تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 12 من 26 الأولىالأولى ... 2345678910111213141516171819202122 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 221 إلى 240 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #221
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (218)

    - باب كيف التشهد الأول
    كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، وهذا يدل على حرص النبي عليه الصلاة والسلام على تعليم الأمة ما ينفعها.
    كيف التشهد الأول

    شرح حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف التشهد الأول.أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن الأشجعي عن سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا جلسنا في الركعتين: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كيف التشهد؛ أي: كيف يتشهد الإنسان، وكيف يأتي بهذا الذكر الذي يكون في التشهد الأول، أو في التشهد الأخير؟ أي في الجلوس الأول بعد الركعتين، وفي الجلوس الثاني بعد الأربع، أو بعد الثلاث، أو بعد الثنتين إذا كانت الفجر أو نافلة، فإن المراد هذا بالترجمة [كيف التشهد]:
    ما هي صيغة التشهد التي يأتي بها الإنسان عندما يجلس في وسط الصلاة إذا كانت ثلاثية أو رباعية، أو قبل السلام إذا كانت رباعية أو ثلاثية أو ثنائية؟ معناه: أنه في أي تشهد سواءً أول أو ثاني أو هو الوحيد فيما إذا كانت الصلاة ثنائية مثل الفجر، أو التطوع الذي هو ركعتين ركعتين، فإنه يأتي بهذه الصيغة: [التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله]، هذا هو التشهد الذي علم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه إياه، فقد جاء في الحديث (إنه كان يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن)؛ لأنه لفظ وذكر يؤتى به على هيئته، وعلى لفظه، فكان يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن حتى يحفظوه، وحتى يتقنوه ويضبطوه.
    و(التحيات لله) فسرت بأنها الثناء، وأنه كما أن الناس يعظم بعضهم بعضاً في التحية، ويقدر بعضهم بعضاً في التحية، فإن التحيات الحقيقية لله عز وجل. والصلوات التي هي المفروضة والتطوعات أو الدعاء؛ لأن الصلاة تطلق على الدعاء، وهذا هو المعنى اللغوي، وتطلق على الصلاة المعروفة، التي هي: أقوال وأفعال تبدأ بالتكبير وتختتم بالتسليم؛ أقوال وأفعال مخصوصة تبتدأ بالتكبير وتختتم بالتسليم، هذه هي الصلاة بعرف الشرع أو بالمعنى الشرعي، وأما الصلاة في اللغة: فهي الدعاء، والصلاة الشرعية مشتملة على الصلاة اللغوية التي هي الدعاء؛ لأن كثيراً منها ثناء ودعاء.
    و(الطيبات)، أي: الكلام الطيب والثناء الحسن هو لله سبحانه وتعالى، فهو المستحق للثناء الحسن.
    وقوله: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، هذا دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام بالسلامة والرحمة والبركة.
    وقوله: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، يسلم الإنسان على نفسه، وعلى كل عبد صالح في السماء والأرض، والإنسان إذا وفق لأن يكون من أهل الصلاح، فإنه له نصيباً من هذا الدعاء الذي يحصل من كل مصل، فإنه يدعو لعباد الله الصالحين، فمن ثمرات الصلاح، ومن فوائد الصلاح، وكون الإنسان يستقيم على طاعة الله عز وجل، أنه يكون له نصيب من دعاء الداعين في صلواتهم، أي مصل يصلي يقول: [السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين]، وإذا كان الإنسان من عباد الله الصالحين، فإن أي مصل يصلي، ويدعو بهذا الدعاء، يكون له نصيب منه، وهذه من ثمرات الاستقامة، وثمرات الملازمة لطاعة الله وطاعة رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    قوله: [أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله]. أطلق على التشهد تشهد؛ لأنه مشتمل على الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالعبودية والرسالة؛ أشهد أن لا إله إلا الله، هذه كلمة التوحيد، كلمة الإخلاص، الكلمة التي هي المفتاح، وهي المدخل، وهي المنتهى كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام لما بعثه الله كان ينادي في مكة ويقول: (يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، فهي البداية والنهاية، وكلمة الإخلاص -لا إله إلا الله- مكونة من ركنين: نفي، وإثبات، نفي عام في أولها، وإثبات خاص في آخرها، لا إله تنفي العبادة عن كل من سوى الله، وإلا الله يثبتها لله وحده لا شريك له، لا إله، أي: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى، فتنفي العبادة عن كل ما سوى الله، وتثبتها لله عز وجل.
    [وأشهد أن محمداً عبده ورسوله]، فكما يشهد لله بالوحدانية، لا بد مع الشهادة لله بالوحدانية والألوهية، بأن يشهد لمحمد عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فذكر هذين الوصفين من أوصافه، وهما عبوديته لله عز وجل، وكونه رسولاً أرسله الله عز وجل، وهذا اللفظ هو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يقال فيه؛ ولهذا جاء في حديث عمر بن الخطاب في البخاري: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)، ولهذا من خير ما يثنى على الرسول صلى الله عليه وسلم به ويذكر به الرسول أن يوصف بأنه عبد الله ورسوله تحقيقاً لرغبته، وامتثالاً لأمره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، حيث قال: (وقولوا: عبد الله ورسوله)، فتعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام، بأن يوصف بأنه عبد الله ورسوله، فهو عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع، فوصفه بأنه عبد يشعر بأنه لا نصيب له في العبادة؛ لأنه من عباد الله الذين يعبدون الله، والعبادة هي لله عز وجل لا شريك له فيها، كما أنه لا شريك له في الخلق والإيجاد، فلا شريك له في العبادة، فهو عبد لا يعبد، لا يصرف له شيء من أنواع العبادة، لا يدعى وإنما يدعى له عليه الصلاة والسلام؛ لأن السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته دعاء له، وصلى الله عليه وسلم دعاء له، فهو يدعى له ولا يدعى، وإنما الذي يدعى هو الله عز وجل، هو الذي يدعى سبحانه وتعالى.
    وكذلك وصفه بأنه رسول فلا يكذب بل يصدق، ويتبع فيما جاء به؛ تصدق أخباره، وتمتثل أوامره، وتجتنب نواهيه، وتكون عبادة الله طبقاً لما شرعه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، ولهذا جاء في القرآن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبودية في المقامات الشريفة، والمناسبات العظيمة، فجاء ذكره عند إنزال القرآن: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ )[الفرقان:1]، وقوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ )[الجن:19]. يعني: وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبودية في المقامات الشريفة، وفي الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ )[الإسراء:1].
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي].ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة، وهو أحد الثلاثة الذين هم من صغار شيوخ البخاري، وكانت وفاتهم في سنة واحدة، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، أي: قبل البخاري بأربع سنوات، وهم: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن بشار، ومحمد بن المثنى.
    [عن الأشجعي].
    هو عبيد الله بن عبيد الرحمن، بالتصغير فيهما، والأشجعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، المحدث، الفقيه، الثقة، المعروف الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي، وسبيع بطن من همدان، سبيع هم من همدان ينسب نسبة عامة ونسبة خاصة، ولكنه مشهور بالنسبة الخاصة وهي سبيع، السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود].
    هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة وعلمائهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة سمعت أبا إسحاق يحدث عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين غير أن نسبح ونكبر ونحمد ربنا، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم علم فواتح الخير وخواتمه، فقال: إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه، فليدع الله عز وجل)].هنا أورد النسائي حديث ابن مسعود من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، الصيغة هي نفس الصيغة، وقال فيه: أنهم كانوا قبل ذلك يكبرون ويسبحون ويحمدون، أي في ذلك الجلوس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم علم فواتح الخير وخواتمه، أي: علم الخير، وبين للناس كل ما يحتاجون إليه، وكان مما بينه لهم أن علمهم التشهد، وعلمهم كيف يقولون في تشهدهم، ثم ذكر الصيغة التي مرت.
    ثم قال: [وليتخير من الدعاء أعجبه إليه]، أي: بعد ذلك يدعو، ويتخير من الدعاء أعجبه إليه، وينبغي أن يكون الذي يتخير هو ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والألفاظ الواردة عن الرسول، والأدعية الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي أولى من غيرها، وهي التي تكون أعجب من غيرها.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق ثانية
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو الملقب بـالزمن المكنى بـأبي موسى العنزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة كما أشرت إلى ذلك عند يعقوب بن إبراهيم الدورقي قبل هذا.

    [حدثنا محمد].
    هو ابن جعفر الملقب غندر، فإذا جاء محمد بن المثنى أو محمد بن بشار يرويان عن محمد غير منسوب، أو محمد يروي عن شعبة غير منسوب، فالمراد به ابن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أبا إسحاق].
    قد مر ذكره.
    [عن أبي الأحوص].
    هو عوف بن مالك، وهذا غير أبي الأحوص وهو سلام بن سليم الذي مر بنا كثيراً؛ لأن هذا في طبقة متقدمة، وذاك في طبقة متأخرة، أبو الأحوص سلام بن سليم من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، وأما هذا يروي عن الصحابة، هذا من طبقة التابعين، في طبقة متقدمة، فإذا جاء أبو الأحوص متقدم من طبقة التابعين، يروي عن الصحابة، فالمراد به عوف بن مالك بن نضلة، وقد أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، والحاصل أن أبا الأحوص كنية اشتهر بها سلام بن سليم، وهو متأخر في الطبقة، وعوف بن مالك، متقدم في الطبقة.
    فإذا جاء أبو الأحوص يروي عن الصحابة فهو عوف بن مالك، وإذا جاء أبو الأحوص في طبقة شيوخ شيوخ النسائي، فهو سلام بن سليم الكوفي.
    [عن عبد الله].
    قد مر ذكره.
    حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا عبثر عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي اله عنه قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة، فأما التشهد في الصلاة: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلى آخر التشهد)].هنا أورد النسائي حديث ابن مسعود من طريق أخرى، وفيه قوله: [(إن النبي عليه الصلاة والسلام علمنا التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة)]، ثم قال: [(أما التشهد في الصلاة فأورد التحيات لله)]، إلى آخره الذي سبق أن مر في الروايات السابقة، واختصر الحديث ولم يذكر التشهد في الحاجة، والمقصود بالتشهد في الحاجة هو خطبة الحاجة، وهنا أورد ما يتعلق بالترجمة، وهو التشهد في الصلاة؛ التحيات لله والصلوات إلى آخره.
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبثر].
    هو عبثر بن القاسم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، مشهور بلقبه الأعمش، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهنا جاء ذكره باللقب، ويأتي ذكره بالاسم، ومعرفة ألقاب المحدثين فائدتها ألَّا يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر باسمه مرة، ثم ذكر بلقبه مرةً أخرى، فإن من لا يعرف يظن أن الأعمش غير سليمان بن مهران، ومن يعرف يعرف أن هذا شخص واحد يذكر باسمه أحياناً، وبلقبه أحياناً.
    [عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود].
    قد مر ذكرهم.
    طريق رابعة لحديث ابن مسعود في كيفية التشهد وتراجم رجال إسنادها
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يحيى وهو ابن آدم سمعت سفيان يتشهد بهذا في المكتوبة والتطوع، ويقول: حدثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم ح، وحدثنا منصور وحماد عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم].هنا أورد الحديث من طريق أخرى وليس فيه ذكر المتن، ولكن فيه إحالة على المتن الذي قبله، وهو التشهد التحيات لله، ويحيى بن آدم يقول: يتشهد بهذا في المكتوبة والتطوع، ويقول: أخبرنا أبو إسحاق، وساق السند إلى عبد الله بن مسعود، يعني أنه كان يتشهد بذلك التشهد الذي هو تشهد ابن مسعود، ثم يروي الإسناد إلى عبد الله بن مسعود عن النبي عليه الصلاة والسلام.
    ثم حول الإسناد، يعني: التحويل هذا من سفيان، أي أن سفيان هو الذي يروي عن أبي إسحاق، وعن منصور، وعن حماد، فالتحويل ((ح)) هذه لا ترجع إلى النسائي، فالذي بعدها ليس شيخاً للنسائي كما هو الغالب على ما يأتي من ألفاظ التحويل، عندما يقول النسائي: ((ح))، يعني يكون بعدها اسم شيخه، لكن هنا التحول من إسناد ذكره عن أبيه من طريق أبي إسحاق إلى إسناد آخر من طريق منصور، وحماد، عن أبي وائل، عن عبد الله.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وهو محدث، فقيه، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [حدثنا يحيى وهو ابن آدم].
    هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة (هو ابن آدم)، هذه قالها من دون إسحاق بن إبراهيم؛ أي النسائي أو من دون النسائي.
    [سمعت سفيان].
    هو الثوري، فيتشهد، أي يأتي بهذا الذكر الذي هو التحيات لله والصلوات.. إلى آخره.
    [حدثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله].
    قد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.
    [وحدثنا منصور].
    هو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وحماد].
    هو حماد بن أبي سليمان الأشعري الكوفي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. وحماد هنا غير منسوب، والمراد به ابن أبي سليمان؛ لأنه في طبقة متقدمة عن الحمادين: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة؛ لأن حماد بن زيد، وحماد بن سلمة من طبقة شيوخ شيوخ النسائي.

  2. #222
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (219)


    - تابع باب كيف التشهد الأول
    وردت في السنة عدة صور للتشهد، لكن أصحها تشهد ابن مسعود، وكلمات التشهد من جوامع الكلم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد اشتمل على معاني الوحدانية والتعظيم لله سبحانه، والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها.
    تابع كيف التشهد الأول


    شرح حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق خامسة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف التشهد الأول؟
    أخبرني محمد بن جبلة الرافقي حدثنا العلاء بن هلال حدثنا عبيد الله وهو ابن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة بن قيس: عن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا لا ندري ما نقول إذا صلينا، فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، فقال لنا: قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال عبيد الله: قال زيد عن حماد عن إبراهيم عن علقمة قال: لقد رأيت ابن مسعود يعلمنا هؤلاء الكلمات كما يعلمنا القرآن)].
    فالترجمة التي لا زلنا في الأحاديث الواردة فيها هي: كيف التشهد الأول؟ وقد ذكر المصنف في هذه الترجمة فيما مضى حديث عبد الله بن مسعود من طرق متعددة عنه، وقد مضى كثير منها، وبقي طرق أخرى لهذا الحديث الذي هو تشهد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقول العلماء: إن أصح تشهد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو تشهد ابن مسعود، وردت تشهدات صحيحة لكن هذا هو أصحها؛ لأنه جاء عن عبد الله بن مسعود من طرق عديدة، وفي هذه الطريق يقول ابن مسعود: [(كنا لا ندري ما نقول إذا صلينا، فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم)]، فكان مما علمهم إياه أن يقولوا إذا جلسوا في التشهد: [(التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)].
    وقد مرت الطرق المتعددة وكلها بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف هنا، وذكره فيما مضى بالطرق المختلفة، والرسول عليه الصلاة والسلام أعطي جوامع الكلم، وفواتحه، وخواتمه، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام ومن فواتح الخير، وخواتم الخير المشتمل على كل خير، هدي رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإن الأخذ بهديه هو طريق السلامة، والنجاة لأنه لا طريق للعباد لوصولهم إلى السلامة والنجاة وتمكينهم من الظفر بسعادة الدنيا، وسعادة الآخرة إلا ما جاء في الكتاب العزيز، والسنة المطهرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا طريق للهداية ولا طريق لصلاح القلوب إلا بالتمسك بهذا الوحي الذي نزل به جبريل على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق خامسة
    قوله: [أخبرنا محمد بن جبلة الرافقي].صدوق، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا العلاء بن هلال].
    قال: فيه لين، أخرج له النسائي وحده، لكن كما هو معلوم الشخص إذا كان فيه لين، وقد جاء هذا الحديث الذي جاء من طرق عديدة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام يعني أن هذا الضعف ينجبر بكثرة الطرق التي جاءت عن عبد الله بن مسعود في بيان هذا الحديث، يعني:أن الحديث جاء من طرق عديدة، ومثل هذا لا يؤثر؛ لأنه لم يأت الحديث من هذه الطريق وحدها، وإنما جاء من طرق عديدة، يعني: أن هذا الذي في ضعف ينجبر، وجد للحديث طرق كثيرة يدل على أنه لا يؤثر ذلك الذي قيل فيه في هذا الحديث لكونه مروياً من طرق كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [حدثنا عبيد الله].
    هو ابن عمرو الرقي، وهو ثقة، فقيه، ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    وقوله: هو ابن عمرو هذه الزيادة ممن دون العلاء بن هلال، وهو محمد بن جبلة، أو النسائي، أو ممن دون النسائي؛ لأنه كما عرفنا التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول هو، وإنما ينسبه كما يريد.
    [عن زيد بن أبي أنيسة].
    ثقة له أفراد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن حماد].
    هو حماد بن أبي سليمان الأشعري الكوفي وهو صدوق له أوهام، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن إبراهيم].
    هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الشخص الذي ذكرت مراراً أنه هو الذي يذكر عنه أنه هو أول من عبر بالعبارة المشهورة: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه) فإنه هو الذي أثر عنه أنه أول من عبر بهذه العبارة، ما لا نفس له سائلة يعني: ما لا دم له، مثل الذباب، والجراد وما إلى ذلك لا ينجس الماء إذا مات فيه؛ لأنه ليس له دم، ويستدلون على ذلك بحديث الذباب الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه) وقالوا: إن غمسه قد يكون الماء حاراً فيترتب على غمسه أنه يموت، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى استعمال الماء بعد غمس الذباب فيه، واحتمال أنه يموت بغمسه إذا كان حاراً، قالوا: فهذا يستفاد منه، ويستنبط منه أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، وهو الذي اشتهر عنه الكلمة المشهورة: كانوا يضربوننا على اليمين، والعهد ونحن صغار، يعني: يؤدبونهم بألا يتهاونوا بأمر اليمين، والعهود، وأنهم يعودون أنفسهم عليها فلا يكون لها احترام عندهم، بل يعظمون ذلك عندهم وفي نفوسهم حتى لا يتساهلوا فيه وحتى لا يكون الحلف على الواحد منهم سهلاً ميسوراً، وكذلك العهد لا يكون سهلاً ميسوراً عليه، بل يجد هناك ما يمنعه، ويحول بينه وبين أن يقدم على ذلك، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن علقمة بن قيس].
    هو علقمة بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل من المهاجرين ومن فقهاء الصحابة وعلمائهم وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    قال في آخره: قال عبيد الله قال زيد عن إبراهيم عن علقمة قال: لقد رأيت ابن مسعود يعلمنا هؤلاء الكلمات كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يعلمهم ذلك كما كان يعلمهم السورة من القرآن، والرسول عليه الصلاة والسلام كما جاء عن ابن مسعود أنه قال: كان يعلمهم هذا التشهد كما كان يعلمهم القرآن، فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه والصحابة كانوا يعلمون التابعين، وهذا يدلنا على أن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بلغ البلاغ المبين، وعلى أن أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم أدوا ما تحملوه على التمام، والكمال، ونصحوا للأمة غاية النصح، وبذلوا الجهود العظيمة المضنية في بيان الحق، وإظهاره والدلالة عليه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فلهم الفضائل الجمة، وهم المتصفون بالصفات الحميدة، وهم السباقون إلى كل خير، والحريصون على كل خير، والذين ما كان مثلهم في الماضي، ولا يكون مثلهم في المستقبل، ولا يحبهم إلا مؤمن، ولا يغضبهم إلا منافق يسوؤه نصرة الإسلام وانتشار الإسلام، وظهور الحق؛ لأن الحق ما عرف إلا عن طريق الصحابة، وما عرف الناس كتاباً، ولا سنة إلا عن طريق الصحابة، والذي يقدح في الصحابة يقدح في الكتاب والسنة؛ لأن الكتاب جاء عن الصحابة، والسنة جاءت عن الصحابة، ومن يعيب الصحابة، ويقدح فيهم فإنه لا صلة له بالرسول صلى الله عليه وسلم إطلاقاً، بل الصلة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتوتة مقطوعة لا علاقة له بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام؛ لأن الحق والهدى ما عرفه من جاء بعد الصحابة إلا عن طريق الصحابة، وهذا من أجل مناقبهم وأفضل مناقبهم، أنهم أكرمهم الله عز وجل في الحياة الدنيا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، والجهاد معه، والدفاع عنه، والذب عنه، وكذلك مشاهدته، والنظر إلى أفعاله، وحركاته، وسكناته، وسماعه كلامه من فمه الشريف، وتحملوا الكتاب والسنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأدوها كاملة على التمام، والكمال فكانوا هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    ومن المعلوم أن القدح في الناقل قدح في المنقول، فالذي يقدح في الصحابة يقدح في الكتاب والسنة، والذي لا يعتبر ما جاء عن الصحابة لا يعتبر الكتاب والسنة، وهذا شأن المنافقين الذين يظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر.
    شرح حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق سادسة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الرحمن بن خالد الرقي حدثنا حارث بن عطية وكان من زهاد الناس عن هشام عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول: السلام على الله، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)].أورد النسائي حديث ابن مسعود رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أنهم كانوا يقولون: [(السلام على الله من عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، لا تقولوا: السلام على الله فإن الله هو السلام)]، والصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم كانوا يقولون هذا الكلام، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لهم: لا تقولوا السلام على الله من عباده، فإن الله تعالى هو السلام، فهو السلام، ومنه السلام، ولا يقال: عليه السلام أو يسلم عليه؛ لأن السلام دعاء للمسلم عليه، والله تعالى هو الذي يدعى وهو الذي يرجى، وهو الذي منه السلام هو السلام ومنه السلام، هو المتصف بهذا الوصف والمتسمي بهذا الاسم وهو الذي منه السلام لعباده، هو الذي يسلم من يشاء من عباده، وهو الذي يمنحهم السلامة، والعافية، فلا يقال: السلام على الله من عباده، وإنما يقال كما أرشد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام، يدعى الله له.
    ثم: [(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)]، يسلم الإنسان على نفسه وعلى كل عبد صالح في السماء والأرض، يعني: يدعو لنفسه، ولغيره، فأرشد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام إلى أنه لا يسلم على الله، فلا يقال: السلام على الله من عباده، وإنما يقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام كما جاء في الذكر بعد الصلاة، فهو اسمه السلام وهو الذي منه السلام هو الذي يمنح السلام، وهو الذي يتفضل بالسلامة، والتوفيق، هو الذي يمنح ذلك وهو الذي يجود به، فهو يدعى ولا يدعى له الله تعالى يدعى والنبي صلى الله عليه وسلم يدعى له، ولا يدعى، النبي والمخلوقون بل يدعى لهم ولا يدعون، والله تعالى هو الذي يدعى وحده لا شريك له، هو الذي يدعى، ويرجى، ويعتمد عليه، ويتوكل عليه، ولهذا أرشد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أنهم لا يقولون: السلام على الله من عباده، فإن الله تعالى هو السلام، هو الذي يسلم وهو الذي يمنح السلام، لا يطلب له السلام، ولا يطلب له شيئاً ، وإنما يطلب منه الأشياء، فالطلب منه لا له، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يطلب له، ولا يطلب منه، يسأل له، ولا يسأل منه.
    إذاً: فالسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته دعاء له بالسلامة، والرحمة، والبركة من الله سبحانه وتعالى.
    ثم: [(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)]، دعاء يدعو العبد لنفسه ولكل عبد صالح في السماء والأرض، وذكرت في الدرس الماضي أن من وفقه الله عز وجل لأن يكون من أهل الصلاح فإنه يكون له نصيب من دعاء الداعين المصلين في صلواتهم بهذا الدعاء: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ لأنها تعود إلى كل عبد صالح في السماء والأرض، يعني: هذا الدعاء يكون لكل عبد صالح في السماء والأرض، فإذا وفق الإنسان لأن يكون من أهل الصلاح فإنه يكون له نصيب من دعاء الداعين في مشارق الأرض، ومغاربها، كل من يصلي يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وإذا كان الرجل وإذا كان العبد من الصالحين الموفقين فإنه يكون من أهل هذا الدعاء أي: من الذين يدعى لهم بهذا الدعاء، والذين يشملهم هذا الدعاء الذي يقوله كل مصل في فرض، وفي نفل.
    ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم كيف يقولون: التحيات لله والصلوات إلى آخر الحديث، وفي هذا الحديث زيادة: وحده لا شريك له بعد أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والرواية الأخرى عن ابن مسعود ليس فيها ذكر: وحده لا شريك له، فوحده لا شريك له هذه تأكيد لأشهد أن لا إله إلا الله؛ لأن وحده تأكيد لـ(إلا الله)، ولا شريك له توكيد لـ(لا إله)، فكأن لا إله إلا الله جاءت مرتين، مرة أشهد أن لا إله إلا الله، ومرة بالتأكيد بقوله: وحده لا شريك له، لأن وحده لا شريك له مثل لا إله إلا الله تماماً، لأن فيها نفي، وإثبات، إلا أن لا إله إلا الله النفي في أولها والإثبات في آخرها، وهذه جاء الإثبات في أولها والنفي في آخرها، فالإثبات في أولها وهو كلمة (وحده)، والنفي في آخرها وهو (لا شريك له).
    والشيخ الألباني يقول: أن هذا شاذ، يعني: هذه الزيادة؛ لأن الطرق التي جاءت عن ابن مسعود ليس فيها ذكر هذه الزيادة، لكن هذه الزيادة جاءت في بعض التشهدات الأخرى التي هي عن غير ابن مسعود، فكونها جاءت من بعض الثقات الذي يبدو أنه لا بأس بالأخذ بها، ولها شاهد يعني: لهذه الزيادة شاهد عن غير ابن مسعود عن بعض الصحابة الذين رووا هذا التشهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: جاء فيه: وحده لا شريك له التي هي بمعنى لا إله إلا الله والتي هي تأكيد لـ(لا إله إلا الله).
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق سادسة
    قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن خالد].هو عبد الرحمن بن خالد الرقي، وفي بعض النسخ القطان، ولا تنافي بين القطان، والرقي فهو قطان وهو رقي، إن قيل القطان فهو صحيح، وإن قيل الرقي فهو صحيح، لا تنافي بينها، لأن بعض النسخ جاء فيها القطان وبعضها جاء فيها الرقي، وهو رقي وهو يلقب القطان، فلا تنافي بينها، يعني: كلها حق؛ لأنه عبد الرحمن بن خالد القطان الرقي فكل من النسبتين صحيحة. وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا حارث بن عطية].
    حارث بن عطية صدوق يهم، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [وكان من زهاد الناس].
    قال: وكان من زهاد الناس، يعني: هذه من تلميذه الذي روى عنه؛ لأن هذا هو الذي يشعر بأنه هو الذي قال هذه الكلمة، أنه روى عنه وقال: وكان من زهاد الناس، أخرج له النسائي وحده.
    [عن هشام].
    هو ابن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، ثبت، حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود].
    وهؤلاء الأربعة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق سابعة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا هشام هو الدستوائي عن حماد عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول: السلام على الله، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)].أورد النسائي: حديث ابن مسعود من طريق أخرى وهو بنفس اللفظ المتقدم، وفيه أيضاً مثلما في الذي قبله كانوا يقولون: السلام على الله من عباده، السلام على جبريل، وميكائيل، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقولوا: السلام على الله من عباده فإن الله هو السلام، ولكن قولوا...الخ، الدعاء الذي أرشد إليه يشملهم؛ لأن: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يدخل فيها جبريل، وميكائيل، وغيرهم، لأنها تعود إلى كل عبد صالح في السماء، والأرض، ولكن الذي نبه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو: السلام على الله، فإنه لا يسلم عليه؛ لأن السلام دعاء للمسلم عليه، والله تعالى هو الذي يدعى، ويرجى لغيره، يرجى لغيره أن يسلمه، يعني: يدعى للرسول صلى الله عليه وسلم ويدعى للملائكة، ويدعى للبشر يدعى للناس، يدعى لكل عبد صالح في السماء والأرض؛ لأن الله تعالى هو الذي يطلب منه، ولا يطلب له، وأما الخلق يطلب لهم، ولا يطلب منهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعى له، ولا يدعى، لا يأتي الإنسان إليه ويقول: يا رسول الله! أغثني، يا رسول الله! مدد، يا فلان! أريد كذا، يا الولي الفلاني! حقق لي كذا، يا الرسول الفلاني! أعطني كذا، وسيد الرسل، وخير الخلق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لا يجوز لأحد أن يطلب منه أشياء، وإنما يدعو له صلى الله عليه وسلم ويثني عليه بما يستحقه دون غلو، وتجاوز للحدود، ولكنه لا يطلب منه بل يطلب له، اللهم صل وسلم وبارك عليه هذا دعاء له، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته دعاء له بالسلامة والرحمة والبركة، فيطلب له، ولا يطلب منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق سابعة
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو أبو مسعود البصري، أبو مسعود كنيته توافق اسم أبيه، وقد مر ذكره كثيراً، وهو ثقة، حافظ، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا خالد].
    وهو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام هو الدستوائي].
    هو الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وكلمة: [هو الدستوائي] الذي قالها من دون خالد بن الحارث، وهو إسماعيل بن مسعود، أو النسائي، أو من دون النسائي، وقد مر ذكر هشام الدستوائي.
    [عن حماد].
    هو حماد بن أبي سليمان الأشعري، صدوق، له أوهام، خرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [عن أبي وائل].
    أبو وائل هو شقيق بن سلمة الكوفي ثقة، مخضرم، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، وأيضاً مشهوراً باسمه، يأتي ذكره أحياناً باسمه شقيقاً، وأحياناً بكنيته وهو كثير، ومعرفة كنى المحدثين فائدتها دفع توهم التعدد، بأن يظن الشخص الواحد شخصين إذا جاء ذكره في بعض الأسانيد شقيق، وجاء ذكره في الأسانيد الأخرى أبو وائل الذي لا يعرف أن أبا وائل كنية لـشقيق يظن أن شقيق شخص، وأن أبا وائل شخص آخر، ومن يعرف لا يلتبس عليه الأمر سواء وجد أبا وائل بهذا اللفظ وحده أو وجد شقيقاً بهذا اللفظ وحده يعرف أن هذا هو هذا وأن هذا هو هذا، دون أن يكون هناك التباس في أن يظن التعدد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن مسعود].
    وهو الذي مر ذكره كثيراً في هذه الطرق.
    حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق ثامنة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا بشر بن خالد العسكري حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سليمان ومنصور وحماد ومغيرة وأبي هاشم عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في التشهد: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، قال أبو عبد الرحمن: أبو هاشم غريب].أورد النسائي: هذا الحديث حديث ابن مسعود من طريق أخرى، وهي بلفظ الصيغ المتقدمة: التحيات لله والصلوات والطيبات.. إلخ.
    قوله: [أخبرنا بشر بن خالد].
    بشر بن خالد العسكري، ثقة، يغرب، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا غندر].
    وهو محمد بن جعفر البصري، ولقبه غندر يأتي ذكره باللقب، ويأتي ذكره بالاسم، وكثيراً ما يأتي ذكره عندما يروي عن شعبة بلفظ محمد دون أن ينسب، وهو محمد بن جعفر الذي هو غندر، ويأتي ذكره أحياناً بلقبه دون اسمه كما هنا فإنه قال: غندر عن شعبة، وغندر هو محمد بن جعفر، ومعرفة ألقاب المحدثين فائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا جاء في بعض الأسانيد غندر وفي بعضها محمد بن جعفر الذي لا يعرف أن محمد بن جعفر يلقب غندراً يظن أن غندراً شخصٌ آخر غير محمد بن جعفر، والذي يعلم أن هذا لقب لـمحمد بن جعفر لا يلتبس عليه الأمر، مثلما قيل في الكنى بالنسبة للمثال المتقدم وهو أبو وائل واسمه شقيق.
    [عن شعبة].
    هو: شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان ومنصور وحماد ومغيرة وأبو هاشم].
    سليمان، ومنصور، وحماد، ومغيرة، وأبو هاشم خمسة أشخاص يروي عنهم شعبة فهم خمسة أشخاص في طبقة واحدة، يعني: كلهم شيوخ لـشعبة، وكلهم تلاميذ لـأبي وائل، كلهم يروون عن أبي وائل وكلهم يروي عنهم شعبة، يعني: هؤلاء الخمسة.
    فأما سليمان، فهو ابن مهران الكاهلي الأعمش المشهور بلقبه الأعمش، يأتي ذكره بالاسم كما هنا، ويأتي ذكره بـالأعمش كثيراً، وهذا من جنس غندر الذي ذكرت؛ لأن من لا يعرف أن الأعمش لقب لـسليمان يظن أن سليمان شخص آخر غير الأعمش، ولكن من يعرف أن الأعمش وصاحب اللقب هو سليمان بن مهران فإنه لا يلتبس عليه الأمر، إن جاء سليمان أو جاء الأعمش هو شخص واحد يذكر في بعض المواضع، أو في بعض الأحيان باسمه، ويذكر في بعض الأحيان بلقبه.
    ومنصور، هو ابن المعتمر الكوفي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد].
    هو حماد بن أبي سليمان الذي مر ذكره.
    [ومغيرة].
    هو المغيرة بن مقسم الضبي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا المغيرة بن مقسم هو الذي ذكروا في ترجمته أنه احتلم وعمره اثنتا عشرة سنة، يعني: بلغ سن الحلم وعمره اثنتا عشرة سنة، يعني: احتلم في وقت مبكر، ومثله عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه ذكر عنه أنه ليس بينه، وبين أبيه إلا اثنتا عشرة سنة، يعني: بل هذا يمكن أكبر أو أقدم من المغيرة بن مقسم، وجاء بينه وبين أبيه ثلاث عشرة سنة، فهو أيضاً احتلم في وقت مبكر، وولد له في وقت مبكر، ولد له قبل أن يبلغ أربع عشرة سنة، ولد لـعمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه ابنه عبد الله قبل أن يبلغ أربع عشرة سنة، فهو إما عمره اثنا عشر أو ثلاث عشرة لما ولد له ابنه عبد الله بن عمرو، والمغيرة بن مقسم الضبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [وأبو هاشم].
    هو يحيى بن دينار الرماني الواسطي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    وقد قال النسائي في الآخر: أبو هشام غريب، يعني: يقصد بذلك أنه غريب يعني: بالنسبة لأبي هشام، وإلا فإنه جاء من طرق، ولكن ذكر أبي هاشم يعني: أنه من قبيل الغريب، وهذا الغريب يسمى الغريب النسبي، لأن الغريب المطلق هو الذي يأتي من طريق واحد، وأما النسبي فهو بالنسبة إلى غيره، يعني: بالنسبة إلى ذلك الشخص وإلا فإنه ليس غريباً، هو غريب باعتبار هذا الشخص وإلا فإنه ليس غريباً؛ لأنه جاء له طرق أخرى غير طريق أبي هاشم.
    [عن أبي وائل عن عبد الله].
    مر ذكرهما.
    شرح حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق تاسعة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا الفضل بن دكين حدثنا سيف المكي سمعت مجاهداً يقول: حدثني أبو معمر سمعت عبد الله رضي الله عنه يقول: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، وكفه بين يديه: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)].أورد النسائي حديث ابن مسعود في التشهد من طريق أخرى، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، والحديث الأول الذي مر أن ابن مسعود كان يعلمهم كما يعلمهم السورة من القرآن، فـابن مسعود رضي الله عنه اقتدى بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فإن الرسول علمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، وابن مسعود صار يعلم أصحابه، ويعلم غيره التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، وهو كما ذكرت دال على حرص الصحابة على الخير، وعلى تبليغهم السنن وعلى تعليم الناس الحق، والهدى الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذه من أجل مناقبهم، وأفضل مناقبهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، أن يكونوا هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الداعون إلى هذا الحق، والهدى، والدالون عليه، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله، ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    قوله: (وكفه بين يديه) يعني: كف ابن مسعود بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: واضع يده بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على الضبط، والإتقان من عبد الله بن مسعود، لأنه ضبط الهيئة التي كان عليها عندما علمه النبي صلى الله عليه وسلم التشهد، وأن يده بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: وضع الرسول صلى الله عليه وسلم كف عبد الله بن مسعود بين كفيه، يعني: أن يد عبد الله بن مسعود بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلمه التشهد، وهذا يدل على ضبط الراوي؛ لأنه ضبط الحديث، وضبط مع الحديث الهيئة التي كانت عند التحديث بهذا الحديث، وهذا مما يستدل به العلماء على ضبط الراوي ما رواه، يعني: كونه يحدث بالحديث، ويخبر عن هيئة حصلت وقت سماع الحديث، يعني: هيئة معينة، حصلت عند التحديث بالحديث، فهذا يدل على ضبط الراوي ما رواه، وإتقانه له، وكفه بين كفيه.
    ثم ذكر التشهد الذي هو في الصيغة المشهورة: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق تاسعة
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث وهي من أعلى صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه ، فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [أخبرنا الفضل بن دكين].
    هو أبو نعيم مشهور بكنيته، ومشهور باسمه، ويأتي ذكره كثيراً بالكنية أبي نعيم، وهو من كبار شيوخ البخاري الذين أدركهم البخاري في أول حياته، وأما النسائي فإنه لم يدركه كما ذكرت قريباً أن الفضل بن دكين توفي سنة مائتين وثمانية عشر، والنسائي ولد سنة مائتين وخمسة عشر، فعمر النسائي لما مات الفضل بن دكين ثلاث سنوات، ولهذا يروي عنه بواسطة، وهو من كبار شيوخ البخاري الذين ما أدركهم مثل النسائي، بخلاف صغار شيوخ البخاري الذين أدركهم مثل محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي الذين توفوا قبل البخاري بأربع سنوات، هذا توفي في أول حياة البخاري، والبخاري في حدود سن العشرين، وكانت وفاته مائتين وستة وخمسين، والفضل بن دكين توفي مائتين وخمسة عشر، والنسائي ولد مائتين وخمسة عشر، فهو لم يدركه ولهذا يروي عنه بواسطة.
    والفضل بن دكين أبو نعيم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ووصف بأن فيه تشيع، لكن تشيع مثله لا يؤثر؛ لأنه قد جاء عنه أنه قال: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان، ومن المعلوم أن الرافضة لا يترحمون على عثمان، وإنما يبغضون عثمان، ويبغضون الصحابة، ولا يتولون إلا عدداً يسيراً منهم.
    وأبو نعيم هذه الكنية اشتهر بها الفضل بن دكين الذي هو من كبار شيوخ البخاري، وقد اشتهر بها أبو نعيم الأصبهاني المؤلف المصنف صاحب التآليف مثل حلية الأولياء ومثل تاريخ معرفة الصحابة وغيرها من الكتب، وهو متأخر كثيراً عن هذا لأنه توفي سنة أربعمائة وثلاثين في القرن الخامس الهجري، وهو مشهور بكنتيه أبي نعيم .
    [حدثنا سيف المكي].
    وهو ابن سليمان المكي وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [سمعت مجاهداً يقول].
    هو ابن جبر المكي ثقة، عالم بالتفسير وغيره، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبو معمر].
    هو عبد الله بن سخبرة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت عبد الله يقول].
    هو ابن مسعود وهو الذي جاء في الطرق المتعددة عنه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    الأسئلة

    معنى كلمة مخضرم
    السؤال: ما معنى قولكم: هو مخضرم؟الجواب: المخضرم هو الذي أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يظفر، ولم يتشرف برؤيته، والالتقاء به، هو كان موجوداً في زمانه، وأدرك زمن الجاهلية، وأدرك الإسلام، ولكنه لم يتشرف بلقي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم عدد، ذكر منهم مسلم عدداً كبيراً، وقد مر بنا أبو وائل، والأسود، والمعرور بن سويد، وسويد بن غفلة، وعدد كبير من المخضرمين، والصنابحي الذي كان قدم من اليمن ليلقى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما وصل الجحفة التي هي بجوار رابغ التي هي ميقات أهل الشام والمغرب جاء ركبان من المدينة فأخبروهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، فلهذا قالوا في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، ما بينه وبين الصحبة إلا شيئاً يسيراً؛ لأنه جاء ليلقى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو في الطريق إليه، فقالوا: كاد أن يكون صحابياً.
    المحافظة على الصلاة في وقتها
    السؤال: مسلم يعمل في أحد المصانع في أوروبا، ولا يوجد مسلم غيره في ذلك المصنع، ويدركه وقت صلاة الظهر في عمله، ويخاف إن صلى من مديره المسيحي المتعقد، فقد يفصله من عمله أو يحرمه العلاوات، هل يجوز له تأخير صلاة الظهر إلى العصر فيجمعهما؟الجواب: لا، لا يجوز له ذلك، وإنما يصلي الصلاة في وقتها، ولا يدخل في العمل إلا على أساس أنه يمكن من الصلاة في وقتها؛ لأن هذا العمل هو غذاء للحياة الدنيا الفانية، وأما الصلاة فهي زاد الحياة الباقية، ومن المعلوم أن الحرص على الحياة الباقية، وإيثارها أولى وأعظم، وأجل من كون الإنسان يقدم الحق الدنيوي، ويقصر في الحق الأخروي أو الواجب الأخروي، وإنما يبحث عن عمل آخر أو يقول لهؤلاء الكفار: إنه لا يعمل بهذا العمل إلا إذا مكن من الصلاة، وإذا حيل بينه وبين الصلاة في وقتها فإنه يترك العمل ويبحث عن عمل آخر، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ )[الطلاق:2-3] والرزق بيد الله عز وجل، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها.
    درجة حديث من قيل في أحد رواته: (فيه لين)
    السؤال: ما درجة الحديث الذي في إسناده من قيل فيه: فيه لين؟الجواب: (فيه لين) درجته أنه يحتاج إلى جبر، ويحتاج إلى ما يعضده.
    قبول زيادة الثقة
    السؤال: متى تقبل زيادة الثقة؟الجواب: تقبل زيادة الثقة إذا جاءت من طريق ثقة فإنها تكون مقبولة.

  3. #223
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (220)


    - (باب نوع آخر من التشهد) إلى (باب ترك التشهد الأول)
    للتشهد صور متعدد، وأصحها رواية ابن مسعود رضي الله عنه، والتشهد الأخير ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا به، بخلاف التشهد الأول فإن تركه سهواً لا يبطل الصلاة، وتجبره سجدتا السهو.
    نوع آخر من التشهد

    شرح حديث أبي موسى الأشعري في كيفية التشهد
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من التشهد.أخبرنا عبيد الله بن سعيد أبو قدامة السرخسي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام حدثني قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله أن الأشعري رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلمنا سنتنا وبين لنا صلاتنا، فقال: أقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال: (وَلا الضَّالِّينَ )[الفاتحة:7] فقولوا: آمين يجبكم الله، وإذا كبر الإمام وركع فكبروا، واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد يسمع الله لكم، فإن الله عز وجل قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، ثم إذا كبر الإمام وسجد فكبروا واسجدوا؛ فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول: التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)].
    هنا أتى نسائي بهذه الترجمة، فهي: (نوع آخر من التشهد) أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود في صفة التشهد في طرق كثيرة عن عبد الله بن مسعود، وقال بعض أهل العلم: أن تشهد ابن مسعود هو أصح التشهدات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه ورد عن غير ابن مسعود ما هو صحيح، ولكن الذي ورد عن ابن مسعود هو الأصح، وبعد أن أورد النسائي الطرق المتعددة لطرق ابن مسعود عقب بعد ذلك بأنواع أخرى من التشهد جاءت عن غير عبد الله بن مسعود، فبدأ بما جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، وهو أنه قال: إن النبي عليه الصلاة والسلام خطبنا وعلمنا سنتنا، وبين لنا صلاتنا.
    قوله: خطبنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا فيه بيان ما كان عليه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من بيان السنن، وإبلاغها على المنابر حتى يكثر السامعون لها، وحتى يكون الآخذون لها كثيرين، وهذا من كمال نصحه عليه الصلاة والسلام، وشفقته على أمته، حيث بين للأمة أمور دينها، وبين لها كل ما تحتاج إليه، وقد جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في صحيح مسلم ضمن حديث طويل: [(ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، ويحذرهم شر ما يعلمه لهم)]، وقد حصل هذا لرسل الله عليهم الصلاة والسلام، ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام بلغ البلاغ المبين، ونصح للأمة غاية النصح، وما ترك أمراً يقرب إلى الله إلا ودل الأمة عليه، وما ترك أمراً يبعد من الله إلا وحذر الأمة منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد جاء عن ابن شهاب الزهري رحمة الله عليه أنه قال: من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم، الله تعالى أرسل الرسل وما ترك الناس هملاً لا يؤمرون، ولا ينهون، بل أرسل الرسل مبشرين، ومنذرين يدلونهم على طرق الخير، ويحذرونهم من طرق الشر، ومن سار على منهاج الرسل وعلى طريقة الرسل هو الذي سعد في دنياه وأخراه، ومن حاد عن طريقهم فإنه خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الضلال المبين.
    والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام -كما قال أبو موسى: بين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا، والمراد بالسنة هنا الطريقة، والمنهج الذي يسلكونه في التعبد وفي عبادة الله عز وجل، يعني: كونهم على سنة وعمل بمنهاج نبوة، وعلى طريقة مستقيمة، والسنة تطلق إطلاقات؛ تطلق إطلاقاً عاماً يشمل كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة، فهذا كله يقال له: سنة الرسول؛ لأنه طريقته، ومنهجه؛ أعني: الطريقة والمنهج الذي يوصل إلى الله عز وجل، ولا سبيل للهداية، وبلوغ الغايات الحميدة، والوصول إلى السلامة، والنجاة إلا باتباع الوحي الذي جاء به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، فالسنة تطلق إطلاقاً عاماً يشمل كل ما جاء في الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله: (من رغب عن سنتي فليس مني)، يعني: طريقته، ومنهجه الذي هو الكتاب والسنة.
    وتطلق السنة أيضاً ويراد بها الوحي الغير المتلو؛ لأن الوحي وحيان وحي متلو متعبد بتلاوته معجز، ووحي متعبد بالعمل به كالقرآن، وهو السنة، فإذا قيل: دل عليه الكتاب والسنة فالمراد بذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا إطلاق آخر، يعني: غير الإطلاق الأعم.
    وتطلق السنة أيضاً على ما يقابل البدعة، ومن المعلوم أن طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم هي السنة وما يخالفها هو البدعة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
    وقوله: (وعلمنا صلاتنا) هذا من التخصيص بعد التعميم؛ لأن الصلاة هي من جملة السنة التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن السنة بيانها يشمل الصلاة، وغير الصلاة، ولكن هذا تخصيص لصلاة، وتنويه بشأنها، ولهذا بين بعد ذلك الكيفية التي علمهم إياها رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بالصلاة؛ لأن المقام هو مقام بيان الصلاة ومتابعة الإمام في الصلاة.
    قوله: [(علمنا سنتنا وبين لنا صلاتنا فقال)].
    (فقال) أي: في بيان الصلاة، [(أقيموا صفوفكم)] يعني: الناس الجماعة عندما يصفون للصلاة عليهم أن يقيموا الصفوف، ويتراصوا فيها، وألا يجعلوا فيها عوجاً وفرجاً، وإنما يكملون الصف الأول فالأول، ولا يبدأ الصف الثاني إلا إذا امتلأ الأول، ولا يبدأ الثالث إلا إذا امتلأ الثاني وهكذا، تقام الصفوف وتسوى الأول فالأول.
    قوله: [(ثم ليؤمكم أحدكم)].
    الجماعة لابد لهم من إمام يؤمهم، والمأموم إن كان واحداً فيقف عن يمين الإمام، وإن كان المأموم اثنين فأكثر فإنهم يقفون وراءه وإذا كثروا فإنهم يكونون صفوفاً، فإذا امتلأ الصف الأول يبدأ بالصف الثاني، وإذا امتلأ الثاني يبدأ بالثالث وهكذا.
    متابعة المأمومين لإمامهم في أفعال الصلاة
    قوله: [(فإذا كبر فكبروا)].يعني: إذا دخل في الصلاة وقال: الله أكبر فكبروا وراءه ولا تسبقوه، ولا توافقوه، ولا تتأخروا عنه كثيراً، بل تابعوه، يعني: إذا فرغ فابدءوا من حيث ما يفرغ الإمام؛ من حينما يكبر فكبروا، فإذا قال: الله أكبر فقولوا: الله أكبر.
    قوله: [(وإذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين)].
    يعني: وإذا قرأ الفاتحة، وقال: ولا الضالين فقولوا: آمين يجبكم الله؛ لأن آمين معناها: اللهم استجب، هذا هو معنى آمين يعني: هذا الدعاء الذي دعوتم به وقلتم: آمين التي معناها: اللهم استجب فإنه يجبكم الله عز وجل عليه.
    قوله: [(وإذا كبر الإمام ورفع فكبروا واركعوا)].
    يؤتى بالتكبير ويؤتى بالركوع، الفعل والقول، يؤتى بالفعل الذي هو الركوع والهوي إلى الركوع ويؤتى بالقول الذي هو: الله أكبر عند الركوع.
    قوله: [(فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم)].
    فإن الإمام يركع قبلكم، ويرفع قبلكم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذه بتلك)، يعني: أن اللحظة التي سبقكم بها تعوض عنها اللحظة التي تأخرتم عنه بها، معناه: أن مقدار ركوعكم مقدار ركوعه تماماً إلا أنه يسبقكم هو بالركوع وتتأخرون عنه قليلاً، ويسبقكم في القيام، وأنتم تتأخرون عنه قليلاً، فتأخركم عنه قليلاً يعادل سبقه لكم في الركوع ويساويه، فمقدار ركوعكم هو مقدار ركوعه، لا يزيد عليكم شيئاً، يسبقكم في الركوع، ثم يسبقكم في القيام وأنتم تتأخرون عنه في القيام، فمقابل تأخركم عنه في الركوع صار ركوعكم يساوي مقدار ركوعه، ولهذا قال: (فهذه بتلك).
    قوله: [(وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم)].
    فإذا قال: سمع الله لمن حمده -أي: إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده- فقولوا: ربنا ولك الحمد، فهذا فيه دليل على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، وإنما يقول: ربنا ولك الحمد، والإمام هو الذي يجمع بين التسميع، والتحميد، فإنه يقول: سمع الله لمن حمده ويقول: ربنا ولك الحمد، وأما المأموم فإنه يقول: ربنا ولك الحمد، وقد ذهب إلى هذا بعض أهل العلم واستدلوا بهذا الحديث وقالوا: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)]، فلو كان يشرع لهم أن يقولوا: سمع الله لمن حمده لقال النبي صلى الله عليه وسلم: وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: سمع الله لمن حمده. مثل ما قال: وإذا كبر فكبروا، وإذا فعل كذا افعلوا كذا، فهنا غاير بين ما يفعله المأموم، وما يفعله الإمام، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وهذا هو القول الصحيح في المسألة، وبعض أهل العلم قال: إن المأموم أيضاً يسمع، فيقول: سمع الله لمن حمده، ويستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وهو يقول: سمع الله لمن حمده ويقول: ربنا ولك الحمد، ولكن يرد عليهم بأن هذا العموم مستثنى منه هذه الحالة، وأن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، وإنما يقول: ربنا ولك الحمد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام فصل ذلك حيث قال: [(وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)]، فلو كان هناك شيء يقوله المأموم قبل هذه الكلمة لقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: سمع الله لمن حمده.
    قوله: [(سمع الله لمن حمده يسمع الله لكم)]، يعني: يجبكم، لأن سمع بمعنى استجاب، سمع الله لمن حمده استجاب الله لمن حمده، وأما السماع الذي هو سماع الأصوات، والحركات فهذا يكون في كل شيء، فكل صوت مهما خفي، ومهما دق، فإن الله تعالى يسمعه، ولكن سمع هنا بمعنى استجاب، ولهذا قال: يسمع الله لكم، يعني: يجبكم، وليس معنى ذلك أنه يسمع، السماع الذي هو سماع الأصوات فإن الله يسمع كل شيء، لا يخفى عليه خافية في الأرض، ولا في السماء، فدبيب النمل -يعني: صوت دبيب النمل- الله تعالى يسمعه، والله تعالى يقول: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا )[المجادلة:1] امرأة تجادل الرسول صلى الله عليه وسلم في زوجها وعائشة قريبة من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن هذه المرأة، وهي لا تسمع ذلك الكلام، ويخفى عليها ذلك الكلام، ولهذا تقول: سبحان من وسع سمعه الأصوات، فالله تعالى يسمع كل شيء لا يخفى عليه شيء أصلاً، ولهذا ليس معنى (يسمع لكم) أنه يسمع كلامكم، الله تعالى يسمع كل شيء، ولكن الذي يخصهم هو الإجابة، والذي يحصل لهم هو الإجابة.
    ومن الكلمات اللطيفة التي تذكر في هذه المناسبة أن بعض سلف هذه الأمة سئل عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقيل له: ماذا تقول في معاوية ؟ فقال ذلك الرجل من سلف هذه الأمة: ماذا أقول في رجل صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد؟ ماذا أقول في رجل هذا شأنه وهذه حاله يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة: سمع الله لمن حمده، ومعاوية مع المصلين وراءه يقولون: ربنا ولك الحمد، يعني: هذا يدلنا على شرف أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنقبتهم، وفضلهم، ولهذا فإن أي واحد منهم أفضل من أي واحد ممن جاء بعدهم، فالصحابة أفضل من التابعين، وخير القرون القرن الذي بعث فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    قوله: [(قال: فإن الله عز وجل قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده)].
    يعني: معناه: استجاب الله لمن حمده.
    قوله: [(ثم إذا كبر الإمام، وسجد، فكبروا، واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم)].
    هذا يتعلق بالسجود وهو مثلما تقدم في الركوع تماماً، فقال: هذه بتلك، مثلها تماماً.
    قوله: [(قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول: التحيات الطيبات الصلوات لله)].
    (فإذا كان عند القعدة) يعني: التشهد، فليكن من أول قول أحدكم: [(التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)]، هذا التشهد مثل تشهد ابن مسعود إلا أنه يختلف عنه في أوله، تشهد ابن مسعود: (التحيات لله والصلوات والطيبات) وهنا يقول: [(التحيات الطيبات الصلوات لله)]، والباقي مثل تشهد ابن مسعود.
    وقوله: [(فليكن من أول قول أحدكم)] هذا يدل على أنه يقال مع التشهد غيره، يعني: مثل الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن قوله: (من أول قول أحدكم)، معناه: يوجد شيء وراءه، وهذا هو محل الشاهد من الترجمة، ذكر ما يقال في التشهد.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى الأشعري في كيفية التشهد
    قوله: [أخبرنا عبيد الله].هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    يحيى بن سعيد القطان، الثقة، الثبت، المحدث، الناقد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، ثبت، حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني قتادة].
    وهو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس بن جبير].
    هو يونس بن جبير البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حطان بن عبد الله].
    حطان بن عبد الله الرقاشي البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أن الأشعري].
    وهو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه، صحابي مشهور، واسمه عبد الله بن قيس، وهو مشهور بكنيته أبي موسى، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر من التشهد

    شرح حديث أبي موسى الأشعري في كيفية التشهد من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من التشهد.أخبرنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي البصري حدثنا المعتمر سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أبي غلاب وهو يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله أنهم صلوا مع أبي موسى رضي الله عنه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات لله الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)].
    هنا أورد النسائي حديث أبي موسى الأشعري من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله تقريباً إلا أن في أوله: [(التحيات لله والصلوات والطيبات لله)] وفي آخره: [(أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له)]، إضافة (وحده لا شريك له)، وهي مؤكدة للا إله إلا الله، يعني: لا إله إلا الله نفي وإثبات، (لا إله) نفي، و(إلا الله) إثبات، (لا إله) نفي عام و(إلا الله) إثبات خاص، ومعنى ذلك أنها تنفي العبادة عن كل من سوى الله، وتثبتها لله وحده لا شريك له، و(وحده لا شريك له) هذه تأكيد لكلمة الإخلاص؛ لأن وحده تأكيد للإثبات في (إلا الله) ولا شريك له تأكيد للنفي في (لا إله) فهي مؤكدة لكلمة الإخلاص، وهي بمعناها تماماً؛ لأنها مشتملة على نفي، وإثبات، وتلك الجملة مؤكدة لكلمة الإخلاص، والحديث فيه دليل على زيادة هذا التأكيد، يعني: في التشهد، وأن فيه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى الأشعري من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا أبو الأشعث].هو أبو الأشعث أحمد بن مقدام العجلي البصري، وهو صدوق، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له مسلم، ولا أبو داود.
    [حدثنا المعتمر].
    هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أبي].
    أبوه سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن قتادة عن أبي غلاب عن حطان أنهم صلوا مع أبي موسى].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    حديث ابن عباس: (كان يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم التشهد) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن، وكان يقول: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)].وهنا أورد النسائي: نوعاً آخر من التشهد وهو عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفيه يقول: إنه علمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، وأنه علمهم أن يقولوا: [(التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله ألا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)].
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث بن سعد].
    الليث بن سعد وهو ثقة، ثبت، محدث، فقيه مصر، ومحدثها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزبير].
    هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن جبير].
    ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وطاوس].
    هو ابن كيسان اليماني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من المكثرين عند أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر من التشهد

    شرح حديث جابر: (كان رسول الله يعلمنا التشهد بسم الله وبالله ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من التشهد.
    أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر سمعت أيمن وهو ابن نابل حدثني أبو الزبير عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، بسم الله، وبالله، التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار)].
    وهنا أورد النسائي: نوعاً آخر من التشهد وهو عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وفي أوله: [(باسم الله، وبالله)]، وفي آخره: [(أسأل الله الجنة، وأعوذ بالله من النار)]، والباقي مثل تشهد ابن مسعود تقريباً، والحديث ذكره النسائي فيما بعد برقم (1280)، وتكلم فيه وقال: إنه خطأ، وذلك بسبب أيمن بن نابل، ثم أيضاً فيه أبو الزبير عن جابر وهو مدلس.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (كان رسول الله يعلمنا التشهد بسم الله وبالله ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
    هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
    [حدثنا المعتمر].
    هو المعتمر بن سليمان، وقد مر ذكره.
    [سمعت أيمن وهو ابن نابل].
    صدوق، يهم، وحديثه أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
    [حدثني أبو الزبير].
    أبو الزبير، قد مر ذكره.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه صحابي ابن صحابي وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    التخفيف في التشهد الأول

    شرح حديث: (كان النبي في الركعتين كأنه على الرضف...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التخفيف في التشهد الأول.أخبرني الهيثم بن أيوب الطالقاني حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثنا أبي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في الركعتين كأنه على الرضف، قلت: حتى يقوم؟ قال: ذلك يريد].
    وهنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي التخفيف في التشهد الأول، يعني: تخفيفه، وعدم تطويله، ولا شك أنه لا يماثل التشهد الأخير، ولكنه لا يخفف كثيراً بل يمكن أن يقتصر على التشهد ويمكن أن يضاف إليه، ولكنه لا يخفف بحيث أنه لا يصلح فيه إلا التخفيف، بل يمكن أن يؤتى مع التشهد بشيء، يعني: من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك.
    وأورد النسائي حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الركعتين يعني: في الجلوس بعد الركعتين أي: في التشهد الأول، أي: في الصلاة التي فيها تشهدان في التشهد الأول منهما يكون كأنه على الرضف، والرضف هي الحجارة المحماة، معناه: أنه يسرع إلى القيام منه، والحديث فيه انقطاع من جهة أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود فهو مرسل، وأما التسوية بينه، وبين التشهد الثاني فلا يسوى بينهما، ولكنه لا يتعين الاقتصار على التشهد فقط، بل يمكن أن يضاف إليه، ولكنه لا يسويه بالتشهد الثاني، يعني: في الإطالة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي في الركعتين كأنه على الرضف ...)
    قوله: [أخبرني الهيثم بن أيوب].هو الهيثم بن أيوب الطالقاني، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    قوله: أخبرني، ما قال: أخبرنا.
    أخبرني يراد بها أنه حدثه، وليس معه أحد عند التحديث، بخلاف أخبرنا فإنه يكون حدثه، ومعه غيره، لكن أخبرني لا تحتمل إلا أن يكون وحده، وأخبرنا تحتمل أن يكون وحده، وذكر ذلك على سبيل أن ما يطلقه الإنسان على نفسه أحياناً وأيضاً تحتمل أن يكون معه غيره، أما أخبرني فلا تحتمل إلا أنه وحده.
    [حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم].
    ثقة، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حدثني أبي].
    وهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عبيدة].
    هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وهو مشهور بهذه الكنية وقيل: إنه ليس له غيرها، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الله بن مسعود، وهو الصحابي الجليل من المهاجرين، ومن علماء الصحابة، وفقهائهم، وليس هو من الأربعة العبادلة الأربعة.
    ترك التشهد الأول

    شرح حديث ابن بحينة في ترك التشهد الأول
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ترك التشهد الأول.أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي البصري حدثنا حماد بن زيد عن يحيى عن عبد الرحمن الأعرج عن ابن بحينة (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فقام في الشفع الذي كان يريد أن يجلس فيه فمضى في صلاته، حتى إذا كان في آخر صلاته سجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي ترك التشهد الأول، معنى هذا أن التشهد الأول تركه لا يبطل الصلاة، فليس ركناً من أركانها، ولكن الإنسان لا يتعمد تركه، وإن تركه سهواً فإنه يجبره سجود السهو.
    وأورد النسائي حديث عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ثم قام من الثنتين، ومضى ولما أراد أن يسلم سجد سجدتين ثم سلم، يعني: سجد سجدتين قبل السلام، وهي سجدة السهو؛ لأنه حصل عن نقص، وهو نقص التشهد الأول فسجد قبل السلام.
    والحديث شاهد لما ترجم له النسائي من حيث تركه، ولكن هذا الترك إنما يكون للسهو، ويجبر بشيء يجبره، وهو السجود، وأما التعمد فإنه لا يتعمد تركه، ولكنه إن نسي فإنه لا يؤثر نسيانه على الصلاة من حيث إنه يؤتى به أو أنها تعاد، وإنما يجبر بسجدتين قبل السلام.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن بحينة في ترك التشهد الأول
    قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب].هو يحيى بن حبيب بن عربي البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا حماد بن زيد].
    هو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو: يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، والأعرج لقب، فهو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن بحينة].
    وهو عبد الله بن مالك بن بحينة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    حديث ابن بحينة في ترك التشهد الأول من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن الأعرج عن ابن بحينة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فقام في الركعتين فسبحوا فمضى، فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين ثم سلم)].وهنا أورد النسائي حديث ابن بحينة وهو مثل الذي قبله، إلا أنه قام من السجدتين، ولم يتشهد فسبحوا ومضى؛ لأنه دخل في الركعة الثانية، ولكنه عوض عن ذلك بسجود السهو الذي هو سجدتان قبل السلام.
    قوله: [أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف].
    وهو الحراني وهو ثقة، حافظ، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا وهب بن جرير].
    هو وهب بن جرير بن حازم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    وهو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن الأعرج عن ابن بحينة].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    الأسئلة

    وقفة مع ليلة سبع وعشرين من رجب وما فيها من الأشياء
    السؤال: حدثنا قليلاً عن ليلة سبع وعشرين من رجب، والواجب فعله.الجواب: شهر رجب لم يرد فيه شيء يخصه؛ لا لياليه، ولا أيامه، ليس هناك شيء يخص هذا الشهر إلا أنه من الأشهر الحرم الأربعة التي جاء ذكرها في القرآن (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ )[التوبة:36] فهي أربعة، واحد فرد، وثلاثة سرد، فرجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم هؤلاء هي الأشهر الحرم، وكان أهل الجاهلية يعظمونها،وقد جاء في حديث وفد عبد القيس لما جاءوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وطلبوا منه أن يوصيهم، وأن يعلمهم شيئاً يبلغونه من وراءهم، وقالوا: بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولا نصل إليك إلا في الشهر الحرام؛ لأنهم كانوا يعظمون الأشهر الحرم، وشهر رجب منها، ولكن لم يرد فيه شيء يخصه؛ لا لصيام، ولا في القيام، ولا في أي عبادة تخص ذلك الشهر، وأما فيما يتعلق في ليلة سبع وعشرين فيذكر بعض الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج، وليس هناك شيء يثبت أنها في رجب، ولا أنها في تلك الليلة، بل إن ذلك مجهول، ولو علم بالأسانيد الصحيحة أنها في هذه الليلة المعينة فليس لأحد أن يعمل فيها عملاً خاصاً دون أن يأتي فيه دليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) ويقول: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فلا تخصص تلك الليلة بشيء؛ لأنه لم يرد في ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه شيء يخص هذه الليلة، ولا يخص ليلة الإسراء والمعراج، وأنها في الوقت الفلاني، فإن هذا غير معروف، وغير مجزوم به، ولو كانت تلك الليلة معلومة بالأسانيد الصحيحة أنها في الليلة الفلانية فليس لأحد أن يتعبد بها عبادة خاصة من غير دليل يدل على ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأن العبادات إنما يؤتى بها اتباعاً، وليس ابتداعاً، وكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف.
    السلام على قبر النبي صلى الله عليه وسلم من بعيد
    السؤال: بعض المصلين يقوم ويسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم من التوسعة عن بعد من القبر، فهل هذا جائز؟الجواب: ليس للإنسان أن يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم خلال الزيارة إلا عند القبر، يعني: أمام القبر في المواجهة مستقبلاً القبر مستدبراً القبلة، وأما الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يكون في كل مكان، والملائكة تبلغه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سياحين) وتكرار الزيارة عند القبر الشريف يدل على منعه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، وما يفعله بعض الناس من الوقوف في أماكن من المسجد يستقبل القبر، ويضع اليمنى على اليسرى، ويسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم هذا من الأمور المحدثة التي لم تؤثر عن سلف هذه الأمة، ومن المعلوم أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم لما كان النبي صلى الله عليه وسلم موجوداً بين أظهرهم، ويكون في حجرته، ويعلمون أنه في بيته ما كان الواحد منهم يقف في أطراف المسجد، ويتجه إلى الحجرة التي فيها الرسول صلى الله عليه وسلم جالس أو نائم ويسلم عليه، ما كان هذا شأنهم، وما كانت هذه طريقتهم في حياته، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم عندما دفن في حجرته وفي بيته بيت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها كذلك ما كانوا يفعلون هذا.
    إذاً: فهذا من الأمور المحدثة ومن الأمور المبتدعة، والإنسان يصلي، ويسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام في أي مكان من المسجد، سواء كان داخل المسجد، أو خارجاً منه، فإنه يشرع للإنسان أن يصلي، ويسلم على رسول الله، ففي أي مسجد في الدنيا يدخله الإنسان يشرع له أن يصلي، ويسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم عند الدخول ويصلي، ويسلم عليه عند الخروج، والإنسان يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً، وأبداً، والملائكة تبلغ السلام إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.
    وإن قال: إننا نفعل هذا من أجل الزحام.
    نقول: وجود الزحام لا يقتضي أن الإنسان يفعل هذا الفعل، وإنما ينتظر حتى يخف الزحام، ثم أيضاً يشرع له أن يصلي، ويسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم من أي مكان، فيقول: اللهم صل وسلم وبارك عليه، والملائكة تبلغه، ولكن كونه يقف ويستقبل القبر من مكان بعيد فهذا محدث، وهذا شيء جديد لا يعرفه سلف هذه الأمة، بل هو من محدثات الأمور.
    السبب في إخراج البخاري لأيمن بن نابل وعدم إخراج النسائي له
    السؤال: أيمن بن نابل كيف خرج له البخاري، وكيف ضعفه النسائي مع ذلك؟الجواب: البخاري خرج له متابعة، ولم يخرج له استقلالاً، يعني: خرج له ومعه غيره.
    الذكر الذي يقال في سجود السهو
    السؤال: هل في سجود السهو قراءة أو ذكر مختص بها؟الجواب: ليس لسجود السهو ذكر يخصه، وإنما يفعل الإنسان به مثلما يفعل في سجود الصلاة.
    مدى وجود دليل في ترتيب زمن الرسل
    السؤال: هل ورد دليل في ترتيب زمن الرسل عليهم الصلاة والسلام؟الجواب: ما نعلم أدلة تدل على أن فلان بعد فلان، وفلان بعد فلان، وفلان بعد فلان، ولكن يوجد نصوص تدل على أزمان بعض الرسل، يعني: جاء في القرآن أن هذا بعد هذا، مثلما جاء عن نوح أن بعده هود، وبعد هود صالح ويأتي ذكر شعيب كثيراً بعد قصة نوح، وهود، وصالح، ولكن شعيباً بعد زمن إبراهيم، ولوط؛ لأنه جاء في بعض آيات القرآن: وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ [هود:89] يعني: يخاطب قومه، ولوط كان في زمن إبراهيم.

  4. #224
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (221)

    - (باب التكبير إذا قام من الركعتين) إلى (باب رفع اليدين وحمد الله والثناء عليه في الصلاة)
    يسن للمصلي رفع اليدين والتكبير في كل خفض ورفع من صلاته باستثناء القيام من الركوع فإنه يقول فيه: سمع الله لمن حمده.
    التكبير إذا قام من الركعتين

    شرح حديث أنس في التكبير إذا قام من ركعتين
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب السهو - التكبير إذا قام من الركعتين.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن عبد الرحمن بن الأصم قال: سئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن التكبير في الصلاة؟ فقال: يكبر إذا ركع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود، وإذا قام من الركعتين، فقال حطيم: عمن تحفظ هذا؟ فقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ثم سكت، فقال له حطيم: وعثمان ؟ قال: وعثمان].
    يقول النسائي رحمه الله: كتاب السهو. الإمام النسائي رحمه الله ذكر هذا الكتاب والذي تحته، ليس خاصاً بالسهو، وإنما فيه ما يتعلق بالسهو وما يتعلق بغيره، وهذان الكتابان اللذان قبل هذا الكتاب، وهما كتاب التطبيق وكتاب الافتتاح، هذين الكتابين أيضاً ليس ما تحتهما من الأبواب مقصوراً على ما يتعلق بموضوع الكتاب، وإنما يكون مشتملاً عليه وعلى غيره، فكذلك هنا السهو مشتمل على السهو وعلى غير السهو، ويأتي عند بعض المؤلفين أن يذكر الشيء ومعه غيره تبعاً، وأحياناً يستعمل المحدثون كلمة: وغيره، باب كذا وغيره، أو كتاب كذا وغيره، والنسائي رحمه الله ما ذكر شيئاً مضافاً إليه مثل كلمة: وغيره، والأمر كما ذكرت أن يكون الكتاب مشتملاً في الجملة على موضوع الكتاب، ولكنه ليس مقصوراً عليه، بل يشتمل عليه وعلى غيره، فكتاب السهو مشتمل على السهو وعلى غير السهو، والأبواب الأولى التي ذكرت تحت هذا الكتاب لا علاقة لها بالسهو.
    فأولها: باب التكبير إذا قام من الركعتين، يعني في الصلاة الرباعية أو الصلاة الثلاثية، الرباعية التي هي الظهر والعصر والعشاء، والثلاثية التي هي المغرب، فإنه إذا قام من التشهد الأول بعد الإتيان بالركعتين، فإنه يقوم مكبراً ويقول: الله أكبر.
    وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أنه كان يكبر إذا ركع وإذا رفع رأسه من السجود، وإذا قام من الركعتين، وقد مر في جملة أبواب ذكر التكبير في مواضع متعددة، وأنه يكون عند كل خفض ورفع، إلا في موضع واحد وهو القيام من الركوع، فإنه لا يكبر عنده، وإنما يقول الإمام والمنفرد: سمع الله لمن حمده، ويقول الجميع الإمام والمنفرد والمأموم: ربنا ولك الحمد، والإمام والمنفرد ينفرد بقوله: سمع الله لمن حمده هو القول الصحيح في المسألة، وإلا فإن هناك قولاً آخر يجعل التسميع والتحميد لكل مصل، سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً كما سبق أن عرفنا هذا.
    فالتكبير يكون في جميع أحوال الصلاة، عند الانتقال من هيئة إلى هيئة، فإنه يكبر عند ذلك، ولا يستثنى من ذلك إلا موضع واحد، وهو: عند القيام من الركوع، فإن الإمام والمنفرد يقولون: سمع الله لمن حمده، وكل يقول: ربنا ولك الحمد، وعلى هذا، فجميع أحوال الصلاة، والانتقال من هيئة إلى هيئة، إنما هو بالتكبير، إلا في موضع واحد في أثناء الصلاة، وهو عند القيام من الركوع، وعند الانتهاء من الصلاة، يؤتى بالسلام، وما عدا ذلك ليس هناك إلا التكبير.
    وقد سئل أنس بن مالك عن التكبير في الصلاة فقال: يكبر إذا ركع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود، وإذا قام من الركعتين، وكما ذكرت التكبير في جميع أحوال الصلاة إلا عند القيام من الركوع فيقال: سمع الله لمن حمده، وعند الانتهاء من الصلاة يقال: السلام عليكم، وما عدا ذلك فإنما هو التكبير فقط.
    وسأل حطيم أنس بن مالك عمن تحفظ هذا؟ فقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، ثم سكت فقال له: وعثمان ؟ فقال: وعثمان، ومعنى هذا أن هذا هو عمل رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعمل خلفائه الراشدين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس في التكبير إذا قام من الركعتين
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو عوانة].
    وأبو عوانة كنية اشتهر بها الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة وهو مشهور بكنيته أبو عوانة، وقد سبق أن ذكرت في دروس مضت، أن أبا عوانة يطلق على هذا الرجل الذي هو من طبقة شيوخ النسائي، ويطلق أيضاً على رجل متأخر، هو صاحب المستخرج على صحيح مسلم، الذي يطلق على كتابه: المستخرج، ويقال له: المسند، ويقال له: الصحيح، ذاك متأخر عن هذا؛ لأن هذا من طبقة شيوخ البخاري، ومسلم، والنسائي، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن الأصم].
    وهو عبد الرحمن بن الأصم المدائني، مؤذن الحجاج، وهو صدوق، خرج حديثه مسلم، والنسائي، وله عند مسلم حديث واحد، وعند النسائي حديث واحد هو هذا، ليس له في الكتب الستة إلا حديثان، أحدهما عند مسلم، والثاني عند النسائي، وهذا الحديث الذي عند النسائي، هو هذا المتعلق بالتكبير عند الركوع والسجود.
    وكلمة (الأصم) هذه تطلق على أشخاص، ومنهم من هو من المبتدعة، وهو: أبو بكر بن كيسان الأصم من المعتزلة، قد شذ في مسائل عديدة، انفرد بها عن غيره، وقد سبق أن أشرت إلى بعضها، ويطلق أيضاً هذا اللقب، الذي هو الأصم على: أبي العباس الأصم، وهو ثقة، وهو شيخ للحاكم، روى عنه الحاكم في المستدرك كثيراً.
    وعبد الرحمن الأصم صدوق، أخرج له مسلم، والنسائي .
    [عن أنس بن مالك].
    رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات، منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، حتى توفاه وهو يخدمه، وقد دعا له النبي عليه الصلاة والسلام بطول العمر وكثرة الولد، فكان كما دعا له النبي عليه الصلاة والسلام، فإنه عمر وكثر ولده رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم الذين جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس كالبحر والخدري وجابر وزوجة النبي
    فزوجة النبي المراد بها عائشة، فـأنس رضي الله تعالى عنه هو أحد هؤلاء المكثرين، وقد عمر وأدركه من لم يدرك الكثير من الصحابة، أدركه صغار التابعين وأخذوا عنه، وهم لم يدركوا من كان قبله من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    وأما حطيم فهذا ليس من رجال الإسناد، وإنما الراوي يذكر أنه سأله هذه الأسئلة، أو هذين السؤالين، أي: سأل أنس بن مالك : عمن تحفظ هذا؟ فقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، ثم سأله وقال: وعثمان ؟ فقال: وعثمان.
    شرح حديث عمران بن حصين في التكبير في كل خفض ورفع
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا حماد بن زيد حدثنا غيلان بن جرير عن مطرف بن عبد الله صلى علي بن أبي طالب فكان يكبر في كل خفض ورفع يتم التكبير، فقال عمران بن حصين رضي الله عنه: لقد ذكرني هذا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم].أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ذكر أنه صلى مع علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فكان يكبر عند كل خفض ورفع، يتم التكبير، فقال عمران بن حصين : لقد ذكرني هذا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن مر الحديث وفيه أن مطرف قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي رضي الله عنه، فكان يكبر عند كل خفض ورفع، فلما انتهوا من الصلاة قال: فأخذ عمران بن حصين بيدي وقال: لقد ذكرني هذا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فالحديث: من مسند عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه، فإنه هو الذي أضاف ذلك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، يعني: هذا الفعل الذي فعله علي رضي الله تعالى عنه، قال: إنه ذكرني صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، والحديث دال على ما دل عليه الذي قبله، وهو التكبير عند كل خفض ورفع، إلا أن ذاك فيه ذكر التكبير في مواضع، وهنا بلفظ أعم حيث قال: عند كل خفض ورفع كان يكبر، ومن المعلوم أنه يستثنى من ذلك القيام من الركوع، فإنه لا يكبر عنده، وإنما يؤتى فيه بسمع الله لمن حمده، ومن المعلوم أن المراد بذلك الغالب، وليس المقصود منه في جميع الأحوال مطلقاً، فإن ذلك مستثنى، أي: الذي هو القيام من الركوع، فإنه رفع، ولكنه لا يكبر عنده، وهذا مثل حديث: ( إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن )، فإنه يقول مثله مطلقاً، إلا عند حي على الصلاة حي على الفلاح، فإنه يقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فكذلك هنا قوله: يكبر عند كل خفض ورفع، أي: إلا عند القيام من الركوع، فيقال: سمع الله لمن حمده، ولا يقال: الله أكبر.
    تراجم رجال إسناد حديث عمران بن حصين في التكبير في كل خفض ورفع
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].وهو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، محدث، ناقد، متكلم في الرجال، وكثيراً ما يأتي في التراجم: وثقه الفلاس، أو ضعفه الفلاس، والمراد به عمرو بن علي الفلاس هذا.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    وهو القطان، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من النقاد المتكلمين في الرجال بجرحهم وتعديلهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد بن زيد].
    وهو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن غيلان بن جرير].
    وهو: غيلان بن جرير البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مطرف بن عبد الله].
    وهو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمران بن حصين].
    صاحب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن علي بن أبي طالب].
    علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه في الإسناد ليس من الرواة، ولكنه فعل هذا الفعل، وهذه الهيئة التي قال عنها عمران بن حصين : لقد ذكرني هذا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث مرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا القول الذي قاله عمران بن حصين، مشيراً إلى هذه الكيفية التي كان صلاها بهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    رفع اليدين في القيام إلى الركعتين الأخريين

    شرح حديث: (كان النبي إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين في القيام إلى الركعتين الأخريين.أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن بشار واللفظ له، قالا: حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبد الحميد بن جعفر حدثني محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، قال: سمعته يحدث، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: رفع اليدين عند التكبير عند القيام من الركعتين، يعني: عندما يكبر لقيامه من الركعتين فإنه يرفع يديه، وأورد النسائي في هذه الترجمة، حديث أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حذو منكبيه قال: [ إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما..] إذا قام من السجدتين، المراد بالسجدتين الركعتين، معناه: في الصلاة الرباعية أو الصلاة الثلاثية، بعدما يركع الركعتين، ويجلس للتشهد الأول، ثم يقوم، فإنه عند قيامه يرفع يديه، وهذه من المواطن التي جاءت بها السنة في رفع اليدين عند التكبير، وقد جاء هذا الحديث في صحيح البخاري.
    وقد جاء في حديث ابن عمر في الصحيحين، التكبير في ثلاث مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وجاء في حديث أبي حميد في صحيح البخاري، وفي غيره، الذي هو معنا عند النسائي: أنه كان يكبر عند القيام من الركعتين، وهنا قال: السجدتين، والركعة يطلق عليها أنها سجدة، وقد جاء ذلك في أحاديث، وهذا منها، أي: من الركعتين اللتين هما أول الصلاة، وذلك في الصلاة الرباعية أو الصلاة الثلاثية، فإنه يكبر إذا قام ويرفع يديه، وقد جاء في أحاديث أخرى، سبق أن مرت أنه عندما يسجد، وعندما يقوم، كما صنع حين افتتح الصلاة، يعني: عند تكبيرة الإحرام، فإنه يرفع يديه حذو منكبيه عندما يكبر، فكذلك هنا يرفع يديه حذو منكبيه، أي: أن هذه الحالة أو هذا الرفع إلى المنكبين مثل الهيئة التي كان يفعلها عند الدخول في الصلاة عند الإتيان بتكبيرة الإحرام.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه ...)
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن بشار واللفظ له].أي: لـمحمد بن بشار، فـيعقوب بن إبراهيم الدورقي ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو من صغار شيوخ البخاري، فإنه توفي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، يعني: البخاري توفي سنة 256هـ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي توفي سنة 252هـ، ومثله محمد بن بشار، الذي روى معه هذا الحديث الملقب بندار، فإنه أيضاً من صغار شيوخ البخاري، وهو أيضاً شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    وإذاً: فهذان الشيخان اللذان روى عنهم النسائي هذا الحديث هما شيخان لأصحاب الكتب الستة جميعاً، ومثلهم محمد بن المثنى الملقب بـالزمن، فإنه أيضاً شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو أيضاً من صغار شيوخ البخاري، والثلاثة الذين هم: محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ماتوا في سنة واحدة، وهي سنة 252هـ .
    قال النسائي: واللفظ له، أي: لـمحمد بن بشار، فمعنى هذا أن لفظ يعقوب بن إبراهيم الدورقي ليس هذا اللفظ، وإنما هو بالمعنى؛ لأنه نص على من له اللفظ منهما وهو محمد بن بشار الملقب بندار .
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    وهو القطان البصري المتقدم ذكره في الحديث الذي قبل هذا.
    [حدثنا عبد الحميد بن جعفر].
    وهو عبد الحميد بن جعفر البصري، وهو صدوق، رمي بالقدر، وربما وهم، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني محمد بن عمرو بن عطاء].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي حميد].
    أبو حميد الساعدي، هو المنذر بن سعد بن منذر الأنصاري، مشهور بكنيته أبي حميد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    رفع اليدين للقيام إلى الركعتين الأخريين حذو المنكبين
    شرح حديث ابن عمر في رفع اليدين للقيام إلى الركعتين الأخريين حذو المنكبين قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين للقيام إلى الركعتين الأخريين حذو المنكبين.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني حدثنا المعتمر سمعت عبيد الله وهو ابن عمر عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا قام من الركعتين يرفع يديه كذلك حذو المنكبين )].
    أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الذي يروي فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع والرفع منه، وعند القيام للركعتين، ورواية المواضع الثلاثة جاءت في الصحيحين، عند تكبيرة الإحرام، والركوع، والرفع منه، من حديث ابن عمر في الصحيحين، وأما عند القيام من التشهد الأول فهو عند النسائي كما هنا، وليس في الصحيحين، ولكن الذي في صحيح البخاري، عند القيام للتشهد الأول هو من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه المتقدم، فإنه في صحيح البخاري.
    والترجمة التي ذكرها المصنف تتعلق برفع اليدين، وهي مثل الترجمة السابقة، إلا أن المقصود من الترجمة الأخيرة كون الرفع يكون حذو المنكبين، هذا هو الذي أراده النسائي رحمه الله، وإلا فإن رفع اليدين عند القيام من الركعتين، هو موضع الترجمة السابقة، لكن هنا المراد به التنصيص على أنه حذو المنكبين.
    والحديث دال على ما دل عليه الحديث الذي قبله من حصول رفع اليدين، وأنه حيال المنكبين، وحديث أبي حميد أيضاً دال على هذا.
    فإنه قال: حتى يحاذي المنكبين، يعني: حديث أبي حميد، هو نفسه دال على ما دل عليه حديث ابن عمر، من حيث الرفع، ومن حيث محاذاة المنكبين، وطريقة النسائي، مثل طريقة البخاري، أنه يأتي بالتراجم، ويأتي بأحاديث تدل على كل جزئية منها، وإن كان الحديث الذي قبله مشتمل على ما اشتمل عليه الحديث، إلا أن المقصود من ذلك هو الاستدلال بالحديث، إذا جاء من طريق آخر، أو حديث آخر عن صحابي آخر دال على ما دل عليه الذي قبله، والذي قبله أورده عن صحابي، والثاني أورده عن صحابي آخر، وكل منهما دال على رفع اليدين عند القيام للركعتين، وعلى أن ذلك يكون بحذاء المنكبين.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في رفع اليدين للقيام إلى الركعتين الأخريين حذو المنكبين
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني].وهو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
    [حدثنا المعتمر].
    وهو ابن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت عبيد الله وهو ابن عمر].
    وهو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو الذي يقال له: المصغر، تمييزاً له عن أخيه عبد الله بن عمر المكبر، وهو ضعيف، وأما عبيد الله بن عمر الذي معنا فهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وقوله: [وهو ابن عمر، هذه كما عرفنا مراراً وتكراراً الذي أتى بها من دون المعتمر بن سليمان، أتى بما يبين من هو عبيد الله، ولكنه لم يأت بالنسب على الهيئة المعروفة بأن يقول: عبيد الله بن عمر، وإنما قال: هو ابن عمر؛ حتى يعرف أن هذه الزيادة ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ، أراد بها أن يوضح من هو هذا الشخص، الذي أهمل ولم ينسب، أهمله تلميذه فلم ينسبه، فذكر من دونه نسبته، ولكنه أتى بلفظة (هو) حتى يعرف أنها ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ، وكما ذكرت هو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، إمام مشهور، محدث، فقيه، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه بأن يقوم بجمع السنة، والذي قال فيه السيوطي في الألفية:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
    [عن سالم].
    وهو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع منهم، فإن الفقهاء السبعة في المدينة ستة منهم متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع منهم فيه ثلاثة أقوال، وقد عرفنا أن الفقهاء السبعة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق،، هؤلاء متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، قيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، الذي معنا، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسالم بن عبد الله بن عمر، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبيه].
    وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم في طبقة واحدة وهي طبقة صغار الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، هؤلاء هم العبادلة ، وليس فيهم عبد الله بن مسعود ؛ لأنه متقدم عنهم، إذ كانت وفاته سنة 32هـ، وأما هؤلاء، فكانوا من صغار الصحابة، وقد عاشوا، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين. رفع اليدين وحمد الله والثناء عليه في الصلاة

    شرح حديث سهل بن سعد في رفع اليدين وحمد الله والثناء عليه في الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين وحمد الله والثناء عليه في الصلاة.أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى حدثنا عبيد الله وهو ابن عمر عن أبى حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قال: ( انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح بين بني عمرو بن عوف، فحضرت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر فأمره أن يجمع الناس ويؤمهم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرق الصفوف حتى قام في الصف المقدم، وصفح الناس بـأبي بكر ليؤذنوه برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في الصلاة، فلما أكثروا علم أنه قد نابهم شيء في صلاتهم، فالتفت فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: كما أنت، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله وأثنى عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجع القهقرى، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، فلما انصرف قال لـأبي بكر : ما منعك إذ أومأت إليك أن تصلي؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما كان ينبغي لـابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال للناس: ما بالكم صفحتم؟ إنما التصفيح للنساء، ثم قال: إذا نابكم شيء في صلاتكم فسبحوا )].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب رفع اليدين وحمد الله والثناء عليه في الصلاة. المقصود من هذه الترجمة، أنه في أثناء الصلاة، وفي حال القيام، فإنه يجوز رفع اليدين وحمد الله والثناء عليه في الصلاة؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه فعل هذا الفعل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقره على ذلك.
    وقد أورد النسائي في هذا حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام ذهب إلى بني عمرو بن عوف وهم أهل قباء ليصلح بينهم، وكان قد حصل بينهم شيء، فذهب للإصلاح بينهم، وتأخر، ولما حان وقت الصلاة وانتظروه، وتأخر في الوصول إليهم، طلب بلال من أبي بكر رضي الله عنه أن يؤم الناس، فقام ودخل في الصلاة، ولما دخل في الصلاة، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يشق الصفوف حتى كان في الصف الأول خلف أبي بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فدخل في الصلاة وصفح الناس لـأبي بكر، يعني: يصفقون له يريدون أن يؤذنوه ويعلموه بوصول الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه، لا يلتفت، لكنه لما رآهم أكثروا من التصفيق التفت وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بأن يبقى مكانه، يعني: معناه يستمر في الصلاة، ويستمر في إمامته للناس، فقام أبو بكر رضي الله عنه ورفع يديه، وحمد الله وأثنى عليه، لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام له، لكونه أقره وأمره، أو أشار إليه بيده بأن يبقى إماماً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه، فإنه رفع يديه وحمد الله وأثنى عليه، وهذا هو محل الشاهد للترجمة، وهو فعل أبي بكر رضي الله عنه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    لكن أبا بكر رضي الله عنه مع إذن النبي عليه الصلاة والسلام له، وفرحه بذلك، ورفعه يديه وحمد الله والثناء عليه، لكون النبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يستمر في الصلاة، والنبي عليه الصلاة والسلام وراءه، إلا أنه لم يبقى إماماً، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فلما فرغ من صلاته عليه الصلاة والسلام، قال لـأبي بكر : مالك لم تصل، أي: بالناس إذ أمرتك، أي: بالإشارة؟ فقال: ما كان ينبغي لـابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال للناس: (ما بالكم صفحتم؟! إذا نابكم شيء في الصلاة فسبحوا) يعني: بدل التصفيق، وقد جاء في بعض الروايات: ( إنما التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء ).
    والحديث دال على ما ترجم له المصنف من جهة رفع اليدين، وحمد الله والثناء عليه في الصلاة، وفيه: أنه ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، وفيه أيضاً: أن الصلح ينبغي أن يتولاه الكبار، وأنه لا يستسهل به بأن يرسل فيه أحد ليس كبيراً، فإن النبي عليه الصلاة والسلام باشر ذلك بنفسه، ولم يرسل أحداً من أصحابه ليتولوا هذه المهمة، وليقوموا بهذه المهمة، بل هو عليه الصلاة والسلام باشرها بنفسه، حيث ذهب ليصلح بينهم.
    وفيه أن الإمام إذا تأخر، وانتظر الناس، وتأخر عن الوصول، فإنه يتقدم غيره ويصلي بالناس، وفيه: أن الإمام إذا جاء وقد دخل الناس في الصلاة، فإن له أن يشق الصفوف، وأن يمشي بين الصفوف حتى يصل إلى الصف الأول ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام تقدم بعدما رجع أبو بكر القهقرى، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    وفيه: أنه عندما يحصل أمر يقتضي تنبيه الإمام عليه، فإنه يحصل التسبيح من الرجال وليس التصفيق، كما أرشد إلى ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والحديث كما ذكرت سبق أن مر وهو مشتمل على مسائل عديدة، منها هذه المسائل التي أشرت إليها.
    تراجم رجال إسناد حديث سهل بن سعد في رفع اليدين وحمد الله والثناء عليه في الصلاة
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع].ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي .
    [حدثنا عبد الأعلى].
    وهو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبيد الله هو ابن عمر].
    وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وهو: عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المصغر تمييزاً له عن أخيه عبد الله بن عمر المكبر، وهذا ثقة، ثبت، وذاك ضعيف.

    [عن أبي حازم].
    وهو سلمة بن دينار .


  5. #225
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (222)
    - باب السلام بالأيدي في الصلاة - باب رد السلام بالإشارة في الصلاة
    ورد الثناء على من يعظم شعائر الله ومن ذلك الصلاة فإنه لا يجوز الكلام فيها، حتى رد السلام فإنما يكون بالإشارة. وقد ورد النهي عن التشبه بالحيوانات والبهائم في الصلاة ومن ذلك كيفية التسليم، فقد كان الصحابة يرفعون أيديهم إذا أرادوا الخروج من الصلاة، فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك وشبه هذا الفعل بفعل الخيل الشمس.
    السلام بالأيدي في الصلاة

    شرح حديث جابر بن سمرة في السلام بالأيدي في الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السلام بالأيدي في الصلاة.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبثر عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن رافعو أيدينا في الصلاة، فقال: ما بالهم رافعين أيديهم في الصلاة كأنها أذناب الخيل الشمس؟! اسكنوا في الصلاة )].
    يقول النسائي رحمه الله: باب السلام بالأيدي في الصلاة، المقصود بالسلام هنا: الإشارة بالأيدي عند الفراغ من الصلاة، وتحريكها إشارة إلى السلام، بأن يحرك اليدين ويشير باليد اليمنى إلى جهة اليمين، عندما يسلم على اليمين، ويشير باليد اليسرى، عندما يسلم إلى جهة الشمال، والمقصود من هذه الترجمة، السلام بالأيدي الذي لا يجوز؛ لأنه ذكر بعده باباً وهو رد السلام بالإشارة، إذا سلم على المصلي، وهو يصلي، فإنه يرد بالإشارة، هذا هو السائغ الجائز، وأما هذه الترجمة فهي: السلام بالأيدي الذي هو غير سائغ وجائز، وهو تحريك الأيدي ورفعها، والإشارة يميناً وشمالاً عند الفراغ من الصلاة، وعند السلام من الصلاة؛ لأن هذه الهيئة حركة غير مشروعة، وغير جائزة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، وهي من المواضع التي جاءت الشريعة فيها بالنهي عن مشابهة الحيوانات في الصلاة، وهي بروك البعير، وافتراش الذراعين كافتراس السبع، وتحريك الأيدي في الصلاة عند السلام مثلما تفعل الخيل الشمس، وهي التي عندها نفار واضطراب وعدم هدوء، فإن ذيلها يتحرك بسبب حركتها، فهذه الترجمة المقصود منها الهيئة الغير مشروعة التي لا تجوز، والتي فيها مشابهة للبهائم.
    وقد أورد النسائي، حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام، خرج عليهم وهم رافعوا أيديهم في الصلاة)، وهذه الرواية مطلقة، لكن جاءت الرواية التي بعدها مفسرة لها ومبينة لها، وأن ذلك عند الخروج من الصلاة، ولهذا النسائي أورد الحديثين تحت باب السلام بالأيدي في الصلاة، أورد الحديثين تحتها، فالرواية الأولى مطلقة، والثانية مفسرة لها ومبينة لها، وأنهم يفعلون ذلك عند خروجهم من الصلاة، يعملون هذه الهيئة، وهي الهيئة التي يفعلها الآن الروافض عند خرجهم من الصلاة، فإنهم ينفرون ويعملون هذا العمل، الذي جاءت الشريعة بالنهي عنه عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وقال: ( اسكنوا في الصلاة )، يعني: معناها أن الإنسان لا يعمل هذه الحركة، التي غير سائغة وغير جائزة، وإنما يضع يديه على فخذيه، وإذا سلم يقول: السلام عليكم ورحمة الله، أو يقول: السلام عليكم، ولكن لا يفعل هذه الهيئة التي هي عبث، وعمل غير مشروع في الصلاة.
    وقوله: (اسكنوا في الصلاة)، قالها بعد ذكر هذه الهيئة المحرمة، فلا يعني ذلك أن الهيئات التي جاءت في الصلاة بتحريك الأيدي- مثل رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول، وكما جاء في بعض الأحاديث في أماكن أخرى في الصلاة في بعض الأحيان- منهي عنها فإن تلك مما جاءت بها السنة.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة في السلام بالأيدي في الصلاة
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].وهو ابن جميل بن طريف البغلاني، هو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبثر].
    وهو ابن القاسم الزبيدي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن المسيب بن رافع].
    وهو الكاهلي الأسدي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن تميم بن طرفة].
    وهو تميم بن طرفة الطائي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ما خرج له البخاري، ولا الترمذي.
    [عن جابر بن سمرة].
    وهو جابر بن سمرة بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث جابر بن سمرة في السلام بالأيدي في الصلاة من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يحيى بن آدم عن مسعر عن عبيد الله بن القبطية عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: ( كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم فنسلم بأيدينا، فقال: ما بال هؤلاء يسلمون بأيديهم كأنها أذناب خيل شمس، أما يكفي أحدهم أن يضع يده على فخذه ثم يقول: السلام عليكم، السلام عليكم؟ )].وهذه الطريق الأخرى، لحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه، هي المبينة والموضحة للطريق السابقة التي ليس فيها تحديد موضع رفع الأيدي في الصلاة، وذلك أنهم كانوا يحركون أيديهم في الصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام: (أما يكفي أحدهم أن يضع يده على فخذه، أو يديه على فخذيه، ويقول: السلام عليكم، السلام عليكم)، فإن الخروج من الصلاة ليس بفعل الأيدي، وإنما هو بهذا الكلام، والالتفات يميناً وشمالاً، فهذا هو ختام الصلاة، وهذا هو نهاية الصلاة، وليس معه حركة تصحبه، مثل تحريك الأيدي في الصلاة كتحريك الخيل الشمس أذيالها، فإن تلك هيئة نهى عنها رسول الله صلى اله عليه وسلم؛ لكونها فيها مشابهة للحيوانات.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة في السلام بالأيدي في الصلاة من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].وهو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يحيى بن آدم].
    وهو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب كتاب الخراج المطبوع.
    [عن مسعر].
    وهو مسعر بن كدام الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن القبطية].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، ما خرج له البخاري في الصحيح، ولا خرج له الترمذي، ولا ابن ماجه .
    [عن جابر بن سمرة].
    وهو الصحابي الذي مر ذكره في الطريق الأولى التي قبل هذه الطريق.
    رد السلام بالإشارة في الصلاة

    شرح حديث صهيب: (مررت على رسول الله وهو يصلي فسلمت عليه فردَّ عليَّ إشارة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رد السلام بالإشارة في الصلاة.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن بكير عن نابل صاحب العباء عن ابن عمر عن صهيب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه، فرد علي إشارة، ولا أعلم إلا أنه قال بأصبعه )].
    النسائي رحمه الله، بعد ما أورد الترجمة السابقة، وهي: السلام بالأيدي في الصلاة، والمراد من ذلك الخروج من الصلاة، وأن تلك الهيئة محرمة لا تسوغ ولا تجوز، عقبها بهذه الترجمة، التي هي: رد السلام بالإشارة، يعني: إذا سلم على المصلي وهو في الصلاة، فإنه يرد بالإشارة ولا يرد بالكلام، ما يقول: وعليكم السلام ورحمة الله، وإنما يرد بالإشارة، فلما أورد الترجمة السابقة التي فيها السلام بالأيدي في الصلاة، وهو عند الخروج منها، وأورد حديث جابر بن سمرة الدال على أن ذلك غير سائغ، وأن الخروج من الصلاة يكون بالكلام وليس بالإشارة، عقبه بهذه الترجمة التي هي رد السلام بالإشارة.
    وأورد تحت هذه الترجمة عدة أحاديث، منها: حديث صهيب بن سنان الرومي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فرد علي بالإشارة، وقال: ولا أعلمه إلا قال بأصبعه )، يعني: أشار بإصبعه، يعني: في رد السلام، فالحديث دال على الترجمة، وأن المصلي يمكن أن يسلم عليه، وأنه يرد بالإشارة وليس بالكلام، وقد جاءت أحاديث متعددة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أصحابه كانوا يسلمون عليه وهو يصلي، وكان يرد عليهم بالإشارة، وحديث صهيب هذا، من الأحاديث الدالة على ذلك، حيث أخبر بأنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلم عليه، فرد عليه بالإشارة، وأضاف وقال: (لا أعلم إلا أنه قال بإصبعه)، يعني: أن الراوي عن صهيب يقول: (لا أعلم إلا أنه قال بإصبعه)، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رد عليه مشيراً بالإصبع، يعني في رد السلام عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث صهيب: (مررت على رسول الله وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي إشارة)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره قريباً.
    [حدثنا الليث].
    وهو الليث بن سعد المصري، الثقة، الثبت، المحدث، الفقيه، فقيه مصر ومحدثها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكير].
    وهو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري أيضاً، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نابل صاحب العباء].
    نابل صاحب العباء والأكسية والشمال، يعني: وهي العبي والشمال جمع شملة، وكذلك الأكسية جمع كساء، فإنه كان معروفاً بها ويقال له: صاحب هذه الأشياء، وهو مقبول، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي، ما خرج له الشيخان، ولا خرج له ابن ماجه .
    [عن ابن عمر].
    وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، هؤلاء أربعة من الصحابة ممن يسمى عبد الله، والذين يسمون بعبد الله كثيرون من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، منهم: عبد الله بن مسعود، ومنهم: عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، ومنهم: عبد الله بن أبي بكر، وجماعة كثيرون يسمون بهذا الاسم، إلا أن لقب العبادلة غلب على هؤلاء الأربعة، وهم من صغار أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم في سن متقارب، وقد عاشوا وأدركهم كثيرون ممن لم يدركوا مثل ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    فـعبد الله بن عمر عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم، يوم أحد وعمره أربعة عشر سنة، وطلب أن يجيزه في الجهاد، فلم يأذن له حتى بلغ الخامسة عشرة، وعبد الله بن عباس في حجة الوداع قد ناهز الاحتلام، وعبد الله بن الزبير، هو أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة، فإنه ولد بقباء في أول ما وصل المهاجرون إلى المدينة، ولد بقباء، فهؤلاء الأربعة هم من صغار الصحابة.
    وأيضاً عبد الله بن عمر، من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    وهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس الذي هو الحبر أو البحر، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    [ عن صهيب].
    وهو ابن سنان الرومي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث صهيب في رد السلام بالإشارة في الصلاة من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا محمد بن منصور المكي حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( دخل النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء ليصلي فيه، فدخل عليه رجال يسلمون عليه، فسألت صهيباً وكان معه: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا سلم عليه؟ قال: كان يشير بيده )].ثم أورد النسائي، حديث صهيب رضي الله تعالى عنه، وهو عن ابن عمر يعني يرويه عنه، وهو أن صهيباً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في قباء، دخل مسجد قباء ودخل في الصلاة، فجاء الناس يسلمون عليه، (فكانوا إذا دخلوا وهو يصلي سلموا، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يرد بالإشارة)، وهذا هو المقصود من الترجمة؛ لأن الترجمة: رد المصلي السلام بالإشارة، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يرد على هؤلاء الصحابة الذين يدخلون المسجد وهو يصلي، فيسلمون عليه فيرد عليهم بالإشارة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو دال على ما دل عليه الحديث الذي قبله؛ لأن صهيباً سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم فرد عليه بالإشارة، وهنا يروي صهيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في قباء، والناس يدخلون مسجد قباء فيسلمون عليه وهو يصلي، فيرد عليهم بالإشارة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا دال على أن المشروع في رد السلام من المصلي إذا سلم عليه، إنما هو بالإشارة وليس بالكلام، فلا يخاطب بالكلام فيقول: عليكم السلام، وإنما يرد بالإشارة كما فعل ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث صهيب في رد السلام بالإشارة في الصلاة من طريق أخر
    ى
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور المكي].أخبرنا محمد بن منصور المكي وقد سبق أن مر أن النسائي يروي عن محمد بن منصور الجواز، ويروي عن محمد بن منصور الطوسي، وأنه عندما يأتي غير منسوب، وهو يروي عن سفيان، فإنه يُراد به محمد بن منصور الجواز المكي، وهنا جاء منسوباً فقيل له: المكي، لأنه أحياناً ينسبه فيما إذا روى عن سفيان، وأحياناً يهمله فلا ينسبه، وهنا جاء منسوباً، قال: محمد بن منصور المكي، فتبين أنه ليس مهملاً، هذا الموضع ليس من المواضع التي فيها إهمال، وإنما فيها تعيين وتحديد؛ لأن الطوسي خرج بقوله المكي، ولكن عندما يحصل الإطلاق ويقال: محمد بن منصور وهو يروي عن سفيان بن عيينة، فإنه يحمل على المكي؛ لأن ابن عيينة مكي ومحمد بن منصور مكي، فإذاً يحمل على من يكون له به علاقة، ومن له به اتصال، بخلاف الطوسي؛ لأن من كان من غير البلد، فإنه لا يبقى شيخه؛ لأنه لا يروي عنه إلا في أحيانٍ نادرة، يعني: يحصل عن طريق السفر، أو عن طريق رحلة، أو عن طريق تلاقي، أما إذا كان هو وإياه في بلد، دائماً يلقاه ويراه صباحاً ومساء، ويأخذ منه الحديث، فإن هذا يميز به المهمل، ولكن كما ذكرت هنا جاء منسوباً فقيل: المكي.
    ومحمد بن منصور الجواز المكي ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا سفيان] .
    وهو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وسفيان هنا غير منسوب، فيحمل على ابن عيينة وليس الثوري.
    [عن زيد بن أسلم].
    وهو زيد بن أسلم المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [قال: ابن عمر].
    ابن عمر رضي الله عنهما، وقد مر ذكره.
    [عن صهيب].
    وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    فالحديث السابق الذي فيه أن صهيباً سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم فرد عليه، وهذا الحديث الذي أخبر فيه على أن أهل قباء كانوا يدخلون ويسلمون عليه وهو يرد عليهم بالإشارة، كل منهما من رواية صحابي عن صحابي، من رواية ابن عمر عن صهيب بن سنان الرومي رضي الله تعالى عن عبد الله بن عمر وعن صهيب وعن الصحابة أجمعين.
    شرح حديث عمار بن ياسر: (أنه سلم على رسول الله وهو يصلي فرد عليه)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا وهب يعني: ابن جرير حدثنا أبي عن قيس بن سعد عن عطاء عن محمد بن علي عن عمار بن ياسر رضي الله عنه: (أنه سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فرد عليه)].وأورد النسائي حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه: أنه سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فرد عليه، وهنا مطلق الرد، لكن الأحاديث الأخرى، تفسره وتبينه، وأنه بالإشارة وليس بالكلام؛ لأنه ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرد بالكلام وهو في الصلاة، وإنما كان يرد بالإشارة، فهذا الحديث المطلق الذي لم يعين فيه كيفية الرد، تبينه الأحاديث الأخرى التي فيها بيان الكيفية، وأنها بالإشارة وليس بالكلام.
    تراجم رجال إسناد حديث عمار بن ياسر: (أنه سلم على رسول الله وهو يصلي فردَّ عليه)
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].وهو البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري ؛ لأنه توفي قبل البخاري بأربع سنوات، إذ وفاة البخاري سنة 256هـ ووفاة محمد بن بشار سنة 252هـ، ومثل محمد بن بشار في كونه من صغار شيوخ البخاري، وأنه مات في تلك السنة، شخصان آخران وهما: محمد بن المثنى الملقب الزمن، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء الثلاثة شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وهم جميعاً ماتوا في سنة واحدة وهي 252هـ، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات. ومحمد بن بشار لقبه بندار .
    [حدثنا وهب يعني: ابن جرير].
    وهو وهب بن جرير بن حازم الأزدي البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقوله: يعني ابن جرير، هذه الإضافة وهي كلمة: يعني: ابن جرير، هذه ممن دون تلميذ وهب، يعني: ممن دون محمد بن بشار، وهو النسائي، أو من دون النسائي، هم الذين أتوا بكلمة: يعني: ابن جرير، وهذه من الطرق، أو الهيئات، أو الصفات، التي يفعلها من يريد ممن كان دون التلميذ، أن يضيف شيئاً أكثر مما ذكره التلميذ؛ لأن محمد بن بشار ما زاد على كلمة: وهب، ما نسبه، ولكن أهمله، لكن النسائي، أو من دون النسائي نسبه، ولكنه أتى بكلمة: يعني، حتى يتبين أنها ليست من كلام محمد بن بشار، وإنما هي من كلام من دونه، فإذاً كلمة (يعني) فعل وفاعل، فعل مضارع، فاعله ضمير مستتر يرجع إلى محمد بن بشار .
    [حدثنا أبي].
    وأبوه جرير بن حازم الأزدي البصري، وهو ثقة، في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، ومن المعلوم أن هذا الحديث جاءت أحاديث أخرى متعددة بمعناه، وتدل على ما دل عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، الذي هو جرير بن حازم، وهو غير جرير بن عبد الحميد الذي هو متأخر عنه بطبقة، فإن ذاك متقدم بطبقة، وأما جرير بن حازم فهو بطبقة وهب بن جرير .
    [عن قيس].
    وهو قيس بن سعد المكي، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، يعني: ما خرج له الترمذي، وما خرج له البخاري في الموصولات، وإنما خرج له في التعاليق.
    [عن عطاء].
    وهو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن علي].
    هو محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بـابن الحنفية، وهو ثقة، عالم، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمار].
    وهو عمار بن ياسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث جابر: (بعثني رسول الله لحاجةٍ ثم أدركته وهو يصلي فسلمت عليه فأشار إلي...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة ثم أدركته وهو يصلي، فسلمت عليه فأشار إلي، فلما فرغ دعاني فقال: إنك سلمت علي آنفاً وأنا أصلي، وإنما هو موجه يومئذ إلى المشرق )].أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام بعثه في حاجة، وكان مسافراً وكان راكباً على دابته عليه الصلاة والسلام، فذهب للحاجة، ولما رجع سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم رد عليه بالإشارة؛ لأنه كان يصلي على الراحلة، كان يصلي على راحلته وهو موجه نحو المشرق، يعني إلى غير القبلة، فرد عليه بالإشارة، ولما فرغ دعاه، وقال: (إنك سلمت علي وأنا أصلي)، ثم قال جابر: (أنه موجه إلى المشرق)، يعني: أنه إلى غير القبلة يصلي على الراحلة، وهذا يدل على ما دلت عليه الأحاديث السابقة، بأن المصلي إذا سلم عليه يرد بالإشارة، ويدل على أن المسافر يتنفل على راحلته، وأنه يتنفل عليها ولو كانت متجهة إلى غير القبلة، يعني: بأن تكون القبلة وراءه أو عن يمينه أو عن شماله، فالسنة جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وغيره: أنه كان يصلي على الراحلة، وأنه يصلي حيث اتجهت به راحلته الوجهة التي يريدها، سواء كانت إلى القبلة أو إلى غير القبلة، فإنه كان يصلي على الراحلة، فالمقصود، أن حديث جابر بن عبد الله دال على ما دلت عليه الأحاديث السابقة، من رد النبي صلى الله عليه وسلم السلام بالإشارة، وهو في الصلاة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (بعثني رسول الله لحاجة ثم أدركته وهو يصلي فسلمت عليه فأشار إليَّ ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث].وقد مر ذكرهما.
    [عن أبي الزبير].
    وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    وهو جابر بن عبد الله الأنصاري، صحابي ابن صحابي، وأبوه ممن استشهد يوم أحد، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعني: جابر بن عبد الله أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذين سبق أن مر ذكرهم قريباً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الحديث رباعي، من الأحاديث الرباعية، وهي أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات ما عنده ثلاثيات، وهذا فيه أربعة بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: قتيبة، والليث بن سعد، وأبو الزبير، وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما.
    شرح حديث جابر في رد السلام بالإشارة في الصلاة من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن هاشم البعلبكي حدثنا محمد بن شعيب بن شابور عن عمرو بن الحارث حدثني أبو الزبير عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: ( بعثني النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته وهو يسير مشرقاً أو مغرباً، فسلمت عليه فأشار بيده، ثم سلمت عليه فأشار بيده، فانصرفت، فناداني: يا جابر، فناداني الناس: يا جابر، فأتيته فقلت: يا رسول الله، إني سلمت عليك فلم ترد علي، قال: إني كنت أصلي )].أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، من طريق أخرى، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في حاجة، وأنه لما وصل، سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم، ورد عليه بالإشارة، ثم أعاد السلام فرد عليه بالإشارة، ثم إنه انصرف، ولما فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة نادى جابراً وقال: (يا جابر)، يصوت له ويناديه، فصار الناس يصوتون لـجابر يقولون: (يا جابر)، ينادونه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يريده ويدعوه، فكانوا يصوتون حتى يبلغ الصوت إلى جابر، ثم إنه جاء وقال: (يا رسول الله، إني سلمت عليك فلم ترد علي، قال: إني كنت أصلي)، وكان قد رد عليه بالإشارة، يعني: ما رد عليه بالكلام، ولكن رد عليه بالإشارة؛ لأنه سلم مرتين، وكلها يرد عليه بالإشارة، فأفهمه عليه الصلاة والسلام بأن هذه الإشارة التي حصلت منه، إنما هي رد للسلام عليه، ودل هذا الحديث على ما دلت عليه الأحاديث السابقة من أن المصلي إذا كان يصلي وسلم عليه آخر، فإنه يرد بالإشارة وليس بالكلام.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر في رد السلام بالإشارة في الصلاة من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا محمد بن هاشم].وهو محمد بن هاشم البعلبكي، وهو صدوق، خرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد بن شعيب بن شابور] .
    صدوق، صحيح الكتاب، حديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمرو بن الحارث].
    وهو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، فقيه، حافظ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبو الزبير عن جابر].
    وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
    الأسئلة

    رد السلام بالإشارة في النفل وعلاقة ذلك بالفرض
    السؤال: هل رد السلام بالإشارة خاص بالنوافل أم مطلق؟الجواب: لا، مطلقاً، حتى الفريضة.
    مدى أفضلية ترك السلام على المصلي إذا كان فيه تشويش عليه
    السؤال: إذا كان المصلي من وراء ستار بحيث لا يراه المسلم، فهل يشرع أن يرد السلام بالإشارة؟الجواب: هو رد السلام بالإشارة إذا سلم على شخص وهو يصلي، ومن المعلوم أن السلام إنما يكون عندما يراه، أما إذا كان بينه وبينه ستار فكيف يسلم عليه وهو ما رآه،؟!ثم أيضاً ما ينبغي للإنسان كل ما دخل، يسلم على الناس وهم في الصلاة؛ لأن هذا يشوش عليهم، لكن هذا يدل على أن ذلك جائز، لكن ما يرفع الصوت، وإنما يكون بخفض الصوت، وإذا لم يحصل السلام على المصلين فهو أولى، يعني: لما قد يحصل فيه من التشويش عليهم، بخلاف ما إذا كان واحد يتنفل أو واحد يصلي على حدة، الأمر في ذلك أهون، لكن إذا كانوا جماعة وسلم عليهم، يعني: يكون فيه تشويش عليهم، لا سيما إذا كان فيه رفع صوت، فأمر السلام ليس لازم.. أولاً: السلام كما هو معلوم ابتداؤه سنة حتى في غير الصلاة، ورده واجب.
    كيفية رد السلام بالإشارة في الصلاة
    السؤال: كيف يكون رد السلام بالإشارة في الصلاة؟ نريد تطبيقاً عملياً.الجواب: هو جاء في الحديث أنه أشار بأصبعه، (ولا أعلم إلا أنه قال-في الحديث الأول- بأصبعه) يعني: أشار بأصبعه.
    حكم رد السلام بالإشارة أثناء الخطبة
    السؤال: هل يشرع رد السلام بالإشارة أثناء خطبة الجمعة؟الجواب: إذا جاز رد السلام في الصلاة، فخطبة الجمعة دونها، يعني: لا بأس بذلك، لكن كما قلت: إن السلام على الناس، ورفع الصوت عليهم، يحدث تشويشاً، فعدمه أولى.
    مدى صحة اعتبار السنن الكبرى للنسائي من الكتب الستة
    السؤال: هل السنن الكبرى للنسائي من الكتب الستة؟الجواب: السنن الصغرى هي التي تعد إحدى الكتب الستة، المراد بها الصغرى المجتبى وليس الكبرى.
    وصف الله بالملل بين الإثبات والنفي
    السؤال: جاء في الحديث: ( إن الله لا يمل حتى تملوا )، فهل فيه إثبات صفة الملل له عز وجل؟الجواب: لا، لا يدل على إثبات صفة الملل،والمعنى انه حتى إن حصل منهم الملل هو لا يمل، وليس معنى ذلك أنهم يملون ثم يمل، وإنما إنه إذا وجد منهم ملل فإنه لا يمل حتى لو ملوا، فلا يوصف الله بالملل، ولا يوصف بصفة الملل؛ لأن صفة الملل صفة نقص.
    تفويض الكيفية وتفويض المعنى وعلاقة كل منهما بعقيدة السلف
    السؤال: ما هو معنى التفويض؟ وهل هو من عقيدة السلف؟الجواب: التفويض تفويضان: تفويض كيفية، وهذه من عقيدة السلف، ولهذا جاء عن الإمام مالك رحمة الله عليه قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، يعني: كيف استوى، هذه لا يجوز الخوض فيها، ولا يجوز الكلام فيها، والتفويض في ذلك متعين، الله تعالى أعلم بالكيفية التي حصل بها الاستواء، لكن معنى الاستواء معلوم، وهو الارتفاع والعلو على العرش، فهذا هو معناه، فلا يفوض بالمعنى ولكن يفوض بالكيف، فالتفويض بالكيف هي طريقة السلف، والتفويض بالمعنى ليست طريقة السلف، وإنما هي طريقة المتكلمين؛ لأن المتكلمين صنفان، صنف يؤول وصنف يفوض، ويقول أحد من كتب في عقيدة هؤلاء:
    وكل لفظ أوهم التشبيه أوله أو فوض ورم تنزيها
    فتفويض المعنى أن يقول الإنسان: أنا ما أعلم ما معنى الكلام هذا: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) [طه:5] الله أعلم بمراده! ما ندري ما معناها، ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) [المائدة:64]، ما يدري ما معناه، وغير ذلك من الصفات، يقول: يكون المعنى غير معلوم، وهذا كلام لا شك أنه ليس بصحيح، وليست هذه عقيدة السلف، بل عقيدة السلف أنهم خوطبوا بكلام يعرفون معناه، وأنهم يفهمون المعنى الذي خوطبوا به، ولكنهم لا يبحثون عن الكيفية، والإمام مالك رحمه الله تعالى ذكر أن الاستواء معلوم؛ لأن الناس خوطبوا بكلام يفهمون معناه، والكيف هو المجهول، الاستواء معلوم هو الارتفاع والعلو، هذا هو معناه، لكن الكيف هو المجهول، فتفويض المعنى ليس من طريقة السلف، وإنما هي من طريقة الخلف، أو سلف الخلف.






  6. #226
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (223)

    - (باب النهي عن مسح الحصى في الصلاة) إلى (باب التشديد في الالتفات في الصلاة)
    الصلاة عمود الدين، والإتيان بها ينبغي أن يكون بخشوع واطمئنان؛ ولذلك نهى الشرع عما ينافي الخشوع في الصلاة، ومن ذلك: مسح الحصى، ورفع البصر إلى السماء، وشرع للمصلي النظر إلى موضع السجود.
    النهي عن مسح الحصى في الصلاة
    شرح حديث: (إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن مسح الحصى في الصلاة. أخبرنا قتيبة بن سعيد والحسين بن حريث واللفظ له عن سفيان عن الزهري عن أبي الأحوص عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه)].
    عقد النسائي هذه الترجمة وقال: النهي عن مسح الحصى في الصلاة، والمقصود من هذه الترجمة أن الإنسان عندما يكون في الصلاة لا يمسح الأرض بيديه، ولكنه يمكن إذا كان الأمر يقتضي ذلك بأن يسوي الأرض أمامه إذا كان فيها شيء من التعرج، أو شيء من الارتفاع، والانخفاض، مثل الرمل ونحوه مما يحتاج إلى أن يمسح، فيكون ذلك مرة واحدة كما جاء الحديث الذي بعد هذا بالترخيص، وإلا فإن المسح من غير حاجة عبث ولا يصلح.
    وقد أورد النسائي فيه هذا الحديث حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم في الصلاة -أي: دخل بها، واشتغل بها- فلا يمسح الحصى، فإن الرحمة تواجهه).
    ومعنى هذا أن الإنسان يكف عن مسح الأرض، ولا يشتغل بذلك؛ لأن فيه شيئاً من العبث، والحديث يقول: فإن الرحمة تواجهه، يعني: في كونه لا يمسح الأرض وتبقى على هيئتها، ولكن الحديث الذي بعد هذا يقول: وإن كان ولابد فمرة واحدة حتى تستوي الأرض، وعندما يسجد الإنسان عليها لا يكون فيها شيء من التعرج، والانخفاض، والارتفاع الذي يؤثر على الإنسان في صلاته، بل في سجوده يؤثر ذلك عليه، فجاءت السنة بأن المسح سائغ للحاجة، والضرورة التي تقضي ذلك، وليس هذا من قبيل العبث، ولكن من قبيل مصلحة الصلاة؛ فيما إذا كانت الأرض فيها شيء من عدم الاستواء، ومسحها يحصل به المقصود.
    وهذا الحديث الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة قال بثبوته بعض العلماء، وبعض أهل العلم ضعفه من جهة أبي الأحوص الذي في إسناده، وذلك أنه شخص لم يعرف بالرواية عنه إلا الزهري، فلم يرو عنه إلا شخص واحد، ولم يوثقه إلا ابن حبان، فقيل عنه: إنه مجهول، والحافظ في التقريب قال عنه: مقبول، ومقصوده من ذلك أنه إذا اعتضد، ووجد ما يساعده ويؤيده فإنه يرتفع إلى درجة القبول، ويكون حديثه من قبيل الحسن، أي: الحسن لغيره، والشيخ الألباني قد ضعف الحديث، وجعل السبب في ذلك هو أبو الأحوص الذي جاء ذكره في هذا الإسناد.
    تراجم رجال إسناد حديث (إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].وهو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، واسمه من الأسماء المفردة التي لم تكثر التسمية بها، أو لم يتكرر التسمية بها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [والحسين بن حريث].
    هو المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه ، فإنه لم يخرج له شيئاً.
    قال النسائي: (واللفظ له) لأنه ذكر شيخين من شيوخه روى عنهما هذا الحديث، وقال بعد ذكر الشيخين: واللفظ له، وهو يرجع إلى الحسين بن حريث، يعني: أن هذا لفظه، اللفظ المذكور المثبت هو لفظ شيخه الثاني.
    وسبق أن ذكرت فيما مضى: أن النسائي ينص كثيراًعلى من له اللفظ إذا ذكر شيخين، والغالب أنه يكون للثاني منهما كما هنا؛ لأنه ذكر قتيبة، والحسين بن حريث وقال: واللفظ له، الضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهو الحسين بن حريث، فالضمير يرجع إليه، وأحياناً يسكت، ولا يبين من له اللفظ، ولكنه في نهاية الحديث يذكر أن هذا لفظ فلان، ولفظ فلان كذا، وليس هناك قاعدة مطردة عند النسائي بحيث يقال: بأنه إذا لم يذكر من له اللفظ يكون للأول أو للثاني من الشيخين الذين ذكرهما، فليس هناك شيء ثابت عند النسائي في هذا الموضوع إذا لم ينص على من له اللفظ، والإمام البخاري رحمة الله عليه من عادته ومن طريقته أنه إذا ذكر شيخين، فإنه يجعل اللفظ للثاني منهما، ولا ينص عليه، ويقول: واللفظ لفلان، ولكن يقول: حدثنا فلان، وفلان، فيكون اللفظ للثاني منهما، بدليل أنه يكرر الحديث في موضع آخر، فيأتي بالشيخ الأول الذي ذكر في الإسناد، فيكون لفظه يختلف عن اللفظ المثبت الذي فيه رواية شخصين، فقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وقد عرف بالاستقراء من صنيعه -أي: من صنيع الإمام البخاري- بأنه إذا ذكر الحديث عن شيخين، فإن اللفظ للثاني منهما، وذلك أنه قد يذكر الحديث مرة أخرى، ويعيده، ويجعله بلفظ الأول، فيكون لفظه مغايراً للفظ الذي أثبته عن شيخين، وصار اللفظ للأخير منهما، وهي عادته وطريقته رحمة الله عليه.
    والنسائي -كما قلت- بخلافه، فليس له قاعدة ثابتة مستمرة، أحياناً يقول: واللفظ لفلان، وهذه طريقة مسلم، يعني: ينص على من له اللفظ، وأحياناً يسكت، ويبين في الآخر بأن هذا لفظ فلان، ولفظ فلان كذا، فأحياناً تكون الإشارة للفظ الشيخ الثاني، وأحياناً يكون لفظ الشيخ الأول، ويستنتج من هذا أنه ليس هناك قاعدة مستمرة ثابتة يسير عليها النسائي في بيان من له اللفظ من الشيخين الذين يذكرهما، ولا يذكر اللفظ مضافاً إلى أحدهما.
    [عن سفيان].
    وسفيان هو ابن عيينة، وسفيان مهمل غير منسوب، والمهمل هو الذي يذكر اسمه، ولا يذكر اسم أبيه وجده، فيسمى المهمل، وهو يحتمل سفيان بن عيينة، ويحتمل سفيان الثوري، ولكن سفيان بن عيينة هو المعروف بالرواية عن الزهري، والثوري ليس معروفاً بالرواية عنه، بل قال الحافظ ابن حجر في الفتح: إنه لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، وعلى هذا فيكون هذا المهمل المراد به ابن عيينة، وليس سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة المكي ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري] .
    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو إمام، جليل، ومحدث، فقيه، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين الذين لقوا صغار الصحابة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الأحوص].
    أبو الأحوص يطلق على جماعة اشتهروا بهذه الكنية، والمراد بها هنا أبو الأحوص مولى بني ليث أو غفار، وهو مقبول أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي ذر].
    وهو جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الرخصة فيه مرة
    شرح حديث معيقيب في الرخصة في مسح الحصى في الصلاة مرة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة فيه مرة.أخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني معيقيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن كنت لا بد فاعلاً فمرة)].
    هنا أورد النسائي الرخصة في ذلك، أي: في مسح الأرض في الصلاة، وأورد حديث معيقيب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن كنت لابد فاعلاً فمرة)، يعني: إذا كان ولابد من مسح الأرض لحاجة، أو لتسويتها أمام الوجه، عندما يريد الإنسان أن يسجد، لا سيما إذا كان فيها شيء من التعرج، والانخفاض، والارتفاع فليكن ذلك مرة واحدة في البداية، ثم لا يعود إلى مسحها بعد ذلك؛ لأن المسح من أجل تسويتها أمام الوجه في الصلاة يكون في أول مرة، ثم بعد ذلك تترك فلا يتعرض لها بمسح.
    فكون النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن كنت لابد فاعلاً فمرة) فيه إرشاد إلى عدم التسوية؛ لأن قوله: (إن كنت لابد فاعلاً فمرة)، هذه الصيغة تدل على الابتعاد عن التسوية، وأنه إذا كان ولابد من التسوية، والأمر يقتضيها فليكن ذلك مرة واحدة لتسويتها أمام الوجه في الصلاة، ويكون ذلك في أول الصلاة، ثم لا يعود إليها مرة أخرى فيسويها بيده؛ لأن هذا فيه عبث، وانشغال في الصلاة في غير طائل.
    أما المرة الأولى التي فيها مصلحة، فالحديث يدل عليها، وأن الأمر في ذلك سائغ، حيث أرشد إليها الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث معيقيب في الرخصة في مسح الحصى في الصلاة مرة
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].سويد بن نصر المروزي، لقبه الشاه، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك، وكثيراً ما تأتي الأسانيد عند النسائي فيها رواية سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك .
    [عن عبد الله بن المبارك المروزي].
    ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، ذكر الحافظ ابن حجر جملة من صفاته الحميدة في تقريب التهذيب، وقال عقبها: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأوزاعي].
    فقيه الشام، محدث، ومشهور بهذه النسبة الأوزاعي، وهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وكنيته توافق اسم أبيه؛ لأنه ابن عمرو وهو أبو عمرو، فكنيته توافق اسم أبيه، وفوائد معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث دفع توهم أن يكون الشخص الواحد شخصين، ودفع توهم التصحيف فيما لو ذكر بكنيته مع اسمه، وهو معروف باسمه، ونسبه، فإن من لا يعرف يظن أن (أبا) مصحفة عن (ابن)، لكن من يعرف أن الشخص أبوه عمرو وكنيته أبو عمرو فإن ذلك لا يلتبس على الإنسان، وإنما يعلم بأنه يذكر أحياناً بالكنية، وأحياناً بالنسبة، وكل منهما صحيح لا غبار عليه، ولا إشكال فيه.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    وهو اليمامي، وهو ثقة، ثبت، يدلس، ويرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبو سلمة].
    أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن هذا قيل عنه: إنه أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، والأقوال في ذلك ثلاثة، أي: في السابع منهم، قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، هذه هي الأقوال الثلاثة في السابع، وأما الستة الباقون فإنه لا خلاف في عدهم في الفقهاء السبعة من فقهاء المدينة في عصر التابعين، وهم: سعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير بن العوام، وسليمان بن يسار، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة.
    [حدثني معيقيب].
    وهو ابن أبي فاطمة الدوسي، وهو صحابي من السابقين الأولين، وممن هاجر الهجرتين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة
    شرح حديث: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء ... لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة. أخبرنا عبيد الله بن سعيد وشعيب بن يوسف عن يحيى وهو ابن سعيد القطان عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم)].
    وهنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، وذلك أن الإنسان عندما يصلي يرسل بصره إلى موضع سجوده، ولا يرفع بصره إلى السماء، ولا يشغله في الجهات المختلفة، وإنما يجعله إلى موضع السجود.
    وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في الصلاة، لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم)، معناه: إما أن يحصل الانتهاء، وإما أن تحصل لهم هذه العقوبة، وهو دال على تحريم رفع البصر إلى السماء؛ لأنه توعد عليه بهذه العقوبة، وهي كون أبصارهم تخطف إذا لم يحصل الانتهاء عن هذا العمل الذي هو رفع البصر إلى السماء، ومعنى هذا أن الإنسان عندما يصلي ينظر إلى مكان سجوده، ولا يرفع بصره إلى السماء، وأن رفع بصره إلى السماء قد يترتب عليه تلك المفسدة، وهي أن تخطف أبصارهم، وأن يسلبوها، فلا يحصل لهم الإبقاء على هذه النعمة العظيمة التي هي نعمة البصر.
    والنبي عليه الصلاة والسلام كان من عادته أنه يأتي بالنصح، والتوجيه عاماً، وإن كان مورده خاصاً، وسببه خاصاً، بأن يكون مثلاً وجد شخص أو أشخاص عرفوا بهذا الأمر، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام من أدبه، وحسن خلقه أنه كان يأتي بمثل هذه العبارة فيقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، فيكون هذا الحكم الذي يعلن عاماً، يستفيد منه صاحب السبب الذي هو كان سبب ذكر هذا الكلام، وغيره، فتكون الفائدة أعم، والمقصود أشمل وأعظم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء ... لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم)
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي، وقد سبق ذكره مراراً، وأطلق عليه هذا اللقب؛ الذي هو سني؛ لأنه أظهر السنة في بلده ونشرها، فصار يقال عنه أو كان يوصف بهذا الوصف الذي هو وصف سني.
    [وشعيب بن يوسف].
    هو شعيب بن يوسف النسائي، وهو ثقة، صاحب حديث، خرج حديثه النسائي وحده، فهو من أهل بلد النسائي، وكل منهما ينسب إلى ذلك البلد فيقال له: النسائي.
    [عن يحيى وهو ابن سعيد القطان].
    وهو ابن سعيد القطان البصري، المحدث، الناقد، ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة: هو ابن سعيد القطان) الذي قالها هو من دون تلميذه؛ الذي هو شعيب بن يوسف.
    [عن ابن أبي عروبة].
    وهو سعيد بن أبي عروبة البصري، وهو ثقة، من أثبت الناس في قتادة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو صدوق، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء أن يلتمع بصره)].وهنا أورد النسائي هذا الحديث، وهو حديث رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم غير مسمى -يعني: مبهم- أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن رفع البصر في الصلاة، وقال: (أن يلتمع بصره)، معنى ذلك: أنه يصاب، وهو مثل الذي قبله (أن يخطف بصره)، يعني: يحصل له شيء يذهبه، ويزيله، عقوبة له على هذا العمل الذي عمله، وهو رفع البصر إلى السماء، وهو دال على تحريم رفع البصر إلى السماء في الصلاة، فهو دال على ما دل عليه الحديث الذي قبله.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء...)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله].مر ذكرهما قريباً.
    [عن يونس].
    هو ابن يزيد الأيلي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره، وهو الزهري، ينسب ويقال: أحياناً ابن شهاب، وأحياناً يقال: الزهري.
    [عن عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة.
    عن رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا الرجل أو مثل هذا التعبير إذا قيل: عن رجل يقال له: المبهم، وقد مر أنه إذا ذكر الشخص، ولم ينسب يقال له: المهمل، وإذا ذكر اسمه ولم يذكر نسبه يطلق عليه: المهمل، وإذا أبهم فلم يعرف شخصه؛ بأن قيل: عن رجل فإنه يقال له: المبهم، ومن المعلوم أن الإبهام فيه جهالة الراوي، وهذه تؤثر فيما إذا كان ذلك المجهول، وذلك المبهم من غير الصحابة، أما الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فكلهم عدول، ويكفي في الواحد منهم أن يعرف بأنه من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكفي شرفاً، وفضلاً أن يقال عنه: إنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    التشديد في الالتفات في الصلاة
    شرح حديث: (لا يزال الله مقبلاً على العبد ... فإذا صرف وجهه انصرف عنه)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التشديد في الالتفات في الصلاة. أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري سمعت أبا الأحوص يحدثنا في مجلس سعيد بن المسيب، وابن المسيب جالس أنه سمع أبا ذر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه)].
    وهنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي باب التشديد في الالتفات في الصلاة، يعني: في التشديد فيه، في إنكاره ومنعه، وأورد النسائي حديث أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه)، يعني: جزاءً وفاقاً، وعقوبة له على ما حصل، وهذا من جنس الحديث الذي فيه الثلاثة الذين جاءوا والرسول صلى الله عليه وسلم يحدث، وفيهم من وجد فرجة وجلس فيها، والثاني استحيا، وجلس، والآخر أعرض، فقال عليه الصلاة والسلام: (وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه)، الجزاء من جنس العمل، فكما أعرض عن ذكر الله، وعن الجلوس في مجلس رسول الله عليه الصلاة والسلام أعرض الله عنه عقوبة له من جنس العمل؛ وهو الإعراض، فالله تعالى يعرض عنه، ويصرف وجهه عنه، وذلك عقوبة له على ما حصل منه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يزال الله مقبلاً على العبد .. فإذا صرف وجهه انصرف عنه)
    وإسناد الحديث سبق أن مر ذكر الرواة الذين جاءوا فيه، وهم سويد بن نصر، وعبد الله بن المبارك، ويونس بن يزيد، والزهري، وأبو الأحوص، وأبو ذر.والحديث ضعفه الشيخ الألباني بسبب أبي الأحوص، كما هو الحال في الحديث السابق.
    والله تعالى أعلم.
    الأسئلة
    الزيادة على اثنتي عشرة ركعة في صلاة التراويح وكيفية أداء السلف لها
    السؤال: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح يصلون التراويح أكثر من اثني عشر ركعة، ونقل ذلك إلينا برواية صحيحة؟الجواب: المعروف عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي الليل إحدى عشرة ركعة، وجاء عن عائشة أنه ما كان يزيد على ذلك لا في رمضان، ولا في غيره، والرسول صلى الله عليه وسلم صلى في رمضان، وفي آخر الشهر، وجاءه الناس وصلوا بصلاته، وفي الليلة التي تليها علم بعضهم بعضاً، وأخبر بعضهم بعضاً، فازداد العدد، وصلى بهم، وبعد ذلك كثر الناس حتى امتلأ المسجد، ووقفوا ينتظرون خروجه عليه الصلاة والسلام، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما خرج إليهم، وأخبرهم بأنه ترك ذلك، وأنه لم يستمر؛ خشية أن يفترض عليهم، وهذا من مكارم أخلاقه عليه الصلاة والسلام، وشفقته على أمته، وحرصه على راحتها، وعدم الوقوع فيما فيه حرج عليها، ومشقة عليها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وبعد ما توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وزال ذلك الذي خشيه النبي عليه الصلاة والسلام من الفرض، بقي الاستحباب على ما كان عليه من فعله عليه الصلاة والسلام، ولما زال ذلك المحذور جمع عمر الناس على إمام.
    والدليل على الزيادة عن إحدى عشرة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، فهذا هو الدليل الذي يستدل به على جواز الزيادة عن إحدى عشر التي كان يفعلها رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    مداخلة: وهل صح التفريق بين صلاة التراويح وصلاة الليل في رمضان؟
    الشيخ: صلاة التراويح هي صلاة الليل، أطلق عليها هذا وأطلق عليها هذا، يقال لها: قيام رمضان، ويقال لها: صلاة التراويح.
    الوضوء من أكل لحوم الإبل
    السؤال: ما رأيك في أكل لحوم الإبل، هل نتوضأ منها أم لا؟الجواب: نعم يتوضأ منها؛ لما جاء في الحديث في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن الوضوء من لحم الإبل، فقال: نعم، وسئل عن الوضوء من لحوم الغنم، فقال: إن شئتم، فدل ذلك على الوضوء، وعلى أنه يتوضأ من لحوم الإبل، فقد ثبت في السنة بذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذه من المسائل التي علق الشافعي القول بها على صحة الحديث، فقد قال بعض أتباعه: وقد صح الحديث فهو مذهب الشافعي، أي: حكماً؛ لأنه علق القول به على صحة الحديث، والحديث قد صح، فيكون الشافعي ممن يقول به.
    كيفية وجود القرآن الكريم في اللوح المحفوظ
    السؤال: هل القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ أم ذكر القرآن؟الجواب: القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ كما جاء في القرآن: ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ )[الواقعة:75-79]، فهو مكتوب، وأما الذكر فهو في الكتب السابقة، هي التي فيها ذكر القرآن، مثل قوله: ( وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ )[الشعراء:196]، أي: ذكره في زبر الأولين، وليس هو ألفاظه، ونصوصه في زبر الأولين؛ لأن القرآن لم ينزل على أحد قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي في الكتب السابقة ذكره وليس لفظه ونصه، فالقرآن مكتوب في اللوح المحفوظ، ومذكور في الكتب السابقة.
    الإتيان بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول
    السؤال: هل في التشهد الأول في الصلاة يأتي المصلي بالتحيات، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أم يكتفي بالتحيات؟الجواب: إذا اكتفى بالتحيات فإنها كافية، لكن إن أتى بالصلاة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا بأس بذلك.
    حكم الخروج من المسجد أثناء الأذان وبعده
    السؤال: ما حكم الخروج من المسجد وقت الأذان أو بعده، والذهاب إلى مسجد آخر لغير ضرورة مع الدليل؟الجواب: الإنسان إذا أراد أن يخرج من المسجد لأمر من الأمور فليكن خروجه قبل الأذان، وأما إذا حصل الأذان ووجد الأذان فليس له أن يخرج؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام جاء عنه ما يدل على منع ذلك، وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه رأى رجلاً خرج من المسجد فقال: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم).
    ثم أيضاً فيه تشبه بالشيطان؛ لأن الشيطان إذا سمع الأذان فإنه ينفر من سماع الأذان، فالخروج من المسجد بعد الأذان لا يجوز إلا إذا كان هناك ضرورة تقتضيه.
    حكم قول: صدفة
    السؤال: ما حكم قول: صدفة في الشرع، مثل قول بعض العامة: صدفة خير من ألف ميعاد؟الجواب: مثل هذا التعبير إذا أريد به بالنسبة للإنسان؛ كون الشيء يحصل صدفة لا بأس به، أما بالنسبة لله عز وجل فلا يجوز أن يضاف إليه ويقول: إنه حصل صدفة؛ لأن كل ما يحصل هو بعلم الله، وبمشيئة الله، وبإرادة الله، ولا يقع في ملك الله إلا ما شاءه الله، ولكنه بالنسبة للإنسان يكون صدفة، بمعنى أنه على غير اتفاق، ومن غير مواطأة، فإذا قيل عنه: صدفة فلا بأس، أما بالنسبة لله عز وجل فلا يضاف إليه ويقال: إنه صدفة؛ لأنه لا يقع شيء إلا بإذن الله، ومشيئة الله، وإرادة الله، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
    حكم الجهر بالقراءة في صلاة النافلة والإسرار في صلاة المغرب
    السؤال: ما حكم من صلى النافلة جهراً أو صلاة المغرب سراً مع الدليل؟الجواب: النافلة إذا كانت في النهار فإنها تكون سرية، وإذا كانت في الليل فيمكن للإنسان أن يجهر، إلا إذا كان يتأذى بجهره أحد فإنه لا يجهر؛ لما يترتب على ذلك من الأذى، وبالنسبة للصلاة الجهرية إذا قضيت فإنه يجهر بها، وإن أسر بها جاز؛ لأن الجهر سنة وليس بواجب.
    حكم الإتيان بذكر الركوع في السجود وذكر السجود في الركوع
    السؤال: من قال في ركوعه: سبحان ربي الأعلى، وفي سجوده: سبحان ربي العظيم، ما الحكم مع الدليل؟الجواب: الواجب هو الإتيان بالأدعية إذا جاءت في أحوال معينة على الكيفية التي جاءت، ومن المعلوم أنه قد جاء في السجود أن يقال: سبحان ربي الأعلى، وكما في الركوع أن يقال: سبحان ربي العظيم، فالسنة إذا جاءت بألفاظ معينة في أوقات معينة فإنه يؤتى بها على الهيئة التي جاءت عليها، بأن يؤتى بها على هذه الحال.
    أقسام الموضحة في القصاص وحقيقتها
    السؤال ما هي أقسام الموضحة في القصاص؟الجواب: الموضحة هذه شجة من الشجاج التي توضح العظم، يعني: يكون لها عمق بحيث يظهر العظم، ويلوح؛ لإزالة اللحم الذي فوقه، فهذه يقال لها: الموضحة، والشجاج لها أسماء يمكن للإنسان أن يطلع عليها في كتب الفقه، يعني: منها المأمومة، ومنها الموضحة، وأسماء متعددة. موضع نظر المصلي أثناء صلاته
    السؤال: ذكرتم النظر إلى موضع السجود، وموضع السجود من أعلى الجبهة إلى القدمين، فأين يضع بصره، هل يضعه مكان موضع رأسه، أو بطنه، أو قدمه؟الجواب: موضع السجود مكان سجود وجه الإنسان؛ لأن هذا هو موضعه؛ لأن في حال الجلوس لا يوجد أمامه إلا مكان الوجه، نعم، في حال القيام عنده مساحة، ولكن في حال الجلوس ليس عنده إلا المكان هذا، فمكان سجوده هو الذي يسجد عليه وجهه؛ فالمقصود من ذلك هو مكان السجود الذي يسجد عليه بوجهه، فلا ينظر إلى موضع رجليه، ولا موضع ركبتيه، وإنما ينظر إلى موضع رأسه.


  7. #227
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (224)

    - تابع باب التشديد في الالتفات في الصلاة - باب الرخصة في الالتفات في الصلاة يميناً وشمالاً
    حرص الشرع الحكيم كل الحرص على أن المصلي إذا أقبل على الصلاة لابد أن يقبل عليها قلباً وقالباً ولهذا نهى عن الالتفات، ولكن يجوز في بعض الأحيان الالتفات وذلك للحاجة.
    تابع التشديد في الالتفات في الصلاة
    شرح حديث عائشة: (أنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال:اختلاس يختلسه الشيطان ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التشديد في الالتفات في الصلاة. أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا زائدة عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال: اختلاس يختلسه الشيطان من الصلاة)].
    يقول النسائي رحمه الله: التشديد في الالتفات في الصلاة، أورد النسائي فيه عدة أحاديث، منها حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: (أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)، وهو دال على الامتناع منه، ودال على تركه والابتعاد عنه، وأنه لا يصير الإنسان إليه إلا إذا كان هناك ضرورة تلجئ إليه كما سيأتي في الباب الذي بعد هذا، وكما سبق أن مر بنا في قصة أبي بكر رضي الله عنه، وأنه كان لا يلتفت في الصلاة، فلما رآهم أكثروا من التصفيق التفت، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه، فأشار إليه بأن يبقى مكانه، ويصلي، فرفع يديه، وحمد الله، وأثنى عليه، ثم إنه رجع القهقرى، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا كان هناك أمر يقتضيه، ويلجئ إليه، فإنه يمكن للإنسان أن يلتفت للحاجة التي تدعو إلى ذلك، وإلا فإن ذلك غير سائغ، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث -حديث عائشة- بأنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد؛ ومعنى ذلك أن الالتفات فيها ينقصها، ويقلل أجرها؛ لأن فيه انشغالاً عن الإقبال على الله عز وجل، والاتجاه إليه في الصلاة التي فيها المناجاة لله سبحانه وتعالى، فهو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، ومعلوم أن الشيطان يسعى في إفساد العمل على صاحبه؛ إما بإفساده من أصله، أو بحصول ما ينقصه ويقلل أجره.
    وسؤال عائشة رضي الله عنها للرسول عليه الصلاة والسلام عن الالتفات في الصلاة، يدلنا على ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام من الحرص على معرفة أمور الدين، وأنهم كانوا يسألون النبي عليه الصلاة والسلام عما يحتاجون السؤال عنه، فيجيبهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بما يوضح لهم الحق، وبما يهديهم إلى الصراط المستقيم.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أنها سألت رسول الله عن الالتفات في الصلاة فقال: اختلاس يختلسه الشيطان...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، وهو مشهور بهذا اللقب، ويأتي ذكره كثيراً في كتب الرجال، فيذكرون قوله في كتب الرجال فيقولون: ضعفه الفلاس، وثقه الفلاس، قال فيه الفلاس كذا، وهو: محدث، ناقد، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي البصري، المحدث، الناقد، المتكلم في الرجال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا زائدة].
    هو ابن قدامة الثقفي، وهو: ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أشعث بن أبي الشعثاء].
    هو أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن أبيه].
    هو أبو الشعثاء المحاربي واسمه سليم بن أسود، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسروق].
    هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله عز وجل براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، وذلك دال على فضلها، ونبلها، ونزاهتها، ودال على شرفها، وأن الله عز وجل أنزل فيها آيات تتلى في كتابه الكريم منوهة بشأنها، وبفضلها، وببراءتها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصحابية الوحيدة المعروفة بالكثرة الكاثرة من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهي من السبعة المكثرين من رواية الحديث؛ لأن المكثرين من رواية الحديث من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام سبعة؛ ستة من الرجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهي من أوعية السنة التي حفظت سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا سيما السنن المتعلقة بالبيوت التي لا يطلع عليها إلا النساء، فإنها حفظت، ووعت الشيء الكثير من تلك السنن عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله عنها وأرضاها.
    طريق ثانية لحديث عائشة: (أنها سألت رسول عن الالتفات في الصلاة...) وتراجم رجال إسنادها
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا أبو الأحوص عن أشعث عن أبيه عن مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله].أورد النسائي طريق أخرى للحديث، وقال: [بمثله]، يعني: بمثل الرواية السابقة، وهي أن عائشة سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)، فهو مثله، يعني: مماثل له في لفظه ومعناه، وكلمة: (بمثله) يريدون بها إذا قالوها المماثلة في اللفظ والمعنى، واتفاق الرواية التي لم تذكر مع الرواية المذكورة قبلها لفظاً ومعنى، هذه هو المراد بكلمة: بمثله، وهي تختلف عن بـ(نحوه)، فإن كلمة (نحوه) لا تدل على مطابقة باللفظ، ولكنها تدل على الاتفاق بالمعنى ومع الاختلاف في الألفاظ، فيفرقون بين ما كان اللفظ، والمعنى في المحذوف، مثل المثبت، وبين ما إذا كان المحذوف يتفق مع الذي أثبت بالمعنى دون اللفظ، ويعبرون عن الأول بمثله كما هنا، ويعبرون عن الثاني بنحوه، أي: أنه متفق معه في المعنى وإن حصل اختلاف بالألفاظ، وأما بمثله ففيه اتفاق بالمعنى واتفاق بالألفاظ.
    9موإسناد الحديث هو مثل الإسناد الذي قبله، إلا أن فيه زيادة [أبي الأحوص]. وهو: سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والباقون قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    طريق ثالثة لحديث عائشة: (أنها سألت رسول الله من الالتفات في الصلاة...) وتراجم رجال إسنادها
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا إسرائيل عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبي عطية عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله].هنا أورد النسائي طريقاً أخرى وقال في نهايتها: بمثله، أي: بمثل الرواية السابقة المثبتة.
    أما رجال الإسناد، فهم نفس رجال الإسناد المتقدمين إلا شخصين؛ أحدهما: [إسرائيل]، والثاني [أبو عطية].
    أما إسرائيل فهو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وأبو عطية هو مالك بن عامر الوادعي الهمداني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    شرح أثر عائشة: (إن الالتفات في الصلاة اختلاس يختلسه الشيطان من الصلاة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هلال بن العلاء بن هلال حدثنا المعافى بن سليمان حدثنا القاسم وهو ابن معن عن الأعمش عن عمارة عن أبي عطية قال: قالت عائشة رضي الله عنها: إن الالتفات في الصلاة اختلاس يختلسه الشيطان من الصلاة].أورد النسائي هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها، وهو أثر عن عائشة رضي الله عنها، لكن مثله لا يقال بالرأي، وقد جاء عنها في الروايات السابقة إضافة ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: بعض الرواة رواه مرفوعاً، وبعضهم رواه موقوفاً عليها.
    لكن رواية الوقف لا تتعارض مع رواية الرفع والله أعلم؛ لأن مثل ذلك لا يقال بالرأي، وإنما هو مما أخذ عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد جاء التصريح بأخذ ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الروايات السابقة.
    تراجم رجال إسناد أثر عائشة: (إن الالتفات في الصلاة اختلاس يختلسه الشيطان من الصلاة)
    قوله: [أخبرنا هلال بن العلاء بن هلال].هلال بن العلاء بن هلال صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا المعافى بن سليمان].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا القاسم وهو ابن معن].
    القاسم بن معن ثقة، فاضل، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    وكلمة (هو ابن معن) الذي قالها من دون المعافى بن سليمان الذي روى عنه، إما هلال، وإما النسائي، أو من دون النسائي، هم الذين قالوا: (هو ابن معن)، وذلك كما عرفنا مراراً وتكراراً أن التلميذ ذكره بلفظ مهمل غير منسوب، فلما جاء من بعد التلميذ، وأراد أن يوضحه، لم يأت به منسوباً بدون ما يشعر، بما يدل على أنه من غير التلميذ، فأتى بهذه العبارة وهي: وهو ابن معن، يعني: أنه ما قالها التلميذ، وإنما قالها من دون التلميذ.
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمارة].
    عمارة بن عمير ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عطية عن عائشة].
    أبو عطية وعائشة قد مر ذكرهما.
    الرخصة في الالتفات في الصلاة يميناً وشمالاً
    شرح حديث جابر في الرخصة في الالتفات في الصلاة يميناً وشمالاً
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في الالتفات في الصلاة يميناً وشمالاً.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: (اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يكبر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قياماً فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعوداً، فلما سلم قال: إن كنتم آنفاً تفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم، وهم قعود، فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم إن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً)].
    أورد النسائي الرخصة في الالتفات؛ يعني: عند الحاجة إلى ذلك، وعندما يوجد أمر يقتضيه، وأمر يتطلبه، فإن ذلك سائغ، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأورد النسائي فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه: [أن النبي عليه الصلاة والسلام اشتكى فصلى جالساً، وصلى أبو بكر عن يمينه، وصلى جماعة من الصحابة وراءه، وكان قد صلى جالساً، فقاموا، فوقفوا، وصفوا وراءه قياماً، فالرسول صلى الله عليه وسلم التفت فرآهم قائمين، فأشار إليهم أن يجلسوا، ولما فرغ من الصلاة قال: إن كنتم آنفاً تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رءوس ملوكهم وهم قعود، ائتموا بأئمتكم، فإذا صلوا قياماً فصلوا قياماً، وإن صلوا قعوداً فصلوا قعوداً].
    فالرسول صلى الله عليه وسلم اشتكى، يعني: أصابه جرح فجاء في بعض الأحاديث أنه سقط من فرس، فجحش شقه، فصلى في بيته وصلى جماعة من أصحابه معه، وكانوا قائمين، فأشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلسوا، فأشار إليهم بيده يريد منهم بهذه الإشارة أن يجلسوا ولا يقوموا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بدأ الصلاة جالساً، فأرشدهم إلى أن يصلوا معه جالسين.
    والمقصود من الحديث قوله: [التفت]؛ لأن هذا دال على جواز الالتفات عند أمر يقتضيه، وعند الحاجة إليه، وكونه التفت عليه الصلاة والسلام ليراهم، أو يرى كيف كان شأنهم، لا ينافي ما جاء في بعض الأحاديث من أنه كان يراهم من وراء ظهره كما مرت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيجمع بين ما جاء هنا وما جاء في تلك الأحاديث: بأن كونه يراهم من وراء ظهره، لا يكون دائماً، وإنما يكون في بعض الأحيان، وأنه في بعض الأحيان لا يراهم إلا إذا حصل منه الالتفات كما جاء في هذا الحديث.
    ثم الحديث يدل على أن الإمام إذا صلى جالساً يصلي الناس وراءه جلوساً، وقد جاء أنه عليه الصلاة والسلام في مرض موته لما بدأ أبو بكر الصلاة بالناس، وجاء رسول الله عليه الصلاة والسلام وجلس على يسار أبي بكر، فصار هو الإمام عليه الصلاة والسلام، وأبو بكر يبلغ ويسمع الناس التكبير، فكان الصحابة وراءه قائمين وهو صلى جالساً في مرض موته عليه الصلاة والسلام، وبقوا في صلاتهم حتى فرغوا منها وهم يصلون قياماً، فكيف يوفق بين ما جاء في حديث مرض موته من أنه صلى جالساً، وأبو بكر على يمينه يسمع الناس التكبير، والصحابة وراءه قائمين، وأبو بكر قائم، وبين ما جاء في هذا الحديث أنهم كانوا قائمين، فأرشدهم إلى أن يجلسوا.
    فمن العلماء من قال بنسخ الجلوس، وأنه كان هذا في أول الأمر، ثم نسخ في هذه الكيفية التي حصلت في مرض موته، وهي أنهم يصلون وراءه قياماً، فلا يصلي المأموم جالساً مع قدرته على القيام وراء الإمام الجالس الذي لا يتمكن من الصلاة إلا جالساً، فلا يصلي المأموم وراءه جالساً بل يصلي قائماً استناداً إلى ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام في مرض موته صلى الله عليه وسلم حيث صلى جالساً، وأبو بكر عن يمينه يكبر بتكبير رسول الله عليه الصلاة والسلام ويبلغ الناس التكبير وهم يقتدون برسول الله عليه الصلاة والسلام.
    ومن العلماء من قال: إنه لا نسخ، وإنما يوفق بين الحديثين، فإذا كان الناس بدءوا الصلاة قائمين يستمرون على قيامهم، وإن طرأ على الإمام أن يصلي جالساً فإن العبرة ببدئهم الصلاة، وهم بدءوها قائمين فيستمرون على قيامهم فيها ولا يجلسون، فاستناداً إلى ما جاء في مرض موت الرسول عليه الصلاة والسلام من كونه صلى جالساً، والناس يصلون وراءه قياماً، أبو بكر عن يمينه والصحابة وراءه.
    وإذا بدأ الصلاة جالساً فإنهم يبدءونها معه جالسين، وحجة ذلك ما حصل في تلك الحال التي جاء ذكرها في الحديث، وهو أنه بدأ الصلاة جالساً فأرشدهم إلى أن يجلسوا، فيجمع بين الأحاديث بحمل ما جاء في مرض موته على ما إذا ما بدءوا الصلاة قائمين فإنهم يستمرون قائمين، وإذا بدأ الإمام الصلاة جالساً فإنهم يبدءونها وراءه جالسين، وهذا فيه إعمال للدليلين وتوفيق بين الحديثين في حمل هذا على حال وحمل هذا على حال.
    وقوله صلى الله عليه وسلم بعدما فرغ من الصلاة: (إن كدتم آنفاً أن تفعلوا فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم جلوس) هذا يدل على تحريم القيام على رأس الجالس تعظيماً له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر هذه الهيئة وشبهها بفعل فارس والروم، حيث يقومون على ملوكهم وهم جلوس، فهذا التشبيه فيه بيان الابتعاد عن هذا العمل، وأنهم كادوا أن يفعلوا مثل فعل هؤلاء الذين هم الفرس والروم، فيدل على تحريم القيام على رءوس الرجال تعظيماً لهم.
    وقد جاء في بعض الأحاديث أن بعض الصحابة كان قائماً على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك في صلح الحديبية، فإنه لما قدم الكفار يتفاوضوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام وليبرموا العقد الذي جرى بينهم وبينه ، فإن المغيرة بن شعبة كان واقفاً على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم وهو جالس، قالوا: فيجمع بين ما جاء من بيان ما كان عليه فارس والروم، وأن هذا الفعل غير سائغ لهذه الأمة، وبين ما جاء من وقوف بعض أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام على رأسه في حال قدوم الكفار عليه بأنه يجوز أن يوقف على رأس الإمام للحاجة لا سيما إذا جاء الأعداء، فإن في ذلك إظهار احترامه، وإظهار المحافظة عليه، وإذا كان في غير هذه الحال فإنه لا يجوز.
    فإذاً: يكون في المسألة تفصيل.
    والقيام له ثلاثة أحوال: قيام على الرجل، وقيام للرجل، وقيام إلى الرجل، فالقيام عليه فيه التفصيل الذي ذكرت، وأما القيام إليه فإنه سائغ، عندما يأتي إنسان يدخل يقوم إليه ليعانقه، أو ليصافحه، أو ليستقبله، ويرافقه في الدخول فإن ذلك سائغ، ومنه قوله: (قوموا إلى سيدكم) يعني: الأنصار عندما جاء سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه عند الحكم في بني قريظة حيث أمرهم بأن يقوموا إليه، فالقيام إليه لمصاحبته، أو لمعانقته، أو لمرافقته في الدخول واستقباله، والمشي معه فإن ذلك سائغ ولا بأس به.
    والأمر الثالث: القيام له حيث يقوم، ويجلس احتراماً له من غير أن يكون هناك مرافقة، أو مصافحة، أو معانقة فإن هذا هو الذي لا يجوز، وهذا غير سائغ.
    إذاً: القيام له ثلاثة أحوال: قيام للرجل قيام له وهذا لا يجوز، والثاني قيام إليه وهذا جائز، والثالث: قيام عليه وهذا فيه التفصيل بين ما كان فيه إظهار احترام الإمام أمام الأعداء وبين ما إذا كان في غير هذه الحالة فيجوز في الحال الأولى ولا يجوز في غيرها.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر في الرخصة في الالتفات في الصلاة يميناً وشمالاً
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [الليث].
    وهو ابن سعد المصري المحدث، الفقيه، فقيه مصر، ومحدثها، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزبير].
    وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [جابر بن عبد الله الأنصاري].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من الرباعيات عند النسائي، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي، لأن أعلى ما عنده الرباعيات إذ ليس عنده شيء من الثلاثيات.
    شرح حديث: (كان رسول الله يلتفت في صلاته يميناً وشمالاً ولا يلوي عنقه خلف ظهره)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو عمار الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت في صلاته يميناً وشمالاً ولا يلوي عنقه خلف ظهره).أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلتفت يميناً وشمالاً، ولا يلوي عنقه خلف ظهره)، بمعنى أن التفاته ليس لياً للعنق بحيث ينظر إلى وراء الظهر، وإنما يلتفت يميناً وشمالاً، وهذا كما عرفنا في الحديث الذي قبل هذا للحاجة، والضرورة الذي تلجئ إليه، وهو يدل على جواز ذلك، ومن أمثلته فعل أبي بكر رضي الله عنه في الحديث الذي سبق أن مر قريباً، حيث دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بدأ أبو بكر الصلاة فوقف النبي صلى الله عليه وسلم وراءه، ودخل في الصلاة فجعل الناس يصفقون، يؤذنونه بمجيء الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان لا يلتفت، فلما رآهم أكثروا من التصفيق التفت، فرأى النبي عليه الصلاة والسلام وراءه، وقد مر الحديث قريباً، فالالتفات سائغ عندما يوجد أمر يقتضيه، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه في هذا الحديث، وفي الذي قبله ما يدل على ذلك، لكن هذا الالتفات ليس التفاتاً شديداً تلوى معه العنق بحيث ينظر إلى ما وراء الظهر، وإنما يلتفت يميناً وشمالاً دون الوصول إلى هذه الحال التي هي لي العنق إلى وراء الظهر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يلتفت في صلاته يميناً وشمالاً ولا يلوي عنقه خلف ظهره)
    قوله: [أخبرنا أبو عمار الحسين بن حريث].هو أبو عمار الحسين بن حريث المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [حدثنا الفضل بن موسى].
    هو المروزي وهو ثقة، ثبت، ربما يغرب، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند].
    هو عبد الله بن سعيد بن أبي هند الفزاري وهو صدوق، ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثور بن زيد].
    هو ثور بن زيد المدني وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عكرمة].
    هو عكرمة بن عبد الله مولى عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو: ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام؛ وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، أربعة من صغار الصحابة أطلق عليهم هذا اللقب لقب العبادلة الأربعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن ممن يسمى عبد الله كثير غير هؤلاء الأربعة، منهم عبد الله بن مسعود وعبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن رواحة، وعبد الله بن أبي بكر فكثيرون يسمون بعبد الله، ولكن الذين اشتهروا بلقب العبادلة هم هؤلاء الأربعة من أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم من صغار الصحابة.
    وعبد الله بن عباس أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    والله تعالى أعلم.
    الأسئلة
    مدى جواز الاقتداء في الصلاة المسبوق
    السؤال: إذا كان الإنسان جاء مسبوقاً يريد الصلاة مع الإمام، ثم الإمام سلم فجاء واحد آخر فاقتدى به.الجواب: جائز، ما فيه مانع.
    فإن قال قائل: ممكن يؤخذ هذا من حديث أبي بكر ؟
    قلنا: لا ليس هذا، أبو بكر ما كان مسبوقاً، فما فيه ذكر المسبوق، وإنما كون شخص يصلي وحده وهو مسبوق وجاء واحد يصلي بصلاته ما فيه بأس.

    الكلام على رواية أبي الزبير عن جابر
    السؤال: رواية أبي الزبير عن جابر ما فيها عنعنة؟الجواب: بلى فيها عنعنة، لكن الحديث -كما هو معلوم- في صحيح مسلم، وجاء من طرق.
    تضعيف سعيد بن المسيب لعكرمة
    السؤال: عكرمة ضعفه سعيد بن المسيب؟الجواب: عكرمة تكلم فيه بعض العلماء، وقد أوضح الحافظ ابن حجر الكلام فيه وما قيل فيه في مقدمة الفتح، فإنه أطال في ترجمته وحصر الأقوال التي قيلت فيه، وأجاب عنها، وخرج إلى أن الكلام الذي أضيف إليه غير ثابت.
    رواية أبي عطية عن عائشة بواسطة وبغير واسطة
    السؤال: حديث عائشة الأخير عن أبي عطية، ثم قال: قالت عائشة، والذي قبله أبو عطية. قال: عن مسروق عن عائشة.الجواب: أي نعم، هو سمع منها وروى عنها، هو روى عنها بواسطة وبغير واسطة.



  8. #228
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (225)

    - (باب قتل الحية والعقرب في الصلاة) إلى (باب التسبيح في الصلاة)
    يستحب قتل الحيات والعقارب خارج الصلاة لأنها من الفواسق، وكذلك في الصلاة بشرط ألا ينحرف عن القبلة لأن ذلك يبطل الصلاة، ولكن الحركة اليسيرة جائزة.
    قتل الحية والعقرب في الصلاة
    شرح حديث: (أمر رسول الله بقتل الأسودين في الصلاة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قتل الحية والعقرب في الصلاة.أخبرنا قتيبة بن سعيد عن سفيان ويزيد وهو ابن زريع عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن ضمضم بن جوس عن أبي هريرة قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة)].
    أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بقتل الأسودين في الصلاة)، والمراد بالأسودين الحية والعقرب وقتلهما والمصلي في صلاته، بشرط إذا كان لم يترتب على ذلك انحراف ومتابعة، وملاحقة لهذه الحية أو العقرب فإن الصلاة صحيحة، فلو أنه ضربها وهو في قبلته أو تقدم قليلاً، فإنه يستمر في صلاته، لكنه إذا انصرف وانحرف ولحقها يميناً أو شمالاً وانحرف عن جهة القبلة أو ذهب إلى الوراء فإنه يقطع صلاته ويستأنفها من جديد، ولا يبني عليها؛ لأنه قطعها بهذا الفعل، أما كونه يقتل الحية والعقرب وهما في قبلته، أو يمشي قليلاً إلى جهة اليمين، أو إلى جهة الشمال، أو إلى جهة الأمام وهو في اتجاهه إلى القبلة يقتلهما، فإنه على صلاته ويستمر فيها.
    والنبي صلى الله عليه وسلم رخص بهذا العمل في الصلاة لما فيه من المصلحة، ولأنه أيضاً قليل ما يقع في الصلاة، لكن إذا كان الأمر يتطلب ملاحقة للحية والعقرب، لا سيما إذا انحرف عن جهة القبلة واتجه إليها، ولحقها يميناً أو شمالاً أو من الخلف بحيث يستدير القبلة، فإنه يستأنف صلاته ولا يبني على ما مضى.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أمر رسول الله بقتل الأسودين في الصلاة)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة وهو هنا مهمل إذا جاء الراوي وهنا قد ذكر الراوي غير منسوب فيقال له: المهمل، ومعرفة المهمل أو تمييز المهمل عن غيره ممن يشاركه في هذا الاسم بمعرفة الشيوخ والتلاميذ، وكون هذا التلميذ أخذ عن هذا الشيخ فقط ولم يأخذ عن الثاني فإنه بذلك يتبين من هو الشخص الذي ذكر مهملاً ولم ينسب، وهنا سفيان غير منسوب لكنه يحمل على ابن عيينة؛ لأن قتيبة ما روى عن سفيان الثوري، وإنما روى عن سفيان بن عيينة، فيكون هذا المهمل قد عرف بالتلميذ الذي روى عنه وأنه ممن روى عن ابن عيينة ولم يرو عن الثوري، إذاً: لا يكون هو الثوري وإنما يكون ابن عيينة.
    الحاصل أن المهمل يعرف يميز بمعرفة الشيوخ والتلاميذ لكونه روى عنه هذا التلميذ وما روى عن الآخر، أو أن شيخه الذي روى عنه ما روى عنه الآخر، أو يكونان اشتركا في التلاميذ والشيوخ ولكن أحدهما يكون أكثر اتصالاً بكونه ملازماً له ولكونه من أهل بلده والآخر ليس من أهل بلده، فإنه يحمل على من يكون له ملازمة.
    وهنا قتيبة روى عن ابن عيينة وما روى عن الثوري، إذاً: عرف أن هذا المهمل الذي لم ينسب هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ويزيد].
    وهو ابن زريع البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو ابن زريع) الذي قالها هو من دون قتيبة، فـقتيبة روى عن سفيان، ويزيد، وعلى هذا فإن الذي قال: هو ابن زريع ليس هو قتيبة لأن قتيبة؛ لا يحتاج أن يقول: هو ابن فلان، وإنما ينسبه كما يريد لأنه شيخه، فقول: فلان ابن فلان ابن فلان ولو طول في نسبه وأكثر في ذكر صفاته لا يحتاج إلى أن يقول هو، وإنما الذي يحتاج إلى أن يقول هو من دون التلميذ، والذي قال هو هنا هو النسائي أو من دون النسائي، أما قتيبة فإنه لا يحتاج إلى أن يقولها بل ينسب شيخه كما يريد.
    [عن معمر].
    وهو ابن راشد الأزدي البصري وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، ثبت، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ضمضم بن جوس].
    وهو أيضاً يمامي يعني: من اليمامة مثل تلميذه يحيى بن أبي كثير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي هريرة].
    أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لم يرو أحد من الصحابة مثل ما روى أبو هريرة في كثرة الحديث، وذلك لملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم، وكونه أيضاً ظفر بدعوة النبي عليه الصلاة والسلام له بأن يحفظ، وكذلك أيضاً كونه عاش في المدينة ويلتقي به من يأتي إليها ومن يمر بها فيأخذ عنه ويعطيه، فكان لذلك هو أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    حديث: (أمر رسول الله بقتل الأسودين في الصلاة) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع حدثنا سليمان بن داود أبو داود حدثنا هشام وهو ابن أبي عبد الله عن معمر عن يحيى عن ضمضم عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو بلفظ الأول: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة) هو نفس المتن السابق لكن اختلف الإسناد في بعضه، بل في أوله دون آخره.
    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].
    وهو القشيري النيسابوري، وهو من شيوخ مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم، وهو من بلده ومن قبيلته، فهو قشيري من حيث النسب، ونيسابوري من حيث البلد، ومسلم قشيري نيسابوري، فهو مثله بلداً ونسباً، محمد بن رافع القشيري النيسابوري، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، وصحيفة همام بن منبه إذا ذكرها مسلم في صحيحه، فإنه يذكرها عن طريقه شيخه محمد بن رافع.
    [حدثنا سليمان بن داود أبو داود]
    وهو الطيالسي وهو ثقة، حافظ أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا هشام وهو ابن أبي عبد الله].
    وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو ابن أبي عبد الله مثل: هو ابن زريع المتقدم الذي قالها من دون التلميذ، والذي روى عن هشام سليمان بن داود الطيالسي هو الذي روى عنه، إذاً: الذي قالها هو من دونه هو محمد بن رافع أو من دون محمد بن رافع، وحديث هشام بن أبي عبد الله الدستوائي أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر عن يحيى عن ضمضم عن أبي هريرة].
    وهؤلاء الأربعة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    حمل الصبايا في الصلاة ووضعهن في الصلاة
    شرح حديث أبي قتادة: (أن رسول الله كان يصلي وهو حامل أمامة فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حمل الصبايا في الصلاة ووضعهن في الصلاة.أخبرنا قتيبة حدثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى وهو حامل أمامة فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي حمل الصبايا في الصلاة ووضعهن في الصلاة، هذه الترجمة تتعلق بذكر الصبيات وليس فيها ذكر الصبيان؛ لأن الحديث الذي ورد في ذلك يتعلق بصبية حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وإلا فإن الحكم واحد، أي: حمل الصبي والصبية. فلا فرق بين الذكر والأنثى، يعني: كونه يحمل في الصلاة أو هي تحمل في الصلاة لا فرق بينهما الحكم واحد، والحكم إذا ثبت لصبية فهو أيضاً كذلك بالنسبة للصبي، فالحكم في ذلك مثله بالنسبة للصبي، وقد أورد النسائي في ذلك حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي بالناس وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، وهي ابنة ابنته زينب، فكان يحملها في صلاته إذا قام فإذا ركع وضعها حتى ينتهي من السجود ثم يرجع فيحملها، وهذا يدلنا على جواز مثل ذلك عند الحاجة إليه، ويدلنا على ما كان عليه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من الشفقة، والرحمة بالصغار، والعطف عليهم، والحنو عليهم والشفقة عليهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة: (أن رسول الله كان يصلي وهو حامل أمامة فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره سابقاً.
    [حدثنا مالك].
    ومالك هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وهو الثاني منهم من حيث الوجود والزمن؛ لأن أقدمهم في الزمن أبو حنيفة ثم الإمام مالك ثم الإمام الشافعي ثم الإمام أحمد، وكل واحد من الثلاثة الأخيرين الإمام أحمد روى عن الشافعي والشافعي روى عن الإمام مالك، لكن مالك ما عرف أنه روى عن أبي حنيفة، لكن هؤلاء الثلاثة الشيوخ روى بعضهم عن بعض أي: المتأخر الذي هو أحمد روى عن الشافعي، والشافعي روى عن مالك.
    ومن الأحاديث التي وردت في هذا الإسناد حديث: (نسمت المؤمن طائر يعلق في الجنة) فإن الإمام أحمد رواه في المسند عن الإمام الشافعي، والشافعي رواه عن الإمام مالك، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره عند قول الله عز وجل: ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )[آل عمران:169] وذكر الإسناد وقال: إن هذا إسناد عزيز اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة أصحاب المذاهب المشهورة، والإمام مالك رحمة الله عليه محدث فقيه أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عامر بن عبد الله بن الزبير].
    هو عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن سليم].
    ثقة، من كبار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قتادة].
    هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث أبي قتادة في صلاة النبي وهو حامل أمامة من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عثمان بن أبي سليمان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وهو حامل أمامة بنت أبي العاص على عاتقه فإذا ركع وضعها، فإذا فرغ من سجوده أعادها)].أورد النسائي حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه من طريق أخرى وهو متفق في أعلى الإسناد ولكنه يختلف في أوائل الإسناد، وهو بمعنى الذي قبله، وهو يتعلق بحمل النبي عليه الصلاة والسلام أمامة ابنة ابنته زينب وهو يؤم الناس في الصلاة، وكيفية ذلك أنه كان في حال قيامه يحملها فإذا ركع وضعها وإذا فرغ من سجوده أعادها إلى ما كانت عليه من كونه حاملاً لها.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة في صلاة النبي وهو حامل أمامة من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة وقد مر ذكره.
    [حدثنا سفيان].
    وهو ابن عيينة كما عرفنا أن قتيبة إذا روى عن سفيان غير منسوب فالمراد به ابن عيينة ليس الثوري؛ لأنه ما روى عن الثوري.
    [عن عثمان بن أبي سليمان].
    عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه .
    المشي أمام القبلة خطى يسيرة
    شرح حديث عائشة في المشي أمام القبلة خطى يسيرة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المشي أمام القبلة خطى يسيرة.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا حاتم بن وردان حدثنا برد بن سنان أبو العلاء عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (استفتحت الباب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعاً والباب على القبلة، فمشى عن يمينه أو عن يساره ففتح الباب ثم رجع إلى مصلاه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب المشي أمام القبلة خطى يسيرة، يعني: كون المصلي يمشي إلى جهة الأمام إلى جهة القبلة خطى يسيرة، يعني: أن ذلك لا مانع منه، وأنه لا يؤثر في الصلاة شيئاً، وهذا كما جاء في الحديث أن عائشة استفتحت الباب والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الحجرة وكان الباب في قبلتها أو في قبلته فمشى خطوات يميناً أو شمالاً، يعني: معناه أن الباب كان في إحدى الناحيتين من جهة الأمام إما من جهة اليمين وإما من جهة اليسار، ولهذا احتاج إلى أن يمشي إلى جهة اليمين أو إلى جهة اليسار حتى يصل إلى الباب، وهذا يدلنا على أن مثل سائغ، وأنه لا بأس به، ومثله لو كان هناك فرجة أمامه وتقدم ليسدها في صف آخر فإن هذا مثله، فإن ذلك لا مانع منه.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في المشي أمام القبلة خطى يسيرة
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وهو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، محدث، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من الألقاب الرفيعة والصفات العالية التي لم يظفر بها إلا القليل النادر من المحدثين، هذا هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه، وراهويه هذه على تعبير المحدثين، يقولون: راهويه، إذا كان آخر الاسم واو وياء وهاء فيجعلون ما قبل الواو مضموماً والياء مفتوحة فيقولون: راهويه، وأما أهل اللغة فيجعلون الواو مفتوحة والياء ساكنة، وهو المختوم بويه، يعني: الاسم المختوم بويه يكون مفتوحاً، الواو مفتوحة والياء ساكنة، وأما المحدثون عندهم فالواو ساكنة والياء مفتوحة، وما قبل الواو مضموم فيقولون: راهويه، وإسحاق بن راهويه أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [حدثنا حاتم بن وردان].
    ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا برد بن سنان أبو العلاء].
    صدوق رمي بالقدر، أخرج له البخاري في الأدب، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم بجده كلاب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم من ولد قصي بن كلاب، والزهري من ولد زهرة بن كلاب، وينسب إلى جده زهرة فيقال: الزهري، وينسب إلى جده شهاب فيقال: ابن شهاب، وقد اشتهر بهاتين النسبتين: ابن شهاب والزهري، وهو محدث، فقيه، ثقة، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة].
    عروة بن الزبير بن العوام، وهو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين، فـعروة بن الزبير بن العوام أحدهم، وهؤلاء السبعة هم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، والسابع اختلف فيه على ثلاثة أقوال، فقيل: سالم بن عبد الله بن عمر، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعروة بن الزبير هو أحد السبعة بلا خلاف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله عز وجل براءتها في كتابه سبحانه وتعالى في آيات تتلى في أول سورة النور، وهي الصحابية الوحيدة التي تميزت بكثرة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الذين عرفوا بكثرة الحديث من أصحابه سبعة، ستة رجال وامرأة واحدة وهي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقد جمع السيوطي هؤلاء السبعة بقوله في الألفية:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    زوجة النبي المراد بها أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها. التصفيق في الصلاة
    شرح حديث: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء في الصلاة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التصفيق في الصلاة.أخبرنا قتيبة ومحمد بن المثنى واللفظ له قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، زاد ابن المثنى: في الصلاة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي التصفيق في الصلاة، أي: التصفيق للنساء، يعني: إذا ناب الإمام شيء واحتيج إلى تنبيهه عليه؛ فإن النساء تفعل التصفيق، ولا تسبح، فالرجال، يقولون: سبحان الله، وأما النساء فإنهن يصفقن ولا يسبحن عند تنبيه الإمام على شيء فيما إذا نسي.
    والحديث أورده النسائي من طريق الشيخين، وزاد أحد الشيخين وهو محمد بن المثنى: (في الصلاة)، وقد سبق أن مر الحديث الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام لما تأخر عندما أصلح بين بني عمرو بن عوف من الأنصار وهم أهل قباء، وقد جاء وأبو بكر قد دخل في الصلاة، فجعل الصحابة يصفقون لـأبي بكر، فلما أكثروا من التصفيق التفت، ولما فرغ رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (ما بالكم تصفقون، إنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)، إذا ناب الإمام شيء فيسبح الرجال وتصفق النساء، وهذا من الأحكام التي يختلف فيها الرجال عن النساء، والأصل أن النساء مثل الرجال في الأحكام، إلا إذا كانت الأحكام تخص النساء، أو جاء شيء يفرق بين الرجال والنساء كما هنا حيث جاء التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، فإن هذا مما اختلف فيه النساء عن الرجال في الأحكام.
    والمسائل كثيرة جاءت في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، منها: الإرث، فالمرأة على النصف من الرجل ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ )[النساء:11] بالنسبة للبنات وللأخوات الشقيقات والأخوات لأب مع إخوانهن فإن للذكر مثل حظ الانثيين، وكذلك في الشهادة شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل، وكذلك في العقيقة الغلام له شاتان والجارية شاه،وكذلك أيضاً في الدية فإن المرأة على النصف من الرجل في الدية، وكذلك في فضل العتق، (وأن من أعتق جاريتين كانتا فكاكه من النار، ومن أعتق شخصاً عبداً كان فكاكه من النار)، فعتق الجاريتين يكون فيه فكاك الرجل من النار، وعتق الرجل والواحد الذي هو العبد يكون فكاكه من النار، فهذه الأمور الخمسة مما اختلفت فيها النساء عن الرجال، ومنها هذا الذي معنا، ومثل ذلك أيضاً الغسل من بول الجارية، والنضح من بول الغلام، والوقوف عند رأس الرجل وعند وسط المرأة في صلاة الجنازة، وكذلك النساء لا يتولين المناصب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لم يفلح قوم ولوا قومهم امرأة).
    الحاصل أن الأحكام يتساوى فيها الرجال والنساء إلا في الأشياء الخاصة بالنساء أو الخاصة بالرجال، أو ما جاء فيه نصوص تبين الافتراق بين الرجال والنساء في الأحكام.
    ثم أيضاً هنا التصفيق خاص بالنساء وذلك عند الحاجة إليه، وأما الرجال فإنهم لا يصفقون لا في الصلاة ولا في غير الصلاة، ومن الأشياء المنكرة التي وقعت في هذا الزمان حصول التصفيق في الاحتفالات وفي المناسبات يصفق الرجال، وهذا لا يسوغ، ولا يجوز، بل الذي جاءت به السنة عند ذكر شيء يسر هو التكبير، يعني: عندما يذكر شيء يسر يظهر الفرح بالتكبير وليس بالتصفيق، هكذا جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام كما جاء في أحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ترضون أن تكونوا نصف أهل الجنة؟ قال: فكبرنا) يعني قالوا: الله أكبر الله أكبر فرحاً وسروراً، وكذلك عمر رضي الله عنه لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أطلقت نساءك يا رسول الله؟ قال: لا، فقال: الله أكبر) كبر فرحاً وسروراً بهذا الخبر الذي سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي الصلاة كما عرفنا التصفيق للنساء، والتسبيح للرجال.
    تراجم رجال إسناد حديث: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء في الصلاة)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة مر ذكره
    [و محمد].
    ومحمد بن المثنى هو: العنزي الملقب الزمن كنيته أبو موسى وهو ثقة خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، توفي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، ومحمد بن المثنى توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ومثله في كون شيوخ أصحاب الكتب الستة والوفاة في سنة اثنتين وخمسين ومائتين اثنان آخران هما: محمد بن بشار الملقب بندار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء الثلاثة ماتوا في سنة واحدة وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وكل منهما شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    ومحمد بن المثنى هو الذي زاد في الصلاة، وأما قتيبة فإنه ما زاد كلمة: (في الصلاة).
    [أخبرنا قتيبة ومحمد بن المثنى واللفظ له].
    واللفظ له يعني: لــمحمد بن المثنى، فهو أتى باللفظ المشترك بينهما وأتى في الآخر بأن زيادة: (في الصلاة) هي لـمحمد بن المثنى.
    [قالا: حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة كما عرفنا أن قتيبة إنما يروي عن سفيان بن عيينة وليس عن الثوري، وكذلك أيضاً الزهري الذي يروي عنه سفيان بن عيينة، الثوري يروي عنه بواسطة.
    [عن الزهري].
    قد مر بنا ذكره قريباً.
    [عن أبي سلمة].
    هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع في المدينة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    حديث: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو بلفظ الذي قبله الذي هو لفظ قتيبة: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء).
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].
    وهو المرادي المصري وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ما خرج له البخاري، ولا الترمذي.
    ومحمد بن سلمة هذا إذا جاء محمد بن سلمة من شيوخ النسائي فالمراد به المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي بواسطة فالمراد به الباهلي الحراني؛ لأن محمد بن سلمة اثنان عند النسائي أحدهما يروي عنه النسائي والثاني يروي عنه بواسطة، فالذي يروي عنه النسائي مباشرة هو المصري، والذي يروي عنه بواسطة هو الحراني.
    [حدثنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن ابن شهاب].
    هو الزهري وقد مر ذكره.
    [أخبرنا سعيد بن المسيب].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة باتفاق، وأبو سلمة بن عبد الرحمن هو السابع على أحد الأقوال في السابع، هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الفقهاء في السابع كما مر ذكره قريباً.
    [يرويان عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.
    التسبيح في الصلاة
    حديث: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التسبيح في الصلاة.أخبرنا قتيبة حدثنا الفضيل بن عياض عن الأعمش ح وأخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن سليمان الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي التسبيح في الصلاة، أورد فيها حديث أبي هريرة من طرق وهي مثل الذي تقدم في الباب السابق، فالترجمة السابقة التصفيق في الصلاة أورد تحتها حديث أبي هريرة وهو دال على التسبيح والتصفيق، وهذه الترجمة التسبيح في الصلاة أورد فيها حديث أبي هريرة أيضاً، وهو دال على التسبيح والتصفيق معاً، واللفظ هو مثل اللفظ السابق، ودال على ما دل عليه الطرق المتقدمة، وهو أن التسبيح عندما ينوب الإمام شيء في الصلاة فهو للرجال والتصفيق للنساء.
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    وقد مر ذكره.
    [حدثنا الفضيل بن عياض].
    ثقة، عابد، زاهد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب اسم صاحبه سليمان بن مهران، وقد عرفنا فيما مضى أن ألقاب المحدثين معرفتها مهمة، وفائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما لو ذكر باسمه مرة وبلقبه أخرى، فالذي لا يعرف أن هذا لقب لهذا يظن أن سليمان شخص، والأعمش شخص آخر، ولكن من عرف أن سليمان بن مهران لقبه الأعمش فلا يلتبس عليه إذا جاء سليمان في موضع وجاء الأعمش في موضع يعرف أن هذا هو هذا وهذا هو هذا.
    وحديث سليمان بن مهران الكاهلي الأعمش أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ح وأخبرنا سويد بن نصر].
    ح وأخبرنا سويد بن نصر، ح هذه تدل على التحويل، وهو التحول من إسناد إلى إسناد، وما بعد الحاء هو يذكر شيخ للنسائي آخر جاء بإسناد آخر، وسويد بن نصر هو: المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عبد الله].
    وهو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب جملة من صفاته الحميدة وقال: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان الأعمش].
    ذكره باسمه ولقبه معاً، فقال: سليمان الأعمش.
    [عن أبي صالح].
    ذكوان السمان، أبو صالح كنية صاحبها اسمه ذكوان، ولقبه السمان أو الزيات، يقال له: الزيات ويقال له: السمان، وهو مشهور بكنيته يأتي ذكره كثيراً بالكنية أبو صالح وهو: مدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي هريرة].

    رضي الله تعالى عنه وقد تقدم.
    حديث: (التسبيح لرجال والتصفيق للنساء) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى بن سعيد عن عوف حدثني محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].
    وهو اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، وقيل له: سني؛ لأنه أظهر السنة في بلده ونشرها فقيل له: سني، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو القطان البصري، المحدث، الناقد، والمعروف كلامه كثيراً في الرجال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عوف].
    هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني محمد].
    هو ابن سيرين البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.



  9. #229
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (226)

    - (باب التنحنح في الصلاة) إلى (باب لعن إبليس والتعوذ بالله منه في الصلاة)
    يجوز للمصلي أن يرفع صوته بشيء من أذكار الصلاة بقصد التنبيه أو الإذن بالدخول، أو الخروج أو نحو ذلك.
    التنحنح في الصلاة
    شرح حديث علي في التنحنح في الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: التنحنح في الصلاة.أخبرنا محمد بن قدامة، حدثنا جرير، عن المغيرة، عن الحارث العكلي، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، حدثنا عبد الله بن نجي، عن علي رضي الله عنه أنه قال: (كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة آتيه فيها، فإذا أتيته استأذنت إن وجدته يصلي فتنحنح دخلت، وإن وجدته فارغاً أذن لي)].
    يقول النسائي رحمه الله: التنحنح في الصلاة.
    التنحنح في الصلاة كما هو معلوم صوت ليس له حروف يكون من الإنسان، والمقصود منه هنا ما كان في الصلاة، وأورد النسائي فيه حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: كان له ساعة مع النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه بها، فإذا جاء وهو يصلي تنحنح فدخل، وإلا انصرف، والمقصود من ذلك ما جاء في الحديث من أنه تنحنح إيذاناً بالدخول، وفي بعض الروايات أنه إيذاناً بالانصراف، فإنه عندما يسمعه يتنحنح فإنه ينصرف، فيكون هذا علامة على انشغاله بالصلاة، أو أنه إشعار بأنه يصلي فيدخل، ويكون ما جاء من الروايات بالإذن والانصراف محمول على بعض الأحوال، يعني: أحوال يكون هناك دخول، وفي بعضها يكون انصراف فتكون هذه علامة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
    لكن الحديث فيه ضعف وذلك بأن عبد الله بن نجي في هذه الرواية يروي عن علي، وهو لم يسمع علياً رضي الله تعالى عنه، وفي إحدى الروايات الآتية أنه يروي عن أبيه عن علي، فتكون روايته عنه بواسطة، وأبوه مقبول كما قال عنه الحافظ في التقريب، أي: فيكون الاحتجاج به عند الاعتضاد، وعلى هذا فيكون الحديث ضعيفاً سواء كانت رواية عبد الله بن نجي عن علي لأنها منقطعة، أو رواية نجي الذي هو أبوه عن علي وهي متصلة، لكنه لا يحتج بما ينفرد به، بل لا بد من اعتضاده بغيره حتى يرتقي حديثه إلى أن يكون حسناً لغيره.
    تراجم رجال إسناد حديث علي في التنحنج في الصلاة
    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].هو محمد بن قدامة المصيصي وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا جرير].
    وهو ابن عبد الحميد الضبي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن المغيرة].
    وهو ابن مقسم الضبي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن الحارث العكلي].
    وهو الحارث بن يزيد العكلي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي زرعة].
    هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، وهو حفيد جرير بن عبد الله البجلي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام الصحابي المشهور، وأبو زرعة مشهور بكنيته، وقد اختلف في اسمه على أقوال، لكنه مشهور بالكنية أبي زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، وهو كما هو معلوم متقدم، وهو يروي عن أبي هريرة ويروي عن الصحابة ويروي عن غيرهم، يروي عن الصحابة بواسطة، ويروي عن بعض الصحابة مباشرة بدون واسطة، وممن اشتهر بهذه الكنية عدد آخر غيره من المحدثين ومن العلماء، منهم أبو زرعة الرازي وهو شيخ الإمام مسلم، وهو في القرن الثالث الهجري وهو من المتكلمين في الرجال، وكثيراً ما ينقل ابن أبي حاتم عن أبيه أبي حاتم وعن أبي زرعة الرازيين الكلام في الرجال، وكذلك أبو زرعة الدمشقي هو أيضاً مشهور بهذه الكنية، وأيضاً في المتأخرين أبو زرعة العراقي ابن صاحب الألفية عبد الرحيم بن حسين الأثري ابنه ولي الدين أبو زرعة المتوفى سنة ست وعشرين وثمانمائة، وهو أيضاً مشهور بهذه الكنية التي هي أبو زرعة، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير هذا الذي معنا ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الله بن نجي].
    عبد الله بن نجي الحضرمي الكوفي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    يروي عن علي رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين أبي الحسن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، ومناقبه جمة، وفضائله كثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    والحديث كما ذكرت من رواية عبد الله بن نجي عن علي وفيها انقطاع، وسيأتي أن الحديث يرويه عن أبيه، وأبوه لقي علياً وسمع منه، لكن كما ذكرت أن الحافظ ابن حجر ذكر أنه مقبول، أي: أن حديثه يعتبر إذا اعتضد.
    حديث علي في التنحنح في الصلاة من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن عبيد، حدثنا ابن عياش، عن مغيرة، عن الحارث العكلي، عن ابن نجي قال: قال علي رضي الله عنه: (كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان: مدخل بالليل ومدخل بالنهار، فكنت إذا دخلت بالليل تنحنح لي)].أورد النسائي حديث علي من طريق أخرى، وهي ترجع إلى عبد الله بن نجي الذي يروي عن علي، وكما ذكرت أيضاً فيها انقطاع مثل التي قبلها، من جهة أن عبد الله بن نجي لم يسمع من علي رضي الله تعالى عنه، وعلى هذا فهو منقطع، وهو يدل على ما دل عليه الذي قبله من حيث التنحنح، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتنحنح له وهو في الصلاة.
    قوله: [أخبرني محمد بن عبيد].
    وهو المحاربي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    وقول النسائي: (أخبرني) مع أنه يقول في أكثر الروايات: (أخبرنا)، والفرق بين (أخبرني)، و(أخبرنا) أو (حدثني)، و(حدثنا) أنهم يستعملون هاتين الصيغتين، فيستعملون (أخبرني) فيما إذا سمع وحده، أو إذا كانت الرواية أو التحمل منه كان وحده ليس معه أحد، أما إذا كان عند التحمل معه غيره، فإنه يأتي بصيغة الجمع التي هي (أخبرنا) و(حدثنا)، وإن كانت صيغة (أخبرنا) و(حدثنا) يمكن أن يقولها الإنسان عن نفسه فيأتي بكلمة (نا) وإن كان وحده، إلا أن المشهور في الاصطلاح أنهم يغايرون بين (أخبرني) و(أخبرنا)، فيعبر الإنسان عما رواه وحده وليس معه غيره عند التحمل بـ(أخبرني) بالإفراد، وإذا كان عند التحمل معه غيره، فإنه يقول: (أخبرنا) يعني: أنا وغيري، فيكون المقصود من ذلك الجمع، يعني: يشير إليه وإلى غيره.
    [حدثنا ابن عياش].
    وهو أبو بكر بن عياش، وهو ثقة، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم في مقدمة الصحيح، وأخرجه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن مغيرة عن الحارث العكلي عن ابن نجي].
    وهؤلاء تقدموا في الإسناد الذي قبل هذا.
    حديث علي في التنحنح في الصلاة من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار، حدثنا أبو أسامة، حدثني شرحبيل يعني: ابن مدرك، حدثني عبد الله بن نجي، عن أبيه قال: قال لي علي رضي الله عنه: (كانت لي منزلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد من الخلائق، فكنت آتيه كل سحر، فأقول: السلام عليك يا نبي الله، فإن تنحنح انصرفت إلى أهلي، وإلا دخلت عليه)].وهذه الرواية مثل الرواية التي قبلها إلا أن فيها أنه تنحنح للانصراف، والرواية السابقة أنه تنحنح للدخول، وكما قلت: يحمل على أن هذا في بعض الأحوال، كونه إذن أو غير إذن أن هذا باعتبار بعض الأحوال، وهذه الرواية أيضاً فيها كلام من حيث أن نجي والد عبد الله قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، أي أنه يعتمد عند الاعتضاد، أي: عندما يوجد ما يعضده فإنه يعتمد، وإذا لم يوجد ما يعضده فإنه لا يعول على ما يأتي عنه، ولهذا ضعف الشيخ الألباني كل هذه الطرق الثلاث، وقال: إنها ضعيفة الإسناد، فقال هذه الطرق الثلاثة الموجودة في هذا الباب من الطريق الأولى والطريق الثانية كما هو معلوم فيها انقطاع، والطريق الثالثة فيها الرواية عن نجي، وأنه يروي عن أبيه، وأبوه مقبول يحتاج إلى اعتضاد.
    قوله: [أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار].
    ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وما خرج له البخاري، ولا أبو داود.
    [حدثنا أبو أسامة].
    وهو أبو أسامة حماد بن أسامة مشهور بكنيته أبي أسامة، وهو ثقة، متقن ربما دلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وقد عرفنا فيما مضى أن فائدة معرفة هذا النوع ألا يظن التصحيف فيما لو أتي بـ(أبي) بدل (ابن)، فإن من لا يعرف أن الاسم مطابق للكنية وهو يعرفه، وهو مشهور بالكنية لو جاء بالنسب بدل الكنية فإنه يظنه تصحيف، أو العكس بأن قيل: حماد أبو أسامة بدل حماد بن أسامة يظن أن (أبو) مصحفة عن ابن، لكن إذا عرف أن الكنية مطابقة لاسم الأب فسواء قيل: حماد بن أسامة أو قيل: حماد أبو أسامة فكلها صحيح، وكلها صواب، فـأبو أسامة هو ابن أسامة.
    [حدثني شرحبيل يعني ابن مدرك].
    ثقة، أخرج له النسائي وحده، وقوله: (يعني: ابن مدرك) هذه الذي قالها هي من دون أبي أسامة؛ من دون التلميذ؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول عن شيخه هو ابن فلان، بل يقول: فلان ابن فلان ابن فلان، وينسبه كما يريد، لكن من دون التلميذ هو الذي إذا أراد أن يضيف شيئاً يوضح ذلك الشخص المهمل، فيأتي بكلمة (هو) أو يأتي بكلمة (يعني)، وكلمة يعني فعل مضارع فاعلها ضمير مستتر يرجع إلى أبي أسامة، وقائلها من دون أبي أسامة الذي هو القاسم بن زكريا أو النسائي أو من دونهما، يعني: من دون التلميذ الذي هو أبو أسامة.
    [حدثني عبد الله بن نجي عن أبيه].
    وقد مر ذكرهما، وكل منهما روى عنه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    البكاء في الصلاة
    شرح حديث عبد الله بن الشخير: (أتيت النبي وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب البكاء في الصلاة.أخبرنا سويد بن نصر، أخبرنا عبد الله، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن مطرف، عن أبيه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل يعني: يبكي)].
    أورد النسائي رحمه الله: البكاء في الصلاة، وأرد فيه حديث عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنه أنه (جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولجوفه أزيز كأزيز المرجل يعني: يبكي)، والمرجل هو: القدر الذي يغلي به الماء، أي: صوت غليان الماء في المرجل يشبهه ببكاء الرسول صلى الله عليه وسلم، والأزيز الذي يكون في جوفه وهو يبكي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورسول الله عليه الصلاة والسلام هو أخشى الناس لله وأتقاهم له عليه الصلاة والسلام، فهذا الحديث يدل على بكائه في الصلاة، فصوت الماء في القدر يشبهه أزيز جوف الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يبكي في الصلاة، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن الشخير: (أتيت النبي وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي وهو راوية عبد الله بن المبارك.
    [أخبرنا عبد الله].
    وهو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، عابد، مجاهد، قال عنه الحافظ في التقريب بعد أن ذكر جملة من صفاته: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد بن سلمة].
    هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو أثبت الناس في ثابت البناني.
    [ عن ثابت البناني].
    وفي النسخة الموجودة بين أيدينا عن حماد بن سلمة عن سلمة، وفي بعض النسخ ليس فيها ذكر سلمة، ومن المعلوم أن حماد بن سلمة يروي عن ثابت بل هو أثبت الناس في ثابت البناني، فكلمة (عن سلمة) هذه زائدة يعني: في هذه النسخة، وفي نسخة تحفة الأشراف ليس فيه ذكر سلمة، وإنما بدونه وبدون ذكره، وثابت هو ابن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مطرف].
    وهو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، عابد، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    وهو عبد الله بن الشخير، وهو صحابي من مسلمة الفتح، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    لعن إبليس والتعوذ بالله منه في الصلاة
    شرح حديث أبي الدرداء في لعن إبليس والتعوذ بالله منه في الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب لعن إبليس والتعوذ بالله منه في الصلاة.أخبرنا محمد بن سلمة، عن ابن وهب، عن معاوية بن صالح، حدثني ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك. ثم قال: ألعنك بلعنة الله ثلاثاً. وبسط يده كأنه يتناول شيئاً، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله! قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال: إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله فلم يستأخر ثلاث مرات، ثم أردت أن آخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً بها يلعب به ولدان أهل المدينة)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب لعن إبليس، والتعوذ بالله منه في الصلاة. وأورد النسائي فيه حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه وهو أنه صلى مع النبي عليه الصلاة والسلام، فسمعوه يقول: أعوذ بالله منك، ثم قال: ألعنك بلعنة الله، ورأوه مد يده كأنه يريد أن يمسك بشيء، ولما فرغ من الصلاة سألوه فأجابهم عليه الصلاة والسلام بأن إبليس عرض له في الصلاة ومعه شهاب من نار يريد أن يجعله في وجهه، فتعوذ بالله منه، ثم لعنه وقال: ألعنك بلعنة الله، فقال: فأردت أن أمسكه، ثم إنه تذكر دعوة سليمان بأن يؤتيه الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فتركه ولم يمسكه، قال: ولولا دعوة أخينا سليمان لأصبح يلعب به صبيان أهل المدينة، يعني: أنه قد أمسكه، ولكنه لم يفعل؛ لهذه الدعوة التي دعا بها سليمان، وهو أن يؤتيه الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده.
    والحديث يدل على التعوذ بالله من الشيطان، وعلى لعن إبليس في الصلاة، والرسول صلى الله عليه وسلم تعوذ بالله منه ولعنه في الصلاة، لكن هذه الهيئة وهذه الصورة التي حصلت للرسول عليه الصلاة والسلام والتي أطلع الله فيها نبيه عليه وكان يشاهده ويعاينه، والصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يرونه، ولكنهم يرون اليد الكريمة الممدودة ولا يرون الشيء الذي مدت إليه، والله تعالى أطلع نبيه، ولم يطلعهم، كما أطلعه على الجنة والنار عندما عرضت عليه وهو يصلي بالناس صلاة الكسوف، ومد يده كأنه يريد أن يتناول شيئاً وهو قد رأى العناقيد المتدلية، فمد يده ليأخذ عنقوداً من العنب، ثم ترك وقال: (لو أخذت منه لأكلتم ما بقيت الدنيا) فالله تعالى أطلع نبيه على النار وعلى الجنة، والصحابة رضي الله عنهم ورائه وما رأوهما، وكذلك أطلع الله نبيه على إبليس عندما جاء إليه ومعه شهاب ومد يده ليمسكه، ولكنه ترك ذلك من أجل دعوة سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام بأن يعطيه الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وقد سخر الله له الريح وسخر له الجن والإنس والطير، فكان ما قصه الله عز وجل عنه في سورة النمل، وكذلك في سورة سبأ، وفي سورة ص من تسخير الجن والإنس، وتسخير الطير له صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا هو الملك الذي أعطاه الله إياه وليس لأحد من بعده حتى هذا العصر الذي تقدمت فيه الصناعة لا يمكن أن يصلوا إلى ما وصل أو إلى ما حصل لسليمان بن داود عليه الصلاة والسلام من تلك المعجزات وتلك الخصائص التي خصه الله تعالى بها، حيث أن العرش الذي هو عرش بلقيس أتي به من اليمن إلى الشام في لحظة، والعفريت الذي عرض عليه أن يأتي به قبل أن يقوم من مقامه، ثم بعد ذلك قال الذي عنده علم من الكتاب: أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك. ففي لحظة جاء بذلك العرش من اليمن إلى الشام، وهذا شيء لا يحصل ولن يحصل في هذا الزمن الذي تقدمت فيه الصناعات، وهذا مما اختص به نبي الله سليمان بن داود، والنبي عليه الصلاة والسلام ما أمسك هذا الشيطان في الصلاة؛ من أجل دعوة سليمان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي الدرداء في لعن إبليس والتعوذ بالله منه في الصلاة
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].وهو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ومحمد بن سلمة عند النسائي شخصان في طبقتين، طبقة شيوخ النسائي وطبقة شيوخ شيوخه، فإذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخه فالمراد به المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخ شيوخه فالمراد به الحراني الباهلي.
    [عن ابن وهب].
    وهو عبد الله بن وهب المصري، المحدث، الفقيه، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن معاوية بن صالح].
    وهو معاوية بن صالح بن حدير، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني ربيعة بن يزيد].
    وهو ربيعة بن يزيد الدمشقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إدريس الخولاني].
    وأبو إدريس الخولاني اسمه عائذ الله وهو من كبار التابعين الذين رووا عن كبار الصحابة، قيل: إنه عالم الشام بعد أبي الدرداء، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الدرداء].
    وهو عويمر بن زيد الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة
    حكم شراء خاتم الفضة بالريال
    السؤال: ما حكم شراء خاتم الفضة بالريال، بعض الناس يقول: فيه ربا. هل هذا صحيح؟الجواب: ليس فيه ربا؛ لأنه كما هو معلوم الخاتم من الفضة هو أحد المعدنين، ومن المعلوم أنه مثل الريال من الفضة، فإنه يباع بالورق متفاضلاً، يعني: الريال من الفضة نفسه هو ليس الريال من الورق. فقيمة الريال من الفضة ريال من الورق، فإذا كان الريال نفسه يكون بينه وبين النقود من الورق تفاضلاً فهذا من جنسه؛ لأنها سلعة تباع بالريالات، ذهب أو فضة، كل ذلك يشترى بالريالات، لكن لا بد من التقابض. عموم مشروعية غسل يوم الجمعة على الحاضر لها وغير الحاضر
    السؤال: هل غسل الجمعة خاص بمن يحضر الصلاة، أم هو عام حتى لمن لم يحضر كالحيض؟الجواب: لا أدري، لكن التنظف يوم الجمعة لا شك أن فيه مصلحة وفيه فائدة، وأصل الحديث أن بعض الصحابة كانوا يشتغلون وكانوا أهل حرث وأهل مزارع، ويأتون ولهم شيء من الروائح، فالنبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى غسل الجمعة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) فهو أتى بلفظ عام.
    علاقة احتواء الله على عرشه بملامسته للعرش
    السؤال: احتواء الله عز وجل على عرشه هل يقتضي منه الملامسة للعرش؟الجواب: لا يجوز الكلام في الكيفية وإنما يقال: إن الله تعالى استوى على عرشه بمعنى علا وارتفع، وكيف ذلك؟ الله تعالى أعلم، والله تعالى غني عن العرش، وعن غير العرش، وكل مخلوق فهو مفتقر إليه وهو غني عن كل ما سواه سبحانه وتعالى، لكن الكلام في الكيفية لا يسوغ، كيفية الصفات وكيف اتصاف الله عز وجل بها لا يجوز أن يتكلم في ذلك، وإنما يجوز أن تعرف المعاني، وأما الكيفية فالله تعالى هو المختص بها.
    مدى صحة تدليس الحسن البصري
    السؤال: هل صحيح أن الحسن البصري رحمه الله كان يدلس على أهل البصرة، ويقول: حدثنا. وهو يقصد أهل البصرة، أي: حدث أهل البصرة؟ وما حكم هذا التدليس؟الجواب: هو ذكر في ترجمته، ومعروف أن الحسن البصري مدلس، أقول: هو من المدلسين، والتدليس أمره معروف، من حيث أنه لا يقدح في الرجل، ولكن الرواية التي فيها التدليس هي التي ينظر فيها.
    مدى ثبوت أحاديث في غير النسائي في التنحنح بقصد الإذن في الصلاة
    السؤال: هل ثبت التنحنح بقصد الاستئذان في كتب السنة الأخرى؟الجواب: أقول: ما أدري ولا أعرف شيئاً يدل على ثبوته، لكن كما هو معلوم أن الإنسان إذا طرق عليه الباب أو خوطب وهو يصلي فلو أنه رفع صوته بشيء مما هو موجود في أعمال الصلاة؛ بأن يرفع في القراءة أو في التسبيح أو في الحمد أو ما إلى ذلك من الأعمال، فإن ذلك سائغ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس الصلاة السرية وفي بعض الأحيان يجهر بالآية، فيسمع الناس ويعرف الناس الشيء الذي كان يقرأه من القرآن، وإذا وجد من الإنسان رفع صوته بشيء من أفعال الصلاة التي هو متلبس بها كقراءة أو حمد أو تسبيح أو ما إلى ذلك، فإن المقصود يحصل ويعرف أنه يصلي بذلك، أما التنحنح فأنا ما أعرف ولا علم لي بشيء يدل على ثبوته في الصلاة.
    حكم لعن الشيطان والتعوذ منه في الصلاة
    السؤال: هل يستفاد من الحديث الأخير لعن الشيطان في الصلاة مع الاستعاذة؟الجواب: نعم، لكن الذي حصل من الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشيطان جاء إليه ورآه وشاهده، وشاهد الشهاب الذي معه، وقال: أعوذ بالله منك، وقال: ألعنك بلعنة الله، وكون إبليس يلعن في الصلاة ويتعوذ منه في الصلاة فهو سائغ نفلاً وفرضاً.
    مدى صحة حديث: (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)
    السؤال: روى أبو داود في السنن وابن خزيمة في صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) فهل هذا الحديث صحيح أم ضعيف؟الجواب: لا أدري عن صحته، لكن الجنب والحائض ليس لهم أن يمكثوا في المسجد، ولكن لهم أن يمروا في المسجد، لكن بالنسبة للحائض مع أمن التلويث.



  10. #230
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (227)

    - باب الكلام في الصلاة
    لقد دلت السنة النبوية على تحريم الكلام في الصلاة، وأنها لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وإنما هي لذكر الله والدعاء والتسبيح، وبينت السنة أن الكلام كان مباحاً ثم نهي عنه.
    الكلام في الصلاة
    شرح حديث أبي هريرة: (قام رسول الله إلى الصلاة وقمنا معه فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الكلام في الصلاة.أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة: أن أبا هريرة قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: لقد تحجرت واسعاً، يريد رحمة الله عز وجل)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب الكلام في الصلاة، المراد من هذه الترجمة هو: بيان أن الكلام الذي يكون بين الناس، كلام الناس بعضهم مع بعض في شئونهم، وحاجاتهم، ومصالحهم لا يجوز أن يكون في الصلاة؛ لأن الصلاة هي موضع الإقبال على الله عز وجل، في الذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، وليست محلاً للكلام، وكان في أول الأمر، يحصل الكلام بين الصحابة في حاجاتهم، ويسلم الواحد على المصلي فيرد عليه بالسلام، وبعد ذلك نسخ هذا الحكم، فصار ذلك ممنوعاً في الصلاة، وإنما الصلاة مقصورة على قراءة القرآن، وعلى ذكر الله عز وجل، والتسبيح والتهليل والتكبير، وما إلى ذلك من الأمور المشروعة، أما كلام الناس بعضهم مع بعض، فإن ذلك لا يسوغ ولا يجوز، وكان ذلك سائغاً في أول الأمر، ثم إنه نسخ كما يأتي في الأحاديث في هذا الباب عند النسائي.
    وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قام إلى الصلاة وقاموا معه في الصلاة، فقال أعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة وسلم، قال للأعرابي: لقد تحجرت واسعاً)، يعني: رحمة الله عز وجل، حيث قال: (اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً)، التحجر في قوله: (ولا ترحم معنا أحداً)، معناه: أنه يقصر الرحمة عليهما، والله عز وجل يقول: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ )[الأعراف:156]، فكون هذا الأعرابي قال: ولا ترحم معنا أحداً، أي: أن الرحمة تقصر عليه وعلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام أنكر عليه ذلك، ويمكن الإنسان يسأل له ولغيره، لكن لا يسأل أن يكون ذلك الحكم مقصوراً عليه، وعلى من طلب له، ولا يكون لأحد سواهما، هذا هو الذي أرشد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام إلى تركه، والابتعاد عنه؛ لأن هذا ينافي شمول رحمة الله، التي وسعت كل شيء.
    والنبي عليه الصلاة والسلام ما كلمه في الصلاة، ما قال: لقد تحجرت واسعاً وهو في الصلاة، وإنما قال ذلك لما فرغ رسول الله عليه الصلاة والسلام من الصلاة؛ وذلك لأن الكلام في الصلاة لا يسوغ، وكان سائغاً أولاً، ثم إنه نسخ كما سيأتي في الأحاديث التي بعد هذا.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (قام رسول الله إلى الصلاة وقمنا معه فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً ...)
    قوله: [كثير بن عبيد].هو الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، لم يخرج له الشيخان، ولا خرج له الترمذي.
    [عن محمد بن حرب].
    وهو الحمصي أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزبيدي].
    وهو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي، هو أيضاً حمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وهو ثقة، ثبت، هو من كبار أصحاب الزهري، وهو هنا يروي عن الزهري، وهو من كبار أصحابه، أي: الزبيدي الحمصي.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، محدث، إمام، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قام بجمع السنة وتدوينها، بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وقد قال فيه السيوطي في الألفية:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
    أي: أنه قام بذلك بتكليف من السلطان، بتكليف من ولي الأمر، أما الجهود الفردية، وقيام بعض السلف بتدوين السنة، وتدوين الأحاديث لأنفسهم، فهذا موجود في زمن الصحابة، وقد فعله بعض الصحابة، مثل: عبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه كان يكتب حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن الذي حصل من الزهري، هو كونه حصل بتكليف من ولي الأمر، كلف الزهري بجمع الأحاديث وجمع السنة.
    وحديث الزهري أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو ابن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن الفقهاء السبعة في المدينة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هذا الذي معنا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمكثرون من الصحابة سبعة، وأكثرهم أبو هريرة، وقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    فـأبو هريرة هو أولهم، وهو أكثرهم حديثاً، وقد ذكرت فيما مضى: أن كثرة حديثه لها أسباب، منها: أولاً: ملازمته النبي عليه الصلاة والسلام، فكان يذهب معه، ويأكل معه إذا أكل، ويشرب إذا شرب، ملازم لرسول الله عليه الصلاة والسلام، فيسأله ويجيبه النبي عليه الصلاة والسلام، ويسأل والنبي صلى الله عليه وسلم يجيب من سأله وأبو هريرة يسمع.
    ثم أيضاً: دعاء النبي عليه الصلاة والسلام له بالحفظ، وكذلك أيضاً: كونه بقي في المدينة، واستمر في المدينة، والمدينة يقصدها الناس، ويأتون إليها، فيأخذون مما عنده، ويسمعونه ما عندهم، فكانت هذه الأمور، وغيرها، من أسباب كثرة حديثه، وكونه أكثر الصحابة، وإن كان قد تأخر إسلامه، وكان إسلامه عام خيبر، ولكن هذه المدة التي بعد خيبر، لازم فيها النبي عليه الصلاة والسلام، فسمع الحديث الكثير من رسول الله عليه الصلاة والسلام، سمع منه ومن أصحابه؛ لأنه كما عرفنا مراسيل الصحابة معتبرة؛ لأنهم لا يأخذون غالباً إلا عن الصحابة، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
    وهذا الإسناد مكون من ستة، ثلاثة حمصيون، وثلاثة مدنيون، فالحمصيون هم: كثير بن عبيد، ومحمد بن حرب، والزبيدي محمد بن الوليد، والمدنيون هم: الزهري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه، فنصف الإسناد حمصيون ونصفه مدنيون.
    شرح حديث: (أن أعرابياً دخل المسجد فصلى ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً ...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري حدثنا سفيان أحفظه من الزهري أخبرني سعيد عن أبي هريرة: (أن أعرابياً دخل المسجد فصلى ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تحجرت واسعاً)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو دال على ما دل عليه الحديث الأول، إلا أنه هنا مطلق، فإنه لما سلم رسول الله من الصلاة قال له: لقد تحجرت واسعاً، فمعنى ذلك: أن الصلاة لا يتكلم فيها بشيء من كلام الناس، وإنما الكلام هو في قراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والتسبيح، والتهليل، والتكبير، وغير ذلك من الأمور التي هي من ذكر الله، أما كلام الناس فيما بينهم، فهذا مما كان موجوداً في أول الأمر، ثم إنه نسخ، وصار الحكم الشرعي هو: تحريم الكلام في الصلاة، أي: كلام الناس فيما بينهم، وأما الكلام الذي هو كون الإنسان يقرأ، أو يذكر الله، أو يسبح الله، أو يدعو، فإن هذا لابد منه في الصلاة، وقد جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلاة الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن أعرابياً دخل المسجد فصلى ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً ...) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري].وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن مسور بن مخرمة الزهري، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة؛ ولأنه يروي عن الزهري، وإذا جاء سفيان غير منسوب وهو يروي عن الزهري يحمل على ابن عيينة، ولا يحمل على الثوري؛ لأن ابن عيينة هو المعروف بالرواية عن الزهري، بخلاف الثوري فإنه ليس معروفاً بالرواية عنه، بل قال الحافظ ابن حجر في الفتح: إنه لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، أي: الثوري، لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، وعلى هذا: فإذا جاء سفيان، مهمل غير منسوب، فإنه يحمل على سفيان بن عيينة، لأن سفيان بن عيينة هو معروف بالرواية عن الزهري.
    ثم أيضاً: كل منهما من أهل الحجاز، الزهري من أهل المدينة، وابن عيينة من أهل مكة، وسفيان الثوري من أهل الكوفة، من أهل العراق، فحصول الاتصال، وحصول الملازمة، بين الزهري وبين سفيان بن عيينة حاصل، ومعروف أن سفيان بن عيينة مكثر من الرواية عن الزهري، وكذلك سفيان الثوري غير معروف بالرواية عن الزهري.
    إذاً: كلما جاء سفيان غير منسوب، يروي عن الزهري، فإنه يحمل على سفيان بن عيينة، وسفيان بن عيينة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [عن سعيد].
    وهو سعيد بن المسيب، أحد الفقهاء السبعة الذين ذكرتهم آنفاً، وهو من الفقهاء السبعة باتفاق، بخلاف أبي سلمة بن عبد الرحمن، الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، فهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال، أما سعيد بن المسيب، فهو أحد السبعة باتفاق بدون خلاف، وحديث سعيد بن المسيب أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [وأبو هريرة].
    مر ذكره بالإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث معاوية بن الحكم في تشميته العاطس في الصلاة وقول النبي له في ذلك
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا محمد بن يوسف حدثنا الأوزاعي حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة حدثني عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال: (قلت: يا رسول الله! إنا حديث عهد بجاهلية فجاء الله بالإسلام، وإن رجالاً منا يتطيرون، قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم، ورجال منا يأتون الكهان، قال: فلا تأتوهم، قال: يا رسول الله! ورجال منا يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك، قال: وبينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فحدقني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما لكم تنظرون إلي؟! قال: فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني بأبي وأمي هو، ما ضربني ولا كهرني ولا سبني، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، قال: إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن، قال: ثم اطلعت إلى غنيمة لي ترعاها جارية لي في قبل أحد والجوانية، وأني اطلعت فوجدت الذئب قد ذهب منها بشاة، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، فصككتها صكة، ثم انصرفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فعظم ذلك علي، فقلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟ قال: ادعها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله عز وجل؟ قالت: في السماء، قال: فمن أنا؟ قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إنها مؤمنة فأعتقها)].أورد النسائي حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله تعالى عنه: أنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وسأله أسئلة منها ما يتعلق بالموضوع الذي ترجم له النسائي، وهو الكلام في الصلاة، ومنها ما يتعلق بأسئلة أخرى، تتعلق بالتطير، وتتعلق بالكهانة، والإتيان إلى الكهان، وكذلك الخط في الرمل، سأله هذه الأسئلة، وأجابه رسول الله عليه الصلاة والسلام على هذه الأسئلة التي سألها.
    ثم إنه وهو يصلي معه، عطس رجل من القوم فشمته، ومن المعلوم أن التشميت، كلام من كلام الناس، يخاطب شخصاً، إذا قال: يرحمك الله يخاطب شخصاً، فهو يعتبر من كلام الناس بعضهم مع بعض، فحدقه الناس بأبصارهم، يعني: ينظرون إليه، فلما رآهم ينظرون إليه قال: (وا ثكل أمياه، مالكم تنظرون إليه؟!) يعني: فزاد، فلما رآهم جعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه؛ لأنهم لا يتكلمون في الصلاة، وإنما يريدون منه أن يسكت فسكت، ثم لما فرغ رسول الله عليه الصلاة والسلام من الصلاة دعاه، وقال: (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح، والتهليل، وقراءة القرآن)، يعني: هذا هو الذي يكون في الصلاة، تسبيح، وتهليل، وذكر، ودعاء، وقراءة قرآن، هذا هو الذي يصلح من الكلام في الصلاة، أما كلام الناس بعضهم مع بعض، وتحدث بعضهم مع بعض، وسؤال بعضهم إلى بعض، وخطاب بعضهم لبعض، فهذا لا يسوغ، وكما سيأتي، كان هذا سائغاً في أول الأمر، يعني: الرجل يحدث صاحبه حتى نزل قول الله عز وجل: ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ )[البقرة:238]، قال: أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام، يعني: الذي يكون فيما بينهم.
    فحديث معاوية بن الحكم السلمي واضح الدلالة على ما ترجم له النسائي، وهو الكلام في الصلاة، أي: أن ذلك لا يسوغ ولا يجوز.
    والمراد بالكلام: هو كلام الناس فيما بينهم، ولو كان من قبيل التشميت، تشميت العاطس بأن يقول: يرحمك الله، العاطس له أن يحمد الله إذا عطس وهو في الصلاة؛ لأن الصلاة موطن التحميد، والذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، فإذا عطس، له أن يحمد الله، لكن لا يرفع صوته، ولكن ليس لأحد أن يشمته؛ لأن التشميت هو كلام مع الغير، والكلام مع الغير مما هو ممنوع في الصلاة.
    فوائد في العقيدة من حديث معاوية بن الحكم في تشميته العاطس في الصلاة
    وهذا الحديث حديث عظيم مشتمل على مسائل عديدة، منها ما يتعلق بالعقيدة، ومنها ما يتعلق بالفقه وأحكام الصلاة، ففي أول الحديث قال: [(إنا حديث عهد بجاهلية فجاء الله بالإسلام)].إنا حديث عهد بجاهلية وجاءنا الله بالإسلام، يعني: هذا تمهيد للكلام، وتمهيد للأسئلة التي كان سيسأل عنها، يعني: أنهم كانوا يفعلون هذه الأفعال في الجاهلية، ويريد أن يسأله عن حكمها في الإسلام، وهو يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، من الحرص على التفقه في الدين، ومعرفة أحكام الشريعة، ومعرفة ما يسوغ وما لا يسوغ، فإن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: (إنا كنا حديث عهد بجاهلية)، يعني: أسلموا حديثاً، وعهدهم بالجاهلية قريب، ومن الأفعال التي كانوا يفعلونها بالجاهلية هذه الأمور التي يريد أن يسأل عنها.
    قال: [(وإن رجالاً منا يتطيرون)].
    (وإن رجالاً منا يتطيرون)، يعني: في الجاهلية، ويتطيرون معناه: أنهم عندما تطير الطيور، وتذهب يميناً، أو شمالاً، يتشاءمون ويتفاءلون، ويحصل منهم الإقدام، والإحجام، بناء على كون الطيور طارت يميناً، أو شمالاً، فكانوا يتطيرون، يعني: يعملون بما يحصل من الطيور، من كونها تتضاءل أو تتشاءم، فيحصل منهم الإقدام، ويحصل منهم الإحجام، هذا هو المراد بكونهم يتطيرون، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: (ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم)، يعني: عما تريدون، كون الطير يطير عن جهة الشمال، ولا يطير إلى جهة اليمين، لا يصد الإنسان عن السفر، الذي يريد أن يسافر، كونه أراد أن يسافر، ورأى طيراً ذهب جهة الشمال لا يمنعه، يعني: هذا تطير قد يقع في النفس، شيء يعرفونه في الجاهلية، لكن لا يجوز للمسلم، أن يمنعه ويحجم عن الشيء الذي هو يريده بسبب التطير، فكانوا في الجاهلية يحجمون ولا يقدمون على ما يريدون أن يقدموا عليه إذا حصل ذهابها إلى جهة الشمال، أو إلى جهة اليسار، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: (فلا يصدنكم)، يعني: ذلك، لا يصدنكم عما تريدون، بل امضوا لما تريدون، قال: فالطيرة: ما أمضاك أو ردك.
    وقوله: (إن رجالاً منا يتطيرون)، لا يعني أن هذا من أفعال الرجال خاصة، وإنما يحصل من الرجال والنساء، لكن الغالب أن الكلام مع الرجال، كونه قال: (إن رجالاً)، فلا يعني ذلك أن النساء ما يحصل منهن ذلك، فيحصل من النساء والرجال، لكن إطلاق الرجال؛ لأن الغالب الكلام معهم، والحديث معهم، ولهذا يأتي في السنة ذكر الرجل، وليس له مفهوم، حيث أن المرأة لا تختلف عن الرجل فيه، ومن ذلك: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، فقوله عليه الصلاة والسلام: (إلا رجلاً)، ليس معنى ذلك أن المرأة تختلف، وأن المرأة التي كانت معتادة أن تصوم يوم الاثنين، ووافق يوم ثلاثين، ليس لها ذلك، وأن ذلك حكم خاص بالرجال، لا، بل حكم الرجل والمرأة سواء في ذلك، لكن ذكر الرجل، لأن الغالب أن الكلام مع الرجال، فجاء ذكر الرجل، والرجل لا مفهوم له، أو يأتي ذكر الرجال ولا مفهوم لذكرهم، بمعنى أن النساء تخالفهم في الحكم: (إن رجالاً منا يتطيرون)، يعني: أن الغالب أن الكلام مع الرجال وفي الرجال، وليس معنا ذلك أن النساء ما تتطير.
    قال: [(ورجال منا يأتون الكهان)].
    (ورجال منا يأتون الكهان)، قال: (فلا تأتوهم)، يعني: في الجاهلية، والرجال يعني: الرجال والنساء، ليس الأمر خاصاً بالرجال، بل النساء كذلك تذهب إلى الكهان، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا (تأتوهم)، يعني: لا تذهبوا إلى الكهان، لا يجوز الذهاب إلى الكهان، هذا العمل من أعمال الجاهلية، لا يجوز أن يفعله المسلم، هذه الأعمال تعمل في الجاهلية، ويعملها أهل الجاهلية، من الذهاب إلى الكهان، لا يجوز أن يفعل في الإسلام، وإذا وجد، فهو ارتكاب محرم، ووقوع في محذور، جاءت الشريعة في منعه، وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من أتى كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)، (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، فالذهاب إلى الكهان محرم لا يجوز، والكهان هم أناس من شياطين الإنس، رجال أو نساء، يتعاون معهم بعض شياطين الجن، فيحصل منهم الوقوع، أو عمل هذه الأشياء التي يكون منها: إخبار عن مغيبات، أو اطلاع على مغيبات، وما إلى ذلك، ومن المعلوم: أن الشياطين من الجن، عندهم حركة وانتقال فيطلعون على الشيء الذي يمكنهم الاطلاع عليه، ويأتون إلى إخوانهم من شياطين الإنس الذين هم الكهان، فيخبرونهم بالشيء الذي يخبرونهم به.
    ومن المعلوم: أن علم المغيبات هي من خصائص الله عز وجل، والجن لا يطلعون على كل مغيب، وإنما الشيء الذي يمكنهم أن يطلعوا عليه، ويشاء الله أن يطلعوا عليه، يطلعون عليه بسرعة حركتهم وانتقالهم، لكن قد لا يتمكنون من الوصول إلى ذلك المغيب، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث، الجن حصل لهم أن منعوا من استراق السمع فصاروا يبحثون، وأرسلوا وفوداً يميناً وشمالاً يبحثون ماذا حصل؟ حتى التقى الوفد الذي جاء إلى تهامة بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهو في طريقه إلى سوق من أسواق العرب، يدعوهم إلى الإسلام، فقرأ عليهم القرآن كما جاء ذلك في الحديث، وكما جاء في القرآن الكريم، مجيء جماعة من الجن وسماعهم للقرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أنهم رجعوا إلى قومهم منذرين.
    ثم أيضاً: ما ذكره الله عز وجل عن الجن الذين سخروا لسليمان بن داود عليه الصلاة والسلام، فإنه لما مات، ما عرفوا موته إلا بعدما أكلت دابة الأرض منسأته، فخر كما قال الله عز وجل: ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ )[سبأ:14]، لكن بحركتهم، قد ينتقلون من مكان إلى مكان، ويعرفون الشيء الذي في المكان، فيأتي الشيطان من الجن، إلى الشيطان من الإنس فيخبره.
    فهؤلاء هم الكهان الذين يدعون علم المغيبات، ويخبرون بأمور مغيبات عن طريق إخوانهم من شياطين الجن؛ ولهذا لا يجوز الذهاب إليهم، وتجب عقوبتهم ومنعهم من الوقوع في هذا الأمر المحرم، وكذلك أيضاً أخذهم العوض على ذلك حرام، يعني: كونهم يأخذون شيئاً مقابل كهانتهم، هو حرام لا يسوغ ولا يجوز، وقصة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، في الغلام الذي قال: إني كنت تكهنت وما أحسن الكهانة، وكان حصل شيئاً، فأكل منه أبو بكر ولم يخبره، فلما علم أدخل يده في فمه، حتى أخرج ما في جوفه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    قال: [(فلا تأتوهم، قال: يا رسول الله! ورجال منا يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك)].
    قال: (ورجال منا يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك)، يخطون يعني: في الرمل، وأخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام، أن نبياً من الأنبياء كان يخط، وكان هذا سائغاً في زمانه، والله تعالى يطلعه، ويصل إلى ما يريد بهذا العمل الذي شرع له، لكن غيره ليس له أن يقدم على ذلك، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من وافق خطه فذاك)، لكن كيف يعلم الإنسان أنه وافق خطه؟ يعني: هذا لا يعلم، ولا يمكن أن يوصل إليه، إذاً: فيكون ممنوعاً، وغير سائغ أن الإنسان يخط في الأرض، ويتوصل إلى أشياء عن طريق الخط في الأرض، وهذا من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام بمنعها، جاء بمنع التطير والكهانة والخط في الرمل.
    توجيه النبي لمعاوية بن الحكم في الكلام في الصلاة
    قال: [(قال: وبين أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة إذا عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله)].(قال: وبين أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله)، معلوم أن المصلي، له أن يحمد الله إذا عطس، لكن لا يرفع صوته كثيراً بحيث يشوش على الناس، وأن من سمع صوته يحمد الله، فلا يجوز لأحد أن يشمته؛ لأن التشميت خطاب، ومن حديث الناس، ومن كلام الناس بعضهم مع بعض، ولهذا مر بنا أنه إذا سلم على الإنسان، وهو في الصلاة، لا يتكلم، ولا يرد بالكلام، ولكن يرد بالإشارة؛ لأن الكلام لا يجوز حتى في رد السلام؛ لأنه خطاب، السلام هو من خطاب الناس بعضهم مع بعض، ولكنه إذا عطس يحمد الله، ومن سمعه لا يشمته، ولو شمت، هو لا يجيب من شمته، لا يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم؛ لأن هذا كله من قبيل خطاب الناس بعضهم مع بعض.
    قال: [(فحدقني القوم بأبصارهم)].
    فحدقني القوم بأبصارهم، يعني: نظروا إلي، مستنكرين، ومنكرين عليه هذا الذي فعله من الكلام، وكونه شمت من عطس، فلما رآهم ينظرون إليه تكلم وزاد في الكلام وقال: واثكل أمياه ما لكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأفخاذهم يسكتونه، يريدون منه أن يسكت، فسكت، ولما فرغ رسول الله عليه الصلاة والسلام من الصلاة دعاه.
    قال: [(فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني بأبي وأمي هو ما ضربني ولا كهرني ولا سبني)].
    (دعاني بأبي هو وأمي)، بأبي هذه ليست قسم وإنما هي تفدية، يعني: هو مفدي بأبي وأمي، أو فداؤه أبي وأمي، هذا هو المقصود بأبي وأمي، يعني: مفدي بأبي وأمي، وليس المقصود بذلك حلف بأبيه وأمه، وإنما هو تفدية، يعني: يفدي الرسول عليه الصلاة والسلام بأبيه وأمه، لهذا الخلق الكريم الذي اتصف به صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولهذه المعاملة الحسنة التي عامله إياها، فقال: بأبي هو وأمي، هو مفدي بأبي وأمي، (ما ضربني)، يعني: ما ضربه، ما أدبه بالضرب، (ولا كهرني)، يعني: أنه ما نهره أو اكفهر في وجهه، وسبه، وإنما قال له: (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس)، يعني: هذا الذي قلته، وهذا الذي جرى منك، هذا من الشيء الذي لا يصلح في صلاتنا، وإنما الذي يصلح هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن.
    قال: [(قال: إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن)].
    إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن، الإنسان يسبح في الصلاة يقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى، ويكبر في التنقلات، والانتقال من ركن إلى ركن، من هيئة إلى هيئة، ما عدا القيام من الركوع، كما عرفنا ذلك من قبل، وقراءة القرآن في حال القيام، يعني: أن المشروع في الصلاة هو: الكلام الذي هو كون الإنسان يقرأ، أو يذكر الله عز وجل، أو يسبحه، أو يكبره، هذا هو الذي يسوغ في الصلاة، أما مخاطبة الناس بعضهم مع بعض، وكلام الناس بعضهم مع بعض، هذا لا يجوز في الصلاة، وإن كان جائزاً من قبل ولكنه نسخ كما في الأحاديث التي ستأتي بعد هذا.
    أمر النبي لمعاوية بن الحكم بإعتاق الجارية التي ضربها
    قال: [(ثم اطلعت إلى غنيمة لي ترعاها جارية لي في قبل أحد والجوانية، وإني اطلعت فوجدت الذئب قد ذهب منها بشاه، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، فصككتها صكة)].ثم قال: (إني اطلعت إلى غنيمة لي، ترعاها جارية لي قبل أحد والجوانية) يعني: مكان قريب من أحد، فكانت ترعى، فرأى الذئب أخذ شاه فأكلها فغضب، وقال: أنا آسف كما يأسف الناس، فحصل له غضب، فصك هذه الجارية، ومعناه كأنها أهملت، أو أنها قصرت، أو حصل منها إخلال، ولكن الذي حمله على ذلك الغضب والأسف، ومهد لذلك فقال: لأني من بني آدم، آسف كما يأسفون، (فصككتها)، يعني: ضربها ضربة، فندم على ذلك، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فعظم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: اعتبره أمراً عظيماً، يعني: كونه يصك هذه الجارية، ويؤذيها ويحصل منه هذا الضرب الذي حصل لها.
    قال: [(فصككتها صكة ثم انصرفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فعظم ذلك علي، فقلت: يا رسول الله، أفلا اعتقها؟)].
    فعظم ذلك علي، يعني: أن الذي فعلته أمر عظيم، ليس بالهين، وإساءة إلى المملوك الذي يجب الإحسان إليه، والنبي عليه الصلاة والسلام كان أوصى بالمملوكين، وكان هذا من آخر ما أوصى به عليه الصلاة والسلام، كما جاء في حديث علي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مرض موته: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)، يعني: يحثهم على الصلاة، وعلى الرفق والإحسان بملك اليمين، قال علي رضي الله عنه: وهؤلاء الكلمات هن آخر ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظم هذا العمل، يعني أنه عظيم، وأمر خطير، كونه يؤذي هذه الجارية ويسيء إليها، والواجب عليه أن يحسن إليها ولا يسيء إليها.
    قال: [(فقلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟)].
    (قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها)؟ يعني: أنه في جملة الكفارات، أو يريد أن يحصل منه العتق، لمن تكون تحصل بها العتق بالكفارة، يعني: تكون مؤمنة، أن تكون مؤمنة، عتق رقبة مؤمنة، يعني: في كفارة من الكفارات، فالنبي صلى الله عليه وسلم، دعاها وطلبها حتى يعرف أنها مؤمنة، وأنها مسلمة، فقال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال لها: من أنا؟ قالت: رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: أعتقها فإنها مؤمنة).
    وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم إياها: أين الله؟ هذا يدلنا على أن مثل هذا السؤال سائغ وأنه لا ينكر، وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أعلم الناس بالله عز وجل، وأعلم الناس بما يجب له وبما يمتنع عليه، وقد جاءت الآيات الكريمات، وتوافرت النصوص في السنة على استواء الله على عرشه، وعلى علوه فوق عباده، وأنه سبحانه وتعالى هو العلي الكبير، وهو العلي العظيم، وأنه الكبير المتعال، فهو عال على خلقه فوق عرشه، والنبي عليه الصلاة والسلام لما سأل الجارية قال: أين الله؟ قالت: في السماء، والله عز وجل يقول: ( أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ )[الملك:16]، والمراد بالسماء هو العلو، ليس المراد بالسماء دائماً وأبداً السموات المبنية، السبع الشداد التي خلقها الله تعالى فوقنا، فإن السماء تطلق على السماء المبنية، وتطلق على جهة العلو، كل ما علا يقال له: سماء، ومن المعلوم أن ما فوق العرش هو سماء، والله عز وجل فوق العرش، فهو في السماء بهذا المعنى، يعني: فوق العرش في السماء، وإن أريد به السماوات المبنية فإن كلمة (في) بمعنى على، يعني: معناه على السماوات المبنية فوقها وليس فيها، فالله عز وجل لا يكون حالاً في المخلوقات، والمخلوقات حقيرة وليست بشيء أمام عظمة الله عز وجل، ويوضح ذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه: (ما السماوات السبع والأراضين السبع في كف الرحمن إلا كالخردلة في كف أحدنا)، ولله المثل الأعلى، فالله عز وجل هو الكبير المتعال، والسماوات والأرضين كلها ليست بشيء أمام عظمته، وجلاله، وكبريائه، سبحانه وتعالى، والله تعالى في السماء كما أخبر عن نفسه قال: ( أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )[الملك:16]، وحيث سأل الرسول صلى الله عليه وسلم الجارية وقال: (أين الله؟ فقالت: في السماء)، فأقرها على ذلك الرسول وقال: اعتقها فإنها مؤمنة.
    وبعض المتكلمين يقولون: أن مثل هذا الكلام أنه لا يسأل عن أين الله؟ ولا يقال: أين الله؟ وقال: أن هذا يترتب عليه أن يكون الله تعالى في جهة، وكلمة (في جهة) كلمة محتملة لحق وباطل، إن أريد بالجهة: أن الله تعالى في شيء مخلوق، وأن السماوات تحويه، فهذا باطل، وهذا المعنى ليس بصحيح، والله تعالى ليس في جهة بهذا المعنى، وإن أريد به: أنه فوق العرش، وأنه فوق السماوات، فهذا المعنى صحيح، فالله عز وجل منزه عن مشابهة الخلق، وهو مباين للخلق، والخلق مباينون له، ليس حالاً بهم وليسوا حالين به، وهو سبحانه وتعالى عال على خلقه، فوق عرشه، وهو مستغن عن عرشه وما دونه سبحانه وتعالى.
    قال: (أعتقها فإنها مؤمنة)، يعني: أنه ينطبق عليها هذا الوصف الذي هو كون رقبة مؤمنة، يعني: من عليه عتق رقبة مؤمنة، أو إذا كان عليه عتق رقبة مؤمنة، فيمكنك أن تعتق هذه الرقبة المؤمنة في هذه الكفارة.
    تراجم رجال إسناد حديث معاوية بن الحكم في تشميته العاطس في الصلاة وقول النبي له في ذلك
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور]. هو الكوسج المروزي، الملقب الكوسج، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود فإنه لم يخرج له شيئاً.
    وهناك في رجال الكتب الستة إسحاق بن منصور آخر، وهو السلولي، ولكن هذا متقدم، أدركه النسائي، فلا يروي عنه مباشرة، وإنما روايته عنه بواسطة، فإذا جاء إسحاق بن منصور، يروي عن النسائي مباشرة، فالمراد به الكوسج، وإذا جاء إسحاق بن منصور يروي عنه بواسطة فالمراد به السلولي.
    [حدثنا محمد بن يوسف].
    محمد بن يوسف الفريابي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الأوزاعي].
    وهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، فقيه الشام، ومحدثها، إمام من أئمة الحديث والفقه، وهو من أهل الشام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكنيته توافق اسم أبيه، لأنه عبد الرحمن بن عمرو، وهو أبو عمرو، وقد عرفنا أن هذا من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفته: أن لا يظن التصحيف فيما لو قيل: عبد الرحمن أبو عمرو أو قيل: عبد الرحمن بن عمرو، كل ذلك صحيح، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى بن أبي كثير].
    وهو اليمامي، وهو ثقة، ثبت، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هلال بن أبي ميمونة].
    هو هلال بن علي بن أبي ميمونة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني عطاء بن يسار].
    هو عطاء بن يسار الهلالي مولى ميمونة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن معاوية بن الحكم السلمي].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي. شرح حديث زيد بن أرقم في منع الكلام في الصلاة بعد أن كان جائزاً أول الأمر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا إسماعيل بن أبي خالد حدثني الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال: (كان الرجل يكلم صاحبه في الصلاة بالحاجة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ )[البقرة:238]، فأمرنا بالسكوت)].فالباب هو باب الكلام في الصلاة، فقد مر فيه بعض الأحاديث في الدرس الماضي، وبقي فيه بعض الأحاديث، ومنها: هذا الحديث الذي هو حديث زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه، أنه قال: (كان الرجل يكلم صاحبه في الصلاة بالحاجة حتى نزل قول الله عز وجل: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ )[البقرة:238]، فأمرنا بالسكوت)، وفي بعض الروايات: (ونهينا عن الكلام)، والحديث دال على: أن الكلام في الصلاة، كان في أول الأمر سائغاً، وأن الواحد يحدث صاحبه في الصلاة بحاجته، وكذلك يسلم الواحد فيرد عليه السلام وهو في الصلاة، ثم بعد ذلك نسخ كما جاء مبيناً في هذا الحديث، حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه.
    والحاصل: أن الكلام في الصلاة كالكلام في الطواف الآن، الطواف كما هو معلوم الحكم فيه مستقر، بأن الإنسان يكلم صاحبه في الطواف للحاجة، لا مانع من الكلام في الطواف، وكان الأمر بالنسبة للصلاة مثل الحال بالنسبة للطواف، يكلم الإنسان صاحبه لحاجته، فلما نزلت هذه الآية أمروا بالسكوت ونهوا عن الكلام.
    والحديث يدل على نسخ ما كان معهوداً في أول الأمر، من الكلام في الصلاة، ويدل أيضاً على أن السنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه؛ لأن قوله: ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ )[البقرة:238]، بين هذا الصحابي أنها لما نزلت هذه الآية، أمروا بالسكوت ونهوا عن الكلام، ومن المعلوم أن القنوت هو الإقبال على الصلاة، وعدم التشاغل بأي شيء يشغل عنها، ومن ذلك الكلام الذي يكون بين الناس في حاجاتهم، وما يريده بعضهم من بعض، فلا يكون هناك كلام في الصلاة، وإنما يكون الكلام قبل تكبيرة الإحرام وبعد التسليم؛ ولهذا يعرفون الصلاة بأنها: أقوال وأفعال مبتدأة بالتكبير مختتمة بالتسليم، والتكبير هو تكبيرة الإحرام، فهو يحرم على الإنسان بعدها ما كان حلالاً له قبلها، ومن ذلك الكلام، وكان الكلام في أول الأمر سائغاً، ثم نسخ كما جاء مبيناً في هذا الحديث، وغيره من الأحاديث التي ستأتي، وهي واضحة الدلالة على كون الكلام سائغاً أولاً، ثم إنه نسخ في آخر الأمر.
    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن أرقم في منع الكلام في الصلاة بعد أن كان جائزاً أول الأمر
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].وهو البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده، وهو يكنى بـأبي مسعود، وكنيته توافق اسم أبيه، هو أبو مسعود، وهو إسماعيل بن مسعود، ولهذا نظائر كثيرة، سبق أن مر ذكر أمثلة منها، مثل: أبو أسامة حماد بن أسامة، ومثل: عبد الرحمن الأوزاعي فهو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو، وأمثلة عديدة لا يحضرني منها الآن إلا هذا الذي ذكرته، وهذا الذي معنا إسماعيل بن مسعود، وغيرهم من هؤلاء الذين ذكرتهم.
    وفائدة معرفة هذا النوع: ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بالكنية مع الاسم، أو ذكرت النسبة مع الاسم، كل ذلك صحيح، إن قيل: إسماعيل بن مسعود فهو صحيح، وإن قيل: إسماعيل أبو مسعود فهو صحيح، وحديثه أخرجه النسائي وحده.
    [عن يحيى بن سعيد].
    وهو القطان، المحدث، الناقد، المتكلم في الرجال في الجرح والتعديل، بل هو من أئمة الجرح والتعديل، وهو بصري، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن إسماعيل بن أبي خالد].
    هو إسماعيل بن أبي خالد البجلي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحارث بن شبيل].
    وهو: أيضاً بجلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه، فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [عن أبي عمرو الشيباني].
    واسمه سعد بن إياس، وهو ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد].
    هو زيد بن أرقم، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (إن الله عز وجل أحدث في الصلاة أن لا تكلموا إلا بذكر الله وما ينبغي لكم ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار حدثنا ابن أبي غنية واسمه يحيى بن عبد الملك والقاسم بن يزيد الجرمي عن سفيان عن الزبير بن عدي عن كلثوم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهذا حديث القاسم، قال: (كنت آتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فأسلم عليه فيرد علي، فأتيته فسلمت عليه وهو يصلي فلم يرد علي، فلما سلم أشار إلى القوم فقال: إن الله عز وجل أحدث في الصلاة أن لا تكلموا إلا بذكر الله وما ينبغي لكم، وأن تقوموا لله قانتين)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود، وهو دال على ما دل عليه حديث زيد بن أرقم، من أن الكلام في الصلاة كان سائغاً، ثم إنه منع وحرم، فـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت آتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في الصلاة فأسلم عليه فيرد علي، فجاء إليه مرة فسلم، فلم يرد عليه، فلما فرغ من صلاته أشار إلى القوم، يعني: وبين هذا الحكم للناس، وقال: (إن الله يحدث من أمره ما شاء، وإن مما أحدثه ألا تكلموا إلا بذكر الله، وما ينبغي لكم)، يعني: وما ينبغي لكم أن تتكلموا به، الذي هو ذكر الله والتسبيح والتكبير وقراءة القرآن، وما إلى ذلك من الأمور السائغة.
    (وأن تقوموا لله قانتين)، مقبلين على صلاتكم، لا تتشاغلون عنها بأي شاغل، ومن ذلك ما يكون من بعضهم، من الحديث في بعض الحوائج، وفي السلام وغير ذلك، فإن الكلام منع منه في الصلاة، إلا الكلام الذي هو من أعمال الصلاة، كقراءة القرآن، والتسبيح، والتحميد، وذكر الله عز وجل، والدعاء، والاستغفار، وما إلى ذلك من الأمور المشروعة التي يؤتى بها في الصلاة، هذا هو الكلام السائغ، وأما الكلام الذي هو خطاب بين الناس، أو تحدث بين الناس في حاجاتهم، وأمورهم الخاصة، أو يسلم بعضهم على بعض، أو يشمت بعضهم إذا عطس، كل هذا لا يجوز في الصلاة، وقد منع منه في آخر الأمر.
    وقد مر بنا حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، الذي شمت فيه رجلاً، فنظر إليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وتكلم في الصلاة قال: ما بالكم تنظرون إلي؟ ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه وكلمه وقال: (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتحميد وقراءة القرآن وذكر الله عز وجل)، هذا هو الذي يسوغ في الصلاة، وما عدا ذلك من التخاطب بين الناس، وكلام الناس بعضهم مع بعض، فإن هذا منع منه، وكان مباحاً أولاً، ثم إنه حرم أخيراً.
    والرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، يعني: كان يرد السلام وهو في الصلاة، كما بينه ابن مسعود، وفي هذه المرة جاءه وسلم وما رد عليه السلام، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم، بين السبب في كونه ما رد السلام، وهو أن الله تعالى مما أحدثه، يعني: الحكم الذي شرعه، والأمر الذي نزل به الوحي على رسول الله عليه الصلاة والسلام أخيراً، هو أن لا يتكلم في الصلاة إلا فيما هو ذكر لله عز وجل، وقراءة القرآن.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل أحدث في الصلاة أن لا تكلموا إلا بذكر الله وما ينبغي لكم ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار].محمد بن عبد الله بن عمار، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا ابن أبي غنية].
    واسمه يحيى بن عبد الملك، وهو صدوق له أفراد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود، فإنه لم يخرج له في السنن، ولكنه خرج له في كتاب المراسيل.
    [والقاسم بن يزيد الجرمي].
    وهو الموصلي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سفيان].
    وهو الثوري، وهو المحدث، الفقيه، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزبير بن عدي].
    ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن كلثوم].
    هو ابن علقمة بن المصطلق، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن عبد الله بن مسعود].
    عبد الله بن مسعود الهذلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المهاجرين، وهو من علماء الصحابة، وكانت وفاته سنة 32هـ، وليس هو أحد العبادلة الأربعة، وقد قاله بعضهم، ولكن الصحيح أن الأربعة كلهم، من صغار الصحابة، وابن مسعود ليس منهم، وقد أدركهم من لم يدرك ابن مسعود وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، هؤلاء هم العبادلة الأربعة، إذا جاء ذكر العبادلة الأربعة، وبعض العلماء يقول: أن ابن مسعود أحد العبادلة الأربعة، ولكن القول المشهور: أن العبادلة الأربعة هم كلهم من صغار الصحابة، وأما ابن مسعود فهو من كبارهم ومتقدم الوفاة، وأولئك تأخرت وفاتهم، وأدركهم كثير ممن لم يدركوا ابن مسعود؛ لأن وفاتهم فوق الستين، في هذه الحدود، يعني: بعد حوالي الضعف، بالنسبة لوفاة ابن مسعود، يعني: 32هـ، وهم فيهم من فوق السبعين، وفيهم من كان دون ذلك، فهم كلهم من صغار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وحديث عبد الله بن مسعود أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (... إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإنه قد أحدث من أمره أن لا يتكلم في الصلاة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسين بن حريث حدثنا سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيرد علينا السلام، حتى قدمنا من أرض الحبشة فسلمت عليه فلم يرد علي، فأخذني ما قرب وما بعد، فجلست، حتى إذا قضى الصلاة قال: إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء، وإنه قد أحدث من أمره أن لا يتكلم في الصلاة)].أورد النسائي حديث ابن مسعود رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو دال على ما دلت عليه الطريق الأولى عنه، وهو أنه كان يقول: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الصلاة فيرد علينا، ولما قدمت من الحبشة، يعني: كان من المهاجرين إلى الحبشة، سلمت عليه فلم يرد علي، فبين عليه الصلاة والسلام وقال: (إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة)، يعني: الحكم الذي ثبت أخيراً، والذي جاء به الوحي أخيراً، هو نفس الكلام في الصلاة، إلى الحكم الذي هو: تحريم الكلام في الصلاة، كان أولاً يتكلم في الصلاة، الصحابة يكلم بعضهم بعضاً، والرسول صلى الله عليه وسلم يرد على من يسلم عليه بالكلام، وبعد ذلك مما أحدثه الله، أي الحكم الذي شرعه الله، وجاء به الوحي أخيراً، أن منع من الكلام في الصلاة، وألا يتكلم إلا في ذكر الله عز وجل، وقراءة القرآن، وما إلى ذلك.
    وقوله: أخذني ما قرب وما بعد، يعني: أنه كان يفكر بالأسباب التي جعلته لا يرد عليه، ما كان منها قريباً، وما كان منها بعيداً، يعني: كثر التفكير عنده في تأمل الأسباب التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد عليه، ولكن الأمر تبين أنه حكم نسخ، وأن الكلام كان سائغاً أولاً، ثم جاء تحريمه والمنع منه أخيراً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإنه قد أحدث من أمره أن لا يتكلم في الصلاة)
    قوله: [عن الحسين بن حريث].هو الحسين بن حريث المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [حدثنا سفيان].
    هو الثوري المتقدم في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن عاصم بن بهدلة].
    هو عاصم بن أبي النجود وهو بهدلة ؛ لأن أبو عاصم، اسمه بهدلة، وكنيته أبو النجود؛ ولهذا يقال: عاصم بن أبي النجود، أو يقال: عاصم بن أبي النجود بهدلة، فاسمه بهدلة أي أبوه، وكنيته أبو النجود، وهو مشهور بـعاصم بن أبي النجود، يعني: مشهور بنسبته إلى أبيه مكنى، وكذلك أيضاً ينسب إلى أبيه مسمى فيقال: عاصم بن بهدلة، وهو المقرئ المشهور، وهو حجة في القراءة، وهو صدوق له أوهام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، لكنه مقرون في الصحيحين.
    [عن أبي وائل].
    أبو وائل، وهو: شقيق بن سلمة، مشهور بكنيته ومشهور باسمه، ويأتي أحياناً بالاسم، ويأتي أحياناً بالكنية، ومعرفة كنى المحدثين، من أنواع علوم الحديث، وفائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين، لو ذكر في بعض الأسانيد أبو وائل كما هنا، وذكر في بعضها شقيق، الذي ما يعرف أن شقيق كنيته أبو وائل، يظن أن شقيق شخص، وأبو وائل شخص، لكن من يعرف أن أبا وائل كنية لـشقيق، يعلم أنه إن جاء بالكنية، أو جاء بالاسم فإنه لا يلتبس.
    وأبو وائل شقيق بن سلمة ثقة، مخضرم، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، فهو مخضرم مثل أبي عمرو الشيباني، الذي مر قبل هذا، سعد بن إياس، ذاك مخضرم وهذا مخضرم، والمخضرمون هم: من كبار التابعين، أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي عليه الصلاة والسلام، ورووا عن كبار الصحابة ، وحديث أبو وائل أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن مسعود].
    وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.



  11. #231
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (228)

    - باب ما يفعل من قام من اثنتين ناسياً ولم يتشهد - ما يفعل من سلم من ركعتين ناسياً وتكلم
    نظراً لأن الإنسان ربما يسهو في الصلاة فقد شُرع لمن سها أن يسجد للسهو، ومن نسي التشهد الأوسط سجد للسهو قبل السلام، كما يجوز السجود بعد السلام.
    ما يفعل من قام من اثنتين ناسياً ولم يتشهد
    شرح حديث ابن بحينة فيما يفعل من قام من اثنتين ناسياً ولم يتشهد
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يفعل من قام من اثنتين ناسياً ولم يتشهد.أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، ثم سلم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: من قام من ركعتين ناسياً ولم يتشهد؛ يعني: فإنه يأتي بما يجبر ذلك؛ وهو سجود السهو قبل السلام، وأرد فيه حديث عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله تعالى عنه أنه قال: [صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام من اثنتين]، يعني: قام إلى الثالثة ولم يجلس في التشهد بين الثانية والثالثة، [فلما انتهى من صلاته، وانتظر الناس تسليمه سجد سجدتين وهو جالس]، يعني: عن جلوس، ما قام ليسجد وهو قائم، فيكون سجوده عن قيام، وإنما سجوده عن جلوس، لما فرغ من التشهد ولم يبق إلا السلام سجد سجدتين وهو جالس، ثم سلم، فكان الإتيان بهاتين السجدتين قبل السلام؛ وذلك لأن الصلاة فيها نقصان، فجاء الحديث بأن السجود يكون قبل السلام؛ لأنه نقص التشهد الأول، والجلوس له؛ لأن فيه شيئين: تشهد، وجلوس، وقام وأتي بالسجدتين لهذا النسيان الذي حصل لترك التشهد والجلوس له، فدل هذا على أن من نسي التشهد الأول ودخل في الركعة الثالثة فإنه لا يرجع وإنما يستمر، ولكنه يسجد للسهو سجدتين قبل السلام، وهذا يدلنا على أن سجود السهو إذا كان عن نقص، فإنه يكون قبل السلام؛ لأنه هنا نقص تشهداً وجلوساً للتشهد؛ الذي هو التشهد الأول والجلوس له.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن بحينة فيما يفعل من قام من اثنتين ناسياً ولم يتشهد

    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحرث بن زهرة بن كلاب، محدث، فقيه، وإمام مشهور، ومكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، والأعرج لقب، واسمه عبد الرحمن بن هرمز، يأتي ذكره بلقبه فقط فيقال: عن الأعرج، ويأتي ذكره أحياناً باسمه ونسبه عبد الرحمن بن هرمز، وأحياناً باسمه ولقبه عبد الرحمن الأعرج، فيجمع بين الاسم واللقب، وهذا كما تقدم أن معرفة ألقاب المحدثين فائدتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فمن لا يعرف يظن أن هذا غير هذا، وهو هنا ذكر باسمه ولقبه معاً، وهو مدني ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن بحينة].
    هو عبد الله بن مالك بن بحينة، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث ابن بحينة فيما يفعل من قام من اثنتين ناسياً ولم يتشهد من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن هرمز عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه قام في الصلاة وعليه جلوس، فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم)].أورد النسائي حديث عبد الله بن بحينة من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله؛ من جهة أنه قام وترك الجلوس للتشهد الأول، قال: [وعليه جلوس] يعني: قام وعليه جلوس ويقصد التشهد الأول لم يفعله، فلما جاء في آخر الصلاة سجد سجدتين وهو جالس؛ سجد عن جلوس وليس عن قيام، وهذه طريق مثل الطريقة السابقة، ودالة على ما دلت عليها الطريق السابقة، من حيث أن من نسي التشهد الأول فإنه يجبر ذلك بسجود قبل السلام، سجود السهو قبل السلام.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن بحينة فيما يفعل من قام من اثنتين ناسياً ولم يتشهد من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا قتيبة].قد مر ذكره.
    [حدثنا الليث].
    هو ابن سعد المصري، المحدث، الفقيه، ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو الأنصاري؛ لأن هنا يحيى بن سعيد في طبقة أعلى من طبقة يحيى بن سعيد القطان الذي يمر ذكره كثيراً؛ لأن يحيى بن سعيد الأنصاري من طبقة صغار التابعين، يروي عنه مالك، ويروي عنه الليث، وأما يحيى بن سعيد القطان فهو دون مالك والليث، فهو يروي عن هؤلاء، فهو دونهم، ولهذا يأتي كل منهما غير منسوب يقال يحيى بن سعيد، لكن لا يلتبس هذا بهذا لاختلاف الطبقة، ولتباين ما بينهما في الطبقة، فـيحيى بن سعيد الأنصاري في طبقة متقدمة، ويحيى بن سعيد القطان في طبقة متأخرة، ويحيى بن سعيد القطان من طبقة شيوخ شيوخ البخاري، ويحيى بن سعيد الأنصاري من طبقة شيوخ مالك والليث، وهو مدني ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن هرمز عن عبد الله بن بحينة].
    قد مر ذكرهما.
    ما يفعل من سلم من ركعتين ناسياً وتكلم
    شرح حديث ذي اليدين في سجود السهو
    قال المصنف رحمه الله: [ما يفعل من سلم من ركعتين ناسياً وتكلم.أخبرنا حميد بن مسعدة حدثنا يزيد وهو ابن زريع حدثنا ابن عون عن محمد بن سيرين قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: (صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، قال: قال أبو هريرة : ولكني نسيت، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، فانطلق إلى خشبة معروضة في المسجد فقال بيده عليها كأنه غضبان، وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فهاباه أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول، قال: كان يسمى ذا اليدين، فقال: يا رسول الله! أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: لم أنس ولم تقصر الصلاة، قال: وقال: أكما قال ذو اليدين ؟ قالوا: نعم، فجاء فصلى الذي كان تركه ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه ثم كبر)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: باب من سلم من اثنتين ناسياً وتكلم، من سلم من اثنتين في الصلاة الرباعية أو الثلاثية، بأن صلى ركعتين وسلم وتكلم، وجرى كلام بعد السلام، ثم بعد ذلك تبين بأنه قد نقص من صلاته، فإنه يكمل ويبني على ما سبق، ولا يؤثر ذلك الكلام الذي حصل قبل ذلك؛ لأن ذلك الكلام حصل في وقت يعتبرونه سائغاً لهم، وأنهم ما تكلموا في الصلاة، وكلامهم إنما هو لمصلحة الصلاة، فلا يؤثر وجوده، ولا يقال: إنهم يستأنفون؛ لأنه وجد الكلام بعد السلام، والنبي عليه الصلاة والسلام، حصلت منه هذه المحاورة، وهذا الكلام بينه وبين أصحابه، وبينه وبين ذو اليدين، ثم إنه قام وأتى بالركعتين وسلم، ثم أتى بسجود السهو بعد السلام وسلم.
    فالحديث دال على أن من حصل منه زيادة في الصلاة -الذي هو زيادة التسليم- ثم الرجوع إلى الصلاة والإتيان بما بقي منها. فإنه يعتبر فيه زيادة؛ لأنه الذي نقص أتي به، وحصل شيء زائد وهو السلام الذي وجد في أثناء ذلك، فأتي بالسجود بعد السلام، فدل هذا على أن سجود السهو إذا كان عن زيادة؛ فإنه يكون بعد السلام، ولا يقال: إنه عن نقص؛ لأن النقص تدورك وأتي بالركعتين بخلاف حديث ابن بحينة الذي مر فإن التشهد الأول راح ما أتي به، فأتى بسجدتين قبل السلام، وأما هنا حصل نقص، ولكن النقص أتي به، فصارت الصلاة كاملة بأربع ركعاتها، والذي زيد هو وجود السلام في أثنائها وهو شيء زائد، فجاء الحكم بأن سجود السهو يكون بعد السلام.
    قوله: [صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي].
    إحدى صلاتي العشي هي الظهر أو العصر، هذا هو العشي من الزوال إلى الغروب، وصلاة الظهر أو صلاة العصر هي في العشي، قال أبو هريرة: ونسيت، يعني نسيت إحدى الصلاتين هل هي العصر أو الظهر، هي بلا شك عنده الظهر أو العصر، ولكنه نسي تعيين إحدى الصلاتين هل هي صلاة الظهر، أو صلاة العصر، لكن الشيء الذي لا إشكال فيه عنده أنها إحدى صلاتي العشي، قال أبو هريرة: [ونسيت]، أي: نسيت تعيين تلك الصلاة من هاتين الصلاتين، هل هي الظهر أو العصر.
    قال: [فصلى بنا ركعتين ثم سلم فانطلق إلى خشبة معروضة في المسجد فقال بيده عليها كأنه غضبان].
    صلى ركعتين ثم سلم، والصحابة وراءه، وليس معنى ذلك أنهم أيضاً نسوا، ولكنهم في زمن التشريع فظنوا أن الصلاة قصرت، بدل ما تكون الصلاة أربعاً صارت اثنتين؛ لأن الوحي ينزل والتشريع قائم، ولهذا خرج سرعان الناس وقالوا: قصرت الصلاة، يعني خلاص صارت ركعتين، هذا هو الذي فهموه، ما كانوا غافلين أو ناسيين أو ما يدرون هل صلي بهم اثنتين أو أربع، وإنما الذي ظنوه أنه حصل نسخ من أربع إلى اثنتين، ولهذا الصحابة كلهم سكتوا وخرج من خرج على اعتبار أن الصلاة قد قصرت، بدل ما كانت أربعاً صارت اثنتين.
    وفي القوم أبو بكر وعمر، وكانا في المسجد وهابا أن يكلماه ويقولان هل قصرت الصلاة أو ما قصرت، وفي القوم رجل في يديه طول، ويقال له: ذو اليدين؛ لطول يديه، قوله: وكان في القوم رجل في يديه طول هذا تمهيد لذكر سبب تسميته بـذي اليدين، أن سبب ذلك طول يديه، وكان في القوم رجل في يديه طول قال: يقال له: ذو اليدين؛ بسبب طول يديه.
    [فقال: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟]؛ يسأله هل قصرت الصلاة أم أنك نسيت؟ فقال: [لم أنس ولم تقصر].
    أي: في ظني وفي علمي أنه ما حصل لا هذا ولا هذا، طبعاً القصر ما قصرت وما نزل عليه وحي بأنها بدل أربع تصير اثنتين، وأيضاً في ظنه أنه ما حصل منه سهواً ونسيان، قال: بل نسيت، ما دام أنه ما حصل قصر أو ما حصل وحي، بل نسيت، فالتفت إلى الناس، وقال: [أكما يقول ذو اليدين؟] أي: كلامه صحيح؟ [قالوا: نعم يا رسول الله! فقام وأتى بالركعتين]، وبنى على الركعتين السابقتين، والكلام الذي بين الركعتين الأوليين والركعتين الأخيرتين لا يؤثر؛ لأن هذا شيء لمصلحة الصلاة، ولهذا لو صلى واحد من الناس وحصل منه نقصان ركعة، ثم بعد ذلك بعدما سلم قالوا: في نقصان ركعة، ثم تحدثوا فيما بينهم وقالوا: نعم الصلاة ناقصة فقام وأتى بها لكان فعله صحيحاً.
    فقال: [لم أنس ولم تقصر، قال: بل نسيت، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فقام وصلى ركعتين]، وقبل ذلك قام الرسول صلى الله عليه وسلم قام من مكانه الذي صلى فيه وجلس إلى خشبة معروضة في المسجد وقال بيده، وفي بعض الأحاديث: أنه شبك بين أصابعه، كأنه غضبان، ثم جرت المحاورة وقام عليه الصلاة والسلام وصلى بهم بقية الصلاة، وسجد للسهو بعد السلام.
    والحديث يدل على أن سجود السهو يكون بعد السلام فيما إذا كان هناك زيادة؛ والزيادة هي وجود السلام في أثنائه، وجود التسليم في أثناء الصلاة؛ لأن الصلاة ما نقصت هي كاملة، بعد أن أتي بباقيها وهي الركعتان، لكن الشيء الزائد هو السلام الذي في أثنائها، فكان السجود للسهو بعد السلام.
    والحديث يدل أيضاً على أن مقدار سجود السهو مثل سجود الصلاة أو أطول؛ لأنه قال في الحديث: [سجد مثل سجوده أو أطول]؛ يعني: سجوده في الصلاة أو أطول، فهذا يدلنا على مقدار سجود السهو، وأنه يكون مثل سجود الصلاة أو أطول منه.
    وهنا ما ذكر السلام بعد سجود السهو مرة ثانية، لكن جاء في بعض الروايات من حديث أبي هريرة ومن حديث عمران بن حصين: (أنه سلم بعدما سجد للسهو وبعد السلام سلم أيضاً). فيكون السلام حصل مرتين؛ مرة قبل سجود السهو، ومرة بعد سجود السهو.
    تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين في سجود السهو
    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة]. صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا يزيد وهو: ابن زريع].
    ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة [هو ابن زريع] الذي قالها النسائي أو من دون النسائي، وليس حميد بن مسعدة الذي هو تلميذ يزيد بن زريع، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن عون].
    هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن سيرين].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [قال أبو هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وهو من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث من الصحابة، أكثرهم أبو هريرة رضي الله عنه.
    الأسئلة
    الدليل على سكوت الإمام بعد قراءة الفاتحة
    السؤال: ما الدليل على سكوت الإمام بعد قراءة الفاتحة؟الجواب: ليس هناك دليل، ولا نعلم دليلاً على السكتات إلا السكتة الأولى التي هي بعد التكبير؛ وهي سكتة الاستفتاح، فالسكتة في الاستفتاح هي التي ثبتت، وأما السكتات الأخرى فما ثبت فيها شيء، ولهذا ما نعلم شيئاً يدل على أن الإنسان يسكت، لكن قد يسكت الإمام؛ لأنه يريد أن يختار له سورة من أجل أنه يقرأها، أو يتأمل؛ لكن كونه يشرع للإنسان أنه يقرأ الفاتحة ثم يسكت، وأنه ليس له أن يأتي بالقراءة بعد الفاتحة مباشرة، ما هناك شيء يدل على هذا.
    حكم استعمال المرأة المناكير
    السؤال: ما حكم استعمال المرأة المناكير حتى تتزين لزوجها؟الجواب: المناكير هي اسمها مناكير، وهي منكرة من حيث أنها تمنع وصول الماء إلى البشرة، ولا يصح الوضوء مع وجود هذه المناكير؛ لأن هذا حائل يحول دون وصول الماء إلى البشرة، فمثل هذا العمل الذي يؤدي إلى هذا الأمر المحذور لا ينبغي للمرأة أن تفعله، فالمرأة تتجمل بما هو سائغ، لكن فيه مضرة، وهو أنه يستر البشرة، فلا يصح الوضوء مع وجوده.
    ضوابط التكفير
    السؤال: ما هي ضوابط تكفير الشخص؟الجواب: التكفير أمره ليس بالهين، أصعب الأشياء هو التكفير، أو من أصعب المسائل وأعوصها هي مسائل التكفير، والتكفير كما هو معلوم المرجع فيه إلى الله وإلى رسوله عليه الصلاة والسلام، فما صار فيه شيء واضح يدل على التكفير هذا هو الذي يكون التعويل عليه، أو يكون كذلك؛ يعني: أجمع المسلمون على أن هذا عمل مكفر، أو أن هذا شيء مكفر هذا هو الذي يعول عليه، وأما التهاون في مسألة التكفير هذا أمر خطير، الإنسان قد يكفر من ليس كذلك، ويحور إثم ذلك عليه، ويرجع إثم ذلك عليه، كما جاء ذلك في بعض الأحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    حكم قراءة التشهد في سجود السهو
    السؤال: هل يشرع قراءة التشهد في سجود السهو؟الجواب: لا، ليس لسجود السهو بعد السلام تشهد، وإنما بعدما يسلم يسجد السجدتين ثم يسلم مرة ثانية، السلام مرة ثانية يأتي به، لكن ليس له تشهد، التشهد حصل قبل السلام الذي بعده السجود.
    كيفية الجمع بين نسيان أبي هريرة ودعاء النبي له بالحفظ
    السؤال: كيف قال أبو هريرة رضي الله عنه: نسيت؟ وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحفظ؟الجواب: لا يعني هذا أنه قد دعي له بالحفظ أنه لا ينسى شيئاً أصلاً، لكنه الحفظ حصل ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم استجيبت، لكن لا يعني هذا أنه ما يحصل منه نسيان ولا كلمة واحدة، ثم أيضاً يحتمل أن يكون ذلك قبل هذه الدعوة، يحتمل أن يكون هذه القصة أو هذه الواقعة قبل الدعوة، ويحتمل أن تكون بعدها، لكن الاستجابة حاصلة، ولكن ليس معنى ذلك أنه لا ينسى أبداً ولا كلمة واحدة؛ لأن كونه يحفظ وإن حصل منه سهو في شيء يسير فلا يؤثر ذلك.
    حكم سجود السهو في النوافل
    السؤال: حكم سجود السهو هل يكون في النوافل؟الجواب: نعم، سجود السهو هو للسهو، سواءً في الفرائض أو في النوافل، إذا وجد سهو في الفرائض أو النوافل؛ أو إذا وجد سببه أوتي به، سواءً كان ذلك في فرض أو في نفل.
    الغاية من الدعوة إلى الله تعالى
    السؤال: قال بعض الناس: إن غاية الدعوة إقامة الخلافة الإسلامية، وبعضهم قال: إن غاية الدعوة إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله فقط، ما هو الموقف الصحيح من هذين القولين؟الجواب: معلوم أن الدعوة هي لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فالدعوة المقصود منها: إخراج الناس من الظلمات إلى النور، لكن أمر المسلمين يتطلب أن يوجد خليفة، ووجود الخليفة هو الذي يكون فيه التمكن من القيام بالدعوة ومن صلاح أحوال الناس، ويكون فيه إيقاف المعتدين عند حدودهم، وإيقاف المجرمين عند حدهم، ويقول أمير المؤمنين عثمان بن عفان: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ومعناه: من الناس من يخاف من العصا ولا يخاف من المصحف.
    حكم الاستنجاء بماء زمزم
    السؤال: هل يجوز الاستنجاء بما زمزم؟الجواب: يجوز الاستنجاء بماء زمزم، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن الماء الذي استنجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لما انصرف من عرفة إلى مزدلفة، وتحول عن الطريق وقضى حاجته وتوضأ، أن الماء الذي كان استعمله من ماء زمزم، أي: في هذه الواقعة، فيجوز الاستنجاء به، ولا بأس فيه.
    حكم بيع التقسيط
    السؤال: ما حكم بيع التقسيط؟ الجواب: بيع التقسيط لا بأس به، البيع بالآجل وإن كان الثمن زائداً عن القيمة الحالة لا بأس بذلك، ولا نعلم شيئاً يدل على منعه، ما نعلم دليلاً يدل على منعه، فالأصل هو جوازه، وعموم قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ )[البقرة:282] يشمل ما إذا كان الثمن مساوياً للنقد، أو زائداً على القيمة في النقد.
    معنى حديث: (من باع بيعتين في بيعة ...)
    السؤال: كيف معنى هذا الحديث: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)؟الجواب: العلماء تكلموا عليه، وذكره الشوكاني في نيل الأوطار، وتكلم على بيع التقسيط أو بيع التأجيل عند الكلام على هذا الحديث، وقال: إن الحديث لا يدل على منع بيع التأجيل، وقال: إنه ألف في ذلك رسالة سماها: (شفاء العليل في ما جاء في زيادة الثمن من أجل التأجيل)، وقال: إن جمهور العلماء على ذلك، وقال: إنني لا أعلم أحداً خالف فيه إلا ما يروى عن فلان، وذكر واحد ما أدري هو علي بن الحسين أو غيره، سماه في شرحه لهذا الحديث.
    ومما قاله العلماء حول هذا الحديث: (من باع بيعتين في بيعة) قالوا: بيع الأجل ليس من هذا القبيل، وإنما يكون من هذا القبيل لو قال هو حاضر بكذا وغائب بكذا ثم أخذه دون أن يلتزم بالنقد أو الغائب، فيكون على هذا له أوكسهما الذي هو الأدنى، الذي هو السعر الحاضر، أو الربا، لكن إذا كان الاتفاق حصل على بيع التأجيل، وما له دخل في بيع الناجز، وإنما قال: أنا أبيع حاضر بكذا وغائب بكذا، واحد ما يريد أن يشتري بالحاضر، وإنما أراد أن يشتري بالغائب، وجاء وأبرم الاتفاق على غائب، ما كان اتفاق على أن يحدد هل هو حاضر أو غائب، فمما قالوه: إنه إذا كان دخل على غير بينة بعد أن عرف أن هناك سعر للحاضر وسعر للغائب، فهذا هو الذي يكون له أوكسهما أو الربا.
    حكم الاشتراط في البيع قبل التمليك
    السؤال: إذا قال رجل لآخر عنده مال: اشتر لي هذه الأرض وسوف أشتريها منك بالتقسيط، هل يدخل هذا في بيعتين في بيعة؟الجواب: كونه يلتزم معه ويشتري منه قبل أن يملك لا يجوز، لكنه إذا قال: أنا أريد أن أشتري سيارة بالتقسيط، فإذا أحضرت لي سيارة أشتريها منك بالتقسيط ولم يكن بينه وبينه التزام على الشراء إلا بعدما يملكها ويحوزها، فإنه في هذه الحالة لا بأس بذلك.
    حكم الإتيان بالدعاء المأثور بعد إقامة الصلاة كالأذان
    السؤال: فضيلة الشيخ! إني أحبك في الله تعالى، قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (بين كل أذانين صلاة)، يسأل يقول: هل أقول الدعاء المأثور الذي بين الأذان: اللهم رب هذه الدعوة التامة بعد الإقامة، وهل أُردد الإقامة معه؟الجواب: أولاً: أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتحابين فيه، وأن يوفقنا جميعاً لما يرضيه.
    وثانياً: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) المراد بالأذانين: الأذان والإقامة؛ لأن الإقامة يقال لها أذان، وهي أذان ثاني من الاثنين كقوله بين كل أذانين صلاة، والمراد بذلك صلاة النافلة بين الأذانين، ونعم الإنسان يقول بعد الإقامة مثلما يقول بعد الأذان؛ لأن عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) يشمل الأذان ويشمل الإقامة، وقد ذكر هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري، قال: استدل بالحديث على أنه يقول في الإقامة مثلما يقول في الأذان؛ يعني: يأتي بدعاء الوسيلة ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وأما الحديث الذي فيه: (أقامها الله وأدامها)، فهذا لم يثبت، هذا جاء عند ابن ماجه ولكنه غير ثابت؛ لأنه بإسناد ضعيف.
    حكم الصلاة والصفوف مقطوعة
    السؤال: هناك صفوف متأخرة بينها وبين الصفوف المتقدمة مسافات خالية من المصلين، يقول: كالصفوف عند باب المجيدي، السؤال: إذا دخل الرجل والإمام راكع أو كان في التشهد الأخير هل يصلي في الصفوف المتأخرة، أو يتقدم حتى يصلي في الصفوف المتقدمة، ولو فاتته الصلاة؟الجواب: الإنسان إذا دخل عليه أن يمشي ليصل الصفوف إلا أن يخشى أن تفوته الصلاة، يعني بحيث أنه تفوته الصلاة ولا يدخل في صلاة الجماعة، فعند ذلك له أن يصلي، وله أن يدخل حتى يدرك الجماعة، وأما كونه يدخل والصلاة قائمة ثم يكون في أولها أو يكون في وسطها ثم يصلي في الآخر ويرى الأماكن التي أمامه خالية وهو لا يخشى من أن تفوته الصلاة فهذا ليس له أن يصلي، وإنما عليه أن يتقدم، ويخشى عليه أن يكون داخلاً تحت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله).
    حكم بلع بقايا الطعام في الصلاة
    السؤال: إذا كانت هناك بقايا الطعام في فمي وبلعتها هل هذا من الأكل في الصلاة؟الجواب: ليس هذا من الأكل، كون الإنسان في فمه شيء أو بلعه، أو ظهر من أسنانه شيء فابتلعه، ما يقال أن هذا أكل في الصلاة، الأكل في الصلاة أنه كونه يأخذ شيئاً ويأكله، يتناول شيئاً يأكله ويأخذ ماء ويشربه، أما كونه يصير في فمه شيء يحركه بلسانه وابتلعه لا يُقال أنه أكل في الصلاة.
    مدى اعتبار الأحرف السبعة هي القراءات
    السؤال: هل القراءات المتداولة بين القراء الآن هي الأحرف السبعة أم هي حرف واحد؟الجواب: القراءات هي داخلة في الحرف الواحد، فـعثمان بن عفان رضي الله عنه لما جمع المصاحف جمعها على حرف واحد، وهذا الحرف مشتملاً على القراءات، ولهذا جاء رسم المصحف من أجل يستوعب القراءات، فرسم المصحف يختلف عن رسم الإملاء، ولا يجوز أنه يكتب المصحف بحروف الإملاء؛ لأنه يفوت هذا المقصود العظيم الذي هو كون الرسم يتحمل القراءات ويتسع للقراءات.



  12. #232
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (229)

    - تابع باب ما يفعل من سلم من ركعتين ناسياً وتكلم
    ورد في السنة النبوية أن المصلي إذا سها في صلاته وسلم قبل انتهاء صلاته فإنه يتم ما بقي منها ثم يسجد سجدتين للسهو بعد السلام.
    تابع ما يفعل من سلم من ركعتين ناسياً وتكلم
    شرح حديث ذي اليدين في سجود السهو من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يفعل من سلم من ركعتين ناسياً وتكلمأخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن القاسم عن مالك حدثني أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين ثم سلم، ثم كبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع).
    يقول النسائي رحمه الله: باب من سلم من اثنتين ناسياً وتكلم.
    سبق أن مر الحديث الأول في هذا الباب وقد ذكر النسائي فيه جملة من الأحاديث، وكثير منها من طريق أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهذه الطريقة الثانية من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، هي بمعنى الطريقة السابقة، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بهم فسلم من ركعتين، وكان ذلك عن نسيان منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولما كان الناس في زمن التشريع، فكانوا يظنون أن الصلاة قصرت من أربع إلى اثنتين، ولهذا ما تكلموا في ذلك ظناً منهم أنه حصل قصر للصلاة، وقد خرج سرعان الناس، والنبي عليه الصلاة والسلام قام من مصلاه بعد أن سلم من اثنتين وجلس إلى خشبة معروضة في المسجد، فقال له رجل يقال له ذو اليدين: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لم أنسى ولم تقصر، ثم قال للناس: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم. وعند ذلك قام النبي عليه الصلاة والسلام فصلى الركعتين الباقيتين، ثم إنه سلم، ثم سجد بعد السلام سجدتين.
    وجاء في بعض الروايات أنه سلم بعد السجدتين، فيكون وجد منه السلام مرتين، مرة قبل سجود السهو، ومرة بعد سجود السهو، لكن بدون تشهد ، وإنما التشهد هو الذي حصل قبل السلام الأول الذي كان قبل سجود السهو.
    والحديث دل على أن السهو إذا كان عن زيادة في الصلاة، فإن سجود السهو يكون بعد السلام، والزيادة التي هنا هي السلام الذي حصل في أثناء الصلاة، ولا يقال إنه سهو عن نقص؛ لأن النقص تُدورك، والسجود عن نقص يكون قبل السلام، كما في حديث ابن بحينة الماضي، وإذا كان عن زيادة فيكون بعد السلام، وهنا فيه زيادة. والحديث دال على حصول النسيان من الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنه يحصل منه النسيان، ولا يقال أنه معصوم منه، هو معصوم فيما يتعلق بالتبليغ، لا ينسى شيء يبلغ إياه، ولكنه ينسى كما ينسى الناس، كما جاء عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)، ولهذا لما قال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: (لم أنس ولم تقصر) يعني: على ما يظنه ويعتقده وفي غالب ظنه أنه ما حصل منه نسيان، ولكن بعدما ذكر الصحابة مع ذي اليدين أنه قد نسي، قام وأتى بالركعتين عليه الصلاة والسلام.
    والحديث كما قلت دال على أنه يحصل منه النسيان، ولكن ذلك لا يكون في أمور التبليغ، فلا ينسى شيئاً من الشريعة أمر بتبليغه ، ولكنه يحصل منه النسيان كما يحصل من الناس، كما جاء في هذا الحديث وفي غيره، وما جاء من أنه لا ينسى ولكنه ينسى ليسن، هذا لم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام، فهو ينسى، ولهذا قال: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)، والذي هو منزه عن النسيان هو الله سبحانه وتعالى، هو الذي لا ينسى ولا ينام ولا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يحصل منه النسيان سبحانه وتعالى، بل علمه في غاية الكمال ولا يطرأ عليه نسيان، والرسول عليه الصلاة والسلام ينسى كما ينسى الناس، ولكنه معصوم من أن ينسى شيئاً مما أمر بتبليغه، بلغ الشريعة على التمام والكمال، لم ينس منها شيئاً، ولم يكتم منها شيئاً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين في سجود السهو من طريق ثانية
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وهو غير محمد بن سلمة الحراني؛ لأن المصري من طبقة شيوخ النسائي، وأما محمد بن سلمة الحراني فهو من طبقة شيوخ شيوخه لا يروي مباشرة ولم يدركه؛ لأن وفاته كانت سنة (204هـ) أي: قبل ولادة النسائي بعشر سنوات أو أكثر قليلاً، فإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي بواسطة، فالمراد به الحراني الباهلي، وإذا جاء محمد بن سلمة، يروي عنه النسائي مباشرة فهو المصري المرادي، هو الذي معنا .
    [حدثنا ابن القاسم].
    وهو عبد الرحمن بن القاسم المصري صاحب الإمام مالك، الذي أخذ عنه الفقه والحديث، وهو ثقة، فقيه، أخرج عنه البخاري في الصحيح، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك].
    هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أيوب].
    وهو ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، ثبت، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن سيرين].
    هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة] رضي الله تعالى عنه.
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة على الإطلاق؛ لأنه لم يحفظ ولم يروِ عن أحد من الحديث مثلما روي عن أبي هريرة من حيث الكثرة.
    ومن المعلوم أن أبا هريرة أسلم عام خيبر في السنة السابعة، وقد بلغ حديثه أكثر من الذين كانوا ملازمين له، وذلك لأسباب منها:
    أن أبا هريرة بعدما أسلم لازم النبي عليه الصلاة والسلام، فكان يذهب معه إذا ذهب، ويأكل معه إذا أكل، فكان ملازماً له يسأله ويجيبه، ويسأل النبي عليه الصلاة والسلام ويجيب وأبو هريرة يسمع، ويحدث النبي عليه الصلاة والسلام بالحديث وأبو هريرة يسمع، فكثر حديثه الذي سمعه من رسول الله أو الذي رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ثم أيضاً كون الرسول عليه الصلاة والسلام دعاء له بالحفظ، فكان حافظاً ومن أوعية السنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    ثم أيضاً سكناه في المدينة وبقاؤه فيها، وهي يرد إليها الناس ويصدرون عنها في الأقوات المختلفة، ومن المعلوم أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يحرص الناس على لقيهم إذا قدموا إلى البلد الذي هم فيه، فكانوا يأخذون منهم ويعطونهم، ومن المعلوم أن الصحابي يروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، ويسمع من غيره الحديث فيرويه دون أن يضيفه إلى ذلك الذي سمعه منه، والذي يسمى مراسيل الصحابة، ومراسيل الصحابة حجة؛ لأن المعروف عنهم أنهم لا يرسلون إلا عن الصحابة، والصحابة عدم ذكرهم أو جهالتهم لا تؤثر؛ لأنهم كلهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم وتعديل رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولهذا لا يحتاجون إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين بعد أن عدلهم ووثقهم رب العالمين ورسوله الكريم.
    لهذه الأمور وغيرها كثر حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث ذي اليدين في سجود السهو من طريق ثالثة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد أنه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم في ركعتين، فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل ذلك لم يكن، فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: أصدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم).أورد النسائي من حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، ودال على ما دل عليه الذي في الطرق التي قبله، وقوله ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت، فقال عليه الصلاة والسلام: (كل ذلك لم يكن) يعني: ما حصل لا قصر ولا نسيان، فكان جواب ذي اليدين أن قال (بل كان بعض ذلك) يعني نسيان، مادام أنه ما في قصر فإذاً بقي الثاني الذي هو النسيان، قال: (قد كان بعض ذلك)، أي النسيان، فالرسول صلى الله عليه وسلم التفت إلى القوم وقال: (أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فقام وأتم الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد السلام).
    وقوله: (وهو جالس)، سبق أن مر في بعض الطرق السابقة أنه صلى سجدتين وهو جالس، يعني أن سجوده عن جلوس ليس عن قيام، لا يحتاج إلى أن يقوم من أجل أن يخر ساجداً عن قيام، بل يهوي إلى السجود وهو جالس، بعد أن يسلم، فيما إذا كان سجود السهو بعد السلام، وكان عن زيادة مثلما جاء في هذا الحديث الذي هو زيادة التسليم في أثناء الصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين في سجود السهو من طريق ثالثة
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا مالك].
    وهو إمام دار الهجرة المتقدم في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن داود بن الحصين].
    وهو ثقة، تكلم في روايته عن عكرمة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة رضي الله عنه].
    وقد تقدم ذكره.
    الراوية فيها تحديد أو تعيين الصلاة وأنها صلاة العصر، وسبق في الروايات السابقة أن أبا هريرة لا يتذكر أي الصلاتين هل هي العصر أو الظهر.
    حديث ذي اليدين في سجود السهو من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سليمان بن عبيد الله حدثنا بهز بن أسد حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم أنه سمع أبا سلمة يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الظهر ركعتين ثم سلم، فقالوا: قصرت الصلاة، فقام وصلى ركعتين ثم سلم، ثم سجد سجدتين)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله، وفيه أنها الظهر، والقصة واحدة، والنقصان كان في ركعتين، فلا شك أن إحداهما فيها وهم، إما الظهر وإما العصر، وقد جاء في بعض الروايات أنها إحدى الصلاتين الظهر أو العصر، وجاء في بعضها أنها الظهر وجاء في بعضها أنها العصر، فكونها الظهر أو العصر على الشك ما فيه إشكال قد تكون هذه وقد تكون هذه، لكن الجزم بأنها الظهر أو العصر وهي واحدة منهما، إحداهما فيه وهم.
    قوله: [أخبرنا سليمان بن عبيد الله].
    هو البصري وليس الحراني، وهو سليمان بن عبيد الله وليس سليمان بن عبد الله، وذلك أن في تحفة الأشراف سليمان بن عبيد الله.
    وفي ترجمة بهز بن أسد في تهذيب الكمال، أنه يروي عنه سليمان بن عبيد الله الغيلاني البصري، وفي تحفة الأشراف أنه ابن عبد الله، وفي تهذيب الكمال أن بهز يروي عنه سليمان بن عبيد الله، وما يروي عنه أحد يقال له سليمان بن عبد الله، وإذاً فالذي فيه تصحيف من عبيد الله إلى عبد الله وهو عبيد الله مصغراً، وهو البصري الغيلاني، وهو صدوق، أخرج له مسلم، والنسائي.
    [حدثنا بهز بن أسد].
    وهو العمي البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    وهو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، المحدث، الثقة، الثبت، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلا صيغ التعديل وأرفعها، ولم يظفر بهذا اللقب إلا القليل النادر من المحدثين، منهم: شعبة هذا، ومنهم: سفيان الثوري، ومنهم: إسحاق بن راهويه، ومنهم: البخاري، والدارقطني، وغيرهم وهم قليلون، وحديث شعبة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف].
    وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمه أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف].
    لأن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عم سعد بن إبراهيم هذا؛ لأن إبراهيم أخو أبو سلمة وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وعندكم في النسخة سعيد وهي تصحيف، وهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وعمه أبو سلمة أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع من الفقهاء، وقد ذكرت فيما مضى أن ستة منهم لا خلاف في عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع في ثلاثة أقوال، والفقهاء السبعة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير بن العوام، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، هؤلاء ستة لا خلاف في عدهم ضمن الفقهاء السبعة في المدينة، في عصر التابعين، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل إن السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل هو: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل : سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    وأبو سلمة ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة وقد تقدم ذكره.
    شرح حديث ذي اليدين في سجود السهو من طريق خامسة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عيسى بن حماد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوماً فسلم في ركعتين ثم انصرف، فأدركه ذو الشمالين، فقال: يا رسول الله! أنقصت الصلاة أم نسيت؟ فقال: لم تنقص الصلاة ولم أنس، قال: بلى، والذي بعثك بالحق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فصلى بالناس ركعتين).أورد النسائي في حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله إلا أن فيه اختصار من جهة أنه ما ذكر سجود السهو الذي جاء في الرواية الأخرى، ولكنه ذكر أنه أتم الركعتين وأتى بالركعتين اللتين بقيتا عليه، وفيه ذكر ذي الشمالين، وهو في الحديث ذو اليدين؛ لأنه في آخره قال أصدق ذو اليدين؟ فهو ذو الشمالين.
    ومن العلماء من قال: إن ذا الشمالين غير ذا اليدين، ومنهم من قال هو هو، لكن اللفظ هنا يفيد بأن ذا اليدين هو ذو الشمالين؛ لأنه في الروايات السابقة قال له ذو اليدين: كذا وكذا، ثم قال: أصدق ذو اليدين فهو هو، ومن العلماء من قال: إنه غيره.
    تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين في سجود السهو من طريق خامسة
    قوله: [أخبرنا عيسى بن حماد].هو المصري، الذي يلقب زغبة، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، مثل الذين خرجوا لـمحمد بن سلمة المصري المتقدم، شيخ النسائي في الحديث الأول من الأحاديث السابقة، ذاك مصري وهذا مصري، وكل منهما روى عنهم مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا الليث].
    وهو ابن سعد المصري المحدث، الفقيه، فقيه مصر ومحدثها، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب].
    وهو المصري وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمران بن أبي أنس].
    وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبي سلمة عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما.
    حديث ذي اليدين في سجود السهو من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن موسى الفروي حدثني أبو ضمرة عن يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم في سجدتين، فقال له ذو الشمالين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة).أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله دال على ما دل عليه.
    قوله: [أخبرنا هارون بن موسى الفروي].
    قال عنه الحافظ في التقريب لا بأس به، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثني أبو ضمرة].
    وهو أنس بن عياض، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس بن يزيد الأيلي].
    ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو محدث، فقيه، وإمام مشهور، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة عن أبي هريرة].
    فقد مر ذكرهما.
    حديث ذي اليدين في سجود السهو من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر، فسلم في ركعتين وانصرف، فقال له ذو الشمالين بن عمرو : أنقصت الصلاة أم نسيت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: صدق يا نبي الله، فأتم بهم الركعتين اللتين نقص).أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثلما تقدم، إلا إن فيه تسمية ذي اليدين وأنه ابن عمرو، وقال هنا ذو الشمالين، وفي آخر الحديث قال: ذو اليدين، ونسبه هنا فقال ابن عمرو.
    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].
    وهو القشيري النيسابوري، هو مثل الإمام مسلم نسباً وبلداً؛ لأن مسلم قشيري نيسابوري، ومحمد بن رافع قشيري نيسابوري، ومسلم أكثر من الرواية عن شيخه محمد بن رافع، فهو من أهل بلده ومن قبيلته، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا عبد الرزاق].
    وهو ابن همام الصنعاني، وهو ثقة، حافظ، مصنف، وصاحب كتاب المصنف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر].
    وهو ابن راشد الأزدي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن أبي سلمة].
    وقدم ذكرهما.
    [وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة].
    وهو ثقة، أخرج حديثه الجماعة إلا ابن ماجه، مثل محمد بن رافع، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    حديث ذي اليدين في سجود السهو من طريق ثامنة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو داود حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة أخبره أنه بلغه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، فقال له ذو الشمالين نحوه)، قال ابن شهاب: أخبرني هذا الخبر سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وأخبرنيه أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وعبيد الله بن عبد الله .أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، من طريق أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، قال أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، وهذا فيه أنه قال بلغه، فلم يذكر الواسطة، لكن الروايات السابقة، هو روى عن أبي هريرة، فيكون الواسطة الذي لم يذكر هو أبو هريرة، والإسناد الأول فيه تسمية أبي هريرة وأنه الذي سمعه منه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهنا ذكره بلاغاً دون أن يسمي أبا هريرة.
    وقال النسائي في آخره: قال ابن شهاب: وأخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبيد الله بن عبد الله، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، فبعض هؤلاء مر ذكرهم وبعضهم لم يذكر وهو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهؤلاء من الفقهاء السبعة، منهم من هو منهم بالاتفاق، وفيهم من هو منهم على الخلاف في السابع منهم؛ لأن سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله من الفقهاء السبعة باتفاق، وأبو سلمة وأبو بكر بن عبد الرحمن على خلاف في السابع، فقيل: أبو سلمة وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن وقيل: سالم بن عبد الله، الذي لم يأت ذكره هنا.
    قوله: [أخبرنا أبو داود].
    وهو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يعقوب].
    وهو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي].
    وهو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن صالح بن كيسان المدني].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة].
    وقد مر ذكرهم.
    الإسناد الذي مر في درس أمس وهو الحسين بن حريث يروي عن سفيان، وذكرت أنه الثوري، لكن تبين أنه ليس الثوري، وإنما هو ابن عيينة وذلك؛ لأمرين:
    الأمر الأول: أن المزي في تحفة الإشراف نسبه فقال ابن عيينة.
    والأمر الثاني: أن المزي في تهذيب الكمال ذكر أن الحسين بن حريث يروي عن سفيان بن عيينة وما ذكر روايته عن سفيان الثوري، فيكون على هذا مثل قتيبة، إذا جاء وقتيبة يروي عن سفيان، فالمراد به ابن عيينة، وإذا جاء الحسين بن حريث يروي عن سفيان فالمراد به ابن عيينة.
    وهو الإسناد الذي جاء في الدرس الماضي برقم (1220) جاء سفيان غير منسوب والمراد به ابن عيينة.
    الأسئلة

    مدى صحة صوم من فكر فأمنى
    السؤال: من فكر فأمنى هل يفسد صومه؟ وهل يأثم على ذلك؟الجواب: إذا كان أنه متسبب في هذا؛ فإنه يفسد صومه ولا شك أنه يأثم، لتسببه في إفساد صومه، أما إذا كان حصل مذي وليس مني فهذا لا يؤثر، لا يؤثر على الصيام، ولكن الذي حصل بتفكيره ويعني استمراره في التفكير، وانشغاله به حتى ترتب على ذلك؛ فإنه يفسد صومه، وعليه أن يقضي يوم مكانه، يمسك ويقضي.
    معنى حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى قائماً في قبره يصلي)
    السؤال: ورد حديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث)، وفي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه (أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى قائماً في قبره يصلي)، كيف يجمع بينهما؟الجواب: معلوم أن هذه الصلوات التي جاءت في الحديث ليست من قبيل التكليف؛ لأنه انقطع العمل الذي هو عن طريق التكليف، وأما مثل هذا الذي يحصل في القبر هو مثل ما يحصل في الجنة من أنهم يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، فهذا من قبيل الشيء الذي يفعل لله عز وجل، وليس من قبيل التكليف الذي هو بالنسبة للدار الدنيا.
    تكبيرة الإحرام لمن سلم ناسياً
    السؤال: من سلم من ركعتين ناسياً ثم ذُكر فقام ليصلي ما بقي، فهل يكبر تكبيرة الإحرام؟الجواب: معلوم أن الركعة الثانية، أو القيام للركعة الثانية يحتاج إلى تكبير؛ لأنه لو كان جالساً للتشهد ولم يسلم فإنه عندما يقوم سيكبر، وعلى هذا فالصورة التي نقول عنها أنه يكبر، لكن الكلام فيما إذا كان مثلاً كبر للانتقال من الركعة الثالثة جلس بعد الثالثة ثم إنه قيل له سبحان الله، فإنه يقوم بدون تكبير؛ لأن تكبيرته عند القيام من السجود هي تكبيرة الانتقال فلا يكبر مرة ثانية عندما ينبه، لكن هذه الصورة التي مسئول عنها لا بد فيها من التكبير؛ لأن الإنسان عندما يجلس في التشهد عندما يريد أن يقوم يكبر، وهنا سلم فصار الأمر فيه نقصا، فيقوم للركعة الثالثة مكبراً؛ لأنه لو لم يحصل نسيان فإنه يقوم مكبراً ؛ لكن الصورة التي لا تكبير فيها هي مثل تكبيرة الانتقال من الركعة الثالثة إلى الرابعة جلس بعد الثالثة فنبه أو سلم مثلاً ونبه فإنه يقوم غير مكبر؛ لأنه قد كبر عند الانتقال من السجود.
    وليس هناك تكبيرة إحرام بعد السلام، بل يقوم مكبراً تكبيرة الانتقال، لكن يقوم بدون تكبير، فلو أنه سلم من ثلاث فإنه يقوم غير مكبر؛ لأن تكبيرة الانتقال حصلت، ثم يقوم وهو يتجه إلى القبلة ويكبر، أي: يقف ويكبر، يأتي يقف في مكانه مستقبل القبلة ويقول الله أكبر، الذي هو تكبيرة الانتقال من التشهد الأول إلى الثالثة، فيكون حصل سلام في الوسط زيادة، وهو الذي من أجله جاء السجود للسهو بعد السلام؛ لأنه حصل زيادة في الصلاة وهي السلام.
    حكم متابعة الإمام في صيغ السلام
    السؤال: إذا سلم الإمام بقوله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وقلت أنا: السلام عليكم ورحمة الله، هل أكون مخالفاً له، لحديث: (إنما جُعل الإمام ليأتم به)؟الجواب: الأولى موافقة الإمام، لكن إن حصل عدم الموافقة؛ فإن ذلك مجزئ، لكن الأولى أن الإنسان يفعل كما يفعل الإمام، مثل تكبيرة الجنازة، الجنازة جاء تسليمة واحدة وجاء تسليمتين، فإذا كان الإمام يسلم تسليمتين أنت سلم تسليمتين، وإن سلم واحدة أنت سلم واحدة.
    كيفية الإيمان بأحاديث الصفات
    السؤال: قال النووي رحمه الله عند حديث: (أين الله؟)، قال هذا من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان: أحدهما: الإيمان من غير خوض في معناه، مع اعتقاد أن الله ليس كمثله شيء، وتنزيهه عن صفات المخلوقين، والثاني: تأويله بما يليق به، نرجو توضيح هذا الكلام؟الجواب: هذا الكلام غير صحيح؛ لأنه مبني على طريقة المتكلمين التي هي مبنية على أمرين: عندهم التأويل والتفويض، إما التأويل وإما التفويض، ويقولون عن منهج السلف أنه التفويض، وعن مذهب الخلف أنه التأويل، وليس مذهب السلف التفويض؛ لأن التفويض على قول الخلف الذي هو تفويض المعنى، يترتب عليه أمور وهو الجهل بما خوطبوا به مع أنه كلام عربي مبين، وخوطبوا بكلام يفهمون معناه؛ لأن معنى التفويض أن (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )[طه:5] ما يعرف معناها، والله أعلم بمراده، هذا هو معنى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )[طه:5]، و(بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ )[المائدة:64] الله أعلم بمراده، مثل (الم) و و(كهيعص)، الحروف المقطعة التي لا يعلم معناها، فهذا الكلام العربي المبين أيضاً لا يفهم معناه على طريقة المتكلمين، على أنه مذهب التفويض.

    وسبق أن ذكرت أن من قال: إن مذهب السلف التفويض فقد ارتكب ثلاث مخالفات:
    أولاً: هو جاهل بمذهب السلف.
    وثانياً: هو مجهل للسلف، نسبهم إلى الجهل، وأنهم يخوضون بكلام لا يفهمون معناه.
    والثالث: أنه كذب على السلف؛ لأنه قال أن هذا مذهبهم وهو ليس مذهبهم، فكلام النووي مبني على طريقة الخلف التي هي التأويل أو التفويض، والتفويض هو تفويض المعنى وليس تفويض الكيف، أما تفويض الكيف هو مذهب أهل السنة والجماعة، كما قال الإمام مالك بن أنس: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، الله تعالى هو الذي يعلم الكيفية، لكن المعنى معروف الاستواء معناه معروف (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )[طه:5]، الناس خوطبوا بكلام يفهمون معناه.
    ولهذا يقول صاحب الجوهرة وهي في مذهب الأشاعرة:
    وكل نص أوهم التشبيه أوله أو فوض ورم تنزيها
    وليس التفويض مذهب السلف، بل مذهب السلف هو فهم المعنى على ما يليق بالله عز وجل، معنى استوى ارتفع وعلا، لكن استواء الله عز وجل وارتفاعه يليق بكماله وجلاله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )[الشورى:11]، وأما الكيفية فلا يسأل عنها، وهي مجهولة بالنسبة لنا ومعلومة لله، الاستواء معلوم والكيف مجهول، هكذا قال الإمام مالك بن أنس لمن سأله عن كيفية الاستواء.
    زمن إسلام أبي هريرة رضي الله عنه
    السؤال: ذكر المعلمي رحمه الله في الأنوار الكاشفة أن إسلام أبي هريرة كان قديماً قبل الهجرة على يدي الطفيل بن عمرو الدوسي وإنما لم يتمكن من الهجرة إلا عام خيبر، والمشهور أن إسلامه كان عام خيبر، كيف التوضيح.؟ وما هو الدليل؟الجواب: ما أدري إذا كان أسلم على يد الطفيل بن عمرو الدوسي، لكن هو ما لقي الرسول إلا عام خيبر، قدم عليه لكن كونه أسلم قبل ذلك لا أدري، ومعلوم أن الطفيل بن عمرو كما جاء في صحيح مسلم قدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في مكة، وعرض عليه أن يهاجر إلى بلاده إلى دوس، فقال: هل لك في بلاد دوس فيها منعة يعني لك منعة وأنصار، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ارجع إلى قومك وادعهم إلى الإسلام، وما ذهب، وكانت الهجرة ادخرها الله عز وجل لهذه المدينة ولم تكن إلى بلاد دوس، ثم إن الطفيل بن عمرو قدم إلى المدينة بعدما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إليها ومعه صاحب له، فأصابه في أصابعه مرض فجزع وقطع أصابعه فمات، فرآه الطفيل في المنام ورأى أنه بحالة حسنة، إلا أنه رأى في يديه أنها قد شدت بشيء أبيض، فقال له: كيف حالك؟ قال: غفر لي بإسلامي وهجرتي، فقيل: ما هذا الذي في يديك، قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم وليديه فاغفر.
    الحاصل: أن الطفيل بن عمرو قديم الإسلام وقد عرض عليه أن يهاجر إلى بلاد دوس، أما أبو هريرة ما أعرف هل كان أسلم قبل وإنما الذي تأخرت هي الهجرة، لكن من حيث الرواية والسماع طبعاً هو ما لقي الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عام خيبر.

    حكم الصلاة بثياب فيها دم
    السؤال: ما حكم الصلاة إذا كان على الثوب قطرات الدم؟الجواب: إذا كانت يسيرة جداً ما تؤثر، وأما إذا كانت كثيرة فهي تؤثر على القول بنجاسة الدم، وعلى القول بعدم نجاسته فلا يؤثر.
    بلع بقايا الطعام من أسنانه في الصلاة
    السؤال: ما حكم إذا كان بعض بقايا الطعام في فمي وبلعتها هل هذا من الأكل في الصلاة؟الجواب: كون الإنسان يخرج من أسنانه شيئاً ويبلعه ما يقال أنه أكل في الصلاة.
    الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر
    السؤال: ما هو الضابط بين الشرك الأكبر والأصغر؟الجواب: الشرك الأكبر كما هو معلوم هو الشرك الذي لا يغفره الله عز وجل، وهو: دعوة غير الله معه، وصرف حق الله إلى غير الله، كأن يستغيث بغير الله ويدعو غير الله ويذبح لغير الله هذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، وصاحبه خالد مخلد في النار ولا سبيل له إلى الجنة أبداً، وأما الشرك الأصغر فليس صاحبه خالداً مخلداً في النار، وهو مثل كبائر الذنوب، بل إنه يكون من أكبر الكبائر؛ لأن الذنب الذي يوصف بأنه كفر أو شرك يكون أكبر وأخطر من الذنوب الكبيرة، لكن صاحبه لا يخلد في النار، بخلاف الشرك الأكبر.
    والشرك الأصغر مثل: الحلف بغير الله، إذا كان ما قصد بأن المحلوف به من غير الله الحلف به أعظم من الحلف بالله، أما إذا اعتقد بأن الحلف بالمخلوق أعظم من الحلف بالله فهذا شرك أكبر، يعني: كونه يعظم غير الله أعظم مما يعظم الله ويستسهل الحلف بالله ويستعظم الحلف بغير الله؛ لأنه يرى أن الحلف بغير الله أعظم من الحلف بالله، فإذا كان كذلك فهذا شرك أكبر، أما مجرد أن يحلف بغير الله عز وجل كأن يقول وأبي أو الكعبة أو والنبي أو ما إلى ذلك، فهذا من الشرك الأصغر الذي لا يكون صاحبه من المخلدين في النار، ومثل أن يقول ما شاء الله وشئت، أو يقول لولا الله وفلان، وما إلى ذلك، هذه من الألفاظ التي من قبيل الشرك الأصغر، وهي تتعلق بالألفاظ.
    متابعة الإمام في الصلاة
    السؤال: هل يجوز أن يتأخر المأموم عن الإمام في السلام والخروج عن الصلاة بأن يستمر في دعائه بعد تسليم الإمام؟الجواب: لا، ما يتأخر عنه، وإنما إذا سلم الإمام يسلم بعده، لا يسبقه، ولا يوافقه، ولا يتخلف عنه، إلا إذا كان مثلاً في التشهد نسي أو غفل ثم أتى بالتشهد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن هذا له أن يتأخر حتى يأتي بهذا الذي لابد له أن يأتي به، أما كونه يستمر في الدعاء ويترك الإمام فلا يتابعه، لا، وإنما يسلم بعد سلام الإمام بدون أن يتأخر عنه كثيراً، وإنما مثل أفعال الصلاة لا يسبقه ولا يوافقه ولا يتأخر عنه، وإنما يكون بعده، يسلم إذا سلم ويكبر إذا كبر ويركع إذا ركع وهكذا.
    حكم شراء سيارة من البنك بالتقسيط وبيعها نقداً لسداد الدين
    السؤال: لي أخ في الله ابتلي بدين كبير ويريد أن يذهب للبنك الأهلي يشتري له سيارة كبيرة على أن يسددها أخي للبنك بالتقسيط، علماً بأن الفرق بين سعرها من المعرض وسعرها بالتقسيط عن طريق البنك يساوي ثلاثين ألف ريال، ويريد أخي بيعها في السوق حتى يسدد دينه، فهل هذا جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين؟الجواب: كون الإنسان يشتري سلعة بثمن مؤجل والسعر يزيد على سعر الحاضر، الذي هو بيع التقسيط جائز، وكونه يبيعها لا يبيعها على من اشتراها منه، وإن باعها على غيره، أي على غير الذي اشتراها منه يجوز ذلك، لكن ما دام أنه مدين، ثم يريد أن يشتري السيارة هذا يزيد الطين بلة؛ لأنه يتحمل دين أكثر من الزيادة؛ لأن هذه الزيادة بسبب التأجيل هي حمل آخر؛ لأنه مثلاً يوفي ولكنه سيكون عليه الدين وزيادة، لكن ينبغي له أن يعتذر ويطلب من الدائنين له أن يصبروا عليه، ومن المعلوم أنه حتى لو لم يرضوا وهو ما يستطيع فالله يقول: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280].
    الحاصل: إن مثل هذا العمل هذا إقدام إلى زيادة الطين بلة، وزيادة الضرر، وزيادة الأعباء، لكن مبدأ قضية أن يكون الإنسان يشتري سلعة بثمن مؤجل ويبيع لا يجوز أن يبيعها لمن اشتراها منه، وإن باعها على غيره ذلك جائز.
    حكم وضع اليدين خلف أثناء الجلوس
    السؤال: أثناء الجلوس ما حكم وضع اليدين خلف الظهر، مع ذكر الأدلة؟الجواب: ورد ذكر شيء يدل على أنها جلسة المغضوب عليهم، ما أدري هل هي بالنسبة لليدين أو لليد الواحدة ما أذكر، لكن الإنسان إذا لم يحصل منه ذلك لا شك أنه سلم.
    عدد ركعات السنة بعد المغرب
    السؤال: فضيلة الشيخ! إني أحبك في الله. هل الصلاة بعد المغرب أربع ركعات سنة وقبل العشاء؟الجواب: السنة الراتبة التي جاءت في حديث عائشة وفي حديث ابن عمر بعد المغرب اثنتان؛ لحديث عائشة اثنا عشر أربع قبل الظهر، وعلى حديث ابن عمر عشر اثنتان قبل الظهر، وأما بعد المغرب فهي اثنتان، لكن إذا كان الإنسان أراد أن يزيد وأراد أن يصلي إلى العشاء له أن يصلي ما شاء، لأن هذا من التقرب إلى الله عز وجل بالعمل الصالح، له أن يصلي ما شاء.
    والاقتداء بهم فيما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وفيما جاء عنهم، مما لم يأت شيء يخالفه؛ لأن ذلك داخل تحت الأخذ بسنة الخلفاء الراشدين، ومن ذلك زيادة الأذان الذي فعله عثمان يوم الجمعة الأذان الأول.
    ما حكم من نوى الصيام ليلاً ولم يتسحر
    السؤال: رجل عليه قضاء من صوم رمضان ونوى الصيام من الليل أو في الليل ولكن نام ولم يتسحر فهل يلزمه الصوم؟الجواب: هو ما دام أنه حصلت النية قبل أن ينام صيام غد، ولكنه قام بعدما دخل الفجر دون أن يتسحر، نيته صحيحة وصومه صحيح، والأولى له أن يستمر، وإذا كان يرى أنه يشق عليه وأراد أن يفطر ويصوم يوماً آخر ما في مشكلة.
    والأولى أن لا يفطر، وإذا كان يرى أنه عليه مشقة لكونه ما تسحر، فله ذلك.
    إحداث قول ثالث في المسألة
    السؤال: يا شيخ! أحسن الله إليك، المسألة الأصولية هل يجوز إحداث قول ثالث في المسألة؟ نريد توضيحها مع بيان الراجح فيها؟الجواب: والله ما أتذكر، لا أذكر الكلام فيها.
    حكم المظاهرات
    السؤال: ويسأل عن حكم المظاهرات؟الجواب: المظاهرات هي تعادل الفوضى، إلى الفوضى إذا كانت الفوضى طيبة فهذه منها.
    وهناك من استدل على جواز المظاهرات بقوله تعالى: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ )[النساء:148] الشيخ: والمظاهرات هي من هذا القبيل، إنسان مظلوم يتكلم يقول فلان ظلمني، مثلما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته) يعني يقول فلان ظلمني، هذا معناه كونه يحل عرضه، يعني يتكلم فيه، فهذا إذا تكلم هو الذي تنطبق عليه الآية، لكن ما هو معناه أنه أن الناس يعملون فوضى، المظاهرات قرينة الفوضى تماماً.
    حكم ذبيحة الشيعة
    السؤال: ما حكم ذبيحة الشيعة، هل تؤكل أو لا؟الجواب: أبداً، لا تؤكل الذبائح التي في النفس منها شيء.
    حكم النافلة قبل العصر
    السؤال: هل النافلة التي تصلى قبل العصر من الرواتب؟الجواب: لا، ليست من رواتب، الرواتب هي اثنا عشر أو عشر، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (بين كل أذانين صلاة)، ولكنها ليست رواتب التي يحافظ الإنسان عليها، والتي يلتزمها الإنسان ويداوم عليها، وإذا صلى بين الأذان والإقامة فهو داخل تحت قوله: بين كل أذانين صلاة، لكن الرواتب التي جاء فيها النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان فضلها هي اثنا عشر أو عشرة.



  13. #233
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (230)

    - باب ذكر الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين - باب إتمام المصلي على ما ذكر إذا شك

    من رحمة الله بعباده أن شرع لهم ما يجبر نقص صلاتهم إذا حصل فيها نقص أو خلل، ومن ذلك سجود السهو؛ فإذا شك المصلي في الزيادة والنقصان فليبن على الأقل المتيقن وليلغ الشك، ويشرع السجود للسهو قبل التسليم من الصلاة أو بعده.
    ذكر الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين
    شرح حديث: (لم يسجد رسول الله يومئذ قبل السلام ولا بعده)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين. أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا شعيب أنبأنا الليث عن عقيل حدثني ابن شهاب عن سعيد، وأبي سلمة، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وابن أبي حثمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (لم يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قبل السلام ولا بعده)].
    فقول النسائي رحمه الله: الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين، أي: سجدتي السهو، وذلك في حديث أبي هريرة فيما يتعلق بالقصة التي فيها قول ذي اليدين له: (يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت)؟ فإنه جاءت طرقٌ فيها أو في بعضها اختلاف عن أبي هريرة فيما يتعلق بالسجدتين، وأكثر الطرق على أنه سجد سجدتين، منها ما نص فيه: أنه بعد السلام، ومنها ما أطلق، وقد جاء في بعض الروايات أو جاء في هذه الطريق التي ذكرها المصنف: أنه لم يسجد يومئذ قبل السلام ولا بعده، وعلى هذا يكون ذلك مناقضاً لما جاءت به الروايات الكثيرة من حصول السجود للسهو بعد السلام.
    والإسناد إلى أبي هريرة في هذه الطريق إسناد صحيح، فتعتبر شاذة، يعني هذه الطريق التي فيها نفي السجود قبل السلام أو بعده، تعتبر شاذة، فلا يعول عليها؛ لأنها مخالفة للطرق الكثيرة المتعددة التي فيها التصريح بما يناقض ما جاء في هذه الطريق، وهو حصول سجود السهو بعد السلام.
    فقول أبي هريرة هنا فيما جاء بهذا الطريق: (لم يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قبل السلام، ولا بعده)، هو نفي لسجود السهو في هذه الحال التي سلم فيها من نقص، ثم استكمل النقص، وأنه لم يحصل سجود، ما جاء في هذه الطريق معارض للطرق الكثيرة التي جاء فيها إثبات السجود، فتعتبر شاذة، ومن المعلوم أن الحديث الصحيح هو: ما روي بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معلل، ولا شاذ، فهو يكون رجاله ثقات، ويكون السند متصلاً لا انقطاع فيه، لكن مع هذا يكون شاذاً؛ لأنه وجد فيه مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، وتكون رواية الثقات هي المحفوظة، ويقابلها رواية الثقة المخالف للثقات فيقال: لها: الشاذة، فيعلل الحديث بذلك، وتعتبر تلك الراوية التي هي شاذة لا قيمة لها، ولا عبرة بها؛ لأنها مخالفة لرواية الثقات الذين أثبتوا السجود في السهو بعد السلام.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لم يسجد رسول الله يومئذ قبل السلام ولا بعده)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم].وهو المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا شعيب].
    وهو ابن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، نبيل، فقيه، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [أنبأنا الليث].
    وهو الليث بن سعد، الفقيه، المحدث، الثقة، الثبت، فقيه مصر، ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عقيل].
    هو ابن خالد بن عقيل الأيلي واسمه بالتصغير بضم العين وفتح القاف، واسم جده عقيل بفتح العين وكسر القاف، فالحروف في اسمه واسم جده متفقة، ولكنها مختلفة بالشكل، هو عقيل، وجده عقيل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني ابن شهاب].
    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، محدث، فقيه، وإمام مشهور، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد].
    وهو ابن المسيب المدني، المحدث، الفقيه، وهو من فقهاء المدينة السبعة المشهورين في عصر التابعين.
    [وأبي سلمة].
    هو ابن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو: ثقة، فقيه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، وسعيد بن المسيب هو أحد الفقهاء السبعة باتفاق، وأبو سلمة هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [وأبي بكر]
    هو ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو: أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع؛ لأن الأقوال في السابع ثلاثة، الأقوال في السابع ثلاثة: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو: ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وابن أبي حثمة].
    وهو أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة، الذي مر في بعض الطرق الماضية، وهو: ثقة، عابد، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: من دوس، وهو من السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه.
    والإسناد كما هو واضح كلهم ثقات، محمد بن عبد الله بن الحكم هو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وهو يروي عن شعيب بن الليث بن سعد، وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، والليث بن سعد محدث، فقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وعقيل بن خالد محدث، ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، والزهري إمام معروف، ومحدث، فقيه مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، والذين روى عنهم هم ثلاثة من الفقهاء السبعة، واحد باتفاق، واثنان على خلاف في السابع، وابن أبي حثمة هو أيضاً ثقة، عابد، خرج حديثه مسلم، ثقة عارف بالنسب، أخرج له الجماعة إلا ابن ماجه.
    والحديث شاذ؛ لأن فيه نفيه السجود للسهو، وهو معارض لرواية الثقات الكثيرة، وهي تدل على إثبات سجود السهو بعد السلام.
    شرح حديث: (أن رسول الله سجد يوم ذي اليدين سجدتين بعد السلام)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو حدثنا عبد الله بن وهب أخبرنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سجد يوم ذي اليدين سجدتين بعد السلام)].أورد النسائي حديث أبي هريرة وفيه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام سجد يوم ذي اليدين سجدتين بعد السلام)، يعني: كلمة ذي اليدين معناه كأن القصة والحديث مشهور بـذي اليدين؛ لأنه هو الذي سأل الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: (أقصرت الصلاة أم نسيت)؟ فكأن القصة قصة ذي اليدين، ولهذا قال: (يوم ذي اليدين)، يعني: في قصة كون النبي عليه الصلاة والسلام صلى ركعتين من إحدى صلاتي العشي، وهي: الظهر أو العصر، وسلم، وظن الناس أن الصلاة قد قصرت، ولم يسأل أحد رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى تقدم ذو اليدين وسأله، ولهذا قيل: يوم ذي اليدين، يعني: يوم القصة التي حصل السؤال فيها من ذي اليدين، سأل رسول الله عليه الصلاة والسلام: (هل قُصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله)؟ فأجاب بأنه لم يحصل شيء من ذلك، وكان يعني: النتيجة أنه كان قد نسي، (فقام وصلى ركعتين وسلم، ثم سجد بعد السلام وسلم) كما جاء في بعض الروايات الأخرى (أنه سلم تسليماً آخر بعد السجدتين)، بعد سجدتي السهو التي بعد السلام، وهذه الطريق معارضة للطريق السابقة، الطريقة السابقة يقول: ما سجد قبل السلام ولا بعده، وهذه الطريق تقول: (سجد بعد السلام)، والطرق كثيرة التي فيها سجود الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه القصة بعد السلام.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله سجد يوم ذي اليدين سجدتين بعد السلام) قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو].وهو مصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا عبد الله بن وهب].
    وهو مصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا الليث بن سعد].
    وقد مر ذكره.
    [عن يزيد بن أبي حبيب].
    وهو المصري، وهو ثقة، فقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن جعفر]
    هو ابن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة المصري، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عراك بن مالك].
    هو المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة] رضي الله عنه.
    وقد مر ذكره.
    طريق أخرى لحديث: (أن رسول الله سجد يوم ذي اليدين سجدتين بعد السلام) وتراجم رجال إسنادها
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود أخبرنا ابن وهب حدثنا عمرو بن الحارث حدثني قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: بمثله]. أورد حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهي بمثل الطريق السابقة، وهي (أن الرسول عليه الصلاة والسلام سجد سجدتين يوم ذي اليدين بعد السلام، سجد سجدتي السهو، يوم ذي اليدين يعني في تلك القصة التي اشتهر فيها ذو اليدين بسؤاله رسول الله عليه الصلاة والسلام (هل قصرت الصلاة أو نسيت يا رسول الله؟) وقال: بمثله، يعني: بمثل المتن السابق، وكلمة مثله إذا جاءت يراد بها أن المتن مطابق للمتن، المتن الذي لم يذكر مطابق للمتن المذكور قبل ذلك، باللفظ، والمعنى، أما إذا كان المعنى متحد، واللفظ مختلف؛ فإنه يقال: نحوه أو بنحوه، وهذا هو الفرق بين كلمة: بمثله، وبين كلمة: بنحوه أو نحوه؛ فإن كلمة مثله تعني المماثلة في اللفظ، والمعنى، ونحوه تعني الاتفاق في المعنى مع اختلاف في الألفاظ.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد أخبرنا ابن وهب].
    وقد مر ذكرهما.
    [حدثنا عمرو بن الحارث].
    هو المصري، وهو محدث، ثقة، فقيه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني قتادة].
    هو ابن دعامة السدوسي المصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن سيرين].
    هو المصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.
    شرح حديث: (أن النبي سجد في وهمه بعد التسليم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار حدثنا بقية حدثنا شعبة وحدثني ابن عون، وخالد الحذاء، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في وهمه بعد التسليم)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه (أن النبي عليه الصلاة والسلام سجد في وهمه)، يعني: نسيانه، سجد (بعد التسليم)، يعني: في قصة ذي اليدين، وأن سجوده كان بعد التسليم، وكان ذلك بسبب النسيان، وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، يظنون أن الصلاة قد قصرت؛ لأنهم في زمن التشريع، مع أن هناك فرقاً بين الأربع والثنتين، لكن ما قالوا شيئاً؛ لأن الزمن زمن التشريع، فكانوا يظنون أن الصلاة قصرت، حتى سأل ذو اليدين رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأخبره بأنه قد حصل النسيان، فقال الصحابة: (بل كان بعض ذلك يا رسول الله)، وذلك عندما سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: (صدق ذو اليدين)، فقام، وصلى الذي بقي من صلاته وسجد بعد التسليم، وهنا أتى بالحديث مختصر وقال: (إن النبي عليه الصلاة والسلام سجد في وهمه سجدتين بعد التسليم)، يعني: في نسيانه في صلاته، حيث سلم من ركعتين والصلاة رباعية، فهو دال على ما دل عليه الحديث الذي قبله والأحاديث الأخرى من أن النبي عليه الصلاة والسلام سجد بعد التسليم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي سجد في وهمه بعد التسليم)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي].وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا بقية].
    وهو ابن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السند الأربعة.
    [حدثنا شعبة].
    وهو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلا صيغ التعبير وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [وحدثني ابن عون، وخالد الحذاء].
    وكلمة (وحدثني) هذه تعني أنه عنده أحاديث متعددة عن ابن عون وعن خالد الحذاء، فهناك أحاديث قبل هذا الحديث، فأشار إلى أنهم حدثوه بأحاديث، وأن من تلك الأحاديث هذا الحديث، ولهذا أتى به بهذه الصيغة، وهي قوله: وحدثني، معناه أنه حدث بأحاديث ترك تلك الأحاديث التي ليست مناسبة لهذا الموضع، وأتى باللفظ الذي يشعر بأن هناك أحاديث أخرى، وأن هذا الحديث معطوف عليها، هذا الحديث المذكور معطوف على تلك الأحاديث التي لم تذكر.
    [وابن عون].
    هو عبد الله بن عون البصري، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [وخالد الحذاء].
    هو خالد بن مهران البصري، وهو ثقة، يرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقيل له: الحذاء، ليس لكونه يبيع الأحذية، ولا لكونه يصنعها؛ لأن هذا هو المتبادر إلى الذهن، إذا قيل: الحذاء، الذي يتبادر إلى الذهن أنه إما يصنع الأحذية، أو أنه يبيع الأحذية، لكن ليس هذا، ولا هذا، وإنما كان يجالس الحذائين فنسب إليهم، وقيل له: الحذاء، وهذا الذي يقولون عنه نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن ؛ لأن الذي يسبق إلى الذهن أنه حذاء بالفعل، ولكن هذه النسبة نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن.
    [عن ابن سيرين عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما.
    شرح حديث عمران بن حصين: (أن النبي صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم سلم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري أخبرني أشعث عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم سلم)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه، ويتعلق بسجود السهو، وهو (أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم سلم)، وهذه الطريق مختصرة توضحها الطريق التي بعدها، وأنه سها عن نقصان، وأنه كمل ذلك النقصان ثم سلم ثم سجد ثم سلم، فيكون هذا التسليم الذي جاء في الحديث يراد به التسليم الذي بعد سجود السهو، والرواية التي بعد هذه الرواية تبين أن هناك سلام قبل سجود السهو، وسلام بعد سجود السهو، يعني السلام حصل مرتين، مرة قبل سجود السهو، ومرة بعد سجود السهو، فقوله: (سجد سجدتين ثم سلم)، لا يعني أن سجود السهو قبل السلام كما قد يتبادر؛ لأن الرواية التي بعدها تبين، وهو (أنه سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم)؛ لأن السهو كان عن نقصان، أكمل هذا النقصان، ثم سلم ثم سجد بعد السلام، ثم سلم بعد سجود السهو، فالسلام حصل مرتين.
    تراجم رجال إسناد حديث عمران بن حصين: (أن النبي صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم سلم)
    قوله: [أخبرني محمد بن يحيى بن عبد الله].هو محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري، وهو الزهري، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري].
    وهو البصري القاضي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني أشعث].
    وهو ابن عبد الملك الحمراني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن محمد بن سيرين].
    وقد مر ذكره.
    [عن خالد الحذاء].
    وقد مر ذكره أيضاً.
    [عن أبي قلابة].
    وهو عبد الله بن زيد الجرمي البصري، وهو ثقة، يرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [يروي عن عمه أبي المهلب الجرمي].
    وقد اختلف في اسمه على أقوال كثيرة، ولكنه مشهور بكنيته أبو المهلب، وهو: الجرمي، وهو عم أبي قلابة، أبو قلابة يروي عن عمه أبو المهلب، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [محمد بن عبد الله الأنصاري].
    محمد بن عبد الله الأنصاري يروي عن أشعث، وكذلك ابن سيرين يروون عنه، وهما اثنان ،وفي طبقة واحدة، يروي عنهم الأنصاري.
    [عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران].
    [أبو المهلب الجرمي].
    أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمران بن حصين].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث عمران بن حصين في سجود النبي بعد التسليم لما سها في العصر من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو الأشعث عن يزيد بن زريع حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر، فدخل منزله، فقام إليه رجل يقال: له الخرباق ، فقال: نقصت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضباً يجر رداءه، فقال: أصدق، قالوا: نعم، فقام فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد سجدتيها ثم سلم)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق أخرى، وفيه أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى ثلاث ركعات، وسلم من ثلاث ركعات، وأنه دخل منزله، وأنه قال له الخرباق، وهو أيضاً ذو اليدين، وهذا اسمه، الخرباق بن عمرو، يطلق عليه ذو اليدين، فقال له: (أنقصت الصلاة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم)، فقام وصلى ركعة البقية ثم سلم، ثم سجد السجدتين ثم سلم.
    وهذا الحديث أو هذه الطريق تخالف الطرق الماضية من أن السلام كان من ركعتين، وهنا يفيد أن السلام كان من ثلاث، وتلك الطرق تفيد (أنه قام وجلس في المسجد إلى خشبة معروضة، واستند عليها)، وهذه الطريق تفيد بأنه دخل منزله، وأنه خرج من منزله، فمن العلماء من قال: يحتمل تعدد القصة، ومنهم من قال: إنها متحدة، ولكن حصل في بعضها شيء من الخطأ، يعني: من حيث ذكر المنزل، وذكر الصلاة، والذي كثرت فيه الروايات وتعددت هو أنه كان من اثنتين، وأنه جلس في المسجد، وأنه ما خرج إلى بيته، فيحتمل إما التعدد، وإما أن يكون هناك خطأ في هذه الرواية والله تعالى أعلم، والحديث ثابت من حيث الإسناد، وهو متفق مع ما تقدم من حيث الإتيان بما نقص، ومن حيث وجوب سجود السهو بعد السلام.
    تراجم رجال إسناد حديث عمران بن حصين في سجود النبي بعد التسليم لما سها في العصر من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا أبو الأشعث].وهو أحمد بن المقدام، وهو ثقة، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن يزيد بن زريع].
    وهو يزيد بن زريع البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    باب إتمام المصلي على ما ذكر إذا شك
    شرح حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا خالد عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين، فإذا استيقن بالتمام فليسجد سجدتين، وهو قاعد، فإن كان صلى خمساً شفعتا له صلاته، وإن صلى أربعاً كانتا ترغيماً للشيطان)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب إتمام المصلي على ما ذكر إذا شك، يعني بهذه الترجمة أنه إذا حصل شك فإنه يبني على اليقين، ثم يأتي بالشيء الباقي بعد ذلك البناء، وذلك كأن يعتريه شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً، فليعتبرها ثلاثاً، لا يعتبرها أنها أربعاً؛ لأنه يلغي الشك؛ لأن المشكوك الرابعة، والمتيقن الثلاث، الثلاث متيقنة، والرابعة مشكوك فيها، فيبني على ما استيقن، وهو أنها ثلاث، وهي الأقل، ويضيف الركعة الباقية، فتكون النتيجة إما أن يكون قد صلى خمساً، وإما أن يكون قد صلى أربعاً؛ لأنه بنى على الذي في ذهنه أنها ثلاث، فقد تكون أربعاً، وقد تكون ثلاثاً، لكنه يبني على الأقل الذي هو متيقن، ويأتي بركعة؛ فإن كانت ثلاثاً، فهذه الركعة هي الرابعة، وإن كانت أربعاً، فتكون ركعة خامسة، فيسجد سجدتين للسهو، وتكون هاتان السجدتان شفعتا صلاته، وإن كان صلى أربعاً ما فيه زيادة، كانت السجدتان ترغيماً للشيطان الذي يشوش على الإنسان في صلاته، ويلبس عليه فيها؛ فإنه يؤتى بهاتين السجدتين لتكون جبراً لما حصل من سهو، ويكون في ذلك إرغاماً للشيطان الذي شوش عليه في صلاته، ولبس عليه في صلاته، حتى شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً، وهذا فيما إذا لم يغلب على الظن ترجيح.
    أما وحيث بقي الشك، فإنه يبني على اليقين، واليقين هو الأقل، إذا كان شك بين ثلاث أو أربع، فالثلاث مؤكدة، ومتيقنة، والرابعة مشكوك فيها، لا يبني على الأكثر، وإنما يبني على الأقل الذي هو المتيقن، وهكذا يعني فيما يتعلق بالأمور التي فيها عدد، عندما يشك الإنسان يبني على اليقين اللي هو الأقل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين ...)
    قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].هو يحيى بن حبيب بن عربي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا خالد].
    وهو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عجلان].
    وهو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن زيد بن أسلم المدني].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن يسار الهلالي].
    مولى ميمونة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سعيد الخدري].
    وهو أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وهم الذين جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة والنبي
    حديث: (إذا لم يدر أحدكم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليصل ركعة ثم يسجد بعد ذلك سجدتين وهو جالس...) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع حدثنا حجين بن المثنى حدثنا عبد العزيز وهو ابن أبي سلمة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا لم يدر أحدكم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليصل ركعة، ثم يسجد بعد ذلك سجدتين وهو جالس، فإن كان صلى خمساً شفعتا له صلاته، وإن صلى أربعاً كانتا ترغيماً للشيطان)].أورد النسائي حديث أبي سعيد من طريق أخرى، وهي مثل الطريق السابقة.
    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].
    وهو القشيري النيسابوري، شيخ لمسلم، أكثر من الرواية عنه، وهو: يوافق مسلماً في كونه من قبيلته ومن بلده، مسلم قشيري نيسابوري، ومحمد بن رافع قشيري نيسابوري، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا حجين بن المثنى].
    ثقة، أخرج حديثه الجماعة إلا ابن ماجه، مثل تلميذه محمد بن رافع.
    [حدثنا عبد العزيز].
    وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد].
    وقد مر ذكرهم بالإسناد الذي قبل هذا.
    الأسئلة
    الجمع بين كون الرسول صلى الله عليه وسلم خرج مغضباً يجر رداءه ونهيه عن جر الثياب
    السؤال: ورد في الحديث الذي رواه عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مغضباً يجر رداءه، فكيف نوفق بين هذا وبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن جر الرداء؟الجواب: الرداء كما هو معلوم هو الذي يوضع على الكتفين، والإزار هو الذي يكون على النصف الأسفل من الإنسان، والرسول عليه الصلاة والسلام جاء عنه الأحاديث الدالة على أن الإنسان لا ينزل ثيابه إلى ما تحت الكعبين، بل لباسه يكون فوق الكعبين ولا ينزل عنهما، فيمكن أن يكون هذا الذي حصل في هذا الحديث، يعني أنه ارتخى أو أنه انطلق منه في تلك الحالة التي خرج عليها، ومن المعلوم أن الشيء إذا حصل غير مقصود ثم تدورك، لا يكون متعمداً؛ لأنه كما هو معلوم قد يحصل أحياناً أن الإنسان يحرص على عدم نزول الثياب، ولكنها قد تنزل على سبيل الاسترخاء، مثلما جاء في قصة أبي بكر رضي الله عنه، قال: إن إزاري يسترخي، يعني: أنه يحصل من غير اختياره.



  14. #234
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (231)


    - باب التحري في الصلاة
    من سها في صلاته بأن زاد فيها أو نقص فعليه أن يتحرى ثم يسجد سجدتين للسهو، كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به.
    التحري
    شرح حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التحري.أخبرنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا مفضل وهو ابن مهلهل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الذي يرى أنه الصواب فيتمه، ثم يسجد سجدتين)، ولم أفهم بعض حروفه كما أردت].
    يقول النسائي رحمه الله: باب التحري. والمُراد بالتحري: هو أنه عند الشك في الصلاة يتحرى الصواب فيما شك فيه من الزيادة أو النقصان، أو فعل الشيء وعدمه، فما غلب على ظنه فإنه يأخذ به، ويبني عليه، ويسجد للسهو سجدتين بعد السلام، هذا هو التحري، ومن العلماء من قال: إن التحري هو أن يأخذ بالأقل؛ لأنه المتيقن، لكن هذا المعنى لا يتضح معه المراد بالتحري الذي أمر به؛ وذلك أن التحري هو تأمل في الأمرين المشكوك فيهما، أيهما الواقع؟ وأيهما الصواب فيأخذ به؟ فإن غلب على ظنه الأكثر أخذ به، وإن غلب على ظنه الأقل أخذ به، هذا هو المراد بالتحري.
    وقد أورد النسائي فيه عدة أحاديث، أولها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الذي يرى أنه الصواب فيتمه، ثم يسجد سجدتين للسهو)، يعني: يأخذ بذلك الذي رأى أنه صواب، وأتى بالصلاة بناءً عليه، ثم يسجد سجدتين للسهو، ويكون ذلك بعد السلام.
    (ثم يسجد سجدتين، ولم أفهم بعض حروفه كما أردت) ولعل الذي قال هذا الكلام هو النسائي، ولهذا أتى بكلمة (يعني) التي كأنها تفسير أو توضيح من غير ضبط للفظ، ولعله قال في آخره: ولم أفهم بعض حروفه كما أردت، يعني أنه لم يضبطه، لكن جاءت روايات أخرى فيها الجزم، وفيها الضبط لما جاء عن عبد الله بن مسعود، لكن من هذه الطريق، قال النسائي: (ولم أفهم حروفه كما أردت).
    والحديث دال على ما ترجمه المصنف من أنه إذا شك في صلاته يتحرى ما هو الصواب فيتمه، أي: يأتي به أو يأتي ببقية صلاته على ما جزم، أو على ما غلب على ظنه أنه صواب، ثم يسجد لذلك سجدتين بعد السلام، سجدتين للسهو، وتكون بعد السلام، وعلى هذا فيكون السجود فيما إذا حصل تحري، وغلب على ظنه أحد الأمرين وأخذ به؛ فإن السجود يكون بعد السلام، وقد سبق أن مر بنا أنه أيضاً يكون السجود بعد السلام فيما إذا زاد الإنسان في صلاته ركعة، أو غير ذلك من الزيادات، كالتسليم الذي جاء في حديث ذي اليدين؛ فإنه يسجد سجدتين بعد السلام.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].وهو القشيري النيسابوري، شيخ مسلم أكثر من الراوية عنه، وهو من بلده ومن قبيلته، فـمسلم قشيري نيسابوري، ومحمد بن رافع شيخه قشيري نيسابوري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا يحيى بن آدم].
    وهو الكوفي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا مفضل].
    وهو ابن المهلهل، ومفضل هذا ثقة، ثبت، نبيل، عابد، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، وكلمة: هو ابن مهلهل، هذه زادها من دون تلميذه يحيى بن آدم، وهو إما محمد بن رافع أو النسائي أو من دون النسائي، أتى بهذه الزيادة الموضحة لـمفضل هذا، وأنه ابن مهلهل، فأتى بكلمة هو ابن مهلهل ؛ حتى يتضح أن هذه الزيادة ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ، والتلميذ ما أتى بأكثر من قول: مفضل ؛ لأنه لم ينسب شيخه الذي هو يحيى بن آدم، ولكن من دون التلميذ هو الذي نسبه، ولكنه أتى بشيء يوضح بأن هذا الكلام ليس من التلميذ، وإنما هو ممن دون التلميذ.
    [عن منصور].
    وهو ابن المعتمر، وهو كوفي، ثقة ،ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم].
    وهو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن علقمة].
    وهو ابن قيس النخعي، وهو ثقة، ثبت، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن مسعود].
    هو الهذلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة وعلمائهم، وهو من المهاجرين، ممن تقدم إسلامه، فإنه هاجر الهجرتين؛ هاجر إلى الحبشة، وهاجر إلى المدينة، وليس هو أحد العبادلة الأربعة المشهورين من الصحابة؛ لأنه متقدم، والعبادلة الأربعة كلهم من صغار الصحابة. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي حدثنا وكيع عن مسعر عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر ويسجد سجدتين بعدما يفرغ)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها أنه يتحرى عندما يشك في صلاته، ويسجد سجدتين بعدما يفرغ، وقد جاء توضيح ذلك في بعض الروايات أن الفراغ إنما هو من التسليم، يسجد سجدتين بعد السلام، كما هو في بعض الطرق الأخرى التي ستأتي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر...) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي].وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا وكيع].
    وهو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الستة.
    [عن مسعر].
    هو ابن كدام الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث: (... فأيكم ما شك في صلاته فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليتم عليه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن مسعر عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزاد أو نقص، فلما سلم قلنا: يا رسول الله! هل حدث في الصلاة شيء؟ قال: لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكموه، ولكني إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فأيكم ما شك في صلاته فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، وليسجد سجدتين)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم زاد أو نقص في صلاته، فأخبروه بعد ذلك وقالوا: أحدث في الصلاة شيء؟ قال: لو حدث شيء أخبرتكم، (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فأيكم ما شك)، أي: فأيكم شك في صلاته فليتحر الصواب، (فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فيتم عليه، ثم ليسلم، ويسجد سجدتين)، يعني: بعد السلام، فالحديث دال على ما دلت عليه الطريقان السابقتان، من أنه يتحرى الصواب، ويسجد بعد السلام.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... فأيكم ما شك في صلاته فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليتم عليه ...)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر المروزي].ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، قال عنه الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر جملة من صفاته في تقريب التهذيب: جمعت فيه خصال الخير. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسعر].
    مسعر بن كدام الذي تقدم في الإسناد الذي قبل هذا، وباقي الإسناد هو الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث: (... فأيكم شك في صلاته شيئاً فليتحر الذي يرى أنه صواب ...) من طريق ثانية
    [أخبرنا الحسن بن إسماعيل بن سليمان المجالدي حدثنا الفضيل يعني: ابن عياض عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فزاد فيها أو نقص، فلما سلم قلنا: يا نبي الله! هل حدث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ فذكرنا له الذي فعل، فثنى رجله فاستقبل القبلة فسجد سجدتي السهو، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: لو حدث في الصلاة شيء لأنبأتكم به، ثم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فأيكم شك في صلاته شيئاً فليتحر الذي يرى أنه صواب، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتي السهو)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود من طريق أخرى، وفيه ما في التي قبلها من جهة أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى صلاة زاد فيها أو نقص، فقالوا له بعد السلام: هل حدث في الصلاة شيء؟ فقال: لو حدث شيء لأخبرتكم، وثنى رجله، وسجد سجدتين، يعني: أنه لما أخبر عاد إلى اتجاه القبلة، وثنى رجله، وجلس لهيئة الجلوس والسجود فسجد، ثم أقبل على الناس بوجهه وقال: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون) فإذا نسيت فذكروني.
    والحديث يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام يحصل له النسيان، وإنه ليس معصوماً من النسيان، لكنه معصوم من نسيان شيئاً يبلغه عن الله عز وجل، وأما كونه يحصل له النسيان؛ فإنه يحصل له في الصلاة، وفي غيرها، لكن ليس معنى ذلك أنه كما جاء في بعض الأحاديث الضعيفة الواهية: أنني لا أنسى ولكني أنسى لأسن، فإنه قال عليه الصلاة والسلام: أنا أنسى كما تنسون، يعني: يحصله النسيان، إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون.
    أما كونه ينسى، فيحصل له النسيان، هو نفسه صرح بهذا في الحديث: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)، فقال: أنسى، وقال: فإذا نسيت فذكروني، فهو يدل على حصول ذلك منه عليه الصلاة والسلام.
    ثم قال: (فأيكم شك في صلاته فليتحر الصواب فليتمه، ثم أن يسلم، ثم يسجد سجدتين)، وهذا فيه التنصيص على أن سجود السهو يكون بعد السلام، يكون وذلك فيما يتعلق بالتحري، أي: فيما إذا تحرى وغلب على ظنه، وأخذ بغالب ما غلب على ظنه، فإنه يسجد بعد السلام.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... فأيكم شك في صلاته شيئاً فليتحر الذي يرى أنه صواب ...) من طريق ثانية
    قوله: [أخبرنا الحسن بن إسماعيل].هو الحسن بن إسماعيل بن سليمان المجالدي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [حدثنا الفضيل].
    هو ابن عياض، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وكلمة: (يعني) ابن عياض، الذي قالها من دون تلميذه، النسائي أو من دون النسائي، وكلمة: (يعني) فاعلها ضمير يرجع إلى الحسن بن إسماعيل المجالدي، هو فاعل (يعني) وقائل من دون هذا التلميذ الذي هو النسائي، أو من دون النسائي.
    والفضيل بن عياض ثقة، زاهد، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن منصور] إلى آخر الإسناد.
    وقد مر ذكرهم في الأسانيد السابقة.
    حديث: (... إذا أوهم أحدكم في صلاته فليتحر أقرب ذلك من الصواب ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة كتب إلي منصور وقرأته عليه، وسمعته يحدث رجلاً عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الظهر ثم أقبل عليهم بوجهه، فقالوا: أحدث في الصلاة حدث؟ قال: وما ذاك؟ فأخبروه بصنيعه، فثنى رجله، واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم، ثم أقبل عليهم بوجهه فقال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وقال: لو كان حدث في الصلاة حدث أنبأتكم به، وقال: إذا أوهم أحدكم في صلاته فليتحر أقرب ذلك من الصواب، ثم ليتم عليه، ثم يسجد سجدتين)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود من طريق أخرى، وهي مثل الطرق السابقة، ودالة على ما دلت عليه.
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    وهو البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه أبو مسعود وأبوه مسعود، هذا النوع من أنواع علوم الحديث في المصطلح، فائدته دفع الغلط فيما إذا ذكر بالكنية، وهو مشهور بالاسم، فقد يظن أن فيه تصحيف إذا قيل: إسماعيل أبو مسعود بدل إسماعيل بن مسعود؛ فإن كل ذلك صواب ولا خطأ فيه؛ لأنه ابن مسعود، وهو أبو مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا خالد بن الحارث البصري].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    وهو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها.
    قال: كتب إلي منصور، وقرأته عليه، وسمعته وهو يحدث رجلاً، يعني: شعبة يخبر أنه تحمل هذا عن منصور بثلاثة طرق، يعني: كونه كتب إليه به، وكونه قرأ عليه، وكونه سمعه يحدث رجلاً، ومنصور ومن فوقه مر ذكرهم في الأسانيد السابقة.
    شرح أثر ابن مسعود: (من أوهم في صلاته فليتحر الصواب ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن شعبة عن الحكم سمعت أبا وائل يقول: قال عبد الله: (من أوهم في صلاته فليتحر الصواب، ثم يسجد سجدتين بعد ما يفرغ وهو جالس)].أورد النسائي هذا الحديث عن عبد الله، وهو موقوف عليه بإسناده إلى عبد الله أنه قال: (من أوهم في صلاته فليتحر الصواب، ثم يسجد سجدتين بعدما يفرغ وهو جالس)، أورده النسائي بإسناده إلى عبد الله بن مسعود موقفاً عليه، وقد مر من طرق متعددة عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً إلى رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن مسعود: (من أوهم في صلاته فليتحر الصواب ...)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن شعبة].وقد مر ذكرهم.
    [عن الحكم].
    هو ابن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أبي وائل].
    وهو شقيق بن سلمة الكوفي، ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، واسمه شقيق بن سلمة، يأتي ذكره أحياناً باسمه، ويأتي ذكره أحياناً بكنيته كما هو هنا، ومعرفة كنى المحدثين مهمة، وفائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باسمه، ومرة بكنيته؛ فإن من لا يعرف أن أبا وائل كنية لـشقيق بن سلمة، لو رأى في إسناد أبا وائل، ورأى في إسناد آخر شقيق، يظن أن هذا شخص وذاك شخص، لكن من عرف أن هذه كنية لهذا الشخص، لا يلتبس عليه الأمر.
    وشقيق بن سلمة أبو وائل ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    وقد مر ذكره.
    أثر ابن مسعود: (من شك أو أوهم فليتحر الصواب ...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن مسعر عن الحكم عن أبي وائل عن عبد الله قال: (من شك أو أوهم فليتحر الصواب، ثم ليسجد سجدتين)].وهذا أيضاً موقوف على ابن مسعود، والإسناد مر ذكر رجاله.
    شرح أثر إبراهيم النخعي: (كانوا يقولون: إذا أوهم يتحرى الصواب ثم يسجد سجدتين)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أنبأنا عبد الله عن ابن عون عن إبراهيم (كانوا يقولون: إذا أوهم يتحرى الصواب ثم يسجد سجدتين)].وهذا أيضاً موقوف على إبراهيم يعزوه، ويضيفه إلى غيره من العلماء، أنهم كانوا يقولون: إذا أوهم في صلاته يتحرى الصواب ثم يسجد سجدتين، وقد عرف أن هذا المعنى جاء مرفوعاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام من طرق متعددة، جاء عن طريق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الأسانيد السابقة، وهو موقوف هنا على إبراهيم النخعي، ويقول: (كانوا يقولون) أي: العلماء في زمانه وقبل زمانه: (إذا أوهم في صلاته فليتحرى الصواب وليسجد سجدتين)، ومن المعلوم أن هذا المتن الموقوف جاء مرفوعاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    قوله: [أخبرنا ابن عون]، هو عبد الله بن عون البصري، وهو: ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وبقية رجال الإسناد قد مر ذكرهم في الأسانيد السابقة.
    الأسئلة
    مدى صحة اعتبار أن أهل الحديث هم الفرقة الناجية
    السؤال: هل أهل الحديث هم الفرقة الناجية؟ وما حال غيرهم إذا كان الجواب بالإثبات؟الجواب : لا شك أن أهل الحديث هم من الفرقة الناجية، وقد جاء التنصيص على ذلك من بعض العلماء، وأنهم أهل الحديث، وقال: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري منهم، ولا شك أنهم من الفرقة الناجية، والفرقة الناجية أعم منهم، لكن لا شك أنهم يدخلون فيها دخولاً أولياً، الذين يعرفون حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ويطبقونه وينفذونه، هم أولى الناس بالدخول تحت هذا الاسم الذي جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة.
    والفرقة الناجية هم -كما هو معلوم-: من كان على ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه، كما جاء في حديث: (ستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل من؟ قال: هي الجماعة)، وفي بعض الروايات قال: (من كان على ما أنا عليه وأصحابي)، فمن كان على هذه الطريقة وعلى هذه الجادة، فهو من هذه الفرقة.
    الفرق بين التحري والشك واليقين
    السؤال: لو أعدتم لنا معنى التحري، والفرق بينه، وبين الشك، واليقين في الصلاة؟الجواب: اليقين كما هو معلوم ليس معه شك، الإنسان متيقن من شيء، يعني معناه: غير شاك فيه، ولكنه إذا شك وصار متردداً بين أمرين، هل فعل هذا أو ما فعل هذا، التحري يكون بأن يتأمل، ويتذكر: أيهما الذي حصل؟ وأيهما يغلب على ظنه أنه وقع؟ فهذا هو التحري، بعض العلماء قال: التحري أنه يبنى على اليقين الذي هو الأقل، لكن هذا لا يتضح معه معنى التحري، وأنه أقرب للصواب، وينظر ما هو أقرب إلى الصواب، بل هذا واضح في أنه يتأمل أي الأمرين المشكوك فيهما، أيهما الذي يغلب على الظن حصوله فيعمل به، هذا هو مقتضى الحديث.
    ما يفعل من شك في السجدتين في الصلاة
    السؤال: إذا كان الرجل ساجداً في الصلاة، ولم يدر هل هو في السجدة الأولى أم في الثانية، فكيف يفعل؟الجواب: نفس الشيء، يبني يعني يتحرى إذا غلب على ظنه أنها الثانية، لا يأتي بشيء، وإذا كان غلب على ظنه أنها الأولى يأتي بالثانية، وإذا لم يغلب على ظنه لا هذا، ولا هذا؛ فإنه يبني على الأقل؛ لأنه المتيقن، ويأتي بالثانية. لكن إن غلب على ظنه أنها الثانية، لا يأت بشيء.
    مدى حصول الأجر لمن يحج سنة ويقعد أخرى مع زوجه وأولاده
    السؤال: شخص يحب أن يحج كل سنة حتى يفوز بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة... الخ الحديث)، يقول: ولكن زوجته وأولاده يحبون أن يكون معهم في العيد، فاتفقوا على أن يحج سنة، ويجلس معهم سنة، فهل يفوز بالأجر المذكور في الحديث؟الجواب: الأجر عند الله عز وجل، لكنه على خير.
    توضيح معنى قاعدة: الحكم على الشيء فرع عن تصوره
    السؤال: وضحوا لنا القاعدة الشرعية التالية: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، واضربوا لنا مثالاً على ذلك؟الجواب: الحكم على شيء فرع عن تصوره، الإنسان إذا كان ليس متصوراً الشيء الذي سيحكم عليه، يكون الحكم مبني على غير أساس؛ لأنه ما فهم الشيء الذي سيحكم عليه، معناه: أن من أراد أن يحكم على شيء، فليتصور ذلك الشيء الذي سيحكم عليه، يعني: أمر من الأمور طلب منه أن يبين حكمه، وهو لا يعرف ذلك الأمر الذي سئل عنه، مثل: مسائل البنوك، والأشياء التي في البنوك، والمصطلحات التي في البنوك مثلاً فيقول: ما المراد بهذا؟ أيش المراد بهذا الكلام؟ تقول: إن هذا من الأمور المصطلحية في البنوك، الحكم عن الشيء فرع عن تصوره، الإنسان إذا ما تصور المحكوم عليه كيف يحكم عليه؟! يعني: إذا سئل مثلاً عن الأسهم أيش بيع الأسهم؟ أيش معنى الأسهم؟ يعني: فيه مصطلحات موجودة عند البنوك فيسأل الإنسان عنها وهو لا يعرف أيش معناها؛ لأن الحكم على شيء فرع عن تصوره، كون الإنسان ما فهم الشيء كيف يحكم عليه.
    علاقة نزول الثوب أثناء الركوع والسجود بالإسبال
    السؤال: إذا قام الشخص فوصل ثوبه إلى الكعب، ثم إذا ركع تعدى الكعب، هل هذا إسبال؟ الجواب: لا ليس هذا إسبال، إذا كان عندما يركع ينزل ثوبه بسبب ركوعه ما دام أنه لم ينزل عن الكعب، لا يقال له: إسبال، الإسبال إذا كان واقفاً.
    كيفية معرفة الرواة إذا تشابهت كناهم
    السؤال: إذا تشابهت الكنى فكيف يُميز بينهما؟الجواب: إذا تشابهت الكنى، يعني: إذا كان المقصود بالسؤال بالنسبة لتعدد أشخاص، فإذا كانوا في طبقتين، طبعاً يعرف بالطبقة، يعني: كون هذا الشخص في طبقة متقدمة، وهذا في طبقة متأخرة، الذي في طبقة متأخرة لا يتوقع أن يكون الذي في الطبقة المتقدمة، وكذلك العكس، فيميز بينهم بالطبقات، وأما إذا كانوا في طبقة واحدة، فينظر أيضاً إلى التسمية، يعني: تسميته مع الكنية، فقد يرد في بعض الأسانيد التسمية مع الكنية، وبذلك يزول الالتباس، والاحتمال فيما إذا كان هناك كنى متعددة لأشخاص في زمن واحد؛ فإن التسمية مع الكنية يكون فيها التمييز.
    حكم شراء سيارة بالتقسيط وبيعها نقداً لشخص آخر
    السؤال: بعض الناس يحتاج إلى المال فيشتري سيارة بالقسط، ثم بعد استلامها يبيع لآخر نقداً، وكل ذلك من أجل الحصول على المال فقط، فهل هذه الصورة صحيحة؟الجواب: كون الإنسان يشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها بثمن حال على غير الذي اشتراها منه، جائز، لكن ليس للإنسان أن يحمل نفسه ديون من غير ضرورة تلجئه إلى ذلك، وحتى لو كان مضطراً؛ بأن كان مديناً، يريد أن يتخلص من الدين بدين آخر، فإن هذا أيضاً زيادة أعباء؛ لأنه سيتحمل الدين، وزيادة هذه التي تقابل التأجيل، وكما قال الله عز وجل: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )[البقرة:280]، الإنسان الذي هو مدين ولا يستطيع لا يتدين، ويتحمل دين آخر من أجل أن يوفي ناس دائنين، وإنما الأمر كما قال الله عز وجل: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )[البقرة:280]، والإنسان لا يقدم على تحمل ديون إلا لضرورة لا بد منها، أما كون الإنسان يتحمل ديون من أجل يعني يحصل زيادة مال، أو من أجل أنه يوفي دائنين أو ما إلى ذلك؛ فإن هذا يجلب عليه الضرر.
    الكلام على ورقة خادم الحجرة ومدى صحة ما فيها
    السؤال: هذه الورقة ظهرت قبل سنوات يعني واحد لمن يسمى خادم الحجرة النبوية فما قولكم فيها؟الجواب: صاحب الحجرة، الشيخ ابن باز رد عليه رداً واضحاً، مطبوعاً يمكن للإنسان يطلع عليه، وينظر ما في هذه الدعوى من الكذب، وأن هذا شيء لا أساس له، وأن ما ذكره من الأشياء التي فيها غير صحيحة، وأنها كلها من الكذب، بالرجوع إلى كتابة الشيخ عبد العزيز بن باز، أظنها ضمن التحذير من البدع، فيه مجموعة رسائل مطبوعة بكتيب واحد اسمه: التحذير من البدع، مشتمل على ليلة النصف من شعبان، وليلة الإسراء والمعراج، والمولد النبوي، والحجرة، أو كذب المسمى أحمد، الذي يقال عنه: أنه خادم الحجرة، فالشيخ ابن باز حفظه الله كتب كتابة كافية وافية فيما يتعلق في هذا الموضوع، فيمكن للإنسان أنه يطلع عليها، ويرى توضيح الرد على الافتراءات التي اشتملت عليها، وذلك الكذاب المفتري المنسوب إلى الشيخ أحمد خادم الحجرة.
    حكم إقامة الصلاة على المرأة
    السؤال: هل المرأة إذا صلت مع النساء عليها أن تقيم الصلاة، وكذلك إذا صلت وحدها، فهل عليها إقامة؟الجواب: النساء ليس عليهن أذان ولا إقامة.
    مدى إجزاء كبش واحد عن الذكر في العقيقة
    السؤال: هل يجزي كبش واحد عن عقيقة الذكر؟الجواب: السنة جاءت بأن الذكر يذبح عنه اثنتان، والجارية يذبح عنها واحدة، هذه السنة التي جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالإنسان لا يقتصر على واحد، وإنما عليه أن يأتي بما جاءت به السنة، وهو ذبيحتان للذكر، وذبيحة للأنثى.
    وهذه من المسائل الخمس التي المرأة فيها على النصف من الرجل، ذكرها ابن القيم في بعض كتبه، وهي: العقيقة، والدية، والإرث، والشهادة، والعتق، يعني: من أعتق شخصاً كان فكاكه من النار، ومن أعتق جاريتين كانتا فكاكه من النار، فهذه خمسة أمور جاءت النصوص في أن المرأة على النصف من الرجل فيها.
    الاعتماد في دفع زكاة الحلي على البيع أو الشراء
    السؤال: دفع زكاة حلي المرأة، هل يكون بثمن البيع أم بثمن الشراء؟الجواب: يكون بقيمتها في وقت حلول الزكاة، قيمة الحلي في وقت حلول الزكاة، يحسب الزكاة على هذا الحساب، لا ينظر إلى قيمة الشراء، وإنما ينظر إلى قيمتها في وقت حلول الزكاة فيها، فإذا كانت عند الشراء تساوي ألف، وعند حلول الزكاة تساوي ألفين، يخرج زكاة ألفين.
    الحكمة في إنكار المنكر على من يحتفل بالمولد النبوي
    السؤال: في بعض البلاد يوجد ليلة الزفاف في العرس، أو ليلة العرس احتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقرأ أناشيد في نعت النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا أنكر عليهم بدلوا بالموسيقى والغناء المحرمة، فنرجو منك الإجابة.الجواب: على كلٍ كل ذلك منكر، البديل، والمبدل. فينكر على الجميع.
    حكم تحريك الخاتم عند الوضوء
    السؤال: إذا كان الرجل يلبس خاتم، فهل ينزعه عند الوضوء أو لا؟ هل يحركه؟الجواب: لا يلزم أبداً، إذا كان يعرف أنه واسع وأن الماء يدخل، فإن ذلك كاف، وإذا تحقق من دخول الماء إلى داخل ما كان تحت الخاتم، فإنه يحصل المقصود بذلك.


  15. #235
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (232)

    - تابع باب التحري في الصلاة
    دلت السنة على أنه يشرع في حق من شك في صلاته ولم يدرِ كم صلى أن يسجد سجدتين للسهو بعد التسليم.
    تابع التحري في الصلاة
    شرح حديث: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التحري.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن ابن جريج قال عبد الله بن مسافع عن عقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم)].
    فهذا الحديث حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وعن أبيه وعن الصحابة أجمعين، أورده النسائي في باب التحري، وقد عرفنا من الأحاديث الماضية التي أوردها النسائي في هذا الباب من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن التحري هو: أنه إذا شك في صلاته فإنه يتحرى الصواب في أي الأمرين الذين تردد فيهما، فإذا غلب على ظنه أحدهما فإنه يأخذ به ويسجد سجدتين بعدما يسلم، وهذا هو الذي يناسب ما جاء في الأحاديث من لفظ كونه يتحرى ما هو أقرب إلى الصواب أو يتحرى الصواب، ومن العلماء من قال: إن التحري هو: أن يبني على الأقل فيما إذا كان التردد في شيئين أقل وأكثر فإنه يبني على الأقل لأنه اليقين، لكن هذا لا يناسب ما جاء في لفظ الحديث من قوله: يتحرى ما هو أقرب إلى الصواب أو يتحرى الصواب، فإن هذا ليس فيه تحري وإنما فيه أخذ بشيء معين، لكن التحري فيه الأخذ بما يغلب على الظن إما هذا وإما هذا، إما هذا الشيء وإما هذا الشيء، والأخذ بالأقل هو أخذ بشيء واحد لا تحري فيه، وحديث عبد الله بن جعفر هذا ليس فيه ذكر شيء من التحري، وإنما فيه أن من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم، ومن المعلوم أن الشك هو: التردد بين أمرين فلم يترجح أحد الاحتمالين ، ولم يحصل غلبة الظن لا في هذا ولا في هذا ، هذا هو الشك عندما يحصل؛ لأنه تساوي الطرفين وعدم ترجح أحدهما على الآخر، فإذا غلب الظن أحد الأمرين فإن الشك لا يكون باقياً، بل حصلت غالبية الظن على أحد الاحتمالين المشكوك فيهما.
    وحديث عبد الله بن جعفر هذا أورده النسائي من طرق أربع، وكلها ذكرها الشيخ الألباني في ضعيف سنن النسائي، ذكرها أي: الطرق الأربع بهذا الحديث هذه الطريق والثلاث التي بعدها، وفي رجالها من تكلم فيه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو سويد بن نصر المروزي، ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك، وهو من أهل بلده، وعبد الله بن المبارك مروزي، وسويد بن نصر راويته.
    [أخبرنا عبد الله بن المبارك] .
    قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة، ثبت جواد، مجاهد، عابد، جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [قال عبد الله بن مسافع].
    هذا لم يذكر الحافظ عنه شيئاً في التقريب، وفي تهذيب التهذيب ذكر ترجمته، وذكر من روى عنه والذين روى عنهم، ولم يذكر شيئاً في بيان حاله، وذكر أنه أخرج له أبو داود، والنسائي حديثاً واحداً، هو هذا الحديث في سجود السهو، فليس له في الكتب الستة إلا عند أبي داود، والنسائي والذي عندهما له هو هذا الحديث الواحد، ولم يأت ذكر عبد الله بن مسافع إلا مرة واحدة في هذا الموضع، هناك طرق متعددة ولكن جاءت في حديث واحد، أي: هذه الطرق الأربعة جاء ذكره فيها أربع مرات لكنها حديث واحد، فرواية أبي داود عنه هذا الحديث وحده، هو رواية النسائي عنه هذا الحديث وحده.
    [عن عقبة بن محمد بن الحارث].
    عقبة وقيل: عتبة، وقيل: إن الأرجح هو عتبة بن محمد بن الحارث. قيل عتبة وقيل عقبة. ولكنه بالتاء أرجح، وهو مقبول أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، مثل عبد الله بن مسافع أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن عبد الله بن جعفر].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأبوه جعفر بن أبي طالب أحد الأمراء الثلاثة في غزوة مؤتة، والذين هم: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة الذين قتلوا، وقد ذكرهم النبي عليه الصلاة والسلام على الترتيب، قال: فلان، ثم فلان، ثم فلان، وقد استشهدوا وماتوا في تلك الغزوة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وبعد ذلك اختار الجيش خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، فقام بالمهمة بعد وفاة هؤلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فأبوه جعفر هو أحد الأمراء الثلاثة، وعبد الله بن جعفر هذا من صغار الصحابة، ولد في السنة الأولى من الهجرة، هو وعبد الله بن الزبير في سنة واحدة، ومات رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره عشر سنوات، وتوفي سنة ثمانين وعمره ثمانون سنة، فهو من صغار الصحابة، وهو من لدة عبد الله بن الزبير؛ لأن عبد الله بن الزبير ولد في السنة الأولى من الهجرة، والنعمان بن بشير أصغر منه؛ لأنه توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، ومن المعلوم أن رواية الراوي في حال صغره وتحمله في حال صغره وتأديته في حال كبره هذا أمر مشهور، ومعتبر عند العلماء، لهذا يأتي في بعض الطرق عن هؤلاء الصغار يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، وكذا يتحمل في حال صغره، ويؤدي في حال كبره، وذلك معتبر عند المحدثين، ومثله كون الكافر يتحمل في حال كفره ويؤدي في حال إسلامه، فإن حديثه معتبر وكلامه معتبر، ومن ذلك حديث أبي سفيان في قصة هرقل، فإنه حدث، وأخبر بما جرى بينه وبين هرقل، وأخبر عن كتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فتحمل الكافر في حال كفره وتأديته في حال إسلامه أمر معتبر، وكذلك تحمل الصغير في حال صغره وتأديته في حال كبره هذا أمر معتبر.
    وقد جاء في طريقين آتيين أن عتبة يروي عن مصعب، الطريقين الأخيرين مصعب يروي عن عتبة عن عبد الله بن جعفر.
    يعني: أن عتبة يروي عن عبد الله بن جعفر بواسطة وبغير واسطة، وقد ذكر الحافظ في تهذيب التهذيب أن هذا هو الأرجح، كونه فيه واسطة، وقيل عنه: عن مصعب عن عبد الله بن جعفر، قال: وهذا هو الأرجح، معناه أنه جاء من أربع طرق، طريقان ليس فيهما ذكر مصعب بن شيبة، والطريقان الآخران فيهما مصعب بن شيبة، بين عبد الله بن المسافع وعتبة.
    حديث جعفر روى له الجماعة.
    وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب روى له أصحاب الكتب الستة، والأحاديث التي له قليلة جداً.
    حديث: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد التسليم) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن هاشم حدثنا الوليد حدثنا ابن جريج عن عبد الله بن مسافع عن عقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد التسليم)].أورد النسائي حديث عبد الله بن جعفر من طريق أخرى وهي مثل الطريق السابقة التي قبلها، وهي ليس فيها ذكر مصعب بن شيبة.
    قوله: [أخبرنا محمد بن هاشم].
    هو محمد بن هاشم البعلبكي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا الوليد].
    وهو ابن مسلم الدمشقي وهو ثقة، يدلس، ويسوي، عنده التدليس والتسوية، أي: تدليس الإسناد وتدليس التسوية. وتدليس التسوية هو: أن يأتي إلى إسناد فيه ثقات وبينهم ضعفاء، فيحذف الضعفاء ويبقى الإسناد كأنه على ظاهره، وأن أصحابه أجواد وأنهم معتبرون وأنهم ثقات، وقد حذف الضعفاء، وهذا هو شر أنواع التدليس؛ لأن هذا ليس تدليساً من الراوي نفسه بينه وبين شيخه، وإنما هذا فيه إسقاط ضعفاء لم يلقهم وإنما هم فوق مشايخه يسقطهم ويسوي الإسناد فيكون ظاهره أنهم كلهم ثقات مع أن في أثنائه حذفاً لبعض الضعفاء من أثنائه.
    والوليد بن مسلم أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن جريج].
    قد تقدم ذكره، وكذلك الذين فوقه تقدم ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    حديث: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا حجاج قال: ابن جريج أخبرني عبد الله بن مسافع أن مصعب بن شيبة أخبره عن عقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم)].أورد النسائي طريق أخرى لحديث عبد الله بن جعفر وهي مثل الطرق السابقة إلا أن فيها ذكر مصعب بن شيبة بين عبد الله بن المسافع وبين عتبة بن محمد بن الحارث.
    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].
    وهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية، أبوه مشهور بأنه ابن علية، وقد يطلق على أولاده ابن علية، على أولاد إسماعيل يقال له ابن علية لكن المشهور بها الأب، ومحمد هذا ثقة أخرج حديثه النسائي وحده، وله أخ اسمه إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم وهذا ليس على طريقة أهل السنة، بل هو من المبتدعة، وقال عنه الذهبي في الميزان: إنه جهمي هالك الذي هو إبراهيم، ومحمد بن إسماعيل من أهل السنة، وهو ثقة أخرج حديثه النسائي، وأبوه إسماعيل بن إبراهيم ثقة، ثبت أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وأما إبراهيم أخو محمد بن إسماعيل فذاك جهمي هالك كما قال الذهبي.
    ويأتي -كما ذكرت ذلك من قبل- ذكره في مسائل الفقه الشاذة، يعني: عندما تأتي مسائل فقهية فيها رأي شاذ يقال فيها: قال به ابن علية فالمقصود به إبراهيم الجهمي، ومن أمثلة ذلك: مسألة الإجارة حكمها، يقول: إن الإجارة لا تجوز وأنها حرام، يعني: كون الإنسان يستأجر إنسان أو كونه يستأجر منه شيئاً هذا حرام لا يجوز، هذا شذوذ ما بعده شذوذ، من يستغني عن الإجارة، ما أحد يستغني عن الإجارة، الناس بحاجة إلى بعضهم، الواحد يستأجر من يعمل له، ويستأجر من غيره مثلاً منزلاً أو دكاناً أو سيارة أو ما إلى ذلك من الأشياء التي يحتاج الناس إليها، وهم لا يستطيعون أن يملكوا مثل هذه الأشياء، وإنما يحصلونها عن طريق الأجرة، أي: استئجار المنفعة وملك المنفعة لفترة معينة، فهذا من الشذوذ الواضح البين الذي هو مخالف لما جاء في الكتاب والسنة ولما عليه سلف هذه الأمة، ثم هو مخالف لما يضطر الناس إليه، فإن ضرورة الناس إلى الإجارة ضرورة ملحة ما أحد يستغني عن الإجارة، إما يستأجر أشخاص، وإما يستأجر أماكن، أو يستأجر أدوات، أو ما إلى ذلك من الأشياء التي يحتاج الناس إلى استئجارها.
    [حدثنا حجاج].
    وهو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [قال ابن جريج].
    وقد مر ذكره.
    [أخبرني عبد الله بن مسافع].
    وقد مر ذكره.
    [أن مصعب].
    مصعب بن شيبة هو الحجبي المكي العبدري، من بني عبد الدار، ويقال له: الحجبي نسبة إلى حجابة الكعبة، هم المسئولون عن فتحها وإغلاقها وما إلى ذلك، الذين هم بني شيبة، فيقال له الحجبي، ويقال له العبدري نسبة إلى بني عبد الدار، وقال عنه الحافظ في التقريب أنه لين الحديث، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    والبقية الذين بعده مر ذكرهم.
    حديث: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا حجاج وروح هو ابن عبادة عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن مسافع أن مصعب بن شيبة أخبره عن عقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين) قال حجاج: بعد ما يسلم، وقال روح: وهو جالس].أورد النسائي الطريق الأخيرة من الطرق لحديث عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنه، وهي مثل الطريق الثالثة فيها ذكر مصعب بن شيبة بين عبد الله بن مسافع وبين عتبة بن محمد بن الحارث.
    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].
    وهو الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا حجاج وروح].
    هو ابن محمد المصيصي الذي تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وفيه روح وهو روح بن عبادة البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقوله: (هو: ابن عبادة) هذه الذي قالها هو من دون هارون؛ لأن هارون يروي عن حجاج وروح، فالذي قالها من دون هارون، إما النسائي أو من دون النسائي، وبقية الرجال مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    وفي آخره قال: [قال حجاج بعدما يسلم، وقال روح: وهو جالس].
    قال حجاج: بعد ما يسلم، أي: أن شيخي هارون بن عبد الله أحدهما قال: بعدما يسلم، يعني ذكر السجدتين، والثاني قال: وهو جالس، أي: ذاك سجدتين وهو جالس الذي هو روح، وأما حجاج فقال: بعدما يسلم.
    شرح حديث أبي هريرة فيما يفعله من لبس عليه الشيطان صلاته حتى لا يدري كم صلى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه صلاته حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا قام أحدكم يصلي جاء الشيطان ولبس عليه صلاته حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد شيئاً من ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس)، هذا الحديث يدل على أن الشيطان عندما يدخل للإنسان في صلاته فإنه يشغله فيها بما يأتي على خاطره من الأمور التي ينشغل بها عن صلاته، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه يقول: اذكر كذا اذكر كذا اذكر كذا، فيذكره أشياء يشغله بها عن الصلاة، قال: فإذا وجد شيئاً من ذلك أي: الإنسان فليسجد سجدتين وهو جالس، لهذا السهو ولهذا الذي حصل له من كونه تشوش حتى إنه لا يدري كم صلى.
    ومن المعلوم أنه مر في الأحاديث السابقة أنه يتحرى إذا كان لا يدري كم صلى، فإنه يتحرى ما هو الصواب فيأخذ بما يغلب على ظنه، ويسجد سجدتين، وقد مر في الأحاديث السابقة أنه عندما يتحرى ويأخذ بما يغلب على ظنه أن السجود يكون بعد السلام.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة فيما يفعله من لبس عليه الشيطان صلاته حتى لا يدري كم صلى
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وهو متقدم: ووفاته سنة أربعين ومائتين، ولكن ولادته سنة مائة وخمسين؛ لأن عمره تسعون سنة، فولادته في نفس السنة التي ولد فيها الشافعي، والشافعي توفي سنة مائتين وأربع، وهو توفي مائتين وأربعين، وولادة كل منهما سنة مائة وخمسين، فكون عمره طويل أدرك الذين أدركهم الشافعي، فـالشافعي متقدم الوفاة؛ لأنه توفي سنة مائتين وأربعة، وقتيبة عاش بعده ستاً وثلاثين سنة بعد الشافعي، وقد ولد مع الشافعي في سنة واحدة، وهي السنة التي مات فيها أبو حنيفة مائة وخمسين، ولهذا قتيبة يروي عن مالك، ومالك توفي سنة مائة وتسعة وسبعين، بل يمكن أنه يروي عمن قبل مالك، في الوفاة؛ لأن ولادته سنة مائة وخمسين ومعلوم أن الراوي يأخذ أو يتحمل في حال صغره، ويلقى الشيوخ في أواخر أعمارهم والطلبة في أوائل الأعمار، فيروي عن هذا ثم يعمر بعده، وهذا هو الذي من أجله يأتي قصر الإسناد، أو يقل رجال الإسناد بسبب أن يكون الواحد يعمر فيلقى في أول حياته شخصاً في آخر حياته، وذاك الذي قبله لقي في أول حياته شخصاً في آخر حياته فتقل الرجال، ولهذا يكون عند البخاري ثلاثة أشخاص بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والبخاري توفي سنة مائتين وست وخمسين، ، ويأتي عنده في بعض الأسانيد تسعة أشخاص، التي هي أنزل الأسانيد عند البخاري وأعلى الأسانيد ثلاثة أشخاص، والكثرة تأتي بكثرة هؤلاء الأشخاص فيكون هذا لقي هذا وهذا لقي هذا، لكن بالنسبة للأسانيد العالية يكون هذا عن طريق المعمرين، الذي يعمر هو الذي يكون عنده العلو في الإسناد بكونه يلقى في أول حياته شخصاً ويحدث عنه في آخر حياته وهكذا.
    وقتيبة ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، يروي عن مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهو الثاني في الترتيب من حيث الوجود؛ لأن أولهم أبو حنيفة، ثم بعده مالك، ثم الشافعي، ثم الإمام أحمد، وحديث الإمام مالك عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، إمام، مشهور، ومحدث، فقيه مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو محدث، فقيه، بل هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن السابع من الفقهاء السبعة قيل فيه ثلاثة أقوال، قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، هذه ثلاثة أقوال في السابع، وستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وهم: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
    يروي [عن أبي هريرة].
    وأبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    شرح حديث أبي هريرة فيما يفعله من لبس عليه الشيطان صلاته من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا بشر بن هلال حدثنا عبد الوارث عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط، فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء وقلبه حتى لا يدري كم صلى، فإذا رأى أحدكم ذلك فليسجد سجدتين)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه أن الشيطان إذا نودي للصلاة ولى، وله ضراط، لأنه يفر من الأذان، ويفر من ذكر الله عز وجل، فهو يهرب حتى لا يسمع النداء الذي هو ذكر الله عز وجل الذي يعلن ويرفع به الصوت بدعاء الناس إلى أن يأتوا إلى الصلاة، فإنه يفر من ذكر الله، ويكره الشيء الذي فيه إقدام الناس على العبادة، وإلى طاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، فهو يولي، وله ضراط، فإذا قضى التثويب أقبل ، أي: إذا فرغ من التثويب الذي هو الإقامة، رجع وعاد حتى يخطر بين المرء وقلبه، فلا يدري كم صلى، وقد جاء في بعض الطرق لهذا الحديث أنه إذا سمع الأذان ولى ثم يرجع، فإذا سمع التثويب ولى، بمعنى أنه يأتي بعدما ينتهي الأذان، ثم إذا سمع التثويب هرب، ثم إذا فرغ من التثويب رجع حتى يشغل الإنسان في صلاته، والتثويب هو الإقامة. يقال لها التثويب لأنها رجوع إلى النداء بعد النداء الأول الذي هو الأذان ؛ لأن الأذان هو: إعلام بدخول الوقت، والإقامة هي: إعلام بالقيام إلى الصلاة، وإخبار بالقيام إلى الصلاة، وأن المأمومين مطلوب منهم أن يقوموا حتى يصفوا ويستعدوا للصلاة، فكل منهما نداء، ولهذا يقال للإقامة أذان، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (بين كل أذانين صلاة) المراد بالأذانين الأذان والإقامة، لأنه يقال لها أذان، وحديث الصحابي الذي تسحر مع رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: ثم قمنا إلى الصلاة، قال: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية، الأذان هو الإقامة، لأن السحور الذي هو الإمساك، أي: أمسكوا عند الأذان ودخول الوقت ثم جلسوا، وكان المقدار بين الأذان والإقامة مقدار قراءة خمسين آية، ثم أذن للصلاة، أي: أقيمت الصلاة.
    ويقال للصلاة خير من النوم التثويب، ولعله قيل لها التثويب لأنها رجوع إلى الدعوة إلى حضور الصلاة لأن حي على الصلاة حي على الفلاح هي دعاء، وهذا أيضاً فيه رجوع إلى ذلك الدعاء إلى الصلاة، وأن الصلاة التي يدعون إليها هي خير من النوم الذي هم متلذذون به، والحاصل: أن الصلاة خير من النوم يقال لها التثويب، والإقامة يقال لها التثويب، والحديث الذي هنا ثوب، فإذا انقضى التثويب أي: الإقامة، إذا انقضت الإقامة فإنه يأتي، فيخطر بين الإنسان وقلبه، وجاء في بعض الروايات أنه يقول: اذكر كذا اذكر كذا حتى لا يدري الإنسان كم صلى، لأنه انشغل ما يدري، انشغل بتلك الأفكار والهواجس التي تخطر على باله بإلقاء الشيطان إياها عليه، قال عليه الصلاة والسلام: (فإذا وجد شيئاً من ذلك فليسجد سجدتين).
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة فيما يفعله من لبس عليه الشيطان صلاته من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا بشر بن هلال].هو بشر بن هلال الصواف، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا عبد الوارث].
    هو عبد الوارث بن سعيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام الدستوائي].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي سبق أن نبهت فيما مضى إلى كلمة مأثورة عنه مشهورة، وهي قوله: (لا يستطاع العلم براحة الجسم) معناه أن العلم لا يحصل إلا بالتعب والنصب والمشقة، لا يحصل بالسهولة، واليسر، وقلة العناء، والمشقة، فإنه لابد من التعب، من أراد أن يحصل العلم فليتعب، ولينصب، لا يحصل العلم بالراحة، والإخلاد إلى الراحة، فإنه كما يقولون: ملء الراحة لا يدرك بالراحة، أي: الشيء القليل الذي على مقدار راحة اليد لا يحصل بالراحة، ولكن تحصل الأشياء بالجد والاجتهاد.
    وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجساد
    فالرغبة عندما تكون يكون هناك جهود عظيمة في سبيل تحقيقها وتحصيلها، وليس بالأماني والإخلاد إلى الراحة، فإن الإخلاد إلى الراحة والأماني لا يكون من ورائها نتيجة، هذه ليس وراءها إلا الضياع وليس وراءها إلا الإفلاس، ولكن من جد وجد، ومن تعب فإنه يحصل، وهذه كلمة عظيمة قالها يحيى بن أبي كثير، والإمام مسلم رحمه الله ذكرها بإسناده إليه في صحيحه، وهي من المقاطيع ومن الأشياء الموقوفة التي في صحيح مسلم، لأن مسلماً رحمه الله ذكرها في أثناء حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عندما أورد الطرق المتعددة عن عبد الله بن عمرو بن العاص في أوقات الصلاة، في بيان أوقات الصلاة، أتى بالإسناد إلى يحيى بن أبي كثير وقال: لا يستطاع العلم براحة الجسم، يعني: معناه أن تحصيل العلم لا ينال بالراحة والإخلاد إليها، وإنما ينال بالتعب، والمشقة، وبالعناء، وبالنصب، فبهذا يحصل العلم، وما ساد من ساد إلا بتعبه ونصبه، ولهذا يقول الشاعر:
    لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
    لولا المشقة كل الناس يكونون سادة، إذا كنت السيادة ستحصل بلاش، إذا كان السؤدد بلاش دون ثمن الكل يصير سيد، والكل يحصل هذه المرتبة، والمنزلة، لكن السؤدد لا يحصله كل أحد، وإنما يحصل بالتعب، والنصب، لأن السؤدد لا يحصل إلا بالمشقة.
    الإنسان إذا كان عنده مال إذا ما كان عنده يقين وعنده رغبة صادقة ما يقدم على الإنفاق، لأن الإنفاق يؤدي إلى أنه ما يصير بيده شيء، إلى أنه يكون قليل ذات اليد، والإقدام قتال، الذي يقدم في الميدان يحصل القتل، وليس الكل يصبر على القتل وليس الكل يصبر على الإنفاق، تحصل له الشهادة ببذله، وجده، واجتهاده في إعلاء كلمة الله عز وجل، وكذلك الذي ينفق المال في سبيل الله عز وجل يحصل السؤدد لجوده، وكرمه، وإحسانه.
    هذه كلمة عظيمة قالها يحيى بن أبي كثير اليمامي.
    [عن أبي سلمة عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.

    الأسئلة
    النيابة في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
    السؤال: هل تجوز النيابة في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟الجواب: الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا فعلها المسلم في أي مكان في الأرض فإن الملائكة تبلغ الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام) قال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) فإذا كان أحد من الناس جاء من بلد متجه إلى المدينة وقال لهذا الذي سيقدم إلى المدينة أبلغ سلامي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن الجواب المسكت والجواب الصحيح أن يقول له: صل وسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام وأكثر من الصلاة والسلام عليه فإن الملائكة تبلغه، فإن الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام هو الذي قال هذا الكلام، وليس من السنة ومن السائغ أن الإنسان يأتي عند القبر ويقول: فلان يسلم عليك أو عليك السلام من فلان أو ما إلى ذلك، فإن هذا لم يثبت فيه شيء ولم يكن معروفاً، بل يغني عنه كون الملائكة تبلغ الصلاة والسلام عليه عليه الصلاة والسلام كما جاء في هذين الحديثين، ولهذا لما رأى علي بن الحسين رجلاً يأتي عند قبر النبي عليه الصلاة والسلام، وقال له: ألا أحدثك حديثاً سمعته عن أبي عن جدي؟ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، ثم قال: ما أنت ومن في الأندلس إلا سواء، الملائكة تبلغ الذي يسلم على الرسول ويصلي عليه وهو في الأندلس، وكذلك الذي يكون في المدينة.
    حكم نزع الخف بعد المسح عليه
    السؤال: رجل نزع خفه بعد المسح عليه، هل يحتاج إعادة الوضوء إذا أراد الصلاة؟الجواب: إذا كان قد نقض الوضوء ونزع الخف فإنه يحتاج إلى إعادة الوضوء، وأما إذا كان لم ينقض الوضوء لبس خفه وما استمر على وضوؤه ونزع الخف ثم لبسه أو لم يلبسه هو على وضوء، دخل رجله في الخف أو لم يدخله ما دام ما حصل منه الحدث، فإذا كان نزعه الخف وهو على وضوئه لم يحدث، فهو باق على طهارته، أما إذا مسح عليه فإنه عليه أن يعيد الطهارة؛ لأن الفرض كان هو المسح، وقد حصل أنه مسح عليه ونزعه، فإذاً: لا يبقى لهذا الوضوء اعتبار بهذه الطريقة، بعض العلماء يقول: إنه يصح لكن هذا ليس بصحيح، ويقيس هذا على الرأس، فيما لو إنسان توضأ ومسح على رأسه ثم حلق رأسه.



  16. #236
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (233)


    - باب ما يفعل من صلى خمساً
    وردت أحاديث كثيرة تبين ما ينبغي فعله عند الزيادة في الصلاة سهواً، وأنه يسجد له سجدتين بعد السلام؛ لأنه عن زيادة، وقد سها عليه الصلاة والسلام في صلاته مما يدل على أنه بشر ينسى.
    ما يفعل من صلى خمساً
    شرح حديث: (صلى النبي الظهر خمساً... فثنى رجله وسجد سجدتين)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يفعل من صلى خمساً.أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لـابن المثنى قالا: حدثنا يحيى عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، فثنى رجله وسجد سجدتين)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب ما يفعل من صلى خمساً؛ أي: أنه سهى في الصلاة الرباعية فجعلها خمساً، والمراد مما يفعله أنه يسجد سجدتين بعد السلام كما جاء ذلك مبيناً في بعض الروايات؛ وذلك أن زيادة ركعة يجعل الذي سهى وزادها يكون سجوده بعد السلام، وهذا مثل ما مر في حديث ذي اليدين: (أن النبي عليه الصلاة والسلام سجد بعد السلام)؛ وذلك لأنه سلم من اثنتين وأخبر بأنه حصل نسيان، وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يظنون أن الصلاة قد قصرت، ولما قال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: كل ذلك لم يكن، قال: بل كان بعض ذلك يا رسول الله! أي: النسيان، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقال الحاضرون وفيهم أبو بكر وعمر: نعم، فقام وأتى بالركعتين ثم سجد بعد السلام؛ وذلك أن فيه زيادة في الصلاة وهي زيادة السلام الذي في أثنائها.
    وكذلك ما جاء في هذا الحديث الذي فيه زيادة ركعة خامسة سهواً، فإن السجود يكون بعد السلام؛ لأن السهو إذا كان عن زيادة فالسجود له يكون بعد السلام كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود المتعلق بزيادة ركعة خامسة سهواً، وكما جاء في حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، وأن النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن أتى بالركعتين الباقيتين عليه، وكان تخلل ذلك سلام فكان سجوده لذلك السهو بعد السلام.
    وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الظهر خمساً، فسألوا رسول الله عليه الصلاة والسلام وذكروا له الزيادة وأنه صلى خمساً، وقد سبق أن مر حديث ابن مسعود وفيه أنه زاد أو نقص، وكان ذلك شكاً هل كان زيادة أو نقصان، لكن جاءت بعض الروايات، -ومنها هذه الرواية التي معنا- مبينة أن السهو كان بزيادة ركعة، فتعين من هذه الرواية وغيرها من الروايات أنه حصل الجزم بما حصل وهو الزيادة، وكان في بعض الروايات تردد من الراوي هل زاد أو نقص، فلما أخبروه ثنى رجله وسجد سجدتين وهو جالس، وهنا في هذا الحديث فيه أنه صلى الظهر خمساً، ففيه تعيين الصلاة أنها الظهر، وأن الذي حصل هو الزيادة، وهو زيادة ركعة، فلما أخبروا بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام ثنى رجله وسجد سجدتين، وجاء في بعض الروايات أنه بعد السلام؛ وذلك لأنه كان عن زيادة، والسهو إذا كان عن زيادة يكون السجود له بعد السلام.
    قوله: [صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، فثنى رجله وسجد سجدتين].
    الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما صلى خمساً، وكانوا يعلمون أنها خمس، ولكن الزمن زمن تشريع، فإذا حصل شيء من ذلك ظنوا أن الوحي نزل وأن الصلاة زيد فيها أو نقص، ففي هذا الحديث قالوا: أزيد في الصلاة؟ وفي حديث ذي اليدين قالوا: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ لأنه صلى ركعتين والصلاة رباعية، وهنا الرباعية صارت خمساً، فقالوا: أزيدت الصلاة؟ أي: أنه شرع أو نزل الوحي بزيادة ركعة خامسة في صلاة الظهر، فقالوا: وما ذاك؟ فأخبروه أنه زاد ركعة خامسة، فسجد سجدتين للسهو، وذلك بعد السلام؛ لأنه بعد ما سلم وتكلم كلموه فسجد سجدتين بعد السلام.
    وقد جاءت بعض الروايات مبينة أن ذلك كان بعد السلام، والروايات المتقدمة التي فيها الشك هل زيد أو نقص ولما أخبروه قال: (لو حدث شيء لأخبرتكم، ثم سجد السجدتين بعد السلام).
    تراجم رجال إسناد حديث: (صلى النبي الظهر خمساً... فثنى رجله وسجد سجدتين)
    قوله: [أخبرنا
    محمد بن بشار ومحمد بن المثنى واللفظ له]. أي: لـمحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار هو الملقب بندار، وهو محمد بن بشار البصري.

    قوله: [واللفظ لـابن المثنى] الذي هو الشيخ الأول من الشيخين؛ محمد بن المثنى وهو العنزي الملقب الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو بصري، ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ويعتبر من صغار شيوخ البخاري؛ إذ كانت وفاته قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، ومحمد بن المثنى توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    ومحمد بن المثنى لقبه الزمن ومحمد بن بشار لقبه بندار، وهو بصري، ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وكانت وفاته في السنة التي مات فيها محمد بن المثنى وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وولادته في نفس السنة التي ولد فيها محمد بن المثنى، فهذان الشخصان: محمد بن المثنى ومحمد بن بشار ولدا في سنة واحدة وماتا في سنة واحدة، وكل منهما بصري، وكل منهما شيخ لأصحاب الكتب الستة، ولهذا قال عنهم الحافظ في التقريب: وكانا كفرسي رهان؛ لأنهما اتفقا في سنة الولادة، وفي سنة الوفاة، وفي أنهما من أهل البصرة، وفي أنهما جميعاً شيوخ لأصحاب الكتب الستة، فكانوا متماثلين، فكانا مثل فرسي الرهان اللذين يتسابقان وكل واحد لا يسبق الثاني لتنافسهما، فهما متساويان في هذه الأمور كلها، وهما من صغار شيوخ البخاري، وهناك شخص ثالث مات في نفس السنة التي مات فيها، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة؛ وهو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، هذا الشخص مع هذين الشخصين كل منهم توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين وهم جميعاً شيوخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنهم مباشرة وبدون واسطة.
    [قال: واللفظ لـابن المثنى].
    أي: المتن الموجود هو لفظ ابن المثنى، ومعنى هذا أن ابن بشار لفظه يختلف، فـمحمد بن بشار لفظه ليس هذا الموجود، بل هو يختلف عن هذا؛ لأنه نص على أن اللفظ للأول منهما، وهو محمد بن المثنى؛ أي: المتن الموجود هو لفظ محمد بن المثنى أما لفظ محمد بن بشار فهو مثله في المعنى ولكنه يختلف عنه، ولهذا نص على من له اللفظ منهما، وهو الشيخ الأول محمد بن المثنى.
    [قالا: حدثنا يحيى].
    يحيى هذا شيخ لهذين؛ وهما محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، وهو يحيى بن سعيد القطان البصري، وأهمل فلم ينسب؛ لأنه معروف، وإذا أطلق هذان الشخصان يرويان عن يحيى فالمراد به يحيى بن سعيد القطان وهو محدث، ثقة، ناقد، متكلم بالرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه الذهبي في كتابه: من يعتمد قوله في الجرح والتعديل قال عنه وعن عبد الرحمن بن مهدي أنهما إذا جرحا شخصاً فهو لا يكاد يندمل جرحه؛ أي: أنهما يصيبان الغرض، وأنه يعول على كلامهما.
    [عن شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي صفة من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها، فإن كونه يقال عن شخص: أمير المؤمنين في الحديث معناه أن هذا قمة في التعديل وقمة في التوثيق، وهذا اللقب الرفيع لم يظفر به إلا القليل النادر من المحدثين ومنهم شعبة هذا، وكذلك منهم: سفيان الثوري، ومنهم: البخاري، ومنهم: إسحاق بن راهويه، ومنهم: الدارقطني، وعدد قليل نص على تلقيبهم بهذا اللقب أو على وصفهم بهذا الوصف الذي هو من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها، وحديث شعبة عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحكم].
    هو ابن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، فقيه أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم].
    هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي محدث، فقيه، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قال الكلمة المأثورة المشهورة عند الفقهاء عند التعبير عن الذي لا دم له بأنه لا نفس له سائلة، هو أول من عبر بهذه العبارة فتلقاها الفقهاء من بعده فعبر عن الحيوانات التي لا دم فيها مثل الجراد، ومثل الذباب وغيرها من الحيوانات التي ليس فيها دم، قال: لا نفس لها سائلة، فهذه العبارة قال الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد: أول من حفظ عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة فقال: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، وقد أخذوا ذلك من كون النبي عليه الصلاة والسلام أرشد أن الذباب إذا وقع في إناء أحدكم فليغمسه، ثم يخرج الذباب ويشرب، فلذلك يغمسه حتى يكون الجناح الذي فيه الدواء يأتي مع الجناح الذي فيه الداء.
    قالوا: إنه إذا غمس قد يكون الماء حاراً فيموت بسبب هذا الغمس، ومع ذلك الرسول أرشد إلى شربه، وإلى استعماله، فدل هذا على عدم نجاسة ما لا نفس له سائلة إذا مات في الماء.
    وحديث إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن علقمة].
    هو ابن قيس النخعي ثقة، ثبت، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عبد الرحمن وهو من المهاجرين وممن هاجر الهجرتين، وهو من فقهاء الصحابة وعلمائهم رضي الله عنه وأرضاه، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين، وليس أحد العبادلة الأربعة المشهورين في الصحابة؛ لأنه من كبار الصحابة، والعبادلة الأربعة المشهورون هم من صغار الصحابة؛ الذين هم: ابن عمر، وابن عمرو، وابن الزبير، وابن عباس، وبعض العلماء يجعل عبد الله بن مسعود منهم، والصحيح عند العلماء أنه ليس منهم وإنما هم أربعة من صغار الصحابة عاشوا في وقت واحد وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود ؛ لأنه متقدم الوفاة وهم تأخروا عنه ما يقرب من ثلاثين سنة، فبعض العلماء يعده من العبادلة الأربعة، والصحيح المشهور أنه ليس منهم، وأن العبادلة الأربعة يطلقوا على أربعة من صغار الصحابة كانوا في وقت واحد وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    وحديث عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله تعالى عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الإسناد: محمد بن بشار ومحمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة بن الحجاج عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم بن يزيد النخعي عن علقمة بن قيس النخعي عن عبد الله بن مسعود كل هؤلاء حديثهم أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (أن النبي صلى بهم الظهر خمساً ... فسجد سجدتين بعدما سلم وهو جالس) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم حدثنا ابن شميل أخبرنا شعبة عن الحكم ومغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى بهم الظهر خمساً، فقالوا: إنك صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم وهو جالس)].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود من طريق أخرى، وهي مثل الطريق السابقة إلا أن فيها التنصيص على أن السجود بعد السلام، وأنه جالس، ومعناه: أن السجود للسهو يكون عن جلوس وليس عن قيام، فإذا أراد أن يسجد للسهو يسجد وهو جالس، يخر إلى السجود عن جلوس، لا يحتاج الأمر إلى أن يقوم ليخر ساجداً من قيام، ففيه الزيادة عن الرواية السابقة التنصيص على أن السجود يكون بعد السلام وأن السجود يكون عن جلوس.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى بهم الظهر خمساً ... فسجد سجدتين بعدما سلم وهو جالس) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم].صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي.
    [حدثنا ابن شميل].
    هو النضر بن شميل، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا شعبة].
    قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن الحكم ومغيرة].
    الحكم هو ابن عتيبة وقد مر ذكره، ومغيرة هو ابن مقسم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقيل: إنه يدلس، ولا سيما عن إبراهيم، وهو هنا يروي عن إبراهيم، لكن كما هو معلوم معه الحكم بن عتيبة شاركه في الرواية عن إبراهيم.
    [عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله].
    إبراهيم وعلقمة وعبد الله بن مسعود قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث: (أن النبي صلى خمساً فوشوش القوم ... فثنى رجله فسجد سجدتين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا
    محمد بن رافع حدثني يحيى بن آدم حدثنا مفضل بن مهلهل عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد قال: صلى علقمة خمساً فقيل له، فقال: ما فعلت؟ قلت برأسي: بلى، قال: وأنت يا أعور؟ فقلت: نعم، فسجد سجدتين، ثم حدثنا عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى خمساً فوشوش القوم بعضهم إلى بعض فقالوا له: أزيد في الصلاة؟ قال: لا، فأخبروه فثنى رجله فسجد سجدتين ثم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وأورده النسائي من هذه الطريق، وفيها أن علقمة بن قيس النخعي صلى وسهى وزاد خامسة، فقالوا له، فثنى رجله وسجد، ثم أخبرهم وحدثهم عن عبد الله عن رسول الله عليه الصلاة والسلام [أنه صلى بالناس خمساً فوشوش القوم]، أي: حصل بينهم كلام خفي، يتكلم بعضهم مع بعض حول الزيادة وأنه حصل زيادة في الصلاة، ثم إنهم سألوه وقالوا: [أزيد في الصلاة يا رسول الله؟] بعد ما تكلموا فيما بينهم أنه حصل زيادة، فسألوا الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا: أزيد في الصلاة؟ [فقال: لا]، فأخبروه وقالوا: أنه حصل زيادة، [ثم إنه ثنى رجله]، أي: اتجه إلى القبلة وسجد سجدتين ثم التفت وأقبل على الناس وقال: [إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون]؛ أي: أن هذا الذي حصل منه نسيان وأنه بشر يحصل منه النسيان، وأنه جاء في بعض الروايات: (فإذا نسيت فذكروني) وهذا يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام ينسى في مثل هذه الأفعال، ولكنه لا ينسى شيئاً مما أمر بتبليغه، والشرع الذي كلف بإبلاغه فإنه يؤديه كاملاً، ولا ينسى منه شيئاً عليه الصلاة والسلام، ولكنه ينسى كغيره من البشر يحصل منه النسيان، فصلى هذه الصلاة وزاد ركعة خامسة، وذلك نسيان منه، وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يظنون أن الصلاة بدل ما تكون أربعاً زيد فيها فصارت خمساً، والزمن زمن التشريع، وما جاء من الحديث الذي يقول فيه: (إنني لا أنسى ولكني أنسى لأسن) هذا لم يثبت، بل الثابت هو هذا الحديث الذي يقول: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) وفي بعض الروايات: (فإذا نسيت فذكروني).
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى خمساً فوشوش القوم ... فثنى رجله فسجد سجدتين ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].محمد بن رافع القشيري النيسابوري أحد شيوخ مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم في صحيحه، وهو من بلد مسلم، ومن قبيلته؛ لأن مسلماً قشيري من حيث النسب، ونيسابوري من حيث البلد، ومحمد بن رافع شيخه قشيري نسباً، وهو نيسابوري بلداً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، ومسلم رحمه الله روى من طريقه أحاديث صحيفة همام بن منبه؛ الأحاديث الكثيرة التي جاءت بإسناد واحد من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رواها من طريق شيخه محمد بن رافع، والأحاديث التي انتقاها وأوردها في صحيحه من صحيفة همام بن منبه رواها من طريق شيخه محمد بن رافع النيسابوري.
    وصحيفة همام بن منبه صحيفة مشتملة على مائة وأربعين حديثاً تقريباً هي بإسناد واحد، ويفصل بين كل حديث وحديث جملة: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: تأتي كلمة: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وأربعين مرة، ولكن جاء الإسناد في أول مرة عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة وهي مشتملة على مائة وأربعين حديثاً، انتقى البخاري منها أحاديث، وانتقى مسلم منها أحاديث فاتفقا على إخراج أحاديث من الصحيفة وانفرد البخاري بإخراج أحاديث من الصحيفة، وانفرد مسلم بإخراج أحاديث من الصحيفة، وهي بإسناد واحد، وهذا من أوضح الأدلة على أن البخاري، ومسلماً ما اشترطا إخراج كل حديث صحيح، ولم يلتزما ذلك، ولو كانا قد اشترطاه لأوردا صحيفة همام بن منبه بكمالها؛ لأن إسنادها واحد، ومع ذلك أخذوا منها أحاديث وتركوا أحاديث، وصحيفة همام بن منبه موجودة في مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة بكاملها هي عن شيخ الإمام أحمدعبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة.
    وهي أيضاً مطبوعة مستقلة ومعتنى بإخراجها بعنوان: صحيفة همام بن منبه وعليها تعليقات بمجلد كبير.
    [حدثني يحيى بن آدم].
    هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، حافظ، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مؤلف كتاب الخراج.
    [حدثنا مفضل بن مهلهل].
    ثقة، ثبت، نبيل، عابد، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن الحسن بن عبيد الله].
    هو الحسن بن عبيد الله النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن إبراهيم بن سويد].
    هو إبراهيم بن سويد النخعي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [صلى علقمة.. إلخ.
    قال: صلى علقمة بن قيس النخعي بالناس فصلى خمساً، فقالوا له، فقال: ما فعلت، أي: ما زدت، ما صليت خمساً صليت أربعاً، فأومأ إبراهيم بن سويد النخعي برأسه: أن نعم، فقال: وأنت يا أعور؟ ولقبه الأعور الذي هو إبراهيم بن سويد، فقال: وأنت يا أعور؟ فقال: نعم، أنا أقول أنك قد زدت خامسة، فثنى رجله وسجد سجدتين.
    [حدثنا عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى خمساً فوشوش القوم بعضهم إلى بعض فقالوا له: أزيد في الصلاة؟ قال: لا، فأخبروه فثنى رجله فسجد سجدتين، ثم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)].
    فهو مثل الذي قبله، وفيه أن سلف هذه الأمة عندما يعملون الأعمال ويأتون بالأدلة؛ لأن علقمة بن قيس لما فعل هذا الفعل وأنه سجد روى الحديث عن عبد الله بن مسعود الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام فعل مثلما فعل، وأنه عليه الصلاة والسلام سهى وزاد خامسة، وأنه سجد بعد السلام، وعلقمة بن قيس لما سهى هذا السهو الذي هو كونه زاد خامسة سجد سجدتين بعد السلام.
    شرح الأثر عن علقمة بن قيس في صلاته خمساً وسجوده للسهو
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن مالك بن مغول سمعت الشعبي يقول: سها علقمة بن قيس في صلاته فذكروا له بعدما تكلم فقال: أكذلك يا أعور؟ قال: نعم، فحل حبوته ثم سجد سجدتي السهو وقال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وسمعت الحكم يقول: كان علقمة صلى خمساً].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود ولكنه هنا ما ذكر عبد الله بن مسعود، وإنما ذكر قصة سهو علقمة بن قيس النخعي، وهذا من المراسيل؛ لأنه قال: هكذا فعل رسول الله؛ أي: أن علقمة أضاف هذا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فإضافته إياه إلى الرسول يعتبر من قبيل المرسل؛ لأنه تابعي والتابعي إذا ضاف إلى الرسول عليه الصلاة والسلام شيئاً يقال: إنه مرسل، ومعلوم أنه جاءت الروايات السابقة تبين الواسطة وتعين الصحابي الذي روى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هذه الهيئة وهذه الكيفية التي هي كونه عليه الصلاة والسلام سجد بعد أن سها في صلاته وصلى خمساً، فهنا يعتبر مرسل؛ لأن علقمة ما ذكر الصحابي وإنما قال: هكذا فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو من قبيل المرسل، ولكن هذا المرسل تبينه الروايات السابقة من أن علقمة إنما روى هذا الحديث الذي أرسله وأضافه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام كان ذلك من طريق عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.
    تراجم رجال إسناد الأثر عن علقمة بن قيس في صلاته خمساً وسجوده للسهو
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو سويد بن نصر المروزي وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك.
    [حدثنا عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي أيضاً، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، قال عنه الحافظ في التقريب بعد أن ذكر جملة من صفاته الحميدة: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك بن مغول].
    ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت الشعبي يقول].
    هو: عامر بن شراحيل الشعبي مشهور بهذه النسبة، واسمه عامر بن شراحيل، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وعامر الشعبي هذا هو الذي عزى إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة الكلمة المأثورة التي تدل على سوء الرافضة، وأنه قال: إن اليهود لو سئلوا: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب موسى، وأن النصارى لو سئلوا فقيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب عيسى، والرافضة لو سئلوا: من شر أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، هو الذي قال هذه الكلمة، وقد ذكرها عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة.
    [قال: سها علقمة بن قيس في صلاته، فذكروا له بعد ما تكلم، فقال: أكذلك يا أعور؟ قال: نعم، فحل حبوته].
    قال: سها علقمة بن قيس في صلاته فأخبروه بعد ما تكلم، أي: بعد ما سلم وتكلم، فقال: أهكذا يا أعور؟ يخاطب إبراهيم بن سويد الذي تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    قال: نعم، فحل حبوته؛ والحبوة هي ما يشده الإنسان على ظهره وعلى رجليه من ثوب، وقد يكون الإنسان يحتبي بيديه؛ وذلك بأن يجلس على مقعدته ويجعل قدميه على الأرض ثم يجعل يديه من وراء ساقيه، فهذا يقال له: احتباء، وقد يكون الاحتباء في ثوب؛ بأن يشده على ظهره وعلى رجليه، فحل حبوته ثم سجد سجدتي السهو وقال: [هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم].
    وقال: [هكذا فعل رسول الله]، يقوله علقمة، وقد ذكرت أن هذا مرسل؛ لأن علقمة من التابعين، فإضافته الشيء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يعتبر من قبيل المرسل، ولكن كما ذكرت الأحاديث السابقة بينت الواسطة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين علقمة؛ وهو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله تعالى عنه.
    [قال: وسمعت الحكم يقول: كان علقمة صلى خمساً].
    لأن الرواية التي جاءت عن الشعبي ليس فيها ذكر الخمس وإنما فيه ذكر السهو فقط، ولكن يقول مالك بن مغول: وسمعت الحكم يقول: صلى علقمة خمساً؛ أي: أن السهو الذي حصل من علقمة أنه كان صلى خمساً، وقائل: (وسمعت) هو مالك بن مغول؛ لأنه هو الذي روى عن الشعبي وهو الذي روى عن الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي.
    الأثر عن علقمة في صلاته خمساً وسجوده للسهو من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن سفيان عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم أن علقمة صلى خمساً، فلما سلم قال إبراهيم بن سويد: يا أبا شبل، صليت خمساً، فقال: أكذلك يا أعور؟ فسجد سجدتي السهو ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم].هذا مثل الذي قبله، وإبراهيم الذي في الإسناد هو إبراهيم بن سويد الذي مر ذكره في الإسناد السابق، وإبراهيم بن سويد هو الذي خاطبه علقمة بقوله: (يا أعور)، وكنية علقمة هي أبو شبل، ولهذا خاطبه إبراهيم بن سويد وقال: يا أبا شبل.
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله].
    قد مر ذكرهما.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم].
    الحسن بن عبيد الله وإبراهيم وهو ابن سويد قد مر ذكرهما.
    [عن علقمة].
    قد مر ذكره.
    وهو مرسل؛ لأن قول علقمة: (هكذا فعل رسول الله) هو من قبيل المرسل.
    شرح حديث: (أن رسول الله صلى إحدى صلاتي العشي خمساً ... فسجد سجدتين ثم انفتل)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن أبي بكر النهشلي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشي خمساً، فقيل له: هل زيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون وأذكر كما تذكرون، فسجد سجدتين ثم انفتل)].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود وأنه قيل له: [يا رسول الله! هل زيد في الصلاة؟ فقال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون وأذكر كما تذكرون، ثم إنه سجد سجدتين ثم انفتل] يعني: التفت إلى الناس؛ أي وانصرف وأقبل عليهم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى إحدى صلاتي العشي خمساً ... فسجد سجدتين ثم انفتل)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله].قد مر ذكرهما.
    [عن أبي بكر النهشلي].
    هو أبو بكر النهشلي الكوفي، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عبد الرحمن بن الأسود].
    هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، مخضرم، مكثر، من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    عبد الله قد مر ذكره.
    الأسئلة
    حكم الرهان
    السؤال: ما حكم الرهان في جميع صوره سواء جعل المال من المتسابقين أم من المسبوق؟الجواب: المراهنة هذه التي تكون بين الناس مغالبة على شيء، ثم يكون هناك مقدار يكون لمن غلب، معلوم أنه جاء في السنة في أمور متعددة وهي فيما يتعلق بالخف أي: الحافر، وجاءت نصوص تدل على ذلك، فهذا يؤخذ فيه الذي يوضع أو الذي يكون لمن يسبق ولمن يفوز، فيه استعداد للجهاد في سبيل الله وفيه اعتياد بمثل هذا العمل الذي ينفع الناس؛ لأن فيه إعداداً للجهاد واستعداداً للجهاد وتمكن من الرمي ومن الكر والفر وما إلى ذلك، أما الأمور الأخرى التي تكون بين الناس من المراهنة والمغالبة فإن هذا لا يصلح أن يقع بين الناس مثل ذلك، ولا يؤخذ أجور على هذا.


  17. #237
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (234)


    - (باب ما يفعل من نسي شيئاً من صلاته) إلى (باب موضع المرفقين)

    بين الشرع الحكيم لمن نسي شيئاً من صلاته أنه يسجد سجدتين للسهو ويكبر فيها أربع تكبيرات خفضاً ورفعاً، ثم بين صفة الجلوس في التشهد الأوسط والأخير، وبين وضع المرفقين والذراعين في حال الجلوس للتشهد في الصلاة.
    ما يفعل من نسي شيئاً من صلاته
    شرح حديث: (من نسي شيئاً من صلاته فليسجد ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يفعل من نسي شيئاً من صلاته. أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا شعيب بن الليث حدثنا الليث عن محمد بن عجلان عن محمد بن يوسف مولى عثمان عن أبيه يوسف: (أن معاوية رضي الله عنه صلى أمامهم فقام في الصلاة وعليه جلوس، فسبح الناس فتم على قيامه، ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد أن أتم الصلاة، ثم قعد على المنبر فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نسي شيئاً من صلاته، فليسجد مثل هاتين السجدتين)].
    المقصود من هذه الترجمة: أن من نسي شيئاً من صلاته، فإنه يسجد للسهو، أي: الذي يفعله أنه يسجد للسهو، وليس كل ما ينسى يجبر بسجود السهو، وإنما يكون ذلك في بعض الأعمال مثل: حصول نسيان أو شك أو مثل من ترك التشهد الأول، وقام للركعة الثالثة، ولم يجلس للتشهد الأول حتى دخل بها وبدأ بها فإنه يجبره بسجود السهو، وأما الأشياء التي لا بد منها كالأركان، وهي مثل: نسيان سجدة، أو نسيان ركوع، أو ما إلى ذلك من الأشياء التي هي أركان فهذه لا يجبرها سجود السهو، بل لا بد من الإتيان بها، وإذا فرغ من الصلاة، وتبين أنه ترك سجدة، أو ترك ركوعاً فإنه يأتي بركعة كاملة، ولا يكفي سجود السهو عن ترك الأركان، وإنما يكفي عن الأشياء التي دون ذلك، فهذه الترجمة وهي قوله: ما يفعله من نسي شيئاً في صلاته، أي: أنه يسجد، هذا المراد به ما عدا الأركان التي لا يجزئ أو لا يجبرها شيء، بل لا بد من الإتيان بها.
    وأورد النسائي حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، أنه صلى بالناس فقام عن الجلوس في التشهد الأول، فنبهوه فاستمر في صلاته، ولما فرغ من صلاته سجد سجدتين، ثم إنه صعد على المنبر وأخبرهم بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن من نسي شيئاً من صلاته فيسجد مثل هاتين السجدتين اللتين سجدهما، وكلمة (يفرغ من صلاته) ليس فيه تحديد موضع السجود، والفراغ يمكن أن يكون بحيث لم يبق إلا التسليم، ويمكن أن يكون بعد التسليم، لكن سجود السهو عن ترك التشهد الأول، جاء موضحاً في حديث عبد الله بن بحينة رضي الله تعالى عنه أن السجود قبل السلام؛ وذلك لأنه سجود عن نقص، فالسجود له يكون قبل السلام، وقد سبق أن مر أن السجود إذا كان السهو لزيادة فإنه يكون بعد السلام، وحديث عبد الله بن بحينة الذي تقدم والذي سيأتي يدل على أن سجود السهو عن النقص يكون قبل أن يسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من نسي شيئاً من صلاته فليسجد ...)
    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].النسائي له شيخان كل منهما يقال له: الربيع بن سليمان، أحدهما الربيع بن سليمان بن داود الجيزي المرادي المصري، والثاني الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي المصري، وكل منهما شيخ للنسائي روى عنه وأخذ عنه، وهذا الذي في الإسناد الذي يظهر أنه الربيع بن سليمان بن عبد الجبار صاحب الإمام الشافعي وراوي كتبه عنه، والمشهور بوصف صاحب الشافعي، وقد ذكر الحافظ في تهذيب التهذيب أن الشافعي، روى عن شعيب، وكذلك في ترجمة شعيب، أنه روى عن الربيع بن سليمان المرادي لكن في ترجمة الربيع بن سليمان بن داود لم يذكر أنه روى عن شعيب بن الليث، وفي تهذيب الكمال في كل من الترجمتين لم يذكر في أي منهما الرواية عن شعيب، لكن في تهذيب التهذيب ذكر في ترجمة الربيع بن سليمان بن عبد الجبار صاحب الشافعي أنه روى عن شعيب، والربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه ، وروى له الترمذي إجازةً، يعني: معناه أن الترمذي روى له أيضاً بالإجازة، وعلى هذا يكون روى له الأربعة، الأربعة الذين هم أصحاب السنن الأربعة، لكن الترمذي روى له إجازة.
    [حدثنا شعيب بن الليث].
    وهو شعيب بن الليث بن سعد، وهو ثقة، نبيل، فقيه، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا الليث].
    وهو المحدث، الفقيه، فقيه مصر ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عجلان].
    وهو محمد بن عجلان المدني وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، ومحمد بن عجلان المدني هذا هو الذي ذكروا في ترجمته أن أمه حملت به ثلاث سنوات.
    [عن محمد بن يوسف مولى عثمان].
    وهو مولى عثمان القرشي، وهو مقبول، أخرج له النسائي، وابن ماجه .
    [عن أبيه يوسف].
    وهو القرشي المدني، مقبول، أخرج له النسائي، وابن ماجه كابنه.
    [عن معاوية].
    وهو معاوية بن أبي سفيان، وأبو سفيان صخر بن حرب، ومعاوية هو أمير المؤمنين أبو عبد الرحمن أول ملوك المسلمين، وخير ملوك المسلمين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي يتكلم فيه كثيرون من أهل البدع ويذمونه ويبغضونه، ومن المعلوم أن أي بغض، وأي تنقص لأحد من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو دال على سوء من فعل ذلك، ودال على خذلانه؛ لأن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم تجب محبتهم وتجب مودتهم، وأن تكون القلوب مملوءة بحبهم، والألسنة رطبة بذكرهم بالجميل اللائق بهم، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكثيرون من السلف تكلموا في معاوية بن أبي سفيان بالكلام الحسن الذي يليق به، والذي يليق بفضله وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزه الله ألسنتهم من أن تتكلم فيه، وأن تلغ فيه كما حصل ممن خذله الله عز وجل، من الذين تكلموا فيه، وسبوه، وعادوه، وكلام سلف الأمة فيه كثير، ولهذا يقول شارح الطحاوية: ومعاوية أول ملوك المسلمين، وخير ملوك المسلمين، وإنما كان خير الملوك؛ لأنه صحابي، والصحابة خير ممن جاء بعدهم.
    وقد جاء عن بعض سلف هذه الأمة أنه سئل عن معاوية، فقيل له: ماذا تقول في معاوية ؟ فقال: ماذا أقول في رجل صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: (سمع الله لمن حمده، فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد)، ومعنى سمع: استجاب، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (سمع الله لمن حمده)، استجاب الله لمن حمده، ومعاوية وراءه يقول: ربنا ولك الحمد، ماذا يقال في رجل هذا شأنه؟ أكرمه الله عز وجل أن يكون من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يصلي وراء الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول عندما يرفع رأسه من الركوع يقول: (سمع الله لمن حمده) ومعاوية، وغيره من المصلين وراءه يقولون: ربنا ولك الحمد، فهذا شرف أنهم ظفروا بصحبته، وأكرمهم الله بصحبته، وقال معاوية: ربنا ولك الحمد بعد أن قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (سمع الله لمن حمده) أي: استجاب الله لمن حمده، وهو كاتب الوحي للرسول عليه الصلاة والسلام.
    والحديث ذكره الشيخ الألباني في ضعيف سنن النسائي، ومن المعلوم أن ذلك من أجل محمد بن يوسف وأبوه، لكن الحديث وهو كونه يسجد سجدتي السهو عند ترك التشهد الأول، ثابت في حديث عبد الله بن مالك بن بحينة الذي يأتي بعد هذا، وقد سبق أن مر بنا في جملة الأحاديث عند النسائي أن من ترك التشهد الأول، فإنه يجبر ذلك بأن يسجد للسهو قبل السلام، كما جاء مبيناً في حديث عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله تعالى عنه.
    التكبير في سجدتي السهو
    شرح حديث: (أن رسول الله قام في الثنتين من الظهر فلم يجلس ... فلما قضى صلاته سجد سجدتين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التكبير في سجدتي السهو. أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو ويونس والليث أن ابن شهاب أخبرهم عن عبد الرحمن الأعرج أن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه حدثه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الثنتين من الظهر فلم يجلس، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، كبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس) ].
    أورد النسائي، هذه الترجمة وهي: باب التكبير في سجدتي السهو، المقصود من الترجمة: إثبات التكبير في سجدتي السهو، وأن الإنسان عندما يسجد للسهو يكبر عندما يخر للسجود -وهو يخر عن جلوس- وعندما يرفع من السجود، في كل من السجدتين، معناه: يكبر أربع مرات لسجدتي السهو، عند الخرور للسجود وعند الرفع من السجود فإنه يكبر، وهذا فيه التنصيص على حصول التكبير عند السجود للسهو، وسبق أن مر الحديث الذي يدل بعمومه أيضاً على هذا، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكبر عند كل خفض ورفع؛ وهذا فيه خفض ورفع، ولهذا سجود التلاوة عندما يصلي الإنسان ثم يأتي عند سجدة ويخر ساجداً، فإنه يكبر عند السجود وعند القيام، ويدخل ذلك في عموم الحديث، (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكبر عند كل خفض ورفع) يعني: في الصلاة.
    فهذه الترجمة تتعلق بتكبير سجود السهو، أي: عند الخفض والرفع منه، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن مالك ابن بحينة رضي الله عنه، وفيه التصريح بأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكبر عند السجدتين، أي: سجدتي السهو.
    [عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه حدثه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الثنتين من الظهر فلم يجلس، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، كبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم)].
    فالرسول صلى الله عليه وسلم، قام في الركعتين أو بعد الركعتين من صلاة الظهر، ولم يجلس للتشهد الأول، ولما فرغ من الصلاة، ولم يبق إلا السلام، سجد سجدتين كبر فيهما، وكان السجود وهو جالس، أي: أن السجود عن جلوس وليس عن قيام، وكان ذلك قبل السلام، ثم قال: (مكان ما نسي من الجلوس) ، وفي هذا دليل على أن التشهد الأول ليس بركن، وأنه يجزئ عنه سجود السهو إذا نسيه، وأن سجود السهو في النقص يكون قبل السلام، وأن سجود السهو يكون فيه التكبير، سواء في ذلك ما كان عند السجود أو عند القيام من السجود.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قام في الثنتين من الظهر فلم يجلس ... فلما قضى صلاته سجد سجدتين ...)
    قوله: [أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح].وهو أبو الطاهر المصري وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له البخاري ولا الترمذي .
    [أخبرنا ابن وهب].
    وهو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عمرو ويونس والليث].
    عمرو هو ابن الحارث المصري وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    ويونس هو ابن يزيد الأيلي وهو مصري، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    والليث هو ابن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة وقد مر ذكره، فهؤلاء ثلاثة مصريون كلهم روى عنهم النسائي رحمه الله.
    و عبد الله بن وهب المصري، والذي روى عنه أيضاً أبو الطاهر المصري، الذي روى عن عبد الله بن وهب، فهؤلاء كلهم مصريون يعني: ثلاث طبقات يعني: شيخ النسائي، وشيخ شيخه، وشيخ شيخ شيخه ، كل هؤلاء مصريون.
    [أن ابن شهاب أخبرهم].
    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، محدث، فقيه، وإمام مشهور، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، الذين رأوا صغار الصحابة، وأدركوا صغار الصحابة، ومحمد بن مسلم الزهري هذا هو الذي كلفه الخليفة عمر بن عبد العزيز بتدوين السنة، وهو الذي قال فيه السيوطي في الألفية:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
    والمراد من ذلك: أن قيامه بالتدوين إنما كان بتكليف من السلطان، وأما حصول التدوين بجهود فردية وبأعمال خاصة فإن هذا كان موجوداً من قبل، يعني: في الصحابة والتابعين، ومن المعلوم أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد جاء ذلك مبيناً في حديث أبي هريرة، (وأنه كان يكتب ولا أكتب)، فالمقصود بكتابة الزهري للسنة أي: أنه بتكليف من السلطان، بتكليف من ولي الأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وحديث الزهري أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن الأعرج].
    وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني الملقب بـالأعرج وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن بحينة].
    وهو عبد الله بن مالك بن بحينة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    صفة الجلوس في الركعة التي يقضي فيها الصلاة
    شرح حديث أبي حميد الساعدي في صفة الجلوس في الركعة التي يقضي فيها الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صفة الجلوس في الركعة التي يقضي فيها الصلاة. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن بشار بندار واللفظ له قالا: حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبد الحميد بن جعفر حدثني محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في الركعتين اللتين تنقضي فيهما الصلاة أخر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركاً ثم سلم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب صفة الجلوس في الركعة التي يقضي فيها الصلاة، المقصود من هذه الترجمة: صفة الجلوس في التشهد الأخير، أو الركعة الأخيرة من الصلاة التي هي المغرب مثلاً، والمراد من ذلك بيان كيفية الجلوس فيه، ومن المعلوم أن المصلي له في الجلوس ثلاث حالات أو حالتان: حالة جلوس بين السجدتين، وحالة جلوس للتشهد الأول، وجلوس للتشهد الثاني، وكذلك أيضاً جلوس في الثنائية، يعني: الفراغ من الصلاة إذا كانت ثنائية كالفجر أو السنن، فالسنة أنه عند الجلوس بين السجدتين وفي التشهد الأول يفرش الإنسان رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى ويجعل أصابعها متجهة إلى القبلة، هذه هي الهيئة التي تكون بين السجدتين وفي التشهد الأول.
    وكذلك أيضاً في الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد، وهي الفجر والسنن، فإنه يجلس مفترشاً، لكن في الصلاة التي فيها تشهدان يختلف التشهد الثاني عن التشهد الأول في كيفية الجلوس، وقد جاء مبيناً في حديث أبي حميد الساعدي الذي معنا، وهو: أنه يؤخر رجله اليسرى، يعني: عن مقعدته ويخرجها من عند رجله اليمنى المنصوبة من تحتها ويجلس، ويجعل وركه الأيسر على الأرض متوركاً ليس مفترشاً، يعني: يكون الورك الأيسر على الأرض، والرجل اليسرى أخرجت من تحت اليمنى واليمنى منصوبة، وأصابعها متجهة إلى القبلة، كما جاء ذلك موضحاً في حديث أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه، فهذه الكيفية التي هي كيفية الجلوس في الركعتين التي يقضي فيهما الصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي حميد الساعدي في صفة الجلوس في الركعة التي يقضي فيها الصلاة
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن بشار بندار واللفظ له].يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله أيضاً محمد بن بشار بندار، فإنه شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهذان الشخصان لهما ثالث، وهو: محمد بن المثنى وهو أيضاً شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهؤلاء الثلاثة ماتوا في سنة واحدة، وهي سنة (252هـ) أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وهم جميعاً من صغار شيوخ البخاري، وليس بين وفاتهم وبين وفاته إلا أربع سنوات، وكانت وفاة هؤلاء الثلاثة في سنة واحدة، وهي سنة (252هـ).
    ومحمد بن بشار، لقبه بندار ورسمها: أن النون متصلة بالباء، وفي نسخة جاءت النون منفصلة عن الدال، وهي كلمة واحدة بندار هذا لقبه محمد بن بشار لقبه بندار، يذكر أحياناً باسمه ولقبه كما هنا، وأحياناً يذكر باسمه فقط ولا يذكر لقبه، وأحياناً يذكر لقبه فقط، ومعرفة ألقاب المحدثين مهمة، وفائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما لو ذكر باللقب مرة وذكر بالاسم مرة أخرى، فإن من لا يعرف أن بنداراً لقب لـمحمد بن بشار، لو رأى محمد بن بشار في إسناد، ثم رأى إسناد آخر فيه بندار، وليس فيه محمد بن بشار، يظن أن هذا شخص آخر، لكن من عرف أن هذا هو محمد بن بشار، لقبه بندار، يعرف أن هذا هو هذا، سواء جاء في إسناد واحد، أو في إسنادين، فهذه فائدة معرفة ألقاب المحدثين، أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما لو ذكر باسمه مرة وذكر بلقبه مرة أخرى.
    [واللفظ له].
    أي: اللفظ لـمحمد بن بشار أي: المتن الموجود هذا لفظ محمد بن بشار ومعنى ذلك أن يعقوب بن إبراهيم لفظه ليس مطابقاً لهذا اللفظ الموجود بل هو بمعناه، ولكن المعنى متفق عليه عندهما، واللفظ المذكور لفظ محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم لم يذكر لفظه هنا.
    [قالا: حدثنا يحيى بن سعيد].
    وهو القطان، المحدث، الناقد، البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الحميد بن جعفر].
    وهو عبد الحميد بن جعفر الأنصاري، وهو صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني محمد بن عمرو بن عطاء].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي حميد].
    أبو حميد الساعدي، وهو المنذر بن سعد بن المنذر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث وائل بن حجر في صفة الجلوس للتشهد الأخير
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا جلس أضجع اليسرى ونصب اليمنى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ويده اليمنى على فخذه اليمنى، وعقد ثنتين الوسطى والإبهام وأشار)].أورد النسائي حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه في نفس الموضوع؛ وهو صفة الجلوس وأنه قال: (أضجع اليسرى ونصب اليمنى)، والمقصود مطابق للترجمة، يعني: أن هذا يكون توركاً، كما جاء في الحديث الأول عن أبي حميد رضي الله تعالى عنه.
    وهذا الحديث يدل على: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في ثلاثة مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع، هذا هو الذي يدل عليه حديث وائل بن حجر رضي الله عنه، وقد سبق أن مر بنا أنه أيضاً يكون عند القيام إلى التشهد الأول ترفع اليدين، وهذا في صحيح البخاري من حديث أبي حميد الساعدي، وكذلك أيضاً جاء في بعض الأحاديث في السنن، أنه يكون عند السجود، في مواضع من السجود، وأن هذا يكون أحياناً، وحديث وائل بن حجر، يدل على الرفع في هذه المواضع الثلاثة، وفيه أيضاً: أنه عند الجلوس يضجع اليسرى وينصب اليمنى، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث تحت الترجمة، وبالنسبة لليدين يضع اليد اليسرى على الفخذ اليسرى، واليد اليمنى على الفخذ اليمنى ويعقد الإبهام والوسطى، (وأشار) يعني: يشير بالسبابة، ولكن المقصود من إيراد الحديث هو الجملة الوسطى وهي ما يتعلق بكيفية الجلوس في نهاية الصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر في صفة الجلوس للتشهد الأخير
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    وهو ابن عيينة ؛ لأن المزي في تهذيب الكمال ذكر أن قتيبة بن سعيد، يروي عن سفيان بن عيينة، فإذا جاء سفيان مهمل غير منسوب، يروي عنه قتيبة، فإنه يحمل على سفيان بن عيينة، وقتيبة بن سعيد ولد سنة 150هـ ، ومات سنة 240هـ، ولد في السنة التي مات فيها أبو حنيفة، والتي ولد فيها الشافعي ؛ لأنه هو والشافعي لدة؛ ولدوا في سنة واحدة، والشافعي توفي سنة 204هـ وعمره أربع وخمسون سنة، وأما قتيبة فقد عاش إلى سنة أربعين، ومات قبل وفاة الإمام أحمد بسنة واحدة وعمره تسعون سنة، وسفيان الثوري أدرك إحدى عشر سنة من حياته؛ لأن سفيان الثوري توفي سنة 161هـ، وقتيبة بن سعيد ولد سنة 150هـ، والمزي في تهذيب الكمال ذكر أن قتيبة يروي عن سفيان بن عيينة، وما ذكر سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة هو المكي وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم بن كليب].
    صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    عن أبيه كليب بن شهاب، وهو أيضاً صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء رفع اليدين، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن وائل بن حجر].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    موضع الذراعين
    شرح حديث وائل بن حجر: (أنه رأى النبي جلس في الصلاة ... ووضع ذراعيه على فخذيه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب موضع الذراعين. أخبرنا محمد بن علي بن ميمون الرقي حدثنا محمد وهو ابن يوسف الفريابي حدثنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جلس في الصلاة فافترش رجله اليسرى، ووضع ذراعيه على فخذيه وأشار بالسبابة يدعو بها)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: موضع الذراعين، وهي أنها تكون على الفخذين، يعني: يضع اليدين على الفخذين، والذراعان يكونان عليهما، لكن لا يكون معتمداً على فخذيه، وإنما تكون موضوعة أو قريبة منها، وليس معناه أنه متكئ عليها ومعتمد عليها يعني: على فخذيه. وأورد النسائي حديث وائل بن حجر وفيه الدلالة على ما ترجم له المصنف.
    قوله: (وضع ذراعيه على فخذيه) من غير أن يكون هناك اعتماد. يعني: أنه ليس هناك اعتماد؛ لأن الإنسان لا تعتمد أعضاؤه بعضها على بعض في الصلاة، لا في الجلوس، ولا في السجود، من حيث: أنه يفترش ذراعيه في حال سجوده ويعتمد عليها، أو يضع ذراعيه على فخذيه، وهو ساجد ويتكئ عليها، أو كذلك وهو جالس يتكئ بذراعيه على فخذيه، وإنما يضعهما على فخذيه.
    ثم أيضاً ذكر ما يتعلق باليدين، وأنه (أشار بالسبابة يدعو بها) في الرواية السابقة ذكر: (ثم أشار)، وهنا قال: (يدعو بها)، يعني: بالسبابة، والوسطى مع الإبهام قد عقد بينهما أو حلق بهما وجعلهما كالحلقة.
    تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر: (أنه رأى النبي جلس في الصلاة ... ووضع ذراعيه على فخذيه ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن علي بن ميمون الرقي].وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد وهو ابن يوسف الفريابي].
    وهو ابن يوسف الفريابي وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو الفريابي) الذي قالها هو من دون محمد بن علي بن ميمون الرقي الذي هو تلميذه، أي: النسائي أو من دون النسائي هو الذي قال هذه الكلمة، التي بين بها من هو محمد بن يوسف ؛ لأن محمد بن علي الرقي ما زاد على أن قال محمد بن يوسف، لكن من دون هذا التلميذ هو الذي أضاف كلمة: (هو الفريابي).
    [حدثنا سفيان].
    وهو ابن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد لازمه محمد بن يوسف الفريابي.
    [عن عاصم عن أبيه عن وائل].
    وقد مر ذكرهم.
    موضع المرفقين
    شرح حديث وائل بن حجرفي موضع المرفقين في الجلوس للتشهد
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [موضع المرفقين. أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال: (قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، ووضع يديه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك، فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من يديه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، وحد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثنتين وحلق، ورأيته يقول هكذا، وأشار بشر بالسبابة من اليمنى، وحلق الإبهام والوسطى)].
    أورد النسائي حديث وائل بن حجر فيما يتعلق بوضع المرفقين، وهناك ذكر الذراعين وهنا المرفقين.
    قول وائل بن حجر رضي الله عنه هذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، من الحرص على معرفة أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام في صلاته، وفي حجه، وما إلى ذلك من الأعمال التي يعملها، وهم يشاهدونه ويعاينونه؛ لأنه يقول في نفسه، ويقصد، ويعزم على أن ينظر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام حتى يعرف كيفية فعله، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقال في الحج: (خذوا عني مناسككم) فشأنهم أنهم يتلقون عنه أقواله وأفعاله عليه الصلاة والسلام، ووائل بن حجر رضي الله عنه يقول: (لأنظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي)، يعني: حتى يعرف كيفية صلاته، معناه: أنه يعقد العزم ويتجه هذا الاتجاه ويقصد هذا القصد، وهو أن يعرف الهيئة والكيفية التي يفعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    قال: [(فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه)].


  18. #238
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (235)


    - (باب موضع الكفين) إلى (باب الإشارة بالأصبع في التشهد)

    حث الشرع على الخشوع في الصلاة، ومن ذلك الهيئة التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جلوس التشهد، وهي: وضع اليدين على الفخذين، اليمنى على الأيمن، واليسرى على الأيسر، وقبض الأصابع كلها من اليد اليمنى عدا السبابة؛ لأجل الإشارة بها بدون تحريك، وتبسط اليد اليسرى على الركبة.
    موضع الكفين
    شرح حديث: (... ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب موضع الكفين. أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا يحيى بن سعيد عن مسلم بن أبي مريم شيخ من أهل المدينة، ثم لقيت الشيخ فقال: سمعت علي بن عبد الرحمن يقول: (صليت إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما فقلبت الحصى، فقال لي ابن عمر : لا تقلب الحصى، فإن تقليب الحصى من الشيطان، وافعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، قلت: وكيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل؟ قال: هكذا، ونصب اليمنى وأضجع اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة)].
    المراد بالترجمة: أن الكفين يضعهما المصلي على فخذيه، وقد مر في التراجم السابقة موضع الذراعين، وموضع المرفقين، وهنا موضع الكفين، وتلك النصوص التي أوردها في تلك التراجم هي مشتملة على موضع الكفين، وأنه يكون على الفخذين مع بسط اليسرى على الفخذ، وقبض الخنصر، والبنصر، وتحليق الإبهام مع الوسطى، والإشارة بالسبابة، وأورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه الذي حدث به علي بن عبد الرحمن الراوي عنه، وأنه صلى بجواره (فجعل يقلب الحصى)، يعني: وهو في حال جلوسه، يقلب الحصى، فبعد ما فرغ من الصلاة، أرشده عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن يضع يديه على فخذيه، بالطريقة التي وصفها، ونهاه أن يقلب الحصى وقال: (إنه من الشيطان)، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم من الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحرصهم على تبليغ السنن، وتحذيرهم من الأمور المنكرة، التي تقع في الصلاة وفي غيرها، فإنه حذره من ذلك وقال: (إنه من الشيطان)، وأرشده إلى الهيئة التي يجعل يديه مستقرتين عليها، وهي كونهما على الفخذين، باسطاً اليسرى ومشيراً بالسبابة، مع تحليق الإبهام مع الوسطى، وقبض الأصبعين الآخرين.
    فالحديث دال على ما ترجم له المصنف، ودال أيضاً على غير ذلك، وهو كونه في حال جلوسه ينصب اليمنى ويضجع اليسرى، وقد وصف له بالفعل؛ لأنه لما رآه يقلب الحصى قال له: (ألا تفعل كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: وماذا كان يفعل؟ قال: هكذا)، ثم وصف ذلك عبد الله بن عمر بطريقة عملية وهي أن ينصب اليمنى ويضجع اليسرى، أراه ذلك بالفعل، حتى ينظر إليه وحتى يشاهده، وهذا فيه بيان السنن أنها تبين بالفعل، كما تبين بالقول، السنن تبين بالأفعال كما تبين بالأقوال؛ لأن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما بين هذه السنة التي أرشده إليها بالفعل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة)
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].ومحمد بن منصور اثنان هما من شيوخ النسائي، محمد بن منصور الجواز المكي، ومحمد بن منصور الطوسي، وكل منهما روى عن سفيان بن عيينة، لكن لما كان الجواز من أهل مكة، وسفيان بن عيينة من أهل مكة، فإنه عند الاحتمال، يحمل على من يكون للشيخ به خصوصية من حيث الملازمة، ومن حيث كونه في بلده؛ لأنه إذا كان من أهل بلده يروي عنه كثيراً، ويكون على صلة به يومياً أو في الليل والنهار، أو على الأقل دون ذلك، لكن ليس مثل الذي يكون في بلد آخر لا يتأتى له أن يلقى الشخص الذي يروي عنه إلا بالسفر، أو في مناسبة كحج، أو عمرة، أو زيارة، فلاشك أن من يكون له به خصوصية عند الإطلاق يحمل عليه، ومن المعلوم أن محمد بن منصور الجواز مكي، وسفيان بن عيينة مكي، فعند الإطلاق يحمل على محمد بن منصور الجواز، ومحمد بن منصور الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، أما الآخر الذي هو محمد بن منصور الطوسي، فهو ثقة، وأخرج حديثه أبو داود، والنسائي، أما سفيان الذي يروي عنه محمد بن منصور فهو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    وهو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذي لقوا صغار الصحابة.
    [عن مسلم بن أبي مريم].
    وهو مسلم بن أبي مريم المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [سمعت علي بن عبد الرحمن].
    وهو علي بن عبد الرحمن المعاوي وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن ابن عمر].
    وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة المشهورين بهذا اللقب، وهم أربعة من صغار الصحابة، عبد الله بن عمر، أحدهم، وهم: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير بن العوام، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهم، فإن هؤلاء هم العبادلة الأربعة، إذا قيل: في مسألة فقهية قال بها العبادلة الأربعة، فإن المراد بهم من الصحابة هؤلاء الذين هم من صغار الصحابة، بعض العلماء يجعل ابن مسعود أحد هؤلاء، ويجعل رابعهم ابن مسعود ويحذف واحداً من الأربعة المذكورين، لكن المشهور عند العلماء أن ابن مسعود ليس منهم؛ لأن ابن مسعود من المتقدمين ومن الكبار، وهو متقدم الوفاة، وأما هؤلاء الأربعة فهم من الصغار، وقد عاشوا في وقت واحد، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، ولقيهم من التابعين من لم يلق ابن مسعود؛ لأن ابن مسعود توفي سنة (32هـ) وأما أولئك فتأخرت وفاتهم، من هو على الضعف يعني: في المدة، فمنهم من هو فوق السبعين ومنهم من فوق الستين، فهم متأخرون في الوفاة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.
    وعبد الله بن عمر، هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال السيوطي في هؤلاء السبعة:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    هؤلاء السبعة معروفون بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    وفي الإسناد أن سفيان روى عن يحيى بن سعيد، عن مسلم بن أبي مريم شيخ من أهل المدينة، ثم لقيت ذلك الشيخ، فحدثني عن علي بن عبد الرحمن، والمقصود من هذا الكلام أن سفيان بن عيينة روى الإسناد بطريق نازل؛ لأنه رواه عن مسلم بن أبي مريم بواسطة يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم إنه لقي مسلم بن أبي مريم، فروى عنه مباشرة فصار هذا الإسناد فيه طريقان: طريق عالية وطريق نازلة، الطريق الأولى نازلة، والطريق الثانية عالية؛ لأن سفيان في الطريق الأولى يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن مسلم بن أبي مريم، عن علي بن عبد الرحمن المعاوي، وفي الطريق الثانية يروي سفيان عن مسلم بن أبي مريم، نقص شخص واحد، يعني: فصار الإسناد فيه طريقان، طريق نازلة فيها زيادة راو وهو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وطريق عالية ليس فيها يحيى بن سعيد بل سفيان بن عيينة روى مباشرة عن من روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ذلك الشيخ من أهل المدينة الذي هو مسلم بن أبي مريم، وطريقة المحدثين أنهم يحصلون الأحاديث بطرق نازلة، وإذا لقوا الذين روى عنه، من رووا عنه، فإنهم يأخذون عنه مباشرة، فتأتي الرواية على الحالتين، حالة النزول، وحالة العلو، وغالباً ما تكون الطريق النازلة فيما إذا لم تحصل رحلة، بأن يكون مثلاً: روى عن غيره بواسطة شخص سافر ولقي ذلك الشخص الذي ما رآه، فيروي عنه نازلاً، ثم يحصل له رحلة فيلقى ذلك الشخص الذي كان روى عنه بواسطة، فيحدثه مباشرة، فيروي على الحالتين، حالة الواسطة وحالة غير الواسطة، فيكون هناك طريقان، طريق عالية ظفر بها أخيراً، وطريق نازلة كان قد حصلها أولاً.
    ومن المعلوم أنه إذا وجد العلو، فإنه لا يصار إلى النزول، إلا إذا كان في النزول صفة ليست في العلو، كأن يكون الرجال فيهم زيادة في الثقة، وزيادة في الضبط والإتقان، فإن الطريق النازلة عند ذلك يكون لها قيمة ويكون لها شأن، أما إذا لم يكن هناك قوة في النازل، فإن الطريق العالية تكون أفضل منها، ويشبه هذا الذي جاء في الحديث، أو في هذا الإسناد من حيث أن سفيان بن عيينة، روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن مسلم بن أبي مريم، ثم إنه لقي مسلم بن أبي مريم فروى عنه مباشرة يعني: أنه حصل الطريق النازلة أولاً، ثم حصل الطريق العالية يشبه هذا أيضاً ما جاء عن سفيان بن عيينة في حديث: (الدين النصيحة) وهو في صحيح مسلم، حديث تميم الداري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) فإن مسلماً رواه بإسناد، وفيه الإشارة إلى الطريق النازلة والعالية.
    يقول مسلم رحمه الله في كتابه الصحيح: حدثنا محمد بن عباد المكي، قال: حدثنا سفيان قال -الذي هو سفيان-: لقيت سهيل بن أبي صالح فقلت له: إن عمراً حدثنا عن القعقاع عن أبيك بكذا، ورجوت أن تسقط عني رجلاً، أي: فتحدثني به عن أبيك؛ لأن سهيل بن أبي صالح السمان يروي عن أبيه، وسفيان حصل الحديث من طريق عمرو بن دينار، عن القعقاع، عن أبي صالح الذي هو أبو سهيل، وسفيان طلب من سهيل أن يحدث عن أبيه، فيكون ما بينه وبين أبوه إلا شخص واحد، وفي الطريق الأولى كان فيها اثنين، عمرو بن دينار، والقعقاع، فقال: سأحدثك عن الذي أخذ عنه أبي يعني: سيسقط له اثنين وهو واحد، يعني: أنا سمعته ممن سمعه منه أبي، ثم قال يعني سفيان: حدثنا سهيل، عن عطاء بن يزيد، عن تميم، فحذف القعقاع وحذف أباه، فأسقط واسطتان، فصارت الطريقة الأولى فيها زيادة شخصين والطريقة الثانية فيها نقص شخصين.
    فكما قلت: كانوا يفرحون بالعلو ويحرصون عليه، إذا وجدوه، وإذا حصلوه نازلاً ثم ظفروا به عالياً رووه من الطريق العالية.
    قبض الأصابع من اليد اليمنى دون السبابة
    شرح حديث ابن عمر في قبض الأصابع من اليد اليمنى دون السبابة في الجلوس للتشهد
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قبض الأصابع من اليد اليمنى دون السبابة. أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن قال: (رآني ابن عمر وأنا أعبث بالحصى في الصلاة فلما انصرف نهاني، وقال: اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، قلت: وكيف كان يصنع؟ قال: كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه وقبض يعني: أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى)].
    ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر من طريق أخرى، وفيها بيان الكيفية التي يفعلها عند الجلوس في الصلاة، وهو في التشهد يضع اليد اليسرى على الفخذ اليسرى، ويقبض أصابع اليمنى ويشير بالسبابة، يقبضها ما عدا السبابة؛ فإنه يشير بها، ومعنى ذلك: أنه يقبض الخنصر والبنصر، ويجعل الوسطى مع الإبهام، يعني: على هيئة الحلقة، ويشير بالسبابة، فأرشده عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، إلى أن يعمل هذه الهيئة التي هي مشروعة، وأن يترك هذا الذي كان يفعله، وهو أنه كان يقلب الحصى في حال جلوسه، أرشده إلى ما كان عليه الصلاة والسلام يفعله، فهذه الطريق هي: دالة على ما دلت عليه الطريقة السابقة.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في قبض الأصابع من اليد اليمنى دون السبابة في الجلوس للتشهد
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].وهو ابن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    وهو ابن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، من مذاهب أهل السنة المشهورة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقتيبة بن سعيد روى عن مالك، ومالك توفي سنة (172هـ) وقتيبة سنة (240هـ)؛ لأنه عمر تسعون سنة؛ ولأنه ولد في السنة التي ولد فيها الشافعي، وهي السنة التي مات فيها أبو حنيفة، وهي سنة (150هـ)، وعاش بعد الشافعي ستاً وثلاثين سنة، وأدرك مالك، ومن قبل مالك؛ لأنه معمر إذ بلغ عمره تسعين سنة.
    [عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد.
    قبض الثنتين من أصابع اليد اليمنى وعقد الوسطى والإبهام منها
    شرح حديث وائل بن حجر في قبض الثنتين من أصابع اليد اليمنى وعقد الوسطى والإبهام منها في الجلوس للتشهد
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قبض الثنتين من أصابع اليد اليمنى وعقد الوسطى والإبهام منها.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن زائدة حدثنا عاصم بن كليب حدثني أبي أن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، فنظرت إليه فوصف، قال: ثم قعد وافترش رجله اليسرى، ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض اثنتين من أصابعه وحلق حلقه، ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها مختصر) ].
    ثم أورد النسائي الترجمة، قال: [باب قبض الثنتين من أصابع اليد اليمنى وعقد الوسطى والإبهام منها.
    باب قبض الثنتين من أصابع اليد اليمنى وعقد الإبهام والوسطى منها. أي: من اليد اليمنى، أورد فيه حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه أنه قال: (لأنظرن إلى صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام)، قال: ثم وصف، وكلمة (فوصف) هذه معناها: أن فيها إشارة إلى شيء محذوف، وإلى أنه اختصر؛ لأنه ذكر أشياء لم يذكرها في الرواية تلك، وإنما أشار إليها بالوصف، ثم أتى بالمعطوف وفيه الإشارة إلى معطوف عليه؛ لأن المعطوف عليه هو الذي قال عنه فوصف، ثم أتى بثم يعني: معناه في كلام متقدم اكتفي بالإشارة إليه بوصف؛ لأن المطلوب هو الاختصار ولهذا جاء في آخره (مختصر)، جاء في آخر الحديث قال: (مختصر)، معناه: أن هذه الرواية فيها اختصار، ولهذا قال: (فوصف) بعد أن قال: (لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فوصف) يعني: وصف أشياء إلى أن وصل إلى هذا الذي يريد أن يأتي به الراوي هنا، فذكر ما يتعلق بالجلوس، والافتراش، وذكر فيما يتعلق باليدين، وأنه وضع اليد اليسرى على الفخذ اليسرى والركبة، بمعنى أنه على طرف الفخذ بحيث يكون طرفها يعني: شيء منها على الركبة وشيء منها على الفخذ، (وقبض اثنتين).
    (وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى) يعني: هذا سبق أن مر بالنسبة لموضع المرفقين، وأنه يكون على الفخذ لكن من غير اعتماد، من غير أن يعتمد، ومن غير أن يكون هناك مجافاة في حال الجلوس، لا يجافي، وإنما يضع المرفق على الفخذ بدون اعتماد بمرفقه على فخذه، ولا يعتمد عليها لا في الجلوس، ولا في حال السجود، وفي حال السجود يجافي، ولا يضع المرفق على الفخذ، وأما في حال الجلوس، فإن المرفق تكون على الفخذ لكن من غير اعتماد، (ثم قبض اثنتين من أصابعه وحلق). يعني: الحلقة: التي هي الإبهام مع الوسطى.
    (ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها)، (فرأيته يحركها) أي: السبابة يدعو بها، ثم قال: مختصر، يعني: أن الحديث مختصر، والذي يشير إلى الاختصار الذي أشرت إليه في أوله حيث قال: (لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنظرت إليه فوصف)، يعني: فكلمة وصف هذه هي التي تفيد المحذوف.
    تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر في قبض الثنتين من أصابع اليد اليمنى وعقد الوسطى والإبهام منها في الجلوس للتشهد
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].وهو سويد بن نصر المروزي وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا عبد الله بن المبارك المروزي].
    وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، جمعت فيه خصال الخير، هكذا قال الحافظ ابن حجر في التقريب عن هذا الرجل العظيم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زائدة].
    وهو زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم].
    وهو: عاصم بن كليب بن شهاب، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني أبي] .
    كليب بن شهاب وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أن وائل بن حجر].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    بسط اليسرى على الركبة
    شرح حديث: (... ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب بسط اليسرى على الركبة.أخبرنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع أصبعه التي تلي الإبهام فدعا بها ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها).
    أورد النسائي حديث ابن عمر باب: بسط اليسرى على الركبة، وأورد فيه حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام جعل يده اليسرى على ركبته، وكما هو معلوم، جاءت الأحاديث على أنها على فخذه، والتوفيق بينها بأن يكون البعض على الفخذ والبعض على الركبة، وأما بالنسبة لليمنى فإنه يشير بإصبعه السبابة، والمقصود منه وضع اليد اليسرى وأنه يضعها على الركبة، وفي بعض الأحاديث أنه على الفخذ، ومعنى ذلك أنه يكون عليهما جميعاً، بحيث يكون طرف أصابعه على ركبتيه وكفه على فخذه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها)
    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].هو القشيري النيسابوري، وهو من شيوخ مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم، وهو من بلده ومن قبيلته؛ لأن مسلم قشيري النسب ونيسابوري البلد، وشيخه محمد بن رافع كذلك، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وسبق أن ذكرت أن مسلم بن حجاج روى عن شيخه محمد بن رافع الأحاديث التي أخذها من صحيفة همام بن المنبه؛ لأن صحيفة همام بن المنبه رواها مسلم أو الأحاديث التي انتقاها مسلم منها أوردها من طريق شيخه محمد بن رافع، عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن معمر عن همام عن أبي هريرة.
    وهنا الحديث الذي معنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق، وعبد الرزاق هو: ابن همام الصنعاني، ثقة، حافظ، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ونسب إليه التشيع، ولعل هذه النسبة المراد بها أنه كان يفضل علياً على عثمان، والتفضيل لـعلي على عثمان، قال به بعض العلماء من أهل السنة: منهم عبد الرزاق هذا، ومنهم ابن جرير، ومنهم عبد الرحمن بن أبي حاتم، ومنهم الأعمش، وليس هذا بقادح في الراوي، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية، أن بعض أهل السنة قال: بتقديم علي على عثمان في الفضل، وهو خلاف المشهور من مذهب أهل السنة، قال: ومثل ذلك لا يبدع به، وإنما الذي يبدع به القول بأن علياً أولى منه بالخلافة، وأنه مقدم عليه بالخلافة؛ لأن هذا اعتراض على ما اتفق عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، من تقديم عثمان، على علي، رضي الله تعالى عن الجميع.
    الحاصل: أن عبد الرزاق وصف بالتشيع، وتشيعه هو من هذا القبيل الذي لا يؤثر في رواية الراوي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معمر].
    وهو ابن راشد البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله].
    وهو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو عبيد الله الذي يقال له: المصغر تمييزاً له عن أخيه عبد الله المكبر، فإن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وأما أخوه عبد الله بن عمر فهو ضعيف، ويميزون بينهما بأن يقولوا: المصغر والمكبر؛ لأن عبيد الله بالتصغير، وعبد الله بالتكبير، فيميز هذا عن هذا فـالمصغر الذي معنا ثقة، ثبت، والمكبر الذي هو عبد الله بن عمر أخوه هذا ضعيف.
    [عن نافع].
    مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    وقد مر ذكره.
    شرح حديث: (أن النبي كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أيوب بن محمد الوزان حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني زياد عن محمد بن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها). قال ابن جريج: وزاد عمرو قال: أخبرني عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه (رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كذلك ويتحامل بيده اليسرى على رجله اليسرى)].أورد النسائي حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتحامل بيده اليسرى على رجله اليسرى، بمعنى: كأنه يعتمد عليها أو أنه يمسكها بقوة ويشد بها، وهذا هو المقصود بالتحامل على رجله اليسرى بيده اليسرى، وفي أول الحديث يقول: (إنه يشير بأصبعه ولا يحركها)، وهذا يخالف ما جاء في بعض الروايات الأخرى التي هي متقدمة، وفيها (أنه كان يحركها يدعو بها)، فحكم بعض أهل العلم على هذه الرواية أو هذه الزيادة بالشذوذ؛ لأن الإسناد صحيح والحديث ثابت، لكن هذه التي هي كلمة (لا يحركها) حكم عليها بالشذوذ لكونها مخالفة للروايات الكثيرة التي تدل على حصول التحريك للأصبع السبابة من اليمنى حين يحركها يدعو بها،
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها)
    قوله: [أخبرنا أيوب بن محمد].وهو أيوب بن محمد الوزان، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا حجاج].
    وهو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني زياد].
    وهو ابن سعد بن عبد الرحمن الخراساني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عجلان].
    هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عامر بن عبد الله].
    وهو عامر بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن الزبير] رضي الله تعالى عنهما.
    وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، وهو أحد العبادلة الأربعة الذي مر ذكرهم قريباً، وكانت ولادته في السنة الأولى من الهجرة، بل هو أول مولود ولد في المدينة بعد هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام إليها، والرسول عليه الصلاة والسلام والذين هاجروا معه أولاً، نزلوا في قبا عدة أيام قبل أن يصلوا إلى المدينة، وكان عبد الله بن الزبير ولد في قباء يعني: في الوقت الذي كانوا وصلوا فيه المدينة، ومكثوا في قباء أياماً، ولد في ذلك الوقت، فقالوا: هو أول مولود بعد الهجرة، وأول مولود ولد في المهاجرين بعد الهجرة هو عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما، وحديث عبد الله بن الزبير أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    والطريق الثانية: [قال: ابن جريج وزاد عمرو].
    وهو عمرو بن دينار، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وبقية الإسناد نفس الطريقة الأولى.
    الإشارة بالأصبع في التشهد
    حديث نمير الخزاعي في الإشارة بالإصبع في التشهد وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإشارة بالأصبع في التشهد.أخبرني محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن المعافى عن عصام بن قدامة عن مالك وهو ابن نمير الخزاعي عن أبيه رضي الله عنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً يده اليمنى على فخذه اليمنى في الصلاة ويشير بأصبعه)].
    ثم أورد النسائي باب: الإشارة بالإصبع في التشهد، أورد فيه حديث نمير الخزاعي رضي الله عنه أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام واضعاً يده اليمنى على فخذه اليمنى في الصلاة ويشير بإصبعه.
    قوله: [أخبرني محمد بن عبد الله بن عمار].
    محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي.
    [عن المعافى].
    وهو المعافى بن عمران الموصلي، وهو ثقة، عابد، فقيه، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن عصام بن قدامة].
    صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي وابن ماجه.
    [عن مالك وهو ابن نمير الخزاعي ].
    مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي وابن ماجه أيضاً.
    [عن أبيه]
    وهو نمير الخزاعي.
    أبو داود، والنسائي وابن ماجه.
    الأسئلة

    صلاة المرأة في الروضة
    السؤال: ما حكم صلاة المرأة في الروضة إذا مكنت من ذلك؟الجواب: لا بأس، المرأة إذا جاءت للمسجد وصلت فيه أو تيسر لها الوصول إلى الروضة تصلي بها، الروضة مكان له ميزة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) يدل على تميزه، لكن هذا إنما يكون في النفل وليس في الفرض، أما الفرض فإن صلاة المصلين في الصفوف الأول أفضل من الصلاة في الروضة، بل الصفوف اليمنى التي هي محاذية للروضة هي أفضل منها، يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحث على ميامن الصفوف، ومعلوم أن ميامن الصفوف ليست في الروضة أو بعضها ليست في الروضة.


  19. #239
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (236)

    - (باب النهي عن الإشارة بأصبعين، وبأي إصبع يشير) إلى (باب النهي عن رفع البصر إلى السماء عند الدعاء)
    نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإشارة بأصبعين عند التشهد، وورد من فعله أنه كان يحني السبابة شيئاً، كما نهى عن رفع المصلي بصره إلى السماء.

    النهي عن الإشارة بأصبعين وبأي إصبع يشير
    شرح حديث: (أن رجلاً كان يدعو بأصبعيه فقال رسول الله: أحّد أحّد)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن الإشارة بأصبعين وبأي إصبع يشير.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أن رجلاً كان يدعو بأصبعيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحد أحد)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب النهي عن الإشارة بأصبعين وبأي أصبع يشير، المقصود من هذه الترجمة: أن المصلي في تشهده عندما يقبض الخنصر، والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير في تشهده فإنه يشير بإصبع واحدة وهي السبابة، ولا يشير بأصابع أخرى غير أصبع السبابة من اليمنى، هذا هو المقصود من الترجمة، النهي عن الإشارة بأصبعين وبأي أصبع يشير، أي: أنه يشير بأصبع واحدة هي السبابة من اليد اليمنى، ولا يجوز له أن يشير بغيرها، وإنما الإشارة بها وحدها.
    وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً يدعو بأصبعيه، يعني: يشير بأصبعيه عند الدعاء، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال له: (أحد أحد) أي: أشر بأصبع واحدة؛ لأنك تدعو الله وحده لا شريك له، فهو يدعو إلهاً واحداً فيشير بأصبع واحدة إشارة إلى هذا الإله الواحد الحق، وهو الله سبحانه وتعالى، قوله: (أحد أحد) يعني: أمر بأن يستعمل أصبعاً واحدة، والثانية تأكيد للأولى، أحد الثانية هي تأكيد للأولى أي: أنه يشير بأصبع واحدة لا يشير بأكثر منها، وهذا الرجل مبهم لم يأت ذكره، أي: الرجل الذي رآه النبي عليه الصلاة والسلام.
    والحديث الثاني قد يكون بياناً له، وأن المراد به: سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حيث أنه قال: أنه رآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشير بأصابعه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أحد أحد) ويحتمل أن يكون هو المراد، وأن أبا هريرة رضي الله عنه أشار إليه وأبهمه، وسعد تحدث عن نفسه في الحديث الذي بعد هذا، وأنه كان يفعل هذا الفعل، ويعمل هذا العمل وهو الإشارة بأصابعه، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال له: (أحد أحد) .
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رجلاً كان يدعو بأصبعيه فقال رسول الله: أحّد أحّد)
    قوله: [أخبرنا
    محمد بن بشار].محمد بن بشار هو: الملقب بندار وهو مصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري وكانت وفاته سنة (252هـ) أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، يشارك محمد بن بشار في الوفاة في سنة (252هـ) وأيضاً مشيخة أصحاب الكتب الستة وكونهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة اثنان آخران هما محمد بن المثنى الملقب الزمن، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء ثلاثة من صغار شيوخ البخاري روى عنهم أصحاب الكتب الستة، وهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وكانت وفاتهم أي: هؤلاء الثلاثة في سنة واحدة، وهي سنة (252هـ) أي: أنهم ماتوا قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.

    [حدثنا صفوان بن عيسى].
    وهو القسام وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن عجلان].
    وهو محمد بن عجلان المدني وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، أي: أن الذين خرجوا له مثل الذين خرجوا لتلميذه صفوان بن عيسى، كل من الاثنين خرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن القعقاع].
    هو القعقاع بن حكيم الكناني وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي صالح].
    وهو ذكوان السمان كنيته أبو صالح مشهور بها واسمه ذكوان ولقبه السمان، فكنيته أبو صالح واسمه ذكوان ولقبه السمان، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، ومعرفة كنى المحدثين لها أهمية، وذلك أن الشخص إذا عرفت كنيته، ثم ذكر باسمه في موضع وذكر بكنيته في موضع آخر لا يلتبس على من يعرف أن الكنية لصاحب هذا الاسم، لا يلتبس عليه الأمر فلا يظنهما شخصين، وإنما يعرف أنهما شخص واحد ذكر باسمه في بعض المواضع، وذكر بكنيته في بعض المواضع، ويروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق؛ لأن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام سبعة هم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عباس، وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهؤلاء سبعة عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    وأبو هريرة رضي الله عنه أكثر هؤلاء السبعة حديثاً على الإطلاق، وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا الإسناد فيه أبو هريرة، وأبو صالح، ومحمد بن عجلان هؤلاء مدنيون.
    شرح حديث سعد ابن أبي وقاص: (مر علي رسول الله وأنا أدعو بأصابعي فقال: أحّد أحّد وأشار بالسبابة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن سعد رضي الله عنه قال: (مر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصابعي فقال: أحد أحد وأشار بالسبابة) ].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام مر به وهو يدعو بأصابعه، يحتمل أن يكون بأصبعين وبأكثر، والإصبعان يطلق لفظ الجمع عليهما؛ لأن المثنى قد يطلق عليه لفظ الجمع، وجاء ذلك في القرآن الكريم في قول الله عز وجل: ( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا )[التحريم:4] فإن المراد به امرأتان وقد ذكرت قلوبهما بالتثنية، وهما قلبان فذكر القلبان بصيغة الجمع، وكذلك أيضاً بالنسبة للضمائر قد يأتي لفظ الجمع يراد به الاثنين كما قال الله عز وجل: ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ )[الأنبياء:78] وهما اثنان، فإن لفظ الجمع يطلق على الاثنين، وأقل الجمع في اللغة العربية يطلق على الاثنين، وأما عند النحاة فإن أقل الجمع ثلاثة؛ لأن اللفظ مفرد ومثنى وجمع، فأقل الجمع عند النحاة ثلاثة، وأقل الجمع في اللغة اثنان، وكذلك عند الفقهاء، وقد جاء في القرآن الكريم إطلاق لفظ الجمع على الاثنين، كما في المثالين من القرآن الذي ذكرتهما، وكذلك إطلاق لفظ الإخوة في المواريث، (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ )[النساء:11] فإن المقصود بذلك أن اثنين من الإخوة يحجبان الأم من الثلث إلى السدس؛ فإن لفظ إخوة لفظ جمع ويطلق على الاثنين، وكذلك عند الفقهاء، يطلق الجمع على الاثنين، ولهذا يقول الجماعة أقلها اثنان إمام ومأموم، فقوله: بأصابع، هذا الحديث قد يكون هو مفسر، أو معين المبهم في حديث أبي هريرة، وأنه سعد بن أبي وقاص، ويحتمل أن يكون غيره، وذكر الإصبعين في حديث أبي هريرة، وذكر الأصابع في حديث سعد، لا يدل على التنافي وأن القصة قد تكون قصتان، لكن يمكن أن يكون المراد بذلك الرجل المهمل في حديث أبي هريرة هو سعد بن أبي وقاص، ولكن النفي بين ذكر المثنى أو التثنية بالأصابع في حديث أبي هريرة والجمع، جمع الأصابع في حديث سعد؛ لأنه كما قلت يمكن أن يطلق لفظ الجمع على المثنى فيكون قوله: بأصابع أي: بأصبعي، وأطلق على الأصبعين أنهما جمع.
    فيكون على هذا لا تنافي بين الاثنين إذا كان مراد أبي هريرة رضي الله عنه، بالرجل المبهم المراد به سعد، ويحتمل أن يكون غيره، وتكون قصتان، أي: ويحتمل أن يكون الرجل المبهم غير سعد، وتكون قصتان، وحديث سعد دال على ما دل عليه حديث أبي هريرة، من جهة أن المصلي عندما يشير في تشهده يشير بأصبع واحدة، يريد بذلك أن الله تعالى واحد، ويشير إليه سبحانه وتعالى وأنه الإله الحق الذي لا معبود بحق سواه سبحانه وتعالى.
    تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص: (مر علي رسول الله وأنا أدعو بأصابعي فقال: أحّد أحّد وأشار بالسبابة)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا أبو معاوية].
    هو محمد بن خازم الكوفي وهو ثقة، هو أحفظ الناس لحديث الأعمش، وهو هنا يروي عن الأعمش وهو مشهور بكنيته أبو معاوية، واسمه محمد بن خازم ،كنيته أبو معاوية وهو مشهور بها وهو ثقة، هو أحفظ الناس لحديث الأعمش، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب اشتهر به سليمان بن مهران، ومعرفة ألقاب المحدثين مهمة، وذلك أن فائدة معرفتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر في بعض الأحايين باسمه وفي بعضها بلقبه، فإن من لم يعرف أن اللقب لصاحب الاسم يظن أن الأعمش شخص، وأن سليمان بن مهران شخص آخر، لكن من عرف أن الأعمش لقب لـسليمان بن مهران لا يلتبس عليه الأمر إذا ذكر أحياناً باسمه، وأحياناً يجده مذكوراً بلقبه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي صالح].
    هو ذكوان السمان الذي مر ذكره بالإسناد الذي قبل هذا، وسعد هو: ابن أبي وقاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة الذين شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث واحد، سردهم وسماهم وقال: إنهم في الجنة، وقال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وطلحة بن عبيد الله في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة) سردهم في حديث واحد وقال: إنهم من أهل الجنة، ولهذا اشتهروا بلقب العشرة المبشرين بالجنة، وليست الشهادة بالجنة لهؤلاء العشرة فقط، بل جاءت الشهادة لغيرهم، لكن غلب على هؤلاء لفظ العشرة المبشرين بالجنة؛ لأنهم بشروا بالجنة في حديث واحد، سردهم النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا قد شهد لآخرين كما شهد لـبلال، وشهد للحسن والحسين، وشهد لـثابت بن قيس بن شماس، ولـعكاشة بن محصن، ولعدد كبير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم وأرضاهم، جاءت الأحاديث بالشهادة بالجنة لعدد منهم، لكن هؤلاء غلب عليهم هذا الوصف الذي هو العشرة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سردهم بحديث واحد وبشرهم بالجنة.
    وسعد رضي الله تعالى عنه وأرضاه، هو الذي جعله عمر رضي الله عنه من الستة، الذين هم أصحاب الشورى الذين وكل إليهم اختيار خليفة للمسلمين، بعد أن طعنه المجوسي الطعنة التي أودت بحياته ونال الشهادة بها، وجعل الأمر إلى ستة منهم: سعد بن أبي وقاص، ولمكانة سعد رضي الله عنه وأرضاه أمره عمر على الكوفة، وحصل بينه وبين أهل الكوفة شيء من الوحشة، وآذوه وتكلموا فيه وقدحوا فيه حتى جاء في بعض الأحاديث أنهم شكوه إلى عمر، وقالوا: أنه لا يحسن الصلاة، وهو رجل من أهل الجنة يمشي على الأرض، والناس يعلمون أنه من أهل الجنة، ومع ذلك يصل البغض والكلام بغير حق بأن يتكلم بعض أهل الكوفة فيه بمثل هذا الكلام، لكن عمر رضي الله عنه وأرضاه لم ينس أن ينبه إلى فضله بعد أن اختاره وجعله من الستة، فخشي أن ينظر إلى الماضي وأن يقال: كيف يعزله عمر من الكوفة ويتولى الخلافة، نبه رضي الله عنه وأرضاه إلى فضل سعد، فقال رضي الله تعالى عنه، كما في صحيح البخاري: فإن أصابت الإمارة سعد فذاك يعني: فهو أهل لها، وإلا فليستعن به من أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة.
    أشار رضي الله تعالى عنه وأرضاه إلى أن العزل لم يكن لسبب عجز، ولا خيانة، وإنما كان سببه ما خشيه من الفتنة وأنه قد يعتدي عليه بعض السفهاء فينالون منه، ويصيبه مضرة بسبب ذلك، فرأى أن المصلحة أن يعزله لكنه لم ينس أن ينبه إلى فضله وإلى أنه أهل للخلافة إن اختير لها، وأيضاً كذلك أهل لأن يستشار إن لم يتم اختياره للخلافة، وهذا من فضل عمر رضي الله عنه، وحكمته، وإنصافه، ومعرفته الفضل لأهل الفضل؛ فإنه قال: فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة؛ لأن العجز والخيانة هما السبب الذي ينبغي أن يتم العزل بسببه؛ لأن العجز يترتب عليه الفوضى وانفلات الأمور، وإن كان الرجل طيباً وصالحاً لكنه إذا كان ضعيفاً تنفلت منه الأمور فهو لا يصلح للولاية، وكذلك لو كان قوياً وحازماً، ولكنه خائن وليس بأمين لا يصلح للولاية، بل من الأمور التي تلاحظ في الوالي الذي يولى ويختار الولاية أن يكون قوياً أميناً، وخلاف ذلك أن يكون خائناً عاجزاً، فالعجز والخيانة ضد القوة والأمانة، وقد قالت إحدى ابنتي الرجل الصالح في سورة القصص: ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ )[القصص:26].
    فـسعد رضي الله عنه وأرضاه قوي أمين، وليس بخائن ولا عاجز، ولكن عمر رضي الله عنه، عزله عن الكوفة لما جرى من شدة الوحشة التي جرت بينه وبينهم حتى وصل بهم الأمر إلى أن قالوا: أنه لا يحسن الصلاة، وأنه لا يحسن يصلي، مع أن الجميع يعلمون بأنه من أهل الجنة، ولكن هكذا يفعل الحقد إذا ملأ النفوس يجعل بعض الذين لا يوفقون للصواب يتكلمون بغير الحق يعني: كما حصل من أهل الكوفة في حق هذا الرجل العظيم، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو آخر العشرة المبشرين بالجنة موتاً.
    إحناء السبابة في الإشارة
    شرح حديث نمير الخزاعي في إحناء السبابة في الإشارة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إحناء السبابة في الإشارة.أخبرني أحمد بن يحيى الصوفي أخبرنا أبو نعيم حدثنا عصام بن قدامة الجدلي حدثني مالك بن نمير الخزاعي من أهل البصرة أن أباه حدثه: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً في الصلاة واضعاً ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعاً أصبعه السبابة قد أحناها شيئا وهو يدعو).
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب إحناء السبابة في الإشارة يعني: عند الإشارة، المقصود بالإحناء هو الإمالة، وقد أورد النسائي حديث نمير الخزاعي رضي الله تعالى عنه أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام واضعاً ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى ورفع أصبعه وقد أحناها، (رفع أصبعه السبابة قد أحناها شيئاً وهو يدعو)، يعني: أحناها شيئاً إحناءً خفيفاً، والمقصود بالإحناء هو الإمالة، والإشارة بالسبابة جاءت فيها أحاديث كثيرة وقد مرت، ولكن ذكر الإحناء جاء في هذه الرواية، وقد ذكر الشيخ الألباني أن هذه الزيادة التي هي زيادة الإحناء غير صحيحة وغير ثابتة؛ لأنها ما جاءت إلا من هذا الطريق، وهذا الطريق فيه رجل مقبول، وهو الذي يعتمد على حديثه عند المتابعة، ولم يتابع على ذكر الإحناء، فتكون هذه الزيادة غير ثابتة، أما التشهد وتحريك الإصبع بالتشهد عند الإشارة بها، وعند الدعاء بها فهذا جاء في بعض الأحاديث.
    تراجم رجال إسناد حديث نمير الخزاعي في إحناء السبابة في الإشارة
    قوله: [أخبرني أحمد بن يحيى].هو أحمد بن يحيى الصوفي، وكلمة أخبرني يؤتى بها بالإفراد، فأحياناً يقول المحدث: أخبرني وأحياناً يقول: أخبرنا، والفرق بينهما أن أخبرني إذا كان أخذ عن الشيخ وحده ليس معه أحد فيعبر بالإفراد فيقول: أخبرني، وإذا كان أخذ ومعه غيره يقول: أخبرنا، لكن كلمة أخبرني تدل على أنه أخذ وحده، وأنه تحمل وحده لم يتحمل معه أحد عند الأخذ من الشيخ، وأحمد بن يحيى الصوفي هو: الكوفي وهو ثقة، عابد، أخرج له النسائي وحده.
    [أخبرنا أبو نعيم].
    وهو الفضل بن دكين الكوفي وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو نعيم، وهو: من شيوخ البخاري من كبار شيوخ البخاري الذين روى عنه مباشرة، والنسائي روى عنه بواسطة؛ لأن النسائي متأخر، فهو يروي عن أبي نعيم بواسطة، والبخاري يروي عنه مباشرة، فهو من كبار شيوخ البخاري، وهو مشهور بكنيته أبو نعيم، وممن اشتهر بـأبي نعيم شخص آخر متأخر وهو صاحب الحلية أبو نعيم الأصبهاني المتوفى سنة (430هـ) فهو مشهور أيضاً بهذه الكنية، ولكن هذا متأخر كثيراً عن ذاك؛ لأن هذا توفي في أوائل القرن الثالث، وأما ذاك ففي أوائل القرن الخامس سنة 430هـ، وأبو نعيم الفضل بن دكين هو شيخ البخاري، وشيخ مسلم، هو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    وقد ذكره الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري من جملة الرجال الذين لمزوا بشيء لا يقدح ولا يؤثر، وقال: إن الذي ذكر عنه أنه كان يتشيع، هذا هو الذي أورده الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح، من أجل أنه تكلم فيه بالتشيع، لكنه نقل عنه ما يدل على سلامته من هذا السوء الذي هو مذهب الشيعة وطريقة الشيعة أو التشيع، أي: التشيع الضار الذي يؤثر، نقل عنه كلمة عظيمة في ترجمته في مقدمة الفتح أنه قال: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية، ما كتبت علي الحفظة أي: الملائكة، أنني سببت معاوية، ومن المعلوم أن سب معاوية من أسهل الاشياء عند الشيعة، بل إن الزيدية الذين هم أحسن حالاً من الرافضة الإمامية يتكلمون في معاوية ويسبونه، ولا يسبون الشيخين أبا بكر، وعمر، ولكنهم يسبون معاوية، فسب معاوية سهل عند المنتمين إلى هذا المنهج الذي هو التشيع، لكن قوله: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية تدل على سلامته؛ لأن معاوية رضي الله عنه، الكلام فيه عند الشيعة قدر مشترك وسهل ميسور، وأبو نعيم يقول: ما كتبت عليّ الحفظة أنني سببت معاوية، وهذا يدل على سلامته مما رمي به ومما أضيف إليه.
    لكن هناك شيئاً قد يضاف إلى الشخص التشيع بسببه وهو لا يؤثر، وهو: تفضيل علي على عثمان رضي الله عنه؛ لأن بعض علماء أهل السنة نقل عنهم تفضيل علي على عثمان يعني: في الفضل لا في الخلافة، ومنهم: ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن أبي حاتم صاحب الجرح والتعديل الإمام ابن الإمام، ومنهم عبد الرزاق بن همام، ومنهم الأعمش، ومنهم ابن خزيمة، هؤلاء نسب إليهم القول بتفضيل علي، على عثمان، ولكن هذه لا تؤثر ولا تقدح، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر العقيدة الواسطية أن تفضيل علي، على عثمان، قال به جماعة من أهل السنة ولا يبدع من قال بذلك، وإنما الذي يبدع به القول بتفضيله عليه في الخلافة؛ لأن من قال ذلك فإنه يعترض على عمل الصحابة، الذين قدموا عثمان، على علي، رضي الله تعالى عنه.
    إذاً: فالتشيع قد يضاف إلى بعض الأشخاص بسبب هذا، ومن المعلوم أن مثل ذلك لا يؤثر.
    [حدثنا عصام بن قدامة].
    هو عصام بن قدامة الجدلي وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثني مالك بن النمير].
    هو مالك بن النمير الخزاعي البصري وهو مقبول، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه أيضاً يعني: مثل الذين خرجوا لـعصام بن قدامة الجدلي، الاثنان كل منهما خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبيه].
    هو نمير الخزاعي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    موضع البصر عند الإشارة وتحريك السبابة
    شرح حديث: (... وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [موضع البصر عند الإشارة وتحريك السبابة.أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى عن ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: موضع البصر عند الإشارة وتحريك السبابة أي: في التشهد، وهو أنه يكون إلى السبابة، وأورد فيه حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا قعد في التشهد وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته).
    (وأشار بالسبابة) يعني: السبابة من اليمنى. (لا يجاوز بصره إشارته) يعني: أنه ينظر إلى أصبعه عندما يشير بها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته)
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة بدون واسطة، وهو الذي ذكرت آنفاً أن وفاته سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وأنه مثل محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، في أن الثلاثة ماتوا بسنة واحدة، وأن كل واحد منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثني يحيى].
    وهو يحيى بن سعيد القطان المحدث، الناقد، الثقة، البصري، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عجلان].
    ابن عجلان وقد مر ذكره.
    [عن عامر بن عبد الله بن الزبير].
    عامر بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    وهو عبد الله بن الزبير بن العوام صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنه، وعن أبيه، وعن الصحابة أجمعين، وعبد الله بن الزبير هو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة الذين هم من صغار الصحابة، وهم عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس، هؤلاء الأربعة أطلق عليهم لقب العبادلة من الصحابة، فإذا جاء في مسألة قال بها العبادلة الأربعة، فإن المراد بهم هؤلاء الأربعة الذين هم من صغار أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعبد الله بن الزبير هو أول مولود ولد بعد الهجرة من المهاجرين، وذلك أن أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها ولدته بعد ما وصلوا إلى قباء مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان نزولهم في قباء قبل أن يصلوا إلى وسط المدينة وإلى هذا المكان الذي بنى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مسجده وحجره، كان نزل أياماً في قباء، وكانت أسماء معهم فولدت هناك، ولدت ابنها عبد الله، فحنكه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    النهي عن رفع البصر إلى السماء عند الدعاء في الصلاة
    شرح حديث: (لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء في الصلاة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن رفع البصر إلى السماء عند الدعاء في الصلاة.
    أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح عن ابن وهب حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: النهي عن رفع البصر إلى السماء عند الدعاء في الصلاة، أي: أنه لا يجوز للمصلي أن يرفع بصره إلى السماء يدعو وإنما يكون بصره إلى موضع سجوده حيث يكون قائماً، وكذلك ينظر إلى أصبعه كما مر في الحديث الذي قبل هذا، وأما رفع البصر إلى السماء فإنه لا يجوز، وقد جاء النهي عنه في هذا الحديث الذي أورده النسائي وهو دال على التحذير من هذا العمل، وأنه قد يعاقب صاحبه بأن يسلب بصره إذا رفع بصره إلى السماء فقال: (لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء في الدعاء أو لتخطفن أبصارهم)، يعني: إذا لم ينتهوا قد يعاقبوا بهذه العقوبة وهي خطف أبصارهم، لم؛ لأنهم يسلبوها ويفقدوها بسرعة كما يحصل فقدان البصر عند حصول شيء مفاجئ مثل البرق (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ )[البقرة:20] يعني: أنه يسلبها من شدة لمعانه وإضاءته، فإذا لم ينتهوا فإنهم يعرضون أنفسهم لهذه العقوبة العاجلة التي يفقدون معها أبصارهم فتكون العقوبة معجلة في الدنيا، وهو يدل على الوعيد، وأن الإنسان قد يعاقب على الذنب بعقوبة عاجلة في الدنيا، بأن يحصل له شيء يضره في جسده أو يضره في نفسه أو ماله أو ولده، أو ما إلى ذلك، والحديث دال على أنه قد تحصل له العقوبة بأن يفقد بصره الذي رفعه إلى السماء، فهو دال على التحذير من ذلك، وعلى المنع من ذلك وأن ذلك حرام لا يسوغ ولا يجوز.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء في الصلاة ...)
    قوله: [أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح].هو أبو طاهر المصري وهو ثقة، خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن ابن وهب].
    وهو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الليث].
    وهو ابن سعد المصري وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو محدث، فقيه كان فقيه مصر ومحدثها في زمانه.
    [عن جعفر بن ربيعة].
    هو جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    وهو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعرج لقب، واسمه عبد الرحمن بن هرمز، وقد ذكرت عند الأعمش، أن معرفة ألقاب المحدثين مهمة، فائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر باسمه مرة وبلقبه أخرى، وحديث الأعرج عند أصحاب الكتب الستة.
    عن أبي هريرة وقد مر ذكره، وهذا الإسناد أكثر رجاله مصريون كلهم إلا الأعرج وأبو هريرة، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، وعبد الله بن وهب، والليث بن سعد، وجعفر بن ربيعة، هؤلاء الأربعة مصريون، وأما الأعرج، وأبو هريرة فهما مدنيان
    الأسئلة

    فضل الصلاة في المسجد النبوي
    السؤال: هل ثبت في السنة أن من صلى في المسجد النبوي أربعين صلاة أعتق من النار، أو غفر له ما تقدم من ذنبه؟الجواب: لم يثبت في ذلك شيء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما ورد فيه حديث ضعيف لا يعول عليه، لكن المسلم كلما صلى في هذا المسجد، فأي صلاة يصليها فهي بألف صلاة، الفريضة بألف فريضة والنافلة بألف نافلة، كقوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) لكن لا تحديد بعدد معين، ولا تحديد بأيام معلومة، بل الأمر في ذلك واسع، وكلما زاد الإنسان فهو خير له؛ لأن الصلاة بألف صلاة، لكن تحديد أيام معلومة أو صلوات معلومة لم يثبت في ذلك شيء، وقد ورد في ذلك حديث ضعيف لا يعول عليه.
    حكم سحب الدم من المريض وهو صائم
    السؤال: هل سحب الدم من المريض يفطر إن كان صائماً؟الشيخ: سحب الدم إذا كان خفيفاً لا يؤثر على جسده فإنه لا يؤثر على صيامه، وأما إذا كان كثيراً يحصل معه ضعفه فهذا يكون مثل الحجامة، أما إذا أخذ لتحليل الدم يعني دم يسير وليس بكثير يترتب عليه ضعفه مثل ما يحصل بالنسبة للحجامة فإن اليسير لا يؤثر، خروج الدم اليسير لا يؤثر على الصيام.
    انتقاض الوضوء بخروج الدم
    السؤال: وهل يؤثر على الوضوء؟الجواب: بعض العلماء يقول: أنه إذا خرج من الجسد دم كثير فإنه يؤثر في الوضوء، ومنهم من يقول إن خروج الدم مطلقاً لا يؤثر يعني: في نقض الوضوء.
    مدى تأثير الغبار على الصيام
    السؤال: هل الغبار أو التراب يفطر الصائم؟الجواب: لا، الشيء الذي يأتي خارج عن إرادة الإنسان كأن يدخل غبار مع أنفه ويصل إلى حلقه لا يؤثر، لا يؤثر على صيامه شيء.
    حكم الحديث الذي رواه التابعي عن الصحابي دون سماعه منه
    السؤال: إذا روى التابعي عن الصحابة ولم يسمع منهم فمن أي أقسام الحديث؟الجواب: إذا روى التابعي عن الصحابي ولم يسمع منه يعتبر منقطع لأن فيه واسطة.
    نعم، إذا روى التابعي عن الصحابي وهو لم يسمع منه معناه أن فيه انقطاعاً، معناه: أن فيه واسطة محذوفة ما دام أنه لم يسمع منه يعني: معناه أن فيه انقطاع.
    القول الراجح في عدد مرات الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم
    السؤال: ما صحة من يقول بتعدد الإسراء بالرسول عليه الصلاة والسلام، وما هو الراجح عندكم؟الجواب: الراجح أنه ليس بمتعدد وأنه أسري به مرة واحدة؛ لأن أحاديث الإسراء على اختلاف ألفاظها كلها جاء فيها فرض الصلوات الخمس، وحصول التردد بين موسى وبين ربه، ويطلب التخفيف، فلو كان تعدد مرات كيف يفرض عليه في المرة الأولى ثم يرجع ويعاد له الفرض ويكون هناك مراجعة للتخفيف، يعني: هذا يدل على عدم التعدد، يعني: كون الأحاديث التي جاء فيها الإسراء مع اختلاف ألفاظه أنها مشتملة على حصول فرض الصلوات الخمس.



  20. #240
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (237)

    - (باب إيجاب التشهد) إلى (باب نوع آخر من التشهد)

    كان الصحابة لا يعلمون ماذا يقولون في جلوس التشهد حتى علمهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بأدائه، وقد ثبت بعدة صيغ.
    إيجاب التشهد
    شرح حديث ابن مسعود: (كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد: السلام على الله ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إيجاب التشهد.أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن أبو عبيد الله المخزومي حدثنا سفيان عن الأعمش ومنصور عن شقيق بن سلمة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد: السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا، فإن الله عز وجل هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) ].
    يقول النسائي رحمه الله: باب إيجاب التشهد.
    المقصود من هذه الترجمة: هو بيان أن التشهد واجب؛ لازم على المصلي أن يأتي به، فقد أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: (كنا نقول قبل أن يفرض التشهد: السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل، فقال عليه الصلاة والسلام: لا تقولوا هكذا، وقولوا: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) .
    هذا هو التشهد الذي علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إياه، وأرشدهم إلى أن يأتوا به وأن يقولوه، ونهاهم أن يقولوا مثل ما كانوا يقولونه من قبل، وهو أنهم يقولون: السلام على الله قال: لأن الله هو السلام، والسلام: هو دعاء للمسلم عليه، والله عز وجل يدعى ولا يدعى له، والذي يسلم عليه يدعى له؛ لأن قوله: فالسلام عليك يعني: هو دعاء لأن يسلمه الله عز وجل، السلام عليك ورحمة الله وبركاته دعاء للمسلم عليه بأن يسلمه الله عز وجل، والله عز وجل يدعى ولا يدعى له، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقولوا هكذا)، وأرشدهم إلى أن يأتوا بالتشهد الذي بينه لهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وكانوا يقولون أيضاً: (السلام على جبريل وميكائيل)، وقد أتى النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد بشيء يشمل هذا ويزيد عليه، وهو (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، فإن كلمة: (عباد الله الصالحين) تشمل كل عبد صالح في السماء والأرض، ويدخل في ذلك جبريل وميكائيل من الملائكة وغيرهم، وكذلك يدخل عباد الله الصالحون في الأرض، فإنها تشمل كل عبد صالح في السماء والأرض. فإذاً: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) تؤدي ما تؤديه العبارة التي كانوا يقولونها وهي: السلام على جبريل وميكائيل، وهذا السلام العام الذي هو لكل عبد صالح في السماء والأرض.
    إذاً: فقد نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يقال: السلام على الله من عباده؛ لأن الله تعالى هو السلام، وهو الذي يدعى والمسلم عليه يدعى له، والله تعالى هو الذي يدعى وغيره يدعى له.
    ثم قال: ولكن قولوا: (التحيات لله) و(التحيات) من المعلوم أن من يحيى يعظم التعظيم الحقيقي، والتحيات الحقيقيات التي هي مشتملة على التعظيم لمن يحيى إنما هي في الحقيقة لله سبحانه وتعالى، فهو المستحق لذلك على الحقيقة.
    (والصلوات) يشمل الصلوات المفروضة والنوافل، وكذلك أيضاً يمكن أن يكون المراد به أيضاً: الدعوات يعني: أن الصلاة هي في اللغة الدعاء: وفي الشرع: هي الصلوات التي هي أقوال، وأفعال مبتدأة بالتكبير مختتمة بالتسليم، فالصلاة المفروضة التي هي الخمس وغيرها من النوافل التي هي أقوال وأفعال مبتدأة بالتكبير مختتمة بالتسليم هي لله عز وجل، وكذلك الدعاء لله تعالى، فهو الذي يدعى وهو الذي يرجى وهو الذي يعول عليه.
    (والطيبات)، الطيبات من القول، والفعل كل طيب هو لله عز وجل، (والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً)، فيدخل في ذلك الكلام الطيب والثناء الحسن، فإنه لله عز وجل، فهو المستحق لذلك على الحقيقة، وإن كان غيره يثنى عليه، لكن بحسب ما يليق به ودون تجاوز للحدود، أو غلو وإطراء يخرج بالمخلوق عما يستحقه إلى ما لا يستحقه، فالمستحق لذلك هو الله سبحانه وتعالى.
    (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، النبي عليه الصلاة والسلام يدعى له، ولهذا فإن السلام على النبي عليه الصلاة والسلام فيه دعاء له بالسلامة وكذلك الدعاء له بالرحمة والبركة.
    (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، السلام علينا يعني: هو دعاء لنا ودعاء لعباد الله الصالحين، فيشمل ذلك كل عبد صالح في السماء والأرض، ثم يدل هذا على أن الإنسان إذا وفقه الله عز وجل لأن يكون من أهل الصلاح والاستقامة، فإن له نصيب من دعاء الداعين الذين يدعون بهذا الدعاء، حيث يقول كل مصل في صلاته وفي تشهده: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، فإذا صلح الإنسان فإنه يكون أهلاً لهذه الدعوات، التي تحصل من كل مصل يدعو لنفسه، ويدعو لعباد الله الصالحين، فإذا كان العبد صالحاً مستقيماً على أمر الله، مستقيماً على طاعة الله عز وجل فإنه يكون بذلك من أهل هذه الدعوات، التي تصدر من كل مصل يدعو لنفسه ويدعو لعباد الله الصالحين، وهذه من ثمرة الصلاح والاستقامة على أمر الله، أن الله عز وجل يعطيه، ويجعل كل مصل يدعو بهذا الدعاء، ويكون ذلك شاملاً لعباد الله الصالحين.
    (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، والشهادة لله عز وجل بأنه الإله الحق الذي لا يجوز أن يصرف شيء من أنواع العبادة لغيره، بل العبادة: إنما هي حقه فهو المستحق لأن يعبد وحده لا شريك له.
    ومعنى: أشهد أن لا إله إلا الله، أي: أشهد أنه لا إله يستحق العبادة إلا هو سبحانه وتعالى، وإلا فإن الآلهة الذين لا يستحقونها كثيرون، وكل من يعبد غير الله فإنما يعبد آلهة من دون الله، ولكن تلك الآلهة لا تنفع أصحابها، بل إنهم يتضررون من عبادتهم لها؛ لأنهم أشركوا بالله عز وجل غيره، والذي يعبد الله وحده هو الذي صرف العبادة لمن يستحقها، ولم يصرفها لغير من يستحقها، فإذا قال العبد: أشهد أن لا إله إلا الله، معنى ذلك: أنه يشهد بأن الله تعالى هو الإله الحق الذي لا تصلح العبادة إلا له، ولا يجوز أن يصرف شيء من أنواع العبادة إلا له سبحانه وتعالى، فهو المعبود وحده لا شريك له، وكما أنه لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا محيي إلا الله، ولا مميت إلا الله، فلا معبود بحق سواه سبحانه وتعالى، هو المتفرد بالخلق والإيجاد فهو الذي يستحق ويجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له.
    والعبادة: هي كون الإنسان يصرف جميع أنواع العبادة لله عز وجل، فلا يستعيذ إلا بالله، ولا يستعين إلا بالله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يذبح إلا لله، ولا ينذر إلا لله، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يتوجه في جميع أموره وجميع حوائجه إلا إليه سبحانه وتعالى كما قال في سورة الفاتحة: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )[الفاتحة:5] أي: أنك أنت المستحق للعبادة وحدك لا شريك لك، وأنت المستعان، فيشهد العبد لله عز وجل بأنه الإله الحق الذي لا يجوز أن يصرف شيء من أنواع العبادة لغيره، ثم بعد ذلك يشهد بأن محمداً عبد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فيشهد له بالعبودية لله عز وجل والرسالة من الله عز وجل أرسله رحمة للعالمين، فهاتان الشهادتان هما أساس الدين، وهما أصل الدين، ولا يكون العبد مسلماً إلا إذا شهد لله بالوحدانية، وشهد لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
    ومن مقتضيات شهادة أن محمداً رسول الله: أن يطاع في كل ما يأمر به، وأن ينتهى عن كل ما ينهى عنه، وأن يصدق في كل ما يخبر به، وأن لا يعبد الله إلا طبقاً لشريعته؛ فلا يعبد تبعاً للهوى، ولا بالبدع والمنكرات والمحدثات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما تكون العبادة لله خالصة، ولسنة نبيه محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه موافقة، ولهذا جاء عن الفضيل بن عياض، رحمة الله عليه أنه قال في قول الله عز وجل: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا )[الملك:2] فقال: العمل الأحسن هو الأخلص الأصوب، فالأخلص ما كان لله، والصواب ما كان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذان هما شرطا قبول العمل؛ لأن كل عمل يعمله العبد لا يقبل منه إلا إذا توفر فيه شرطان: أن يكون لله خالصاً، وأن يكون لسنة نبيه محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه موافقاً، فلا بد من الإخلاص، ولا بد من المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام.
    فالعبادة تكون لله خالصة، وتكون تلك العبادة طبقاً لما شرعه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وإذا اختل أحد هذين الشرطين فإن العمل يكون مردوداً، فإذا كان العمل ليس لله خالصاً فإنه لا يقبل، ولو كان العمل مطابقاً للسنة من حيث الفعل لكن لما دخله الشرك ودخله عدم الإخلاص فإنه لا ينفع، ولو كان العمل لله خالصاً، وقصد الإنسان حسناً ولكنه كان على خلاف السنة، وكان على وفق البدعة وعلى وفق الهوى فإنه أيضاً لا يقبل؛ لأنه لم يكن طبقاً لما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، والمسلم لا يعبد الله إلا طبقاً لشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ورد) وفي رواية لـمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهي أعم من الرواية السابقة؛ لأنها تشمل العمل مطلقاً، سواء كان الذي عمله هو المحدث، أو أنه متابع لغيره في ذلك العمل المبتدع (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فإنه لا بد من هذين الشرطين، ولا بد من هذين الأمرين: إخلاص العمل لله، وأن يكون ذلك مطابق لسنة رسول الله، وهذا هو الذي يقال له: تجريد الإخلاص لله وحده، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، تجريد الإخلاص لله وحده فلا يعبد مع الله غيره، وتجريد المتابعة للرسول، فالذي يطاع ويتبع وهو معصوم فيما يصدر منه هو رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، كما قال الله عز وجل: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى )[النجم:3] (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى )[النجم:4]، وقال بعض العلماء: توحيدان لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد الرسول وتوحيد المرسل، توحيد المرسل: وهو الله بالإخلاص وإفراده بالعبادة، وتوحيد الرسول: بالمتابعة، توحيد الرسول: وهو محمد عليه الصلاة والسلام يوحد بالمتابعة، بمعنى: أن الإنسان يسير طبقاً لما جاء به من الحق والهدى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، هذا هو التشهد الذي بينه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام لأصحابه وفيه امتثال قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )[الأحزاب:56] فإن العبد إذا سلم هذا السلام على رسول الله في الصلاة، وفي التشهد كذلك صلى وسلم عليه، فإنه يكون بذلك ممتثلاً لقول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )[الأحزاب:56].
    وقد جاء في بعض الأحاديث التي ستأتي في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: (قد علمنا كيف نسلم عليك -أي: في التشهد، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته- فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، وستأتي تلك الصيغ التي هي صيغ الصلاة على النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد: السلام على الله ...)
    قوله: [أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن أبو عبيد الله].هو سعيد بن عبد الرحمن أبو عبيد الله المخزومي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا سفيان].
    وهو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والأعمش، لقب وقد ذكرت مراراًوتكراراً أن من الأمور المهمة في علم المصطلح معرفة ألقاب المحدثين، مثل الأعمش فإنه لقب لـسليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وفائدة معرفة الألقاب: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين؛ فيما إذا ذكر أحياناً باسمه, وذكر أحياناً بلقبه فإن من لا يعرف يظن أن سليمان بن مهران شخص وأن الأعمش شخص آخر، لكن من عرف أن الأعمش لقب لـسليمان بن مهران لا يلتبس عليه الأمر، إذا رآه جاء في بعض الأسانيد الأعمش أو رآه جاء في بعض الأسانيد سليمان فإنه يعلم بأن هذا هو هذا، وأنه ليس شخصاً آخر غير ذلك الشخص.
    ومنصور هو ابن المعتمر الكوفي أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والأعمش، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شقيق بن سلمة].
    هو شقيق بن سلمة الكوفي كنيته أبو وائل يأتي كثيراً في الأسانيد: أخبرنا أبو وائل ولا يذكر اسمه، وأحياناً يذكر اسمه ولا يذكر كنيته، كما ورد هنا فإن هنا قال: شقيق بن سلمة، وفي بعض الأسانيد يقول: أبو وائل، ولا يقول شقيق بن سلمة، وأبو وائل هو: شقيق بن سلمة، وهذا أيضاً مما يكون لمعرفته أهمية حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر باسمه وذكر بكنيته، فإن من لا يعرف أن صاحب الكنية هو شقيق بن سلمة يظن أن أبا وائل شخص، وأن شقيق بن سلمة شخص آخر، لكن من عرف أن هذه الكنية هي لصاحب هذا الاسم لا يلتبس عليه الأمر، ولا يظن الشخص الواحد شخصين، وشقيق بن سلمة، ثقة مخضرم أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن مسعود].
    هو الهذلي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن المهاجرين الأولين، هاجر الهجرتين، وهو من علماء الصحابة، وهو ليس أحد العبادلة الأربعة من الصحابة عند الإطلاق؛ لأنه متقدم الوفاة، والأربعة من صغار الصحابة وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، هؤلاء هم العبادلة الأربعة، وبعض العلماء يقول: عبد الله بن مسعود أحدهم، ولكن الصحيح أنه ليس واحداً منهم؛ لأنه متقدم الوفاة، وأما أولئك فهم من صغار الصحابة، وقد عاشوا في زمن متقارب وأدركهم كثيرون من التابعين، ولم يدركوا زمن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وعبد الله بن مسعود، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    تعليم التشهد كتعليم السورة من القرآن
    شرح حديث ابن عباس: (كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تعليم التشهد كتعليم السورة من القرآن.أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا عبد الرحمن بن حميد حدثنا أبو الزبير عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن) ].
    أورد النسائي هنا هذه الترجمة: تعليم التشهد كتعليم السورة من القرآن، يعني: أنه حصل الاهتمام به، والعناية بتعليمه من رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، معناه: يحفظونه ويتعلمونه كما يتعلمون القرآن، وهذا فيه دلالة على أهمية التشهد وعظيم شأنه، وأنه يتعلم كما يتعلم المتعلم السورة من القرآن يعني: هذا يدل على أهميته وعلى الاهتمام به، حيث كان عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن وقد جاء في حديث ابن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، وجاء أيضاً في حديث ابن مسعود في بعض الروايات: (أنه كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن).
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].وهو الرهاوي وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي.
    [حدثنا يحيى بن آدم].
    هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، حافظ، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الرحمن بن حميد].
    هو عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا أبو الزبير].
    وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن طاوس].
    هو طاوس بن كيسان اليماني وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي دعا له النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بأن يعرف تفسير كلام الله عز وجل، بأن يكون عالماً بكتاب الله عز وجل، وقد كان كذلك؛ فإن عمر رضي الله عنه وأرضاه، كان يقربه ويدنيه، ويجلسه مع كبار الصحابة، ولما قال له بعض الصحابة: كيف تأتي بـابن عباس ولنا أولاد مثله ولا تأت بهم ولا تجعلهم يأتون، فاختبره وطرح سؤالاً عليهم وعليه، وكان جوابه فيه الفهم وفيه الإصابة؛ فإنه لما سألهم عن قول عز وجل: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا )[النصر:1-3] فالظاهر المتبادل أنه إذا جاء نصر الله والفتح، فإنه يسبح الله عز وجل ويعظم، لكن الذي فهمه ابن عباس هو اقتراب أجل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا اختبره بحضورهم، وظهر دقة فهمه في كلام الله سبحانه وتعالى رضي الله تعالى عن ابن عباس.
    وعبد الله بن عباس هو: أحد العبادلة الأربعة الذين أشرت إليهم آنفاً، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، هؤلاء هم العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وأيضاً: هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، فهؤلاء الصحابة السبعة -ستة رجال وامرأة واحدة- أكثر أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام رواية عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وعبد الله بن عباس هو واحد منهم وهو من صغار الصحابة، لأنه كما جاء في بعض الأحاديث في حجة الوداع يقول: (كنت ناهزت الاحتلام)، جاء على حمار أتان والرسول صلى عليه وسلم يصلي بين الناس بمنى فقال: (وكنت قد ناهزت الاحتلام)، يعني: أنه قد ناهز البلوغ في حجة الوداع، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله عنه وأرضاه.
    كيف التشهد
    شرح حديث: (إن الله عز وجل هو السلام فإذا قعد أحدكم فليقل: التحيات لله ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف التشهد.أخبرنا قتيبة حدثنا الفضيل وهو ابن عياض عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل هو السلام، فإذا قعد أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم ليتخير بعد ذلك من الكلام ما شاء)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كيفية التشهد، يعني: الصيغة التي يكون عليها التشهد، والكيفية التي يكون عليها، وأورد فيه حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وهو مثل الرواية السابقة، إلا أن تلك أوردها لبيان إيجاب التشهد، وهنا أوردها لبيان كيفية التشهد؛ وذلك أنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: لا تقولوا السلام على الله ولكن ليقل أحدكم عند القعدة في الصلاة: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، فهذه هي كيفية التشهد، وهذه هي صيغة التشهد التي علم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أصحابه إياها هذه كيفيتها، والنسائي أورد الحديث لبيان الكيفية، وهذه هي الكيفية: (التحيات والصلوات...) إلى آخر الحديث .
    (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء).
    أي: يتخير بعد ذلك يأتي بالدعاء، والتشهد الأخير هو موطن من مواطن إكثار الدعاء، كما أن السجود أيضاً من مواطن الدعاء، فإن الدعاء يكثر في هذين الموطنين في التشهد -أي: الأخير- وفي السجود، كما جاء في الحديث: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم) .
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل هو السلام فإذا قعد أحدكم فليقل: التحيات لله ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الفضيل].
    وهو الفضيل بن عياض وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وقوله: هو ابن عياض، هذه قالها من دون قتيبة، من دون تلميذ قتيبة وهو إما النسائي، أو من دون النسائي، وقد مر بنا مثل ذلك مراراً، وأن المراد بها: أنه من دون تلميذ زاد زيادة توضح الشخص الذي ذكر غير منسوب، لكنه ذكر بهذه الصفة، وهي أن يقال: هو ابن فلان؛ حتى يعرف أنها ليست من التلميذ وإنما هي من دون التلميذ.
    [عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله].
    وقد مر ذكرهم في حديث عبد الله بن مسعود المتقدم.
    نوع آخر من التشهد
    شرح حديث أبي موسى الأشعري في التشهد
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من التشهد. أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام عن قتادة ح، وأخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى حدثنا هشام حدثنا قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله أن الأشعري رضي الله عنه قال: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلمنا سنتنا وبين لنا صلاتنا فقال: إذا قمتم إلى الصلاة فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال (وَلا الضَّالِّينَ )[الفاتحة:7] فقولوا: آمين، يجبكم الله، ثم إذا كبر وركع فكبروا واركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإن الله عز وجل قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، ثم إذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، وإذا كان عند القعدة، فليكن من قول أحدكم أن يقول: التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نوع آخر من التشهد، الذي مضى هو تشهد ابن مسعود وأورده من طريقين، وهنا أورد التشهد الذي جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو أنه قال:
    (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلمنا سنتنا) أي: الطريقة، السنة المراد بها: الطريقة التي نسير إلى الله عز وجل بها، وهي تشمل ما كان فرضاً وما كان مستحباً؛ لأن السنة تطلق إطلاقات: تطلق على كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو معنى قوله: (من رغب عن سنتي فليس مني) فإن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كل ما جاء به في الكتاب والسنة، وأيضاً تطلق السنة ويراد بها: ما يكون يذكر مع القرآن، كما إذا قيل: دل عليه الكتاب والسنة، تطلق ويراد بها حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا أخف من الأول؛ لأن الأول يشمل كل ما جاء من الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن والسنة، كله قال: سنة، لكن السنة تطلق أيضاً على حديث الرسول عليه الصلاة والسلام وهي كل ما أثر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من قول، أو فعل، أو تقرير أو وصف خلقي أو خلقي هذا يقال له: سنة، أي: حديث، وتطلق السنة عند الفقهاء على المأمور به غير الواجب، المأمور به أمر استحباب وليس أمر إيجاب، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) يعني: لولا أن أشق عليهم لأمرتهم أمر إيجاب وأما أمر الاستحباب هو موجود، لكن الذي ما وجد هو كونه يجب عليه، (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) مع أنه ندبهم إلى السواك.
    إذاً: المقصود بالسنة عند الفقهاء مثل المستحب، والمندوب، ترادف كلمة: مستحب، وكلمة: مندوب عند الفقهاء.
    (فإذا قمتم إلى الصلاة فأقيموا صفوفكم).
    يعني: إذا أردتم القيام إليها، أو أردتم الدخول بها وقمتم إليها لتصلوا، كما هو معلوم أن الإقامة: أعلام الناس بالقيام إلى الصلاة، إذا أوتي بالإقامة معناه: طلب من الناس أن يقوموا للصلاة، فإذا قاموا يسوون الصفوف، إذا قمتم فسووا صفوفكم، سووها يعني: تراصوا فيها وتقاربوا، وأكملوا الصف الأول فالأول، ولا يكون فيها فرج، هذه تسوية الصفوف.
    (ثم ليؤمكم أحدكم).
    يعني: أن الجماعة لا بد لهم من إمام يتقدمهم ويصلي بهم.
    (فإذا كبر فكبروا).
    ثم إنه بين ما يعمله المصلون وراء إمامهم فقال: فإذا كبر فكبروا، إذا دخل في الصلاة وكبر تكبيرة الإحرام أنتم كبروا وراءه، يعني: وليس لهم أن يكبروا قبله ولا معه، وإنما يكبرون بعده مباشرة، إذا انقطع صوته يكبرون، فيقولون: الله أكبر إذا فرغ من قول الله أكبر، (فإذا كبر فكبروا)؛ لأن الإمام جعل ليؤتم به فأنتم تابعوه، لا تسبقوه ولا توافقوه، ولكن تابعوه، فإذا كبر فكبروا، إذا قال: الله أكبر، وانقطع صوته من التكبير فقولوا: الله أكبر، وادخلوا في الصلاة.
    (وإذا قال: (وَلا الضَّالِّينَ )[الفاتحة:7] فقولوا: آمين).
    (وإذا قال: (وَلا الضَّالِّينَ )[الفاتحة:7]) في قراءة الفاتحة (فقولوا: آمين؛ يجبكم الله)؛ لأن (آمين) معناها: اللهم استجب، إذا قال الإمام (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ )[الفاتحة:7] فقولوا: آمين.
    (ثم إذا كبر وركع فكبروا واركعوا).
    إذا قال: الله أكبر وركع، أنتم كبروا واركعوا وتابعوه في القول والفعل، ويكون تكبيركم وركوعكم بعد تكبيره وركوعه، لا تسبقوه بالتكبير والركوع ولا توافقوه، بل كونوا وراءه وكونوا بعده مباشرة وبدون موافقة وبدون تأخر طويل.
    (فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم) ثم قال: هذه بتلك، يعني: أنه هو يسبقكم في الركوع، ويسبقكم في القيام من الركوع، وأنتم تأتون وراءه عند الركوع وتتأخرون عنه يعني: بعد الركوع، فتلك بتلك، يعني: اللحظة التي سبقكم بها عند الركوع جاء عوضاً عنها اللحظة التي تأخرتم عنه عندما قام من الركوع، عندما قال: سمع الله لمن حمده وقام أنتم تنتظرونه حتى يفرغ من القول والقيام، ثم أنتم تأتون وراءه فيكون مقدار ركوعكم مقدار ركوعه، ولهذا قال: (فتلك بتلك) يعني: أن اللحظة التي سبقكم بها في الركوع جاء عوضاً عنها اللحظة التي تأخرتم عنه بها عند القيام من الركوع، (فتلك بتلك).
    (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد)، (إذا قال: سمع الله لمن حمده) يعني: سمع بمعنى استجاب، (سمع الله لمن حمده) يعني: استجاب الله لمن حمده، ليس المقصود منها السمع، فإن السمع يكون لكل شيء، والله تعالى سميع بصير، لكن المراد بالسمع هنا الاستجابة، يعني: استجاب الله لمن حمده؛ ولهذا جاء عن بعض التابعين أو بعض سلف هذه الأمة، قيل له: ماذا تقول في معاوية بن أبي سفيان؟ فقال المسئول من السلف: ماذا أقول في رجلٍ صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام في الصلاة: سمع الله لمن حمده -أي: استجاب الله لمن حمده- فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد، ماذا أقول في رجل أكرم بصحبة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام عند رفعه من الركوع: سمع الله لمن حمده -أي: استجاب الله لمن حمده- ثم حمده معاوية وقال: اللهم ربنا لك الحمد، يعني: ماذا أقول فيه؟ يعني: أن هذا فضل وشرف لأصحاب الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم، أن أكرمهم الله عز وجل بصحبته، وبتلقي السنن عنه وبالجهاد معه، وبالإتيان بالأعمال الجليلة التي عملوها في نصرة دين الله عز وجل، وتأييد رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    (ثم إذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، قال نبي صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك)].
    وهذا مثل ما حصل في الركوع، قال: (وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا).
    (فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم) ثم قال: (فتلك بتلك) يعني: سجودكم مقدار سجوده تماماً، إلا أنه يسبقكم عند السجود وأنتم تتأخرون عنه عندما يقوم، تنتظرونه حتى يقوم من سجوده ويقول: الله أكبر، فاللحظة التي سبقكم بها حصل تعويض عنها باللحظة التي تأخرتم عنه بها لما قام من سجوده، فالكلام هنا كالكلام عند الركوع والرفع من الركوع.
    (وإذا كان عند القعدة فليكن من قول أحدكم أن يقول: التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
    وهذا نوع آخر من التشهد، وهو مثل الذي قبله تماماً إلا في أوله، فإن الأول: (التحيات لله والصلوات والطيبات)، وهنا (التحيات الطيبات الصلوات لله).
    تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى الأشعري في التشهد
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار، لقبه بندار، وهو البصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    وهو يحيى بن سعيد القطان المحدث، الناقد، الثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [ح، وأخبرنا محمد بن المثنى].
    محمد بن المثنى (ح) هذه المراد بها: التحول من إسناد إلى إسناد، أو الانتقال من إسناد إلى إسناد، والإسناد الأول شيخ النسائي فيه محمد بن بشار، والإسناد شيخه فيه محمد بن المثنى، ومحمد بن المثنى هو: العنزي الملقب بـالزمن، وكنيته أبو موسى، وهو مثل محمد بن بشار شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وكانت وفاة الاثنين: محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات أي: (252هـ)، وقد اتفق هذان الشخصان محمد بن بشار ومحمد بن المثنى أيضاً في سنة الولادة فولدا في سنة واحدة، وماتا في سنة واحدة، وهما من أهل البصرة، واتفقا في الشيوخ والتلاميذ؛ ولهذا قال ابن حجر في ترجمة أحدهما قال: (وكانا كفرسي رهان) يعني: ما واحد يسبق الثاني، متماثلين سنة الولادة واحدة، وسنة الوفاة واحدة، والشيوخ متماثلون، والتلاميذ متماثلون، وكل منهم من أهل البصرة.
    نوع آخر من التشهد
    شرح حديث جابر بن عبد الله: (كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من التشهد.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم حدثنا أيمن بن نابل حدثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن: بسم الله وبالله، التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار).
    قال أبو عبد الرحمن: لا نعلم أحداً تابع أيمن بن نابل على هذه الرواية، وأيمن عندنا لا بأس به، والحديث خطأ. وبالله التوفيق].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نوع آخر من التشهد، وأرد فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، أنه قال: (كان النبي عليه الصلاة والسلام يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان أن علمهم وقال: باسم الله وبالله. التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله).
    هو مثل تشهد ابن مسعود، إلا أنه يختلف بما فيه من الزيادات في أوله وفي آخره، الزيادات في أوله: (باسم الله وبالله)، وفي آخره: (أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار)، هذا هو الذي يختلف عما جاء في تشهد ابن مسعود، أوله: (باسم الله وبالله) وآخره: (أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار)، وهذا الحديث: النسائي نفسه قال: إنه خطأ، وقال: إنه لا نعلم أحداً تابع أيمن بن نابل على هذه الرواية، وهو خطأ، وهو كما قال الحافظ ابن حجر في التقريب: صدوق يهم، وقد تفرد بهذا، ولم يتابعه على ذلك أحد، والنسائي نفسه الذي أخرج الحديث حكم بأنه خطأ.
    فإذاً: هو غير صحيح وغير ثابت، أي: هذا التشهد.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر بن عبد الله: (كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].وهو الفلاس، المحدث، الناقد، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو عاصم].
    هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل، وهو من كبار شيوخ البخاري الذين روى عنهم مباشرة، والنسائي لا يروي عنه إلا بواسطة، النسائي كما هو هنا فقد روى عنه بواسطة، وهو أبو عاصم مشهور بكنيته، وأبو عاصم اسمه: الضحاك بن مخلد، ولقبه النبيل، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أيمن بن نابل].
    هو أيمن بن نابل المكي، وهو صدوق، يهم، أخرج حديثه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا أبو الزبير].
    وقد مر ذكره قريباً.
    [عن جابر بن عبد الله].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام والذين ذكرتهم آنفاً.


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •