الجزء الرابع
" كتاب التيمم "
(4/2)
قَوْله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} (النِّسَاء: 34،والمائدة: 6) وَالسّنة وَهِي أَحَادِيث الْبَاب وَغَيره، وَالْإِجْمَاع على جَوَازه للمحدث وَفِي الْجَنَابَة أَيْضا، وَخَالف فِيهِ عمر بن الْخطاب وَابْن مَسْعُود وَالنَّخَعِيّ وَالْأسود كَمَا نَقله ابْن حزم، وَقد ذكرُوا رجوعهم عَن هَذَا.
..........
(4/4)
الَ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) يُقَال: إِنَّه كَانَ فِي غَزْوَة بني المصطلق، وَجزم بذلك فِي كتاب (الاستذكار) ، وَورد ذَلِك عَن ابْن سعد وَابْن حبَان قبله،وغزوة بني المصطلق هِيَ: غَزْوَة الْمُريْسِيع الَّتِي كَانَ فِيهَا قصَّة الْإِفْك. قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي حَدِيث الْإِفْك: (فَانْقَطع عقدٌ لَهَا من جزع ظفار، فحبس النَّاس ابتغاؤه) . وَقَالَ ابْن سعد: (خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُريْسِيع يَوْم الْإِثْنَيْنِ لليلتين خلتا من شهر شعْبَان سنة خمس) ، وَرجحه أَبُو عبد افي (الإكليل) وَقَالَ البُخَارِيّ: عَن ابْن إِسْحَاق سنة سِتّ، وَقَالَ عَن مُوسَى بن عقبَة سنة أَربع،وَزعم ابْن الْجَوْزِيّ أَن ابْن حبيب قَالَ: سقط عقدهَا فِي السّنة الرَّابِعَة فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع، وَفِي غَزْوَة بني المصطلق قصَّة الْإِفْك. قلت: يُعَارض هَذَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَن الْإِفْك قبل التَّيَمُّم،فَقَالَ: حدّثنا الْقَاسِم عَن حَمَّاد. حدّثنا مُحَمَّد بن حميد الرَّازِيّ حدّثنا سَلمَة بن الْفضل وَإِبْرَاهِيم بن الْمُخْتَار عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن يحيى بن عباد عَن عبد ابْن الزبير عَن أَبِيه عَن عَائِشَة،قَالَت: (لما كَانَ من أَمر عقدي مَا كَانَ، وَقَالَ أهل الْإِفْك مَا قَالُوا، خرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة أُخْرَى، فَسقط أَيْضا عقدي حَتَّى حبس النَّاس على التماسه، وطلع الْفجْر، فَلَقِيت من أبي بكر مَا شَاءَ ا،وَقَالَ: يَا بنية فِي كل سفر تكونين عناء وبلاء؟ لَيْسَ مَعَ النَّاس مَاء فَأنْزل االرخصة فِي التَّيَمُّم. فَقَالَ أَبُو بكر: إِنَّك مَا عملت لمباركة) .
قلت: إِسْنَاده جيد حسن، وَادّعى بَعضهم تعدد السّفر بِرِوَايَة الطَّبَرَانِيّ هَذِه، ثمَّ إِن بعض الْمُتَأَخِّرين استبعد سُقُوط العقد فِي الْمُريْسِيع. قَالَ: لِأَن الْمُريْسِيع من نَاحيَة مَكَّة بَين قديد والساحل، وَهَذِه الْقِصَّة كَانَت من نَاحيَة خَيْبَر،لقولها فِي الحَدِيث: (حَتَّى إِذا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ، أَو بِذَات الْجَيْش) ، وهما بَين الْمَدِينَة وخيبر، كَمَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ، وَيرد هَذَا مَا ذَكرْنَاهُ عَن أبي عبيد فِي فصل اللّعان، وَجزم أَيْضا ابْن التِّين أَن الْبَيْدَاء هِيَ ذُو الحليفة،وَقَالَ أَبُو عبيد أَيْضا: إِن ذَات الْجَيْش من الْمَدِينَة على بريد،قَالَ: وَبَينهَا وَبَين العقيق سَبْعَة أَمْيَال، والعقيق من طَرِيق مَكَّة لَا من طَرِيق خَيْبَر.
.......
(4/5)
قال ابن الْعَرَبِيّ: هَذِه معضلة مَا وجدت لدائها من دَوَاء، لأَنا لَا نعلم أَي الْآيَتَيْنِ عنت عَائِشَة، رَضِي اتعالى عَنْهَا. وَقَالَ ابْن بطال: هِيَ أَيَّة النِّسَاء وَآيَة الْمَائِدَة،وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: هِيَ آيَة النِّسَاء. لِأَن آيَة الْمَائِدَة تسمى: آيَة الْوضُوء، وَلَيْسَ فِي آيَة النِّسَاء ذكر الْوضُوء، وَأورد الواحدي فِي (أَسبَاب النُّزُول) هَذَا الحَدِيث عِنْد ذكر آيَة النِّسَاء أَيْضا. وَقَالَ السفاقسي،كلَاما طَويلا ملخصه: أَن الْوضُوء كَانَ لَازِما لَهُم، وَآيَة التَّيَمُّم، أما الْمَائِدَة أَو النِّسَاء، وهما مدنيتان، وَلم يكن صَلَاة قبلُ إلاَّ بِوضُوء، فَلَمَّا نزلت آيَة التَّيَمُّم لم يذكر الْوضُوء لكَونه مُتَقَدما متلواً، لِأَن حكم التَّيَمُّم هُوَ الطارىء على الْوضُوء.
وَقيل: يحْتَمل أَن يكون نزل أَولا أول الْآيَة، وَهُوَ فرض الْوضُوء،ثمَّ نزلت عِنْد هَذِه الْوَاقِعَة آيَة التَّيَمُّم وَهُوَ تَمام الْآيَة وَهُوَ: {وَإِن كُنْتُم مرضى} (النِّسَاء: 34،والمائدة: 6) وَيحْتَمل أَن يكون الْوضُوء كَانَ بِالسنةِ لَا بِالْقُرْآنِ، ثمَّ أنزلا مَعًا، فعبرته عَائِشَة بِالتَّيَمُّمِ إِذْ كَانَ هُوَ الْمَقْصُود. قلت: لَو وقف هَؤُلَاءِ على مَا ذكره أَبُو بكر الْحميدِي فِي جمعه فِي حَدِيث عَمْرو بن الْحَارِث عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، رَضِي اتعالى عَنْهَا، فَذكر الحَدِيث،وَفِيه فَنزلت: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ} (الْمَائِدَة: 6) الْآيَة إِلَى قَوْله: {لَعَلَّكُمْ تشكرون} (الْمَائِدَة: 6) لما احتاجوا إِلَى هَذَا التخرص، وَكَأن البُخَارِيّ أَشَارَ إِلَى هَذَا إِذْ تَلا بَقِيَّة هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة.
.........
(4/5)
ول من ذهب إِلَى تعدد ضيَاع العقد، وَمِمَّنْ جزم بذلك مُحَمَّد بن حبيب الْأنْصَارِيّ،فَقَالَ: (سقط عقد عَائِشَة فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع وَفِي غَزْوَة بني المصطلق) ، وَقد اخْتلف أهل الْمَغَازِي فِي أَي هَاتين الغزوتين كَانَت أول،فَقَالَ الدَّاودِيّ: كَانَت قصَّة التَّيَمُّم فِي غَزْوَة الْفَتْح، ثمَّ تردد فِي ذَلِك، وَقد روى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي اعنه،قَالَ: (لما نزلت آيَة التَّيَمُّم لم أدرِ كَيفَ أصنع) . الحَدِيث، فَهَذَا يدل على تأخرها عَن غَزْوَة بني المصطلق. لِأَن إِسْلَام أبي هُرَيْرَة كَانَ فِي السّنة السَّابِعَة، وَهِي بعْدهَا بِلَا خلاف
.........
(4/6)
قَالَ ابْن عبد الْبر: مَعْلُوم عِنْد جَمِيع أهل الْمَغَازِي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصلِّ مُنْذُ فرضت عَلَيْهِ الصَّلَاة إلاَّ بِوضُوء، وَلَا يدْفع ذَلِك إلاَّ جَاهِل أَو معاند.
........
(4/6)
كر الْحَافِظ فِي كتاب (الْبُرْهَان) أَن الأسلع الأعرجي الَّذِي كَانَ يرحل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا: إِنِّي جنب وَلَيْسَ عِنْدِي مَاء، فَأنْزل اآية التَّيَمُّم. قلت: هَذَا ضَعِيف، وَلَئِن صَحَّ فَجَوَابه يحْتَمل أَن يكون قَضِيَّة الأسلع وَاقعَة فِي قَضِيَّة سُقُوط العقد، لِأَنَّهُ كَانَ يخْدم النَّبِي، وَكَانَ صَاحب رَاحِلَته، فاتفق لَهُ هَذَا الْأَمر عِنْد وُقُوع قَضِيَّة سُقُوط العقد
..........
(4/7)
جَوَاز التَّيَمُّم فِي السّفر، وَهَذَا أَمر مجمع عَلَيْهِ، وَاخْتلفُوا فِي الْحَضَر، فَذهب مَالك وَأَصْحَابه إِلَى أَن التَّيَمُّم فِي الْحَضَر وَالسّفر سَوَاء إِذا عدم المَاء أَو تعذر اسْتِعْمَاله لمَرض أَو خوف شَدِيد أَو خوف خُرُوج الْوَقْت،قَالَ أَبُو عمر: هَذَا كُله قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد؛وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز للحاضر الصَّحِيح أَن يتَيَمَّم إلاَّ أَن يخَاف التّلف، وَبِه قَالَ الطَّبَرِيّ؛وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَزفر: لَا يجوز التَّيَمُّم فِي الْحَضَر لَا لمَرض وَلَا لخوف خُرُوج الْوَقْت. وَقَالَ الشَّافِعِي أَيْضا. وَاللَّيْث والطبري: إِذا عدم المَاء فِي الْحَضَر مَعَ خوف فَوت الْوَقْت الصَّحِيح والسقيم يتَيَمَّم وَيُصلي وَيُعِيد. وَقَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: لَا يتَيَمَّم الْمَرِيض إِذا وجد المَاء وَلَا غير الْمَرِيض. قلت: قَوْله: وَهَذَا كُله قَول أبي حنيفَة، غير صَحِيح،فَإِن عِنْده: لَا يجوز التَّيَمُّم لأجل خوف فَوت الْوَقْت.
...............
(4/8)
وَإِذا تَأَمَّلت وجدت هَذِه الْخِصَال اثْنَتَيْ عشرَة خصْلَة، وَيُمكن أَن تُوجد أَكثر من ذَلِك عِنْد إمعان التتبع، وَقد ذكر أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِ ي فِي كتاب (شرف الْمُصْطَفى) أَن الَّذِي اخْتصَّ بِهِ نَبينَا من بَين سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام سِتُّونَ خصْلَة. فَإِن قلت: بَين هَذِه الرِّوَايَات تعَارض، لِأَن الْمَذْكُور فِيهَا الْخمس والست وَالثَّلَاث؛قلت: قَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَا يظنّ أَن هَذَا تعَارض، وَإِنَّمَا هَذَا من توهم أَن ذكر الْأَعْدَاد يدل على الْحصْر وَلَيْسَ كَذَلِك،فَإِن من قَالَ: عِنْدِي خَمْسَة دَنَانِير مثلا، لَا يدل هَذَا اللَّفْظ على أَنه لَيْسَ عِنْده غَيرهَا،وَيجوز لَهُ أَن يَقُول مرّة أُخْرَى: عِنْدِي عشرُون، وَمرَّة أُخْرَى ثَلَاثُونَ، فَإِن من عِنْده ثَلَاثُونَ صدق عَلَيْهِ أَن عِنْده عشْرين وَعشرَة. فَلَا تعَارض وَلَا تنَاقض، وَيجوز أَن يكون الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أعلمهُ بِثَلَاث ثمَّ بِخمْس ثمَّ بست. قلت: حَاصِل هَذَا أَن التَّنْصِيص على الشَّيْء بِعَدَد لَا يدل على نفي مَا عداهُ، وَقد علم فِي مَوْضِعه.
..........
(4/8)
قَالَ الدَّاودِيّ: يَعْنِي: لم يجمع لأحد قبله هَذِه الْخمس، لِأَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام، بعث إِلَى كَافَّة النَّاس، وَأما الْأَرْبَع فَلم يُعْط وَاحِدَة مِنْهُنَّ قبله أحدا، وَأما كَونهَا مَسْجِدا فَلم يَأْتِ أَن غَيره منع مِنْهَا، وَقد كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يسيح فِي الأَرْض وَيُصلي حَيْثُ أَدْرَكته الصَّلَاة، وَزعم بَعضهم أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام، بعد خُرُوجه من السَّفِينَة، كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى كل من فِي الأَرْض، لِأَنَّهُ لم يبْق إلاَّ من كَانَ مُؤمنا، وَقد كَانَ
مرسلا اليهم .
.........
(4/9)
ززعم ابْن الْجَوْزِيّ أَنه: كَانَ فِي الزَّمَان الأول، إِذا بعث نَبِي إِلَى قوم بعث غَيره إِلَى آخَرين، وَكَانَ يجْتَمع فِي الزَّمن الْوَاحِد جمَاعَة من الرُّسُل، فَأَما نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِنَّهُ انْفَرد بالبعثة، فَصَارَ بذلك للْكُلّ من غير أَن يزاحمه أحد.
.........
(4/10)
وَقَالَ النَّوَوِيّ احْتج بِهِ مَالك وَأَبُو حنيفَة فِي جَوَاز التَّيَمُّم بِجَمِيعِ أَجزَاء الأَرْض. وَقَالَ أَبُو عمر: أجمع الْعلمَاء على أَن التَّيَمُّم بِالتُّرَابِ ذِي الْغُبَار جَائِز، وَعند مَالك يجوز بِالتُّرَابِ والرمل والحشيش وَالشَّجر والثلج والمطبوخ كالجص والآجر. وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِي ّ: يجوز بِكُل مَا كَانَ على الأَرْض حَتَّى الشّجر والثلج والجمد، وَنقل النقاش عَن ابْن علية وَابْن كيسَان جَوَازه بالمسك والزعفران، وَعَن إِسْحَاق مَنعه بالسباخ، وَيجوز عندنَا بِالتُّرَابِ والرمل وَالْحجر الأملس المغسول والجص والنورة والزرنيخ والكحل والكبريت والتوتيا والطين الْأَحْمَر وَالْأسود والأبيض والحائط المطين والمجصص والياقوت والزبرجد والزمرد والبلخش والفيروزج والمرجان وَالْأَرْض الندية والطين الرطب. وَفِي (الْبَدَائِع) : وَيجوز بالملح الْجبلي،وَفِي قاضيخان: لَا يَصح على الْأَصَح، وَلَا يجوز بالزجاج، وَيجوز بالآجر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَشرط الْكَرْخِي أَن يكون مدقوقاً. وَفِي (الْمُحِيط) ، لَا يجوز بمسبوك الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَيجوز بالمختلط بِالتُّرَابِ إِذا كَانَ التُّرَاب غَالِبا، وبالخزف إِذا كَانَ من طين خَالص.
وَمذهب الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجوز إلاَّ بِالتُّرَابِ الَّذِي لَهُ غُبَار،واحتجا بِحَدِيث حُذَيْفَة عِنْد مُسلم: (وَجعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا وَجعلت تربَتهَا لنا طهُورا)
.......
(4/12)
قَالَ النَّوَوِيّ فِيهِ دَلِيل على أَن من عدم المَاء وَالتُّرَاب يُصَلِّي على حَاله، وَهَذِه الْمَسْأَلَة فِيهَا خلاف،وَهُوَ أَرْبَعَة أَقْوَال: وأصحها: عِنْد أَصْحَابنَا: أَنه يجب عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي وَيُعِيد الصَّلَاة. وَالثَّانِي: أَنه لَا يجب عَلَيْهِ الصَّلَاة، وَلَكِن يسْتَحبّ، وَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء سَوَاء صلى أَو لم يصل. وَالثَّالِث: تحرم عَلَيْهِ الصَّلَاة لكَونه مُحدثا، وَتجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة رَضِي اتعالى عَنهُ. وَالرَّابِع: تجب الصَّلَاة وَلَا تجب الْإِعَادَة، وَهُوَ مَذْهَب الْمُزنِيّ، وَهُوَ أقوى الْأَقْوَال دَلِيلا.
.............
(4/15)
وَفِيه: عبد ابْن يسَار، وَهُوَ أَخُو عَطاء بن يسَار التَّابِعِيّ الْمَشْهُور،وَوَقع عِنْد مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث: عبد ابْن يسَار وَهُوَ وهم، وَلَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الحَدِيث رِوَايَة، وَلِهَذَا لم يذكرهُ المصنفون فِي رجال الصَّحِيحَيْنِ.
.......
(4/16)
وَفِي (شرح الطَّحَاوِيّ) حَدِيث الْمَنْع من رد السَّلَام مَنْسُوخ بِآيَة الْوضُوء؛وَقيل: بِحَدِيث عَائِشَة رَضِي اتعالى عَنْهَا: كَانَ يذكر اعلى كل أحيانه،وَقد جَاءَ ذَلِك مُصَرحًا بِهِ فِي حَدِيث رَوَاهُ جَابر الْجعْفِيّ عَن عبد ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر بن حزم عَن عبد ابْن عَلْقَمَة بن الغفراء عَن أَبِيه قَالَ: (كَانَ النَّبِي إِذا أَرَادَ المَاء نكلمه فَلَا يُكَلِّمنَا ونسلم عَلَيْهِ فَلَا يسلم علينا حَتَّى نزلت آيَة الرُّخْصَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} (النِّسَاء: 34،والمائدة: 6) وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: هَذَا الحَدِيث يَعْنِي حَدِيث المُهَاجر بن قنفذ مَعْلُول ومعارض، أما كَونه معلولاً فَلِأَن سعيد بن أبي عرُوبَة كَانَ قد اخْتَلَط فِي آخر عمره، فيراعى فِيهِ سَماع من سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط، وَقد رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث شُعْبَة عَن قَتَادَة بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنه لم يَمْنعنِي إِلَى آخِره، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن حميد وَغَيره عَن الْحسن عَن مهَاجر مُنْقَطِعًا، فَصَارَ فِيهِ ثَلَاث علل.
ب 05 2 وَأما كَونه مُعَارضا، فَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث كريب عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ: (بت عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة) . الحَدِيث، فَفِي هَذَا مَا يدل على جَوَاز ذكر اسْم اوقراءة الْقُرْآن مَعَ الْحَدث، وَزعم الْحسن أَن حَدِيث مهَاجر غير مَنْسُوخ، وَتمسك بِمُقْتَضَاهُ، فَأوجب الطَّهَارَة للذّكر،وَقيل: يتَأَوَّل الْخَبَر على الِاسْتِحْبَاب،لِأَن ابْن عمر: مِمَّن روى فِي هَذَا الْبَاب، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب روى ذَلِك، والصحابي الرَّاوِي أعلم بِالْمَقْصُودِ. وَمِنْهَا: أَنه اسْتدلَّ بِهِ بعض أَصْحَابنَا على جَوَاز التَّيَمُّم على الْحجر،قَالَ: وَذَلِكَ لِأَن حيطان الْمَدِينَة مَبْنِيَّة بحجارة سود. وَقَالَ ابْن بطال، فِي تيَمّم النَّبِي بالجدار رد على الشَّافِعِي فِي اشْتِرَاط التُّرَاب، لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنه لم يعلق بِهِ تُرَاب، إِذْ لَا تُرَاب على الْجِدَار.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَقُول لَيْسَ فِيهِ رد على الشَّافِعِي إِذْ لَيْسَ مَعْلُوما أَنه لم يعلق بِهِ تُرَاب، وَمَا ذَاك إلاَّ تحكم بَارِد إِذْ الْجِدَار قد يكون عَلَيْهِ التُّرَاب وَقد لَا يكون، بل الْغَالِب وجود الْغُبَار على الْجِدَار، مَعَ أَنه قد ثَبت أَنه حت الْجِدَار بالعصا ثمَّ تيَمّم، فَيجب حمل الْمُطلق على الْمُقَيد. انْتهى. قلت: الْجِدَار إِذا كَانَ من حجر لَا يحْتَمل التُّرَاب لِأَنَّهُ لَا يثبت عَلَيْهِ، خُصُوصا جدران الْمَدِينَة، لِأَنَّهَا من صَخْرَة سَوْدَاء. وَقَوله؛ مَعَ أَنه ثَبت ... الخ، مَمْنُوع لِأَن حت الْجِدَار بالعصا رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف. فَإِن قلت: حسنه الْبَغَوِيّ كَمَا ذكرنَا. قلت: كَيفَ حسنه وَشَيخ الشَّافِعِي وَشَيخ شَيْخه ضعيفان لَا يحْتَج بهما؟ قَالَه مَالك وَغَيره، وَأَيْضًا فَهُوَ مُنْقَطع، لِأَن مَا بَين الْأَعْرَج وَأبي جهيم عُمَيْر كَمَا سبق من عِنْد البُخَارِيّ وَغَيره، وَنَصّ عَلَيْهِ أَيْضا الْبَيْهَقِيّ وَغَيره، وَفِيه عِلّة أُخْرَى وَهِي زِيَادَة حك الْجِدَار لم يَأْتِ بهَا أحد غير إِبْرَاهِيم، والْحَدِيث رَوَاهُ جمَاعَة كَمَا ذَكرْنَاهُ وَلَيْسَ فِي حَدِيث أحدهم هَذِه الزِّيَادَة، وَالزِّيَادَة إِنَّمَا تقبل من ثِقَة،وَلَو وقف الْكرْمَانِي على مَا ذكرنَا لما قَالَ: مَعَ أَنه قد ثَبت أَنه، حت الْجِدَار بالعصا.
.........
(4/19)
أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم يكن يرى للْجنب التَّيَمُّم لقَوْل عمار لَهُ " فَأَما أَنْت فَلم تصل " وَقد ذكرنَا أَن البُخَارِيّ لم يسق هَذَا الحَدِيث بِتَمَامِهِ وَالْأَئِمَّة السِّتَّة أَخْرجُوهُ مطولا ومختصرا وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى " قَالَ كنت عِنْد عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ إِنَّا نَكُون بِالْمَكَانِ الشَّهْر أَو الشَّهْرَيْنِ فَقَالَ عمر أما أَنا فَلم أكن أُصَلِّي حَتَّى أجد المَاء قَالَ فَقَالَ عمار يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أما تذكر إِذْ كنت أَنا وَأَنت فِي الْإِبِل فأصابتنا جَنَابَة فَأَما أَنا فتمعكت فأتينا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَن تَقول هَكَذَا وَضرب بيدَيْهِ إِلَى الأَرْض ثمَّ نفخهما ثمَّ مسح بهما وَجهه وَيَديه إِلَى نصف الذِّرَاع فَقَالَ عمر يَا عمار اتَّقِ الله فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن شِئْت وَالله لم أذكرهُ أبدا فَقَالَ عمر كلا وَالله لنولينك مَا توليت ".
........
(4/20)
ن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة التَّيَمُّم فَذهب أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وأصحابهم وَاللَّيْث بن سعد إِلَى أَنه ضَرْبَة للْوَجْه وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين غير أَن عِنْد مَالك إِلَى الكوعين فرض وَإِلَى الْمرْفقين اخْتِيَار وَقَالَ الْحسن بن حييّ وَابْن أبي ليلى التَّيَمُّم ضربتان يمسح بِكُل ضَرْبَة مِنْهُمَا وَجهه وذراعيه ومرفقيه وَقَالَ الْخطابِيّ لم يقل ذَلِك أحد من أهل الْعلم غَيرهمَا فِي علمي وَقَالَ الزُّهْرِيّ يبلغ بِالتَّيَمُّمِ الآباط وَفِي شرح الْأَحْكَام لِابْنِ بزيزة قَالَت طَائِفَة من الْعلمَاء يضْرب أَربع ضربات ضربتان للْوَجْه وضربتان لِلْيَدَيْنِ وَقَالَ ابْن بزيزة وَلَيْسَ لَهُ أصل من السّنة وَقَالَ بعض الْعلمَاء يتَيَمَّم الْجنب إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَغَيره إِلَى الكوعين قَالَ وَهُوَ قَول ضَعِيف وَفِي الْقَوَاعِد لِابْنِ رشد روى عَن مَالك الِاسْتِحْبَاب إِلَى ثَلَاث وَالْفَرْض اثْنَتَانِ وَقَالَ ابْن سِيرِين ثَلَاث ضربات الثَّالِثَة لَهما جَمِيعًا وَفِي رِوَايَة عَنهُ ضَرْبَة للْوَجْه وضربة للكف وضربة للذراعين انْتهى
..........
(4/20)
وَالْمَقْصُود مِنْهُ إِثْبَات أَن التَّيَمُّم ضَرْبَة وَاحِدَة سَوَاء كَانَ وجوبا أَو جَوَازًا. وَقَالَ بَعضهم؛ بَاب التَّيَمُّم للْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ،أَي: هُوَ الْوَاجِب المجزىء. قلت: تَقْيِيده بِالْوُجُوب لَا يفهم مِنْهُ، لِأَنَّهُ أَعم من ذَلِك،ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: وأتى بذلك بِصِيغَة الْجَزْم مَعَ شهرة الْخلاف فِيهِ لقُوَّة دَلِيله، فَإِن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي صفة التَّيَمُّم لم يَصح مِنْهَا سوى حَدِيث أبي جهيم وعمار، وَمَا عداهما فضعيف أَو مُخْتَلف فِي رَفعه وَوَقفه، وَالرَّاجِح عدم رَفعه. وَأما حَدِيث أبي جهيم فورد بِذكر الْيَدَيْنِ مُجملا،وَأما حَدِيث عمار فورد بِذكر الْكَفَّيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: وبذكر الْمرْفقين فِي (السّنَن) . انْتهى. قلت: قَوْله: لم يَصح مِنْهَا سوى حَدِيث أبي جهيم وعمار، غير مُسلم،وَكُنَّا قد ذكرنَا أَنه رُوِيَ فِيهِ عَن جَابر مَرْفُوعا: (إِن التَّيَمُّم ضَرْبَة للْوَجْه وضربة للذراعين إِلَى الْمرْفقين) ،وَأَن الْحَاكِم قَالَ: إِسْنَاده صَحِيح،وَأَن الذَّهَبِيّ قَالَ: إِسْنَاده صَحِيح، وَلَا يلْتَفت إِلَى قَول من يمْنَع صِحَّته. فَإِن قلت: رَوَاهُ جمَاعَة مَوْقُوفا. قلت: الرّفْع أقوى وَأثبت لِأَنَّهُ أسْند من وَجْهَيْن،وَقَوله: أما حَدِيث أبي جهيم فورد بِذكر الْيَدَيْنِ مُجملا، غير صَحِيح، وَلَا يُطلق عَلَيْهِ حد الْإِجْمَال، بل هُوَ مُطلق يتَنَاوَل إِلَى الْكَفَّيْنِ وَإِلَى الْمرْفقين وَإِلَى مَا وَرَاء ذَلِك
......
(4/21)
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ: حدّثنا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة قَالَ: حدّثنا حجاج،قَالَ: حدّثنا شُعْبَة،قَالَ: أَخْبرنِي الحكم عَن ذَر عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى عَن أَبِيه عَن عمار رَضِي اتعالى عَنهُ: (أَن رَسُول الله قَالَ لَهُ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيك هَكَذَا وَضرب شُعْبَة بكفيه إِلَى الأَرْض وأدناهما من فِيهِ، فَنفخ فيهمَا، ثمَّ مسح وَجهه وكفيه) . ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: هَكَذَا قَالَ مُحَمَّد بن خُزَيْمَة فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى عَن أَبِيه، وَإِنَّمَا هُوَ عَن ذَر عَن ابْن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه. قَالَ بَعضهم: أَشَارَ الطَّحَاوِيّ إِلَى أَنه وهم فِيهِ، لِأَنَّهُ أسقط لَفْظَة (ابْن) ،وَلَا بُد مِنْهَا لِأَن: أَبْزَى، وَالِد عبد الرَّحْمَن لَا رِوَايَة لَهُ فِي هَذَا الحَدِيث. قلت: رِوَايَة مُحَمَّد بن خُزَيْمَة الْمَذْكُورَة تبتنى على صِحَة قَول من يَقُول: إِن أَبْزَى وَالِد عبد الرَّحْمَن صَحَابِيّ، وَهُوَ قَول ابْن مَنْدَه، فَإِنَّهُ جعله من الصَّحَابَة، وروى بِإِسْنَادِهِ عَن هِشَام عَن عبيد االرازي عَن بكير بن مَعْرُوف عَن مقَاتل بن حبَان عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، عَن أَبِيه، (عَن رَسُول الله أَنه: خطب للنَّاس قَائِما،ثمَّ قَالَ: مَا بَال أَقوام لَا يعلمُونَ جيرانهم وَلَا يفقهونهم وَلَا يعظونهم وَلَا يأمرونهم وَلَا ينهونهم) ؟ . الحَدِيث،
وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (الْمسند) عَن مُحَمَّد بن أبي سهل عَن بكير بن مَعْرُوف عَن مقَاتل عَن عَلْقَمَة بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزي عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي بِهَذَا، وَقد رده أَبُو نعيم عَلَيْهِ،وَقَالَ: ذكر ابْن مَنْدَه أَن البُخَارِيّ ذكره فِي كتاب الوجدان، وَأخرج لَهُ حَدِيث أبي سَلمَة عَن ابْن أَبْزَى عَن النَّبِي،وَلم يقل فِيهِ: عَن أَبِيه،وَقَالَ ابْن الْأَثِير: أَبْزَى، وَالِد عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى الْخُزَاعِيّ، ذكره البُخَارِيّ فِي الوجدان، وَلَا يَصح لَهُ صُحْبَة وَلَا رِوَايَة، ولابنه عبد الرَّحْمَن صُحْبَة وَرِوَايَة. قلت: وَكَذَلِكَ لم يذكر أَبُو عمر: أَبْزَى فِي الصَّحَابَة، وَإِنَّمَا ذكر عبد الرَّحْمَن لِأَنَّهُ لم يَصح عِنْده صُحْبَة أَبْزَى، وَمَعَ هَذَا وَقع الِاخْتِلَاف فِي صُحْبَة عبد الرَّحْمَن أَيْضا، فَإِن ابْن حبَان ذكره فِي التَّابِعين،
............
(4/22)
الَ الْجَوْهَرِي: التفل شَبيه بالبزاق، وَهُوَ أقل مِنْهُ، أَوله البزق ثمَّ التفل ثمَّ النفث ثمَّ النفخ،
.......
(4/23)
قَالَ الطَّحَاوِيّ وَغَيره. إِن حَدِيث عمار لَا يصلح حجَّة فِي كَون التَّيَمُّم إِلَى الْكَفَّيْنِ أَو الكوعين أَو الْمرْفقين أَو الْمَنْكِبَيْنِ أَو الإبطين، كَمَا ذهبت إِلَى كل وَاحِد طَائِفَة من أهل الْعلم، وَذَلِكَ لاضطرابه كَمَا قد رَأَيْت،فَلذَلِك قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد ضعف بعض أهل الْعلم حَدِيث عمار فِي التَّيَمُّم للْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ لما روى عَنهُ حَدِيث المناكب والأباط.
............
(4/23)
فَقَالَ: (الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَلَو إِلَى عشر سِنِين) . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا،وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَالْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح وَلم يخرجَاهُ، وَلَا يلْتَفت إِلَى تَضْعِيف ابْن الْقطَّان لهَذَا الحَدِيث بِعَمْرو بن بجدان لكَون حَاله لَا يعرف، وَيَكْفِي تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ إِيَّاه فِي معرفَة حَال عَمْرو بن بجدان،
..............
(4/24)
قَالَ ربيعَة: لَا يؤم الْمُتَيَمم من جنابته إلاَّ من هُوَ مثله، وَبِه قَالَ يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: لَا يؤمهم إلاَّ إِذا كَانَ أَمِيرا، كَذَا قَالَه ابْن حزم. وَقَالَ أَبُو طَالب: سَأَلت أَبَا عبد اعن الْجنب يؤم المتوضئين؟قَالَ: نعم قد أمَّ ابْن عَبَّاس أَصْحَابه وَفِيهِمْ عمار بن يَاسر وَهُوَ جنب، فَتَيَمم، وَعَمْرو بن الْعَاصِ صلى بِأَصْحَابِهِ وَهُوَ جنب، فَأخْبر النَّبِي فَتَبَسَّمَ. قلت: حسان بن عَطِيَّة سمع من عَمْرو بن الْعَاصِ؟قَالَ: لَا وَلَكِن يقوى بِحَدِيث ابْن عَبَّاس. فَإِن قلت: قد رُوِيَ عَن جَابر مَرْفُوعا: (لَا يؤم الْمُتَيَمم المتوضئين) ،وَعَن عَليّ بن أبي طَالب مَوْقُوفا: (لَا يؤم الْمُتَيَمم المتوضئين، وَلَا الْمُقَيد المطلقين) . قلت: هَذَانِ حديثان ضعيفان، ضعفهما الدَّارَقُطْنِي ّ وَابْن حزم وَغَيرهمَا.
..............
(4/30)
لْعَجْوَة تمر من أَجود التَّمْر بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ ابْن التِّين الْعَجْوَة نوع من تمر الْمَدِينَة أكبر من الصيحاني وَتسَمى اللينة وَهِي من أَجود تمر الْمَدِينَة
...........
(4/32)
أَن الِاسْتِيلَاء على الْكفَّار بِمُجَرَّدِهِ يُبِيح رق نِسَائِهِم وصبيانهم وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد دخلت الْمَرْأَة فِي الرّقّ باستيلائهم عَلَيْهَا
.........
(4/33)
الَ الله تَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} فَيُقَال الَّذين آمنُوا هم المُنَافِقُونَ أظهرُوا الْإِيمَان وأضمروا الْكفْر وَالَّذين هادوا الْيَهُود المغيرون المبدلون وَالنَّصَارَى المقيمون على الْكفْر بِمَا يصفونَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْمحَال والصابئون الْكفَّار أَيْضا المفارقون للحق وَيُقَال الَّذين آمنُوا الْمُؤْمِنُونَ حَقًا وَالَّذين هادوا الَّذين تَابُوا وَلم يُغيرُوا أَو النَّصَارَى نصار عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام والصابئون الخارجون من الْبَاطِل إِلَى الْحق من آمن بِاللَّه مَعْنَاهُ من دَامَ مِنْهُم على الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى فَلهُ أجره وَفِي كتاب الرشاطي الصابي نسبه إِلَى صابي بن متوشلخ بن خنوخ بن برد بن مهليل بن فتين بن ياش بن شِيث بن آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَ أَبُو الْمعَانِي فِي كِتَابه الْمُنْتَهى هم جنس من أهل الْكتاب يَزْعمُونَ أَنهم من ولد صاب بن إِدْرِيس النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقيل نسبتهم إِلَى الصابىء بن ماري وَكَانَ فِي عصر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَ النَّسَفِيّ فِي منظومته
(الصابئيات كالكتابيات ... فِي حكم حل العقد والذكاة)
وَشَرحه أَن أَبَا حنيفَة يَقُول إِنَّهُم يَعْتَقِدُونَ نَبيا وَلَهُم كتاب فَتحل مناكحة نِسَائِهِم وتؤكل ذَبَائِحهم وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هم يَعْتَقِدُونَ الْكَوَاكِب فَلَا تحل مناكحة نِسَائِهِم وَلَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم
.........
(4/37)
ن مَذْهَب جُمْهُور الْعلمَاء الِاكْتِفَاء بضربة وَاحِدَة، كَذَا ذكره ابْن الْمُنْذر، وَاخْتَارَهُ هُوَ أَيْضا، وَالْبُخَارِيّ أَيْضا، فَلذَلِك بوب عَلَيْهِ.
..........
(4/39)
فعلى قَوْله يكون الْإِسْرَاء فِي شهر ذِي الْقعدَة،وعَلى قَول الزُّهْرِيّ: يكون فِي ربيع الأول. وَقيل: كَانَ الْإِسْرَاء لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب، وَقد اخْتَارَهُ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ بن سرو الْمَقْدِسِي فِي سيرته، وَمِنْهُم من يزْعم أَنه كَانَ فِي أول لَيْلَة جُمُعَة من شهر رَجَب، وَهِي لَيْلَة الرغائب الَّتِي أحدثت فِيهَا الصَّلَاة الْمَشْهُورَة، وَلَا أصل لَهَا،ثمَّ قيل: كَانَ قبل موت أبي طَالب. وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ أَنه كَانَ بعد مَوته فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة للنبوة،
ثمَّ قيل: كَانَ فِي لَيْلَة السبت لسبع عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان فِي السّنة الثَّالِثَة عشرَة للنبوة. وَقيل: كَانَ فِي ربيع الأول. وَقيل: كَانَ فِي رَجَب، وَا أعلم.
.......
(4/44)
وَفِي (الصَّحِيحَيْنِ) : من حَدِيث أنس عَن مَالك بن صعصة أَنه وجد فِي السَّمَاء الدُّنْيَا آدم كَمَا سلف فِي حَدِيث أبي ذَر، وَفِي الثَّانِيَة يحيى وَعِيسَى، وَفِي الثَّالِثَة يُوسُف، وَفِي الرَّابِعَة إِدْرِيس، وَفِي الْخَامِسَة، هَارُون وَفِي السَّادِسَة مُوسَى، وَفِي السَّابِعَة إِبْرَاهِيم، وَهُوَ مُخَالف لرِوَايَة أنس عَن أبي ذَر أَنه وجد إِبْرَاهِيم فِي السَّادِسَة، وَكَذَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسلم. وَأجِيب: بِأَن الْإِسْرَاء إِن كَانَ مرَّتَيْنِ فَيكون رأى إِبْرَاهِيم فِي إِحْدَاهمَا فِي إِحْدَى السمائين، وَيكون استقراره بهَا ووطنه، وَفِي الثَّانِيَة فِي سَمَاء غير وَطنه، وَإِن كَانَ مرّة فَيكون أَولا رَآهُ فِي السَّمَاء السَّادِسَة، ثمَّ ارْتقى مَعَه إِلَى السَّابِعَة،وَيُقَال: إِن الْمِعْرَاج إِذا كَانَ مرّة فالأرجح رِوَايَة الْجَمَاعَة بقوله فِيهَا أَنه رَآهُ مُسْندًا ظَهره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور، وَهُوَ فِي السَّابِعَة بِلَا خلاف،وَقَول هَذَا الْقَائِل: بِلَا خلاف، غير صَحِيح، لِأَن فِيهِ خلافًا، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَالربيع أَنه فِي السَّمَاء الدُّنْيَا، وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي اعنه، أَنه عِنْد شَجَرَة طُوبَى فِي السَّادِسَة، وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد وَالضَّحَّاك أَنه فِي السَّابِعَة.
..........
(4/48)
ن النَّبِي كَيفَ رأى الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي السَّمَوَات ومقرهم فِي الأَرْض؟وَأجِيب: بِأَن اتعالى شكل أَرْوَاحهم على هَيْئَة صور أَجْسَادهم. ذكره ابْن عقيل، وَكَذَا ذكره ابْن التِّين،وَقَالَ: وَإِنَّمَا تعود الْأَرْوَاح إِلَى الأجساد يَوْم الْبَعْث إلاَّ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِنَّهُ حَيّ لم يمت، وَهُوَ ينزل إِلَى الأَرْض. قلت: الْأَنْبِيَاء أَحيَاء، فقد رَآهُمْ النَّبِي حَقِيقَة، وَقد مر على مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي قَبره، وَرَآهُ فِي السَّمَاء السَّادِسَة.
............
(4/49)
فَإِن آدم أَبُو الْبشر وَأول الْأَنْبِيَاء الْمُرْسلين، وكنيته أَبُو الْبشر أَيْضا. وَقيل: أَبُو مُحَمَّد،وروى ابْن عَسَاكِر من حَدِيث عَليّ رَضِي اتعالى عَنهُ مَرْفُوعا: (أهل الْجنَّة لَيْسَ لَهُم كنى إلاَّ آدم فَإِنَّهُ يكنى: أَبَا مُحَمَّد) . وَمن حَدِيث كَعْب الْأَحْبَار: (لَيْسَ لأحد من أهل الْجنَّة لحية إلاَّ آدم، فَإِن لَهُ لحية سَوْدَاء إِلَى سرته) . وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ لحية فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا كَانَت اللحى بعد آدم،ثمَّ قيل: إِن اسْم آدم سرياني،وَقيل: مُشْتَقّ،فَقيل: أفعل من الأدمة. وَقيل: من لفظ الْأَدِيم، لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم الأَرْض. وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: سمي آدم لبياضه. وَذكر مُحَمَّد بن عَليّ: أَن الآدم من الظباء الطَّوِيل القوائم. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (إِن اخلق آدم على صورته، طوله سِتُّونَ ذِرَاعا، فَكل من يدْخل الْجنَّة على صورته وَطوله، وَولد لَهُ أَرْبَعُونَ ولدا فِي عشْرين بَطنا، وَعمر ألف سنة، وَلما أهبطه من الْجنَّة هَبَط (بسر نديب) من الْهِنْد على جبل يُقَال لَهُ؛ (نوذ) وَلما حَضرته الْوَفَاة اشْتهى قطف عِنَب،فَانْطَلق بنوه ليطلبوه فلقيتهم الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: أَيْن تُرِيدُونَ؟قَالُوا: إِن أَبَانَا اشْتهى قطفاً. قَالُوا: ارْجعُوا فقد كفيتموه، فَرَجَعُوا فوجدوه قد قبض، فغسلوه وحنطوه وكفنوه وَصلى عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالْمَلَائِكَة خَلفه وَبَنوهُ
خَلفهم، ودفنوه. وَقَالُوا: هَذِه سنتكم فِي مَوْتَاكُم
دفن فِي غَار يُقَال لَهُ: غَار الْكَنْز، فِي أبي قبيس، فاستخرجه نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي الطوفان وَأَخذه وَجعله فِي تَابُوت مَعَه فِي السَّفِينَة، فَلَمَّا نضب المَاء رده نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى مَكَانَهُ.
......
(4/49)
أما إِدْرِيس، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِنَّهُ كَانَ أول من كتب بالقلم وانتشر مِنْهُ بعده فِي أهل الدُّنْيَا، فَكَذَلِك نَبينَا، كتب إِلَى الْآفَاق، وَسمي بِذَاكَ لدرسه الصُّحُف الثَّلَاثِينَ الَّتِي أنزلت عَلَيْهِ، فَقيل: إِنَّه خنوخ، وَيُقَال: أَخْنُوخ، وَيُقَال: اخنخ، وَيُقَال: اهنخ بن برد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شِيث بن آدم. وَقَالَ الْحَرَّانِي: اسْم أمه: برة، وخنوخ سرياني، وَتَفْسِيره بالعربي: إِدْرِيس
...........
(4/49)
وَقَالَ الْمَازرِيّ: ذكر المؤرخون أَن إِدْرِيس جد نوح، فَإِن قَامَ دَلِيل على أَن إِدْرِيس أرسل، لم يَصح قَول النسابين: إِنَّه جد نوح، لإخبار نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي الحَدِيث الصَّحِيح: (ائْتُوا نوحًا فَإِنَّهُ أول رَسُول بَعثه اإلى أهل الأَرْض) ، وَإِن لم يقم دَلِيل جازم، قَالَ: وَصَحَّ أَن إِدْرِيس كَانَ نَبيا وَلم يُرْسل، قَالَ السُّهيْلي: وَحَدِيث أبي ذَر الطَّوِيل يدل على أَن آدم وَإِدْرِيس رسولان. قلت: حَدِيث أبي ذَر أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : رفع إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة، وَرَآهُ فِيهَا، وَرفع وَهُوَ ابْن ثَلَاث مائَة وَخمْس وَسِتِّينَ سنة.
وَمعنى إِبْرَاهِيم: أَب رَحِيم، وكنيته أَبُو الضيفان. قيل: إِنَّه ولد بغوطة دمشق ببرزة فِي جبل قاسيون، وَالصَّحِيح أَنه ولد بكوثا من إقليم بابل من الْعرَاق، وَكَانَ بَينه وَبَين نوح عدَّة قُرُون، وَقيل: ولد على رَأس ألف سنة من خلق آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَذكر الطَّبَرِيّ: أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِنَّمَا نطق بالعبرانية حِين عبر النَّهر فَارًّا من نمْرُود، عَلَيْهِ اللَّعْنَة. وَقَالَ نمْرُود للَّذين أرسلهم وَرَاءه فِي طلبه: إِذا وجدْتُم فَتى يتَكَلَّم بالسُّرْيَانيَّ ة فَردُّوهُ، فَلَمَّا أدركوه استنطقوه، فحول السانه عبرانياً، وَذَلِكَ حِين عبر النَّهر، فسميت العبرانية بذلك. قلت: المُرَاد من هَذَا النَّهر هُوَ الْفُرَات، وَبلغ إِبْرَاهِيم مِائَتي سنة. وَقيل: تنتقص خَمْسَة وَعشْرين. وَدفن بالبلدة الْمَعْرُوفَة بالخليل.
وَأما مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِن أمره آل إِلَى قهر الْجَبَابِرَة وإخراجهم من أَرضهم،
..........
(4/50)
إِن الْإِسْرَاء كَانَ لَيْلًا بِالنَّصِّ، فَمَا الْحِكْمَة فِي كَونه لَيْلًا؟ وَأجِيب: بأوجه: الأول: أَنه وَقت الْخلْوَة والاختصاص ومجالسة الْمُلُوك، وَهُوَ أشرف من مجالستهم نَهَارا، وَهُوَ وَقت مُنَاجَاة الْأَحِبَّة. الثَّانِي: أَن اتعالى أكْرم جمَاعَة من أنبيائه بأنواع الكرامات لَيْلًا، قَالَ تَعَالَى فِي قصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل رأى كوكباً} (الْأَنْعَام: 67) وَفِي قصَّة لوط، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، {فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل} (هود: 18، وَالْحجر: 56) وَفِي قصَّة يَعْقُوب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: {سَوف اسْتغْفر لكم رَبِّي} (يُوسُف: 89) وَكَانَ آخر دُعَائِهِ وَقت السحر من لَيْلَة الْجُمُعَة، وَقرب مُوسَى نجياً لَيْلًا، وَذَلِكَ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ لأَهله امكثوا إِنِّي آنست نَارا} (طه: 01، والقصص: 92) وَقَالَ: {وواعدنا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة} (الْأَعْرَاف: 241) . وَقَالَ لَهُ لما أمره بِخُرُوجِهِ من مصر ببني إِسْرَائِيل: {فَأسر بعبادي لَيْلًا إِنَّكُم متبعون} (الدُّخان: 32) . وَأكْرم نَبينَا أَيْضا لَيْلًا بِأُمُور مِنْهَا: انْشِقَاق الْقَمَر، وإيمان الْجِنّ بِهِ، وَرَأى الصَّحَابَة آثَار نيرانهم كَمَا ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) وَخرج إِلَى الْغَار لَيْلًا. الثَّالِث: أَن اتعالى قدم ذكر اللَّيْل على النَّهَار فِي غير مَا آيَة فَقَالَ: {وَجَعَلنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ} (الْإِسْرَاء: 21) وَقَالَ: {وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} (يس: 04) وَلَيْلَة النَّحْر تغني عَن الْوُقُوف نَهَارا. الرَّابِع: أَن اللَّيْل أصل، وَلِهَذَا كَانَ أول الشُّهُور، وسواده يجمع ضوء الْبَصَر وَيحد كليل النّظر ويستلذ فِيهِ بالسمر ويجتلى فِيهِ وَجه الْقَمَر. الْخَامِس: أَنه لَا ليل إلاَّ وَمَعَهُ نَهَار، وَقد يكون نَهَار بِلَا ليل، وَهُوَ: يَوْم الْقِيَامَة الَّذِي مِقْدَاره خمسين ألف سنة. السَّادِس: أَن اللَّيْل مَحل استجابة الدُّعَاء والغفران وَالعطَاء. فَإِن قلت: ورد فِي الحَدِيث: (خير يَوْم طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس يَوْم عَرَفَة، أَو يَوْم الْجُمُعَة) قلت: قَالُوا ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَيَّام.
.......
(4/53)
أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم عَن حَفْص بن عَاصِم عَن ابْن عمر قَالَ: (صَحِبت رَسُول الله فِي السّفر فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه ا، وصحبت أَبَا بكر فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه اتعالى، وصحبت عُثْمَان فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه اتعالى) ، وَقد قَالَ اتعالى: {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول اأسوة حَسَنَة} (الْأَحْزَاب: 12) وَإِلَيْهِ ذهب عُلَمَاء أَكثر السّلف وفقهاء الْأَمْصَار، أَي: إِلَى أَن الْقصر وَاجِب، وَهُوَ قَول عمر وَعلي وَابْن عمر وَجَابِر وَابْن عَبَّاس، رُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن وَقَتَادَة وَقَالَ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان: يُعِيد من صلى فِي السّفر أَرْبعا. وَعَن مَالك: يُعِيد مَا دَامَ فِي الْوَقْت. وَقَالَ أَحْمد: السّنة رَكْعَتَانِ. وَقَالَ مرّة أُخْرَى: أَنا أحب الْعَافِيَة من هَذِه الْمَسْأَلَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: وَالْأولَى أَن يقصر الْمُسَافِر الصَّلَاة لأَنهم أَجمعُوا على جَوَازهَا إِذا قصر، وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أتم، وَالْإِجْمَاع مقدم على الِاخْتِلَاف، وَسقط بِهَذَا كُله مَا قَالَه بَعضهم: وَيدل على أَنه أَي الْقصر رخصَة أَيْضا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (صَدَقَة تصدق ابها عَلَيْكُم) . وَقَالَ أَيْضا؛ احْتج مخالفهم أَي: مُخَالف الْحَنَفِيَّة بقوله تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} (النِّسَاء: 101) . لِأَن الْقصر إِنَّمَا يكون من شَيْء أطول مِنْهُ
....
(4/54)
قد اتّفق الْعلمَاء على أَن المُرَاد مِنْهُ ستر الْعَوْرَة، وَعَن مُجَاهِد: وار عورتك وَلَو بعباءة، وَفِي مُسلم من حَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا: (لَا ينظر الرجل إِلَى عَورَة الرجل، وَلَا الْمَرْأَة إِلَى عَورَة الْمَرْأَة) . وَعَن الْمسور، قَالَ لَهُ النَّبِي: (ارْجع إِلَى ثَوْبك فَخذه وَلَا تَمْشُوا عُرَاة) . وَفِي (صَحِيح ابْن خُزَيْمَة) ، عَن عَائِشَة يرفعهُ: (لَا يقبل اصلاة امْرَأَة قد حَاضَت إِلَّا بخمار) . وَقَالَ ابْن بطال: أجمع أهل التَّأْوِيل على أَن نُزُولهَا فِي الَّذين كَانُوا يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة، وَقَالَ ابْن رشد: من حمله على النّدب قَالَ: المُرَاد بذلك الزِّينَة الظَّاهِرَة من الرِّدَاء وَغَيره من الملابس الَّتِي هِيَ زِينَة، مستدلاً بِمَا فِي الحَدِيث أَنه كَانَ رجال يصلونَ مَعَ النَّبِي عاقدي أزرهم على أَعْنَاقهم كيهئة الصّبيان، وَمن حمله على الْوُجُوب اسْتدلَّ بِحَدِيث مُسلم عَن ابْن عَبَّاس: (كَانَت الْمَرْأَة تَطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَانَة فَتَقول: من يعيرني تطوافاً؟ وَتقول:
(الْيَوْم يَبْدُو بعضه أَو كُله))
فَنزلت {خُذُوا زينتكم} (
.........
(4/55)
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: زر الْقَمِيص إِذا كَانَ محلولاً فشده، وزر الرجل شدّ زره، وَأورد البُخَارِيّ هَذَا للدلالة على وجوب ستر الْعَوْرَة، وللإشارة إِلَى أَن المُرَاد بِأخذ الزِّينَة فِي الْآيَة السَّابِقَة لبس الثِّيَاب لَا تزيينها وتحسينها، إِنَّمَا أَمر بالزر ليأمن من الْوُقُوع عَن بدنه، وَمن وُقُوع نظره على عَوْرَته من زيقه حَالَة الرُّكُوع، وَمن هَذَا أَخذ مُحَمَّد بن شُجَاع من أَصْحَابنَا أَن من نظر إِلَى عَوْرَته من زيقه تفْسد صلَاته، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وفِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ.
أَي: وَفِي إِسْنَاد الحَدِيث الْمَذْكُور نظر، وَجه النّظر من مُوسَى بن إِبْرَاهِيم، وَزعم ابْن الْقطَّان أَنه مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ، وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، فَلَعَلَّ البُخَارِيّ أَرَادَهُ. فَلذَلِك قَالَ: فِي إِسْنَاده نظر، وَذكره مُعَلّقا بِصِيغَة التمريض، وَلَكِن أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) عَن نصر بن عَليّ عَن عبد الْعَزِيز عَن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: سَمِعت سَلمَة، وَفِي رِوَايَة: (وَلَيْسَ على إلاَّ قَمِيص وَاحِد، أوجبه وَاحِدَة، فأزره؟ قَالَ: نعم وَلَو بشوكة
..........
(4/60)
ذهب جُمْهُور أهل الْعلم من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَن الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد تجوز وَالَّذين ذَهَبُوا إِلَى ذَلِك جمَاعَة من الصَّحَابَة وهم ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَعلي بن أبي طَالب وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَأنس بن مَالك وخَالِد بن الْوَلِيد وَجَابِر بن عبد الله وعمار بن يَاسر وَأبي بن كَعْب وَعَائِشَة وَأَسْمَاء وَأم هَانِيء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمن التَّابِعين الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد بن الْحَنَفِيَّة وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَعِكْرِمَة وَأَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمن الْفُقَهَاء أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بالأحاديث الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبَاب وَقَالَ الطَّحَاوِيّ تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيث وَتَتَابَعَتْ بِجَوَاز الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد متوشحا بِهِ فِي حَال وجود غَيره من الثِّيَاب وَأخرج فِي ذَلِك عَن أحد عشر صحابيا
..........
(4/63)
وَجزم ابْن هِشَام فِي (تَهْذِيب السِّيرَة) بِأَن اللَّذين أجرتهما أم هانىء هما: الْحَارِث بن هِشَام وَزُهَيْر بن أبي أُميَّة المخزوميان.
...........
(4/65)
وَقد أنْشد ابْن عُصْفُور فِي ذكر الْأَعْضَاء الَّتِي تذكر وتؤنث:
(وهاك من الْأَعْضَاء مَا قد عددته ... يؤنث أَحْيَانًا وحينا يذكر)
(لِسَان الْفَتى والعنق والإبط والقفا ... وعاتقه والمتن والضرس يذكر)
(وَعِنْدِي ذِرَاع والكراع مَعَ المعا ... وَعجز الْفَتى ثمَّ القريض المحبر)
(كَذَا كل نحوي حكى فِي كِتَابه ... سوى سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ فيهم مكبر)
(يرى أَن تَأْنِيث الذِّرَاع هُوَ الَّذِي ... أَتَى وَهُوَ للتذكير فِي ذَاك مُنكر)
وَقَالَ صَاحب (دستور اللُّغَة) : بديع الزَّمَان: بَاب الْأَسْمَاء الخالية من عَلَامَات التَّأْنِيث، والأسماء الَّتِي اشْترك فِيهَا التَّذْكِير والتأنيث، وَهِي حُدُود مِائَتي اسْم ونيف، وعلامة الْمُشْتَرك يجمعها قَوْله نظماً:
(عين يَمِين عضد كف شكا ... ل أذن سنّ مَعًا رِجْل يَد)
(قتب ذِرَاع أصْبع نَاب عجو ... زعجز سَاق كرَاع كبد)
(وَحش جَراد رجلهَا أروى سعي ... ر زندها ذكاء طاغوت يَد)
(ذود طباع خنصر روح شبا ... خيل اتان وصف أُنْثَى الْمُفْرد)
وَذكر بعد هَذَا أحد عشر بَيْتا على قافية الْبَاء الْمُوَحدَة، وَسَبْعَة أَبْيَات أُخْرَى على قافية اللَّام.
...........
(4/67)
قَالَ الْخطابِيّ الاشتمال الَّذِي أنكرهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ اشْتِمَال الصماء وَهُوَ أَن يُجَلل نَفسه بِثَوْبِهِ وَلَا يرفع شَيْئا من جوانبه وَلَا يُمكنهُ إِخْرَاج يَدَيْهِ إِلَّا من أَسْفَله فيخاف أَن تبدو عَوْرَته عِنْد ذَلِك وَقَالَ ابْن بطال حَدِيث جَابر هَذَا تَفْسِير حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي فِي الْبَاب الْمُتَقَدّم وَهُوَ " لَا يصلين أحدكُم فِي الثَّوْب الْوَاحِد لَيْسَ على عَاتِقه مِنْهُ شَيْء " فِي أَنه أَرَادَ الثَّوْب الْوَاسِع الَّذِي يُمكن أَن يشتمله وَأما إِذا كَانَ ضيقا فَلم يُمكنهُ أَن يشْتَمل بِهِ فليتز بِهِ وَقَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قيل الحَدِيث السَّابِق فِيهِ نهي عَن الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد متزرا بِهِ وَظَاهره يُعَارض " وَإِن كَانَ ضيقا فاتزر بِهِ " وَأجَاب الطَّحَاوِيّ بِأَن النَّهْي عَنهُ للواجد لغيره وَأما من لم يجد غَيره فَلَا بَأْس بِالصَّلَاةِ فِيهِ كَمَا لَا بَأْس بِالصَّلَاةِ فِي الثَّوْب الضّيق متزرا.
......
(4/69)
والشامية. نِسْبَة إِلَى الشَّام، وَهُوَ الإقليم الْمَعْرُوف دَار الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.
...........
(4/ 73)
وَفِي (التَّوْضِيح) : إِذا أَوجَبْنَا السّتْر فِي الْخلْوَة فَهَل يجوز أَن ينزل فِي مَاء النَّهر وَالْعين بِغَيْر مئزر؟ وَجْهَان: أَحدهمَا: لَا، للنَّهْي عَنهُ، وَالثَّانِي: نعم، لِأَن المَاء يقوم مقَام المئزر فِي ستر الْعَوْرَة، وَا أعلم
.......
(4/73)
وَفِي (مجمع الغرائب) للفارسي، عَن كَعْب: أول من لبس القباء سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَكَانَ إِذا أَدخل رَأسه فِي الثِّيَاب لنصت الشَّيَاطِين، يَعْنِي: فصلت أنوفها. وَزعم أَبُو مُوسَى فِي (المغيث) بِالسِّين: لنست.
........
(4/81)
الْفَخْذ عَورَة، فهم جُمْهُور الْعلمَاء من التَّابِعين وَمن بعدهمْ، مِنْهُم: أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي أصح أَقْوَاله وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أصح روايتيه وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر بن الْهُذيْل، حَتَّى قَالَ أَصْحَابنَا: إِن الصَّلَاة مَكْشُوف الْعَوْرَة فَاسِدَة. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: الْفَخْذ عَورَة إلاَّ فِي الْحمام، وَقَالَ ابْن بطال: أَجمعُوا على أَن من صلى مَكْشُوف الْعَوْرَة لَا إِعَادَة عَلَيْهِ. قلت: دَعْوَى الْإِجْمَاع غير صَحِيحَة، فَيكون مُرَاده إِجْمَاع أهل مذْهبه.
..........
(4/81)
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: ويرجح حَدِيث جرهد وَهُوَ أَن تِلْكَ الْأَحَادِيث الْمُعَارضَة لَهُ قضايا مُعينَة فِي أَوْقَات وأحوال مَخْصُوصَة، يتَطَرَّق إِلَيْهَا الِاحْتِمَال مَا لَا يتَطَرَّق لحَدِيث جرهد، فَإِنَّهُ أعْطى حكما كلياً، فَكَانَ أولى. وَبَيَان ذَلِك أَن تِلْكَ الوقائع تحْتَمل خُصُوصِيَّة النَّبِي بذلك، أَو الْبَقَاء على الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة، أَو كَأَن لم يحكم عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْوَقْت بِشَيْء، ثمَّ بعد ذَلِك حكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَورَة. فَإِن قلت: روى الطَّحَاوِيّ، وَقَالَ؛ حدّثنا ابْن مَرْزُوق، قَالَ: حدّثنا أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو خَالِد عَن عبد ابْن سعيد الْمَدِينِيّ، قَالَ: حَدَّثتنِي حَفْصَة بنت عمر قَالَت: (كَانَ رَسُول الله ذَات يَوْم قد وضع ثَوْبه بَين فَخذيهِ، فجَاء أَبُو بكر فَاسْتَأْذن فَأذن لَهُ النَّبِي على هَيئته، ثمَّ جَاءَ عمر بِمثل هَذِه الصّفة، ثمَّ جَاءَ أنَاس من أَصْحَابه وَالنَّبِيّ على هَيئته، ثمَّ جَاءَ عُثْمَان فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ فَأذن لَهُ ثمَّ أَخذ رَسُول الله ثَوْبه فجلله، فتحدثوا ثمَّ خَرجُوا. فَقلت: يَا رَسُول اجاء أَبُو بكر وَعمر وَعلي وأناس من أَصْحَابك وَأَنت على هيئتك، فَلَمَّا جَاءَ عُثْمَان جللت بثوبك؟ فَقَالَ: (أَو لَا أستحي مِمَّن تَسْتَحي مِنْهُ الْمَلَائِكَة؟)
......
(4/82)
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: وَالَّذِي رُوِيَ فِي قصَّة عُثْمَان من كشف الفخذين مَشْكُوك فِيهِ. وَقَالَ الطَّبَرِيّ فِي كتاب (تَهْذِيب الْآثَار وَالْأَخْبَار) : الَّتِي رويت عَن النَّبِي أَنه دخل عَلَيْهِ أَبُو بكر وَعمر وَهُوَ كاشف فَخذه واهية الْأَسَانِيد لَا يثبت بِمِثْلِهَا حجَّة فِي الدّين، وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة بِالْأَمر بتغطية الْفَخْذ وَالنَّهْي عَن كشفها أَخْبَار صِحَاح. وَقَول الطَّحَاوِيّ: لِأَن جمَاعَة من أهل الْبَيْت رَوَوْهُ على غير هَذَا الْوَجْه، حَدِيث عَائِشَة وَعُثْمَان أخرجه مُسلم: حدّثنا عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث بن سعد، قَالَ: حدّثنا بِي عَن جدي، قَالَ: حدّثنا عقيل بن خَالِد عَن ابْن شهَاب: (عَن يحيى بن سعيد بن الْعَاصِ أَن سعيد بن الْعَاصِ أخبرهُ إِن عَائِشَة، زوج النَّبِي، وَعُثْمَان رَضِي اتعالى عَنهُ، حَدَّثَاهُ: أَن أَبَا بكر اسْتَأْذن على رَسُول الله وَهُوَ مُضْطَجع على فرَاشه، لابس مرط عَائِشَة، فَأذن لأبي بكر وَهُوَ كَذَلِك، فَقضى إِلَيْهِ حَاجته ثمَّ انْصَرف، ثمَّ اسْتَأْذن عمر رَضِي اتعالى عَنهُ، فَأذن لَهُ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَالة، فَقضى إِلَيْهِ حَاجته ثمَّ انْصَرف. قَالَ عُثْمَان: ثمَّ اسْتَأْذَنت عَلَيْهِ فَجَلَسَ وَقَالَ لعَائِشَة: إجمعي عَلَيْك ثِيَابك، فَقضيت إِلَيْهِ حَاجَتي ثمَّ انصرفت، فَقَالَت عَائِشَة يَا رَسُول اما لي لم أرك، فزعت لأبي بكر وَعمر كَمَا فزعت لعُثْمَان؟ قَالَ رَسُول ا: (إِن عُثْمَان رجل حييّ، وَإِنِّي خشيت: إِن أَذِنت لَهُ على تِلْكَ الْحَالة أَن لَا
يبلغ إِلَيّ فِي حَاجته)
........
(4/88)
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: اخْتلفُوا فِي فتح خَيْبَر كَانَت عنْوَة أَو صلحا؟ أَو جلاء أَهلهَا عَنْهَا بِغَيْر قتال؟ أَو بَعْضهَا صلحا وَبَعضهَا عنْوَة وَبَعضهَا جلاء أَهلهَا عَنْهَا؟ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَبِهَذَا أَيْضا ينْدَفع التضاد بَين الْآثَار
.......
(4/87)
وَفِي الْمثل: كَاد الْعَرُوس أَن يكون ملكا. والعروس. اسْم حصن بِالْيمن، وَقَول الْعَامَّة: الْعَرُوس للْمَرْأَة، والعريس للرجل لَيْسَ لَهُ أصل.
.........
(4/87)
وَقَالَ ابْن حزم: اتّفق ثَابت وَقَتَادَة وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس أَنه: عتق صَفِيَّة وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا، وَبِه قَالَ قَتَادَة فِي رِوَايَة، وَأخذ بِظَاهِرِهِ أَحْمد وَالْحسن وَابْن الْمسيب، وَلَا يحل لَهَا مهر غَيره، وتبعهم ابْن حزم فَقَالَ: هُوَ سنة فاضلة وَنِكَاح صَحِيح وصداق صَحِيح، فَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول فَهِيَ حرَّة فَلَا يرجع عَلَيْهَا بِشَيْء، وَلَو أَبَت أَن تتزوجه بَطل عتقهَا. وَفِي هَذَا خلاف مُتَأَخّر ومتقدم.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: حدّثنا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة، قَالَ: حدّثنا مُسلم بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حدّثنا أبان وَحَمَّاد بن زيد، قَالَ: حدّثنا شُعَيْب بن الحبحاب عَن أنس بن مَالك: (أَن رَسُول الله أعتق صَفِيَّة وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا) . وَأخرجه مُسلم، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ. ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَذهب قوم إِلَى أَن الرجل إِذا أعتق أمته على أَن عتقهَا صَدَاقهَا جَازَ ذَلِك، فَإِن تزوجت فَلَا مهر لَهَا غير الْعتاق. قلت: أَرَادَ بهؤلاء الْقَوْم: سعيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعامر الشّعبِيّ وَالْأَوْزَاعِي ّ وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَقَتَادَة وطاوساً وَالْحسن بن حييّ وَأحمد وَإِسْحَاق فَإِنَّهُم قَالُوا: إِذا أعتق الرجل أمته على أَن يكون عتقهَا صَدَاقهَا جَازَ ذَلِك
.......
(4/89)
قد ناقش ابْن حزم فِي هَذَا الْموضع مناقشة عَظِيمَة، وخلاصة مَا ذكره أَنه قَالَ: دَعْوَى الخصوصية بِالنَّبِيِّ فِي هَذَا الْموضع كذب، وَالْأَحَادِيث الَّتِي ذكرت هَهُنَا غير صَحِيحَة، وَقد ردينا عَلَيْهِ فِي جَمِيع ذَلِك فِي شرحنا (لمعاني الْآثَار) للطحاوي، فَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهِ فَعَلَيهِ بالمراجعة إِلَيْهِ. وَمِنْهَا: أَن الزفاف فِي اللَّيْل، وَقد جَاءَ أَنه دخل عَلَيْهَا نَهَارا فَفِيهِ جَوَاز الْأَمريْنِ. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دلَالَة على مطلوبية الْوَلِيمَة للعرس، وَأَنَّهَا بعد الدُّخُول، وَقَالَ الثَّوْريّ: وَيجوز قبله وَبعده، وَالْمَشْهُور عندنَا أَنَّهَا سنة، وَقيل: وَاجِبَة، وَعِنْدنَا إِجَابَة الدعْوَة سنة سَوَاء كَانَت وَلِيمَة أَو غَيرهَا، وَبِه قَالَ أَحْمد وَمَالك فِي رِوَايَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِجَابَة وَلِيمَة الْعرس وَاجِبَة، وَغَيرهَا مُسْتَحبَّة، وَبِه قَالَ مَالك فِي رِوَايَة، والوليمة: عبارَة عَن الطَّعَام الْمُتَّخذ للعرس، مُشْتَقَّة من: الولم، وَهُوَ الْجمع، لِأَن الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ فَتكون الْوَلِيمَة خَاصَّة بِطَعَام الْعرس، لِأَنَّهُ طَعَام الزفاف، والوكيرة: طَعَام الْبناء، والخرس طَعَام الْولادَة، وَمَا تطعمه النُّفَسَاء نَفسهَا خرسة، والإعذار طَعَام الْخِتَان، والنقيعة طَعَام القادم من سَفَره، وكل طَعَام صنع لدَعْوَة مأدبة ومأدبة جَمِيعًا، والدعوة الْخَاصَّة: التقري، والعامة: الجفلى والأجفلى
.....
(4/90)
وَزعم أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن أَن كل شَيْء من الْمَرْأَة عَورَة حَتَّى ظفرها، وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: قدم الْمَرْأَة عَورَة، فَإِن صلت وقدمها مكشوفة أعادت فِي الْوَقْت عِنْد مَالك، وَكَذَلِكَ إِذا صلت وشعرها مَكْشُوف. وَعند الشَّافِعِي تعيد أبدا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري: قدم الْمَرْأَة لَيست بِعَوْرَة فَإِن صلت وقدمها مكشوفة صحت صلَاتهَا. وَلَكِن فِيهِ رِوَايَتَانِ عَن أبي حنيفَة
..........
(4/92)
الَ ابْن حَازِم فِي كتاب (النَّاسِخ والمنسوخ) : قد اخْتلف أهل الْعلم فِي الْإِسْفَار بِصَلَاة الصُّبْح والتغليس بهَا، فَرَأى بَعضهم الْإِسْفَار هُوَ الْأَفْضَل، وَذهب إِلَى قَوْله: (أَصْبحُوا بالصبح) ، وَرَوَاهُ محكماً، وَزعم الطَّحَاوِيّ أَن حَدِيث الْإِسْفَار نَاسخ لحَدِيث التغليس، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يدْخلُونَ مغلسين وَيخرجُونَ مسفرين، وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا ذهب إِلَيْهِ، لِأَن حَدِيث التغليس ثَابت، وَأَن النَّبِي داوم عَلَيْهِ حَتَّى فَارق الدُّنْيَا.
قلت: يرد هَذَا مَا روينَاهُ من حَدِيث ابْن مَسْعُود الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَذكرنَا أَن فِيهِ دَلِيلا على أَنه، كَانَ يسفر بِالْفَجْرِ دَائِما، وَالْأَمر مثل مَا ذكره الطَّحَاوِيّ وَلَيْسَ مثل مَا ذكره ابْن حَازِم، بَيَان ذَلِك أَن اتِّفَاق الصَّحَابَة رَضِي اتعالى عَنْهُم، بعد النَّبِي، على الْإِسْفَار بالصبح، على مَا ذكره الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ: (مَا اجْتمع أَصْحَاب مُحَمَّد على شَيْء مَا اجْتَمعُوا على التَّنْوِير) دَلِيل وَاضح على نسخ حَدِيث التغليس، لِأَن إِبْرَاهِيم أخبر أَنهم كَانُوا اجْتَمعُوا على ذَلِك، فَلَا يجوز عندنَا، وَا أعلم، اجْتِمَاعهم على خلاف مَا قد فعله النَّبِي، إلاَّ بعد نسخ ذَلِك وَثُبُوت خِلَافه، وَالْعجب من بعض شرَّاح البُخَارِيّ أَنه يَقُول: وَوهم الطَّحَاوِيّ حَيْثُ ادّعى أَن حَدِيث: (أسفروا. .) نَاسخ لحَدِيث التغليس، وَلَيْسَ الواهم إلاَّ هُوَ، وَلَو كَانَ عِنْده إِدْرَاك مدارك الْمعَانِي لما اجترأ على مثل هَذَا الْكَلَام.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دلَالَة على خُرُوج النِّسَاء، وَهُوَ جَائِز بِشَرْط أَمن الْفِتْنَة عَلَيْهِنَّ أَو بِهن، وَكَرِهَهُ بَعضهم للشواب، وَعند أبي حنيفَة تخرج الْعَجَائِز لغير الظّهْر وَالْعصر، وَعِنْدَهُمَا: يخْرجن للْجَمِيع، وَالْيَوْم يكره للْجَمِيع، للعجائز والشواب، لظُهُور الْفساد وَعُمُوم الْفِتْنَة. وَا أعلم
..............
(4/92)
وَقَالَ ابْن الْحصار فِي (تقريب المدارك) : من زعم أَنه مَنْسُوب إِلَى منبج فقد وهم. قلت: منبج، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره جِيم: بَلْدَة من كور قنسرين بناها بعض الأكاسرة الَّذِي غلب على الشَّام، وسماها: مُنَبّه، وَبنى بهَا بَيت نَار ووكل بهَا رجلا، فعربت فَقيل: منبج، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا: منبجي
.......
(4/95)
وَفرق بعض الْعلمَاء بَين الصُّورَة والتمثال، فَقَالَ: الصُّورَة تكون فِي الْحَيَوَان، والتمثال تكون فِيهِ وَفِي غَيره. وَيُقَال: التمثال مَا لَهُ جرم وشخص، وَالصُّورَة مَا كَانَ رقماً أَو تزويقاً فِي ثوب أَو حَائِط. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: قيل: التماثيل الصُّور، وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: {وتماثيل} (سبأ: 31) إِنَّهَا صور العقبان والطواويس على كرْسِي سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَ مُبَاحا. وَقيل: صور الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة ، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، من رُخَام أَو شبه لينشطوا فِي الْعِبَادَة بِالنّظرِ إِلَيْهِم. وَقيل: صور الْآدَمِيّين من نُحَاس، وَا تَعَالَى أعلم.
........
(4/95)
جرى البُخَارِيّ فِي ذَلِك على عَادَته فِي ترك الْقطع فِي الشَّيْء الَّذِي فِيهِ اخْتِلَاف، لِأَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي النَّهْي الْوَارِد فِي الشَّيْء، فَإِن كَانَ لِمَعْنى فِي نَفسه فَهُوَ يَقْتَضِي الْفساد فِيهِ، وَإِن كَانَ لِمَعْنى فِي غَيره فَهُوَ يَقْتَضِي الْكَرَاهَة أَو الْفساد، فِيهِ خلاف.
وَالَّذِي ينْهَى عَنهُ من الْمَذْكُور، وَهُوَ؛ الصَّلَاة فِي ثوب مُصَور بصلبان أَو بتصاوير،
..............
(4/95)
قَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ: دَلِيل على أَن الصُّور كلهَا مَنْهِيّ عَنْهَا، سَوَاء كَانَت أشخاصاً ماثلة أَو غير ماثلة، كَانَت فِي ستر أَو بِسَاط أَو فِي وَجه جِدَار أَو غير ذَلِك. وَقَالَ ابْن بطال: علم من الحَدِيث النَّهْي عَن اللبَاس الَّذِي فِيهِ التصاوير بِالطَّرِيقِ الأولى، وَهَذَا كُله على الْكَرَاهَة، فَإِن من صلى فِيهِ فَصلَاته مجزئة، لِأَنَّهُ لم يعد الصَّلَاة، وَلِأَنَّهُ ذكر أَنَّهَا عرضت لَهُ، وَلم يقل: إِنَّهَا قطعتها. وَمن صلى بذلك أَو نظر إِلَيْهِ فَصلَاته مجزئة عِنْد الْعلمَاء. وَقَالَ الْمُهلب: وَإِنَّمَا أَمر باجتناب هَذَا لإحضار الْخُشُوع فِي الصَّلَاة وَقطع دواعي الشّغل
,,,,,,,,,,,
(4/97)
وَكَانَ الَّذِي أهداه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أكيدر بن عبد الْملك صَاحب دومة الجندل وَذكر أَبُو نعيم أَنه أسلم وَأهْدى إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حلَّة سيراء وَقَالَ ابْن الْأَثِير أهْدى لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصَالَحَهُ وَلم يسلم وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ بَين أهل السّير وَمن قَالَ أَنه أسلم فقد أَخطَأ خطأ ظَاهر أَو كَانَ نَصْرَانِيّا وَلما صَالحه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَاد إِلَى حصنه وَبَقِي فِيهِ ثمَّ أَن خَالِدا أسره لما حاصر دومة الجندل أَيَّام أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَقتله مُشْركًا نَصْرَانِيّا وأكيدر بِضَم الْهمزَة ودومة الجندل اسْم حصن قَالَ الْجَوْهَرِي أَصْحَاب اللُّغَة يَقُولُونَ بِضَم الدَّال وَأهل الحَدِيث يفتحونها وَهُوَ اسْم مَوضِع فاصل بَين الشَّام وَالْعراق على سَبْعَة مراحل من دمشق وعَلى ثَلَاثَة عشر مرحلة من الْمَدِينَة
............
(4/98)
حُرْمَة لبس الْحَرِير للرِّجَال فِي كل الْأَحْوَال إِلَّا فِي صور تستثنى مِنْهَا فِي الْحَرْب يجوز لبسهَا للرِّجَال عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد. وَمِنْهَا للجرب. وَمِنْهَا لأجل الْبرد إِذا لم يجد غَيره وَقد جوز طَائِفَة من الظَّاهِرِيَّة لبسه للرِّجَال مُطلقًا وَإِلَيْهِ ذهب عبد الله بن أبي مليكَة وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث مسور بن مخرمَة أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ على مَا نذكرهُ فِي مَوْضِعه وحجج الْجُمْهُور فِي ذَلِك كَثِيرَة. مِنْهَا الحَدِيث الْمَذْكُور وَأخرج الطَّحَاوِيّ فِي هَذَا الْبَاب عَن خَمْسَة عشر نَفرا من الصَّحَابَة وهم عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَمْرو وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وَعمْرَان بن الْحصين والبراء بن عَازِب وَعبد الله بن الزبير وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَأنس بن مَالك
.........
(4/98)
قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ اخْتلف الْعلمَاء فِي لِبَاس الْحَرِير على عشرَة أَقْوَال: الأول محرم بِكُل حَال. وَالثَّانِي محرم إِلَّا فِي الْحَرْب. وَالثَّالِث يحرم إِلَّا فِي السّفر. وَالرَّابِع يحرم إِلَّا فِي الْمَرَض. وَالْخَامِس يحرم إِلَّا فِي الْغَزْو. وَالسَّادِس يحرم إِلَّا فِي الْعلم. وَالسَّابِع يحرم على الرِّجَال وَالنِّسَاء. وَالثَّامِن يحرم لبسه من فَوق دون لبسه من أَسْفَل وَهُوَ الْفرش قَالَه أَبُو حنيفَة وَابْن الْمَاجشون. وَالتَّاسِع مُبَاح بِكُل حَال. والعاشر يحرم وَإِن خلط مَعَ غَيره كالخز. وَمِنْهَا مَا احْتج بِهِ
عضهم فِي جَوَاز الصَّلَاة فِي الثِّيَاب الْحَرِير لكَونه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يعد تِلْكَ الصَّلَاة وَلَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك لِأَن ترك إِعَادَتهَا لكَونهَا وَقعت قبل التَّحْرِيم أما بعد فَفِيهِ اخْتِلَاف الْعلمَاء فَقَالَ أَصْحَابنَا تصح صلَاته وَلكنهَا تكره وَيَأْثَم لارتكابه الْحَرَام وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْر وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك من صلى فِي ثوب حَرِير يُعِيد فِي الْوَقْت إِن وجد ثوبا غَيره وَعَلِيهِ جلّ أَصْحَابه وَقَالَ أَشهب لَا إِعَادَة عَلَيْهِ فِي الْوَقْت وَلَا فِي غَيره وَهُوَ قَول أصبغ وخفف ابْن الْمَاجشون لِبَاسه فِي الْحَرْب وَالصَّلَاة للترهيب على الْعَدو والمباهات وَقَالَ آخَرُونَ إِن صلى فِيهِ وَهُوَ يعلم أَن ذَلِك لَا يجوز يُعِيد.
........
(4/101)
وَصَلَّى أبُو هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ المَسْجِدِ بِصَلاَةِ الإِمَامِ
ذكره البُخَارِيّ بِصِيغَة الْجَزْم، وروى ابْن أبي شيبَة عَن أبي عَامر عَن سعيد بن مُسلم،قَالَ: (رَأَيْت سَالم بن عبد ايصلي فَوق ظهر الْمَسْجِد صَلَاة الْمغرب وَمَعَهُ رجل آخر يَعْنِي، ويأتم بِالْإِمَامِ) . وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن عدي عَن ابْن عون قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّد عَن الرجل يكون على ظهر بَيت يُصَلِّي بِصَلَاة الإِمَام فِي رَمَضَان،فَقَالَ: لَا أعلم بِهِ بَأْسا إلاَّ أَن يكون بَين يَدي الإِمَام. وَقَالَ الشَّافِعِي: يكره أَن يكون مَوضِع الإِمَام أَو الْمَأْمُوم أَعلَى من مَوضِع الآخر إلاَّ إِذا أَرَادَ تَعْلِيم أَفعَال الصَّلَاة، أَو أَرَادَ الْمَأْمُوم تَبْلِيغ الْقَوْم. وَقَالَ فِي (الْمُهَذّب) : إِذْ كره أَن يَعْلُو الإِمَام فالمأموم أولى، وَعِنْدنَا أَيْضا يكره أَن يكون الْقَوْم أَعلَى من الإِمَام. وَقَالَ ابْن حزم؛وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا يجوز. قلت: لَيْسَ مَذْهَب أبي حنيفَة هَذَا، ومذهبه أَنه يجوز وَلَكِن يكره. وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام: إِنَّمَا يكره إِذا لم يكن من عذر، أما إِذا كَانَ من عذر فَلَا يكره، كَمَا فِي الْجُمُعَة إِذا كَانَ الْقَوْم على الرف وَبَعْضهمْ على الأَرْض، والرف،بتَشْديد الْفَاء: شبه الطاق، قَالَه الْجَوْهَرِي. وَعَن الطَّحَاوِيّ: إِنَّه لَا يكره، وَعَلِيهِ عَامَّة الْمَشَايِخ.
........
(4/102)
اخْتلفُوا فِي اسْم: فلَان، الَّذِي هُوَ نجار منبره، فَفِي (كتاب الصَّحَابَة) لِابْنِ أَمِين الطليطلي: إِن اسْم هَذَا النجار: قبيصَة المَخْزُومِي. قَالَ: وَيُقَال: مَيْمُون. وَقَالَ: وَقيل: صَلَاح غُلَام الْعَبَّاس ابْن عبد الْمطلب،وَقَالَ ابْن بشكوال: وَقيل: ميناء. وَقيل: إِبْرَاهِيم. وَقيل: باقوم، بِالْمِيم فِي آخِره. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: كَانَ رومياً غُلَاما لسَعِيد بن الْعَاصِ مَاتَ فِي حَيَاة النَّبِي، وروى أَبُو سعد فِي (شرف الْمُصْطَفى) من طَرِيق ابْن لَهِيعَة: عَن عمَارَة بن غزيَّة عَن بعاس بن سهل عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ نجار وَاحِد يُقَال لَهُ مَيْمُون، فَذكر قصَّة الْمِنْبَر. وَقَالَ ابْن التِّين: عمله غُلَام لسعد بن عبَادَة. وَقيل: لامْرَأَة من الْأَنْصَار
.........
(4/104)
وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ أَن الْعَمَل الْيَسِير لَا يفْسد الصَّلَاة، وَكَانَ الْمِنْبَر ثَلَاث مراقي، وَلَعَلَّه إِنَّمَا قَامَ على الثَّانِيَة مِنْهَا فَلَيْسَ فِي نُزُوله وصعوده إلاَّ خطوتان.
............
(4/106)
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: نسخ إِمَامَة الْقَاعِد بقوله: (لَا يؤمَّنَّ أحد بعدِي جَالِسا) . وبفعل الْخُلَفَاء بعده، وَإنَّهُ لم يؤم أحد مِنْهُم قَاعِدا. وَإِن كَانَ النّسخ لَا يُمكن بعد النَّبِي فمثابرتهم على ذَلِك تشهد بِصِحَّة نَهْيه عَن إِمَامَة الْقَاعِد بعده
هَذَا الحَدِيث أخرجه الدَّارَقُطْنِي ّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنَيْهِمَا) عَن جَابر الْجعْفِيّ عَن الشّعبِيّ. وَقَالَ الدارقطيني: لم يروه عَن الشّعبِيّ غير جَابر الْجعْفِيّ وَهُوَ مَتْرُوك، والْحَدِيث مُرْسل لَا تقوم بِهِ حجَّة. وَقَالَ عبد الْحق فِي (أَحْكَامه) : وَرَوَاهُ عَن الْجعْفِيّ مجَالد وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف.
..........
(4/107)
ورد فِي بعض طرق الحَدِيث أَن النَّبِي أَخذ فِي الْقِرَاءَة من حَيْثُ انْتهى إِلَيْهِ أَبُو بكر رَضِي اتعالى عَنهُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي ّ فِي (سنَنه) وَأحمد فِي (مُسْنده) . فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه (الْوَهم وَالْإِيهَام) : وَهِي رِوَايَة مُرْسلَة، فَإِنَّهَا لَيست من رِوَايَة ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي وَإِنَّمَا رَوَاهَا ابْن عَبَّاس عَن أَبِيه الْعَبَّاس عَن النَّبِي، كَذَا رَوَاهُ الْبَزَّار فِي (مُسْنده) بِسَنَد فِيهِ قيس بن الرّبيع وَهُوَ ضَعِيف، ثمَّ ذكر لَهُ مثالب فِي دينه. قَالَ: وَكَانَ ابْن عَبَّاس كثيرا مَا يُرْسل. قلت: رَوَاهُ ابْن ماجة من غير طَرِيق قيس،فَقَالَ: حدّثنا عَليّ بن مُحَمَّد،حدّثنا وَكِيع عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن الأرقم بن شُرَحْبِيل عَن ابْن عَبَّاس: (لما مرض رَسُول ا) فَذكره إِلَى أَن قَالَ: (قَالَ ابْن عَبَّاس: وَأخذ رَسُول الله فِي الْقِرَاءَة من حَيْثُ كَانَ بلغ أَبُو بكر رَضِي اعنه) . وَقَالَ الْخطابِيّ: وَذكر أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة جَابر وَأبي هُرَيْرَة وَعَائِشَة، وَلم يذكر صَلَاة رَسُول الله آخر مَا صلاهَا بِالنَّاسِ وَهُوَ قَاعد وَالنَّاس خَلفه قيام، وَهَذَا آخر الْأَمريْنِ من فعله، وَمن عَادَة أبي دَاوُد فِيمَا أنشأه من أَبْوَاب هَذَا الْكتاب أَن يذكر الحَدِيث فِي بَابه، وَيذكر الَّذِي يُعَارضهُ فِي بَاب آخر على إثره، وَلم أَجِدهُ فِي شَيْء من النّسخ فلست أَدْرِي كَيفَ غفل عَن ذكر هَذِه الْقِصَّة وَهِي من أُمَّهَات السّنَن، وَإِلَيْهِ ذهب أَكثر الْفُقَهَاء. قلت: إِمَّا تَركهَا سَهوا أَو غَفلَة أَو كَانَ رَأْيه فِي هَذَا الحكم مثل مَا ذهب إِلَيْهِ الإِمَام أَحْمد، فَلذَلِك لم يذكر مَا ينْقضه. وَا تَعَالَى أعلم.
.........
(4/107)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: الْأَفْضَل أَن يكبر بعد فرَاغ الإِمَام من التَّكْبِير، لِأَن الْفَاء للتعقيب وَإِن كبر مَعَ الإِمَام أَجزَأَهُ عِنْد مُحَمَّد رِوَايَة وَاحِدَة، وَقد أَسَاءَ. وَكَذَلِكَ فِي أصح الرِّوَايَتَيْن ِ عَن أبي يُوسُف،وَفِي رِوَايَة: لَا يصير شَارِعا، ثمَّ يَنْبَغِي أَن يكون اقترانهما فِي التَّكْبِير على قَوْله كاقتران حَرَكَة الْخَاتم والإصبع، والبعدية على قَوْلهمَا؛أَن يُوصل ألف: ا،برَاء: أكبر،وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده: قَول أبي حنيفَة أدق وأجود، وقولهما أرْفق وأحوط، وَقَول الشَّافِعِي كقولهما. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ،فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام قبل فرَاغ الإِمَام مِنْهَا: لم تَنْعَقِد صلَاته وَلَو ركع بعد شُرُوع الإِمَام فِي الرُّكُوع، فَإِن قارنه أَو سابقه فقد أَسَاءَ وَلَا تبطل صلَاته، فَإِن سلم قبل إِمَامه بطلت صلَاته إلاَّ أَن يَنْوِي الْمُفَارقَة فَفِيهِ خلاف مَشْهُور.
.........
(4/109)
ن الصَّلَاة فِي السَّفِينَة إِنَّمَا تجوز: إِذا كَانَ قَائِما. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجوز قَائِما وَقَاعِدا بِعُذْر وَبِغير عذر. وَبِه قَالَ الْحسن بن مَالك وَأَبُو قلَابَة وَطَاوُس، روى عَنهُ ابْن أبي شيبَة،وروى أَيْضا عَن مُجَاهِد أَن جُنَادَة بن أبي أُميَّة قَالَ: (كُنَّا نغزو مَعَه لَكنا نصلي فِي السَّفِينَة قعُودا) ، أَو لِأَن الْغَالِب دوران الرَّأْس فَصَارَ كالمحقق، وَالْأولَى أَن يخرج إِن اسْتَطَاعَ الْخُرُوج مِنْهَا،وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: لَا تجوز قَاعِدا إلاَّ من عذر، لِأَن الْقيام ركن فَلَا يتْرك إلاَّ من عذر، وَالْخلاف فِي غير المربوطة، فَلَو كَانَت مربوطة لم تجز قَاعِدا إِجْمَاعًا. وَقيل: تجوز عِنْده فِي حالتي الإجراء والإرساء وَيلْزمهُ التَّوَجُّه عِنْد الِافْتِتَاح كلما دارت السَّفِينَة لِأَنَّهَا فِي حَقه كالبيت، حَتَّى لَا يتَطَوَّع فِيهَا مومياً مَعَ الْقُدْرَة على الرُّكُوع وَالسُّجُود، بِخِلَاف رَاكب الدَّابَّة.
وَقَالَ الحَسَنُ تُصلِّي قائِماً مَا لَمْ تَشُقَّ على أصْحَابِكَ تَدُورُ مَعَها وَإِلَّا فَقاعِداً.
...............
(4/112)
أَن إِمَامَة الْمَرْأَة للرِّجَال لَا تصح لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مقَامهَا مُتَأَخِّرًا عَن مرتبَة الصَّبِي فبالأولى أَن لَا تتقدمهم، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، خلافًا للطبري وَأبي ثَوْر، فِي إجازتهما إِمَامَة النِّسَاء مُطلقًا، وَحكى عَنْهُمَا أَيْضا إجَازَة ذَلِك فِي التَّرَاوِيح إِذا لم يُوجد قارىء غَيرهَا.
..............
(4/312)
لحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من حَدِيث يزِيد بن المقادم عَن أَبِيه شُرَيْح بن هانىء: (أَنه سَأَلَ عَائِشَة رَضِي اتعالى عَنْهَا، أَكَانَ النَّبِي يُصَلِّي على الْحَصِير؟وَا تَعَالَى يَقُول: {وَجَعَلنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ حَصِيرا} (الْإِسْرَاء: 8) فَقَالَت: لَا لم يكن يُصَلِّي على الْحَصِير) وَقَالُوا: هَذَا غير صَحِيح لضعف يزِيد بن الْمِقْدَام، وَلِهَذَا بوب البُخَارِيّ بَاب الصَّلَاة على الْحَصِير، فَإِن هَذَا الحَدِيث لم يثبت عِنْده، أوردهُ لمعارضة مَا هُوَ أقوى مِنْهُ، وَالَّذِي شَذَّ فِيهِ هُوَ عمر بن عبد الْعَزِيز فَإِنَّهُ كَانَ يسْجد على التُّرَاب، وَلَكِن يحمل فعله هَذَا على التَّوَاضُع.
......
(4/113)
ن الْإِثْنَيْنِ يكونَانِ صفا وَرَاء الإِمَام، وَهُوَ مَذْهَب الْعلمَاء كَافَّة إلاَّ ابْن مَسْعُود،فَإِنَّهُ قَالَ: يكون الإِمَام بَينهمَا. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة والكوفيون. قلت: مَذْهَب أبي حنيفَة لَيْسَ كَذَلِك، بل مذْهبه أَنه إِذا أم اثْنَيْنِ يتَقَدَّم عَلَيْهِمَا، وَبِه قَالَ مُحَمَّد، واحتجا فِي ذَلِك بِهَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبَاب، نعم، عَن أبي يُوسُف رِوَايَة أَنه يتوسطهما
.......
قَالَ أَبُو عمر: هَذَا الحَدِيث لَا يَصح رَفعه، وَأما فعله هُوَ فَإِنَّمَا كَانَ لضيق الْمَسْجِد، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فِي (شرح الْآثَار) بِسَنَد عَن ابْن سِيرِين أَنه قَالَ: لَا أرى ابْن مَسْعُود فعل ذَلِك إلاَّ لضيق الْمَسْجِد، أَو لعذر آخر، لَا على أَنه السّنة.
..............
(4/115)
أَنَّهَا مَنْسُوخَة بِحَدِيث: (لَا يقطع الصَّلَاة شَيْء، وادرؤوا مَا اسْتَطَعْتُم) ، وَصلى الشَّارِع وَبَينه وَبَين الْقبْلَة عَائِشَة، رَضِي اتعالى عَنْهَا، وَكَانَت الأتان ترتع بَين يَدَيْهِ وَلم يُنكره أحد، لَكِن النّسخ لَا يُصَار إِلَيْهِ إلاَّ بِأُمُور مِنْهَا التَّارِيخ، وأنى بِهِ؟ وَذهب ابْن عَبَّاس وَعَطَاء إِلَى أَن الْمَرْأَة الَّتِي تقطع الصَّلَاة إِنَّمَا هِيَ الْحَائِض، ورد بِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَات هَذَا الحَدِيث،قَالَ شُعْبَة: (وأحسبها قَالَت: وَأَنا حَائِض) . قَالَ: فَإِن قلت: ورد فِي الحَدِيث: (يقطع الصَّلَاة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِي ّ والمجوسي وَالْخِنْزِير) ؟قلت: هَذَا حَدِيث ضَعِيف.
.........
(4/115)
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْجِنَازَة النعش، والجنازة الْمَيِّت. وَفِي (الصِّحَاح) : الْعَامَّة تَقول: الْجِنَازَة،بِالْفَتْح وَالْمعْنَى: الْمَيِّت على السرير، وَفِي (شرح الفصيح) لِابْنِ عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن المرزوقي: الْجِنَازَة اسْم المتوفي فِي الأَصْل. وَقَالَ بَعضهم، بِفَتْح الْجِيم فِي الْمُتَوفَّى،وَقَالَ الْخَلِيل: الْجِنَازَة بِكَسْر الْجِيم: السرير، يَعْنِي سَرِير الْمَيِّت. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر: لَا يُقَال للْمَيت جَنَازَة حَتَّى يكون على نعش، وَلَا يُقَال للنعش جَنَازَة حَتَّى يكون عَلَيْهَا ميت.
..........
(4/117)
وَذكر مُحَمَّد بن أسلم الطوسي فِي كِتَابه (تَعْظِيم قدر الصَّلَاة) : عَن خَلاد بن يحيى عَن عبد ابْن المحرز عَن يزِيد بن الْأَصَم عَن أبي هُرَيْرَة: (أَن النَّبِي سجد على كور عمَامَته) . قَالَ ابْن أسلم: هَذَا سَنَد ضَعِيف
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) : أما مَا روى أَن النَّبِي كَانَ يسْجد على كور عمَامَته فَلَا يثبت مِنْهُ شَيْء. قلت: حَدِيث ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَابْن أبي أوفى جِيَاد، وَمَا كَانَ مِنْهُ من الضَّعِيف يشْتَد بِالْقَوِيّ،
.........
(4/120)
الَ اتعالى فِي سُورَة الْمَائِدَة: {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} (النِّسَاء: 34،والمائدة: 6) الْآيَة، فَلَو كَانَ إِسْلَام جرير مُتَقَدما على نزُول الْمَائِدَة لاحتمل كَون حَدِيثه فِي مسح الْخُف مَنْسُوخا بِآيَة الْمَائِدَة، فَلَمَّا كَانَ إِسْلَامه مُتَأَخِّرًا علمنَا أَن حَدِيثه يعْمل بِهِ، وَهُوَ مُبين أَن المُرَاد بِآيَة الْمَائِدَة غير صَاحب الْخُف، فَتكون السّنة مخصصة لِلْآيَةِ. وَفِي (سنَن الْبَيْهَقِيّ) : عَن إِبْرَاهِيم بن أدهم رَضِي اعنه،قَالَ: مَا سَمِعت فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ أحسن من حَدِيث جرير رَضِي اعنه، وَقد ورد مؤرخاً بِحجَّة الْوَدَاع فِي حَدِيث الطَّبَرَانِيّ كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَاعْلَم أَنه وَردت فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ عدَّة أَحَادِيث تبلغ التَّوَاتُر على رَأْي كثير من الْعلمَاء. قَالَ الْمَيْمُونِيّ: عَن أَحْمد: فِيهَا سَبْعَة وَثَلَاثُونَ صحابياً. وَفِي رِوَايَة الْحسن بن مُحَمَّد عَنهُ: أَرْبَعُونَ، كَذَا قَالَه الْبَزَّار فِي (مُسْنده) . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: أحد وَأَرْبَعُونَ صحابياً. وَفِي (الْأَشْرَاف) عَن الْحسن: حَدثنِي بِهِ سَبْعُونَ صحابياً. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: مسح على الْخُفَّيْنِ سَائِر أهل بدر وَالْحُدَيْبِيَ ة، وَغَيرهم من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَسَائِر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وفقهاء الْأَمْصَار وَعَامة أهل الْعلم والأثر، وَلَا يُنكره إلاَّ مخذول مُبْتَدع خَارج عَن جمَاعَة الْمُسلمين. وَفِي (الْبَدَائِع) : الْمسْح على الْخُفَّيْنِ جَائِز عِنْد عَامَّة الْفُقَهَاء وَعَامة الصَّحَابَة إلاَّ مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: إِنَّه لَا يجوز، وَهُوَ قَول الرافضة. ثمَّ قَالَ: رُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ
أدْركْت سبعين بَدْرِيًّا من الصَّحَابَة رَضِي اتعالى عَنْهُم، كلهم يرَوْنَ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، وَلِهَذَا رَآهُ أَبُو حنيفَة من شَرَائِط السّنة وَالْجَمَاعَة،فَقَالَ: مِنْهَا أَن تفضل الشَّيْخَيْنِ، وتحب الختنين، وَترى الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، وَأَن لَا تحرم نَبِيذ الْجَرّ يَعْنِي المثلث. وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: مَا قلت بِالْمَسْحِ حَتَّى جَاءَنِي مثل ضوء النَّهَار، فَكَانَ الْجُحُود ردا على كبار الصَّحَابَة، ونسبته إيَّاهُم إِلَى الْخَطَأ فَكَانَ بِدعَة،وَلِهَذَا قَالَ الْكَرْخِي: أَخَاف الْكفْر على من لَا يرى الْمسْح على الْخُفَّيْ
........
(4/130)
وَقد اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي المُرَاد بالْمقَام مَا هُوَ؟فَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حدّثنا عَمْرو بن شيبَة النميري حدّثنا أَبُو خلف،يَعْنِي: عبد ابْن عِيسَى، حدّثنا دَاوُد بن أبي هِنْد عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} (الْبَقَرَة: 521) قَالَ: مقَام إِبْرَاهِيم الْحرم كُله، وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد وَعَطَاء مثل ذَلِك. وَقَالَ السّديّ: الْمقَام: الْحجر الَّذِي وَضعته زَوْجَة إِسْمَاعِيل تَحت قدم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، حَتَّى غسلت رَأسه، حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ وَضَعفه وَرجح غَيره، وَحَكَاهُ الرَّازِيّ فِي (تَفْسِيره) عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَالربيع بن أنس،وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حدّثنا الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح حدّثنا عبد الْوَهَّاب بن عَطاء عَن ابْن جريج عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه سمع جَابِرا يحدث عَن حجَّة النَّبِي قَالَ: (لما طَاف النَّبِي قَالَ لَهُ عمر رَضِي اتعالى عَنهُ: هَذَا مقَام أَبينَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام؟قَالَ: نعم. قَالَ: أَفلا نتخذه مصلى؟فَأنْزل اعز وَجل: {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} (الْبَقَرَة: 52
(4/130)
وَقد اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي المُرَاد بالْمقَام مَا هُوَ؟فَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حدّثنا عَمْرو بن شيبَة النميري حدّثنا أَبُو خلف،يَعْنِي: عبد ابْن عِيسَى، حدّثنا دَاوُد بن أبي هِنْد عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} (الْبَقَرَة: 521) قَالَ: مقَام إِبْرَاهِيم الْحرم كُله، وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد وَعَطَاء مثل ذَلِك. وَقَالَ السّديّ: الْمقَام: الْحجر الَّذِي وَضعته زَوْجَة إِسْمَاعِيل تَحت قدم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، حَتَّى غسلت رَأسه، حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ وَضَعفه وَرجح غَيره، وَحَكَاهُ الرَّازِيّ فِي (تَفْسِيره) عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَالربيع بن أنس،وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حدّثنا الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح حدّثنا عبد الْوَهَّاب بن عَطاء عَن ابْن جريج عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه سمع جَابِرا يحدث عَن حجَّة النَّبِي قَالَ: (لما طَاف النَّبِي قَالَ لَهُ عمر رَضِي اتعالى عَنهُ: هَذَا مقَام أَبينَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام؟قَالَ: نعم. قَالَ: أَفلا نتخذه مصلى؟فَأنْزل اعز وَجل: {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} (الْبَقَرَة: 521)
..........
(4/132)
وَفِيه اسْتِحْبَاب الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ فِي الْبَيْت فَإِن بِلَالًا أخبر فِي هَذَا الحَدِيث أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ النَّوَوِيّ أجمع أهل الحَدِيث على الْأَخْذ بِرِوَايَة بِلَال لِأَنَّهُ مُثبت وَمَعَهُ زِيَادَة علم فَوَجَبَ تَرْجِيحه وَأما نفي من نفى كأسامة فسببه أَنهم لما دخلُوا الْكَعْبَة أغلقوا الْبَاب وَاشْتَغلُوا بِالدُّعَاءِ فَرَأى أُسَامَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدْعُو فاشتغل هُوَ أَيْضا بِالدُّعَاءِ فِي نَاحيَة من نواحي الْبَيْت وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي نَاحيَة أُخْرَى وبلال قريب مِنْهُ ثمَّ صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَآهُ بِلَال بِقُرْبِهِ وَلم يره أُسَامَة لبعده مَعَ خفَّة الصَّلَاة وإغلاق الْبَاب واشتغاله بِالدُّعَاءِ وَجَاز لَهُ نَفيهَا عملا بظنه وَقَالَ بعض الْعلمَاء يحْتَمل أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل الْبَيْت مرَّتَيْنِ فَمرَّة صلى فِيهِ وَمرَّة دَعَا فَلم يُصَلِّي وَلم تتضاد الْأَخْبَار (قلت) روى الدَّارَقُطْنِي ّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ " دخل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَيْت فصلى بَين الساريتين رَكْعَتَيْنِ ثمَّ خرج فصلى بَين الْبَاب وَالْحجر رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ هَذِه الْقبْلَة ثمَّ دخل مرّة أُخْرَى فَقَامَ فِيهِ يَدْعُو ثمَّ خرج وَلم يصل
وَفِيه حجَّة على ابْن جرير الطَّبَرِيّ حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ جَوَاز الصَّلَاة فِي الْكَعْبَة فرضا كَانَ أَو نفلا وَقَالَ مَالك لَا تصلى فِيهِ الْفَرِيضَة وَلَا رَكعَتَا الطّواف الْوَاجِب فَإِن صلى أعَاد فِي الْوَقْت وَيجوز أَن يُصَلِّي فِيهِ النَّافِلَة وَفِي المسالك لِابْنِ الْعَرَبِيّ روى مُحَمَّد عَن أصبغ أَن من صلى فِي الْبَيْت أعَاد أبدا وَقَالَ مُحَمَّد لَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَقَالَ أَشهب من صلى على ظهر الْبَيْت أعَاد أبدا وَعند أبي حنيفَة يجوز الْفَرْض وَالنَّفْل فِيهِ وَبِه قَالَ الشَّافِعِي
.........
(4/139)
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز السَّهْو عَلَيْهِ فِي الْأُمُور الَّتِي لَا تتَعَلَّق بالبلاغ وَبَيَان
أَحْكَام الشَّرْع من أَفعاله وعاداته وأذكار قلبه، فجوزه الْجُمْهُور. وَأما السَّهْو فِي الْأَقْوَال البلاغية فَأَجْمعُوا على مَنعه كَمَا أَجمعُوا على امْتنَاع تَعَمّده. وَأما السَّهْو فِي الْأَقْوَال الدُّنْيَوِيَّة ، وَفِيمَا لَيْسَ سَبيله الْبَلَاغ من الْكَلَام الَّذِي لَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ وَلَا أَخْبَار الْقِيَامَة وَمَا يتَعَلَّق بهَا، وَلَا يُضَاف إِلَى وَحي فجوزه قوم، إِذْ لَا مفْسدَة فِيهِ. قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَالْحق الَّذِي لَا شكّ فِيهِ تَرْجِيح قَول من منع ذَلِك على الْأَنْبِيَاء فِي كل خبر من الْأَخْبَار، كَمَا لَا يجوز عَلَيْهِم خلف فِي خبر لَا عمدا وَلَا سَهوا، لَا فِي صِحَة وَلَا فِي مرض، وَلَا رضى وَلَا غضب. وَأما جَوَاز السَّهْو فِي الاعتقادات فِي أُمُور الدُّنْيَا فَغير مُمْتَنع.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ جَوَاز النسْيَان فِي الْأَفْعَال على الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَاتَّفَقُوا على أَنهم لَا يقرونَ عَلَيْهِ بل يعلمهُمْ اتعالى بِهِ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: شَرطه تنبيهه على الْفَوْر أَي مُتَّصِلا بالحادثة، وجوزت طَائِفَة تَأْخِير مُدَّة حَيَاته. فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين السَّهْو وَالنِّسْيَان؟قيل: النسْيَان غَفلَة الْقلب عَن الشَّيْء، والسهو غَفلَة الشَّيْء عَن الْقلب،فَفِي هَذَا قَالَ قوم: كَانَ النَّبِي لَا يسهو وَلَا ينسى، فَلذَلِك نفى عَن نَفسه النسْيَان فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ، (بقوله: لم أنس) ، لِأَن فِيهِ غَفلَة، وَلم يغْفل. وَقَالَ الْقشيرِي: يبعد الْفرق بَينهمَا فِي اسْتِعْمَال اللُّغَة، وَكَأَنَّهُ يتلوح من اللَّفْظ على أَن النيسان عدم الذّكر لأمر لَا يتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ، والسهو عدم الذّكر لَا لأجل الْإِعْرَاض. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَا نسلم الْفرق،وَلَئِن سلم فقد أضَاف النسْيَان إِلَى نَفسه فِي غير مَا مَوضِع كَقَوْلِه: (إِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا تنسون فَإِذا نسيت فذكروني)
.......
(4/140)
وَقَالَ ابْن الْمُنْذر مَا ملخصه: إِن الْكَلَام لغير مصلحَة الصَّلَاة يَنْقَسِم خَمْسَة أَقسَام:
الأول: الْكَلَام جَاهِلا بِتَحْرِيمِهِ فِيهَا. قَالَ القَاضِي فِي (الْجَامِع) : لَا أعرف عَن أحد نصا فِيهِ، وَيحْتَمل أَن لَا تبطل.
الثَّانِي: الْكَلَام نَاسِيا وَهُوَ على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: أَن ينسى أَنه فِي الصَّلَاة،فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: لَا تبطل، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَالْأُخْرَى: تبطل، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ وَقَتَادَة وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَالنَّوْع الآخر: أَن يظنّ أَن صلَاته تمت فيتكلم، فَإِن كَانَ سَلاما لَا تبطل رِوَايَة وَاحِدَة،وإلاَّ فالمنصوص عَن أَحْمد: إِن كَانَ لأمر الصَّلَاة لَا تبطل،وَإِن كَانَ لغير أمرهَا مثل: إسقني يَا غُلَام مَاء، تبطل. وَعنهُ رِوَايَة ثَانِيَة أَنَّهَا تفْسد بِكُل حَال، وَهَذَا مَذْهَب أَصْحَاب الرَّأْي،وَفِيه رِوَايَة ثَالِثَة: أَنَّهَا لَا تبطل بالْكلَام فِي تِلْكَ الْحَال بِحَال، سَوَاء كَانَ من شَأْن الصَّلَاة أَو لم يكن، إِمَامًا كَانَ أَو مَأْمُوما، وَهَذَا مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَتخرج رِوَايَة رَابِعَة وَهُوَ أَن الْمُتَكَلّم إِن كَانَ إِمَامًا تكلم لمصْلحَة الصَّلَاة لم تفْسد، وَإِن تكلم غَيره فَسدتْ.
قسم الْخَامِس: أَن يتَكَلَّم لإِصْلَاح الصَّلَاة، وَجُمْلَته أَن من سلم من نقص فِي صلَاته يظنّ نها قد تمت،ثمَّ تكلم فَفِيهِ ثَلَاث رِوَايَات: إِحْدَاهَا: لَا تفْسد إِذا كَانَ لشأن الصَّلَاة. وَالثَّانيَِة: تفْسد، وَهُوَ قَول الْخلال وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَالثَّالِثَة: صَلَاة الإِمَام لَا تفْسد، وَصَلَاة الْمَأْمُوم الَّذِي تكلم تفْسد انْتهى.
وَمذهب أَصْحَابنَا أَنه: لَا يجوز الْكَلَام فِي الصَّلَاة إلاَّ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيح والتهليل وَقِرَاءَة الْقُرْآن، وَلَا يجوز أَن يتَكَلَّم فِيهَا لأجل شَيْء حدث من الإِمَام فِي الصَّلَاة، وَالْكَلَام يبطل الصَّلَاة سَوَاء كَانَ عَامِدًا أَو نَاسِيا أَو جَاهِلا، وَسَوَاء كَانَ إِمَامًا أَو مُنْفَردا، وَهُوَ مَذْهَب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَقَتَادَة، وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَعبد ابْن وهب وَابْن نَافِع من أَصْحَاب مَالك، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ أخرجه مُسلم مطولا،وَفِيه: (إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن) ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا، وَهَذَا نَص صَرِيح على تَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة سَوَاء كَانَ عَامِدًا أَو نَاسِيا، لحَاجَة أَو غَيرهَا، وَسَوَاء كَانَ لمصْلحَة الصَّلَاة أَو غَيرهَا. فَإِن احْتَاجَ إِلَى تَنْبِيه إِمَام وَنَحْوه سبح إِن كَانَ رجلا، وصفقت إِن كَانَت امْرَأَة،وَذَلِكَ لقَوْله: (من نابه شَيْء فِي الصَّلَاة فَلْيقل: سُبْحَانَ ا، وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء وَالتَّسْبِيح للرِّجَال) ، رَوَاهُ سهل بن سعد، أخرجه الطَّحَاوِيّ عَنهُ، وَأخرجه البُخَارِيّ مطولا،وَلَفظه: (أَيهَا النَّاس مَا لكم حِين نابكم شَيْء فِي الصَّلَاة أَخَذْتُم فِي التصفيق؟ وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء،من نابه شَيْء فِي صلَاته فَلْيقل: سُبْحَانَ ا،فَإِنَّهُ لَا يسمعهُ أحد حِين يَقُول: سُبْحَانَ ا، إِلَّا الْتفت
........
(ج4/ص 143)
هُوَ أَن الرجل إِذا اجْتهد فِي الْقبْلَة فصلى إِلَى غَيرهَا فَهَل يُعِيد أم لَا؟
فَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَعَطَاء وَسَعِيد بن الْمسيب وَحَمَّاد: لَا يُعِيد، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، وَإِلَيْهِ ذهب البُخَارِيّ. وَعَن مَالك كَذَلِك،وَعنهُ: يُعِيد فِي الْوَقْت اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر؛ وَهُوَ قَول الْحسن وَالزهْرِيّ،وَقَالَ الْمُغيرَة: يُعِيد أبدا. وَعَن حميد بن عبد الرَّحْمَن وطاووس وَالزهْرِيّ: يُعِيد فِي الْوَقْت. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن فرغ من صلَاته ثمَّ بَان لَهُ أَنه صلى إِلَى الْمغرب اسْتَأْنف الصَّلَاة، وَإِن لم يبن لَهُ ذَلِك إلاَّ بِاجْتِهَادِهِ فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن لم يتَيَقَّن الْخَطَأ فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ،وَإِلَّا أعَاد وروى التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث أَنه قَالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبِي فِي سفر فغيمت السَّمَاء وأشكلت علينا الْقبْلَة فصليناه وَأَعْلَمنَا، فَلَمَّا طلعت الشَّمْس إِذا نَحن قد صلينَا إِلَى غير الْقبْلَة، فَذَكرنَا ذَلِك للنَّبِي فَأنْزل اتعالى {فإينما توَلّوا فثم وَجه ا} (الْبَقَرَة: 511)) . وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) من حَدِيث جَابر: (أَنهم صلوا فِي لَيْلَة مظْلمَة كل رجل مِنْهُم على حياله،فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي فَقَالَ: (مَضَت صَلَاتكُمْ) ، وَنزلت {فأينما توَلّوا فثم وَجه ا} (الْبَقَرَة: 511) ويحتج بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين لما ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة وَمن تبعه فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة. فَإِن قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: حَدِيث جَابر ضَعِيف قلت: رُوِيَ حَدِيث جَابر من ثَلَاث طرق: إِحْدَاهَا أخرجه الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) عَن مُحَمَّد بن سَالم عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَنهُ،ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَمُحَمّد بن سَالم لَا أعرفهُ بعدالة وَلَا جرح.
......
(4/143)
وَقَالَ ابْن عَبَّاس،رَضِي اتعالى عَنْهُمَا: لما توفّي النَّجَاشِيّ جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى النَّبِي،فَقَالَ: إِن النَّجَاشِيّ توفّي فصل عَلَيْهِ. فَقَالَ الصَّحَابَة فِي أنفسهم: كَيفَ نصلي على رجل مَاتَ وَلم يصلِّ إِلَى قبلتنا؟ وَكَانَ النَّجَاشِيّ يُصَلِّي إِلَى بَيت الْمُقَدّس إِلَى أَن مَاتَ، فَنزلت الْآيَة. وَقَالَ قَتَادَة: هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره}
.............
(4:/145)
صلت الْمُوَافقَة لَهُ فِي أَشْيَاء غير هَذِه الثَّلَاث. مِنْهَا فِي أُسَارَى بدر حَيْثُ كَانَ رَأْيه أَن لَا يفدون فَنزل {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى} وَمِنْهَا فِي منع الصَّلَاة على الْمُنَافِقين فَنزل {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} وَمِنْهَا فِي تَحْرِيم الْخمر. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة حَدثنَا عَليّ بن زيد " عَن أنس قَالَ عمر وَافَقت رَبِّي فِي أَربع " وَذكر مَا فِي البُخَارِيّ قَالَ " وَنزلت {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين} إِلَى قَوْله {ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} فَقلت أَنا {تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ} فَنزلت كَذَلِك ". وَمِنْهَا فِي شَأْن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " لما قَالَ أهل الْإِفْك مَا قَالُوا فَقَالَ يَا رَسُول الله من زوجكها فَقَالَ الله تَعَالَى قَالَ أفتنظر أَن رَبك دلّس عَلَيْك فِيهَا {سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} فَأنْزل الله ذَلِك " ذكره الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه وَقد ذكر أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ أَن الْمُوَافقَة فِي أحد عشر موضعا (قلت) يشْهد لذَلِك مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مصححا من حَدِيث ابْن عمر " مَا نزل بِالنَّاسِ أَمر قطّ فَقَالُوا فِيهِ وَقَالَ فِيهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَّا نزل فِيهِ الْقُرْآن على نَحْو مَا قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا يدل على كَثْرَة مُوَافَقَته فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَكيف نَص على الثَّلَاث فِي الْعدَد (قلت) التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يدل على نفي الزَّائِد وَقيل يحْتَمل أَنه ذكر ذَلِك قبل أَن يُوَافق فِي أَربع وَمَا زَاد وَفِيه نظر لِأَن عمر أخبر بِهَذَا بعد موت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَا يتَّجه مَا ذكر من ذَلِك وَيُقَال يحْتَمل أَن الرَّاوِي اعتنى بِذكر الثَّلَاث دون مَا سواهَا لغَرَض
.......
(4/145)
وَقَالَ ابْن جرير حَدثنَا بشر بن معَاذ حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع حَدثنَا سعيد عَن قَتَادَة {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} إِنَّمَا أمروا أَن يصلوا عِنْده وَلم يؤمروا بمسحه وَلَقَد تكلفت هَذِه الْأمة شَيْئا مَا تكلفته الْأُمَم قبلهَا وَلَقَد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فِيهَا فَمَا زَالَت هَذِه الْأمة يمسحونه حَتَّى اخلولق وانمحى.
..........