
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثالث
الحلقة (198)
صـ 209 إلى صـ 216
وقد أجاب بعضهم بجواب آخر: وهو أنا نرضى بالقضاء لا بالمقضي. وقد أجاب بعضهم [بجواب آخر] : أنا نرضى بها من جهة كونها (1) خلقا، ونسخطها من جهة (2) كونها كسبا.
وهذا يرجع إلى الجواب الثالث، لكن إثبات الكسب إذا لم يجعل العبد فاعلا - فيه كلام قد ذكر في غير هذا الموضع (3) .
فالذين جعلوا العبد كاسبا غير فاعل من أتباع الجهم [بن صفوان] (4) وحسين النجار، وأبي الحسن [الأشعري] وغيرهم (5) ، كلامهم متناقض ; ولهذا لم يمكنهم أن يذكروا في بيان هذا الكسب والفرق بينه وبين الفعل كلاما معقولا، بل تارة يقولون: هو (6) المقدور بالقدرة الحادثة، وتارة يقولون: ما قام بمحل القدرة أو بمحل القدرة (7) الحادثة.
وإذا قيل لهم: ما القدرة الحادثة؟
قالوا: ما قامت بمحل الكسب، ونحو ذلك (8) من العبارات التي
**_________
(1) ن: فأجاب بعضهم بأنا نرضى بها من حيث كونها ; وأجاب بعضهم بأن نرضى بها من حيث كونها، ع: وقد أجاب بعضهم بجواب آخر وهو أنا نرضى من حيث كونها.
(2) ن: من حيث.
(3) ن، م: فيه كلام ليس هذا موضعه.
(4) بن صفوان: ساقطة من (ن) ، (م) .
(5) أ، ب: كأبي الحسن وغيره، ع: وأبي الحسن وغيره، ن: وأبي الحسن وغيرهم، والمثبت من (م) .
(6) ن، م: هذا.
(7) ساقط من (ب) فقط.
(8) ن، م: ونحوه
============================== =
تستلزم الدور. ثم يقولون: معلوم (1) بالاضطرار الفرق بين حركة المختار وحركة المرتعش. وهذا كلام صحيح، لكنه حجة عليهم لا لهم، فإن هذا الفرق يمتنع أن يعود إلى كون أحدهما مرادا دون الآخر، إذ يمكن الإنسان أن يريد فعل غيره، فرجع الفرق إلى أن للعبد على أحدهما قدرة يحصل بها الفعل دون الآخر، والفعل هو الكسب، لا يعقل شيئان في المحل، أحدهما فعل، والآخر كسب.
**[فصل من كلام الرافضي عن القدر عند أهل السنة " ومنها أنه يلزم أن نستعيذ بإبليس من الله تعالى " والرد عليه]
(فصل)
قال [الرافضي] : (2) " ومنها أنه يلزم (3) أن نستعيذ (4) بإبليس من الله تعالى، ولا يحسن قوله تعالى: {فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [سورة النحل: 98] لأنهم نزهوا إبليس (* والكافر من (5) المعاصي، وأضافوها إلى الله تعالى. فيكون الله تعالى على المكلفين شرا من إبليس *) (6) عليهم، تعالى الله عن ذلك ".
فيقال: هذا كلام ساقط (7) ، وذلك من وجوه:
**_________
(1) ن، م: الدور ومعلوم.
(2) الرافضي: زيادة في (ع) ، والكلام التالي في (ك) ، ص [0 - 9] 9 (م) .
(3) أ، ب: يلزمه ; ن: يستلزم.
(4) ن، أ: يستعيذ، وهو تحريف.
(5) ن، م: عن.
(6) ما بين النجمتين ساقط من (أ) .
(7) أ، ب: متناقض
============================== ==========
أحدها: إما أن يكون لإبليس فعل، وإما أن لا يكون له (1) فعل. فإن لم يكن له فعل امتنع أن يستعاذ به، فإنه حينئذ لا يعيذ أحدا ولا يفعل شيئا. وإن كان له فعل بطل تنزيهه عن المعاصي، فعلم أن هذا الاعتراض ساقط على قول مثبتة القدر ونفاته، وهو إيراد من غفل عن القولين، وكذلك (2) بتقدير أن لا يكون لإبليس فعل، فلا يكون منه (3) شر حتى يقال: إن غيره شر منه، فضلا عن أن (4) يقال: إن الله [تعالى] (5) شر من إبليس (6) .
فدعوى هذا أن هؤلاء يلزمهم أن يكون (7) الله شرا عليهم من إبليس - دعوى باطلة، إذ غاية ما يقوله القائل هو الجبر المحض (8) ، كما يحكى عن الجهم وشيعته، وغاية ذلك أن لا يكون (9) لإبليس ولا غيره قدرة ولا مشيئة ولا فعل، بل تكون حركته كحركة الهواء (10) ، وعلى هذا التقدير فلا يكون منه لا خير ولا شر، والله تعالى هو الخالق لهذا كله، فكيف يقال على هذا التقدير (11) إن بعض مخلوقاته شر منه.
**_________
(1) أ، ب: لإبليس.
(2) أ، ب: وذلك.
(3) أ، ب: له.
(4) أن: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(5) تعالى: ساقطة من (ن) ، (م) ، (ع) .
(6) أ، ب: شر منه.
(7) أ، ب: فدعوى هؤلاء أن يكون.
(8) أ: القائل هو الخبر المحض، ن: القائل الخير المحض، م: القائل بالجبر المحقق، ع: القائل بالجبر المحض.
(9) ن: أن لا يكونوا، م: لا يكون.
(10) أ: الهوى ; ب: الهوي.
(11) ساقط من (أ) ، (ب)
==========================
الثاني: أن يقال إنما تحسن الاستعاذة بإبليس لو كان يمكنه أن يعيذهم من الله، سواء كان الله خالقا لأفعال العباد أو لم يكن. وهؤلاء القدرية، كالمصنف وأمثاله هم (1) مع قولهم: إن إبليس يفعل ما لا يقدره الله (2) ، ويفعل بدون مشيئة الله ويكون في ملك الله ما لا يشاؤه (3) ، وإن الله لا يقدر (* على أن يحرك إبليس ولا غيره من الأحياء، ولا ينقلهم من عمل إلى عمل: لا من خير إلى شر، ولا من شر إلى خير، فهم مسلمون (4) مع هذا *) (5) القول والفعل والتسليط الذي أثبتوه لإبليس (6) من دون الله - أن إبليس لا يقدر أن يجير (7) على الله، ولا يعيذ أحدا منه، فامتنع على هذا أن يستعاذ به، ولو قدر - والعياذ بالله - ما ألزموه من كون غير إبليس شرا منه على الخلق لكنه مع هذا عاجز عن دفع (8) قضاء الله وقدره، فكان المستعيذ به، بل بسائر المخلوقين مخذولا.
كما قال تعالى: {لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا} [سورة الإسراء: 22] وقال تعالى: {قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون - سيقولون لله قل فأنى تسحرون} [سورة
**_________
(1) هم زيادة في (ن) ، (م) .
(2) ن، م: يقدره الله عليه.
(3) ن، م: ما لا يشاؤه الله.
(4) ن: يسلمون.
(5) ما بين النجمتين ساقط من (م) .
(6) ن، م: ولإبليس وهو خطأ.
(7) ع، أ: يجبر.
(8) ب فقط: رفع
============================== ==
المؤمنون: 88، 89] ، وقال تعالى: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون} [سورة العنكبوت: 41] .
[الوجه] (1) الثالث: أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول [في سجوده] (2) : " «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» ". (3) . [وروي أنه كان يقول هذا في الوتر أيضا] (4) فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد استعاذ ببعض صفاته وأفعاله من بعض، حتى استعاذ به منه، فأي امتناع أن (5) يستعاذ به من بعض مخلوقاته؟
الوجه الرابع: أن يقال: أهل السنة لا ينكرون أن يكون دعاء العبد
**_________
(1) الوجه ساقطة من (ن) ، (م) .
(2) في سجوده: ساقطة من (ن) ، (م) .
(3) الحديث عن عائشة رضي الله عنها في: مسلم 1 352 كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود وأوله: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: اللهم أعوذ برضاك. الحديث. وهو في: سنن أبي داود 1 322 كتاب الصلاة، باب في الدعاء في الركوع والسجود، سنن الترمذي 5 187 كتاب الدعوات باب رقم 78، سنن ابن ماجه 1 273 كتاب إقامة الصلاة باب ما جاء في القنوت في الوتر، المسند ط. الحلبي 6 58، 201.
(4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(5) ن: فأي امتناع من أن، م: فأي مانع من أن
=============================
لربه واستعاذته به سببا لنيل المطلوب ودفع المرهوب، كالأعمال الصالحة التي أمروا بها، فهم إذا استعاذوا بالله (1) من الشيطان، كان نفس استعاذتهم به سببا (2) لأن يعيذهم من الشيطان. وقد يوجد في بعض (3) المخلوقين من الظلمة القادرين (4) من يأمر بضرر (5) غيره ظلما وعدوانا، فإذا استجار به مستجير وذل له؛ دفع عنه ذلك الظالم الذي أمره هو بظلمه. ولله المثل الأعلى، وهو المنزه عن الظلم، وهو أرحم الراحمين، [وهو أرحم بعباده] (6) من الوالدة بولدها، فكيف يمتنع أن يستعاذ به من شر أسباب الشر التي قضاها بحكمته؟
الوجه الخامس: أن يقال: هذا الاعتراض باطل على طريقة الطائفتين. أما من لا يقول بالحكمة والعلة، فإنه يقول: إن الله خلق إبليس الضار لعباده، وجعل استعاذة العباد (7) به منه طريقا إلى دفع ضرره، كما جعل إطفاء النار طريقا إلى دفع حريقها، وكما جعل الترياق طريقا إلى دفع ضرر السم. وهو سبحانه خلق النافع والضار (8) ، وأمر العباد أن يستعملوا ما ينفعهم، ويدفعوا به ما يضرهم. ثم إن أعانهم على فعل ما أمرهم به كان محسنا إليهم، وإلا فله أن يفعل ما يشاء، ويحكم
**_________
(1) ن، م، ع: به.
(2) عبارة به سببا، ساقطة من (أ) ، (ب) .
(3) بعض: ساقطة من (أ) ، (ب) ، (ع) .
(4) ب فقط: الغادرين.
(5) ن، م: بضرب.
(6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(7) أ، ب: العائذ.
(8) ن: الضار والنافع
============================== =
ما يريد، إذ لا مالك فوقه، ولا آمر له، ولم يتصرف في ملك غيره، ولم يعص أمرا مطاعا.
وأما على الطريقة الثانية المثبتة للحكمة، فإنهم يقولون: خلق الله إبليس كما خلق الحيات والعقارب والنار وغير ذلك، لما في خلقه ذلك من الحكمة. وقد أمرنا أن ندفع الضرر عنا بكل ما نقدر عليه، ومن أعظم الأسباب استعاذتنا به [منه] ، فهو الحكيم (1) (2 في خلق إبليس وغيره، وهو الحكيم في أمرنا بالاستعاذة به [منه] (2) ، وهو الحكيم (3) 2) إذ (4) جعلنا نستعيذ به، وهو الحكيم في إعاذتنا منه، وهو الحكيم بنا في ذلك كله، المحسن إلينا المتفضل علينا، إذ هو أرحم بنا من الوالدة بولدها (5) إذ هو (6) الخالق لتلك الرحمة، فخالق الرحمة أولى بالرحمة من الرحماء.
الوجه (7) السادس: قوله: " لأنهم نزهوا إبليس والكافر (8) من المعاصي، وأضافوها إلى الله، [إلى آخره] " (9) - فرية عليهم، فإنهم متفقون على أن العاصي هو المتصف بالمعصية، المذموم عليها
**_________
(1) ن، م: استعاذتنا وهو الحكيم.
(2) منه: ساقطة من (ن) .
(3) ساقط من (م) فقط.
(4) ن، م، ع: إن.
(5) ع: من الوالد بولده.
(6) أ، ب: هو.
(7) الوجه: ساقطة من (ن) ، (م) .
(8) أ، ب: والكفار وسبق النص وفيه: والكافر.
(9) إلى آخره: زيادة في (أ) ، (ب)
============================== =
المعاقب عليها. والأفعال يتصف (1) بها (* من قامت به لا من خلقها، وإذا كان ما لا يتعلق بالإرادة، كالطعوم والألوان، يوصف بها *) (2) محالها لا خالقها في محالها، فكيف تكون الأفعال الاختيارية؟
والله تعالى إذا خلق الفواسق: كالحية والعقرب والكلب العقور، وجعل هذه الفواسق فواسق، هل يكون هو سبحانه موصوفا بذلك؟ وإذا خلق الخبائث: كالعذرة والدم والخمر، وجعل الخبيث خبيثا، هل يكون متصفا بذلك؟ وأين (3) إضافة الصفة إلى الموصوف بها التي قامت به، من إضافة المخلوق إلى خالقه؟ فمن لم يفهم هذا الفرقان (4) فقد سلب خاصية الإنسان.
[الوجه] (5) السابع: أن الله تعالى قد أمرنا أن نستعيذ من عذاب جهنم، وعذاب (6) القبر، وغير ذلك من مخلوقاته التي هي مخلوقاته (7) باتفاق المسلمين، فعلم أنه لا يمتنع أن نستعيذ (8) مما خلقه من الشر (9) كما قال تعالى: {قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق} [سورة الفلق: 1، 2] ، ولا فرق [في ذلك] (10) بين إبليس وغيره.
**_________
(1) ن، م: توصف.
(2) ما بين النجمتين ساقط من (م) .
(3) ن: ولأن، م: لأن.
(4) أ، ب: هذين الفرقين.
(5) الوجه: ساقطة من (ن) ، (م) .
(6) ن، م: ومن عذاب.
(7) عبارة: التي هي مخلوقاته: ساقطة من (أ) ، (ب) ، وفي (ن) ، (م) التي هي مخلوقات.
(8) أ، ب: المسلمين فلم يمنع ذلك أن نستعيذ.
(9) أ، ب: من البشر، وهو تحريف.
(10) في ذلك: ساقطة من (ن) ، (م)
============================== =