تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 11 من 13 الأولىالأولى ... 2345678910111213 الأخيرةالأخيرة
النتائج 201 إلى 220 من 249

الموضوع: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

  1. #201
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [168]
    الحلقة (199)





    شرح سنن أبي داود [168]

    جعل الله تعالى لعباده المؤمنين مواسم للخير ما يتنافسون فيها على رضوان الله سبحانه، ومن ذلك ليلة القدر، وقد جاءت الأحاديث مختلفة في تحديد ليلتها مما أدى إلى اختلاف العلماء في ذلك.

    ما جاء في ليلة القدر


    شرح حديث: (... والله إنها لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثني...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ليلة القدر. حدثنا سليمان بن حرب و مسدد المعنى قالا: حدثنا حماد بن زيد عن عاصم عن زر قال: قلت لأبي بن كعب رضي الله عنه: أخبرني عن ليلة القدر يا أبا المنذر ! فإن صاحبنا سئل عنها فقال: من يقم الحول يصبها، فقال: رحم الله أبا عبد الرحمن ، والله لقد علم أنها في رمضان -زاد مسدد : ولكن كره أن يتكلوا، أو أحب ألا يتكلوا، ثم اتفقا- والله إنها لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثني، قلت: يا أبا المنذر ! أنى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لزر : ما الآية؟ قال: تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في ليلة القدر]. بعد ما ذكر ما يتعلق بقيام رمضان ومنه ليلة القدر أخرجها في باب خاص لعظم شأنها، ولما ورد فيها من النصوص، وقد جاءت نصوص تتعلق بها، فأورد جملة من النصوص في هذا الباب. وليلة القدر جاء عظم شأنها في القرآن الكريم، وأنزل الله فيها سورة تتلى في كتاب الله عز وجل فقال: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:1-5]، وهي ليلة مباركة التي قال الله عز وجل: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان:3]. أورد أبو داود حديث أبي بن كعب رضي الله عنه الذي فيه أنها في رمضان، وأنها ليلة (27) من الشهر، وبين رضي الله عنه العلامة التي أرشدهم إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أن الشمس في صبيحتها لا شعاع لها. قوله: [ عن زر أنه قال: قلت لأبي بن كعب : أخبرني عن ليلة القدر يا أبا المنذر ، فإن صاحبنا سئل عنها فقال: من يقم الحول يصبها ]. قال زر بن حبيش رحمة الله عليه لأبي بن كعب : يا أبا المنذر ! أخبرني عن ليلة القدر، فإن صاحبنا -أي: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه- سئل عنها فقال: من يقم الحول يصبها. يعني: من يكون مواصلاً على قيام الليل في جميع أيام السنة فإنه يوافقها ويصيبها؛ لأنها في السنة، فقال أبي رضي الله عنه: رحم الله أبا عبد الرحمن كره أن يعرفوها ويتكلوا عليها ويتركوا العمل في غيرها، فأراد أن يكون عملهم في طول السنة، وفي جميع الليالي؛ لأن العمل الدائم والمستمر فيه الخير الكثير، وفيه موافقة هذه الليلة المباركة. لكن الأمر الذي لا شك فيه أنها في رمضان وفي العشر الأواخر منه، ولهذا أخبر أبي رضي الله عنه بعدما ترحم على أبي عبد الرحمن وبين أن السبب الذي جعله يقول هذا الكلام، هو: جعل الناس يجتهدون في العبادة طول العام، وفي جميع ليالي السنة، وكل يصلي لنفسه، ولذلك يوافق ليلة القدر، وقال: إن أبا عبد الرحمن يعلم أنها في رمضان. [ والله لقد علم أنها في رمضان، ولكن كره أن يتكلوا أو أحب ألا يتكلوا ]. شك من الراوي. يقول أبي : إن عبد الله بن مسعود يعلم أنها في رمضان، ولكن ما الذي دفعه إلى أن قال: من يقم السنة يدركها؟ هذا كلام صحيح، فهو لم يقل: إنها تكون في جميع أيام السنة ومنها رمضان ومنها العشر الأواخر، فمن تحصل منه المداومة على العمل في جميع الليالي فإنه لا بد وأن يدركها، يحصلها، يمر عليها. (ولكن كره أن يتكلوا) معناه: أنهم ربما يتكاسلوا ولا يشتغلوا في جميع الليالي، وإذا جاءت تلك الليلة اجتهدوا فيها وتركوا ما سواها، ولعل هذا هو السر الذي من أجله لم يأت تحديدها بليلة معينة من العشر الأواخر، لكنها في جميع العشر الأواخر، والإنسان إذا اجتهد في العشر الأواخر فإنه يحصلها. قوله: [ والله إنها لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثني ]. يقول ذلك أبي ولا يستثني، يعني: لا يقول: إن شاء الله، والاستثناء هو قول: إن شاء الله في اليمين، يعني: أنه متحقق من أنها في ليلة سبع وعشرين. قوله: [ قلت: يا أبا المنذر ! أنّى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لزر : ما الآية؟ قال: تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع ]. فسئل أبي رضي الله عنه عن الآية أو العلامة التي يستدل بها عليها، فقال: تكون الشمس في صبيحتها كالطست لا شعاع لها، معناه: أنه يمكن رؤيتها كلها ليس فيها الشعاع الذي ينبعث منها، وإنما تكون ظاهرة بارزة للناس، فلا يكون هناك الشعاع الذي يسترسل منها، ويمتد منها كالخيوط، وإنما تكون كالطست مستديرة ترى جميع أطرافها وأجزائها دون أن يكون هناك شعاع يمنع من رؤية هيئتها وشكلها. ولعله عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم العلامة وجربها، أو نظر في الليالي فوجدها كذلك، ولهذا فإن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين، ولا شك أنها أرجى الليالي وأقربها، ولكن لا يقطع بذلك؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم نصوص عديدة تدل على ليالي أخرى، وقد وقعت في زمنه صلى الله عليه وسلم في ليلة واحد وعشرين، ولهذا يظهر والله أعلم أنها ليست ثابتة مستقرة في ليلة في جميع السنين؛ لأنها حصلت فعلاً في ليلة واحد وعشرين في زمنه صلى الله عليه وسلم، وجاءت نصوص أخرى عنه: (التمسوها في السبع الأواخر) والسبع الأواخر ليست فيها ليلة واحد وعشرين، ومعنى هذا: أن ليلة القدر تكون في سبع وعشرين لكن لا يقطع بذلك ولا يجزم به. ويمكن أن تكون في الأشفاع والأوتار؛ ففي بعض الأحاديث أنها تكون في التسع الباقية، إذا ذهبت ليلة واحد وعشرين جاءت ليلة اثنين وعشرين وهي شفع، فهي تكون في العشر الأواخر ولكنها تكون في الأوتار أرجى، وفي ليلة سبع وعشرين أرجى من غيرها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... والله إنها لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثني...)


    قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ومسدد ]. مسدد ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ المعنى قالا: حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن بهدلة ابن أبي النجود ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن زر ]. هو زر بن حبيش ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ]. أبي بن كعب رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (... أو القابلة يريد ليلة ثلاث وعشرين)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق عن محمد بن مسلم الزهري عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه رضي الله عنه قال: (كنت في مجلس بني سلمة وأنا أصغرهم، فقالوا: من يسأل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، وذلك صبيحة إحدى وعشرين من رمضان، فخرجت فوافيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، ثم قمت بباب بيته فمر بي، فقال: ادخل، فدخلت، فأوتي بعشائه فرآني أكف عنه من قلته، فلما فرغ قال: ناولني نعلي، فقام وقمت معه، فقال: كأن لك حاجة، قلت: أجل، أرسلني إليك رهط من بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر، فقال: كم الليلة؟ فقلت: اثنتان وعشرون، قال: هي الليلة، ثم رجع فقال: أو القابلة. يريد ليلة ثلاث وعشرين) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه: أن بني سلمة اجتمعوا وهو معهم وهو أصغرهم، فقالوا: من يسأل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، فذهب إليه ووقف عند بابه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ادخل، فطلب العشاء وأوتي به، ورآه يكف عن الأكل لقلته -الذي هو للنبي صلى الله عليه وسلم- ثم قال له: ناولني نعلي، فناوله إياهما وخرج، قال: كأن لك حاجة، قال: نعم، أرسلني رهط من بني سلمة يسألون عن ليلة القدر، فقال: أي ليلة هذه؟ فقال: اثنتان وعشرون، وكان ذلك في يوم واحد وعشرين أو في المغرب ليلة اثنين وعشرين، فقال: هي هذه الليلة، ثم قال: أو التي بعدها. يعني: ليلة ثلاث وعشرين، فهذا الحديث يدل على أن ليلة القدر تكون إما في ليلة اثنان وعشرون وإما في ثلاث وعشرون تتحرى في هذه الليالي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... أو القابلة يريد ليلة ثلاث وعشرين)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي ]. أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي صدوق، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا إبراهيم بن طهمان ]. إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عباد بن إسحاق ]. عباد بن إسحاق هو عبد الرحمن بن إسحاق يقال له: عباد وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. (عن محمد بن مسلم الزهري ]. محمد بن مسلم الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس ]. ضمرة بن عبد الله بن أنيس مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن أنيس ]. عبد الله بن أنيس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. يقول في الذخائر: نسبه إلى أبي داود فقط، ونسبه المنذري إلى للنسائي أيضاً، وجاءت زيادة عند المنذري يقول: قال أبو داود : هذا حديث غريب، ويروى عنه أنه قال: لم يرو الزهري عن ضمرة غير هذا الحديث.

    شرح حديث عبد الله بن أنيس: (... انزل ليلة ثلاث وعشرين)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير أخبرنا محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن إبراهيم عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني عن أبيه رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! إن لي بادية أكون فيها وأنا أصلي فيها بحمد الله، فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد؟ فقال: انزل ليلة ثلاث وعشرين، فقلت لابنه: كيف كان أبوك يصنع؟ قال: كان يدخل المسجد إذا صلى العصر، فلا يخرج منه لحاجة حتى يصلي الصبح، فإذا صلى الصبح وجد دابته على باب المسجد فجلس عليها فلحق بباديته). يمكن أن يكون المقصود بـ: (لحاجة) يعني: من الحاجات غير الضرورية، أما الحاجات الضرورية فلابد من الخروج لها، كأن يقضي حاجته، ولكن المقصود الحاجة التي يستغنى عنها أو يمكن تأخيرها، أو الصبر عنها. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه وفيه: أنه كان ببادية، وأنه كان يصلي بحمد لله، ويريد ليلة من ليالي رمضان أن ينزل يصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له: (انزل ليلة ثلاث وعشرين)، فلما كانت الليلة جاء فدخل بعد عصر اثنين وعشرين، ولم يخرج إلا صبيحة ثلاث وعشرين، وهذا فيه دلالة على أن هذه الليلة هي من الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر.
    تراجم رجال إسناد حديث (.. انزل ليلة ثلاث وعشرين..)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني عن أبيه]. ابن عبد الله هو ضمرة الذي مر في الإسناد السابق، وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب أخبرنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعة تبقى، وفي سابعة تبقى، وفي خامسة تبقى). أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعة تبقى..)، يعني: ليلة اثنين وعشرين تاسعة؛ لأنه إذا مضى واحد وعشرون بقي تسع، تصير اثنين وعشرين. (في خامسة تبقى). أي: ليلة خمس وعشرين، وهذا على احتمال التمام للشهر، يعني: على أن الشهر تام تكون ليلة اثنين وعشرين هي التاسعة، وعلى احتمال أن الشهر تسع وعشرون فليلة واحد وعشرين هي التاسعة. (في سابعة تبقى). ليلة واحد وعشرين وليلة اثنين وعشرين، وكذلك سابعة تبقى تكون ليلة ثلاث وعشرين، وأربع وعشرين. (في خامسة تبقى). على اعتبار أن الشهر كامل تكون ليلة خمسة وعشرين، وإذا كان ناقصاً تكون ليلة أربع وعشرين، معناها: تصير هذه الأيام متصلة، واحد وعشرون، اثنان وعشرون، ثلاث وعشرون، أربع وعشرون، خمس وعشرون، كلها محتملة على اعتبار التمام والكمال.
    تراجم رجال إسناد حديث: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان...)

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ]. هو وهيب بن خالد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    من قال ليلة إحدى وعشرين


    شرح حديث: (كان رسول الله يعتكف العشر الأوسط من رمضان...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن قال: ليلة إحدى وعشرين. حدثنا القعنبي عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعتكف العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاماً حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه، قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر، قال أبو سعيد : فمطرت السماء من تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد، فقال أبو سعيد : فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين) ]. أورد أبو داود من روى أنها ليلة إحدى وعشرين، يعني: أن ليلة القدر تكون في ليلة إحدى وعشرين، وأورد حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأوسط من رمضان يتحرى ليلة القدر، فلما جاءت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه قال: (من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فإني رأيت هذه الليلة وأنسيتها، وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر) يعني: في العشر الأواخر هي أرجى من غيرها. ثم قال أبو سعيد : حصل مطر في ليلة واحد وعشرين، وخد السقف وكان من الجريد، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، ولما انصرف وإذا على جبهته أثر الماء والطين، فتحققت رؤياه بأنه سيسجد في صبيحتها في ماء وطين في صبيحة تلك الليلة التي هي ليلة واحد وعشرين، وحصلت في تلك السنة فعلاً كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول قال: (التمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر) يعني: العشر الأواخر، وليلة واحد وعشرين هي من الأوتار. وهذه الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويلها مطابق للرؤيا؛ وأنه سوف يسجد في ماء وطين، وصار يسجد في ماء وطين في صبيحتها، والرؤيا تأتي في التعبير مطابقة للمرئي، وتأتي على صورة المثال، وعلى ضرب الأمثلة، وقد جاء في قصة صاحبي يوسف عليه الصلاة والسلام الذي في السجن أن أحدهما رأى أنه يعصر خمراً، والثاني: رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه، وكان تأويل ذلك أن أحدهما يعصر خمراً، يعني: التأويل مطابق للرؤيا، وأما الآخر فهو ليس مطابقاًَ بل هو من ضرب المثال، وأنه يقتل ويصلب، فتأكل الطير من رأسه، الحاصل أن ما جاء في حديث أبي سعيد شاهد لكون الرؤيا تأتي مطابقة للمرئي.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يعتكف العشر الأوسط من رمضان...)


    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام الفقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن عبد الله بن الهاد ]. يزيد بن عبد الله بن الهاد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. محمد بن إبراهيم التيمي مر ذكره، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان والتمسوها في التاسعة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى أخبرنا سعيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، والتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة). قال: قلت: يا أبا سعيد ! إنكم أعلم بالعدد منا، قال: أجل، قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها التاسعة، وإذا مضى ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة، وإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة. قال أبو داود : لا أدري أخفي علي منه شيء أم لا. ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه: التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر، والتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة، فسأله عن المراد بالتاسعة والسابعة؟ فقال: (إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها هي التاسعة، هذا على اعتبار كمال الشهر، وإذا مضى ثلاث وعشرون فالتي تليها هي السابعة. قوله: [ (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، والتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة قال: قلت: يا أبا سعيد ! إنكم أعلم بالعدد منا، قال: أجل، قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها التاسعة، وإذا مضى ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة، وإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة) ]. وهذا فيه بيان المراد بالتاسعة والسابعة والخامسة، وأن ذلك باعتبار كمال الشهر. [ قال أبو داود : لا أدري أخفي علي منه شيء أم لا ]. ولكن المقصود منه: خفي شيء زائد عما ذكره، وهذه شبيهة بعبارة مرت قريباً لأبي داود الذي قال: خفي علي بعضه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان والتمسوها في التاسعة...)


    قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى هو أبو موسى العنزي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الأعلى ]. عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سعيد عن أبي نضرة ]. يحتمل أن يكون سعيد بن أبي عروبة و سعيد بن إياس الجريري ، وكل منهما ثقة، وكل منهما أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعبد الأعلى يروي عن الاثنين، وهما يرويان عن أبي نضرة . وأبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد ]. أبو سعيد مر ذكره. يقول: سعيد الذي يروي عن أبي نضرة هو الجريري وليس ابن أبي عروبة ؛ لأن ابن أبي عروبة يروي عن أبي نضرة بواسطة قتادة وفي تهذيب الكمال ذكر الاثنين يرويان عن أبي نضرة .
    من روى أنها ليلة سبع عشرة


    شرح حديث: (اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من روى أنها ليلة سبع عشرة. حدثنا حكيم بن سيف الرقي أخبرنا عبيد الله -يعني: ابن عمرو - عن زيد -يعني: ابن أبي أنيسة - عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، ثم سكت) ]. أورد أبو داود من روى أنها ليلة سبع عشرة من رمضان، ومعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان كما مر في الحديث، وأنه لما جاءت ليلة واحد وعشرين قال: (من اعتكف فليعتكف العشر الأواخر، والتمسوها في العشر الأواخر، وفي كل وتر) فدل هذا على أن ليلة القدر في العشر الأواخر، وعلى هذا فالحديث الذي ورد مخالف للأحاديث الكثيرة الدالة على أنها في العشر الأواخر، ولا يصح أن يكون قبل أن يحصل له العلم أنها في العشر الأواخر، لكن الحديث متكلم فيه من حيث الثبوت، وذلك من أجل بعض الرواة فيه، ومنهم أبو إسحاق، ومنهم أيضاً شيخ أبي داود الذي تكلم فيه، فالحافظ قال عنه في التقريب: صدوق.
    تراجم رجال إسناد حديث: (اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان...)

    قوله: [ حدثنا حكيم بن سيف الرقي ]. حكيم بن سيف الرقي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي ، تكلم فيه بعض العلماء بالتضعيف. [ أخبرنا عبيد الله يعني: ابن عمرو ]. عبيد الله بن عمرو الرقي ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد يعني: ابن أبي أنيسة ]. زيد بن أبي أنيسة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، وهو ثقة، ولكنه يدلس، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ولعل التضعيف لهذه العلة. [ عن عبد الرحمن بن الأسود ]. هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو الأسود بن يزيد بن قيس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن مسعود ]. هو : عبد الله بن مسعود الهذلي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    من روى بالسبع الأواخر


    شرح حديث: (تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من روى بالسبع الأواخر. حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في من روى أن ليلة القدر في السبع الأواخر، وأورد حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر) من رمضان، يعني: في ثلاث وعشرين فما فوقها. (تحروا) معناه: اجتهدوا في العبادة طالبين ليلة القدر، وذلك في السبع الأواخر، ومعناه: أنهم يتعبدون ويقومون الليالي يتحرونها ويرجونها ليصادفوها ويوافقوها، ويكون ذلك في السبع الأواخر. وهل يلزم أن يعرف الشخص هذه الليلة حتى يحصل ويدرك هذا الأجر؟ الذي يبدو أنه لا يلزم، لكن من أتى بالعشر الأواخر فإنه يحصلها وإن لم يعرفها، إذا اجتهد فيها كلها يرجى له خير، وإن اجتهد في بعضها وترك بعضها يمكن أن تكون في المتروك.
    تراجم رجال إسناد حديث: (تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر)

    قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار ]. القعنبي و مالك مر ذكرهما، وعبد الله بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود لأنه سند رباعي.



    من قال سبع وعشرين


    شرح حديث: (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال سبع وعشرين. حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي أخبرنا شعبة عن قتادة أنه سمع مطرفاً عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال: (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) . ]. أورد أبو داود باب من قال: سبع وعشرين. أورد حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) وهذا يدل على أن هذه الليلة هي أرجى الليالي، وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه كان يحلف على أنها ليلة سبع وعشرين. قوله: [ حدثنا: عبيد الله بن معاذ ]. عبيد الله بن معاذ ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. هو معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن أبي سفيان ]. معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    من قال هي في كل رمضان


    شرح حديث: (هي في كل رمضان)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: هي في كل رمضان. حدثنا حميد بن زنجويه النسائي أخبرنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير أخبرنا موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر فقال: هي في كل رمضان). قال أبو داود : رواه سفيان و شعبة عن أبي إسحاق موقوفاً على ابن عمر لم يرفعاه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد أبو داود هذه الترجمة فقال: [هي في كل رمضان]، يعني: في جميع لياليه، من أول ليلة إلى آخر ليلة، وأورد حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً وموقوفاً، أن الرسول صلى الله عليه و سلم سئل عنها قال: (هي في كل رمضان)، وأنها تطلب في أي ليلة من ليالي رمضان، لكن الأحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالتماسها وتحريها في العشر الأواخر، وكان اعتكف العشر الأوسط، ثم اعتكف العشر الأواخر يتحراها، وقال: (التمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر) فدل ذلك على أنها في العشر الأواخر، وليست في العشر الأول، ولا في العشر الأوسط. وقد جاء الحديث عن ابن عمر موقوفاً ومرفوعاً، والشيخ الألباني صحح الحديث على أنه موقوف على ابن عمر رضي الله تعالى عنه، وعلى هذا فإن الأحاديث التي جاءت أنها في العشر الأواخر سواء محددة ليلة من الليالي أو تدل على الالتماس في جميع الليالي، كل ذلك يدل على انحصارها في العشر الأواخر، وأنها لا تكون في العشر الأوسط ولا في العشر الأول. ولو صح الحديث مرفوعاً فيحمل على أنه قبل أن يُعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر. ولا يستقيم أن يحمل الحديث على أن ليلة القدر كانت في سنة فيها شهر رمضان أو أنها كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم زالت بموته صلى الله عليه وسلم؛ لأن المقصود أنهم يسألون عن ليلة القدر، وأنها تطلب في كل رمضان، فمعناه في كل الشهر، وليس معناه: أن مقصود ذلك في الرمضانات القادمة، وأنها محددة في زمنه وتنتهي. والمقصود ظاهر من الحديث فمعناه: التمسوها من العشر في كل رمضان، وليس المقصود التمسوها في كامل رمضان والمراد كونهم يبحثون عنها ليتعبدوا الله تعالى فيها، هذا هو السؤال، وليس المقصود أنهم يشكون أنها انتهت، وأنها لا توجد بعد حياته صلى الله عليه وسلم. الحافظ ابن حجر أورد أربعين قولاً في فتح الباري في تحديد ليلة القدر. والعجيب هو ممن أخرج ليلة القدر عن رمضان، وقال: إنها ليلة أخرى في غير شهر رمضان.
    تراجم رجال إسناد حديث (هي في كل رمضان)

    قوله: [ حدثنا حميد بن زنجويه النسائي ]. حميد بن زنجويه النسائي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا سعيد بن أبي مريم ]. سعيد بن أبي مريم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ]. محمد بن جعفر بن أبي كثير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا موسى بن عقبة ]. موسى بن عقبة المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق هو السبيعي مر ذكره. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر مر ذكره. [ قال أبو داود : رواه سفيان و شعبة عن أبي إسحاق موقوفاً على ابن عمر ]. يعني: من قوله، وسفيان هو الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وشعبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكل منهما وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث.
    الأسئلة



    حكم من اعتكف أقل من عشرة أيام

    السؤال: هل يلزم الاعتكاف عشرة أيام كاملة، أم يجوز أن يعتكف يوماً أو يومين؟


    الجواب: يمكن للإنسان أن يعتكف يوماً أو يومين، لكن الأفضل والأكمل أن يعتكف العشر الأواخر كلها.

    حكم من اعتكف خمسة أيام في مكة والباقية في المدينة


    السؤال: سأعتكف خمسة أيام في مكة وخمسة أيام في المدينة، هل يجوز؟


    الجواب: لا نعلم شيئاً يمنع من ذلك، وكونه يعتكف خمسة أيام ثم ينتقل ويعتكف لا بأس؛ لأن كل واحد منهما هو على سبيل الاستقلال، فكونه يجمع بينهما لا بأس.

    كيفية الجمع بين الروايات الواردة في ليلة القدر


    السؤال: كيف نجمع بين هذه الروايات الواردة في تحديد ليلة القدر؟

    الجواب: نجمع بينها بأن الإنسان يصلي العشر الأواخر كلها، ويجتهد فيها، وبذلك يحصلها إن شاء الله. والأحاديث كلها وردت، والنتيجة أنها تدل على أنها أخفيت، وأن الناس يجتهدون في تلك الليالي من أجل أن يحصلوها، لا أن يأتوا إلى ليلة معينة ويهملوا ما سواها، والأحاديث قالها الرسول صلى الله عليه وسلم في مناسبات وأحوال مختلفة، فما كان صحيحاً يدل على مقتضاه، ولكن كونها أخفيت في العشر، وأن الإنسان يحرص على أن يأتي بالعبادة في العشر حتى يدرك هذه الليلة، هذا هو الذي ينبغي أن يسير عليه الإنسان، ولو حصلت ليلة معينة لاتكل الناس عليها، واجتهدوا فيها، وأهملوا ما سواها. كما أنها قلنا إنها متنقلة، يعني: كونها ليلة واحد وعشرين حصل، والرسول جاء عنه أن أرجاها ليلة سبع وعشرين، وجاء عنه: (التمسوها في السبع الأواخر في التاسعة والخامسة والسابعة) كل هذا خارج عن الواحد والعشرين، والمؤكد أنها حصلت في ليلة واحد وعشرين في زمنه صلى الله عليه وسلم في سنة من السنوات كما جاء في حديث أبي سعيد ، فالتنقل هو الأظهر فيها.

    حكم الاستدلال بعدد آيات سورة القدر على أنها ليلة سبع وعشرين

    السؤال: من اللطائف أن ليلة القدر تكررت ثلاث مرات في سورة القدر، ومجموع حروفها تسعة، فثلاثة في تسعة يساوي سبعة وعشرين، وكذلك أن عدد كلماتها ثلاثون، وكلمة (هي) من قوله: (سلام هي) توافق العدد السابع والعشرين من كلمات السورة، فما رأيكم في هذا؟


    الجواب: ذكروا هذا الكلام، لكن هذا عندما تكون ليلة سبع وعشرين يرجحونها، وأنها أرجى الليالي، لكن هذه لا تدل على شيء.

    أفضلية العمرة ليلة سبع وعشرين

    السؤال: هل العمرة في ليلة سبع وعشرين أفضل من غيرها؟


    الجواب: لا توجد أفضلية إلا من ناحية أنها أرجى أن تكون ليلة القدر.

    أعظم عبادة تعمل ليلة القدر


    السؤال: ما هي أعظم عبادة أعملها في ليلة القدر؟

    الجواب: لا يوجد إلا كون الإنسان يصلي ويقرأ القرآن، ويذكر الله عز وجل، وهذه العبادات التي تحيا بها الليالي، قراءة القرآن، والصلاة، وذكر الله سبحانه وتعالى.

    حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

    السؤال: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟

    الجواب: نعم يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، والحديث الذي ورد في هذا لا يدل على النفي في غيرها، ولكن هذا يدل على أفضليته فيها، وأنه لا اعتكاف كاملاً، فهو من قبيل الحصر الإضافي، وليس حصراً حقيقياً، مثل: (إنما الربا في النسيئة) ومع وجود ربا الفضل وهو غير النسيئة، والمقصود بذلك الربا الأشد والأخطر. فإذاً: هذا حصر إضافي، وليس حصراً حقيقياً، بمعنى: أنه لا يتعداها، ولكن هذا يرجع إلى الفضل والأفضلية والتميز، والله تعالى ذكر: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187].

    حكم العمل في تسليك أسلاك الدشوش

    السؤال: أقوم بتجهيز مشغل الكهرباء، ويطلب بعض الناس تسليك أسلاك الدش في جميع الغرف، وأنا أرفض ذلك؛ لأنه حرام، فما تقولون؟

    الجواب: يجب عليه ألا يعمل هذا التسليك؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان.

    حكم من نذر ألا يعمل معصية ثم عملها

    السؤال: نذرت نذراً على ألا آتي معصية وحددتها بعينها، محاولاً مجاهدة نفسي عن الهوى، فما حكم فعلي هذا إذا وقعت مني هذه المعصية؟

    الجواب: الإنسان يجب عليه أن يبتعد عن المعاصي، وإذا نذر ألا يفعل فيكون ذلك أيضاً أشد وألزم؛ لأنه ألزم نفسه وعاهد الله عز وجل ونذر لله أنه لا يفعل ذلك الشيء، وإذا وقعت منه المعصية، وحصل منه عدم التنفيذ فعليه أن يجاهد نفسه، وأن يصدق في قصده ونيته، ولكن عليه أن يكفر كفارة يمين؛ لأن النذر كفارته كفارة يمين إذا لم ينفذه، أو حصل منه المخالفة للشيء الذي نذره.

    حكم لبس الحزام أثناء الإحرام

    السؤال: ما حكم لبس الحزام أثناء الإحرام مع أن فيه مخيطاً؟


    الجواب: لا بأس بذلك ولو كان مخيطاً؛ لأن المخيط الممنوع هو الذي يكون على هيئة الإنسان، مثل القميص والسراويل وغير ذلك، وأما كونه يستعمل الحزام ولو كان مخيطاً أو نعالاً فيها خياطة، كل ذلك لا بأس به.

    حكم الدعوة السرية فيما يتعلق بالقضايا السياسية

    السؤال: هل يصح قول من يقول بجواز الدعوة السرية فيما يتعلق بالقضايا السياسية لضعف المسلمين، واحتج بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم السرية في أول بعثته؟

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو إلى التوحيد، وقد أرسل بهذه الرسالة وهو يؤديها، وأما من يقوم بدعوة سرية لسياسة لحصول ضرر أو ما إلى ذلك فهذا لا يجوز لا سراً ولا جهراً.

    حكم صلاة الوتر بعد المغرب أو بعد أذان الفجر

    السؤال: هل يجوز للرجل أن يصلي الوتر بعد صلاة المغرب أو بعد أذان الفجر؟

    الجواب: الوتر يكون من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. هذا محل الوتر، ومن فاته أمكنه أن يقضيه في الضحى، ويضيف إليه ركعة؛ لئلا يكون وتراً في النهار.

    ألفاظ التوثيق والتجريح متفاوتة

    السؤال: هل هناك فرق بين الصيغ التالية: صدوق، صدوق يهم، صدوق له أوهام، صدوق يخطئ، صدوق كثير الخطأ، صدوق ربما أخطأ؟


    الجواب: نعم فهي متفاوته: صدوق. ليس معها شيء هذه أعلاها، ثم صدوق يضاف إليها: يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو كثير الأخطاء، فكلمة: صدوق إذا جاءت ليس مضافاً إليها شيء هي أعلى من غيرها، وأما إذا أضيف إليها شيء فيتفاوت، (ربما وهم) هذا يدل على الوهم النادر، أو (صدوق يهم)، أسوأ من صدوق ربما وهم، و(صدوق كثير الخطأ) هذه عبارة شديدة، أي: أن خطأه كثير، وهذه أنزل من غيرها من الصيغ التي ذكرت.

    حكم تقديم صلاة الجمعة عن وقت صلاة الظهر

    السؤال: هل يجوز تقديم صلاة الجمعة عن وقت صلاة الظهر؟


    الجواب: نعم يجوز، صلاة الجمعة يمكن أن يؤتى بها قبل الزوال، وصلاة الظهر لا يؤتى بها إلا بعد الزوال، والأولى ألا يؤتى بالجمعة إلا بعد الزوال.


    حكم من صدم طفلاً خطأً ولم يستطع الصيام لكبر سنه


    السؤال: رجل صدم طفلاً خطأ ودفع ديته، ولم يستطع الصيام لكبر سنه، فماذا يلزم عليه الآن، هل عليه الإطعام؟


    الجواب: الإطعام لا يأتي في قضية القتل؛ لأن الله ما ذكر إلا العتق، ومن لم يستطع صام شهرين متتابعين، ولم يذكر الإطعام، فالأمر دائر بين العتق والإطعام، العتق أولا ً إذا قدر عليه، وإذا لم يستطع فإنه ينتقل إلى صيام الشهرين المتتابعين، وإذا كان استطاع بماله أن يبحث ويجد من يكون رقيقاً ويشتريه ويعتقه حصل بذلك المطلوب، وإذا لم يستطع فالواجب دين في ذمته، فأقول: إذا كان يصوم رمضان يصوم شهرين متتابعين، فمن يستطيع أن يصوم شهر رمضان يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين، وإذا مات وعليه صوم الكفارة يمكن لغيره أن يصوم عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه).

    أفضلية الاعتكاف في مكة على المدينة

    السؤال: أيهما أفضل الاعتكاف في مكة أو في المدينة؟


    الجواب: لا شك أن المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي، والاعتكاف هناك لا شك أنه أفضل من الاعتكاف هنا؛ لأن الصلاة هناك بمائة ألف صلاة، والصلاة هنا بألف صلاة.

    حكم زكاة الحلي

    السؤال: الحلي التي تلبسه المرأة هل فيه زكاة؟


    الجواب: فيه خلاف بين أهل العلم، والأظهر أن فيه زكاة؛ لعموم الأدلة الدالة على زكاة الذهب والفضة؛ ولأنه وردت أدلة خاصة تدل على الزكاة فيها، وهو حديث المسكتين التي قال: (تؤدين زكاة هذا؟) فورد ذكر الزكاة عنه في النصوص العامة وكذلك الأحاديث الخاصة، فأقرب الأقوال وأولاها هو القول بوجوب الزكاة في حلي النساء.

    حكم من أقسم على إتيان طاعة معينة ثم تركها

    السؤال: شخص كان إيمانه مرتفعاً في يوم من الأيام، فأقسم على أن يواظب على طاعة معينة ولا يتركها، ثم ضعف إيمانه، وترك تلك الطاعة نهائياً فماذا عليه؟

    الجواب: الواجب على الإنسان أن يكون صادقاً في قوله، ومحسناً في قصده، وإذا ألزم نفسه بشيء هو لازم له في الشرع، فذلك تأكيد وزيادة في اللزوم، وإذا أقسم ولم يحصل أنه وفّى بيمينه فعليه أن يكفر عن اليمين التي ما وفى بها وحنث فيها.

    الاعتكاف

    السؤال: هل يجوز للشخص أن ينوي اعتكاف الليالي فقط أو النهار فقط، أو يجب عليه أن يعتكف يوماً بليلته؟

    الجواب: الأظهر هو أن يعتكف يوماً بليلته؛ لأن هذا هو الذي جاء في حديث عمر ، نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له صلى الله عليه وسلم: (أوف بنذرك) وجاء في بعض الروايات: (يوم)، وجمع بينها بأنها يوم وليلة، وحيث ذكر اليوم معناه: ومعه ليلته."

  2. #202
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [169]
    الحلقة (200)





    شرح سنن أبي داود [169]

    أنزل الله تعالى القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وتعبدنا بتلاوته، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى قراءته في وقت أكثره شهر وأقله ثلاثة أيام، وذكر أنه لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث، ولقراءة القرآن فضل عظيم بينته أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    في كم يقرأ القرآن


    شرح حديث عبد الله بن عمرو (اقرأ القرآن في شهر...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله. باب في كم يقرأ القرآن. حدثنا مسلم بن إبراهيم و موسى بن إسماعيل قالا: أخبرنا أبان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (اقرأ القرآن في شهر، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأ في عشرين، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأ في خمس عشرة، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأ في عشر، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأ في سبع ولا تزيدن على ذلك) ، قال أبو داود : وحديث مسلم أتم ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله. (قراءة القرآن) أي: ما يقرأ منه، ومتى يختم، وفي كم يوم يختمه الإنسان، هذا فيما يتعلق بقراءة القرآن. (وتحزيبه): أي: من يقرأ القرآن يقسمه إلى أحزاب، بحيث يكون له في كل يوم حزب ومقدار معين يحرص على قراءته. وترتيله أن يقرأه مرتلاً، لا هذاً وبسرعة شديدة، وإنما بترتيل، كما قال الله عز وجل: وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً [المزمل:4] دون أن يكون مسرعاً سرعة يحصل بها إخلال، أو يحصل بها نقص في القراءة. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (اقرأ القرآن في كل شهر -أي: في كل يوم جزءاً- فقال: إني أجد قوة، قال: اقرأه في عشرين، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأه في خمس عشرة، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأه في عشر، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك)، أي: ولا تزد على ذلك من ناحية النقص في الأيام، لا من حيث الزيادة في الأيام، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرشده أولاً أن يقرأه في شهر، ثم كل مرة يقول: أجد قوة، حتى وصل إلى سبع، والمعنى: أنه لا يقرؤه في أقل من سبعة أيام. لكن جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أنه يقرؤه في ثلاثة أيام، وهذا أقل مقدار جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأيام التي يقرأ فيها القرآن أنها ثلاث، بحيث يقرأ في كل يوم عشرة أجزاء ويختمه في ثلاث، لكن كونه يختمه في سبعة أيام، أي: في كل أسبوع مرة، هذا فيه تسهيل عليه، بخلاف ما لو كان في ثلاث فقد يكون فيه مشقة. وقد جاء عن الصحابة أنهم كانوا يحزبون القرآن على سبعة أحزاب كل حزب في يوم، ويختمون القرآن في سبعة أيام، وسيأتي الحديث في ذلك، والحاصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما إلى أن يقرأ القرآن في سبع، بحيث يختم القرآن في كل أسبوع، وهذا خير كثير إذا حصلت المداومة والاستمرار على ذلك، بحيث يقرأ في كل يوم أربعة أجزاء وشيئاً. وقوله: [ (اقرأ القرآن في شهر) ]. هذا هو الحد الذي لا ينبغي للإنسان أن يفوته أو يحصل منه التهاون والتساهل في أن يقرأه في أكثر من ذلك، نسأل الله عز وجل أن يعيننا على كل خير؛ فعلى الإنسان ألا يجعل ختم القرآن في رمضان فقط، وإنما يختمه في رمضان وغير رمضان، ولكن في رمضان يكون أكثر، أما أن يقصر ذلك على رمضان ولا يقرأ القرآن إلا في رمضان، فلا شك أن هذا عمل غير جيد، فقد جاء عن بشر الحافي أنه قيل له: إن أناساً يجتهدون في رمضان، فإذا خرج رمضان تركوا، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو (اقرأ القرآن في شهر...)


    قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وموسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالا: أخبرنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن يحيى ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهو من عبّاد الصحابة، ولهذا كثير من الأحاديث التي جاءت في قراءة القرآن وكذلك في صيام التطوع هي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما. [ قال أبو داود : وحديث مسلم أتم ]. وهو شيخه الأول؛ لأنه ذكر شيخين: موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثم قال: وحديث مسلم أتم.

    شرح حديث عبد الله بن عمرو (قال لي رسول الله: صم من كل شهر ثلاثة أيام واقرأ القرآن في شهر...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب أخبرنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: صم من كل شهر ثلاثة أيام، واقرأ القرآن في شهر، فناقصني وناقصته، فقال لي: صم يوماً وأفطر يوماً)، قال عطاء : واختلفنا عن أبي، فقال بعضنا: سبعة أيام، وقال بعضنا: خمساً. ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صم من كل شهر ثلاثة أيام، واقرأ القرآن في شهر قال: فناقصني وناقصته..)، يعني: أنه أخبره بأنه يجد قوة، ويريد منه أن ينقص في هذا المقدار من الزمان، فكان ينقص شيئاً فشيئاً، حتى قال: (فناقصني وناقصته فقال: صم يوماً وأفطر يوماً) كان يطلب الزيادة على ذلك حتى وصل إلى أن يصوم يوماً ويفطر يوماً بحيث يصوم خمسة عشر يوماً من الشهر، ويفطر خمسة عشر يوماً من الشهر، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد منه أن يبقى على الحد الأقل وهو يطلب منه الزيادة على ذلك. قوله: [ قال عطاء : واختلفنا عن أبي فقال بعضنا: سبعة أيام، وقال بعضنا: خمساً ]. يعني: غيره خالفه في الرواية عن أبيه، فقال بعضهم: خمساً، وقال بعضهم: سبعاً، أي: أن يختم القرآن في سبع؛ لأنه قال له: في شهر، ثم نزل إما إلى سبع وإما إلى خمس، ولكن الذي جاء في الرواية السابقة وفي غيرها من الروايات أنه يقرؤه في سبع، ولا يزيد على ذلك، ومعناه: أنه يختم القرآن في أسبوع، لكن كما قلت: جاء أيضاً ما يدل على أنه يختمه في ثلاثة أيام، وهي أقل من الخمس والسبع.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو (قال لي رسول الله: صم من كل شهر ثلاثة أيام واقرأ القرآن في شهر...)

    قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا حماد ]. هو حماد بن زيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن السائب ]. عطاء بن السائب صدوق اختلط، وحماد بن زيد ممن روى عنه قبل الاختلاط، فاختلاطه لا يؤثر، وأخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو السائب بن مالك ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا.

    شرح حديث عبد الله بن عمرو (يا رسول الله! في كم أقرأ القرآن...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الصمد أخبرنا همام أخبرنا قتادة عن يزيد بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (يا رسول الله! في كم أقرأ القرآن؟ قال: في شهر، قال: إني أقوى من ذلك، ردد الكلام محمد بن المثنى العنزي ، وتناقصه حتى قال: اقرأه في سبع، قال: إني أقوى من ذلك، قال: لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو الذي فيه أنه سأله في كم يوم يقرأ القرآن؟ فقال: في شهر، فناقصه، يعني: طلب منه أن يحدد له شيئاً أقل من هذا، حتى وصل إلى سبعة أيام قال: (اقرأه في سبع، قال: إني أقوى من ذلك، قال: لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث). وهذا يدل على أنه يقرأ في ثلاث، ولكن السبع أولى؛ لأن فيها رفقاً بالنفس، وفيها أيضاً إمكان المحافظة على ذلك؛ لأنه عندما يوزع على أيام الأسبوع ويكون لكل يوم نصيب، فيختمه في أسبوع، من الجمعة إلى الجمعة، ومن الخميس إلى الخميس، يكون في ذلك سهولة ويسر، واعتدال وتوسط، وعدم مشقة، ولكنه يمكن أن يقرأه في ثلاث، ولكن لا ينقص عن ثلاث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث)، أي: أن ذلك يؤدي إلى السرعة التي لا يتأمل معها الإنسان ولا يتدبر ولا يتفكر في معاني آيات الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو (يا رسول الله! في كم أقرأ القرآن...)


    قوله: [حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الصمد ]. هو عبد الصمد بن عبد الوارث ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا همام ]. هو همام بن يحيى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن عبد الله ]. هو يزيد بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص وقد مر ذكره. قوله: [ ردد الكلام محمد بن المثنى العنزي ]. هو محمد بن المثنى فهو مشهور بكنيته، ولهذا في تهذيب التهذيب في تلاميذ الشيوخ بدلاً ما يقول في كثير من الأحيان: محمد بن المثنى يقول: أبو موسى ، وهذا معناه: أنه مشهور بكنيته.

    شرح حديث عبد الله بن عمرو (اقرأ القرآن في شهر قال إن بي قوة، قال اقرأه في ثلاث)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان خال عيسى بن شاذان أخبرنا أبو داود أخبرنا الحريش بن سليم عن طلحة بن مصرف عن خيثمة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ القرآن في شهر، قال: إن بي قوة، قال: اقرأه في ثلاث). قال أبو علي : سمعت أبا داود يقول: سمعت أحمد -يعني ابن حنبل - يقول: عيسى بن شاذان كيس ]. أورد حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وفيه اختصار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (اقرأ القرآن في شهر)، ثم ذكر في الآخر أنه يقرؤه في ثلاث، وهذا مطابق لما تقدم: (لا يفقه القرآن من يقرؤه في أقل من ثلاث) فهذا هو الحد الأدنى، ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم في إخباره لعبد الله بن عمرو بن العاص بعد سؤاله ومراجعته أنه أنقصه عن ثلاث، بل قال: (لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث). والحديث فيه اختصار، فليس فيه أنزله من ثلاثين إلى ثلاث، وإنما فيه تدرج، ولكن هذا أقل شيء.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو (اقرأ القرآن في شهر، قال إن بي قوة، قال اقرأه في ثلاث)


    قوله: [حدثنا محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان خال عيسى بن شاذان ]. محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان مقبول، أخرج حديثه أبو داود . [ أخبرنا أبو داود ]. هو سليمان بن داود الطيالسي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري معلقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا الحريش بن سليم ]. الحريش بن سليم مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن طلحة بن مصرف ]. طلحة بن مصرف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خيثمة ]. هو خيثمة بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو قد مر ذكره. والحديث ألفاظه موجودة في الأحاديث التي مرت، فكونه فيه مقبولان لا يؤثر. [ قال أبو علي : سمعت أبا داود يقول: سمعت أحمد -يعني ابن حنبل - يقول: عيسى بن شاذان كيس ]. أبو علي هو اللؤلؤي الذي يروي عن أبي داود ، قال: سمعت أبا داود يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول عن عيسى بن شاذان : إنه كيس، وعيسى بن شاذان ليس من رجال الإسناد، وإنما جاء عرضاً هكذا، فهو ابن أخت محمد بن حفص شيخ أبي داود ، فهو ليس من رجال الإسناد، وقول أحمد بن حنبل فيه: إنه كيس، هو توثيق بلا شك.
    تحزيب القرآن


    شرح حديث (قرأت جزءاً من القرآن)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تحزيب القرآن. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس أخبرنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب عن ابن الهاد قال: سألني نافع بن جبير بن مطعم فقال لي: (في كم تقرأ القرآن؟ فقلت: ما أحزبه، فقال لي نافع : لا تقل: ما أحزبه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قرأت جزءاً من القرآن، قال: حسبت أنه ذكره عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة باب تحزيب القرآن، أي: جعله على أحزاب وأقسام يقرأ الإنسان في كل يوم حزباً، وكما أشرت أنه روي عن الصحابة أنهم كانوا يحزبون القرآن سبعة أحزاب، بحيث يختمونه في كل أسبوع، فيجعلون البقرة والنساء وآل عمران حزباً، كما سيأتي في أثر عن أوس بن حذيفة قال: سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاثاً، وخمساً، وسبعاً، وتسعاً، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده، وأوله (ق)، على اعتبار أن سورة الفاتحة غير محسوبة، وإذا حسبت سورة الفاتحة يصير أول المفصل سورة الحجرات. وعلى القول الثاني أن سورة الفاتحة لا تحسب، وأنه يحسب من البقرة، فيبدأ حزب المفصل من (ق)، ولهذا نجد في بعض الطبعات القديمة للمصحف أن السور التي هي بدء الحزب يكون لها شكل معين في رسم الصفحة الأولى، مثل الإسراء والصافات و(ق) مثلاً، توضع علامات على هذه الأحزاب السبعة التي جاءت في أثر أوس بن حذيفة الذي سيأتي. قوله: [ (سألني نافع بن جبير بن مطعم ، فقال لي: في كم تقرأ القرآن؟ فقلت: ما أُحِّزبه) ]. يعني: في كم تقرأ القرآن؟ وهل لك حزب معين تلتزم به؟ قال: ما أحزبه. أي أنه ما كان يقرأ بأحزاب، وإنما يقرأ من غير أن يحدد. قوله: [ قال: لا تقل: ما أحزبه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (قرأت جزءاً من القرآن) ]. وهو مقدار من القرآن. قوله: [ (حسبت أنه ذكره عن المغيرة بن شعبة ) ]. أي: حسبت أنه ذكر الحديث عن المغيرة بن شعبة ، فهذا شك في إضافته إلى ذلك الصحابي. وقوله: (لا تقل: ما أحزبه). نهاه عن عدم التحزيب؛ لأن القرآن يقسم أقساماً وأجزاءً وأحزاباً.
    تراجم رجال إسناد حديث (قرأت جزءاً من القرآن)

    قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أخبرنا ابن أبي مريم ]. هو سعيد بن الحكم المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن الهاد ]. هو يزيد بن عبد الله بن الهاد ، مثل: يزيد بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سألني نافع بن جبير بن مطعم ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة بن شعبة ]. وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث (قدمنا على رسول الله في وفد ثقيف...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أخبرنا قران بن تمام (ح) وحدثنا عبد الله بن سعيد أخبرنا أبو خالد وهذا لفظه، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى عن عثمان بن عبد الله بن أوس عن جده رضي الله عنه، قال عبد الله بن سعيد في حديثه: أوس بن حذيفة قال: (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، قال: فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وأنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني مالك في قبة له، قال مسدد : وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ثقيف، قال: كان كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا، وقال أبو سعيد : قائماً على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام، وأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش، ثم يقول: لا سواء، كنا مستضعفين مستذلين، قال مسدد : بمكة، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم، ندال عليهم ويدالون علينا، فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا: لقد أبطأت عنا الليلة، قال: إنه طرأ عليّ جزئي من القرآن، فكرهت أن أجيء حتى أتمه، قال أوس : سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كيف يحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده) قال أبو داود : وحديث أبي سعيد أتم ]. أورد أبو داود حديث أوس بن حذيفة ، وفي أوله قال: (قدمنا على رسول صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة ، ونزل بني مالك في قبة كانت للرسول صلى الله عليه وسلم. قال مسدد : وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقيف). يعني: أوس بن حذيفة. قوله: [ قال: (كان كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا) ]. يعني: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيهم كل ليلة بعد العشاء يحدثهم، ويكون واقفاً حتى يطول القيام ويراوح بين رجليه، أي: يعتمد على هذه تارة، ويعتمد على هذه تارة، وكان يحدثهم بما جرى لهم بمكة من الإيذاء، وأنهم بعد ما هاجر إلى المدينة صارت الحرب بينهم وبين أهل مكة سجالاً، يدال عليهم ويدالون عليه. قوله: [ (فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه) ]. أي: أبطأ عن المجيء الذي كانوا ألفوه واعتادوه منه، فسألوه، فقال: (إنه طرأ عليّ جزئي من القرآن) أي: المقدار الذي كان يقرؤه في اليوم وكان قد شغل عنه، فأراد أن يتداركه فتأخر عنهم؛ لأنه كان يقرأ جزأه من القرآن، أي: المقدار الذي خصصه لقراءته في كل يوم. ثم قال أوس : (سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاثاً، وخمساً، وسبعاً، وتسعاً، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده) أي: ثلاث سور من القرآن حزب، فإن حسبت الفاتحة صارت الفاتحة والبقرة وآل عمران، وإن بدئ البدء من البقرة صارت البقرة وآل عمران والنساء، ثم خمساً، وسبعاً، وتسعاً، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، ثم بعد ذلك يكون الوقوف على الحجرات أو على (ق)، فإن حسبت الفاتحة صار الحزب المفصل الذي هو الحزب السابع يبدأ من الحجرات، وإن لم تحسب الفاتحة وبدئ من البقرة فإن الحزب يبدأ بـ(ق)، وبذلك يكون القرآن سبعة أحزاب، وقد قسموا القرآن هكذا حتى يقرءوه كل أسبوع مرة. والحديث ضعفه الألباني لأن فيه من هو مقبول، وفي المتن أيضاً نكارة، وهو كون الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي ويقف حتى يتعب من الوقوف، ويراوح بين رجليه وهم جلوس يحدثهم، فكيف يقف الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الوقوف الطويل وهم جالسون، ويحدثهم ويتكلم معهم، ولا شك أن إتيان الضيوف وإيناسهم شيء طيب، ولكن كونه بهذه الهيئة وبهذه الكيفية يبدو أن فيه نكارة، فاللائق والمناسب أن يكون جالساً، حتى يستريح هو وهم أيضاً؛ لأنه عندما يكون واقفاً وهم جالسون لا يرتاحون مع ذلك، فاللفظ فيه غرابة ونكارة. والتحزيب هذا ليس ببعيد؛ لأنه ما دام الحد الذي حدده الرسول صلى الله عليه وسلم سبعة أيام، وهو من أحرص الناس على كل خير، وكونهم يحافظون على قراءة القرآن، وجعلوه أحزاباً يحافظون عليها، ويستمرون عليها، ليس ببعيد، لكنه من ناحية الإسناد فيه ما فيه، ومن ناحية المتن أيضاً فيه النكاية التي أشرت إليها.

    تراجم رجال إسناد حديث (قدمنا على رسول الله في وفد ثقيف...)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أخبرنا قران بن تمام ]. قران بن تمام صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ ح وحدثنا عبد الله بن سعيد ]. هو عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو خالد ]. هو سليمان بن حيان ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى ]. عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى صدوق يخطئ ويهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل، و النسائي و ابن ماجة . [ عن عثمان بن عبد الله بن أوس ]. عثمان بن عبد الله بن أوس مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن جده ]. جده هو أوس ، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال عبد الله بن سعيد في حديثه: أوس بن حذيفة ]. أي: قال: عن جده أوس بن حذيفة . [ قال أبو داود : وحديث أبي سعيد أتم ]. أي: الشيخ الثاني، وهو عبد الله بن سعيد الأشج ؛ لأنه ذكره في الأول باسمه، وذكره في الآخر بكنيته أبي سعيد .
    شرح حديث (لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المنهال الضرير أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا سعيد عن قتادة عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله -يعني ابن عمرو - رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)، وهذا يدل على أن الثلاث هي الحد الأدنى، وأنه لا ينقص عنها، وأنه من نقص عنها فإنه لا يفقه القرآن ولا يتدبره؛ لأن ذلك لا يتأتى بسرعة شديدة.
    تراجم رجال إسناد حديث (لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)

    قوله: [ حدثنا محمد بن المنهال الضرير ]. محمد بن المنهال الضرير ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سعيد عن قتادة ]. هو سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقتادة هو قتادة بن دعامة السدوسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير ]. أبو العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو قد مر ذكره.
    شرح حديث عبد الله بن عمرو (أنه سأل النبي في كم يقرأ القرآن؟ قال في أربعين..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نوح بن حبيب أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم يقرأ القرآن؟ قال: في أربعين يوماً، ثم قال: في شهر، ثم قال: في عشرين، ثم قال: في خمس عشرة، ثم قال: في عشر، ثم قال: في سبع، لم ينزل من سبع) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم يقرأ القرآن؟ قال: في أربعين، ثم قال: في شهر، ثم نزل حتى وصل إلى سبع ولم ينزل عن سبع، يعني: أنه لم ينقصه عن سبع، لكن قد جاء في بعض الأحاديث المتقدمة أنه نزل إلى ثلاث، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث)، وهي تشبه العبارة التي جاءت في أول الحديث (ولا تزد على ذلك) يعني: في النقصان، وليس معناه أنه لا يزيد في الأيام؛ لأن الأيام مرخص له أن يزيد فيها، فله أن يقرأ في عشر ليال، أو خمس عشرة ليلة أو عشرين ليلة، ولكن المقصود أنه لا يزيد على ذلك، بحيث يقرؤه في أقل من سبعة أيام. وقد قال الألباني : إنه صحيح، إلا قوله: (لم ينزل من سبع)؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ثلاث، ومعنى: (لم ينزل من سبع) مثل: (لا تزد على ذلك) في أول حديث، وهذا إرشاد إلى الأولى، ثم بعد ذلك نقصه إلى ثلاث، فدل على أن الثلاث يمكن أن ينزل إليها، ويمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قال له ذلك في أوقات مختلفة، وأن المفاوضة حصلت في أوقات مختلفة.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو (أنه سأل النبي في كم يقرأ القرآن؟ قال في أربعين...)


    قوله: [ حدثنا نوح بن حبيب ]. نوح بن حبيب ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ]. عبد الرزاق مر ذكره، ومعمر هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك بن الفضل ]. سماك بن الفضل ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن وهب بن منبه ]. وهب بن منبه ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة ففي التفسير. [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو قد مر ذكره.

    شرح حديث ابن مسعود أنه أتاه رجل فقال له: إني أقرأ المفصل في ركعة...


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباد بن موسى أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة و الأسود قالا: أتى ابن مسعود رجل فقال: (إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذاً كهذ الشعر، ونثراً كنثر الدقل؟! لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة، النجم والرحمن في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، وهل أتى ولا أقسم بيوم القيامة في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة). قال أبو داود : هذا تأليف ابن مسعود رحمه الله ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، أنه قال له رجل: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذاً كهذ الشعر ونثراً كنثر الدقل؟! يعني: بسرعة شديدة وفائقة كهذ الشعر ونثر الدقل، والدقل هو التمر الذي يتساقط ويختلط بعضه ببعض لتساقطه، ثم قال: لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر في ركعة، ثم ذكر جملة من السور، وكل سورة تكون نظيرة لسورة. والحديث في الصحيحين، لكن بدون ذكر تفصيلات هذه السور، وإنما فيه ذكر النظائر التي كان الرسول يقرأ بها، لكن تفاصيلها خارج الصحيحين. وقد صححه الألباني بدون سرد السور، والحديث متفق عليه بدون سرد السور. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرحه لهذا الحديث: ولا خلاف بين العلماء أن قراءة القرآن بغير ترتيل جائزة، وأنه بالترتيل أحسن وأفضل. [ قال أبو داود : وهذا تأليف ابن مسعود ]. أي: ترتيب هذه السور هي هكذا في مصحف ابن مسعود . وترتيب السور فيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه باجتهاد الصحابة، ولهذا يقولون: تجوز قراءة هذه قبل هذه، ومنهم من قال: إنه بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن هذا هو الذي حصل في العرضة الأخيرة، أي: بينه وبين جبريل في آخر شهر من شهور رمضان التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في السنة العاشرة، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في أدب المشي إلى الصلاة يقول: إن جمهور العلماء على أنه بالاجتهاد، قال: وترتيب الآيات واجب لأنه بالنص، وترتيب السور بالاجتهاد لا بالنص في قول جمهور العلماء، ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها. وهذا الفعل من ابن مسعود يقوي هذا القول، فإن مصحفه يخالف ترتيب المصحف الموجود.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود أنه أتاه رجل فقال له: إني أقرأ المفصل في ركعة...

    قوله: [ حدثنا عباد بن موسى ]. عباد بن موسى ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا إسماعيل بن جعفر ]. إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسرائيل ]. إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ والأسود ]. وهو: الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن مسعود ]. عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه أبو إسحاق السبيعي ، وهو مدلس، لكن الحديث بدون سرد السور في الصحيحين.

    شرح حديث (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر أخبرنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال: سألت أبا مسعود رضي الله عنه وهو يطوف بالبيت، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه). ]. أورد أبو داود حديث أبي مسعود رضي الله عنه أنه سأله عبد الرحمن بن يزيد وهو يطوف بالبيت، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه). والآيتان من آخر سورة البقرة هي قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ [البقرة:285] هذه الآية والتي بعدها. وقوله: (كفتاه) يمكن أن يقال: كفتاه عن غيرهما، أو كفتاه السوء؛ لأن فيهما وقاية وحفظاً، ولا مانع من إرادة هذه المعاني كلها، بأن تكون كفتاه عن غيرهما، لأهميتهما وعظم شأنهما، وأيضاً تقيه وتكفيه الشر والسوء. وأيضاً ذكروا أن من معاني (كفتاه) أي: كفتاه عن قيام الليل. لكن الإنسان لا يتكل على بعض النصوص التي يراها، ثم يتساهل ويتهاون، بل ينبغي أن يفرح بهذا الخير ويعمل الخير. وفيه جواز الكلام في الطواف والسؤال في مسائل العلم وما إلى ذلك؛ لأن عبد الرحمن بن يزيد سأل أبا مسعود وهو يطوف بالبيت فأجابه، فدل على أن الكلام والسؤال والتساؤل في مسائل العلم لا بأس به في الطواف. قوله: [ (في ليلة) ] لا يوجد تحديد، والليلة كما هو معلوم تبدأ بالغروب وتنتهي بطلوع الفجر.
    تراجم رجال إسناد حديث (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه...)

    قوله: [حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو: منصور بن المعتمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن يزيد ]. هو عبد الرحمن بن يزيد النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مسعود ]. هو أبو مسعود عقبة بن عامر الأنصاري البدري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وكلمة (كفتاه) لها معان عدة، فقيل: (كفتاه) أي: من قيام الليل، وقيل: من الشيطان، وقيل: من الآفات، ويحتمل من الجميع، قال في النهاية: أي: أغنتاه عن قيام الليل، وقيل: أراد أنهما أقل ما يجزئ من القراءة في قيام الليل، وقيل: تكفيان السوء وتقيان من المكروه. قاله السيوطي . وعلى كلٍ: كل هذه المعاني صحيحة، لكن مسألة قيام الليل والتهاون به من أجل هذا لا ينبغي؛ لأن قيام الليل جاء في أصرح من هذا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله)، ومعناه بالجمع بينهما، لا أن صلاة الصبح تعادل الليل كله، وإنما هذه تعدل النصف الأول، وهذه تعدل النصف الأخير. فالذي يبدو أن المراد أن الإنسان إذا قرأ هذا المقدار في ليلة من الليالي، فإنه يكفيه، لكن لا يكفيه عن قراءة القرآن، كما أن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] كونها تعدل ثلث القرآن فالإنسان لا يقرأها ثلاث مرات ويقول: لقد قرأت القرآن.
    شرح حديث: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرنا عمرو أن أبا سوية حدثه أنه سمع ابن حجيرة يخبر عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين) قال أبو داود : ابن حجيرة الأصغر : عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة ] . أورد أبو داود رحمه الله أحاديث عديدة تتعلق بتحزيب القرآن وتجزئته، وهذا الحديث حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)، وهذا في قيام الليل؛ لأن قوله: (من قام) أي: صلى وقرأ هذا المقدار من الآيات. وقوله: (من القانتين) كلمة القنوت تأتي بعدة تفسيرات، فتأتي بمعنى: السكوت، وبمعنى: طول القيام، وبمعنى: الدعاء، ويأتي بمعانٍ أخرى، وهنا يحتمل أن يكون المراد بالقانتين الذين يحصل منهم طول القيام في صلاة الليل، ويحتمل غير ذلك. قوله: [ (ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين) ] أي: الذين يحصلون على الأجر العظيم، والأجور الكبيرة الواسعة؛ لأن المقنطرين نسبة للقنطار، أو ما يزن القناطير أو يماثلها في كثرتها، وهذا كناية عن عظم الأجر والثواب.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين

    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ] هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عمرو ] هو عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا سوية حدثه ] عبيد بن سوية ، وهو صدوق أخرج له أبو داود . [ أنه سمع ابن حجيرة ]. هو عبد الرحمن بن حجيرة الأكبر ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]. وهو صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. [ قال أبو داود : ابن حجيرة الأصغر : عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة ]. لكن الذي معنا في الإسناد هو الأكبر وليس الأصغر، والأصغر ليس له رواية إلا عند النسائي في عمل اليوم والليلة، وله عنده حديث واحد، والذي خرج له مسلم وأصحاب السنن هو أبوه عبد الرحمن بن حجيرة الذي يقال له: الأكبر، فلا أدري هذا البيان من أبي داود لابن حجيرة على اعتبار تمييز الأصغر من الأكبر، وأن الأصغر هو فلان، ومعناه أن الأكبر هو أبوه، أو أنه وهم منه، وأنه يريد أن يوضح الذي في الإسناد، بل ما ذكر الذي في الإسناد، ولكنه ذكر ابنه الذي هو عبد الله بن عبد الرحمن . فالحاصل أن هذا الذي نسبه أبو داود ليس هو الذي في الإسناد، بل الذي في الإسناد أبوه، وكل منهما يقال له: ابن حجيرة، ويميز بينهما بأن يقال: ابن حجيرة الأكبر و ابن حجيرة الأصغر ، فالذي معنا في الإسناد هو ابن حجيرة الأكبر . والحافظ ابن حجر ذكر أنه أراد أن يميز بينهما.
    شرح حديث: (أتى رجل إلى رسول الله فقال: أقرئني يا رسول الله...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن موسى البلخي و هارون بن عبد الله قالا: أخبرنا عبد الله بن يزيد أخبرنا سعيد بن أبي أيوب حدثني عياش بن عباس القتباني عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أقرئني يا رسول الله! فقال: اقرأ ثلاثاً من ذوات (الر)، فقال: كبرت سني، واشتد قلبي، وغلظ لساني، قال: فاقرأ ثلاثاً من ذوات (حم)، فقال مثل مقالته، فقال: اقرأ ثلاثاً من المسبحات، فقال مثل مقالته، فقال الرجل: يا رسول الله! أقرئني سورة جامعة، فأقرأه النبي صلى الله عليه وسلم (إذا زلزلت الأرض) حتى فرغ منها، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبداً، ثم أدبر الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أفلح الرويجل مرتين) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أقرئني يا رسول الله! فقال: اقرأ ثلاثاً من ذوات (الر) قال: قد كبرت سني، واشتد قلبي، وغلظ لساني) يعني: تقدم بي السن، فما أستطيع أن أحفظ كما أريد وكما أبغي، (واشتد قلبي) يعني: حصل له ما حصل من عدم القوة والضبط والحفظ؛ لكبر سنه. (وغلظ لساني) يعني: ثقل فصار لا يستطيع أن يقرأ وأن يتمكن من القراءة كما لو كان صغيراً. (فقال: اقرأ ثلاثاً من ذوات حم) نزل معه إلى أن يقرأ ثلاثاً من ذوات (حم)، ومعلوم أن في هذه السور ما هو أقصر من ذوات (الر)، وأقصر السور في الحواميم سورة الدخان، (فقال: مثل مقالته ) يعني: كبر سني.. إلى آخره، (فقال: اقرأ ثلاثاً من المسبحات)، وهي التي بدأت بسبح .. سبح لله.. ويسبح لله، فقال مثل ما قال. ثم قال الرجل: (أقرئني سورة جامعة، فأقرأه: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة:1] حتى فرغ منها)، وهي جامعة لقوله في آخرها: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه -[الزلزلة:7-8]، وهي التي لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية هل فيها زكاة؟ فقال: (لا أجد فيها إلا هذه الآية ما أنزل علي فيها هذه الآية الفاذة الجامعة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه [الزلزلة:7-8])، أي: أن من يعمل الخير ولو كان قليلاً يسيراً يجده أمامه، ومن يعمل الشر سواء كان قليلاً أو كثيراً يجده أمامه، وهذا الذي جاء في هذه الآية مثل ما جاء في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. قوله: ). (فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد عليها) يعني: لا أزيد على العمل بما جاء فيها، والذي جاء فيها أنه يعمل الخير ويترك الشر، هذا هو ما اشتملت عليه هذه السورة في نهايتها من هذا الكلام الجامع الذي يدخل تحته كل خير وكل شر، وأن من قدم خيراً وجده أمامه، ومن قدم شراً وجده أمامه، والله عز وجل لا يضيع عنده شيء، ولا يعاقب إنساناً إلا بذنبه ولا يؤاخذه إلا بجريرته. فقال عليه الصلاة والسلام: (أفلح الرويجل) يعني: إذا صدق فيما قال من أنه يسعمل بما في هذه السورة الجامعة. وقوله: (الرويجل) قيل: هو تصغير رجل، ولكنه على خلاف القياس؛ لأن القياس أن الرجل يصغر على رجيل، وإنما الذي يصغر على رويجل هو الراجل، وهو الماشي وهو ضد الراكب، قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً [البقرة:239] يعني: راكبين أو ماشين على أرجلهم، وقيل: إنه تصغير راجل، وأن المقصود به هذا الرجل الذي ذهب يمشي، فقوله: (أفلح الرويجل) أي: الذي ذهب يمشي. وعليه فإن كان المقصود به تصغير رجل فهو تصغير على خلاف القياس، وإن كان المراد به تصغير راجل الذي هو الماشي فهو على القياس.

    تراجم رجال إسناد حديث (أتى رجل إلى رسول الله فقال: أقرئني يا رسول الله...)


    قوله: [ حدثنا يحيى بن موسى البلخي ]. يحيى بن موسى البلخي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ وهارون بن عبد الله ] هوهارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ قالا: أخبرنا عبد الله بن يزيد ] هو عبد الله بن يزيد المقري المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سعيد بن أبي أيوب ] هو سعيد بن أبي أيوب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عياش بن عباس القتباني ] عياش بن عباس القتباني ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عيسى بن هلال الصدفي ] عيسى بن هلال الصدفي ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الله بن عمرو ] عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره. والحديث ضعفه الألباني ، ولا أدري ما وجه تضعيفه، والإسناد كما هو واضح كله ثقات، وفيهم من هو صدوق، وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وقال: إنه صحيح.
    الأسئلة



    ما جاء عن بعض السلف أنه كان يختم القرآن في اليوم مرتين


    السؤال: كيف يجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقرءوا القرآن في أقل من ثلاث) وبين ما نقل عن السلف خاصة في رمضان وفي العشر الأواخر من الاجتهاد في قراءة القرآن، مثلما يذكر عن الشافعي أنه كان يختم القرآن في اليوم الواحد مرتين؟

    الجواب: هذه الأشياء التي فيها مبالغات لا أدري ما صحتها، ومعلوم أن قراءة القرآن بالتدبر والتأمل لا يمكن أن تحصل في ذلك، والذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي ينبغي أن يحرص عليه، لا سيما وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث).

    حكم لبس البنطلون

    السؤال: ماذا تقولون عن لبس البنطلون في هذه البلاد؟

    الجواب: على المسلم بل هو أن يلبس لباس المسلمين في كل مكان، في هذه البلاد وفي غير هذه البلاد، والبنطلون ليس من لباس المسلمين، بل هو لباس الكفار، ولكن بعض المسلمين قلدوهم فيه وتابعوهم.

    حكم بطاقة التهنئة بيوم العيد

    السؤال: ما حكم بطاقة التهنئة بيوم العيد؟


    الجواب: التهنئة بيوم العيد سائغة، وقد جاء ما يدل على ذلك، وكونه يكتب تهنئة أيضاً لا بأس بذلك، ولا نعلم شيئاً يمنع منه، وقد ذكرت في الفوائد المنتقاة في آخرها أثراً: أن الصحابة كانوا إذا لقي بعضهم بعضاً يوم العيد قال بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم، وقد ذكره الحافظ ابن حجر وأظنه قال: وإسناده إسناد الصحيح، وقد أشرت إليه في آخر الفوائد المنتقاة في الفوائد المتفرقة في القسم الأخير.

    جواز زواج الرجل بربيبة أبيه

    السؤال: تزوج رجل وله أولاد بامرأة لها بنات، فهل أولادهما بينهم محرمية؟


    الجواب: بنات زوجة أبيهم من رجل آخر يعتبرن أجنبيات، وهن يعتبرن ربيبات له، فلهم أن يتزوجوا بهن؛ لأن بعضهم عن بعض أجانب، وليسوا محارم لهن؛ بل يجوز لهم أن يتزوجوا منهن.

    حكم الاقتصار على سورة الفاتحة في الصلاة

    السؤال: هل يجوز قراءة سورة الفاتحة دون غيرها في كل ركعة في صلاة النافلة؟

    الجواب: الواجب هو سورة الفاتحة، وما زاد على ذلك فهو سنة، والإنسان عليه أن يحرص على أن يأتي بالسنن، ويقرأ ما تيسر من القرآن بعدها.

    حكم قراءة الإخلاص والمعوذتين بعد الفجر والمغرب ثلاث مرات

    السؤال: هل من السنة أن تقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات بعد صلاة العصر؟


    الجواب: تقرأ ثلاث مرات بعد صلاة المغرب والفجر، أما في العصر والأوقات الأخرى فتقرأ مرة واحدة.

    درجة الحديث الذي في سنده صدوق له أوهام أو صدوق سيئ الحفظ


    السؤال: ما درجة الحديث الذي في سنده صدوق له أوهام، أو صدوق سيء الحفظ؟

    الجواب: غالباً يصححونه أو يحسنونه إذا لم يكن ذلك الشيء الذي رواه مما أخذ عليه؛ لأن أوهامه أحياناً تكون محصورة، فإذا كان الوهم من ذلك الشخص في هذا الحديث فإنه يضعف، ويكون هذا هو الذي عيب عليه، وأما إذا كان الحديث ليس مما أخذ عليه، ولا يعتبر من أوهامه فلا يؤثر ذلك.

    معنى حديث (إن الإيمان ليئرز إلى المدينة كما تئرز الحية إلى جحرها)

    السؤال: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليئرز إلى المدينة كما تئرز الحية إلى جحرها)؟


    الجواب: معناه: أن المسلمين يأوون ويأتون إليها، ويحرصون على الإتيان إليها، كما تحرص الحية على الذهاب إلى جحرها.

    من عبارات الشيخ في حب الصحابة

    السؤال: نود منكم أن تذكروا لنا الكلمة التي ذكرتموها في آخر كتاب المهدي حول حبكم للصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الكلمة التي قلتها هي أنني قلت: من أحب أعمالي إليّ وأرجاها لي عند ربي حبي الجم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبغضي الشديد لمن يبغضهم، وأرجو الله عز وجل وأسأله بحبي إياهم أن يزيدهم فضلاً على فضلهم، وأن يزيد من لم يرعو عن غيه من شانئهم ذلاً وهواناً وخذلاناً.

    حكم المأموم إذا ترك ركناً من أركان الصلاة

    السؤال: هل يتحمل الإمام عن المأموم ركناً من أركان الصلاة؟

    الجواب: لا يتحمل، الركن لا بد منه، فإذا كان الإنسان قد فاته ركن من الأركان بأن ترك الركوع أو السجود فعليه أن يقوم ويقضي ويأتي بركعة بعد ذلك، ولا يتحمل الإمام شيئاً لا بد منه كالأركان.

    إذا قرأ الإمام آية سجدة فركع وسجد المأمومون

    السؤال: قرأ الإمام آية سجدة ثم ركع ولم يسجد، ولكن المأمومين سجدوا حتى سمعوا قول الإمام: سمع الله لمن حمده، فما الحكم؟

    الجواب: هؤلاء يمكن أن يتداركوا؛ لأنهم إذا سمعوا الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، قاموا وركعوا، وقالوا: سبحان ربي العظيم، ثم رفعوا ولحقوا بالإمام، فيمكنهم ذلك.

    الصعق والإغماء عند سماع آيات القرآن

    السؤال: ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يصعقون عند سماع القرآن، فهل هذا صحيح؟


    الجواب: بعض السلف حصل له ذلك، ومنهم زرارة بن أوفى الذي يأتي في الأسانيد، فقد ذكر ابن كثير في تفسيره أنه قرأ قوله تعالى: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ [المدثر:8-9] وكان يصلي بالناس وكان أمير البصرة، فخر مغشياً عليه، ثم مات رضي الله عنه وأرضاه، لكن هذا الأمر ليس تكلفاً، بل هو شيء يأتي من الله عز وجل، وبعض الناس يتكلفون شيئاً وهو يخالف ما في بواطنهم، مثل البكاء والتباكي، فالبكاء أن يبكي من غير اختياره، وأما التباكي فهو أ، يتكلف البكاء. وهذا الكلام يقال في المتكلفين الذين يتمايلون ويتساقطون، وهو: إذا كانوا صادقين فليكونوا فوق جدار ويفعلو هذا الفعل؛ لأنهم سوف يقعون ويموتون، وهم لا يريدون الموت.
    ما جاء في عدد الآي


    شرح حديث (سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها

    قال المصنف رحمه الله: [ باب في عدد الآي. حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة أخبرنا قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى يغفر له، تبارك الذي بيده الملك) ]. أورد أبو داود باباً في عدد الآي، وأورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سورة من القرآن ثلاثون آية -أي: آياتها ثلاثون- تشفع لصاحبها حتى يغفر له (تبارك الذي بيده الملك)) فهي ثلاثون آية، وفي هذا دليل على أن البسملة ليست من السورة؛ لأنها ثلاثون آية بدونها،إلا على قول من يقول إنها جزء من الآية، فتكون جزءاً من الآية التي بعدها فتكون متصلة بها. والمشهور والمعروف أن البسملة آية مستقلة من القرآن يؤتى بها للفصل بين السور، وليست آية من السور، وإنما هي بعض آية في سورة النمل قال تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30]، وأما التي تأتي في أوائل السور فهي آية من القرآن يؤتى بها للفصل بين السور، وليست آية من كل سورة. قوله: [ (تشفع لصاحبها حتى يغفر له) ]. المقصود بذلك أن قراءته لها هي التي تشفع له حتى يغفر له.

    تراجم رجال إسناد حديث (سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها...)


    قوله: [ حدثنا عمرو بن مرزوق ] عمرو بن مرزوق ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود . [ أخبرنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عباس الجشمي ] عباس الجشمي مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ] هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. والحديث صحيح صححه جماعة من أهل العلم، وهذه السورة من السور التي ثبت في فضلها هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكثير من السور التي جاء في ذكرها فضائل لم يثبت فيها شيء، وإنما ثبت في سور ومنها سورة الملك، فهذا الحديث دال على فضلها، وأنها تشفع لصاحبها يوم القيامة، أي: للذي يقرؤها. وممن صحح الحديث الألباني وغيره صححه، ولا أدري هل له أسانيد، أو أن الشخص الذي تكلم فيه -الذي هو مقبول- الكلام فيه غير مسلم."






  3. #203
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [170]
    الحلقة (201)





    شرح سنن أبي داود [170]

    لقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود عند قراءة السجدة في أي سورة من القرآن، وعدد هذه السجدات كما ورد خمس عشرة سجدة؛ لكن منها ما هو متفق عليه بين العلماء، ومنها ما هو مختلف فيه.

    تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن



    شرح حديث: (أن رسول الله أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن. حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن البرقي حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا نافع بن يزيد عن الحارث بن سعيد العتقي عن عبد الله بن منين من بني عبد كلال عن عمرو بن العاص رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان). قال أبو داود : روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (إحدى عشرة سجدة). وإسناده واه ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب تفريع أبواب السجود] أي: سجود التلاوة، وكم سجدة في القرآن، يعني: كم عدد السجدات في القرآن التي يسجد بها، والتي إذا بلغها الإنسان وهو يقرأ القرآن سجد بها، و(أل) هنا عوض عن المضاف إليه، أي: بدلاً من أن يقول سجود التلاوة، قال: السجود. وكم سجدة في القرآن، أي: كم سجدات في القرآن؟ أجمع العلماء على أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة، ذكر ابن حزم في مراتب الإجماع -والذي علق عليه ابن تيمية وتتبعه في بعض الأشياء، وهذا من المواضع التي حكى فيها الإجماع- على أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة. ثم هذه السجدات الخمس عشرة عشر منها لا خلاف بين أهل العلم فيه، وخمس هي محل خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه يسجد فيها كلها، والمختلف فيها الصحيح فيها ثبوت السجود فيها، وبهذا يكون القول الراجح أن الخمس عشرة سجدة التي أجمع على أنه ليس هناك شيء أكثر منها أنها محل سجود للتلاوة. والخمس التي هي محل خلاف هي: سجدات المفصل الثلاث، وسجدة ، والسجدة الثانية من الحج، وأما ما سواها وهي العشر الباقية فمتفق عليها، والغالب على السجدات التي هي محل إجماع أن السجود فيها جاء على سبيل الإخبار، وأكثر السجدات المختلف فيها جاءت بصيغة الأمر: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:62]، وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]، وفي الحج: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان، وهذه الخمس التي ذكرها عمرو رضي الله عنه أربع منها هي محل خلاف، والأولى من سجدتي الحج هذه باتفاق العلماء، ويضاف إلى الأربع التي جاءت في كلام عمرو بن العاص رضي الله عنه سجدة ، فإنها أيضاً من محل الخلاف.

    تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن...)


    قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن البرقي ]. هو محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن البرقي وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن أبي مريم ]. ابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا نافع بن يزيد ]. نافع بن يزيد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الحارث بن سعيد العتقي ]. الحارث بن سعيد العتقي ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن منين ]. عبد الله بن منين وثقه يعقوب بن سفيان ، وبعض أهل العلم تكلم في هذا الحديث بسبب عبد الله بن منين هذا، وقد أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن عمرو بن العاص ]. عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل المشهور، وهو من دهاة العرب، وهو الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل، وعند ذلك سأل الرسول صلى الله عليه وسلم: من أحب الناس إليك، فذكر أشخاصاً ولم يذكره، فسكت بعد ذلك رضي الله عنه، وكأنه فهم أن هذا التأمير يدل على تقديم وتفضيل، ولكن يكفيه شرفاً وفضلاً أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأما من يقول: إنه من المنافقين فقد آذى نفسه بمثل هذا الكلام لما تكلم في عمرو بن العاص وفي غيره من الصحابة، وهذا من الكلام الساقط الذي لا يليق لا ينبغي أن يتفوه به وأن يتكلم به، ومع الأسف الشديد أن سيد قطب هو الذي قال: إن عمرو بن العاص و معاوية بن أبي سفيان من المنافقين.
    رواية أن عدد السجدات إحدى عشرة سجدة

    [ قال أبو داود : روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إحدى عشرة سجدة) وإسناده واه ]. ثم أشار أبو داود رحمه الله إلى حديث روي عن أبي الدرداء ، وأن القرآن فيه إحدى عشرة سجدة، قال: وإسناده واهٍ. معناه: ضعيف شديد الضعف، فلا حجة به ولا قيمة له، وإنما السجدات هي خمس عشرة، وليست إحدى عشرة. و أبو الدرداء هو عويمر بن زيد ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (يا رسول الله أفي الحج سجدتان؟ قال نعم...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة أن مشرح بن هاعان أبا المصعب حدثه أن عقبة بن عامر رضي الله عنه حدثه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! أفي سورة الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما). ]. أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أفي الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما)، كأن هذا السؤال فيه إشارة إلى السجدة المختلف فيها؛ لأن سؤاله معناه: أن واحدة معروفة وهو يريد أن يتحقق من الثانية، فقال: (أفي الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما)، وهذا يدل على تأكد السجود، ولكن قوله: (فلا يقرأهما) يمكن أن يُحمل -والله أعلم- على أن الإنسان لا يقرأهما في الصلاة؛ حتى لا يحتاج إلى سجود، وأما كونه يقرأهما في غير الصلاة فهذا أمر مطلوب أن الإنسان يقرأ القرآن كله، ولكن كونه يختارهما ثم لا يسجد فيهما أنه لا يناسب، أو أن المقصود منه بيان عظم شأن السجود، وأنه لا ينبغي أن يتهاون فيه، ويدل الحديث على تأكده وجوبه عند من يقول بوجوبه، وإن كان المشهور عند جمهور العلماء أن سجود التلاوة كله سنة، وليس بواجب، وأن من سجد قد أصاب، ومن لم يسجد فلا شيء عليه كما جاء ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه.
    تراجم رجال إسناد حديث (يا رسول الله أفي الحج سجدتان؟ قال نعم...)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. ابن وهب مر ذكره. [ أخبرني ابن لهيعة ]. ابن لهيعة هو عبد الله بن لهيعة المصري ، وهو صدوق احترقت كتبه، وراوية العبادلة عنه ومنهم عبد الله بن وهب أعدل وأثبت من غيرها، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ أن مشرح بن هاعان أبا المصعب حدثه ]. مشرح بن هاعان مقبول، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، وأبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ أن عقبة بن عامر ]. عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث ذكره الألباني في ضعيف السنن، ولكنه أحال على المشكاة، وذكر في المشكاة تصحيحه، وقال: إنه عند أبي داود من رواية عبد الله بن وهب ، وبذلك تكون روايته مستقيمة، فالحديث صحيح. هكذا قال. بقي الكلام في مشرح أو أنه عنده شواهد أخرى، لكنه ما أشار إلى الشواهد، وإنما أشار إلى رواية عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة . والترمذي و المنذري تكلموا في مشرح هذا.
    من لم ير السجود في المفصل


    شرح حديث: (أن رسول الله لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من لم ير السجود في المفصل. حدثنا محمد بن رافع حدثنا أزهر بن القاسم قال محمد : رأيته بمكة حدثنا أبو قدامة عن مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة). ]. أورد أبو داود باباًَ في من لم ير السجود في المفصل، يعني: في سجدات المفصل، وسجدات المفصل ثلاث، هي: النجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ؛ لأن المفصل يبدأ من (ق)، أو من الحجرات ويقال له: مفصل؛ لأن سوره كثيرة، وفصلت تفصيلاً، وصار عددها كبيراً، ويشتمل المفصل على أكبر مقدار من السور؛ لأن الذي قبل المفصل محصور. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة، وهذا ليس بثابت ولا صحيح، بل الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في حديث أبي هريرة أنه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه سجد في سورة إذا السماء انشقت وفي اقرأ وكل منهما مفصل، وأبو هريرة إنما أسلم عام خيبر، فإسلامه متأخر، وكونه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم وسجد معه فيه الإثبات. إذاً: فهذا الحديث غير صحيح، وفي إسناده من هو متكلم فيه، والثابت خلافه، وهو: حصول السجود من رسول الله صلى الله عليه وسلم في سجدات المفصل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة)


    قوله: [ حدثنا محمد بن رافع ] هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا أزهر بن القاسم ]. أزهر بن القاسم صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . قال محمد : رأيته بمكة. يعني: محمد بن رافع وكأنه أخذ الحديث عنه لما رآه بمكة. [ حدثنا أبو قدامة ]. أبو قدامة هو الحارث بن عبيد ، وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم و أبو داود و الترمذي . [ عن مطر الوراق ] مطر الوراق صدوق كثير الخطأ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. عكرمة ، وهو مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. فالحديث فيه هذان الشخصان المتكلم فيهما، وهما: مطر الوراق الذي هو كثير الخطأ، أبو قدامة وهو صدوق، ولو صح الحديث فإنه نفي من ابن عباس عما علمه، وغيره علم خلاف ما علم، والمثبت مقدم على النافي، حتى لو صح الحديث، فالتوفيق ممكن بأن يقال: إن هذا مثبت وهذا نافي، وهذا نفى على حسب علمه؛ لأنه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، و أبو هريرة فعل ذلك مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، و أبو هريرة إسلامه متأخر، وقد حصل منه إثبات السجود خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (قرأت على رسول الله النجم فلم يسجد فيها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها) ]. أورد أبو داود حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، أنه قرأ على الرسول صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد فيها، والحديث صحيح، وقوله: (لم يسجد فيها) لعله لم يفعل ذلك ليبين أنه جائز، وقد جاء عنه السجود، أو أنه لم يفعل ذلك؛ لأن زيداً هو القارئ، والسامع إنما يسجد تبعاً للقارئ لا يسجد وحده، ولهذا قال أبو داود في الحديث الذي بعده: (كان زيد الإمام فلم يسجد فيها) ؛ لأن زيداً هو الإمام، يعني: هو الذي كان يقرأ.

    تراجم رجال إسناد حديث: (قرأت على رسول الله النجم فلم يسجد فيها)


    قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي ذئب ]. ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ]. يزيد بن عبد الله بن قسيط ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن ثابت ]. زيد بن ثابت رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (قرأت على رسول الله النجم فلم يسجد) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب حدثنا أبو صخر عن ابن قسيط عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال أبو داود : كان زيد الإمام فلم يسجد فيها ]. أبو صخر هو حميد بن زياد ، وهو صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن ابن قسيط عن خارجة بن زيد بن ثابت ]. ابن قسيط هو الذي مر ذكره في الإسناد السابق، ونسبه إلى جده. و خارجة بن زيد بن ثابت هو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو من المتفق على عدهم من الفقهاء السبعة، وهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وسليمان بن يسار ، وسعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير بن العوام فهؤلاء ستة متفق على عدهم، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ذكره ابن القيم في أول كتابه: إعلام الموقعين، عندما ذكر جملة من المفتين في المدن المختلفة، وعندما جاء إلى المدينة ذكر أن فيها سبعة فقهاء من فقهاء عصر التابعين السبعة، ذكرهم وذكر السابع منهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وذكر بيتين من الشعر البيت الثاني يجمع السبعة، وسابعهم أبو بكر فقال الشعر الذي ذكره: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة خارجة هذا هو الذي معنا خارجة بن زيد ، وهذا جناس في البلاغة؛ لأن الأول: روايتهم ليست خارجة، وفي الآخر قال خارجة هو خارجة بن زيد بن ثابت .
    من رأى فيها السجود


    شرح حديث (أن رسول الله قرأ سورة النجم فسجد فيها...)


    قال المصنف رحمه الله: [ باب من رأى فيها السجود. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد فيها، وما بقي أحد من القوم إلا سجد، فأخذ رجل من القوم كفاً من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال: يكفيني هذا: قال عبد الله : فلقد رأيته بعد ذلك قتل كافراً). ]. أورد أبو داود : [باب من رأى فيها السجود]، يعني: بسجدات المفصل، وأورد حديث عبد الله بن مسعود في السجود في سورة النجم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قرأ السورة وسجد، وسجد معه المسلمون والكفار، حتى أن واحداً منهم أخذ كفاً من تراب، ووضعه أو سجد عليه وقال: هذا يكفي، قال عبد الله بن مسعود : فرأيته قتل كافراً يوم بدرٍ، يعني: بسبب هذا الاستكبار الذي حصل منه وعدم السجود على الأرض، حيث أخذ تراباً ورفعه إلى رأسه وجعله على جبهته، فالحاصل: هذا فيه إثبات السجود في النجم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قرأ سورة النجم فسجد فيها)

    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. شعبة مر ذكره. [ عن أبي إسحاق ] هو أبو إسحاق السبيعي وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود ]. هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ] هو عبد الله بن مسعود الهدلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    السجود في إذا السماء انشقت واقرأ


    شرح حديث: سجدنا مع رسول الله في (إذا السماء انشقت) و(اقرأ باسم ربك الذي خلق)


    قال المصنف رحمه الله: [ باب السجود في إذا السماء انشقت واقرأ. حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في: (إذا السماء انشقت) (واقرأ باسم ربك الذي خلق)). قال أبو داود : أسلم أبو هريرة رضي الله عنه سنة ست عام خيبر، وهذا السجود من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخر فعله. ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب السجود في (إذا السماء انشقت) و(اقرأ)]، وهذا التفصيل ما أدري ما وجهه عند أبي داود رحمه الله؛ لأنه ذكر المفصل، ومن لم ير السجود، ثم قال: [من رأى فيها السجود] ومعلوم أن: النجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ كلها في المفصل، ولو اقتصر على الترجمة السابقة وهي: [من رأى فيها السجود] وهي عكس الترجمة السابقة [من لم ير السجود]، لكان ذلك كافياً، ولكنه نص على الترجمة في: إذا السماء انشقت، واقرأ، وأورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في: (إذا السماء أنشقت) و(اقرأ باسم ربك الذي خلق)) وكان هذا في آخر الأمر، كما بين أبو داود ، أن إسلام أبي هريرة كان في زمان خيبر، ولم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد خيبر. إذاً: فهو من آخر أمره صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: سجدنا مع رسول الله في (إذا السماء انشقت) و(اقرأ باسم ربك الذي خلق)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. سفيان وهو ابن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب بن موسى ]. أيوب بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن ميناء ] عطاء بن ميناء صدوق، أخرج له أصحاب الكتب. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره.

    شرح حديث: (.. سجدت بها خلف أبي القاسم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه)


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا المعتمر قال: سمعت أبي حدثنا بكر عن أبي رافع قال: صليت مع أبي هريرة رضي الله عنه العتمة، فقرأ: (إذا السماء انشقت) فسجد، فقلت: ما هذه السجدة؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه. ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن أبا رافع الصائغ صلى خلفه فقرأ بسورة: (إذا السماء انشقت) وسجد بها، فقلت له: ما هذه السجدة؟ قال: (سجدت بها خلف أبى القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه). يعني: سوف أستمر على ذلك حتى نهاية حياتي. [ (فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه) ]. يعني: حتى يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار الآخرة، أو يلقى الله عز وجل بأن يموت، لكن الذي يبدو أن الضمير يرجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم، يعني: هو ذكر أنه صلى خلفه فلا يزال كذلك حتى يلقاه، يعني: حتى يموت.

    تراجم رجال إسناد حديث: (.. سجدت بها خلف أبي القاسم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه)


    قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا المعتمر ]. المعتمر هو ابن سليمان بن طرخان التيمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت أبي ]. أبوه هو سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بكر ] هو بكر بن عبد الله المزني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي رافع ] هو أبو رافع الصائغ ، وهو نفيع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكره.
    الأسئلة



    حكم الطهارة لسجود التلاوة

    السؤال: هل يشترط لسجود التلاوة الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة؟


    الجواب: تشترط له الطهارة، بل يمكن للإنسان أن يسجد وهو على غير طهارة. وأما استقبال القبلة: فيستقبل القبلة، وأما الطهارة فلا تشترط؛ لأن الإنسان يقرأ القرآن في جميع أحواله ما لم يكن جنباًً، وإذا جاءت سجدة سجد سواء كان على طهارة أو على غير طهارة. وأما ستر العورة فكما هو معلوم أنها مطلوبة دائماً وأبداً، ولاشك أن الإنسان عندما يسجد لله عز وجل ويكون على تلك الهيئة الحسنة لابد أن يكون متجملاً متستراً فلا يصلح أن يسجد وهو غير ساتر للعورة. أقول: دائماً يجب على أن الإنسان أن يستر عورته، ولاشك أن كون الإنسان يسجد لله عز وجل ويدعو وهو مستقبل القبلة عليه أن يكون على تلك الهيئة الحسنة، ولا يصلح أن يسجد وهو غير ساتر للعورة.


    حكم سجود التلاوة عند الاستماع إلى المذياع

    السؤال: ما حكم سجود التلاوة إذا سمع آية السجدة من الإذاعة أو المسجل فهل تجوز السجدة؟


    الجواب: ليس للإنسان أن يسجد؛ لأن السامع تبعاً للقارئ، والقارئ إذا كان عند الإنسان وسجد يسجد معه، وأما إذا لم يكن عنده وكان بعيداً مثل الإذاعة وسجد فلا يسجد معه.

    حكم الإنصات للقراءة من المذياع

    السؤال: ما حكم الإنصات للقراءة من المذياع أو الشريط؟


    الجواب: هذا شيء طيب، وأمر مطلوب، فإذا فتح القرآن عليه أن يستمع أو يغلقه، ما يجعل القرآن يقرأ ويشتغل عنه بالكلام، بل إما استماع وإما إغلاق.

    حكم التهنئة يوم العيد بغير اللغة العربية

    السؤال: ما حكم التهنئة يوم العيد بغير اللغة العربية؟


    الجواب: الشخص الذي لغته غير عربية يمكن أنه يهنئ بلغته.

    حكم التعزية في المقبرة لأهل الميت

    السؤال: ما رأيك في التعزية في المقبرة لأهل الميت؟

    الجواب: التعزية في المقبرة سائغة، كونه يلتقي بمن يلتقي به من أقارب الميت أو من غيرهم ممن يعزى فيعزيه في المقبرة، أو الشارع، أو المسجد، أو البيت، وفي كل مكان؛ لأن التعزية ليس لها مكان معين، بل يعزي في المقبرة والشارع والبيت، والمسجد، وأي مكان يلقى فيه من يريد تعزيته يعزيه عند أول لقاء يتم بينهما.

    نصيحة لمن يقرأ ظلال القرآن لسيد قطب

    السؤال: ما نصيحتكم لنا في قراءة تفسير الظلال؟

    الجواب: تفسير الظلال للشيخ سيد قطب رحمه الله فيه خلط بين الغث والسمين، وهو من الكتاب في الحقيقة وليس من العلماء، والعلم لا يحصل من مثل هذا الكتاب، بل يمكن للإنسان أن يبتلى بشيء مما في الكتاب، أو يحصل له شيء مما فيه خطورة بسبب ما هو موجود في الكتاب من الأمور التي لا تليق ولا تنبغي. والإنسان لا يتسع عمره لأن يقرأ كل شيء، وهناك كتب سليمة، وفائدتها كبيرة، وهي كتب علمية، وأصحابها من أهل العلم الذين يعول عليهم سواء في المتقدمين أو المتأخرين، فكون الإنسان يقرأ في مثل تفسير ابن جرير ، وتفسير ابن كثير ، وتفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي من المعاصرين يجد فيها الخير الكثير، ويجد كلام العلماء، ويجد نفَسَ العلم والعلماء، لا سيما مثل تفسير ابن سعدي رحمه الله، فهو تفسير نفيس مع وجازته، عباراته واضحة سلسة، وفيه استنباطات دقيقة، وهو كتاب يصلح للخواص والعوام، لو قرئ على العوام في المساجد حصلوا منه الفوائد وعرفوا معاني القرآن، ولو اطلع عليه الخواص لوجدوا فيه العلم ودقة الاستنباط، فإن الرجل أعطي فهماً في كتاب الله عز وجل، ووفق للاعتناء به، فمن يقرأ كتبه وتفسيره يجد العلم الغزير، ويجد كلام العالم، ولهجة العالم التي هي واضحة وجلية. وأما كتاب سيد قطب فإن فيه ما فيه، فعلى الإنسان أن يشتغل بما هو خير، وبما هو مأمون الجانب، وبما يأمن على نفسه العواقب منه من كتب نافعة، وأما مثل هذا الكتاب الذي فيه تخليط، وفيه جموح فكري، وإرخاء القلم بأن يكتب أموراً لا تنبغي ولا تصلح، كالكلام في بعض الأنبياء، بأن يقول عن موسى: إنه عصبي، ويقول عن عثمان رضي الله عنه في بعض كتبه: إن خلافته فجوة، وهذا حط من شأن عثمان ، وأنه في خلافته أدركته الشيخوخة، وأنها فجوة. هذا كلام ساقط لا يصلح ولا يليق، بل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه حصل في زمنه الخير الكثير، وحصلت الفتوحات، وكان إلى نهاية حياته في عقله وفهمه وعلمه، ما حصل عنده شيء يجعل مثل هذا الشخص يقول: إنه أدركته الشيخوخة، وأن خلافته كانت فجوة. هذا كلام ساقط خدمة لأعداء الإسلام والمسلمين الذين يريدون أن يأخذوا ممن ينتسب إلى السنة شيئاً يستدلون به على أهل السنة. والحاصل: أن مثل هذا الكتاب لا ينبغي أن يشتغل به، وإنما يشتغل بما هو مأمون الجانب، وبما فيه السلامة، وبما فيه العلم، والكتاب الذي يخرج بنتيجة وبسلامة، يخرج الإنسان منه بعلم وبسلامة، أما كتاب سيد قطب فإنه لا يحصل فيه علماً، وقد يخرج منه ببلاء. وأما طعنه في عمرو بن العاص رضي الله عنه، فهو موجود في كتاب شخصيات إسلامية. تكلم عن عمرو بن العاص و معاوية قال: إنهم أصحاب غش ونفاق. هذا معاوية بن أبي سفيان كاتب الوحي عنده غش، فمعناه: أنه يدخل في القرآن شيئاً ليس منه، وهو كاتب الوحي، والرسول ائتمنه على كتابة الوحي! نعوذ بالله من الخذلان! وأبو زرعة الرازي يقول: من ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والكتاب حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يريدون أن يجرحوا شهدونا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة."


  4. #204
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [171]
    الحلقة (202)



    شرح سنن أبي داود [171]

    إذا قرأ القارئ للقرآن آية فيها سجدة تلاوة فيسن له أن يسجد، وإذا كان يستمع لقراءته أحد سن له أن يسجد، وسجود التلاوة مستحب في كل سجدات التلاوة في القرآن، ويدعو بالدعاء الوارد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    ما جاء في السجود في


    شرح حديث: (ليس من عزائم السجود)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب السجود في . حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ليس من عزائم السجود، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها). ]. ذكر رحمه الله فيما مضى عدة أحاديث تتعلق بالسجود في بعض سجدات القرآن، مثل سجدات المفصل، وسجدتي الحج، وذكرت فيما مضى أن العلماء أجمعوا على أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة، وذكرت أن عشراً من تلك السجدات أو تلك المواضع مجمع عليها بين العلماء، وأن خمساً فيها خلاف، والخمس التي فيها خلاف هي الثلاث التي في المفصل، وسجدة ، والسجدة الثانية من الحج، وقد مر حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: أفي الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما)، والحديث فيه عبد الله بن لهيعة . وأضيف أن الحاكم في المستدرك لما ذكر الحديث من طريق ابن لهيعة قال: وقد صح عن عمر وابنه وابن مسعود و أبي موسى و أبي الدرداء واثنين من الصحابة -نسيتهما- ثم ذكر أسانيده إلى هؤلاء السبعة، فقد جاء عن سبعة من الصحابة أنهم كانوا يسجدون في سجدتي في الحج، كما ذكر ذلك الحاكم في المستدرك. والباب الذي معنا فيه السجود في ، وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليست من عزائم السجود)، يعني: ليس السجود في من عزائم السجود، (وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها)، فهذا فيه أنها من المواضع أو من السجدات التي سجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن في الحديث أنها ليست من عزائم السجود، وكأن السجدات بعضها متأكد، وبعضها دون ذلك، وكلها يسجد فيها؛ لأن ابن عباس لما قال هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: رأيته يسجد فيها، فدل ذلك على أنها من مواضع السجود، وأنه يسجد فيها، وهي من الأماكن التي اختلف فيها العلماء، فمنهم من قال: يسجد فيها، ومنهم من قال: لا يسجد فيها، ولكن حيث سجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما جاء في هذا الحديث وفي غيره- فإن السجود فيها سنة، ويستحب للقارئ أن يسجد في هذا الموضع من مواضع السجود.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ليس من عزائم السجود)


    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ]. هو وهيب بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (قرأ رسول الله وهو على المنبر فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - عن ابن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود، فنزل فسجد، وسجدوا) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة وهو على المنبر، فلما جاء عند السجدة نزل من المنبر وسجد، وسجد الناس معه صلى الله عليه وسلم، ثم إنه قرأها مرة أخرى فرآهم تشزنوا، أي: تهيأوا واستعدوا واحفوفزوا لأن يسجدوا؛ لأنهم قد عرفوا السجدة قبل ذلك؛ لأنه كان على المنبر ونزل وسجد، وهذه المرة هو على المنبر أيضاً، فعلى العادة التي يعرفونها وأخذوها عنه صلى الله عليه وسلم تهيئوا لأن يفعلوا مثل ما فعلوا في المرة السابقة. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: (إنها توبة نبي، وإنني رأيتكم تشزنتم للسجود فنزل وسجد)، فهذا يدل على ما دل عليه الحديث الذي قبله، وأنها ليست من عزائم السجود، ولكن السجود فيها سنة، وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يُسجد فيها، وأنها إذا تركت في بعض الأحيان فلا بأس بذلك؛ لأنها ليست واجبة، وكذلك سجدات القرآن كلها ليست بواجبة، من سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، كما جاء ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه. فالحديث أيضاً يدل على ما دل عليه الحديث السابق من أن فيها سجدة، وأن الإنسان يشرع له أن يسجد فيها عندما يأتي إليها، وإن لم يسجد فلا حرج عليه ولا بأس بذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (قرأ رسول الله وهو على المنبر فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه...)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - ]. عمرو بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي هلال ]. ابن أبي هلال هو سعيد بن أبي هلال ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عياض بن عبد الله ]. هو عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي السرح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    في الرجل يسمع السجدة وهو راكب في غير الصلاة


    شرح حديث: (أن رسول الله قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب في غير الصلاة. حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ عام الفتح سجدة، فسجد الناس كلهم: منهم الراكب، والساجد في الأرض، حتى إن الراكب ليسجد على يده). ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب]، الراكب عندما يكون قارئاً للقرآن فإنه يسجد، ويكون سجوده بالإيماء وهو على راحلته؛ لأن سجود التلاوة منوط بالتلاوة، فإذا جاءت سجدة وأراد أن يسجد فله أن يسجد، وإن لم يسجد فلا شيء عليه، وإن سجد وهو راكب فلا بأس بذلك، ولكنه إذا كان يقود سيارة فليس له أن يسجد إلا إذا كان متمكناً ومطمئناً إلى عدم إخلاله بقيادة السيارة، وهو متيقظ ومتنبه للطريق، ولا يعمل عملاً تترتب عليه مضره له ولغيره، لا يجوز له ذلك، وهي كما عرفنا مستحبة، من فعلها فقد أصاب، ومن لم يفعلها فلا إثم عليه، كما جاء ذلك عن عمر رضي الله عنه. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس معه منهم الراكب والساجد في الأرض، حتى إن الراكب ليسجد على يده)، معناه: أنه يجعل يده على السرج فيسجد عليها حتى تتمكن جبهته منها. والحديث في إسناده مصعب بن ثابت ، وهو لين الحديث، لا يحتج به، فالحديث لا يصح، ولكن كون الإنسان يسجد وهو راكب لا بأس بذلك، لكن إذا كان يقود سيارة لابد من أن يطمئن إلى عدم ترتب ضرر على ذلك، وإذا كان راكباً بعيراً فإنه يسجد بالإيماء، وإن لم يسجد لا حرج عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم...)


    قوله: [ حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر ]. محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر ثقة أخرج له أبي داود و ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد -]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ]. مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير لين الحديث، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (كان رسول الله يقرأ علينا السورة فيسجد ونسجد معه...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد ح وحدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا ابن نمير المعنى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة -قال ابن نمير : في غير الصلاة، ثم اتفقا- فيسجد ونسجد معه، حتى لا يجد أحدنا مكاناً لموضع جبهته). ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن ويكون عنده أصحابه، فيسجد ويسجدون معه، يعني: كانوا جالسين ومتحلقين حوله، ثم عندما يسجد يسجدون، فيكون المكان ضيقاً لا يستوعب السجود كما ينبغي، قال: (فيسجد ونسجد معه، حتى إن الواحد لا يجد مكاناً ليضع فيه جبهته)؛ لأنهم كانوا متقاربين، وعندما تحولوا إلى السجود لم يتسع المقام لهم كما كان يتسع لهم في حال الجلوس. وهذا يدل على سجود التلاوة، وعلى أن المستمع يسجد كما يسجد التالي، ولكن المستمع يسجد تبعاً للقارئ؛ لأنه إمامهم، فإذا سجد يسجدون معه، وإن لم يسجد لا يسجدون.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقرأ علينا السورة فيسجد ونسجد معه...)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ]. هو أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا ابن نمير ]. هو عبد الله بن نمير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع و ابن عمر مر ذكرهما.

    شرح حديث: (كان رسول الله يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه). قال عبد الرزاق : وكان الثوري يعجبه هذا الحديث. قال أبو داود : يعجبه لأنه كبر. ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن، ويكبر عندما يسجد ويسجدون معه، وهذا مثل الذي قبله أنه كان يسجد ويسجدون معه، وفيه زيادة التكبير، فما سوى التكبير موجود في الحديث الذي قبله. هذا الحديث في إسناده عبد الله بن عمر المكبر، وهو أخو عبيد الله بن عمر الذي مر ذكره في الإسناد السابق، والمصغر عبيد الله ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأما المكبر فهو ضعيف أخرج له مسلم مقروناً بأخيه عبيد الله ولم يرو له منفرداً، وأخرج له أصحاب السنن، وأخوه ثقة متفق على ثقته رحمه الله، وأما هو فهو ضعيف. إذاً: الحديث بهذا الإسناد لا يصح، لكن الحاكم أخرجه من طريق عبيد الله ، وفيه ذكر التكبير، ذكر هذا الحافظ ابن حجر في التلخيص، وتبعه بعض أهل العلم، ولكن ذكر الشيخ الألباني رحمه الله أن المستدرك ليس فيه ذكر التكبير، وإنما فيه ذكر السجود، وأن الصنعاني و الشوكاني وغيرهما من العلماء تابعوا الحافظ على ذكر التكبير، وعلى هذا إذا لم يكن إلا هذا الحديث الذي هو حديث ابن عمر الذي فيه عبد الله بن عمر المكبر، فالتكبير لا يكون ثابتاً، لكن لعل الحافظ ابن حجر اطلع على نسخة فيها ذكر التكبير، والطبعة الموجودة من المستدرك فيها أخطاء كثيرة، فينبغي أن يُرجع إلى مخطوطات المستدرك ليتحقق من وجود ذكر التكبير أو عدم وجوده، فإن الحافظ ابن حجر قال ذلك عن اطلاع وعلم، وإن كانت خالية وليس فيها ذكر التكبير فيكون ذلك وهماً منه، وعلى هذا فالأمر غير متبين حتى ينظر في النسخ المخطوطة للمستدرك. وإذا لم يكن ذلك ثابتاً في المستدرك ولا في غيره فإن الأصل هو عدم التكبير حتى يأتي ما يدل عليه، وجمهور أهل العلم على القول بالتكبير عند السجود. ومن أهل العلم من قال: إن سجود التلاوة صلاة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، وعلى هذا فبعض أهل العلم يستدل بهذا الحديث، لكن كون سجود التلاوة صلاة ليس محل اتفاق، بل فيه خلاف؛ لأن من أهل العلم من قال: يصح أن يسجد على غير طهارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن على كل أحواله، والصحابة يكونون مجتمعين معه، ويسجد ويسجدون معه، ولا يلزم أن يكونوا كلهم متطهرين، فقد يكون بعضهم غير متطهر، لا سيما المجامع التي تجمع الناس، والأماكن التي يسجدون فيها حتى لا يجد أحد مكاناً يضع جبهته فيه لكثرتهم، قالوا: فهذا يفيد أن اشتراط الطهارة في سجود التلاوة ليس بلازم. ومثل ذلك سجود الشكر؛ لأن سجود الشكر يحصل عند الخبر المفاجئ، وقد يكون الإنسان غير متطهر فيسجد لله شكراً. وبعض أهل العلم استدل بحديث: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، واستحب أيضاً أن يسلم منه، لكن كثير من العلماء ما ذكروا التسليم، وإنما ذكروا التكبير فقط. أما إذا كان الإنسان في الصلاة فالأمر في ذلك واضح، يكبر عند السجود، ويكبر عند القيام؛ لعموم ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان يكبر في كل خفض ورفع في الصلاة)، وهذا من الخفض والرفع في الصلاة، ولكن الشأن في خارج الصلاة، فهذا هو الذي يحتاج إلى أن يتحقق فيه من نسخ المستدرك. فعلى فرضية أنه إذا ثبت هذا الحديث فيؤخذ به لثبوته، وأما القيام فلم يثبت فيه شيء فلا يكبر، لكن بعض أهل العلم يقول: يكبر عند السجود، ويكبر عند القيام، ويتشهد ويسلم، وبعضهم يقول: يسلم بلا تشهد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي ]. أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي ثقة، أخرج له أبو داود . [ أخبرنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر المكبر وهو ضعيف، أخرج له مسلم مقروناً بأخيه عبيد الله وأصحاب السنن. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع و ابن عمر مر ذكرهما. [ قال عبد الرزاق : وكان الثوري يعجبه هذا الحديث ]. يعني: من أجل أن فيه ذكر التكبير، كما قال: أبو داود . والألباني ذكر الحديث في إرواء الغليل، وذكره عنه الشيخ عبد العزيز السدحان وله رسالة قيمة بعنوان: التبيان في سجدات القرآن، يعني: أتى بالأحاديث والآثار التي وردت فيما يتعلق بالسجدات، وذكر عن الشيخ عبد العريز بن باز رحمه الله أنه كان يقول بالتكبير عند السجود، وأنه جاء في إسناد جيد، وأنه أحاله على الحاكم ، ولعله تبع ابن حجر ، ثم قال: إن الحافظ في التلخيص ذكر كذا، وذكر الشيخ الألباني في إرواء الغليل أن الشوكاني و الصنعاني تابعوا ابن حجر ، والحديث ليس فيه ذكر التكبير عند المستدرك، وإنما فيه ذكر السجود، وأنهم سجدوا معه صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر التكبير. فأنا أقول: الأمر يحتاج إلى معرفة ذكر التكبير في الكتب المخطوطة للمستدرك، حتى يعرف هل الحافظ ابن حجر استند على شيء، أو أنه وهم منه لا سيما والمستدرك المطبوع فيه خطأ كثير.
    ما يقول إذا سجد


    شرح حديث: (كان رسول الله يقول في سجود القرآن بالليل...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول إذا سجد. حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل حدثنا خالد الحذاء عن رجل عن أبي العالية عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن بالليل، يقول في السجدة مراراً: سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته). ]. أورد أبو داود باب ما يقول إذا سجد في التلاوة، وأورد حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن بالليل -يعني: إذا سجد وهو يتلو القرآن في صلاة الليل- (سجد وجهي لله الذي خلقه، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته) ويقول ذلك مراراً. فهذا الحديث يدل على أنه يؤتى بهذا الذكر في سجود التلاوة، ويؤتى كذلك أيضاً بدعاء السجود الذي هو ذكر السجود: سبحان ربي الأعلى، ولكن يأتي مع هذا بهذا الذكر الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله: [ (وشق سمعه وبصره) ] أضاف ذلك إلى الوجه؛ لأنه متصل به، وإلا فإن: (الأذنان من الرأس)، كما جاء ذلك في الحديث، وذلك باعتبار المسح، فهما ممسوحان لا مغسولان، فقوله هنا: (وشق سمعه وبصره) يعني: ذكر السمع مضافاً إلى الوجه، ولعل ذلك لاتصاله به وقربه منه، ثم الرأس يطلق على ما فوق العنق، ويطلق على غير الوجه الذي يمسح عليه مثل قوله: (وحلق رأسه) يعني: يحلق شعر رأسه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقول في سجود القرآن بالليل..)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو ابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا خالد الحذاء ]. هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل عن أبي العالية ]. وهو هنا غير مذكور، ولكنه جاء عند الترمذي عن خالد عن أبي العالية ، وقال: صحيح، وعلى هذا فالرجل هنا مبهم، ولكنه جاء متصلاً عن خالد الحذاء إلى أبي العالية ، والحديث صحيح. [ عن أبي العالية ]. أبو العالية هو رفيع الرياحي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    ما جاء فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح


    شرح حديث: (إني صليت خلف رسول الله ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس)


    قال المصنف رحمه الله: [ باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح. حدثنا عبد الله بن الصباح العطار حدثنا أبو بحر حدثنا ثابت بن عمارة حدثنا أبو تميمة الهجيمي قال: (لما بعثنا الركب -قال أبو داود : يعني: إلى المدينة- قال: كنت أقص بعد صلاة الصبح فأسجد، فنهاني ابن عمر رضي الله عنهما فلم أنته ثلاث مرار، ثم عاد فقال: إني صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس) ]. أورد أبو داود باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح، يعني: بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس، هل يسجد أو لا يسجد. وأورد فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه نهى أبا تميمة الذي كان يقص بعد صلاة الصبح، يعني: يعظ الناس ويأتي بشيء من القرآن، وإذا جاء عند سجدة سجد، فنهاه عبد الله بن عمر ، ثم أخبره أنه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر و عمر و عثمان فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس) معناه: أنهم ما كانوا يصلون وما كانوا يسجدون إلا بعد طلوع الشمس، وعلى هذا يكون السجود صلاة، وأنه لا يصلى بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ومن يقول: إن هذا من ذوات الأسباب يسجد، ومن يقول: إنها ليست بصلاة وإنما هي سجدة يأتي بها الإنسان وهو على غير طهارة فلا يكون لها أحكام الصلاة. والحديث ضعيف لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه أبو بحر وهو ضعيف.

    تراجم رجال إسناد حديث: (صليت خلف رسول الله ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس...)

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن الصباح العطار ]. عبد الله بن الصباح العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا أبو بحر ]. هو عبد الرحمن بن عثمان ، وهو ضعيف، أخرج له أبي داود و ابن ماجة . [ حدثنا ثابت بن عمارة ]. ثابت بن عمارة صدوق فيه لين، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو تميمة الهجيمي ]. أبو تميمة الهجيمي هو طريف بن مجالد ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [عن عبد الله بن عمر. رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره.
    الأسئلة



    تضعيف الألباني لحديث: (فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما) وتحسينه له

    السؤال: ذكر الحافظ رحمه الله الحديث الذي مر معنا في سجدتي سورة الحج، (فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما) قال الحافظ رحمه الله: وسنده ضعيف. والألباني ضعفه في ضعيف سنن أبي داود وأحال على المشكاة، وكتاب بلوغ المرام معنا بتحقيق سمير أمين الزهيري ، يقول في تعليقه: إن الحديث ضعيف، وحاول شعيب الأرناؤوط تقوية الحديث، ثم قال: ومثله أيضاً فعل شيخنا في المشكاة، لكنه عاد فضعفه في ضعيف السنن، ومن يدري لعل شعيباً ضل عن تقليده للشيخ في رأيه الأول، إذ ضعيف السنن طبع بعد المراسيل بسنوات. وكلام شعيب في المراسيل لأبي داود الذي حققه، لكن أتانا الأخ بتعليق آخر قال: الشيخ الألباني في طبعة جديدة لسنن أبي داود قال عنه: حسن، ولا يوجد في هذه الطبعة الجديدة ضعيف، (ص:388). والطبعة الجديدة هي: صحيح سنن أبي داود وضعيف سنن أبي داود فيقول في الطبعة الجديدة: حسن.


    الجواب: على كل: أنا قلت لكم: إن الحاكم لما ذكر الحديث هذا الذي فيه عبد الله بن لهيعة الذي فيه السجدتان في الحج، قال: وقد صح عن عمر وابنه وكذا وكذا، وذكر سبعة من الصحابة، ثم ذكر أسانيده إليهم، معناه: أن هذا تأييد لما جاء لمعنى الحديث، وأن سجدتي الحج يسجد فيهما، وأنا كما قلت لكم الذي أعرف أن السجدة الأولى في الحج هي من العشر التي هي محل إجماع بين أهل العلم، وإنما الخلاف في الثانية فقط. الحديث يضعف بسبب ابن لهيعة ، ولا يكفي أن أحد العبادلة روى عنه؛ لأنه تفرد برفعه، وأن الصحيح فيه الإرسال أو الوقف. أيضاً: لأن فيه مشرح بن هاعان وهو يخطئ ويخالف، قال ابن حبان في المجروحين: يروي عن عقبة بن عامر أحاديث مناكير لا يتابع عليها، والصواب في أمره ترك ما انفرد من الروايات والاعتبار بما وافق الثقات. على كلٍ: السجدة الأولى لا نعلم فيها خلافاً، وهي من السجدتين اللتين جاءتا في حديث ابن لهيعة ، والسجدة الثانية هي التي فيها الخلاف، وفعل سبعة من الصحابة كما ذكر ذلك عنهم في المستدرك، وقال: إنه صح عنهم وذكر أسانيده إليهم يدل على أنه يسجد في هذين السجدتين.

    طعونات سيد قطب في معاوية وعثمان وعمرو بن العاص وغيرهم

    السؤال: يقول سيد قطب في كتب وشخصيات في صفحة (242) في السطر الرابع، يقول: (إن معاوية وزميله عمرو لم يغلبا علياً -رضي الله عنهم أجمعين- لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب، ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع، وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة، والنفاق والرشوة، وشراء الذمم، لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل، فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح) فما تعليقكم؟

    الجواب: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة معروفة، ومن أصول أهل السنة الكف عما شجر بين الصحابة، حتى في العقائد المختصرة مثل مقدمة ابن أبي زيد وغيرها من الرسائل المختصرة جداً التي هي من أخصر المختصرات فيها هذه العبارة، ففي الطحاوية لما تكلم في هذا الموضوع قال: والفتن التي كانت في أيامه -يعني: أمير المؤمنين علي رضي الله عنه- قد صان الله منها أيدينا؛ فنسأله أن يصون عنها ألسنتنا. قد صان الله منها أيدينا لأننا ما كنا في زمانه حتى يحصل منا شيء باليد، بقي عندنا الألسنة فنسأل الله أن يصونها. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وأفئدتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقول أبو المظفر السمعاني كما نقل عن الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن القدح في أحد من الصحابة علامة على خذلان فاعله، وهو بدعة وضلالة. ويقول أبو زرعة الرازي كما ذكره الخطيب البغدادي في الكفاية: إذا رأيتم أحداً ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق، وذلك أن الكتاب والرسول حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة. هذا هو كلام السلف، وهذه هي عقيدتهم، أما مثل هذا الكلام فمن قاله فقد آذى نفسه، وجلب لها الضرر، وكما يقول أهل اللغة: كم من كلمة قالت لصاحبها: دعني. ولكنها انفلتت منه ولم يسلم منها، بل يتحمل مغبتها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من يضمن لي ما بين رجليه ولحييه أضمن له الجنة)، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يذكروا بالجميل اللائق بهم، وأن يترضى عنهم، ويستغفر لهم، ويبحث عن المخارج الحسنة فيما جرى بينهم، وعلى الإنسان أن يتمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله، وهي الكف عما شجر بينهم. وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر العقيدة الواسطية الذي أشرت إلى مبتدئه وهو قوله: من أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ما نقل عنهم من أخبار فيها الصحيح وفيها الكذب، والصحيح منه هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، والمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد. هو الكلام النزيه الجميل! أما غير ذلك -والعياذ بالله- فهو كلام تقشعر منه الأبدان، وتشمئز له النفوس، ولا يليق ولا ينبغي، ولو صدر من غير أهل السنة ومن المبتعدين ممن هو بعيد عن السنة من الرافضة وغير الرافضة لكان هذا يقال: هذا كلامهم، لكن كيف يقال هذا كلام من ينتمي إلى السنة، ومن هو من أهل السنة وليس من الرافضة؟! وفي كتاب: العدالة الاجتماعية في الإسلام يقول في صفحة (207) السطر السابع من أسفل: (فلما جاء الأمويون وصارت الخلافة الإسلامية ملكاً عضوضاً في بني أمية لم يكن ذلك من وحي الإسلام، إنما كان من وحي الجاهلية الذي أطفأ إشراقه الروح الإسلامية). في فضل معاوية بن أبي سفيان قال شارح الطحاوية: وأول ملوك المسلمين معاوية ، وهو خير ملوك المسلمين؛ لأنه صحابي، والصحابة أفضل من غيرهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فهو أول وخير ملوك المسلمين، ثم النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر خليفة)، وقد كان أمر الناس ماضياً في زمن معاوية وزمن الخلفاء من بعده في بني أمية، ووصلت الفتوحات الإسلامية إلى المحيط الأطلسي، عقبة بن نافع يصل إلى المحيط الأطلسي مرسل من بني أمية، والرسول قال: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما ولي فيهم اثنا عشر خليفة)، وفيهم معاوية رضي الله عنه، ووصل محمد بن مسلم الثقفي إلى السند وإلى أماكن بعيدة من الشرق، واتسعت رقعة الإسلام وامتدت إلى الشرق والغرب. وقد قال شارح الطحاوية: أول ملوك المسلمين معاوية ، وهو خير ملوك المسلمين. وقال في صفحة (214): (هذا التصور لحقيقة الحكم قد تغير شيئاً ما دون شك على عهد عثمان وإن بقي في سياج الإسلام، لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير، ومن ورائه مروان بن الحكم يصرف الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام، كما أن طبيعة عثمان الرخية، وحدبه الشديد على أهله قد ساهم كلاهما في صدور تصرفات أنكرها الكثيرون من الصحابة ممن حوله، وكانت لها معقبات كثيرة، وآثار في الفتنة التي عانى الإسلام منها كثيراً، منح عثمان من بيت المال زوج بنته الحارث بن الحكم يوم عرفة مائتي ألف درهم، فلما أصبح الصباح جاءه زيد بن أرقم خازن مال المسلمين وقد بدا في وجهه الحزن، وترقرقت في عينه الدموع، فسأله أن يعفيه من عمله، ولما علم منه السبب وعرف أنه عطيته لصهره من مال المسلمين، قال مستغرباً: أتبكي يا ابن أرقم أن وصلت رحمي؟ فرد الرجل الذي يستشعر روح الإسلام المرهف: لا يا أمير المؤمنين! ولكن أبكي لأني أظنك أخذت هذا المال عوضاً عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله، والله لو أعطيته مائة درهم لكان كثيراً، فغضب عثمان على الرجل الذي لا يطيق ضميره هذه التوسعة من مال المسلمين على أقارب خليفة المسلمين، وقال له: ألق بالمفاتيح يا ابن أرقم فإنا سنجد غيرك). الشيخ: عثمان بن عفان رضي الله عنه هو ثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وفضائله جمة، ومناقبه كثيرة، وليس كل ما ينسب إليه يصح، وما صح فهو فيه معذور، وهو من الذين أمرنا باتباع سنتهم، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور)، فعثمان كونه يقول: أدركته الخلافة وهو شيخ كبير. معناه: أنه ما عنده قوة على القيام بأعباء الملك، وأنه حصلت منه تصرفات ليست طيبة، فهذا كلام لا يصلح ولا يليق أن يتكلم به إنسان ناصح لنفسه، وحريص على سلامتها. ويقول في صفحة (234) من نفس الكتاب: العدالة الاجتماعية في الإسلام: (ونحن نميل إلى اعتبار خلافة علي رضي الله عنه امتداداً -هنا ترضى على علي ، وعثمان لا، لا حول ولا قوة إلا بالله- طبيعياً لخلافة الشيخين قبله، وأن عهد عثمان الذي تحكم فيه مروان كان فجوة بينهما، لذلك نتابع الحديث عن عهد علي ، ثم نعود للحديث عن الحالة في أيام عثمان ). يقول بعض أهل العلم: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، ومعنى هذا: أن الصحابة رضي الله عنهم اختاروه وقدموه، وأن علياً معناه: أنه كان أولى منه بالخلافة، وأن عهده فجوة، وأن خلافة علي امتداد لأبي بكر و عمر ، ومعنى هذا: عثمان ليس كذلك، هذا كلام في غاية السوء والعياذ بالله. قال أحمد الخليلي الإباضي الخارجي مفتي سلطنة عمان في شريط له بعنوان: الفتنة: (لسنا نحن الذين فقط نتكلم في عثمان ، بل تكلم فيه أهل السنة، وذكر منهم سيد قطب و المودودي ). أقول: هذه حجة من غير أهل السنة على أهل السنة. على كلٍ أنا أقول: ما الفرق بين مثل هذا الكلام، وقراءة مثل هذا الكلام، وقراءة مثل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر العقيدة الواسطية، وكلام العلماء النزيه النظيف في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لاشك أن من يقرأ لأولئك يكون على الجادة، ويمتلئ قلبه بمحبة الصحابة، وأن الإنسان الذي يغتر بمثل سيد قطب إذا رأى مثل هذا الكلام يمكن أن يؤثر فيه، وأن يحصل له الانحراف مثل ما حصل لسيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا العاقل الناصح لنفسه لا يقرأ مثل هذا، وإنما يقرأ للعلماء الذين هم على الجادة، وكلامهم مستقيم، ونظيف، ونزيه في الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. عثمان بن عفان رضي الله عنه يتكلم فيه!! معاوية رضي الله عنه وأرضاه يتكلم فيه!! ويقال مثل هذا الكلام في هذين الصحابيين ... بل قاله في عمرو بن العاص رضي الله تعالى عن الجميع؟! إن الإنسان الناصح لنفسه لا يغتر بمثل هذا الكلام، ولا ينبغي أن يقرأ لمثل هذا الكاتب؛ لأنه يتأذى ويتضرر، ولكنه إذا قرأ لمثل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة وغيره، وقرأ لابن القيم وغيرهم من أهل السنة الذين يكتبون بأقلام سليمة، وألسنة نظيفة

    حكم استخدام بطاقة التهنئة في أعياد المسلمين


    السؤال: بعض النصارى يستعملون بطاقة التهنئة في أعيادهم، فهل نحن إذا استخدمنا هذه البطاقة في العيد يعتبر من التشبه؟

    الجواب: لا أبداً، كون الإنسان يكتب رسالة أو يعمل بطاقة فيرسلها في رسالة يهنئ أخاه لا بأس بذلك.

    السؤال عن مكان قبر إبراهيم

    السؤال: هل صحيح ما يروى أن قبر إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام موجود في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل في فلسطين؟


    الجواب: المعروف أنه ليس هناك أحد يعلم قبره على التحقيق إلا قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أما غيره من الأنبياء فلا يعرف مكان قبره قطعاً، لا يقطع لأحد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن قبره في المكان الذي دفن فيه صلى الله عليه وسلم، أما غيره من الأنبياء فليس هناك أحد يعرف قبره، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى.

    حكم غسل الأسلحة بماء ممزوج بزهور معينة في يوم معين


    السؤال: من عادة أهل الشرك عندنا أنهم يغسلون أسلحتهم كالسيف مثلاً في يوم معين، وبماء ممزوج بزهور معينة، فذات يوم فعل ذلك أحد أئمة المساجد، فلما أنكر عليه ذلك، قال: أنا لا أعتقد أن هذا السلاح ينفع ويضر إلا بإذن الله تعالى، فهل قول هذا الإمام يبرر فعله؟

    الجواب: لا، لا يبرر فعله، وكونه يخصص يوماً معيناً وبماء معين أو بكذا لا نعلم لهذا وجهاً.

    منهج الشيخ ربيع المدخلي في الرد على سيد قطب

    السؤال: البعض يقولون: إن منهج الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله في الرد على سيد قطب باطل؛ لأنه لم يذكر حسناته، وإنما ذكر المطاعن فقط، فما رأيكم؟


    الجواب: قضية القائلين بأنه لابد من ذكر الحسنات مع ذكر السيئات ليست ضرورية، فمن من يريد أن يحذر من شيء هل يبحث عن حسنات ذلك الذي يحذر منه؟ الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءته المرأة التي تستشيره في معاوية وفي أبي الجهم ماذا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل قال لها: معاوية كاتب الوحي، وهو كذا وهو كذا وهو كذا، وهو صعلوك لا مال له؟ أو قال: (أما معاوية فصعلوك لا مال له)؛ لأن هذا يتعلق بالزواج، (وأما أبو الجهم فلا يدع العصا عن عاتقه)، ومن المعلوم أن القضية هي قضية تحذير، والتحذير يتطلب بيان الأشياء التي يكون الناس على علم بها حتى يحذروا مثل هذا الكاتب، ولو كان عنده حسنات وعنده هذه السيئات هل يصلح أن الإنسان يقرأ كتاباً فيه هذا الخلط، وفيه الغث والسمين؟ التحذير من مثل هذه الكتابات ومن هذه المؤلفات التي يخرج الإنسان منها بمضرة، ولا يخرج منها بفائدة محققة هذا هو الذي ينبغي، ومعلوم أن كثيراً من العلماء المتقدمين والمتأخرين عندما يردون على شخص يذكرون الأمور التي يجب أن يحذر منها، وأما ما عنده من الصفات الطيبة، والحسنة فهذه له، ولكن الناس يحذرون من الضرر، ومن الخطر الذي يكون في الكتب.

    دعاء سجود الشكر


    السؤال: ما هو دعاء سجود الشكر؟

    الجواب: لا أعلم له دعاء خاصاً، ولكن الإنسان يشكر الله عز وجل على ما حصل من النعمة.

    حكم قضاء سجدة التلاوة

    السؤال: إذا قرأت آية السجدة ولم أتمكن من السجود وذلك لعذر، فهل أقضيها بعد ذلك؟


    الجواب: لا، ما تقضى، وإنما تستحب عند قراءة السجدة.

    حكم تعلم مادة علم النفس وأصول الدعوة


    السؤال: بعض الطلاب يهملون مادة: علم النفس وأصول الدعوة، ويقولون: إن الصحابة كانوا لا يتعلمون تلك المادتين؟


    الجواب: الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عندهم طب النفوس وطب القلوب رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم أعلم الناس بمداخل النفوس، وكيف يربون، وقد رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل خير فيما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، يعني: الصحابة ما تعلموا هذه الأشياء الجديدة التي جاءت بعدهم، فهم سبقوا إلى كل خير، وسلموا من كل شر، فالخير الذي عند الناس هو موجود عندهم، والشر الذي عند الناس هم سلموا منه، فما كان هناك من خير فهم إليه أسبق، وما كان هناك من شر فهم منه أسلم، وقد حل بغيرهم وحصل لهم، مثل العقائد المنحرفة التي جاءت فيما بعد هم سلموا منها، والله تعالى ابتلى بها أناساً جاءوا بعدهم، فهذه العقائد ما كان يعرفها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكذلك مثل هذه الأشياء التي تتعلق بعلم النفس وليس لها أساس من الكتاب والسنة، يعني: هم أسلم الناس منها، وهم قائمون ومتمكنون مما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم سواء في تهذيب النفوس وعلاجها، وفي ما يصلح القلوب، وفيما يعرف به الحق من الباطل، فهم أسبق الناس إلى ذلك، وهم أعرف الناس بذلك، والصحابة ما كان عندهم هذه الأشياء الجديدة التي هم سلموا منها، وفيها حق وباطل، فما كان من حق فهم إليه أسبق، وما كان من باطل فهم منه أسلم.

    حكم كراهية المدرس الحالق للحية أو المسبل للثوب

    السؤال: إذا وجدت في الفصل أستاذاً حالقاً للحية أو مسبلاً للثوب تذهب الرغبة في الاستفادة منه، فهل هذا الموقف صحيح؟

    الجواب: الإنسان ينصح من يرتكب المعصية حتى ولو كان أستاذاً؛ لأن من الخير للأساتذة أن يستفيدوا من التلاميذ، كما أن التلاميذ قد يتضررون بالأساتذة، فإذا حصل النفع من الأصغر للأكبر لاشك أن هذا شيء عظيم؛ لأن الأكبر إذا استفاد ممن هو دونه حصل بملاحظته وبتنبيهه الخير الكثير لذلك الذي هو يعتبر مدرساً ويعتبر متبوعاً في تدريسه. فعليك أن تنصحه، وإذا كان متمكناً بعلمه والعلم لا علاقة له بالعقيدة، أو أمور الدين، وإنما يتعلق بفن من الفنون التي هو متمكن منها، فاستفد مما عنده من الخير، وابغض الشيء الذي عنده مما هو معصية ومخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم."





  5. #205
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [172]
    الحلقة (203)





    شرح سنن أبي داود [172]

    الوتر سنة مستحبة، وهو من آكد السنن التي لم يكن يتركها النبي صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر مع راتبة الفجر، وأقله ركعة، ويقرأ في ركعاته الثلاث الأخيرة بسورة الأعلى والكافرون والإخلاص.

    ما جاء في استحباب الوتر


    شرح حديث: (يا أهل القرآن أوتروا ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفريع أبواب الوتر. باب استحباب الوتر. حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن زكريا عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أهل القرآن! أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر). حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو حفص الأبار عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، زاد: (فقال أعرابي: ما تقول؟ فقال: ليس لك ولا لأصحابك) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [تفريع أبواب الوتر]. والوتر قيل: هو الركعة التي تختم بها صلاة الليل، أو الركعات التي هي وتر تختم بها صلاة الليل، وقيل: إن المقصود بذلك صلاة الليل وما يختم به من ركعة أو أكثر، فإن ذلك كله يقال له وتر. والوتر: هو ضد الشفع، أي: الفرد، ومعنى هذا: أن الإنسان يصلي الوتر ركعة واحدة، وهي أقل شيء، ويمكن أن يكون ثلاثاً سواء كانت مسرودة أو ركعتين، ثم يتشهد ويسلم، ثم يأتي بركعة ويتشهد ويسلم، وهذا هو الأولى، أو يأتي بأكثر من ذلك متصلاً أو منفصلاً يعني: ثنتين ثنتين، وركعة في الآخر، أو تكون مجتمعة ويسلم في آخرها، فكل هذا يقال له وتر. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا أهل القرآن! أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر)، وقد ذكر أبو داود رحمه الله هذا الحديث تحت ترجمة: [باب استحباب الوتر]؛ لأنه لما ذكر تفريع أبواب الوتر بدأ بترجمة استحباب الوتر. والمقصود من الترجمة هو: أن الوتر ليس بفرض ولا حتم، ولكنه مستحب، بل هو من آكد السنن والنوافل؛ لأن النوافل آكدها الوتر وركعتا الفجر، وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يترك الوتر ولا ركعتي الفجر لا في حضر ولا في سفر، وثبت عنه أنه ما كان يحافظ على شيء من النوافل في الحضر والسفر إلا على ركعتي الفجر والوتر، فهو من آكد النوافل وأهمها، ولكنه ليس بفرض وإنما مستحب، ولهذا قال في الترجمة: [باب استحباب الوتر]. ويأتي المصنف بعدة أحاديث يستدل بها على هذا، ومنها هذا الحديث، وهو قوله: (يا أهل القرآن! أوتروا؛ فإن الله وتر يحب الوتر) ووجه إيراد المصنف لهذا الحديث تحت هذه الترجمة من جهة أنه خص أهل القرآن بقوله: (يا أهل القرآن! أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر) فكونه يخاطب أهل القرآن بهذا فهو يدل على أنه ليس بفرض؛ لأنه لو كان فرضاً لكان لازماً للجميع. والأدلة الواضحة على استحبابه ستأتي، ومنها: الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس صلوات فرضهن الله)، وكذلك حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن، قال: (أخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، وكان هذا متأخراً، فهذا يدل على أن المفترض هو الخمس الصلوات، وما زاد عليها فهو نفل، وكذلك حديث طلحة أنه جاء رجل إلى رسول الله وسأله فقال: (خمس صلوات فرضهن الله في كل يوم وليلة؟ قال: هل عليّ غيرها؟ قال لا، إلا أن تطوع)، فهذا يدل على أن الوتر داخل تحت التطوع. إذاً: فهو من الأعمال المستحبة، ولكنه من آكد المستحبات والنوافل. والوتر مستحب في حق الجميع، يعني: في أهل القرآن وغير أهل القرآن، فالمسلم يوتر ويصلي الوتر، لكن لماذا خص أهل القرآن؟ لأن أهل القرآن يصلون الليل، ويقرءون القرآن في صلواتهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن يختموا، وأن صلاتهم في الليل بوتر، فلذلك قال: (يا أهل القرآن! أوتروا؛ فإن الله وتر يحب الوتر)، لكن لا يعني هذا أن غير أهل القرآن لا يوترون؛ فإن الوتر مستحب في حق كل أحد، وهو من النوافل المؤكدة والمستحبة. ثم قال: (فإن الله وتر يحب الوتر) ومعنى وتر أي: فرد واحد ليس معه أحد، فهو واحد في ذاته وأسمائه وصفاته، وواحد في ألوهيته وربوبيته، فهو وتر وهو أحد، والله تعالى يحب الوتر، ولهذا جاء في السنة والشريعة الإيتار في أمور كثيرة، بمعنى: أنه يأتي بها عدداً فردياً. جاء ذلك في مواضيع وأحاديث كثيرة فيها التنبيه على الإتيان بالشيء وتراً سواء كان فيما يتعلق بأكل تمرات وتراً قبل الذهاب لعيد الفطر، أو كان في الاستنجاء، فالإنسان يستنجي وتراً ولا يأتي بالأحجار شفعاً، أو الطواف فإنه وتر، وكذلك الوضوء يكون واحدة واثنتين وثلاث، فيختم الوضوء بوتر ولا يتجاوزه بمعنى: أنه لا يغسل الرابعة، فالوتر جاء ذكره في أمور كثيرة وعديدة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله وتر يحب الوتر). وهذا الحديث يدل على أن الوتر من أسماء الله عز وجل، وأنه يحب مقتضى هذا الاسم الذي هو الوتر، وفيه إثبات المحبة لله عز وجل، وهي على وجه يليق بكماله وجلاله كسائر الصفات؛ لأن الصفات كلها طريقتها واحدة، تثبت على وجه يليق بجلاله وكماله دون أن يكون فيها تشبيه، ودون أن يكون فيها تعطيل، بل إثبات مع التنزيه، والإثبات ينافي التعطيل، والتنزيه ينافي التمثيل والتشبيه، على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] فأثبت السمع والبصر، ونفى المشابهة، فالصفات كلها على هذا النحو وعلى هذه الطريقة. ثم ذكر حديث ابن مسعود وهو بمعناه: (قال أعرابي: ما تقول؟ قال: ليس لك وأصحابك)، يعني: ليست لك وأمثالك من الأعراب؛ لأن هذا خطاب لأهل القرآن الذين يقرءون القرآن في الليل وأمروا بالإيتار، لكن كما هو معلوم صلاة الوتر مطلوبة في حق كل أحد، ولكن قوله: (ليست لك ولأصحابك) يعني: لا يراد به أن غير أهل القرآن لا يحصل منهم الوتر، بل الوتر مطلوب في حق كل أحد، ولهذا أبو هريرة قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام)، وكذلك أبو الدرداء في صحيح مسلم يقول: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد)، فالوتر ليس خاصاً بأحد دون أحد، مثل ركعتي الفجر، وركعات الظهر والمغرب والعشاء، فهذه رواتب ونوافل مستحبة ومطلوبة في حق كل أحد، ولكن قوله: (ليست لك ولأصحابك) المقصود بذلك: كونه ليس من أهل القرآن الذين يشتغلون بصلاة الليل وقراءة القرآن، وأقل شيء ركعة يصليها الإنسان بعد أن يؤدي سنة العشاء ركعتين، والوتر مطلوب من كل أحد سواء بركعة أو بثلاث أو بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة أو بثلاث عشرة، كل ذلك سائغ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يصلي بأقل من سبع، وما كان يصلي بأكثر من ثلاث عشرة، وأكثر ما كان يفعل إحدى عشرة ركعة صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (يا أهل القرآن أوتروا ...)

    قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ]. إبراهيم بن موسى هو الرازي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زكريا ]. هو زكريا بن أبي زائدة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن ضمرة ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن علي ]. هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين ، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    تراجم رجال إسناد حديث (يا أهل القرآن أوتروا...) من طريق أخرى

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبو حفص الأبار ]. واسمه: عمر بن عبد الرحمن ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد وأبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبيدة ]. هو ابن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه، الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والإسناد فيه أبو عبيدة وهو لم يسمع من أبيه، وهو منقطع، والألباني صححه، ولعل له شواهد، وإلا فالإسناد ليس متصلاً. والذي يبدو من هذا الخطاب: (يا أهل القرآن) أن الأعرابي ليس من أهل القرآن، لكن الوتر كما هو معلوم هو مستحب في حق الجميع، ومعلوم أن أهل القرآن يحصل منهم في الوتر وفي غير صلاة الليل ما لا يحصل من غيرهم ممن لا يحفظ القرآن أو لا يقرأ القرآن، لكن الوتر يحصل بركعة واحدة، ويمكن أن يحصل بثلاث، ويقرأ فيها ما تيسر مما يحفظه العوام.
    شرح حديث: (إن الله عز وجل أمدكم بصلاة وهي خير لكم من حمر النعم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي و قتيبة بن سعيد المعنى قالا: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد الزوفي عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي عن خارجة بن حذافة قال أبو الوليد : العدوي قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله عز وجل أمدكم بصلاة، وهي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر، فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر). ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث خارجة بن حذافة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله أمدكم بصلاة، وهي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر ما بين العشاء إلى طلوع الفجر) ووجه إيراد الحديث تحت ترجمة: [استحباب الوتر] قوله: (أمدكم) لأنه ما قال فرض عليكم أو وجب عليكم، والإمداد قيل: هو الزيادة، يعني: زادكم صلاة في تطوعكم وتنفلكم. (وهي خير من حمر النعم) وهي الإبل التي هي أنفس المال عند العرب، ويأتي ذكرها في ذكر الشيء النفيس من المال، وقد جاء في حديث قصة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلي لما أعطاه الراية يوم خيبر، حيث قال: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) فكانت تذكر حمر النعم لأنها من أنفس الأموال عندهم؛ وهي أنفس الأموال عند العرب. فقوله: (أمدكم) هذا هو وجه إيراد المصنف للحديث تحت هذه الترجمة؛ لأنها تدل على أنه ليس بفرض، وإنما هو أمدهم الله بها وأعطاهم إياها، وفيه فضل عظيم، وأنه خير لهم من أنفس أموالهم التي هي حمر النعم. ثم بين ذلك بقوله: (هي الوتر). ثم قال: (وهي ما بين العشاء وطلوع الفجر)؛ يعني: الوتر، من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، بعد أن يؤتى بصلاة العشاء، فمن بعد أدائها إلى صلاة الفجر هذا كله وقت الوتر، حتى لو جمعت العشاء مع المغرب جمع تقديم فإن الوتر يأتي بعد صلاة العشاء ولو كانت مقدمة ومجموعة مع المغرب في أول وقت المغرب؛ لأنها بعد العشاء، وصلاة الليل تبدأ بعد العشاء. والحديث في إسناده عبد الله بن راشد الزوفي وهو متكلم فيه، وكذلك أيضاً سماعه من شيخه، وكذلك شيخه من خارجة بن حذافة ، لكن هذا الشخص هو علة الحديث. أما قوله: (ما بين العشاء إلى طلوع الفجر) فقد جاء ما يدل عليه، وأن هذا هو وقت الوتر، وقد جاء في الحديث: (صلاة الليل مثنى مثنى)، وصلاة الليل تبدأ بعد العشاء (فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، فهذا يبين أن وقت صلاة الوتر هو هذا الوقت: من بعد العشاء إلى طلوع الفجر، والنبي صلى الله عليه وسلم من كل الليل قد أوتر، أوتر من أوله وأوسطه وآخره، وانتهى وتره إلى السحر صلى الله عليه وسلم، فهذه الجملة جاء ما يدل عليها، وأما ذكر هذه الفضيلة ففيها هذا الضعف.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل أمدكم بصلاة وهي خير لكم من حمر النعم...)


    قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وبغلان: قرية من قرى بلخ من بلاد خراسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى ]. يعني: أن رواية أبو الوليد الطيالسي وقتيبة بن سعيد متفقة في المعنى، وليست الألفاظ واحدة، وهذه عبارة يستعملها أبو داود كثيراً، فبعد ما يذكر الأسانيد يشير إلى أن الروايات متفقة في المعنى، وإن اختلفت في الألفاظ. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن راشد الزوفي ]. هو عبد الله بن راشد الزوفي مستور، أخرج له أبو داود و الترمذي وابن ماجة . [ عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي ]. عبد الله بن أبي مرة الزوفي ، صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن خارجة بن حذافة ]. خارجة بن حذافة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وهؤلاء الثلاثة الذين هم عبد الله بن راشد و عبد الله بن أبي مرة و خارجة بن حذافة ليس لهم في الكتب الثلاثة التي هي سنن أبي داود و الترمذي و ابن ماجة إلا هذا الحديث الواحد، يعني: هؤلاء الثلاثة لا يأتي ذكرهم إلا في هذا الموضع؛ لأنهم ليس لهم رواية في الكتب الأخرى، وإنما روايتهم عند أبي داود و الترمذي و ابن ماجة ، وليس لهم عند هؤلاء الثلاثة الأئمة في كتبهم إلا هذا الحديث الواحد، فإذاً: لا يتكرر ذكر هؤلاء الثلاثة في هذه الكتب إلا في هذا الموضع. [ قال أبو الوليد : العدوي ]. يعني: هو خارجة بن حذافة العدوي ؛ لأن له شيخين أبو الوليد و قتيبة ، فقتيبة وقف عند قوله: خارجة بن حذافة وما أضاف إليها شيئاً، وأما أبو الوليد فزاد وقال: خارجة بن حذافة العدوي ، معناه: أن شيخه الأول عندما جاء ذكر خارجة قال: خارجة بن حذافة العدوي ، ولهذا قال: [ قال أبو الوليد : العدوي ] يعني: هذا يبين الفرق بين رواية أبي الوليد وبين رواية قتيبة ، وأن أبا الوليد أتى بهذه الإضافة وهي النسب، وقتيبة لم يذكر هذه الإضافة.
    وقت قضاء صلاة الوتر

    يمكن أن يقضى الوتر بعد طلوع الشمس وارتفاعها، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا لم يصل صلاته أو ورده من الليل فإنه يصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة؛ لأنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فيصلي اثنتا عشرة ركعة حتى لا يكون وتراً في النهار، ولكن مقدار الصلاة أتى به بزيادة ركعة حتى لا يكون قد أوتر بالنهار، فيقضى الوتر شفعاً لمن فاته، وذلك ضحى، فإذا كان يصلي واحدة فإنه يصلي ثنتين، وإذا كان يصلي ثلاثاً فإنه يصلي أربعاً، وإذا كان يصلي خمساً فإنه يصلي ستاً، وإذا كان يصلي سبعاً فإنه يصلي ثمان، وإذا كان يصلي تسعاً فإنه يصلي عشراً، وإذا كان يصلي إحدى عشر فإنه يصلي اثنتي عشرة ركعة، كما كان عليه الصلاة والسلام يفعل، فإنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة، ولكنه يصلي من الضحى قضاءً اثنتي عشرة ركعة، ولا يؤتى بالوتر بين أذان الفجر والإقامة.
    ما جاء فيمن لم يوتر


    شرح حديث (الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن لم يوتر. حدثنا ابن المثنى حدثنا أبو إسحاق الطالقاني حدثنا الفضل بن موسى عن عبيد الله بن عبد الله العتكي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا) ]. أورد بعد ذلك أبو داود هذه الترجمة: [فيمن لم يوتر]، يعني: ما حكمه؟ أو ماذا عليه؟ فأورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا)، لكن هذا الحديث ليس بصحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الأحاديث: (الوتر حق)، ولكن يحمل على أن المقصود به: حق ليس بلازم أو ليس بواجب وأنه متأكد؛ لأنه قد جاء ما يدل على أن الوتر ليس بفرض كما سبق في الحديث الذي أورده المصنف، وكما سيأتي في الأحاديث التي فيها: (خمس صلوات فرضهن الله في اليوم والليلة قال: هل عليّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع)، وحديث معاذ : (فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، لا يوجد شيء أكثر من هذا، والباقي تطوع، فالوتر ليس بفرض. وهنا قال: (الوتر حق ومن لم يوتر فليس منا)، وهذا يدل على وجوبه ولزومه، لكن الحديث غير صحيح وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث (الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا..)


    قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي الملقب بالزمن ، وكنيته أبو موسى ، وهو مشهور بكنيته؛ لأنه أحياناً عندما يذكر الحافظ ابن حجر تلاميذه أو الذين رووا عنه، أو يذكر تلاميذ شخص، فيقول: أبو موسى لا يقول: محمد بن المثنى ؛ لأنه مشهور بكنيته، فقد يبحث الإنسان عن محمد بن المثنى في تلاميذ شخص هل هو من تلاميذه، فلا يجد محمد بن المثنى ، وإنما يجد أبا موسى فقط، فهذا هو محمد بن المثنى المشهور بكنيته، وأيضاً لقبه الزمن، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [ حدثنا أبو إسحاق الطالقاني ]. هو إبراهيم بن إسحاق ، وهو صدوق يغرب، أخرج له مسلم في المقدمة وأبو داود و الترمذي ، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، لأنه إبراهيم بن إسحاق وهو أبو إسحاق ، وهو ابن إسحاق ، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث: (معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه) وفائدة معرفة هذا النوع: ألا يظن التصحيف؛ لأنه لو قيل: ابن إسحاق ، أو إبراهيم أبو إسحاق فكله كلام صحيح؛ هو إبراهيم أبو إسحاق وهو إبراهيم بن إسحاق ؛ لأن أباه اسمه إسحاق ، فهو منسوب، فنسبته ابن إسحاق ، وكنيته أبو إسحاق ، فإن جاء (أبو) فهو صحيح، وإن جاء (ابن) فهو صحيح. فهذا يحصل به التخلص من احتمال أو ظن التصحيف لمن عرف ذلك، فإن قيل: إبراهيم بن إسحاق فهو صحيح، وإن قيل: إبراهيم أبي إسحاق فهو صحيح؛ لأنه ممن وافقت كنيته اسم أبيه. [ حدثنا الفضل بن موسى ]. الفضل بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله العتكي ]. عبيد الله بن عبد الله العتكي هو أبو المنيب ، وهو صدوق يخطئ، وقد ضعف الحديث به، يعني: بهذا الشخص الذي هو عبيد الله بن عبد الله العتكي ، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث (خمس صلوات كتبهن الله على العباد...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أن رجلاً من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلاً في الشام يدعى أبا محمد يقول: إن الوتر واجب، قال المخدجي : فرحت إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه فأخبرته، فقال عبادة : كذب أبو محمد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة) ]. أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه قيل له: إن أبا محمد -رجل في الشام- قال: إن الوتر واجب، فقال: كذب أبو محمد ، ومعنى كذب هنا: أخطأ؛ لأنه يأتي في بعض الأحاديث لفظ (كذب) بمعنى: أخطأ، وليس معنى ذلك الكذب الذي هو ضد الصدق، وإنما هو الخطأ ضد الصواب، والمقصود بذلك أنه حصل منه شيء على خلاف الصواب، لا سيما وهو قاله باجتهاد، ومعلوم أن الكذب الذي هو ضد الصدق لا يقال في حق هذا، وإنما يقال في الخبر، وإنما هذا قاله باجتهاده، فقال: كذب أبو محمد ، يعني: أخطأ، فهو ضد الصواب، وجاء في أحاديث ذكر (كذب) بمعنى: أخطأ وهذا منها. قوله: [ (خمس صلوات كتبهن الله على العباد) ]. والوتر ليس من الخمس الصلوات، إذاً: هو زائد على المفروض. قوله: [ (فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة) ]. وكلمة: (استخفافاً) متعلقة بالتضييع، بأن يضيعها استخفافاً، وأما إذا حصل منه شيء خطأ وليس استخفافاً فهو يخالف ذلك، وإنما هنا قيده بالاستخفاف الذي معناه: الاستهانة. قوله: [ (ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة) ]. وهذا يستدل به الذين يقولون بأن من ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً ليس بكافر، لكن يمكن أن يُحمل على أن المقصود بقوله: (يأتي بهن) يعني: على التمام والكمال أو كما هو مطلوب، لا أنه تارك لهن أصلاً ولا يسجد لله ولا يركع، وإنما هو تارك للصلاة نهائياً، يعني: ليس هذا من هذا القبيل؛ لأنه جاءت أحاديث تدل على كفر تارك الصلاة، وهذا يمكن أن يحمل على أن المقصود به أنه لم يأت بها كما هو مطلوب منه، وإنما عنده تقصير، فهذا التقصير وهذا النقص الذي منه أمره إلى الله عز وجل. فالمقصود منه: أنها خمس صلوات والوتر ليس منها. إذاً: هو شيء ليس بفرض ولا بواجب.
    تراجم رجال إسناد حديث: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد...)

    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، وهو من صغار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن محيريز ]. هو عبد الله بن محيريز ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المخدجي رجل من بني كنانة ]. اسمه أبو رفيع ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبادة بن الصامت ]. عبادة بن الصامت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    ما جاء في عدد ركعات الوتر


    شرح حديث: (.. والوتر ركعة من آخر الليل)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كم الوتر. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رجلاً من أهل البادية سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال بأصبعيه: هكذا مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل) ]. أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة: [كم الوتر؟] يعني: كم مقداره؟ ومعلوم أن مقداره أقله ركعة واحدة، لو أن إنساناً صلى العشاء وأتى بسنة العشاء ركعتين، ثم أتى بواحدة فهذا أقله، ولكن كونه يزيد ويأتي بأكثر فهذا هو الذي ينبغي، ولكن أقله ركعة، ويمكن أن يكون ثلاثاً، أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة أو أكثر من ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان ينقص عن سبع ولا يزيد عن ثلاث عشرة ركعة، وأكثر ما جاء عنه إحدى عشرة صلى الله عليه وسلم. والوتر يطلق كما أسلفت على الركعة الواحدة إذا أتي بها وحدها أو أتي بها بعد ركعات قبلها، كما يطلق على الثلاث لخروجها مع بعض ولكن ليس كالمغرب، وإنما هي مسرودة سرداً دون تشهد أوسط، أو كذلك سبعاً أو تسعاً أو خمساً كل ذلك يقال له وتر. أورد فيه أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن رجلاً من أهل البادية سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال بأصبعيه هكذا مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل)، يعني: كون الإنسان يصلي ما شاء من الليل ثنتين ثنتين، ثم بعد ذلك يأتي بركعة في آخر الليل، سواء كانت متصلة بهذه الركعات أو أنه أخرها، فهذا هو الوتر، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: (ركعة توتر له ما مضى)؛ لأن ما مضى شفع، فإذا جاءت هذه الركعة جعلت ما تقدم من الركعات وتراً. والحديث كما هو واضح يدل على أن الوتر هو في حق الجميع، أما قوله: (يا أهل القرآن ...) فهو يدل مع هذا الحديث على أن الكل يستحب له أن يوتر؛ لأن هذا أعرابي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، (فقال بأصبعيه: هكذا ثنتين ثنتين، والوتر ركعة من آخر الليل). قوله: (من آخر الليل) كما هو معلوم إذا كان الإنسان يثق من نفسه أنه يقوم آخر الليل فإنه يؤخر الوتر إلى آخر الليل, وأما إذا كان لا يثق من نفسه أنه يقوم آخر الليل فليوتر قبل أن ينام، كما جاءت بذلك الوصية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة المتفق عليه، وحديث أبي الدرداء الذي أخرجه مسلم : (وأن أوتر قبل أن أنام)، فإذا كان الإنسان يعرف من نفسه أنه سيقوم آخر الليل فليؤخر الوتر إلى آخر الليل، وإن كان لا يعلم فإنه يوتر في أول الليل، ولا يتركه بحيث يطل عليه الفجر وهو لم يوتر، لكنه إن أوتر في أول الليل وهو لم يثق من نفسه أن يقوم آخر الليل، ثم قام، فله أن يصلي ما شاء، لكن لا يوتر مرة ثانية؛ لأن الوتر لا يؤتى به مرتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وتران في ليلة).
    تراجم رجال إسناد حديث: (.. والوتر ركعة من آخر الليل)

    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا همام ]. هو همام بن يحيى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن شقيق ]. هو عبد الله بن شقيق العقيلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (الوتر حق على كل مسلم...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن المبارك حدثني قريش بن حيان العجلي حدثنا بكر بن وائل عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الوتر حق على كل مسلم)، وقوله: (حق) ليس معناه الحق الذي هو الواجب، وإنما هو الحق المتأكد. وقوله: [ (على كل مسلم) ] يبين لنا أن هذا مطلوب من الجميع، ولكن قوله هناك: (يا أهل القرآن) ليس المقصود به أن غيرهم لا يوتر، وإنما مطلوب منهم أن يوتروا، وأن يختموا صلاتهم بوتر؛ لأنهم هم الذين يشتغلون بصلاة الليل، ويقرءون فيها، فأمروا بأن يوتروا، وأمره لهم بالإيتار لا يدل على أن غيرهم لا يوتر، لأن هذا الحديث يقول: (الوتر حق على كل مسلم)، يعني: حق متأكد وليس بحق واجب، وإنما هو مندوب، وهو من آكد النوافل هو وركعة الفجر. قوله: [ (فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل) ]. متصلة أو منفصلة، لكن كونها ثنتين ثنتين ويأتي بركعة هو الأولى. [ (ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل) ]. يعني: إما مسرودة مع بعض، أو يصلي ثنتين ثم يتشهد ويسلم، ثم يأتي بركعة ويتشهد ويسلم، والفصل أولى من الوصل؛ لأن الفصل ثبت من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم. [ (ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل) ]. يعني: بعد ركعتي العشاء يأتي بركعة واحدة فقط ليس معها شيء، فإن ذلك كاف، وهو أقل الوتر وأدناه.
    تراجم رجال إسناد حديث (الوتر حق على كل مسلم..)

    قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ]. عبد الرحمن بن المبارك ثقة، أخرج له أبو داود و البخاري و النسائي . [ حدثني قريش بن حيان العجلي ]. قريش بن حيان العجلي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا بكر بن وائل ]. بكر بن وائل صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يزيد الليثي ]. عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي أيوب الأنصاري ]. أبو أيوب الأنصاري مشهور بكنيته، واسمه: خالد بن زيد رضي الله عنه صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    ما جاء فيما يقرأ في الوتر


    شرح حديث: (كان رسول الله يوتر بسبح اسم ربك الأعلى...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقرأ في الوتر. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو حفص الأبار ح وحدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا محمد بن أنس وهذا لفظه عن الأعمش عن طلحة و زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل للذين كفروا، والله الواحد الصمد). أورد أبو داود رحمه الله تعالى ما يقرأ في الوتر، يعني: بعد الفاتحة؛ لأن الفاتحة لا بد منها في كل ركعة، وأورد فيه حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، وهو: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل للذين كفروا) والمقصود بها: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، وقد جاء عند النسائي : يعني (قل للذين كفروا) والمقصود بها: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]. ((والله الواحد الصمد)) يعني: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2] فهذه الثلاث السور يؤتى بها في هذه الركعات الثلاث التي هي آخر صلاة الليل، ويأتي بها مسرودة لا يجلس بعد الثانية، أو يأتي بها بتشهدين، أي: يصلي ثنتين ثم يتشهد ويسلم، ثم واحدة ثم يتشهد ويسلم، وهذا هو الأولى، وهو الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً في روايات، وجاء أيضاً من قوله: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى). (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل للذين كفروا)، يعني: الركعات الأخيرة من صلاة الليل، يأتي بهذه الثلاث الركعات ويقرأ بهذه الثلاث السور، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]. ولفظ (كان) يدل على المداومة، لكن كما سبق أن أسلفت أنها قد تأتي لغير المداومة، مثل ما جاء في حديث عائشة : (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت)، وهو ما حج إلا مرة واحدة عليه الصلاة والسلام، وعبرت بقولها: (كنت).
    تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يوتر بسبح اسم ربك الأعلى...)

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو حفص الأبار ح وحدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا محمد بن أنس ]. عثمان بن أبي شيبة و أبو حفص الأبار و إبراهيم بن موسى مر ذكرهم، ومحمد بن أنس صدوق يغرب أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود . [ وهذا لفظه ]. أي: لفظ محمد بن أنس الذي هو الطريق الثاني. [ عن الأعمش ]. الأعمش مر ذكره. [ عن طلحة و زبيد ]. هو طلحة بن مصرف اليامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وزبيد بن الحارث اليامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ]. سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الرحمن بن أبزى وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ]. أبي بن كعب رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (كان رسول الله يوتر بسبح اسم ربك الأعلى...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن أبي شعيب حدثنا محمد بن سلمة حدثنا خصيف عن عبد العزيز بن جريج قال: سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فذكر معناه، قال: (وفي الثالثة بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، والمعوذتين) ]. أورد أبو داود حديث عائشة قال عبد العزيز بن جريج : سألت عائشة : بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني: بأي شيء كان يقرأ في الوتر. (فذكر معناه) يعني: معنى ما تقدم من قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وبعد ذلك قال: بقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] والمعوذتين، أي: مع بعض يجمعها في ركعة واحدة يسردها. والحديث فيه كلام من جهة خصيف ، ابن جريج فهذا لم يسمع من عائشة، وأن ذكر السماع خطأ من خصيف ، ولكن الشيخ الألباني رحمه الله ذكر الحديث في صفة صلاة النبي من طرق عند الحاكم وغيره، وأنه ربما كان قرأ بقُلْ هُوَ اللَّهُ أَبحَدٌ [الإخلاص:1] وربما أضاف إليها المعوذتين، وذكر الحديث بسند غير هذا الذي عند أبي داود .

    تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يوتر بسبح اسم ربك الأعلى...) من طريق أخرى


    قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي شعيب ]. هو أحمد بن عبد الله الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا خصيف ]. هو صدوق سيئ الحفظ خلط بآخره، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عبد العزيز بن جريج ]. عبد العزيز بن جريج ، هو والد ابن جريج المشهور عبد الملك بن جريج وهو لين، وقال العجلي : لم يسمع من عائشة ، وأخطأ خصيف لما صرح بسماعه، أخرج له أصحاب السنن. يعني: في هذا الحديث الذي قال: (سألت عائشة ) معناه: أنه سمعه لأنه سألها، ولكن هذا خطأ، والحديث كما قلت ذكر الألباني أنه خرجه جماعة، ومنهم الحاكم ، ولم يذكر رواية أبي داود هذه، لكنها موافقة لتلك الروايات التي أشار إليها، فهي وإن كان فيها ضعف إلا أنها بإضافتها إلى غيرها تدل على صحة ذلك، وأنه يؤتى بقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وحدها، ويؤتى بها ومعها المعوذتان. [ عن عائشة ]. أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق ، وهي من حفظة السنة وأوعيتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    الأسئلة



    حكم من ينفصل عن الإمام في التراويح في صلاة الوتر

    السؤال: يحدث في رمضان في نهاية صلاة التراويح عندما يبدأ الإمام بالوتر أن ينفصل أقوام ولا يصلون معنا، ويقولون: في مذهبنا لا بد أن نصلي ثلاثاً متصلة، وإمامكم يصلي ركعتين ثم واحدة، فهل هذا وارد في المذاهب؟ وهل يحق لهم أن ينفصلوا عن الإمام؟


    الجواب: لا يحق لهم أن ينفصلوا عن الإمام، فالإنسان يصلي مع الإمام حتى ينتهي، والأئمة رحمة الله عليهم لا يتصور في حقهم أن بعضهم لا يصلي وراء بعض، وأن بعضهم يترك الصلاة وراء بعض، ولكن هذا شأن المتعصبين، وإلا فإن منهج الأئمة أن بعضهم يصلي وراء بعض، ولا يترك الصلاة وراءه لأنه يخالفه في الطريقة. ثم أيضاً هذه الصلاة التي يصلونها كالمغرب جاء في الحديث ما يدل على النهي عن هذا، أي: التشبيه بصلاة المغرب؛ فقد جاء ما يدل على النهي عنها، فالانفصال عن الإمام غير سائغ، وهو من التفرد المذموم الذي لا يصلح، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)، فكونه يستمر معه حتى ينصرف، ويصلي معه تلك الصلاة لا شك أن هذا هو اللائق بالمسلم الناصح لنفسه.

    حكم أخذ السجاد أو الثوب إذا ترك في الحرم

    السؤال: ما حكم أخذ السجادة أو الثوب الذي تركه صاحبه في المسجد الحرام المكي إما نسياناً أو قصداً -والله أعلم- لأنه إن لم تؤخذ هذه السجادة سترمى في المزبلة؟


    الجواب: لا أدري عن قضية أن كونها ترمى، لكن لو أنها إذا كانت لها أهمية ولها قيمة يمكن أن الإنسان يعطيها الجهة التي يمكن أن تعطيها لمن يستحقها، وأما كون الإنسان يجد شيئاً ويأخذه فيمكن أن الإنسان يتسرع ويأخذ وما لم يتركه صاحبه، لكن إذا كان مضى عليه وقت ورآه فهذا يمكن أن يعطيه لمن يكون مسئولاً عن تلك الودائع والأشياء التي يمكن أن تعطى لصاحبها، ولا ينبغي له أن يأخذه.

    حكم لبس البنطلونات الواسعة

    السؤال: في بلادنا يلبسون البنطلونات، وبعض الإخوة الملتزمين يلبسون مثلها، ولكنهم يوسعونها قليلاً، حيث تخرج عن كونها ضيقة وواصفة للعورة، ولكن لا تبلغ الوسع الذي يكون كما في سراويل الأتراك، فما حكم استعمال مثل هذه البنطلونات؟


    الجواب: والله إذا كان ولابد من لبسها، فاستعمال البنطلونات الواسعة أولى، وهو الذي ينبغي؛ لأن استعمال البنطلونات الضيقة التي تحجم العورة محرم، ولذا فلبس هذه البنطلونات فيه سعة، إذا لم يكن هناك سبيل أو لا يستطيع أن يلبس لباساً إسلامياً مناسباً. وهل لبس الثوب في مثل هذه الدولة يعتبر من لباس الشهرة؟ الجواب: لا أبداً، ما دام أنه لباساً إسلامياً، فكونه يظهر بهذا المظهر ويبين للناس أن هذا هو مظهر الإسلام، فهذا شيء طيب.

    المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أهل القرآن أوتروا...)

    السؤال: ما المقصود بقوله: (يا أهل القرآن) هم الذين يحفظونه فقط؟

    الجواب: يبدو أنهم هم الذين يحفظونه ويقرءونه في صلاتهم؛ لأنهم هم الذين يقرءون القرآن في صلاتهم من الليل.

    حكم القراءة من المصحف في صلاة الليل

    السؤال: إذا كان الشخص لا يحفظ من القرآن إلا القليل فهل له أن يحمل المصحف ليقرأ منه، مع وجود التدبر والتفكر في الآيات في قيام الليل؟

    الجواب: من يحفظ شيئاً كثيراً من القرآن لا ينبغي أن يستعمل المصحف؛ لأن المصحف فيه شغل ومشغلة، يعني: حمل وتفتيش وتنزيل، ولا يتمكن الإنسان من وضع يديه على صدره التي هي سنة في الصلاة، لكن الإنسان إذا كان مضطراً إلى ذلك بأن يكون إماماً ويصلي بالناس تراويح، ولا يحفظ القرآن فله أن يقرأ من المصحف؛ لما جاء في صحيح البخاري أن مولى لعائشة كان يؤمها ويقرأ من المصحف في رمضان، فعند الحاجة لا بأس بذلك، أما كون الإنسان يستعمله في الليل وهو يقرأ، وهو متمكن من قراءة شيء كثير من القرآن، فلا ينبغي له أن يشغل نفسه يحمل المصحف وتنزيله وتفتيشه وفتحه وإغلاقه.

    حكم من ترك الوتر

    السؤال: هل يأثم من ترك الوتر؟

    الجواب: التساهل في النوافل قد يؤدي إلى التساهل في الفرائض، والنوافل هي كالسياج والوقاية للفرائض، وأيضاً إذا حصل نقص في الفرائض فإن النوافل تكملها كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سئل عن الذي لا يصلي الوتر فقال: إنه رجل سوء. فلا يليق بالمسلم أن يتهاون في الرواتب، ولا سيما آكدها وأهمها الذي هو الوتر وركعتا الفجر؛ لأن التساهل في النوافل يؤدي إلى التساهل في الفرائض.

    حكم من قام آخر الليل وقد أوتر أوله


    السؤال: إذا صلى المصلي الوتر في أول الليل، هل له أن يصلي بعده قيام الليل؟

    الجواب: الإنسان الذي يعرف أنه سيقوم آخر الليل لا يوتر إلا آخر الليل، والذي يعرف أنه لا يقوم آخر الليل يوتر من أول الليل، لكن إن قام فإنه يصلي ما شاء ولا يوتر مرة ثانية.

    حكم صلاة الليل

    السؤال: جاء في صحيح البخاري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أحد الناس يعذب، فقيل له: ذاك الذي ينام بالليل عن القرآن ولا يعمل به في النهار، وقد آتاه الله القرآن) فإذا ضم هذا الحديث وحديث الباب ألا يدل على وجوب صلاة الليل لحامل القرآن؟


    الجواب: صلاة الليل ليست واجبة، كانت واجبة في أول الأمر ذلك، كما جاء في أول سورة المزمل ثم آخرها نسخ أولها، فهو ليس بواجب، ولكن كون الإنسان يصلي الوتر ويأتي به فهذا من الأمور المستحبة.

    حكم من زاد وضوءه على ثلاث غسلات


    السؤال: قال لي شخص: إن الإنسان إذا زاد على ثلاث غسلات في الوضوء فإن وضوءه باطل، فهل هذا صحيح؟


    الجواب: ليس بصحيح، وليس بباطل، ولكنه يأثم لأنه حصل منه المخالفة، وعرض نفسه للوعيد الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشيء، ولكن الوضوء يصح، ولا يقال: إنه باطل.

    حكم الصلاة في ساحة تحيط بها القبور وبينهما سور

    السؤال: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يصلى بين القبور، فهل تجوز الصلاة في ساحة بعيدة عن القبور، لكن سور المقبرة محاط بها؟


    الجواب: إذا كان يحيط بها سور المقبرة فسواء فيها قبور أو لا فكله لا يصلى فيه؛ لأنها مقبرة، وكل ما كان داخل سور المقبرة يقال له: مقبرة، حتى ولو كان خالياً مهيأ لحفر القبور التي تحتاج إليها، يعني: المقبرة كما هو معلوم فيها فضاء يحفر فيه قبور، فليس للإنسان أن يصلي في هذا الفضاء؛ لأنه يقال: صلى في المقبرة."


  6. #206
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [173]
    الحلقة (204)





    شرح سنن أبي داود [173]

    صلاة الوتر من السنن المؤكدة، وقد اختلف العلماء في مشروعية القنوت فيها لاختلافهم في صحة الآثارة الواردة في ذلك، كما أوضحها الشيخ في هذه المادة.

    ما جاء في القنوت في الوتر


    شرح حديث (... اللهم اهدني فيمن هديت...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القنوت في الوتر. حدثنا قتيبة بن سعيد و أحمد بن جواس الحنفي قالا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء قال: قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر، قال ابن جواس : في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب القنوت في الوتر. والمراد به الدعاء في الوتر، فهذا هو المراد بالقنوت، والقنوت يكون في الوتر، يعني: في صلاة الليل في آخرها الذي هو آخر ركعة من الركعات التي تختم بها صلاة الليل، ويكون في الصلوات ولكن في النوازل، وسيأتي عند أبي داود رحمه الله تعالى ما يتعلق بالقنوت في الصلوات، والكلام هنا إنما هو في القنوت الذي هو الدعاء في الوتر. والقنوت يطلق على عدة معانٍ ومنها: الدعاء، كما أنه يطلق على القيام، وعلى السكوت، وعلى معانٍ كثيرة. وأورد أبو داود رحمه الله حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما الذي يقول فيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم علمه كلمات يقولهن في الوتر، وفي بعض الروايات: (قنوت الوتر)، وهي رواية أحد شيخي أبي داود وهو ابن جواس فقال: في قنوت الوتر. أي: في دعاء الوتر، وهذه الكلمات هي: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت..) إلى آخر الدعاء، الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سبطه الحسن بن علي ليدعو به في وتره. فهذا يدلنا على مشروعية الدعاء في الوتر، وأن هذا الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى ما يقال، وخير ما يقال؛ لأنه تعليم الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم. وهو دعاء عظيم مشتمل على دعاء لله عز وجل، وسؤال منه أموراً عظيمة، ومطالب كبيرة، ومشتمل على ثناء على الله عز وجل في آخره. قوله: [ (اللهم اهدني فيمن هديت) ] (اللهم) معناه: يا ألله، فحذفت ياء النداء وعوض عنها الميم المشددة في الآخر بعد لفظ الجلالة، ولهذا يقولون: لا يجمع بين العوض والمعوض، فلا يقال: يا اللهم؛ لأن الميم المشددة عوضاً عن ياء، فلا يجمع بينها إلا في ضرورة الشعر، كما يقول ابن مالك رحمه الله تعالى في الألفية: والأكثر اللهم بالتعويض وشذ يا اللهم في قريض يعني: في الشعر، والأكثر (اللهم) بالتعويض دون الياء؛ لأنه حصل التعويض عن ياء النداء بالميم المشددة بعد الله. (اللهم اهدني فيمن هديت) سؤال الهداية هو أعظم المطالب، ولهذا جاء في سورة الفاتحة اشتمالها على طلب الهداية إلى الصراط المستقيم في كل ركعة من ركعات الصلاة، يسأل الإنسان ربه الهداية إلى الصراط المستقيم، وهو أعظم وخير مطلوب. وطلب الهداية من الله عز وجل يشتمل على أمرين: على التثبيت على ما هو حاصل من الهداية، وعلى طلب المزيد من الهداية، قال تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17]. (اللهم اهدني فيمن هديت) أي: اهدني واجعلني من المهديين في جملة من هديتهم، كما ذكر الله عن نبيه سليمان عليه الصلاة والسلام حيث قال: وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل:19] يعني: في جملة عبادك الصالحين. قوله: [ (وعافني فيمن عافيت) ]. طلب المعافاة، وهي الوقاية من كل سوء ومن كل شر، في جملة من عافيته، وحصل له منك المعافاة. قوله: [ (وتولني فيمن توليت) ]. يعني: فيمن كنت وليه وموفقه ومسدده. قوله: [ (وبارك لي فيما أعطيت) ]. يعني: أنزل البركة واجعلها فيما أعطيتني إياه من كل خير، ومن كل شيء سار، ومن كل ما هو نافع، سواء كان صحة وعافية، أو مالاً، أو علماً، أو ولداً، أو هدىً، كل ما أعطاه الله إياه يسأله أن يبارك له فيه، وأن يجعل فيه البركة. قوله: [(وقني برحمتك شر ما قضيت)]. يعني: يسأله أن يقيه من الشرور والأخطار، ومن الأضرار التي تنزل، وكل ذلك نراه بقضاء الله وقدره، السبب والمسبب كله بقضاء الله وقدره، ولهذا جاء في الحديث: (ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر)، ومعنى قوله: (لا يرد القدر إلا الدعاء) ليس معنى ذلك أن الذي كتب في اللوح المحفوظ يغير ويبدل؛ لأن كل ما كتب في اللوح المحفوظ فإنه لابد من وقوعه، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22]، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] فكل شيء مقدر لابد من وقوعه، ولكن الله عز وجل قدر الأسباب والمسببات، فجعل أن الإنسان يحصل له شر، ولكنه قدر سبباً يمنعه من ذلك الشر، فقدر السبب وقدر المسبب، فليس معنى ذلك أن الإنسان كتب عليه مصائب ثم ترفع، ولكن الله قدر أن تكون مصائب ولكنها ترفع بالدعاء، فالسبب مقدر، والمسبب مقدر. وكذلك صلة الرحم تزيد في العمر، وليس معنى ذلك: أن الإنسان له عمر محدد، وأنه يغير الأجل الذي كتبه الله فيكون الإنسان غيّر الأجل بسبب أنه وصل رحمه، بل الله عز وجل قدر أنه يطول عمره، وقدر أن يكون ذلك بسبب فعل يحصل وهو البر وصلة الرحم، يعني: قدر السبب والمسبب، فالسبب مقدر، والمسبب مقدر، المقصود من الحديث (ولا يرد القدر إلا الدعاء) يعني: أن الله تعالى قدر السبب والمسبب، وجعل المسبب يسلم منه ويتخلص منه بحصول السبب الذي قدره الله وقضاه، والذي شاءه الله وأراده، أي: أن كلاً من السبب والمسبب قد شاءه الله وأراده، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. قوله: [ (فإنك تقضي ولا يقضى عليك) ]. الله تعالى يقضي كوناً وقدراً، ويقضي شرعاً وديناً، ولا راد لقضائه وقدره، ولا راد لحكمه وتشريعه سبحانه وتعالى. قوله: [ (وإنه لا يذل من واليت) ]. يعني: من والاه الله عز وجل فإن له العزة، وليست له الذلة. قوله: [ (ولا يعز من عاديت) ]. يعني: من كان عدواً لله فإنه لا يعز، وليس له العزة الحقيقية، وإن وجد شيء من حصول حظوظ دنيوية أو حصول شيء من الغلبة، إلا أن هذا ليس أمراً حقيقياً، بل العز الحقيقي هو عز الطاعة، والعز من الله عز وجل بالطاعة، وما يترتب على الطاعة. قوله: [ (تباركت ربنا وتعاليت) ]. هذه لا تقال إلا لله سبحانه وتعالى، فهو الذي تبارك، وهو الذي تعالى، وكل بركة فهي منه سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى هو المِبارك وعبده المُبَارك، والبركة من الله عز وجل، وهو الذي تبارك، وهو الذي تعالى فلا يقال لغيره: تبارك، ولا يقال لغيره: تعالى. (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني برحمتك شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، فإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت) تسع جمل جاءت في هذا الحديث الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم سبطه الحسن بن علي ، وأوله دعاء، وآخره ثناء؛ لأن (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني برحمتك شر ما قضيت) هذه الخمس كلها دعاء، (فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت) هذا ثناء، خمس جمل دعاء، وأربع جمل في الآخر هي ثناء على الله سبحانه وتعالى.

    تراجم رجال إسناد حديث (.. اللهم اهدني فيمن هديت..)


    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. وهو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وأحمد بن جواس الحنفي ]. أحمد بن جواس الحنفي ، ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ قالا: حدثنا أبو الأحوص ]. وهو: سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. وهو: عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بريد بن أبي مريم ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبي الحوراء ]. وهو: ربيعة بن شيبان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن الحسن بن علي ]. الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربع.
    مسألة الزيادة على القنوت الوارد

    ولا بأس بأن يزاد على هذا الدعاء، فقد جاء في بعض الأحاديث زيادة كما سيأتي ذكر ذلك مثل حديث: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) فهذا أيضاً جاء في القنوت. وكون الإنسان يدعو بأدعية من أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي جوامع هو الأولى، وهو الذي ينبغي. وأما رفع اليدين في قنوت الوتر فقد جاء عن بعض الصحابة مثل أبي هريرة ، وأما في قنوت النوازل فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه، فترفع الأيدي في قنوت النوازل وفي الوتر؛ لأنه جاء عن بعض الصحابة مثل أبي هريرة رضي الله عنه.

    شرح حديث (.. اللهم اهدني فيمن هديت...) من طريق أخرى وتراجم رجاله


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد بن النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق بإسناده ومعناه قال في آخره: قال: هذا يقول في الوتر في القنوت، ولم يذكر أقولهن في الوتر. ]. أورد الحديث من طريق أخرى، وليس فيه: (أقولهن) ولكن فيه (هذا يقول) يعني: في القنوت في الوتر، وهو مثل الذي قبله بمعناه وبلفظه، إلا في هذا اللفظ. قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو إسحاق بإسناده ومعناه ]. مر ذكر أبي إسحاق ومن فوقه. [ قال أبو داود : أبو الحوراء ربيعة بن شيبان ]. وهذا فيه من أبي داود تسمية لصاحب هذه الكنية التي جاءت في الإسناد، وهو الذي يروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب في الإسنادين.
    شرح حديث (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن هشام بن عمرو الفزاري عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتر: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) فهو دليل على أنه يؤتى بهذا الدعاء في الوتر، ويكون في آخره. وجاء في حديث أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في ختام الوتر، ولكن الحديث ضعيف، ولكن جاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أنه يؤتى بآخر الوتر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء بها ابتداء بناء على ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فإن ذلك حسن، وإلا فإن الحديث في ذلك غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث الذي ذكره المصنف سبق أن جاء في دعاء السجود، وذكرت أن ابن القيم رحمه الله عقد له باباً من أبواب كتاب: (شفاء العليل فيما جاء في القضاء والقدر والحكمة والتعليل) وهو من خير الكتب التي ألفت في القضاء والقدر، واشتمل على ثلاثين باباً، ومن جملة الأبواب الثلاثين باب في ذكر هذا الحديث، وشرحه شرحاً نفيساً جميلاً في ذلك الباب. قوله: [ (في آخر وتره) ] يعني: في آخر القنوت.



    تراجم رجال إسناد حديث (.. اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك...)

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة ؛ لأنه إذا جاء موسى بن إسماعيل يروي عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن سلمة ، وقد يأتي ذكر حماد غير منسوب ويراد به حماد بن زيد ، ويعرف ذلك بالتلاميذ، فإذا روى موسى بن إسماعيل عن حماد غير منسوب، فالمراد به حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن هشام بن عمرو الفزاري ]. هشام بن عمرو الفزاري ، مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ]. عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، يقول الحافظ : له رؤية، وكان من كبار ثقاة التابعين، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن. [ عن علي بن أبي طالب ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، والحديث فيه هذا الرجل المقبول الذي قيل: إنه لم يرو عنه إلا حماد بن سلمة ، والحديث صححه الألباني في صحيح السنن.

    شرح حديث (أن رسول الله قنت في الوتر قبل الركوع)


    [ قال أبو داود : هشام أقدم شيخ لحماد ، وبلغني عن يحيى بن معين أنه قال: لم يرو عنه غير حماد بن سلمة ]. يعني: عن هشام بن عمرو الفزاري . [ قال أبو داود : روى عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه عن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت -يعني: في الوتر- قبل الركوع) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث الذي رواه معلقاً ولم يروه مسنداً، وفيه أن أبي بن كعب ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع، ففيه إثبات شيئين: كون النبي صلى الله عليه وسلم قنت، وأنه كان قنوته قبل الركوع، وقنوت النبي صلى الله عليه وسلم من فعله. وذكر الشيخ الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يأت عن أحد من الصحابة شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم يتعلق بكونه قنت في الوتر إلا عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه. وهنا أيضاً قال: إنه قنت قبل الركوع، وقد جاء في بعض الأحاديث عند البيهقي أنه قنت بعد الركوع، وذكر ذلك صاحب عون المعبود، وقال: إنه -يعني: القنوت بعد الركوع- يتأيد بفعل أبي بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما فإنهما كانا يقنتان بعد الركوع. وعلى كل فالقنوت بعد الركوع وقبل الركوع كله سائغ وكله جائز، وكله ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضاً جاء عن أبي بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما القنوت بعد الركوع. والحديث أورده أبو داود معلقاً وذكر كلاماً كثيراً حوله، وهذا الكلام يشعر بأنه غير صحيح عند أبي داود أو إن فيه ما فيه، ولكن الحديث صححه الألباني وقال: إنه صحيح، وذكر أنه لم يأت الوتر إلا عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما، وفي هذه الرواية أنه صلى الله عليه وسلم قنت وأن ذلك قبل الركوع.
    تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله قنت في الوتر قبل الركوع)

    [ قال أبو داود : روى عيسى بن يونس ]. عيسى بن يونس لم يدركه أبو داود ، فهو من طبقة شيوخ شيوخه، وقد مر قريباً حديث يروي فيه أبو داود عنه بواسطة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي عروبة ]. سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و سعيد بن أبي عروبة مشهور بالرواية عن قتادة . [ عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه ]. سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبوه عبد الرحمن بن أبزى صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ]. أبي بن كعب رضي الله عنه صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    طرق متابعات لحديث (أن رسول الله قنت في الوتر قبل الركوع) وتراجم رجال أسانيدها


    [ قال أبو داود : روى عيسى بن يونس هذا الحديث أيضاً عن فطر بن خليفة عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ]. أورد أبو داود طريقاً أخرى للحديث وفيها فطر بن خليفة ، و فطر بن خليفة صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن زبيد ]. هو زبيد بن الحارث اليامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب ]. هؤلاء قد مر ذكرهم. قال رحمه الله: [ وروي عن حفص بن غياث عن مسعر عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه عن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع) ]. أورد أبو داود أيضاً طريقاً أخرى معلقة للحديث، وأتى بها بقوله: (روي). قوله: [عن حفص بن غياث ]. حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر ]. هو مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بن كعب ]. هؤلاء قد مر ذكرهم. [ قال أبو داود : وحديث سعيد عن قتادة رواه يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر القنوت ولا ذكر أبياً ]. ذكر أبو داود طريقاً أخرى تنتهي إلى عبد الرحمن بن أبزى وليس فيها ذكر القنوت ولا ذكر أبي بن كعب الصحابي الذي جاء في الطريقين السابقتين. قوله: [ وحديث سعيد عن قتادة رواه يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد عن قتادة عن عزرة ]. هو عزرة بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. سعيد وأبوه قد مر ذكرهما. قال رحمه الله: [ وكذلك رواه عبد الأعلى و محمد بن بشر العبدي وسماعه بالكوفة مع عيسى بن يونس ، ولم يذكروا القنوت ]. يعني: أن هذه الرواية مثل الرواية السابقة الأخيرة ليس فيها ذكر القنوت. قوله: [ وكذلك رواه عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و محمد بن بشر العبدي ]. محمد بن بشر العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وسماعه بالكوفة مع عيسى بن يونس ]. يعني: أنه سمع عيسى بن يونس الذي جاء من طريقه ذكر أبي بن كعب وفيه أنه قنت قبل الركوع، وهذا ليس فيه ذكر القنوت. قال رحمه الله: [ وقد رواه أيضاً هشام الدستوائي و شعبة عن قتادة ولم يذكرا القنوت ]. يعني: أنه رواه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة ولكنهما لم يذكرا القنوت. [ قال أبو داود : وحديث زبيد رواه سليمان الأعمش و شعبة و عبد الملك بن أبي سليمان و جرير بن حازم كلهم عن زبيد لم يذكر أحد منهم القنوت إلا ما روي عن حفص بن غياث عن مسعر عن زبيد فإنه قال في حديثه: (إنه قنت قبل الركوع) ]. قوله: [ وحديث زبيد رواه سليمان الأعمش ]. سليمان الأعمش هو سليمان بن مهران الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و شعبة ]. شعبة مر ذكره. [ و عبد الملك بن أبي سليمان ]. هو عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ كلهم عن زبيد لم يذكر أحد منهم القنوت ]. كلام أبي داود هذا يبدو منه أنه يرى عدم ثبوت القنوت؛ لأنه هو الذي ذكر هذا معلقاً ولم يذكره مسنداً في الأصل، ثم جاء بتلك الروايات التي تخالف هذه الرواية. قوله: [ لم يذكر أحد منهم القنوت إلا ما روي عن حفص بن غياث عن مسعر عن زبيد فإنه قال في حديثه: إنه قنت قبل الركوع ]. يعني: أنه أثبت القنوت. [ قال أبو داود : وليس هو بالمشهور من حديث حفص ؛ نخاف أن يكون عن حفص عن غير مسعر . قال أبو داود : ويروى أن أبياً رضي الله عنه كان يقنت في النصف من شهر رمضان ]. يعني: أنه لم يكن يفعل ذلك دائماً، وهذا كأن فيه شيئاً من جهة الرواية؛ لأنه كان لا يفعله دائماً.
    شرح أثر (أن أبي بن كعب كان يقنت في النصف الآخر من رمضان) وتراجم رجاله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا محمد بن بكر أخبرنا هشام عن محمد عن بعض أصحابه: (أن أبي بن كعب رضي الله عنه أمهم -يعني: في شهر رمضان- وكان يقنت في النصف الآخر من رمضان) ]. وهذا فيه الذي أشار إليه من أن أبياً كان يقنت في النصف الأخير من رمضان، ولكن الإسناد فيه مبهم. قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن بكر ]. محمد بن بكر هو البرساني ، وهو صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام ]. هشام هو ابن حسان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد ]. هو محمد بن سيرين ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بعض أصحابه أن أبي بن كعب أمهم ]. أبي بن كعب تقدم ذكره.

    شرح أثر (أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا شجاع بن مخلد حدثنا هشيم قال: أخبرنا يونس بن عبيد عن الحسن : (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس على أبي بن كعب رضي الله عنه فكان يصلي لهم عشرين ليلة، ولا يقنت بهم إلا في النصف الباقي، فإذا كانت العشر الأواخر تخلف فصلى في بيته، فكانوا يقولون: أبق أبي ). قال أبو داود : وهذا يدل على أن الذي ذُكر في القنوت ليس بشيء، وهذان الحديثان يدلان على ضعف حديث أبي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر) ]. كل الكلام الذي تقدم توهين للحديث الذي تقدم عند أبي داود ، وقد صرح به في الآخر. وهذا الأثر فيه أن أبياً كان يقنت في النصف الأخير، وأنه ذهب وتركهم في العشر الأواخر، لكن هذا الأثر غير ثابت؛ لأنه منقطع؛ لأن الحسن قال: (إن عمر بن الخطاب ...) و الحسن ولد قبل وفاة عمر بسنتين أو بثلاث، فهو منقطع.

    تراجم رجال إسناد أثر (أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب...)


    قوله: [ حدثنا شجاع بن مخلد ]. شجاع بن مخلد صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا يونس بن عبيد ]. يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    حكم المداومة على القنوت في الوتر

    قال الشيخ الألباني رحمه الله: إنه يقنت أحياناً، قال: وإنما قلت: إنه يقنت أحياناً؛ لأنه لم يأت القنوت إلا عن أبي بن كعب ، ولم يأت عن أحد من الصحابة، ولو أنه كان يداوم على ذلك لجاء ذكره عن الصحابة أو عن بعض الصحابة، فكونه جاء عن أبي وحده يدل على أنه لم تكن هناك مداومة عليه، وأنه كان يترك في بعض الأحيان.
    الدعاء بعد الوتر


    شرح حديث الدعاء بعد الوتر

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الدعاء بعد الوتر. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن أبي عبيدة حدثنا أبي عن الأعمش عن طلحة اليامي عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في الوتر قال: سبحان الملك القدوس) ]. الدعاء بعد الوتر يكون بعد الفراغ من آخر الوتر بعدما يسلم، وكلمة الدعاء هنا فيها تجوز؛ لأنه ليس فيه دعاء وإنما فيه ثناء وذكر لله عز وجل. قوله: (سبحان الملك القدوس)] هذا ليس دعاء وإنما هو ثناء على الله عز وجل. فقوله: [في الدعاء] لو قال: الذكر بعد الوتر لكان أوضح؛ لأنه ليس فيه دعاء إلا أن يقال عن الذكر: دعاء عبادة؛ لأن الإنسان عندما يثني على الله عز وجل فهو عبادة لله سبحانه وتعالى. وسبق أن مر عند أبي داود أنه بوب للدعاء في السجود وللذكر في السجود، وبهذا يكون هناك ذكر وهناك دعاء، فالدعاء سؤال وطلب، والذكر هو ثناء على الله سبحانه وتعالى. فهو يقول: بعد فراغه من الوتر وبعدما يسلم من ركعة الوتر: (سبحان الملك القدوس)]. وهذا الذكر ورد تكراره وأنه كان يرفع في الأخيرة يمد بها. قوله: [(القدوس)]. القدوس من أسماء الله عز وجل، وهو الغاية في التنزيه عن كل ما لا يليق بالله سبحانه وتعالى؛ وهو من الأسماء التي فيها التنزيه لله سبحانه وتعالى. فمقدس يعني منزه.
    تراجم رجال إسناد حديث الدعاء بعد الوتر

    قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا محمد بن أبي عبيدة ]. هو محمد بن أبي عبيدة بن معن المسعودي وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [حدثنا أبي ]. أبوه أيضاً ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران مر ذكره. [ عن طلحة اليامي ]. هو طلحة بن مصرف اليامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ذر ]. هو ذر بن عبد الله وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي ]. وقد مر ذكرهم.
    شرح حديث: (من نام عن وتره أو نسيه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عوف حدثنا عثمان بن سعيد عن أبي غسان محمد بن مطرف المدني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره) ]. قوله: (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره)] هذا الحديث لا علاقة له بالترجمة في الدعاء بعد الوتر؛ لأن هذا ليس فيه دعاء ولا علاقة له بالدعاء، وقد قال صاحب عون المعبود: لعل له ترجمة خاصة وأنها قد سقطت بين الباب السابق وبين هذا الحديث. إذاً: قد يكون له ترجمة تخصه؛ لأنه لا علاقة له بالترجمة السابقة وهي الدعاء بعد الوتر. هذا الحديث يدل على قضاء الوتر إذا ذكره، ولفظه عام يدل على أنه مثل الصلوات الخمس كما جاء في الحديث: (من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها) لكن جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان إذا أصابه مرض أو لم يتمكن من صلاته بالليل صلى من الضحى ثنتي عشرة ركعة)، وذلك لأنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة بالليل فإذا لم يتمكن كان يصلي ثنتي عشرة ركعة، والحديث في صحيح مسلم وفي غيره. ومعنى ذلك أنه يأتي بها مشفوعة حتى لا يكون وتراً بالنهار، فيأتي بالمقدار الذي كان يصليه بالليل مع زيادة ركعة يشفع بها ركعة الوتر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من نام عن وتره أو نسيه ..)

    قوله: [حدثنا محمد بن عوف ]. محمد بن عوف ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا عثمان بن سعيد ]. هو عثمان بن سعيد بن كثير أبو عمرو -الذي يأتي ذكره في الأسانيد عن عمرو بن عثمان عن أبيه- وهو حمصي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي غسان محمد بن مطرف المدني ]. عن أبو غسان محمد بن مطرف المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري مشهور بكنيته أبو سعيد وبنسبته الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث عام، لكن كون النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في هذا الوقت، فهذا يدل على أنه هو الذي ينبغي أن يفعل به."



  7. #207
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [174]
    الحلقة (205)






    شرح سنن أبي داود [174]

    جاء في الأحاديث النبوية ما يتعلق بمشروعية الدعاء بعد السلام من الوتر، وكذلك بالوتر قبل النوم، هذا لمن خاف ألا يقوم من آخر الليل، وإلا فإن الوتر في آخر الليل هو الأفضل والأكمل، وفيها تحديد وقت الوتر، وأنه يكون في أول الليل ووسطه وآخره، أما مسألة نقض الوتر فقد اختلف العلماء في جواز نقض الوتر أو عدمه.
    ما جاء في الوتر قبل النوم


    شرح حديث أبي هريرة (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن في سفر ولا حضر...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوتر قبل النوم. حدثنا ابن المثنى حدثنا أبو داود حدثنا أبان بن يزيد عن قتادة عن أبي سعيد من أزد شنوءة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بثلاث لا أدعهن في سفر ولا حضر: ركعتي الضحى، وصوم ثلاثة أيام من الشهر، وألا أنام إلا على وتر) ]. كون الإنسان يأتي بوتره قبل أن ينام هذا فيه تفصيل: فإذا كان الإنسان لا يثق أن يقوم آخر الليل فلا ينام إلا وقد أوتر، وأما إذا كان يثق من قيام آخر الليل فيكون وتره في آخر الليل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً). وقوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر له ما قد صلى). والوتر يكون في أول الليل ووسطه وآخره، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه أوتر من أول الليل ووسطه وآخره وانتهى وتره إلى السحر)، وأنه مات صلى الله عليه وسلم وكان يوتر في آخر الليل. إذاً: من وثق بأنه يقوم آخر الليل فليجعل وتره في آخر الليل، ومن لم يكن كذلك فليوتر قبل أن ينام؛ لئلا يعرض وتره للفوات بأن يغلبه النوم فلا يستيقظ إلا بعد أن ينتهي وقت الوتر الذي هو طلوع الفجر. قوله: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن في سفر ولا حضر: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أنام على وتر)] يعني: أنه يوتر قبل أن ينام، والحديث ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة ، لكن ليس فيه ذكر الحضر والسفر، وإنما ثبت عن أبي هريرة في صحيح البخاري و مسلم أنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام) وهذا يدل على الاهتمام والعناية بهذه الأمور الثلاثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بها. وقول أبي هريرة: [خليلي] لا ينافي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)؛ لأن هذا من أبي هريرة وليس من الرسول صلى الله عليه وسلم، والمنفي هو كون النبي صلى الله عليه وسلم يتخذ خليلاً، والمثبت هنا كون أبي هريرة اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم خليله، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يتخذ أبا هريرة خليلاً حتى يقال إن فيه معارضة، وغاية ما في الأمر أن أبا هريرة قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم خليلي). قوله: (ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام)، رواية الصحيحين ليس فيها ذكر الحضر والسفر، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يترك الوتر لا في الحضر ولا في السفر، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه كان يصوم ويفطر في السفر، ولكن حيث وجدت المشقة فالفطر أفضل، وحيث لم توجد فإنه لا بأس بالصيام. وركعتا الضحى جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة في حديث أم هانئ : (أنه صلى ثمان ركعات وذلك ضحى) فيحتمل أن تكون هي صلاة الضحى ويحتمل أن تكون شكراً لله عز وجل على الفتح الذي حصل له، وهو فتح مكة.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن في سفر ولا حضر...)


    قوله: [حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو داود ]. هو سليمان بن داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [حدثنا أبان بن يزيد ]. هو أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن قتادة عن أبي سعيد من أزد شنوءة ]. أبو سعيد من أزد شنوءة وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. وهذا الرجل الذي جاء في الإسناد وهو مقبول لا يؤثر؛ لأن الحديث جاء في الصحيحين من رواية أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة فالحديث صحيح.
    شرح حديث أبي الدرداء (أوصاني خليلي بثلاث...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا أبو اليمان عن صفوان بن عمرو عن أبي إدريس السكوني عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن لشيء: أوصاني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وألا أنام إلا على وتر، وبسبحة الضحى في الحضر والسفر) ]. حديث أبي الدرداء مثل حديث أبي هريرة في ذكر الثلاث، وفيه أيضاً ما في حديث أبي هريرة أن سبحة الضحى في الحضر والسفر، لكن الحديث الذي ورد في صحيح مسلم ليس فيه ذكر الحضر والسفر، بل فيه قوله: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث) وذكر الثلاث. وهذا مثل حديث أبي هريرة ويدل على ما دل عليه حديث أبي هريرة، وهي التوصية بهذه الثلاث.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي الدرداء (أوصاني خليلي بثلاث...)


    قوله: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ]. عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا أبو اليمان ]. هو الحكم بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صفوان بن عمرو ]. صفوان بن عمرو وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي إدريس السكوني ]. أبو إدريس السكوني مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن جبير بن نفير ]. جبير بن نفير وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الدرداء ]. هو عويمر بن زيد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث سؤال أبي بكر وعمر متى يوتران

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف حدثنا أبو زكريا يحيى بن إسحاق السيلحيني حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه: (متى توتر؟ قال: أوتر من أول الليل، وقال لعمر رضي الله عنه: متى توتر؟ قال: آخر الليل، فقال لأبي بكر : أخذ هذا بالحزم، وقال لعمر : أخذ هذا بالقوة) ]. عرفنا في الحديثين السابقين أن للإنسان في الوتر حالتين: إن كان يثق من نفسه أن يقوم آخر الليل فإنه يوتر آخر الليل، وإن كان لا يثق من نفسه أن يقوم آخر الليل فعليه أن يوتر قبل أن ينام. إذاً الذي تقتضيه الأدلة وتدل عليه أن الإنسان يكون على هاتين الحالتين، وقد مرت جملة من الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تتعلق بالوتر قبل النوم، ومنها حديث أبي هريرة السابق: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث وذكر منها: وأن أوتر قبل أنام). قوله: عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : متى توتر؟ فقال: في أول الليل، وقال لعمر: متى توتر؟ فقال: في آخر الليل، فقال عليه الصلاة والسلام في حق أبي بكر: (أخذ هذا بالحزم) وقال في حق عمر: (أخذ هذا بالقوة) أي: أن كلاً منهما ممدوح ومحمود على فعله. وقوله: (أخذ هذا بالحزم) يعني: ضبط الأمور والحذر من فوات الشيء ومن عدم الإتيان بالمطلوب وهو الوتر؛ لأن الإنسان إذا أوتر قبل أن ينام فقد اطمأن إلى أنه أدى ما هو مطلوب منه. ومعلوم أن الوتر يكون في أول الليل ووسطه وآخره، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أوتر من أول الليل ووسطه وآخره، فكل ذلك سائغ، وكل ذلك جاءت به السنة. قوله: (أخذ هذا بالقوة) والقوة هي النشاط. إذاً: الذي أخذ بالحزم والذي أخذ بالقوة كل منهما محمود. والحديث يدلنا أيضاً على أن الوتر يكون أول الليل ويكون آخره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر هذا وأقر هذا، وكان صلى الله عليه وسلم يوتر من أول الليل ومن وسطه ومن آخره.

    تراجم رجال إسناد حديث سؤال أبي بكر وعمر متى يوتران


    قوله: [حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ]. محمد بن أحمد بن أبي خلف ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود . [ حدثنا أبو زكريا يحيى بن إسحاق ]. أبو زكريا يحيى بن إسحاق وهو صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا حماد بن سلمة ]. حماد بن سلمة وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن رباح ]. عبد الله بن رباح وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي قتادة ]. هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة



    حكم التغني بالدعاء في الوتر وترتيله

    السؤال: ما حكم التغني بالدعاء في الوتر وترتيله مثل القرآن وأحكام التجويد فيه؟

    الجواب: مسألة التجويد والتغني بالدعاء في الوتر كالقرآن، نقول: يؤتى به بدون تغن وبدون تجويد.

    حكم التتابع في صيام الست من شوال

    السؤال: هل يجوز أن تصام الست من شوال على فترات متقطعة، أم يجب أن تكون متتالية؟

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال) فاللفظ عام يشمل شوال كله، سواء كانت متصلة أو متفرقة، ولكن المبادرة أولى؛ لأن فيها مسارعة إلى الخير، ولأن فيها الأخذ بالحزم، والإنسان إذا بادر بصيامها لا يعرض تلك الأيام للذهاب، بخلاف ما لو أخرها فقد تأتي عوارض ومشاغل فتمنع الإنسان من صيامها لاسيما إذا كان في آخر الشهر، لكنه إذا بادر يكون قد أدى هذا الأمر المستحب. وهذا فيما إذا لم يكن عليه صوم من رمضان، أما إذا كان عليه صوم من رمضان فإنه يبادر إلى قضاء ما عليه ولا يأتي بالنوافل قبل أداء ما عليه من الفرض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال)، والذي عليه صيام من رمضان لا يقال: صام رمضان؛ لأن ذمته لا زالت مشغولة بشيء من رمضان. ثم أيضاً صيام الفرض دين على الإنسان، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (دين الله أحق أن يقضى) فكونه يبادر إلى قضاء الدين قبل أن يشتغل بالنوافل هذا أمر مطلوب، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: قال بعض الأكابر: من شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور. يعني: المغرور من يترك ما أوجب الله عليه ويأتي بشيء لم يوجبه الله عليه.

    حكم الصلاة خلف قبر النبي صلى الله عليه وسلم


    السؤال: نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور، ألا يدخل في ذلك الصفوف التي خلف قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟


    الجواب: تعمد الصلاة خلف قبره صلى الله عليه وسلم سواء في الصف أو بدون صف لا يجوز، وكون الإنسان لا يدري هل هو وراء القبر أو لا لا يؤثر، ولكن المحذور هو أن يتعمد الصلاة خلف القبر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها). فتعمد استقبال القبر مثل الذين يذهبون إلى المكان الذي يسمونه دكة الأخوات فيجلسون عليه ويتركون الصفوف الأول ويأتون مبكرين، فهؤلاء بلا شك متعمدون للوقوع فيما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كانوا يعلمون ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها).

    حكم القنوت قبل الركوع بدعاء الختم في الركعتين اللتين قبل ركعة الوتر

    السؤال: ما حكم القنوت قبل الركوع بدعاء الختم وذلك في الركعتين قبل الوتر، ثم يقوم للثالثة وهي الوتر فيقنت قنوت الوتر، فيكون هناك دعاء ختم ودعاء قنوت وتر؟


    الجواب: القنوت قبل الركوع وبعده كل ذلك سائغ، وسواء حصل فيه ختم إذا كان قبل الركوع أو حصل ختم القنوت قبل الركوع وبعده فكله سائغ، لكن أن يأتي بدعاء قبل الركوع ودعاء بعده، فلا نعلم لدعاء الختم شيئاً يدل عليه، ولكن بعض العلماء يجيزه ومنهم شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه؛ لأنه يرى أن دعاء ختم القرآن لا بأس به، ويذكر أن مما يدل عليه ما جاء في قصة أبي بكر رضي الله عنه حيث رفع يديه وهو قائم عندما قال له صلى الله عليه وسلم: (مكانك) لما أراد أن يتأخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء وهو يصلي بالناس، وكان لا يريد أن يكون إماماً للنبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يتأخر فقال له صلى الله عليه وسلم: (مكانك! فرفع يديه وقال: اللهم لك الحمد) قال: فهذا من جملة ما يدل على مثل هذا؛ لكن نحن لا نعلم فيه دليلاً خاصاً يدل على ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عن بعض العلماء فعله وجوازه. إذاً: إذا حضر الإنسان دعاء الختم فعليه أن يصلي وراء من يختم ولا يتخلف عن الصلاة عنه، ولو كان يرى أن ذلك غير سائغ أو غير ثابت؛ لأن الموافقة في مسائل الخلاف أمر مطلوب. بل هناك شيء أعظم من هذا وهو أن بعضهم يرى أن هذا ينقض الوضوء وهذا لا ينقض الوضوء ويصلي هذا وراء هذا؛ لأنه لا يسوغ التفرق ولا تسوغ المخالفة.

    حكم الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وسؤال الوسيلة له من المؤذن

    السؤال: هل للمؤذن إذا أكمل الأذان أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل الله له الوسيلة والفضيلة مثل المستمع؟


    الجواب: نعم له ذلك، لكن لا يكون بالمكبر، ولا بصوت الأذان، وإنما بينه وبين نفسه مثل الناس، فالأذان لا يزاد عليه شيء ولا يؤتى بشيء يرفع معه، وإنما يؤتى بألفاظ الأذان وحدها دون أن يضاف إليها شيء، لكنه يقول ذلك بينه وبين نفسه كغيره.

    حكم جهر المأموم بالتأمين

    السؤال: هل يجهر المأموم بالتأمين بعد الفاتحة، أم يكفي الإسرار به؟

    الجواب: للمأموم أن يجهر بالتأمين.

    حكم الهجر وضوابطه

    السؤال: بعض الإخوان في بلدنا هجر شخصاً لكونه يتعامل مع بعض المؤسسات التي عليها ملاحظات في المنهج، فهل هذا الهجر صحيح، وبعضهم يستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله).


    الجواب: الهجر لا ينبغي أن يكون إلا لأمر يقتضيه، ثم مع وجود الأمر الذي يقتضيه إنما يكون حيث يترتب عليه فائدة ويترتب عليه مصلحة، وهي انتفاع المهجور بهجر الهاجر، أما إذا كان لا يترتب عليه مصلحة فالأولى عدم هجره وكثرة توجيهه وإرشاده وتكرار نصحه ولعله يستفيد من ذلك.

    حكم صوم من دخل إلى جوفه شيء بدون اختياره

    السؤال: رجل أدخل المسواك في فمه فدخلت شعرة من شعرات السواك إلى جوفه بغير قصد فحاول إخراجها فلم يستطع، فهل يبطل صومه؟

    الجواب: لا يبطل صومه؛ لأن الشيء الذي دخل من غير اختياره لا يضره.

    الفرق بين لبس الإحرام ونية التلبس بالنسك

    السؤال: يقول: أردنا أن نذهب إلى العمرة ولبسنا لباس الإحرام في منازلنا في المدينة، ولكن لم نلب فكنا نظن أن السيارة ستقف في الميقات، ولكن تجاوزت ونحن لا نشعر، فهل يكفي لباسنا في المنزل أو علينا شيء آخر؟


    الجواب: لا يكفي لباس الإحرام؛ لأن الإحرام ليس هو النية، إنما النية تكون عند الميقات ولو وجدت النية قبل الميقات صح، والإحرام إنما يكون بالنية لا بمجرد لبس اللباس، وكون الإنسان يلبس اللباس ويتهيأ للإحرام هذا استعداد للإحرام وليس إحراماً، فلا يكفي ذلك، بل لابد من النية سواء عند الميقات أو قبل الميقات؛ لأنه لو وجدت النية قبل الميقات صح ذلك.

    حكم خروج المذي أثناء الصوم

    السؤال: هل خروج المذي يفسد الصوم؟


    الجواب: خروج المذي لا يفسد الصوم.

    ما جاء في وقت الوتر


    شرح حديث متى كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في وقت الوتر. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: (متى كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قالت: كل ذلك قد فعل، أوتر أول الليل ووسطه وآخره، ولكن انتهى وتره حين مات إلى السحر) ]. يعني: وقت الوتر يكون من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر هذا وقت الوتر. قوله: [ (متى كان يوتر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كل ذلك قد فعل، أوتر أول الليل ووسطه وآخره، ولكن انتهى وتره حين مات إلى السحر)] أي: أنه كان يوتر من أول الليل ومن وسطه ومن آخره، ولكنه في آخر حياته صلى الله عليه وسلم وقرب وفاته كان يوتر في السحر، أي: آخر الليل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وهذا يدلنا على أن الوتر يكون في الليل كله، بعد صلاة العشاء أول الليل، ومن وسطه، وآخره.

    تراجم رجال إسناد حديث متى كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم


    قوله: [حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو بكر بن عياش ]. أبو بكر بن عياش وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسلم ]. هو مسلم بن صبيح أبو الضحى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال: قلت لعائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (بادروا الصبح بالوتر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن أبي زائدة حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (بادروا الصبح بالوتر) ]. قوله: (بادروا الصبح بالوتر)] يعني: بادروا بالوتر قبل أن يأتي الصبح وأنتم لم توتروا؛ لأنه إذا طلع الصبح انتهى وقت الوتر. وهذا يدل على أن وقت الوتر يكون في آخر الليل، كما أنه يكون في أوله وفي وسطه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (بادروا الصبح بالوتر)

    قوله: [حدثنا هارون بن معروف ]. هارون بن معروف ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود . [ حدثنا ابن أبي زائدة ]. هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبيد الله بن عمر ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
    شرح حديث (سألت عائشة عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال: (سألت عائشة رضي الله عنها عن وتر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت: ربما أوتر أول الليل، وربما أوتر من آخره، قلت: كيف كانت قراءته، أكان يسر بالقراءة أم يجهر؟ قالت: كل ذلك كان يفعل، ربما أسر وربما جهر، وربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام). قال أبو داود : وقال غير قتيبة : تعني في الجنابة ]. قوله: [ (سألت عائشة عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ربما أوتر من أول الليل، وربما أوتر من آخره)] أي: أنه يوتر من أول الليل أحياناً، ويوتر من آخره أحياناً، وسبق حديثها الذي فيه أنه أوتر من أوله ووسطه وآخره، وأنه انتهى وتره إلى السحر في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على أن وقت الوتر يكون في أول الليل ويكون في آخره. قوله: [ (قلت: كيف كانت قراءته، أكان يسر بالقراءة أم يجهر؟ فقالت: ربما أسر وربما جهر)] أي: أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر أحياناً ويسر أحياناً، وهذا على حسب الفائدة والمصلحة، فإن الذي يصلي بالليل يمكن أن يكون جهره في بعض الأحيان أنشط، وذلك حيث لا يتأذى بجهره أحد، ويمكن أن يطيل الإنسان القراءة ويتعب فيحتاج إلى الإسرار، وأيضاً قد يكون حوله من يتأذى بجهره فيسر، فالحاصل أنه يراعى في ذلك المصلحة، فيجهر في صلاة الليل ولكنه إذا اقتضى الأمر الإسرار فإنه يسر، وإلا فإن صلاة الليل يجهر بها، ولهذا أسر النبي صلى الله عليه وسلم وجهر. قولها: [ (وربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام) ]. أي: أنه يغتسل من الجنابة أحياناً وينام، وأحياناً يتوضأ وينام دون أن يغتسل.
    تراجم رجال إسناد حديث (سألت عائشة عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم..)

    قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الليث بن سعد ]. هو الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن صالح ]. معاوية بن صالح وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن أبي قيس ]. عبد الله بن أبي قيس وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: سألت عائشة ]. عائشة قد مر ذكرها.

    ذكر الوضوء أو الاغتسال من الجنابة قبل النوم عن غير قتيبة


    [ قال أبو داود : وقال غير قتيبة : تعني في الجنابة ]. يعني: أنه ذكر الاغتسال والوضوء ولم يذكر الجنابة في رواية قتيبة، وفي رواية غير قتيبة ذكر أنه اغتسل ونام أو توضأ ونام حيث تكون عليه جنابة. لكن جاء ما يدل على أنه يرخص للجنب أن ينام من غير وضوء ولا اغتسال.
    شرح حديث (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ]. قوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)] يعني: أن الوتر يكون في آخر الليل كما يكون في أوله، وتختم به صلاة الليل، وهو مثل ما جاء في الحديث: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى).
    تراجم رجال إسناد حديث (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)

    قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر ]. عبيد الله و نافع و ابن عمر قد مر ذكرهم.



    ما جاء في نقض الوتر


    شرح حديث (لا وتران في ليلة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في نقض الوتر: حدثنا مسدد حدثنا ملازم بن عمرو حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق قال: زارنا طلق بن علي رضي الله عنه في يوم من رمضان وأمسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا الليلة وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه، حتى إذا بقي الوتر قدم رجلاً فقال: أوتر بأصحابك. فإني سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا وتران في ليلة) ]. قوله: [باب في نقض الوتر] المقصود بنقض الوتر كون الإنسان إذا أوتر في أول الليل ثم قام في آخر الليل فإنه يأتي بركعة مفردة يضمها إلى الركعة السابقة التي ختم بها صلاته الأولى، فيكون بفعله هذا كأنه نقض الوتر الأول؛ لأنه جاء بركعة متأخرة أضيفت إليه وضمت إليه فصار بذلك كأن الوتر لم يوجد. هذا هو المراد بنقض الوتر، وقد قال به بعض أهل العلم، ولكن جمهورهم على خلافه، و أبو داود رحمه الله لما أورد هذه الترجمة أورد الحديث الذي يدل على خلافه، في أنه لا يجوز نقض الوتر، لكن لو صلى الإنسان أول الليل وأوتر ثم بدا له أن يصلي بعد ذلك فإنه يصلي ولا يوتر. ومما يدل على ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض الأحيان بعدما يوتر يصلي ركعتين وهو جالس، وهذا فيه دلالة على أن الصلاة بعد الوتر جائزة. إذاً: أبو داود لم يأت بشيء يدل على هذه الترجمة بل أتى بشيء يدل على خلافها، وهو أنه لا ينقض الوتر؛ لأن هذا النقض إنما هو تكرار للوتر، فالقول بأن هذا نقض للوتر ليس بواضح. قوله: [ أن طلق بن علي اليمامي رضي الله عنه جاء إلى جماعة وفيهم ابنه علي بن طلق وأفطر عندهم وصلى بهم وأوتر، ثم انحدر إلى قومه وصلى بهم، ولما بقي الوتر قدم واحداً من أصحابه وقال: أوتر بأصحابك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا وتران في ليلة] يعني: أنه لا يريد أن يوتر لأنه قد أوتر، وهذا يدلنا على أن الإنسان إذا أوتر في أول الليل أو في أثناء الليل ثم قام في آخر الليل فله أن يصلي ما شاء من النوافل شفعاً، ولكنه لا يوتر مرة أخرى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا وتران في ليلة) يعني: أن الليلة الواحدة ليس فيها وتران بل فيها وتر واحد.
    تراجم رجال إسناد حديث (لا وتران في ليلة)

    قوله: [حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [حدثنا ملازم بن عمرو ]. هو ملازم بن عمرو اليمامي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ حدثنا عبد الله بن بدر ]. هو عبد الله بن بدر اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ عن قيس بن طلق ]. هو قيس بن طلق بن علي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ عن طلق بن علي ]. هو طلق بن علي اليمامي وهو صحابي، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. وهذا الإسناد فيه أربعة كلهم يماميون وكلهم أخرج لهم أصحاب الكتب الأربعة، وهم: ملازم و عبد الله بن بدر و قيس بن طلق و طلق بن علي . والله تعالى أعلم.
    القنوت في الصلوات


    شرح حديث أبي هريرة في القنوت في الظهر والعشاء والصبح


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القنوت في الصلوات: حدثنا داود بن أمية حدثنا معاذ -يعني ابن هشام - حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: والله لأقربن لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الصبح، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين ]. هذه الترجمة: [باب القنوت في الصلوات] أي: القنوت في النوازل وليس القنوت في الوتر؛ لأنه انتهى ما يتعلق بالوتر والقنوت فيه، فبدأ بما يتعلق بالقنوت في الصلوات المفروضة، والقنوت في الصلوات المفروضة إنما يكون في النوازل وذلك في الصلوات الخمس كلها، وليس القنوت خاصاً بصلاة دون صلاة، بل هو ثابت في جميع الصلوات. قوله: [لأقربن لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء وصلاة الصبح، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين] هذا يدل على أن القنوت في الصلوات سائغ، ولكنه إنما يكون في النوازل لا يكون دائماً وأبداً، ولا يكون في صلاة دون صلاة، وإنما يكون في جميع الصلوات، ومنها الجمعة لأنها بدل الظهر. والنوازل هي المصائب أو البلاء الذي ينزل بالمسلمين والخطر الذي يحدق بالمسلمين. وإذا قنت في صلاة سرية فإنه يجهر به.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في القنوت في الظهر والعشاء والصبح

    قوله: [ حدثنا داود بن أمية ]. داود بن أمية ثقة أخرج له أبو داود وحده. [ حدثنا معاذ يعني ابن هشام ]. هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. أبوه هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
    صفة الدعاء في النوازل للمؤمنين والدعاء على الكافرين

    قوله: [فيدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين]. الدعاء يكون على حسب النازلة وعلى حسب ما يتعلق بها، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو لأناس ويدعو على أناس -كما سيأتي- بأسمائهم، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو لأناس من المستضعفين ويدعو على أناس من الكفار الذين يؤذونهم. أما اللعن العام كما هو معلوم فسائغ؛ وذلك لقوله تعالى: فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89]، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18] يعني: أن اللعن بالوصف جاء في القرآن والسنة.
    شرح حديث القنوت في الصبح والمغرب

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد و مسلم بن إبراهيم و حفص بن عمر ح وحدثنا ابن معاذ حدثني أبي قالوا كلهم: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن البراء رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقنت في صلاة الصبح -زاد ابن معاذ -: وصلاة المغرب)]. قوله: [إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقنت في صلاة الصبح وصلاة المغرب] هذا مثل الذي قبله إلا أنه هناك ذكر الظهر والعشاء والفجر، وهنا ذكر الفجر والمغرب، فتكون الأربع الصلوات ذكرت في هذين الحديثين.

    تراجم رجال إسناد حديث القنوت في الصبح والمغرب


    قوله: [حدثنا أبو الوليد ]. هو هشام بن عبد الملك الطيالسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حفص بن عمر ]. هو حفص بن عمر بن سخبرة وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ح وحدثنا ابن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثني أبي ]. أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالوا كلهم]. أي: الأربعة الذين هم: أبو الوليد الطيالسي و مسلم بن إبراهيم الفراهيدي و حفص بن عمر و معاذ بن معاذ العنبري هؤلاء الأربعة قالوا: حدثنا شعبة . [حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي ليلى ]. هو عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن البراء ]. هو البراء بن عازب رضي الله عنهما وهو صحابي ابن صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث القنوت في صلاة العتمة شهراً

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة العتمة شهراً يقول في قنوته: اللهم نج الوليد بن الوليد ، اللهم نج سلمة بن هشام ، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف، قال أبو هريرة : وأصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فلم يدع لهم، فذكرت ذلك له فقال: وما تراهم قدموا؟) ]. قوله: (قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة شهراً)]. صلاة العتمة هي العشاء، وهذا يوافق حديثه المتقدم أنه قنت في الظهر والعشاء والفجر، وهذا فيه أنه قنت شهراً يدعو لأناس وعلى أناس، يدعو للوليد بن الوليد و سلمة بن هشام ثم عطف عليهم لفظاً عاماً حيث دعا للمستضعفين من المسلمين؛ لأن هؤلاء مستضعفون، فسمى من سمى وعم بعد ذلك بحيث يشملهم ويشمل غيرهم. وهذا فيه دليل على أن الدعاء لشخص أو لأشخاص بأسمائهم لا يؤثر في الصلاة وأنه لا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم فلان بن فلان، وكذلك الدعاء على أناس بأسمائهم لا بأس به. قوله: [ (اللهم نج الوليد بن الوليد ، اللهم نج سلمة بن هشام ، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين) ]. يعني: أنه صلى الله عليه وسلم دعا لهؤلاء المستضعفين بأن ينجيهم الله ويخلصهم من أعدائهم الذين يؤذونهم في سبيل الله عز وجل. قوله: (اللهم اشدد وطأتك على مضر)] أي: اللهم اشدد وطأتك على مضر الذين يؤذون هؤلاء المستضعفين. قوله: [ (واجعلها عليهم سنين كسني يوسف) ]. أي: قحطاً وجدباً كالسنين الشداد السبع التي جاءت في قصة يوسف والرؤيا التي رآها الملك، والمقصود بذلك أن ينزل فيهم من البلاء ومن الشدة ما يضعفهم ويجعلهم لا يتمكنون من إيذاء المسلمين المستضعفين الذين كانوا يؤذنونهم في سبيل الله عز وجل. قوله: [ (قال أبو هريرة : وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يدع لهم، فذكرت ذلك له فقال: وما تراهم قدموا؟) ]. يعني: أن أبا هريرة رضي الله عنه أصبح يوماً ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كعادته فذكر ذلك له، فذكر له عليه الصلاة والسلام أنهم قد قدموا وخلصهم الله من أعدائهم.
    تراجم رجال إسناد حديث القنوت في صلاة العتمة شهراً...

    قوله: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ]. عبد الرحمن بن إبراهيم لقبه دحيم وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكر الثلاثة.
    شرح حديث القنوت في جميع الصلوات شهراً

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي حدثنا ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة، يدعو على أحياء من بني سليم: على رعل وذكوان وعصية، ويؤمِّن من خلفه) ]. قوله: [ (قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس شهراً متتابعاً) ] يعني: ظل شهراً كاملاً يقنت في الصلوات الخمس على قبائل من بني سليم. قوله: [ (على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه) ] يعني: أنه يجهر بالدعاء ومن وراءه يؤمن، وهذا فيه الدلالة على الجهر بالقنوت، وأن الذين وراء الإمام يؤمنون على دعائه الذي يدعو به، وفيه دليل على القنوت في جميع الصلوات. وقنوت النوازل ثبت فيه رفع اليدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قنوت الوتر فلم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء فيما أعلم، ولكنه جاء عن بعض الصحابة مثل أبي هريرة .

    تراجم رجال إسناد القنوت في جميع الصلوات شهراً


    قوله: [حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي ]. عبد الله بن معاوية الجمحي ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا ثابت بن يزيد ]. ثابت بن يزيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن خباب ]. هلال بن خباب صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس ] هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    اختلاف قصة حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس

    إن حديث أبي هريرة الأول وحديث ابن عباس هذا يدلان على أن قصتهما مختلفة، لأن في الحديث الأول أنه كان يدعو للمستضعفين وعلى مضر، أما في الثاني فكان يدعو على قبائل من سليم، وهؤلاء غير هؤلاء. أما التقييد بشهر في الحديث الأول والثاني فلا يعني أن تقيد به جميع النوازل، ولكن إذا ارتفعت النازلة ولو بوقت يسير ترك الدعاء، كما جاء في قصة أبي هريرة أنه قنت شهراً ثم أصبح لم يدع؛ وذلك لأن الذين كان يدعو لهم قدموا. والقيد هنا لبيان الواقع الذي قد حصل.
    معنى قوله (في دبر كل صلاة)

    قوله: [في دبر كل صلاة]. يعني: في آخرها، وذلك في الركعة الأخيرة؛ لأن دبر الشيء هو آخره أو ما يلي آخره، وأدبار الصلوات هي أواخرها وما يلي أواخرها، ولهذا يأتي التعبير بالدبر فيما هو داخل الصلاة في آخرها وفيما هو بعدها، مثل ما جاء في الحديث: (تكبرون وتهللون وتسبحون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين) أي بعد الصلاة، فيقال له: دبر، وفي هذا الحديث الذي معنا قال: [دبر كل صلاة] يعني: في آخر ركعة منها بعد الركوع.
    شرح حديث (هل قنت رسول الله في صلاة الصبح؟ فقال نعم...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب و مسدد قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل: (قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الصبح؟ فقال: نعم، فقيل له: قبل الركوع، أو بعد الركوع؟ قال: بعد الركوع، قال مسدد : بيسير) ]. قوله: [ (سئل: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ فقال: نعم، فقيل له: قبل الركوع أو بعد الركوع؟ قال: بعده بيسير) ]. جاء في صحيح البخاري : (يسيراً) يعني: أنه قنت قليلاً بعد الركوع، ومفهومه: أنه قنت كثيراً قبل الركوع. وكلمة: (يسير) المراد بها القنوت بعد الركوع. حديث ابن عباس يدل على أن القنوت بعد الركوع، وحديث أنس يدل على أنه يكون قبل الركوع وبعد الركوع؛ لأن قوله: (يسيراً) يفهم منه ذلك، وقد جاء مصرحاً عنه أنه لما قيل له: (إنك تقول: إنه بعد الركوع، قال: كذب فلان) كما في صحيح البخاري . وكون القنوت بعد الركوع كان يسيراً قليلاً والأكثر قبل الركوع، هذا الذي يفهم من حديث أنس ، لكن حديث ابن عباس أنه قنت شهراً متتابعاً، وهذا على حسب علم أنس ، لكن رواية البخاري : (قنت يسيراً) وضحت قول أنس (بيسير). والقنوت قبل الركوع أو بعده جائز، وكذلك في الوتر، إلا أن أكثر الروايات جاءت في أن القنوت بعد الركوع، وهناك الروايات جاءت قبل الركوع كما في الوتر، ولكنه جاء عند البيهقي من طريق شخص يقال له: أبو بكر بن شيبة -وهو من رجال البخاري- أنه قبل الركوع، وأنه بعد الركوع في الوتر. قال في عون المعبود: مما يقويه ويدل عليه فعل الخلفاء الراشدين الأربعة فإنهم كانوا يقنتون بعد الركوع. وأنا كنت أفهم أن معنى قوله: (بيسير) أنه كان يسكت قليلاً بعد الركوع حتى يقول: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ثم يدعو، لكن لما رأيت في البخاري قوله: (قنت يسيراً بعد الركوع)، وشرحها الحافظ ابن حجر بقوله: يفهم منه أنه كان يقنت كثيراً قبل الركوع، تبين لي المقصود من ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث (هل قنت رسول الله في صلاة الصبح؟ قال نعم)

    قوله: [حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ قالا: حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد وهو ثقة، إذا جاء سليمان بن حرب و مسدد كل منهما يروي عن حماد غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد . [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد ]. هو محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
    شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً ثم تركه) وتراجم رجاله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قنت شهراً ثم تركه) ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً ثم تركه)] سبق أن مر أنه تركه لحصول المقصود، ففي حديث أبي هريرة : (أنهم قدموا). قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة ]. مر ذكرهما. [ عن أنس بن سيرين ]. أنس بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك مر ذكره. وأعلى الأسانيد عند أبي داود الرباعيات وهذا منها.
    شرح حديث (فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قام هنية) وتراجم رجاله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا بشر بن مفضل حدثنا يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين قال: حدثني من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة (فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قام هنية) ]. قوله: [ (فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قام هنية) ]. لعل المراد بهذا أنه قام هنية ليقنت. قوله: [حدثنا مسدد حدثنا بشر بن مفضل ]. بشر بن مفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يونس بن عبيد ]. مر ذكره. [ عن محمد بن سيرين ]. مر ذكره. قوله: [عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم]. مذكور في المبهمات أنه أنس بن مالك .
    فضل التطوع في البيت


    شرح حديث ( احتجر رسول الله في المسجد حجرة .. . )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فضل التطوع في البيت. حدثنا هارون بن عبد الله البزاز حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا عبد الله -يعني: ابن سعيد بن أبي هند - عن أبي النضر عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: (احتجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد حجرة، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج من الليل فيصلي فيها، قال: فصلوا معه بصلاته -يعني رجالاً- وكانوا يأتونه كل ليلة، حتى إذا كان ليلة من الليالي لم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتنحنحوا ورفعوا أصواتهم، وحصبوا بابه، قال: فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مغضباً فقال: يا أيها الناس! ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أن ستكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة) ]. قوله: [ باب في فضل صلاة التطوع في البيت ] وردت أحاديث كثيرة تدل على أن صلاة النافلة في البيوت أفضل من صلاتها في المساجد؛ وذلك لأن البيوت لها نصيب من الصلاة، وأيضاً لأن الصلاة في البيوت أبعد عن الرياء؛ لأن فيها إخفاء العمل، ولا يحصل ذلك إلا في البيت بخلاف المسجد. إذاً: جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في أحاديث عديدة بفضل الصلاة في البيت وأنها أفضل من الصلاة في المسجد إلا المكتوبة؛ لأن صلاة الجماعة واجبة ولا يجوز للإنسان أن يتخلف عنها، ولهذا قال: [ (إلا المكتوبة) ]. واستثنى العلماء من النوافل ما تشرع لها الجماعة غير المكتوبة مثل: الكسوف، والعيدين، والاستسقاء، وغيرها، ومثل: التراويح أيضاً فإنها تشرع لها الجماعة في رمضان، وكون الإنسان يأتي ويصلي مع الناس صلاة التراويح أولى من كونه يصلي في بيته. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجر حجرة) ] يعني: أنه اتخذ مكاناً في المسجد وجعل فيه حصيراً كما جاء في بعض الروايات الصحيحة، وصلى فيها فجاء الناس وصلوا بصلاته، وبعد ذلك تتابعوا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج عليهم ذات ليلة وقد اجتمعوا وكثروا، فظنوا أنه نائم فجعلوا يتنحنحون ويرفعون أصواتهم حتى يسمعوه، وأيضاً حصبوا الباب، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم مجيئهم، ولكنه عليه الصلاة والسلام كما وصفه الله: بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] خشي أن يفرض عليهم قيام رمضان. فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن يصلوا في بيوتهم، وألا يأتوا إلى المسجد، وأن صلاتهم في البيوت أفضل من صلاتهم في المسجد، وأخبر بأن الذي منعه من ذلك أنه خشي أن تفرض عليهم، وأنه ما خفي عليه مكانهم، ولا خفي عليه مجيئهم، ولم يكن نائماً بل كان مستيقظاً، وهذا من شفقته ومن رأفته بأمته عليه الصلاة والسلام. ولكنه لما توفي عليه الصلاة والسلام، وانتهى التشريع، واستقرت الأحكام، علم بأن ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام من الصلاة في رمضان جماعة مستحبة، وأنه ما ترك الاستمرار فيها إلا خشية أن تفرض على الأمة، وقد زال ذلك المحذور بوفاته صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك أعاد عمر رضي الله عنه الناس إلى هذه السنة التي هي الإتيان بصلاة قيام الليل في رمضان جماعة في المسجد.
    تراجم رجال إسناد حديث (احتجر رسول الله في المسجد حجرة...)

    قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله البزاز ]. هو هارون بن عبد الله البزاز الحمال وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا مكي بن إبراهيم ]. مكي بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله -يعني ابن سعيد بن أبي هند - ]. هو عبد الله بن سعيد بن أبي هند وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي النضر ]. أبو النضر سالم المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بسر بن سعيد ]. بسر بن سعيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن ثابت ]. زيد بن ثابت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم....)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرنا نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً) ]. قوله: [ (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم) ] يعني: اجعلوا لها نصيباً من الصلاة؛ ليحصل فيها الخير والبركة بسبب هذه العبادة، وأيضاً فيه البعد عن الرياء. قوله: [ (ولا تتخذوها قبوراً) ] يعني: لا تجعلوها مثل المقابر؛ لأن المقابر لا يصلى فيها، وليست مكاناً للصلاة، فلا تجعلوا البيوت كذلك بحيث لا يصلى فيها، بل يكون لها نصيب من الصلاة. إذاً: قوله: [ (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً) ] معناه: لا تجعلوها شبيهة بالمقابر التي هي ليست أماكن للصلاة، والتي منع من الصلاة فيها، بل الصلاة في البيوت مطلوبة ومرغب فيها، وهي أفضل من الصلاة في المساجد بالنسبة للنوافل. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرنا نافع عن ابن عمر ]. كل هؤلاء مر ذكرهم.
    الأسئلة



    حكم الصلاة خلف من يقنت في الصلوات في غير النوازل


    السؤال: بعض الأئمة في المذاهب يرون القنوت في الفجر، فهذا سائل يقول: في بلادنا نحن على مذهب الإمام مالك والأئمة يقنتون كل يوم في صلاة المغرب، فهل نصلي معهم؟

    الجواب: نعم يصلي الإنسان وراء من يقنت في الصلوات ولو لم يكن ذلك في النوازل، ولا يترك الصلاة وراءهم، فالمسائل الخلافية لا تمنع المسلم من أن يصلي وراء أخيه المسلم من أجل أنه خالفه في مسألة من المسائل، لاسيما في المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها العلماء. إذاً: يصلي الرجل خلف غيره ولو كان يخالفه ولا يترك الصلاة وراءه؛ لأنه فعل فعلاً يرى أن الحق بخلافه، وكما ذكرت مراراً وتكراراً أن هناك مسائل خلافية عظيمة، فمنهم من يقول: هذا ينقض الوضوء وهذا لا ينقض الوضوء، ومع ذلك يصلي هذا خلف هذا، فإذا صليت وراء إنسان يقنت في الفجر أو في غيره بناءً على مذهب من المذاهب فلا بأس بذلك ولا تترك الصلاة، لكن إذا كنت أنت الإمام فلا تفعل الشيء الذي لم تثبت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وجه أفضلية صلاة النافلة في البيت على صلاتها في الحرمين


    السؤال: هل صلاة النافلة في البيت أفضل من تأديتها في الحرمين؟

    الجواب: الإنسان الذي يصلي في المسجد النبوي ثم يذهب ويصلي في بيته النافلة أفضل من صلاته في المسجد النبوي، وقد مر بنا حديث في هذا وفيه: (أفضل من صلاته في المسجد) وهو عند أبي داود ، ولكن هذا في حق من يتمكن من الصلاة في المسجد النبوي ولكنه يؤخر الراتبة ويصليها في البيت، أما من لا يصلي في المسجد النبوي، وإنما يصلي في مسجد من مساجد المدينة ثم هو يصلي في بيته، لا يقال: إنه صلاته أفضل من الصلاة في المسجد النبوي؛ لأنه لم يصل الفريضة في المسجد النبوي ولم يتمكن من النافلة فيه، ولكنه أخرها إلى مكان جاءت السنة بأنه أفضل، فهي أفضل من المسجد الذي صلى فيه الفريضة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج ويصلي بالناس في مسجده وإذا فرغ من الصلاة انصرف إلى بيته وصلى الراتبة التي بعد الصلاة في بيته عليه الصلاة والسلام."


  8. #208
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [175]

    الحلقة (206)


    شرح سنن أبي داود [175]

    لقد فتح الله تعالى لعباده أبواب رحمته الواسعة بترغيبهم في بعض الأعمال الفاضلة التي يعظم للمرء أجرها، ومن جملة هذه الأعمال طول القيام والقراءة في الصلاة، وصلاة المرء في جوف الليل مع أهله، والإكثار من قراءة القرآن الكريم، والاجتماع لمدارسته وتلاوته، كل ذلك يعود أجره العظيم على عامله، وبشر العاملين.

    طول القيام


    شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: طول القيام. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج : حدثني عثمان بن أبي سليمان عن علي الأزدي عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن حبشي الخثعمي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: طول القيام. قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل. قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر ما حرم الله عليه. قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بماله ونفسه. قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهريق دمه وعقر جواده) ]. قوله: [ باب طول القيام ] أي: طول القيام في الصلاة، وهذا فيما يتعلق بصلاة الليل والإطالة فيها وقراءة القرآن فيها؛ لأنه مع طول القيام تطول القراءة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في صلاة الليل يطيل كما جاء في بعض الأحاديث: (أنه قرأ البقرة والنساء وآل عمران). قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: طول القيام) ]. وجاء في بعض الروايات: (أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القيام)، وهذا هو الذي يناسب المقام؛ لأن هذا التفضيل إنما هو لبعض أجزاء الصلاة، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث. إذاً: صلاة الليل يطال فيها القيام، خاصة إذا كان الإنسان يصلي وحده، فإنه يطول ما شاء ويكثر من قراءة القرآن.
    معنى جهد المقل

    قوله: [ (قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل) ] يعني كون الإنسان ينفق على قدر طاقته وعلى قدر وسعه، فمن كان عنده شيء قليل وجاد به فهذا من خير الصدقة، وجاء -أيضاً- في بعض الأحاديث: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) يعني أنه يكثر من الإنفاق لكثرة المال ووجود المال، فهو ينفق منه كثيراً، وكل منهما له فضل يخصه وعلى قدره، فمن أنفق عن قلة وجاد وآثر وليس عنده إلا الشيء القليل فلا شك في أن عمله هذا من أفضل الأعمال، ويدل على غنى النفس، ومن كان عنده المال الكثير وأنفق وأكثر من الإنفاق فهو على خير، وهو من أفضل الأعمال.
    معنى هجر ما حرم الله
    قوله: [ (قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر ما حرم الله عليه) ]. يعني أن كون الإنسان يهجر المحرمات ويبتعد عنها خير عظيم، وهذه هجرة عظيمة، وقد جاء في بعض الأحاديث: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) يعني: هذا هو المهاجر حقاً، أو هذه هي الهجرة حقاً. كذلك لو تمكن الإنسان من أن يترك بلد الشرك إلى بلد الإسلام فإن هذا من هجر ما نهى الله عنه وإذا كان لا يتمكن من أداء الشعائر وأداء القربات فإنه ينتقل، ومن المعلوم أن جهاد النفس ومجاهدة النفس والهجرة التي هي ترك المعاصي تابع لها، وجهاد الأعداء إنما يكون تابعاً لجهاد النفس، ومن لم يجاهد نفسه فإنه لا يجاهد الأعداء كما ينبغي، وإن وجد منه الجهاد ووجد منه النكاية بالعدو، ومعلوم أن من يقدم على الجهاد في سبيل الله عز وجل إنما يكون ذلك نتيجة لمجاهدة نفسه.
    معنى جهاد المشركين بالمال والنفس

    قوله: [ (قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بماله ونفسه) ]. يعني: بذل النفس والنفيس في سبيل مقاتلة المشركين، ومعلوم أن مجاهدة المشركين إنما تكون بعد مجاهدة النفس؛ لأن من لا يجاهد نفسه لا يحصل منه مجاهدة المشركين على الوجه الذي ينبغي، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لما سئل: (الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) يعني: من كان قصده إعزاز الإسلام ونصرة المسلمين، وإذلال الشرك والمشركين فهو في سبيل الله، وهذا إنما يكون بعد مجاهدة النفس، ولا يتمكن من الجهاد كما ينبغي إلا بمجاهدة النفس، وقد يوجد القتال والنكاية بالعدو وغير ذلك، كما في قصة الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر)، وكان قد أثنى عليه الصحابة وقالوا: إنه عمل كذا وعمل كذا، وإنه حصل منه ما حصل من النكاية بالأعداء، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (هو من أهل النار)، فتبعه أحد الصحابة لينظر ما وراءه، فوجده قد أصيب بجرح في يده فجزع فوضع أصل السيف على الأرض وذبابته على صدره وتحامل عليه فقتل نفسه، فيأتي الرجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ويخبرهم بالذي قد حصل، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر). لكن هذا على خلاف الأصل، ومن النادر والقليل، ولكن الجهاد الذي يكون فيه نكاية بالعدو إنما يكون بعد مجاهدة النفس؛ لأن جهاد غير النفس تابع لجهاد النفس.
    إهراق الدم وعقر الجواد في سبيل الله عز وجل

    قوله: [ (قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهريق دمه وعقر جواده) ]. يعني: من قتل في سبيل الله وعقر جواده بأن أصيب في نفسه وفي مركوبه فهذا أشرف القتل وأفضله.

    تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حجاج ]. هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قال ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عثمان بن أبي سليمان ]. عثمان بن أبي سليمان ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن علي الأزدي ]. هو علي بن عبد الله البارقي الأزدي، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبيد بن عمير ]. عبيد بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن حبشي الخثعمي ]. عبد الله بن حبشي الخثعمي رضي الله عنه صحابي، أخرج حديثه أبو داود و النسائي .
    الفرق بين إطالة القيام والقراءة وإطالة السجود وفضلها

    إطالة القراءة القيام لا شك في أنها عظيمة وكذلك إطالة السجود، فإنه يطال ويكثر فيه من الدعاء، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، وقال: (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم) لكن إطالة القيام تكون أكثر من إطالة السجود.
    الحث على قيام الليل


    شرح حديث (رحم الله رجلاً قام من الليل...)


    قال الصنف رحمه الله تعالى: [ باب الحث على قيام الليل. حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى عن ابن عجلان حدثنا القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء) ]. قوله: [ باب الحث على قيام الليل ] يعني الحث على قيام الليل والترغيب فيه، والتعاون بين الزوجين على ذلك، وحث الرجل لمحارمه يلحق بذلك، وهو من التعاون على البر والتقوى والتعاون على الخير، ومن الترغيب في الخير، ومن مجاهدة النفس، ومن مساعدة بعض أهل البيت لبعض. قوله: [ (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت -أي: ما استجابت له- نضح في وجهها الماء) ] يعني: نضح في وجهها الماء حتى يذهب عنها النوم، وحتى تفعل هذا الشيء الذي أراده منها، وهو الصلاة بالليل. وقوله: [ (رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)] أي أن من كان منهما أنشط في العبادة وأسرع إلى القيام فإنه يحرص على إفادة الآخر، سواءٌ الرجل أو المرأة، الزوج أو الزوجة، وإذا ما حصلت الاستجابة بالكلام فينضح أحدهما الماء على وجه الآخر من أجل أن يذهب عنه النوم ويهب ويقوم، وهذا من التعاون على البر والتقوى. ووجه إيراد هذا الحديث تحت هذه الترجمة أن فيه حثاً على قيام الليل، وكون أحد الزوجين يقوم ويصلي ويحرص على أن يقوم رفيقه وصاحبه فيصلي معه، ففيه حث على قيام الليل.

    تراجم رجال إسناد حديث (رحم الله رجلاً قام من الليل...)


    قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. هو محمد بن بشار البصري الملقب ببندار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا القعقاع بن حكيم ]. القعقاع بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي صالح ]. هو: ذكوان السمان الزيات، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. ونضح الماء على ظاهره، لكن يكون برفق، ولا يكون بشدة وبغلظة، ولا يصب المرء ماء كثيراً يزعج، وإنما ينضح بشيءٍ يسير، حتى يجعل صاحبه يقوم من فراشه.
    شرح حديث (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش عن علي بن الأقمر عن الأغر أبي مسلم عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) ]. قوله: [ (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) ] أي: سواءٌ أكان إماماً وهي مأمومة، أم صلى كل واحد منهما بمفرده، فالمهم أن توجد الصلاة منهما جميعاً، إما عن طريق الجماعة أو عن طريق انفراد كل واحد منهما بصلاته. قوله: [ (كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) ] يعني: هذا فيه تفسير لما جاء في القرآن في قوله تعالى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35] فهذه الآية فيها ذكر عشرة أصناف من الرجال والنساء، وآخرهم الذاكرون الله كثيراً والذاكرات، فالسنة تفسر كتاب الله عز وجل. فكون الزوجين يقومان في الليل ويصليان والناس نيام يدل على أنهما ليسا من الغافلين، بل من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات. ويدخل فيه الرجل مع محارمه من النساء، والمرأة مع محارمها من الرجال، فكون الرجل يوقظ زوجته ويوقظ بناته، أو البنت توقظ أمها أو أباها لا بأس به.
    تراجم رجال إسناد حديث (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته)

    قوله: [ حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع ]. محمد بن حاتم بن بزيع ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبيد الله بن موسى ]. عبيد الله بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شيبان ]. هو شيبان بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن الأقمر ]. علي بن الأقمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأغر أبي مسلم ]. الأغر أبو مسلم ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة ]. أبو سعيد هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. و أبو هريرة مر ذكره.
    ثواب قراءة القرآن


    شرح حديث (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في ثواب قراءة القرآن. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ]. قوله: [ باب: في ثواب قراءة القرآن ] يعني: عظم أجرها وجزيل ثوابها عند الله عز وجل. قوله: [ (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ] يعني: خيركم وأفضلكم من عمل بالقرآن تعلماً وتعليماً على الوجه الذي ينبغي، بأن يتعلم القرآن ويتدبر ما فيه، وأن يستنبط ما فيه ويعمل به، وكذلك بعد أن يتعلم القرآن يعلمه لغيره، فيكون مستفيداً مفيداً وعالماً معلماً. وقد قال ابن الأعرابي -كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري-: لا يكون الرجل ربانياً حتى يكون عالماً عاملاً معلماً، فيتعلم القرآن ويتعلم أحكامه ويعلم ذلك. ومما يتبع ذلك تعلم العلوم الأخرى التي يحتاج إليها في معرفة القرآن، وفي معرفة الأحكام، وكذلك السنة التي تشرح القرآن وتفسره وتدل عليه؛ لأن خير ما يفسر به القرآن القرآن، وكذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى في كتابه آيات تفسر آيات أخرى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته يفسر الآيات ويبين المراد منها ويشرحها، ثم بعد ذلك يفسر القرآن بأقوال الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم وعلى منوالهم. فهذا حديث عظيم يدل على فضل العناية بالقرآن حفظاً وتعلماً وتعليماً وتلاوة وعملاً، وفيه الجمع بين الإفادة والاستفادة، كونه يتعلم ليستفيد ويعلم ليفيد، فيكون نفعه ليس قاصراً، بل متعد، فهو ينتفع وينفع، ويستفيد ويفيد، ويهتدي ويهدي، ويَرْشُد ويُرشِد. قوله: [ (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ]. يعني: خير الناس من تعلم القرآن وعلمه، والخيرية على إطلاقها. ولا يوجد تعارض بين تعلم القرآن وبين الجهاد في سبيل الله؛ لأنه يمكن أن يتعلم الإنسان القرآن في أوقات ويجاهد في أوقات، ويجمع بينهما، وكل منهما عمل عظيم، ولكن الجهاد وكل الأعمال إنما تعرف عن طريق القرآن وعن طريق السنة التي هي شارحة القرآن ودالة على القرآن؛ لأن الأعمال الصحيحة إنما تكون مبنية على علم، والعلم إنما يكون من الكتاب والسنة، يقول الله عز وجل: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3] يعني: آمنوا عن علم وبصيرة وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3]. وإذا كان هناك حلقات علم فيها تجويد القرآن وقراءته فيمكن الإنسان أن يتفق مع شخص عنده قدرة في القراءة ليحضر عنده في أوقات محددة وأوقات معينة؛ حتى يتقن القراءة ويجيدها، ولكن لا تكون المداومة والملازمة إلا بالاشتغال بعلم الكتاب والسنة والعلوم التي تخدمهما وتوضحهما وتبينهما؛ لأن هذه تحتاج إلى مداومة وإلى استمرار، وإلى إنفاق الأوقات والساعات في تحصيل تلك العلوم التي لابد منها.


    تراجم رجال إسناد حديث (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)

    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة بن مرثد ]. علقمة بن مرثد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن عبيدة ]. سعد بن عبيدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبد الرحمن ]. هو أبو عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عثمان ]. هو عثمان بن عفان أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، ذو النورين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجاً)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجاً يوم القيامة ضوؤ أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم، فما ظنكم بالذي عمل بهذا؟) ]. قوله: [ (من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجاً يوم القيامة ضوؤ أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم)] يعني أن ذلك التاج أحسن إضاءة من ضوء الشمس لو كانت في البيوت. قوله: [ (فما ظنكم بالذي عمل بهذا) ]. يعني: إذا كان هذا الفضل العظيم يكون لوالديه فلا شك في أن من عمل به يكون أعظم أجراً وفضلاً من والديه، ويحصل له أعظم مما يحصل لوالديه. والحديث ضعيف؛ لأن فيه ززباناً وهو ضعيف، أما شيخه سهل فلا بأس به إلا في رواية زبان عنه فإنها ضعيفة، وعلى هذا فالحديث ضعيف لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث (من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجاً)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يحيى بن أيوب ]. هو يحيى بن أيوب الغافقي المصري، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زبان بن فائد ]. زبان بن فائد ضعيف، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن سهل بن معاذ الجهني ]. سهل بن معاذ لا بأس به إلا في رواية زبان عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. أبوه هو معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
    المراد بقوله (من قرأ القرآن)

    هذا الحديث على فرض صحته يحتمل أن يكون المراد منه أن يحفظه، ويحتمل مجرد القراءة، لكن الذي يتمكن من قراءته تماماً هو من يحفظه؛ لأن من يحفظه يقرؤه راكباً وماشياً ونائماً وفي جميع الأحوال، بخلاف الذي لا يحفظه، فإنه لا يتمكن من قراءته إلا في بعض الأحوال، وذلك عندما يكون هناك ضوء، وعندما يكون معه المصحف، وعندما يكون جالساً متفرغاً، أما من يكون حافظاً للقرآن فإنه يقرأ على وضوء وبغير وضوء وراكباً وماشياً، فقراءة القرآن في حقه أمرها واسع.
    شرح حديث (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام و همام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو يشتد عليه فله أجران) ]. قوله: [ (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو يشتد عليه) ] يعني: يشق عليه كما جاء في بعض الروايات: (وهو عليه شاق). قوله: [ (له أجران) ] يعني: الذي يقرأ وهو عليه شاق يحصل على أجرين، وأعظم منه الذي هو ماهر به، وهو الذي يقرؤه بسهولة ويسر، ويكثر من قراءته. وقوله: [ (مع السفرة الكرام البررة) ] يدل على علو منزلته وأنه يكون معهم، والسفرة هم الملائكة، فمعيته معهم أنه يذكر في الملأ الأعلى مع هؤلاء الأخيار ومع هؤلاء الأطهار، فثوابه عظيم ولا حد لثوابه، وإذا كان الذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران فكيف بالذي هو ماهر به ويقرؤه بسهولة ويسر، ويكثر من قراءته وفهمه وتدبره وتعلمه وتعليمه؟!

    تراجم رجال إسناد حديث (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة)


    قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و همام ]. هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زرارة بن أوفى ]. زرارة بن أوفى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن هشام ]. سعد بن هشام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد فيه هشام و همام و قتادة و زرارة بن أوفى و سعد بن هشام ، وكلهم أخرج لهم أصحاب الكتب الستة، والحديث نفسه اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراجه، فقد رواه البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة .
    عدم دلالة الحديث على عدم وجوب التجويد

    هذا الحديث بعينه لا يدل على عدم وجوب التجويد والتجويد لا يجب ويدل على هذا حديث ابن مسعود الذي قال فيه: (أهذاً كهذّ الشعر ونثراً كنثر الدقل؟!! لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأن النظائر سورتين في ركعة...) إلى آخر الحديث الصحيح. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: لا خلاف بين أهل العلم في أن قراءته بدون ترتيل قراءة شاذة، ولكنها بالترتيل أفضل وأولى.

    شرح حديث (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) ]. هذا الذي ذكره أبو داود هنا هو جزء من حديث أورده مسلم في صحيحه، وأوله: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه). وهذا الحديث من جملة أحاديث الأربعين النووية التي اختارها الإمام النووي ، والأربعون النووية هي من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وسلم، والحافظ ابن رجب رحمة الله عليه أضاف إليها ثمانية أحاديث؛ لأن النووي أتى باثنين وأربعين فسميت بالأربعين تغليباً وليست تحديداً، بل هناك حديثان زائدان على الأربعين، و ابن رجب أتى بثمانية هي من جوامع الكلم منها: (ألحقوا الفرائض بأهلها)، ومنها: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وأحاديث أخرى جامعة، وشرحها في كتاب نفيس سماه: (جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم) وهذا الكتاب من أنفس الكتب، وهو كتاب مليء بآثار السلف وكلام السلف في معنى الأحاديث. والحديث الذي أورده هنا حديث عظيم، والجملة التي أوردها تتعلق بالقرآن. قوله: [ (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله) ] بيوت الله هي المساجد، قيل: ويلحق بها دور العلم والأماكن التي تخصص للعلم ونشر العلم. قوله: [ (ويتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم) ] يعني: يقرءون كتاب الله، سواءٌ أكانت هذه القراءة بأن يقوم شخص ويقرأ ويفسر أو غيره يفسر، أم أنهم يجتمعون بحيث يقرأ واحد منهم مقداراً من القرآن ويستمع الباقون، ويكون هناك شخص يصوب قراءته ويبين ما عليه من ملاحظات، كل ذلك يدخل تحت التدارس، وكذلك تأملُ ما فيه ومعرفةُ ما فيه وتدبرُ ما فيه. قوله: [ (إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة) ] يعني أن الملائكة تحضر مجالس العلم ومجالس الذكر. قوله: [ (وذكرهم الله فيمن عنده) ] يعني: يذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة في الملأ الأعلى. إذاً: فالملائكة تحف بهم والله تعالى يذكرهم عند الملائكة المقربين، وهذا من أعظم الثواب وحصول الرضا من الله سبحانه وتعالى.
    ارتباط القرآن بالسنة والعقيدة وسائر الأحكام

    ودروس الفقه والعقيدة والحديث لها نصيب من هذا الفضل؛ إذ معلوم أن القرآن فيه العقيدة وفيه الفقه، وفيه القصص، وفيه الأحكام المختلفة، كل ذلك موجود في القرآن، ومما هو معلوم أيضاً أن القرآن لا يستغنى به عن السنة، ولا يقتصر به عن السنة، بل لابد من القرآن ولابد من السنة، ومن استغنى بالقرآن عن السنة فإنه ترك الحق وأعرض عن الحق، ومن أنكر السنة ولم يأخذ بما فيها فإنه منكر للقرآن؛ لأن القرآن يقول الله تعالى فيه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ولهذا قالت المرأة لابن مسعود لما قال: (لعن الله النامصة والمتنمصة، وما لي لا ألعن من لعنه الله في كتاب الله؟) قالت: إني قرأت المصحف ما وجدت فيه: (لعن الله النامصة والمتنمصة) فقال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] ). وكيف يتعبد الإنسان بالقرآن دون السنة، والسنة هي التي بينت القرآن؟! فكيف عرف الناس مقدار الزكاة؟ وما هو النصاب في الزكاة؟ إن ذلك لا يوجد في القرآن، فالقرآن جاء فيه ذكر الزكاة إجمالاً، ولكن تفاصيلها وبيان مقاديرها وأنواعها ومقدار الزكاة في كل الأنواع جاء بيانه في السنة، فالذي لا يأخذ بالسنة كيف يؤدي الزكاة؟! بل كيف يصلي؟! إذ ليس في القرآن أن صلاة الظهر أربع ركعات، والفجر ركعتان، والعشاء أربع. إذاً: من ينكر السنة منكر للقرآن، ومن كذب بالسنة فقد كذب القرآن، وهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.

    تراجم رجال إسناد حديث (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله...)


    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ].
    حكم قراءة القرآن جماعة ووجه الاستدلال بالحديث

    إن قراءة القرآن على صوت واحد وباجتماع على القراءة ليس فيه تدبر، وإنما فيه متابعة الآخرين حتى لا يسبقهم ولا يتأخر عنهم. فكل واحد يلاحظ أن يكون مع الآخر، كما يحصل في بعض البلاد حيث يجتمعون ثم يقرءون بصوت واحد، فتراهم يهذونه هذاً كهذ الشعر، فهذا الفعل لا يدخل تحت هذا الحديث وما جاء فيه؛ لأن فعلهم هذا ليس فيه تدارس. أما استدلال من يفعلون ذلك بكلمة ( يتلون ) فهذه الكلمة لا تدل على ذلك، أما تعليم الصغار فليس به بأس، أعني كون الإنسان يقرأ عليهم وهم يقولون مثله، إذا لم يتمكن من أن يقرأ كل واحد على حدة؛ لأنه قد لا يتيسر ذلك دائماً.

    شرح حديث (أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق، فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين بغير إثم بالله عز وجل ولا قطع رحم؟ قالوا: كلنا يا رسول الله قال: فلأن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وإن ثلاث فثلاث، مثل أعدادهن من الإبل) ]. قوله: [ (أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق؟) ] هما واديان بالمدينة، ولعلهما مكان لاجتماع الإبل. قوله: [ (فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين) ] الكوماء هي العظيمة السنام، أما الزهراء فهي التي تميل إلى البياض من كثرة السمن. قوله: [ (بغير إثم بالله عز وجل ولا قطع رحم؟) ]. يعني كونه يحصل عليهما من غير أن يكون عن طريق سرقة، أو عن طريق غصب، أو ما إلى ذلك من أخذ المال بغير حق، وكذلك كونه يحصل عليهما من غير شحناء بينه وبين القرابة، ومن غير قطيعة الرحم. قوله: [ (قالوا: كلنا يا رسول الله!) ]. يعني: كلنا نرغب ذلك. قوله: [ (قال: فلأن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وإن ثلاث فثلاث، مثل أعداءهن من الإبل) ]. يعني: من تعلم آية فهي خير من ناقة، ومن تعلم آيتين فهي خير من ناقتين كوماوين، وكذلك كلما زاد من آية فهي خير من الزيادة التي تماثلها. يعني: من تعلم ثلاث آيات كن خيراً من ثلاث نوق، وأربع خير من أربع، وعشر خير من عشر، وهكذا، وهذا فيه دليل على فضل تعلم القرآن والعناية بالقرآن.

    تراجم رجال إسناد حديث (أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين...)

    قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. هو سليمان بن داود المهري المصري، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب حدثنا موسى بن علي بن رباح ]. ابن وهب مر ذكره، أما موسى بن علي بن رباح فهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو علي بن رباح ، ويقال له: عُلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. فكل منهما أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن، إلا أن الابن صدوق ربما أخطأ والأب ثقة. [ عن عقبة بن عامر الجهني ]. هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    تعريف الصفة وحقيقة وجودها الآن

    قوله: [(ونحن في الصفة) ]. الصفة هي مكان في المسجد كان يجتمع فيه فقراء الصحابة الذين لا مأوى لهم ولا مسكن، ويقال لهم: أضياف الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطف عليهم ويحسن إليهم. والصفة ليست موجودة الآن، وليست هي الدكة التي اشتهرت عند العوام؛ لأنه لا يوجد شيء أقول: ما فيه شيء يدل عليها، وهذا المكان الذي يقال له: الدكة ويعمد إليه ناس يتبركون به يقال في شأنه وشأنهم: هؤلاء يجنون على أنفسهم بمخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها).
    الأسئلة



    بيان موقع وادي العقيق وبطحان في المدينة

    السؤال: أين يقع بطحان والعقيق اليوم؟

    الجواب: العقيق هو الوادي الذي في غرب المدينة، والذي هو دون الجامعة الإسلامية، وهو -بلا شك- من الحرم، وما وراءه محتمل. وأما بطحان فهو واد كان في وسط المدينة غرب المسجد النبوي قريباً منه، والآن وضع فيه سد فصار السيل لا يأتي من ذلك الطريق الذي هو الوادي الذي يقال له: وادي بطحان.

    مقارنة بين تعلم الآيات وتعلم الحديث من حيث الأجر

    السؤال: هل تعلم الحديث مثل تعلم آية أو آيتين من حيث الأجر؟

    الجواب: الله أعلم، لكن لا شك في أن تعلم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه فيه خير كثير، لكن الحديث ورد في الآيتين. السؤال: قوله: (فيتعلم آيتين) هل المراد به تعلم القراءة، أو المراد الحفظ، أو التعلم المعنوي؟ الجواب: المراد منه أن يقرأهما ويحسن قراءتهما ويتعلم معانيهما، كما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم: (يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم).

    اقتراح بتخصيص وقت لتدارس آيات من القرآن

    السؤال: هذه الأحاديث التي قرأناها في فضل القرآن تشجعنا على أن نطرح اقتراحاً على فضيلتكم وهو أن تخصصوا لنا يوماً واحداً لنتدارس ولو آية من كتاب الله حتى نحصل على هذا الفضل العظيم، فنجمع بين الكتاب والسنة؟


    الجواب: توزيع الأيام على دروس أخرى لا يمكننا من أن نقطع شوطاً كبيراً في شرح هذه الكتب التي نحن بحاجة إلى الاطلاع عليها وإلى إكمالها، وهي الكتب الستة التي بدأنا بها، والإنسان يمكن أن يحصل ذلك بمتابعته لبعض الدروس التي تكون في الإذاعة، وهي وبعضها في أشرطة، وبعضها منقول إلى كتب يمكن للإنسان أن يطلع عليها، مثل: درس الشيخ ابن عثيمين حفظه الله الذي في الإذاعة، وهو (من أحكام القرآن) فهو درس عظيم، وفوائده عظيمة وجمة، وهو يأتي في الأسبوع مرتين: في الساعة السادسة والنصف من صباح يوم السبت ويوم الثلاثاء، فإذا تابع الإنسان ذلك فإنه يكون بذلك قد حصل خيراً كثيراً. ثم إنه قد طبع ما يتعلق بالجزء الأول من القرآن في مجلد، والشيخ الآن في الدرس الذي يلقيه في الإذاعة في أول سورة آل عمران. وبذلك يحصل المرء الفائدة في درس القرآن، ونحن نبقى على ما نحن عليه فيما يتعلق بالحديث؛ حتى نتمكن من أن نقطع شوطاً كبيراً في شرح هذه الكتب."



  9. #209
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [176]

    الحلقة (207)





    شرح سنن أبي داود [176]

    تتميز بعض سور القرآن الكريم ببعض الخصائص الدالة على فضلها على ما سواها من السور، ومن تلك السور سورة الفاتحة، فهي سورة عظيمة، إذ هي السبع المثاني والقرآن العظيم، ومن تلك السور سورة (قل هو الله أحد) فإنها تعدل ثلث القرآن من جهة المعنى، ومن تلك السور أيضاً المعوذتان، فقد ورد ما يدل على فضلهما، وإذا كان لبعض السور نصيب من الفضل على غيرها فإن لبعض الآيات كذلك فضلاً على غيرها، فقد جاءت الأدلة ببيان فضل آية الكرسي ومنزلتها، وهي أعظم آية في القرآن الكريم.

    فضل فاتحة الكتاب



    شرح حديث (الحمد لله رب العالمين أم القرآن...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فاتحة الكتاب: حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا عيسى بن يونس حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني) ]. قوله: [ باب فاتحة الكتاب ] أي: ما جاء في فضلها وبيان عظم شأنها وعظيم منزلتها. قوله صلى الله عليه وسلم: [ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أم الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني) ]. هذا الحديث يدل على عظم شأن الفاتحة، وأنها يقال لها: أم القرآن، ويقال لها: أم الكتاب، ويقال لها: السبع المثاني. قوله: [ (والسبع المثاني) ] أي: كونها تثنى في القراءة وتكرر قراءتها في الصلوات؛ لأنها في كل ركعات الصلاة تجب قراءتها، فقيل لها: السبع المثاني، وهي سبع باعتبار أنها سبع آيات، وإحدى الآيات هي البسملة على أحد الأقوال، وهو أنها جزء من سورة الفاتحة، وعلى الأقوال الأخرى التي منها أنها آية ولكنها ليست من الفاتحة ولا من غيرها تكون الآية الأخيرة آيتين، فقوله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] آية، وقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]آية، ويدل على هذا القول الحديث القدسي الذي يقول الله عز وجل فيه: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]قال: مجدني عبدي، وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]قال: هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.. .) فقوله: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) هو لله، وقوله: ( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) هو للمخلوق، وعلى هذا تكون الآية الوسطى هي: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] فيكون بعدها ثلاث آيات وقبلها ثلاث آيات، وعلى أن البسملة هي الآية الأولى تكون الآية الوسطى التي تتوسط السبع هي: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] فالفاتحة يقال لها: السبع المثاني؛ لأنها تثنى في القراءة وتعاد في القراءة وتكرر في القراءة، وسيأتي أن (السبع المثاني) لفظ يطلق على سور أخرى من القرآن.

    تراجم رجال إسناد حديث (الحمد لله رب العالمين أم القرآن...)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ]. أحمد بن أبي شعيب الحراني ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المقبري ]. هو أبو سعيد المقبري أو سعيد بن أبي سعيد المقبري كل منهما يقال له: المقبري ، فكل منهما ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

    شرح حديث (لأعلمنك أعظم سورة في القرآن...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا خالد حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر به وهو يصلي فدعاه، قال: فصليت ثم أتيته، قال: فقال: ما منعك أن تجيبني؟ قال: كنت أصلي، قال: ألم يقل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]؟! لأعلمنك أعظم سورة من القرآن -أو في القرآن، شك خالد - قبل أن أخرج من المسجد، قال: قلت: يا رسول الله! قولك، قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] وهي السبع المثاني التي أوتيت والقرآن العظيم) ]. قوله: [(قال: قلت: قولك)] يعني: القول الذي قلت، وهو أنك ستخبرني وتعلمني بأعظم سورة في كتاب الله قبل خروجك من المسجد، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وهي السبع المثاني التي أوتيت والقرآن العظيم) ]، وفي بعض الروايات: (هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)، وهذا يدل على عظم سورة الفاتحة، وأنها أعظم سورة في كتاب الله، ولهذا شرعت قراءتها في الصلاة، بل قراءتها في الصلاة لازمة في كل ركعة من الركعات، وهي ركن من أركان الصلاة، وتثنى في الصلوات وتعاد وتكرر، فلهذا قيل لها: السبع المثاني. وكذلك القرآن العظيم يراد به الفاتحة، وأطلق الاسم العام على بعض القرآن، فهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم، ففيه إطلاق الكل على البعض، وهذا فيه دليل على أن الفاتحة يقال لها: السبع المثاني تفسيراً لقول الله عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]. وهناك قول آخر هو: أن السبع المثاني يراد بها السبع الطوال، وهي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والسورة السابعة قيل: هي براءة، وقيل: هي الأنفال، وقيل: براءة والأنفال مع بعضهما.
    تراجم رجال إسناد حديث (لأعلمنك أعظم سورة في القرآن...)

    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا خالد ]. هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خبيب بن عبد الرحمن ]. خبيب بن عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت حفص بن عاصم ]. حفص بن عاصم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد بن المعلى ]. هو أبو سعيد بن المعلى رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    الأسئلة



    حكم قطع صلاة النافلة لإجابة الوالدين أو أحدهما


    السؤال: ألا يدل هذا الحديث على جواز قطع النافلة بسبب حصول ما هو واجب، مثل من دعاه والده أو والدته؟ الجواب: لا يدل هذا على هذا؛ لأن الحديث يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم ويدل على إجابة النبي عليه الصلاة والسلام، وأما إذا والده أو والدته دعاه فإنه إذا لم يكن هناك أمر ضروري يقتضي قطع الصلاة فإنه يتمها خفيفة ويجيب والده أو والدته.

    الحكمة من تسمية الفاتحة بأم القرآن وأم الكتاب


    السؤال: ما الحكمة من تسمية الفاتحة بأم القرآن وأم الكتاب؟ الجواب: كأن المقصود بذلك أنها في مقدمة القرآن أو الكتاب، وكأنها هي التي تؤم، والذي وراءها تابع لها، أو أنها هي كالأصل وغيرها تابع لها، فيحتمل الأمر أن يكون كذلك والله أعلم. وكذلك هناك احتمال آخر، وهو كونها اشتملت على أنواع التوحيد الذي أرسل الله الرسل من أجله وأنزل الكتب من أجله؛ لأنها كلها توحيد من أولها إلى آخرها كما سبق أن عرفنا ذلك، فقوله عز وجل: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فيه توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، بل في الآية الأولى منها أنواع التوحيد الثلاثة، فقوله: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ )) هذا توحيد الإلهية؛ لأن إضافة الحمد إلى الله هو من توحيد الإلهية. وقوله: (( رَبِّ الْعَالَمِينَ )) فيه توحيد الربوبية، وكذلك فيه توحيد الأسماء والصفات؛ لأن من أسماء الله الرب، فأنواع التوحيد الثلاثة كلها موجودة فيها.
    الفاتحة من السبع المثاني الطول


    شرح حديث ( أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطول...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال هي من الطول: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أوتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعاً من المثاني الطول، وأوتي موسى عليه السلام ستاً، فلما ألقى الألواح رفعت ثنتان وبقي أربع) ]. قوله: [ (باب من قال هي من الطول) ] كلمة (هي) يحتمل أن ترجع إلى الفاتحة، ولكن هذا يشكل؛ لأنها ليست من الطول؛ لأن الطول هي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة، أما الفاتحة فهي من السور القصيرة وليست من الطول، ويحتمل أن يكون المراد بكلمة (هي) أي: السبع المثاني التي جاءت في الأحاديث السابقة، وهذا هو الذي يناسب، فيقال: السبع المثاني تطلق على الفاتحة؛ لأنها تثنى في الصلاة، وتطلق على السبع الطول التي هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والسابعة هي على الأقوال التي أشرت إليها، فمنهم من قال: الأنفال والتوبة هما سابعة السبع الطوال، ومنهم من قال: التوبة وحدها، ومنهم من قال: الأنفال وحدها، فالمناسب أن يكون الضمير راجعاً إلى السبع المثاني التي جاءت في الأحاديث السابقة، وأنها كما فسرت بأن السبع المثاني يراد بها الفاتحة، وأيضاً يراد بها السبع الطول، ولا تنافي؛ لأن سورة الفاتحة يقال لها: مثاني لأنها تثنى فيها القراءة، ويقال للسبع الطول: مثاني لأنها تثنى فيها القصص والأحكام، ولا تنافي بين ذلك، فكل من القولين حق وله وجه. وقد قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي [الحجر:87]: إن هذا مثل إطلاق أول مسجد أسس على التقوى على مسجد قباء وعلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الآية نزلت في مسجد قباء، ولما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى أشار إلى مسجده؛ لأن كلاً منهما أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد قباء يقال: إنه أسس على التقوى من أول يوم، وكذلك مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له ذلك، وكذلك الفاتحة يقال لها: السبع المثاني؛ لأنها سبع آيات تثنى في الصلاة، ويقال -أيضاً- للسبع الطول: إنها السبع المثاني التي تثنى فيها القصص والأحكام. فكلمة (هي) يحتمل أن تكون راجعة للفاتحة، ولكن هذا مشكل ولا يستقيم، ويحتمل أن تكون راجعة للسبع المثاني. قوله: [ أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطول ] ذكر الطول هنا يدل على أن المقصود بها سور طول، والطول: جمع طولى، كالكبر: جمع كبرى، يعني: سورة طولى بالنسبة لغيرها. قوله: [ وأوتي موسى ستاً، فلما ألقى الألواح رفعت اثنتان ] يعني: رفع مما أنزل في التوراة اثنتان، ولعل المقصود بقوله: [رفع] أنه نسخ مثلما تنسخ التلاوة والحكم بالنسبة للقرآن الكريم.

    تراجم رجال إسناد حديث (أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطول...)


    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسلم البطين ]. هو مسلم بن عمران البطين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    ما جاء في آية الكرسي


    شرح حديث (أي آية معك من كتاب الله أعظم...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في آية الكرسي: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد بن إياس عن أبي السليل عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أبا المنذر ! أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أبا المنذر ! أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] قال: فضرب في صدري وقال: ليهن لك -يا أبا المنذر - العلم) ]. قوله: [ باب ما جاء في آية الكرسي ] هي قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] يعني: في بيان فضلها وعظم شأنها. قوله: [ (يا أبا المنذر! ] هذه كنية أبي بن كعب . قوله: [ (أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أبا المنذر! أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، قال: فضرب في صدري وقال: ليهن لك -يا أبا المنذر العلم-) ]، وفي بعض الروايات: (ليهنك العلم أبا المنذر) أي: أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبياً على ذلك وشهد بعلمه، وأنه قد وفق للصواب وسدد في الجواب، وكأنه لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بقوله: الله ورسوله أعلم، فلما أعاد عليه السؤال فكأنه عزم عليه أن يخبره بما عنده وبما يعلم عن أعظم آية، فعند ذلك أجاب بأنها آية الكرسي، فأقره النبي عليه الصلاة والسلام وقال: [(ليهنك العلم أبا المنذر)، أو ليهن لك- أبا المنذر العلم-)] وهذا يدل على فضل أبي رضي الله عنه، وعلى علمه وفقهه، وهو من أعلم الناس بالقرآن رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وقد ورد في فضل آية الكرسي أحاديث أخرى، كأحاديث قراءتها عند النوم بعد الصلوات. قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن إياس ]. هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي السليل ]. هو ضريب بن نقير، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن رباح الأنصاري ]. عبد الله بن رباح الأنصاري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ]. هو أبي بن كعب الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وجاء في فضل أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة (لَمْ يَكُنِ)، فقرأها عليه، قال أبي : وسماني الله لك؟ قال: نعم، فبكى أبي رضي الله عنه)، وهو دال على فضله رضي الله عنه وأرضاه.



    تراجم رجال إسناد حديث (أي آية معك من كتاب الله أعظيم ...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن إياس ]. هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي السليل ]. هو ضريب بن نقير، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن رباح الأنصاري ]. عبد الله بن رباح الأنصاري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ]. هو أبي بن كعب الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وجاء في فضل أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة (لَمْ يَكُنِ)، فقرأها عليه، قال أبي : وسماني الله لك؟ قال: نعم، فبكى أبي رضي الله عنه)، وهو دال على فضله رضي الله عنه وأرضاه.
    الأسئلة



    حكم قول: الله ورسوله أعلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم


    السؤال: قول أبي رضي الله عنه : (الله ورسوله أعلم)، هل يمكن أن يقال الآن؟

    الجواب: لا يقال الآن هذا، وإنما يقال: الله أعلم؛ لأنه يقال للرسول صلى الله عليه وسلم عندما يسأل هو: الله ورسوله أعلم، أو يحصل منه الجواب إذا كرر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه عندما يسأل الإنسان أي سؤال يقول: الله أعلم.


    وجه تفضيل بعض كلام الله على بعض

    السؤال: هل في الحديث تفضيل بعض كلام الله على بعض؟

    الجواب: نعم، فهذا فحديث أبي يدل على تفضيل كلام الله بعضه على بعض، وليس فيه نقص في المفضل عليه، ولكن كله كمال، وبعضه أكمل من بعض وبعضه أفضل من بعض، وكذلك الصفات، وقد جاء في الحديث: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك) وهذا يعني: أن بعضها تفضل على بعض.


    المقصود من ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لصدر أبي رضي الله عنه

    السؤال: ما المقصود من ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لصدر أبي ؟ وهل هو من تلطف النبي صلى الله عليه وسلم؟


    الجواب: نعم، وكأنه إشارة إلى كون العلم في الصدر والقلب، فضرب عليه وقال: (ليهنك العلم أبا المنذر).

    ما جاء في سورة الصمد


    شرح حديث (والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في سورة الصمد. حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن) ]. قوله: [ باب: في سورة الصمد] يقال لها: سورة الصمد لأن فيها هذا الاسم الذي لم يذكر إلا فيها، وهو اسم الصمد، وقيل: إنه من الأسماء التي لا تطلق إلا على الله عز وجل، كما ذكر ذلك ابن كثير في أول تفسيره، فقد ذكر عدة أسماء لا تطلق إلا على الله، وأسماء تطلق على الله وعلى غيره، مثل: العزيز، والرحيم، والرءوف؛ لأنه جاء في القرآن إطلاقها على الله وإطلاقها على غير الله، كما جاء في حق الرسول صلى الله عليه وسلم: بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] فهو عليه الصلاة والسلام وصف بأنه رءوف وأنه رحيم. وذكر رحمه الله جملة من الأسماء التي لا تطلق إلا على الله وحده، مثل: الصمد، والرحمن، والخالق، والبارئ، فإن هذه الأسماء إنما تطلق على الله عز وجل ولا تطلق على غيره. ويقال لها: سورة الإخلاص لأنها مشتملة على توحيد الأسماء والصفات، كما أنه يقال لـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، و(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ): سورتا الإخلاص، وذلك لما اشتملت عليه سورة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) من توحيد العبادة (الإلهية)، و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) من توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العبادة متضمن لتوحيد الربوبية، فيطلق عليهما جميعاً أنهما (سورتا الإخلاص)؛ لأن كل واحدة منهما فيها توحيد، فهذه فيها توحيد عبادة وهذه فيها توحيد أسماء وصفات. قوله:[ (أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن) ] هذا يدل على فضل سورة (قل هو الله أحد) وعظم شأنها. وكونها تعدل ثلث القرآن لأن القرآن مشتمل على توحيد وعلى قصص وعلى أحكام، وقد اشتملت هذه السورة على القسم الأول وهو التوحيد. فقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، اشتمل على اسم الجلالة (الله) الذي هو أصل الأسماء ومرجع الأسماء، والذي عندما تذكر الأسماء يأتي في صدارتها، وكلها تضاف إليه، كما جاء في القرآن كثيراً: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] وقوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الحشر:22] وقوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر:24] فاسم الجلالة يذكر قبل الأسماء. والصمد: هو الغني عن كل ما سواه والمفتقر إليه كل من عداه، وهو الذي تصمد إليه الخلائق لحوائجها. وقوله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4] يعني أنه منزه عن الأصول والفروع والنظراء، فنزه نفسه عن الأصول بقوله: ( لَمْ يُولَدْ ) وعن الفروع بقوله: ( لَمْ يَلِدْ ) وعن النظراء بقوله: ( ولم يكن له كفواً أحد ) يعني: لا يماثله أحد سبحانه وتعالى. إذاً: هذه السورة مشتملة على التوحيد، ولهذا أطلق عليها ثلث القرآن. ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه مؤلف فيها خاص، اسمه (جواب أهل العلم والإيمان فيما جاء في سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن) وهو كتاب مطبوع.
    تراجم رجال إسناد حديث (والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن)

    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن ]. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. أبوه هو عبد الله بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد مشهور بكنيته ونسبته، واسمه سعد بن مالك بن سنان ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    معنى قوله (والذي نفسي بيده)

    قوله: [ (والذي نفسي بيده) ]. هذا القسم للتأكيد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقسم بهذا اللفظ كثيراً، وقوله: [(والذي نفسي بيده)] فيه إثبات صفة اليد لله عز وجل، ولازم ذلك أن كل شيء في ملكه وتحت تصرفه، فإذا فسر مثل هذا اللفظ بأن كل شيء في ملكه وتحت تصرفه وكان المقصود به عدم إثبات اليد فهذا تأويل باطل، وإذا أثبتت اليد وأثبت لازمها وأثرها الذي هو أن كل شيء في يد الله وفي قبضة الله فإن ذلك كله يكون حقاً، وإنما المحذور إذا لم تثبت اليد لله عز وجل، وهذا مثل قوله عز وجل: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] فإذا أريد به أن الملك ملكه وكل شيء في قبضته وكل شيء في يده سبحانه وتعالى مع إثبات اليد فإن ذلك يكون كله حقاً.
    معنى قوله (إنها لتعدل ثلث القرآن)

    قوله: [ (إنها لتعدل ثلث القرآن) ]. يعني: في الفضل، وقيل -أيضاً-: في المعنى، من ناحية أن القرآن يشتمل على قصص وأحكام وتوحيد، وهي مشتملة على الثلث الذي هو التوحيد، لا كما يظن أنها لو قرئت ثلاث مرات فإنها تساوي ختم القرآن، فهذا ليس بصحيح، وإنما يدل على عظم شأنها وعلى عظم فضلها، لكن لا يستغني الإنسان عن القرآن بأن يقرأها ثلاث مرات ويقول: قد قرأت القرآن، فهذا ليس بصحيح.
    الأسئلة



    حكم قيام الليل بسورة الإخلاص وحدها

    السؤال: ما حكم قيام الليل بسورة الإخلاص وحدها تردد في كل ركعة؟


    الجواب: جاء حديث في قصة الرجل الذي كان في سرية وكان يقرأ ويختم بـ(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أي أنه في كل ركعة يأتي بقراءة ثم يأتي معها بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسألوه، فقال: لأنها مشتملة على صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال صلى الله عليه وسلم: أخبروه بأن الله يحبه) فهذا هو الذي كان يرددها في كل ركعة بعدما يقرأ شيئاً قبلها، وهو من الأدلة التي استدل بها على أن الإنسان يمكن أن يقرأ سورة قبل سورة؛ لأنه إذا كان يقرأ بها وليس بعدها في القرآن في المصحف إلا سورتان فإنه يقرأ معها شيئاً قبلها. أما كون الإنسان يقوم الليل ويقرأ في كل ركعة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) عدة مرات ثم يركع والركعة الثانية كذلك فهذا لا يصلح للإنسان أن يفعله، بل يقرأ من القرآن كله ولا يخص القراءة بسورة، إلا إذا كان لا يحفظ إلا هذه السورة وشيئاً قليلاً معها فله أن يردد ما يحفظ.

    حكم فعل أمير السرية في كونه كان يختم قراءته بـ (قل هو الله أحد)


    السؤال: هل فعل أمير السرية سنة في كونه كان يختم قراءته بـ(قل هو الله أحد) في كل ركعة؟


    الجواب: الذي يبدو أنه ليس بسنة؛ لأنه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك، فهي واقعة عين.

    حكم لقب الصمدي

    السؤال: شخص لقبه الصمدي، فما حكم ذلك؟

    الجواب: إذا كانت النسبة إلى الله عز وجل فمثل هذا لا يصلح؛ لأنه لا يختلف المعنى، فمعنى الصمدي أنه متصف بهذا الوصف، فلا يصلح.
    ما جاء في المعوذتين


    شرح حديث (ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المعوذتين. حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني معاوية عن العلاء بن الحارث عن القاسم مولى معاوية عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناقته في السفر، فقال لي: يا عقبة! ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟ فعلمني: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) قال: فلم يرني سُررت بهما جداً، فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة التفت إلي فقال: يا عقبة ! كيف رأيت؟) ]. قوله: [ باب: في المعوذتين ] المعوذتان هما: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ). قوله: [ (كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته في السفر، فقال لي: يا عقبة! ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟ فعلمني: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) قال: فلم يرني سررت بهما جداً) ] يعني: لم يظهر عليه السرور والفرح والاستبشار؛ لأنه كان يتصور أنه يعلمه سوراً طوالاً، وعلمه هاتين السورتين القصيرتين، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما نزل وصلى قرأ بهما في صلاة الصبح، للإشارة إلى عظم شأنهما وأهميتهما، ثم قال له: [ (كيف رأيت؟) ] يعني: هذا الذي علمتك إياه هو هذا الذي قرأت به، فهو صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين عظم شأن هاتين السورتين، وهما المعوذتان. أما كونه عليه الصلاة والسلام قرأ بهما في صلاة الصبح مع أن السنة التطويل فيها فنقول: إن الأصل في الصبح أن تطول فيها القراءة، وذلك لقوله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] لكن قد تقصر فيها القراءة مثل ما جاء في هذا الحديث وفي الحديث الذي سبق أن مر بنا أنه قرأ في صلاة الصبح بـ: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا)، وهذا يدل على أن الصلاة التي يقرأ فيها غالباً بالطول يمكن أن يقرأ فيها بسور قصار، وعلى العكس من ذلك صلاة المغرب، فإن القراءة فيها تكون بسور قصار أو متوسطة، ولكنه في مرة من المرات قرأ فيها عليه الصلاة والسلام بسورة الأعراف وهي تعدل جزءاً وربع جزء. ويمكن أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مراعاة لأحوال الناس؛ لأنه كان في سفر.
    تراجم رجال إسناد حديث (ألا أعلمك خير سورتين قرئتا ...)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني معاوية ]. هو معاوية بن صالح، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن العلاء بن الحارث ]. العلاء بن الحارث ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن القاسم مولى معاوية ]. القاسم مولى معاوية صدوق يغرب كثيراً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن عقبة بن عامر ]. هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين لظلمة شديدة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: (بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتعوذ بـ (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) و(أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )، ويقول: يا عقبة ! تعوذ بهما، فما تعوذ متعوذ بمثلهما، قال: وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة) ]. أورد رحمه حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه مثل الذي قبله من جهة تعليمه إياه المعوذتين وأمره بأن يتعوذ بهما، وأيضاً أمهم بهما في الصلاة، وهو مثل الذي قبله، إلا أن هنا ذكر أنه كان هناك ظلمة وأنه كان يتعوذ بهاتين السورتين، وأمر عقبة بن عامر أن يتعوذ بهما.
    تراجم رجال إسناد حديث تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين لظلمة شديدة

    قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ]. سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو أبو سعيد، وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقبة بن عامر ]. عقبة بن عامر وقد مر ذكره. والواقعة واحدة في الحديثين والله أعلم، والحديث صحيح؛ لأن الطريق الأولى فيها ذلك الرجل الذي يغرب، وهذه الطريق الثانية مثلها إلا أن فيها محمد بن إسحاق وهو صدوق يدلس، فكل من الطريقين تقوي الأخرى."

  10. #210
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [177]

    الحلقة (208)




    شرح سنن أبي داود [177]

    القرآن الكريم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو ذو الشرف الرفيع والمكانة العالية، وبشرفه شرف صاحبه في الدنيا والآخرة، وجعل له عند الله تعالى المنازل العالية، وقد تميز القرآن باستحباب التغني به وتحسين الصوت عند قراءته، وذم هاجره المعرض عنه وناسيه بعد حفظه، كما تميز القرآن الكريم بنزوله أولاً على سبعة أحرف، وبثبوت قراءته آخراً على أوجه توسع معاينه وتزيد من جماله وعظمة بلاغته وفصاحته.

    استحباب الترتيل في القراءة


    شرح حديث (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب استحباب الترتيل في القراءة. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها) ]. قوله: [ باب استحباب ترتيل القرآن] هذه الترجمة فيها أن ترتيل القرآن مستحب، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أنه لا خلاف بين أهل العلم في جواز قراءة القرآن بدون ترتيل ولكنه مع الترتيل أفضل، وصنيع أبي داود هذا يدل على أن ترتيل القرآن مستحب، حيث بوب بالاستحباب ولم يبوب بالوجوب، فأورد حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (يقال لصحاب القرآن: اقرأ وارتق) ] يعني: في الآخرة. قوله: [ (ورتل كما كنت ترتل في الدنيا) ] هذا هو محل الشاهد. قوله: [ (فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) ] هذا في الآخرة، ومن المعلوم أن ذلك مثل التسبيح وغيره مما يلهمه الناس وليس تعبداً، وإنما يتعبد بقراءته في الدنيا، وإذا انتقل إلى الآخرة فله بالحرف الواحد عشر حسنات. إذاً: هم في الآخرة يلهمون التلاوة ويلهمون التسبيح كما يلهمون النفس. وقد ذكر الخطابي وغيره أنه جاء في بعض الأحاديث (أن عدد آي القرآن على قدر عدد درج الجنة، ولكن لا نعلم شيئاً عن هذه الأحاديث التي أشاروا إليها، وهذه الأحاديث التي أشار إليها الخطابي أشار إليها صاحب عون المعبود، لكن لم يذكرا من خرجها ولا درجتها ومنزلتها، ولا وجودها في أي مؤلف، لكن ذكر الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (5/283) أن هذا الحديث هو عند ابن أبي شيبة ، وذكر أن إسناده ضعيف. قوله: [ (يقال لصاحب القرآن) ]. صاحب القرآن هو الذي يقرؤه ويعمل به وليس الذي يقرؤه فقط دون أن يعمل به؛ لأن القرآن يكون حجة للإنسان ويكون حجة عليه، ومن لم يعمل بالقرآن فإنه يكون حجة عليه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (والقرآن حجة لك أو عليك) والحديث في صحيح مسلم ، وهو من أحاديث الأربعين النووية، وفي الحديث الآخر حديث عمر في صحيح مسلم : (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين). أما اشتراط الحفظ في هذا الحديث فلا يوجد شيء يدل عليه، فيمكن أن يكون ذلك بالحفظ ويمكن أن يكون بغير الحفظ، لكن لا شك في أن الحفظ له ميزة؛ لأن الإنسان يستطيع أن يقرأ ماشياً وراكباً ومضطجعاً وعلى غير وضوء، بخلاف الإنسان الذي لا يحفظ فإنه لا يتمكن من قراءته على غير وضوء؛ لأنه لا يقرأ إلا من المصحف، ولا يتيسر له ذلك في كل وقت، إذ لابد من أن يكون على طهارة عندما يقرأ القرآن من المصحف، لكن أمور الآخرة علمها عند الله عز وجل، فكون الإنسان يكون حافظاً وأنه يقرأ هو من أمور الآخرة، ولا ندري كيف تكون أحوال الآخرة بالنسبة لمن لا يحفظ وهو مكثر من قراءة القرآن.
    تراجم رجال إسناد حديث: (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ...)

    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عاصم بن بهدلة ]. هو عاصم بن بهدلة بن أبي النجود ، وهو أحد القراء، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وحديثه في الصحيحين مقرون، أي: أن صاحبي الصحيح رويا عنه مقروناً ولم يرويا عنه استقلالاً. [ عن زر ]. هو زر بن حبيش ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. .
    شرح حديث (سألت أنساً عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يمد مداً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا جرير عن قتادة قال: (سألت أنساً رضي الله عنه عن قراءة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: كان يمد مداً) ]. قوله: [ (كان يمد مداً) ] يعني أنه يمد الشيء الذي يحتاج إلى مد، ومعناه أنها قراءة مرتلة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (سألت أنساً عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يمد مداً)

    قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد ، مر ذكره. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سألت أنساً ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود التي هي أعلى ما يكون عنده، إذ يرويه مسلم بن إبراهيم عن جرير عن قتادة عن أنس بن مالك ، ففيه أربعة أشخاص بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث أم سلمة في نعت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي حدثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك : (أنه سأل أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصلاته، فقالت: وما لكم وصلاته؟ كان يصلي وينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح، ونعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءته حرفاً حرفاً) ]. قوله: [ (فقالت: وما لكم ولصلاته؟) ] يعني: إنكم لا تطيقون أن تفعلوا مثل ما يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم. قولها: [ (إنه كان يصلي وينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح ) ] معناه أنه يحصل منه صلاة ثم نوم بمقدارها، ثم صلاة بعد ذلك ثم نوم بمقدار الصلاة، ثم صلاة ثم نوم بمقدارها حتى يصبح. قوله: [ (ونعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءته حرفاً حرفاً) ] يعني أن كل حرف يخرجه من مخرجه الصحيح، فلا يدخل حرفاً في حرف، وإنما هي قراءة مرتلة تظهر فيها جميع الحروف. وهذا الحديث في إسناده يعلى بن مملك ، وهو مقبول، فالحديث غير صحيح، ثم إنه مخالف لما جاء في الأحاديث الأخرى من صلاة الليل في أنه كان يصلي في أول الليل ويوتر، ويصلي في وسط الليل ويوتر، ويصلي في آخر الليل ويوتر، وجاء في بعض الأحاديث أنه كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وهذه الطريقة التي جاءت في هذا الحديث فيها أنه كان يصلي ثم ينام مقدار ما صلى، ثم يصلي، ثم ينام مقدار ما صلى، ثم يصلي حتى يطلع الصبح، ففيه ما فيه، وهذا الرجل الذي هو يعلى بن مملك مقبول، أي: يحتج به عند الاعتضاد، ولا يوجد ما يعضده.
    حكم الحديث من حيث التصحيح والتضعيف

    تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في نعت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته


    قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي ]. يزيد بن خالد بن موهب الرملي هو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي مليكة ]. هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يعلى بن مملك ]. يعلى بن مملك مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أنه سأل أم سلمة ]. أم سلمة هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو على ناقة يقرأ بسورة الفتح وهو يرجّع)


    قال المنصف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة وهو على ناقة يقرأ بسورة الفتح وهو يُرجَّع)]. المراد بالترجيع هو الترتيل وتحسين الصوت بالتلاوة، وهذا هو الذي يطابق الترجمة، وقيل: إن معناه أنه يردد ويكرر القراءة.

    تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو على ناقة يقرأ بسورة الفتح وهو يرجع)


    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن قرة ]. معاوية بن قرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مغفل ]. عبد الله بن مغفل رضي الله عنه هو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود ، وهي أعلى الأسانيد عنده رحمه الله، فبين أبي داود وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الإسناد أربعة أشخاص، وهم: حفص بن عمر و شعبة و معاوية بن قرة و عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه.
    شرح حديث (زينوا القرآن بأصواتكم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم) ]. قوله: [ (زينوا القرآن بأصواتكم) ] ذكر الخطابي أن الحديث قد يكون مقلوباً، وقال: إنه جاء في رواية: (زينوا أصواتكم بالقرآن) ويبدو -والله أعلم- أنه ليس هناك قلب، وأن المقصود بالقرآن القراءة، يعني: زينوا القراءة بأصواتكم وليس المقصود به القرآن؛ لأن لفظ القرآن يطلق ويراد به معنيان: أحدهما: القرآن الذي هو كلام الله عز وجل والذي هو غير مخلوق، ومنه قول الله عز وجل: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] وقوله سبحانه: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن:1-2] فإن المقصود به المقروء المتلو الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى. الثاني: القراءة، كما في قوله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] يعني: قراءة الفجر، وكذلك قوله في سورة القيامة: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:16-18] يعني: اتبع قراءته، وقد ذكر ذلك شارح الطحاوية وقال: إن القرآن يأتي ويراد به القراءة ويأتي ويراد به المقروء، وذكر هذا الحديث: (زينوا القرآن بأصواتكم) يعني: زينوا القراءة بأصواتكم. وعلى هذا فيكون المقصود بالقرآن هنا القراءة التي هي فعل العبد والتي هي مخلوقة؛ لأن القرآن فيه ملفوظ ولفظ وفيه قراءة ومقروء، وتلاوة ومتلو، فالتلاوة والقراءة هي فعل العبد وهي مخلوقة، وأما القرآن الذي هو كلام الله عز وجل الذي هو المقروء المسموع المكتوب في المصاحف فهو غير مخلوق. إذاً: معنى الحديث هنا: [ (زينوا القرآن بأصواتكم) ] أي: زينوا القراءة بأصواتكم أو حسنوا القراءة بأصواتكم، فهنا أمر بالتحسين والتزيين الذي هو فعل العبد. والحديث يدل على ما ترجم له المصنف، وهو ترتيل القراءة؛ لأن الترتيل هو من التحسين أو هو من التزيين.
    تراجم رجال إسناد حديث (زينوا القرآن بأصواتكم)

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طلحة ]. هو طلحة بن مصرف اليامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويحتمل أن يكون طلحة بن نافع ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وذلك أن الأعمش يروي عن الاثنين، وكل منهما يروي عن عبد الرحمن بن عوسجة ، وطلحة بن مصرف كوفي والأعمش كوفي و عبد الرحمن بن عوسجة كوفي، فالأقرب أن يكون هو طلحة بن مصرف . [ عن عبد الرحمن بن عوسجة ] عبد الرحمن بن عوسجة وثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن البراء ]. هو البراء بن عازب رضي الله عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث (ليس منا من لم يتغن بالقرآن)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي و قتيبة بن سعيد و يزيد بن خالد بن موهب الرملي -بمعناه- أن الليث حدثهم عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن أبي نهيك عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه -وقال يزيد : عن ابن أبي مليكة عن سعيد بن أبي سعيد ، وقال قتيبة : هو في كتابي عن سعيد بن أبي سعيد - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ]. قوله: [ (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ] يعني: يحسن صوته بالقرآن من غير تمطيط ومن غير تكلف ومن غير مجاوزة للحد، أي: من غير إفراط ولا تفريط. إذاً: فالتغني بالقرآن هو أن يحسن صوته بقراءة القرآن، فهو دال على ما ترجم له المصنف من استحباب ترتيل التلاوة في القرآن.

    تراجم رجال إسناد حديث (ليس منا من لم يتغن بالقرآن)


    قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و يزيد بن خالد بن موهب الرملي ]. يزيد بن خالد بن موهب الرملي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ بمعناه ]. يعني أن المعنى واحد واللفظ مختلف فيما بينهم. [ أن الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي مليكة ]. هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي نهيك ]. عبد الله بن أبي نهيك وثقه النسائي ، وأخرج له أبو داود . [ عن سعد بن أبي وقاص ]. هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ وقال يزيد : عن ابن أبي مليكة عن سعيد بن أبي سعيد ]. يعني أنه جعل سعيد بن أبي سعيد بدل عبد الله بن أبي نهيك . ويبدو أنه سعيد بن أبي سعيد المقبري . والقائل هو يزيد بن خالد بن موهب الشيخ الثالث من شيوخ أبي داود في سند الحديث. قوله: [ وقال قتيبة : هو في كتابي عن سعيد بن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. يعني أنه ليس من طريق سعد ولكن سعيد بن أبي سعيد رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيكون من قبيل المرسل، لكن الحديث -كما هو معلوم- ثابت من الطريق الأولى، وسيأتي من طرق أخرى.

    إسناد آخر لحديث التغني بالقرآن وتراجم رجاله


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن أبي نهيك عن سعد رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثله ]. ثم أورد الحديث من طريق أخرى عن سعد بن أبي وقاص ، وهو مثل اللفظ المتقدم، أي: مثل المتن السابق. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة ]. هو سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو ]. هو عمرو بن دينار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن أبي نهيك عن سعد ]. قد مر ذكرهم، وعبيد الله بن أبي نهيك يقال له: عبد الله ويقال له: عبيد الله . [ عن عبيد الله بن أبي نهيك ].

    شرح حديث أبي لبابة في التغني بالقرآن


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا عبد الجبار بن الورد قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال عبيد الله بن أبي يزيد : (مر بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته، فدخلنا عليه فإذا رجل رث البيت رث الهيئة، فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن) قال: فقلت لابن أبي مليكة : يا أبا محمد ! أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: يحسنه ما استطاع ]. قوله: [ (مر بنا أبو لبابة فاتبعناه فدخل بيته فإذا رجل رث البيت رث الهيئة) ] يعني: ليس هناك زيادة في أمور البيت، وإنما هي أمور سهلة. قوله: [ (فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ] هو مثل الذي قبله. قوله: [ فقلت لابن أبي مليكة : يا أبا محمد ! أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: يحسنه ما استطاع ] يعني أنه يجتهد في تحسينه إذا لم يكن حسن الصوت. والقائل هو تلميذ ابن أبي مليكة عبد الجبار بن الورد . قوله: [ يا أبا محمد ]. هذه كنية ابن أبي مليكة .
    تراجم رجال إسناد حديث أبي لبابة في التغني بالقرآن

    قوله:[ حدثنا عبد الأعلى بن حماد ]. عبد الأعلى بن حماد لا بأس به، وهو بمعنى (صدوق)، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الجبار بن الورد ]. عبد الجبار بن الورد صدوق يهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال عبيد الله بن أبي يزيد ]. عبيد الله بن أبي يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي لبابة ]. هو أبو لبابة الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة .
    معنى قوله (ليس منا)

    قوله: [ ليس منا ] يعني أنه ليس على طريقتنا أو ليس على منهجنا، أو على ما ينبغي أن يكون عليه من هو منا، وهذا يدل على تأكيد واستحباب تحسين الصوت بالقرآن.
    بيان معنى التغني بالقرآن عند وكيع وابن عيينة وتراجم رجال الإسناد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري قال: قال وكيع و ابن عيينة : يعني: يستغني به ]. لا شك في أن القرآن يستغنى به وبالسنة عن غيرهما؛ لأنهما الأساس وهما مصدر كل خير، ولكن المقصود هو تحسين الصوت بالتلاوة وليس المقصود به الاستغناء بالقرآن. فقولهما: [ يستغني به ] هو من الغنى والاكتفاء، ولكن المقصود -كما تقدم- هو تحسين الصوت بالقرآن. وقد سبق عن ابن أبي مليكة أنه قيل له: [ أرأيت إن لم يكن حسن الصوت؟ قال: يحسن صوته ما استطاع ]. قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ قال: قال وكيع ] هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وابن عيينة ]. هو سفيان الذي مر قريباً. وهذا يقال له: مقطوع؛ لأن الإسناد الذي ينتهي إلى من دون الصحابي يقال له: مقطوع، والذي ينتهي إلى الصحابي يقال له: موقوف، والذي ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع. إذاً: هذا مقطوع المتن؛ لأن المقطوع هو من صفات المتن، أما الانقطاع فهو من صفات الإسناد، فهذا هو الفرق بين المقطوع والمنقطع، وهما نوعان من أنواع علوم الحديث.
    شرح حديث (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب حدثني عمر بن مالك و حيوة عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به) ]. قوله: [ (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به) ] يعني حسن الصوت بالقراءة؛ لأن القرآن المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إنما يتلوه نبينا عليه الصلاة والسلام، وأما سائر الأنبياء فإنهم لا يتلون إلا كتبهم، كما جاء في الحديث أن أباموسى أعطي مزماراً من مزامير آل داود في حسن صوته وحسن قراءته، فالمراد به هنا حسن الصوت بالقراءة وليس بالقرآن الذي هو منزل على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأن القرآن المنزل على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لم ينزل على أحد قبله، ولكن الأنبياء السابقين نزلت عليهم الكتب وهم يقرءونها. وأما ذكر القرآن في الكتب السابقة فقد جاء في القرآن في قول الله عز وجل: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ [الشعراء:196] والمقصود أنه جاء ذكره وليس هو؛ لأن القرآن لم ينزل -حتى يكون مسطراً في كتب الأولين- على أحد قبل نبينا عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (أذن) ] يعني: استمع. وقوله: [ (يجهر به) ] ليس تفسيراً للتغني، ولكن لبيان أنه يقرأ ويجهر ويحسن صوته به، ومن المعلوم أن ظهور الصوت وتحسينه إنما يعرف عندما يجهر به، والجهر ليس المقصود به التغني؛ لأنه قد يجهر به بدون ترتيل وبدون تزيين، وقد يجهر به وهو مسرع سرعة شديدة، فليس هذا هو التغني، وإنما المقصود بالتغني تحسين الصوت بالقراءة.
    تراجم رجال إسناد حديث (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن ...)

    قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. هو سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عمر بن مالك ]. عمر بن مالك لا بأس به، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ وحيوة ]. هو حيوة بن شريح المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن الهاد ]. هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ]. هو محمد بن إبراهيم الحارثي التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
    الأسئلة



    حكم قراءة المرأة القرآن لغير محارمها استدلالاً بحديث أم سلمة


    السؤال: على اعتبار صحة حديث أم سلمة هل يمكن الاستدلال بجواز قراءة المرأة للرجال حيث نعتت أم سلمة قراءته صلى الله عليه وسلم حرفاً حرفاً؟


    الجواب: معلوم أن أم سلمة أخبرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي تخبر بالقراءة كما تلقي الحديث، وكون المرأة تقرأ للرجال يصلح، وإنما إذا كانوا من محارمها فإنها تقرأ لهم، وأما غير المحارم فلا تقرأ لهم.

    حكم قراءة المأموم الفاتحة والإمام يقرأ السورة بعدها

    السؤال: ما حكم قراءة الفاتحة عندما يبدأ الإمام في السورة في الصلاة الجهرية؟


    الجواب: المأموم يقرأ الفاتحة والإمام يقرأ السورة.

    حكم تقليد ومحاكاة أحد القراء في القراءة

    السؤال: هل يجوز تقليد أحد من أئمة القراءة في القراءة؟


    الجواب: لا يصح للإنسان أن يتكلف ويحاكي الناس، وإنما يأتي بالقراءة كما يسر الله له، دون أن يتكلف محكاة أحد، ويحسن صوته ما استطاع دون محاكاة وتكلف.
    التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه

    شرح حديث: (ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه. حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن إدريس عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله عز وجل يوم القيامة أجذم) ]. قوله: [ باب التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه ] هذا من الوعيد، ولكن هذا الحديث غير صحيح وغير ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله عز وجل يوم القيامة أجذم) ] الأجذم فسر بعدة تفسيرات، قيل: إن فيه الجذام، وقيل: إنه أقطع اليد، وقيل: إنه لا حجة له. ولكن الحديث غير صحيح؛ لأن فيه ثلاث علل: الأولى: أن يزيد بن أبي زياد ضعيف. الثانية: أن شيخه عيسى بن فائد مجهول. الثالثة: رواية عيسى بن فائد عن الصحابة منقطعة؛ لأنه جاء في بعض الأسانيد: عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد بن عبادة .
    تراجم رجال إسناد حديث (ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه ...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو أبو كريب ، مشهور بكنيته، و أبو داود رحمه الله كثيراً ما يذكره باسمه، أما مسلم فغالباً ما يذكره بكنيته، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عيسى بن فائد ]. عيسى بن فائد مجهول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن سعد بن عبادة ]. سعد بن عبادة رضي الله عنه هو سيد الخزرج، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.
    حكم من نسي القرآن بعد حفظه إعراضاً عنه أو غير إعراض عنه

    إن من حفظ القرآن ثم نسيه إعراضاً عنه لا شك في أنه على خطر، أما من نسيه من غير إعراض فلا شك في أنه خسر خسارة كبيرة وفاته خير كثير، والإنسان عندما يوفقه الله عز وجل لحفظ القرآن أو لحفظ شيء منه ينبغي له أن يحرص على تعاهده.
    نزول القرآن على سبعة أحرف



    شرح حديث (... إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (سمعت هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله! إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اقرأ. فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هكذا أنزلت. ثم قال لي: اقرأ. فقرأت فقال: هكذا أنزلت. ثم قال: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه) ]. قوله: [ باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف ]. أورد المصنف في هذا الباب عدة أحاديث، أولها: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [ (أنه سمع هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على خلاف ما سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرأه إياها، فعمر ذهب بهشام إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال: إن هذا يقرأ سورة الفرقان على وجه لم تقرئني إياه، فقال له: اقرأ يا هشام فقرأ فقال: [ (هكذا أنزلت) ] ، ثم بعد ذلك قال لعمر : اقرأ، فقرأ فقال: [ (هكذا أنزلت) ] يعني أن كلاً من القراءتين مما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قراءة هشام وقراءة عمر . قوله: [ (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) ]. اختلف في المراد بالأحرف السبعة، فقيل: المقصود بها أوجه من أوجه لغة العرب، أي أن القرآن نزل على هذا الوجه للتخفيف في أول الأمر؛ لأن العرب كانوا متفرقين وكانوا مختلفين وكانوا متنابذين وكل له لغته، ويكون عند هذه القبيلة ما ليس عند القبيلة الأخرى، ولكن لما جمع بينهما الإسلام واتصل بعضهم ببعض وذهب ما بينهم من العداوة والشحناء بسبب الإسلام وعرف كل ما عند الآخرين من اللغة قام عثمان بن عفان رضي الله عنه فجمع الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة؛ حتى لا يحصل الاختلاف بين الناس؛ لأن المقصود من إنزال القرآن على سبعة أحرف هو التخفيف، وقد حصل ذلك بالتقاء العرب بعضهم ببعض وفهم كل واحد ما عند الآخرين، فلم يكن هناك حاجة إلى بقاء الأحرف السبعة التي نزلت للتخفيف، فعند ذلك قصر عثمان رضي الله عنه -عندما جمع القرآن- الناس على حرف واحد، وأحرق ما سوى ذلك؛ حتى لا يحصل الاختلاف. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب (إعلام الموقعين) أدلة كثيرة لسد الذرائع، ذكر تسعة وتسعين دليلاً كلها تدل على سد الذرائع، وختمها بجمع عثمان القرآن على حرف واحد وأنه سد لذريعة الاختلاف، ووافقه على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين. ومما ينبغي أن يعلم أن الأحرف غير القراءات؛ لأن القراءات موجودة لم تنته، وأما الأحرف السبعة فإنه ليس هناك عند الناس إلا حرف واحد، وهو الموجود في المصحف الذي جمعه عثمان ، والقراءات تختلف باختلاف النقط والشكل والحركة مثل: (يعلمون( و(تعلمون)، ومثل: (قال) و(قل)، ومثل: (عجبتَ) و(عجبتُ)، فهذه قراءات موجودة، أما الأحرف التي تأتي فيها الكلمة بعدة ألفاظ فإنها انتهت ولم يبق عند الناس إلا حرف واحد هو الذي جمعه أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، ووافقه على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم وأرضاهم. ثم إنه لا يلزم أن تكون كل كلمة فيها سبعة أحرف؛ لأنه ليس المراد بالعدد التكثير كما يقوله بعض أهل العلم، وإنما المقصود بالسبعة الأحرف سبع لغات لا يتجاوزها؛ لأنه -كما سيأتي في الحديث- كان يستزيد مرة ثم مرة حتى وصل السابعة ثم وقف عند ذلك. إذاً: المقصود أنه ينتهي إلى سبعة أحرف، ولا يلزم أن تكون كل كلمة على سبعة أحرف، بل يمكن أن تكون كلمات بحرف واحد وهذا هو الكثير، وبعض الكلمات تكون بحرفين، وبعضها بسبعة، ولكن لا تزيد على السبعة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ...)


    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن عبد القاري ]. عبد الرحمن بن عبد القاري يقال له رؤية وذكره العجلي في ثقات التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت عمر بن الخطاب ]. هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    معنى قوله: (فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف)

    قال عمر رضي الله عنه: [ (فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه) ]. يعني: أراد أن يقاطعه، ولكنه تركه حتى انتهى فأخذ بردائه وذهب به إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يدلنا على عناية الصحابة بالقرآن واهتمامهم به والمحافظة عليه، وأنه لما سمع شيئاً يخالف ما كان عليه ظن أن هذا شيء غير صحيح، فعمل معه هذا العمل حيث ذهب به إلى رسول عليه الصلاة والسلام. وهشام بن حكيم لا أعلم هل كان في صلاة أو في قراءة؛ لكن عمر أمهله حتى انتهى من القراءة.

    شرح أثر الزهري في معنى الأحرف السبعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال: قال الزهري : إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد، ليس يختلف في حلال ولا حرام ]. هذا الأثر المقطوع عن الزهري رحمة الله عليه قال فيه: [ إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد، ليس يختلف في حلال ولا حرام ] يعني: تكون عند بعض العرب بهذا اللفظ وعند بعض العرب بلفظ آخر، كما جاء في بعض الأحاديث أن بعض القبائل كانوا لا يعرفون السكين وإنما هي عندهم مدية، وعند بعض القبائل هي سكين، لكن كلا اللفظين في معنى واحد. فليس المعنى أن هذا الحرف فيه حلال وهذا فيه حرام، وإنما هو على أمر واحد إما حلال وإما حرام، ولكن الاختلاف إنما هو في الألفاظ من أجل التيسير.

    تراجم رجال إسناد أثر الزهري في معنى الأحرف السبعة


    قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن الفارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرزاق ] هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ، ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قال الزهري ]. الزهري قد مر ذكره.

    شرح حديث (إني أقرئت القرآن فقيل لي على حرف أو حرفين؟ ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن سليمان بن صرد الخزاعي رضي الله عنه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أبي ! إني أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل: على حرفين، قلت: على حرفين، فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل: على ثلاثة، قلت: على ثلاثة، حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف إن قلت سميعاً عليماً عزيزاً حكيماً، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب) ]. قوله: [ (أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل: على حرفين ... حتى بلغ إلى سبعة أحرف) ] أن الأحرف منتهاها سبعة، وأنه ليس المراد أكثر من سبعة أحرف؛ لأنه ذكر هذا الترقي من واحد إلى أن وصل إلى سبعة، ثم قال: [ (ليس منها إلا شاف كاف) ] يعني: أي واحد منها هو شاف كاف. قوله: [ (إن قلت سميعاً عليماً عزيزاً حكيماً، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب) ]، هذا فيما مضى وفي شيء قد انتهى، وأما الآن فليس أمام الناس إلا ما هو موجود في المصحف، فيتعين عليهم أن يأتوا بما هو موجود في المصحف، وليس بإمكانهم أن يأتوا بشيء خلاف ذلك. وهذا يفيد أن هذا مما كان موجوداً من قبل، ولكنه بعد جمع القرآن على حرف واحد في عهد عثمان رضي الله عنه لم يكن أمام أي مسلم إلا أن يأتي بالقرآن على ما هو عليه، وعلى الصيغة وعلى اللفظ وعلى الترتيل الذي جاء في هذا المصحف الذي جمعه عثمان رضي الله عنه وأرضاه.

    تراجم رجال إسناد حديث ( إني أقرئت القرآن فقيل لي على حرف أو حرفين؟ ...)


    قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. مر ذكره. [ حدثنا همام بن يحيى ]. هو همام بن يحيى العوذي ، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. مر ذكره. [ عن يحيى بن يعمر ]. يحيى بن يعمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن صرد ]. عن سليمان بن صرد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ]. أبي بن كعب رضي الله عنه هو صحابي مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث (إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تقرئ أمتك على حرف، قال: أسأل الله معافاته ومغفرته، إن أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه ثانية فذكر نحو هذا، حتى بلغ سبعة أحرف، قال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا) ]. أورد أبو داود حديث أبي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اُقرِئ القرآن على حرف، فسأل الله معافاته ومغفرته، فزيد حتى وصل إلى سبعة أحرف، وأن أي حرف قرءوا به فقد أصابوا. قوله: [ كان النبي صلى الله عليه وسلم عند أضاة بني عفار ]. الأضاة: هي غدير ماء.
    تراجم رجال إسناد حديث (إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف ...)

    قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. هو محمد بن جعفر الملقب بغندر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة مر ذكره. [ عن الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي ليلى ]. هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ] أبي بن كعب رضي الله عنه مر ذكره.
    حكم كتابة المصحف بحرف الإملاء دون الرسم العثماني

    لا يجوز أن يكتب القرآن بالكتابة المعهودة عند الناس؛ لأن كتابته بذلك لا يحصل معها بقاء القراءات والرسم، فمثلاً: قول الله عز وجل في سورة الزخرف: قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ [الزخرف:24] تكتب فيه كلمة (قال) هكذا (قل)؛ لكونها قد قرئت بـ(قُل)، فلو كتبت (قال) بالقاف وبعدها ألف ثم لام فإنها لا تستوعب قراءة (قل) ولا يمكن أن تدخل قراءة (قل) في كلمة (قال)، لكن لما كانت في رسم المصحف متصلة فيها القاف باللام فعند قراءة (قل) تكون القاف مفتوحة وألف صغيرة فوق القاف تدل على أن اللام مفتوحة، وعلى قراءة (قُلْ) تكون القاف مضمومة واللام ساكنة، فالرسم استوعب القراءتين، لكن لو رسمت على قراءة (قال) فإنها لا تحوي القراءتين، وكذلك الآية التي في سورة الأنبياء، حيث يقول عز وجل: قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ [الأنبياء:112] ترسم هكذا (قل) بأن ترسم القاف متصلة باللام، وأما الكلمة التي ليس فيها القاف متصلة باللام مثل: قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:23] فإنك تجد الألف موجودة مع القاف، وذلك عندما لا يكون هناك احتمال لأي قراءة ثانية، فجاءت الألف منفصلة عن اللام وليست القاف متصلة باللام. ومثل قول الله عز وجل في آخر سورة التحريم: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ [التحريم:12] فقوله: (وكتبه) هو في قراءة حفص ، أما قراءة الجمهور فهي (وكتابه)، فجاء الرسم على أن التاء متصلة بالباء هكذا (كتبه) والتاء مفتوحة مع ألف صغيرة فوق التاء، وعند قراءة (كتبه) تكون التاء مضمومة، ولو كتبت و(كتابه) بحيث تكون الألف متصلة بالتاء ثم الباء تأتي بعد ذلك مع الهاء لما استوعبت قراءة (كتبه). فإذاً: رسم المصحف والمحافظة عليه أمر مطلوب؛ لأن فيه استيعاب القراءات وتحمل القراءات، فلا يجوز أن يكتب القرآن بحروف الإملاء، ومعلوم أن حروف الإملاء قد تكتب على خلاف ما ينطق به، مثل (لكن) فلا أحد يكتب فيها الألف مع اللام ثم (كن) لوحدها هكذا (لاكن)؛ لأن الناس اصطلحوا على أن اللام متصلة بالكاف فلا تكتب بلام ألف ثم كاف ونون (لاكن) مع أن فيها ألفاً. إذاً: رسم المصحف له خاصيته وله ميزته، وذلك أنه يستوعب القراءات.
    طرق أثر (عدد درج الجنة عدد آي القرآن) وبيان درجته ومظانه

    وهذا الأثر الذي ذكره الشيخ الألباني في المجلد الخامس من السلسة الضعيفة هو موقوف على عائشة رضي الله عنها وضعيف؛ لأن فيه معفس بن عمران ، لكن له طريق آخر لم يذكره الشيخ، حيث ورد الحديث من طريقين عن عائشة رضي الله عنها: أحدهما مرفوع، والآخر موقوف، أما المرفوع فرواه البيهقي في شعب الإيمان في الجزء الثاني قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد الخياط ببغداد من أصل كتابه قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن روح قال: حدثنا الحكم بن موسى قال: حدثنا شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عدد درج الجنة عدد آي القرآن، فمن دخل الجنة من أهل القرآن فليس فوقه درجة). قال الحاكم : هذا إسناد صحيح ولم يكتب هذا المتن إلا بهذا الإسناد وهو من الشواذ. وفي هذا الإسناد محمد بن أحمد الخياط القنطري شيخ الحاكم ، ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد في الجزء الأول، وذكر عن ابن أبي الفوارس أن فيه ليناً، وشيخه محمد بن روح لعله البزاز ترجم له الخطيب في الجزء الخامس، ولم يذكر فيه شيئاً، والحديث ذكره الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع وقال: ضعيف، ورمز له بالبيهقي في الشعب، إلا أنه وقع عنده بلفظ (عدد آنية الجنة) بدل (عدد درج الجنة) وأشار إلى السلسلة الضعيفة برقم لم يطبع بعد، ثم ذكر الموقوف الذي تكلم عليه الذي أخرجه ابن أبي شيبة . وهذا الذي عند البيهقي ضعفه الألباني .
    تفسير الألباني لصاحب القرآن المقصود في الحديث

    الشيخ الألباني في السلسلة أخرج حديث: (يقال لصاحب القرآن..) وذكر فائدة في تفسير معنى صاحب القرآن، وهي أن المقصود به الحافظ الذي يحفظ القرآن، وهذا لا شك في أنه داخل في هذا، لكن يحتمل أيضاً أن يكون غيره. وكما أنه ينزع القرآن من الصدور في آخر الزمان فلا يبقى منه شيء فكذلك يمكن أن يوضع في الصدور ويتمكن الإنسان مع ذلك من القراءة إذا كان الإنسان معنياً بالقراءة في المصحف في حياته وكثير التلاوة، ولا شك في أن الذي يحفظ القرآن أمره واضح؛ لأن كثرة قراءته تختلف عن غيره من ناحية أنه يتمكن من القراءة راكباً وماشياً ومضطجعاً وفي جميع أحواله، بخلاف الذي يقرأ المصحف، فإنه لا يقرأ إلا في حالة معينة يجلس فيها لقراءة القرآن. والله تعالى أعلم."



  11. #211
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [178]

    الحلقة (209)





    شرح سنن أبي داود [178]

    الدعاء عبادة من العبادات، وقربة من القربات، وبه تطلب الحاجات وتستنزل الرحمات، وقد شرع له جملة من الآداب المهمة التي يتأدب بها السائل حين يسأل ربه الحيي الكريم الذي يستحي من عبده حين يدعوه أن يرد يديه صفراً، ومن هذه الآداب العظيمة: أن يسبق الدعاء جملة من الثناء على الله تعالى ثم الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا شرع المرء في دعائه فليدع بجوامع الدعاء، وليسأل الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة، وليحذر أن يعتدي في دعائه فيدعو بما لا يسأل مثله، فإذا فرغ من دعائه فلا يستعجل الإجابة ويستبطئ المطلوب، بل عليه أن يلح على الله بالدعاء، وليعلم أن ما قضاه الله خير له.

    ما جاء في الدعاء


    شرح حديث (الدعاء هو العبادة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الدعاء. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن منصور عن ذر عن يسيع الحضرمي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى وسلم قال: (الدعاء هو العبادة (( قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))[ غافر:60 ]) ]. قوله: [ باب الدعاء ] الدعاء هو الطلب والسؤال من الله عز وجل، وقد يطلق ويراد به ذكر الله عز وجل، ويكون من قبيل دعاء العبادة؛ لأن الدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة، فدعاء المسألة هو كون الإنسان يسأل ويقول: (رب اغفر ل)ي، (رب ارحمني)، (رب هب لي كذا)، (رب اصرف عني كذا)، ودعاء العبادة يدخل تحته الذكر، فهو عبادة لله عز وجل وليس مسألة. وقوله: [ (الدعاء هو العبادة) ] يدلنا على عظم شأن الدعاء، وهذا اللفظ كأنه حصر، وهو مثل قوله: (الحج عرفة)، ومثل قوله: (الدين النصيحة) إذاً: الدعاء له شأن عظيم، وهو عبادة لله عز وجل، فيسأل الإنسان ربه، ويعول عليه، ويسأل حاجاته منه ولا يسأل غيره، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، وفي سورة الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5 ]. فقوله: [ (الدعاء هو العبادة) ] يدلنا على عظم شأن الدعاء، وأنه من أنواع العبادة، وأنواع العبادة كثيرة، ومنها: الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والإنابة، والاستغاثة، والاستعانة، والخشية، كل ذلك من أنواع العبادة. وجاء في حديث ضعيف: (الدعاء مخ العبادة)، وأما قوله: [ (الدعاء هو العبادة) ] فهو حديث صحيح. وقوله تعالى: [ ((( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))[ غافر:60 ])] فيه أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، ثم قال بعد ذلك: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [ غافر:60 ] فدل هذا على أن الدعاء عبادة. فهذا حديث عظيم يدل على عظم شأن الدعاء، ولهذا صدر به أبو داود رحمه الله الأحاديث التي تتعلق بهذا الباب الذي هو باب الدعاء.

    تراجم رجال إسناد حديث (الدعاء هو العبادة)


    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ذر ]. هو ذر بن عبد الله الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يسيع الحضرمي ]. يسيع الحضرمي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن النعمان بن بشير ]. النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما هو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار الصحابة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام توفي وعمره ثمان سنوات، وحدث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجاءت أحاديث له صرح فيها بالسماع، مثل الحديث المشهور الذي هو من قواعد الإسلام ومن جوامع الكلم، وهو: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس) فإنه قال فيه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا). ورواية الصغار إذا تحملوا في الصغر وأدوا في الكبر معتبرة عند المحدثين، وكذلك الكافر إذا تحمل في حال كفره وأدى في حال إسلامه. فمن أمثلة تحمل الصغير في حال صغره وأدائه في حال كبره حديث النعمان بن بشير : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلال بين والحرام بين...). وكذلك هذا الحديث وغيره من الأحاديث. وتحمل الكافر في حال كفره وتأديته بعد إسلامه مثاله حديث أبي سفيان الطويل المشهور مع هرقل الذي يحكي فيه ويذكر ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام من الصفات والأخلاق، فإنه قال ذلك في حال كفره وأداه في حال إسلامه.
    شرح حديث (سيكون قوم يعتدون في الدعاء..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن زياد بن مخراق عن أبي نعامة عن ابن لسعد أنه قال: سمعني أبي رضي الله عنه وأنا أقول: (اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، فقال: يا بني ! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: سيكون قوم يعتدون في الدعاء، فإياك أن تكون منهم، إنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر) ]. ومعنى هذا الحديث أن هناك قوماً يعتدون في الدعاء، وجعل سعد رضي الله عنه ما قاله ابنه من الاعتداء في الدعاء، وهو كون الإنسان يدعو بأشياء لا حاجة إليها، ويكثر من ذكرها وتعدادها، كذكر ما للنار من الصفات وما فيها من الأهوال، وذكر ما في الجنة وصفاتها وأحوالها، فهذا يعتبر من الاعتداء في الدعاء الذي حذر منه رسول الله عليه الصلاة والسلام. قوله: [ إياك أن تكون منهم ... ] إلى آخره هو من كلامه لابنه، أما الحديث المرفوع فهو [ (سيكون قوم يعتدون في الدعاء) ]. هذا الحديث في إسناده ابن سعد الذي هو مبهم ولم يسم، وقال المنذري : إن كان عمر بن سعد فإنه ضعيف. والحديث صححه الألباني وأحاله إلى حديث مضى عن عبد الله بن مغفل، وهو بمعناه، وفيه: (إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء) فالحديث جاء من طريق أخرى عن أبي نعامة نفسه الذي يروي عن ابن سعد، لكن هنا يروي عن عبد الله بن مغفل، فيكون الحديث صحيحاً. وقد مر عند أبي داود في باب الإسراف في الماء وفيه: (إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء) فأورده في كتاب الطهارة من أجل قوله: (يعتدون في الطهور) ومعناه أنهم يتجاوزون الحد فيه، والدعاء هو الذي يطابق ما نحن فيه، ويطابق ما عندنا في هذه الترجمة، والحديث صحيح؛ لأنه جاء من طريق أخرى صحيحة، فوجود هذا المبهم لا يؤثر؛ لأنه ثبت من طريق أبي نعامة نفسه الذي يروي عن ابن لسعد ، حيث روى عن عبد الله بن مغفل أن ابناً له قال: (اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني! سل الله الجنة وتعوذ به من النار؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء).
    تراجم رجال إسناد حديث: (سيكون قوم يعتدون في الدعاء..)

    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي، مر ذكره. [ عن زياد بن مخراق ]. زياد بن مخراق ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود . [ عن أبي نعامة ]. هو قيس بن عباية، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن ابن لسعد أنه قال: سمعني أبي ]. أبوه هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. قوله: [ عن ابن لسعد ]. يقول الحافظ ابن حجر : يحتمل أن يكون مصعب بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وذكره المبهمات. وعلى كلٍ فالاحتمال قائم؛ لأن المنذري يقول: إن كان عمر فإنه ضعيف، ولكن الحافظ يقول: إن عمر بن سعد صدوق. ونقول: سواءٌ أكان ضعيفاً أم صدوقاً أم ثقة فالحديث ثابت عن عبد الله بن مغفل، وهو صحيح.

    شرح حديث (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز ...(


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حيوة أخبرني أبو هانئ حميد بن هانئ أن أبا علي عمرو بن مالك حدثه، أنه سمع فضالة بن عبيد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عجل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء) ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجل هذا، ثم دعاه وقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء)، يعني: من أسباب قبول الدعاء أن يمهد قبله بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاءت صلاة الجنازة مشتملة على الحمد، وعلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الدعاء؛ لأن قراءة الفاتحة حمد وثناء على الله عز وجل، والصلوات الإبراهيمية فيها صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يكون الدعاء للميت والسؤال له بالمغفرة والرحمة والشفاعة له. ثم أيضاً فيما يتعلق بالصلاة أن التشهد يسبق السلام، وهو مشتمل على حمد الله والثناء عليه، فقوله: (التحيات لله والصلوات والطيبات) حمد وثناء على الله عز وجل، وبعدها: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ثم بعد ذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك الدعاء، ففيه تمهيد للدعاء. والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أرشد المسلم أن يجمع في صلاته بين التمجيد والثناء على الله، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ثم الدعاء بما أحب بعد ذلك، فيكون قد مهد لدعائه بثناء على الله، وبصلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولعل اختيار الإمام أحمد رحمة الله عليه دعاء الاستفتاح: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، لكونه اشتمل على تعظيم لله عز وجل والثناء عليه، وكما هو معلوم أنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواع من الاستفتاحات، منها ما هو ثناء، ومنها ما هو دعاء، وكل ذلك حق، والاختلاف فيها اختلاف تنوع، فإذا اختار أي واحد من هذه الأنواع فهو على حق.

    تراجم رجال إسناد حديث (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز ...)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن يزيد ]. هو عبد الله بن يزيد المقري المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حيوة ]. هو حيوة بن شريح المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحيوة بن شريح اثنان: أحدهما في طبقة متقدمة وهو هذا المصري، والآخر في طبقة متأخرة من شيوخ أبي داود، وهو حمصي، فإذا جاء حيوة بن شريح يروي عنه أبو داود فهو الحمصي ، وإذا جاء حيوة بن شريح بين أبي داود وبينه واسطتان أو أكثر من ذلك على حسب الأسانيد وتعدد الرواة فإنه يكون المصري المذكور في هذا السند. [ أخبرني أبو هانئ حميد بن هانئ ]. أبو هانئ حميد بن هانئ لا بأس به، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ أن أبا علي عمرو بن مالك ]. أبو علي عمرو بن مالك ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ أنه سمع فضالة بن عبيد ]. هو فضالة بن عبيد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن.
    معنى قوله (إذا صلى أحدكم فليبدأ)

    قوله: [ (إذا صلى أحدكم فليبدأ) ]. هذا يشمل الصلاة المفروضة، والصلاة هي أقوال وأعمال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، وكذلك الدعاء يشمل المعنى الشرعي والمعنى اللغوي.

    الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء


    قوله: [ (ثم يدعو بعد بما شاء) ]. يعني: بعد أن يمجد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بما شاء ويسأل حاجاته، وهذا يكون في السجود والتشهد الأخير، أما الأدعية الواردة -مثل دعاء الاستخارة أو دعاء قنوت الوتر- فإنه يؤتى بها كما وردت. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتمجيد الله جل وعلا في بداية الدعاء ليسا بواجبين، ولكنهما من أسباب قبول الدعاء ومن الأمور المرغب فيها في الدعاء.

    شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا يزيد بن هارون عن الأسود بن شيبان عن أبي نوفل عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك) ]. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك) ]. الجوامع هي التي لفظها قليل ومعناها كثير، فهي قليلة المبنى واسعة المعنى، هذه هي جوامع الكلم، وهكذا كانت أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأدعية التي جاءت في القرآن، مثل قوله تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، فهذا دعاء عظيم جامع لخير الدنيا والآخرة، وحسنة الدنيا كل خير في الدنيا، وحسنة الآخرة كل خير في الآخرة، وليس المراد شيئاً معيناً. وقد تجد بعض السلف يفسر هذه الآية على أن المراد بها شيء معين، وبعضهم يفسرها بغير ذلك، وهذا لا يعني الحصر، وإنما يعني التوضيح، فمن قائل: الحسنة في الدنيا هي الزوجة الصالحة، وهذا حق، ومن قائل: الولد الصالح، وهذا حق، ومن قائل: الرزق الحلال، وهذا حق؛ لأن هذه كلها من حسنات الدنيا، فالتفسير لهذا اللفظ الجامع بشيء معين هو من قبيل التفسير بالمثال، وليس التفسير بالحصر. ومثل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)، (اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها)، (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر) فأدعية الرسول صلى الله عليه وسلم جوامع؛ لأنه أوتي جوامع الكلم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فالأولى للمسلم عندما يدعو أن يحرص على أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام، ويعرف هذه الأدعية وما كان يدعو به ويأتي به، هذا هو الأولى وهذا هو الذي ينبغي له؛ لأن الإنسان إذا أتى بأدعية من عند نفسه قد يكون فيها تجاوز، وقد يكون فيها أمر منكر، وقد يكون فيها أمر محرم، وقد يكون فيها أمر شاذ. ومثل ذلك الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فالذي ينبغي للمسلم هو أن يأتي بما ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من كيفية الصلاة عليه أخذاً بكلام المعصوم صلى الله عليه وسلم. وإذا رجع المرء إلى إلى مثل كتاب (دلائل الخيرات) فسيجد أنه فهذا كتاب مشتمل على صلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن فيها تجاوز وفيها غلو وفيها جفاء، فاختيار الأدعية التي تأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم هي التي فيها العصمة وفيها السلامة، وهي التي تكون أعم وأنفع؛ لأنها كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء...)


    قوله:[ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله البغدادي الملقب بالحمال ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود بن شيبان ]. الأسود بن شيبان ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي نوفل ]. هو أبو نوفل بن أبي عقرب، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث (لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة؛ فإنه لا مكره له) ]. قوله: [ (لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة ) ] أي يقول: (اللهم اغفر لي) ولا يضيف إلى ذلك شيئاً من التقييد الذي هو (إن شئت). قوله: [ (فإن الله لا مكره له) ] أي: فإن الله تعالى يعطي ويتفضل ويجود على عباده دون إكراه من أحد، أما العباد فمنهم من يعطي رغبة ورهبة، فتجد الشخص يعطي من يسأله من أجل رغبة في تحصيل شيء من وراء إعطائه إياه، أو يعطيه خوفاً منه، والله عز وجل لا مكره له، فلا يليق أن يسأل بهذا السؤال، وإنما يسأل بالعزيمة بدون التقييد بذكر المشيئة. وهذا الحديث عقد له شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد باباً خاصاً، وهو (باب قول اللهم اغفر لي إن شئت). أما قوله صلى الله عليه وسلم: (طهور إن شاء الله) وقوله: (وإنا بكم إن شاء الله لاحقون) فهذا ليس من التعليق، بل هو من التحقيق؛ لأنه لابد من أن يلحق بهم، ولا يوجد احتمال أنه لا يلحق بهم، وكذلك قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [ الفتح:27 ] يعني: تحقيقاً لا تعليقاً. فقوله: (طهور إن شاء الله) من هذا القبيل، وليس شكاً.

    تراجم رجال إسناد حديث (لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت...)

    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزناد ]. هو عبد الله بن ذكوان، لقبه أبو الزناد وكنيته أبو عبد الرحمن ، و أبو الزناد لقب على صيغة الكنية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ]. هو عبد الرحمن بن هرمز، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] قد مر ذكره.

    شرح حديث (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي) ]. قوله: [ (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي) ] يعني أنه يترك الدعاء ويعرض عن الدعاء ويهمل الدعاء؛ لأنه دعا ولم يستجب له، فيقول: قد دعوت، والإنسان إذا دعا ربه فإنه يلح عليه بالدعاء ويكرر الدعاء، وإذا لم يحصل على الإجابة فلا يترك الدعاء؛ لأنه -كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم-: إما أن يعجل له ما طلب في الدنيا، أو يصرف عنه مثله من الشر، أو يدخر له في الآخرة، ومعنى ذلك أنه على خير، والدعاء عبادة، فعلى الإنسان أن يحرص على عبادة الله عز وجل والإلحاح عليه في الدعاء، ولا يستبطئ الإجابة فيقول: دعوت ودعوت فلم يستجب لي. واستعجال الإنسان الإجابة من أسباب عدم قبول الدعاء.

    تراجم رجال إسناد حديث (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ...)


    قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب ]. ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبيد ]. هو سعد بن عبيد الزهري ومولى ابن أزهر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره.
    شرح حديث (... سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تستروا الجدر، من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار، سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم). قال أبو داود : روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها، وهو ضعيف أيضاً ]. قوله: [ (لا تستروا الجدر) ] المقصود بذلك ستر الجدر بالأمشة والستائر ونحوها، وهذا جاء فيه حديث عن عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لم يأمرني الله فيما أنعم علي أن أستر الحجارة والطين)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على ترك ذلك، وجمهور العلماء على كراهيته، وذلك لما فيه من الإسراف، ولما فيه من الخيلاء أو الاستكبار، وبعض أهل العلم قال بالتحريم، وهو أبو نصر المقدسي ، وقد ذكر ذلك الشيخ الألباني رحمه الله في كتاب: (آداب الزفاف)، وذكر ما يتعلق بهذه المسألة، وأن الجدر لا تستر بالسجاد ولا بغير، وذكر حديث عائشة الذي أشرت إليه، أما هذا الحديث فضعيف لا يحتج به، ولكن جاء في معناه من ناحية أن الجدر لا تستر حديث عائشة الذي في صحيح مسلم ، وهذا بالنسبة للجدر، وأما الأبواب والنوافذ فلا بأس بسترها للحاجة إلى ذلك، وذلك أنه إذا فتح الباب كان فيه حصول اطلاع على من في الداخل والخارج، فكونها تستر بستائر بحيث يحصل معها دخول الهواء ودخول الريح من غير كشف فلا بأس بذلك، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان في مرض موته كشف الستار ورأى الناس يصلون خلف أبي بكر فسر صلى الله عليه وسلم. إذاً: ستر الأبواب والنوافذ لا بأس به، وأما ستر الجدر فهو الذي لا يصلح، كما جاء في حديث عائشة .
    حكم النظر في كتب الآخرين

    قوله: [ (من نظر في كتاب أخيه بغير أذنه فإنما ينظر في النار) ]. قيل: إن المقصود بالكتاب هو الكتاب الذي فيه سر، أو فيه أمانة، أو فيه شيء لا يحب صاحبه أن يطلع عليه، وكون الإنسان يطلع في كتاب أحد فيه أمور لا يريد أن يطلع عليها لا شك في أنه من أولى ما يمنع منه، وأما كتب العلم ونحوها فمن الآداب ومن الأخلاق الكريمة أن الإنسان لا يستعمل شيئاً إلا بإذن صاحبه، إلا إذا كان يعرف من عادة هذا الإنسان أنه يسمح بذلك، فإن هذا لا بأس به، ولكن كون الإنسان يأتي إلى كتب لشخص معين في بيته ويطلع عليها من غير إذنه فلا شك في أن هذا ليس من الأخلاق الكريمة، وليس من الآداب الحسنة. وقوله: [ (فإنما ينظر في النار) ] فسر بعدة تفسيرات، منها: أنه يكون قريباً منها وأنها تصلاه ويصل إليه صليها وشدة حرارتها، ولكن الحديث ضعيف لا يعول عليه.
    معنى قوله (سلوا الله ببطون أكفكم)

    قوله: [ (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها) ] قد ورد ما يدل على أن الإنسان يشرع له أن يرفع يديه بحيث تكون بطون الأكف إلى السماء وظهورها إلى الأرض حال الدعاء، وقد جاء في بعض المواضع -مثل الاستسقاء- أن تكون بطونها إلى الأرض وظهورها إلى السماء أو إلى ما يلي وجه الإنسان.

    حكم المسح على الوجه بعد الفراغ من الدعاء وحكم رفع اليدين فيه


    قوله: [ (فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) ]. يدل هذا اللفظ على مسح الوجه، ولكن الحديث ضعيف، والأحاديث التي وردت في ذلك ضعيفة لم يثبت فيها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشيخ الألباني رحمه الله حققها في كتابه (إرواء الغليل) فإنه ذكر الأحاديث التي وردت في ذلك وبين ضعفها، وأنه لا يصح منها شيء، وهذا بالنسبة للمسح، وأما بالنسبة للرفع فقد جاءت نصوص فيها الرفع، وجاءت نصوص فيها عدم الرفع، وجاءت نصوص مسكوت فيها عن الرفع، فما جاء فيه الرفع فإنه يرفع فيه، وما جاء فيه أنه لا يرفع لا يرفع، وما سكت عنه فالأمر في ذلك واسع. وقد ذكر الشيخ الألباني رحمه الله فيما يتعلق بهذا الحديث في (إرواء الغليل) كلاماً فقال: وثبت رفع اليدين في قنوت النوازل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما رفع اليدين في قنوت الوتر فثبت عن عمر وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض أهل العلم حسن الحديث بمجموع الطرق، ومنهم الحافظ ابن حجر في آخر كتاب (بلوغ المرام) في كتاب الجامع، فإنه ذكر أن له شواهد تقتضي حسنه، وكذلك السيوطي في الجامع الصغير رمز له، وأقره المناوي في فيض القدير. وذكر الألباني آثاراً كثيرة عن السلف في عدم مسح الوجه بعد الدعاء، وذكر جملة من الآثار في كلامه على هذا الحديث. فرفع اليدين -كما هو معلوم- ثبت في مواضع، وجاء عدم الرفع في مواضع، وسُكِت عن مواضع، وكل له حكمه، وأما مسح الوجه باليدين بعد الدعاء فلم يثبت، وممن ضعف الأحاديث في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

    تراجم رجال إسناد حديث (... سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها ...)


    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن ]. عبد الملك بن محمد بن أيمن مجهول العين، أخرج له أبو داود . [ عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق ]. عبد الله بن يعقوب بن إسحاق مجهول الحال، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عمن حدثه ]. هذا مبهم ففي هذا الإسناد ثلاث علل: الأولى: أن فيه مجهول العين. الثانية: فيه مجهول الحال. الثالثة: فيه مبهم. فقوله: [ عمن حدثه ] يقول الحافظ في فصل المبهمات: يقال: هو أبو المقدام هشام بن زياد، وهو متروك. فهذا الإسناد ظلمات بعضها فوق بعض. [ عن محمد بن كعب القرظي ]. محمد بن كعب القرظي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد الله بن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث (إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني قال: قرأته في أصل إسماعيل -يعني ابن عياش - حدثني ضمضم عن شريح حدثنا أبو ظبية أن أبا بحرية السكوني حدثه عن مالك بن يسار السكوني ثم العوفي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها)، قال أبو داود : وقال سليمان بن عبد الحميد : له عندنا صحبة -يعني مالك بن يسار - ]. قوله: [ (إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها) ]، هذا الحديث من جنس الحديث الضعيف الذي تقدم، والحديث يدل على أن الإنسان عندما يسأل الله يسأله بباطن الكفين، بحيث يكونا إلى فوق، وهذا هو الغالب، إلا فيما ورد بأن يكون ظاهرهما إلى السماء كما في الاستسقاء، وكما سيأتي أيضاً في الابتهال إلى الله عز وجل. إذاً: فالسؤال إنما يكون ببطون الأكف وليس بظهورها إلا فيما ورد بالنسبة للظهور، وأما قلب الكفين في الاستعاذة من العذاب ومن الشرور فلا نعلم شيئاً يدل عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث (إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم...)

    قوله: [ حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني ]. سليمان بن عبد الحميد البهراني صدوق، أخرج له أبو داود وحده. [ قال: قرأته في أصل إسماعيل - يعني ابن عياش - ] هو إسماعيل بن عياش، وهو صدوق في روايته عن الشاميين مخلط في غيرهم، وهنا روايته عن شامي، وهو ضمضم ، أخرج له البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن. [ حدثني ضمضم ]. هو ضمضم بن زرعة الحمصي، وهو صدوق يهم، أخرج له أبو داود و ابن ماجة في التفسير. [ عن شريح ]. هو شريح بن عبيد الحضرمي الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو ظبية ]. هو أبو ظبية السلفي الكلاعي، وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أن أبا بحرية السكوني ]. هو عبد الله بن قيس، ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن مالك بن يسار السكوني ثم العوفي ]. هو مالك بن يسار السكوني رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود وحده. [ قال أبو داود : وقال سليمان بن عبد الحميد : له عندنا صحبة. يعني مالك بن يسار ]. أي أن أبا داود يحكي عن شيخه أن مالك بن يسار صحابي. وقال عنه ابن حجر : إنه صحابي قليل الحديث، أخرج له أبو داود .

    شرح حديث (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا سلم بن قتيبة عن عمر بن نبهان عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما) ]. قوله: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما) ]. قال الألباني : إنه صحيح بظهور كفيه. يعني: في الاستسقاء. والمراد أنه جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه، وباطنهما مما يلي الأرض، لكن هذا خاص بالاستسقاء.

    تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما)


    قوله: [ حدثنا عقبة بن مكرم ]. عقبة بن مكرم ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا سلم بن قتيبة ]. هو سلم بن قتيبة الشعيري أبو قتيبة، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وسبق أن مر عند أبي داود أنه ذكره بكنيته فقال: أبو قتيبة بدون أن ينسبه، وهو مشهور بكنيته، ولهذا يأتي ذكره في الشيوخ بكنيته أبي قتيبة، والمراد به سلم بن قتيبة . و سلم بن قتيبة ذكره الحافظ في مقدمة الفتح ضمن الذين تكلم فيهم من رجال البخاري ، وذكر كلمة عجيبة في التجريح والتعديل؛ إذ كان مشهوراً عند العوام في نجد أنه إذا كان الشخص صاحب قوة قالوا: جمل محامل، ففي ترجمته قال يحيى بن سعيد القطان : ليس من جمال المحامل. وهذا توهين له، وهي كلمة قديمة، فقد كان الشخص يقال له: جمل محامل إذا كان معتمداً عليه. والتوهين له ليس بشديد. [ عن عمر بن نبهان ]. عمر بن نبهان ضعيف أخرج له أبو داود . [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي . [ عن أنس ]. أنس هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث بهذا اللفظ فيه عمر بن نبهان، وهو ضعيف، ولكنه صح عن أنس أنه كان يدعو وبطون كفيه مما يلي الأرض في الاستسقاء، وقد مر بنا في سنن أبي داود في باب الاستسقاء.

    شرح حديث (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى -يعني ابن يونس - حدثنا جعفر -يعني ابن ميمون صاحب الأنماط- حدثني أبو عثمان عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً) ]. قوله: [ (يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً)] يعني: خاليتين. ومعنى الحديث أنه يجيب دعاءه، وهذا يدل على مشروعية رفع اليدين، ولكن على التفصيل الذي ذكرت فيما مضى، فالموطن الذي ورد أنه ترفع فيه الأيدي فإنها ترفع فيه، مثل رفع الأيدي عند الجمرة الأولى والثانية، وعلى الصفا والمروة وغيرها من الأماكن والمواضع التي ورد فيها رفع الأيدي عند الدعاء، وهناك مواضع لا ترفع فيها الأيدي، مثل خطبة الجمعة، فالإمام والمأمومون لا يرفعون أيديهم فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم على كثرة خطبه بالناس كان لا يرفع يديه، وكذلك الصحابة كانوا لا يرفعون أيديهم، وما جاء ذلك إلا في الاستسقاء في الجمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الاستسقاء لما طلب منه أن يستسقي. وأما أدبار الصلوات فلم يعهد ولم يرو عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يرفع يديه بعد الصلوات المفروضة. أما ما كان مسكوتاً عنه ولم يرد فيه فعل ولا منع فهو مطلق والأمر فيه واسع، فللداعي أن يرفع وله أن يترك. قوله: [ (حيي كريم) ] فيه إثبات صفة الحياء والكرم لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله عز وجل. قوله: [ (يستحي من عبده) ]. هذه صفة مأخوذة من حيي؛ لأن أسماء الله كلها مشتقة ليس فيها اسم جامد، وما ذكر أن من أسماء الله الدهر فذلك غير صحيح، واستند القائلون به على قوله: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر)، فقوله: (وأنا الدهر) ليس معناه أن الدهر من أسماء الله، وإنما معناه أن من سب الدهر فقد سبني؛ لأن الدهر هو الزمان، والله تعالى هو الذي يقلب هذا الزمان وهذا المُقلَّب ليس فاعلاً وليس عنده إرادة ولا عنده مشيئة، فترجع سبته إلى المقلب. إذاً: فأسماء الله كلها مشتقة ليس فيها اسم جامد، وأسماء الله تدل على صفاته؛ لأن كل اسم يشتق منه صفة، ولكن ليس كل صفة يشتق منها اسم، لا يؤخذ من الصفات أسماء ولكن يؤخذ من الأسماء صفات، فهناك صفات ذاتية كاليد وكالوجه لا يؤخذ منها أسماء، وهناك صفات مثل الاستهزاء والخداع والمكر وما إلى ذلك لا يؤخذ منها أسماء، فلا يقال: من أسماء الله المخادع ولا الماكر ولا المستهزئ، لكن يوصف بذلك على وجه المقابلة والمشاكلة، أما الأسماء فيؤخذ منها صفات، وكلمة [يستحي] مأخوذة من حيي.

    تراجم رجال إسناد حديث (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم ...)


    قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني ]. مؤمل بن الفضل الحراني صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عيسى -يعني ابن يونس - ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جعفر -يعني ابن ميمون - ]. هو جعفر بن ميمون صاحب الأنماط، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن. [ حدثني أبو عثمان ]. هو عبد الرحمن بن مل أبو عثمان النهدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سلمان ]. هو سلمان الفارسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر ابن عباس (المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب -يعني ابن خالد - حدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة، والابتهال أن تمد يديك جميعاً) ]. قوله: [ (والابتهال أن تمدهما جميعاً) ] قيل فيه أيضاً: أن ترفعهما، وهذا مثل ما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، حيث ابتهل إلى الله عز وجل ورفع يديه حتى سقط رداؤه من ورائه صلى الله عليه وسلم. أما الفرق بين الابتهال والدعاء فهو أن الابتهال هو الشدة والمبالغة في التضرع إلى الله، أما الدعاء فهو أعم من الابتهال.

    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس (المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما...)


    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ]. هو وهيب بن خالد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب ]. العباس بن عبد الله بن معبد ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره.
    إسناد آخر لأثر ابن عباس في كيفية المسألة والاستغفار والابتهال وتراجم رجاله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا سفيان حدثني عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس بهذا الحديث، قال فيه: (والابتهال هكذا، ورفع يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه) ]. يعني أنه بالغ في الرفع، وهذا فيه مثل ما في الاستسقاء؛ لأن في الاستسقاء يجعل بطونهما إلى الأرض وظهورهما مما يلي وجهه. قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عباس بن عبد الله بن معبد ]. قد مر ذكره.
    إسناد آخر مرفوع لأثر ابن عباس وتراجم رجاله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس عن أخيه إبراهيم بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فذكره نحوه ]. أورد المصنف رحمه الله الحديث مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: [فذكره نحوه] يعني: نحو ما تقدم. قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا إبراهيم بن حمزة ]. إبراهيم بن حمزة صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود ، و النسائي في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا عبد العزيز بن محمد ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أخيه إبراهيم بن عبد الله ]. العباس مر ذكره، و إبراهيم بن عبد الله صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن عباس ]. قد مر ذكره.
    شرح حديث (كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن السائب بن يزيد عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه)]. أورد أبو داود هذا الحديث في مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء، وقد سبق أن مر أنه لم يصح في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه)


    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد مر ذكره. [ حدثنا ابن لهيعة ]. هو عبد الله بن لهيعة، وهو صدوق اختلط لما احترقت كتبه، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ]. حفص بن هاشم مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن السائب بن يزيد ]. السائب بن يزيد صحابي صغير أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو يزيد بن سعيد، وهو صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي . ففي الحديث علتان: الأولى: أن فيه ابن لهيعة . أما الثانية فجهالة شيخ ابن لهيعة، وهو حفص بن هاشم .
    الأسئلة



    حكم سؤال الله الحصول على الامتياز في الاختبارات

    السؤال: هل طلب الامتياز في الاختبار وسؤال الله ذلك من أنواع الاعتداء في الدعاء؟

    الجواب: لا يكون ذلك من الاعتداء في الدعاء أبداً.

    بعض أنواع الاعتداء في الدعاء

    السؤال: هل لكم أن تبينوا لنا أنواعاً من الاعتداء في الدعاء؟

    الجواب: الاعتداء في الدعاء مثاله ما ذكر في حديث ابن عبد الله بن مغفل : (اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة) كما مر عند أبي داود ، ومثل كون الإنسان يسأل منازل النبيين، أو كونه يدعو بقطيعة رحم، فهذا من الاعتداء في الدعاء.

    الاعتداء في صفة الدعاء

    السؤال: هل يكون الاعتداء في صفة الدعاء؟


    الجواب: إذا كان الدعاء فيه مبالغة، وفيه شيء من الخروج عن الحد، كان فيه غلوٌ أو انحراف فهو من الاعتداء في الدعاء.

    حكم رفع الصوت والسجع في الدعاء

    السؤال: رفع الصوت والسجع المتكلف في الأدعية هل يدخل في الاعتداء؟


    الجواب: يبدو أنه لا يدخل في الاعتداء في الدعاء.

    حكم تعليق صور غير ذوات الأرواح على الجدران

    السؤال: يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تستروا الجدر)، حكم تعليق الأوراق على الجدر وعليها صور لغير ذوات الأرواح، مثل البحار أو الأشجار؟


    الجواب: إذا كان المقصود أن ترى هذه الصورة فلا بأس بذلك، وكذلك إذا كان هذا التعليق من جنس الدهان أو من جنس الرخام ونحو ذلك، فهذا لا بأس به؛ لأن هذه الأوراق إذا لم يكن فيها محذور تكون بدل ذلك الدهان وما أشبهه، وإنما المحذور هو هذه الأشياء التي تعلق كالسجاد وكالقماش وما إلى ذلك من الأشياء التي تفعل.


    تصوير القباب وتعليقها على الجدران

    السؤال: تعلق الآن في كثير من الأماكن صورة واجهة القبر النبوي بحجة أنها ليست صورة ذي روح، فما حكم تعليقها؟


    الجواب: تصوير القباب والأشياء التي أحدثت بعد ذلك لا يصلح ولا ينبغي.

    حكم النظر في كتب الآخرين في مجالس العلم

    السؤال: إذا كان من الأدب الاستئذان عند النظر في كتب الآخرين فهل لمن ليس معه كتاب من الطلاب أن ينظر في كتاب من بجواره؟

    الجواب: إذا كان سيأذن له فلا بأس بذلك، وإنما المحذور كونه لا يرضى؛ لأنه قد يضايقه، وإذا كان يجد منه مضايقة فإنه يبتعد، وأما إذا طلب منه أن ينظر معه أو أنه قرب الكتاب إليه مشعراً له برغبته في مشاركته فهذا إذن، أو كونه يقول: شاركني، أو: انظر، فلا بأس بذلك."



  12. #212
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [179]

    الحلقة (210)





    شرح سنن أبي داود [179]

    من المناسب للعبد عند أن يدعو ربه عز وجل أن يدعوه باسم يناسب مسألته، فيقول -مثلاً-: يا رحيم ارحمني، يا غفور اغفر لي، ونحو ذلك، ومن أجلّ ما يدعو به العبد ربه أن يدعوه باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب.

    تابع ما جاء في الدعاء


    شرح حديث: (... لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن مالك بن مغول حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال: لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب) ]. سبق البدء في باب الدعاء بذكر جملة من الأحاديث في موضوعات مختلفة تتعلق بالدعاء، وهنا بدأ المصنف بذكر الأحاديث التي تشتمل على اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب. وأول هذه الأحاديث حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، وفيه: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال: لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب) ]، وهذا يدلنا على أن أسماء الله عز وجل يتوسل بها كلها، ولكن ورد في بعض الأحاديث ما يدل على أهمية بعضها وتميزها، مثل هذا الحديث الذي فيه ذكر اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب، فكون الإنسان يتوسل إلى الله عز وجل بهذا التوسل هذا يدلنا على عظم شأن هذا الدعاء الذي توسل فيه بهذه الوسيلة التي هي كونه يسأل الله عز وجل بأنه يشهد أنه لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. وقد وردت جملة من الأحاديث تتعلق باسم الله الأعظم، ولكن هذا الحديث هو أصح ما ورد في اسم الله الأعظم، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه في فتح الباري أربعة عشر قولاً في بيان المراد بالاسم الأعظم، ولما سردها ووصل إلى القول الذي دل عليه هذا الحديث قال: هذا هو أصح حديث ورد في ذلك. يعني: أقوى حديث صح في ذلك. إذاً: كل ما ثبت من أسماء الله عز وجل وصفاته فإنه يتوسل به ويسأل الله عز وجل به، وكذلك ما له ميزة على غيره؛ وما ورد بأنه إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب من باب أولى أن يتوسل به إلى الله. وهناك أقول عديدة في تحديد اسم الله الأعظم، ذكر الحافظ ابن حجر منها: أن اسم الله الأعظم هو لفظ الجلالة؛ لأنه هو أصل الأسماء، وهو الذي تضاف إليه الأسماء وتوصف به الأسماء، وعندما تأتي الأسماء يأتي في مقدمتها: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [ البقرة:255 ]، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [ الحشر:22 ]، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [ الحشر:24 ]، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ [ الحشر:23 ] ولكن وردت نصوص مثل هذا الحديث الذي هنا فيها ذكر اسم الله الأعظم، ولكن هذا الحديث هو أصح حديث في ذلك، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله. فالحافظ ابن حجر في فتح الباري (11/224) ذكر الأقوال في اسم الله الأعظم، وعندها قال: إن هذا القول الذي اشتمل عليه هذا الحديث هو أقوى وأصح ما ورد في الموضوع. وأنا ذكرتها في الفوائد المنتقاة، وذكرت الإحالة على فتح الباري.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب)

    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مالك بن مغول ]. مالك بن مغول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن بريدة ]. عبد الله بن بريدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. فهذا السند كل رجاله أخرج لهم أصحاب الكتب الستة إلا مسدداً الذي هو شيخ البخاري وشيخ أبي داود ، وقد خرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي ، فهذا الحديث من حيث الإسناد إسناده قوي، وكما قال الحافظ : إنه أصح ما ورد في هذا.

    شرح حديث: (لقد سأل الله عز وجل باسمه الأعظم ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن خالد الرقي حدثنا زيد بن حباب حدثنا مالك بن مغول بهذا الحديث قال فيه: (لقد سأل الله عز وجل باسمه الأعظم) ]. وهذا فيه التنصيص على الاسم الأعظم، والأول قال فيه: (لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب)، وهنا قال فيه: (لقد سأل الله عز وجل باسمه الأعظم).

    تراجم رجال إسناد حديث: (لقد سأل الله عز وجل باسمه الأعظم ...)


    قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن خالد الرقي ]. عبد الرحمن بن خالد الرقي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا زيد بن حباب ]. زيد بن حباب صدوق يخطئ في حديث الثوري ، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا مالك بن مغول ]. مالك بن مغول قد مر ذكره، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (... لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي حدثنا خلف بن خليفة عن حفص -يعني ابن أخي أنس - عن أنس رضي الله عنه: (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي، ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي! يا قيوم! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى) ]. وهذا مثل الذي قبله فيه ذكر الاسم العظيم، وهنا قال: (العظيم) وهناك قال: (الأعظم)، ولكنه مثل ما قال في الأول: إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى فيدل على تميز هذا الدعاء وهذا التوسل وهو قوله: [ (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي! يا قيوم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى) ] وهذا الحديث من الأحاديث التي صحت وثبتت. وكما قلت: كلما ورد مما وصف بأنه اسم عظيم أو أعظم لا شك أن له ميزة؛ لكون النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب). وهذا الحديث يدل على أن من أسماء الله المنان. قوله: [ (بديع السماوات والأرض) ]. يعني: مبدعهما على غير مثال سبق. قوله: [ (يا ذا الجلال!) ]. يعني: صاحب العظمة، وقيل: هو التقديس والتنزيه عن كل ما لا يليق به. قوله: [ (والإكرام) ]. يعني: كونه صاحب الكرم والجود والإحسان. قوله: [ (يا حي) ]. يعني: الحي الذي له الحياة الكاملة التي لا بداية لها ولا نهاية، وكل حي فحياته مكتسبة، وهي من الله عز وجل. قوله: [ (يا قيوم) ]. القيوم هو: القائم بنفسه المقيم لغيره.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى)

    قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي ]. عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا خلف بن خليفة ]. خلف بن خليفة صدوق اختلط في الآخر، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حفص -يعني ابن أخي أنس - ]. حفص ابن أخي أنس صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي . وهو حفص بن عبد الله بن أبي طلحة ، و أبو طلحة هو زوج أم أنس، فهو ابن أخيه لأمه. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، فإن بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أربعة رجال. وهم في هذا الإسناد: عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي و خلف بن خليفة و حفص ابن أخي أنس و أنس .

    شرح حديث الإرشاد إلى اسم الله الأعظم في القرآن


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا عبيد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: (( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ))[البقرة:163]، وفاتحة سورة آل عمران: الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:1-2 ]) ]. قوله: [ (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: (( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ))[البقرة:163] وفاتحة آل عمران: الم [آل عمران:1]) ] ففي الآية الأولى قوله: (الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) بالإضافة إلى ما سبقها: (لا إله إلا هو) وفي سورة آل عمران قوله: (( الْحَيُّ الْقَيُّومُ )) بالإضافة إلى ما سبقها وهو: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) والحديث في إسناده شهر بن حوشب وهو صدوق كثير الأوهام والإرسال، والحديث حسنه الألباني أو صححه؛ ولعل ذلك لشواهده أو لطرقه.

    تراجم رجال إسناد حديث الإرشاد إلى اسم الله الأعظم في القرآن


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ حدثنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبيد الله بن أبي زياد ]. عبيد الله بن أبي زياد ليس بالقوي، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن شهر بن حوشب ]. شهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أسماء بنت يزيد ]. أسماء بنت يزيد رضي الله عنها صحابية، وحديثها أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.

    الألفاظ المشتركة في الأحاديث الدالة على اسم الله الأعظم


    هذه ثلاثة أحاديث فيها ذكر اسم الله الأعظم، واللفظ المشترك بينها: (لا إله إلا أنت) (لا إله إلا هو) هذا هو اللفظ المشترك، أما الباقي فهي أسماء أخرى، لكن ينبغي للمسلم عندما يتوسل بما ورد في هذه الأحاديث الصحيحة أن يأتي بهذه الصيغة بأكملها في الأحاديث الثلاثة كلها؛ لأنها تفاوتت في الأسماء، ويمكن أن يراد بها أنها كلها موصوفة بأنها اسم أعظم، وفي بعضها أنها اسم عظيم، فهذه الأحاديث فيها شيء تشترك فيه، وهناك زيادات في كل حديث، ففي السؤال يمكن أن يؤتى بهذه الصيغ كلها، فما ورد بأنه اسم عظيم أو أعظم إذا سئل الله به أعطى وإذا دعي به أجاب، فمعناه أن له ميزة على غيره. والحافظ ابن حجر لما عد الأقوال في الاسم الأعظم جعل من الأقوال: (الرحمن الرحيم) (والحي القيوم)، كما في هذا الحديث الأخير، لكن عند التوسل والدعاء يأتي الإنسان بما ورد بأكمله. والشيخ السعدي رحمه الله يقول: إن الاسم الأعظم هو اسم جنس يشمل كل ما ورد. أي: كل ما ورد في الأحاديث الثلاثة الماضية.

    شرح حديث: (... لا تسبخي عنه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سُرقت ملحفة لها، فجعلت تدعو على من سرقها، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تسبخي عنه). قال أبو داود : (لا تسبخي) أي: لا تخففي عنه ]. قوله: [ عن عائشة (أنها سرقت ملحفة لها فجعلت تدعو على من سرقها، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا تسبخي عنه) ] أي: لا تخففي عنه بدعائك عليه. والحديث ضعفه الألباني ، ولا أدري ما وجه التضعيف؟ هل لأن فيه حبيب بن أبي ثابت؛ لأنه معروف بكثرة التدليس أم غير ذلك؟

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لا تسبخي عنه)


    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا حفص بن غياث ]. حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و الأعمش مدلس. [ عن حبيب بن أبي ثابت ]. حبيب بن أبي ثابت ثقة كثير التدليس والإرسال. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح، يروي عنه حبيب بن أبي ثابت . ويحتمل أن يكون حبيباً روى عن عطاء بن يسار ؛ لأن كلاً من الاثنين روى عنه حبيب وروى عن عائشة كل منهما، وكل منهما ثقة، وأحدهما مدني والثاني مكي. إذاً: عطاء بن يسار و عطاء بن أبي رباح كل منهما روى عن عائشة ، وكل منهما روى عنه حبيب بن أبي ثابت لكن نص المزي في تحفة الأشراف على أنه عطاء بن أبي رباح المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حكم الدعاء على الظالم

    أما الدعاء على من ظلم فجائز، لكن الأفضل تركه؛ وذلك لقوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، ثم أيضاً قوله: (لا تسبخي عنه) يعني: لا تخففي عنه بدعائك عليه، فكون الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تسبخي عنه) يعني: بدعائك عليه، كأنه يريد أن يشتد عليه العذاب، وهذا فيه شيء من حيث المتن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم معروف بأنه رءوف رحيم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    شرح حديث: (لا تنسنا يا أُخيّ من دعائك)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال: (استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي، وقال: لا تنسنا يا أُخيَّ من دعائك)، فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا. قال شعبة : ثم لقيت عاصماً بعد بالمدينة فحدثنيه وقال: (أشركنا يا أَخيْ! في دعائك) ]. قوله: [ (استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي وقال: لا تنسنا يا أُخي! من دعائك) ] هذا فيه أن طلب الدعاء من الغير جائز، ولكن الحديث ضعيف فيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف لا يحتج به في الحديث. وبعض أهل العلم يستدل على جواز طلب الدعاء من شخص آخر بالحديث الذي فيه قصة أويس القرني الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يأتيكم أمداد من أهل اليمن فيهم رجل يقال له: أويس -وذكر شيئاً من صفاته- فمن وجده منكم فليطلب منه أن يستغفر له)، فكان عمر رضي الله عنه وأرضاه يسأل الذين يأتون من اليمن لإمداد الجيوش التي تذهب إلى فارس لقتالهم والجهاد في سبيل الله كان يسألهم عن أويس، حتى لقي أويساً هذا الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا. فطلب منه أن يستغفر له، فكان جوابه أن قال: أنتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: أنتم الذين يطلب منكم الاستغفار، من باب أولى؛ لأنكم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل منهما كان يتواضع لله عز وجل، فعمر هو ممَنْ شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة؛ لكن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام طلب من أويس أن يستغفر له، و أويس من جانبه يقول: (أنتم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم) يعني: الذين يطلب منكم الاستغفار؛ لأنكم أنتم أفضل وأعظم من غيركم. فبعض أهل العلم يستدل بهذا على جواز طلب الدعاء من شخص آخر، وبعضهم يقول: إن هذه قضية خاصة وشخص خاص قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم كذا، ولهذا طلب الدعاء منه من هو خير منه، بل هو خير من جميع الصحابة إلا من أبي بكر ؛ لأن أويساً تابعي وهو خير التابعين كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : (إن خير التابعين رجل يقال له: أويس). إذاً: بعض أهل العلم يقول: إنه لا يصلح ولا يليق طلب الدعاء من الآخرين، وإنما يحرص الإنسان على أن يكون داعياً هو لله ومتجهاً إلى الله، ومقبلاً على الله، وملحاً على الله، ولا يكون من شأنه أن يقول: ادع لي يا فلان، وبعض أهل العلم يستدل بهذا الحديث على جواز ذلك، ولا شك أن الأولى كون الإنسان يعول على الله، ويلح على الله، ويقبل على الله، لا يكون شأنه سائلاً لغيره أن يدعو له، ولكن يبدو أنه لا بأس بذلك، كما جاء في قصة أويس ، ولكن لا يصلح أن يكون شأن الإنسان أنه يغفل عن الدعاء ويكون همه أن يسأل الناس أن يدعوا له، فالله تعالى يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، وقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]. قوله: [ (استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة) ]. قيل: إن هذه عمرة كان نذرها في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوفاء بها، فأذن له، مثلما أذن له في النذر بالاعتكاف حيث قال: (إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام) فأمره أن يوفي بنذره، فلعل هذا هو السبب في الاستئذان، وأيضاً يمكن أن يكون استئذانه من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سوف يسافر ويغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا) ]. يعني: أن هذه الكلمة سرته كثيراً، وهي كونه صلى الله عليه وسلم قال له: [ (لا تنسنا يا أُخيّ! من دعائك) ] فعمر رضي الله عنه سر بذلك كثيراً. قوله: [ قال شعبة : ثم لقيت عاصماً بعد بالمدينة فحدثنيه وقال: (أشركنا يا أخي! في دعائك) ]. يعني: أن فيه بدلاً من قوله: (لا تنسنا) قال: (أشركنا).

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تنسنا يا أُخيّ من دعائك)

    قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن عبيد الله ]. عاصم بن عبيد الله ضعيف، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد وأصحاب السنن. [ عن سالم بن عبد الله ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ عن عمر ]. عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث سعد: (مر علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بإصبعيَّ ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (مر علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعيَّ فقال: أحِّد أحِّد. وأشار بالسبابة) ]. يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وسعد رضي الله عنه يدعو بإصبعيه ويشير بهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ (أحَّد أحِّد) ] يعني: أشر في دعائك بأصبع واحدة وهي السبابة. قوله: [ (أحِّد أحِّد) ]. هذا مثل وحد وحد، ومثل: وكد، وأكد، وأرخ، وورخ، يعني: كل هذه الألفاظ تأتي فيها الهمزة ويأتي فيها الواو. قوله: [ (قال: مر علي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو) ]. يحتمل أنه كان في الصلاة في التحيات، ويحتمل أنه كان في غير الصلاة، ولكنه كان يشير بأصبعيه وهو يدعو، والإشارة تكون بأصبع واحدة، وذلك عندما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله أو ما إلى ذلك مما فيه الإشارة.

    تراجم رجال إسناد حديث سعد: (مر علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بإصبعيَّ ...)

    قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو أبو خيثمة زهير بن حرب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش عن أبي صالح ]. الأعمش قد مر ذكره، و أبو صالح هو ذكوان السمان، وهو ثقة كثير الرواية عن أبي هريرة ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن أبي وقاص ]. سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه صحابي جليل، أحد العشرة المبشرين بالجنة فرضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."

  13. #213
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [180]

    الحلقة (211)





    شرح سنن أبي داود [180]

    لقد وردت أحاديث كثيرة تحض على التسبيح، وجاء في بعضها التسبيح بالحصى والنوى لكنها ضعيفة، أما أحاديث عقد التسبيح بالأنامل فصحيحة، وقد ورد أن الحكمة من ذلك هي: أنهن مستنطقات مسئولات، فهذا يجعلنا نكثر من التسبيح بالأنامل حتى تشهد لنا يوم القيامة، وقد حض الشرع على الأذكار المقيدة والمطلقة، ومنها أذكار الصلوات المفروضة التي تقال بعد السلام منها، وبين فضلها وأهميتها.

    التسبيح بالحصى


    شرح حديث التسبيح بالحصى أو بالنوى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التسبيح بالحصى. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن خزيمة عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها رضي الله عنه: (أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال: أخبرك بما هو أيسر عليكِ من هذا أو أفضل، فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك) ]. قوله: [ باب التسبيح بالحصى ] هذه ترجمة أخص مما تحتها؛ لأن الذي ورد تحتها أول حديث فيه ذكر الحصى، وأما الأحاديث الأخرى فهي أحاديث لا ذكر للحصى فيها، وهي تشتمل على تسبيح وعلى تهليل وعلى ذكر لله عز وجل، فالأحاديث التي وردت تحت الترجمة ليس فيها شيء يتعلق بالتسبيح بالحصى إلا هذا الحديث الأول الذي هو حديث سعد بن أبي وقاص . قوله: [ (أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى) ] النوى هو الذي يكون داخل التمر، والحصى معروف، فقوله: (نوى أو حصى) يعني: شك الراوي هل هو (نوى أو حصى). قوله: [ (أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟) يعني: ما هو أيسر عليك من حيث الكلفة وعدم التعب، ومع ذلك أفضل؛ لأنها كلمات جامعة ومختصرة ومعناها واسع. قوله: [ (سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق) ] يحتمل أن يكون المراد ما هو خالق في المستقبل بعدما خلق هذه الأشياء، ويحتمل أن يكون ما هو خالق في الأزل وفي المستقبل، فيكون من باب ذكر العام بعد الخاص، أو ذكر الإجمال بعد التفصيل. والحديث ضعيف غير ثابت؛ لأن في إسناده مجهولاً لا يعرف وهو خزيمة المذكور في الإسناد، فالحديث غير صحيح، وعلى هذا فلا يجوز العد والتسبيح بالحصى ولا بالنوى، وكذلك ليس للإنسان التسبيح بالمسبحة، فأقل أحواله أن يكون خلاف الأولى، وبعض أهل العلم يقول: إنه بدعة، فالذي ينبغي أن يبتعد الإنسان عنه ولا يفعله، وإنما يسبح بالأصابع؛ لأنه كما جاء في الحديث: (فإنهن مسئولات مستنطقات) كما سيأتي، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح بأصابعه، يعني: بأنامل يمينه كما سيأتي.
    تراجم رجال إسناد حديث التسبيح بالحصى أو بالنوى

    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو ]. هو عمرو بن الحارث المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن سعيد بن أبي هلال ]. هو سعيد بن أبي هلال المصري وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خزيمة ]. خزيمة مجهول لا يعرف، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص ]. عائشة بنت سعد ثقة، أخرج لها البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيها ]. هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقد مر ذكره.

    شرح حديث عقد التسبيح بالأنامل


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن هانئ بن عثمان عن حميضة بنت ياسر عن يسيرة رضي الله عنها أخبرتها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهن أن يراعين بالتكبير والتقديس والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات) ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهن أن يراعين بالتكبير والتقديس والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل) ] يعني: أن يكون التسبيح والتهليل والتقديس والتكبير بالأنامل. قوله: [ (فإنهن مسئولات مستنطقات) ] أي: مسئولات يوم القيامة حيث يختم على الأفواه وتشهد الأيدي والأرجل وتنطق بما كان يعمل الإنسان، كما قال الله عز وجل: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [فصلت:21] يعني: أن الله عز وجل يجعلها تتكلم، وكلامها هو على هيئة لا تعرف، وهذا مما يوضح بطلان قول بعض المبتدعة القائلين: لو كان الله يتكلم بكلام يسمع للزم أن يكون مثل المخلوقين؛ لأننا لا نعقل كلاماً إلا مثل كلام المخلوقين، فهذا كلام من كلام المخلوقات، ومع ذلك ليس بالطريقة التي نعقلها، فكون الإنسان يتكلم بلسان وشفتين ولهاة وحنجرة ومخارج حروف، فالله تعالى يخلق فيها الكلام وينطقها الذي أنطق كل شيء، بل وجد في الدنيا ما يدل على ما جاء في ذلك يوم القيامة، كما في الحديث الذي في صحيح مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر على حجر بمكة فيسلم عليه) يعني يقول: السلام عليك يا محمد، كيف تكلم هذا الحجر؟ هل تكلم بلهاة وحنجرة ومخارج حروف؟! لا، بل أنطقه الله الذي أنطق كل شيء، وإذا كان هذا الحجر -وهو مخلوق من مخلوقات الله- تكلم وما عرفنا كيف تكلم فكيف نتكلف ونقول: إنه لا يعقل أن الله يتكلم، ولو تكلم بصوت يسمع للزم أن يكون مثل كلامنا؟ فهذه مخلوقات تكلمت كلاماً ليس بالطريقة التي نعقلها ونشاهدها ونعاينها. إذاً: فالله تعالى يتكلم ولا نعرف كيف تكلم، ولا نقول: لو أثبتنا له الكلام بصوت يسمع للزم أن يكون كذا وكذا، فهذا مخلوق وجد منه الكلام ولم يلزم أن يكون مثل ما كنا نعقل. قوله: [ (أمرهن أن يراعين بالتكبير والتقديس والتهليل) ]. يعني: عندما يلتزمن بعدد معين عند التكبير والتقديس والتهليل يعقدن ذلك بالأنامل، لعل هذا معنى المراعاة. والعقد بالأنامل معلوم عند العرب، وهو قبض الأنامل وعدها بالإبهام.

    تراجم رجال إسناد حديث عقد التسبيح بالأنامل


    قوله: [ قال: حدثنا مسدد ]. مر ذكره [ حدثنا عبد الله بن داود ]. هو عبد الله بن داود الخريبي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن هانئ بن عثمان ]. هانئ بن عثمان وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن حميضة بنت ياسر ]. حميضة وهي مقبولة، أخرج لها أبو داود و الترمذي . [ عن يسيرة ] يسيرة وهي صحابية، أخرج لها أبو داود و الترمذي . والحديث في إسناده هذان المقبولان الرجل والمرأة، والمقبول هو الذي يعول على حديثه عند الاعتضاد، والحديث صححه الألباني لشواهده.

    شرح حديث: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة و محمد بن قدامة في آخرين، قالوا: حدثنا عثام عن الأعمش عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعقد التسبيح، قال ابن قدامة بيمينه) ]. قوله: [ (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح. قال ابن قدامة : بيمينه) ] فعبيد الله بن عمر القواريري و محمد بن قدامة قالا: [ (يعقد التسبيح) ] لكن محمد بن قدامة زاد: [ (بيمينه) ]، وهذا دليل على أن عقد التسبيح الأولى والأفضل أن يكون باليمين، لهذا الحديث الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أنه كان يعقد التسبيح بيمينه، وهو أيضاً مطابق لما جاء من كون اليمين تستعمل في الأمور المحمودة والأمور الطيبة، واليسار تكون بخلاف ذلك، لكن كونه يبدأ التسبيح باليمين ويثني باليسار لا بأس بذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه)


    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ و محمد بن قدامة ]. محمد بن قدامة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ في آخرين ]. يعني: يوجد غير هؤلاء رووا الحديث، ولكن اقتصر على هذين الاثنين. [ قالوا: حدثنا عثام ]. عثام وهو صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي مر ذكره. [ عن عطاء بن السائب ] عطاء بن السائب صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن، وهناك جماعة رووا عنه قبل اختلاطه، وروايتهم عنه صحيحة؛ لأنها قبل الاختلاط، ومنهم الأعمش فإن الحافظ ابن حجر ذكر في تهذيب التهذيب في آخر ترجمته بعد أن ذكر ما قيل في ترجمته وما قيل فيه وفي اختلاطه قال: تحصل من ذلك أن رواية فلان وفلان وفلان عنه صحيحة؛ لأنها قبل الاختلاط، وذكر ستة أشخاص وهم: سفيان الثوري و شعبة بن الحجاج و زائدة بن قدامة و حماد بن زيد و أيوب السختياني و زهير بن معاوية قال: هؤلاء روايتهم عنه صحيحة؛ لأنها قبل الاختلاط، وذكر في كتاب (نتائج الأفكار) أن رواية الأعمش عنه صحيحة، وقد ذكر ذلك الشيخ الألباني رحمه الله فيما يتعلق بالأعمش في السلسلة الصحيحة عند الحديث رقم (660)، فذكر أن رواية الأعمش عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط. [ عن أبيه ]. هو السائب بن يزيد ، وقيل: السائب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (قد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا داود بن أمية حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عند جويرية رضي الله عنها، وكان اسمها برة فحول اسمها، فخرج وهي في مصلاها ورجع وهي في مصلاها فقال: لم تزالي في مصلاك هذا؟ قالت: نعم قال: قد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته) ]. قوله: [ (قد قلت بعدكِ أربع كلمات ثلاث مرات لو زنت بما قلت لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته) ] يعني: هذا ثناء وتعظيم جامع لله عز وجل. قوله: [ (سبحان الله عدد خلقه) ] أي: خلق الله عز وجل لا يحصيهم إلا هو سبحانه وتعالى. قوله: [ (ورضا نفسه) ] يعني: حتى يرضى. قوله: [ (وزنة عرشه) ] أي: الذي هو أكبر المخلوقات. قوله: [ (مداد كلماته) ] قيل: المقصود بذلك أنه المدد، وأنه لو قدر أن ذلك يكال أو يوزن لكان أعظم من ذلك، لكن يمكن أن يقال: المقصود بالمداد هو الحبر الذي يكتب به، وكلمات الله ليس لها حد وليس لها إحصاء؛ لأن كلام الله لا يتناهى؛ لأن الله تعالى متكلم بلا ابتداء، ويتكلم بلا انتهاء، فلا حصر لكلامه ولا نهاية لكلامه. وقد جاء في القرآن آيتان تدلان على أن كلام الله لا ينحصر، الآية الأولى في آخر سورة الكهف وهي قوله عز وجل: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف:109]، فهذه الأبحر الزاخرة والمحيطات لو كانت حبراً يكتب به كلام الله لنفدت الأبحر والمحيطات ولم تنفد كلمات الله عز وجل، ولو أضيف إليها أضعافها؛ لأنها مهما كانت هي وإن عظمت وإن اتسعت وإن كبرت فهي محدودة، ولكن كلام الله لا ينحصر. والآية الثانية في سورة لقمان وهي قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان:27] يعني: لو أن الأشجار كلها تكون أقلاماً والأبحر كلها تكون مداداً يكتب لما نفدت كلمات الله؛ لأن كلام الله لا ينحصر ولا ينتهي؛ لأن الله متكلم بلا ابتداء ويتكلم بلا انتهاء، فلا حصر لكلامه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (قد قلت أربع كلمات ثلاث مرات ...)


    قوله: [ حدثنا داود بن أمية ]. داود بن أمية ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا سفيان بن عيينة ]. هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ]. محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن كريب ]. هو كريب مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (ذهب أصحاب الدثور بالأجور)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية حدثني محمد بن أبي عائشة حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: (يا رسول الله! ذهب أصحاب الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضول أموال يتصدقون بها، وليس لنا مال نتصدق به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا ذر ! ألا أعلمك كلمات تدرك بهن من سبقك، ولا يلحقك من خلفك إلا من أخذ بمثل عملك؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: تكبر الله عز وجل دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمده ثلاثاً وثلاثين، وتسبحه ثلاثاً وثلاثين، وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر) ]. قوله: [ (يا رسول الله! ذهب أصحاب الدثور بالأجور) ] يعني: ذهب أصحاب الأموال وأصحاب الغنى والثروة بالأجور؛ لأنهم يتصدقون وينفقون ويحسنون، وغيرهم ممن لا يملكون الأموال لا يتمكنون من ذلك؛ بسبب فقرهم وقلة ذات أيديهم. قوله: [ (ألا أعلمك كلمات تدرك بهن من سبقك، ولا يلحقك بها من خلفك إلا من عمل بمثل عملك؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: تكبر الله عز وجل دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمده ثلاثاً وثلاثين، وتسبحه ثلاثاً وثلاثين، وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) ]. حديث أبي ذر هذا الذي عند أبي داود قد جاء عن أبي هريرة كما في صحيح مسلم ، وقد أورده النووي في الأربعين النووية بلفظ: (ذهب أهل الدثور بالأجور والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضول أعمالهم)، وشرحه الحافظ ابن رجب في كتابه: «جامع العلوم والحكم» وهو مثل ما جاء في رواية أبي ذر التي يرويها أبو هريرة عن أبي ذر رضي الله عنهما، وهو مشتمل على التكبير والتهليل والتسبيح دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. والحديث أورده أبو داود في باب: التسبيح بالحصى، وهو مشتمل على التسبيح، ولكن الترجمة أخص مما أورده تحتها؛ لأنها متعلقة بالحديث الأول فقط. قوله: [ (غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر) ] قال الشيخ الألباني رحمه الله: إن الحديث صحيح بدون قوله: [ (غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر) ] فهي مدرجة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ذهب أصحاب الدثور بالأجور)


    قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ]. عبد الرحمن بن إبراهيم هو الملقب دحيم وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. الوليد بن مسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حسان بن عطية ]. حسان بن عطية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني محمد بن أبي عائشة ]. محمد بن أبي عائشة ليس به بأس -بمعنى صدوق-، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثني أبو هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي وقد مر ذكره. [ قال: قال أبو ذر ]. هو جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    الأسئلة


    مظان العقد بالأصابع في التسبيح


    ونشير هنا إلى أن العقد يكون في جميع الأذكار التي يكون فيها عدد، وهي التي تكون في أدبار الصلاة وغيرها؛ لأن هناك أذكاراً يؤتى بها، منها ما هو مائة، ومنها ما هو أقل، فلا يمكن إحصاؤها إلا بالأصابع وبالعد. أما الذكر الذي جاء مطلقاً فالإنسان يأتي به بدون حساب، يسبح الله، ويهلل الله بدون أن يعد، ولكن الشيء الذي ورد فيه عدد فإنه لا يعرف ذلك إلا عن طريق العد بالأصابع.

    ما يقول الرجل إذا سلم


    شرح حديث المغيرة في الذكر بعد الصلاة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما يقول الرجل إذا سلم. حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن وراد مولى المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (كتب معاوية رضي الله عنه إلى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا سلم من الصلاة؟ فأملاها المغيرة عليه وكتب إلى معاوية قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ]. قوله: باب: ما يقول الرجل إذا سلم أي: إذا سلم من الصلاة المفروضة ماذا يقول؟ والمقصود من ذلك الأذكار والأدعية التي وردت بعد الفراغ من الصلاة المفروضة. وقد أورد أبو داود رحمه الله أحاديث عديدة، أولها: حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وكاتبه وراد هو الذي يروي الحديث عنه، وفيه أن معاوية كتب إلى المغيرة يسأله عما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة؟ فأملى المغيرة على وراد الكتاب إلى معاوية بهذا الحديث الذي هو: [ (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ]. وهذا يدلنا على عناية الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بالأحكام الشرعية أخذاً وأداءً وتحملاً، وأنه كان يكتب بعضهم إلى بعض، ويسأل بعضهم بعضاً عن السنن التي تكون عند المسئول عن السنن مما كان لديه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويدلنا على أن الكتابة في العلم حجة ومعتبرة، وأنها طريقة صحيحة لطرق التحمل وطرق الأداء؛ لأن معاوية كتب يسأل المغيرة و المغيرة كتب إليه يخبره بالذي عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. ففيه عناية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنن، وتلقيها وتعليمها والمكاتبة فيها وهذا يدل على فضلهم ونبلهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأنهم اجتهدوا في معرفة ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحمله وتبليغه وأدائه للناس. وهذا الذي أملاه المغيرة على كاتبه وراد بذلك الكتاب إلى معاوية رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين فيه: [ (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ] وهو من الذكر الذي يكون بعد الصلاة. قوله: [ (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ] يعني: لا ينفع صاحب الغنى غناه وإنما ينفعه العمل الصالح، وإنما ينفعه القربة إلى الله سبحانه وتعالى، والجد هنا بمعنى الحظ والنصيب والغنى وما إلى ذلك، والجد يأتي بهذا المعنى ويأتي بمعنى الجلال والعظمة، ومنه قول الله عز وجل فيما حكاه الله عن الجن: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا [الجن:3]، وكذلك الحديث الذي في دعاء الاستفتاح: (وتعالى جدك) يعني: عظمتك، ويأتي بمعنى الجد الذي هو أب الأب وأب الأم، وهذا من قبيل الاشتراك اللفظي، يعني: اللفظ الواحد يأتي لعدة معان مختلفة، والجد يقابله الحرمان، ولهذا يقول الشاعر: الجد بالجد والحرمان بالكسل فانصب تصب عن قريب غاية الأمل

    تراجم رجال إسناد حديث المغيرة في الذكر بعد الصلاة


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المسيب بن رافع ]. المسيب بن رافع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن وراد مولى المغيرة بن شعبة ]. وراد مولى المغيرة بن شعبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    وجه ذكر الرجال في ترجمة الباب


    قوله: [ باب ما يقول الرجل إذا سلم ] ذكر الرجل هنا لا مفهوم له؛ لأن الأحكام يتساوى فيها الرجال والنساء، إلا فيما جاء أنه يخص الرجال دون النساء، أو النساء دون الرجال، فعند ذلك يختص بأي واحد منهما، وإلا فإن الأصل التساوي. إذاً: ذكر الرجل هنا لا مفهوم له، وهو بمعنى ما يقوله المصلي إذا سلم، سواءً كان رجلاً أو امرأة، لكن لما كان الخطاب غالباً مع الرجال صار في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كلام غيره من العلماء الإتيان بذكر الرجل أو الرجال، وقد جاء فيه أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي فيها ذكر الرجال وليس الأمر خاصاً بهم بل لهم وللنساء، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه) يعني: وكذلك المرأة، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء) وكذلك المرأة إذا وجدت متاعها عند رجل قد أفلس فهي أحق به.
    شرح حديث ابن الزبير: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا ابن علية عن الحجاج بن أبي عثمان عن أبي الزبير قال: سمعت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما على المنبر يقول: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا انصرف من الصلاة يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أهل النعمة والفضل والثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ]. قوله: [ سمعت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما على المنبر يقول:... ] هذا فيه بيان عناية أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بالسنن وتبليغها للناس، وأنهم كانوا على المنابر في الخطب يبينون السنن ويوضحونها ويبلغونها للناس، حتى يسمعها الجم الغفير ممن يسمعون الخطب، وهو دال على كمال نصحهم وحرصهم واجتهادهم وتبليغهم السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قوله: [ (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة -يعني: إذا فرغ من الصلاة المفروضة- يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أهل النعمة والفضل والثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ] وهذا الحديث نفسه جاء عند مسلم والنسائي وليس فيه ذكر التكرار لقوله: [ (لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ] وإنما جاء مرة واحدة، فهذا من الذكر الذي شرع بعد الصلوات المكتوبة في حديث ابن الزبير ، وكذلك الذي جاء في حديث المغيرة بن شعبة المتقدم، كل ذلك من الذكر الذي يكون بعد الصلوات المكتوبة، وهو من الثناء على الله عز وجل؛ لأنه ذكر وثناء. وهذه الأذكار يرفع بها الصوت كما سبق في الحديث الذي فيه: (إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا الحديث هو في الصحيحين أيضاً. وهذه الأذكار يؤتى بها جميعاً؛ لأنها كلها من الذكر المشروع بعد الصلاة.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن الزبير: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ...)


    قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن علية ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بابن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحجاج بن أبي عثمان ]. الحجاج بن أبي عثمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت عبد الله بن الزبير ]. هو عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    طريق أخرى لما كان يقول عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من الصلاة المفروضة مع تراجم رجال الإسناد


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبي الزبير قال: كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما يهلل في دبر كل صلاة فذكر نحو هذا الدعاء زاد فيه: (ولا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله، لا نعبد إلا إياه، له النعمة...) وساق بقية الحديث ]. ذكر المصنف رحمه الله الحديث من طريق أخرى وفيه زيادة على ما تقدم وهي: [ (لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة....) ] يعني: بالإضافة إلى قوله في الحديث السابق: (والفضل والثناء الحسن). قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبدة ]. هو عبدة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير قال: كان عبد الله بن الزبير ]. أبو الزبير و عبد الله بن الزبير قد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر صلاته: اللهم ربنا ورب كل شيء....)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و سليمان بن داود العتكي -وهذا حديث مسدد- قالا: حدثنا المعتمر قال: سمعت داود الطفاوي قال: حدثني أبو مسلم البجلي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول، وقال سليمان : (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في دبر صلاته: اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك، اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة، اللهم ربنا ورب كل شيء، اجعلني مخلصاً لك وأهلي في كل ساعة في الدنيا والآخرة، يا ذا الجلال والإكرام! اسمع واستجب، الله أكبر الأكبر، الله نور السماوات والأرض -قال سليمان بن داود -: رب السماوات والأرض، الله أكبر الأكبر، حسبي الله ونعم الوكيل، الله أكبر الأكبر) ]. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر صلاته: اللهم ربنا ورب كل شيء) ] يعني: بعدها؛ لأن الدبر يطلق على ما قبل آخر الشيء وعلى ما بعده، فهو يطلق على ما قبل السلام وعلى ما بعد السلام، كله يقال له: دبر، وهنا هذا الذكر يقال بعد السلام، وقد جاءت أحاديث كثيرة فيها ذكر الدبر ويراد به ما بعد ومنها الحديث الذي فيه التسبيح والتهليل والتكبير دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ويختم بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهذا يكون بعد الصلاة، فالمراد بالدبر هنا ما بعد الصلاة. وهذا الحديث الطويل المشتمل على هذه الألفاظ من الدعاء هو حديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه من هو لين الحديث، وفيه من هو مقبول، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإنه لا يشرع الإتيان به، وإنما يؤتى بالأشياء الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر صلاته: اللهم ربنا ورب كل شيء ...)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ و سليمان بن داود العتكي ]. هو أبو الربيع الزهراني وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ وهذا حديث مسدد قالا: حدثنا المعتمر ]. هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت داود الطفاوي ]. داود الطفاوي لين الحديث، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال: حدثني أبو مسلم البجلي ]. أبو مسلم البجلي مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن زيد بن أرقم ]. زيد بن أرقم رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. أقول: المتن فيه ما فيه، والإسناد فيه من هو لين الحديث، ومن هو مقبول، والمقبول أعلى من لين الحديث، يعني: المقبول هو الذي يقبل حديث إذا توبع، والذي أقل منه هو لين الحديث.

    شرح حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عمه الماجشون بن أبي سلمة عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سلم من الصلاة قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت) ]. قوله: [ (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت) ]. هذا يدلنا على أن الصلاة يكون بعدها دعاء وليس مجرد ذكر، بل إن أول شيء يكون بعد الصلاة هو الدعاء وهو: أستغفر الله أستغفر الله، أستغفر الله ثلاث مرات؛ لأن الاستغفار هو دعاء، أستغفر الله يعني: أسأل الله المغفرة. إذاً: فبعد الصلاة يوجد ثناء ويوجد فيه دعاء، وهذا الحديث يدل على مشروعية الدعاء بعد الصلاة، وهناك دعاء قبل السلام، فما ورد قبل السلام يؤتى به قبل السلام، وما ورد بعد السلام يؤتى به بعد السلام.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ...)


    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ]. هو عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمه الماجشون بن أبي سلمة ]. هو يعقوب بن أبي سلمة الماجشون والماجشون لقب وليس اسماً، وهناك جماعة يقال لهم: الماجشون، وهو صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الرحمن الأعرج ]. هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، و الأعرج لقب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن أبي رافع ]. عبيد الله بن أبي رافع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن أبي طالب ]. علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين ، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: رب أعني ولا تعن علي ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن طليق بن قيس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو: رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر هداي إلي، وانصرني على من بغى علي، اللهم اجعلني لك شاكراً، لك ذاكراً، لك راهباً، لك مطواعاً، إليك مخبتاً أو منيباً، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي) ]. حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما ليس فيه أن هذا يقال بعد السلام وإنما فيه أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو. قوله: [ (رب أعني ولا تعن علي) ] يعني: بأن يعينه ويوفقه، وألا يعين عليه أحداً يلحق به الضرر. قوله: [ (وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي) ] يعني أن يكون المكر من الله له ولا يكون من الله عليه. قوله: [ (اللهم اجعلني لك شاكراً، لك ذاكراً، لك راهباً، لك مطواعاً، إليك مخبتاً أو منيباً) ]. هذه الألفاظ فيها حذف واو العطف، والأصل أن يقول: لك كذا، ولك كذا، ولك كذا، وحذف واو العطف وارد في اللغة العربية وهذا منه، ومنه قول الله عز وجل في أول سورة الغاشية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ [الغاشية:2-8] يعني: ووجوه، فحذفت واو العطف. إذاً: حذف واو العطف سائغ وقد جاء في القرآن والسنة. قوله: [ (لك راهباً) ]. يعني: الرهبة تكون من الله؛ لأنها مقابل الرغبة، كما في قوله تعالى: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء:90] يعني: خوفاً ورجاءً. قوله: [ (لك مطواعاً) ] يعني: مطيعاً، ومطواع صيغة مبالغة من الطاعة. قوله: [ (إليك مخبتاً أو منيباً) ]. الإخبات هو الخشية والذل، والإنابة هي الرجوع. قوله: [ (رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي) ]. الحوبة قيل: هي الذنب، وكونها تغسل مثل ما جاء في الحديث: (ونقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسلني بالماء والثلج والبرد). قوله: [ (وأجب دعوتي وثبت حجتي) ]. يعني: يكون كلامه مستقيماً، وفي الآخرة كونه يسدد ويوفق عند السؤال للجواب بالصواب. قوله: [ (واسلل سخيمة قلبي) ]. يعني: أخرج ما فيه من الحقد والضغن، والأشياء التي تكون في القلوب مما تعتريه وهي مذمومة وغير محمودة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: رب أعني ولا تعن علي ...)


    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. هو عمرو بن مرة الهمداني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن الحارث ]. هو عبد الله بن الحارث النجراني وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن طليق بن قيس ]. طليق بن قيس ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره.

    طريق أخرى لحديث: (رب أعني ولا تعن علي) وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: سمعت عمرو بن مرة بإسناده ومعناه، قال: (ويسر الهدى إلي، ولم يقل: هداي) ]. هذه طريق أخرى للحديث السابق. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان الثوري . [ قال: سمعت: عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة مر ذكره. [ قال أبو داود : سمع سفيان من عمرو بن مرة قالوا: ثمانية عشر حديثاً ]. هذا فيه بيان مقدار سماع سفيان الثوري من عمرو بن مرة وأنهم قالوا: سمع منه ثمانية عشر حديثاً.

    شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال اللهم أنت السلام ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عاصم الأحول و خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سلم قال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام!) ]. قوله: [ (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام!) ] هذا ذكر يأتي به الإمام وهو مستقبل القبلة بعد السلام وقبل الانصراف إلى المأمومين، كما جاء ذلك في بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك الاستغفار ثلاثاً: (أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام!) والإمام بعد أن يأتي بهذا الذكر ينصرف إلى المأمومين، ويأتي بالباقي مما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقابل للمأمومين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال اللهم أنت السلام ...)


    قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم الأحول ]. هو عاصم بن سليمان الأحول وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و خالد الحذاء ]. هو خالد بن مهران الحذاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن الحارث ]. هو أبو الوليد عبد الله بن الحارث البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حكم قول: وإليك السلام تباركت وتعاليت


    ويقول بعض الناس: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك السلام، تباركت وتعاليت، ولم يأت ما يدل على قولهم: تعاليت، ولا قولهم: وإليك السلام؛ لأن الله هو السلام ومنه السلام، ولهذا لا يسلم على الله وإنما السلام من الله، وقد سبق أن مر الحديث الذي فيه: (السلام على الله من عباده، السلام على جبريل وميكائيل، فقال عليه الصلاة والسلام: لا تقولوا كذلك؛ فإن الله هو السلام ومنه السلام) يعني: أن السلام منه لهم. وهذا الحديث أخرجه مسلم و الترمذي و النسائي و ابن ماجة .

    شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن الأوزاعي عن أبي عمار عن أبي أسماء عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ثم قال: اللهم...)، فذكر معنى حديث عائشة رضي الله عنها ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته، استغفر ثلاث مرات..) ] يعني: كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته إلى المأمومين فقبل أن ينصرف كان يستغفر ثلاث مرات بعدما يسلم، يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله اللهم.. ثم يأتي بالذكر الذي تقدم في الحديث الذي قبل هذا، فقد كان يجمع بين الاستغفار وبين هذا الذكر الذي هو: (اللهم أنت السلام ومنك السلام).

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات)


    قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ]. هو إبراهيم بن موسى الرازي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عمار ]. هو شداد بن عبد الله وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي أسماء ]. هو عمرو بن مرثد الرحبي وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
    الأسئلة



    حكم الدعاء الجماعي دبر الصلوات ورفع اليدين فيه


    السؤال: يكثر في العالم الإسلامي الدعاء الجماعي، بأن يدعو الإمام والمأمومون يؤمنون، مع رفع اليدين فيه، فهل لكم من توجيه؟

    الجواب: المعروف عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل واحد يسبح لنفسه، ويهلل لنفسه، ويأتي بالذكر لنفسه، دون أن يكون هناك صوت جماعي، بأن يأتي الإمام بالذكر وهم يؤمنون وراءه، فهذا من الأمور المحدثة، وإنما كل إنسان يأتي بالدعاء لنفسه، وليس الإمام هو الذي يأتي بالدعاء والباقون يؤمنون وراءه، أو يأتون بالذكر وراءه، فهذا ليس من السنة، بل هذا من الأمور المحدثة، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يأتي بالذكر والصحابة يرددون وراءه الذكر مثل المعلم الذي يعلم الصبيان، وإنما كل إنسان كان يأتي بالذكر لنفسه. ورفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام هو إمام الناس، وهو الذي كان يصلي بهم، ولم ينقل رفع اليدين بعد الصلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، فدل هذا على أن ذلك لا يصلح؛ لأنه لم يفعل. ورفع اليدين للدعاء له أحوال: حال ورد فيها رفع اليدين، فترفع اليدان فيما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحال لم يأت فيها رفع اليدين ومنها: أثناء خطبة الجمعة، فإنه لا ترفع الأيدي فيها، إلا إذا استستقى الإمام في الخطبة فإنه يرفع يديه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه وهو يخطب إلا في الاستسقاء، وكذلك بعد الصلاة المفروضة؛ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم -وهو الذي يصلي بالناس دائماً- يرفع يديه وكذلك الصحابة معه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم لم يكونوا يرفعون أيديهم.

    حكم الجهر بالتكبير بعد التسليم قبل الاستغفار

    السؤال: بعض طلبة العلم إذا سلم يكبر تكبيرة واحدة ثم يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ويستدل بما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس : (كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير) فما رأيكم في هذا؟


    الجواب: غير واضح أن يؤتى بالتكبير بعد السلام مباشرة، ولا شك أن الصلاة بعدها تكبير وغير تكبير، فقد جاء في بعض الروايات عدم ذكر التكبير، والمراد بالحديث أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذكر بعد الصلاة فيه تكبير وفيه غير تكبير، وأما كونه يؤتى بالتكبير مباشرة فلم يأت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال: الله أكبر، وإنما كان يقول: (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله)، والاستغفار ورد بعد أداء العبادات، كما جاء في الصلاة، وجاء في الحج، يعني: بعد أداء العبادة يؤتى بالاستغفار من أجل التقصير والنقص الذي يحصل من الإنسان.


    معنى السلام

    السؤال: قوله: (اللهم أنت السلام) ما معنى السلام؟


    الجواب: السلام هو اسم من أسماء الله، يعني المنزه المسلَّم من كل نقص ومن كل عيب، والسلامة تحصل للناس من الله عز وجل، ولهذا الإنسان عندما يسلم على غيره يقول: السلام عليكم ورحمة الله، يدعو له بالسلامة، والسلامة إنما تكون من الله عز وجل وتطلب من الله عز وجل.

    حكم تأدية السنة بعد السلام مباشرة قبل الأذكار


    السؤال: نلاحظ في المسجد النبوي في الموسم خاصة قيام بعض الناس بعد السلام مباشرة لأداء السنة قبل الأذكار، فما الحكم؟

    الجواب: هذا خطأ، فالذي ينبغي للإنسان بعد السلام أن يأتي بالأذكار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يأتي بالنوافل، أما كونه يترك هذه الأذكار الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن هذا ترك للسنة، ومخالفة للسنة."



  14. #214
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [181]
    الحلقة (212)





    شرح سنن أبي داود [181]

    بالاستغفار تزاح الهموم والغموم عن القلوب، وتنشرح الصدور، وتأتي الخيرات من الأرض والسماوات، وتفتح أبواب الفرج وتزاح عن المستغفرين الكرب، وكفى بالاستفغار فضلاً أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر في المجلس الواحد مائة مرة.

    ما جاء في الاستغفار


    شرح حديث: (ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستغفار. حدثنا النفيلي حدثنا مخلد بن يزيد حدثنا عثمان بن واقد العمري عن أبي نصيرة عن مولىً لأبي بكر الصديق عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة) ]. قوله: [ باب في الاستغفار ] الاستغفار هو من الدعاء؛ لأن قول الإنسان: اللهم اغفر لي دعاء يطلب به من الله المغفرة. أورد المصنف رحمه الله في هذا الباب أحاديث في الاستغفار وأحاديث في الدعاء على سبيل العموم؛ لأن الاستغفار نوع من أنواع الدعاء. قوله: [ (ما أصر من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة) ]، الإصرار: هو البقاء على الذنب والإصرار عليه، أما الاستغفار فلا يكون معه الإصرار، ولو عاد إلى الذنب في اليوم سبعين مرة، لكن هذا الحديث ضعيف وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحتج به؛ لأن لفظه فيه نكارة، إذ كيف يكون غير مصر ولو عاد إلى الذنب سبعين مرة؟! فما فائدة الاستغفار الذي يكون معه مواصلة الذنب والاستمرار فيه حتى يبلغ هذا المبلغ في الكثرة؟! فالحديث غير صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه مولىً لأبي بكر وهو مبهم. وقال الحافظ: هو أبو رجاء مولى أبي بكر وهو مجهول. إذاً: فالحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كون الاستغفار يكون معه تخفيف الذنوب والتخلص من الذنوب فقد جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار)، يعني: أن الكبيرة مع الاستغفار تتضاءل وتتلاشى وتضمحل؛ لأن الإنسان عندما يرتكب كبيرة ويستغفر الله ويندم عليها ويخاف الله عز وجل، فإن الذنب يتلاشى ويضمحل. قوله: (ولا صغيرة مع الإصرار)، يعني: الصغيرة مع الإصرار والمداومة عليها وقلة الحياء والخوف من الله عز وجل تتضخم وتكبر وتعظم؛ لما صحبها من قلة الحياء وقلة المبالاة، وكون الإنسان يستمر على تلك الذنوب التي هي صغائر قد يلحقها بالكبائر من ناحية قلة الحياء وقلة المبالاة بها. وهذا هو معنى قول ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: (لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار).

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة)


    قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا مخلد بن يزيد ]. مخلد بن يزيد صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا عثمان بن واقد العمري ]. عثمان بن واقد العمري صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن أبي نصيرة ]. هو مسلم بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن مولىً لأبي بكر ]. وهو مبهم، وقد ذكر الحافظ في التقريب أنه أبو رجاء ، وقال: إنه مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن أبي بكر الصديق ]. أبو بكر هو عبد الله بن عثمان رضي الله عنه، وهو غير مشهور باسمه ولكنه مشهور بكنيته ولقبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وهو ليس له ولد اسمه بكر ولكنه اشتهر بهذه الكنية، كما أن عمر رضي الله عنه ليس له ولد اسمه حفص وقد اشتهر بهذه الكنية، و أبو بكر الصديق رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأول الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وقد قال عنه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مقالة تدل على علو قدره وعظيم منقبته، وذلك قبل أن يموت بخمس ليال، كما جاء في صحيح مسلم من حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك). فقوله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) أخبر فيه عن أمر لا يكون أن لو كان كيف يكون، وهو دال على عظم شأن أبي بكر وعلو منزلته وعظيم قدره، وهو أفضل الصحابة على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب و مسدد قالا: حدثنا حماد عن ثابت عن أبي بردة عن الأغر المزني رضي الله عنه- قال مسدد في حديثه: وكانت له صحبة -قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة) ]. قوله: [ (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة) ] يغان فسر بأنه يغطى، وقيل: إن المقصود بذلك ما يحصل له من السهو، وأنه يستغفر الله عز وجل في اليوم سبعين مرة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. أما وجه استغفار النبي صلى الله عليه وسلم وهل يدخل في مسألة وقوع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في الذنوب؟ فالعلماء اتفقوا على أن الكبائر لا تقع منهم، وأما الصغائر فهناك خلاف بين أهل العلم، والقائلون بإثباتها يقولون: إنه يترتب عليها زيادة كمالهم من ناحية أنهم يستغفرون ويدعون، وأن الله يرفع شأنهم، ويعلي قدرهم، ويعظم منزلتهم. ومن العلماء من يقول: إنه قد يقع منهم خلاف الأولى، ومن ذلك الشيء الذي عوتب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن فيما يتعلق بقصة الأعمى: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى [عبس:1-2] وكذلك فيما يتعلق بأسارى بدر، وغير ذلك من الأشياء التي جاءت في القرآن والتي عوتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم . قيل: إن استغفاره صلى الله عليه وسلم من العبادة لله عز وجل، وكذلك تعليم الأمة أن يفعلوا ذلك، وأنه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر وهو القدوة والأسوة، وهم الذين يذنبون ويحتاجون إلى أن يستغفروا من ذنوبهم وقدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة)


    قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ ومسدد حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد إذا جاء مسدد و سليمان بن حرب عن حماد فالمراد به حماد بن زيد ، وإذا جاء موسى بن إسماعيل و مسدد عن حماد فالمراد به حماد بن سلمة . وحماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة ]. هو أبو بردة بن أبي موسى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن الأغر المزني ]. الأغر المزني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث، وهو عند مسلم و أبي داود فقط. لكن له عند البخاري في الأدب المفرد، وعند النسائي في عمل اليوم والليلة.

    شرح حديث: (إن كنا لنعد لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو أسامة عن مالك بن مغول عن محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: [ (إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم). يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الاستغفار في المجلس الواحد، وفي الحديث السابق كان يخبر عن نفسه أنه كان يستغفر الله في اليوم مائة مرة، وهنا كان الصحابة يعدون له في المجلس الواحد أنه كان يقول هذا الذكر أو هذا الدعاء مائة مرة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن كنا لنعد لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي)

    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا أبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن مالك بن مغول ]. مالك بن مغول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن محمد بن سوقة ]. محمد بن سوقة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فر من الزحف)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حفص بن عمر بن مرة الشني حدثني أبي عمر بن مرة سمعت بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: سمعت أبي يحدثنيه عن جدي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف) ]. أورد أبو داود حديث زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف) ]. يعني: من قال ذلك غفر له وإن فرّ من قتال الكفار، ومن المعلوم أن الفرار من الزحف هو أحد الموبقات السبع التي جاءت في حديث: (اجتنبوا السبع الموبقات، ومنها: الفرار من الزحف)، ويكون المعنى مستقيماً إذا كان المقصود أنه تاب من جميع الذنوب ومنها الفرار من الزحف، وإلا فإن مجرد الاستغفار والإنسان باق على الذنب لا ينفع، وهو مثل ما تقدم في الحديث الضعيف الذي فيه: (وإن عاد في اليوم سبعين مرة) وإنما ينفع ذلك مع التوبة من الذنب، فبدون توبة من الذنب يوجد إشكال، يعني: كونه تغفر له ذنوبه بمجرد الاستغفار ولو فر من الزحف وإن لم يتب من ذلك الذنب وهو مصر عليه، لكن إذا كان المقصود به الاستغفار من جميع الذنوب والتوبة منها والندم على ما حصل منه. نعم، تغفر له ذنوبه، أما أن يوجد منه الاستغفار بلسانه ولم يتب من بعض الذنوب لا يقال: إنها تغفر له ذنوبه بمجرد الاستغفار وهو مصر عليها. وهذا الحديث فيه أربعة مقبولون، وفيه إشكال من هذا المعنى الذي أشرت إليه، وإلا على معنى التوبة من جميع الذنوب فإن كل الذنوب تغفر ولو كان الفرار من الزحف. والحديث صححه الألباني كما سيأتي وجه تصحيحه له.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فر من الزحف)


    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي المنقري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ حدثنا حفص بن عمر بن مرة الشني ]. حفص بن عمر بن مرة الشني مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ حدثني أبي عمر بن مرة ]. عمر بن مرة مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ سمعت بلال بن يسار بن زيد ]. بلال بن يسار مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ سمعت أبي يحدثنيه عن جدي ]. أبوه هو يسار وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي . أما جده فهو صحابي أخرج له أبو داود و الترمذي .

    وجه تصحيح الألباني لحديث (من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو غفر له وإن كان قد فر من الزحف)


    ذكرت أن الشيخ الألباني رحمه الله صحح الحديث، ولما كان في رجاله أربعة وصف كل منهم بأنه مقبول، وكل منهم خرج له أبو داود والترمذي وهم: حفص بن عمر بن مرة ، وأبوه، وبلال بن يسار بن زيد ، وأبوه، وكل منهم مقبول، والمقبول هو الذي لا يعتد بحديثه إلا إذا توبع . وقد أورد الشيخ الألباني ذلك الحديث في السلسلة الصحيحة رقم (2727)، وذكره عن جماعة من الصحابة منهم زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدرها بحديث عبد الله بن مسعود ، والحديث الذي أورده من طريق عبد الله بن مسعود صحيح، وهو مثل ما جاء في هذا إلا أنه زاد (ثلاثاً): (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاثاً، غفرتْ ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف). وعلى هذا فهذه الطريق -مع ما فيها من الرجال المتكلم فيهم- عن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم متفقة مع تلك الطريق الصحيحة التي أوردها الشيخ الألباني وإسنادها صحيح. وكذلك ذكره عن جماعة من الصحابة إلا أن حديث عبد الله بن مسعود هو الذي يعتمد عليه في ذلك، وعلى هذا فالحديث صحيح ولكن لا يكون معناه: أنه من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه ولو كان فاراً من الزحف إذا كان مصراً على المعاصي؛ لأن الاستغفار النافع هو الذي يكون معه الندم والخوف والخجل والتوبة من الذنوب التي ارتكبها والإقلاع عنها فهذا هو الذي يغفر له، وأما الذي يستغفر الله وهو مصر على المعصية، متى ما وجد سبيلاً إليها انقض إليها، فمثل هذا لا يقال: إنه ينفعه أن يقول: أستغفر الله بلسانه مع أن قلبه منطو على خلاف ما جاء في لسانه.

    شرح حديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الحكم بن مصعب حدثنا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه أنه حدثه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من لزم الاستغفار) ] يعني: أكثر منه وكان ملازماً له . قوله: [ (جعل الله له من كل ضيق مخرجاً) ] يعني: الشدة والمصائب التي تحل بالإنسان يجعل الله له من ذلك الضيق الذي يحصل بسببها مخرجاً. قوله: [ (ومن كل هم فرجاً) ] يعني: يجعل له فرجاً من كل شيء يهمه ويزعجه، بحيث يسلم ويخلص من ذلك، ويفرج الله عنه بسبب الاستغفار . قوله: [ (ويرزقه من حيث لا يحتسب) ] يعني: يأتيه الرزق من حيث لا يفكر ولا يخطر بباله. والحديث فيه رجل مجهول، وهو الحكم بن مصعب ، فهو غير صحيح من ناحية الإسناد، ولكن معناه جاء به القرآن من حيث التقوى، كما قال الله عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:2-3] . وأيضاً جاء فيما يتعلق بالاستغفار أنه سبب لحصول الرزق، كما قال الله عز وجل عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا *وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12] يعني: أنه يترتب على الاستغفار حصول هذه الأمور، ومنها حصول الرزق، بأن ينزل الله عليهم الأمطار التي تنبت بها الأشجار الزروع، وتحيا بها الأرض بعد موتها، وكذلك يمددهم بأموال وبنين ويجعل لهم جنات أنهاراً. فهذا القرآن دل على ذلك، لكن الحديث من ناحية الإسناد غير صحيح، وقد ضعفه الألباني رحمه الله؛ لأن في إسناده الحكم بن مصعب وهو مجهول.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً...)


    قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن . [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. الوليد بن مسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ حدثنا الحكم بن مصعب ]. الحكم بن مصعب مجهول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ]. محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو علي بن عبد الله بن عباس ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن . هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (... كان أكثر دعوة يدعو بها (اللهم آتنا في الدنيا حسنة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ح وحدثنا زياد بن أيوب حدثنا إسماعيل المعنى عن عبد العزيز بن صهيب أنه قال: (سأل قتادة أنساً رضي الله عنه: أي دعوة كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار). وزاد زياد : وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن قتادة سأله: (أي دعوة كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر؟) ]. أي: أي دعاء كان يكثر منه النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم أكثر من غيره؟ فقال: [ (اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ] هذا دعاء عظيم جمع بين خير الدنيا والآخرة؛ لأن حسنة الدنيا كل خير وكل سعادة، وكل ما هو نافع في هذه الحياة فهو من حسنة الدنيا، وكل ما يحصل في الآخرة من نعيم وبهجة كل ذلك من حسنة الآخرة، ثم بعد ذلك من يحصل على حسنة الآخرة يسلم من عذاب النار، فهذا دعاء جاء به القرآن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يدعو به، وجاء من طريق زياد -شيخ أبي داود الثاني-: أن أنساً رضي الله تعالى عنه كان إذا أراد أن يدعو بدعوة واحدة اقتصر على هذا الدعاء: (اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) وإذا أراد أن يدعو بجملة من الأدعية يدعو بهذا الدعاء مع هذه الأدعية، أي: أنه كان لا يترك هذا الدعاء سواء دعا بدعوة واحدة أو دعا بدعوات كثيرة، فقد كان رضي الله عنه لا يفرط فيه ولا يغفل عنه، وذلك لكونه يجمع خير الدنيا والآخرة، كذلك هذا الدعاء يقال ما بين الركنين في الطواف.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... كان أكثر دعوة يدعو بها اللهم آتنا في الدنيا حسنة...)

    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ ح وحدثنا زياد بن أيوب ]. ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وزياد بن أيوب ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بابن علية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ المعنى عن عبد العزيز بن صهيب ]. (المعنى) يعني: أن هذه الرواية بهذين الطريقين السابقتين متفقة في المعنى، وعبد العزيز بن صهيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سأل قتادة أنساً ]. أنس رضي الله عنه هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يعتبر من الرباعيات عند أبي داود ؛ لأن فيه أربعة أشخاص بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم: الطريق الأولى هي: مسدد عن عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس ؛ لأن قتادة ليس من رجال الإسناد وإنما هو الذي حصل منه السؤال، ولكن الرواية عن عبد العزيز عن أنس . الطريق الثانية هي: زياد بن أيوب عن إسماعيل بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس ، فهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأن بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وسائط، من طريقين كل واحدة فيها أربعة تلتقي عند الثالث عبد العزيز بن صهيب .

    شرح حديث: (من سأل الله الشهادة صادقاً بلغه الله...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد الرملي حدثنا ابن وهب حدثنا عبد الرحمن بن شريح عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سأل الله الشهادة صادقاً بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من سأل الله الشهادة صادقاً) ] يعني: أن من سأل الله عز وجل الشهادة في سبيل الله عز وجل، وكان ذلك بصدق من قلبه وبنية خالصة ليس مجرد كلام يقال باللسان دون أن يكون القلب عاقداً عليه. قوله: [ (بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) يعني: أن الله يكرمه ويتفضل عليه بأن يبلغه تلك المنازل بهذه النية وبهذا القصد. ومن المعلوم أن الأصل في الشهداء هم شهداء المعركة في سبيل الله عز وجل، لكن هناك أناس وصفوا بأنهم شهداء وذلك في ثواب الآخرة وهذا من جنسه، فيبلغه الله تلك المنازل بقصده الطيب ونيته الحسنة، وهذا يدلنا على أن الإنسان بنيته وقصده قد يحصل على الأجر العظيم، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أنه قال: (إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر) هذا فيه الجهاد بالنية. و ابن القيم رحمه الله ذكر أن الجهاد أنواع، ومنه الجهاد بالنية، وهذا دليله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قال: (إلا كانوا معكم) معناه: أنهم يحصلون الأجر والثواب بنيتهم وقصدهم الطيب الحسن. و النووي رحمه الله في رياض الصالحين عقد باباً قال: (باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة ويغسلون ويصلى عليهم)، يعني: هم شهداء في ثواب الآخرة وإن لم يكونوا بشهداء معركة، وساق جملة من الأحاديث منها: (من قتل دون ماله فهو شهيد).

    تراجم رجال إسناد حديث: (من سأل الله الشهادة صادقاً بلغه الله...)


    قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد الرملي ]. يزيد بن خالد الرملي ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن شريح ]. عبد الرحمن بن شريح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ]. أبو أمامة بن سهل بن حنيف اسمه أسعد ، وقيل: له رؤية، وهو معدود في صغار الصحابة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو سهل بن حنيف رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

    شرح حديث: (... ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة الثقفي عن علي بن ربيعة الأسدي عن أسماء بن الحكم الفزاري قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: (كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، قال: وحدثني أبو بكر رضي الله عنه، وصدق أبو بكر رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يقول: ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ [آل عمران:135] ... إلى آخر الآية) ]. أورد أبو داود حديث أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له) ] ثم تلا الآية، وهذا يدل على أن الذنب إذا كان صغيراً فالأعمال الصالحة تكفره، وأما إذا كان كبيراً فتكفره الأعمال الصالحة مع التوبة، وأما كون الإنسان يتوضأ ويصلي ركعتين وهو عازم على فعل الكبيرة إذا ظفر بها أو إذا حصلها، فمعناه أنه مصر عليها، فكونه يأتي بركعتين ويتطهر لا يكفر ذلك الذنب، ولابد من التوبة والندم والإقلاع عن الذنب. وأما بالنسبة للصغائر فتكفرها الأعمال الصالحة كما جاء: (الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) ، وكذلك قول الله عز وجل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] يعني: أن ارتكاب الصغائر يكفر باجتناب الكبائر وكذلك بالأعمال الصالحة. قوله: [ (ثم تلا هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ [آل عمران:135]) ]. ذكر الله عز وجل يشمل الصلاة ويشمل غيرها، كما جاء في القرآن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، فالصلاة هي من ذكر الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم...)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن عثمان بن المغيرة الثقفي ]. عثمان بن المغيرة الثقفي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن . [ عن علي بن ربيعة الأسدي ]. علي بن ربيعة الأسدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن أسماء بن الحكم الفزاري ]. أسماء بن الحكم الفزاري صدوق أخرج له أصحاب السنن . [ سمعت علياً ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأحاديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبو بكر ]. هو الصديق رضي الله عنه، واسمه عبد الله بن عثمان ، وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة .

    وجه استحلاف علي للصحابة عند التحديث عن النبي عدا أبي بكر رضي الله عنه


    في أول الحديث أن علياً رضي الله عنه قال: [ (كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني -يعني: بالعمل به- وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر) ] يعني: أنه لم يستحلفه، وهذا يدلنا على عظيم منزلة أبي بكر عند علي رضي الله عنه وعلو قدره وتعظيمه له، وهذا الذي فعله علي رضي الله عنه مع غيره من الصحابة من كونه يستحلف من حدثه منهم هو اجتهاد وزيادة في التوثق، وإلا فإن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كان يحدث بعضهم بعضاً من غير استحلاف ومن غير حاجة للاستحلاف، ولكن هذا هو من جنس ما كان يفعله عمر رضي الله عنه إذا أخبره أحد بشيء ففي بعض الأحيان يطلب منه شاهداً يوافقه على ذلك، ولا يعني ذلك عدم قبول الرواية، وإنما فيه زيادة التوثق، وإلا فإنه لو لم يوجد ما يوافقه فإن مجرد خبره ذلك كاف."



  15. #215
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [182]
    الحلقة (213)

    شرح سنن أبي داود [182]

    لقد حث الشرع على الاستغفار الذي يشتمل على الندم على ما فات من المعاصي والذنوب، مع الإقلاع عنها وعدم الإصرار عليها، وإلا فإن الاستغفار مع الإصرار غير مقبول، بل هو تلاعب وعدم تعظيم لحرمات الله سبحانه وتعالى، واستهانة بأمره، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وما ذلك إلا من أجل أن تقتدي به أمته في ذلك، وهناك طرق كثيرة للاستغفار من الذنوب منها: الاستغفار باللسان، ومنها: أن يحسن الطهور ويصلي ركعتين ثم يستغفر المرء من الذنب الذي اقترفه وغير ذلك.

    تابع ما جاء في الاستغفار


    شرح حديث: (... لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا حيوة بن شريح قال: سمعت عقبة بن مسلم يقول: حدثني أبو عبد الرحمن الحبلي عن الصنابحي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيده وقال: يا معاذ ! والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) وأوصى بذلك معاذ الصنابحي ، وأوصى به الصنابحي أبا عبد الرحمن ]. أورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، وأوصى بذلك معاذ الصنابحي ، وأوصى به الصنابحي أبا عبد الرحمن ] هذا يدل على مشروعية هذا الدعاء دبر الصلوات المفروضة، ولكن ما المراد بدبر الصلاة؟ يحتمل أن يكون قبل الفراغ من الصلاة، ويحتمل أن يكون بعدها؛ لأن الدبر هو آخر الشيء وما يلي آخر الشيء، والصلاة آخرها السلام؛ فيكون الذي قبله وما بعده ويكون هو آخرها، هذا دبر وهذا دبر، وكونه يؤتى بهذا الدعاء قبل السلام أو بعده كل ذلك يمكن أن يدخل تحت هذا الحديث. وقد جاء الدعاء بعد السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث: (كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت) هذا فيه الدعاء بعد الصلاة. فإذاً: يكون دعاؤه قبل وبعد الصلاة، وهنا جاء بلفظ مطلق وهو الدبر وهو يشمل ما قبل وما بعد الصلاة. قوله: [ (والله إني لأحبك) ] وكونه عليه الصلاة والسلام أقر وحلف على ذلك فهذه منقبة عظيمة لمعاذ رضي الله عنه وأرضاه، ثم أرشده إلى ذلك العمل، وكونه يأتي بهذا الدعاء الذي هو سؤال الله عز وجل أن يعنيه على ذكره وشكره وحسن عبادته، فيه تثبيت لهذه المحبة والإبقاء عليها. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده) ]. يعني: أخذ بيد معاذ وهذا فيه زيادة الأنس، وكذلك حتى يكون متهيئاً ومستعداً لما يلقي عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)

    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ]. عبد الله بن يزيد المقرئ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حيوة بن شريح ]. هو حيوة بن شريح المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عقبة بن مسلم ]. هو عقبة بن مسلم التجيبي المصري ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثني أبو عبد الرحمن الحبلي ]. هو عبد الله بن يزيد وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن . [ عن الصنابحي ]. هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي وهو ثقة من كبار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكان قدم من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما كان بالجحفة جاء رتل من المدينة فأخبروه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي، فوصل المدينة بعد دفنه بخمسة أيام، ولهذا قالوا في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، يعني: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلقاه وليحصل على هذا الشرف العظيم الذي هو شرف الصحبة، ولكنه لم يحصل له ذلك فقارب أن يكون صحابياً؛ لأنه ما بقي بينه وبين لقيا الرسول صلى الله عليه وسلم إلا فترة وجيزة، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وصوله إلى المدينة. [ عن معاذ بن جبل ]. معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة . وكون معاذ يوصي الصنابحي والصنابحي يوصي أبا عبد الرحمن هذا فيه التسلسل بهذه الوصية التي فيها الدعاء دبر الصلوات.

    شرح حديث: (أمرني رسول الله أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن الليث بن سعد أن حنين بن أبي حكيم حدثه عن علي بن رباح اللخمي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عقبة بن عامر قال: [ (أمرني النبي عليه الصلاة والسلام أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة) ] وهي المعوَّذات أو المعوَّذات. قال صاحب عون المعبود: بفتح الواو وكسرها. المعوذات هي ما يتعوذ بها، هي: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. وقيل: إن الجمع هنا يراد به أنه يكون معها: قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، أو أنه يراد بها السورتان فقط، ويكون إطلاق الجمع على الاثنين؛ لأن الجمع يمكن أن يطلق على الاثنين، كما قال الله عز وجل: وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ [الأنبياء:78]، فقال: (لحكمهم) ولم يقل: لحكمهما، وكذلك قوله عز وجل: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [التحريم:4]، يعني: المرأتين . إذاً: يأتي ذكر الجمع على أن أقله اثنان، وذلك في مواضع كثيرة، فأقل الجمع عند الفرضيين والفقهاء اثنان، وعند النحويين ثلاثة؛ لأن الجماعة عند الفقهاء أقلها إمام ومأموم، وعند الفرضيين اثنان لقوله: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] يعني: إذا كان له أخوان حجبت الأم من الثلث إلى السدس؛ لأن أقل شيء يطلق عليه الجمع هو اثنان. فهنا إما أن يكون المقصود بالجمع في قوله: [ (بالمعوذات) ] المعوذتين ومعهما قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]. أو أن المقصود بذلك السورتان فقط ويكون ذكر المعوذات بالجمع أطلق عليها من ناحية إطلاق الجمع على الاثنين، وهو سائغ. والشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه عندما كتب حول ما يقال بعد الصلاة وذكر أنه يؤتى بآية الكرسي وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس بعد كل صلاة مرة واحدة، وعند المغرب والفجر يؤتى بقل هو الله أحد والمعوذتين ثلاث مرات، ولم أعرف ما هو الدليل على هذا، والشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه معروف بعنايته بالآثار وبالحديث وتعويله على الأدلة. قوله: [ (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. الأمر هنا معناه اقرأ بالمعوذات، وكما هو معلوم هو للاستحباب بلا شك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أمرني رسول الله أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة)


    قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب مر ذكره . [ عن الليث بن سعد ]. هو الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن حنين بن أبي حكيم ]. حنين بن أبي حكيم صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن علي بن رباح اللخمي ]. علي بن رباح اللخمي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عقبة بن عامر ]. هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (أن رسول الله كان يعجبه أن يدعو ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً)

    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن علي بن سويد السدوسي حدثنا أبو داود عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً) ] معناه: أنه يكرر الدعاء ثلاث مرات ويكرر الاستغفار ثلاث مرات. وهذا فيه الدلالة على استحباب تكرار الدعاء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه ذلك، والحديث ضعفه الألباني ، وما أدري ما وجه تضعيفه؛ لأن رجاله كما سيأتي ليس فيهم كلام، إلا ما قيل عن أبي إسحاق السبيعي من جهة كونه مدلساً وكونه اختلط. وقد جاء ما يدل على معناه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من صلاته يستغفر ثلاثاً يقول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله) وكذلك جاء في صحيح مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا بدعوة أعادها ثلاثاً، وإذا سأل أعادها ثلاثاً). فهذا يدل على أن تكرار الدعاء من عادته صلى الله عليه وسلم ومن هديه صلى الله عليه وسلم، فلا أدري ما وجه تضعيف الشيخ الألباني رحمه الله لهذا الحديث في سنن أبي داود ، مع أن رجاله لا بأس بهم، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تكرار الدعاء، وكما جاء في صحيح مسلم أيضاً عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا بدعوة أعادها ثلاثاً). الحقيقة أن تكرار الاستغفار ثلاثاً وتكرار الدعاء ثلاثاً ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتضعيف فيه نظر، وحتى لو كان الإسناد هذا فيه كلام من جهة أبي إسحاق السبيعي فإن الأحاديث الأخرى تدل على ما دل عليه هذا الحديث، وهو من حيث الإسناد لا بأس به. أما تكرار الدعاء في القنوت فغير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يقوله مرة واحدة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يعجبه أن يدعو ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن علي بن سويد السدوسي ]. أحمد بن علي بن سويد السدوسي صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو داود ]. هو سليمان بن داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة، أخرج أصحاب الكتب الستة . [ عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق السبيعي واسمه عمرو بن عبد الله الهمداني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن ميمون ]. عمرو بن ميمون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن عبد العزيز بن عمر عن هلال عن عمر بن عبد العزيز عن ابن جعفر عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئاً). قال أبو داود : هذا هلال مولى عمر بن عبد العزيز وابن جعفر هو عبد الله بن جعفر ]. أورد أبو داود حديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: [ (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئاً) ]، هذا الحديث فيه ثناء على الله عز وجل وتعظيم له عند الكرب، فكون المسلم يدعو بهذا الدعاء فهو يريد التخلص من الشيء الذي يهمه، مثل ما مر في أن من دعا الله بلفظ الجلالة فقد دعا باسم الله الأعظم، فيكون ذلك من أسباب القبول.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب )


    قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود ]. هو عبد الله بن داود الخريبي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ]. عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز -يعني: ابن الخليفة- وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال ]. هو هلال أبو طعمة مولى عمر بن عبد العزيز وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة، و ابن ماجة . [ عن عمر بن عبد العزيز ]. عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الخليفة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جعفر ]. هو عبد الله بن جعفر وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أسماء بنت عميس ]. أسماء بنت عميس هي أمه رضي الله تعالى عنها وهي صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. و أسماء بنت عميس هي زوجة جعفر بن أبي طالب الذي استشهد في غزوة مؤتة، وتزوجها بعده أبو بكر ثم تزوجها علي ، وقد ولدت للثلاثة، ولدت لجعفر بن أبي طالب ولأبي بكر ولعلي بن أبي طالب .
    شرح حديث أبي موسى: (... يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت وعلي بن زيد وسعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما دنوا من المدينة كبر الناس ورفعوا أصواتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا أيها الناس! إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إن الذي تدعونه بينكم وبين أعناق ركابكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا موسى! ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: وما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) ]. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه أنه كان في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما دنوا من المدينة رفع بعض أصحابه أصواتهم بالتكبير، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (يا أيها الناس! إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبا، إن الذي تدعونه بينكم وبين أعناق ركابكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا موسى ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: وما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) ]، الحديث صحيح بدون كلمة: [ (إن الذي تدعونه بينكم وبين أعناق ركابكم) ] لأنه جاء في الصحيحين وفي غيرهما من هذه الطريق وليس فيه هذه اللفظة. ولو صحت هذه اللفظة لأمكن حملها على معية العلم؛ لأنه جاء في بعض الروايات: (أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) وهذه الرواية صحيحة، لكن تطلق على معية العلم. والشيخ الألباني يقول: لعلها من طريق علي بن زيد بن جدعان ، فهي زيادة منكرة؛ لأن غيره أورد الحديث وليس فيه هذه الزيادة، والآن هو ذكره عن ثلاثة ولم يبين من له اللفظ. فإذاًَ: هذه الزيادة انفرد بها علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، وتكون الزيادة منكرة؛ لأنه خالف الثقات؛ ولأن الثقات الذين رووا هذا الحديث لم يذكروا هذه الزيادة، وإنما قال: (إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً وإنما تدعون سميعاً بصيراً) وذلك لأن (سميعاً) مقابل (أصم) و(غائباً) مقابل (بصيراً) يعني: هو معكم شاهد غير غائب يسمعكم ويبصركم. قوله: [ (ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: وما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) ] وهذا يدلنا على عظم شأن هذا الذكر الذي فيه تفويض الأمر إلى الله عز وجل، يعني: لا حول للإنسان في التحول من المعصية وفي ترك المعاصي ولا قوة له على الطاعة إلا بإعانة الله وتسديده وتوفيقه؛ لأن كل شيء بقضاء الله وقدره وخلقه وإيجاده وتوفيقه وتسديده سبحانه وتعالى.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى: (... يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً...)


    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وعلي بن زيد ]. هو علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ وسعيد الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عثمان النهدي ]. هو عبد الرحمن بن مل أو مِل أو مَل مثلث الميم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا موسى الأشعري ]. أبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
    شرح حديث أبي موسى من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله سلم وهم يتصعدون في ثنية، فجعل رجل كلما علا الثنية نادى: لا إله إلا الله والله أكبر، فقال نبي الله صلى الله عليه وآله سلم: إنكم لا تنادون أصم ولا غائباً، ثم قال: يا عبد الله بن قيس ، فذكر معناه) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي موسى الأشعري وهي مثل ما تقدم. قوله: [ (كانوا يتصعدون) ]، يعني: يصعدون في طريق مرتفع، هي الثنية طريق في الجبل، يعني: فكان هذا الرجل كلما علا ثنية قال: [ (لا إله إلا الله والله أكبر) ] فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ما قال. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليمان التيمي ]. هو سليمان بن طرحان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عثمان ، عن أبي موسى الأشعري ]. أبو عثمان و أبو موسى مر ذكرهما .

    شرح حديث أبي موسى من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى رضي الله عنه بهذا الحديث وقال فيه: فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أيها الناس! اربعوا على أنفسكم) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (يا أيها الناس! اربعوا على أنفسكم) ] يعني: هونوا على أنفسكم وخففوا عليها، لا ترفعوا أصواتكم إن الذي تدعونه ليس أصم ولا غائباً. قوله: [ حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى ]. أبو صالح محبوب بن موسى صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ]. هو إبراهيم بن محمد بن الحارث وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن عاصم ]. هو عاصم بن سليمان الأحول وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عثمان عن أبي موسى ]. قد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (من قال رضيت بالله رباً ... )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن رافع حدثنا أبو الحسين زيد بن الحباب حدثنا عبد الرحمن بن شريح الإسكندارني حدثني أبو هانئ الخولاني أنه سمع أبا علي الجنبي أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وجبت له الجنة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من قال: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وجبت له الجنة) ] هذا الحديث يدلنا على فضل هذا الذكر، وهو مشتمل على الأمور الثلاثة التي يسأل عنها في القبر؛ لأن الإنسان في القبر يسأل عن ربه ودينه ونبيه، وقد جاء مثل هذا في أحاديث عديدة كما في صحيح مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم رسولاً) وكذلك جاء أنه يؤتى به بعد الأذان: (رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً)، فهو مشتمل على الأصول التي يسأل عنها الإنسان في القبر. وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه ألف رسالة الأصول الثلاثة وهي مبنية على هذه الأصول التي هي: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه. وهي رسالة قيمة صغيرة لا يستغني عنها العامي ولا طالب العلم؛ لأنها جمعت الكلام حول هذه الأصول الثلاثة، وهي الأمور التي يسأل عنها الإنسان في القبر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من قال رضيت بالله رباً ... )


    قوله: [ حدثنا محمد بن رافع ]. هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا أبو الحسين زيد بن الحباب ]. أبو الحسين زيد بن الحباب صدوق يخطئ في أحاديث الثوري ، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني ]. عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبو هانئ الخولاني ]. أبو هانئ الخولاني اسمه حميد بن هانئ لا بأس به، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ أنه سمع أبا علي الجنبي ]. أبو علي الجنبي اسمه عمرو بن مالك الهمداني ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ أنه سمع أبا سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من صلى علي واحدة صلى الله عليه وسلم الله عليه عشراً) ] وهذا يدلنا على عظم فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على الترغيب فيها والحث عليها، وأن الله تعالى يأجر من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم واحدة بأن يصلي عليه عشراً، وفيه: أن الجزاء من جنس العمل، وأن الحسنة بعشر أمثالها.

    تراجم رجال إسناد حديث (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً)


    قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ]. هو أبو الربيع الزهراني وهو ثقة، أخرج أحاديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إسماعيل بن جعفر ]. إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العلاء بن عبد الرحمن ]. هو العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي وهو صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
    شرح حديث: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، قال: فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت، قال: يقولون: بليت؟ قال: إن الله تبارك وتعالى حرم على الأرض أجساد الأنبياء ) ]. أورد أبو داود حديث أوس بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، قال: فقالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: إن الله تبارك وتعالى حرم على الأرض أجساد الأنبياء) ] والحديث سبق أن مر فيما مضى وأعاده أبو داود هنا في باب الاستغفار، وكما ذكرت أن هذا الباب مشتمل على الاستغفار وغيره، فهو أعم من الاستغفار، وهذا دعاء والاستغفار هو من جملة الدعاء، وهو يدل على فضل يوم الجمعة، وعلى الحث على الصلاة فيه على النبي صلى الله عليه وسلم. وبيان أن الصلاة معروضة عليه عليه الصلاة والسلام، وقد قيل له: (وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت -يعني: بليت- فقال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء) ] وهذا يدلنا على أن الأنبياء تبقى أجسادهم في قبورهم، وأنها لا تأكلها الأرض ولا يحصل لها الفناء وإنما تبقى دون أن يصيبها شيء، صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم، وهو دال على فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه...)

    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا الحسين بن علي الجعفي ]. الحسين بن علي الجعفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ]. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الأشعث الصنعاني ]. أبو الأشعث الصنعاني اسمه شراحيل بن آدة وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أوس بن أوس ]. أوس بن أوس رضي الله عنه، وقد أخرج حديثه أصحاب السنن."


  16. #216
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [183]
    الحلقة (214)



    شرح سنن أبي داود [183]

    للدعاء موقعه الخاص من العبادات، لذا شرع لكل الناس وحثوا عليه، واختص الله تعالى من العباد أناساً لهم دعوة مستجابة لما يشتمل عليه حالهم كالمسافر والوالد لولده والدعوة بظهر الغيب.

    النهي عن أن يدعو الإنسان على أهله وماله



    شرح حديث: (لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن أن يدعو الإنسان على أهله وماله. حدثنا هشام بن عمار ويحيى بن الفضل وسليمان بن عبد الرحمن قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم). قال أبو داود : هذا الحديث متصل الإسناد؛ فإن عبادة بن الوليد بن عبادة لقي جابراً ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [ باب النهي عن أن يدعو الرجل على أهله وماله ]. يعني: هذا النهي يشمل الرجل والمرأة، والأهل يطلق على الزوج والأولاد، والمال يطلق على الرقيق والحيوان الذي يملكه الإنسان وما إلى ذلك. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم) ] فالحديث يدل على النهي عن كون الإنسان يدعو على أهله وماله، وذلك عندما يحصل له غضب فيحصل منه الدعاء، وهو مشتمل أيضاً على بيان العلة والحكمة في ذلك، وأنه قد يكون هذا الدعاء يوافق ساعة إجابة فيستجاب للإنسان فيما سأل من الشر أو من الشيء الذي لا ينبغي لأهله وماله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم...)


    قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج أحاديثه البخاري وأصحاب السنن. [ ويحيى بن الفضل ]. يحيى بن الفضل مقبول أخرج له أبو داود . [ وسليمان بن عبد الرحمن ]. هو سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا حاتم بن إسماعيل ]. حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة ]. يعقوب بن مجاهد أبو حزرة صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم و أبو داود . [ عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ]. عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم . [ قال أبو داود : هذا الحديث متصل الإسناد؛ فإن عبادة بن الوليد بن عبادة لقي جابراً ]. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود، وهو متصل الإسناد؛ لأن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت لقي جابراً . أما ما يحصل إذا غضب الأب أو الأم على الأبناء فتراهم يدعون عليهم عند الغضب وهم لا يريدون ذلك، والغالب أن من يدعو لا يريد ذلك، ولهذا يقول الله عز وجل: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم ْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ [يونس:11]، لكن ينبغي للإنسان عند الغضب أن يحرص على أن يمنع نفسه من هذا الشيء.
    حكم الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم


    شرح حديث: (أن امرأة قالت للنبي: صل علي وعلى زوجي...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: صل علي وعلى زوجي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: صلى الله عليك وعلى زوجك) ]. أورد أبو داود رحمه الله: [ باب: الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم ]. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي من أفضل القربات والطاعات؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ساق الله تعالى على يديه إلى المسلمين أعظم وأجل نعمة وهي نعمة الإسلام، التي فيها الهداية إلى الصراط المستقيم، والخروج من الظلمات إلى النور، فكان من حقه على أمته أن يصلوا عليه صلى الله عليه وسلم، وأن يكثروا من الصلاة والسلام عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وأما غيره فيصلى عليه تبعاً، كأن يقال: صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين. هذا تبع، فيصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم تبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، لما جاء: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...). وأما أن يصلي المسلم على غيره على سبيل الاستقلال والانفراد فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما [ (أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: صل علي وعلى زوجي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صلى الله عليك وعلى زوجك) ] فهذا دعاء مستقل على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وكما جاء في آل أبي أوفى في الصدقة، قال: (اللهم صل على آل أبي أوفى) ، فهذه صلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من النبي صلى الله عليه وسلم. لكن هل يصلي أحد على غير النبي صلى الله عليه وسلم استقلالاً؟ المعروف من طريقة السلف أنه يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم استقلالاً وغيره تبعاً له، ويترضى عن الصحابة، ويترحم على من بعدهم، هذه الطريقة المتبعة، وقد يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يترحم ويترضى على غير الصحابة، ولكن التبعية هي الأغلب في الاستعمال. وقد جاءت الأحاديث الكثيرة الدالة على أنه يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع منها: عند دخول المسجد والخروج منه، وعند الأذان وبعده، وغير ذلك من المواضع التي جاء التخصيص فيها على أنه يصلى عليه صلى الله عليه وسلم، وكذلك عند ذكره يصلى عليه صلى الله عليه وسلم بالصيغة التي درج عليها السلف وهي: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، هاتان هما العبارتان المختصرتان اللتان درج عليهما السلف، ولاسيما المحدثون كما نجد في الأحاديث عندما تنتهي بالرسول عليه الصلاة والسلام يقول الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا .. إلى آخره. ويجوز أن يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم استقلالاً إذا لم يكثر، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في أدب المشي إلى الصلاة: وتجوز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكثر ولم يتخذ شعاراً لبعض الناس، أو يقصد بها بعض الصحابة دون بعض. ولهذا يأتي في بعض الكتب إذا جاء ذكر علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أو الحسن و الحسين ، أو فاطمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، يأتي قولهم: عليه السلام، أو عليها السلام، هكذا. وقد ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] أنه يأتي في بعض الكتب: عليه السلام عندما يأتي ذكر علي أو ذكر فاطمة أو الحسن و الحسين ، قال: وهذا إنما هو من عمل نساخ الكتب. يعني: عندما يأتي إلى الكتاب لينسخه فإنه إذا مر ذكر علي كتب بعد علي : عليه السلام. قال: وهذا لا يصلح أن يطلق على أحد بعينه وأن يخص به أحد بعينه، وإنما الذي يناسب أن يترضى عن الصحابة جميعاً، وهو الذي درج عليه سلف هذه الأمة في حق الصحابة، وفي مقدمتهم أبي بكر و عمر، وعثمان و علي رضي الله تعالى عن الجميع. إذاً: هذا الذي يوجد في بعض الكتب ليس من عمل المؤلفين وإنما هو من عمل نساخ الكتب كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره عند تفسير هذه الآية الكريمة من سورة الأحزاب. أما معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسن ما فسرت به الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أنها الثناء عليه عند الملائكة، فإذا قال الإنسان: اللهم صل على محمد، فهو يسأل الله أن يثني عليه، وأن يشيد به، وأن يعلي منزلته، وأن يذكره عند الملائكة، فهذا هو أحسن ما قيل في معنى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك أيضاً في حق الصلاة على غيره تبعاً له أو استقلالاً أن الله تعالى يثني عليه عند الملائكة، وقد جاء في الحديث: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي...) .

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن امرأة قالت للنبي: صل علي وعلى زوجي...)


    قوله: [حدثنا محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي عوانة ]. هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود بن قيس ]. الأسود بن قيس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نبيح العنزي ]. نبيح العنزي مقبول أخرج له أصحاب السنن. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري قد مر ذكره.
    الدعاء بظهر الغيب


    شرح حديث: (إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الدعاء بظهر الغيب. حدثنا رجاء بن المرجى حدثنا النضر بن شميل أخبرنا موسى بن ثروان حدثني طلحة بن عبيد الله بن كريز حدثتني أم الدرداء أنها قالت: حدثني سيدي أبو الدرداء : (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: آمين. ولك بمثل) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الدعاء بظهر الغيب، يعني: كون الإنسان يدعو لأخيه في غيبته وهو غير حاضر، يعني: ليس عنده، وقد يكون عنده ولكنه يدعو بينه وبين نفسه ولا يسمعه، فهذا أيضاً من الغيب، وأما إذا دعا له وهو يسمع فهذا ليس دعاء بظهر الغيب، فالدعاء بظهر الغيب غير مسموع وغير معلوم للإنسان المدعو له، إما لكونه غائباً ليس معه في المكان أو هو معه في مكان ولكنه يدعو لغيره بينه وبين نفسه. قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل لأخيه) الرجل هنا لا مفهوم له، فكذلك المرأة لو دعت لأختها أو لأحد من الناس بظهر الغيب فإن الحكم واحد، ويأتي كثيراً في الأحاديث ذكر الرجل ولا مفهوم له، بمعنى أن المرأة تكون مثله كذلك، بل الأحكام في الغالب تأتي عامة للرجال والنساء، ولا يميز الرجال عن النساء إلا إذا جاءت نصوص تدل على أن هذا الحكم خاص بالرجال، وهذا الحكم خاص بالنساء، فعند ذلك يصار إلى النصوص المفرقة، أما إذا لم تأت النصوص للتفريق بين الرجال والنساء فإن الأحكام تعم الرجال والنساء، وعلى هذا فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل لأخيه) فمثله المرأة لو دعت، ومثل ذلك حديث: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه) وكذلك المرأة، وكذلك حديث: (إذا وجد الرجل متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به) أي: أحق به من غيره من الغرماء، إلى غير ذلك من نصوص كثيرة يأتي التعبير بها بلفظ الرجل أو الرجال ولا يقصد أن هذا الحكم يخص الرجال، بل الحكم للرجال والنساء، ولكن يذكر الرجال لأنهم هم المخاطبون في الغالب. وقوله: (قالت الملائكة: آمين) آمين معناها: اللهم استجب، وقوله: (ولك بمثل) يعني: ولهذا الداعي مثلما دعا به لغيره، فيقول: اللهم استجب دعاءه لغيره، وأيضاً حقق له مثلما دعا به لغيره.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب...)


    قوله:[ حدثنا رجاء بن المرجى ]. رجاء بن المرجى ثقة أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا النضر بن شميل ]. النضر بن شميل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا موسى بن ثروان ]. وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثني طلحة بن عبيد الله بن كريز ]. وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثتني أم الدرداء ]. أم الدرداء هي هجيمة أو جهيمة ، وهي أم الدرداء الصغرى ، وهي تابعية ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة، وأما أم الدرداء الكبرى فهي صحابية، ولكن ليس لها أحاديث في الكتب الستة. وأبو الدرداء هو عويمر بن زيد وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    حكم قول سيدي

    قول أم الدرداء : حدثني سيدي أبو الدرداء . فيه إطلاق السيد على الزوج، وهذا يدلنا على أن المحدثين يأتون بالألفاظ التي تأتي من الرواة كما هي، فهنا لما جاء في الرواية سيدي نقلوها، والنبي صلى الله عليه وسلم هو سيد الخلق، ولم يأت في الأحاديث أنهم كلما ذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وهو سيدنا وسيد البشر، ولكن الملازمة والإتيان بهذا التسييد كلما ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم ليس من منهج أهل السنة والجماعة، وليس من منهج سلف الأمة، والدليل على هذا: أن الأحاديث التي في صحيح البخاري ومسلم وأبي داود والكتب الأخرى بالآلاف، وفي مسند الإمام أحمد فقط أربعين ألف حديث، وعندما ينتهي الإسناد فيها يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ولو كان أحد الصحابة يقول: سيدي أو سيدنا لنقلت، ولهذا أحياناً إذا عبر شخص بالنبي والثاني عبر بالرسول فيقول: قال فلان أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، وقال فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، فيأتون بالشيء الذي لا يترتب عليه شيء؛ لأن الرسول والنبي معناها واحد هنا، فإذا قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال كذا أو قال: إن رسول الله قال كذا، فلا فرق بينهما. فالمحدثون يحافظون على الألفاظ، فلو جاءت مثل هذه الأشياء لما تركوها، فاستعمال ذلك بصفة دائمة من عمل أهل البدع، ومن عمل المتصوفة الذين كلما ذكروا شخصاً قالوا: قال سيدنا فلان، قال سيدنا فلان، فأي رجل من الصحابة يقولون عنه: سيدنا، وهذا ما وجد في كتب المتقدمين، وإنما وجد عند المتأخرين، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم له في صدورهم وفي قلوبهم المنزلة العظيمة، ولا يدانيهم ولا يماثلهم في ذلك أحد رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. فالحاصل: أن التزام ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم بالتسييد ليس من عمل السلف، والدليل على هذا هذه الكتب التي فيها آلاف الأحاديث وفيها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ولما قالت أم الدرداء : حدثني سيدي أتوا بكلمة سيدي؛ لأنها قالت هذه الكلمة، فلو جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكانوا على ذكرها أشد محافظة، لكن منهجهم وطريقتهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم عدم التزامها، وهذا اللفظ عن أم الدرداء جاء أيضاً في صحيح مسلم .
    شرح حديث: (إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب حدثني عبد الرحمن بن زياد عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب)، يعني: أسرع من تجاب دعوته دعاء الغائب للغائب، والحديث ضعيف، في إسناده رجل ضعيف وهو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي .

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب)


    قوله:[ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد الرحمن بن زياد ]. هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي عبد الرحمن ]. هو أبو عبد الرحمن الحبلي قال الحافظ ابن حجر : بضم الحاء والباء، وهو ثقة مات بإفريقية، وهو غير عبد الرحمن الإفريقي الضعيف، وفي هذا العصر يوجد شخص مشهور بعبد الرحمن الإفريقي وهو من المحدثين الكبار، وقد توفي رحمة الله عليه سنة ألف أو ثلاثمائة وسبعة وسبعين أو ستة وسبعين، وكان محدثاً عالماً، وقد درست عليه في معهد الرياض العلمي في الحديث وفي المصطلح، وكان رجلاً فاضلاً، وهو شيخ الشيخ عمر محمد فلاتة رحمه الله، وقد كنت طلبت منه أن يكتب محاضرة عن الشيخ عبد الرحمن الإفريقي ، وقد كتبها وهي محاضرة مطولة، وقد نشرت في كتاب في محاضرات الجامعة الإسلامية، وكانت سنة (1395 أو 1396هـ)، وفي الكتاب خمس عشرة محاضرة، ومنها محاضرة عن الشيخ عبد الرحمن الإفريقي للشيخ عمر محمد فلاتة رحمه الله. وأبو عبد الرحمن الحلبي مشهور بكنيته، وهو عبد الله بن يزيد وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهو أكبر أولاد عمرو بن العاص رضي الله عنه، ويقال: كان بينهما اثنتا عشرة سنة، يعني عمرو ولد له عبد الله وعمره ثلاث عشرة سنة.
    شرح حديث: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى عن أبي جعفر عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم) ]. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم) يعني: دعوة الوالد على ولده، وكذلك دعوته له، ومثل ذلك الأم؛ لأن الأم أعظم حقاً من الوالد، وقد جاء في الحديث الصحيح التنصيص على النهي عن عقوق الأمهات، وهو حديث: (وينهاكم عن ثلاث: عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات)، فنص على الأمهات مع أن العقوق سواءً للأب أو للأم كله خطير وعظيم، ولكن عقوق الأم أعظم وأشد؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أباك) وذلك لعظم حقها، فهي مقدمة على الأب في الحق لكثرة ما حصل لها بسبب الابن من التعب والنصب والمشقة. وقوله:[ (ودعوة المسافر) ]. لكونه في سفر وتعب ونصب، فإذا أوذي مع ما يحصل له من النصب والمشقة في سفره، ومع ما في قلبه من الضيق فإذا دعا على أحد فإن ذلك يكون من أسباب استجابة دعوته، والثالثة دعوة المظلوم على من ظلمه، وكذلك دعوته لمن أحسن إليه لكونه خلصه من الظلم، أو مكنه من الوصول إلى حقه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن)


    قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام الدستوائي ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. هو ابن أبي كثير اليمامي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي جعفر ]. قيل: هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين المشهور بالباقر أحد أئمة أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    غلو الرافضة في الأئمة

    يعتبر الباقر من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، وهم يدعون فيهم العصمة، ويقولون فيهم من المبالغة ما لا يجوز أن يطلق عليهم ولا على أحد من البشر، بل يطلقون عليهم أموراً عظيمة وخطيرة كما جاء في كتاب الكافي -وهو من أعظم كتب الرافضة- : (باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون وأنهم يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم!) وكذلك: (باب أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة وأن كل شيء لم يخرج من عند الأئمة فهو باطل)، وهكذا الأبواب في كتاب الكافي، وتحتها أحاديث مكذوبة من نوع هذه الترجمة، وأما أهل السنة والجماعة فيعرفون لأهل البيت قدرهم وفضلهم، لا سيما من كان منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل علي وأولاده، والعباس وأولاده، وقد جاءت نصوص عن أهل السنة تدل على تعظيم آل البيت وبيان قدرهم، فقد أورد البخاري أثرين في صحيحه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أحدهما قوله: الله! لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي). يعني: أن صلة قرابة آل محمد أحب إليه من أن يصل آل أبي بكر ، وفي الأثر الآخر يقول: (ارقبوا محمداً في أهل بيته). يعني: راعوا وصيته في أهل بيته صلى الله عليه وسلم. وكذلك عمر جاء عنه ما يدل على معرفة قدر أهل البيت، فلما أصابهم القحط والجدب خرج بالناس للاستسقاء، وطلب من العباس أن يدعو للناس؛ لأنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال -كما في صحيح البخاري -: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا -يعني: طلبنا منه أن يدعو لنا فتسقينا- وإنا نتوسل إليك بعم نبينا -يعني: بدعائه- قم يا عم نبينا فادع الله، وما قال: يا عباس ؛ لأن المقصود هو قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا منهج أهل السنة والجماعة وطريقتهم، وأما الرافضة فهم يغلون في الأئمة الاثني عشر، ومنهم أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين رحمة الله عليه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة). وقيل: إنه أبو جعفر المؤذن ، قال المزي في تحفة الأشراف: ويقال: إنه أبو جعفر المؤذن ، وهو مقبول أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي في عمل اليوم والليلة و ابن ماجة ، وقال في التقريب في الكنى: أبو جعفر المؤذن الأنصاري المدني مقبول من الثالثة، ومن زعم أنه محمد بن علي بن حسين فقد وهم، ولعله يقصد المزي فإنه قال: يقال: هو محمد بن علي بن حسين . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب، وهو أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً على الإطلاق. هذا الحديث سبق أن مر في باب ما يقوله الرجل إذا سلم، وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت) رواه مسلم وغيره، وأبو داود رحمه الله ذكره في (باب ما يقوله إذا سلم) يعني: بعد السلام، وقد جاء بالروايات الكثيرة التي فيها الذكر بعد السلام، مثل: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) لكن الإمام مسلم رحمه الله، وكذلك بعض الذين خرجوا الحديث غير مسلم ذكروا أنه كان يقول ذلك بين التشهد والتسليم، أي: في آخر الصلاة قبل السلام، والحديث مخرجه واحد، فيمكن أن يحمل قوله: (إذا سلم من صلاته): إذا أراد أن يسلم، يعني: قبل السلام، وبذلك يتفق هذا اللفظ مع رواية مسلم وغيره التي فيها: (كان من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم)، لكن الدعاء بعد السلام ثابت، ومنه: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله.
    ما يقول الرجل إذا خاف قوماً


    شرح حديث: (كان إذا خاف قوماً قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول الرجل إذا خاف قوماً. حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي بردة بن عبد الله أن أباه رضي الله عنه حدثه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم) ]. معنى: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم) يعني: أنت الذي تلقاهم وتقابلهم بالشيء الذي يستحقونه، فنطلب منك أن تنصرنا عليهم، وأن توقع فيهم الهزيمة، وتوقع فيهم ما يستحقونه من العذاب، وذكر النحور في مقابل من يريد أن يفتك، فهو يلقي بنحره ويقابل بخلاف الذي يكون مجبراً أو مولياً ظهره، ولكن الذي يكون مصمماً وحريصاً على الإيقاع بمن يريد الإيقاع به فإنه يلقي بنحره ويقبل في وجهه، وفي البيت المنقول: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما أي: أن الجروح تقع فيهم لأنهم مقبلون، وليست جروحهم من الخلف لأنهم غير مدبرين؛ لأن الذي يكون هارباً إذا لحقه أحد جرحه من ورائه، فهو يصف إقبالهم وعدم انهزامهم وانصرافهم، بأنهم على أقدامهم تقطر الدماء، وإذا حصلت لهم جروح فهي من جهة الأمام لأنهم مقبلون.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان إذا خاف قوماً قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم...)


    قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معاذ بن هشام ]. معاذ بن هشام صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، مر ذكره. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة عن أبيه ]. هو أبو بردة بن عبد الله بن قيس الأشعري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه هو عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري رضي الله عنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الاستخارة


    شرح حديث جابر في الاستخارة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستخارة . حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي و عبد الرحمن بن مقاتل خال القعنبي و محمد بن عيسى المعنى واحد قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال حدثني محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول لنا: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة وليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -يسميه بعينه الذي يريد- خيراً لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري؛ فاقدره لي، ويسره لي، وبارك لي فيه. اللهم وإن كنت تعلمه شراً لي -مثل الأول- فاصرفني عنه، واصرفه عني، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به، أو قال: في عاجل أمري وآجله). قال ابن مسلمة و ابن عيسى عن محمد بن المنكدر عن جابر ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الاستخارة، والاستخارة هي: طلب خير الأمرين اللذين يستخير الإنسان فيهما ربه، فيطلب منه الخير فيما يختاره له من الأمرين الذي هو الإقدام على الشيء أو الإحجام عنه، كأن يستخيره في زواجه من امرأة معينة، أو في سفر لتجارة، أو لأمر من الأمور، فيستخير ربه بأن يجعله يقدم على ذلك الشيء الذي أراده إن كان فيه الخير له أو يجعله يحجم عنه، ويصرف نفسه عنه إذا كان فيه الشر أو لعدم وجود الخير له فيه. هذا هو المقصود بالاستخارة. وحديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما في الاستخارة حديث عظيم، ومشتمل على دعاء عظيم، والنبي صلى الله عليه وسلم اهتم بهذا الدعاء حيث بين جابر رضي الله عنه أنه كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن؛ وذلك لشدة العناية والاهتمام به، وهذا مثلما جاء في التشهد أنه كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، فهذا التعبير يدل على الاعتناء، حيث أنه يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم القرآن. قوله : [ (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة) ]، يعني: إذا هم أحدكم بأمر من الأمور مثل الزواج من امرأة معينة أو سفر أو دخول في تجارة معينة أو غير ذلك من الأعمال، فيستخير الله عز وجل ويطلب منه الخير في أن يقدم أو يحجم، وذلك بأن يصلي ركعتين نافلة يقصد بهما الاستخارة بعدهما، والاستخارة تكون بعد السلام.
    تفسير دعاء الاستخارة

    قال: (اللهم إني أستخيرك بعلمك) يعني: أطلب منك الخير، فأنت تعلم كل شيء، ولا يخفى عليك خافية في الأرض ولا في السماء، تعلم أن هذا خير أو ليس بخير. وقوله: (وأستقدرك بقدرتك) يعني: أسألك أن تقدرني على الشيء الذي يكون خيراً لي بقدرتك. وقوله: (وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب) فبعد أن أثنى على الله عز وجل بين ضعفه، وأن الله يقدر وهو لا يقدر، والله يعلم وهو لا يعلم، وأنه سبحانه وتعالى علام الغيوب. وقوله:[ (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر) ]. ويسميه فيقول: اللهم إن كنت تعلم أن زواجي بفلانة خيراً لي في ديني ودنياي، وإن كنت تعلم أن زواجي بفلانة شر لي في ديني ودنياي، أو يقول: اللهم إن كنت تعلم أن دخولي في هذه التجارة خيراً لي في ديني ودنياي، اللهم إن كنت تعلم أن في سفري لهذا الأمر أو لهذا الغرض خيراً لي في ديني ودنياي؛ فيسميه بعينه، يعني: يسمي ذلك الشيء الذي يستخير الله فيه. قوله: [ (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيراً لي في ديني ومعاشي) ] بدأ بالدين لأنه كل شيء، وهو أهم شيء، وهو أعظم شيء للإنسان، فالخير كل الخير في سلامة الدين، والشر كل الشر في خلاف ذلك، والعياذ بالله! وقوله: (ومعاشي) يعني: في هذه الحياة الدنيا. قوله:[ (ومعادي) ] يعني الحياة الآخرة. قوله:[ (وعاقبة أمري) ] وهذا يشمل العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، ويدخل في ذلك سعادة الدنيا والآخرة. قوله: [ (فاقدره لي ويسره لي) ] يعني: اقدر لي هذا الذي طلبته ويسره لي وهيئه لي، ومكني منه، واجعلني أحصل عليه، واجعل هذا العمل الذي أردته ميسراً. قوله: [ (وبارك لي فيه) ] يعني: بعد أن حققته لي ويسرته لي بارك لي فيه بعد حصولي عليه. قوله: [ (اللهم وإن كنت تعلمه شراً لي .. مثل الأول) ] يعني: ويسميه مثل الكلام الذي مضى، والراوي بدلاً من تكرار هذه الكلمات قال: مثل الأول، يعني: مثلما قال عند كونه خيراً له، وكذلك إذا كان شراً له في دينه ومعاشه في حياته، ومعاده في آخرته، وعاقبة أمره في دنياه وفي آخرته. قوله: [ (فاصرفني عنه واصرفه عني) ] يعني: حيل بيني وبينه، واجعل نفسي تنصرف عنه وتعزف عنه، واصرفه عني بأن تحول بيني وبينه. قوله:[ (واقدر لي الخير حيث كان) ] يعني: وفق لي الخير الذي تعلمه حيث كان، فإنه لما سأل الله عز وجل أنه إذا كان يعلم أنه شراً له يصرفه عنه، سأل الله عز وجل أن يحقق له الخير حيث كان في الأمور الأخرى التي هي غير هذا الشيء. قوله:[ (ثم رضني به) ] يعني: ذلك الذي تقدره لي من الخير رضني به، واجعلني به راضياً. قوله: [ (أو قال: في عاجل أمري وآجله) ] لعله بدلاً من قوله: (وعاقبة أمري) حصل الشك بين هذه أو هذه هل قال: عاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله. ويشرع أن تكرر الاستخارة إذا استخار ولم يتبين له شيء، وإن استخار وتبين له وترجح له أحد الأمرين فيقدم أو يحجم، ولا أعرف عدداً ينتهى إليه.

    حديث موضوع في الاستخارة


    هناك حديث موضوع وهو مشهور عند الناس (ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد)، وهذا الحديث ذكره الشيخ الألباني في الضعيفة وقال: إنه موضوع، ورقمه (611) في الضعيفة، ومعناه صحيح؛ لأن الاستخارة فيها خير، سواء كان في الإقدام أو الإحجام، وكذلك الاستشارة فيها خير، وكذلك الاقتصاد فيه خير، ولكن ليس كل كلام جميل يكون حديثاً؛ لأن الوضاعين يأتون بحكم ويركبون لها أسانيد، فليس كل كلام جميل أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال: هذا كلام الرسول، فكم من حكم جميلة يركب لها الوضاعون أسانيد، ويضيفونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أسباب الوضع: أن بعض الوضاعين لجهله يقول: وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب لا بأس به، كما قال بعضهم: نحن نكذب للرسول ولا نكذب عليه! الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحاجة إلى أن تكمل شريعته بالكذب، فهي كاملة بدون كذب الكذابين، لا في ترغيب ولا ترهيب ولا غير ذلك.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر في الاستخارة

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ و عبد الرحمن بن مقاتل ]. عبد الرحمن بن مقاتل خال القعنبي وهو صدوق أخرج له أبو داود . [ و محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى بن الطباع مر ذكره. قوله: [ المعنى واحد قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال ]. عبد الرحمن بن أبي الموال صدوق ربما أخطأ أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثني محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله مر ذكره. قوله: [ قال ابن مسلمة و ابن عيسى : عن محمد بن المنكدر عن جابر ]. هذا من الدقة والمحافظة على الألفاظ، ومعلوم أن كلمة عن وسمعت من الراوي غير المدلس معناها واحد، فمحمد بن المنكدر غير مدلس، لكن المقصود من ذلك هو المحافظة على الألفاظ في الأسانيد، ولهذا ميز بينهما أبو داود رحمه الله بأن ذكر الإسناد على سياق عبد الرحمن بن مقاتل ، ثم نبه على أن السياق عند الشيخين الآخرين -وهما القعنبي و محمد بن عيسى الطباع - عن محمد بن المنكدر عن جابر ."



  17. #217
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [184]
    الحلقة (215)



    شرح سنن أبي داود [184]

    أعظم العبادة الدعاء، وهو مفتاح كل خير، والاستعاذة بالله نوع من الدعاء، وقد جاءت عن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في تعليم أمته استعاذات مباركات من الشرور الدنيوية والأخروية فينبغي تعلمها والحرص على تردادها بين الوقت والآخر.

    الاستعاذة


    شرح حديث (كان النبي يتعوذ من خمس...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستعاذة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من خمس: من الجبن والبخل وسوء العمر وفتنة الصدر وعذاب القبر) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي باب في الاستعاذة، والاستعاذة هي نوع من أنواع الدعاء، فالدعاء يشمل الاستعاذة، فقولك: أعوذ بالله يعني: أنك تسأل الله عز وجل وتدعوه أن يعيذك، فالدعاء أعم من الاستعاذة وأعم من الاستغفار، و أبو داود رحمه الله لما ذكر الاستغفار ذكر أحاديث لا علاقة لها بالاستغفار وإنما هي دعاء، وكل الأحاديث التي أوردها في باب الاستعاذة هي استعاذة وفق الترجمة. أورد هنا حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من خمس: من الجبن، والبخل، وسوء العمر، وفتنة الصدر، وعذاب القبر) هذه الخمس كان يستعيذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالجبن ضد الشجاعة، سواء كان جبناً في الجهاد في سبيل الله أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو غير ذلك، فالجبن ضعف وخور ومهابة تجعل الإنسان يتأخر عن فعل الخير. والبخل ضد الجود والكرم، يعني: أن يبخل الإنسان بالمال. وسوء العمر يعني كونه يرد إلى أرذل العمر بأن يتقدم به السن بحيث يرجع إلى أرذل العمر فيكون مثل الطفل، وهذا هو الهرم. وفتنة الصدر هي ضيقه أو ما يعلق بالقلب من السوء ومن الشر، وسيأتي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر قلبي)، فهو يماثل هذا، والصدر هو موضع القلب كما جاء في القرآن: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]. فإما أن يراد بفتنة الصدر ما يحصل من الضيق للإنسان، أو يراد ما يحصل للقلب الذي هو في الصدر من الفتن التي تعرض على القلوب، كما جاء في الحديث أن الفتن تعرض على القلوب، وقد وردت الاستعاذة من وسوسة الصدر، يعني: وسوسة القلب. وعذاب القبر تواترت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر المعتزلة عذاب القبر وأن الناس يعذبون في قبورهم.
    تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي يتعوذ من خمس...)

    قوله:[ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسرائيل ]. وهو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن ميمون ]. عمرو بن ميمون ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن الخطاب ]. عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والحديث ذكره الألباني في الضعيفة، ولا أدري وجه هذا التضعيف؛ لأن رجال الإسناد كلهم ثقات معروفون، وأيضاً الألفاظ التي وردت فيه كلها جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فتنة الصدر، فالحديث صحيح.
    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أخبرنا المعتمر قال: سمعت أبي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل والهرم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) ]. مر في باب الاستعاذة حديث رقم (1539) عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وذكره الشيخ الألباني في الضعيفة، مع أن رجاله ثقات، ومعناه جاء في الأحاديث الأخرى، فلا أدري وجه ذلك التضعيف، مع أنه سبق أن مر الحديث رقم (1517) الذي فيه: (من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فر من الزحف) وفيه أربعة رجال من المقبولين، وكتب عنه: صحيح. يعني: لطرق أخرى، فلا أدري لماذا لم يصحح هذا الحديث مع أن ألفاظه جاءت في أحاديث صحيحة! بعد ذلك أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من العجز والكسل) والعجز هو مقابل القدرة، والمقصود به العجز عن الإتيان بما هو خير، والكسل هو الخمول وعدم النشاط الذي هو مقابل الجد. قوله: (والجبن والبخل) الجبن ضد الشجاعة، فيدخل فيه الجبن في الجهاد في سبيل الله، وكذلك الجبن فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. البخل هو الشح، أو الشح أشد البخل، وهو مقابل الكرم والجود والإحسان. قوله: والهرم الهرم هو الشيخوخة التي يكون معها الضعف، ويكون معها الرد إلى أرذل العمر. قوله: (وأعوذ بك من عذاب القبر) عذاب القبر هو ما يحصل بين الموت والبعث من القبور، فإن الناس يعذبون في قبورهم أو ينعمون، والقبر يعتبر من الدار الآخرة؛ لأن الحد الفاصل بين الدنيا والآخرة الموت، فمن مات قامت قيامته، وانتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، ويجازى في قبره على ما قدم إن خيراً فخير وإن شراً فشر. قوله: [ (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) ] هذا تعميم بعد التخصيص؛ لأن فتنة المحيا تعم كل ما يحصل في الحياة من الفتن، وفتنة الممات عامة في كل ما يحصل بعد الموت من البلاء والشر، فإن ذلك من فتنة الممات، فهذا من ذكر العام بعد الخاص.
    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل...)

    قوله:[ حدثنا مسدد ]. الشيخ: مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أخبرنا المعتمر ]. المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبي ]. وهو سليمان بن طرخان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه رضي الله عنه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من رباعيات أبي داود التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود من الأسانيد، فبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة رجال، وهم في هذا الحديث: مسدد و المعتمر وأبوه سليمان و أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم.

    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور و قتيبة بن سعيد قالا: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن -قال سعيد : الزهري - عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه كثيراً يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وضلع الدين وغلبة الرجال)، وذكر بعض ما ذكره التيمي ]. ذكر أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يسمعه يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وضلع الدين، وقهر الرجال)، وذكر بعض ما ذكره التيمي يعني في الحديث السابق، والتيمي هو أبو المعتمر سليمان بن طرخان التيمي يعني: ذكر العجز والكسل والهرم والبخل وفتنة المحيا وفتنة الممات، وهنا ذكر الهم والحزن. والهم هو ما يهم الإنسان في أمر يشغل باله، ويكون الهم غالباً في شيء مستقبل أو حاضر، والحزن في أمر فات ومضى، فيصيبه حزن عليه، وضلع الدين هو شدته، وكون الإنسان عليه الدين وليس عنده سداد، فيهمه ويشغله، وقهر الرجال غلبتهم وقهرهم.
    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن...)

    قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ]. يعقوب بن عبد الرحمن الزهري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قال سعيد : الزهري ]. يعني الشيخ الأول الذي هو سعيد بن منصور أضاف إلى يعقوب بن عبد الرحمن كلمة: الزهري ، والشيخ الثاني الذي هو قتيبة بن سعيد اقتصر على يعقوب بن عبد الرحمن . [ عن عمرو بن أبي عمرو ]. عمرو بن أبي عمرو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره .
    شرح حديث (كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن طاوس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات). ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن، وهذا يدل على الاهتمام والعناية بهذا الدعاء، وجاء في بعض الروايات أن ذلك بعد التشهد وقبل السلام، وقد مر بنا قريباً حديث الاستخارة، وأنه كان يعلمهم الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، وكذلك مر في حديث التشهد أنه كان يعلمهموه كما يعلمهم السورة من القرآن. وهذا الحديث يدل على الاهتمام والعناية من رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء الذي يعلمهم إياه، وهذا الدعاء هو: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات). وعذاب جهنم هو عذاب النار، وجهنم اسم من أسماء النار، وعذاب القبر داخل في عذاب الآخرة، وهو عذاب البرزخ الذي يكون بين الموت وبين البعث، ولكنه تابع للدار الآخرة؛ لأنه في دار الجزاء، والمسيح الدجال هو الرجل الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتنته، وما يحصل منه من الأمور المدهشة التي يغتر بها كثير من الناس، وذكر فتنة المحيا والممات وهو تعميم بعد تخصيص.
    تراجم رجال إسناد حديث (كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن...)

    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة . [ عن أبي الزبير المكي ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ]. طاوس بن كيسان وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، ومن شر الغنى والفقر) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار ومن عذاب النار ومن شر الغنى والفقر) وفتنة النار قيل: المقصود بذلك ما يحصل من التوبيخ والتقريع الذي يحصل لهم في النار كما قال الله عز وجل: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [الملك:8]، وعذاب النار هو حصول العذاب فيها. وفتنة الغنى هو الغنى الذي يكون معه الطغيان، وفتنة الفقر هو الذي يكون معه عدم الصبر أو الأمور التي لا تحمد عقباها، كأن يقدم الإنسان على أن يحصل المال عن طريق حرام بسبب الفقر الذي قد حصل له، فالغنى يمكن أن يكون نعمة أو يكون نقمة، وهو بلاء كما قال الله عز وجل: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، فإن البلوى تكون بالخير وتكون بالشر، والإنسان إذا أعطي المال ولم يشكر الله عز وجل على هذه النعمة، وحصل له الطغيان والإفساد بالمال، وصرفه في الأمور التي لا تجوز؛ يكون الغنى وبالاً عليه، والله تعالى يقول: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] فيحصل بسبب الغنى الطغيان من بعض الناس، يقول الله عز وجل: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ [الشورى:27]. ومن الناس من يستعمل المال في طاعة الله، ومن الناس من يستعمله فيما يعود عليه بالخير كما كان الصحابة رضي الله عنه وأرضاهم، مثل عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف وغيرهما من أثرياء الصحابة الذين كانوا يصرفون أموالهم في سبيل الله عز وجل، فانتفعوا بذلك دنيا وأخرى، ونفعوا غيرهم، ويعود ثواب ذلك عليهم حيث ينفقون أموالهم في سبيل الله عز وجل. والفقر وهو قلة ذات اليد فتنة، فقد يجعل الإنسان يقدم على سرقة أو يقدم على تسخط أو تألم وعدم صبر وما إلى ذلك من الأمور التي تترتب على الفقر الذي لا يكون معه صبر، فإن الشكر مع الغنى والصبر مع الفقر من الصفات المحمودة.

    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا هشام ]. هشام بن عروة بن الزبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو عروة بن الزبير ، ثقة من فقهاء أهل المدينة السبعة في عصر التابعين أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورجال هذا الإسناد كلهم ممن خرج لهم أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم) قيل: المقصود بالقلة هي قلة المال، وعلى هذا فهو يماثل الفقر، وقيل: هي القلة في العدد التي لا تحصل معها نصرة، فهي تتعلق بقلة المال أو بقلة العدد. والذلة: كون الإنسان يحصل له الذل والخوف والذعر ويكون ذليلاً. وقوله: (وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم) يعني: أن يلحق الضرر بغيره أو غيره يحلق الضرر به، فهو يتعوذ بالله أن يكون ظالماً يظلم غيره أو مظلوماً يظلمه غيره.
    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة...)

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. الشيخ: موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة ، وقد عرفنا أنه إذا جاء موسى بن إسماعيل عن حماد فالمراد به ابن سلمة ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا إسحاق بن عبد الله ]. إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن يسار ]. سعيد بن يسار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن عوف حدثنا عبد الغفار بن داود حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك). ]. زوال النعمة ذهابها وسلبها، وكون الإنسان يكون في نعمة فيسلبها، فيتحول مثلاً من الغنى إلى الفقر. والنعمة أعم من الغنى؛ لأن نعم الله عز وجل لا تحصى، فيدخل فيها الصحة والعافية ويدخل فيها المال، ويدخل فيها أنواع النعم؛ لأن النعمة هنا من المفرد المضاف إلى معرفة فتعم كقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، وقوله: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53]. وتحول العافية من الصحة إلى المرض، ومن الخير إلى الشر. قوله: (وفجاءة نقمتك) يعني البغتة، حيث يكون الإنسان آمناً فيحصل له انتقام فجأة؛ لأن البغتة قد تحصل بها للإنسان أمور تضره. وقوله: (وجميع سخطك) هذا عام يعم كل ما يسخط الله عز وجل.
    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك...)

    قوله: [ حدثنا ابن عوف ]. هو محمد بن عوف ثقة أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا عبد الغفار بن داود ]. عبد الغفار بن داود وهو ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة ]. يعقوب بن عبد الرحمن مر ذكره، و موسى بن عقبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن دينار ]. عبد الله بن دينار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن ابن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثنا ضبارة بن عبد الله بن أبي السليك عن دويد بن نافع حدثنا أبو صالح السمان قال: قال أبو هريرة: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق)، الشقاق: هو المشاقة والمخاصمة بالباطل في مقابلة صاحب الحق. والنفاق: هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر، وهو النفاق الاعتقادي، وكذلك النفاق العملي الذي منه الكذب وغير ذلك. وسوء الأخلاق: تعميم بعد تخصيص؛ لأن سوء الأخلاق لفظ عام يشمل الأخلاق السيئة. هذا الحديث لا يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن في إسناده راوياً مجهولاً، ولكن إذا دعا أحد بهذا الدعاء لا على أنه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لكونه دعاءً مشتملاً على أمر عظيم جامع، فلا بأس بأن يدعو به، لكن لا على اعتبار أنه حديث، وأن هذا دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ لم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن معناه صحيح، والمسلم يسأل الله السلامة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، لكن لا يضيفه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لم يثب عنه عليه الصلاة والسلام.
    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق...)

    [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. عمرو بن عثمان الحمصي صدوق أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا بقية ]. بقية بن الوليد الحمصي وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم و أصحاب السنن. [ حدثنا ضبارة بن عبد الله ]. ضبارة بن عبد الله بن أبي السليك وهو مجهول أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن دويد بن نافع ]. دويد بن نافع وهو مقبول أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي صالح السمان ]. اسمه ذكوان ولقبه السمان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] وقد مر ذكره.
    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء عن ابن إدريس عن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة) ]. قوله: (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع). الضجيع هو الذي يلازم الإنسان، فيكون معه يلازمه إذا اضجطع، فيكون مشوش الذهن والفكر لخلو معدته من الطعام. وقوله: (وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة) الخيانة ضد الأمانة، وهي عامة تكون في حقوق الله عز وجل كالصلاة والصيام والصدقة والزكاة والحج وغسل الجنابة وغير ذلك، وتكون في حقوق الناس فيما بينهم. والبطانة في الأصل هي اللباس الداخلي، أو بطانة الشيء ما يكون من الداخل؛ لأن الثوب له بطانه وظهاره، فالبطانة ما تكون من الداخل، ومعنى هذا أنها بئس الصفة للإنسان أن يتصف بها، وينطوي عليها، وبطانة الشخص هم خاصته الذين يلازمونه، ويحصل منهم له إما الدلالة على الخير أو الدلالة على الشر.
    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع)

    قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن ابن إدريس ]. عبد الله بن إدريس الأودي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن ابن عجلان ] محمد بن عجلان المدني صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن . [ عن المقبري ]. يحتمل أن يكون أبا سعيد المقبري أو سعيد بن أبي سعيد ؛ لأن كلاً منهما يروي عن أبي هريرة ، وكل منهما ثقة خرج له أصحاب الكتب الستة، لكن قد نص المزي على أنه هنا سعيد بن أبي سعيد . [ عن أبي هريرة ] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومر ذكره.
    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الأربع)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أخيه عباد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الأربع: من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع). ]. هذا الدعاء فيه سؤال الغاية والنهاية الحسنة في هذه الأمور، فالقلب يكون فيه الخشوع، وإذا فقد فإن هذا مما يتعوذ منه. (وعلم لا ينفع)؛ لأن فائدة العلم في العمل، والعلم بدون العمل يكون وبالاً على الإنسان، فالإنسان إذا علم وعمل يكون عمله على بصيرة، واهتدى إلى بصيرة، وعبد الله على بصيرة، وإذا كان بخلاف ذلك كان العلم وبالاً عليه، وكان الجاهل أحسن حالاً منه كما قال الشاعر: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم لا يستوي من يعصي الله وهو جاهل، ومن يعص الله وهو عالم (ومن نفس لا تشبع): فالنفس التي لا تشبع يكون عندها الفقر ولو امتلأت اليدان، فالغنى هو غنى النفس، وإذا وجد غنى النفس فما وراء ذلك يكون تبعاً له، وإذا فقد غنى النفس فإن اليد ولو كانت غنية فإن الفقر يكون موجوداً. (ومن دعاء لا يسمع) يعني: لا يستجاب، والإمام يقول: سمع الله لمن حمده، فيقول المصلي وراءه: ربنا ولك الحمد، وسبق أن ذكرنا الفائدة العظيمة التي ذكرها بعض العلماء في بيان منزلة معاوية بن أبي سفيان لما قيل له: ماذا تقول في معاوية بن أبي سفيان ؟ قال: ماذا أقول في رجل صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد؟!

    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الأربع)


    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. مر ذكره. [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ]. سعيد بن أبي سعيد المقبري مر ذكره. [ عن أخيه ]. عباد بن أبي سعيد وهو مقبول أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره. فائدة: سعيد بن أبي سعيد يروي عن أبيه عن أبي هريرة ، ويروي عن أخيه عن أبي هريرة ، ويروي عن أبي هريرة مباشرة. هذا الحديث صححه الألباني ، وله شاهدان عند مسلم وعند الترمذي وقال: حسن صحيح غريب، وكلمة (غريب) هذه لا تؤثر؛ لأن الترمذي يستعملها أحياناً في أحاديث في الصحيحين، فمثلاً آخر حديث في صحيح البخاري : (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، قال الترمذي عنه: حسن صحيح غريب، وقصده بغريب تفرد بعض الرواة به.
    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من صلاة لا تنفع)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المتوكل حدثنا المعتمر قال: قال أبو المعتمر أرى أن أنس بن مالك حدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من صلاة لا تنفع) . وذكر دعاء آخر ]. أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من صلاة لا تنفع)، وذكر دعاء آخر، يعني مع ذلك، وهذه غير الأربع المذكورة؛ ففي الحديث السابق الاستعاذة من قلب لا يخشع، وقد تدخل فيه الصلاة التي لا خشوع فيها، ولا إقبال فيها، ولاشك أن الخشوع أهم شيء مطلوب فيها.

    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من صلاة لا تنفع)


    قوله: [ حدثنا محمد بن المتوكل ]. صدوق له أوهام كثيرة أخرج له أبو داود وحده. [ حدثنا المعتمر ]. المعتمر يروي هنا عن أبيه وهو سليمان بن طرخان ، وقد مر ذكرهما. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك قد مر ذكره، و أبو المعتمر سمع من أنس ، وهنا قال: أراه. يعني: أنه شك في أن الصحابي الذي حدثه هو أنس .
    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن فروة بن نوفل الأشجعي أنه قال: سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به قالت: كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل)، ففيه التعوذ من شر ما عمل الإنسان في الماضي، ومن شر ما لم يعمله في المستقبل، وهذا الدعاء من الأدعية الجامعة.
    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل)

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن المعتمر الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن هلال بن يساف ]. هلال بن يساف ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن . [ عن فروة بن نوفل الأشجعي ]. قال في التقريب: مختلف في صحبته، والصواب أن الصحبة لأبيه، أخرج له مسلم وأصحاب السنن، فيفهم من هذا أنه ثقة، ولو كان فيه ضعف لأشار إليه، وأحياناً ينص على توثيق من اختلف في صحبته، فيقول: بل تابعي ثقة. [ عن عائشة أم المؤمنين ]. مر ذكرها.

    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ح وحدثنا أحمد حدثنا وكيع -المعنى- عن سعد بن أوس عن بلال العبسي عن شتير بن شكل عن أبيه قال في حديث أبي أحمد : شكل بن حميد رضي الله عنه أنه قال: (قلت: يا رسول الله! علمني دعاء قال: قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي) ]. قوله: (ومن شر سمعي) يعني كونه يسمع به ما لا يجوز سماعه، وهذا هو الشر الذي يقع عن طريق السمع. (ومن شر بصري) يعني: كونه ينظر إلى محرم. (ومن شر لساني) يعني: كونه يتكلم بكلام شر وفسوق، وقد جاء في الحديث: (من يضمن لي ما بين رجليه وما بين لحييه أضمن له الجنة)، وجاءت الأحاديث الكثيرة في بيان خطر اللسان، ومنها حديث معاذ : (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ كف عليك هذا -وأشار إلى لسان نفسه- فقال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به! قال: ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم؟!). (ومن شر قلبي) يعني: ما يكون فيه من الحقد ومن كل شر وبلاء. (ومن شر منيي) يعني: كونه يضعه في موضع لا يحل له أن يضعه فيه، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]، فإذا وضع منيه في غير هذين الموضعين -وهما الأزواج وملك اليمين- فإنه من العدوان والاعتداء، وصاحبه ملوم، وفي الحديث الذي أشرت إليه: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) يعني: يحفظ فرجه.

    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي...)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عبد الله بن الزبير ]. محمد بن عبد الله بن الزبير أبو أحمد الزبيري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد حدثنا وكيع المعنى ]. ثم قال: ح وحدثنا أحمد أي: ابن حنبل عن وكيع وهو ابن الجراح الرؤاسي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقوله: (المعنى) يعني أن المعنى واحد. [ عن سعد بن أوس ]. سعد بن أوس وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن بلال العبسي ]. بلال العبسي وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن شتير بن شكل ]. شتير بن شكل وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. شكل بن حميد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم له هذا الحديث فقط، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ قال في حديث أبي أحمد : شكل بن حميد ]. يعني: الشيخ الأول وهو أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير ذكر نسب الصحابي فقال: شكل بن حميد ، ولم يقتصر على قوله: عن أبيه.

    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهدم..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا مكي بن إبراهيم حدثني عبد الله بن سعيد عن صيفي مولى أفلح مولى أبي أيوب عن أبي اليسر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: اللهم إني أعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من التردي، وأعوذ بك من الغرق والحرق، وأعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي اليسر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهدم) يعني: سقوط جدار أو بنيان؛ لما يحصل بسبب ذلك من الأضرار التي تلحق الجسم، فيصير مقعداً أو يحصل له ضرر كبير في صحته، فلا يتمكن من أن يأتي بالأمور التي كان يستطيعها قبل أن يحصل له ذلك الضرر. وقوله: [ (وأعوذ بك من التردي) ] يعني: السقوط من شاهق، سواء من جبل، أو من عمارة، أو أي مكان عال، فيحصل له بسببه التكسر والضرر. قوله: [ (وأعوذ بك من الغرق) ] يعني: كون الإنسان يحصل له الغرق. قوله: [ (والحرق)] يعني: كونه يحترق بالنار، فيتضرر بذلك. قوله: [ (والهرم)] وهو كون الإنسان يتقدم به السن، ويرد إلى أرذل العمر. قوله: [ (وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت) ] يعني: أن يستولي عليه الشيطان عند الموت، ويصرفه عما ينبغي أن يكون عليه من الخاتمة الحسنة. قوله: [ (وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً) ] يعني: فاراً من الزحف غير متحرفاً لقتال أو متحيز إلى فئة كما استثناهما الله تعالى. قوله: [ (وأعوذ بك أن أموت لديغاً)] يعني: من ذوات السموم. وقد جاء أن الغريق والمحروق واللديغ شهداء، لكن إذا بقي في قيد الحياة فقد يحصل له أمور لا يستطيع أن يصبر معها، فيصير عنده تحسر وضجر. والاستعاذة من هذه الأشياء عامة، سواء مات منها أو لم يمت، فيستعاذ منها.
    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهدم..)

    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر ] . عبيد الله بن عمر القواريري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا مكي بن إبراهيم ] . مكي بن إبراهيم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد الله بن سعيد ] . عبد الله بن سعيد وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صيفي مولى أفلح مولى أبي أيوب ] . صيفي مولى أفلح مولى أبي أيوب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي . [ عن أبي اليسر ] . وهو كعب بن عمرو رضي الله عنه، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
    شرح حديث الاستعاذة من الغم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى عن عبد الله بن سعيد قال: حدثني مولى لأبي أيوب عن أبي اليسر رضي الله عنه: زاد فيه (والغم) ] . أورد أبو داود حديث أبي اليسر من طريق ثان، وفيه بالإضافة إلى ما تقدم (والغم) يعني: ما يصيب الإنسان من الغم.
    تراجم رجال إسناد حديث الاستعاذة من الغم

    قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى عن عبد الله بن سعيد ] . قد مر ذكر الثلاثة. [ عن مولى لأبي أيوب ] . مولى أبي أيوب هو صيفي ، وذكر أبي أيوب هنا فيه تجوز؛ لأنه مولى أفلح مولى أبي أيوب .
    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من البرص..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجنون، والجذام، ومن سيئ الأسقام) ] . أورد أبو داود هذا الحديث عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجذام، والجنون، وسيئ الأسقام) البرص: عاهة تكون دائمة ومستمرة مع الإنسان، وليست من العاهات الطارئة التي تأتي وتذهب مثل الزكام وغير ذلك، وإنما هو شيء ملازم، ومنظر ليس بمستحسن. والجذام: علة يذهب معها شعور الأعضاء، وربما ينتهي إلى تآكل الأعضاء وسقوطها. والجنون: هو زوال العقل. وسيئ الأسقام: أي الأمراض التي تكون من هذا النوع الذي فيه تشويه وضرر يلحق بالإنسان.
    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من البرص..)

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا قتادة عن أنس ] . تقدم ذكر موسى و حماد و قتادة هو ابن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا الإسناد من رباعيات أبي داود .
    شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عبيد الله الغداني أخبرنا غسان بن عوف أخبرنا الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة فقال: يا أبا أمامة ! ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟! قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله! قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك، وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني) ] . هذه الألفاظ كلها جاءت في أحاديث صحيحة مرت بنا، ولكن هذه القصة جاءت من هذا الطريق، وفيه من لا يصح الاحتجاج به، و الألباني رحمه الله ضعف هذا الحديث، ولعل التضعيف يتعلق بالقصة، وأما بالنسبة لمتن الحديث وما فيه من ألفاظ فكل الألفاظ التي فيه جاءت في أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن..)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن عبيد الله الغداني ] . أحمد بن عبيد الله الغداني صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود . [ عن غسان بن عوف ] . وهو لين الحديث، وهذا هو الذي ضعف به الحديث، أخرج له أبو داود وحده. [ عن الجريري ] . سعيد بن إياس الجريري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ] . أبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد ] . أبو سعيد هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    نبذة عن تبويبات الكتب الستة

    وإلى هنا ينتهي كتاب الصلاة الذي هو الكتاب الثاني من كتب أبي داود رحمه الله، والإمام أبو داود رحمه الله ذكر بعده الزكاة، وبعد الزكاة المناسك، وذكر بعد ذلك النكاح والطلاق، ثم أتى بكتاب الصيام، فترتيبه يختلف عن غيره، لا سيما أنه أخر الصيام إلى ما بعد النكاح، وقد جرت عادة المؤلفين من المحدثين والفقهاء غالباً أن يذكروا كتاب الجنائز في آخر الصلاة، وأبو داود ما ذكره هنا وإنما أورده في كتاب مستقل، وهو في الكتاب الخامس عشر، ومعلوم أن كتاب الجنائز يشتمل على الصلاة وغير الصلاة، لكن كثير من العلماء يغلبون جانب الصلاة فيوردونه في آخر كتاب الصلاة، وأما أبو داود رحمه الله فقد أورده بعد أربعة عشر كتاباً، أي في الباب الخامس عشر. ثم إن أبا داود رحمه الله قليل ذكر الكتب؛ ولهذا نجد أنه جعل الطهارة كلها في كتاب، وجعل الصلاة كلها في كتاب، بخلاف غيره من المؤلفين، فبعضهم يجعل تحت الصلاة عدة كتب، وتحت الطهارة عدة كتب، وأما أبو داود فالكتب عنده قليلة، وهو أقل أصحاب الكتب الستة كتباً، ولكنه أحياناً يطول في الكتب وأحياناً يقصر، فكل ما مضى لنا كتابان فقط: كتاب الطهارة وكتاب الصلاة، فهما كتابان طويلان، ولكنه يأتي أحياناً بكتب قصيرة، وكتبه كلها خمسة وثلاثون كتاباً في كتابه السنن، ومن جملة كتبه كتاب المهدي، أورد فيه أحاديث قليلة تتعلق بالمهدي . ويلي أبا داود في قلة عقد الكتب ابن ماجة ، فإن كتبه سبعة وثلاثون كتاباً، ويليهما الترمذي فإن كتبه خمسون كتاباً في كتابه السنن أو الجامع، ويليه النسائي فيه واحد وخمسون كتاباً، ثم مسلم فيه أربعة وخمسون كتاباً، ثم البخاري فيه سبعة وتسعون كتاباً، وعلى هذا فأصحاب الكتب الستة منهم من يكثر من الكتب كالبخاري ، ومنهم من يقللها كأبي داود ، وأكثر الكتب الستة كتباً هو صحيح البخاري حيث بلغت كتبه سبعة وتسعين، وأقلها كتباً سنن أبي داود حيث بلغت كتبه خمسة وثلاثين."



  18. #218
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [185]
    الحلقة (216)


    شرح سنن أبي داود [185]

    الأسئلة




    أحاديث المهدي

    السؤال: هل يوجد حديث صحيح عن المهدي المنتظر ؟

    الجواب: أبو داود رحمه الله عقد كتاباً من جملة كتبه الخمسة والثلاثين، وكان شيخنا الشيخ الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه عندما يأتي ذكر المهدي يقول: أبو داود خصه بكتاب، وأفرد فيه أحاديثه. والأحاديث الواردة في المهدي كثيرة تبلغ حد التواتر المعنوي، وقد جاءت عن أربعة وعشرين أو خمسة وعشرين صحابياً، كلهم يروون الأحاديث المتعلقة بالمهدي ، وقد نص العلماء على ذلك، وألف بعض العلماء كتباً في الأحاديث المتواترة، وذكروا أن أحاديث المهدي متواترة، وألفوا مؤلفات خاصة فيها.


    معنى شعائر الله

    السؤال: ما معنى قول الله تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] وهل يدخل في شعائر الله القرآن؟


    الجواب: لا شك أن القرآن من شعائر الله، فيجب أن يعظم، لكن الآية جاءت فيما يتعلق بالحج والمناسك وما إلى ذلك، لكن لا شك أن تعظيم القرآن من تقوى القلوب.

    حكم من حل من إحرامه ولم يشترط

    السؤال: رجل أحرم ولم يشترط، ولسبب حل إحرامه، فهل يجب عليه أن يأتي بعمرة قضاء؟


    الجواب: الإنسان إذا دخل في إحرام عليه أن يكمله، ولا يجوز له أن يتخلى عنه، إلا إذا حصل أمر قاهر بأن حيل بينه وبين البيت فإنه معذور، ولكن كونه يحصل له ظرف من الظروف فليس له أن يترك العمرة، وكان قبل أن يدخل في الإحرام بإمكانه أن يدخل أو لا يدخل، لكن بعد أن دخل فلا بد من الإكمال، لأن الله عز وجل يقول: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] ، فالإنسان قبل أن يحرم هو في سعة، ولكنه بعدما يحرم يجب عليه أن يتم، وعلى هذا فإن الذي أحرم عليه أن يتم أو يعود إلى إحرامه ويكمل عمرته.

    الصبر على البلاء

    السؤال: بم تنصح من ابتلي بمرض فطال أمده، وترك عمله، وتبعثرت أمانيه وأمله، فأصبح بعد العز ذليلاً، وبعد الغنى فقيراً؟


    الجواب: عليه أن يصبر على ما حصل له، وألا ييئس، وإذا كان الشيء الذي فقده خيراً فليحاول أن يحصله، وأن يبتهل إلى الله عز وجل في أن يحقق له ما يريد من خير الدنيا والآخرة.

    السجع في الدعاء

    السؤال: بعض الأدعية والاستعاذات المأثورة جاء فيها سجع، وقد ذكر العلماء أن من الأمور المكروهة في الدعاء السجع، فما وجه الجمع؟


    الجواب: المكروه هو السجع الذي يأتي عن طريق التكلف، وأما السجع الذي لا يأتي عن طريق تكلف فلا بأس به.

    حكم الكلام حال الخطبة

    السؤال: ما حكم من يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والإمام يخطب، ويجلس ولا يصلي تحية المسجد، ثم يسأل من بجواره عن شيء لا يعنيه؟


    الجواب: الأمور الثلاثة كلها لا تجوز: كونه يتخطى، وكونه يجلس ولا يصلي، وكونه أيضاً يكلم الناس.

    الدعاء بعد الصلاة

    السؤال: هل تقال الأدعية التي بعد الصلاة عقب التسبيح والانتهاء من الذكر أو قبله؟


    الجواب: الشيء الوارد من الذكر يأتي به الإنسان، وبعد ذلك يدعو.

    التقديم والتأخير في ألفاظ الأدعية المأثورة

    السؤال: الأدعية الواردة هل يمكن أن يقدم الإنسان أو يؤخر في ألفاظها؟


    الجواب: يوجد في بعضها تقديم وتأخير بالنسبة للراويات، وكون الإنسان يحفظ نصاً من أصح ما ورد ويأتي به كما ورد هو الذي ينبغي، ولكنه إذا قدم وأخر فلا بأس بذلك.

    خير صفوف النساء آخرها


    السؤال: في الحديث: (خير صفوف النساء آخرها)، فهل معنى هذا أنه ينبغي للمرأة أن تجلس في الصف الأخير؟


    الجواب: إذا كان الرجال قريبين من النساء فكونها تكون في الآخر هو الأفضل لها، وأما إذا كان هناك جدار ساتر، والرجال لا يرون النساء، والنساء لا ترى الرجال، والأصوات لا تصل من النساء إلى الرجال، ولا من الرجال إلى النساء؛ فإنهن يتقدمن للصف الأول.

    عدة الحامل

    السؤال: امرأة توفي زوجها وهي حامل في الشهر الأول، فمتى تبدأ عدتها ومتى تنتهي؟


    الجواب: كل حامل تنتهي عدتها عند وضع الحمل، سواء كانت عدتها عدة وفاة أو عدة طلاق، وسواء طالت المدة أو قصرت، فقد تكون عدتها ليلة واحدة أو ساعة، وقد تكون تسعة أشهر.

    التدرج في دعوة الكفار لا يعني الكذب على شرع الله

    السؤال: إذا سأل من هو حديث عهد بالإسلام عن حكم الغناء مثلاً فهل نقول له: هو مكروه، من باب التدرج؟


    الجواب: لا تقل إنه مكروه، بل قل: هو من الأمور التي منعها الإسلام، وإذا كان يخشى عليه النفور فيمكن أن يقال له: اتركه أو ابتعد عنه أو أقبل على الشيء الذي ينفعك، دون أن يأتي بخلاف الحقيقة.

    حكم من نسي سجدة في الصلاة


    السؤال: إذا نسي المصلي سجدة واحدة في الركعة الثانية، ثم تذكر بعد السلام أو في الركعة الرابعة، فهل يعيد الركعة كلها؟


    الجواب: إذا نسى سجدة فإنه يعيد الركعة كلها إذا ذكر بعد السلام أو قبل السلام؛ لأن الركعة التي نسي منها سجدة لاغية، والتي بعدها تقوم مقامها.

    حكم من أنكر خروج المهدي

    السؤال: هل يبدع من أنكر خروج المهدي ؟


    الجواب: لا شك أن هذا من الأمور المنكرة، فقد جاءت فيه الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هل يكون مبتدعاً؟ الله أعلم.

    الحكم للغريق بالشهادة

    السؤال: جاء في الحديث أن من مات غريقاً فهو شهيد، فهل يعتبر شهيداً رغم ما كان عليه من الفسوق والعصيان قبل غرقه؟


    الجواب: الشهادة هذه هي في حكم الآخرة، وأمر ذلك إلى الله عز وجل، والعاصي إن شاء الله أن يتجاوز عن ذنوبه ومعاصيه فإنه يكون له تلك الدرجات، وإن شاء الله تعالى أن يعذبه فهو يستحق العذاب.

    الاستعاذة من الغرق والحرق لا ينافي كونهما شهادة


    السؤال: كيف نجمع بين كون الغريق والحريق شهيدين، والنبي صلى الله عليه وسلم تعوذ من الغرق والحرق؟


    الجواب: أنا ذكرت في الدرس أن هذه الأشياء يحصل بها مصائب وحالات تغير وضع الإنسان من حال إلى حال، في صحته وفي جسمه، ولا شك أن هذه أمور يترتب عليها أضرار عظيمة لاسيما الهدم والتردي من شاهق والحرق، فيبقى الإنسان -إن عاش- على حالة فيها تشويه، ولا يتمكن من أداء العبادة، ولا شك أن هذا ضرر كبير عليه.

    الجلوس في المسجد خير وبركة


    السؤال: هل في استفسار النبي صلى الله عليه وسلم عن جلوس أبي أمامة رضي الله عنه في المسجد دليل على عدم استحسان الجلوس في المسجد في غير وقت الصلاة؟

    الجواب: الحديث ما صح، فإنه جاء من طريق رجل مجهول، ولا شك أن الجلوس في المسجد في أي وقت فيه خير وبركة؛ لأنه جلوس في خير البقاع كما قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها) رواه مسلم .

    حكم الإتيان بالاستعاذة في بداية كل ركعة من الصلاة


    السؤال: هل التعوذ والبسملة في الصلاة في كل ركعة أم في الركعة الأولى فقط؟

    الجواب: البسملة عند كل سورة يبدأ بها الإنسان، والاستعاذة في أول الصلاة أمر مطلوب، وإذا أتى بها في بدء كل ركعة فهو الذي ينبغي.

    حكم لبس الحزام للمحرم

    السؤال: ما حكم لبس الحزام المصنوع من قماش (الكمر) فوق الإحرام؟


    الجواب: لا بأس بلبس المحرم للكمر، سواء كان من قماش أو من جلد أو غير ذلك.

    الاستخارة في العبادات


    السؤال: هل تشرع الاستخارة في الأمور التعبدية كالاستخارة في الإتيان بعمرة في هذا الأسبوع أو لا؟


    الجواب: الاستخارة لا تكون في العبادات، فلا يستخير في أن يعتمر هذا الأسبوع أو لا، بل يعقد العزم ويتوكل على الله عز وجل، وإذا كان عنده مشاغل هذا الأسبوع فيعقد العزم على أن يذهب في الأسبوع الذي بعده.
    حكم صوت الموسيقى في الهواتف

    السؤال: نرجو منكم توجيه نصيحة لأصحاب الجوالات الذين يتركون جوالاتهم ترن في المسجد ومعها صوت الموسيقى؟


    الجواب: وضع صوت الموسيقى في الجوالات سواء كان في المسجد أو في غير المسجد لا يصح ولا يليق، وأما صوت المنبه الذي لا بد منه في استعمال الجوال فالإنسان إذا دخل المسجد يقفله حتى لا يشوش على نفسه وعلى الناس، وبعض الناس إذا لم يغلق الجوال وجعل يدق يتركه يستمر في الدق ولا يوقفه، مع أن كونه يوقفه أخف من كونه يتركه يرن وقتاً والناس يسمعون هذا الصوت الذي يزعج ويلفت الأنظار. فالذي ينبغي على الإنسان الذي يحمل الجوال أن يقفله إذا دخل المسجد ولا يتركه مفتوحاً، وإذا نسي وتركه مفتوحاً فإذا دق فليغلقه، ولا يتركه يواصل الدقات والناس يتشوشون، وأما الموسيقى فلا يجوز وضعها فيه دائماً وأبداً لا في المسجد ولا في غير المسجد، ولكنه إذا وجد في المسجد فإنه شر على شر.

    معنى قوله تعالى (أن الأرض لله يورثها من يشاء)


    السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء..) الحديث، وقال الله: إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ [الأعراف:128] ، فكيف ستقوم الساعة على الأشرار والأرض لله يورثها ربنا جل وعلا من يشاء؟


    الجواب: أين الإشكال؟! فإن الله تعالى سيجعل أولئك في الأرض في آخر الدنيا وهم شرار الناس.

    معنى الذكر دبر الصلاة


    السؤال: حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة: (اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) هل معنى الدبر هنا كما جاء في سورة يوسف وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ [يوسف:25] ؟


    الجواب: ذكرنا أن كلمة الدبر تأتي ويراد بها ما قبل الصلاة ويراد بها ما بعد الصلاة، وقد تأتي قرينة على أنه بعد الصلاة، مثل: (تسبحون وتهللون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثة وثلاثين) فهذه ليست قبل السلام، بل محلها بعد السلام، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له... إلخ.


    حكم من نسي قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية


    السؤال: ما حكم من لم يقرأ بفاتحة الكتاب في الركعات الجهرية خلف الإمام ناسياً؟


    الجواب: ليس عليه شيء إن شاء الله إذا لم يقرأها ناسياً، والشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه ذكر ذلك في بعض فتاواه المطبوعة.

    حكم صيام النافلة قبل قضاء الفرض

    السؤال: ما حكم من كان عليه قضاء من رمضان فصام ستاً من شوال قبل القضاء؟


    الجواب: يصح ذلك إن شاء الله، وكان الأولى به أن يبدأ بالفرض قبل النفل.

    طلاب الجامعة الإسلامية ليسوا مسافرين


    السؤال: هل طلاب الجامعة الإسلامية في حكم المسافرين؟

    الجواب: ليسوا في حكم المسافرين، فالمسافر إذا دخل بلداً وعزم على أن يمكث فيه أكثر من أربعة أيام فإن حكمه حكم المقيم؛ لأن أكثر شيء عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مكث في مكان وهو عازم على مكث مدة أربعة أيام، وذلك عام حجة الوداع، لأنه دخل مكة في اليوم الرابع وخرج إلى منى في اليوم الثامن، فهي أربعة أيام، وأما في عام الفتح وخيبر وتبوك فالمدة التي مكثها فيها تزيد على عشرة أيام، ولا يوجد دليل على أنه قصد أن يبقى هذه المدة عند الوصول، ومن المعلوم أن الإنسان إذا مكث في بلد وهو غير عازم على مدة معينة، وإنما هو متردد وإذا انتهت حاجته انصرف، فإنه يأخذ بأحكام السفر ولو طالت المدة. إذاً: ليس هناك دليل واضح جلي عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه كان مقيماً إقامة محققة أكثر من هذه الأربعة الأيام التي كانت في حجة الوداع من اليوم الرابع إلى اليوم الثامن حين خرج إلى منى. والحاصل أن من ينوي أن يقيم في بلد أكثر من أربعة أيام فإن حكمه حكم المقيمين، وليس حكمه حكم المسافرين.

    حكم التحاكم إلى الأعراف القبلية


    السؤال: في بلادنا تتحاكم القبائل إلى الأعراف القبلية المخالفة للشرع، فهل يحكم عليهم بالكفر بعد تعريفهم بأن هذا كفر؟


    الجواب: إذا تحاكموا إليها مستحلين لذلك فلا شك أنه كفر، وأما إذا كانوا يعرفون أنهم مخطئون، وأن الحق على خلاف ما يحكمون به فإنه لا يكون كفراً.

    المصالح المرسلة


    السؤال: ما هي ضوابط المصالح المرسلة؟ وهل هي داخلة في أمور العبادة أو في الأمور الدنيوية فقط؟


    الجواب: ليست خاصة بأمور الدنيا، فبعض العلماء يقول: جمع أبي بكر ثم عثمان رضي الله عنهما للقرآن هو من المصالح المرسلة، لكن هذا يدخل تحت قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ الحجر:9] ، فهذا من حفظ القرآن، فهذا العمل الذي عمله أبو بكر ثم عثمان هو من حفظ الله عز وجل لكتابه، وما أذكر شيئاً غير هذا يتعلق بالعبادات. وأما المصالح المرسلة في أمور الدنيا فهي كثيرة مثل كتابة الجيوش في ديوان، ومثل بناء الأربطة، وإيجاد الجامعات، وإيجاد دور العلم، وما إلى ذلك، فهذه من الأمور التي ما جاء شيء يدل على إثباتها ولا على نفيها فهي سائغة، ولشيخنا الشنقيطي رحمة الله عليه محاضرة في المصالح المرسلة مطبوعة، وكان قد ألقاها رحمة الله عليه في دار الحديث قبل أن توجد صالة المحاضرات في الجامعة الإسلامية.

    حكم التيمم لشدة البرد

    السؤال: رجل احتلم في الليل، وجاءت صلاة الفجر ولم يغتسل لشدة برودة الماء، فهل يصلي الفجر بوضوء فقط؟


    الجواب: ليس له أن يصلي إذا كان في البلد، وعنده يعني شيء يسخن به الماء، وأما إذا كان في فلاة، وليس عنده شيء يسخن به وخشي أن يضره الماء؛ فله أن يتيمم.

    رجل يبكي عند قراءة السيرة ولا يبكي عند قراءة القرآن


    السؤال: شخص يصلي جميع الفروض، ويسمع القرآن ولكن لا يبكي كما يبكي الإمام، ولكن عندما يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تدمع عينه لما أصابهم من أذى، فما رأيكم؟


    الجواب: البكاء شيء من عند الله عز وجل لا يملكه الإنسان، والإنسان ليس له أن يجلب لنفسه البكاء، وإنما هو شيء يأتي به الله، فإن حصل خوفاً من الله فهذا شيء طيب، وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسواء كان بذكر الله أو بذكر سيرة الصحابة أو بذكر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو بقراءة القرآن.

    حكم الاعتمار دون الحج في أشهر الحج


    السؤال: من أدى العمرة في أشهر الحج، ولم يرد أن يحج، فهل يلزمه الحج وعليه دم؟


    الجواب: لا، فالإنسان له أن يعتمر في أشهر الحج ولو لم يرد أن يحج، فلا تلازم بين العمرة والحج، فله أن يعتمر ويرجع إلى بلده ولا يلزمه أن يحج، وإن أراد الحج فإنه يعتمر أولاً ثم يحج ثانياً، ولا يرجع إلا بعد أن يؤدي الحج بعد العمرة. والحاصل أنه لا تلازم بين الحج والعمرة، فللإنسان أن يعتمر في أشهر الحج، ويرجع إلى بلده ولا يحج، وإن أراد أن يجمع بين الحج والعمرة ويكون متمتعاً فإنه يحرم من الميقات للعمرة، وإذا دخل مكة طاف وسعى وحلق للعمرة، ثم يحل منها، ويبقى في مكة أو يخرج منها إلى أماكن أخرى لكنه لا يرجع إلى بلده، أما إذا رجع إلى بلده فإنه لا يكون متمتعاً إذا أراد الحج إلا أن يحرم بعمرة أخرى.

    حكم قول لفظي بالقرآن مخلوق


    السؤال: ما صحة ما ذكر عن الإمام أحمد أن من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع؟ وهل صحيح أن الإمام البخاري كان يقول: لفظي بالقرآن مخلوق؟


    الجواب: اللفظ بالقرآن له معنيان: يراد به الملفوظ، ويراد به التلفظ، مثل القراءة والتلاوة، والمقروء والمتلو، فهو من الألفاظ المجملة المحتملة للحق والباطل، فلا تثبت بإطلاق، ولا تنفى بإطلاق، وإنما يفصل فيها فيقال: إن أريد باللفظ التلفظ الذي هو التلاوة والقراءة فهي مخلوقة، وإن أريد باللفظ المتلو والمسموع فهو كلام الله وهو غير مخلوق.


    حكم ستر الجدران بالأوراق


    السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تستروا الجدر) هل يدخل فيه تعليق الأوراق على الجدر وعليها أشكال ورسومات ليست فيها ذوات أرواح؟


    الجواب: إذا كانت الأوراق ليس لها قيمة، وليس لها أهمية، وتصير مثل جنس الدهان أو الرخام، فلا بأس بها، وإنما المحذور أن يعلق السجاد والقماش ونحوها.

    حكم تصوير القباب

    السؤال: واجهة القبر النبوي تصور وتوضع في الجدر كصورة، ويقولون: هذه ليست صورة ذوات أرواح، فما حكم تعليقها؟


    الجواب: تصوير القباب والأشياء المحدثة لا يصلح ولا ينبغي.

    حكم نظر الطالب في كتاب أخيه حال الدرس


    السؤال: حديث: (من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار)، هل يدخل فيه النظر في كتاب الطالب حال التدريس؟


    الجواب: الحديث المذكور ضعيف، وللطالب أن ينظر من كتاب زميله، ولا مانع من ذلك، وإنما المحذور أن يضايقه ويزاحمه، أما إذا طلب منه أنه ينظر أو قرب صاحب الكتاب الكتاب إليه مشعراً له في رغبته بمشاركته فهذا إذن.


    حكم الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ألف مرة يومياً


    السؤال: إذا أراد الإنسان أن يتخذ لنفسه ورداً معيناً يلزم نفسه به أكثر مما ورد، كأن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم ألف مرة، بل وإذا فاته قضاه، فهل له ذلك؟

    الجواب: لا يصلح هذا، بل يلتزم بما جاءت به السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأذكار والأدعية، ويأتي بالشيء الذي يؤتى به مرة مرة، والذي يؤتى به ثلاثاً يأتي به ثلاثاً، والذي يؤتى به أربعاً يأتي به أربعاً، وما عدا ذلك يذكر الله بدون حساب، ويذكر الله في جميع أحيانه من غير أن يعد ويلتزم شيئاً معيناً، فلا يلتزم إلا ما ورد، والشيء الذي ما ورد عدُّه لا يلتزم بعدِّه، وإنما يذكر الله في جميع أحيانه، ولا يزال لسانه رطباً من ذكر الله، ويكثر من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، لاسيما في يوم الجمعة وليلة الجمعة، وأما كونه يلزم نفسه بعدد ألف وخمسين ألف وما إلى ذلك، ويذهب وقته كله وهو يعد هذا التسبيح، ويترك الوارد المشروع؛ فهذا لا يصلح.

    معنى الاستواء في اللغة

    السؤال: هل الاستواء في اللغة يلزم منه أن المستوي متصل بما يستوي عليه؟


    الجواب: الاستواء للمخلوقين لا بد فيه من الاتصال، وأما بالنسبة لله عز وجل فالكيفية لا نعقلها، فالله تعالى فوق العرش، وهو عال عليه، وقضية اتصال وعدم اتصال لا نتكلم فيها.

    حكم تعليق صورة الكعبة

    السؤال: هل يجوز تعليق صورة الكعبة على الجدار؟


    الجواب: ما هي الفائدة من وراء ذلك؟ فهذا من جنس تعليق الآيات والأحاديث، وتكون حجة على الإنسان، حيث تكون أمام عينه العبر والعظات ومع ذلك لا يعتبر ولا يتعظ، وترك ذلك هو الأولى.

    حكم دعاء الله في السجود بأبيات شعرية


    السؤال: ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في ترجمة المتنبي أنه قال: يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحاذره لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره قال ابن كثير : وقد بلغني عن شيخنا العلامة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله أنه كان ينكر على المتنبي هذه المبالغة في مخلوق، ويقول: إنما هذا لجناب الله سبحانه وتعالى وأخبرني العلامة ابن القيم رحمه الله أنه سمع الشيخ تقي الدين ابن تيمية يقول: ربما قلت هذين البيتين في السجود أدعو الله بما تضمناه من الذل والخضوع، والسؤال: هل هذا الفعل جائز وهو أن يدعو الإنسان في سجوده بأبيات شعرية؟


    الجواب: الإنسان يحرص على أن يأتي بالأدعية الشرعية مما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكون الإنسان يدعو الله بما شاء من غير أن يكون فيه محذور لا بأس به، لكن كون الإنسان لا يأتي بألفاظ الوحي وألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم فهو على خطر الزلل، ولا شك أنه ينبغي للإنسان أن يحرص على أن يأتي بدعاء مأمون الجانب ومأمون العاقبة وفيه العصمة، وهو دعاء المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذا هو الذي فيه السلامة، وكون الإنسان يدعو الله عز وجل بما يريد من خير الدنيا والآخرة بألفاظ يقولها من نفسه لا بأس به، لكن كونه يحافظ على ألفاظ الشرع أولى من هذا. وإذا كان هذا الكلام قاله المتنبي في مخلوق فهذا من أعظم الباطل، وهذا الكلام لا يليق إلا بالله سبحانه وتعالى، وهو يشبه قول البوصيري : يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم فهذا كلام لا يليق إلا بالله سبحانه وتعالى، وأنا ذكرت هذه الأبيات عند شرح حديث: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم) في كتابي: عشرون حديثاً من صحيح البخاري ، وقلت: لو قال مخاطباً ربه: يا خالق الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم لكان مصيباً، وكان أتى بما هو الحق، بدلاً من أن يقول: يا أكرم الخلق؛ لأن هذا الكلام لا يليق إلا بالله سبحانه وتعالى، فهو الذي من جوده الدنيا والآخرة سبحانه وتعالى. ولعل شيخ الإسلام أراد أن يبين أن مثل هذا الكلام الذي قيل في مخلوق لا يقال إلا في حق الله سبحانه وتعالى.

    تكرار العمرة للنفس أولى من تكرار إهداء ثوابها للوالدين


    السؤال: إذا كان الإنسان مقيماً بين مكة والمدينة، وبإمكانه أن يكرر العمرة عدة مرات، فهل هذا الأفضل له أن يعتمر عن والديه اللذين توفيا أو عن نفسه؟


    الجواب: الأفضل أن يكرر العمرة عن نفسه، والوالدان يكثر من الدعاء لهما ولغيرهما.

    حكم استئجار الطالب رجلاً لكتابة بحث باسم الطالب


    السؤال: ما حكم كتابة البحث لطالب مع أخذ النقود وجعل البحث باسم الطالب؟


    الجواب: هذا غش، ثم يأخذ على الغش أجرة، حتى ولو لم يأخذ أجرة فإنه لا يجوز، لأنه من الغش.

    زوج المرأة محرم لبناتها من الزوج الثاني

    السؤال: امرأة تزوجت من رجل ثم طلقها ولم تنجب له، ثم تزوجت من آخر وأنجبت له، فهل بنات المرأة محرمات على الزوج الأول وهو محرم لهن؟


    الجواب: نعم، هو محرم لهن؛ لأنه كان زوج أمهن، فما دام أنه دخل بأمهن فهو محرم لهن، ولا يجوز له أن يتزوج منهن، قال الله: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23] ، وكلمة (حجوركم) ليس لها مفهوم، وإنما جاءت على ما هو الغالب من أن بنت الزوجة تكون مع أمها في حجر زوجها، فبنات الزوجات المدخول بهن سواء ولدن قبل أو بعد هن محارم لذلك الرجل، وإنما لا يحرمن عليه إذا لم يدخل بأمهن كما قال الله: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23] يعني: أن تنكحوهن لأنهن أجنبيات، وأما إذا حصل الدخول بالأم فإن البنت تكون محرمة عليه، ويكون هو محرماً لها.

    معنى كون الحديث أزلياً في الماضي

    السؤال: ذكر شارح الطحاوية أن الحدث أزلي في الماضي كما هو أزلي في المستقبل، ومثاله نعيم الجنة، أرجو منكم أن تشرحوا لي هذه الجملة.


    الجواب: هذه مسألة معروفة بتسلسل الحوادث في الماضي، وبعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره يقولون: الله تعالى لم يكن معطلاً عن الفعل ثم فعل، وإنما هو فاعل بالابتداء، والمفعولات التي فعلها تعتبر أزلية، لكن ليس معنى ذلك أنه لا بداية لها، فإنه لا بد لها من بداية؛ لأن كل مخلوق لا بد له من بداية، ولكن المراد أن الله تعالى لم يكن غير فاعل ثم فعل، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من القائلين بهذا يقولون: ما من مخلوق إلا وله أول، والله لم يكن معطلاً عن الفعل، بل هو فاعل بالأزل كما أنه فاعل في المستقبل، ومثاله بالنسبة للمستقبل نعيم الجنة، فإنه مخلوق لا نهاية له، يعني تسلسل إلى ما لا نهاية له، لكن لا أعرف مثالاً على ذلك الماضي بأن يقال: هذا مخلوق لم يكن قبله مخلوق، والله تعالى أعلم.

    حكم الانتفاع بمال الربا

    السؤال: هل يجوز للإنسان أن ينتفع بمال أصله ربا حصل عليه من بعض إخوانه، وهو يحتاج إلى هذا المال؟


    الجواب: كيف يأخذه وهو يعلم أنه ربا؟! فالذي ينبغي أن يتنزه عن هذا المال الحرام.

    حكم صرف الزكاة لشراء الكتب وتوزيعها


    السؤال: هل يجوز صرف الزكاة لشراء كتب وتوزيعها على المسلمين؟


    الجواب: لا يجوز، الزكاة لا تصرف في شراء الكتب، ولا في بناء المدارس، ولا في بناء المساجد، وإنما تصرف في المصارف الثمانية التي ذكرها الله عز وجل في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60]، وكلمة (في سبيل الله) بعض الناس يتصور أنها تعم كل شيء، ولو كان الأمر كذلك فلماذا عدد الله هذه الأشياء والكل في سبيل الله، بالمعنى العام؟! لكن المقصود بقوله: (في سبيل الله) الجهاد وقتال الأعداء، ولا شك أن بناء المساجد وبناء الأربطة وطباعة الكتب وتوزيعها داخلة في سبيل الله بالمعنى العام، لكن المقصود بسبيل الله في آية قسمة الصدقات هو الجهاد في سبيل الله."



  19. #219
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [186]
    الحلقة (217)




    شرح سنن أبي داود [186]

    الزكاة ركن من أركان الإسلام وشعيرة من شعائره، وجاحدها كافر، ومانعها يقاتل حتى تؤخذ منه، كما قاتل الصحابة المرتدين وقاتلوا مانعي الزكاة في خلافة الصديق رضي الله عنه.

    كتاب الزكاة


    شرح حديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الزكاة. حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لـ أبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله عز وجل) فقال أبو بكر : والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله! لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب : والله! ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال. قال: فعرفت أنه الحق ]. الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وكثيراً ما يقرن الله عز وجل في القرآن بين الصلاة والزكاة، والزكاة في اللغة مأخوذة من النماء، والزكاة الشرعية موجود فيها هذا المعنى؛ لأنها سبب في نماء المال وكثرته، وقد جاء في الحديث: (ما نقص مال من صدقة، بل تزده، بل تزده، بل تزده)، وفي الاصطلاح هي: حق معلوم في أموال الأغنياء يصرف في جهات مخصوصة. وهذه الجهات المخصوصة هي التي ذكرها الله عز وجل في آية مصارف الزكاة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابن السَّبِيلِ [التوبة:60]، ويأتي في بعض النصوص ذكر الفقراء خاصة كما في حديث معاذ : (فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) والفقراء صنف من أصناف الزكاة الثمانية الذين جاء ذكرهم في آية: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ [التوبة:60]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قتال أبي بكر رضي الله عنه للمرتدين ومانعي الزكاة، وقد ذكر الخطابي رحمه الله أن الذين قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه صنفان: صنف أهل كفر وردة، وصنف أهل بغي، والصنف الأول نوعان: من ادعى النبوة وتوبع على ذلك مثل مسيلمة الكذاب و الأسود العنسي وغيرهما ممن ادعى النبوة وتبعهم من تبعهم على دعواهم الباطلة. والنوع الآخر: الذين تركوا الدين، وخرجوا من الدين، وكفروا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من غير دعوى نبوة، ومن غير اتباع لمتنبئ، والكل مرتدون. أما الصنف الآخر فقال الخطابي : هم مانعو الزكاة، وهم أهل بغي، وذلك لأنهم متأولون، حيث فهموا أن الزكاة إنما تعطى للنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره؛ لقول الله عز وجل: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة:103] قالوا: هذه الأمور التي تترتب على الأخذ إنما تنطبق على النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يصلي عليهم، والتطهر والتزكيه إنما تكون لمن دفع الزكاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأصحابه. وهذا قول باطل، وفهم خاطئ، فإن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب للأمة ما لم يأت دليل يدل على تخصيص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله تعالى في الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم: خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، فإن هذا نص يدل على خصوصية هذا الحكم بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يتعداه إلى غيره. أما ما يتعلق بدفع الزكاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن الزكاة حق المال، وهي واجبة، وحكمها مستمر وليس خاصاً بزمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال الخطابي : من جحد وجوب الزكاة في غير وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكون كافراً بالإجماع قال: وإنما الإشكال في الذين فهموا هذا الفهم الخاطئ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فاعتبروا أهل بغي، وقد قاتلهم أبو بكر على أنهم أهل بغي، ومعلوم أن من امتنع من أمر من أمور الإسلام فإنه يقاتل عليه وإن لم يخرج بذلك من الإسلام. فالخطابي رحمه الله اعتبر مانعي الزكاة الذين فهموا هذا الفهم الخاطئ متأولين وأنهم قوتلوا على بغيهم، ومن المعلوم أن البغاة يقاتلون إذا حصل منهم القتال أو امتنعوا من شعيرة من شعائر الإسلام، فإنهم يقاتلون على ذلك حتى يحصل منهم ذلك الشيء الذي امتنعوا منه. والامتناع من دفع الزكاة له حالتان: حالة جحد وحالة بخل وتهاون، فحالة الجحد كفر، وكل ما علم في الإسلام ضرورة إيجابه أو تحريمه فإن اعتقاد عدم وجوبه كفر، وإذا كان من المنهيات فاعتقاد حله يكون كفراً وردة عن الإسلام.
    فضل أبي بكر

    أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لما استخلف كان من أجل أعماله الوقفة الشجاعة التي قام بها في إرجاع الناس إلى ما كانوا عليه في زمن النبوة، سواء من خرجوا من الدين أو امتنعوا من دفع الزكاة، فكان موقفه رضي الله تعالى عنه وأرضاه شجاعاً قوياً مع أنه معروف بلينه وبسهولته، وكانت جهوده منصبة ومتجهة إلى إصلاح الخلل الذي حصل في المسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى يعود الأمر إلى ما كان عليه في زمن النبوة، ثم بعد ذلك يتجه إلى الفتوحات وإلى الجهاد في سبيل الله لإدخال الناس في الدين. وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يرى خلاف رأيه فقال: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا -لا إله إلا الله، فمن قال- لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل)؟ فقال أبو بكر : والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله! لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه. ثم إن عمر رضي الله عنه وأرضاه اتضح له فيما بعد أن هذا الذي شرح الله له صدر أبي بكر هو الحق. هذا و عمر معروف بشدته وقوته في دين الله عز وجل، فسبقه الصديق رضي الله عنه إلى القوة والشدة في هذا الموطن، فقاتل الناس حتى يرجعوا إلى ما كانوا عليه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل)، ففيه ذكر المقاتلة على الصلاة وعلى الزكاة، وأنه لا بد من مجموع هذه الأمور: أن يؤتى بالشهادتين، وأن يؤتى أيضاً بأهم وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وهما الصلاة والزكاة.
    الزكاة حق المال

    من فهم أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: الزكاة حق المال، والحديث الذي ذكره عمر رضي الله عنه فيه: (إلا بحقها) فبين أن الزكاة من جملة الحق الذي يندرج تحت هذا الحديث، فمن امتنع من الزكاة فإنه يقاتل، وإذا كان جحدها واعتقد أنها ساقطة الوجوب فإن ذلك ردة وكفر، وكذلك جحود غيرها كالصيام والحج وغير ذلك من الأمور، فإن جحد وجوبها يكون كفراً. وأما إذا ترك الزكاة على سبيل التهاون لا على سبيل الجحود فإن هذا لا يكون كفراً، وقد جاء ما يدل على ذلك، وهو الحديث الذي فيه: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فيكوى به جنبه وظهره وجبينه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: (إما إلى الجنة) يدل على عدم كفره؛ لأن الكافر لا سبيل له إلى الجنة، بل ليس أمامه إلا النار. والذي يترك الزكاة تهاوناً تؤخذ منه قهراً، ولا يكون كافراً، وأما من يجحد وجوبها فإن هذا يكون مرتداً، ويقتل على ردته. والذي قاله عمر أخيراً ليس تقليداً لأبي بكر كما يقوله بعض المخذولين، بل بين له أبو بكر معنى الحديث، وأن الزكاة من حق الشهادتين، وأن من تركها يستحق المقاتلة، فعند ذلك فهم عمر رضي الله عنه وأرضاه، وتابع أبا بكر لا تقليداً له، ولكن تابعه بعد أن اتضح له أن الذي أقدم عليه أبو بكر هو الحق. وقوله: (والله! لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه) قيل: المراد به عقال البعير، والمقصود من ذلك ليس العقال، وإنما المقصود البعير الذي يعقل بالعقال، وكان البعير إذا زكي به يعطى معه عقاله. وقيل: المقصود بالعقال زكاة عام، وقد جاء عن بعض أئمة اللغة تفسير العقال بزكاة عام، ولكن جاء في حديث أبي هريرة أنه قال: (لو منعوني عناقاً كان يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها) فبعض أهل العلم قال: ذكر العقال شاذ، والمحفوظ هو العناق، ومنهم من قال: إن كلا الروايتين صحيحة، ولكن يحمل العقال على أن المقصود به البعير الذي يعقل بالعقال أو أن المقصود به زكاة عام. والعناق هي التي لم تبلغ سنة، ولا يصح أن يزكى بها، والذي يعطى في الزكاة لا بد أن يكون مما أكمل سنة، ففسر بأن المقصود إذا بلغت الغنم نصاباً، وكانت كباراً وصغاراً، وبدأ الحول من حين بلغت نصاباً، ولكن ماتت الأمهات أثناء الحول وعند انتهاء الحول لم تبلغ نصاباً كباراً، وإنما كانت سخالاً، فيكون أخذ العناق من جملة العدد الذي وجبت فيه الزكاة؛ لأن الزكاة تؤخذ من المال الذي وجبت فيه.

    تراجم رجال إسناد حديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله...)


    قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي ] قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ] الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقيل ]. عقيل بن خالد بن عقيل المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ] محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ] عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    حديث ابن عمر (أمرت أن أقاتل الناس..)

    حديث ابن عمر الذي أشرت إليه أخرجه البخاري و مسلم ، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أنه من غرائب الصحيح، يعني أنه جاء بإسناد واحد، وهو صحيح، فالصحيحان فيهما غرائب عن ثقات يحتمل تفردهم، ومن ذلك حديث: (إنما الأعمال بالنيات) فهو حديث غريب، وكذلك آخر حديث في البخاري وهو (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن) فهو حديث غريب جاء من طريق واحد، وحديث ابن عمر من هذا القبيل، قال الحافظ ابن حجر : هو من غرائب الصحيح، وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، فهو يبلغ أربعين ألف حديث، وأما حديث أبي هريرة هذا فإنه موجود في المسند.
    مناسبة الحديث لباب الزكاة

    وقد فرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة، في السنة التي فرض فيها الصيام. ومناسبة إيراد الحديث هنا لأن القتال على الزكاة يدل على وجوبها، وأنها متعينة، هذا هو المقصود من إيراد هذا الحديث، وليس المقصود ذكر التاريخ، وإنما المقصود دلالته على أن الزكاة واجبة ولازمة؛ ولهذا يقاتل عليها.
    مشروعية قتال مانعي الزكاة

    مانع الزكاة تؤخذ منه بالقوة، وإذا امتنع يطلب منه أن يترك ما هو عليه من الباطل، وأن يدفع الزكاة، فإن عاند وقاتل فإنه يقاتل عليها، وقتاله للحاكم لا يدل على كفر، لأن البغاة إذا حصل منهم حمل السلاح على الحكام لا يكفرون بذلك. وبالنسبة لمانعي الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قال عنهم الخطابي : إنهم بغاة، فهم مسلمون امتنعوا من أداء شيء متعين عليهم، فقوتلوا على منعه، وكونهم امتنعوا منها واستعدوا للقتال فهم أهل بغي، وقال الخطابي : ولو حصل منع الزكاة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وانتفاء الشبهة فإن الذي يقول بعدم وجوب الزكاة أو ينكر وجوبها يكون كافراً مرتداً، ويقتل مرتداً، ولا يقال عنه باغ أو ممتنع من الزكاة فقط، ففرق الخطابي بين الذين منعوها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبين من بعدهم؛ لأن لهم شبهة، أما بعد أن استقرت الأحكام وعرفت الأحكام فجحدها كفر وردة.
    شرح حديث (أمرت أن أقاتل الناس ..) من طرق أخرى وتراجم رجالها

    [ قال أبو داود : ورواه رباح بن زيد و عبد الرزاق عن معمر عن الزهري بإسناده، قال بعضهم: (عقالاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله طرقاً فيها ذكر العقال وذكر العناق. قوله: [رباح بن زيد ]. رباح بن زيد القرشي وهو ثقة أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ و عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري بإسناده ]. يعني: عن عبيد الله عن أبي هريرة . [ وقال بعضهم: (عقالاً) ]. يعني: كالرواية السابقة. [ ورواه ابن وهب عن يونس قال: (عناقاً) ]. ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. و يونس بن يزيد الأيلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. والعناق هي التي لم تبلغ سنة من أولاد المعز. [ قال أبو داود : قال شعيب بن أبي حمزة و معمر و الزبيدي عن الزهري في هذا الحديث: (لو منعوني عناقاً)، وروى عنبسة عن يونس عن الزهري في هذا الحديث قال: (عناقاً) ]. ذكر المصنف جملة من الذين رووه عن الزهري وقالوا: (عناقاً). وشعيب بن أبي حمزة الحمصي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و معمر مر ذكره. و الزبيدي هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . قوله: [ عن الزهري في هذا الحديث: (لو منعوني عناقاً) ]. في هذا الحديث يعني: في الإسناد المتقدم، وقال: (عناقاً) بدل (عقالاً). و عنبسة بن خالد الأيلي صدوق أخرج حديثه البخاري وأبو داود . والعناق غير العقال؛ لأن العقال فسر بالعقال الذي يعقل به البعير، وأن المقصود به البعير، فعبر عن البعير بعقاله، أو المقصود بذلك زكاة عام، وهو إما روي هذا اللفظ أو هذا اللفظ، وقد يكون كلٌ من اللفظين محفوظاً أو يكون أحدهما محفوظاً والثاني شاذاً، والذي قيل إنه راجح هو العناق. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن السرح و سليمان بن داود قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن الزهري هذا الحديث قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: (إن حقه أداء الزكاة، وقال: عقالاً )]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى عن أحمد بن عمرو بن السرح وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . وسليمان بن داود المهري المصري ثقة أخرج حديثه أبو داود والنسائي . [ عن ابن وهب عن يونس عن الزهري ]. وقد مر ذكرهم. [ قالا: قال أبو بكر : (إن حقه أداء الزكاة) ]. يعني أن فيه مخالفة لما تقدم أنه قال أبو بكر الصديق : (إن حقه أداء الزكاة) وقال: (عقالاً) كالرواية الأولى.
    ما تجب فيه الزكاة


    شرح حديث (ليس فيما دون خمس ذود صدقة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما تجب فيه الزكاة. حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قرأت على مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: (باب ما تجب فيه الزكاة) يعني: الأموال التي تجب فيها الزكاة، وذكر مقادير الأنصبة التي تجب فيها الزكاة. قوله: (ليس فيما دون خمس ذود صدقة) يعني: ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة، فإذا ملك الإنسان أربعاً من الإبل وكانت سائمة فلا زكاة فيها؛ لأنها ما بلغت نصاباً، ولكنها إذا بلغت خمساً وحال عليها الحول فإنها تزكى، وقد جاء أن مقدار الزكاة في الخمس شاة كما سيأتي، فزكاة الخمس من الإبل من غير جنسها؛ لأنه لو أخرج الزكاة من جنسها -أي: واحدة من الإبل- لكانت الزكاة الخمس، وفي ذلك ضرر على أصحاب الأموال، فوجبت الزكاة فيها من نوع آخر وهو الغنم، فتجب شاة عن خمس من الإبل، والشاة عن خمس من الإبل لا تضر الغني، وتنفع الفقير، ولكن الغني يتضرر لو أخذت منه الناقة. وهذا الحديث بيان لنصاب الإبل وغيرها من الأموال الزكوية، وبيان المقدار الذي إذا نقص المال عنه فلا زكاة فيه، وهو الخمس من الإبل، فما نقص عن خمس منها فلا زكاة فيه، وما بلغ خمساً فأكثر ففيه الزكاة، وعلى هذا فالحد الأدنى الذي لا زكاة فيه من الإبل هو الأربع، فإن الأربع لا زكاة فيها ولو بقيت سنين، أما الخمس ففيها الزكاة إذا حال عليها الحول، والذود المقصود به الإبل. قوله: [ (وليس فيما دون خمس أواق صدقة) ]. هذا فيه بيان نصاب الورق وهي الفضة، والأوقية أربعون درهماً، والخمس أواق مائتا درهم، فنصاب الفضة مائتا درهم، وهي تعادل بالريالات السعودية الفضية (56 ريالاً سعودياً) فما دون خمس أواق لا زكاة فيه يعني: ما نقص عن مائتي درهم ولو درهماً واحداً بأن كانت مائة وتسعة وتسعين درهماً فلا زكاة فيه، وكذلك بالنسبة لما يقابلها من العملة السعودية التي هي (56 ريالاً) فما نقص عن (56 ريالاً) فلا زكاة فيها، فـ (55 ريالاً) لا زكاة فيها. قوله: [ (وليس فيما دون خمس أوسقٍ صدقة) ]. الوسق ستون صاعاً، والخمسة أوسق ثلاثمائة صاع، والصاع (3 كيلو جرام) فالنصاب تسعمائة كيلو جرام تقريباً، فما خرج من الأرض من الحبوب والثمار فإن نصابه خمسة أوسق. وقوله: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) يدلنا على أن الفواكه والخضروات لا زكاة فيها؛ لأنها ليست مما يكال كالحبوب والثمار، وأيضاً ليست مما يدخر ويتخذ قوتاً، والزكاة إنما تجب في الأقوات التي تخرج من الأرض كالتمر والزبيب والبر والشعير والأرز والذرة، وغير ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث (ليس فيما دون خمس ذود صدقة)


    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قرأت على مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن يحيى المازني ]. عمرو بن يحيى المازني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته ونسبته، كنيته أبو سعيد ، ونسبته الخدري ، واسمه سعد بن مالك بن سنان .
    شرح حديث (ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أيوب بن محمد الرقي حدثنا محمد بن عبيد حدثنا إدريس بن يزيد الأودي عن عمرو بن مرة الجملي عن أبي البختري الطائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة) والوسق ستون مختوماً. قال أبو داود : أبو البختري لم يسمع من أبي سعيد . أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد وليس فيه ذكر الأمور الثلاثة التي تقدمت في الرواية السابقة، وقوله: والوسق ستون مختوماً يعني: ستون صاعاً.

    تراجم رجال إسناد حديث (ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة)


    قوله: [حدثنا أيوب بن محمد الرقي ]. أيوب بن محمد الرقي أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد الطنافسي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا إدريس بن يزيد الأودي ]. إدريس بن يزيد الأودي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة الجملي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي البختري الطائي ]. وهو سعيد بن فيروز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. مر ذكره. [ قال أبو داود : أبو البختري لم يسمع من أبي سعيد ] وهذا لا يؤثر؛ لأن هذه الرواية ثابتة في الرواية السابقة وفي غيرها من الروايات، فلا يؤثر الانقطاع إلا إذا جاء من هذا الطريق فقط، ولكن ما دام الحديث ثابتاً من طريق أخرى فيكون هذا صحيحاً لكونه جاء من طرق أخرى صحيحة. وأما هذا السند فمنقطع لأن أبا البختري لم يسمع من أبي سعيد .

    شرح أثر النخعي (الوسق ستون صاعاً مختوماً بالحجاجي)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين حدثنا جرير عن المغيرة عن إبراهيم أنه قال: (الوسق ستون صاعاً مختوماً بالحجاجي) ]. أورد المصنف أثراً عن إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي رحمة الله عليه أنه قال: الوسق ستون صاعاً مختوماً بالحجاجي، والمقصود من ذلك بيان مقدار الوسق، وقوله: بالحجاجي نسبة للحجاج، وهو -كما سبق- ثلاثمائة صاع، لأن 60×5=300 صاع، وهو 900 كيلو، لأن الصاع يساوي 3كيلو. وهذا الأثر مقطوع؛ لأنه انتهى إلى التابعي، وهو غير المنقطع، فالمقطوع من صفات المتن، والمنقطع من صفات الإسناد، كأن يسقط من إسناده واحد أو أكثر.

    تراجم رجال أثر النخعي (الوسق ستون صاعاً مختوماً بالحجاجي)

    قوله: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين ]. محمد بن قدامة بن أعين ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة ]. المغيرة بن مقسم الكوفي الضبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر عمران بن حصين في الاحتجاج بالسنة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثني محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا صرد بن أبي المنازل قال: سمعت حبيباً المالكي قال: قال رجل لعمران بن حصين رضي الله عنهما: يا أبا نجيد ! إنكم لتحدثوننا بأحاديث ما نجد لها أصلاً في القرآن، فغضب عمران وقال للرجل: أوجدتم في كل أربعين درهماً درهم، ومن كل كذا وكذا شاةً شاة، ومن كل كذا وكذا بعيراً كذا وكذا، أوجدتم هذا في القرآن؟ قال: لا. قال: فعمن أخذتم هذا؟ أخذتموه عنا، وأخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر أشياء نحو هذا ]. أورد المصنف حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال له رجل: إنكم تحدثوننا بأشياء لا نجدها في كتاب الله، فغضب عمران رضي الله عنه، وذلك لأن هذا فهم خاطئ، والسنة تلقاها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرسول كما تلقوا القرآن عنه، وهم الذين أدوا إلينا الكتاب والسنة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني: السنة، فالسنة وحي من الله كما أن القرآن وحي من الله، إلا أن القرآن وحي معجز، ومتعبد بتلاوته وبالعمل به، والسنة متعبد بالعمل بها كما يتعبد بالقرآن، ولا فرق بين السنة والقرآن في العمل. وأيضاً السنة داخلة في القرآن، ومأمور بها في القرآن، قال الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] فالسنة كلها داخلة تحت هذه الآية؛ ولهذا جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه لما لعن النامصة والمتنمصة وقال: ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجود في كتاب الله، فقالت له امرأة: يا أبا عبد الرحمن ! إنك قلت كذا وكذا، وإنني قرأت المصحف من أوله إلى آخره فما وجدت فيه ذكر النامصة والمتنمصة! فقال: إن كنت قرأته فقد وجدته، قال الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]. عمران رضي الله عنه لما سأله هذا السائل غضب وقال: أين وجدتم في القرآن أن في كل أربعين درهماً درهم؟! يعني أن مقادير الزكاة ما وجدت في القرآن، بل وجدت في السنة، ففيها مقدار زكاة الدراهم والإبل والغنم، وهذا لا يوجد في القرآن، ولكن السنة مفسرة للقرآن ومبينة له ودالة عليه، وهي شقيقة القرآن، ويتعبد الله بالعمل بها كما يتعبد بالقرآن، وآيات القرآن جاءت بالأمر بالعمل بما في السنة، بل إن إنكار السنة إنكار للقرآن، وجحد السنة جحد للقرآن، وكيف يتعبد الناس لو اقتصروا على القرآن ولم يلتفتوا إلى السنة؟! فالصلاة التي هي عمود الإسلام من أين عرف الناس أن صلاة الظهر أربع ركعات، وأن العصر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن العشاء أربع ركعات، وأن الفجر ركعتان، ولا وجود لهذا في القرآن، وهذا إنما وجد في السنة، فالسنة موضحة للقرآن، وشارحة له، ودالة عليه، والكفر بالسنة كفر بالقرآن، ومن أنكر السنة فهو منكر للقرآن، لأن السنة كلها داخلة تحت قول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وكذلك قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]. والحاصل أن الذي قاله عمران رضي الله عنه كلام عظيم، وإن كان في الإسناد من هو متكلم فيه، فإن المعنى صحيح لا إشكال فيه، ولا خلاف فيه، فتوجد أمور كثيرة يعمل الناس بها ويتعبدون الله بها ولا وجود لها في القرآن، وهذا أمر واضح لا إشكال فيه ولا خلاف فيه بين أهل العلم. وقد جاء نحو هذا من طريق الحسن البصري عن عمران بن حصين وهو عند الحاكم في المستدرك وغيره، فالمعنى صحيح، فالسنة لا بد من العمل بها، وكثير من الأحكام الشرعية إنما تؤخذ من السنة، ولا تؤخذ من القرآن، والسنة يحتج بها كما يحتج بالقرآن، ويعول عليها كما يعول على القرآن، ولا يفرق المسلم بين السنة والقرآن.

    تراجم رجال إسناد أثر عمران بن حصين في الاحتجاج بالسنة


    [حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار الملقب ببندار البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثني محمد بن عبد الله الأنصاري ]. محمد بن عبد الله الأنصاري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا صرد بن أبي المنازل ]. صرد بن أبي المنازل وهو مقبول أخرج له أبو داود . [ سمعت حبيباً المالكي ]. حبيب المالكي هو حبيب بن أبي فضلان أو فضالة، وهو مقبول أخرج له أبو داود . [ عن عمران ]. عمران بن حصين أبو نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."

  20. #220
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الزكاة
    شرح سنن أبي داود [187]
    الحلقة (218)



    شرح سنن أبي داود [187]

    تعتبر عروض التجارة من أوسع الأموال وأكثرها غناء، ولذا فإنها من الأموال الزكوية، وأما الحلي فقد ورد في الأحاديث الأمر بإخراج زكاتها، وذلك هو الأحوط للمؤمن على كل حال.

    زكاة عروض التجارة


    شرح حديث (كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب العروض إذا كانت للتجارة هل فيها من زكاة. حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان بن موسى أبو داود حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب قال: حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (أما بعد؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: (باب العروض إذا كانت للتجارة هل فيها من زكاة) والمقصود من هذه الترجمة بيان أن عروض التجارة من الأموال الزكوية، والعروض هي ما يعرض ويعد للبيع، سواء كان حيواناً أو مأكولاً أو ملبوساً أو مركوباً أو أي شيء من الأشياء المباحة التي تعرض للبيع والشراء، ويتجر بها الناس، وتتخذ للتجارة وتنمية المال وتحصيل الربح، هذه هي عروض التجارة، وهي جمع عرض، وهو ما يعرض ويعد للبيع والشراء، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على قولين: فجماهيرهم على أن فيها الزكاة، بل هي أوسع الأموال الزكوية وأكثرها، فإن أكثر الأموال إنما هي للتجارة، فالزراعة دونها، والنقود التي تدخر دونها، وكذلك المواشي دونها؛ لأن التجارة هي أوسع الأموال التي يتعامل بها الناس. والجماهير من أهل العلم ومنهم الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة على القول بإيجاب الزكاة فيها، وبعض أهل العلم قال بعدم وجوبها فيها، ونقل بعض أهل العلم الإجماع على وجوبها من حيث كثرة القائلين، وقد ورد في وجوبها أحاديث وآثار، وأورد أبو داود رحمه الله حديثاً واحداً تحت هذه الترجمة، وهو حديث سمرة بن جندب ، وفي إسناده لين، فهو حديث ضعيف لا يعول عليه، ولكن النصوص الأخرى العامة التي جاءت في الزكاة في الأموال، وأن الأموال فيها حق معلوم للسائل والمحروم؛ تشمل هذا النوع من المال الذي هو أكثر وأوسع الأموال. وأي تجارة فيها تنمية للمال، ومعلوم أن الزكاة في الغالب هي في الأموال التي فيها نماء مثل السائمة والحبوب والثمار التي ينميها الناس ويحصل الناس على فوائدها وعلى ثمارها، فعروض التجارة من هذا القبيل، بل هي أوسع الأموال وأكثرها انتشاراً، فإن الكثير من الناس يشتغلون بهذا النوع من الأموال الزكوية ألا وهو عروض التجارة.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع)


    قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان مقبول أخرج أحديثه أبو داود . [ حدثنا يحيى بن حسان ]. يحيى بن حسان وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا سليمان بن موسى أبو داود ]. سليمان بن موسى أبو داود فيه لين، وأخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة ]. جعفر بن سعد بن سمرة وهو ليس بالقوي، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثني خبيب بن سليمان ]. خبيب بن سليمان مجهول أخرج حديثه أبو داود . [ عن أبيه ]. أبوه سليمان وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. هذا الإسناد فيه خمسة ممن انفرد بالتخريج لهم أبو داود من بين أصحاب الكتب، وهم: محمد بن داود بن سفيان و سليمان بن موسى و جعفر بن سعد ، و خبيب بن سليمان وأبوه. وبقي سمرة أخرج له أصحاب الكتب الستة ويحيى بن حسان أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . والإجماع على وجوب الزكاة في عروض التجارة حكاه بعض أهل العلم، ولكن يوجد خلاف في الحقيقة، والجمهور على وجوب الزكاة في عروض التجارة، وخالف الظاهرية.
    زكاة الحلي


    شرح حديث (أتعطين زكاة هذا)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الكنز ما هو وزكاة الحلي. حدثنا أبو كامل و حميد بن مسعدة المعنى أن خالد بن الحارث حدثهم قال: حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟! قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: هما لله عز وجل ولرسوله) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: (باب الكنز ما هو والزكاة الحلي) والمقصود بهذه الترجمة شيئان: أحدهما: ما المراد بالكنز؟ ولعل الترجمة إشارة إلى قول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34]، يعني: ما هو الكنز الذي توعد الله صاحبه؟ وما الذي يسلم من ذلك؟ والمقصود من الترجمة أن ما أخرج منه الزكاة ليس بكنز، وأنه ليس في المال حق واجب إلا الزكاة، وما سوى ذلك فهو تطوع كما أن الصلوات الخمس هي المفروضة وما زاد عليها تطوع، والحج مرة وما زاد على ذلك تطوع، وكذلك الأموال التي يجمعها الإنسان ويزكيها لا يقال لها كنز، وإنما يكون كنزاً ويعذب عليه صاحبه هو ما لا يخرج منه الزكاة، ولا يؤدي زكاته، ولهذا يعذب عليه، وأما إذا أخرج زكاته فليس بكنز. الأمر الثاني: زكاة الحلي، هل فيها زكاة أو ليس فيها زكاة؟ وقد اختلف العلماء فيها على قولين: القول الأول: فيها زكاة، ويستدل بهذا الحديث وغيره من الأحاديث الدالة على أن الحلي يزكى، ويستدل كذلك بالعمومات التي جاءت في زكاة الذهب والفضة، فإن الحلي يطلق على الذهب والفضة، فكل ذهب وفضة يزكى، فتوجد أحاديث عامة وأحاديث خاصة تدل على وجوب الزكاة في الحلي. القول الثاني: لا زكاة في الحلي، ويعتبرون ذلك مثل الأشياء التي تعد للاستعمال، فالإنسان الذي عنده دواب لاستعماله لا زكاة فيها، وفي الحديث: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) فالإنسان الذي عنده خيل أو سيارة ونحوها يقتنيها ولا يعدها للبيع والشراء، وإنما هي للقنية؛ ليس فيها زكاة، قالوا: وكذلك الحلي هي من هذا القبيل، وتوجد آثار عن السلف تدل على ذلك، ولكن هذا الحديث حسن، وتوجد غيره من الأحاديث الصحيحة الثابتة التي تدل على ما دل عليه، فالقول بوجوب الزكاة في الحلي هو الأظهر، وهو الذي تبرأ به الذمة، وهو الذي فيه الاحتياط في الدين. وهذا الحديث الذي أورده أبو داود حديث حسن يحتج به، وتوجد غيره من الأحاديث في معناه، فالقول بوجوب الزكاة في الحلي هو الأظهر وهو الأولى وهو الذي فيه الاحتياط في الدين. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنةٌ لها عليها مسكتان -وهما سواران- من ذهب فقال: أتؤدين زكاة هذا)، ومعلوم أن هذا حلي مستعمل كان على يديها، والمقصود أنه إذا كان يبلغ نصاباً فإنه يزكى، وإن كان لا يبلغ نصاباً فإنه يضم إلى الذهب الذي عندها، فإن بلغ مجموعة نصاباً وجب فيه الزكاة، وإن كان لا يبلغ نصاباً لا تجب فيه الزكاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أنه يعاقب على ترك زكاة الحلي، بأن تعذب بالنار، ويكون لها سواران من نار؛ لأنها ما قامت بأداء الزكاة عن هاتين المسكتين، (فألقتهما وقالت: هما لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم). هما لله تخرجهما لوجه الله، ولرسوله: يتصرف فيهما كيف يشاء، ويضعهما حيث يريد، وليس المقصود أنهما قربة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن القرب إنما تكون لله عز وجل.
    تراجم رجال إسناد حديث (أتعطين زكاة هذا)

    قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. أبو كامل الفضيل بن الحسين الجحدري وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ و حميد بن مسعدة ]. حميد بن مسعدة صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن. قوله: [ المعنى ]. يعني: أنهما متفقان في المعنى، وإن اختلفا في اللفظ. [ عن خالد بن الحارث ]. خالد بن الحارث البصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حسين ]. حسين بن ذكوان المعلم وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص وهو صدوق أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. شعيب بن محمد وهو صدوق أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده ]. جده هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث رجاله ثقات إلى عمرو بن شعيب ، و عمرو بن شعيب إذا صح الحديث إليه واستقام الإسناد إليه فحديثه حسن؛ لأنه صدوق وأبوه صدوق.
    شرح حديث (ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا عتاب -يعني: ابن بشير - عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة رضي الله عنها قالت (كنت ألبس أوضاحاً من ذهب فقلت: يا رسول الله! أكنزٌ هو؟ فقال: ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب فقالت: يا رسول الله! أكنز هو؟ فقال: (ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز) وهذا يدل على وجوب الزكاة في الذهب مطلقاً، ويدخل في ذلك الحلي؛ لأن سبب الحديث يتعلق بالحلي، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز) ] يعني إذا بلغ نصاباً وجبت فيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فإذا زكي فإنه لا يعتبر كنزاً، ولا يكون صاحبه متوعداً بالعذاب الأليم المذكور في آية سورة التوبة. إذاً: الكنز الذي لا تؤدى زكاته هو الذي يعذب عليه صاحبه، وأما إذا كان عنده مال يؤدي زكاته فإنه لا يعتبر كنزاً كما جاء ذلك مبيناً في هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقولها: [ كنت ألبس أوضاحاً ]. الأوضاح هي الحلي، وهنا قالت: (أوضاحاً من ذهب) والأصل في الأوضاح أنها من الفضة؛ لأنها بيض واضحة، لكن هنا ذكرت أنها كانت من ذهب، وليست من فضة.

    تراجم رجال إسناد حديث (ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز)


    قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى هو الطباع وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عتاب يعني: ابن بشير ]. عتاب بن بشير صدوق يخطئ أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن ثابت بن عجلان ]. ثابت بن عجلان صدوق أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عطاء ]. عطاء بن أبي رباح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سلمة ]. أم سلمة هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث حسن الألباني المرفوع منه، ومعنى هذا أن القصة غير ثابتة.
    شرح حديث (دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات من ورق)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن إدريس الرازي حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن عمرو بن عطاء أخبره عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: ما هذا يا عائشة ؟! فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله! قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا، أو ما شاء الله. قال: هو حسبك من النار) ]. هذا الحديث يدل على ما دل عليه الحديث السابق من وجوب الزكاة في الحلي، والفتخات من الفضة ليست نصاباً، لكن المقصود أنها تضمها إلى غيرها من الأموال الزكوية، وكل ذهب وفضة يزكى سواء كان حلياً أو غير حلي، وإذا لم يبلغ نصاباً فلا زكاة فيه، لكن إذا كان هناك فضة أخرى معه وبلغ المجموع نصاباً فإنه تجب فيه الزكاة، وأما إذا كان لا يبلغ النصاب فإنه لا زكاة فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة)، يعني: أواقي الفضة، فلا بد من اعتبار النصاب، وهذه الفتخات تضم إلى غيرها.

    تراجم رجال إسناد حديث (دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات من ورق..)


    قوله: [ حدثنا محمد بن إدريس الرازي ]. محمد بن إدريس الرازي هو أبو حاتم الرازي الإمام المشهور الحافظ المحدث الذي يأتي ذكره كثيراً في الجرح والتعديل، وكثيراً ما يقرن مع أبي زرعة الرازي في الجرح والتعديل، وهو ثقة من الأئمة الحفاظ أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة في التفسير . [ حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق ]. عمرو بن الربيع بن طارق ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود . [ حدثنا يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب وهو صدوق ربما أخطأ أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن أبي جعفر ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو بن عطاء ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن شداد بن الهاد ]. عبد الله بن شداد بن الهاد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره العجلي في كبار التابعين الثقات، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق وهي واحدةٌ من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث (دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا سفيان عن عمر بن يعلى ، فذكر الحديث نحو حديث الخاتم. قيل لسفيان : كيف تزكيه؟ قال: تضمه إلى غيره ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو نحو الحديث المتقدم فيما يتعلق بالخاتم أو الخواتيم، وفيه: (قيل لسفيان : كيف تزكيه؟ قال: تضمه إلى غيره). يعني: أن الخاتم لا زكاة فيه؛ لأنه قليل، فقال: تضمه إلى غيره، لأن الفضة تضم إلى الفضة سواء كان ملبوساً أو مسبوكاً أو مصكوكاً عملة، فكل ذلك يضم بعضه إلى بعض ويزكى زكاة الفضة، أي: يخرج منه ربع العشر إذا بلغ مائتي درهم أو ما يساوي مائتي درهم، وذلك النصاب.
    تراجم رجال إسناد حديث (دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات) من طريق ثانية

    قوله: [ حدثنا صفوان بن صالح ]. صفوان بن صالح ثقة كان يدلس تدليس التسوية، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. الوليد بن مسلم وهو أيضاً ثقة يدلس تدليس التسوية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن يعلى ]. عمر بن عبد الله بن يعلى وهو ضعيف أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ فذكر الحديث نحو حديث الخاتم ]. يعني: نحو الحديث المتقدم.
    جواز لبس الذهب المحلق

    وفي هذه الأحاديث دلالة على جواز لبس الذهب المحلق، والأحاديث وردت فيه عامة وخاصة، والأحاديث التي جاء فيها النهي عن الذهب المحلق تعتبر في مقابل هذه الأحاديث شاذة لا يعول عليها."


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •