظه أنه لا يروى عن حكيم ، يعني: لضعفه، فقال: (حدثناه زبيد) وهو زبيد بن الحارث اليامي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. بقي علينا أن نعرف بعبد الله بن عثمان : عبد الله بن عثمان الذي يبدو أنه البصري، الذي قيل إنه صاحب شعبة ، قال النسائي : ثقة ثبت أخرج له الترمذي و النسائي و ابن ماجة ، ولم يذكر أبا داود لعله لأنه هنا معلق.
    شرح حديث (من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال: (نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد، فقال لي أهلي: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسله لنا شيئاً نأكله، فجعلوا يذكرون من حاجتهم، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت عنده رجلاً يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا أجد ما أعطيك، فتولى الرجل عنه وهو مغضب وهو يقول: لعمري! إنك لتعطي من شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يغضب علي ألا أجد ما أعطيه؟! من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً). قال الأسدي: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية -والأوقية أربعون درهماً- قال: فرجعت ولم أسأله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك شعير أو زبيب فقسم لنا منه أو كما قال، حتى أغنانا الله عز وجل ]. أورد أبو داود حديث رجل من بني أسد جاء هو وأهله إلى المدينة، فنزلوا في بقيع الغرقد، أي: في منطقة البقيع يعني: ليس معناه أنهم نزلوا في البقيع ولكنهم نزلوا في منطقة البقيع يعني حوله، فقال له أهله: (اذهب إلى رسول الله فسله لنا شيئاً نأكله)، أي: سله لنا طعاماً نأكله. فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده رجلاً يسأله، فاعتذر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وذكر أنه ليس عنده شيء يعطيه إياه، فغضب ذلك الرجل وقال: لعمري إنك تعطي من شئت! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يغضب علي ألا أجد ما أعطيه؟! من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً)، والأوقية أربعون درهماً؛ لأن نصاب الفضة خمس أواق، ومقدارها مائتا درهم، فالأوقية إذاً أربعون درهماً. قوله: (فقد سأل إلحافاً) يعني: سأل وعنده ما يغنيه، فيكون قد ألح في السؤال وهو ليس محلاً لذلك، وهذا في حال وجود ذلك المقدار عنده، وأما إذا لم يكن عنده هذا المقدار فله أن يسأل، وهذا كما هو معلوم شيء، وإعطاؤه من الزكاة شيء آخر، فهو وإن كان ينبغي له ألا يسأل لكنه يُعطي من الزكاة ما يكفيه لمدة سنة وإن كان عنده أربعون درهماً. فهذا الأسدي الذي جاء كفته هذه المحاورة التي جرت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ذلك الرجل، وذلك عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول له هذه المقالة. قوله: (فقال الأسدي: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية). الأسدي: نسبة إلى بني أسد، واللقحة هي الناقة، فيشربون من حليبها، وهي عندهم خير من الأوقية التي هي أربعون درهماً. قوله: (قال: فرجعت ولم أسأله) أي: كفاه ذلك الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يسأله، فجاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شعيرٌ أو زبيب فأعطاه منه حتى أغناه الله). وقد جاء في الحديث الماضي: خمسون، وهنا: أربعون، وهما متقاربان. وأما مقدار ذلك الآن فالمائتا درهم تعادل ستة وخمسين، فالأربعون أوقية خمُس الستة والخمسين، أي: أحد عشر وخمس من ريالات الفضة، فإذا قيل: إن الريال عُشر الفضة فالعشرة ريالات فضة تصير مائة وعشرة ريال. ومرجع الإعطاء والكفاية إلى العرف، فبعض الأماكن وبعض الناس تختلف قضية الغنى والفقر عندهم فالأعزب مثلاً ليس كالمتزوج الذي عنده عيال من حيث الغنى والفقر، فتختلف الكفاية بحسب ذلك، وكذلك تختلف كفاية العائلة بحسب عدد أفرادها وهكذا.

    تراجم رجال إسناد حديث (من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً)


    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل من بني أسد ]. أي أنه مبهم، والمبهم والمجهول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المعلوم؛ لأن جهالة الصحابة لا تؤثر، وإنما تؤثر الجهالة في غيرهم، وأما هم فما داموا أنهم صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمجهول فيهم في حكم المعلوم. [ قال أبو داود : هكذا رواه الثوري كما قال مالك ]. يعني: بهذا اللفظ. والله تعالى أعلم.
    بيان عن حديث (يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء)

    هناك منشورات فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي ! لا تَنَم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي: قراءة القرآن كله، والتصدق بأربعة آلاف درهم، وزيارة الكعبة، وحفظ مكانك من الجنة، وإرضاء الخصوم، قال علي : وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تعلم أنك إذا قرأت: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ثلاث مرات فقد قرأت القرآن كله، وإذا قرأت الفاتحة أربع مرات فقد تصدقت بأربعة آلاف درهم، وإذا قلت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير عشر مرات فقد زرت الكعبة، وإذا قلت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عشر مرات فقد حفظت مكانك في الجنة، وإذا قلت: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه عشر مرات فقد أرضيت الخصوم). أقول: لما قال علي رضي الله عنه هذا الكلام هل سلم من الخصوم؟! فالدنيا يوجد فيها خصوم، وهذا الكلام فيه مبالغة، ثم هذه أمور غيبية، فيكفي الناس ما صح وثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذكار والأدعية والأعمال الصالحة، وأما الأشياء التي فيها مبالغات، والتي ليس لها أساس من الصحة فالبعد عنها أسلم.
    شرح حديث (من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد و هشام بن عمار قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف، فقلت: ناقتي الياقوتة هي خير من أوقية -قال هشام : خير من أربعين درهماً- فرجعت فلم أسأله شيئاً، زاد هشام في حديثة: وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعين درهماً) ]. سبق بعض الأحاديث المتعلقة بذكر من يُعطى من الصدقة، ومما يدل على ذلك أيضاً حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف)، والأوقية -كما هو معلوم- هي أربعون درهماً. (فقلت: ناقتي الياقوتة)، اسم ناقته ياقوتة، (خير من أوقية) يعني: أنه يملك شيئاً كثيراً. (قال هشام : خير من أربعين درهماً) يعني: أن قتيبة قال: (أوقية)، وهشام قال: (أربعون درهماً) وهما بمعنى واحد؛ لأن الأوقية أربعون درهماً. قوله: (فرجعت فلم أسأله شيئاً) أي: أنه لما سمع هذا الكلام اكتفى به. وزاد هشام في حديثه: (وكانت الأوقية في عهده صلى الله عليه وسلم أربعين درهماً) أي أنه قال هذا ليبين أن الأوقية هي هذا المقدار من الدراهم. قد يفهم من هذا الحديث أن أبا سعيد هو صاحب القصة، ويفهم منه أيضاً أن صاحب القصة هو ذلك الرجل الذي جاء وسأل كما في الحديث السابق، فليس في هذا الحديث أن أبا سعيد سأل، وإنما أخبر بأنه سمع هذا الكلام، فيحتمل أن يكون المقصود بهذا الكلام هو أبا سعيد ، ويحتمل أن يكون المقصود به الرجل السابق صاحب بني أسد.

    تراجم رجال إسناد حديث (من سأل وله قيمة أوقية فقد أحلف)


    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال ]. عبد الرحمن بن أبي الرجال وهو صدوق ربما أخطأ أخرج له أصحاب السنن، و ابن أبي الرجال كنية أبيه: أبو الرجال ، وهو محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، وقيل له: أبو الرجال ؛ لأنه ولد له عشرة من البنين، فكان يقال له: أبو الرجال ، وهذا لقب، وأما كنيته: فأبو عبد الرحمن ، وهذا من جنس أبي الزناد ، فإنه لقب، واسمه: عبد الله بن ذكوان ، وكنيته: أبو عبد الرحمن ، فكل من أبي الزناد و أبي الرجال لقب على صيغة الكنية، وكل منهما يكنى بأبي عبد الرحمن. [ عن عمارة بن غزية ]. عمارة بن غزية لا بأس به، وهي بمعنى: صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ]. عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه سعد بن مالك بن سنان ، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    معنى الإلحاف في السؤال


    قال الواحدي : الإلحاف في اللغة: هو الإلحاح في المسألة، قال الزجاج : معنى ألحف شمل بالمسألة، والإلحاف في المسألة: هو أن يشتمل على وجوه الطلب بالمسألة كاشتمال اللحاف في التغطية. وقال غيره: الإلحاف في المسألة مأخوذ من قولهم: ألحف الرجل، إذا مشى في لحف الجبل، وهو أصله، فكأنه استعمل للخشونة في الطلب. وهذه قسوة وخشونة في الطلب، وليس هناك سهولة ولين، وهذا كالذي ذهب ليسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما قال له: (لا أجد ما أعطيك، قال: إنك تعطي من شئت)، فهذه هي الخشونة في الطلب.

    شرح حديث (من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا مسكين قال: حدثنا محمد بن المهاجر عن ربيعة بن يزيد عن أبي كبشة السلولي حدثنا سهل بن الحنظلية رضي الله عنه أنه قال: (قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس فسألاه، فأمر لهما بما سألا، وأمر معاوية رضي الله عنه فكتب لهما بما سألا، فأما الأقرع فأخذ كتابه فلفه في عمامته وانطلق، وأما عيينة فأخذ كتابه وأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكانه فقال: يا محمد! أتراني حاملاً إلى قومي كتاباً لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمس ؟! فأخبر معاوية رضي الله عنه بقوله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار. وقال النفيلي في موضع آخر: من جمر جهنم. فقالوا: يا رسول الله! وما يغنيه؟ وقال النفيلي في موضع آخر: وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه ). وقال النفيلي في موضع آخر: أن يكون له شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم. وكان حدثنا به مختصراً على هذه الألفاظ التي ذكرت ]. وأورد أبو داود حديث سهل بن الحنظلية رضي الله عنه، أن الأقرع بن حابس و عيينة بن حصن جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه، فكتب لهما بطلبهما، فأخذ الأقرع بن حابس الكتاب ولفه في عمامته وانطلق، وأما عيينة بن حصن فإنه جاء وقال: إني لا أدري ما في هذا الكتاب، وإني أشبّه بالمتلمس الذي حمل الصحيفة وهو لا يدري ما فيها، وقصة المتلمس : أن رجلين يقال لأحدهما: المتلمس جاءا إلى أمير من الأمراء أو كبير من الكبراء، فحصل منهما هجر له، ثم كتب لكل واحد منهما كتاباً إلى بعض عماله، وكان الكتاب مشتملاً على قتل كل واحد منهما إذا وصلا إلى ذلك العامل، فأما أحدهما فذهب بذلك الكتاب إلى العامل ففتحه العامل وقتله، وأما هذا ففتح الكتاب في الطريق ووجد فيه أنه سيقتل، فمزق الكتاب وهرب، فصار يقال للذي يحمل شيئاً فيه حتفه ومضرته: كحامل صحيفة المتلمس . فعيينة يقول: إنني لا أدري ما فيها، فلعلي أكون حاملاً صحيفة المتلمس ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل وله ما يغنيه فإنما يستكثر من النار)، وفي رواية (يستكثر من جمر جهنم)، يعني: أن سؤال الإنسان وعنده ما يغنيه يعود عليه بالمضرة، ويعاقب على ذلك، وأنه إنما يستكثر من جمر جهنم، ويكون ذلك قلةً وكثرةً على حسب استكثاره من السؤال والطلب وعنده ما يغنيه. قوله: (فقالوا يا رسول الله! وما يغنيه؟ قال النفيلي: قالوا: وما الغنى الذي لا تكون معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه) يعني: في ذلك اليوم، فالإنسان الذي عنده طعام يومه وليلته ثم يسأل بعد ذلك فإنه يكون عند ذلك سائلاً وهو غني. وقد رواه النفيلي على عدة أوجه مختصرة، وهنا أشار أبو داود إلى هذه الروايات المتعددة التي حدث بها النفيلي ، فذكر كل فقرة على حدة، وبألفاظ مختلفة. قوله: (أن يكون عنده شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم) هو مثل الذي قبله: أن يكون عنده ما يغديه ويعشيه. قوله: (وكان حدثنا به مختصراً على هذه الألفاظ)، يعني: مرة هكذا، ومرة هكذا، وهنا جمعها وأشار إلى ألفاظها المختلفة.
    تراجم رجال إسناد حديث (من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار)

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا مسكين ]. مسكين وهو ابن بكير الحراني، وهو صدوق يخطئ أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا محمد بن المهاجر ]. محمد بن المهاجر ، وهو ثقة أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ربيعة بن يزيد ]. ربيعة بن يزيد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي كبشة السلولي ]. أبو كبشة السلولي ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سهل بن الحنظلية ]. سهل بن الحنظلية صحابي أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و أبو داود و النسائي . [ عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس ]. عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس زعيمان وكبيران من كبار قومهما، قيل: إنه عليه الصلاة والسلام أعطاهما لتأليف قلوبهما. وقد يستشكل بعضهم هذه العبارة: (فقال: يا محمد! أتراني حاملاً إلى قومي كتاباً لا أردي ما فيه كصحيفة المتلمس ؟! فأخبر معاوية بقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فالاستشكال: ألم يقل الأقرع هذا الكلام في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يحتاج إلى إخبار معاوية بذلك؟ والجواب: يمكن أن يكون طلب من معاوية أن يقول هذا الكلام، أو أنه قاله للنبي صلى الله عليه وسلم وقاله لمعاوية ، فأخبر معاوية بما قيل له، وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أيضاً، فيكون حصل من الجهتين: فقد قاله للنبي صلى الله عليه وسلم، وقاله لمعاوية ، وأخبر معاوية أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
    شرح حديث (إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الله يعني: ابن عمر بن غانم عن عبد الرحمن بن زياد أنه سمع زياد بن نعيم الحضرمي أنه سمع زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبايعته، فذكر حديثاً طويلاً، قال: فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك) ]. أورد أبو داود حديث زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الصدقة، فقال: إن الله عز وجل قد تولى قسمة الصدقات بنفسه ولم يوكلها إلى نبي، فإن كنت من أهل هذه الأجزاء -أي: الأجزاء الثمانية التي ذكرها الله في سورة التوبة-أعطيتك حقك. أي: من الزكاة. فالحديث فيه أن مصارف الزكاة ثمانية كما جاء في القرآن، وأن من كان من أهل الزكاة فإنه يعطى منها، ومن لم يكن من أهلها فإنه لا يعطى؛ لأنها إنما جعلت للمصارف الثمانية، وقد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن الزكاة توزع على المصارف الثمانية، وأنها لا تكون في صنف واحد. وقال بعض أهل العلم: إنه لا بأس بصرفها في صنف واحد، ولا يلزم توزيعها على المصارف كلها، ويستدلون على ذلك بحديث معاذ حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب...) وفي آخره: (فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم)، فعلى هذا القول لا يتعين توزيعها على المصارف الثمانية، وقد توجد بعض هذه المصارف وقد لا توجد، فمصرف العاملين عليها مثلاً قد لا يوجد، وذلك إذا كانت الزكاة تحصل بدون عمال، وكذلك مصرف المؤلفة قلوبهم، فربما لا يوجد من يؤلف قلبه، وكذلك ربما لا يوجد ابن سبيل، فتصرف الزكاة في المصارف الثمانية ولا تتعداهم إلى غيرهم، وإن صرفت في صنف واحد كالفقراء فلا بأس بذلك. ولا شك أنه إذا كانت الرقاب موجودة، وكذلك ابن سبيل وغيرهما، فإعطاء كل هذه المصارف هو المناسب، لكن إذا كانت الحاجة أشد في بعض المصارف كالفقراء فلا بأس أن تعطى لهم، وإذا كانت الأموال كثيرة فتعطى الجهات كلها، ولكنه ينظر إلى الأصلح والأعظم فائدة، والأكبر منفعة فيقدم على حسب ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث (إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات...)


    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله يعني: ابن عمر بن غانم ]. عبد الله بن عمر بن غانم وثقه ابن يونس وغيره. [ عن عبد الرحمن بن زياد ]. عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ، ضعيف في حفظه أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ سمع زياد بن الحارث الصدائي ]. زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه أحد الصحابة، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وهذا الحديث ضعيف.

    شرح حديث (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و زهير بن حرب قالا: حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس شيئاً، ولا يفطنون به فيعطونه) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان، وإنما المسكين الذي لا يسأل الناس شيئاً، ولا يتفطنون به فيعطونه). قوله: (ولا يفطنون به فيعطونه) ليس المقصود من هذا نفي المسكنة عن المسكين الذي يسأل الناس؛ لأن كلاً منهما مسكين، ولكن المقصود بيان صفة المسكين الأعظم، والمسكين الذي هو أهم وأشد، فليس عنده شيء ولا يسأل، وأما المسكين الذي يسأل فإنه يعطى فيأكل ويستفيد. إذاً: فليس المقصود من نفي المسكنة هنا نفيها على الحقيقة في المسكين الذي يسأل، لكنه وإن كان مسكيناً إلا أنه دون من لا يسأل، ولهذا نظائر وأمثلة منها قوله (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، فالصرعة هو الذي يصرع الرجال، وليس هو شديداً على الحقيقة، وإنما الشديد حقيقة هو الذي يملك نفسه عند الغضب، وإن كان الذي يصرع الرجال هو شديداً، ولكنه ليس بشديد حقيقة. وكذلك الحديث الذي قال صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس ما لا درهم عنده ولا متاع، قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج..)، فالذي ذكروه مفلس، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد مفلس الآخرة، وهم فهموا أن المقصود مفلس الدنيا، فهذا مفلس وهذا مفلس، ولكن المفلس على الحقيقة هو مفلس الآخرة، فهذه الأمثلة تشبه ما جاء في هذا الحديث: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان) يعني: اللقمة واللقمتان، فالأكلة هي اللقمة، (وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن الناس به فيعطونه)؛ فهو متعفف مع شدة حاجته، وتجده صابراً غير سائل، فهذا هو الذي يستحق أن يعطى، وأما السائل الذي يسأل ويعطى فهو أخف منه؛ لأنه يجد ما يأكله.
    تراجم رجال إسناد حديث (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان..)

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ و زهير بن حرب ]. زهير بن حرب هو أبو خيثمة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. أبو صالح هو ذكوان السمان ، اسمه ذكوان ، ولقبه السمان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

    شرح حديث (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان...) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و عبيد الله بن عمر و أبو كامل المعنى، قالوا: حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثله، قال: (ولكن المسكين المتعفف، زاد مسدد في حديثه: ليس له ما يستغني به، الذي لا يسأل، ولا يعلم بحاجته فيتصدق عليه، فذاك المحروم)، ولم يذكر مسدد المتعفف الذي لا يسأل ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه بيان المسكين على الحقيقة، وهو المتعفف الذي لا يسأل، وجاء فيه أيضاً أنه المحروم، وتفسيره بالمحروم مدرج من كلام الزهري ، وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان) من طريق أخرى

    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و عبيد الله بن عمر ]. عبيد الله بن عمر بن ميسرة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ و أبو كامل ]. أبو كامل هو: الفضيل بن حسين الجحدري وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ المعنى، قالوا: حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. أي: أنهم متفقون في المعنى مع اختلافهم في الألفاظ. وعبد الواحد بن زياد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو ابن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكره. قال أبو داود : [ روى هذا الحديث محمد بن ثور و عبد الرزاق عن معمر ، وجعل (المحروم) من كلام الزهري ، وهو أصح ]. ثم ذكر طريقاً أخرى وفيها بيان أن (المحروم) من كلام الزهري وهو أصح، يعني: فيكون مدرجاً من كلام الزهري . ومحمد بن ثور ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ و عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. معمر مر ذكره.
    شرح حديث (إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: (أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وهو يختم الصدقة فسألاه منها، فرفّع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين، فقال: إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب) ]. أورد أبو داود حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار : أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه، فنظر فيهما -يعني: صوب النظر وخفضه- فوجدهما جلدين -أي: نشطين قويين عليهما أثر الصحة والعافية والقوة- فقال: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب، معناه: أنه لم يعرف حالهما؛ لذلك فوض الأمر إليهما، وأنهما إن كانا من أهلها فإنه يعطيهما، وإن لم يكونا من أهلها فإنهما لا حق لهما فيها. وقوله: (لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب) الغني هو الذي عنده ما يكفيه، والقوي المكتسب هو الذي عنده قدرة على العمل مع وجود العمل، فمن المعلوم أن العمل قد يكون متوفراً وقد لا يتوفر، لكن من كان أهلاً للصدقة فإنه يعطى منها كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب) يعني: أن الأمر إليكما، فلا أدري ما الذي حصل بعد ذلك: هل أخذا أو لم يأخذا؟ ولكن كلام النبي صلى الله عليه وسلم يفيد بأن الذي يسأل هو صاحب الحاجة، أو من كان عليه أثر الضعف، وأما الذي عنده قوه فينبغي عليه أن يعمل وألا يسأل الناس، ولهذا نجد النبي صلى الله عليه وسلم يرشد إلى العمل، ويأمر الإنسان أن يأخذ فأساً وحبلاً ويحتطب، ثم يبيع ذلك الحطب، ثم يأكل من عمل يده. ولا فرق في ذلك بين الصدقة الواجبة والنافلة ما دام أنها تسمى صدقة، فلا تعطى إلا لفقير ولو كانت نافلة، وأما غير الفقير فإنه يعطى هدية، فالإنسان الذي لا يستحق الصدقة يهدى إليه، ولهذا يفرقون بين الصدقة والهدية، كما يذكرون في الهدي أنه يأكل منه ويتصدق ويهدي، أي: يعطي من لا يستحق الصدقة. وبعض أهل العلم يقول: إن الصدقة النافلة يجوز أن تعطى لمن كان غنياً، لكن ما دام أنها صدقة فلا تكون إلا للفقراء والمساكين، وأما غيرهم فلا يسميها صدقة، وإنما يسميها هدية إذا أعطيت للأغنياء، ذكر ذلك صاحب عون المعبود، وأظنه أشار في الحاشية هنا أن هذا في الزكاة، وأما الصدقة النافلة فإنه لا بأس بذلك، لكن يبدو -والله أعلم- أن كل ما يقال له صدقه فالأولى ألا يصرف إلا في مصارف الصدقة.
    تراجم رجال إسناد حديث (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني...)

    قوله: [ حدثنا مسدد عن عيسى بن يونس ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ]. عبيد الله بن عدي بن الخيار استشهد أبوه عام الفتح وهو مميز قيل إنه لا تعرف له رواية، وقال في التقريب: (عد في الصحابة وعده العجلي وغيره في ثقات التابعين)، أي: عد في الصحابة؛ لكونه كان مميزاً في حجة الوداع، وعده العجلي وغيره في ثقات التابعين، ومعنى ذلك أنه ليس بصحابي عندهم، وهذا إذا كان لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الصغير من الصحابة الذي له رؤية فإنه يكون معدوداً في كبار التابعين من حيث الرواية، ومعدوداً في الصحابة من حيث الرؤية. أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
    شرح حديث (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباد بن موسى الأنباري الختلي حدثنا إبراهيم يعني: ابن سعد أخبرني أبي عن ريحان بن يزيد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي)، فقوله: (مرة) أي: قوة، وقوله: (سوي) يعني: أنه سليم وليس به عاهة أو نقص، كما جاء في سورة النجم في وصف جبريل عليه السلام: ذُو مِرَّةٍ [النجم:6] أي: ذو قوة، فيصير مثل الحديث الذي قبله: (لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب)، فقوله هنا: (ذي مرة سوي) هو مثل قوله: (لقوي مكتسب).

    تراجم رجال إسناد حديث (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)


    قوله: [ حدثنا عباد بن موسى الأنباري الختلي ]. عباد بن موسى الأنباري الختلي ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إبراهيم يعني: ابن سعد ]. إبراهيم بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبي ]. أبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ريحان بن يزيد ]. ريحان بن يزيد مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أحد العبادلة الأربعة من الصحابة،.. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث صححه الألباني ، وفيه هذا المقبول، فلعل هناك طرقاً أخرى جاءت في معناه، فالحديث الذي قبله يشهد له، فقوله: (لذي مرة سوي) هو نفسه القوي المكتسب، وكذلك يشهد له الحديث الذي بعده.

    شرح حديث (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي) من طرق أخرى وتراجم رجاله


    [ قال أبو داود : رواه سفيان -يعني: الثوري - عن سعد بن إبراهيم كما قال إبراهيم ، ورواه شعبة عن سعد قال: (لذي مرة قوي)، والأحاديث الأخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضها: (لذي مرة قوي)، وبعضها: (لذي مرة سوي)، وقال عطاء بن زهير : إنه لقي عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: (إن الصدقة لا تحل لقوي، ولا لذي مرة سوي)]. ذكر أبو داود عدة طرق بعدة ألفاظ، وقد علق هذه الطرق، وألفاظ بعضها كالرواية السابقة: (ذي مرة سوي)، وفي بعضها: (لذي مرة قوي)، ولا شك أن قوله: (لذي مرة سوي)، أوضح من قوله: (لذي مرة قوي)؛ لأن المرة هي القوة، وأما السوي فهي تؤدي معنى آخر وهو سلامة الأعضاء، والسلامة من العاهات، مع القوة والنشاط والقدرة. ثم قال أبو داود : [ رواه سفيان عن سعد بن إبراهيم كما قال إبراهيم ]. وسفيان يحتمل أن يكون ابن عيينة ويحتمل أن يكون الثوري ، ولعله هنا الثوري ؛ لأن شعبة -كما في بعض الطرق- و الثوري قرينان، ويتفقان في كثير من الشيوخ، وطبقتهما واحدة، وقد رواه شعبة . [ ورواه شعبة عن سعد ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال عطاء بن زهير : إنه لقي عبد الله بن عمرو فقال: (إن الصدقة لا تحل لقوي، ولا لذي مرة سوي) ]. يعني أنهما ما اتفقا على اللفظ الأول. وعطاء بن زهير مستور، أخرج له أبو داود ."



  12. #232
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [199]
    الحلقة (230)



    شرح سنن أبي داود [199]

    لقد حثنا ديننا على علو الهمة، وعلى الاعتماد على النفس، ونهانا عن سفاسف الأمور وسقطاتها، وعن الاعتماد على الآخرين، لذا فقد نهى عن مسألة الناس وتكففهم، وحذر من ذلك وقبّحه، ورتّب عليه العقاب في الآخرة، فالمسألة إراقة لماء الوجه، وسكب لحياء النفس، وتذلل للعباد، وقد بين الشرع من تحل له المسألة، فإذا قضى حاجته فليستعفف.

    الذين يجوز لهم أخذ الصدقة وهم أغنياء



    شرح حديث (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: [ (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين، فأداها المسكين للغني) ]. أورد أبو داود باب: من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني، وقد سبق أن مر أن الصدقة لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، وجاء هنا أن بعض الأغنياء يأخذون منها لكن ليس للغنى، وإنما لأوصاف أُخر غير الغنى، فلا ينافي هذا ما تقدم؛ لأن المنع هناك من أجل الغنى، والجواز هنا من أجل وصف آخر غير الغنى. وقد أورد أبو داود حديثاً مرسلاً عن عطاء بن يسار ، وسيذكره بعد هذا مسنداً من حديث أبي سعيد . وهذا المرسل فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله)، وهو المجاهد في سبيل الله، فله أن يأخذ من الزكاة ولو كان غنياً؛ لأنه يصرف على نفسه في الجهاد في سبيل الله، فيجوز له أن يأخذ من الصدقة لا لغناه ولكن لكونه مجاهداً في سبيل الله، فهو داخل في مصرف: في سبيل الله، وهو أحد مصارف الزكاة كما قال تعالى: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60]، وسبيل الله هو الجهاد في سبيل الله، فالغازي مجاهد في سبيل الله، وهو من أهل الزكاة ولو كان غنياً. قوله: (أو لعامل عليها)، أي: الذي يشتغل في جبايتها، فإنه يأخذ أجرة مقابل عمله ولو كان غنياً، ولا يلزم أن يكون العامل عليها فقيراً حتى يأخذ منها، فالفقير يأخذ لفقره، والعامل يأخذ لعمله سواء كان غنياً أو فقيراً. وإذا كان موظفاً من الحكومة فإذا كان ذلك ما يسمونه (بدل انتداب) فإنه إذا سافر عن محل عمله يحصل مقابل ذلك غير الوظيفة؛ لكونه انتقل من بلده إلى بلد آخر، فهذا من جنسه إذا كان موظفاً وكان عمله خارج البلد، وأما إذا كان في داخل البلد فهو في حكم الوظيفة. قوله: (أو لغارم)، الغارم هو الذي استدان وتحمل مالاً للإصلاح بين الناس، فإنه يعطى من الزكاة لكونه غارماً لا لكونه غنياً، وهو من الأصناف الثمانية كما في آية التوبة. قوله: (أو لرجل اشتراها بماله) فلو أن فقيراً تُصدِّق عليه بصدقه فباعها، فاشتراها غني فإن الذي اشتراها بماله وهو غني إنما وصلت إليه الصدقة عن طريق الشراء، ولم تصل إليه الصدقة عن طريق التصدق عليه، وإنما جاءت عن طريق تملكها بالمال الذي دفعه في مقابلها، فإذاً هي صدقة وصلت إلى غني، لكن عن طريق الشراء، ولا يكون هو المتصدق. وأما لو كان هو المتصدق فقد سبق أن مر بنا قصة عمر عندما حمل على فرس في سبيل الله، ثم وجده يباع فذهب يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن شرائه، وقال: لا تعد في صدقتك، والسبب في هذا -والله أعلم- أن بائع الصدقة إذا باعها على المتصدق فلعله أن يداريه ويراعيه؛ لأن له معروفاً وإحساناً عليه فيتسامح معه، بخلاف غيره فإنه لا يستحي منه، وقد ذكر في (عون المعبود) خلافاً في هذا، فمنهم من قال بكراهة ذلك، ومنهم من قال: إن البيع مفسوخ، والذي يظهر أن الإنسان ليس له أن يشتري الصدقة، والمقصود هنا صدقة غيره. قوله: (أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأداها المسكين للغني)، أي: فإنها عند ذلك تخرج عن كونها صدقة؛ لأنّ الإنسان الذي أعطيت له صارت له ملكاً، فله أن يتصرف فيها كيف يشاء، وذلك إما بالبيع أو الإهداء أو غير ذلك، فالصورة السابقة فيها بيع، وهذه الصورة فيها إهداء، فسواء خرجت من الفقير إلى غيره من الأغنياء عن طريق البيع كما هي الصورة السابقة، أو عن طريق الإهداء كما في هذه الصورة الأخيرة؛ فكل ذلك سواء، وذكر الجار هنا لا مفهوم له، فلو تصدق على مسكين ليس جاراً له فالأمر سواء، وإنما ذكر الجار على سبيل المثال، ولأن التهادي يكون غالباً بين الجيران. وفي بعض النسخ: (فأداها) بدلاً من (أهداها) والنتيجة واحدة، فـ(أداها) أي: أعطاه إياها، و(أهداها) أي: أعطاه إياها هدية، فالمعنى كله صحيح.

    تراجم رجال إسناد حديث (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة...)


    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم ]. عبد الله بن مسلمة مر ذكره، ومالك بن أنس إمام دار الهجرة، الفقيه المحدث الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم المدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذاً مرسل، لكن الحديث الذي سيأتي بعده متصل.

    شرح حديث (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة...) من طريق ثانية وتراجم رجالها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه ]. وهو كالسابق. قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري ]. وقد مر ذكرهم جميعاً. [ قال أبو داود : ورواه ابن عيينة عن زيد كما قال مالك]. قوله: كما قال مالك ، أي أنه مرسل، يعني: عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ ورواه الثوري عن زيد قال: حدثني الثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وهذا أيضاً مرسل، فإنه لم يسم من حدثه.
    شرح حديث (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا الفريابي حدثنا سفيان عن عمران البارقي عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله، أو ابن السبيل، أو جار فقير يتصدق عليه فيهدي لك، أو يدعوك) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله) يعني: غازياً في سبيل الله، وهذا قد مر في السابق. قوله: (أو ابن السبيل)، وهذا ليس في الرواية السابقة، لكنه يدخل أيضاً؛ لأن ابن السبيل المنقطع ولو كان غنياً في بلده فإنه يعطى ما يوصله إلى بلده. قوله: (أو جار فقير يتصدق عليه فيهدي لك، أو يدعوك) وهذا مثل الأول، ومعنى ذلك أن يصنع وليمة فيدعوك لتأكل منها، فهي صدقة عليه، وبعد أن ملكها فإنه يتصرف فيها بالإهداء أو بالإطعام، فلا حرج على الغني بأن يتناول شيئاً من طعام الفقير الذي تصدق به عليه، أو يقبل هدية منه، ويشبه ذلك ما جاء في قصة بريرة رضي الله عنها أنه تصدق عليها وأنهم أكلوا مما تصدق به عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هو لها صدقة، ولنا هدية) يعني: منها، فدل هذا على أن الفقير إذا ملك شيئاً فإنه يتصرف فيه كيف يشاء إما بالإهداء، أو بالإطعام، وأنه لا حرج على الغني إذا أكل أو طعم من طعام المتصدق عليه، أو أخذ هدية من المتصدق عليه، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة ابن السبيل.

    تراجم رجال إسناد حديث (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة) من طريق ثالثة


    قوله: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي ] . محمد بن عوف الطائي ثقة أخرج له مسلم ، و أبو داود و النسائي في (مسند علي) [ حدثنا الفريابي ]. الفريابي هو محمد بن يوسف الفريابي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. سفيان هو الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمران البارقي ]. عمران البارقي مقبول أخرج له أبو داود . [ عن عطية ]. هو عطية بن سعد العوفي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وهذا الحديث ضعفه الألباني ، ولعله من أجل عطية ومن أجل عمران البارقي ، فالأول يخطئ كثيراً، والثاني مقبول، ولكن ذكر الغازي في سبيل الله والفقير الذي يتصدق عليه موجود في الحديث السابق، وأما ابن السبيل فهو وإن كان غنياً في بلده فإن غناه لا ينفعه في هذه الحال، فلا بأس أن يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، وقد جاء بذلك القرآن، وهو مطلق فيعطى سواء كان غنياً أو فقيراً، وإذا كان ابن السبيل منقطعاً فإنه يعطى ولو كان كافراً. ومما لم يذكر أيضاً المؤلفة قلوبهم، فإنهم يعطون مع غناهم، فالتأليف أمر خارج عن الغنى، أما لو كانوا فقراء فإنهم يعطون لفقرهم، أما في التأليف فيعطى مع غناه ولو كان كافراً. [ قال أبو داود : ورواه فراس و ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ] . فراس يحيى الهمداني ، صدوق ربما وهم أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ابن أبي ليلى هذا يحتمل أنه محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى وهو ضعيف، أو عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأول أقرب؛ لأنه المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق.
    أسئلة



    حكم أخذ المقابل على شحن كتب وقف لله تعالى


    السؤال: جاءتني كتب مكتوب عليها: وقف لله تعالى، وأريد أن أشحنها إلى بلدي بمالي الخاص، غير أني سأطلب من الإخوة تعويض الشحن، فما حكم هذا العمل، علماً أنني اتفقت مع البعض ولم أتفق مع البقية، وأنا على علم أنهم يوافقون على ذلك؟ الجواب: إن كنت متبرعاً فلا تطلب منهم شيئاً، وإن كنت فعلت ذلك على أساس أنهم يعطونك، فلا بأس أن تأخذ إذا أعطوك.

    الضرائب الحكومية وإسقاطها للزكاة

    السؤال: إذا فرضت الحكومة ضرائب على التجار فهل للتاجر أن يعتبر هذه الضريبة زكاة فتسقط من الذمة؟ الجواب: لا يعتبرها زكاة، فإن الزكاة حق يجب إخراجه للفقراء والمساكين، والشيء الذي أخذ منه بغير حق لا يعتبر مقابل هذا الحق الذي هو لازم للفقراء والمساكين.
    كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة


    شرح حديث ابن أبي حثمة (وداه بمائة من إبل الصدقة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة. حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا أبو نعيم حدثني سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار زعم أن رجلاً من الأنصار يقال له: سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أخبره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وداه بمائة من إبل الصدقة، يعني: دية الأنصاري الذي قتل بخيبر) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: باب كم يعطى الرجل الواحد من الصدقة؟ والمقصود من هذا أن الشخص يعطى ما يحتاج إليه، وكل شيء بحسبه، فالغارم يعطى ما يقابل ما تحمله من الغرم، والمؤلف قلبه يعطى ما يحصل به المقصود، وابن السبيل يعطى ما يوصله إلى بلده، والفقير يعطى ما يكفيه لمدة سنة، أي: أن كلاً منهم يعطى بحسبه ولو كان الذي يعطاه كثيراً. وأورد أبو داود حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى الرجل الأنصاري الذي قتل بخيبر بمائة من إبل الصدقة. ووجه إيراد أبي داود لهذا الحديث في هذا الباب، وفي كتاب الزكاة، أن من غرم مالاً لإصلاح ذات البين فإنه يعطى من الزكاة، وقصة الأنصاري الذي قتل بخيبر تأتي في أبواب كثيرة لاسيما القسامة، فإن حديث القسامة إنما جاء في هذه القصة، وهو ثابت في الصحيحين وفي غيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيراده من أجل دخوله في الغرامة لإصلاح ذات البين.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن أبي حثمة (وداه بمائة من إبل الصدقة)

    قوله: [ حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ]. الحسن بن محمد بن الصباح ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو نعيم ] . أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني سعيد بن عبيد الطائي ]. سعيد بن عبيد الطائي ثقة أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة . [ عن بشير بن يسار ]. بشير بن يسار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ زعم أن رجلاً من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة ]. سهل بن أبي حثمة صحابي صغير، وكلمة (زعم) تعني أخبر، فالزعم يأتي كثيراً بمعنى الإخبار المحقق، ولا يراد به الشك أو الظن، وإنما يراد به الخبر المحقق، وكثيراً ما يأتي في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الأسانيد، فزعم هنا بمعنى أخبر خبراً محققاً، و سهل بن أبي حثمة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    إعطاء المستحق للزكاة بحسب حاجته


    يعطى الشخص -إذا كان فقيراً- ما يكفيه لمدة سنة، هذا هو الصحيح. وإن كان من الغارمين فإنه يعطى مقدار غرامته، فإذا تحمّل مالاً لإصلاح ذات البين فإنه لا يخلى بينه وبين هذا الغرم الذي تحمله؛ لأنه تحمله للإصلاح، فيعطى ما يقابله. وأما إذا كان غرم هذا الدين لنفسه فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يقول: إنه يعطى ما يكفيه أو بعض ذلك، وبعض أهل العلم يقولون: إن الغرم إنما هو لإصلاح ذات البين، وأما إذا كان فقيراً فإنه يعطى لفقره. ويكثر السؤال عن إعطاء الزكاة لمن يريد الزواج ولم يتوفر عنده المهر كاملاً، أو يعطى لتأثيث البيت؟ فنقول: لا بأس بذلك؛ لأنه إذا كان فقيراً فإنه يعطى ويساعد من الزكاة لفقره، وإذا لم يكن فقيراً وإنما بسبب غلاء المهور فالأولى أن تصرف الزكوات للفقراء، فالذي يعطى ليسد جوعته وفاقته أولى من غيره ممن يأخذ لقضاء حاجة أخرى.
    ما تجوز فيه المسألة


    شرح حديث (المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه ... )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما تجوز فيه المسألة. حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن زيد بن عقبة الفزاري عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بداً) ]. أورد أبو داود باب ما تجوز فيه المسألة، يعني الأحوال والأمور التي يجوز للإنسان أن يسأل فيها، وأورد هنا حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك يعني: أنه كلما كثرت المسائل كثرت الكدوح في الوجه، ويأتي يوم القيامة وهذه الكدوح في وجهه علامة على ذلك، وسبق أن مر بنا بعض الأحاديث المتعلقة بذلك. قوله: (إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان) لأن سؤال السلطان ليس فيه سؤال لأموال الناس، فإن له حقاً في بيت المال، فإذا سأل في أمر لابد منه، أو كان مضطراً إلى السؤال فلا بأس، وذكر السلطان في الحديث يدل على الإباحة؛ لأن له حقاً، لكن إذا تعفف الإنسان ولم يسأل السلطان فهو أفضل. وإذا كان الرجل محتاجاً فله أن يسأل السلطان وغيره، وجاء في حديث عمر : (ما أتاك من غير استشراف ولا مسألة فخذه)، فهذا يدل على أن الإنسان يتعفف حتى فيما عند السلطان.
    تراجم رجال إسناد حديث ( المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه ... )

    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر النمري ]. حفص بن عمر ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن عمير ]. عبد الملك بن عمير ثقة فصيح عالم تغير حفظه، وربما دلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن عقبة الفزاري ]. زيد بن عقبة الفزاري ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سمرة ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (إن المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن هارون بن رئاب حدثني كنانة بن نعيم العدوي عن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: (تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أقم يا قبيصة ! حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، ثم قال يا قبيصة ! إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة، فسأل حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة، فسأل حتى يصيب قواماً من عيش -أو قال: سداداً من عيش- ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: قد أصابت فلاناً الفاقة، فحلت له المسألة، فسأل حتى يصيب قواماً من عيش -أو سداداً من عيش- ثم يمسك، وما سواهن من المسألة يا قبيصة ! سحت يأكلها صاحبها سحتاً) ]. أورد أبو داود حديث قبيصة بن مخارق رضي الله عنه: [ (أنه تحمل حمالة وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)] أي بالحمالة؛ لأنه سأل عن هذه الحمالة، والصدقة -كما هو معلوم- قد تكون أكثر من الحمالة وقد تكون قليلة، فالذي يبدو أن الذي يؤمر له به هو الحمالة التي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أجلها. ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فله أن يسأل حتى يصيبها ثم يمسك) أي: حتى يحصل ما تحمله ثم يمسك، أي: فلا يستمر في السؤال، ولا يبحث عن شيء زائد على ذلك. (ورجل أصابت ماله جائحة) أي: إما احتراق، أو كان زرعاً أصابه برد فهلك، أو نزل عليه بَرَد وحتّه فتساقط، أو مرّ عليه سيل وأهلك المال الذي عنده، أو غير ذلك من الأسباب الظاهرة التي تكون معروفة ولا تخفى على الناس، فهذا يسأل حتى يحصِّل سداداً وقواماً من العيش، ولا يسأل حتى يحصل المال الذي ضاع منه ويرجع كما كان، وإنما يسأل عن الذي يكفيه. فالأول يسأل حتى يحصِّل الحمالة التي تحملها، وهذا يسأل حتى يحصل ما تكون به الكفاية، ولا يستمر حتى يرجع إليه ماله الذي فقده. قوله: (ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: قد أصابت فلاناً الفاقة، فحلت له المسألة، فسأل حتى يصيب قواماً من عيش، أو سداداً من عيش)، فهذا حصل له الفاقة بسبب خفي لا يعرف، والأول حصلت له جائحة، والجائحة تعرف؛ لأن الناس يشاهدونها ويعاينونها، وأما الفاقة فهي أمر خفي، فهذا لا يكفي أن يقول ويصدَّق فيما يقول، بل قال: (حتى يقول ثلاثة من أهل الحجا: إن فلاناً أصابته فاقة، فيسأل حتى يحصل سداداً من عيش، أو قواماً من عيش)، وأهل الحجا هم أصحاب العقول الذين عندهم فهم وخبرة ومعرفة، فيخرج بذلك الذين عندهم غفلة وليس عندهم خبرة ومعرفة، فإن مثل هؤلاء قد يقولون غير الحقيقة، لذا نصّ على أهل الحجا والعقل، فإذا شهدوا وأخبروا بأن فلاناً قد أصابته فاقة فله أن يسأل حتى يصيب سداداً من عيش أو قواماً من عيش. قوله: (وما سوى ذلك يا قبيصة ! فسحْت يأكله الإنسان سحتاً)، والسحت: هو ذاهب البركة، أي: الذي لا بركة ولا خير فيه.
    تراجم رجال إسناد حديث (إنّ المسألة لا تحل إلّا لأحد ثلاثة...)

    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هارون بن رئاب ]. هارون بن رئاب ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثني كنانة بن نعيم العدوي ]. كنانة بن نعيم العدوي ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن قبيصة بن مخارق الهلالي ]. قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و النسائي .

    شرح حديث (إن المسألة لا تصلح إلّا لثلاثة لذي فقر مدقع...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة أخبرنا عيسى بن يونس عن الأخضر بن عجلان عن أبي بكر الحنفي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: ائتني بهما، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثاً، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فأتني به، فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عوداً بيده ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينّك خمسة عشر يوماً، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا خير لك أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس رضي الله عنه. قوله: (إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع) أي: فقر شديد. قوله: (أو لذي غرم مفظع) أي: تحمل حمالة كبيرة، فتحل له المسألة. قوله: (أو لذي دم موجع) أي: أنه أصلح بين الناس وحقن الدماء، فإنه يحل لمن كان كذلك أن يسأل حتى يحصل مراده. والحديث في إسناده أبو بكر الحنفي وهو مجهول لا يعرف، فهو إذاً غير صحيح. وهذا الحديث يدل على جواز البيع بالمزايدة، وأنه لا يدخل في النهي عن البيع على البيع، لأن النهي عن البيع على البيع يكون إذا وجد الاستقرار وتمام البيع، ويكون في مدة خيار، وأما أن يقول: من يشتري هذا؟ فيقول رجل: أنا بكذا، ثم يزيد آخر فهذا لا بأس به، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم فيه الحث على العمل، وأن على الإنسان أن يسعى ويعمل، وأن ذلك خير له من أن يسأل الناس. وفيه بيان من تحل له المسألة. والحلس: هو كساء يفرش بعضه، ويتغطى ببعضه. وقوله: (نلبسه ونجلس عليه)، يطلق اللبس على التغطية، أي: أنهم يتغطون به، ومن ذلك حديث أنس : (فعمدنا إلى حصير قد اسود من طول ما لبس) أي: من طول ما استعمل في الافتراش، وهنا قال: (نلبسه)، أي: نلتحف به. والقعب: هو وعاء أو قدح.


    تراجم رجال إسناد حديث (إنّ المسألة لا تصلح إلّا لثلاثة لذي فقر مدقع...)

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ أخبرنا عيسى بن يونس ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأخضر بن عجلان ]. الأخضر بن عجلان صدوق أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي بكر الحنفي ]. أبو بكر الحنفي لا يعرف حاله، أخرج له أصحاب السنن. وقد ذكروا اثنين ممن هو أبو بكر الحنفي، الأول عبد الله البصري ، وهو متقدم في طبقة التابعين، والثاني متأخر اسمه عبد الكبير ، والأول ضعيف، والثاني المتأخر ثقة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    كراهية المسألة


    شرح حديث عوف بن مالك في البيعة على ترك السؤال


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية المسألة. حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة يعني ابن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي مسلم الخولاني قال: حدثني الحبيب الأمين، أما هو إلي فحبيب، وأما هو عندي فأمين، عوف بن مالك رضي الله عنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعة أو ثمانية أو تسعة، فقال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكنا حديث عهد ببيعة، قلنا قد بايعناك، حتى قالها ثلاثاً فبسطنا أيدينا فبايعناه، فقال قائل: يا رسول الله! إنا قد بايعناك فعلام نبايعك؟ قال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وتصلوا الصلوات الخمس، وتسمعوا وتطيعوا، وأسر كلمة خفية قال: ولا تسألوا الناس شيئاً، قال: فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه فما يسأل أحداً أن يناوله إياه) ]. ثم أورد أبو داود .. حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أو ثمانية أو تسعة، فقال: ألا تبايعون؟ قلنا: قد بايعناك! فكررها، فبسطوا أيديهم لمبايعته فبايعوه، فقال رجل: على أي شيء نبايعك وقد بايعناك؟ قال: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وتصلوا الصلوات الخمس، وتسمعوا وتطيعوا) أي: لولاة الأمور، وهذا في المعروف. قوله: (وأسر كلمة خفية قال: ولا تسألوا الناس شيئاً)، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث، وهو لفظ عام، قال: فكان بعض هؤلاء النفر الثمانية أو السبعة أو التسعة إذا سقط منه سوطه وهو على الفرس فإنه ينزل ويأخذه، ولا يقول لأحد: ناولني إياه؛ أخذاً بقوله: (ولا تسألوا الناس شيئاً)، وهذا فيه دليل على عنايتهم وقيامهم بتنفيذ ما بويعوا عليه على التمام والكمال حتى في هذه الأمور اليسيرة، ويدل أيضاً على أن الإنسان يحرص ألّا يسأل، بل يحرص على أن يكون معطياً، لا أن يكون سائلاً، وقد جاء في الحديث: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).
    تراجم رجال إسناد حديث عوف بن مالك في البيعة على ترك السؤال

    قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار الدمشقي صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا الوليد ]. الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن عبد العزيز ]. سعيد بن عبد العزيز وهو دمشقي أيضاً، ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ربيعة يعني: ابن يزيد ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شامي أيضاً. [ عن أبي إدريس الخولاني ]. أبو إدريس الخولاني اسمه: عائذ الله وهو من كبار التابعين، فقد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع من كبار الصحابة، وهو من ثقات التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مسلم الخولاني ]. وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عوف بن مالك ]. وهو الأشجعي رضي الله عنه، وقد نزل الشام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وعلى هذا فالإسناد مسلسل بالشاميين من أوله إلى آخره. قول أبو مسلم الخولاني : (حدثني الحبيب الأمين). هذا ثناء على من حدثه وهو عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، قال: أما الحبيب فهو حبيب إلى نفسي وإلى قلبي، وأما الأمين فهو عندي أمين، أي: أنه فسر كونه يحبه ويصفه بالأمانة، وهذا مدح وثناء على هذا الصحابي الذي لقيه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. والبيعة تكون للإمام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإمام، وهو الذي يبايع الناس، وعلى الإنسان أن يلتزم بما بايع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله عليه، وذلك بأن يأخذوا بالأوامر، وينتهوا عن النواهي التي حصلت المبايعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، وأما غيره صلى الله عليه وسلم فإنه لا يبايع كما بويع رسول الله، فلا يبايع على ألا يشرك بالله شيئاً، وألا يفعل كذا وكذا، فهذا كان يحصل مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما الولاة فيبايعون على السمع والطاعة والنصح للمسلمين. وأما البيعات المستحدثة فهي كاسمها مستحدثة، وذلك أن يبايع شخص وهو ليس بخليفة فهذا مما أحدث، والناس إذا احتاجوا إلى أن يكون لهم شخص يرجعون إليه فلا بأس، ولكن لا يُبايع، وذلك مثل أمير السفر، فقد جاء في السنة أنه إذا سافر الثلاثة فإنهم يؤمرون عليهم واحداً منهم، ولا يحتاجون في ذلك إلى بيعه، فالبيعة إنما تكون للسلطان. وهذه الشروط التي بايعهم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم كألّا يسألوا الناس شيئاً عامة، وليست خاصة بالذين بايعهم الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، وهي أمور مطلوبة، وعلى الإنسان أن يأخذ بها. [ قال أبو داود : حديث هشام لم يروه إلا سعيد ]. أي أن حديث هشام بن عمار لم يروه إلا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد ، أي: أنه مما تفرد به.
    شرح حديث (من يتكفّل لي ألّا يسأل الناس شيئاًً وأتكفل له بالجنة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عاصم عن أبي العالية عن ثوبان رضي الله عنه، قال: وكان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من تكفل لي ألا يسأل الناس شيئاً وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان : أنا، فكان لا يسأل أحداً شيئاً) ]. أورد أبو داود حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من تكفل لي ألا يسأل الناس شيئاً وأنا أتكفل له بالجنة؟ وهذا يدل على أن الذي تقدم في الحديث السابق عاماً وليس بخاص؛ لأن الشيء الذي بايع عليه الناس هو نفسه الذي قال فيه: من تكفل لي ألا يفعل كذا فله الجنة، فهو إذاً حكم عام وليس خاصاً بأولئك الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه التحذير من المسألة والحرص على ألا يكون الإنسان سائلاً، اللهم إلا إذا كان في أمر لابد منه، كما جاءت في ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر بعضها وبيان من تحل له المسألة. وبعض الناس قد يبيع ضروريات المنزل حتى لا يسأل الناس؛ استعفافاً من ذلك فأقول: الأشياء التي لابد منها لا يبيعها، كالفرن أو الثلاجة، فهو بحاجة إلى فرن وإلى ثلاجة، ولو باعها فإنه يحتاج إلى فرن وثلاجة مكانها، وكذلك غيرها من الأشياء الضرورية، فليس له أنه يبيعها، لكن لو باع الكماليات والأشياء التي يستغنى عنها فلا بأس.
    تراجم رجال إسناد حديث (من يتكفل لي ألّا يسأل الناس شيئاً وله الجنة...)

    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ] . عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. أبوه هو: معاذ بن معاذ ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ، مر ذكره. [ عن عاصم ]. عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي العالية ]. أبو العالية هو رفيع بن مهران ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثوبان ]. ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن.

    الأسئلة



    حكم تمثيل أشخاص الصحابة رضي الله عنهم، والموقف من ذلك


    السؤال: ما حكم من أفتى بجواز تمثيل الصحابة؟ وما هو موقفنا نحن طلاب العلم نحو ذلك وخاصة أن ذلك، يعرض على الملايين من الناس؟


    الجواب: أقول: التمثيل من حيث هو لا يجوز، وإذا كان للصحابة فهو أسوأ وأسوأ. وإن القلب ليحزن، والعين لتدمع عندما يُسمع ويشاهد الذين يقومون بتمثيل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم تمثيلاً يختلف عما هم عليه باطناً وظاهراً، فيظهرون بأشكال منكرة كحلق اللحية، والجلوس مع النساء وغير ذلك، وهذا زيادة شر، فإذا انضاف إليه شرور أخرى فهو شر إلى شر. والتمثيل في حد ذاته حرام لا يجوز، وهو للصحابة من باب أولى، فإذا كان في أمور لا تليق بهم وكانت منكرة فيصير شراً إلى شر، وسوءاً إلى سوء، ويصير كما قيل في المثل: حشفاً وسوء كيلة.

    حكم الأحاديث التي سكت عنها أبو داود في سننه


    السؤال: ما هو القول الراجح فيما سكت عنه أبو داود، هل هو صالح للاحتجاج، أو أنه صالح للعمل دون الاحتجاج؟


    الجواب: تبين بالتتبع والتجربة أن الذي سكت عنه أبو داود فيه أحاديث ضعيفة، فكل شيء يحكم عليه بحسبه، فمنه ما يصح ومنه ما لا يصح.

    إقامة أماكن عامة للعزاء في الفنادق وقصور الأفراح


    السؤال: لعلكم اطلعتم على ما ذكر في الجرائد أن هناك من يطالب بأن تكون هناك أماكن للعزاء في الفنادق وقصور الأفراح، كما أن هناك للأفراح أماكن، فما رأي فضيلتكم؟


    الجواب: هذه دعوة إلى الباطل وإلى المآتم، فيريدون أن يحدثوا المآتم كما أُحدثت في أماكن كثيرة من البلاد الأخرى، فهي دعوة إلى الباطل، فالميت إذا مات يعزى أهله سواء في المقبرة، أو في المسجد، أو في الطريق، أو بالتلفون، أو بالحضور وزيارتهم في بيوتهم، لكن لا يكون ذلك بطريقة فيها تنبيه للناس، بأن يكون هناك إقامة سرادقات، أو إقامة أماكن تخصَّص لهذا، فهذا لا شك أنه من محدثات الأمور، ولم يكن في عهد سلف هذه الأمة، فالواجب الحذر من ذلك والابتعاد منه.

    حكم أخذ وطلب ما يوزع في الحج من عصائر ومياه باردة


    السؤال: ما يوزع في الحج كالعصائر والمياه الباردة، هل إذا طلبها الشخص من المتصدِّق يكون داخلاً في حديث الكدوح؟

    الجواب: الشيء المبذول والموقوف للتوزيع لا يكون أخذه من المسألة، فالناس هنا هم الذين يوزعون على بعضهم، فإذا جاء وأخذ من هذا الشيء المبذول فليس هذا من السؤال، وسواء جاء هو وأخذ، أو جيء إليه، فمثل هذا لا بأس به، ومثل هذا مسألة السُّفر في أيام رمضان، لكن للإنسان أن يستغني عن ذلك ويتركه للمحتاجين، وإذا كان يحتاج إليها فليشاركهم.

    حكم إسقاط الدين بدلاً من الزكاة


    السؤال: رجل أخذ ديناً ثم أصبح فقيراً، والدائن غني جداً، فهل له أن يسقط الدين بدلاً من الزكاة؟


    الجواب: ليس له ذلك، ولكنه يعطيه -لفقره- من الزكاة حتى يأكل، وينظره في الدين الذي عليه إلى ميسرة، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، وليس للإنسان أن يجعل الزكاة وقاية للمال، أي: ليس له أن يتخلص من الحقوق التي عليه للناس بالزكاة، أو أن يستوفي حقوقه عند الناس بواسطة الزكاة، فلا يصل إلى الفقراء شيء.

    حال جمعية الحرمين الخيرية


    السؤال: بعضهم يسأل عن مؤسسة الحرمين: هل تعلمون عنها شيئاً، وما حكم الاشتراك معها؟


    الجواب: أعلم أنها مؤسسة خيرية، وأنها تقوم بأعمال عظيمة وكبيرة فيما نسمع، ولا أعلم شيئاً عليها، وليس عندي تفاصيل.

    حكم من فرّط في إخراج الزكاة لسنوات وهو الآن لا يدري كم عليه


    السؤال: رجل فرط في أداء الزكاة لسنوات ماضية، ولا يدري الآن كم يجب عليه فيما مضى، فماذا يصنع؟


    الجواب: يجب عليه أن يُخرج حتى يطمئن إلى أن ذمته قد برئت، وعليه أن يتحقق أن ذمته قد برئت.

    حكم سؤال الجمعيات الخيرية


    السؤال: هل يجوز سؤال الجمعيات الخيرية؟


    الجواب: الإنسان المحتاج يسأل؛ لأن الجمعيات الخيرية عندها أموال تجمعها، سواء كانت زكاة أو غير زكاة، فالإنسان الذي يحتاج يسأل، والذي لا يحتاج يترك المسألة.

    حكم من سأل من فاقه فأعطي مالاً فاتخذه للتجارة


    السؤال: إذا سأل الرجل من فاقة أو جوع ثم أعطي مالاً ليسد جوعته، لكنه بعد ذلك يستعمل هذا المال في أغراض أخرى كالتجارة وغير ذلك؟

    الجواب: إذا أعطي مالاً قليلاً فاشترى شيئاً يبيع فيه حتى تحصل له فائدة ويستغني عن الناس فهذا شيء طيب لا بأس به، وإذا أعطي شيئاً فقد ملكه، فله أن يأكله أو أن ينميه ويأكل من نمائه.

    حكم المسألة من الجامعة التي يدرس فيها


    السؤال: نحن طلاب الجامعة، فهل تقوم الجامعة مقام السلطان وولي الأمر فتجوز المسألة؟


    الجواب: لا تقوم الجامعة مقام السلطان، لكن إذا كان الإنسان بحاجة إلى أن يسأل الجامعة أو غير الجامعة، وكانت المسألة تحل له فلا بأس.

    شبه حول تحريم التصوير

    السؤال: يقول رجل في جريدة الشرق الأوسط اليوم: إن المصكوكات والدراهم والدنانير التي كانت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم و أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ومن بعدهم كانت عليها صور كسرى و هرقل ، ورغم ذلك لم يغيرها أحد، بل بقي الأمر كذلك حتى جاء عبد الملك بن مروان واستبدلها بصورته، فدل ذلك على أن الإسلام لم يحرم التصوير؟


    الجواب: من أين له أن عبد الملك جعل عليها صورته، ولو جعل عليها صورته فليس في ذلك دليل، وكذلك قوله: إنها كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر و عمر عليها تصاوير كسرى و قيصر يحتاج إلى إثبات، ثم لو كانت عليها صور فيجوز إبقاؤها واستعمالها، وهم لم يفعلوا ذلك، وهذا مثل الكساء أو الثوب الذي فيه صور، فإنه لا يجوز للإنسان أن يعمل صوراً في الكساء، ولكنه إذا وصل إليه كذلك فإنه يستعمله في الأمور الممتهنة وغيره. وعلى كل فما نعرف شيئاً يدل على أن تلك النقود كان فيها صور، ولا نعلم شيئاً يدل على أن عبد الملك لما شكل تلك النقود جعل فيها صورته، لا نعرف شيئاً يثبت هذا كله، ولو ثبت شيء من ذلك فلا يدل على حل التصوير؛ لأن تحريم التصوير قد جاءت فيه أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كافية شافية، فعليها يعوّل ولا يعول على سواها، ولو ثبت أنه وجد في تلك النقود تصاوير ففرق بين إنشاء التصاوير، وبين أن تكون هناك صور في شيء ثم يستعمل ويستمر استعماله وهو على حالته، كالفرش أو الكساء، فإنها ممتهنة فلا تحرق ولا تتلف، وإنما يستفاد منها بما يناسب.

    اتخاذ المسألة مورداً للعيش بحجة الانشغال بطلب العلم

    السؤال: رجل يدعي أنه يطلب العلم، وهو كذلك لكنه لا يعمل، فيتخذ المسألة مورداً للعيش بحجة أنه يتفرغ لطلب العلم، مع العلم أنه في صحة وعافية، وفي سن الشباب؟


    الجواب: يمكن أن يجمع الإنسان بين العلم وبين العمل لتحصيل العيش، فالعلم لا يستغرق الوقت كله، فيستطيع الإنسان أن يوفق بين طلب العلم وبين العمل.

    حكم طلب وسؤال الدعاء من الناس


    السؤال: هل طلب الدعاء من الغير يدخل في باب سؤال الناس؟ وما حكم طلب الدعاء من الغير؟


    الجواب: على الإنسان أن يسأل الله بنفسه، وأن يقوي صلته بالله عز وجل، فهذا هو الذي ينبغي، وبعض أهل العلم يمنع ذلك، وبعضهم يجيزه محتجاً بما جاء في قصة أويس القرني رحمة الله عليه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجده فليطلب منه أن يستغفر له)، وقال بعضهم: إن السؤال بالنسبة لأويس إنما هو لإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فالذي ينبغي للإنسان أن يقوي الصلة بالله عز وجل بنفسه، ولا تكون مهمته أن يقول: ادع لي ادع لي لكل من يلقاه، بل يدعو الله عز وجل هو بنفسه.

    جواز أخذ طالب العلم من الزكاة

    السؤال: أنا طالب متزوج وعلي دين قدره: ألفان وخمسمائة ريال، فهل يجوز لي أن آخذ من الزكاة، علماً بأن عندي قوت يومي؟

    الجواب: يجوز لك أن تأخذ من الزكاة.

    حكم المسألة لبناء المساجد أو لإصلاحها

    السؤال: هل تجوز المسألة لبناء المساجد أو لإصلاحها وغير ذلك مما فيه مصلحة للمسلمين؟

    الجواب: هذا جائز وليس بسؤال للناس، فإذا كان الإنسان واسطة خير، وطلب المساهمة في عمل خيري فهذا ليس بسؤال؛ لأنه لا يسأل لنفسه، بل يكون هذا من التعاون على البر والتقوى، فالناس بحاجة للمساجد، فإذا انتدب أحد وسأل الناس من أجل أن يساهموا في بناء المساجد فقد أحسن إلى نفسه وإلى غيره، فأحسن إلى الذين طلب منهم وساهموا، وأحسن إلى نفسه أن سعى في الخير، وأحسن إلى الناس الذين هم بحاجة إلى ذلك المسجد؛ لتحصل الصلاة في ذلك المسجد، فالمسألة الممنوعة أن يسأل الإنسان لنفسه، وأما السؤال لوجوه الخير، بحيث يكون الإنسان صادقاً في طلبه، ولا يكون هناك مجالات للف والدوران وأكل أموال الناس بالباطل فهذا لا بأس به.

    الشفاعة في مصلحة خيرية ليست من المسألة

    السؤال: هل الشفاعة لبعض الإخوة المحتاجين في مصلحة خيرية من المسألة المذمومة؟


    الجواب: لا بأس بذلك، فالشفاعة في الخير خير، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا)."




  13. #233
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [200]
    الحلقة (231)





    شرح سنن أبي داود [200]

    يجوز للمحتاج أن يسأل ما يسد به حاجته، لكن من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، واليد العليا خير من السفلى، وإذا أتى الإنسان مال من غير سؤال فليأخذه.

    الاستعفاف


    شرح حديث ( ما يكون عندي من خبر فلن أدخره عنكم... )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستعفاف. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده قال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى الله أحداً من عطاء أوسع من الصبر) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في الاستعفاف، والاستعفاف مأخوذ من العفة، وهو أن يستغنى عما في أيدي الناس، فلا يسأل إلا إذا كان مضطراً كما جاءت بذلك الأحاديث التي مر ذكر شيء منها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن ناساً من الأنصار جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فسألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفذ ما عنده، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم) يعني: لا أختص به، ولا أبقيه دون أن يصل إليكم شيء منه، وإنما يعطيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه كما هو معلوم من حاله، فهو أجود الناس عليه الصلاة والسلام كما جاء في حديث ابن عباس : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس) فكان ينفق ما يقع في يده في سبيل الله عز وجل، بل إنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ قوت أهل بيته من خيبر ومن فدك فيبذله وينفقه، فينتهي في وقت قريب قوت سنة، وهذا قاله بعدما فرغ ما عنده، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الاستغناء والاستعفاف فقال: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى الله أحداً من عطاء أوسع من الصبر)؛ لأن الإنسان إذا صبر استعف واستغنى ولم يحصل منه السؤال والإلحاف في المسألة، فهذا من النبي صلى الله عليه وسلم حث على الاستغناء والاستعفاف، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)، وفيه دليل على عظم شأن الصبر وأهميته، وأن من بذل الأسباب وحرص على الصبر فإن الله تعالى يوفقه لتحصيله، ويجعله يتصف به. ثم أرشد إلى عظيم شأن الصبر قال: (وما أعطى الله أحداً من عطاء أوسع من الصبر)، وهذا يدلنا على عظم شأن الصبر، وأن من صبر حصل له الاستعفاف والاستغناء؛ لأن الغنى هو غنى القلب، فإذا كان القلب غنياً فإن اليد تتبعه، وإذا كان القلب غير غني، واليد فيها شح فإن الكثير الذي فيها تعتبره قليلاً، وتراه يبحث عن المزيد، فيكون شأنه الأخذ وليس الإعطاء، وهذه صفة ذميمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم عن ثلاث: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات)، فقوله: (ومنع وهات) أي: أنه يطلب ولا يعطي، فيكون جموعاً منوعاً.

    تراجم رجال إسناد حديث ( ما يكون عندي من خبر فلن أدخره عنكم... )


    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ] . عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يزيد الليثي ]. عطاء بن يزيد الليثي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بنسبته وكنيته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس و جابر و أم المؤمنين عائشة ، فهم ستة رجال وامرأة واحدة، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    شرح حديث ( من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ... )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود ح وحدثنا عبد الملك بن حبيب حدثنا ابن المبارك وهذا حديثه عن بشير بن سلمان عن سيار أبي حمزة عن طارق عن ابن مسعود رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى: إما بموت عاجل، أو غنى عاجل) ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته) أي: إذا اعتمد على الناس وعول عليهم، وغفل عن الله عز وجل فإنها لا تسد فاقته. والفاقة: هي الفقر وشدة الحاجة، فإذا عول الإنسان على الناس فإنه لا يحصل له ما يريد؛ لأنه إذا اعتمد على الناس تُرك على الناس، وأما إذا اعتمد على الله فإن الله تعالى يهيئ له الرزق من حيث لا يحتسب كما قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:2-3]، أي: كافيه. قوله: (ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى: إما بموت عاجل) أي: بأن يموت قريب له عنده مال فيرثه، فيصير إليه المال من جهة لم يفكر فيها، ولم تقع له على بال، بل ساقه الله إليه من حيث لم يحتسب. (أو بغنى عاجل) أي: بأن يهيئ الله له الخير، ويهيئ له الأسباب التي توصله إلى الغنى فيحصل له الغنى.
    تراجم رجال إسناد حديث ( من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسدّ فاقته .. )

    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن داود ]. عبد الله بن داود وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا عبد الملك بن حبيب ] . عبد الملك بن حبيب أبو مروان وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا ابن المبارك ]. ابن المبارك هو: عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، قال عنه الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر كثيراً من صفاته الحسنة: جمعت فيه خصال الخير. [ وهذا حديثه ]. أي: حديث ابن المبارك صاحب الطريقة الثانية. [ عن بشير بن سلمان ]. بشير بن سلمان ثقة يغرب، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سيار أبو حمزة ]. سيار أبي حمزة مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن طارق ]. طارق بن شهاب ، وقد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يسمع منه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مسعود ]. عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني ، وفيه هذا الرجل المقبول، فلعل له شواهد.

    شرح حديث ( إن كنت سائلاً لابد فاسأل الصالحين )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن مسلم بن مخشي عن ابن الفراسي : (أن الفراسي قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أسأل يا رسول الله؟! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا، وإن كنت سائلاً لابد فاسأل الصالحين) ]. أورد أبو داود حديث الفراسي رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أسأل يا رسول الله! يستأذنه في أن يسأل والأصل: أأسأل؟ فحذفت همزة الاستفهام. قوله: (فقال: لا) أي: لا تسأل، وإن كنت بحاجة إلى السؤال فاسأل الصالحين؛ لأن سؤال أهل الصلاح فيه منافع من ذلك أنّ مال أهل الصلاح جاء من طريق حلال، وهذا بخلاف الفاسق، وربما إذا سأله استذله. وفي إسناد هذا الحديث من هو متكلم فيه، وهو مسلم بن مخشي ، وقد ضعف هذا الحديث الشيخ الألباني ، ولكن لا شك أن الإنسان إذا كان سائلاً فليسأل أهل الخير والصلاح والاستقامة، وهذا أولى من أن يسأل أهل الفسق، والحديث كما قلنا لم يثبت من حيث الإسناد.

    تراجم رجال إسناد حديث ( إن كنت سائلاً لابد فاسأل الصالحين )


    قوله: [ حديثا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث بن سعد ]. ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر بن ربيعة ] . جعفر بن ربيعة المصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكر بن سوادة ]. بكر بن سوادة ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مسلم بن مخشي ]. مسلم بن مخشي مقبول أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ عن ابن الفراسي ]. ابن الفراسي قال الحافظ : لا يُعرف اسمه، قلت: هذه الجهالة في معرفة اسمه وليست في الحكم عليه فقد يكون صحابياً لا يعرف اسمه، وهنا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعضه أنه روى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة.

    شرح حديث ( إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأله فكل وتصدق )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن ابن الساعدي رضي الله عنه قال: (استعملني عمر رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها وأديتها إليه أمر لي بعمالة فقلت: إنما عملت لله وأجري على الله، قال: خذ ما أعطيت، فإني قد عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعملني، فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأله فكل وتصدق) ]. أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أن عمر استعمل ابن الساعدي على الصدقة، أي: عاملاً على جبايتها؛ ولما فرغ أعطاه العمالة، وهي ما يقابل عمله، فقال: إني إنما عملت لوجه الله عز وجل ولا أريد شيئاً، فقال: خذه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملني على الصدقة فقلت ما قلت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأله فكل وتصدق. فالحديث يدل على بعث العمال على الصدقة، وإعطائهم مقابل عملهم، وقد جاء في القرآن أن العاملين عليها من أهل مصارف الزكاة، وأنهم يعطون ولو كانوا أغنياء، وفيه أن الإنسان إذا عمل لوجه الله عز وجل ثم حصل له شيء فإن ذلك لا يؤثر في قصده، فله أن يأخذه، ويكون هذا من الثواب الذي يعجله الله عز وجل له في الدنيا قبل الآخرة، فهذا الرجل وقبله عمر ذكر أنه عمل ذلك لوجه الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذ) أي: كل وتصدق، واستفد وأفد، وأنفق على نفسك وعلى غيرك. وفي هذا أن الإنسان إذا عمل عملاً لوجه الله تعالى ثم أعطي عطاء على ذلك فإنه يأخذ، ويكون له الأجر والثواب عند الله عز وجل، ومعلوم أنه يجوز للمرء أن يدخل في العمل كجباية الزكاة وهو يريد الأجر على ذلك، فلا مانع من ذلك، وقد جاء في قصة الفضل بن عباس ورفيقه اللذين جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبان منه أن يوليهما على الصدقة ليحصل لهما شيء يتزوجان به، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الزكاة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)، ثم أمر العباس بأن يزوج ابنه، وأمر بمقدار من المال لتزوجيهما، فدل ذلك على أن الإنسان إذا عمل عملاً ووجد أجراً على ذلك فلا بأس به، وإذا عمل عملاً يستحق عليه أجراً فترك الأجر لوجه الله، فأعطي مع ذلك فلا مانع منه، ويكون ذلك من الثواب المعجل الذي يعجله الله للإنسان في الدنيا قبل الآخرة. وأما تعليم القرآن وأخذ الأجرة عليه ففيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال بعدم أخذ الأجرة عليه، وإنما يؤخذ الجُعل، وكذلك ما يكون في الأوقاف، أو من بيت المال، فلا بأس بذلك. وأما المؤاجرة على ذلك، وكون الإنسان في أعمال الخير كتعليم القرآن، وإمامة المساجد، والأذان وغير ذلك من القرب ويعتبر نفسه أجيراً، أو أنه مثل أصحاب المهن والحرف، فليس مثلهم، ولكنه إذا جُعل له شيء من بيت المال، أو خُصص لمن يتفرغ لهذه المهمة، أو إذا كانت هناك أوقاف أوقفت على وجوه الخير كأئمة المساجد، والمؤذنين، ومعلمي القرآن، فإنهم يأخذون ذلك ولهم ثوابهم عند الله عز وجل، ويكون هذا من الثواب المعجل الذي يحصله الإنسان في الدنيا قبل الآخرة، وإنما المحذور في هذا هو يُعلِّم القرآن أو أن يكون إماماً ويصلي بالناس ولا يفعل ذلك إلا بأجرة، ويتفق معهم على أجرة، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في (آداب المشي إلى الصلاة) أن الإمام أحمد سئل عن رجل يقول: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهماً، فقال: أسأل الله العافية، ومن يصلي خلف هذا؟ لكن لو صلى ولم يطلب منهم شيئاً فأعطوه أو جمعوا له شيئاً، أو كانت هناك أوقاف فأعطي منها فلا بأس بذلك، ويكون هذا من الثواب المعجل.

    تراجم رجال إسناد حديث (إذا أُعطيت شيئاً من غير أن تسأله فكل وتصدق)


    [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج ]. بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بسر بن سعيد ]. بسر بن سعيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن الساعدي ]. ابن الساعدي وقيل: ابن السعدي : عبد الله بن السعدي صحابي أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عمر ]. عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه. قوله: (قال: فلما فررت منها وأديتها أمر لي بعمالة) أي: أمر له بمبلغ من المال مقابل العمل. وقوله: (عملني) أي: أعطاني العمالة.
    شرح حديث (اليد العليا خير من اليد السفلى ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وهو على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف منها والمسألة: اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة) ، وهذا الحديث يدل على فضل الإعطاء، وعلى ذم السؤال، وعلى تمييز من يعطي على من يأخذ، ووصف يد المعطي بأنها العليا، ووصف اليد الآخذ بأنها السفلى، وقال: إن اليد العليا خير من اليد السفلى، مع أن الوصف بالعلو والوصف بالسفل كافٍ لمعرفة أن هذا خير من هذا؛ لأن ما يوصف بالعلو خير مما يوصف بالسفل، ولكنه نص على الخيرية زيادة في الإيضاح والبيان على عظم شأن الإنفاق، وكون المنفق يده عليا وخيّرة، والسائل أو الآخذ يده سفلى، وهو دون ذلك المعطي، ثم فسر اليد العليا بأنها المنفقة، والسفلى بأنها الآخذة، وهذا يدلنا على فضل الإعطاء والبذل، وعلى ذم السؤال إلا إذا كان لحاجة.
    تراجم رجال إسناد حديث (اليد العليا خير من اليد السفلى ..)

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع ] نافع هو مولى ابن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود اختلف على أيوب عن نافع في في هذا الحديث، قال عبد الوارث : اليد العليا المتعففة، وقال أكثرهم عن حماد بن زيد عن أيوب : اليد العليا المنفقة، وقال واحد عن حماد : المتعففة ]. ثم ذكر أبو داود اختلاف الرواة في بيان اليد العليا، فذكر أولاً أنها المنفقة، وذكر في طريق أخرى أنها المتعففة، أي: أن المتعفف الذي لا يسأل هو على خير، وهو محمود، وهو ليس كالسائل، بل قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يغنه الله) ، إلا أن الرواية المحفوظة هي رواية: المنفقة، وقد رجح الخطابي رواية: المتعففة على غيرها، وقال: إن هذا علو معنوي، وأما الشيخ الألباني فيقول عن المتعففة هذه بأنها شاذة، وأن المحفوظة هي رواية المنفقة. [ قال أبو داود : اختلف على أيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع في هذا الحديث، فقال عبد الوارث ]. عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال أكثرهم عن حماد بن زيد ]. حماد بن زيد هو حماد بن زيد البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال واحد عن حماد ]. هذا الواحد هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي ، وله أيضاً متابع، وهو أبو الربيع الزهراني سليمان بن داود .

    شرح حديث (الأيدي ثلاث فيد الله العليا...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبيدة بن حميد التيمي حدثني أبو الزعراء عن أبي الأحوص عن أبيه مالك بن نضلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأيدي ثلاث: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى، فأعط الفضل، ولا تعجز عن نفسك) ]. أورد أبو داود حديث مالك بن نضلة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأيدي ثلاث: يد الله العليا، والتي تليها يد المعطي، ويد السائل هي السفلى) ، فيد الله هي العليا؛ لأن الله تعالى هو المعطي على الحقيقة، وإعطاء الإنسان إنما هو تابع لإعطاء الله عز وجل، قال الله عز وجل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، وقال عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء إلا قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) ، وكما جاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا قاسم والله يعطي) . وكما في حديث معاوية : (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي) . فالمعطي على الحقيقة هو الله عز وجل، وقد جُعل الإنسان سبباً في وصول هذه النعمة، ولكن حقيقة الإعطاء هي من الله عز وجل، وهذا وإن كان معطياً إلا أن الله تعالى هو الذي جعله معطياً، وهو الذي جعله سبباً في وصول ذلك الخير إلى الغير. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا قاسم والله يعطي) فيه إشارة إلى هذه الأيدي الثلاث؛ لأن الله تعالى هو المعطي، والنبي صلى الله عليه وسلم هو القاسم، فيعطي كما أمره الله وأرشده، والمعطى هو السائل، أو الذي يعطى من غير سؤال. قوله: (فأعط الفضل) يعني: الشيء الزائد عن حاجتك. قوله: (ولا تعجز عن نفسك) أي: في مجاهدتها في كونها تشح بالمال وتحرص على إبقائه خوف الفقر. وقيل: إنه لا يعجز عن نفسه بأن يعطيها حقها، وأن يعطيها الشيء الذي هو لازم لها، والشيء الذي يكون به قوامها، فيقدمها على غيرها ولا يعجز عن ذلك، فالمعنى يحتمل هذا ويحتمل هذا.

    تراجم رجال إسناد حديث (الأيدي ثلاث فيد الله العليا...)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل هو: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبيدة بن حميد التيمي ]. عبيدة بن حميد التيمي صدوق ربما أخطأ أخرج له البخاري و أصحاب السنن. [ حدثني أبو الزعراء ]. أبو الزعراء هو: عمرو بن عمرو -أو ابن عامر- بن مالك بن نضلة وهو ثقة أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي الأحوص ]. أبو الأحوص هو: عوف بن مالك بن نضلة ، وهو عم أبي الزعراء ؛ لأن أبا الزعراء هو عمرو بن عمرو -أو ابن عامر- بن مالك ، و أبو الأحوص هو: عوف بن مالك بن نضلة ، وهو ثقة أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه]. مالك بن نضلة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في (خلق أفعال العباد) وأصحاب السنن."

  14. #234
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [201]
    الحلقة (232)





    شرح سنن أبي داود [201]

    للزكاة مصارف معلومة نص عليها القرآن الكريم ويحرم صرفها في غير تلك المصارف، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة صرفها في بني هاشم، تكريماً لهم وتشريفاً؛ لأن الزكاة أوساخ الناس، ولاستغنائهم عنها بالفيء، ولكن إذا أعطي الفقير ونحوه من الزكاة، ثم أهدى منها لهاشمي، فإنها تجوز له.

    الصدقة على بني هاشم


    شرح حديث: (مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الصدقة على بني هاشم. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي رافع عن أبي رافع رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع : اصحبني فإنك تصيب منها، قال: حتى آتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسأله، فأتاه فسأله، فقال: مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة) ]. أورد أبو داود باب: الصدقة على بني هاشم وهاشم هو ابن عبد مناف ، وهو الجد الثاني لرسول صلى الله عليه وسلم، فنبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، فبنو هاشم هم الذين لا تحل لهم الصدقة، والمراد بهم: آل العباس، وآل الحارث بن عبد المطلب، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، فهؤلاء هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة، وقد قصر بعض أهل العلم المنع على بني هاشم، وألحق بهم بعضهم بني المطلب، والمطلب هو أخو هاشم، وهما من أولاد عبد مناف، ويستدلون على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطيهم من الخمس من سهم ذوي القربى. وقد جاء في الصحيح أن عثمان بن عفان -وهو من بني عبد شمس بن عبد مناف -و جبير بن مطعم النفيلي- وهو من بني نوفل بن عبد مناف- جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالا: إنك أعطيت بني المطلب ولم تعطنا، ونحن وإياهم في القرب منك سواء؛ لأن أولاد عبد مناف أربعة: هاشم و المطلب و عبد شمس و نوفل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطى بني المطلب من خمس ذوي القربى، فجاء عثمان بن عفان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالا له ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا وبنو المطلب شيئاً واحداً لم نفترق في الجاهلية والإسلام) أي: أنهم كانوا يناصرونهم، ولما حوصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب كانوا معهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من الخمس كما يعطي بني هاشم، قالوا: ومن أعطي من الخمس فإنه لا يعطى من الزكاة، فلا يجوز أن تدفع الزكاة لا إلى هاشمي ولا إلى مطلبي. وأورد أبو داود حديث أبي رافع رضي الله عنه أن رجلاً من بني مخزوم قال له وقد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة: اصحبني حتى تصيب شيئاً، فقال: لا، حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إليه وسأله، فقال: (إن مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة)، فيدل هذا الحديث على أن مولى القوم منهم، وأن الموالي لا تحل لهم الصدقة، فمن العلماء من أخذ بمقتضى هذا الحديث وقال: لا تحل لمواليهما يعني: موالي بني المطلب وبني هاشم، ومنهم من قال: إن الموالي تحل لهم الصدقة، ولكن هذا الحديث يدل على أنها لا تحل لهم؛ لأنه قال: (مولى القوم من أنفسهم) أي: أن حكمه كحكمهم، وسبب عدم إعطاء آل البيت من الصدقة أنهم يعطون ما يكفيهم من الخمس، فعندهم شيء يغنيهم عن الصدقة، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب له يتعلق بآل البيت: إذا لم يعطوا من الخمس فإن الصدقة تحل لهم، فيجوز لهم أن يأخذوا منها؛ لأنهم إنما منعوا لإعطائهم من الخمس ومن الفيء، فإذا لم يُعطوا من الخمس، ولم يجدوا ما يكفيهم فإنها تحل لهم الصدقة؛ لأن الأمر الذي لم يعطوا من الزكاة لأجله غير موجود، فيجوز إذاً أن يعطوا من الزكاة حينئذ.
    تراجم رجال إسناد حديث: (مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة)

    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير هو: العبدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم ]. الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي رافع ]. ابن أبي رافع هو: عبيد الله بن أبي رافع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي رافع ]. أبو رافع رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الفرق بين النسبة الحقيقية ونسبة الولاء

    قوله: (مولى القوم من أنفسهم) يعني: حكمه كحكمهم، وليس المراد أنه من أنفسهم حقيقة؛ لأن المراد بأنفسهم نفس القبيلة، والمولى ليس من القبيلة، ولهذا يفرقون بين المولى وبين كونه من أنفسهم، فعندما يذكر البخاري و مسلم رحمة الله عليهما، يقال في البخاري : محمد بن إسماعيل بن المغيرة الجعفي مولاهم، يعني: أن نسبته إلى الجعفيين نسبة ولاء، وإذا ذكروا مسلماً قالوا: مسلم بن الحجاج القشيري من أنفسهم، يعني: أن نسبته إلى بني قشير نسبة أصل، فكلمة (من أنفسهم) تقابل فكلمة (مولاهم). فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أنفسهم) يقصد أن حكمه حكم من كان من آل البيت، لا أنه منهم على الحقيقة؛ لأنه مولى وليس نسبه نسبهم.
    شرح حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالتمرة العائرة فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن تكون صدقة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل و مسلم بن إبراهيم المعنى قالا: حدثنا حماد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمر بالتمرة العائرة فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن تكون صدقة) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يمر بالتمرة العائرة) أي: الساقطة التي لا يعرف صاحبها، ولا يعرف هل هي من الصدقة أو من غير الصدقة، فصاحبها لا يعرف، وجهتها لا تعرف. قوله: (فلا يمنعه من أخذها إلا أن تكون صدقة) أي: لا يمنعه من أخذها وأكلها إلا أن تكون صدقة، وهذا يدل على الورع، وعلى الاحتياط في الدين، وعلى ترك الشيء المشتبه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرئ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه) . وكذلك جاء في بعض الأحاديث: (لا يبلغ الرجل أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس)، فهو يدل على الورع. وهناك فرق بين الورع والزهد، فالزهد أن يزهد الإنسان في أموال الناس، وما في أيدي الناس، وأما الورع فهو أن يتورع عن الأشياء التي فيها اشتباه، فالورع غير الزهد، فالزهد أن يكون عنده غنى نفس، وألا يكون عنده طمع أو جشع، وأما الورع فهو الاحتياط، فقول صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) هذا ورع، وليس زهداً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالتمرة العائرة فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن تكون صدقة)


    قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى قالا: حدثنا حماد ]. قوله: المعنى أي أن الشيخين اللذين ذكر ألفاظهما روايتهما متفقة في المعنى، وإن كان بينها اختلاف في الألفاظ. [ حدثنا حماد ]. حماد هو: ابن سلمة، فإذا روى عنه موسى بن إسماعيل هكذا غير منسوب -ويسمى بالمهمل، وهو أن يذكر الشخص دون أن ينسب- فالمراد به حماد بن سلمة ، وإذا روى مسدد عن حماد غير منسوب، فالمراد به ابن زيد وقد ذكر المزي في (تهذيب الكمال) بعد ترجمة حماد بن سلمة أن الحمادين يتفقان في كثير من الشيوخ والتلاميذ، ثم ذكر أنه إذا روى عنه فلان وفلان غير منسوب فهو فلان، وإذا روى عنه فلان فلان وفلان فهو فلان، وهذا ضابط يعرف به إذا جاء مهملاً، وذلك من خلال التلاميذ، وقد ذكر هذا في (تهذيب الكمال)، بعد ترجمة حماد بن سلمة ، وهي تلي ترجمة حماد بن زيد مباشرة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود ، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود .
    شرح حديث (لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبي عن خالد بن قيس عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجد تمرة فقال: (لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها) ]. أورد أبو داود حديث أنس من طريق أخرى، وقال في هذه الرواية: (لولا أن تكون صدقة لأكلتها) ، فأخبر عن الشيء الذي يمنعه من أكلها وهو خشية أن تكون من الصدقة، فهو مثل الذي قبله.
    تراجم رجال إسناد حديث (لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها)

    قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو: نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. وهوثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد بن قيس ]. خالد بن قيس وهو صدوق يغرب أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن قتادة عن أنس ]. قتادة و أنس قد مر ذكرهما. [ قال أبو داود : رواه هشام عن قتادة هكذا ]. قوله: رواه هشام عن قتادة هكذا، يعني: كما مر في الرواية السابقة، و هشام هو: ابن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث ابن عباس: (بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في إبل أعطاها إياه من الصدقة)


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن عبيد المحاربي حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إبل أعطاها إياه من الصدقة). حدثنا محمد بن العلاء و عثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا محمد -هو: ابن أبي عبيدة- عن أبيه عن الأعمش عن سالم عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه، زاد أبي: (يبدلها له) ]. أورد المصنف حديث ابن عباس قال: (بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل أعطاها إياه من الصدقة) ، وزاد في الرواية الأخرى: (يبدلها له)، يعني: بعثه كي يبدلها له، وهذا الحديث يدل بظاهره على أنه أعطي من الصدقة، وقد مر في الأحاديث السابقة أن بني هاشم لا يعطون من الصدقة، وأن الصدقة لا تحل لهم، قال العلماء: ويُفسَّر هذا الحديث -حتى يتفق مع الأحاديث الأخرى- بتفسيرين: الأول: أن يكون ذلك قبل تحريم الصدقة على بني هاشم. والثاني: أن يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه من الصدقة، فقد مر في حديث عمر الذي فيه: (منع العباس) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هي علي ومثلها) ، وجاء في بعض التفسيرات: أنه استسلفها منه، فيكون هذا وفاءً وسداداً، أي: أنه سدد له من إبل الصدقة، وليس معنى ذلك أنه أعطي من الصدقة؛ لأن الصدقة لا تحل لآل محمد، ومنهم آل العباس ، وقد سبق الحديث الذي فيه: أن الفضل بن عباس جاء ومعه أحد أولاد الحارث بن عبد المطلب يطلبان من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملهما على الصدقة؛ حتى يحصلا شيئاً يتزوجان به، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها لا تحل لآل محمد) ، فعلى هذا فما جاء في هذا الحديث يحمل على أحد هذين الأمرين: إما أن يكون هذا قبل تحريم الصدقة على بني هاشم، أو أن هذا تسديد ووفاء لشيء استلفه منه صلى الله عليه وسلم كما جاء في بعض روايات الحديث السابق في أمر العباس .

    إهداء الفقير للغني من الصدقة



    شرح حديث: (هو لها صدقة ولنا هدية)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الفقير يهدي للغني من الصدقة. حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُتي بلحم، قال: ما هذا؟ قالوا: شيء تُصُدِّق به على بريرة ، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب: الفقير يهدي للغني من الصدقة. أي أن ذلك سائغ وجائز؛ لأن الصدقة إذا تُصدِّق بها على الفقير صارت ملكاً له يتصرف فيها كيف يشاء، فله أن يهديها، وله أن يدعو لأكلها، وإلى أكل طعامه الذي تصدق عليه به؛ فإن الشيء إذا تصدق به على الفقير فإنه يدخل في ملكه، وتصير ملكاً له، وإذا أكلها غني بعد ذلك، أو أكلها من لا تحل له الصدقة؛ فإن ذلك لا بأس به، ولا محذور فيه، وقد سبق أن مرت بعض التراجم التي تماثل هذه الترجمة، وهنا جاءت بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلو كانت الترجمة: باب الفقير يهدي إلى من لا تحل له الصدقة، لكان أولى. وسبق أن مرت بعض التراجم التي فيها أن فقيراً يهدي إلى غني، وفي بعض الأحاديث أنه يدعوه، فسواء أهدى إليه، أو دعاه لحضور وليمة، أو إلى أن يأكل من طعامه؛ فكل ذلك لا بأس به، لكن هذه الترجمة كان الأولى أن تكون كما ذكرت آنفاً. أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قُدِّم إليه لحم فقال: (ما هذا؟ قالوا: لحم تصدق به على بريرة ، فقال عليه الصلاة والسلام: هو لها صدقة، ولنا هدية). يعني: أنه وصل إليها عن طريق الصدقة فملكته، ثم وصل إلينا هدية، والنبي صلى الله عليه وسلم يأكل من الهدية ويقبلها، ولكنه لا يأخذ الصدقة صلى الله عليه وسلم، فوصول الصدقة إلى الفقير يصيرها ملكاً له، فيتصرف فيها كيف يشاء، فإذا شاء أن يهديها إلى من لا تحل له الصدقة فله ذلك، وإن شاء أن يدعو إليها من لا تحل له الصدقة فله ذلك، فقد خرجت عن كونها صدقة؛ لكونها صارت ملكاً للذي تُصدِّق بها عليه، فيتصرف فيها كيف شاء. ويدل هذا الحديث أيضاً على سؤال الرجل عما يحصل في بيته مما يكون غريباً، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما هذا؟) ، وذلك أنه رأى اللحم، وكان حصول اللحم ليس معتاداً لهم، فلما رآه عليه الصلاة والسلام سأل عنه، فأُخبر عن حقيقته، وأنه تُصدِّق به على بريرة ، وأعطتهم بريرة إياه هدية، فقال عليه الصلاة والسلام: (هو لها صدقة، ولنا هدية) .

    تراجم رجال إسناد حديث (هو لها صدقة، ولنا هدية)


    قوله: [ حدثنا عمرو بن مرزوق ]. عمرو بن مرزوق ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود . [ أخبرنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث من الرباعيات، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، فليس عنده ثلاثيات، بل إن أعلى شيء عنده هي الرباعيات، وهي ما كان بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أربعة أشخاص، وهم هنا عمرو بن مرزوق ، و شعبة ، و قتادة ، و أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.

    الفرق بين الصدقة والهدية

    والفرق بين الصدقة والهدية أن الصدقة -كما هو معلوم- يراد بها الثواب من الله عز وجل، وأما الهدية فهي مثل العطية، فيمكن أن تعطيها لغني، ويمكن أن تعطيها لفقير، وقد تكون الهدية على سبيل المكافأة، فقد يهدي للإنسان هدية فيكافئه بمثلها، وهذا بخلاف الصدقة فإنها يطلب بها الثواب، فلا يكون فيها مكافأة، ولا يكون فيها رد تلك المنة بما هو أحسن منها، أو بما هو مثلها؛ فإن الصدقة إنما هي إحسان ومنة من المحسِن إلى المحسَن إليه، وهي صدقة من المتصدِّق على المتصدَّق عليه، بخلاف الهدية، فإن الهدية تمليك كالعطية، وقد يكون المراد بها تحصيل المقابل أو تحصيل الثواب أو تحصيل المكافأة والمقابلة عند الحاجة.
    من تصدق بصدقة ثم ورثها


    شرح حديث: (قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من تصدق بصدقة ثم ورثها. حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة رضي الله عنه أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: (كنت تصدقت على أمي بوليدة وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة، قال: قد وجب أجرك، ورجعت إليك في الميراث) ]. أورد أبو داود باب: من تصدق بصدقة ثم ورثها، أي: أن رجوعها إليه بالميراث معتبر ولا إشكال فيه، وليس من العود في الصدقة؛ لأن الإرث هو انتقال من غير اختيار، فالميت إذا مات فإن ماله ينتقل مباشر من ملك إلى ملك، فهو أمر ليس للإنسان فيه دخل من حيث كونه يتسبب فيه، فإذا حصل أن رجعت الصدقة إلى المتصدق عن طريق الإرث فإن أجره ثابت؛ لكونه تصدق وأحسن، ورجوعها إليه بالميراث حق ثابت لا إشكال فيه ولا مانع منه، وليس من قبيل العود في الصدقة؛ فالإنسان لم يعد في صدقته، ولكنها هي التي عادت إليه بحكم الله عز وجل في الميراث، والميراث لا اختيار فيه لأحد، وإنما هو حكم الله عز وجل فيمن توفي، فإن أمواله تنتقل إلى الذين يرثونه على القسمة التي بيّنها الله عز وجل في كتابه العزيز، وبينها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنها تصدقت على أمها بوليدة) ، والوليدة هي الأمة الشابة، (وأنها ماتت) أي: أنها تسأل عن حكم رجوعها إليها بالميراث، وكأنها استشكلت أن ذلك يكون من العودة في الصدقة، وقد جاءت أحاديث تدل على المنع من ذلك، وكذلك العود في الهبة والعطية مذموم أيضاً، والعائد في ذلك: (كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في قصة الفرس الذي حمل عليه عمر رضي الله عنه في سبيل الله، ثم وجده يباع، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (لا تشتره، ولا تعُد في صدقتك)، فهذا يرجع إلى اختيار الإنسان، وأما أن تصل إليه بالميراث فهذا شيء خارج عن إرادته، والأجر ثابت له، فقد عادت إليه بحكم الله عز وجل، وذلك بالإرث الذي فرضه الله عز وجل؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هنا: (قد وجب أجرك، ورجعت إليك في الميراث) أي: أن ما حصل منك من الإحسان والتصدق على والدتك قد ثبت به لك الأجر من الله عز وجل على ذلك، وهي قد رجعت إليكِ بالميراث، فيدلنا هذا على أن رجوع ما تصدق به الإنسان أو ما أعطاه الإنسان هبة إذا رجع إليه بالميراث فإن هذا ليس من العود في الهبة، وليس من العود في الصدقة، فإن هذا شيء لا اختيار للإنسان فيه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ]. أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه الإمام أحمد : إنه شيخ الإسلام. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن عطاء ]. عبد الله بن عطاء صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن بريدة ]. عبد الله بن بريدة بن الحصيب ثقة، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. بريدة وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة."

  15. #235
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [202]
    الحلقة (233)



    شرح سنن أبي داود [202]

    لقد فرضت الزكاة طهرة للمال ونماء، وقد ندب الله عباده إلى الصدقة بالفضل من الظهر والطعام، وإعارة دلو السقي ومنح الحلوب من الأنعام، ونحو ذلك مما يوجب الألفة والتكافل، ويعمل على التقارب بين طبقات المجتمع.

    ما جاء في حقوق المال


    شرح حديث (كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حقوق المال. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن عاصم بن أبي النجود عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عارية الدلو والقدر) ]. أورد أبو داود باباً في حقوق المال، أي: الحقوق المترتبة على المال، سواء كانت في الزكاة أو غير الزكاة. وأورد فيه شيئاً يتعلق بالزكاة، وأشياء هي غير الزكاة، وأورد في ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا نعد الماعون) أي: الذي جاء ذكره في القرآن: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، (عارية الدلو والقدر) أي: الأشياء التي يحتاج الناس إلى التعاون فيها، وتبادل المنافع فيما بينهم، كإعارة الدلو، والقدر، والصحن، وغير ذلك من الأشياء التي يحتاجها الناس ثم يرجعونها. قال: (كنا نعد الماعون عارية الدلو) أي: إعارة الدلو التي يستخرج بها الماء من البئر، وإعارة القدر التي يطبخ بها، أو التي تستعمل في أي وجه آخر من وجوه الاستعمال المباحة المشروعة، والمقصود من ذلك تفسير الماعون هذه الآية الكريمة: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، وهذا تفسير بالمثال؛ لأن ذكر الدلو والقدر مثال، وإلا فإن الأمور الأخرى التي يحتاج الناس إلى تبادلها على سبيل الإعارة فيما بينهم من الأواني وغيرها تدخل في ذلك. ومراد أبي داود من الترجمة أن هذه الأشياء من الحقوق.

    تراجم رجال إسناد حديث (كنا نعد الماعون على عهد رسول الله عارية الدلو والقدر)


    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عوانة ]. أبو عوانة هو : الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن أبي النجود ]. عاصم بن أبي النجود وهو عاصم بن بهدلة وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وروايته في الصحيحين مقرونة. [ عن شقيق ]. شقيق بن سلمة هو: أبو وائل ، يذكر بكنيته أحياناً، ويذكر باسمه أحياناً أخرى، وهو ثقة مخضرم أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله يوم القيامة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله يوم القيامة يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره حتى يقضي الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت، فيبطح لها بقاع قرقر فتنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء، كلما مضت أُخراها ردّت عليه أولاها حتى يحكم الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت، فيبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه بأخفافها كلما مضت عليه أخراها ردت عليه أولاها، حتى يحكم الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنه (ما من صاحب كنز) أي: سواء كان ذهباً أو فضة، لا يؤدي حقه إلا إذا كان يوم القيامة صفح له صفائح من نار، فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره في نار جهنم، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، حتى يحكم الله تعالى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. وقوله: (لا يؤدي حقها) حقها هو زكاتها، وقد سبق أن مر أن المال الذي أخرجت زكاته ليس بكنز، فالكنز الذي توعد عليه في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34] إنما هو الذي لم يؤد حقه، فأما إذا أخرجت زكاته فلا يعتبر كنزاً؛ لأنه قد أدي الحق الذي عليه فيه. وقوله: (فيُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) فيه دليل على أن من لم يؤد الزكاة التي هي عليه في ماله، ولم يكن ذلك جحوداً للزكاة، وإنما كان بخلاً وكسلاً فإنه لا يكون كافراً؛ لأنه قال هنا: (ثم يُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، والكافر لا سبيل له إلى الجنة، فليس أمامه إلا النار، فهذا يدلنا على أنه لا يكفر، ولكنه يعذب على ذلك في الموقف، وبعد ذلك يُرى مصيره إما إلى الجنة وإما إلى النار، فيحتمل أنه يصير من أهل الجنة، وأن الله تعالى يتجاوز عنه، أو أنه يعذب العذاب الذي يستحقه في القبر أو في الموقف في ذلك اليوم العظيم الذي مقداره خمسون ألف سنة مما يعد الناس، فيكون هذا نصيبه من العذاب على عدم إخراجه الزكاة تهاوناً وكسلاً. وأما إذا كان تركها جحوداً فإنه يكون كافراً؛ لأن جحود ما هو معلوم ثبوته من دين الإسلام بالضرورة كفر. قوله: (وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر) أي: بطح لها بمكان مستو ليس فيه ارتفاع ولا انخفاض. وقوله: (قرقر) قيل: إن المقصود به أنه أملس، وقيل: إنه هو نفس القاع، ولكنه ذكر هنا على سبيل التوضيح، ولعله في كونه مستوياً أن تمشي عليه بسهولة فتطؤه ذاهبة وآيبة، فتأتي يوم القيامة تلك الغنم التي لم يؤد حقها (ليس فيها عقصاء) وهي ملتوية القرن، (ولا جلحاء) وهي التي لا قرن لها، بل تكون قرونها بارزة كي تنطحه بها. (وتطؤه بأظلافها) ، والظلف: هو الذي يكون منقسماً إلى قطعتين، فهناك خف وظلف وحافر، فالخف يكون للبعير، والظلف يكون للشاة والبقرة، والحافر يكون للفرس وللحمار. (إذا مر عليه أخراها عاد عليه أولها) أي: بدأ أولها حتى ينتهي آخرها، ثم ترجع من جديد، وهكذا في هذا اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة مما يعد الناس، حتى يحكم الله تعالى بين العباد، (ويرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار). قوله: (وما من صاحب إبل لا يؤدي حقها) وحقها هو زكاتها، وهناك شيء آخر مع الزكاة سيأتي بيانه. قوله: (إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأخفافها إذا مر عليه آخرها عاد عليه أولها) أي: فرغت من أولها إلى آخرها عند ذلك تستأنف من جديد، فتأتي أولاها وتطؤه حتى تأتي أخراها.. وهكذا، ويكون ذلك في هذا اليوم الطويل الذي مقداره خمسون ألف سنة مما يعد الناس، حتى يحكم الله تعالى بين عباده فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. فالحق هنا هو الزكاة، ولكن جاء في بعض الروايات ما يدل على أن هناك شيئاً آخر وراء هذا الحق، وهو حلبها يوم وِرْدها والتصدق بذلك، وكذلك إعارة دلوها وما إلى ذلك من الأمور التي يحتاج الناس إليها، وهذا من الحقوق، وهي غير الحقوق الواجبة التي لابد منها، وهذا العذاب يكون قبل الفصل. وأما إذا ترك أداء الحق جحوداً فإنه يبقى في النار أبد الآباد؛ لأنه كافر، وأما إن كان تركها تهاوناً وكسلاً فإنه يعذب في النار على قدر جرمه، ثم بعد ذلك يخرج من النار ويدخل الجنة، فلا يبقى في النار إلا الكفار الذين هم أهلها، والذين لا سبيل لهم إلى الخروج منها، وأما أصحاب الكبائر والمعاصي فمهما طال مكثهم في النار فلابد أن يأتي يوم يخرجون منها ويدخلون الجنة. يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه (الوابل الصيب): هناك داران باقيتان لا تفنيان، وهناك دار تفنى، فأما الداران الباقيتان اللتان لا تنفيان فدار الطيب المحض، ودار الخبث المحض، يعني: دار المتقين ودار الكفار، فهاتان باقيتان أبد الآباد، وأما الدار التي جمع أهلها بين الخبث والطيب فإنها تفنى، فالذين دخلوا النار يعذبون على قدر خبثهم، ثم يخرجون من النار ويدخلون الجنة، فيصير المكان الذي كان فيه هؤلاء العصاة خالياً ليس فيه أحد، وهذا هو معنى فنائها، وأما الكفار فالمكان الذي هم فيه في النار لا يخلو منهم أبد الآباد. وهذا واضح الدلالة على أن ابن القيم يرى دوام النار، وأنها لا تفنى، وأن التي تفنى إنما هي النار التي فيها العصاة، فإنه يأتي عليها يوم من الأيام وليس فيها أحد. وأما المكان الذي فيه الكفار فهذا باق أبد الآباد إلى غير نهاية. وهذا العذاب يكون في المحشر، وقد جاء في حديث الشفاعة العظمى: (أن الناس يموج بعضهم في بعض، ويلجمهم العرق، فمنهم من يكون العرق إلى ركبته، ومنهم إلى نصفه ... إلخ)، وهذا التفاوت بينهم على حسب الأعمال التي حصلت منهم في الدنيا، ثم بعد ذلك يبحثون عن طريق للخلاص من هذا الموقف، فينتهون إلى أن يستشفعوا برسل الله عز وجل إلى الله؛ ليخلصوهم مما هم فيه، (فيأتون إلى آدم فيعتذر، ثم إلى نوح فيعتذر، ثم إلى إبراهيم فيعتذر، ثم إلى موسى فيعتذر، ثم إلى عيسى فيعتذر، ثم يأتون إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، فيشفع، فيشفعه الله عز وجل)، وهذا هو المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون الآخرون، من لدن آدم وإلى أن تقوم الساعة، فحصل الخلاص للجميع من ذلك الموقف بهذه الشفاعة من الرسول الكريم محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وسمي بالمقام المحمود؛ لأنه يحمده عليه الأولون والآخرون، ولهذا جاء في أول الحديث: (أنا سيد الناس يوم القيامة) ، ونص على سيادته يوم القيامة مع أنه سيد الناس في الدنيا والآخرة لأن سؤدده على الناس كلهم من أولهم إلى آخرهم يظهر في ذلك اليوم العظيم، ويظهر فضله وإحسانه على الجميع؛ لأن شفاعته شملت الجميع من آدم إلى آخر رجل، فكل الخليقة تمّ تخليصهم مما هم فيه من شدة الموقف بشفاعة نبينا محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث (ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله يوم القيامة ...)


    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل هو التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة ثقة أخرج له البخاري و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سهيل بن أبي صالح ]. سهيل بن أبي صالح صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا أن البخاري أخرج له تعليقاً ومقروناً. [ عن أبيه ]. أبوه هو: أبو صالح ذكوان السمان ، فاسمه ذكوان ، ولقبه السمان ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.

    شرح حديث (ومن حقها حلبها يوم وردها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن خلف حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال: قال أبو الزبير : سمعت عبيد بن عمير قال: قال رجل: (يا رسول الله! ما حق الإبل؟ فذكر نحوه، زاد: وإعارة دلوها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، قال: وذكر نحوه، وقال: (وإعارة دلوها) ، والمراد بالدلو -كما هو معلوم- الدلو التي يستخرج بها الماء للإبل، فإذا كان عند الإنسان دلو فإنه يسقي إبله ويعير الدلو، فهذا من الحق والإحسان الذي يكون بين الناس، وقال صاحب (عون المعبود): ضرعها، وهذا ليس فيه إعارة الضرع، اللهم إلا أن تعار المنيحة كلها، فيحلبها ويرجعها، فهذا هو الذي يمكن إعارته، وأما الدلو فالمقصود بها الدلو المعروفة وليس الضرع، فتفسير الدلو هنا بالضرع غير واضح ولا مستقيم.

    تراجم رجال إسناد حديث (ومن حقها حلبها يوم وردها)


    قوله: [ حدثنا يحيى بن خلف ]. يحيى بن خلف صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو عاصم ]. أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال: [ أبو الزبير ]. أبو الزبير هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عبيد بن عمير ]. عبيد بن عمير ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه من كبار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهذا هو من قبيل المرسل، لكن ما قبله شاهد له، وكذلك ما بعده.
    شرح حديث (فما حق الإبل قال تعطي الكريمة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا شعبة عن قتادة عن أبي عمر الغداني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحو هذه القصة، فقال له -يعني: لأبي هريرة -: فما حق الإبل؟ قال: تعطي الكريمة، وتمنح الغزيرة، وتفقر الظهر، وتطرق الفحل، وتسقي اللبن) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: أنه قيل لأبي هريرة [ فما حق الإبل؟ ] فبين أمثلة عديدة من ذلك الحق الذي يكون في الإبل، وهو غير الزكاة. قوله: [ فقال: أن تعطي الكريمة ] وهي النفيسة، فكون الإنسان يعطيها ويبذلها لغيره فهذا من الحق، وهذا أمر زائد على الحد الواجب. وهو الزكاة يسمى إحساناً. قوله: [ وتمنح الغزيرة ] وهي الشاة أو الناقة أو غيرهما إذا كانت غزيرة اللبن، فتعطى للفقراء يحلبونها ويستفيدون من لبنها وحليبها، وإذا انتهى الحليب أرجعها المستمنح إلى صاحبها؛ لأنها لا تزال في ملكه، فهو لم يمنحهم إلا المنفعة دون العين، فهي لا تزال باقية في ملك صاحبها. قوله: [ وتفقر الظهر ] أي: أن تحمل على الظهر من يحتاج إلى حمل، وهذا من حق الإبل، فهو يفيد غيره بركوبها والسلامة من طول المشي، وهذا في حق لا ظهر له. قوله: (وتطرق الفحل) أي: إذا كان عنده فحل من الإبل أو الغنم واحتاج أحد إلى إطراقه لأنثى له من الإبل أو الغنم فإنه يمكنه من ذلك بدون أن يأخذ عليه مقابلاً، فقد جاء في الحديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل) ، وهو ما يؤخذ مقابل نزوه على الإناث، فهذه من الأمور التي تبذل ولا يبايع عليها، وبيع ذلك لا يصح ولا يجوز؛ لأن هذا من الأمور التي لا يصلح أن تكون محلاً للبيع والشراء، ثم هو أيضاً شيء مجهول، وغير مقدور على تسليمه، فربما ينزو الفحل ولا ينتج شيئاً، فيكون الإنسان قد أخذ مقابلاً على ذلك مع أنه لم يحصل من ذلك شيء؛ لذلك فإنه يُمنع بدون مقابل. قوله: (وتسقي اللبن) ، فهناك قال: (تمنح الغزيرة) أي: أنه يعطي الشاة للفقير ويقول له: احلبها، فإذا انتهى حليبها فأرجعها إليّ، فهذا هو المنح، وهنا قال: (وتسقي اللبن) أي: أنه يحلبها ثم يعطي الناس لبناً في قدح، فتكون تلك العطية منتهية بإعطاء ذلك القدح، فهذا هو الفرق بين الجملتين. وهذه الحقوق -كما هو معلوم- هي من مكارم الأخلاق، ومن الأمور التي تبذل بين الناس، وأما الحق الواجب فيها فهو إخراج الزكاة، فالإنسان إذا أدى زكاة ذلك فليس بكانز للمال، وكذلك إذا أدى الزكاة في الإبل فقد أدى ما هو واجب عليه، وأما هذه فهي من الأمور التي جاءت الشريعة ببذلها، والإحسان فيها، فلو لم تبذل لم يكن الإنسان مؤاخذاً عليها. وكما هو معلوم أن الحق هو الزكاة، وأما هذه فهي من الحقوق الإضافية التي هي من باب المروءات والإحسان بين الناس، ولو لم يفعلها لا يقال: إنه ترك أمراً واجباً عليه. وإعارة السيارة الآن داخلة في قوله: (وتفقر الظهر)؛ لأن حمل الناس الآن إنما هو على السيارات وليس على الدواب، فالدواب لا يحج عليها أحد الآن، ولا ينتقل عليها من بلد إلى بلد، فقد جاءت السيارات وحلت محلها، فعلى الإنسان أن يحسن في السيارة كما كان يحسن في الإبل، ولا شك أن هذا من الحقوق التي تكون بين الناس، فللإنسان أن يؤجرها وله أن يعيرها، وكل ذلك حق، كما أن الإبل يمكن أنه تؤجر ويمكن أنه تعار، وقد سبق أن مر الحديث الذي فيه: أنهم كانوا يكارون الإبل للحج. وللإنسان أن يتصرف في ماله كيف يشاء، فإن أراد أن يعطيه السيارة التي يملكها فيملكها إياه فلا بأس بذلك، وإن أراد أنه يعيره إياها فله ذلك، وإن قال له: اركب معي فيذهب به مشواراً فكل هذا بإمكانه، فصاحب المال يتصرف فيه كيف يشاء. ولا تدخل السيارة في جملة الماعون، فالماعون هي الأشياء التي يتبادلها الناس فيما بينهم كالقدر والدلو والصحن وغيرها من الأشياء التي يحتاج إليها الناس فيما بينهم، وأما السيارة فلا تدخل في إعارة الماعون، فهي مثل الظهر بالنسبة للناقة، فللإنسان أن يؤجر الظهر، وله أن يحسن بالظهر، وكذلك السيارة، فله أن يؤجرها، وله أن يحسن بها.

    تراجم رجال إسناد حديث (فما حق الإبل قال تعطي الكريمة...)


    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا النسائي . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. يزيد بن هارون الواسطي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي مر ذكره. [ عن قتادة ]. قتادة مر ذكره. [ عن أبي عمر الغداني ]. أبو عمر الغداني مقبول أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره.
    شرح حديث (وإعارة دلوها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن خلف حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال: قال أبو الزبير : سمعت عبيد بن عمير قال: قال رجل: (يا رسول الله! ما حق الإبل؟ فذكر نحوه، زاد: وإعارة دلوها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، قال: وذكر نحوه، وقال: (وإعارة دلوها) ، والمراد بالدلو -كما هو معلوم- الدلو التي يستخرج بها الماء للإبل، فإذا كان عند الإنسان دلو فإنه يسقي إبله ويعير الدلو، فهذا من الحق والإحسان الذي يكون بين الناس، وقال صاحب (عون المعبود): ضرعها، وهذا ليس فيه إعارة الضرع، اللهم إلا أن تعار المنيحة كلها، فيحلبها ويرجعها، فهذا هو الذي يمكن إعارته، وأما الدلو فالمقصود بها الدلو المعروفة وليس الضرع، فتفسير الدلو هنا بالضرع غير واضح ولا مستقيم.

    تراجم رجال إسناد حديث (وإعارة دلوها ...)


    قوله: [ حدثنا يحيى بن خلف ]. يحيى بن خلف صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو عاصم ]. أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال: [ أبو الزبير ]. أبو الزبير هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عبيد بن عمير ]. عبيد بن عمير ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه من كبار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهذا هو من قبيل المرسل، لكن ما قبله شاهد له، وكذلك ما بعده.

    شرح حديث (أن النبي أمر من كل جادّ عشرة أوسق من التمر بقنو يعلَّق في المسجد للمساكين)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر من كل جادّ عشرة أوسق من التمر بقنوٍ يعلق في المسجد للمساكين) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جاد عشرة أوسق من التمر بقنوٍ يعلق في المسجد للمساكين) ، وهذا غير الزكاة؛ لأن الزكاة -كما هو معلوم- يخرص فيها التمر وهو على رءوس النخل، وتؤخذ فيه الزكاة عندما يجذّ بالمقدار الذي جاءت به السنة، فإذا كان يُسقى بكلفة وبمشقة فنصف العشر، وإذا كان يسقى بغير كلفة ومشقة فالعشر . وأما هذا المذكور في هذا الحديث فإنه صدقة أخرى، وهي من باب الإحسان والإرفاق، وهي قليلة جداً بالنسبة للمقدار الذي أخرجت منه، فإنها تخرج من عشرة أوسق، وهذا كمقدار نصاب الزكاة مرتين؛ لأن نصاب الزكاة هو خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، والصاع ثلاثة كيلوهات، أي: أنه ألف وثمانمائة كيلو من مقدار ستمائة صاع، فيخرج قنواً واحداً يعلق في المسجد؛ كي يستفيد منه الفقراء، وفي هذا دليل أيضاً على جواز الأكل في المسجد، وعلى تعليق أو إحضار الطعام إلى المسجد لكن بشرط ألّا يحصل فيه تلويث للمسجد، وألّا يحصل بسببه إساءة إلى الناس لوجود أشياء يلحقهم بها مضرة أو تلحق بثيابهم إذا لم تكن هناك نظافة، وقد سبق أن مر بنا حديث ذلك الرجل الذي علق عذقاً وهو حشف، فطعنه إنسان بهذا وقال: إن صاحب هذا لو أراد أن يتصدق بخير من هذا لفعل، وقال: إن صاحبه يأكل حشفاً يوم القيامة. قوله: [ (أمر من كل جاد عشرة أوسق) ، أي: على كل من يجذّ من النخل مقدار عشرة أوسق من التمر، أي: ستمائة صاع، أن يخرج قنواً واحداً من هذا المقدار، ويعلق في المسجد، وهذا غير نصف العشر أو العشر.

    تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي أمر من كل جاد عشرة أوسق من التمر بقنون يعلّق في المسجد للمساكين)


    قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني ]. عبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثني محمد بن سلمة ]. محمد بن سلمة الحراني وهو ثقة أخرج له البخاري في (جزء القراءة) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق المدني صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عّمه واسع بن حبان ]. واسع بن حبان قيل: صحابي، وقيل: ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث (من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي و موسى بن إسماعيل قالا: حدثنا أبو الأشهب عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: (بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ جاء رجل على ناقة له، فجعل يصرفها يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في الفضل) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الرجل الذي جاء وهو على ناقة له، فجعل يصرفها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له)، وقد قيل: إن هذا الرجل كان يصرف ناقته لأنها كانت قد أعيت وهزلت، ولعله كان يريد أن يُنظر إليه، ويتصدق عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له) أي: فكأن هذا لا ظهر له مادام أن ناقته بهذا الوصف، فمن كان عنده فضل ظهر -وهو المركوب- فليعد به على من لا ظهر له. قوله: (حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في الفضل) أي: أن الفضل يبذل، فظننا أن الإنسان الذي يكون عنده شيء زائد على حاجته فإنه يجود به، وفي هذا الحديث الحث والترغيب في ذلك، وليس ذلك بواجب، إلا ما أوجبه الله عز وجل في المال من الزكاة.
    تراجم رجال إسناد حديث (من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي ]. محمد بن عبد الله الخزاعي، ثقة أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ و موسى بن إسماعيل ]. و موسى بن إسماعيل مر ذكره . [حدثنا أبو الأشهب ]. أبو الأشهب هو جعفر بن حيان وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ]. أبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد ]. هو الخدري ، وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي.
    شرح حديث (... إنّ الله لم يفرض الزكاة إلّا ليطيب ما بقي من أموالكم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي حدثنا أبي حدثنا غيلان عن جعفر بن إياس عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما نزلت هذه الآية: (( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ))[التوبة:34] كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر رضي الله عنه: أنا أفّرج عنكم، فانطلق فقال: يا نبي الله! إنه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم، فكبر عمر ، ثم قال له: ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته ) ]. أورد أبو داود بعد ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أنه لما نزلت: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34] شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر : أنا أفرج عنكم) أي: أنا أسعى في إزالة الحرج عنكم بسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه وسأله، فقال له: (إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطب ما بقي من أموالكم) أي: أن الزكاة إنما فرضها الله عز وجل حتى تطيب ما سواها، وهذا كما تقدم في الحديث السابق: (ما أديت زكاته فليس بكنز) ، وذلك في باب: حد الكنز وحد الغنى، وهنا قال: (إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم) أي: بعد إخراج الزكاة، فالزكاة طهرة كما قال الله تعالى في القرآن: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، وهي أيضاً سبب في نمائه وكثرته وزيادته. قوله: (وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم) فلو كان الإنسان ينفق ما عنده إذاً لما بقي ميراث، والله تعالى قد فرض المواريث، فمعنى ذلك: أن الميراث يكون لشيء موجود، لكن إذا أديت الزكاة فإنه يخرج من كونه كنزاً، وصار الإنسان يستفيد منه في حياته، وإذا مات انتقل إلى الورثة، ولكن الله عز وجل فرض الزكاة لتطيَّب ما بقي من المال. قوله: (فكبر عمر ) أي: لحصول المقصود، وزال الحرج الذي كان يخافه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على مشروعية التكبير عند الأمور السارة، ولا يصلح التصفيق كما يفعله كثير من الناس في هذا الزمان. قوله: (ثم قال له: ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟) أي: أنه بعدما ذكر كنز المال وأن الإنسان يخرج زكاته، فإذا فعل ذلك خرج عن كونه كنزاً، بعد ذلك أخبر عن الشيء الذي يكون مع الإنسان، وتكون صلته به وثيقة، وهو خير ما يكنز المرء، وذلك هو الزوجة الصالحة، فتسره إذا نظر إليها لجمالها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها.
    تراجم رجال إسناد حديث ( إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم ...)

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي ]. يحيى بن يعلى المحاربي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبي ]. أبوه يعلى بن الحارث المحاربي ، وهو ثقة مثل ابنه أخرج له أصحاب الكتب إلا الترمذي . [ حدثنا غيلان ]. غيلان هو ابن جامع وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة [ عن جعفر بن إياس ]. جعفر بن إياس هو المشهور بأبي وحشية ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة. وهذا الحديث ضعفه الألباني كما في السلسلة الضعيفة برقم (1319)، رجاله ثقات، ولكن فيه علة وهي: أن هناك واسطة بين غيلان وبين جعفر بن أبي وحشية ، وهذه الواسطة هي عثمان بن أبي حميد أبو اليقظان ، وهو ضعيف مختلط أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ."

  16. #236
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [203]
    الحلقة (234)





    شرح سنن أبي داود [203]

    ندب الشرع إلى إعطاء السؤال وعدم انتهارهم، والإحسان ببذل المعروف في كل شيء، ولو كان طالبه ذمياً مالم يكن محارباً.

    حقّ السائل


    شرح حديث (للسائل حق وإن جاء على فرس)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب حق السائل. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا مصعب بن محمد بن شرحبيل قال: حدثني يعلى بن أبي يحيى عن فاطمة بنت حسين عن حسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للسائل حق وإن جاء على فرس). حدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا زهير عن شيخ قال: رأيت سفيان عنده عن فاطمة بنت حسين عن أبيها عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله ]. ذكر الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب حق السائل، وهذه الترجمة أخذها مما جاء في الحديث: (للسائل حق ولو جاء على فرس)، والمراد أن السائل يعطى وإن كان على هيئة حسنة، فقد يكون له عذر. أورد أبو داود حديث الحسين أو علي رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للسائل حق ولو جاء على فرس) أي: ولو كانت هيئته حسنة وجاء على فرس، فقد تكون تلك الفرس عارية، وقد تكون له ولكن ليس عنده شيء أكثر منها، ويكون بحاجة إلى طعام مثلاً، وقد يكون نفد ما عنده ولم يكن معه غيره، وقد يكون غريباً، وقد يكون ابن سبيل انقطع، فمن كان كذلك فقد يحتاج أن يسأل ولو كان معه فرس، أو كان على هيئة حسنة، فيعطى من الزكاة أو من الصدقة، وقد سبق أن مر: (أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الرجلين الجلدين النشيطين قلب فيهما النظر وصعده وصوبه، ثم قال: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) لكن هذا الحديث الذي معنا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه رجلاً مجهولاً في الإسناد الأول، ومبهماً في الإسناد الثاني، وقد يكون ذلك المبهم هو المسمى المجهول في الإسناد الأول. وهو في الإسناد الأول عن الحسين بن علي ، قالوا: ولا يعرف للحسين بن علي رضي الله تعالى عنه سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لاشك أن مراسيل الصحابة حجة، وأن كثيراً من روايات الصحابة لم يسمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سمعوها من الصحابة، وإذا أخذوا عن غير الصحابة -وهو شيء نادر- بينوا ذلك. والطريق الثانية عن الحسين يرويه عن أبيه علي رضي الله تعالى عنهما.

    تراجم رجال إسناد حديث (للسائل حقّ وإن جاء على فرس)


    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مصعب بن محمد بن شرحبيل ]. مصعب بن محمد بن شرحبيل لا بأس به، وهذا بمعنى صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثني يعلى بن أبي يحيى ]. يعلى بن أبي يحيى مجهول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن فاطمة بنت حسين ]. فاطمة بنت حسين بن علي وهي ثقة، أخرج لها أبو داود و الترمذي و النسائي في (مسند علي ) و ابن ماجة . [ عن حسين بن علي ]. الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، أحد سبطي الرسول صلى الله عليه وسلم ابني ابنته، وهما سيدا شباب أهل الجنة كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة . وقوله: [حدثنا محمد بن رافع ]. محمد بن رافع النيسابوري القشيري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة ، وهو شيخ الإمام مسلم ، وهو من بلده ومن قبيلته، فهو نيسابوري كما أن مسلماً نيسابوري، وهو كذلك قشيري كما أن مسلماً قشيري، وقد خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة ، وقد أكثر عنه الإمام مسلم رحمه الله، وصحيفة همام بن منبه المشهورة فيها أحاديث جاءت في الصحيحين، وأحاديث أخرجها البخاري ، وأحاديث أخرجها مسلم من طريق محمد بن رافع عن عبد الرزاق ، فكل ما جاء من صحيفة همام بن منبه في صحيح مسلم فهو من طريق محمد بن رافع عن شيخه عبد الرزاق . [ حدثنا يحيى بن آدم ]. يحيى بن آدم الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شيخ ]. شيخ هنا مبهم، فقولهم: عن شيخ، أو رجل، أو امرأة، فإن هذا يقال له: مبهم، وأما إذا ذكر اسمه ولم ينسب فإنه يقال له: مهمل، أي: أهمل عن أن ينسب، فيكون محتملاً لعدة أشخاص، فمثل حماد إذا جاء غير منسوب فإنه يحتمل أن يكون ابن سلمة ، ويحتمل أن يكون ابن زيد ، ومثل سفيان إذا جاء مهملاً فإنه يحتمل أن يكون ابن عيينة ، ويحتمل أن يكون الثوري . ولعل هذا المبهم هو مصعب بن محمد بن شرحبيل ، ففي المبهمات من التقريب: زهير بن معاوية عن شيخ رأى سفيان عنده؛ هو مصعب بن محمد بن شرحبيل . وسفيان هنا يحتمل أنه سفيان بن عيينة ، ويحتمل أن يكون سفيان الثوري ؛ لأنه هو المتقدم على سفيان بن عيينة ، وإن كان ابن عيينة متقدماً من حيث إدراك الشيوخ المتقدمين مثل الزهري ، فإنه كثير الرواية عن الزهري مع أن الزهري توفي سنة 125هـ، وسفيان توفي فوق 90هـ، وأما الثوري فهو متقدم عليه، فوفاته سنة 161هـ. [ عن فاطمة بنت حسين عن أبيها عن علي ]. علي رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. ولا يقال: إن فيه اضطراباً، فمرة يروى عن حسين ومرة عن علي ؛ لأن ذلك لا يؤثر، فإذا كان عن علي رضي الله عنه فليس هناك إشكال في الاتصال، وأما بالنسبة لرواية الحسين فهو إذا لم يكن سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فهو من مراسيل الصحابة، ومراسيل الصحابة -كما هو معلوم- حجة عند العلماء، وقد ذكر له الألباني طرقاً وشواهد متعددة عن عدد من الصحابة، وذكر أنها كلها ضعيفة، وذكر هذا الحديث في (السلسلة الضعيفة) برقم (1378).

    شرح حديث (إنْ لم تجدي له شيئاً تعطينه إياه إلّا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه في يده)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الرحمن بن بجيد رضي الله عنه عن جدته أم بجيد رضي الله عنها -وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- أنها قالت له: (يا رسول الله صلى الله عليك! إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئاً أعطيه إياه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لم تجدي له شيئاً تعطينه إياه إلا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه في يده) ]. أورد أبو داود حديث أم بجيد رضي الله تعالى عنها: (أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن المسكين يكون على بابي فلا أجد شيئاً أعطيه إياه، فقال لها عليه الصلاة والسلام: إن لم تجدي إلا ظلفاً محرقاً فأعطيه إياه) فهذا الحديث يدل على أن السائل يُعطى ولو كان المعطى شيئاً يسيراً، فمادام أن الإنسان لا يجد إلا هذا القليل فإنه لا يمتنع من التصدق به، ولا يمتنع أن ينفق مما أعطاه الله كما قال تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7]، فهو يعطي على حسب ما عنده، ولو لم يكن إلا تمرة كما جاء في قصة المرأة التي جاءت إلى عائشة ولم تجد إلا تمرات ثلاث، فأعطتها إياها، وكان معها ابنتان، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ثم إنها شقت التمرة الثالثة وأعطت كل واحدة منهما نصفاً. فيعطى السائل أو المسكين ما تيسر ولو قل، وجاء في الحديث الآخر: (لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة) أي: ولو كان شيئاً يسيراً فلا يستهان به، فالمهم هو الإحسان والبذل. وقوله: (ظلفاً محرقاً) هذا على سبيل المبالغة، وإلّا فإن الظلف المحرق لا يستفاد منه إلا إذا كان الناس في مسغبة أو في قحط شديد، فإنه يمكن أن يستفاد من كل شيء ولو كان قليل الفائدة. وقد سبق أن مر في الحديث: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان)، أي: الذي يرضى بالشيء اليسير، (ولكن المسكين هو الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن الناس له فيتصدقون عليه) .

    تراجم رجال إسناد حديث (إن لم تجدي له شيئاً تعطينه إياه إلّا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه في يده)


    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي سعيد ]. سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن بجيد ]. عبد الرحمن بن بجيد له رؤية، وقد ذكره بعضهم في الصحابة، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن جدته ]. وهي أخرج حديثها أبو داود و الترمذي و النسائي ، وذكر أن اسمها حواء بنت يزيد بن السكن .
    الأسئلة



    حكم بيع ماء زمزم

    السؤال: ما حكم بيع ماء زمزم؟


    الجواب: إذا ذهب الإنسان وأتى بملء خزان من هذا الماء إلى المدينة وأراد أن يبيعه فلا بأس بذلك.

    حكم طلب الماء من البقالة بلا ثمن

    السؤال: إذا دخل الرجل إلى بقالة فهل يحل له أن يطلب ماء استدلالاً بالحديث الذي فيه أنه لا يحل بيع الماء؟


    الجواب: مثل هذا لا يصح؛ لأن هذا محل بيع، فيدفع القيمة ويشرب، وإذا لم يكن عنده نقود فيمكن أن يقول لصاحب البقالة: أنا لا أمتلك نقوداً وأريد أن أشرب ماء، فلعله أن يعطيه.

    حكم أخذ الماء والملح بلا إذن

    السؤال: إذا كانت هذه الأشياء وهي: الماء والملح لا يجوز منعها فهل يجوز أخذها بدون إذن مالكها؟


    الجواب: لا، بل لابد من الاستئذان، وإذا كان لا يملك نقوداً يذكر ذلك له ويطلب منه أن يعطيه قليلاً تقوم به حاجته.


    حكم التصدق على السائلين في المساجد مع عدم معرفة حالهم

    السؤال: يتكرر الآن في المساجد السؤال من هؤلاء السائلين والله أعلم بصدقهم، فما العمل؟


    الجواب: ينبغي على الإنسان أن يعطي السائلين وهو على خير، ولن يعدم الأجر عند الله عز وجل، ولكن من عُرف باحتياله فلا يعطى، بل ينصح ويحذر، وأما إذا كان مجهولاً وأعطاه فهو إن شاء الله على خير.

    حكم إعطاء السائلين الذين يقومون في المساجد من الزكاة

    السؤال: وهل يُعطى هؤلاء السائلين الذين يسألون في المساجد من الزكاة؟


    الجواب: لا ينبغي أن يعطوا من الزكاة، وإنما يعطى مثل هؤلاء من الصدقات، وأما الزكاة فالأولى أن تُعطى لمن يستحقها، فقد يضعها في هؤلاء ويكونون أغنياء، فبعض السائلين قد استمرأ السؤال، واتخذ السؤال حرفة، فقد يحصل له في وقت من الأوقات حاجة، ولكنه دخل في المسألة ولم يستطيع الخروج منها .

    حكم انتهار السُّؤَّال في المساجد

    السؤال: ما حكم انتهارهم؛ فإن بعض الأئمة يقول لهم إذا قاموا: عند الباب .. عند الباب؟


    الجواب: قد يشوشون على الناس الذين يذكرون الله عز وجل، فلو ينبههم أن يكونوا عند الباب بدون انتهار فلا بأس بذلك، وكذلك هو ينبههم أن يجلسوا عند الباب حتى يعطيهم الناس إذا مروا بهم، فإنهم إذا كانوا جالسين في المقدمة فيمكن ألا يعطيهم أحد، وبعض الناس تجده يسأل عند الباب ويرفع صوته وكأنه يلقي خطبة، فيتكلم كلاماً كثيراً ويشغل الناس، مع أنه يكفي أن يبين للناس أنه محتاج، ثم يجلس عند الباب، فلا بأس أن ينتهروا في هذه الحال؛ لأنهم يشغلون الناس الذين يذكرون الله عز وجل ويسبحون، وأما إذا لم يشغلوا الناس فلا ينهرون لقوله تعالى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى:10] ، وأما الذي يعرف أنه محتال فإنه ينهر.

    عدم قبول السائلين العطاء القليل

    السؤال: كيف العمل مع بعض السائلين الذين لا يقبلون الشيء القليل؟


    الجواب: ينبغي على كل إنسان أن يعطي ما يتيسر له، فإن قبله السائل فالحمد لله، وإن لم يقبله فإنه يأخذ ماله، ولعل هذا الذي لا يقبل القليل قد تعود الطمع، وإلا فإن المحتاج يكفيه القليل.
    الصدقة على أهل الذمة


    شرح حديث (قدمت عليَّ أمي راغبة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصدقة على أهل الذمة. حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء رضي الله عنها قالت: (قدمت علي أمي راغبة في عهد قريش وهي راغمة مشركة، فقلت: يا رسول الله! إن أمي قدمت علي وهي راغمة مشركة أفأصلها؟ قال: نعم، فصلي أمك) ]. أورد أبو داود باب الصدقة على أهل الذمة، أي: بالمعروف والإحسان، وليس المقصود به الزكاة؛ لأن الزكاة لا تعطى للكفار، وإنما تعطى للمسلمين، فتؤخذ من أغنياهم وترد على فقرائهم، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل : (أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنياهم فترد على فقرائهم) ، فمصرفها فقراء المسلمين ولا تصرف للكفار. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها وعن أبيها وعن جدها وابنها، فقد اجتمع أربعة أشخاص كلهم متناسلون وهم صحابة: فأبو بكر وابنته أسماء وابنها عبد الله بن الزبير وجدها أبو قحافة . فذكرت أسماء رضي الله تعالى عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (أن أمها قدمت عليها في المدينة، وهي راغبة)، أي: راغبة في النوال والبر والإحسان، (وكان ذلك في عهد قريش)، أي: في عهد الصلح، وهي المدة التي ماد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش بعد صلح الحديبية وقبل الفتح. قولها: (وهي راغمة مشركة) أي: كارهة للإسلام وباقية على الشرك، (أفأصلها) وقد جاءت تريد البر والإحسان؟ (فقال عليه الصلاة والسلام: نعم، فصلي أمك) ، فدل هذا على أن القريب المشرك يحسن إليه، وأنه يوصل، ولكن لا يكون هذا من الزكاة، وإنما يكون من الإحسان والبذل والمعروف، وحتى لو كانت مسلمة فلا يجوز أيضاً أن تعطى من الزكاة؛ لأن الزكاة لا تعطى للآباء، ولا للأمهات، ولا للأبناء والبنات، ومن كان منهم محتاجاً فإنه ينفق عليه، ويصير مستغنياً بالإنفاق عليه، فالوالد لا يعطى سواء كان مشركاً أو مسلماً، فالمشرك لا يعطى من الزكاة مطلقاً، وأما المسلم فإن كان فقيراً فإنه يُنفِق عليه ولده أو بنته. وأم أسماء هذه قيل اسمها: قتيلة ، وقيل: قتيلة ، وقد اختلف هل أسلمت أو لم تسلم، والأكثرون على أنها لم تسلم، وأنها ماتت مشركة، وقد تزوج أبو بكر رضي الله عنه عدة زوجات منهن أم رومان والدة عائشة ، وهذه المذكورة في الحديث، وأسماء بنت عميس التي ولدت محمد بن أبي بكر في الحديبية في حجة الوداع، كما سبق أن مرّ بنا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أحسن الكتب التي تبين أولاد الرجل إذا كانوا من زوجات متعددات، وبيان أمهات هؤلاء الأولاد كتاب اسمه (الرياض المستطابة فيمن له رواية في الصحيحين من الصحابة)، وهو للعامري ، فقد جمع فيه كل الصحابة الذين لهم رواية في الصحيحين أو في أحدهما، وترجم لكل واحد، ويذكر العقب، ويذكر الأمهات، فيقول: فلان وفلان وأمهم فلانة، وفلان وفلان وأمهم فلانة، فهذا من أحسن ما يرجع إليه في معرفة الإخوة لأب، والإخوة الأشقاء، ومن كانوا من أمهات متعددات، فيسميهن، ويسمي أولادهن من الرجل المترجم له، فهو كتاب مفيد في هذه الناحية. والمراد بأهل الذمة في الترجمة الذين بينهم وبين المسلمين عهد، بخلاف أهل الحرب، فأهل الذمة والمستأمنون والمعاهدون كلهم دربهم وطريقهم واحد.
    تراجم رجال إسناد حديث (قدمت عليَّ أمي راغبة...)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ]. أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود و الترمذي و النسائي ]. [ حدثنا عيسى بن يونس ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام بن عروة ]. هشام بن عروة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أسماء ]. أسماء هي أم عروة ، وهي: أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكذلك عبد الله بن الزبير و عمر بن الزبير أمهم أسماء ، و أسماء قدمت مع المهاجرات الأوَل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ولد عبد الله بن الزبير في قباء قبل أن يصل الناس إلى المدينة، فكان أول مولود ولد بعد الهجرة، فحنكه الرسول صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في التقريب : أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين ، زوجة الزبير بن العوام من كبار الصحابة، عاشت مائة سنة، وماتت سنة ثلاث، أو أربع وسبعين .
    ما لا يجوز منعه


    شرح حديث (ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال الماء ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما لا يجوز منعه. حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا كهمس عن سيار بن منظور -رجل من بني فزارة- عن أبيه عن امرأة يقال لها بهيسة عن أبيها قالت: (استأذن أبي النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بينه وبين قميصه، فجعل يقَّبل ويلتزم، ثم قال: يا رسول الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك) ]. أورد أبو داود باب: ما لا يجوز منعه، ويقصد بذلك الأشياء التي يحتاج الناس إليها ويتبادلونها فيما بينهم، وهذا من جنس ما مر ذكره في الماعون، وقد سبق أنه لا يمنع، وذلك كالماء والملح وما كان من هذا القبيل من الأمور التي هي يسيرة وسهلة وخفيفة، يحتاج الناس إليها، بخلاف الأمور الكبيرة التي يكون لها شأن ووزن في نفوس الناس، فالمقصود من ذلك هو الإحسان والبذل ولاسيما في الأمور التي هي سهلة والتي تكون الحاجة إليها كبيرة مع قلتها، ولا يكون في بذلها مشقة أو كلفة على الإنسان. لكن إذا كان المقصود به بذل الملح الكثير، أو كان الماء المبذول كثيراً والإنسان يتعب في إخراجه فله أن يبيعه على من يحتاج إليه في سقي نخل أو ما إلى ذلك، أو كان الإنسان يحوزه في سيارته فيبيعه على الناس فلا بأس بذلك، فإذا صار الشيء كثيراً فهذا يكون من جنس الأموال، فإذا كان للإنسان سيارة يملؤها بالماء ويبيعها فلا بأس بذلك، لأنه يملكه، ولأنه يتحمل أتعاباً على السيارة من حيث إنه يصرف عليها وقوداً، ففي هذه الحالة لا يلزمه أن يبذله للناس بالمجان، لكن من طلب ماء ليشرب، أو طلب ملحاً قليلاً ليصنع طعاماً ولم يجد ملحاً فإنه يعطيهم شيئاً يملحون به طعامهم. وأما كونه يُطلب منه شحنة سيارة ملح أو ما إلى ذلك فهذه لا تبذل. وأورد أبو داود رحمه الله حديث بهيسة عن أبيها قالت: (استأذن أبي النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فدخل بينه وبين قميصه) أي: لعل الجيب كان واسعاً. (فجعل يقبل ويلتزم، ثم قال يا رسول الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء، يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح) أي: أنه كرر عليه، (فقال: الملح)، والملح والماء من الأشياء التي أمرها سهل، ويحتاج الناس بعضهم إلى بعض فيها، فإذا طلب أحد من غيره ماء فلا بأس في ذلك، فهو من الأمور السهلة التي ليس فيها نقص في المروءة، وإن لم يكن محتاجاً فينبغي له أن يتعفف. قوله: (قال: يا رسول الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك) ، أي: أنه بعد ذلك أرشده إلى أن الخير من حيث هو إذا فعله الإنسان -ولو قل- فإنه يكون خيراً له، كما قال الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [الزلزلة:7].
    تراجم رجال إسناد حديث (ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال الماء ...)

    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي. [حدثنا أبي]. أبوه معاذ بن معاذ العنبري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا كهمس ]. كهمس بن الحسن وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سيار بن منظور رجل من بني فزارة ]. سيار بن منظور ، هو رجل من بني فزارة، وهو مقبول أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. أبوه منظور بن سيار، وهو مقبول أيضاً أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن امرأة يقال لها بهيسة ]. بهيسة لا تعرف، وقيل: لها صحبة، حديثها أخرجه أبو داود و النسائي . [ عن أبيها ]. أبوها هو أبو بهيسة الفزاري ، وهو صحابي مقلّ، قيل: اسمه عمير ، أخرج له أبو داود والنسائي .
    المسألة في المساجد


    شرح حديث أخذ أبي بكر الكسرة من يد ولده عبد الرحمن


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المسألة في المساجد. حدثنا بشر بن آدم حدثنا عبد الله بن بكر السهمي حدثنا مبارك بن فضالة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل، فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها منه فدفعتها إليه) ]. أورد أبو داود باب السؤال في المساجد، ولا نعلم شيئاً يمنعه إذا كان الإنسان محتاجاً وسأل الناس في المساجد، وهذا الحديث الذي أورده أبو داود رحمه الله هنا فيه كلام فيما يتعلق بالسؤال في المسجد في هذه القصة؛ لأنه فيه مبارك بن فضالة وهو يدلس ويسوي، وقد روي بالعنعنة، وأما فيما يتعلق بتصدقه على الفقير فهذا ثابت من طريق أخرى عن أبي هريرة في (صحيح مسلم ) ، وذلك أنه سئل عن أشياء فكانت كلها متوفرة في أبي بكر رضي الله عنه، ومنها التصدق على مسكين من المساكين.

    تراجم رجال إسناد حديث أخذ أبي بكر الكسرة من يد ولده عبد الرحمن


    قوله: [ حدثنا بشر بن آدم ]. بشر بن آدم صدوق فيه لين، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ]. عبد الله بن بكر السهمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا مبارك بن فضالة ]. مبارك بن فضالة صدوق مدلس ويسوي، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن ثابت البناني ]. ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي بكر ]. عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    كراهية المسألة بوجه الله تعالى


    شرح حديث ( لا يُسأل بوجه الله إلّا الجنة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية المسألة بوجه الله تعالى. حدثنا أبو العباس القلوري حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن سليمان بن معاذ التميمي حدثنا ابن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة) ]. أورد أبو داود باب كراهية المسألة بوجه الله، أي: أنه لا يسأل بوجه الله عز وجل إلا شيء مهم وعظيم، وذكر الجنة على اعتبار أنها هي نهاية المقاصد، وهي نهاية المطلوب، وهي دار المتقين ودار النعيم، وإذا سأل بوجه الله فليسأل ما له شأن ومنزلة لاسيما إذا كان يؤدي إلى الجنة، كأن يسأل الله بوجهه الهداية إلى الصراط المستقيم، فإن هذا سؤال عظيم، فلا يمنع منه، وهذا الحديث -إذا ثبت- لا يدل على منعه، وإنما يدل على أنه يسأل به الأمور العظيمة والمهمة، ولا يسأل بوجه الله أشياء تافهة، أو يسأل الناس بوجه الله أمراً من أمور الدنيا، وإنما يسأل الله بوجهه أن يرزقه الجنة، أو أن يرزقه الطريق الموصل إلى الجنة، فهذا هو المقصود من هذا الحديث إذا ثبت، والحديث فيه كلام، فقد ضعفه الشيخ الألباني ؛ لأنه فيه سليمان بن معاذ وهو سيء الحفظ، وبعض العلماء يشير إلى تحسينه، وقد تعقب الشيخ فريح البهلان مخرج أحاديث فتح المجيد الذي تكلم في الحديث، وذكر نقولاً عن أهل العلم تتعلق ببعض الأحاديث التي لم يسلَّم للمتعقب أو للناقد للأحاديث التي وردت في (شرح فتح المجيد) ، وذكر ما يدل على حسن هذا الحديث. وقد عقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في (كتاب التوحيد) باباً من ضمن ستة وستين باباً أو سبعة وستين باباً -وهي أبواب كتاب التوحيد- مثل الترجمة: باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، وعن جابر رضي الله عنه قال: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة) .

    تراجم رجال إسناد حديث ( لا يسأل بوجه الله إلّا الجنة)


    قوله: [ حدثنا أبو العباس القِلوري ]. أبو العباس القلوري هو أحمد ، وقيل: محمد بن عمرو بن عباس العصفري ، ثقة أخرج له أبو داود . [ حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ]. يعقوب بن إسحاق الحضرمي وهو صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن سليمان بن معاذ التميمي ]. سليمان بن معاذ هو ابن قرم وهو سيئ الحفظ أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن ابن المنكدر ]. ابن المنكدر هو محمد بن المنكدر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
    عطية من سأل بالله


    شرح حديث ( من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب عطية من سأل بالله. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) ]. أورد أبو داود باب عطية من سأل بالله، أي: فإنه يعطى ولا يرد، ولكن هذا فيما إذا كان سؤاله بالله مما يمكن إعطاؤه، فبعض الناس قد يسأل بالله شيئاً لا يصلح أن يعطاه، ولا يصلح أن يجاب إليه، وليس كل ما يكون عند الإنسان يمكن أن يبذله ويعطيه، فإذا سأل بالله شيئاً لا يصلح أن يسأل عنه لا بالله ولا بدون السؤال بالله فالإنسان في سعة منه، فإذا كان عنده سر من الأسرار وخبر من الأخبار مثلاً، وقال له رجل: أسألك بالله أن تخبرني عن كذا وكذا، أو سأله عن أمور خاصة، أو في أمور لا يصلح أن يخوض فيها، فلا يلزمه ذلك؛ لأن مثل هذا السؤال لا يصلح أن يوجه. والحاصل أن السؤال بالله إذا كان من الممكن تحقيق عطيته فهذا هو الذي قُصد في الترجمة، وهو الذي أُورد الحديث من أجله، وأما إذا كان السؤال في أمر لا يصلح أن يجاب إليه فإنه لا يجاب، ويوضح هذا أن إبرار المقسم قد يناسب أن يبرّ، وأحياناً لا يحصل إبراره؛ وهذا كأن يحلف على شيء لا يصلح أن يحلف عليه، ويدل على ذلك قصة أبي بكر رضي الله عنه: (لما ذكر له الرسول صلى الله عليه وسلم رؤيا رآها، فطلب تعبيرها، وهي أنه رأى غلة تنضح سمناً وعسلاً، والناس يتكففون ذلك ... إلخ، فقال أبو بكر : ائذن لي يا رسول الله أن أعبر هذه الرؤيا، فقال: عبرها، فعبرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، قال: أقسمت عليك أن تخبرني بماذا أخطأت قال: لا تحلف) أي: أنه لم يرد أن يبين هذه في الرؤيا ويفسرها صلى الله عليه وسلم، مع أن أبا بكر قد حلف، فليس كل شيء يحلف عليه أو يسأل به ينفذ. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل بالله فأعطوه، ومن استعاذ بالله فأعيذوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه). قوله: (ومن استعاذ بالله فأعيذوه) قيل: معناه أنه استعاذ بالله وأمكنكم إعاذته من ذلك الشيء الذي استعاذ بالله منه، فحققوا له تلك الاستعاذة. وقيل: إنه إذا حصل الاستعاذة من الإنسان لنفسه فإما أن يكون استعاذ بالله من أمر من الأمور يمكن للإنسان أن يعيذه منه، وأن يساعده عليه، وأن يخلصه منه، أو استعاذ في أمر من الأمور فإنه يحقق له الشيء الذي يريد، وهذا كما جاء في قصة المرأة التي قالت: (أعوذ بالله منك، فقال: لقد عذت بمعاذ، الحقي بأهلك) فالمراد أنه هنا يحتمل هذا ويحتمل هذا. قوله: (ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه) أي: ومن أحسن إليكم فقابلوا الإحسان بالإحسان: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، وقد جاء في نصوص الكتاب والسنة ما يدل على مقابلة الإحسان، بالإحسان بل ومقابلة الإساءة بالإحسان. قوله: (فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) ويمكن أن يكون الدعاء مع الإحسان والمكافأة، لكن الإنسان الذي لا يستطيع المكافأة فلا أقل من الدعاء، والدعاء سهل ميسور، فيدعو له ويكرر ذلك، أو يدعو بدون تكرار، وقد جاء في الحديث: (من قال لصاحبه: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء). قوله: (ومن دعاكم فأجيبوه) أي: دعاكم إلى طعام فأجيبوه، وهذا -كما هو معلوم- أيضاً من حق المسلم على المسلم، لكن إذا كان الإنسان عنده عذر يشغله فإنه يكون معذوراً.

    تراجم رجال إسناد حديث (من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ...)


    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. جرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. مجاهد هو ابن جبر المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    الأسئلة



    موقف ابن عباس من توبة القاتل عمداً

    السؤال: هل صحيح أن ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إن قاتل النفس متعمداً ليس له توبة؟


    الجواب: جاء عنه ذلك، وجاء عنه الرجوع كما نقله عنه الألباني ، ولا أدري الآن في أي مكان نقله عنه، وقد سبق أن مر بنا حديث يتعلق بهذا وبحثناه، وقد أحضر لنا أحد الإخوان نصوصاً تدل على رجوع ابن عباس رضي الله عنه. ويذكر بعض الإخوان أن الشيخ الألباني ذكر ذلك في (السلسلة الصحيحة) في المجلد السادس في آخر القسم الثاني، فليراجع.

    قضاء النافلة القبلية لصلاة الظهر بعدها

    السؤال: رجل صلى ركعتين قبل الظهر وأقيمت الصلاة، فهل يقضي الركعتين الباقيتين بعد الصلاة، وكذلك إذا فاتته الأربع كلها هل يصلي ستاً بعد الصلاة؟

    الجواب: نعم له ذلك، لكنه يقضيها بعد الراتبة البعدية، فيأتي بالنافلة البعدية، ثم يقضي النافلة القبلية سواء كانت اثنتين أو أربعاً إذا كان ما تمكن من الأربع.

    حكم الانشغال بمسألة الحكم بغير ما أنزل الله تعالى


    السؤال: إذا حكم الحاكم بغير ما أنزل الله سواء كان ذلك جحوداً أو استهانة، وسواء كان خائفاً أو لهوان في نفسه، فهل للمسلم الانشغال بهذه القضية: هل هو كافر أو غير كافر؟

    الجواب: انشغال المسلم بمسائل العلم والاهتمام بها مطلوب، لكن لا يكون شغله الشاغل هذه المسألة بالذات ويترك مسائل العلم الأخرى."



  17. #237
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [204]
    الحلقة (235)





    شرح سنن أبي داود [204]

    للصدقة فضل عظيم وأجر كبير؛ لكن ينبغي ألا يتصدق المرء بما يحتاج إليه أو بجميع ماله ثم يعود يتكفف الناس، إلا إذا كان ممن يصبر على الفقر كحال أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ووجوه النفع للمسلمين كثيرة يستطيع بها أن ينال الثواب الجزيل.

    إخراج الرجل من ماله



    شرح حديث جابر في قصة الرجل الذي جاء بمثل البيضة من ذهب ...


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يخرج من ماله. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد رضي الله عنه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءه رجل بمثل بيضة من ذهب فقال: يا رسول الله! أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من خلفه، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة، ثم يقعد يستكفُّ الناس! خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب الرجل يخرج من ماله، أي: أنه يتصدق بما يملك ولا يبقي عنده شيئاً منه، وذكْر الرجل هنا لا مفهوم له، فإن المرأة كذلك، وإنما يأتي ذكر الرجال كثيراً؛ لأن الغالب أن الكلام والخطاب يكون معهم، وإلا فإنه لا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا ما فرقت فيه النصوص، فعند ذلك يفرق بين الرجال والنساء في ذلك. وهذه الترجمة من التراجم الكثيرة التي تأتي في سنن أبي داود رحمه الله وفيها التنصيص على الرجال؛ وذلك لأنهم الذين يكون معهم الخطاب غالباً، فليس له مفهوم. وأورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: أن رجلا ًجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه قطعة ذهب مثل البيضة وقال: خذها يا رسول الله! فهي صدقة لا أملك غيرها فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى جهة اليمين فقال له ذلك، فأعرض عنه، ثم جاء إلى جهة اليسار فأعرض عنه، ثم أخذها منه وحذفه بها ولم تصبه، قال: ولو أصابته لأوجعته أو لعقرته أي: لحصل له ضرر بها، ثم قال: يأتي أحدكم بما يملك ويقول: هذه صدقة ثم يذهب يتكفف الناس، أي: يسأل الناس ويمد لهم يده؛ لأنه ليس عنده شيء، فقد أخرج ماله وتصدق بما يملك، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) أي: أن تكون الصدقة من مال كثير، فإذا تصدق بها صاحبها بقي عنده شيء لقوته ولنوائبه وما يحتاج إليه،وهذا بخلاف ما إذا أخرج ما عنده وليس عنده شيء يقتاته فإنه يضطر إلى أن يسأل الناس، وإلى أن يمد يده وكفه للناس؛ ليضعوا فيها شيئاً مما يحتاج إليه. والتكفف -كما هو واضح- أنه يسأل الناس ويمد كفه، ومنه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) أي: يمدون أكفهم للناس ويسألونهم ما يحتاجون إليه، فالإنسان يُبقي على ماله ولا يتصدق بماله كله، وإنما يتصدق بما يمكنه منه، بحيث يبقى عنده ما يقوم بمصالحه. وهذا الحديث فيه من الناحية الإسنادية محمد بن إسحاق وهو صدوق يدلس، وقد روى هنا بالعنعنة، وقد ضعف هذا الحديث الشيخ الألباني ، ولعل ذلك بسببه، والجملة الأخيرة وهي قوله: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) ثبتت في أحاديث صحيحة سبق أن مرت، وسيأتي بعضها. قوله: (أصبتُ هذه من معدن) أي: كأنه أخذها من مكان يستخرج منه معدن الذهب.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في قصة الرجل الذي جاء بمثل البيضة من ذهب ...


    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة البصري ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن . [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق يدلس أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عاصم بن عمر بن قتادة ]. عاصم بن عمر بن قتادة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمود بن لبيد ]. محمود بن لبيد رضي الله عنه وهو من صغار الصحابة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن . عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث التصدق بمثل البيضة من ذهب من طريق ثانية وتراجم رجالها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس عن ابن إسحاق بإسناده ومعناه، زاد: (خذ عنا مالك؛ لاحاجة لنا به) ]. ثم أورد الحديث من طريق أخرى، وفيه زيادة: (خذ عنا مالك لاحاجة لنا به) أي: مادام أن هذا شأنك ووضع وحالك فأنت أولى به من غيرك. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ حدثنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق بإسناده ومعناه ]. ابن إسحاق مر ذكره .

    شرح أبي سعيد في قصة الرجل الذي تصدق عليه بثوبين


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (دخل رجل المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا ثياباً فطرحوا، فأمر له بثوبين، ثم حث على الصدقة، فجاء فطرح أحد الثوبين، فصاح به وقال: خذ ثوبك) ]. ثم أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد وحالته رثة فحث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فطرح الناس ثياباً يتصدقون بها فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين، ثم إنه حث على الصدقة فجاء ذلك الرجل الذي أعطاه الثوبين وطرح ثوباً، فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (خذ ثوبك) أي: أنت بحاجة إليه وأولى به، فإنه ليس عندك إلا هذان الثوبان. فهذا وإن كان لم يتصدق بكل ما عنده إلا أنه شبيه بمن تصدق بما عنده؛ لأنه لم يبقِ إلا ثوباً يستر به عورته. فكأن النبي لما حث على الصدقة مرة أخرى كان ذلك في وقت آخر، وليس في نفس الوقت، والرجل قد لبس الثوبين، فلما سمع الحث على الصدقة طرح أحد الثوبين، وجاء في بعض الروايات عند بعض الأئمة أنه دخل والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في قصة الرجل الذي تُصدّق عليه بثوبين


    قوله: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل ]. إسحاق بن إسماعيل ثقة أخرج له أبو داود . [ حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. ابن عجلان هو محمد بن عجلان المدني صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عياض بن عبد الله بن سعد ]. عياض بن عبد الله بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث (إن خير الصدقة ما ترك غنى...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن خير الصدقة ما ترك غنىٌ، أو تصدق به عن ظهر غنىٌ، وابدأ بمن تعول) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن خير الصدقة ما ترك غنى) أي: ما ترك بعد الصدقة شيئاً فيه كفاية وفيه غنى، فإذا كان كذلك فإنه يبقي له ما يقوم به حاله، وأما إذا تصدق بما عنده فإنه قد يحتاج، فيقع في نفسه شيء من الندم على فعله، فيتمنى أنه أبقى شيئاً؛ حتى لا يحتاج إلى الناس. وقوله: (ما ترك غنى، أو تصدق به عن ظهر غنى) هذا شك من الراوي: هل قال هذا أو قال هذا، ومعناهما واحد، فما أبقى غنى، أي: بعد إخراج الصدقة، وما كان عن ظهر غنى، أي: من مال كثير تُخرج منه تلك الصدقة ولا تؤثر في المخرج منه لكثرته ولحصول الغنى به لصاحبه، وهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الجملة التي مرت في الحديث السابق بهذا المعنى وهي قوله: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) ففيها محمد بن إسحاق وقد عنعن، إلا أن هذا الحديث الذي معنا هنا يشهد لها، فتكون ثابتة. قوله: (وابدأ بمن تعول) أي: أن هذا الذي يبقى عند الإنسان يكون له ولمن يعوله ويكون مسئولاً عنه، ومن تجب عليه نفقته، فإنه يبدأ به ويقدمه على غيره.

    تراجم رجال إسناد حديث (إن خير الصدقة ما ترك غنى...)


    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. أبو صالح اسمه ذكوان ، ولقبه السمان وهو مدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    الرخصة في إخراج الرجل من ماله



    شرح حديث (أي الصدقة أفضل؟ فقال جهد المقل، وابدأ بمن تعول)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرخصة في ذلك. حدثنا قتيبة بن سعيد و يزيد بن خالد بن موهب الرملي قالا: حدثنا الليث عن أبي الزبير عن يحيى بن جعدة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المُقِلّ، وابدأ بمن تعول) ]. أورد أبو داود رحمه الله: باب الرخصة في ذلك، أي: في كون الإنسان يخرج من ماله، فالترجمة فيها إشارة إلى الترجمة السابقة وهي أن الإنسان يتصدق من ماله. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الصدقة جهد المقل، وابدأ بمن تعول) وجهد المقل قدر الاستطاعة وما يمكن إخراجه فالصدقة ممن هو مقل تعتبر كثيرة بالنسبة لما يملك، وهذا بخلاف الإنسان الذي عنده المال الكثير، ويخرج من ماله شيئاً قليلاً، فإنها بالنسبة لما يبقي تكون قليلة. قوله: (وابدأ بمن تعول) أي: أن الإنسان يبدأ بمن يعوله بالبر والإحسان؛ لأنه أولى بالمعروف والإحسان إليه.

    تراجم رجال إسناد حديث (أي الصدقة أفضل؟ قال جهد المقل، وابدأ بمن تعول)


    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و يزيد بن خالد بن موهب الرملي ]. يزيد بن خالد بن موهب الرملي ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. أبو الزبير هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن جعدة ] ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.

    شرح حديث تنافس عمر مع أبي بكر في الصدقة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح و عثمان بن أبي شيبة ، وهذا حديثه، قالا: حدثنا الفضل بن دكين حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً). أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة، وكان في ذلك الوقت عنده مال، ففرح بذلك؛ لأن هذا الدعاء إلى الصدقة جاء في وقت مناسب وهو أنَّ عنده مالاً يتصدق به، وهذا يدلنا على فرح الصحابة رضي الله عنهم عندما يأتي الحث من الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدقة وعند الواحد منهم مال؛ حتى يتمكن من تحقيق هذا المطلب، وتحقيق هذه الرغبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله عنه يعرف أن أبا بكر رضي الله عنه سباق إلى الخير، وأنه لا ينافس في سبقه إلى الخير رضي الله عنه وأرضاه قوله: (فقلت: أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً) هذا يعني أنه كان يعترف بأن أبا بكر كان يسبقه، فلما جاءت هذه الدعوة للصدقة مع وجود مال عنده أراد أن ينافس أبا بكر في هذه المرة، فقال: أسبقه إن سبقته يوماً، يعني: إن سبقته يوماً فهو هذا اليوم، لأنه جاء في وقت عندي فيه مال، فأخرج نصف ماله. فقوله: (إن سبقته يوماً)، أي: فهو هذا اليوم، فتكون (إن) شرطية، وقيل: إنها نافية، أي: ما سبقته يوماً، فأنا أريد في هذه المرة أن أسبقه، فلم يسبق لي أن سبقته في يوم من الأيام و(إن) كما هو واضح تكون نافية، وقد قال شيخنا الشيخ: محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه في تفسير قول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81] إن الأصح والأولى فيها أن تكون نافية، ومعنى ذلك: ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين. وفيها قول آخر: أنها شرطية، وأن هذا شيء لا يكون، وإنما يفترض فرضاً، فهو لا يكون له ولد، فأنا أول العابدين لله سبحانه وتعالى، لكن كونها نافية هو الأولى كما قال شيخنا الشيخ: الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه، وعلى هذا فالجملة هنا وهي قول عمر رضي الله عنه: إن سبقته يوماً، أي: ما سبقته يوماً من الأيام، بل هو دائماً يسبقني، رضي الله تعالى عنهما. (فلما جاء عمر رضي الله عنه بما جاء به قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا أبقيت لنفسك ولأهلك؟ قال: أبقيت مثله) يعني: النصف، لأن هذا نصف ماله، (وبقي مثله)، أي: النصف الباقي، (وجاء أبو بكر رضي الله عنه بما جاء به، وقال: له ماذا أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله) يعني: أنه ما أبقى لهم شيئاً من المال، أي: أنه خرج من ماله، وهي محل الشاهد من الترجمة: (الرخصة في ذلك) أي في الخروج من المال، وهذا يناسب ويصلح لمن يكون عنده قوة توكل وقوة يقين، ولا يحصل منه تأثر لما يخرج منه، ولا يندم على ذلك، فمن كان كذلك كأبي بكر رضي الله عنه رخص له في ذلك، وأما من كان عنده ضعف في اليقين والتوكل، وأنه إذا أخرج ماله كله فإنه يندم، أو يكون في نفسه شيء من تصرفه ذلك، فإنه لا يخرج ماله كله، بل يبقي ما يحتاج إليه هو ومن يعوله. قوله: (قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً) أي: أني في هذه المرة قصدت مسابقتك، واجتهدت في ذلك، وأردت أن أسبقك، فجئت أنت بما عندك من غير أن يكون لك علم بما في نفسي، ولا بما عندي، فسبقتني، فكما أنك سبقتني فيما مضى، وسبقتني في هذه الحالة التي تهيأتُ لها، وفي هذه الفرصة التي تجهزتُ لها وقصدتها، إذاً فلا أسابقك أبداً. وهذا فيه المنافسة في الخير، والاعتراف لأهل الفضل بالفضل، فقد أراد أولاً أن ينافسه، وفي الآخر قال: لا أنافسك بعدها أبداً، وهذا اعتراف لصاحب الفضل بفضله.
    تراجم رجال إسناد حديث تنافس عمر مع أبي بكر في الصدقة

    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في (الشمائل). [ و عثمان بن أبي شيبة ، وهذا حديثه ]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره. [ قالا: حدثنا الفضل بن دكين ]. الفضل بن دكين هو أبو نعيم الكوفي ، يذكر أحياناً بكنيته وأحياناً باسمه، مر له حديث قريباً قال أبو داود في أثنائه: أخبرنا أبو نعيم ، وهنا قال: أخبرنا الفضل بن دكين ، وهو هو، فمعرفة كنى المحدثين من الأمور المهمة، وهي من أنواع علوم الحديث، وفائدتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين، فإذا جاء أبو نعيم على حدة، وجاء الفضل بن دكين على حدة فإن الذي لا يعرف أن الفضل بن دكين كنيته أبو نعيم يظن أبا نعيم شخصاً آخر غير الفضل بن دكين . [ حدثنا هشام بن سعد ]. هشام بن سعد صدوق له أوهام أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم المدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن الخطاب ]. عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه.
    فضل سقي الماء


    شرح حديث (أي الصدقة أفضل؟ قال الماء)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فضل سقي الماء. حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا همام عن قتادة عن سعيد أن سعداً رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (أي الصدقة أعجب إليك؟ قال: الماء) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب فضل سقي الماء، يعني: أن سقيه من خير أنواع الإحسان؛ وذلك لشدة حاجة الناس إلى الماء، وعدم استغنائهم عنه، فالإحسان في بذل الماء لمن يحتاج إلى شربه، وتمكينه منه فعل عظيم، وله ثواب جزيل، وهذا الحديث يدل على عظم شأن إنفاق الماء لمن يحتاجه، وبذله في سبيل الله، وتسبيله للناس حتى يستفيدوا منه، فهو مادة الحياة، وبه حياة المخلوقات، وقد جعل الله تعالى من الماء كل شيء حي، والمراد بذلك من لا يعيش إلا بالماء، وكان الماء من ضرورياته، فلا تحصل حياته إلا به. وأورد أبو داود حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه، أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أي الصدقة أعجب إليك يا رسول الله؟! قال: الماء. أي: تصدقوا بالماء؛ لأن به حياة الناس، والناس مضطرون إليه، ولا يستغني عنه أحد، فكون الإنسان يبذل الماء، ويمكن الناس من الاستفادة منه هذا من أفضل الأعمال، ومن أفضل الصدقات.

    تراجم رجال إسناد حديث (أي الصدقة أفضل؟ قال الماء)


    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا همام ]. همام بن يحيى وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد ]. سعيد هو ابن المسيب وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنَّ سعداً ]. سعد بن عبادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الخزرج، فالأنصار هم الأوس والخزرج، فسعد بن معاذ هو سيد الأوس، وهو الذي استشهد في الخندق، و سعد بن عبادة هو سيد الخزرج، وقد عاش بعد الرسول صلى الله عليه وسلم قليلاً، حيث توفي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات. والحديث فيه رواية سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة وهو لم يدركه، ففيه انقطاع، ويقولون: إن أصح المراسيل هي مراسيل سعيد بن المسيب . وهذا الحديث حسنه الألباني ، فلا أدري وجه هذا التحسين مع هذا الانقطاع، فهل له شواهد, أو لكونه من مراسيل سعيد ومراسيله أصح المراسيل عند المحدثين؟ ولكن المشهور والمعروف أن المرسل منقطع، وأنه ليس بحجة؛ لاحتمال أن يكون سقط تابعي مع الصحابي، ومع احتمال كونه تابعياً يحتمل أن يكون ثقة، ومحتمل أن يكون ضعيفاً، والإشكال يأتي من احتمال كونه تابعياً ضعيفاً. وقد ذكر بعض الطلبة أنه جاء في (السلسلة الصحيحة) حديث برقم (2615) من طريق أنس عن سعد بن معاذ عن سعد بن عبادة ، أنه حفر بئراً وتصدق بها عن أمه كما في الحديث الذي جاء من طريق الحسن وسعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة ، وهما لم يدركاه، فهذا جاء من طريق أخرى من رواية سعد بن معاذ وسعد بن عبادة . وذكره الشيخ الألباني في (صحيح سنن النسائي) برقم (2367، 2368). لكن كلا الإسنادين يرجعان إلى ابن عجلان؛ لكن الأول ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد والقعقاع عن أبي هريرة . الثاني: ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة. ذكر يعني طريقين: طريقة فيها ابن خالد وطريقة أنها أخرى فيها محمد بن عمرو بن وقاص الليثي .

    شرح حديث (أي الصدقة أفضل) من طريق ثانية وتراجم رجالها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا محمد بن عرعرة عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب و الحسن عن سعد بن عبادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه ]. أورد حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه، وقال: (نحوه)، يعني: نحو الطريق المتقدمة، وهو هنا مرسل أيضاً من مراسيل سعيد بن المسيب و الحسن البصري . قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم ]. محمد بن عبد الرحيم هو الملقب بصاعقة، وهو ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا محمد بن عرعرة ]. محمد بن عرعرة ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود . [ عن شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة وسعيد و الحسن ]. قتادة عن سعيد مر ذكرهما، و الحسن هو ابن أبي الحسن البصري ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد ]. سعد بن عبادة وقد مر ذكره. والأصل أن المرسل يتقوى بالمرسل مثله، إلا أن مراسيل الحسن البصري من أضعف المراسيل.

    شرح حديث (أي الصدقة أفضل) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن رجل عن سعد بن عبادة رضي الله عنه، أنه قال: (يا رسول الله! إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، قال: فحفر بئراً، وقال: هذه لأم سعد). ] أورد أبو داود حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل؟ فقال: الماء، فحفر بئراً وقال: هذه لأم سعد ، يعني: سبّلها وجعلها لأم سعد ، وحفر الآبار للسقي سواء لسقيا الناس أو لسقيا الدواب من الصدقات الجارية التي يكون الثواب عليها مستمراً بهذه الصدقة، لأن أجر الصدقات منه ما هو منته بانتهاء بقائها لمن يستحقها، ومنه ما هو مستمر لاستمرار الصدقة، كبناء المساجد، فالناس يستفيدون من المسجد باستمرار، ومثل حفر الآبار ومد الماء منها إلى الناس كي يشربوا منه، فمادام النفع حاصلاً فإن الأجر مستمر ودائم، وهذا الذي هنا من الصدقة الجارية التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).

    تراجم رجال إسناد حديث (أي الصدقة أفضل) من طريق ثالثة


    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل عن سعد بن عبادة ]. رجل هنا مبهم، يقول الحافظ : لعله سعيد بن المسيب الذي في الإسناد السابق، وعلى كل فهو مبهم، وإن كان سعيد بن المسيب فهو منقطع كالذي قبله. ومن التصدق بالماء وجود برادة الماء، فكون الناس يأتون ويشربون ماءً بارداً فهذه صدقة جارية، ونفعها مستمر.

    شرح حديث (أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب ، حدثنا أبو بدر ، حدثنا أبو خالد الذي كان ينزل في بني دالان عن نبيح ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم). ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة) أي: أن الجزاء من جنس العمل، فكسوة بكسوة، أي: كسوة في الدنيا بكسوة في الآخرة. قوله: (وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة) أي: أنه إطعام بإطعام، والجزاء من جنس العمل. وقوله: (وأيما رجل سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم) يعني: في الجنة، والرحيق: هو الشراب الطيب، والمختوم: هو الذي ختم وأغلق فلا يصل إليه أحد إلا صاحبه، أو أنه خُتم بمسك، أي: يكون آخره وختامه مسكاً. وهذا الحديث فيه فضل هذه الأمور الثلاثة، وأن الجزاء من جنس العمل، وهناك أحاديث كثيرة فيها بيان أن الجزاء من جنس العمل، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (من نفّس عن مسلم كربة نفّس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة). وحديث الباب في إسناده أبو خالد نزيل بني دالان وهو صدوق يخطئ كثيراً، فالحديث غير ثابت، وأما معناه فثابت، ولا شك أن من أحسن فإن الله يحسن إليه، وأن الجزاء من جنس العمل، وقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة.

    تراجم رجال إسناد حديث (أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري...)


    [ حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب ]. علي بن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب صدوق أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا أبو بدر ]. أبو بدر هو شجاع بن الوليد ، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو خالد ]. أبو خالد الدالاني كان ينزل في بني دالان، وهذا يفيد أنه ليس منهم، وأنه إنما كان ينسب إليهم لنزوله فيهم؛ ولهذا يقال له: أبو خالد الدالاني الذي كان ينزل في بني دالان، مثل ذلك: سليمان بن طرخان التيمي ، فإنه ينسب إلى التيميين لنزوله فيهم، وليس لكونه منهم، فالنسبة تكون لعدة أسباب: إما أن ينزل الإنسان في قوم فينسب إليهم، وإما لكونه مولى لهم فينسب إليهم، وقد يكون من أنفسهم فينسب إليهم نسبة أصل ونَسَب. و أبو خالد هذا صدوق يخطئ كثيراً أخرج له أصحاب السنن. وكذلك أبو مسعود البدري ، فالمتبادر إلى الذهن من كونه بدرياً أنه ممن شهد بدراً، لكن قيل: إنه إنما نسب إلى بدر لأنه سكنها، فتكون نسبة مسكن، وليست نسبة شهود. [ عن نبيح ] . هو نبيح العنزي ، وهو مقبول أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري مر ذكره.
    المنيحة


    شرح حديث (أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المنيحة. حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا إسرائيل ، ح وحدثنا مسدد ، حدثنا عيسى ، وهذا حديث مسدد وهو أتم، عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي كبشة السلولي أنه قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز، ما يعمل رجل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة). قال أبو داود : في حديث مسدد : قال حسان : فعددنا ما دون منيحة العنز من رد السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة. ثم أورد أبو داود باب المنيحة، والمنيحة: هي أن الإنسان يكون عنده غنم وفيها حليب، فيمنحها لفقير يحلبها ويستفيد منها، فإذا انتهى الحليب منها أرجعها إلى صاحبها، فهذا تصدُّق بالمنفعة، وليست تصدقاً بالعين، فالعين باقية على ملك صاحبها، ولكن الذي بذله صاحبها هو منفعتها، وهو الحليب الذي فيها؛ ليسد حاجة الفقير. وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز، وما يعمل أحد بخصلة منها). يعني: هذه الخصال التي أعلاها منيحة العنز. قوله: (رجاء ثوابها، وتصديق موعودها) يعني: ما وعد به على فعلها. قوله: (إلا أدخله الله تعالى بها الجنة)، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أربعين خصلة، وذكر أن أعلاها منيحة العنز، وأن ما دونها من الخصال هي أقل منها، وأي واحدة منها يعمل الإنسان بها رجاء ثوابها، وتحصيل موعودها إلا أدخله الله تعالى بها الجنة، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأربعين وإنما أبهمها وبين أعلاها، مع أن ما دونها أخف وأسهل منها، ولعل ذلك للمصلحة، أي: حتى يحرص الإنسان على فعل كل خصلة من خصال الخير رجاء أن تكون من تلك الأربعين، ويكون إخفاؤها مثل إخفاء ليلة القدر وإبهامها في العشر، وكذلك إخفاء ساعة الإجابة يوم الجمعة؛ ليكون الإنسان في الوقت كله متحرياً ومتعرضاً لمصادفتها وموافقتها، فلعل هذه هي المصلحة في إخفائها. وأما كونهم عدّوها فما بلغوا خمس عشرة خصلة لا يدل ذلك على عدم وجودها، فإنها موجودة، وأنا لا أعرف عدها، ولا أعرف من عدها.
    تراجم رجال إسناد حديث (أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز...)

    قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ]. إبراهيم بن موسى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. إسرائيل مر ذكره. وقد ذكر بعض المحققين أن ذكر إسرائيل هنا لا يوجد في أكثر النسخ، وأنه زيادة لا توجد حتى في تحفة الأشراف، وأن بعض المحققين لأبي داود زادها تبعاً لهذه النسخة، وكذلك أيضاً إبراهيم ليست له رواية عن إسرائيل ، و إسرائيل ليست له رواية عن الأوزاعي . وأن أكثر النسخ الموجودة فيها الإسناد هكذا: حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا ح وحدثنا مسدد ، حدثنا عيسى . أقول: وهذا أمر محتمل، إذا كان هذا ليس له رواية، ويكون التحويل للفرق بين الصيغتين، فأحدهما قال: أخبرنا، والثاني قال: حدثنا، فهذا هو المقصود من التحويل، وهذا إذا كان إسرائيل ليس من شيوخ إبراهيم بن موسى ، وليس تلميذاً للأوزاعي . وأيضاً ذكر هذا المحقق الذي نبه على هذا الأمر [أنه يوجد على نسخة في حاشية (ب): حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا إسرائيل، وهذا يلزم منه إثبات الرواية بين إبراهيمو إسرائيل ، وبين إسرائيل و الأوزاعي ، وهذا مع مخالفته للأصول الأخرى الأكثر والأقوى لا شيء يؤيده في كتب الرجال، ولا في تحفة الأشراف، وتصرف محققه على إتقانه فأضاف إليه بين هلالين إسرائيل اعتماداً على المطبوع من المتن والشرح، وكان عليه أن يلتزم الأصول القوية التي بين يديه، وصنيع أبي داود هنا في سياقة السند له نظائر سابقة ولاحقة، وفيه تمام الدقة، إذ يريد أن يقول: إن إبراهيم يروي هذا الحديث عن عيسى قراءة عليه، أما مسدد فيرويه عنه سماعاً منه ]. أقول: هذا الكلام صحيح، فقد كانوا يراعون التعبير بأخبرنا وحدثنا، فأخبرنا غالباً يراد بها القراءة على الشيخ، وحدثنا يراد بها السماع من الشيخ، لكن بعض العلماء يسوي بينهما. قال الحافظ : إن بعضهم تطلبها فوجدها تزيد على الأربعين، فمما زاده: إعانة الصانع، والصنعة للأخرق، وإعطاء شسع النعل، والستر على المسلم، والذب عن عرضه، وإدخال السرور عليه، والتفسح له في المجلس، والدلالة على الخير، والكلام الطيب، والغرس والزرع، والشفاعة، وعيادة المريض، والمصافحة، والمحبة في الله، والبغض لأجله، والمجالسة لله، والتزاور، والنصح، والرحمة، وكلها في الأحاديث الصحيحة، وفيها ما قد ينازع في كونه دون منيحة العنز. قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا إسرائيل ح وحدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عيسى ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا حديث مسدد وهو أتم، عن الأوزاعي ]. الأوزاعي هو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حسان بن عطية ]. حسان بن عطية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي كبشة السلولي ]. أبو كبشة السلولي ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ سمعت عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."





  18. #238
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [205]
    الحلقة (236)





    شرح سنن أبي داود [205]

    إن الله لا يضيع عمل عامل، فيثيب المنفق ماله المتصدق به على المساكين، ويكتب مثل ثوابه لمن أوصل تلك الصدقة من خازن أو زوج أو غيرهما. ومن أعظم البر صلة الرحم والإحسان إليها، كما أن من أعظم العقوق قطعها واتباع النفس في شحها.

    أجر الخازن


    شرح حديث (إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أُمر به كاملاً موفراً...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أجر الخازن: حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن العلاء والمعنى واحد، قالا: حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملاً موفراً، طيبة به نفسه، حتى يدفعه إلى الذي أمر له به؛ أحد المتصدقين) ] أورد أبو داود رحمه الله باب أجر الخازن، والخازن: هو الذي يكون قيماً على الشيء، ويكون مؤتمناً على حفظه، سواء كان الخازن مملوكاً، أو كان مستأجراً لحفظ أي شيء، والقيام عليه، والإدخال فيه، والإخراج منه، فيكون مسئولاً عن المال الذي يخزن. وقوله: (إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملاً موفراً، طيبة به نفسه)، الخازن الأمين هو ضد الخائن، وهو الذي يكون عنده أمانة ومحافظة على ما اؤتمن عليه، ولا يخرج من ذلك شيئاً إلا بإذن صاحبه، ويسعى في حفظ الأمانة، وعدم تعرضها للفناء والتلف، فإذا أمر بإعطاء شيء لغيره فإنه يعطيه إياه كاملاً موفراً، وبنفس المقدار الذي قيل له أن يعطيه إياه ثم يضاف إلى ذلك أن تكون نفسه طيبة، فإذا كان كذلك فإنه يكون أحد المتصدقين؛ لأن صاحب المال هو المتصدق الأول ويكون الخازن هو الثاني؛ لكونه شاركه في الإعطاء والمناولة لمن أُمر بإعطائه وفضل الله واسع، فيعطي هذا على كسبه وتحصيله، ويعطي هذا على مناولته وإعطائه ومباشرته لذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث (إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أُمر به كاملاً موفراً...)


    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو أسامة ]. أبو أسامة حماد بن أسامة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة ]. بريد بن عبد الله بن أبي بردة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة ]. أبو بردة بن أبي موسى الأشعري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي موسى ]. هو: أبي موسى عبدالله بن قيس الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    المرأة تتصدق من بيت زوجها


    شرح حديث (إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المرأة تتصدق من بيت زوجها. حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن منصور عن شقيق عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجر ما أنفقت، ولزوجها أجر ما اكتسب، ولخازنه مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض) ]. أورد أبو داود رحمه الله: باب المرأة تتصدق من بيت زوجها، أي ما حكم ذلك؟ فهل لها أن تتصدق أو ليس لها ذلك؟ والجواب: أنه إذا كان هناك إذن من الزوج، أو شيء يدل عليه، أو عرفت أنه راض بذلك، فإن لها أن تتصدق في حدود ما ليس فيه إضرار على زوجها، ومن الضرر أن تكثر الإنفاق من ماله، أو أن تخرج الشيء الكثير الذي يؤثر عليه، وإنما يكون الإنفاق بالشيء الذي يُحتاج إليه، وفيما يعلم منه أنه يرضى به، ورضاه إما أن يكون نصاً أو يكون معروفاً من عادته، فإذا كان المنفَق شيئاً كثيراً ولم يأذن به الزوج، أو يلحقه به ضرر فإن ذلك لا يجوز. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجر ما أنفقت، ولزوجها أجر ما اكتسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض)، أي: أن كل واحد منهم له أجره من غير أن ينقص بعضهم من أجر بعض. وقوله: (غير مفسدة) يعني: من غير إسراف، ومن غير ضرر يلحق بالزوج في إنفاقها، وذلك بأن يكون قد أذن لها في ذلك إما نصاً وإما دلالة، فإذا كان في إنفاقها إفساد، أو فيه شيء غير مأذون به، أو فيه إضرار بالزوج لكثرة ما تنفق، فإنها لا تكون مأجورة، بل تكون آثمة. والزوج الذي اكتسب ذلك يكون له أجر، وهي لها أجر لمباشرتها الإنفاق، والخازن الذي كان يحفظ المال ويرعاه حتى يخرج في طريقه المأذون فيه له أجر على ذلك، وفضل الله واسع، ولا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً.

    تراجم رجال إسناد حديث (إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة...)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. أبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن المعتمر وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شقيق ]. شقيق هو ابن سلمة ، كنيته أبو وائل وهو ثقة مخضرم أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. مسروق بن الأجدع وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحد من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث (إنّا كَلٌّ على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا، فما يحل لنا من أموالهم؟..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سوار المصري حدثنا عبد السلام بن حرب عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير بن حية عن سعد رضي الله عنه أنه قال: (لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر، فقالت: يا نبي الله! إنا كَلّ على آبائنا وأبنائنا -قال أبو داود : وأرى فيه: وأزواجنا-، فما يحل لنا من أموالهم؟ فقال: الرطب تأكلنه وتهدينه)، قال: أبو داود الرطب: الخبز والبقل والرطب ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. قوله: (قامت امرأةً جليلة) أي إما جلالة القدر والمنزلة، وإما أنها كبيرة السن. قوله: (فقالت: يا رسول الله! إنا كَلٌّ) أي: إننا عيال على ما يكون عند آبائنا وأزواجنا. قولها: (فما يحل لنا من أموالهم) أي: أن نتصرف فيه، وأن نأخذه، أو أن نعطيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرطب تأكلنه وتهدينه) الرطب هو الشيء الطري الذي يسرع إليه الفساد، ولذلك لا يدخر، وإذا ادخر فإنه يعفن ويتلف، فيرمى به ولا يستفاد منه، فمثل ذلك يحل للمرأة أن تأكل منه، وأن تهدي، فوقته محدود لا يتجاوزه إلى غيره، فلهن الاستفادة والإفادة، وأما الشيء الذي يدخر، والشيء الذي يحتاج إليه ولا يسرع إليه الفساد فإنه يبقى، ولا يتصرف فيه، فإذا كان هناك إذن من الأزواج أو الآباء في أن يخرج من ذلك فإنه يتبع الإذن الذي وجد، وأما مثل هذه الأشياء التي يسرع إليها الفساد، والتي يتهاداها الناس ويتعاطونها فيما بينهم؛ لعدم بقائها، ولو بقيت فإنها تنتن وتعفن، فهذا هو الذي يبذل ويهدى.

    تراجم رجال إسناد حديث (إنا كَلٌّ على آبائنا وأولادنا وأزواجنا، فما يحل لنا من أموالهم؟)


    قوله: [ حدثنا محمد بن سوار المصري ]. محمد بن سوار المصري صدوق يغرب أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد السلام بن حرب ]. عبد السلام بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس بن عبيد ]. يونس بن عبيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زياد بن جبير بن حية ]. زياد بن جبير بن زياد بن حية وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد ]. سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث ضعفه الألباني ولعله للإرسال، فقد نصَّ أبو زرعة و أبو حاتم على رواية زياد بن جبير بن حية عن سعد بن أبي وقاص مرسلة. [ قال أبو داود : وكذا رواه الثوري عن يونس ]. الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة، والمراد أنه رواه كما رواه عبد السلام .

    شرح حديث (إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن همام بن منبه ، أنه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة : (إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها بغير أمره، فلها نصف أجره). ويحمل هذا على ما إذا كانت هناك موافقة صريحة منه، أو علمت منه أنه لا يمانع من ذلك، أو كان ذلك من الأمور السهلة التي يتهاداها الناس فيما بينهم كالرطب الذي يسرع إليه الفساد، فيكون لها مثل نصف أجره، وأما إذا كان لا يوافق، وأقدمت على الإعطاء، فليس لها أجر، بل تكون آثمة، لكن إذا كان عندها معرفة بموافقته، وإن لم يصرِّح بذلك، كأن تعلم من عادته وخلقه وسماحته وإنفاقه أنها إذا أعطت الشيء اليسير الذي لا يؤثر فإنه لا يمانع منه، فإنها تحصل نفس الأجر، وأما إذا كانت تنفق وتسرف، أو كانت تكثر من الإنفاق من غير إذن، أو أنه كان يمنعها من الإنفاق فإنها ليس لها أن تنفق، ويحمل هذا الحديث على الشيء اليسير الذي لا يمنع مثله، أو الشيء الذي يسرع إليه الفساد، أو الذي يتعاطاه الناس عادة.

    تراجم رجال إسناد حديث (إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره)


    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن همام بن منبه ]. همام بن منبه هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبا هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والحديث هذا من صحيفة همام ، وقد أخرج البخاري و مسلم أحاديث كثيرة من صحيفة همام ، وهي أحاديث إسنادها واحد، وتبلغ مائة وخمسين حديثاً تقريباً، وقد أوردها كلها الإمام أحمد في مسنده متصلة، وبين كل حديث وحديث (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا) والإسناد واحد، وهو إسناد صحيح، وقد اتفق البخاري و مسلم على بعضها، وهذا مما اتفقا عليه، وانفرد البخاري بأحاديث منها، وانفرد مسلم بأحاديث أخرى منها، وتركا بعضها فلم يخرجاه، وهذا من أوضح الأدلة التي يستدل بها على أن البخاري و مسلماً لم يستوعبا كل الأحاديث الصحيحة، ولم يلتزما ذلك، لأنهما لو التزما ذلك لأخرجا كل هذه الصحيفة، ولما تركا منها شيئاً، لذلك فقد أخطأ من استدرك عليهما إخراج بعض الأحاديث الصحيحة التي لم يخرجاها، وكذلك أخطأ من ألزمهما إخراج بعض الأحاديث الصحيحة، فإنهما لم يلتزما إخراج كل الأحاديث الصحيحة. وما أخرجه الإمام مسلم رحمة الله عليه من أحاديث هذه الصحيفة فإنه يكون بهذا الإسناد: محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة ، وكان من طريقته وحسن سياقه أنه عندما ينتهي الإسناد يقول: فذكر أحاديث منها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا. وأما البخاري فإنه لا يذكر هذا الشيء، وإنما يأتي بالقطعة التي يريد بإسنادها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما مسلم فإنه عندما ينتهي الإسناد إلى أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يقول: فذكر أحاديث منها، حتى يفيد أن هناك شيئاً قبل هذا، فيشير إلى أن هناك أحاديث أخرى وذلك بقوله: فذكر أحاديث منها. وهذا الحديث من جملة الصحيفة، وقد مشى أبو داود على طريقة البخاري ، أي: أنه يأخذ القطعة من الحديث، ويذكرها بإسنادها إلى آخره، ولا يحصل منه مثل ما كان يحصل للإمام مسلم من التنبيه على ذلك.

    شرح أثر (... لا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سوار المصري حدثنا عبدة عن عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه في المرأة تتصدق من بيت زوجها، قال: لا، إلا من قوتها، والأجر بينهما، ولا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه، قال أبو داود : هذا يضعف حديث همام ]. كما أورد أبو داود حديث أبي هريرة ، وهو موقوف عليه، وذلك (في المرأة تنفق من مال زوجها، قال: لا، إلا من قوتها)، يعني: من الشيء الذي يخصص لها، والشيء الذي أعطيت إياه وصار ملكاً لها، فإنها تنفق منه. قوله: (ولا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه)، قد يكون ذلك الإذن صريحاً، وقد يعرف من عادته أنه يوافق على الصدقة في حدود معينة، وهذا لا يخالف ما جاء في حديث أبي هريرة المتقدم، فهنا: لا يحل لها إلا بإذنه، وذاك: من غير إذنه، وهذا يكون في أمور عرف التسامح فيها، أو في أشياء يسرع إليها الفساد، أما أن تبالغ في ذلك وتسرف فهذا هو الذي يحمل عليه ما جاء في أثر أبي هريرة هذا. أما قول أبو داود بعد ذلك: وهذا يضعف حديث أبي هريرة ، فهذا مما لا وجه له؛ لأن حديث أبي هريرة متفق عليه، وهذه الجملة جاءت في بعض النسخ، ثم أيضاً هذا الحديث موقوف على أبي هريرة ، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام أبي هريرة ، وذاك متفق عليه مرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا تنافي بينهما، فما جاء في أثر أبي هريرة يحمل على شيء، وما جاء في حديث أبي هريرة المرفوع يحمل على شيء آخر.

    تراجم رجال إسناد أثر (...لا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه)


    قوله: [ حدثنا محمد بن سوار المصري حدثنا عبدة ]. عبدة بن سليمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك ]. عبد الملك بن أبي سليمان ، وهو صدوق له أوهام أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عطاء ]. عطاء بن أبي رباح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره.

    صلة الرحم


    شرح حديث تصدق أبي طلحة بأريحاء


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صلة الرحم. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -هو ابن سلمة -عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال لما نزلت: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، قال أبو طلحة رضي الله عنه: يا رسول الله! أرى ربنا يسألنا من أموالنا، فإني أشهدك أني قد جعلت أرضي بأريحاء له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اجعلها في قرابتك، فقسمها بين حسان بن ثابت و أبي بن كعب رضي الله عنهما). قال: أبو داود :بلغني عن الأنصاري محمد بن عبد الله قال: أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، و حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام ، يجتمعان إلى حرام ، وهو الأب الثالث، و أبي بن كعب بن قيس بن عتيك بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار ، فـ عمرو يجمع حسان و أبا طلحة و أبياً ، قال الأنصاري : بين أبي و أبي طلحة ستة آباء ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب صلة الرحم، والرحم: هي القرابة، ورحم الإنسان هم قرابته، وفي اصطلاح الشرع: الرحم هم القرابة، قال الله عز وجل: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفال:75]، والمراد به القرابات. وعند الفرضيين: ذوو الأرحام هم الذين لا يرثون بفرض ولا بتعصيب، فهو في الشرع أعم من معناه عند الفرضيين؛ لأنه يشمل كل القرابات، فالرحم هم قرابة الإنسان سواء كانوا من جهة أبيه أو من جهة أمه. وأورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه: (لما نزل قول الله عز وجل: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] جاء أبو طلحة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! أرى ربنا يسألنا من أموالنا) يعني: يسألنا أن ننفق من أموالنا على من كان محتاجاً، وقوله: (يسألنا) أي: يأمرنا بأن ننفق منها، والله تعالى يثيب على ذلك الأجر العظيم، كما قال الله عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:11]. قوله: (وإني أشهدك أني قد جعلت أرضي بأريحاء له) أي: لله عز وجل، فضعها حيث شئت، يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصرف فيها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلها في الأقربين)، وهذا هو المقصود من هذه الترجمة: صلة الرحم، فالإحسان إلى القريب صدقة وصلة، فيكون قد جمع بين خصلتين حسنتين: صلة رحم، وإحسان وصدقة. فقسمها بين حسان و أبي بن كعب ، وهما من قرابته رضي الله تعالى عنه. ثم إن أبا داود ذكر نوع هذه القرابة، وأن حسان يلتقي معه في جده الثالث، وأما أبي فإنما يلتقي معه في السادس، وذكر نسب أبي طلحة ، ونسب حسان ، ونسب أبي ، وذكر أماكن الالتقاء بينهم، فالتقاء حسان مع أبي طلحة أقرب من التقائه مع أبي ، وهذا فيه إشارة إلى أن الأقارب وإن كان بعضهم أقرب من بعض فإن البر والإحسان يكون للجميع، بخلاف الميراث، فإن من كان أقرب إلى الميت فإنه يحجب من يكون أبعد منه. وهذا الحديث فيه دليل على أن الإنسان إذا تصدق بشيء وجعله مجملاً غير معين المصارف فإن ذلك جائز، ثم تعيّن مصارفه في وجوه الخير والبر، وأفضلها وأولاها أن تكون في الأقربين. وأريحاء هي بيرحاء، فقيل: إنها البئر، وقيل: إن الأرض كلها يقال لها: بيرحاء، وقيل: إنها مضاف ومضاف إليه، أي: بئر مضافة إلى حاء.

    تراجم رجال إسناد حديث تصدق أبي طلحة بأريحاء


    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد هو: ابن سلمة ]. حماد بن سلمة هو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله. لو جعل الإنسان الصدقة في الأقربين فلا شك أن الفقير منهم هو الأولى، ولكنه إذا وقف على الأقارب فإنه يشمل الموسر وغير الموسر إذا لم يقيد بالمحتاج، فلو وقف على أبنائه وقفاً مثلاً ولم يحدد أنه للفقير، أو لمن وصفه كذا وكذا، فإنه يكون للجميع. [ قال: أبو داود : بلغني عن الأنصاري محمد بن عبد الله ]. محمد بن عبد الله الأنصاري هو: محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقوله: [ بلغني ] فيه انقطاع، أي: أن بينه وبين المبلّغ عنه واسطة، وهذا المتن مقطوع، لأنه مضاف إلى محمد بن عبد الله الأنصاري ، وهو أيضاً منقطع؛ لأن الواسطة بين أبي داود وبين الأنصاري غير موجودة، وهما متقاربان، فالأنصاري متقدم من الطبقة التاسعة، وهو من كبار شيوخ البخاري الذين روى عنهم الثلاثيات، و أبو داود قريب منه، وبينهما واسطة. [ قال: أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار و حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام ، يجتمعان إلى حرام ، وهو الأب الثالث، و أبي بن كعب بن قيس بن عتيك ]. هو عندنا في هذه النسخة هكذا (عتيك)، إلا أنه في ترجمة أبي بن كعب من طبقات ابن سعد ، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم وأسد الغابة، وتهذيب الكمال، وعون المعبود ، وكثير من نسخ السنن هكذا: عبيد،ولا ندري أيها أصوب. [ ابن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، فـ عمرو يجمع حسان و أبا طلحة و أبي ]. يجتمع الثلاثة في عمرو ، بينما يجتمع أبو طلحة مع حسان في الجد الثالث وهو حرام . [ قال الأنصاري : بين أبي و أبي طلحة ستة آباء ].

    شرح حديث (... أما إنك لو كنتِ أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن محمد بن إسحاق عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنها قالت: كانت لي جارية فأعتقتها، فدخل علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: (آجرك الله، أما إنك لو كنت أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك) ] أورد أبو داود حديث ميمونة بنت الحارث الهلالي رضي الله عنها: أنها كانت لها جارية فأعتقتها، فقال: لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آجرك الله، ولو كنت أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك). قوله: (لو أعطيتها أخوالك) هذا هو الذي يتعلق بصلة الرحم، وهو المراد من الحديث، ولعل أخوالها كانوا بحاجة شديدة، فالإحسان إليهم فيه جمع بين التصدق وصلة الرحم.

    تراجم رجال إسناد حديث (... أما لو كنتِ أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك)


    قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ثقة أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبدة ]. عبدة بن سليمان مر ذكره. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن بكير بن عبد الله بن الأشج ]. بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن ميمونة ]. وهي بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث (عندي دينار قال تصدق به على نفسك...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصدقة، فقال رجل: (يا رسول الله! عندي دينار، فقال: تصدق به على نفسك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجتك، أو قال زوجك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر). ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة، فجاء رجل وقال: يا رسول الله! عندي دينار فقال: تصدق به على نفسك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجك، قال: عندي آخر قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر به) أي: تصرف فيه كيف شئت، والصدقة هنا بمعنى النفقة، فالصدقة على النفس هو إنفاق عليها، ثم ابنه؛ لأنه جزء منه، ثم زوجته، والإنفاق عليها في مقابل الاستمتاع بها، ثم خادمه الذي هو قائم بخدمته، وهؤلاء هم الذين يعولهم وتجب نفقتهم عليه، فيبدأ بمن يعول، ثم بعد ذلك ينفق ويعطي المحتاجين ممن لا يعولهم ولا تلزمه نفقتهم، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى الإنفاق على الأقارب الأول فالأول، ثم بعد ذلك يتصدق الإنسان كيف شاء، والصدقة هنا بمعنى الإنفاق. والإنسان عندما ينفق على نفسه وعلى أقاربه الذين يجب عليه نفقتهم فإنه مأجور إذا احتسب ذلك، ولهذا جاء في الحديث، (كل سلامي من الناس عليه صدقة فيه، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر، قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) .
    تراجم رجال إسناد حديث (عندي دينار قال تصدق به على نفسك...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عجلان ]. محمد بن عجلان المدني صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن المقبري ]. المقبري هو: سعيد بن أبي سعيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره، و المقبري سعيد بن أبي سعيد وأبوه كل منهما يروي عن أبي هريرة ، وكل منهما ثقة، وكل منهما أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يقوت)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان ، حدثنا أبو إسحاق عن وهب بن جابر الخيواني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو : (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) أي: أن الإنسان يأثم في عدم الإنفاق والإعالة لمن تلزمه النفقة عليهم، سواء كان ذلك بأن يترك التسبب في طلب الرزق لهم، أو بأن يكون ذا مال فيشح عليهم ويقتر، أو أن يذهب ينفق ويتصدق على الأبعدين ويترك الأقربين ممن تلزمه النفقة عليهم، فيكفل المستحب ويترك الواجب، فإنه يكون آثماً لأنه ترك ما أوجب الله عز وجل عليه من الإنفاق على من يجب الإنفاق عليه، وهذا مثل الحديث الذي قبله، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: تصدق به على نفسك، ثم قال: على ولدك ثم قال: على زوجك، ثم قال: على خادمك، ثم قال: أنت أبصر به، يعني بعد ذلك تصدق على من شئت، أو أمسك، فالأمر إليك.

    تراجم رجال إسناد حديث (كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يقوت)


    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا أبو إسحاق ]. أبو إسحاق هو: عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن وهب بن جابر الخيواني ]. وهب بن جابر الخيواني وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث فيه رجل مقبول، لكن له شواهد تشهد له، ومنها الحديث الذي مر قبله. وكذلك الحديث الذي أخرجه مسلم : (كفى بالمرء إثماً أن يحبس عن من يملك قوته). فالحديث صحيح، وإن كان فيه هذا المقبول الذي عند أبي داود .

    شرح حديث (من سرّه أن يبسط له في رزقه ... )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح و يعقوب بن كعب ، وهذا حديثه، قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن الزهري عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ في أثره فليصل رحمه) ]. أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ في أثره، فليصل رحمه)، وهذا يتعلق بصلة الأرحام، وأنها من أسباب حصول الرزق، ومن أسباب النسأ له في الأثر، أي: أن يطيل في عمره، وليس معنى ذلك أنه يغير ما كتبه الله عز وجل من الآجال، وذلك كأن يكون عمر الإنسان قصيراً فيغير ما كتب فيكون عمره طويلاً، ليس هذا المراد، فالذي كتب في اللوح المحفوظ لا يغير ولا يبدل، وإنما قدّر الله عز وجل الأسباب وقدر المسببات، فقدر أن هذا يكون عمره طويلاً، وقدر أن يكون باراً واصلاً لرحمه، فحصل له السبب والمسبب، فالسبب مقدر، والمسبب مقدر، وقد جعل الله صلة الرحم سبباً لإطالة العمر، فهذا هو المقصود من الحديث، وليس المقصود من أنه ينسأ له في أجله أنه يغير ما كتب في اللوح المحفوظ، فإذا كان عمره كذا فوصل رحمه فإنه يزاد في عمره، فالعمر ثابت ومستقر، ولكن الله تعالى قدر المسببات التي هي الأعمار ومدتها، وقدّر الأسباب التي تؤدي إليها، وهي كونه يصل رحمه، فتكون صلة الرحم سبباً في بسط الرزق وسعته، وفي طول العمر أيضاً.

    تراجم رجال إسناد حديث (من سرّه أن يبسط له في رزقه ... )


    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ و يعقوب بن كعب ]. و يعقوب بن كعب هو ثقة أخرج له أبو داود . [ وهذا حديثه قالا: حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. يونس بن يزيد الأيلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. قد مر ذكره، و أنس من صغار الصحابة، و الزهري من صغار التابعين، وصغار التابعين يروون عن صغار الصحابة.
    شرح حديث (قال الله أنا الرحمن وهي الرحم...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و أبو بكر بن أبي شيبة ، قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (قال الله: أنا الرحمن، وهي الرحم، شققت لها اسماً من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتتُّه) ]. أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا الرحمن، وهي الرحم، شققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتتُّه) يعني: قطعته، فالبت هو القطع، وهو هنا مقابل للقطع، كما أن الوصل مقابل للوصل، والجزاء من جنس العمل. وقوله: (أنا الرحمن) يعني: أن هذا من أسمائه عز وجل التي لا يسمى بها غيره ولا يجوز أن يسمى بها غير الله عز وجل. وقوله: (وهي الرحم شققت) أي: اشتق لها اسماً من اسم الله عز وجل، أي: من نفس المادة، فالرحمن هو ذو الرحمة الواسعة، والرحم هي القرابة.

    تراجم رجال إسناد حديث (قال الله أنا الرحمن وهي الرحم...)


    [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ و أبو بكر بن أبي شيبة ]. أبو بكر بن أبي شيبة هو: عبد الله بن محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، وهو: أخو عثمان بن أبي شيبة الذي يتكرر ذكره، وهو: ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وقد أكثر عنه الإمام مسلم في صحيحه، ولم يرو عن أحد مثل ما روى عنه، فجملة الأحاديث التي رواها عنه في الصحيح تبلغ ألفاً وخمسمائة حديث، فهو أكثر الشيوخ الذين روى عنهم الإمام مسلم على الإطلاق. [ حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري مر ذكره. [ عن أبي سلمة ]. أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن عوف ]. عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، الصحابي الجليل أحد العشرة المبشرين بالجنة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وأكثر العلماء على أن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه، فعلى هذا يكون الحديث مرسلاً، وقد صحح الألباني الحديث، وكذلك صححه أحمد شاكر في تحقيق المسند، فلا أدري هل هناك واسطة بينه وبين أبيه، أو أن له شواهد تشهد له؟

    شرح حديث (قال الله أنا الرحمن، وهي الرحم ) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري حدثني أبو سلمة أن الرداد الليثي أخبره عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه ]. هذه الطريق فيها واسطة بين أبي سلمة وأبيه عبد الرحمن بن عوف ، وهو الرداد الليثي ، وهو مقبول. قوله: [ بمعناه ] يعني: بمعنى الحديث المتقدم، وقد ذكر بعض الإخوان أن الشيخ الألباني ذكر لحديث الرداد هذا شواهد وذلك في السلسلة الصحيحة برقم (520).

    تراجم رجال إسناد حديث (قال الله أنا الرحمن وهي الرحم) من طريق أخرى


    [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ]. محمد بن المتوكل العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري حدثني أبو سلمة : أن الرداد الليثي ]. الرداد الليثي مقبول أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأبو داود . [ عن عبد الرحمن بن عوف ]. وقد مر ذكره. ويشهد لهذا الحديث حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة قال: نعم. أما ترضين أني أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى .)]. وذلك من ناحية نتيجته، وأنه يصل من وصل، ويقطع من قطع، فهو نفس المعنى، فيكون شاهداً بالمعنى، لكن قوله: (أنا الرحمن، وهي الرحم) فلا شاهد له، وأما النتيجة وهي: وصل من وصل الرحم، وقطع من قطعها، فهذا الحديث شاهد لها.

    شرح حديث (لا يدخل الجنة قاطع رحم)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صلة الرحم. حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يدخل الجنة قاطع رحم)]. سبق في هذه الترجمة: (باب صلة الرحم) أحاديث تدل على فضل صلة الرحم، وعلى ما فيه من الأجر والثواب، ثم ذكر أبو داود رحمه الله بعد ذلك أحاديث فيها قطيعة الرحم وخطرها ومضرتها، وأورد حديث جبير بن مطعم بن نوفل رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة قاطع رحم)، وهذا وعيد شديد لمن كان قاطعاً لرحمه. فقيل في معنى هذا الحديث: إنه من أحاديث الوعيد التي فيها تهديد وتخويف وزجر من القطيعة، وإن الواجب هو الحذر من التعرض لهذا الوعيد، والحذر من أن يكون الإنسان من أهل هذا الوعيد. وقيل: إنّ المراد بقوله: (لا يدخل الجنة) أنه لا يدخلها من أول وهلة، أي أنه يتأخر في دخول الجنة، وأنه يدخل النار ويعذب بها، ولكنه إذا دخل النار لا يستمر فيها أبداً، بل لابد أن يخرج منها، وأن يدخل الجنة ما دام أنه مرتكب لكبيرة فقط، ولا يمنع من دخول الجنة أبداً إلا الكفار الذين هم أهل النار، فلا سبيل لهم إلى الخروج منها أبداً. وأما أهل الكبائر وعصاة المؤمنين فإنهم مهما بلغت كبائرهم وعظمت فأمرهم إلى الله عز وجل، فإن شاء عفا وتجاوز عنهم، وإن شاء عذبهم وأدخلهم النار، ولكنه إذا أدخل أحداً منهم النار بجرمه وبكبيرته فإنه لا يدوم فيها دوام الكفار، بل يبقى فيها مدة كما يشاء عز وجل أن يبقى فيها، وبعد ذلك يخرج منها ويدخل الجنة. إذاً: فقوله: (لا يدخل الجنة) أي: لا يدخلها من أول وهلة، وأما كونه لا يدخلها أبداً فهذا ليس بصحيح. وقيل: إنه لا يدخلها أبداً إذا كان مستحلاً؛ لأن استحلال الذنب كفر، فيكون ذلك مانعاً من دخول الجنة أبداً؛ لأنه يكون بذلك كافراً، والكافر لا يخرج من النار ولا يدخل الجنة أبداً، وأما إذا لم يكن مستحلاً لذلك وإنما هو عاص ومرتكب لكبيرة فهو تحت مشيئة الله عز وجل، فإن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه، ومن لم يعف ويتجاوز عنه فإنه يدخله النار، فيعذب فيها على مقدار جرمه وكبيرته، وبعد ذلك يخرج من النار ويدخل الجنة.

    تراجم رجال إسناد حديث (لا يدخل الجنة قاطع رحم)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا سفيان ]. سفيان وهو ابن عيينة المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن جبير ]. محمد بن جبير بن مطعم النوفلي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو: جبير بن مطعم رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ]. هذه من الصيغ التي هي بمعنى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها أيضاً: يرفعه إلى النبي، أو ينميه إلى النبي، فكل هذه صيغ تعادل قولهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فهي بمعنى المرفوع، فمعنى يبلغ به، أي: يوصله وينسبه ويضيفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مرفوع.

    شرح حديث (ليس الواصل بالمكافئ)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش والحسن بن عمرو وفطر عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال سفيان : ولم يرفعه سليمان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورفعه فطر و الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن هو الذي إذا قطعت رحمه وصلها)]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: (ليس الواصل بالمكافئ)يعني: أنه إذا وصل الرجل رحمه مكافأة ومجازاة على الإحسان بالإحسان، كأن يكون أعطي شيئاً فأعطى مكانه، أو حصل له زيارة فحصلت منه زيارة مكافأة ورداً للذي قد حصل، فليس هذا هو الواصل، وليس هذا من الوصل في حقيقة الأمر، وإن كان هذا يعتبر واصلاً، ولكن الواصل على الحقيقة هو الذي إذا قُطعت رحمه وصلها، وهو الذي يجازي على القطع وصلاً، وعلى الإساءة إحساناً، فهذا هو الواصل على الحقيقة. ولا شك أن المكافئ الذي يقابل الإحسان بالإحسان أحسن من الذي لا تحصل منه تلك المقابلة. إذاً فقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ) يعني: ليس الواصل حقيقة هو المكافئ، وإنما الواصل حقيقة هو الذي إذا قطعت رحمه وصلها، فهذا فيه دليل على الحث على صلة الأرحام ابتداء، وأن ذلك هو الأولى والأفضل من أن يكون عن طريق المقابلة والمماثلة، ولا شك أن الإنسان إذا سبق إلى الخير ثم جازى بما سبق إليه لا شك أن ذلك خير، ولكن الأتم والأفضل من ذلك هو الذي تحصل له القطيعة فيقابل على القطيعة وصلاً.

    تراجم رجال إسناد حديث (ليس الواصل بالمكافئ)

    [ حدثنا ابن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ والحسن بن عمرو ]. الحسن بن عمرو ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ وفطر ]. وهو فطر بن خليفة ، صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن مجاهد ]. مجاهد بن جبر المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال سفيان : ولم يرفعه سليمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ورفعه فطر و الحسن ]. سفيان هو الثوري ، وقد رواه عن ثلاثة من شيوخه وهم: الأعمش وهو: سليمان بن مهران ، والحسن بن عمرو ، وفطر بن خليفة ، وقال: إن سليمان الأعمش لم يرفعه، وقد ذكره في الآخر باسمه، وذكره في الأول بلقبه لأن سليمان بن مهران لقبه: الأعمش ، فأحياناً يذكر بلقبه، وأحياناً يذكر باسمه، والذي لا يعرف ألقاب المحدثين يلتبس عليه الأمر، ويظن أن الشخص الواحد شخصين، فكونه ذكره باسمه مرة وبلقبه أخرى يدل على أهمية معرفة الألقاب؛ حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين. وهذا الحديث لم يرفعه سليمان الأعمش ، وإنما رفعه الحسن بن عمرو ، وفطر بن خليفة ، أي: أنّ الأول وقفه، والآخران رفعاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الأسئلة



    ما تقع به صلة الرحم


    السؤال: كيف تكون الصلة؟


    الجواب: تكون الصلة بالعطاء، وتكون بالزيارة، وتكون بالاتصال، وتكون بالسؤال عنهم، وتكون بمعاونتهم ومساعدتهم فيما يحتاجون إلى مساعدة فيه؛ أي: أن يصل إليهم خيره، وأن يمنع عنهم شره، فهذه هي صلة الرحم.

    تحديد مدّة صلة الرحم

    السؤال: هل هناك مدة تحدَّد للشخص حتى يكون واصلاً أو قاطعاً؟


    الجواب: ليس هناك مدة في ذلك، ولكن الإنسان يحرص على أن يكون اتصاله في أوقات متقاربة، ولا نعلم تحديداً لمدة معينة في ذلك.

    ضابط الأرحام وكيفية صلتهم إذا كثروا

    السؤال: هل الأرحام هم الأقارب، أم أن ذلك يستمر ولو كان إلى الجد العاشر؟

    الجواب: الأرحام -كما هو معلوم- هم الأقارب، وبعضهم أولى من بعض بالصلة، وإذا كانت القرابة بعيدة ويشق الاتصال بهم فالإنسان يكون معذوراً، ولكنه يسأل عن أحوالهم إذا تيسر، وأما أن يتصل بهم واحداً واحداً وهم بالمئات والألوف فهذا يشق عليه، لكن يحرص على القرابات القريبة، وأما الباقون فيسأل عنهم في الجملة إذا كانوا كثيرين جداً ومتباعدين.

    هجر الأقارب إذا كانوا يدعون إلى المعاصي

    السؤال: إن كان أقاربي يؤذونني في ديني، أو يأمرونني بالمعصية، فهل لي أن أقطعهم؟

    الجواب: إذا كانوا يؤذونك في دينك فعليك أن تنصحهم حتى يستقيموا على طاعة الله وأمره، وحتى يكونوا على الدين الصحيح، وعلى الصراط المستقيم، فمن أعظم صلة الرحم أن تكون سبباً في هداية الضال منهم، فالإحسان إلى القريب بالسعي في هدايته من أهم المهمات، وهو من أعظم الصلة؛ لأن في ذلك إخراجه من الظلمات إلى النور، فهو أعظم إحسان وأعظم صلة، فإذا كان الأمر كذلك فعلى الإنسان أن يحرص على هدايتهم، وعلى دعوتهم، وعلى النصح لهم، وعلى الاتصال بهم؛ من أجل تنبيههم وعظتهم وتذكيرهم لعل الله أن يهديهم.

    الشح


    شرح حديث (إياكم والشح...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الشح. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن أبي كثير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إياكم والشح؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالشح: أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا)]. أورد أبو داود هذه الترجمة: (باب في الشح) وذلك أنه لما ذكر صلة الرحم، وأنها تكون بوجوه الصلة ومنها ومنها البذل والإعطاء، عقب ذلك بالترجمة في الشح الذي هو ضد الإعطاء، وضد البذل، وضد الإحسان، فهو المنع وعدم الإحسان، فناسب أن يذكر الشح بعد ذكر الصلة. والشح: هو شدة البخل، وقيل: إن الشح خاص، والبخل عام، وقيل: العكس، وغالباً ما يضاف البخل إلى عدم البذل، والشح إلى ما يقوم بالنفس من عدم الرغبة في الجود والإحسان؛ ولهذا يأتي في القرآن: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ [التغابن:16]، فاليد تابعة للنفس، فإذا كانت النفس غنية سهل بعد ذلك بذل اليد، وإذا كانت اليد غنية ولكن النفس ليست غنية بل فيها الشح والبخل فإن اليد تكون تابعة لها، فلا يحصل الجود من اليد إلا إذا وجد السخاء في النفس، وكانت النفس راغبة في الإحسان. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وقال: (إياكم والشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم)، وقوله: (إياكم والشح) تحذير من الشح. قوله: (فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا)، وهذا يوضح أن البخل -وهو عدم البذل- يكون نتيجة لما قام في القلب والنفس، ولهذا قال: (أمرهم) يعني: أنّ النفس الأمارة بالسوء التي فيها الشح هي التي أمرت بالبخل؛ فحصل البخل، فصار البخل نتيجة للشح. وقوله: (أمرهم بالبخل فبخلوا) أي: أمرهم الشح بالبخل. وقوله: (وأمرهم بالقطيعة فقطعوا) أي: أمرهم بقطيعة الأرحام فقطعوها. وقوله: (وأمرهم بالفجور ففجروا) الفجور يفسر بالكذب، ويفسر بالميل عن الصواب، والميل عن الحق، وكل هذا نتيجة للشح الذي يقوم في النفوس؛ ولهذا يقول الله عز وجل: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16] وهذا ذكره الله عز وجل في آخر الآية التي ذكر فيها سخاء الأنصار، وجودهم، وبرهم، وإحسانهم، قال الله عز وجل: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ)) يعني: من قبل المهاجرين يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9]يعني: أنهم يبذلون، ثم قال: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].
    تراجم رجال إسناد حديث (إياكم والشح...)

    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي . [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة الهمداني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن الحارث ]. عبد الله بن الحارث وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي كثير ]. أبو كثير هو زهير بن الأقمر الزبيدي مقبول أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد وأبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.
    شرح حديث (أعطي ولا توكي فيوكى عليك)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب حدثنا عبد الله بن أبي مليكة حدثتني أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (قلت: يا رسول الله! ما لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير بيته أفأعطي منه؟ قال: أعطي ولا توكي فيوكى عليك)]. أورد أبو داود حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما أنها قالت: (ما لي إلا ما أدخل علي الزبير ) - تعني: ليس عندي شيء إلا ما أدخل علي الزبير في بيته، قولها: (فأعطي منه؟ قال: أعطي ولا توكي فيوكى عليك). أي: ابذلي. وقيل: إنّ المقصود بقوله: (أعطي) أي: مما يعطيك خاصاً بك، فإذا أعطاها شيئاً وملّكها إياه من نفقة أو كسوة أو غير ذلك مما تنتفع به فإنه يدخل في ملكها، فتنفق منه. وقيل إن معناه: ما يدّخر من القوت، وأنها تنفق ولا تقتر، ولا تدّخر شيئاً للمستقبل فيحصل منها تقصير في الإنفاق على أهل البيت، والمراد: أنها تنفق ولا يحصل منها تقصير وشح. قوله: (فيوكى عليك)، الإيكاء هو الربط، مأخوذ من الوكاء وهو ما يربط به الشيء الذي يوكى عليه لحفظه وإبقائه وعدم صرفه، والمعنى: لا تمنعي فيقابلك الله تعالى بالمنع كما منعت؛ لأن الجزاء من جنس العمل.

    تراجم رجال إسناد حديث (أعطي ولا توكي فيوكى عليك)


    قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل ]. مسدد مر ذكره، وإسماعيل هو: ابن علية ، إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن أبي مليكة ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثتني أسماء بنت أبي بكر ]. أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها وعن أبيها وعن الصحابة أجمعين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث (أعطي ولا تحصي فيحصي الله عليك)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها: أنها ذكرت عدة من مساكين، قال أبو داود : وقال غيره: أو عدة من صدقة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أعطي ولا تحصي فيحصى عليك)]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنه: أنها ذكرت عدة من مساكين -أو عدة من صدقة- فقال مسدد وهو راوي الحديث، شيخ أبي داود : عدة مساكين، وقال غير مسدد : عدة من صدقة، أي: أنّ عدداً من المساكين يأتون على بابها فماذا تصنع أو كيف تصنع؟ وقال غيره: عدة من صدقة، يعني: أنها ذكرت عدة صدقات تحتاج إلى بذلها وإعطائها، فماذا تصنع بها؟ فقال: (أعطي ولا تحصي فيحصى عليك)، وقوله: (ولا تحصي فيحصى عليك) مثل قوله: (لا توكي فيوكى عليك) فمعناهما واحد.

    تراجم رجال إسناد حديث (أعطي ولا تحصي فيحصي الله عليك)


    قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة ]. كلهم مر ذكرهم إلا عائشة رضي الله عنها، وهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."



  19. #239
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [206]
    الحلقة (237)




    شرح سنن أبي داود [206]

    لقد حفظ الشرع حقوق المسلمين، وربّى أتباعه على ذلك، فوضع الأحكام، وسنَّ القوانين؛ ليحفظ هذا الحق من الضياع، وإذا ضاع فهناك الأحكام والسنن والضوابط لإعادته قْدر الإمكان إلى صاحبه كاملاً سليماً، ومن الضمانات لحفظ الحقوق أحكام اللقطة والاحتفاظ بها والتعريف بها وغير ذلك.

    اللقطة


    شرح حديث أبي بن كعب في اللقطة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب اللقطة. باب التعريف باللقطة. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة قال: (غزوت مع زيد بن صوحان و سليمان بن ربيعة فوجدت سوطا، فقالا لي: اطرحه، فقلت: لا، ولكن إن وجدت صاحبه وإلا استمتعت به، فحججت فمررت على المدينة، فسألت أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: وجدت صرة فيها مائة دينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: عرفها حولا. فعرفتها حولاً، ثم أتيته فقال: عرفها حولا. فعرفتها حولاً، ثم أتيته فقال: عرفها حولا. فعرفتها حولاً، ثم أتيته فقلت: لم أجد من يعرفها، فقال: احفظ عددها ووكاءها ووعاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها)، وقال: ولا أدري أثلاثاً قال: (عرفها)، أو مرة واحدة؟ ]. أورد أبو داود كتاب اللقطة. واللقطة: هي الشيء الذي يلتقط مما يضيع على أهله، ويقال: غالباً ما تكون في غير المواشي، فالمواشي يقال لها: ضالة في الغالب، وأما غيرها من النقود وما أشبهها فيقال لها: لقطة. ثم أورد أبو داود في الترجمة: باب تعريف اللقطة، فالإنسان إذا وجد لقطة فإنه يجب عليه أن يعرف بها أي: ينادي أنه وجد شيئاً مفقوداً، فمن كان له فليأت إليه، فإن ذكر أوصافه كما هو عليه فإنه يعطيه إياه. وأما مدّة التعريف باللقطة، فقد جاء في حديث أبي بن كعب هذا أنها ثلاث سنوات، فقد جاء إليه فقال: عرفها حولاً، ثم جاء فقال: عرفها حولاً، ثم قال: عرفها حولاً. وجاء في أحاديث أخرى عن غير أبي بن كعب أنه يعرفها حولاً واحداً، وقد أجمع العلماء على أنه يكفي تعريف حول واحد، وأنّ ذلك مجزئ، وقد جمع بعض أهل العلم بين ما جاء في هذا الحديث، وما جاء في غيره أن هذا الحديث يحمل على ما إذا كان الملتقط موسراً لا يحتاج إليها، فإنه ينادي عليها ثلاث سنوات؛ لعل صاحبها يأتي بعد تلك المناداة في مدة ثلاث سنوات فيعطيها إياه، وأما إذا لم يكن موسراً فإنه يكتفى بتعريفها سنة واحدة، وقالوا: إن أبياً كان موسراً لذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكرر التعريف لعدة سنوات. وقد أورد أبو داود حديث أبي بن كعب رضي الله عنه وذلك أن سويد بن غفلة رحمة الله عليه وجد سوطاً فأخذه، وكان معه شخصان هما: زيد بن صوحان و سليمان بن ربيعة فقالا: اتركه، فقال: لا، بل آخذه فإن وجدت صاحبه وإلا ارتفقت به، أي: استفدت منه، فأخذه، فلما حج قدم المدينة، فلقي أبي بن كعب رضي الله عنه فسأله فقال: إنني وجدت صرة فيها مائة دينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (عرفها حولاً) أي: نادِ عليها حولاً. قوله: (فعرفتها حولاً، ثم أتيته فقال: عرفها حولاً) يعني: حولاً ثانياً، (قال: فعرفتها حولاً ثم أتيته قال: عرفها حولاً). قوله: (ثم أتيته -يعني: بعد ثلاث سنوات- فقلت: لم أجد من يعرفها). قوله: [ (فقال: احفظ عددها ووكاءها، ووعاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها) ] أي: عدد النقود، ونوعها من الذهب أو الفضة، وإذا كانت من النقود المعاصرة فقد تكون دولارات، أو دنانير ورقية، أو ريالات، وإذا كانت ريالات فقد تكون من فئة الريال، أو الخمسة، أو العشرة، أو العشرين، أو الخمسين، أو المائة، أو المائتين، أو الخمسمائة، فالمراد أن يعرف عددها وفئاتها. قوله: (ووعاءها) وهو القماش أو الجلد الذي جعلت فيه، والوكاء الذي ربطت به، فكل هذه الأشياء يعرفها، ثم ينفقها ويستعملها إن لم يأت صاحبها، ولكن إن جاء صاحبها فيما بعد، ووصفها على النحو الذي هي عليه فإنه يعطيه إياها، ويدفعها إليه. وجاء في بعض الروايات: أنه يعرف عفاصها ووكاءها في الأول، وكل ذلك حق، فيعرف عددها وعفاصها ووكاءها في البداية؛ حتى إذا جاء أحد يسأل عنها في مدة التعريف، وذكر أوصافها فإنه يعطيه إياها، ويمكن أيضاً أن يكون ذلك من أجل التحقق والمحافظة عليها، فإنه إذا صرفها أو أضافها إلى ماله فقد ينساها بعد ذلك، فيكون محتفظاً بالعدد والصفات، فإذا جاء صاحبها فيما بعد يسأل عنها وذكر أوصافها، فإنه يعطيه إياها، فكلا المعنيين صحيح، فيعرف أوصافها في الأول، ويعرفها في الآخر؛ من أجل الإبقاء عليها، والمحافظة على تلك الصفات حتى تصل إلى صاحبها فيما بعد إذا جاء.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي بن كعب في اللقطة


    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير مر ذكره. [ أخبرنا شعبة عن سلمة بن كهيل ]. شعبة مر ذكره، وسلمة بن كهيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سويد بن غفلة ]. سويد بن غفلة ثقة مخضرم أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقد ذكرت فيما مضى عنه وعن المعرور بن سويد -وكل منهما من المخضرمين- أن أحدهما كان يصلي بالناس قيام رمضان وعمره مائة وعشرون سنة، وأن الآخر كان عمره مائة وعشرين سنة، وكان أسود شعر الرأس واللحية، وقد رجعت إلى المصادر التي ذكرت ذلك فوجدت أن المعرور بن سويد هو الذي كان أسود شعر الرأس واللحية، وكان عمره مائة وعشرين سنة، ذكر ذلك النووي في (شرح مسلم) وفي (التقريب). وأما سويد بن غفلة فهو الذي كان يصلي بالناس قيام رمضان وعمره مائة وعشرون سنة، فكل منهما كان عمره مائة وعشرين، ذكر هذا أبو نعيم في ترجمته في (حلية الأولياء)، وذكر أخباراً عنه منها: أنه تزوج وعمره مائة وست عشرة سنة، رحمة الله عليه. [ عن أبي بن كعب ]. أبي بن كعب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    اللقطة التي تعرف واللقطة التي لا تعرف وكيفية التعريف


    واستنفاق السوط ليس فيه بأس كما جاء في حديث علي رضي الله عنه أنه وجد ديناراً فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنفقه، ثم جاء بعد ذلك شخص يسأل عنه فأمره أن يعطيه إياه، ولم يأمره بالتعريف، فدل هذا على أن الشيء اليسير لا يحتاج إلى تعريف، لكن إن جاء أحد يسأل عنه فإنه يعطيه إياه. ولو وجد شيئاً مما يستهلك كالسواك مثلاً فصار يتسوك فيه فإنه يدخل في الكلام السابق. إذاً: فكل ما كان مقداره يسيراً فإنه يستنفقه بدون تعريف، وأما ضابط اليسير فقيل: إنه عشرة دراهم، وقيل: دينار؛ لأن الحديث الذي جاء عن علي وسيذكره المصنف فيه ذكر الدينار، فلم يأمره بتعريفه، فدل على أن الدينار وهو اثنا عشر درهماً لا يحتاج إلى تعريف. وأما كيفية التعريف، فإنه ينادى عليه في المجامع وفي الأماكن التي وجد فيها، ويذكر أنه وجد لقطة فمن كانت له فليأت، وليذكر أوصافها حتى تدفع إليه، ولو علق إعلاناً عند أبواب المسجد، وفي الوحدات السكنية فلا بأس بهذا فإنه كافٍ، بل هذا من أوضح التعريف؛ لأن هذا شيء مستمر، وأما التعريف بالمناداة فقد يسمع الصوت بعضهم دون الآخرين. ولو عرفها سنة فلم يأت صاحبها فله أن يستخدمها، ولكن إن جاء صاحبها فيما بعد ووصفها فإنه يعطاها، فإن كانت عينها موجودة فإنه يعطيه إياها، وإلا فإنه يعطيه ثمنها ولو أن يستلف.

    شرح حديث أبي بن كعب في اللقطة من طريق ثانية وتراجم رجالها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة بمعناه، قال: (عرفها حولا) وقال: ثلاث مرار، قال: فلا أدري قال له ذلك في سنة أو في ثلاث سنين؟ ]. أورد الحديث من طريق أخرى، وأشار إلى الاختلاف فيه، وأنه وقع فيه شك فقال: [ قال: (عرفها حولا) وقال ثلاث مرار، قال: فلا أدري قال له ذلك في سنة أو في ثلاث سنين؟ ]، لكن الرواية السابقة فيها: أنه ثلاثة أحوال. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. يحيى بن سعيد القطان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة بمعناه ]. شعبة مر ذكره.

    شرح حديث أبي بن كعب في اللقطة من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا سلمة بن كهيل بإسناده ومعناه، قال في التعريف قال: عامين أو ثلاثة، قال: (اعرف عددها ووعاءها ووكاءها، زاد: فإن جاء صاحبها فعرف عددها ووكاءها فادفعها إليه)]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: أنه حولان أو ثلاثة، وأنه يعرف عددها ووكاءها، وأنه إذا جاء صاحبها فعرف عددها ووكاءها -أي: وصفها وصفاً مطابقاً لما هي عليه- فإنه يدفعها إليه، وهذه الزيادة تدل على أن صاحب اللقطة إذا وصفها بما يطابق ما هي عليه فإن ذلك كافٍِ، ولا يحتاج إلى أن يقيم بينة. وقال بعض أهل العلم: إن هذه الرواية فيها تفرد، وإنّ أبا داود قال عنها: إنها غير محفوظة، فإذاً: إذا لم يطمئن الإنسان إلى صدق المدعي فعليه أن يطلب البينة، لكن الزيادة صحيحة وثابتة، وهي موجودة في صحيح مسلم، وأيضاً حماد بن سلمة الذي تفرد بها ثقة يحتمل تفرده، وهو أيضاً لم ينفرد بها بل قد توبع على ذلك، تابعه سفيان الثوري و زيد بن أبي أنيسة ، فكلاهما ذكر هذه الزيادة وهي: (فإن عرف وكاءها وعفاصها فادفعها إليه). وهذه الرواية موجودة في صحيح مسلم، فهي ثابتة ومعتبرة، فيكفي في اللقطة أن يذكرها صاحبها بما هي عليه؛ لأن الإنسان إذا وصفها بتفاصيلها وقال: إن مقدارها كذا، وهي من النوع الفلاني، وهي من فئة كذا، وهي مربوطة في وعاء كذا وكذا، فإن ذلك يدل على صدقه، وأنها له.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي في اللقطة من طريق ثالثة

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سلمة بن كهيل بإسناده ومعناه ]. قد مر ذكر سلمة . [ قال أبو داود : ليس يقول هذه الكلمة إلا حماد في هذا الحديث يعني: (فعرف عددها) ]. يعني: أن هذا مما انفرد به حماد بن سلمة ، وسيأتي أيضاً أنه انفرد عن أشخاص آخرين غير سلمة بن كهيل وقال: إنها غير محفوظة يعني هذه الزيادة، لكن الزيادة ثابتة في صحيح مسلم، وأيضاً فحماد بن سلمة لم ينفرد بل قد توبع، وسيذكر المصنف هذا فيما بعد مرة ثانية.
    شرح حديث زيد بن خالد في اللقطة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اللقطة؟ قال: عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه. فقال: يا رسول الله! فضالة الغنم؟ فقال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب، قال: يا رسول الله! فضالة الإبل؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، أو احمر وجهه وقال: ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها حتى يأتيها ربها)]. أورد أبو داود حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال: عرفها حولاً)، فهنا ذكر حولاً فقط، ولم يذكر أحوالاً أخرى. قوله: (ثم اعرف عفاصها ووكاءها) (العفاص): هو الوعاء الذي تكون فيه. قوله: (ثم استنفق بها) يعني: أنفقها على نفسك، وتصرف فيها كيف شئت، لكن إن جاء صاحبها فأدها إليه، أي: تؤدي إليه قيمتها إذا كانت عينها غير موجودة. وهذا الحديث كما عرفنا ذكر فيه التعريف سنة، وقد أجمع العلماء على أنه يكفي سنة واحدة، وعرفنا التوفيق بينه وبين حديث أبي بن كعب . ثم سأله عن ضالة الغنم؟ فقال: (خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) يعني: لا تتركها؛ لأنها لا تمتنع من السباع، (فهي لك أو لأخيك أو للذئب) يعني: أنّ أمرها إما أن يئول إلى أن تكون لك، وذلك إذا عرفتها فلم يأت أحد يعرفها، فإنها ستكون لك، وإن جاء صاحبها الذي يملكها فأعطها إياه، فتكون لأخيك، وإن لم يأخذ هذا ولا هذا فإن الذئب هو الذي يعتدي عليها ويهلكها، إذاً فهي لا تخلو من هذه الثلاث حالات: إما أن تأخذها فهي لك، أو لأخيك، وإما أن تتركها فهي للذئب، أو لملتقط آخر، وهذا جاء في بعض التفسير لهذا الحديث في قوله: أو لأخيك، أن المراد به ملتقط آخر يأخذها إن تركتها، أي: إما أن يأتيها ملتقط آخر، أو يأتيها صاحبها، أو تكون للذئب، ففيه الدلالة على أخذها، ولكن مع التعريف، وليس معنى ذلك أنه يأخذها رأساً، فهي ليست ملكاً له، ولكن بعد أن يعرفها سنة فإن له أن ينفقها، فإن جاء صاحبها بعد ذلك أعطاه إياها، وإن لم يأت فإنها ملك له. قوله: (قال: يا رسول الله! فضالة الإبل؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: أن ضالة الإبل لا تصلح أن تكون لقطة، لذلك لما سأله عن ضالة الإبل غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه أو احمرت وجنتاه فقال: (ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها) فهي ترد الماء وتأكل الشجر، أي: لا شأن لك بها فاتركها؛ لأنها تمتنع من السباع، وتصبر على الظمأ لفترة، وتقدر على مشي المسافات الطويلة حتى ترد الماء، فهي ليست كالغنم الضعيفة التي لا تمتنع من السباع، ولهذا قال عنها: (هي لك أو لأخيك أو للذئب)، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يجز التقاط الإبل، لكن قال بعض أهل العلم: إنها إذا كانت هزيلة بحيث لا تمتنع من السباع فإنه -والحالة هذه- يمكن أن تؤخذ وتعامل معاملة الغنم؛ لأن الوصف الذي يكون في الإبل من القوة والتحمل ليس فيها فقد يؤدي تركها وعدم التقاطها إلى هلاكها، وإلى افتراس السباع لها. والحديث فيه تفريق بين اللقطة والضالة؛ فقد أطلق على ما يتعلق بالدراهم والدنانير لقطة، وأطلق على ما يتعلق بالإبل والغنم ضالة.

    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن خالد في اللقطة


    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن جعفر ]. إسماعيل بن جعفر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ]. ربيعة بن أبي عبد الرحمن هو المشهور بربيعة الرأي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد مولى المنبعث ]. يزيد مولى المنبعث صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن خالد الجهني ]. زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث زيد بن خالد من طريق ثانية وتراجم رجالها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب أخبرني مالك بإسناده ومعناه، زاد: (سقاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر) ولم يقل: (خذها) في ضالة الشاء، وقال في اللقطة: (عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها) ولم يذكر: (استفق) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه فروقاً يسيرة. قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. ابن السرح هو: أحمد بن عمرو بن السرح مصري ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة بمذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ بإسناده ومعناه ]. أي: بإسناده المتقدم، ومعناه المتقدم. [ قال أبو داود : ورواه الثوري وسليمان بن بلال وحماد بن سلمة عن ربيعة مثله لم يقولوا: (خذها)]. ثم ذكر طرق أخرى عن ربيعة ، لم يقولوا فيها: (خذها) يعني: كما جاءت في الرواية السابقة. [ قال أبو داود : رواه الثوري وسليمان بن بلال ]. الثوري هو: سفيان بن سعيد وقد مر ذكره، وسليمان بن بلال ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وحماد بن سلمة عن ربيعة ] مر ذكرهما.

    شرح حديث زيد بن خالد من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن رافع وهارون بن عبد الله ، المعنى قالا: حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك يعني: ابن عثمان عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن اللقطة؟ فقال: (عرفها سنة، فإن جاء باغيها فأدها إليه، وإلا فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها، فإن جاء باغيها فأدها إليه) ]. ثم أورد أبو داود حديث زيد بن خالد وهو كالأحاديث السابقة من أنها تعرف سنة، وأنه بعد ذلك يعرف العفاص والوكاء ثم يأكلها، فإن جاء صاحبها فيما بعد فإنه يؤديها إليه إن كانت موجودة، وإلا فإنّه يؤدي قيمتها إذا كانت متقومة، أو مثلها إذا كانت غير متقومة كالنقود.
    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن خالد من طريق ثالثة

    قوله: [ حدثنا محمد بن رافع ]. محمد بن رافع النيسابوري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ وهارون بن عبد الله]. هارون بن عبد الله هو: الحمال البغدادي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا ابن أبي فديك ]. ابن أبي فديك هو: محمد بن إسماعيل بن مسلم صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الضحاك يعني: ابن عثمان ]. الضحاك بن عثمان وهو صدوق يهم أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن بسر بن سعيد ]. بسر بن سعيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وفي صحيح مسلم قبل بسر بن سعيد : أبو النضر سالم المدني ، أي: أنّه بين الضحاك وبين بسر بن سعيد أبو النضر ، و أبو النضر هذا ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن خالد الجهني ]. زيد بن خالد الجهني ومر ذكره. وكأن هذا الإسناد فيه سقط؛ لأن أبا النضر من شيوخ الضحاك ومن تلاميذ بسر بن سعيد ، ولم يذكر الضحاك في تلاميذ بسر بن سعيد كما في تهذيب الكمال، والألباني لما ذكر هذا الحديث في (صحيح أبي داود) قال: بزيادة أبي النضر عن بسر وهو الصواب.

    شرح حديث زيد بن خالد في اللقطة من طرق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حفص حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق عن عبد الله بن يزيد عن أبيه يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر نحو حديث ربيعة. قال: وسئل عن اللقطة فقال: تعرفها حولاً، فإن جاء صاحبها دفعتها إليه، وإلا عرفت وكاءها وعفاصها ثم أفضها في مالك، فإن جاء صاحبها فادفعها إليه)]. أورد حديث زيد بن خالد وهو مثل الحديث المتقدم، ثم قال: (أفضها في مالك) يعني: اجعلها ضمن مالك، واصنع بها ما تصنعه بمالك، لكن إن جاء صاحبها فيما بعد فأدها إليه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد وربيعة بإسناد قتيبة ومعناه وزاد فيه: (فإن جاء باغيها فعرف عفاصها وعددها فادفعها إليه)، وقال حماد أيضا: عن عبيد الله بن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله. قال أبو داود : وهذه الزيادة التي زاد حماد بن سلمة في حديث سلمة بن كهيل ويحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر وربيعة : (إن جاء صاحبها فعرف عفاصها ووكاءها فادفعها إليه) ليست بمحفوظة (فعرف عفاصها ووكاءها). وحديث عقبة بن سويد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا قال: (عرفها سنة)، وحديث عمر بن الخطاب أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (عرفها سنة) ]. مر حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه من طرق، وذكر أبو داود هنا بعض الطرق التي أحال فيها على الطرق السابقة، وأشار إلى بعض الألفاظ التي فيها، منها: أنه يعرفها سنة، وأن له بعد السنة أن يستفيد منها، فإن جاء صاحبها دفعها إليه إن كانت ما زالت موجودة، وإن كانت غير موجودة غرم له قيمتها، ثم ذكر بعد ذلك هذه الزيادة التي سبق أن مرت في بعض الطرق عن سلمة بن كهيل ، وقد زادها حماد بن سلمة في الحديث وهي: (فإن جاء فعرف عفاصها ووكاءها فأدها إليه)، وقال أبو داود رحمه الله: إن هذه الزيادة غير محفوظة؛ لأنّ حماد بن سلمة تفرد بها. ولكن هذه الزيادة موجودة في صحيح مسلم ، وحماد بن سلمة ثقة، ومع ذلك فقد تابعه عليها زيد بن أبي أنيسة وسفيان الثوري ، فهي زيادة ثابتة، فإذا عرف صاحب اللقطة اللقطة ووصفها وصفاً يطابق ما هي عليه: بأن ذكر الوعاء والوكاء ونوعه أو لونه، وكذلك النقود التي في الوعاء ومقدارها وأنواعها، وإذا كانت من العملات الورقية ذكر فئاتها وما إلى ذلك، فإن ذلك يكون كافياً، والمعول عليه في ذلك هذه الرواية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في صحيح مسلم. وبعض أهل العلم يقول: إنه إذا لم يطمئن إلى صحة دعواه فإنه يطلب منه البينة على أنه قد فقد ذلك الشيء. والصحيح هو الأول بناءً على هذه الزيادة التي جاءت عن حماد بن سلمة وغيره وهي: (إن جاء فعرف عفاصها ووكاءها فإنها تؤدى إليه)دون أن يطالب ببينة، فهذا هو الأولى والأقرب.

    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن خالد من طرق رابعة

    قوله: [ حدثنا أحمد بن حفص ]. أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد وهو صدوق أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي . [ حدثني أبي ]. وهو كذلك صدوق أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثني إبراهيم بن طهمان ]. إبراهيم بن طهمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عباد بن إسحاق ]. عباد بن إسحاق واسمه: عبد الرحمن بن إسحاق ، وعباد لقبه، صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن يزيد ]. عبد الله بن يزيد صدوق أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ عن أبيه يزيد مولى المنبعث ]. أبوه يزيد مولى المنبعث صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن خالد الجهني ]. زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وقوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حماد بن سلمة ]. حماد بن سلمة البصري ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وربيعة ]. ربيعة هو ابن أبي عبد الرحمن المشهور بربيعة الرأي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ بإسناد قتيبة ومعناه ]. بإسناد قتيبة ومعناه أي: الذي سبق أن مر. [ وقال حماد أيضاً: عن عبيد الله بن عمر ]. وقال حماد : عن عبيد الله بن عمر يعني: هذه طريق أخرى ذكرها معلقة عبيد الله بن عمر هو العمري المصغر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص وهو صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو: شعيب بن محمد وهو صدوق أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن جده ]. جده هو: عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم: عبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عباس ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وهذه الزيادة التي زاد حماد بن سلمة في حديث سلمة بن كهيل ]. سلمة بن كهيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ويحيى بن سعيد و عبيد الله بن عمر و ربيعة ]. وهؤلاء مر ذكرهم. [ قال: وحديث عقبة بن سويد عن أبيه ]. وحديث عقبة بن سويد عن أبيه قال: (عرفها سنة) يعني: حديثاً آخر غير حديث زيد بن خالد الجهني ؛ لأن تلك الطرق التي أشار إليها أبو داود تتعلق بحديث زيد بن خالد ، وهذان طريقان آخران ذكرهما أبو داود بعد ذلك معلقين، أحدهما عن عقبة بن سويد وفيه أنه قال: (عرفها سنة) يعني: كما جاء في حديث زيد بن خالد ؛ لأن حديث زيد بن خالد بطرقه كلها ليس فيه إلّا ذكر التعريف سنة، إلا في حديث أبي بن كعب الذي سبق أن مر في أول الباب: أنه يعرفها ثلاثة أحوال، وقد عرفنا التوفيق بينهما، وذكر أن العلماء أجمعوا على أن التعريف لمدة سنة يجزئ، وأنه إذا احتيط، أو كان الشخص الذي وجدها موسراً، وليس بحاجة إلى استنفاقها فإنه يندب ويستحب له أن يعرفها ثلاث سنوات، وإن اكتفى بسنة واحدة فإن ذلك كافٍ. ثم ذكر أبو داود رحمه الله بعد ذلك حديثين معلقين: عن عقبة بن سويد ، وعن عمر بن الخطاب ، وهما مثلما جاء في حديث زيد بن خالد الجهني أنها تعرف سنة، وليس فيها أكثر من ذلك، إذن فهذه الأحاديث كلها تتفق على التعريف سنة، وهو محل إجماع بين أهل العلم كما ذكرناه سابقاً. وعقبة بن سويد هو الجهني ، وهنا قال: عن أبيه، ويقال: سويد بن عقبة ، وهناك خلاف في تحديد الصواب منهما، وعلى كل فهو يحتمل أن يكون عقبة بن سويد أو سويد بن عقبة ، ويكون هناك قلب. وقد صححه الألباني ، فإما أن يكون الاثنان من الصحابة أعني: سويد و عقبة ، وإما أن يكون أحدهما له ترجمة غير موجودة هنا، ولم نقف عليها. وتعرف اللقطة سنة أمر ثابت في حديث زيد بن خالد وفي حديث غيره، فسواء عرف هذا أو لم يعرف فالحديث ثابت بدونه. [وحديث عمر بن الخطاب أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عرفها سنة)]. وهذا أيضاً مثل السابق، وعمر بن الخطاب هو أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين المهديين صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث عياض بن حمار في اللقطة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا خالد يعني: الطحان ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب ، المعنى عن خالد الحذاء عن أبي العلاء عن مطرف يعني: ابن عبد الله عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل، ولا يكتم ولا يغيب، فإن وجد صاحبها فليردها عليه، وإلا فهو مال الله عز وجل يؤتيه من يشاء)]. أورد أبو داود حديث عياض بن حمار رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل)، والأحاديث التي سبق أن مرت ليس فيها ذكر الإشهاد، فقيل: إن الأمر في هذا الحديث يحمل على الاستحباب؛ لأن تلك الأحاديث السابقة لم تتعرض لذكر الإشهاد، بل فيها أنه يكفي أن يعرف عفاصها ووكاءها، وإذا جاء أحد يصفها حق الوصف فإنه يدفعها إليه، فهذه الأدلة تصرف الأمر بالإشهاد في هذا الحديث إلى الاستحباب، فإذا وجد الإنسان لقطة فإنه يقول: أشهد أنني وجدت لقطة نقود مثلاً ولا يسميها؛ لأنه لو ذكرها لأحد فقد يدعي أنها له فيأتي يصفها ثم يأخذها، وهو لا يستحقها، لأنه قد ثبت أنه يكفي أن يعرف عفاصها ووكاءها وعددها وما إلى ذلك من صفاتها، إذاً: فهو يخبر بأن عنده لقطة. وفائدة الإشهاد ألّا يحصل منه ميل إلى استهلاكها دون أن يعرفها، وأيضاً إذا مات ولم يشهد فقد يظن الورثة أنها من الميراث فيتقاسمونها، فإذا حصل الإشهاد فإنه يكون بينة على دفع مثل هذا الاحتمال، والحاصل أن الإشهاد ليس بواجب؛ لأن أكثر الأحاديث التي وردت ليس فيها ذكر الإشهاد، فهذا يدل على الاستحباب. قوله: (ولا يكتم) يعني: لا يكتم اللقطة، وذلك بألا يذكر نهائياً ولا يعرفها. (ولا يغيب) يعني: لا يخفيها أو ينقلها إلى مكان آخر. قوله: (فإن وجد صاحبها فليردها عليه، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء) يعني: أنه يستحق هذا الذي وجده بعد التعريف.

    تراجم رجال إسناد حديث عياض بن حمار في اللقطة


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا خالد يعني: الطحان ]. خالد بن عبد الله الواسطي الطحان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره، وهيب بن خالد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد الحذاء ]. خالد الحذاء هو: خالد بن مهران الحذاء ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي العلاء ]. أبو العلاء هو ابن عبد الله بن الشخير وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. مطرف هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو أخو أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عياض بن حمار ]. عياض بن حمار رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

    شرح حديث عبد الله بن عمرو في اللقطة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل عن الثمر المعلق فقال: من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع -وذكر في ضالة الغنم والإبل كما ذكره غيره- قال وسئل عن اللقطة فقال: ما كان منها في طريق الميتاء أو القرية الجامعة فعرفها سنة، فإن جاء طالبها فادفعها إليه، وإن لم يأت فهي لك، وما كان في الخراب -يعني ففيها- وفي الركاز الخمس)]. أورد أبو داود حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما والذي يقول فيه: (أنه سئل عن الثمر المعلق) يعني: الثمر الذي في رءوس النخل، (فقال: من أخذ منه بفيه) يعني: من أكل لسد حاجته وجوعه (فلا شيء عليه)، وأما إذا اتخذ خبنة أي: قطع منه شيئاً وأخذه في ثوبه، أو أخذه في وعاء من أوعيته فإن عليه غرامة مثليه والعقوبة والتعزير على تصرفه لأنه أخذ الشيء من غير حرز، وأما إذا كان أخذه من حرز فإن فيه القطع إذا بلغ ثمن المجن. وقيل: لعل الأمر في ذلك أنّّ البساتين ليس عليها جدران أو شيء يحميها، بحيث إن الإنسان لا يدخل عليها في حرزها، وأما إذا كانت محاطة بالجدران، وجاء إنسان ودخل إليها وأخذ شيئاً منها فإنه يقطع به؛ لأنّ ذلك يكون حرزاً، قالوا: وهذا مبني على أن بساتين المدينة لم يكن عليها جدران. قوله: (فإن آواه الجرين) أي: أنه قطع وجذّ وجعل في الجرين، وهو المكان الذي يجفف فيه الثمر، وهو حرز، فمن أخذ منه شيئاً تبلغ قيمته ثمن المجن الذي وهو ربع دينار فعليه القطع. والجرين هو المكان الذي ييبس ويجفف فيه، ويكون حرزاً، فمن أخذ منه شيئاً تبلغ قيمته ثمن المجن وهو ربع دينار، أو مقدار ربع دينار وهي ثلاثة دراهم، فإنها تقطع يده، لأنه يكون سارقاً. قوله: (وذكر في ضالة الإبل والغنم كما ذكره غيره) الذي مضى أنها لك أو لأخيك أو للذئب إن تركتها. قوله: (وسئل عن اللقطة فقال: ما كان منها في طريق الميتاء أو القرية الجامعة فعرفها سنة)، طريق الميتاء هو الطريق المطروق المسلوك، فإذا وجدها في طريق الميتاء أو في القرية الجامعة فإنه يعرفها سنة، وكذلك أيضاً لو وجدها في فلاة، لكنه نصّ على هذا -والله أعلم- لأنه محل تجمع الناس، فتسقط منهم بعض الأشياء، وأن الغالب عليه أنه إذا عرّف أنه يوجد، بخلاف ما إذا كان في فلاة فإنه قد لا يحصل أن يعثر عليه، أو يأتي ذلك الشخص لذلك المكان الذي حصل فيه التعريف وهو ليس المكان الذي ضاعت فيه الضالة. فلا يكون ذلك مثل وجوده في قرية جامعة، أو في طريق ميتاء يسلكه الناس ذاهبين آيبين. قوله: (فإن جاء طالبها فادفعها إليه) أي: إذا وصفها بما هي عليه فادفعها إليه، (وإلا فهي لك) أي: أنه يملكها، ولكنه إن جاء صاحبها فيما بعد فإنه يدفعها إليه. قوله: (وما كان في الخراب ففيها وفي الركاز الخمس) أي: ما كان في الخربات في الجاهلية، وكذلك في الركاز، وهو المدفون في الأرض، ففيه الخمس يدفعه، والباقي يكون لمن وجده.
    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في اللقطة

    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ الليث بن سعد ]. ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عجلان ]. محمد بن عجلان المدني ، صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. قد مر ذكر هؤلاء، إلا أنه جاء التنصيص هنا على أن الجد هو عبد الله بن عمرو ، فيكون شعيب قد روى عن جده عبد الله بن عمرو ، وقد ذكر الحافظ في التقريب: أنه قد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو ، فيكون متصلاً، ويكون الحديث حسناً؛ لأن كلاً من عمرو و شعيب صدوق، فحديثهما حسن، وكذلك محمد بن عجلان أيضاً صدوق.
    شرح حديث عبد الله بن عمرو في اللقطة من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن الوليد يعني: ابن كثير قال: حدثني عمرو بن شعيب بإسناده بهذا، قال في ضالة الشاة قال: فاجمعها ]. قوله: (فاجمعها) أي: خذها إلى غنمك، لكن -كما عرفنا- لابد أن يعرفها سنة وبعد السنة يتملكها.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمرو في اللقطة من طريق ثانية


    قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. حدثنا [ أبو أسامة ]. أبو أسامة حماد بن أسامة ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الوليد يعني: ابن كثير ]. الوليد بن كثير صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب بإسناده ]. قد مر ذكرهم.

    شرح حديث ابن عمرو في اللقطة من طريق ثالثة وتراجم رجالها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب بهذا بإسناده قال في ضالة الغنم: (لك أو لأخيك أو للذئب خذها قط)، وكذا قال فيه أيوب و يعقوب بن عطاء عن عمرو بن شعيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فخذها) ]. أورد الحديث من طريق أخرى، وفيه: (خذها). قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ عن أبي عوانة ]. أبو عوانة هو: الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن الأخنس ]. عبيد الله بن الأخنس صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب بهذا بإسناده ]. قد مر ذكرهم. [ وكذا قال فيه أيوب و يعقوب بن عطاء ]. أيوب هو ابن أبي تميمة السختياني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ويعقوب بن عطاء ]. يعقوب بن عطاء ضعيف أخرج له النسائي . [ عن عمرو بن شعيب بإسناده ]. قد مر ذكرهم.

    شرح حديث ابن عمرو في اللقطة من طريق رابعة وتراجم رجالها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا ابن العلاء حدثنا ابن إدريس عن ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا، قال في ضالة الشاة: (فاجمعها حتى يأتيها باغيها) ]. أورد الحديث من طريق أخرى، وفيه: (فاجمعها) أي: مع غنمك، (حتى يأتيها باغيها). قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ح وحدثنا ابن العلاء عن ابن إدريس ]. ابن إدريس هو عبد الله بن إدريس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. ابن إسحاق هو: محمد بن إسحاق المدني ، صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. مر ذكرهم.

    شرح حديث علي في التقاطه ديناراً


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن عبيد الله بن مقسم حدثه عن رجل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجد ديناراً، فأتى به فاطمة رضي الله عنها فسألت عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (هو رزق الله عز وجل، فأكل منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأكل علي و فاطمة ، فلما كان بعد ذلك أتته امرأة تنشد الدينار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي ! أدِّ الدينار) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن علياً وجد ديناراً، فجاء به إلى فاطمة ، فسألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرسول: إنه رزق الله، فأكلوه، فجاءت امرأة تسأل عن الدينار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي ! أد الدينار) . وهذا يدل على أن الدينار -وهو اثنا عشر درهماً- لا يحتاج إلى تعريف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشده إلى تعريفه، بل أباح لهم أن يستفيدوا منه، لكن إن جاء صاحبه يسأل عنه فإنه يدفع إليه.

    تراجم رجال إسناد حديث علي في التقاطه ديناراً


    قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء عن عبد الله بن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن الحارث ]. عمرو بن الحارث المصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير بن الأشج ]. بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن مقسم ]. عبيد الله بن مقسم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن رجل ]. رجل هنا مبهم. [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث فيه رجل مبهم، لكن الأحاديث التي ستأتي بمعناه دالة على ما دل عليه، فيكون حسناً لغيره.
    شرح حديث علي في التقاط الدينار من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني حدثنا وكيع عن سعد بن أوس عن بلال بن يحيى العبسي عن علي رضي الله عنه: (أنه التقط ديناراً فاشترى به دقيقاً، فعرفه صاحب الدقيق فرد عليه الدينار، فأخذه علي وقطع منه قيراطين فاشترى به لحماً) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه (أنه وجد ديناراً فذهب يشتري به دقيقاً فعرفه) أي: عرف صاحب الدقيق علياً رضي الله عنه فسامحه وردّ عليه الدينار، وبعد ذلك أخذ علي الدينار واقتطع منه قيراطين واشترى بهما لحماً، ثم جاء به إلى فاطمة فطبخت ذلك، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بأكله، وبعد ذلك جاء من يسأل عنه فأمر بإعطائه الدينار.
    تراجم رجال إسناد حديث علي في التقاط الدينار من طريق ثانية

    قوله: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني ]. الهيثم بن خالد الجهني أخرج حديثه أبو داود . [ عن وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن أوس ]. سعد بن أوس العبسي ثقة أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن بلال بن يحيى العبسي ]. بلال بن يحيى العبسي صدوق أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن علي ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والمناقب الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث علي في التقاط الدينار من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي حدثنا ابن أبي فديك حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أنه أخبره: (أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه دخل على فاطمة رضي الله عنها و حسن و حسين رضي الله عنهما يبكيان فقال: مايبكيهما؟ قالت: الجوع، فخرج علي فوجد ديناراً بالسوق، فجاء إلى فاطمة فأخبرها، فقالت: اذهب إلى فلان اليهودي فخذ لنا دقيقاً، فجاء اليهودي فاشترى به، فقال اليهودي: أنت ختن هذا الذي يزعم أنه رسول الله؟ قال: نعم، قال: فخذ دينارك ولك الدقيق، فخرج علي حتى جاء به فاطمة فأخبرها، فقالت: اذهب إلى فلان الجزار فخذ بدرهم لحماً، فذهب فرهن الدينار بدرهم لحم فجاء به، فعجنت ونصبت وخبزت، وأرسلت إلى أبيها فجاءهم، فقالت: يا رسول الله! أذكر لك فإن رأيته لنا حلالاً أكلناه وأكلت معنا، من شأنه كذا وكذا، فقال: كلوا باسم الله. فأكلوا، فبينما هم مكانهم إذا غلام ينشد الله والإسلام الدينار، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعي له فسأله، فقال: سقط مني في السوق، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي! اذهب إلى الجزار فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لك: أرسل إلي بالدينار ودرهمك عليَّ، فأرسل به فدفعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه) ]. أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن علياً وجد ديناراً، فذهب واشترى به دقيقاً من يهودي، فقال له اليهودي: أنت ختَن -أي: صهر فالختن زوج البنت- هذا الذي يزعم أنه نبي؟ قال: نعم. وهذا يدل على أنه قد سبق أن عرف علياً، فأعطاه الدقيق والدينار، أي: أنه سامحه في الدقيق. ثم ذهب واشترى بدرهم لحماً، ورهن الدينار عند صاحب اللحم، فأتى باللحم والدقيق فطبخوه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بما حصل، فأكلوا وأكل معهم، ثم جاء غلام ينشد هذه الضالة -وهي الدينار- فسأله: أين فقدتها؟ فذكر أنه فقدها في السوق، وكان الدينار مرهوناً بالدرهم عند الجزار، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجزار بأن يرسل الدينار وهو يضمن له الدرهم، فأرسل بالدينار فأعطاه لذلك الغلام، فدل هذا الحديث على ما دل عليه الحديث في الطريق الأولى السابقة من أن الدينار لا يعرَّف، وأنه إذا جاء من يطلبه -ولو كان لا يعرَّف- ووصفه صحيحاً فإنه يدفع إليه.
    تراجم رجال إسناد حديث علي في التقاط الدينار من طريق ثالثة

    قوله: [ حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي ]. جعفر بن مسافر التنيسي صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن أبي فديك ]. ابن أبي فديك : محمد بن إسماعيل بن مسلم ، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن يعقوب الزمعي ]. موسى بن يعقوب الزمعي صدوق سيء الحفظ، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن أبي حازم ]. أبو حازم هو: سلمة بن دينار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل ]. سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث ( رخص لنا رسول الله في العصا والسوط وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا محمد بن شعيب عن المغيرة بن زياد عن أبي الزبير المكي أنه حدثه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به) ]. أورد أبو داود حديث جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهم في السوط والعصا والحبل يلتقطه الرجل ينتفع به، وهذا فيه أن مثل هذه الأشياء البسيطة والسهلة لا تحتاج إلى تعريف، ويملكها الإنسان مباشرة، لكن إن جاء صاحبها فإنه يعطيه إياها، كما جاء في قصة الدينار السابقة. وهذا الحديث ضعفه الألباني من جهة أن الطريق الثانية تفيد أنه موقوف وليس مضافاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الطريق الأولى فرجالها دون رجال الطريق الثانية، وفيها أيضاً أبو الزبير وهو مدلس.

    تراجم رجال إسناد حديث (رخص لنا رسول الله في العصا والسوط وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به)


    قوله: [ حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ]. سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي صدوق يخطئ أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن محمد بن شعيب ]. عن محمد بن شعيب منشابور صدوق أخرج له أصحاب السنن. [ عن المغيرة بن زياد ]. المغيرة بن زياد وهو صدوق له أوهام أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي الزبير المكي ]. صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله الأنصاري ]. جابر بن عبد الله هو رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : رواه النعمان بن عبد السلام عن المغيرة أبي سلمة بإسناده، ورواه شبابة عن مغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر قال: كانوا، لم يذكروا النبي صلى الله عليه وسلم ]. ثم أورده من طريق أخرى، وفيه أنهم لم يذكروا النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون موقوفاً. قوله: [ رواه النعمان بن عبد السلام ]. النعمان بن عبد السلام ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن المغيرة بن سلمة]. المغيرة بن سلمة هو المغيرة بن مسلم صدوق أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و الترمذي و النسائي و ابن ماجة . [ ورواه شبابة ]. شبابة بن سوار وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب. [ عن مغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر ]. مغيرة بن مسلم هو المغيرة بن أبو سلمة الذي مر.

    شرح حديث (ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها معها)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة أحسبه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها معها) ]. ثم أورد أبو داود حديث أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها)، فالإبل لا تلتقط، كما مر معنا، وإذا أخذها وكتمها فإنه يعاقب بدفع غرامتها ومثلها معها. هذا مثل الحديث الذي سبق أن مر قريباً في أخذ الثمر، وأنه يعزر وعليه الغرم مثلها، فهذا من جنسه، ومثل ذلك أيضاً الحديث الذي سبق وفيه: (فإنّا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا).
    تراجم رجال إسناد حديث ( ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها معها)

    قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ]. مخلد بن خالد ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ عن عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مسلم ]. عمرو بن مسلم صدوق له أوهام البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أحسبه عن أبي هريرة ]. أي: أنه شك أن يكون فيه واسطة، وهو على هذا يكون مرسلاً. وهذا الحديث صححه الألباني ، فلا أدري إن كان له شواهد.
    شرح حديث (نهى عن لقطة الحاج)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب و أحمد بن صالح قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن بكير عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي رضي الله عنه : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن لقطة الحاج). قال أحمد: قال ابن وهب : يعني في لقطة الحاج يتركها حتى يجدها صاحبها، قال ابن موهب : عن عمرو ]. ثم أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج) أي: أن لقطة الحاج لا تملك مباشرة، ولا تؤخذ لتعرف سنة ثم تملك، وإنما تعرف دائماً، فليست كغيرها من اللقطات التي تعرّف سنة ثم تتملك، لأن الحاج يتردد على مكة والمدينة فلعله أن يأتي ولو بعد سنوات، مثل قوله: (ولا تلتقط لقطتها إلا لمنشد) أي: منشد ينشدها دائماً. والذي يبدو أن هذا يحمل على الكثير، وأما القليل فأمره سهل كما عرفنا في الدينار، وسواء كان هذا في مكة أو المدينة، فحديث الدينار كان في المدينة. فإذا وجد الإنسان لقطة في موسم الحج وعرف أنها للحاج، أو كانت عليها علامة الحاج فإنه يعرفها أبداً، سواء كانت في الحرم أو خارج الحرم.
    تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن لقطة الحاج)

    قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب ]. يزيد بن خالد بن موهب الرملي ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ عن ابن وهب عن عمرو عن بكير ]. ابن وهب مر ذكره، وعمرو هو: ابن الحارث ، وبكير هو: ابن عبد الله بن الأشج ، وكلهم مر ذكرهم. [ عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ]. يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي ]. عبد الرحمن بن عثمان التيمي رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ قال ابن وهب في لقطة الحاج: يتركها حتى يجدها صاحبها، قال ابن موهب : عن عمرو ]. أي: أنه لا يتصرف فيها ولا ينفقها. قوله: (قال ابن موهب عن عمرو)، أي: أنه هنا رواه بالعنعنة، فقد رواه أبو داود عن شيخين، فأما الأول فرواه بلفظ أخبرني، والشيخ الثاني وهو ابن موهب فقد رواه بالعنعنة.
    شرح حديث (لا يؤوي الضالة إلّا ضال)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد عن أبي حيان التيمي عن المنذر بن جرير قال: (كنت مع جرير رضي الله عنه بالبوازيج فجاء الراعي بالبقر وفيها بقرة ليست منها، فقال له جرير : ما هذه؟ قال لحقت بالبقر لا ندري لمن هي، فقال جرير : أخرجوها فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا يأوي الضالة إلا ضال) ]. أورد أبو داود حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه الذي فيه: (لا يؤوي الضالة إلا ضال) وذكر القصة التي حصلت وهو سبب التحديث بالحديث، وأنه كان معه بالبوازيج -وهي مكان- فجاء الراعي ومعه زيادة بقرة فأمره بأن يخرجها، ثم قال: (لا يؤوي ضالة إلا ضال). والحديث في إسناده المنذر بن جرير وهو مقبول، لكن الحديث في (صحيح مسلم ) بلفظ: (من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها)، فهذا يدل على تقييد ذلك بالتعريف، أما إذا عرفها فإنه لا يعتبر ضالاً. وهذه القصة هي التي ذكرها الألباني وقال: إن في إسنادها ضعيفاً، وأما المرفوع منها ففي صحيح مسلم، لكنه قيد الضلال بعدم التعريف، فإذا عرفها فإنه لا يكون ضالاً.

    تراجم رجال إسناد حديث ( لا يؤوي الضالة إلّا ضال)


    قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا خالد ]. خالد بن يزيد بن عبد الله الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حيان التيمي ]. أبو حيان التيمي هو يحيى بن سعيد بن حيان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المنذر بن جرير ]. المنذر بن جرير مقبول أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جرير ]. جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة



    حكم إلحاق البقر بالإبل في اللقطة

    السؤال: هل حكم البقر كحكم الغنم، أو أنها تلحق بالإبل؟


    الجواب: بعض العلماء يلحقها بالإبل، ويقول: إنها تمتنع، وبعضهم لا يلحقها بها، بل يلحقها بالغنم فيقول: إنها ليست مثلها، وأقول: ليست مثلها، وأما حديث جرير في قصة البقرة فهو غير صحيح؛ لأن فيه رجلاً مقبولاً وهو المنذر ، والذي يبدو أنها ليست مثل الإبل من حيث الامتناع.

    حكم الالتقاط

    السؤال: ما حكم الالتقاط: هل الأولى لمن وجد شيئاً أن يأخذه ويعرفه أو يتركه؟


    الجواب: إذا كان الإنسان سيقوم بتعريفها فعليه أن يلتقطها، وإن كان يخشى عليها من أن يأخذها الأطفال أو غيرهم فيتلفونها على صاحبها فالأولى أن يلتقطها، وعليه أن يقوم بتعريفها، أو يعطيها من يقوم مقامه في التعريف بها، ثم يملكها، أو يدفعها إلى جهة رسمية مسئولة عن الأشياء المفقودة، فإن الناس سيسألون هذه الجهة عنها.

    عدة المتوفى عنها زوجها وهي في غير بلدها


    السؤال: امرأة تسأل وتقول: إنها مقيمة في المملكة، وقد توفي زوجها في بلده، فكيف تكون عدتها؟


    الجواب: تكون عدتها من حين توفي زوجها، فإذا كانت في مكان مأمون فإنها تعتد في البيت الذي هي فيه، اللهم إلا إذا جاءت مسافرة ثم بلغها الخبر، فإذا كان معها محرم فتسافر معه وترجع، وإن لم يكن معها محرم فيأتي محرم ويذهب بها وتعتد في بيت زوجها. أما إذا مقيمة هنا، وزوجها توفي هنا أو في مكان آخر؛ فتعتد في المكان الذي هي فيه.

    حكم صرف الكفارة لمن جاءهم موت أو نحوه

    السؤال: يقول السائل: إن والدته امرأة كبيرة ومريضة لم تستطع أن تصوم رمضان؛ لكبرها ومرضها، فعملنا إطعاماً جماعياً فأعطينا هذا الطعام لأناس لديهم متوفى، إلا أن الذين تمّ إطعامهم فيهم صغار وكبار، فما الحكم؟

    الجواب: هذا الفعل ليس بصحيح، فإذا أرادوا أن يطعموا الجيران الذين توفي ميتهم، فهذا شيء طيب؛ لأنهم قد جاءهم ما يشغلهم، وأما أن تصرف لهم الكفارة التي تكون للفقراء والمساكين أو تصرف وتقدم للضيوف فلا؛ لأنهم قد يكونون أغنياء ولكنهم جاءهم ما يشغلهم، فهؤلاء ليسوا من مصارف الكفارة، وإنما تصرف للفقراء والمساكين. فعلى كل؛ فهذا الذي صرفوه وأعطوه لا يكون كفارة، وإنما تصرف الكفارة إلى من يستحقها.

    حكم قيادة المرأة المحجبة للسيارة


    السؤال: ما حكم قيادة المرأة المحجبة للسيارة في دولة تسمح للمرأة أن تقود السيارة؟


    الجواب: لا يجوز للمرأة أن تقود السيارة أبداً، سواء كانت محجبة أو غير محجبة، ثم ما معنى أن تكون محجبة؟! هل معنى ذلك أن تغطي وجهها! فإذا كان كذلك فكيف تسوق؟! اللهم إلا إن يكون ذلك على تعريف الحجاب عند الناس الذين عندهم كشف الوجه من الأمور المسلمة، وتكون المحجبة هي التي تغطي رأسها وصدرها، وأما تغطية الوجه فليس عندهم من الحجاب. ولا شك أن تغطية الوجه من الحجاب، فلا يجوز للمرأة أن تقود السيارة لا بحجاب ولا بغير حجاب، حتى ولو كانت لابسة برقعاً يظهر فيه عيناها فإنه ليس لها ذلك؛ فإن قيادة المرأة للسيارة يترتب عليه أضرار لا حد له من جهة تعرضها للحوادث، ومن جهة أنها ستكون مضايقة من الرجال، وغير ذلك من الأمور التي لا حد لها ولا نهاية، فعلى المرأة أن تحتجب، وأن تصون نفسها، وأن تبتعد عن التعرض للرجال، وقيادتها للسيارة تؤديها إلى المهالك، وأقل شيء إذا حصل حادث بينها وبين إنسان آخر أن يأتي المرور، ويتجمع حولها الناس، وتقوم الدنيا على رأسها.

    الجمع بين حديث الترخيص في التقاط السوط وحديث سويد بن غفلة في النهي عن ذلك


    السؤال: جاء في حديث جابر : (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل)، بينما جاء في حديث سويد بن غفلة أنه وجد سوطاً فأمروه بترك ذلك، فكيف الجمع؟


    الجواب: ليس هناك تنافٍ، فأولئك قالوا لسويد بن غفلة : لا تأخذه، فقال: سآخذه وأستفيد منه حتى أجد صاحبه، ثم ذهب يحج وسأل أبي بن كعب فذكر له قصة المائة الدينار التي وجدها في صرة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يعرف عفاصها ووكاءها، وأما السوط فلا يحتاج إلى أن يعرف، بل يستفاد منه، لكن إن جاءه أحد فإنه يعطيه إياه كما مر في قصة الدينار التي سبقت. فالحاصل أنه ليس هناك تنافٍ بين هذا وهذا؛ لأن أولئك هم الذين نهوه، وأما هو فلم ينته؛ لأنه ليس عنده شيء يدل على المنع.

    حكم تعريف اللقطة في الإذاعة لمدة أسبوع فقط

    السؤال: إذا وجدت اللقطة وعرفتها عن طريق الإذاعة لمدة أسبوع، ولم يأت أحد لأخذها من تاريخ الإعلان إلى سنة فهل أتملكها؟


    الجواب: هذا التعريف لا يكفي، بل عليه أن يكرر التعريف.

    حكم لقطة المدينة

    السؤال: وجدت بعض الشراشف في المدينة لعلها سقطت من بعض الحجاج الذين ذهبوا، فهل لي أن آخذها؟


    الجواب: إذا كانت لها قيمة فإنه يأخذها ويعرفها دائماً، وإن كانت قليلة وليس لها قيمة فيمكن أن يأخذها ويتصدق بها عن أصحابها، أو يتملكها فلا مانع من ذلك؛ لأنها شيء يسير لا تتبعه الهمم، ولا تتعلق به الرغبات.

    التعريف بلقطة الحاج

    السؤال: وجدت مبلغاً من المال وقدره أربعمائة ريال عند باب المحل، ولم أتعرف على صاحبها حتى الآن، وكان ذلك قبل خمسة عشر يوماً، فماذا أفعل؟ ووجدت أيضاً مالاً قدره مائتا دينار جزائري تركها حاج ولم يرجع، فما الحل؟


    الجواب: بالنسبة للأمر الأول فإنه يعرفها، وإذا كان في المدينة فباستمرار، أو يعطيها للجهة المسئولة عن فقد الأشياء، وأما هذا الذي ذكر أنه تركها، فمعناه أن صاحبها معروف، لكنه لم يدر أين ذهب، ولم يرجع هو، فهذا يصير مثل الأموال الضائعة التي لا يعرف أصحابها، فيتصدق بها عن صاحبها.


    حكم وضع العصافير في القفص مع الاعتناء بطعامها وشرابها


    السؤال: وجدت عصفوراً صغيراً، وأريد أن أضعه في قفص وعلي أكله وشربه وأنا في المدينة، فهل يجوز لي ذلك؟


    الجواب: الأولى عدم حبس الطيور هذا الحبس الذي ليس وراءه مصلحة ولا فائدة، وإنما هو ترفه وزيادة تنعم وتلذذ بالأصوات وغيرها، فالأولى ألا يفعل ذلك، لكن إن فعل ذلك وأطعمه فلا بأس بذلك والأولى عدم فعله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في قصة الهرة: (فلا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض).

    حكم سداد الورثة دين ميتهم

    السؤال: شخص توفي وعليه دين ولم يترك مالاً، فهل يلزم الورثة أن يسددوا عنه الدين؟


    الجواب: لا، لا يلزمهم.

    حكم من استعار من آخر قلماً في الدرس فذهب صاحب القلم

    السؤال: حضرت إلى هذا الدرس واستعرت من الذي بجانبي قلماً، فذهب صاحب القلم قبل أن أعيده إليه وأنا لا أعرف من هو صاحب القلم، فماذا أفعل؟


    الجواب: على كل ما دام أنه في الدرس فالدرس يتكرر، فحاول أن تتعرف عليه في الدروس القادمة وستجده إن شاء الله.

    حكم الصلاة وراء من كان ظالماً ومخالفاً للسنة


    السؤال: إذا صلى الإنسان خلف حاكم عنده خبط في أمر السنة وظلم، فهل يصح أن يصلى خلفه جماعة بنية الانفراد، فإنه يذكر أن هذه الفتوى من سماحتكم؟


    الجواب: الإنسان الذي لا يصل به الحال إلى حد الكفر، فالصلاة وراءه صحيحة، وأما إذا كان كافراً فلا يجوز أن يصلى وراءه."




  20. #240
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الحج
    شرح سنن أبي داود [207]
    الحلقة (238)





    شرح سنن أبي داود [207]

    الحج أحد أركان الإسلام الخمسة المعروفة، وهو من أعظم شعائر الدين، وفيه من الفوائد والحكم والمقاصد والخيرات ما الله به عليم، فقد جعله الله قياماً للناس يصلح به أمور دينهم ودنياهم، وهو عبادة بدنية ومالية ينفق فيها العبد الأموال كي يصل إلى تلك المشاعر العظيمة، والأماكن الكريمة، ثم إذا وصل إلى تلك البقاع المباركة قام بكثير من العبادات من صلاة وذكر وطواف وسعي وغير ذلك.

    فرض الحج


    شرح حديث (يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرة واحدة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب المناسك. باب: فرض الحج. حدثنا زهير بن حرب و عثمان بن أبي شيبة المعنى قالا: حدثنا يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي سنان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يا رسول الله! الحج في كل سنة أو مرة واحدة؟ قال: بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع) ]. ذكر الإمام أبو داود رحمه الله بعد كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، ثم أتى بعده بكتاب المناسك، وجعله قبل الصيام، وأخر كتاب الصيام عن كتاب المناسك وعن كتب أخرى أيضاً، وجعله بعد النكاح. والطريقة المشهورة عند العلماء أنهم يجعلون المناسك في آخر أركان الإسلام، فيأتون بالصلاة، وقبلها مفتاح الصلاة وهو الطهارة، ثم بعد ذلك الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، كما جاء في حديث جبريل: (قال: أخبرني عن الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً). ومن أهل العلم من يقدم المناسك أو الحج على الصيام، كفعل أبي داود رحمه الله، وكذلك هو صنيع البخاري ، فإنه رحمه الله بدأ كتاب الإيمان بحديث ابن عمر ، وفيه هذا الترتيب، حيث قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)، فرتب كتب صحيحه على هذا الترتيب الذي جاء في حديث ابن عمر . وقد ذكر المحشي أن في بعض النسخ تقديم المناسك على الصيام، وكذلك هو في مختصر المنذري ، وأما الخطابي فمشى على تقديم الصوم على المناسك، كما هو الحال في ترتيب غالب كتب الحديث. ومن أهل العلم من يترجم للحج فيقول: كتاب الحج، ومنهم من يقول: كتاب المناسك، كما فعل أبو داود . والمناسك من حيث اللغة تطلق إطلاقاً واسعاً، وكذلك أيضاً تطلق في الشرع على عدة أمور منها: العبادة، والذبيحة أو الذبح، وتطلق أيضاً على الحج، ولعلهم سموا الحج والعمرة مناسك ويريدون من ذلك أن الحج والعمرة يشتملان على أنساك، فالحج ثلاثة أنساك: تمتع وقران وإفراد. فالتمتع أن يأتي بالعمرة على حدة في أشهر الحج، ثم يأتي بالحج من العام، والقران أن يجمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج، فيقرن بينهما، ويفرغ منهما جميعاً، وتكون أفعالهما واحدة، والإفراد يؤتى به وحده في أشهر الحج، والعمرة يؤتى بها مستقلة لا علاقة لها بالحج، كالعمرة التي تكون في رمضان وفي أشهر السنة كلها، فإن هذه من المناسك، فقالوا لأعمال الحج: مناسك؛ لاشتماله على هذه الأنساك الثلاثة، والعمرة تكون مع الحج في القران، وتكون منفصلة عنه في أشهر الحج قبل الحج، وهي التمتع، وقد يؤتى بها في أشهر الحج مفردة بدون أن يكون معها حج، فلا يقال لها: تمتع، كما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم في عُمره التي فعلها في ذي القعدة، وهي ما عدا العمرة التي في حجته، فتلك العمرات كانت مستقلة ليس لها علاقة بالحج، وكذلك العُمَر في الأشهر كلها داخلة في المناسك، فمن أجل ذلك عبر بعض أهل العلم عن ذلك بالمناسك. أورد أبو داود رحمه الله: باب فرض الحج، أي: أنه فريضة من فرائض الإسلام. وأورد حديث ابن عباس رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس (سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحج أفي كل عام أو مرة واحدة؟ فقال: بل مرة واحدة، وما زاد فهو تطوع) أي: أن الحج يجب مرة واحدة. وجاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فقال الأقرع بن حابس : أفي كل عام يا رسول الله؟! فسكت، ثم قال بعد ذلك: لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، الحج مرة، وما زاد فهو تطوع). وعلى هذا فالحج فريضة من فرائض الإسلام، بل هو ركن من أركان الإسلام، وقد جاء ذلك في حديث جبريل، وجاء أيضاً في حديث ابن عمر ، وجاءت أحاديث كثيرة تدل على فضل الحج والأمر به، وقبل ذلك آي من القرآن كقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]، فالحج من الأمور المعلومة من دين الإسلام بالضرورة، ويجب في العمر مرة واحدة، وهذا من تيسير الله عز وجل وتخفيفه على عباده؛ لأنه لو وجب في كل عام على كل قادر لكان في ذلك مشقة على الناس، ولكان في ذلك أيضاً مشقة في كثرة الناس وازدحامهم، ولكن الله عز وجل لم يفرضه في العمر إلا مرة واحدة. ولهذا فإن الحج هو أقل العبادات وجوداً من حيث الفرض، فالصلاة تجب في اليوم والليلة خمس مرات، والزكاة تجب في السنة مرة واحدة على من كان غنياً، والصوم يجب على كل من وجب عليه في السنة شهراً، وأما الحج فإنه لا يأتي في العمر إلا مرة واحدة على سبيل الوجوب، وما زاد على ذلك فهو تطوع.

    تراجم رجال إسناد حديث (يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرة واحدة)


    قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. زهير بن حرب أبو خيثمة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فقد أخرج له في (عمل اليوم والليلة). [ قال: المعنى ]. قوله: المعنى، أي: أن المعنى واحد. [ قالا: حدثنا يزيد بن هارون ]. يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان بن حسين ]. سفيان بن حسين ثقة في غير الزهري ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سنان ]. أبو سنان هو يزيد بن أمية وهو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث من رواية سفيان بن حسين عن الزهري ، وسفيان ضعف في روايته عن الزهري ، لكن للحديث شواهد، وهو ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة . [ قال أبو داود : هو أبو سنان الدؤلي ، كذا قال عبد الجليل بن حميد ، و سليمان بن كثير جميعاً عن الزهري ، وقال عقيل : عن سنان ]. يعني: أن بعض الرواة رووه عن أبي سنان ، وأما عقيل بن خالد فإنه قال: عن سنان ، وهو أبو سنان . وعبد الجليل بن حميد ثقة لا بأس به، أخرج له النسائي . وسليمان بن كثير لا بأس به في غير الزهري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعقيل هو ابن خالد بن عقيل المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (هذه ثم ظهور الحصر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن ابن لأبي واقد الليثي عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأزواجه في حجة الوداع: هذه، ثم ظهور الحصر) ]. أورد أبو داود حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه في حجة الوداع: (هذه، ثم ظهور الحصر) أي: ثم الْزَمْنَ ظهور الحُصُر، والحصر: جمع الحصير، وهو ما يبسط في البيت، من الفرش والمقصود من ذلك أنهن يلزمن البيوت بعد أدائهن لفريضة الحج. وقوله: (هذه) أي: حجة الإسلام الفريضة، ولهذا أورده أبو داود رحمه الله في كتاب فرض الحج، وأنه فرض على الرجال والنساء، وقد قال الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]. وقد جاءت أحاديث أخرى تدل على أنه يجوز للنساء أن يتطوعن، وفي صحيح البخاري : (أفلا نجاهد؟ قال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور)، وكذلك الأحاديث المرغبة فيه هي عامة للرجال والنساء كقوله: (الحج مرة، وما زاد فهو تطوع). وهذا الحديث يدل على أن المرأة ينبغي لها ألا تكرر الحج، لكن لو كررته فقد جاء ما يدل عليه. وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم حججن معه، وكن متمتعات، وكانت عائشة معهن، وكانت متمتعة، ولكن حصل لها الحيض، فأدخلت الحجة على العمرة، ولهذا سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة بعد الحج، حتى تكون مثل أمهات المؤمنين اللاتي دخلن بالعمرة، وأتممن عمرتهن على استقلال، ثم أتين بالحج مستقلاً، وطفن طوافين، وسعين سعيين، فأرادت أن تكون مثلهن في إيقاع عمرة مستقلة، وحج مستقل، وقد نحر عنهن البقر كما جاء ذلك في الصحيح، وحججن أو عدد منهن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في آخر خلافة عمر ، وفي عهد عثمان، فهن لم يفهمن الوجوب من قوله: (هذه، ثم ظهور الحصر)، بدليل وجود الأحاديث الأخرى التي تدل على أن أفضل الجهاد هو الحج مبرور وغير ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث ( هذه ثم ظهور الحصر )


    قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد العزيز بن محمد ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن لأبي واقد الليثي ]. اسمه واقد ، وقد جاء تسميته في مسند الإمام أحمد، وهو مختلف في صحبته، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. أبوه هو أبو واقد الليثي رضي الله عنه، قيل: اسمه: الحارث بن مالك ، وقيل: ابن عوف ، صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    حج المرأة بغير محرم


    شرح حديث: ( لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في المرأة تحج بغير محرم. حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث بن سعد عن أبيه أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها). أورد أبو داود باب: المرأة تحج بغير محرم، يعني: أن ذلك لا يجوز، فقد جاء النهي عن السفر، والحج لا يتأتى غالباً إلا بالسفر والانتقال إلى مكة؛ لأداء النسك سواء كان حجاً أو عمرة، فالمرأة لا تسافر إلا مع محرم، سواء كان ذلك السفر للحج أو لغيره، وإذا لم يوجد المحرم فإن الحج لا يكون لازماً لها، فمن شروط وجوبه عليها وجود المحرم؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء أن يسافرن إلا مع ذي محرم. وقد جاءت أحاديث عديدة في تحديد مدة السفر، ففي بعضها: يوم وليلة، وبعضها: ليلة، وبعضها: ثلاثة أيام، وغير ذلك، وقد قيل في سبب اختلافها: إنها كلها مبنية على أسئلة، وإن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب عن تلك الأسئلة، فلا تدل على أن ما دونها يجوز، وقد جاء الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، فكل ما يقال له سفر فإنه يناط به الحكم، سواء كان طويلاً أو قصيراً، قليلاً أو كثيراً. وإيراد أبي داود رحمه الله لهذه الأحاديث في كتاب الحج إشارة إلى أن الحج لا يكون من المرأة إلا مع ذي محرم، والمحرم هو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد، بنسب أو سبب مباح. فالزوج يكون في حال وجود الزوجية، وهذا المحرمية مادامت في العصمة، وإلا فإنه إذا طلقها صارت أجنبيه. وأما الذين محرميتهم مستقرة ودائمة فهم من تحرم عليهم على التأبيد لنسب كالأم والبنت، أو لسبب مباح كالرضاعة أو المصاهرة، وهذا يخرج من تحرم عليه مؤقتاً كزوج الأخت، وزوج العمة، فإنه ليس له أن يجمع بينها وبين أختها، وهذا التحريم مؤقت، فلو ماتت أختها فإن له أن يتزوجها، ولو ماتت العمة فإن له أن يتزوجها، وإنما يحرم الجمع فقط. قوله: (لا يحل لامرأة مسلمة) فيه أن المسلم هو الذي يحصل منه حج، واختلف أهل العلم هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أو غير مخاطبين على قولين: أصحهما أنهم مخاطبون، ولكن لا يصح منهم الحج إلا بعد الإتيان بالركن الركين، والأصل الأصيل، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وفائدة ذلك: أنهم يؤاخذون على ترك الأصول، وعلى ترك الفروع.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة...)


    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي ]. قتيبة بن سعيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث بن سعد ]. الليث بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي سعيد ]. سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو أبو سعيد المقبري ، واسمه كيسان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق. و سعيد بن أبي سعيد يروي عن أبيه، ويروي عن أبي هريرة مباشرة.

    شرح حديث: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة و النفيلي عن مالك ح وحدثنا الحسن بن علي حدثنا بشر بن عمر قال: حدثني مالك عن سعيد بن أبي سعيد، قال الحسن في حديثه: عن أبيه، ثم اتفقوا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة)، فذكر معناه، قال النفيلي : حدثنا مالك ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه : (أنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة، فذكر معناه) أي: معنى الحديث المتقدم الذي قبل ذلك. ويأتي كثيراً في القرآن والسنة الجمع بين الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، وذلك أن الإيمان بالله هو الأصل التي تبنى عليه جميع الأصول، فالإيمان بالله يتبعه الإيمان بملائكته وكتبه ورسله، فكل ذلك مرده إلى الله عز وجل، وتابع للإيمان بالله عز وجل، فمن لم يؤمن بالله لا يؤمن بالملائكة، ولا بالكتب، ولا الرسل، فالإيمان بهذه الأمور تابع للإيمان بالله تعالى، فهو تصديق بما جاء عن الله عز وجل، فقد جاء في الوحي أن هناك ملائكة، وأن هناك رسلاً ... إلى آخره. ويأتي كثيراً في القرآن والسنة الجمع بين الإيمان بالله وبين اليوم الآخر؛ لأن الإيمان بالله هو الأصل، ولأن اليوم الآخر هو يوم المعاد الذي فيه الجزاء والحساب، ففي ذكر ذلك والتنصيص عليه تذكير باليوم الآخر والحساب، فهنا قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) فإن الذي يفكر في اليوم الآخر وما يكون فيه من الثواب والعقاب يجعله ذلك يقلع عن المعصية، فالمرأة إذا أرادت أن تسافر وسمعت هذا الحديث: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) فإنها تأثم، وتكون عرضة للعقاب في اليوم الآخر. ومثل هذا حديث وكذلك: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، وقوله تعالى: ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [الطلاق:2]. وإذا حجت المرأة بغير محرم فإنها تكون قد فعلت طاعة، وفعلت معصية، فتثاب على طاعتها، وتأثم على معصيتها، فالحج إذا وجد دون محرم يصح، ولكن تأثم المرأة على ذلك، ولا تعيد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة..)


    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ و النفيلي عن مالك ]. النفيلي مر ذكره، و مالك هو ابن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا الحسن بن علي ]. (ح) يؤتى بها للتحول من إسناد إلى إسناد آخر، و الحسن بن علي هو الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا بشر بن عمر ]. بشر بن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني مالك عن سعيد بن أبي سعيد ]. سعيد بن أبي سعيد هو المقبري . [ قال الحسن في حديثه: عن أبيه ]. أي: أنه يروي عن أبيه عن أبي هريرة ، وأما القعنبي و النفيلي فإنهم لم يقولوا: عن أبيه، ولا إشكال في ذلك؛ لأن سعيد بن أبي سعيد روى عن أبيه عن أبي هريرة ، وروى عن أبي هريرة مباشرة. فيكون عنده الطريقان، وهذه طريقة معروفة عند المحدثين، فيمكن أن يكون الحديث عنده نازلاً، ثم يقف عليه عالياً، فيرويه على الوجهين، يحصله نازلاً، والنازل هو الذي يكثر فيه الوسائط والرواة، والعالي الذي يقل فيه ذلك. [ قال النفيلي : حدثنا مالك ]. أي: كأنه ساقه على رواية عبد الله بن مسلمة . [ قال أبو داود : ولم يذكر القعنبي و النفيلي عن أبيه ]. أي أن الذي قال: [ عن أبيه ] هو الحسن بن علي الحلواني ، ولا تنافٍ بينهما. [ رواه ابن وهب و عثمان بن عمر عن مالك ، كما قال القعنبي ]. أي: بدون ذكر أبيه. [ رواه ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عثمان بن عمر ]. عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة..) من طريق أخرى وتراجم رجالها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يوسف بن موسى عن جرير عن سهيل عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر نحوه، إلا أنه قال: (بريداً). أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو نحو ما تقدم، إلا أنه قال: (بريداً)، والبريد: أربعة فراسخ، وقيل: مسيرة نصف يوم. قوله: [ حدثنا يوسف بن موسى ]. يوسف بن موسى صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي وابن ماجة . [ عن جرير ]. جرير بن عبد الحميد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل ]. سهيل هو ابن أبي صالح ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة ]. سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة مر ذكرهما.

    شرح حديث: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر فوق ثلاثة أيام فصاعداً...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و هناد أن أبا معاوية و وكيعاً حدثاهم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً فوق ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها، أو أخوها، أو زوجها، أو ابنها، أو ذو محرم منها) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد ، وهو بمعنى حديث أبي هريرة ، وقد قلنا: إن ذكر الثلاث، وذكر اليوم والليلة، كلها لا مفهوم لها، فلا يقال: بجواز ما كان أقل من ذلك، بل أي سفر لا يجوز للمرأة وحدها بلا محرم كما جاء ذلك في بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أشرت إليه آنفاً. وهنا ذكر بعض المحارم، وخصّ أولاً ثم عمَّ، فقال: (أبوها، أو أخوها، أو زوجها، أو ابنها، أو ذو محرم منها) وذو محرم منها أعم، فهذا تعميم بعد تخصيص. ويشترط في المحرم أن يكون بالغاً؛ لأن غير البالغ بحاجة إلى رعاية، فليس عنده القدرة على رعاية غيره.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر فوق ثلاثة أيام فصاعداً .... )


    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و هناد ]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، و هناد هو ابن السري أبو السري ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم و أصحاب السنن. [ أن أبا معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ووكيعاً حدثاهم ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. أبو صالح السمان ، واسمه ذكوان و السمان لقبه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (لا تسافر المرأة ثلاثاً إلاّ ومعها ذو محرم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم) . أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم)، وهو مثل ما تقدم.

    تراجم رجال إسناد حديث (لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ يحيى يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد هو القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني نافع ]. نافع مولى ابن عمر وهو ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (أنّ ابن عمر كان يردف مولاة له يقال لها صفية...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن عبيد الله عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يردف مولاة له يقال لها: صفية تسافر معه إلى مكة ]. أورد المصنف أثر ابن عمر أنه كان يردف مولاة له يقال لها: صفية ، تسافر معه إلى مكة. وهذا فيه ذكر المحرم، فمالك الجارية محرم لها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن ابن عمر كان يردف مولاة له يقال لها صفية...)

    قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو أحمد ]. أبو أحمد هو محمد بن عبد الله بن الزبير ، المعروف بأبي أحمد الزبيري، ثقة يخطئ في حديث الثوري، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يروي هنا عن الثوري [حدثنا سفيان]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ]. عبيد الله عن و نافع و ابن عمر مر ذكرهم. وكون أبي أحمد يخطئ في حديث الثوري لا يؤثر، فكون الإنسان محرماً لأمته أمر معروف، وكونه يردفها أو تركب معه أمر لا بأس به، بل يحل للإنسان -كما هو معلوم -أن يطأ ملك يمينه، كما قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]. وأما إذا زوجها فإن المحرمية وملك اليمين باقية، وأما البضع فقد ذهب عن ملكه.
    شرح حديث: (لا صرورة في الإسلام)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد -يعني: سليمان بن حيان الأحمر - عن ابن جريج عن عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا صرورة في الإسلام) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب: لا صرورة في الإسلام، والصرورة فسرت بتفسيرين: الأول: أنه بمعنى التبتل وعدم التزوج، وهذا مثل ما عليه النصارى من الرهبانية، وقد جاء الإسلام بمنع ذلك كما جاء في قصة الثلاثة الذين قال أحدهم: أنا لا أتزوج النساء، وقال الثاني: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثالث: أنا أقوم الليل فلا أنام، فقال عليه الصلاة والسلام: (أما إني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني). والتفسير الثاني: أن المقصود بقوله: (لا صرورة في الإسلام) أي: لا يُترك الحج، فلا يقعد الإنسان عن الحج مع قدرته على الحج، وهذا هو وجه إيراده هنا في هذه الترجمة.

    تراجم رجال إسناد حديث ( لا صرورة في الإسلام )


    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد ]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، وأبو خالد هو سليمان بن حيان الأحمر ، المعروف بأبي خالد الأحمر وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن عطاء ]. عمر بن عطاء هو عمر بن عطاء بن وراز بفتح الواو والراء الخفيفة وآخره زاي كما في التقريب، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره. وهناك من يقال له: عطاء بن عمر آخر، وهو ثقة، وقد صحح هذا الحديث الحاكم ووافقه الذهبي في (تلخيص المستدرك)، وقال الشيخ الألباني رحمه الله: لعلهم ظنوا أنه عمر بن أبي الخواء ، وهو ثقة، فصححوا حديث أبيه، وإنما هو ابن وراز ، وهذا من الأوهام في التصحيح والتضعيف، فأحياناً يحصل الاختلاف في التصحيح والتضعيف بناءً على تعيين الرجل: هل هو هذا أو ذاك، فقد يتفقان في الاسم واسم الأب، ويختلفان في اسم الجد، فربما جاء هذا الراوي الضعيف في الحديث فظن أنه ذلك الثقة، فيصحح الحديث أو العكس. والحديث ذكره الألباني في (السلسلة الضعيفة) برقم (685)، وقال: لعل الحاكم وتبعه الذهبي في تلخيص المستدرك ظنّا أنه الثقة، فصححوا الحديث، وإنما هو ابن وراز الذي هو ضعيف بالاتفاق. وهذا كما قلته من الأمور التي يحصل فيها الاختلاف في التصحيح والتضعيف، وذلك ناتج عن الاختلاف في تعيين راوٍ من الرواة هل هو هذا أو هذا، وأذكر أن الحافظ ابن حجر ذكر في ترجمة ياسين العجل من (تهذيب التهذيب) في حديث من الأحاديث التي وردت في المهدي، وأن بعض العلماء تكلم في هذا الحديث، فقال الحافظ ابن حجر في ترجمة ياسين العجل : وقد ظن بعض المتأخرين أن ياسين هذا هو ياسين بن حمزة الزيات ، فضعف الحديث بسببه، فلم يصنع شيئاً، وإنما هو ياسين العجل .
    الأسئلة



    حكم ترك الحج مع الاستطاعة

    السؤال: ما حكم تارك الحج؟

    الجواب: حكم ترك الحج فيه خلاف بين أهل العلم، وقد جاء في الزكاة: أن من تركها تهاوناً وكسلاً فإنه لا يكون كافراً، كما في حديث: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لم يؤد زكاتها إلا صفحت له يوم القيامة صفائح من النار، فيكوى بها جنبه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، والكافر لا سبيل له إلى الجنة، فإذا كان هذا في الزكاة وهي أعظم أركان الإسلام بعد الصلاة، فيمكن أن يقال: إن تارك الحج يأثم ولا يكفر، ويكون كمن يترك الزكاة تهاوناً من غير جحود. وقد جاء في أثر عبد الله بن شقيق العقيلي : لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة. لكن جاء أثر عن عمر وفيه كلام -أنه قال: من أدركه الحج وله سعة فلم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً. ووردت آثار أخرى من هذا القبيل، ولكن فيها كلام.

    وجوب الحج على الفور

    السؤال: هل الحج واجب على الفور أو على التراخي؟


    الجواب: اختلف أهل العلم في ذلك، فجمهورهم على أنه على الفور، وقال بعض أهل العلم: إنه على التراخي، ومعلوم أن الأصل هو المبادرة، وأن الإنسان إذا أمر بشيء وكان متمكناً من فعله، فعليه أن يبادر، لذا فالقول بأنه على الفور هو الأوضح.

    حكم العمرة

    السؤال: ما حكم العمرة: هل هي واجبة أو لا؟


    الجواب: اخُتلف في وجوبها، والصحيح أنها واجبة في العمر مرة واحدة، وقد جاء في بعض ألفاظ حديث جبريل. (أن تحج وتعتمر).

    تعريف الحجّ

    السؤال: ما تعريف الحج؟


    الجواب: الحج لغة: القصد، وفي الاصطلاح: قصد البيت بأفعال مخصوصة، فالمعنى الشرعي جزء من جزئيات المعنى اللغوي هنا، فالمعنى اللغوي أوسع من المعنى الاصطلاحي. وأما في الشرع: فهو قصد مخصوص، أي: هو قصد البيت لأداء أعمال مخصوصة من طواف، وسعي، ووقوف بعرفة وغير ذلك، فهذا هو تعريفه في الشرع. والعمرة لغة: مطلق الزيارة، وفي الشرع: زيارة مخصوصة، أي: زيارة البيت للطواف والسعي والتقصير.

    يجوز للمرأة المقيمة في مكة أن تحج وتذهب إلى المشاعر


    السؤال: هل يجوز للمرأة المقيمة في مكة أن تحج وتذهب إلى المشاعر بلا محرم؟


    الجواب: نعم، يجوز لها أن تحج؛ لأن هذا لا يقال له: سفر، فالذهاب إلى عرفات ليس سفراً، لكن تكون مع رفقة مأمونة.

    حكم تحجيج الخادمات بلا محرم

    السؤال: بالنسبة لمسألة الخادمات، يشترط في العقد أن على من أتى بخادمة أن يحججها، فكيف يحججها بدون محرم؟ وماذا يعمل؟


    الجواب: إن حججها بدون محرم فهو آثم مثلها، وحجها صحيح. وإذا قيل بإلغاء الشرط فإن المستقدمين للخادمات يحبون أن يلغوا الشرط؛ حتى لا يتكلفوا التحجيج، وكثيراً ما يُسأل عن هذا. وعلى كل نقول: إن وفى بالشرط وحججها فحجها صحيح، وهما آثمان، وإن لم يحججها فإنه لم يف بالشرط، فالأسلم للإنسان إذا اضطر إلى أن يأتي بخادمة -مع توسع الناس في ذلك من غير أن يكون هناك ضرورة إليه- أن يأتي بمحرم معها.

    حكم الحج بالدَّين

    السؤال: هل يجوز الحج بالدين؟


    الجواب: يجوز ذلك إذا كان للإنسان قدرة على السداد.

    حكم حج المحرم مع من تريد الحج من نسائه

    السؤال: امرأة مقيمة في جدة تريد أن تحج للفريضة، ولها ابن أخ، فهل يجب عليه أن يذهب معها كمحرم لها، وهل يأثم إذا أبى؟


    الجواب: لا يجب عليه، ولا يأثم إذا لم يحج بها، ولكن الأولى له أن يحج معها، وإذا كانت قادرة دفعت له ما يلزمه، وإذا وافق على ذلك فهذا الذي ينبغي، وأما الوجوب فلا يجب عليه أن يحج بها.

    حكم الذهاب إلى الحج بطريقة خفية إذا منعت الدولة من ذلك


    السؤال: ما حكم الذهاب إلى الحج بطريق خفية إذا منعت الدولة من ذلك؟


    الجواب: الدولة لا تمنع من الفريضة، ولكن لكثرة الناس ولكثرة الوافدين إلى هذه البلاد وكون الكثير من الناس يقول: إن البقاء في المملكة ليس بمستمر، فما دام أني موجود هنا فسأحج كل سنة، أو أتابع الحج، ويترتب على ذلك كثرة الزحام؛ عملت الحكومة شيئاً من التنظيم في هذا، ولا بأس بذلك، فعلى الإنسان أن يتقيد بذلك، ويحمد الله أنه قد حج، ويترك غيره يحج.

    حكم طاعة الأم في طلاق الزوجة

    السؤال: طلبت امرأة من ابنها أن يطلق زوجته، فهل عليه أن يفعل ذلك براً؟


    الجواب: إذا كان الطلب لأمر وجيه وصحيح، وهناك مصلحة في طلاقها؛ طلقها، وأما إذا كانت الأم ليس عندها شيء يقتضي ذلك، وإنما هناك شيء في النفس، فلا ينبغي ذلك، فالتفريق بين الزوجين بلا أمر يقتضي ذلك لا ينبغي، ولكن عليه أن يسترضيها ويبقي زوجته، ويحاول أن يطيب خاطر أمه حتى يزول ما في نفسها.

    التزوّد في الحج


    شرح حديث (كان ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: التزود في الحج. حدثنا أحمد بن الفرات - يعني: أبا مسعود الرازي - و محمد بن عبد الله المخرمي -وهذا لفظه- قالا: حدثنا شبابة عن ورقاء عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كانوا يحجون ولا يتزودون، قال أبو مسعود : كان أهل اليمن، أو ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فأنزل الله سبحانه: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:197]) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب: التزود في الحج، أي أن الإنسان يأخذ معه من الزاد ما يحتاجه؛ حتى لا يكون عالة على الناس، وحتى لا يحتاج إلى سؤال الناس، فسؤال الناس جاءت أحاديث كثيرة في ذمه، فإذا كان الإنسان ليس لديه قدرة مادية فإنه لا يجب عليه الحج. وأورد أبو داود حديث ابن عباس قال: (كانوا يحجون ولا يتزودون) أي: في الجاهلية، (ويقولون: نحن المتوكلون) أي: أننا ذاهبون إلى الحج، فالله عز وجل لن يضيعنا، ثم يذهبون يسألون في الطريق وفي مكة، فهم إذاً المتواكلون وليسوا المتوكلين، فالتواكل ضد التوكل، ففيه كسل وخمول وعدم جد، فلا ينبغي أن يتصف الإنسان بهذا. قوله: (فأنزل الله عز وجل: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]) أي: تزودوا في أسفاركم للحج ولغيره؛ حتى لا يكون الإنسان عالة على الناس، والحج يدخل في ذلك، بل هو الذي نزلت فيه الآية: فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]. وقال بعض أهل العلم: وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان كما أنه في سفره في الدنيا يحتاج إلى الزاد، فكذلك في سفره إلى الآخرة فإنه يحتاج إلى زاد، وزاده في سفره إلى الآخرة هو تقوى الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون...)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن الفرات ]. أحمد بن الفرات أبو مسعود ، وهو ثقة أخرج له أبو داود . [ و محمد بن عبد الله المخرمي ]. محمد بن عبد الله بن المبارك وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ قال: وهذا لفظه ]. أي: لفظ المخرمي ، وهو الشيخ الثاني لأبي داود . [ حدثنا شبابة ]. شبابة بن سوار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ورقاء ]. ورقاء اليشكري ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن دينار ]. عمرو بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. عكرمة و ابن عباس مر ذكرهما.
    التجارة في الحج


    شرح حديث: (كانوا لا يتجرون بمنى فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التجارة في الحج. حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قرأ هذه الآية: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198] قال: كانوا لا يتجرون بمنى، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات ]. أورد أبو داود باب التجارة في الحج، أي: البيع والشراء في الحج، والمقصود أنه لا بأس بذلك، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورد أبو داود أثر ابن عباس (أنه قرأ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198] فقال: كانوا لا يتجرون بمنى) أي: في الحج. قوله: (فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات) أي: أُذن لهم بذلك في حجهم، فالاتجار جائز سواء كان قبل الحج أو بعده، ولا يكون هو المقصد والدافع للإنسان على الحج، ولا يكون شاغلاً له، لكن كونه يشتري الشيء فيذهب به إلى بلده كي يستفيد منه، أو يبيعه بسعر أكثر، فلا بأس بذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث ( كانوا لا يتجرون عني، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات )


    قوله: [ حدثنا يوسف بن موسى عن جرير عن يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد الهاشمي ، ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مجاهد ]. مجاهد هو ابن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره. وهذا الحديث له شواهد.
    تعجيل الحج


    شرح حديث ( من أراد الحج فليتعجل )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: تعجيل الحج. حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم عن الأعمش عن الحسن بن عمرو عن مهران أبي صفوان عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أراد الحج فليتعجل) ]. أورد أبو داود باب تعجيل الحج، أي: المبادرة إليه، وعدم تأخيره، ثم أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد الحج فليتعجل) أي: فليبادر إليه، ومعلوم أن الإرادة تكون للفرض وللتطوع، وتكون المبادرة للفرض على الفور كما سبق، وأما التطوع فالأفضل أن يبادر إلى فعله.
    تراجم رجال إسناد حديث ( من أراد الحج فليتعجل )

    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم ]. مر ذكره. [ عن الأعمش ]. مر ذكره. [ عن الحسن بن عمرو ]. الحسن بن عمرو ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن مهران أبي صفوان ]. مهران أبو صفوان مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره. هذا الحديث صححه الألباني ، وصححه أيضاً أحمد شاكر في تحقيق المسند، ولعل ذلك لشواهده.

    ما جاء الكرى


    شرح حديث ابن عمر في الكرى في الحج


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الكرى. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا العلاء بن المسيب حدثنا أبو أمامة التيمي قال: (كنت رجلاً أكري في هذا الوجه، وكان ناس يقولون لي: إنه ليس لك حج، فلقيت ابن عمر رضي الله عنهما، فقلت: يا أبا عبد الرحمن ! إني رجل أكري في هذا الوجه، وإن ناساً يقولون لي: إنه ليس لك حج، فقال ابن عمر : أليس تحرم، وتلبي، وتطوف بالبيت، وتفيض من عرفات، وترمي الجمار؟ قال: قلت: بلى، قال: فإن لك حجاً، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن مثل ما سألتني عنه، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يجبه، حتى نزلت هذه الآية: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198]، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقرأ عليه هذه الآية وقال: لك حج)]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب الكرى، أي: أن يكري الإنسان راحلته أو سيارته في الذهاب إلى الحج، فيذهب مع سيارته أو مع دوابه، فيكريها على الناس ليحجوا عليها، ويأخذ الأجرة على ذلك، وهو حاج مع الناس. جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنه فقال: (إني أكري في هذا الوجه) أي: في الحج، (وإن ناساً يقولون: إنه لا حج لك)؛ لأنه كان يذهب للكري (فقال: ألست تطوف وتسعى وتفيض من عرفات وتلبي؟ قال: نعم، قال: فإن لك حجاً، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له مثلما قلت لي، فقال له: النبي صلى الله عليه وسلم: لك حج)، فدل هذا أنه يجوز للإنسان أن يكري، وله أن يحج، وقد ذكرت الآية أنه يجوز للإنسان أن يحج، ومع ذلك يبتغي من فضل الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في الكرى في الحج


    قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. مسدد مر ذكره، وعبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا العلاء بن المسيب ]. العلاء بن مسيب ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبو أمامة التيمي ]. أبو أمامة التيمي مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن ابن عمر ]. ابن عمر مر ذكره. وهذا الحديث صححه الألباني مع أن فيه رجلاً مقبولاً، فلعل له شواهد.

    شرح حديث: (أن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون فخافوا البيع وهم حرم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا حماد بن مسعدة حدثنا ابن أبي ذئب عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز، ومواسم الحج، فخافوا البيع وهم حرم، فأنزل الله سبحانه لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198]، في مواسم الحج، قال: فحدثني عبيد بن عمير أنه كان يقرؤها في المصحف ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أنهم كانوا يتبايعون في أول الحج، فكانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز. (فخافوا البيع وهم حرم) أي: وهم محرمون ومتلبسون بالحج. فأنزل الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198] أي: أن هذا الذي خفتموه لا بأس به، وفيه: في موسم الحج، وهذه من القراءات الشاذة التي لا يقرأ بها في الصلاة، وقوله: (كان يقرؤها في المصحف) لعلها كانت في بعض المصاحف، قيل: إنها بمعنى التفسير، وقد استدل بهذه الآية دون ذكر هذه الزيادة كما جاء في الرواية المتقدمة، وكما جاء في روايات أخرى.

    تراجم رجال إسناد حديث (أن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون فخافوا البيع وهم حرم..)


    قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب بندار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن مسعدة ]. حماد بن مسعدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي ذئب ]. ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن أبي رباح ]. عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد بن عمير ]. عبيد بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره.

    شرح حديث: (أن الناس كانوا في أول الحج يتبايعون...) من طريق أخرى وتراجم رجالها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك أخبرني ابن أبي ذئب عن عبيد بن عمير -قال أحمد بن صالح كلاماً معناه: أنه مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن الناس في أول ما كان الحج، كانوا يبيعون، فذكر معناه إلى قوله: مواسم الحج ]. أورد أبو داود الأثر من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم. قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في (الشمائل). [ حدثنا ابن أبي فديك ]. ابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل بن مسلم، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عن ابن أبي ذئب عن عبيد بن عمير ]. مر ذكرهما. [ عن ابن عباس ]. مر ذكره.

    حج الصبي


    شرح حديث: (ألهذا حج قال نعم ولك أجر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الصبي يحج. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالروحاء فلقي ركباً فسلم عليهم، قال: من القوم؟ فقالوا: المسلمون، فقالوا: فمن أنتم؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها، قالت: يا رسول الله! هل لهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب: حج الصبي، أي: أنه يحج به، وحجه لنفسه، ولمن حججه أجر، ولكن هذا الحج لا يغني عن حج الإسلام، بل هو تطوع جاء قبل الفرض، فإذا بلغ تعين عليه أن يأتي بحجة الإسلام. أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الروحاء، فلقي قوماً فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: المسلمون، قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: ومن معه. (ففزعت امرأة) أي: لما علمت أن هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، (فرفعت صبياً من محفتها) قيل: إنها مثل الهودج، إلا أن الهودج يكون له سقف، وهذا ليس له سقف، (فقالت: ألهذا حج؟ فقال: نعم، ولك أجر)، فدل هذا على أن الصبي يحج به، وأن الذي يحججه يؤجر على ذلك، ولكن هذه الحجة لا تغني عن حجة الإسلام، ويعامل معاملة الكبير في الطواف والسعي والوقوف والذبح له إذا كان حج به متمتعاً أو قارناً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (ألهذا حج قال نعم ولك أجر)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل مر ذكره. [ حدثنا سفيان بن عيينة ]. سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن عقبة ]. إبراهيم بن عقبة ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن كريب ]. كريب مولى ابن عباس . [عن ابن عباس]. قد مر ذكره."



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •