تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 9 من 13 الأولىالأولى 12345678910111213 الأخيرةالأخيرة
النتائج 161 إلى 180 من 249

الموضوع: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

  1. #161
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [128]
    الحلقة (159)





    شرح سنن أبي داود [128]

    جاءت الأحاديث النبوية من طرق متعددة في سجود السهو، وفيها بيان ما يسجد له بعد التسليم، وما يبدله قبل التسليم.

    تابع ما جاء في السهو في السجدتين


    شرح حديث ذي اليدين من طريق مالك

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أيوب عن محمد بإسناده -وحديث حماد أتم- قال: (ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل: بنا، ولم يقل: فأومئوا، قال: فقال الناس: نعم، قال: ثم رفع ولم يقل: وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع)، وتم حديثه لم يذكر ما بعده، ولم يذكر فأومئوا إلا حماد بن زيد. قال أبو داود : وكل من روى هذا الحديث لم يقل: فكبر، ولا ذكر رجع ]. مر الكلام على حديث أبي هريرة من طريق حماد بن زيد عن أيوب ، ثم أورده أبو داود من طريق مالك عن أيوب ، وذكر أن هناك فروقاً بين رواية مالك ورواية حماد بن زيد ولم يسق لفظ مالك، ولكنه قال: لفظ حماد بن زيد أتم، وأشار إلى شيء من الفروق التي وقعت بين رواية مالك ورواية حماد بن زيد منها أنه قال: (صلى رسول الله، ولم يقل: صلى بنا)، يعني: أن في رواية مالك: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر) ولم يذكر لفظ: (بنا) كما ذكره حماد . قوله: (ولم يقل: فأومئوا) . أي: أما في رواية حماد بن زيد فقد ذكر: (فأومئوا: أي نعم) ومعناه أنهم ما تكلموا، وإنما حصل منهم إيماء يدل على الجواب بنعم، ولهذا قال: أي نعم، أي أن إيمائهم معناه: نعم، وأما رواية مالك فليس فيها أنهم أومئوا وإنما فيها أنهم قالوا: نعم، تكلماً. ويمكن الجمع بينهما بأنهم أومئوا وقالوا نعم، فيكون حماد بن زيد ذكر الإيماء، ومالك ذكر نعم. قوله: [ (قال: ثم رفع ولم يقل: وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع) ]. أي: ثم ذكر في رواية مالك شيئاً يتعلق بسجود السهو، وهو الذي كان بعد السلام، فمالك ذكره باختصار، فإنه ما ذكر التكبير إلا مرة واحدة، وأشار إلى السجدة الأولى دون أن يشير إلى التكبير لها والسجود، وإنما ذكر الرفع، ثم قال: (ثم كبر فسجد ثم رفع) ولم يقل: وكبر، وهذا فيه اختصار. ورواية حماد بن زيد المتقدمة فيها الجمع بين التكبير والسجود والرفع، وأنه يكبر لسجود السهو أربع مرات وأنه يرفع من كل سجدة ويكبر، ورواية مالك ليس فيها ذكر السجود ولا ذكر التكبير عند السجود في السجدة الأولى، وإنما فيها ذكر الرفع دون التكبير. ثم في السجدة الثانية ذكر التكبير والسجود، وعند الرفع منها فيها الرفع بدون ذكر التكبير، وهذا فيه اختصار؛ ولهذا يقول صاحب عون المعبود: إن رواية الإمام مالك في الموطأ توضح الإطلاق الذي جاء في رواية أبي داود ؛ لأن رواية أبي داود أنه قال: (ثم رفع)، ولم يذكر ما قبل ذلك من السجود والتكبير، ثم قال: (ثم كبر وسجد ثم رفع) ] ولم يذكر التكبير، وفي رواية مالك في الموطأ : (أنه كبر ثم سجد) يعني: للسجدة الأولى، ثم قال: (ثم رفع) ولم يقل: (وكبر) كما جاء هنا ذكر الرفع بدون تكبير، ثم قال: (ثم كبر وسجد) كما هنا أيضاً، ثم قال: (ثم رفع) ولم يذكر التكبير عند الرفع من السجود. وهذا فيه اختصار، ولاشك أن تكبير السهو مثل تكبير الصلاة، فيها سجدتان فيهما أربع تكبيرات وجلوس بين السجدتين كالحكم في السجدتين اللتين في الصلاة. وعلى هذا فرواية مالك التي في الموطأ فيها ما يوضح الإجمال أو الاختصار الذي في رواية أبي داود هنا. قوله: (ثم رفع ولم يقل: وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع)، وأتم حديثه لم يذكر ما بعده. أي: وتم حديثه ولم يذكر ما بعده من كونه سلم وكون محمد بن سيرين قيل له: هل سلم؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم، والحديث سيأتي عن عمران بن حصين وفيه ذكر التسليم. قوله: (قال: ولم يذكر (فأومئوا) إلا حماد بن زيد ). يعني أن حماد بن زيد في الرواية السابقة هو الذي قال: (أومئوا) وغيره لم يذكرها، وإنما ذكروا أنهم قالوا: نعم. [ قال أبو داود : وكل من روى هذا الحديث لم يقل: فكبر ولا ذكر رجع ]. أي: أن كل من ذكر حديث أبي هريرة ، لم يذكر: فكبر، ولا ذكر أنه رجع إلى مكانه الذي صلى فيه بعد أن قام إلى خشبة معروضة، ووضع عليها يديه إحداهما على الأخرى، ولما قال له ذو اليدين ما قال استفسر من الناس، فأجابوه بما أجابه ذو اليدين ، ورجع إلى مقامه ودخل في صلاته. قوله: (لم يقل: فكبر) مشى صاحب عون المعبود على أن المقصود بها أنه كبر عند سجوده للسهو تكبيرة إحرام غير تكبيرة السجود، كما سيأتي في رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أنه قال: (كبر ثم كبر) أي: أنه كبر تكبيرة إحرام لسجود السهو، والمعنى أنه بعدما سلم دخل في السجدتين بتكبيرة إحرام. ويحتمل أن يكون المقصود من ذلك غير هذا الذي ذكره صاحب عون المعبود، وأن المقصود أنهم ما قالوا: فكبر عندما دخل في الركعة الثالثة وإنما دخل فيها بدون تكبير، حيث إنه رجع إلى مقامه فصلى الركعتين. لكن التكبير كما سبق أن أشرت وقع ضمن الركعة الثالثة؛ لأن المصلي عندما يجلس للتشهد يقوم مكبراً ويدخل في الركعة الثالثة، فيكون التكبير داخلاً فيها؛ لأن الركعة الثالثة أولها التكبير؛ لأنه قال: (قام فصلى الركعتين الباقيتين)، معناه أنه كبر تكبيرة الانتقال من الجلوس للتشهد الأول إلى الركعتين الباقيتين عند الدخول في الثالثة. وهذا يختلف فيما لو سها فجلس في الركعة الثالثة وقد نسي الركعة الرابعة، فإذا قام للركعة الرابعة فإنه يدخل بها بدون تكبير؛ لأن التكبير قد وجد عند القيام من السجود. فصاحب عون المعبود مشى على أن المراد به أنه كبر لسجود السهو تكبيرة إحرام، وهو الذي سيأتي قريباً من رواية هشام بن حسان ، وهي رواية شاذة؛ لأنها مخالفة للروايات الأخرى التي ما ذكرت هذا التكبير، وكل من ذكر السجدتين أنه كبر للسجود، ما قالوا: كبر للإحرام ثم كبر للسجود، إلا ما جاء في رواية هشام .

    تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين من طريق مالك

    قوله: ( حدثنا عبد الله بن مسلمة ). هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . ( عن مالك ). هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ( عن أيوب ). هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن محمد ). هو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ بإسناده ]. أي إسناد محمد بن سيرين عن أبي هريرة إلى آخره.
    شرح حديث ذي اليدين من طريق سلمة بن علقمة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر -يعني ابن المفضل -حدثنا سلمة -يعني ابن علقمة - عن محمد عن أبي هريرة قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى حماد كله إلى آخر قوله: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم، قال: قلت: فالتشهد؟ قال: لم أسمع في التشهد وأحب إلي أن يتشهد). ولم يذكر: (كان يسميه ذا اليدين )، ولا ذكر: فأومئوا، ولا ذكر الغضب، وحديث حماد عن أيوب أتم ]. أورد أبو داود طريقاً أخرى لحديث أبي هريرة رضي الله عنه وهي من رواية سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين ، وهي مثل رواية حماد بن زيد إلى آخر قوله: [ (نبئت أن عمران قال: ثم سلم) ]. قوله: (قلت: فالتشهد؟). هذا قول سلمة بن علقمة لمحمد بن سيرين ، يعني: هل تشهد بعد أن سجد للسهو؟ وذلك لأن حديث أبي هريرة ليس فيه ذكر السلام وإنما ذكره محمد عن عمران . قوله (قال: لم أسمع في التشهد وأحب ألي أن يتشهد)، هذا من قول محمد بن سيرين ، وكأنه فهم أن المعهود في التسليم أن يسبقه تشهد، لكن هذا كما هو معلوم فيه تطويل، وقد جاء التشهد في بعض الأحاديث التي فيها كلام، والأحاديث الكثيرة جاءت من حديث عمران بن حصين ومن حديث غيره، ولم يذكروا التشهد. قوله: [ ولم يذكر كان يسميه ذا اليدين ]. أي: ولم يذكر في هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمي الرجل الذي قال: (يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟) ذا اليدين . قوله: (ولا ذكر: فأومئوا ولا ذكر الغضب). أي: ولا ذكر فأومئوا التي مرت في حديث حماد بن زيد ، ولا ذكر أنه كان مغضباً لما قام إلى الخشبة كما مر في رواية حماد . قوله: (وحديث حماد عن أيوب أتم). أي: وحديث حماد عن أيوب أتم من حديث سلمة بن علقمة عن محمد .
    تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين من طريق سلمة بن علقمة

    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . ( حدثنا بشر - يعني ابن المفضل - ). وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( حدثنا سلمة -يعني ابن علقمة -). وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . ( عن محمد عن أبي هريرة ). وقد مر ذكرهما.
    شرح حديث ذي اليدين مع ذكر زيادة في التكبير عن هشام

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن نصر بن علي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب و هشام و يحيى بن عتيق و ابن عون عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين : (أنه كبر وسجد، وقال هشام -يعني ابن حسان -: (كبر ثم كبر وسجد) . قال أبو داود : روى هذا الحديث أيضاً حبيب بن الشهيد و حميد و يونس و عاصم الأحول عن محمد عن أبي هريرة لم يذكر أحد منهم ما ذكر حماد بن زيد عن هشام : (أنه كبر ثم كبر وسجد) . وروى حماد بن سلمة و أبو بكر بن عياش هذا الحديث عن هشام لم يذكرا عنه هذا الذي ذكره حماد بن زيد : (أنه كبر ثم كبر) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وذكر جماعة رووه عن محمد بن سيرين ، وأن في الذين رووه عن محمد بن سيرين هشام بن حسان ، و هشام بن حسان لما ذكر سجود السهو بعد السلام، قال: (كبر ثم كبر) ، يعني: كبر تكبيرة إحرام للسجدتين، ثم كبر للسجدة الأولى من السجدتين. وذكر أبو داود أن كل الذين رووه ما ذكروا (أنه كبر ثم كبر) إلا هشام بن حسان . وعلى هذا فيكون ذكر التكبير للإحرام فيه شذوذ؛ لأنه إنما جاء من طريق هشام بن حسان ، وكل الذين رووه وهم كثيرون، وقد سردهم المصنف ومر منهم جماعة في الحديث الأول والذي بعده، لم يذكروا أنه كبر للإحرام ثم كبر للسجود. وعلى هذا فإن الإنسان عندما يسلم ثم يسجد بعد السلام، فإنه يكبر تكبير السجود ولا يكبر تكبيرتين: تكبيرة للإحرام، وتكبيرة للسجود.
    تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين مع ذكر زيادة في التكبير عن هشام

    قوله: ( حدثنا علي بن نصر بن علي ). هو علي بن نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وأبوه نصر بن علي كثيراً ما يأتي ذكره في الأحاديث، يروي عنه أبو داود مباشرة، وهنا روى عن ابنه علي بن نصر وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . ( حدثنا سليمان بن حرب ). هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( حدثنا حماد بن زيد ). هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن أيوب ). مر ذكره. ( و هشام ). هو هشام بن حسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( و يحيى بن عتيق ). ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . ( و ابن عون ). هو عبد الله بن عون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن محمد عن أبي هريرة ). محمد هو ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، وقد مر ذكرهما. ( قال أبو داود : روى هذا الحديث أيضاً حبيب بن الشهيد ). حبيب بن الشهيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( و حميد ). هو حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( و يونس ). هو يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( و عاصم الأحول ). هو عاصم بن سليمان الأحول وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن محمد عن أبي هريرة لم يذكر أحد منهم ما ذكر حماد بن زيد عن هشام ). يعني فهؤلاء الذين تقدموا والذين ذكرهم بعد ذلك؛ كل هؤلاء رووه من هذا الطريق الذي رواه هشام بن حسان ، ومع ذلك ما قالوا: (كبر ثم كبر). ( وروى حماد بن سلمة و أبو بكر بن عياش هذا الحديث عن هشام لم يذكرا عنه هذا الذي ذكره حماد بن زيد : (أنه كبر ثم كبر) ). ومعناه: أن هشام بن حسان في بعض الروايات عنه ما قال: (كبر ثم كبر)، وإنما جاءت الزيادة من طريق حماد بن زيد عنه. وعلى هذا فهشام جاء عنه شيء يوافق الجماعة وشيء يخالف الجماعة، فروايته التي توافق الجماعة هي الأولى، ويمكن أن يكون الخطأ من حماد ويحتمل أن يكون منه.
    شرح حديث ذي اليدين من طريق الأوزاعي عن الزهري

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب و أبي سلمة و عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة بهذه القصة قال: (ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقَّنه الله ذلك) ]. أورد المصنف حديث أبي هريرة من طريق أخرى بهذه القصة وفيها أنه قال: (ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك) أي: حتى يقنه أنه قد سها، لكن هذا التيقين الذي حصل له من الله، هل هو بوحي؟ أو أنه ذكر فتذكر؟ الأحاديث جاءت في أنه قال له ذو اليدين ما قال، وأنه قال للناس: (أكما يقول: ذو اليدين)، ولما قيل له: إنك قد نسيت قام، يحتمل أنه حصل له وحي من الله عز وجل، وأن الصحابة أخبروه قبل ذلك، ويحتمل أنه لم يحصل له وحي، ولكنه حصل له اليقين بوجود هذا الجمع الكثير الذين صلوا وراءه، وأخبروه بأنه قد نسي.

    تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين من طريق الأوزاعي عن الزهري

    قوله: ( حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ). محمد بن يحيى بن فارس هو الذهلي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. ( عن محمد بن كثير ). هو ابن أبي عطاء الثقفي ، وهو صدوق كثير الغلط، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . وقد سبق أن مر بنا أن أبا داود يروي عن محمد بن كثير كثيراً، وهو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهنا يروي عن محمد بن كثير بواسطة، ومعنى هذا أن الذي روى عنه بواسطة هو محمد بن كثير الثقفي ، وليس محمد بن كثير العبدي ، فإذا جاء في طبقة شيوخه محمد بن كثير فهو العبدي ، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه محمد بن كثير فهو الثقفي . ( عن الأوزاعي ). هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن الزهري ). هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن سعيد بن المسيب ). هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة. ( و أبي سلمة ). هو أبو سلمة بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم. ( و عبيد الله بن عبد الله ). هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة. فهذا الإسناد فيه اثنان من الفقهاء السبعة باتفاق وواحد منهم على اختلاف فيه، وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . ( عن أبي هريرة ). قد مر ذكره.
    شرح حديث ذي اليدين من طريق أبي بكر بن سليمان

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب حدثنا يعقوب -يعني ابن إبراهيم - حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة أخبره أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر قال: (ولم يسجد السجدتين اللتين تسجدان إذا شك حتى لقاه الناس) ]. ذكر بعد ذلك رواية أبي بكر بن سليمان أنه بلغه في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد السجدتين اللتين تسجدان إذا شك حتى لقاه الناس، أي: حتى أخبره الناس وبينوا له أنه قد سها، وذلك حين علموا بأنها لم تقصر الصلاة وكانوا لم ينبهوه؛ لأن الزمن زمن الوحي؛ ولهذا مر في الحديث: (أن سرعان الناس خرجوا وهم يقولون: قصرت الصلاة، قصرت الصلاة). فهذا يفيد بأن الناس هم الذين أخبروه، وأن تيقنه إنما حصل من الناس، وفي الرواية السابقة: (حتى يقنه الله ذلك)، أنه إما يقنه الله بوحي، أو بتذكير الناس إياه ذلك كما جاء في هذه الرواية.
    تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين من طريق أبي بكر بن سليمان

    قوله: ( حدثنا حجاج بن أبي يعقوب ). ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . حدثنا يعقوب -يعني ابن إبراهيم - ]. هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن صالح ). هو صالح بن كيسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن ابن شهاب أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة ). ابن شهاب مر ذكره وهو الزهري ، يأتي ذكره بلفظ الزهري وبلفظ ابن شهاب كثيراً، اشتهر بنسبته إلى جده شهاب واشتهر بنسبته إلى الزهري ، وهو نسبة إلى زهرة بن كلاب جده الأعلى. و أبو بكر بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة ، وهو هنا مرسل؛ لأنه ما ذكر الصحابي، ولكنه كما هو معلوم موافق للرواية السابقة، والصحابي الذي اشتهر عنه السلام من سجدتين هو أبو هريرة ، وإن كان قد جاء عن غيره. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال ابن شهاب : وأخبرني بهذا الخبر سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، قال: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن و أبو بكر بن الحارث بن هشام و عبيد الله بن عبد الله ]. سعيد و أبو هريرة قد مر ذكرهما. ( قال: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ). وقد مر ذكره. ( و أبو بكر بن الحارث بن هشام ). أبو بكر بن الحارث بن هشام أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ( و عبيد الله بن عبد الله ). عبيد الله بن عبد الله مر ذكره، أحد الفقهاء السبعة.
    شرح حديث ذي اليدين مع عدم ذكر السجدتين

    [ قال أبو داود : رواه يحيى بن أبي كثير و عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه جميعاً عن أبي هريرة بهذه القصة ولم يذكر: أنه سجد السجدتين ]. ذكر المصنف رحمه الله ذكر الله هذه الرواية لهذه القصة التي تقدمت عن أبي هريرة وليس فيها أنه سجد سجدتي السهو، وهذا مخالف للروايات السابقة التي فيها إثبات السجدتين، فالسجود للسهو بعد السلام ثابت بالروايات الكثيرة المتعددة، فرواية من نفاها رواية غير صحيحة، فهي إما شاذة وإما منكرة.
    تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين مع عدم ذكر السجدتين

    قوله: ( قال أبو داود : رواه يحيى بن أبي كثير ). هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( و عمران بن أبي أنس ). وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ). أبو سلمة بن عبد الرحمن مر ذكره، و العلاء بن عبد الرحمن صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. وأبوه ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. ( قال أبو داود : ورواه الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (ولم يسجد سجدتي السهو) ]. هذه الرواية أيضاً غير صحيحة، وهي مخالفة للروايات السابقة من الطرق المتعددة الدالة على حصول السجدتين بعد السلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ( قال أبو داود : ورواه الزبيدي ). هو محمد بن الوليد الزبيدي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . ( عن الزهري عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ). وقد مر ذكرهما.
    شرح حديث: (أن النبي صلى الظهر فسلم في الركعتين ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فسلم في الركعتين، فقيل له: نقصت الصلاة؟ فصلى ركعتين ثم سجد سجدتين) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهي أخصر من طريق حماد بن زيد التي مرت، وهو مثله فيما تقدم من الأحكام، وليس فيه شيء زائد. قوله: (صلى الظهر). أي: أنه حدث ذلك في الظهر، وهناك قال: (إحدى صلاتي العشي الظهر أم العصر). قوله: (فسلم في الركعتين فقيل له: نقصت الصلاة؟ فصلى ركعتين ثم سجد سجدتين). هذه الرواية ليس فيها ذكر السلام، وكذلك الرواية السابقة عن أبي هريرة ليس فيها ذكر السلام، إلا أن السلام سيأتي من رواية عمران بن حصين .

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الظهر فسلم في الركعتين ...)


    قوله: (حدثنا عبيد الله بن معاذ ). هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . ( حدثنا أبي ). هو معاذ بن معاذ العنبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( حدثنا شعبة ). هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. (عن سعد بن إبراهيم ). وقد مر ذكره. ( سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكرهما أيضاً.

    شرح حديث أبي هريرة في عدم ذكر سجدتي السهو من طريق المقبري


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسماعيل بن أسد أخبرنا شبابة حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من الركعتين من صلاة المكتوبة، فقال له رجل: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ قال: كل ذلك لم أفعل! فقال الناس: قد فعلت ذلك يا رسول الله، فركع ركعتين أخريين، ثم انصرف ولم يسجد سجدتي السهو) ]. وهذا أيضاً مثل الذي قبله من رواية أبي هريرة ، عدم ذكر سجدتي السهو، وهي مخالفة للروايات الصحيحة السابقة التي فيها أنه سجد للسهو سجدتين.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في عدم ذكر سجدتي السهو من طريق المقبري

    قوله: ( حدثنا إسماعيل بن أسد ). صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . ( أخبرنا شبابة ). هو شبابة بن سوار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. (حدثنا ابن أبي ذئب ). هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ). وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن أبي هريرة ). وقد مر ذكره.

    شرح حديث أبي هريرة مع ذكر سجود السهو من طريق أبي سفيان


    [ قال أبو داود : رواه داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة قال: (ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم) ]. أورد المصنف رحمه الله هذه الطريق الأخرى وهي مثل التي قبلها، إلا أن فيها ذكر السجدتين بعد التسليم كما سبق في الروايات الصحيحة.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة مع ذكر سجود السهو من طريق أبي سفيان

    ( قال أبو داود : رواه داود بن الحصين ). داود بن الحصين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد ). وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن أبي هريرة ). وقد مر ذكره.

    شرح حديث أبي هريرة في السهو من طريق ضمضم بن جوس


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عكرمة بن عمار عن ضمضم بن جوس الهفاني حدثني أبو هريرة بهذا الخبر قال: (ثم سجد سجدتي السهو بعد ما سلم) ]. أورد المصنف حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه ما في الروايات السابقة من حصول السجدتين بعد السلام، وأن ذلك هو الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن السهو وجد ووجد السجود له، ولكنه بعد السلام كما عرفنا. ثم كونه عليه الصلاة والسلام سجد بعد السلام يدلنا على أن السجود للزيادة يكون بعد السلام.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في السهو من طريق ضمضم بن جوس

    قوله: ( حدثنا هارون بن عبد الله ). هو هارون بن عبد الله الحمال وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. ( حدثنا هاشم بن القاسم ). ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( حدثنا عكرمة بن عمار ). صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. ( عن ضمضم بن جوس الهفاني ). وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن. ( حدثني أبي هريرة ).
    شرح حديث سجود السهو من طريق ابن عمر

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثنا أبو أسامة ، ح وحدثنا محمد بن العلاء أخبرنا أبو أسامة أخبرني عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم في الركعتين -فذكر نحو حديث ابن سيرين عن أبي هريرة - قال: ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهو مثل حديث أبي هريرة، وفي القصة، ولهذا اختصره وأحال إلى رواية أبي هريرة ، وذكر أنه سلم ثم سجد سجدتي السهو، ولم يذكر التسليم، وإنما ذكره عمران بن حصين كما سيأتي.

    تراجم رجال إسناد حديث سجود السهو من طريق ابن عمر


    قوله: ( حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت ). أحمد بن محمد بن ثابت ثقة، وحديثه أخرجه أبو داود. ( حدثنا أبي أسامة ). أبو أسامة حماد بن أسامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. (ح وحدثنا محمد بن العلاء ). هو أبو كريب محمد بن العلاء بن كريب الهمداني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( أخبرنا أبو أسامة أخبرني عبيد الله ). أبو أسامة مر ذكره، و عبيد الله هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن نافع ). هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن ابن عمر ). هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الرواية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث السهو من طريق عمران بن حصين


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع ح وحدثنا مسدد حدثنا مسلمة بن محمد قالا: حدثنا خالد الحذاء حدثنا أبو قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال: (سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم دخل -قال عن مسلمة : الحُجَر- فقام إليه رجل يقال له: الخرباق -كان طويل اليدين- فقال له: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضباً يجر رداءه، فقال: أصدق؟ قالوا: نعم، فصلى تلك الركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتيها ثم سلم) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه وهو الذي أشرت آنفاً أن فيه ذكر التسليم بعد سجود السهو، وهو الذي قال محمد بن سيرين : نبئت أن عمران بن حصين قال: (ثم سلم). وعرفنا أن رواية ابن سيرين فيها انقطاع حيث قال: نبئت، ولكن الحديث جاء متصلاً في هذه الرواية. وهذا الحديث فيه قصة سهو الرسول صلى الله عليه وسلم قبل إتمام الصلاة، إلا أن الروايات السابقة من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عمر : (أنه سلم من ركعتين، ثم أخبر فقام وصلى الركعتين الباقيتين وسلم، ثم سجد للسهو) ، وليس فيهما ذكر التسليم. أما رواية عمران بن حصين التي معنا ففيها أنه صلى ثلاث ركعات ثم سلم، وأنه خرج ودخل الحجر، وهذا يخالف ما تقدم من أنه قام إلى خشبة معروضة ووضع يديه عليها، ثم روجع فرجع إلى مقامه وصلى، وإنما فيه أنه دخل حجره صلى الله عليه وسلم، (فقال له رجل: أقصرت الصلاة؟ فخرج مغضباً يجر رداءه فقال: أصدق؟ يعني: هذا الرجل الذي هو الخرباق ، وهو ذو اليدين ، وكأن هاتين القصتين فيهما أن هذا الرجل الذي هو ذو اليدين هو الذي قال له ما قال. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الناس فصدقوا ذا اليدين ، فقام وصلى الركعة الرابعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم، وفي هذه الرواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم مشى كثيراً حيث ذهب ودخل الحجر، وأنه لما أخبر رجع وصلى الركعة الباقية وسلم، ثم سجد بعد السلام سجدتين ثم سلم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. والذي يبدو أنهما قصتان؛ لأن هذه فيها ثلاث ركعات، وتلك فيها ركعتان، وهذه فيها أنه دخل الحجر، ورواية أبي هريرة المتقدمة، وكذلك رواية ابن عمر ليس فيهما أنه ذهب إلى الحجر، ولكنه كان في المسجد. قوله: (عن مسلمة ) معناه: أن الذي ذكر دخول الحجر هو مسلمة بن محمد ولم يذكر ذلك يزيد بن زريع . وقد روى يعقوب بن إسحاق الإسفرييني هذا الحديث في مستخرجه من طريق أبي داود وبإسناده، وقال عند قوله: (قال عن مسلمة ): (قال غير مسلمة فجعل كلمة (غير) مكان (عن) وهو كما قال عند مسلم و النسائي و ابن ماجة الذين خرجوا هذا الحديث عن غير مسلمة ، فغير مسلمة هم: يزيد بن زريع ، وإسماعيل بن إبراهيم ابن علية و عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، فهؤلاء ثلاثة، اثنان منهم عند مسلم وهم ابن علية و عبد الوهاب الثقفي ، وواحد منهم عند النسائي وهو يزيد بن زريع ، وكذلك عبد الوهاب الثقفي عند ابن ماجة ، فصار هؤلاء الثلاثة وهم غير مسلمة هم الذين ذكروا أنه دخل الحُجَر. فيكون قوله (قال:غير مسلمة ) إشارة إلى يزيد بن زريع وغيره ممن ذكر دخوله الحجر، ويكون مسلمة هو الذي اقتصر على قوله: (دخل)، بخلاف ما يوهمه كلامه هنا من أن مسلمة هو الذي قال: (دخل الحجر). فعلى هذا تكون (عن) هنا مصحفة عن كلمة (غير)، كما هو واضح من وجود الحديث عند يعقوب بن إسحاق الإسفراييني من طريق أبي داود . ويؤكد لنا التصحيف أن هذه الكلمة جاءت على خلاف ما هو معهود من أبي داود ، فإنه يقول: قال فلان قال فلان، وهنا قال: (قال عن مسلمة ) فيظهر أنه أراد: قال غير مسلمة ، فتصحف.
    تراجم رجال إسناد حديث السهو من طريق عمران بن حصين

    قوله: ( حدثنا مسدد ). مسدد بن مسرهد مر ذكره. ( حدثنا يزيد بن زريع ). يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( ح: وحدثنا مسدد عن مسلمة بن محمد ). مسلمة بن محمد لين الحديث، أخرج له أبو داود . ) قالا: حدثنا خالد الحذاء ). هو خالد بن مهران الحذاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. (حدثنا أبو قلابة ). هو عبد الله بن زيد الجرمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. (عن أبي المهلب ). هو الجرمي عم أبي قلابة المتقدم، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. (عن عمران بن حصين ). هو عمران بن حصين أبو نجيد ، صحابي جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة



    حكم زيارة المدينة في رجب

    السؤال: هل زيارة المدينة النبوية في شهر رجب أفضل من غيرها من الشهور؟

    الجواب: لم يأت شيء يدل على تفضيل عمل في رجب لا في المدينة ولا في غيرها. فشهر رجب لا يخص عن الشهور بشيء؛ لأنه لم يثبت في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ثبت في رجب أنه شهر من الأشهر الحرم كذي القعدة وذي الحجة والمحرم.

    بيان ما يفعله المسبوق عند جلوس الإمام للتشهد الأخير


    السؤال: نرجو توضيح كيفية جلوس المسبوق إذا وجد الإمام في الركعة الأخيرة؟ وهل يدعو فيها بدعاء التشهد الأول أو الأخير؟


    الجواب: المسبوق إذا جاء والإمام في التشهد الأخير يجلس كجلوس الإمام وكجلوس المصلين الذين لم يسبقوا، فيجلس متوركاً كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالإمام يتورك ومن وراءه يتورك والمسبوق يتورك، ولا يعتبر نفسه أنه في التشهد الأول، بل يأتي بالتشهد ويأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ويكثر الدعاء حتى يسلم الإمام، فهو يتابع الإمام في هيئة الجلوس وفي كونه يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويتخير من الدعاء ما شاء، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس معنى ذلك أنه يجلس في التشهد يسكت، بل يفعل كما يفعل الإمام.

    حكم سلام المأموم مع سلام الإمام


    السؤال: ما حكم صلاة من يسلم مع الإمام محتجاً بما جاء في البخاري من حديث عتبان رضي الله عنه أنه قال: (صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم فسلمنا حين سلم) ؟


    الجواب: هذا الحديث لا يدل على أنه سلم معه ولا قبله، وإنما معناه أنه يتابعه، يعني: أنه حين سلم سلموا معه، وحين وجد منه السلام وجد منهم السلام. وسبق أن مر الحديث الذي ذكرنا أن له حكم الرفع، وفيه أن حدر السلام سنة، وأن المقصود من ذلك أنه لا يطول السلام حتى لا يحصل من بعض الناس بسبب التطويل أنه يوافق الإمام أو يسابق الإمام، وإنما يأتي به متوسطاً لا بسرعة شديدة ولا بتباطؤ شديد، وذلك حتى يحصل الخروج من الصلاة بدون تطويل، وحتى لا يحصل من المصلين المسابقة أو الموافقة.

    حكم ذبائح من يستغيث بالأموات

    السؤال: ما حكم الذبائح التي تباع في الأسواق والتي يقوم بذبحها من يستغيث أو يستعين بالأموات والأنبياء وأصحاب القبور؟


    الجواب: الذي عرف بأنه يستغيث بغير الله ويطلب حاجاته من الموتى، ويرجوهم ويدعوهم؛ فهذا لا تؤكل ذبيحته؛ لأن هذا شرك بالله عز وجل.

    حكم رسم خطوط في المسجد لتسوية الصفوف


    السؤال: هل يجوز جعل الخطوط على الأرض لتسوية الصفوف؟


    الجواب: الخطوط التي تلصق أو يؤتى بخيوط تمد؛ هذا ليس له أساس، لكن لو أنه وضع في الفراش الذي يحاك خطوط على هيئة الصفوف فلا بأس، وإن كان فيه تكلف.

    حكم جعل المنبر أكثر من ثلاث درجات


    السؤال: هل كون المنبر الذي له أكثر من ثلاث درجات من البدع أو أنه ليس من الأمور التعبدية؟


    الجواب: السنة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لا يكون طويلاً، لكن إذا كان أطول من ذلك يخطب عليه ولا بأس بذلك.

    الاستخلاف في الصلاة بعد السهو

    السؤال: إذا حدث لجماعة في المسجد مثل ما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حديث ذي اليدين ، فهل يجوز أن يصلي رجل غير الإمام الأول بالجماعة الركعتين اللتين سها عنهما الإمام الأول مع وجود الإمام الأول؟


    الجواب: الأصل أن الإمام الأول هو الذي يصلي وهو أولى بالصلاة، وما الذي يمنع الإمام أن يصلي بالناس ما بقي من الصلاة. نعم، إذا خرج بسرعة وتكلم الناس فيما بعد، فإنه يكمل واحد منهم، لكن ما دام الإمام موجوداً فهو أحق بالإمامة. وكما هو معلوم فإن الصلاة تصح بإمامين واحد بعد الثاني عن طريق الاستخلاف؛ لكن ما دام الإمام موجوداً فهو أحق بالإمامة من غيره.

    حكم الطلاق في الحيض

    السؤال: هل يقع الطلاق في الحيض أو لا يقع؟


    الجواب: جمهور العلماء على أنه يقع.

    حكم طلاق الحائض والحامل

    السؤال: طلق رجل زوجته طلقتين في الحيض، ثم طلقها طلقة ثالثة وهي حامل، فهل تعتبر الآن بائناً؟


    الجواب: الصحيح أن الطلاق يقع في الحيض وله المراجعة كما جاء في قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنه في تطليق زوجته وهي حائض، قال: (مره فليراجعها). فإذا طلق في الحيض ثم راجع، ثم طلق مرة ثانية في الحيض ثم راجع، ثم طلق وهي حامل فإن امرأته تبين منه؛ لأن الطلقة الثالثة هي آخر الطلقات، والطلاق في الحيض معتبر."





  2. #162
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [129]
    الحلقة (160)



    شرح سنن أبي داود [129]

    من يسر الإسلام وسماحته أنه رفع الحرج عن المسلم بسبب السهو والنسيان، ومن ذلك السهو في الصلاة، لكنه شرع ما يجبر ذلك السهو، فشرع سجدتي السهو؛ فإن أخطأ الإنسان في صلاته جبرتها، وإن كانت صلاته تامة كانتا ترغيماً للشيطان.

    باب إذا صلى خمساً


    شرح حديث ابن مسعود من طريق الحكم عن إبراهيم النخعي


    قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب إذا صلى خمساً. حدثنا حفص بن عمر و مسلم بن إبراهيم المعنى قال حفص : حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قال: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب إذا صلى خمساً، أي: من زاد في الصلاة خامسة في الصلاة الرباعية سهواً ماذا عليه؟ وأورد حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: [ (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً) ]. وهذا الحديث فيه أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم تابعوه؛ لأن الزمن زمن تشريع، فهم يخشون أن يكون زيد في الصلاة. وأما بعد زمنه صلى الله عليه وسلم فقد استقرت الأحكام، وانتهى التشريع، فإذا قام الإمام إلى خامسة فإن المأمومين يسبحون ويجلسون ولا يتابعونه؛ لأن هذه زيادة، ولا تجوز الزيادة في الصلاة، والإمام إذا سها فإنه يسبح له حتى يرجع، وإذا استمر فإن على من تحقق أن الركعة زائدة أن يجلس وينتظر حتى يسلم الإمام فيسلم معه، ولا يجوز له أن يتابعه وهو يعلم أنها زائدة. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبروه سجد سجدتين بعد أن سلم وتكلم معهم، وهذا يدلنا على أن سجود السهو يكون بعد السلام فيما إذا كان عن زيادة. وهذا الذي في حديث عبد الله بن مسعود في كون الرسول صلى الله عليه وسلم صلى خمساً وسجد بعد السلام مطابق لما جاء في حديث ذي اليدين ، الذي فيه السجود بعد السلام؛ وذلك لأنه زيد في الصلاة تسليم في وسطها، فمن أجل ذلك صار سجود السهو بعد السلام. وبعض أهل العلم يقول: إن سجود السهو كله يكون قبل السلام، وبعضهم يقول: كله يكون بعد السلام، والذي قال: يكون كله قبل السلام قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سجد بعد السلام؛ لأنه ذكر بعد السلام، فبعد أن ذكروه سجد للسهو؛ لأنه فات محله الذي هو قبل السلام. لكن لو كان الأمر كما يقول من قال هذا من أهل العلم لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الواجب هو اتباعه عليه الصلاة والسلام، وقد سجد بعد السلام، فيسجد بعد السلام فيما كان بسبب الزيادة. وعلى هذا فإن القول الصحيح في سجود السهو: أن ما جاء فيه تفصيل من أن السجود يكون فيه بعد السلام كالزيادة في الصلاة، فيكون السجود فيه بعد السلام، وما كان بسبب نقص في الصلاة مثل ترك التشهد الأول، فإنه يكون قبل السلام، كما سيأتي في حديث عبد الله بن بحينة رضي الله تعالى عنه. وسيأتي بعض المواضع التي فيها تفصيل في غير الزيادة والنقصان، وذلك فيما إذا حصل شك وبنى على الأقل، فإنه يسجد قبل السلام، وإذا حصل شك في زيادة أو نقص وبنى على غالب ظنه وتحرى الصواب، فإنه يسجد بعد السلام، كما سيأتي من حديث عبد الله بن مسعود في بعض الطرق في هذا الباب الذي معنا.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود من طريق الحكم عن إبراهيم النخعي


    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ و مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى ]. أي أن هذين الشيخين ليست روايتهما متفقة لفظاً ومعنى، وإنما هي متفقة بالمعنى مع الاختلاف في بعض الألفاظ. [ قال حفص : حدثنا شعبة ]. أي: أنه ساقه على لفظ حفص، وهو شيخه الأول، وهذه إحدى الطرق التي يبين بها أبو داود من له اللفظ؛ لأنه قد يقول: وهذا لفظ فلان، أو: وهذا لفظه. وأحياناً قد يبين ذلك بالطريقة التي ذكرها هنا. [ حدثنا شعبة ]. شعبة هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم ]. هو ابن عتيبة الكندي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي أكثر من الرواية عن علقمة ، وكذلك عن الأسود ، وحيث جاء إبراهيم مهملاً غير منسوب وهو يروي عن علقمة أو عن الأسود ، فإن المقصود به إبراهيم النخعي . وسيأتي في هذا الباب رواية إبراهيم بن سويد عن علقمة عن ابن مسعود ، وقد احتيج إلى أن ينص عليه؛ لأنه مُقل من الرواية عن علقمة ، بل لم يرو عن علقمة في الكتب الستة إلا حديثاً واحداً، وأما إبراهيم بن يزيد فهو الذي روى عنه الشيء الكثير؛ ولهذا يأتي مهملاً غير منسوب؛ لأن الذهن ينصرف إليه. و إبراهيم النخعي هذا هو الذي نقل عنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في كتاب التوحيد قال: قال إبراهيم : كانوا يضربوننا على اليمين والعهد ونحن صغار. يعني: أنهم كانوا يعظمون في نفوسهم اليمين والعهد حتى لا يتساهلوا ويتهاونوا فيهما. وذكر ابن القيم في زاد المعاد عند حديث الذباب أن أول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه) هو إبراهيم النخعي ، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده.

    شرح حديث ابن مسعود من طريق منصور عن إبراهيم النخعي


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: قال عبد الله رضي الله عنه: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال إبراهيم : فلا أدري زاد أم نقص- فلما سلم قيل له: يا رسول الله! أحدث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجله واستقبل القبلة فسجد بهم سجدتين ثم سلم، فلما انفتل أقبل علينا بوجهه صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لو حدث في الصلاة شىء أنبأتكم به؛ ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وقال: إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من طريق أخرى وفيه أنه صلى بهم فزاد أو نقص، وهذا شك من إبراهيم ، لكن الرواية السابقة ليس فيها شك، وإنما هي جزم بالزيادة. وفي الرواية السابقة أنه سجد بعد السلام، وهنا أرشدهم عليه الصلاة والسلام إلى أنه إذا وجد من أحدهم شك فإنه يتحرى الصواب، فيتم الصلاة عليه، ثم بعد ذلك يسلم، ثم يأتي بعد ذلك بالسجدتين ويسلم. فهذا الحديث فيه ذكر الشك، والحديث الذي قبله ليس فيه ذكر الشك، فيكون الذي فيه عدم ذكر الشك هو الأولى. قوله: [ (لو حدث شيء لأنبأتكم به) ]. أي: لو حصل زيادة ونسخ وتغيير في الحكم الشرعي وفي أعداد الركعات في الصلوات لأنبأتكم به. قوله: [ (ثم ثنى رجله واستقبل القبلة فسجد بهم سجدتين) ]. أي: بعد السلام، ثم سلم بعد هاتين السجدتين. قوله: [ (فلما انفتل أقبل علينا بوجهه صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني) ]. أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سجد سجدتي السهو بعد أن ذكروا له ما ذكروا، انصرف إليهم وأقبل عليهم بعد ذلك وقال: [ (لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، وإنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني) ] وقد مر أن الرسل عليهم الصلاة والسلام يحصل لهم النسيان في العبادات وفي الأعمال، لكنهم لا يقرون على ذلك. وقوله: [ (فإذا نسيت فذكروني) ]. التذكير يكون بالتسبيح كما تقدم في الأحاديث أنه يسبح الرجال وتصفق النساء. قوله: [ (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين) ]. أي: عليه أن يتحرى الصواب سواء كان هو العدد الأكبر أو الأقل. والحديث فيه بيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سجود السهو يكون بعد السلام إذا حصل شك وتحرى المصلي الصواب فبنى على غالب ظنه.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود من طريق منصور عن إبراهيم النخعي


    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي، ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جرير ]. جرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ]. هؤلاء مر ذكرهم جميعاً.

    شرح حديث ابن مسعود من طريق الأعمش عن إبراهيم النخعي


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه بهذا قال: (فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين، ثم تحول فسجد سجدتين). قال أبو داود : رواه حصين نحو حديث الأعمش ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه إشارة إلى بعض الفروق، وأنه تحول وسجد، وقد مر ذلك، إلا أن الألفاظ تختلف؛ فإنه هنا قال: [ (ثم تحول فسجد سجدتين) ]. [ قال أبو داود : رواه حصين نحو حديث الأعمش ]. يعني: حصين بن عبد الرحمن السلمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود من طريق الأعمش عن إبراهيم النخعي


    قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله ]. هو محمد بن عبد الله بن نمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ]. هؤلاء قد مر ذكرهم.

    شرح حديث ابن مسعود من طريق إبراهيم بن سويد عن علقمة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا جرير ح وحدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير وهذا حديث يوسف عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد عن علقمة قال: قال عبد الله رضي الله عنه: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً، فلما انفتل توشوش القوم بينهم، فقال: ماشأنكم؟ قالوا: يا رسول الله! هل زيد في الصلاة؟ قال: لا. قالوا: فإنك قد صليت خمساً، فانفتل فسجد سجدتين، ثم سلم، ثم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه من طريق إبراهيم بن سويد عن علقمة ، وهو موافق لبعض روايات إبراهيم النخعي إلا في بعض الألفاظ. قوله: [ (فلما انفتل توشوش القوم) ]. أي: صار بعضهم يتكلم مع بعض خفية. قوله: [ (فانفتل فسجد) ]. أي: رجع إلى الحالة التي كان عليها قبل أن ينصرف إليهم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود من طريق إبراهيم بن سويد عن علقمة

    قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا جرير ]. هو ابن عبد الحميد، وقد مر ذكره. [ ح وحدثنا يوسف بن موسى ]. يوسف بن موسى صدوق أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. هو ابن عبد الحميد . [ وهذا حديث يوسف ]. أي: شيخه يوسف بن موسى . [ عن الحسن بن عبيد الله ]. الحسن بن عبيد الله ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن إبراهيم بن سويد ]. هو إبراهيم بن سويد النخعي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. وقد ذكرت أنه حيث جاء إبراهيم عن علقمة النخعي مهملاً غير منسوب فالمراد به إبراهيم بن يزيد ، فإذا أريد غيره فإنه ينسب لقلة روايته، وإبراهيم بن سويد ليس له رواية في الكتب الستة عن علقمة إلا هذا الحديث الواحد، أما إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي فله أحاديث كثيرة جداً، يرويها عن علقمة كما هو موجود في تحفة الأشراف. [ عن علقمة عن عبد الله ]. علقمة وعبد الله مر ذكرهما.

    شرح حديث: (أن رسول الله صلى يوماً فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث -يعني ابن سعد - عن يزيد بن أبي حبيب أن سويد بن قيس أخبره عن معاوية بن حديج رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوماً فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة، فأدركه رجل فقال: نسيت من الصلاة ركعة! فرجع فدخل المسجد وأمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى للناس ركعة فأخبرت بذلك الناس فقالوا لي: أتعرف الرجل؟ قلت: لا، إلا أن أراه، فمر بي فقلت: هذا هو، فقالوا: هذا طلحة بن عبيد الله) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث معاوية بن حديج ، مصغراً، وهو بالحاء المهملة، وليس بالخاء، وليس فيه ذكر السجود، ولكن سجود السهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يكون الحديث فيه اختصار. وهذا الحديث مثل حديث عمران بن حصين الذي هو آخر حديث في الباب السابق، إلا أن هذا فيه أنه أمر بلالاً فأقام، وفي حديث عمران أنه دخل بدون إقامة، وهذا يدل على حصول الإقامة من بلال بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث عمران يدل على عدمها. فالإتيان بها سائغ كما أتى في هذا الحديث، وعدم الإتيان بها سائغ كما جاء في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. والإتيان بالإقامة هو ذكر لله عز وجل، فهو ليس كلاماً خارجاً عن الصلاة، أو عما هو مطلوب في الصلاة، ثم أيضاً لعل الإقامة حصلت لأجل تنبيه الناس الذين ما كان عندهم تنبه لذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى يوماً فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة...)

    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث يعني ابن سعد ]. الليث بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن سويد بن قيس ]. سويد بن قيس ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن معاوية بن حديج ]. معاوية بن حديج رضي الله عنه صحابي صغير، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .

    باب إذا شك في الثنتين والثلاث من قال: يلقي الشك



    شرح حديث أبي سعيد: (إذا شك أحدكم في صلاته ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا شك في الثنتين والثلاث من قال: يلقي الشك. حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو خالد عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان، وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماماً لصلاته وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان). قال أبو داود : رواه هشام بن سعد و محمد بن مطرف عن زيد عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي خالد أشبع ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب من شك في الثنتين والثلاث من قال: يلقي الشك. ومعناه: أنه يلقي الشيء الذي شك في زيادته ويبني على اليقين الذي هو العدد الأقل، فإذا شك هل صلى ثنتين أو ثلاثاً كان الشك في الثالثة، وأما الاثنتان فهما متحققتان، فهنا يلغي الثالثة، ويبني على العدد الأقل؛ لأنه المتيقن، هذا هو المقصود من الترجمة. والسجود فيما كان من هذا القبيل هو قبل السلام. قوله: [ (فإذا استيقن التمام) ]. أي: أتى بالصلاة وأكملها بناءً على أنه ترك الشك الذي هو الثالثة مثلاً، وبنى على المتيقن الذي هو ركعتان، فأتى بركعتين كمل بهما الأربع. قوله: [ (فإذا استيقن التمام سجد السجدتين) ]. أي: سجد سجدتين قبل أن يسلم. قوله: [ (فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان) ]. أي: إذا تبين أو احتمل أن الشك الذي ألقاه كان قد أتى به فتكون الركعة خامسة؛ فهذه الخامسة تكون نافلة إن كان الأمر كذلك، وكذلك السجدتان تكونان نافلة؛ لأن السجدتان زائدتان والركعة زائدة. قوله: [ (وإن كانت ناقصة) ]. يعني: على اعتبار أنها ثنتان، فتكون السجدتان مرغمتين للشيطان؛ لأن الإنسان أتى بصلاته وليس فيها زيادة، إلا هاتان السجدتان، فيكون فيهما إرغام للشيطان، أي: إذلال له؛ لأنه مأخوذ من الرغام وهو التراب، ويقال: أرغم الله أنفه، أي: ألصقه بالتراب. ووجه إرغام الشيطان: أن الصلاة حصلت على ما هي عليه ليس فيها زيادة.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد: (إذا شك أحدكم في صلاته ...)
    قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والإمام أبو داود رحمه الله يذكره باسمه كثيراً، والإمام مسلم رحمه الله يذكره بكنيته. [ حدثنا أبو خالد ]. هو أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. هو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : رواه هشام بن سعد و محمد بن مطرف عن زيد عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. هذه الطريق فيها متابعة لمن تقدم. وقوله: [ رواه هشام بن سعد ]. هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و محمد بن مطرف ]. محمد بن مطرف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ]. هؤلاء قد مر ذكرهم. وقوله: [ وحديث أبي خالد أشبع ]. يعني: أتم.

    شرح حديث: (أن النبي سمى سجدتي السهو المرغمتين)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة أخبرنا الفضل بن موسى عن عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى سجدتي السهو المرغمتين) ]. أورد المصنف هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى سجدتي السهو المرغمتين) ]. وقد مر ذكر إطلاق الرسول صلى الله عليه وسلم عليهما بأنهما مرغمتان في الحديث السابق، وهذا من ابن عباس رضي الله عنه فيه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهما المرغمتين، أي: المرغمتين للشيطان؛ لأن الصلاة تمت والشك لا يترتب عليه إلا حصول هاتين السجدتين، وفيهما إرغام للشيطان؛ لأنه سجود لله عز وجل بسبب هذا الشك الذي لم يكن له حقيقة في الواقع، والشيطان قد أمر بالسجود فامتنع.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي سمى سجدتي السهو المرغمتين)

    قوله: [ حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ]. محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أخبرنا الفضل بن موسى ]. الفضل بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن كيسان ]. عبد الله بن كيسان صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود . [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى: ثلاثاً أو أربعاً، فليصل ركعة وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث مرسلاً عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر أبا سعيد ؛ لكنه وإن كان مرسلاً إلا أن الصحابي معروف في الرواية الأخرى التي جاءت تسميته فيها وهو أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه. وهو مثلما تقدم في متنه. وقوله: [ (إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى ثلاثاً أو أربعاً، فليصل ركعة وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم) ]، أي: أنه يبني على اليقين، ويعتبرها اثنتين، ويسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، فهذا فيه بيان أن السجود يكون قبل التسليم، فيما إذا كان سببه الشك، ثم البناء على اليقين الذي هو العدد الأقل. قوله: [ (فإن كانت الركعة التي صلاها خامسة شفعها بهاتين) ]. أي: السجدتين، فهما تضافان إليها، وكأنها لما كانت خامسة فأضيف إليها سجدتان صارت صلاة مشفوعة وليست وتراً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى...)

    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ]. قد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فإن استيقن ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاري عن زيد بن أسلم بإسناد مالك قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فإن استيقن أن قد صلى ثلاثاً فليقم فليتم ركعة بسجودها، ثم يجلس فيتشهد، فإذا فرغ فلم يبق إلا أن يسلم فليسجد سجدتين وهو جالس، ثم ليسلم)، ثم ذكر معنى مالك . قال أبو داود : وكذلك رواه ابن وهب عن مالك و حفص بن ميسرة و داود بن قيس و هشام بن سعد إلا أن هشاماً بلغ به أبا سعيد الخدري ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد من هذه الطريق الأخرى، وقال: إنها مثل إسناد مالك ، ومعنى هذا أنها تكون مرسلة؛ لأنها عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه ذكر أبي سعيد الخدري . ثم إنه ذكر أن جماعة رووه أيضاً كما روي من هذه الطريق، ليس فيه عن أحد ذكر أبي سعيد الخدري إلا عن واحد من هؤلاء الذين رووه وهو هشام بن سعد؛ فإنه بلغ به إلى أبي سعيد الخدري ، ومعنى هذا أنه يكون متصلاً. لكن المتصل وغير المتصل كل منهما لا بأس به؛ لأن الاتصال ثابت، والإرسال منتفٍ لوجود ومعرفة الصحابي الساقط بين عطاء بن يسار وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسقوط الصحابي لا يؤثر، وإنما المحذور في المرسل ألا يعرف الساقط هل هو صحابي أو تابعي، ثم إذا كان تابعياً: هل هو ثقة أو غير ثقة؟ أما لو عرف أنه ما سقط إلا الصحابي فإن سقوط الصحابي لا يؤثر، وهذه الطرق التي فيها سقوط الصحابي جاء في بعض الطرق إثباته، وهو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه. فيكون الحديث متصلاً بذلك. قوله: [ (إذا شك أحدكم في صلاته فإن استيقن أن قد صلى ثلاثاً فليقم فليتم ركعة بسجودها ثم يجلس فيتشهد)]. معناه: أنه يبني على اليقين، فإذا تحقق بأنه صلى ثلاثاً وإنما الشك في الرابعة، فإنه يقوم ويأتي برابعة ويقطع الشك باليقين، ثم يتشهد ويسجد سجدتين قبل أن يسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فإن استيقن ...)

    قوله: [ حدثنا قتيبة ]. قتيبة هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاري ]. يعقوب بن عبد الرحمن القاري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ بإسناد مالك ]. يعني: عن زيد بن أسلم عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإسناد مالك هو الذي تقدم قبل هذا، وفيه: أن مالكاً عن زيد بن أسلم روى الحديث عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وهذا مثله مرسل، لكن الإرسال لا يؤثر؛ لأن الساقط صحابي وهو أبو سعيد ، وقد عرف بالطرق الأخرى. [ قال أبو داود : وكذلك رواه ابن وهب عن مالك و حفص بن ميسرة و داود بن قيس و هشام بن سعد ، إلا أن هشاماً بلغ به أبا سعيد الخدري ]. هؤلاء كلهم ذكروه على الإرسال مثلما جاء عن مالك ، إلا أن هشام بن سعد ذكر المحذوف الذي هو أبو سعيد كما سبق. و ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وحفص بن ميسرة ثقة ربما وهم، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود في المراسيل و النسائي و ابن ماجة . والحافظ قال: أخرج له أبو داود في المراسيل، مع أنه موجود في السنن، لكنه لم يأت في الأسانيد المتصلة، وإنما جاء في التعاليق، ومن المعلوم أن الذين يذكرون في رجال أبي داود هم الذين يأتون بالأسانيد المتصلة، ولهذا قال في هذا الرجل الذي ذكره أبو داود هنا: روى له أبو داود في المراسيل، ولم يذكر روايته في السنن؛ لأنه لم يرو عنه، وإنما ذكره في التعاليق. و داود بن قيس ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. و هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.

    الأسئلة



    ما يفعله المأموم إذا قام الإمام إلى خامسة

    السؤال: ماذا يفعل المسبوق إذا قام الإمام إلى الركعة الخامسة؟

    الجواب: إذا كان يعلم أنها خامسة فلا يوافقه فيها؛ لأن هذا شيء زائد، وأما إذا كان لا يعلم شيئاً فهو معذور.


    موضع سجود السهو للمسبوق


    السؤال: هل المسبوق يسجد سجدتي السهو مع الإمام أم يسجدها بعد إتمام صلاته؟


    الجواب: إذا كان سجود السهو قبل السلام فإنه يسجد مع الإمام؛ لأنه لا يخرج عن الإمام إلا بعد السلام، وإن كان سجود السهو بعد السلام فقد اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: إذا قام المسبوق ثم سجد الإمام فإنه يرجع ليسجد معه ثم يقوم، ومنهم من قال: لا يرجع ولكنه يستمر، وعند انتهائه من صلاته يسجد للسهو.


    حكم صلاة ركعتي الفجر بعد الفريضة


    السؤال: هل يجوز صلاة ركعتي الفجر بعد الصبح، مع العلم أن الوقت وقت كراهة؟


    الجواب: ورد في الحديث ما يدل على ذلك، وأنها مستثناة من المنع، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي، فلما سأله وأخبره بذلك أقره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه على ذلك، فيجوز للإنسان إذا فاتته ركعتا الفجر أن يصليهما بعد الصلاة، وله أن يصليهما في الضحى، لكن صلاته بعد الصلاة سائغة وجائزة، وقد جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى عليه وسلم.


    الحكم على حديث النهي عن التفكر في ذات الله


    السؤال: (تفكروا في مخلوقات الله ولا تتفكروا في ذات الله)هل هذا الحديث صحيح؟


    الجواب: الذي أعرفه أنه ليس بصحيح، وقد ذكره شارح الطحاوية عن بعض العلماء.


    الحكم على حديث: (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم)

    السؤال: ما درجة حديث: (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم)؟

    الجواب: لا أعلم أن هذا حديث.

    حكم الاغتسال للإحرام والتهيؤ له من قبل الميقات

    السؤال: أنا مسافر غداً إن شاء الله لأداء مناسك العمرة، فهل يجوز لي أن ألبس ملابس الإحرام وأغتسل للإحرام في الفندق؟


    الجواب: لا بأس، فكون الإنسان يغتسل ويتهيأ ويلبس إزاره ورداءه، فإذا جاء إلى الميقات فإنه ينزل ويصلي فيه إن أراد ويحرم، وإلا فإنه إذا حاذى المسجد والسيارة ماشية في الطريق فإنه ينوي ويلبي.


    إذا شك الإمام في الفاتحة في ركعة فقام إلى خامسة


    السؤال: إذا كان الرجل يصلي بالقوم، وأثناء الركعة الثانية شك هل قرأ الفاتحة في الأولى أو لا، فقام بعد الرابعة للإتيان بالركعة الناقصة، فهل يتابعه المأمومون؛ علماً بأن الصلاة سرية؟


    الجواب: إذا كان عنده وسواس فإنه يطرح الوسواس، وأما إذا تيقن أنه لم يقرأ الفاتحة فعليه أن يأتي بركعة، والمأمومون معلوم لا يعلمون الواقع؛ فهي زائدة، فلا يتابعوه. ثم هذا في الإمام الذي تحقق بأنه قد نسي، أما إذا كان مجرد شك أو وسواس، فإنه يطرحه ولا يلتفت إليه.


    حكم الغياب عن الزوجة خمس سنوات


    السؤال: زوجتي في باكستان وأنا مقيم في السعودية منذ خمس سنوات، فهل هذا العمل جائز؟


    الجواب: الذي ينبغي للإنسان ألا يغيب مثل هذه الغيبة الطويلة، وإذا احتاج الأمر إلى ذلك فإنه يكون عن تفاهم بينه وبينها على هذا الشيء.


    حكم الجهر للمسبوق


    السؤال: إذا سبقت بركعة في صلاة الفجر أو العشاء، فهل أجهر في الركعة الثانية بعد سلام الإمام؟


    الجواب: ما يقضيه المسبوق هو آخر صلاته وليس أولها، فإذا كان مسبوقاً بركعتين فقد بقي عليه ركعتان هما آخر صلاته، وآخر الصلاة ليس فيه جهر، وأما إذا كان مسبوقاً بثلاث ركعات، فالأولى منها محل جهر، فإذا كان يتأذى بجهره أحد فلا يجهر، وإذا كان لا يتأذى بجهره أحد فإنه يجهر في الركعة الأولى التي يقضيها وهي ثانية، بالإضافة إلى الركعة التي أدركها مع الإمام.


    حكم تكرار العمرة من التنعيم


    السؤال: ما حكم تكرار العمرة لمن ليس من أهل مكة، مع العلم أن العمرة الثانية عن شخص متوفى وفي نفس اليوم؟


    الجواب: تكرار العمرة من التنعيم لم يأت دليل يدل عليه إلا ما جاء في قصة عائشة ، وكان بسبب ظرف خاص حصل لها، ولكن يمكن تكرار العمرة إذا سافر المرء إلى المدينة ثم رجع إلى مكة مرة أخرى؛ لأن هذه عمرة مشروعة؛ لأنه أحرم من الميقات. والله أعلم."


  3. #163
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [130]
    الحلقة (161)





    شرح سنن أبي داود [130]

    قد يعرض الشيطان للمرء في صلاته فيلبسها عليه، وحينئذ يظن الزيادة في صلاته أو النقص، ويشك فيها، وقد يترك التشهد الأول فيقوم إلى الثالثة ناسياً له، ولكل ذلك أحكام تتعلق به، ومن هذه الأحكام أن يبني على أكبر ظنه من حيث الزيادة والنقص عند بعض العلماء، ثم يسجد للسهو، ومن تلك الأحكام بيان موضع سجود السهو بالنسبة للسلام، وبيان ما يفعله القائم من ثنتين بغير تشهد، وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالصلاة.
    من قال يتم على أكبر ظنه إذا شك في الصلاة


    شرح حديث ابن مسعود في أن الشاك يبني على ظنه


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من قال يتم على أكبر ظنه. حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن خصيف عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث أو أربع، وأكبر ظنك على أربع، تشهدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس قبل أن تسلم، ثم تشهدت أيضا ثم تسلم). قال أبو داود : رواه عبد الواحد عن خصيف ولم يرفعه، ووافق عبد الواحد أيضا سفيان و شريك و إسرائيل ، واختلفوا في الكلام في متن الحديث ولم يسندوه ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي قوله: [ باب: من قال يتم على أكبر ظنه ]. يعني: إذا شك في ثنتين أو ثلاث، فهذه الترجمة كالترجمة السابقة، إلا أنه هناك إذا شك في ثنتين أو ثلاث يلقي الشك ويبني على الأقل الذي هو المتيقن، وهنا يقول: إذا شك في ثنتين أو ثلاث يتم على أكبر ظنه، فإذا كان أكبر ظنه أنها ثلاث فإنه يعتبرها ثلاثاً، ولا يبني على اليقين وهو العدد الأقل، بل يبني على أكبر ظنه وإن كان العدد الأكبر، هذا هو المقصود من هذه الترجمة. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قوله: [ (إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث أو أربع وأكبر ظنك على أربع) ]. أي: شككت في ثلاث أو أربع، فالعدد الأقل ثلاث والعدد الأكبر أربع، لكن أكبر ظنك أنها أربع، فإنك تبني على أكبر ظنك الذي هو العدد الأكبر، ولا تبني على العدد الأقل. قوله: [ (تشهدت) ]. معناه أنك تجلس للتشهد، لأنك بنيت على أكبر ظنك أنها أربع فجلست بعد الرابعة للتشهد. قوله: [ (وسجدت سجدتين قبل أن تسلم، ثم تشهدت أيضاً، ثم تسلم) ] معنى هذا أن السجود يكون قبل السلام، ويكون هناك تشهدان، ولعل التشهد الثاني إنما هو للسجدتين، هذا هو الذي يظهر من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. والحديث غير صحيح؛ لأن فيه انقطاعاً، وأيضاً فيه ضعف من جهة أحد رواته الذي هو خصيف الجزري ، والانقطاع المذكور سببه أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه، فيكون هذا الذي جاء في هذا الحديث غير حجة. لكن يمكن أن يدخل تحت هذه الترجمة حديث ابن مسعود الذي سبق أن مر في باب من صلى خمساً، وأنه قال: (فليتحر الصواب، ثم يسجد للسهو بعد السلام)، فهو الذي ينطبق على البناء على غالب الظن، لأنه يتحرى الصواب في ذلك ويبني عليه، ويكون سجوده بعد السلام.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في أن الشاك يبني على ظنه


    قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو الباهلي الحراني ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. وإذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود فهو الحراني ، وإذا جاء في طبقة شيوخه محمد بن سلمة فهو المصري . [ عن خصيف ]. هو خصيف بن عبد الرحمن الجزري ، وهو صدوق سيء الحفظ اختلط بآخره، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي عبيدة بن عبد الله ]. هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال أبو داود : رواه عبد الواحد عن خصيف ولم يرفعه ]. عبد الواحد هو ابن زياد، والمعنى أنه وقفه على ابن مسعود ولم يذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله. قوله: [ ووافق عبد الواحد أيضاً سفيان و شريك و إسرائيل ]. أي: ووافق عبد الواحد في كونه لم يرفعه وأنه موقوف على ابن مسعود هؤلاء الثلاثة. و سفيان هو الثوري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و شريك هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وتغير حفظه لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. وإسرائيل هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ واختلفوا في الكلام في متن الحديث ولم يسندوه ]. أي أن ألفاظهم مختلفة في متن الحديث فليسوا متفقين في ألفاظه، لم يسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنهم وقفوه على ابن مسعود ؛ لأن هؤلاء كلفهم وافقوا عبد الواحد في كونه لم يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون على هذا من كلام ابن مسعود .

    شرح حديث (إذا صلى أحدكم فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو قاعد)


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثنا عياض ، ح: وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى عن هلال بن عياض عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فلم يدر زاد أم نقص، فليسجد سجدتين وهو قاعد، فإذا أتاه الشيطان فقال: إنك قد أحدثت فليقل: كذبت. إلا ما وجد ريحا بأنفه أو صوتا بأذنه)، وهذا لفظ حديث أبان ]. قوله: [ (فإذا أتاه الشيطان فقال: إنك قد أحدثت فليقل: كذبت. إلا ما وجد ريحاً بأنفه أو صوتاً بأذنه) ]. وسبق أن هذا المعنى جاء في حديث متفق على صحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن محل الشاهد من إيراد الحديث هنا هو ما جاء في أوله، من جهة أنه إذا شك في صلاته وشك هل زاد أو نقص، فإنه يسجد سجدتين قبل أن يسلم.


    تراجم رجال إسناد حديث (إذا صلى أحدكم فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو قاعد)


    قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المشهور بابن علية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عياض ]. قيل: هو عياض بن هلال ، وقيل: هلال بن عياض ، وهو الذي سيأتي في الطريق الثانية باسم هلال بن عياض ، وسيأتي أيضاً ذكر أنه هلال بن أبي زهير ، فهو شخص واحد، وهو مجهول، أخرج حديثه أصحاب السنن. [ ح: وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. هو ابن يزيد العطار ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يحيى عن هلال بن عياض ]. يحيى هو ابن أبي كثير الذي جاء منسوباً في الطريق السابقة. و هلال بن عياض هو عياض الذي ذكره وقال: عياض بن هلال ويقال: هلال بن عياض ويقال: هلال بن أبي زهير، وهو شخص واحد. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ وهذا لفظ حديث أبان ] قد عرفنا من صنيع أبي داود رحمه الله أنه أحياناً يذكر من له اللفظ في أول الكلام، وأحياناً لا يذكره إلا بعد نهاية الحديث، كما في هذا الحديث، حيث قال بعد نهايته: [ وهذا لفظ حديث أبان ] أي: أبان بن يزيد العطار . قوله: [ قال أبو داود : وقال معمر و علي بن المبارك : عياض بن هلال ، وقال الأوزاعي : عياض بن أبي زهير ]. أي أنَّ الأوزاعي ذكر اسمه عياضاً ، وذكر أباه مكنى، فهو مثل الذين قبله، إلا أن الذين قبله ذكروا اسمه عياضاً ونسبوه إلى أبيه فقالوا: ابن هلال ، وهو ذلك الشخص المجهول الذي لم يرو عنه إلا يحيى بن أبي كثير اليمامي . و معمر هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و علي بن المبارك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، فقيه الشام ومحدثها، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه..)

    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس) ]. أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله، لكن هذا -كما عرفنا- مبني على أنه إما بنى على اليقين وهو العدد الأقل وأكمل ما بقي، أو أنه بنى على غالب ظنه. قوله: [ (فليسجد سجدتين وهو جالس) ]. معناه: قبل السلام كما سيأتي.

    تراجم رجال إسناد حديث (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه..)


    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال أبو داود : وكذا رواه ابن عيينة و معمر و الليث ]. ابن عيينة هو سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و معمر مر ذكره. و الليث هو ابن سعد المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.


    إسناد آخر لحديث (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان ..) وذكر زيادته وتراجم رجاله


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب حدثنا يعقوب حدثنا ابن أخي الزهري عن محمد بن مسلم بهذا الحديث بإسناده، زاد: (وهو جالس قبل التسليم) ]. هذا فيه زيادة، وهو بيان أن ذلك قبل التسليم. قوله: [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب ]. حجاج بن أبي يعقوب ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا يعقوب ]. يعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أخي الزهري ]. هو محمد بن عبد الله بن مسلم ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن مسلم ]. محمد بن مسلم هو الزهري ، ذكر هنا باسمه، وغالباً ما يذكر بنسبته الزهري نسبة إلى جده زهرة بن كلاب الجد الأعلى، أو إلى ابن شهاب وهو أحد أجداده.

    إسناد آخر لحديث (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان ...) وتراجم رجاله


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا حجاج حدثنا يعقوب أخبرنا أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن مسلم الزهري بإسناده ومعناه قال: (فليسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم ليسلم) ]. هذا فيه توضيح أن سجود السهو يكون قبل السلام كالراوية السابقة التي قال فيها: (وهو جالس قبل أن يسلم). قوله: [ حدثنا حجاج عن يعقوب ]. مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا. [ أخبرنا أبي ]. هنا رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن مسلم الزهري ]. قد مر ذكره. وهذه الأحاديث التي معنا ما فيها إلا أنه يسجد للسهو قبل السلام، وكأن في ذكره للسجود قبل السلام إشارة إلى أنه يبني على الأقل، والتنصيص على غالب الظن ما جاء إلا في الحديث الأول الذي هو غير صحيح، وحديث ابن مسعود الذي فيه انقطاع وفيه ضعف مع الانقطاع. وهذا الباب الذي هو قوله: [ يبني على غالب ظنه ] سبق أن مر أنه يطابقه حديث صحيح عن عبد الله بن مسعود .

    من قال بعد التسليم


    شرح حديث (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من قال بعد التسليم. حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن مسافع أن مصعب بن شيبة أخبره عن عتبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [ باب: من قال بعد التسليم ] يعني أنه إذا حصل شك في الصلاة يكون السجود بعد التسليم؛ لأن الأحاديث التي مرت ذكرت أنه يكون سجود السهو قبل التسليم، فهنا ذكر من قال بعد التسليم. وقد عرفنا فيما مضى أن بعض أهل العلم قال: إن سجود السهو كله بعد السلام، وهذا قال به الحنفية، ومنهم من قال: كله قبل السلام، وهذا قال به الشافعية، ومنهم من قال: إذا كان عن نقص فقبل السلام وإذا كان عن زيادة فبعد السلام، وهذا قال به المالكية. وهناك قول آخر: وهو أنه إذا كان عن نقص أو شك وبنى على الأقل فإنه يكون قبل السلام، وإذا كان لزيادة أو لشك وبنى على غالب الظن يكون بعد السلام، وهذا هو الذي قال به الإمام أحمد بناء على الأحاديث التي وردت في ذلك. وقال: إن ما كان من هذا القبيل الذي هو بعد السلام فإنه يحمل على ما كان قبل السلام؛ لأن الأصل أنه يكون قبل السلام، ولا يصار إلى ما بعد السلام إلا في حدود ما ورد، وقد ورد في موضعين اثنين: أحدهما في الزيادة، والثاني: إذا شك وبنى على غالب ظنه ولم يبن على العدد الأقل. فالحديث الذي أورده أبو داود هنا -وهو حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه- معناه أنه يكون سجود السهو بعد السلام، لكن الحديث غير صحيح وغير ثابت، والذي ينبغي أن يصار إليه هو ما دلت عليه الأدلة من أن ما جاء أنه يسجد له قبل السلام فذاك، وما جاء أنه بعد السلام فذاك، وما لم يأت فيه شيء فإنه يكون قبل السلام.

    تراجم رجال إسناد حديث (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم الدورقي ، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا حجاج ]. حجاج هو ابن محمد المصيصي الأعور ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عبد الله بن مسافع ]. هذا لم يذكر عنه في التقريب شيئاً، ولا في ترجمته في تهذيب التهذيب، روى له أبو داود و النسائي، وهذا الراوي يمكن أن يقال عنه: مجهول الحال؛ لأن الذي لم يرد فيه جرح ولا تعديل يقال له: مجهول الحال، أما مجهول العين فهو الذي لم يرو عنه إلا واحد. [ أن مصعب بن شيبة أخبره ]. مصعب بن شيبة لين الحديث، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عتبة بن محمد بن الحارث ]. هو عتبة بن محمد بن الحارث بن عبد المطلب ، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن جعفر ]. هو عبد الله بن جعفر رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. فهذا الحديث فيه مصعب بن شيبة وهو لين الحديث، وفيه عتبة بن محمد بن الحارث بن عبد المطلب وهو مقبول. ومعنى هذا أن الحديث لا يكون حجة على أن سجود السهو يكون بعد السلام فيما إذا حصل شك؛ لأن الأحاديث التي مرت وهي كثيرة تدل على أن سجود السهو في حال الشك يكون قبل السلام، ولكن يستثنى من ذلك ما إذا شك وبنى على غالب الظن فإنه يسجد بعد السلام.

    خلاصة مذاهب العلماء في موضع سجود السهو

    وخلاصة مذاهب العلماء في محل سجود السهو أن الحنيفة قالوا: كله بعد السلام، والشافعية قالوا: كله قبل السلام، والمالكية قالوا: ما كان عن نقص فهو قبل السلام وما كان عن زيادة فهو بعد السلام، والحنابلة قالوا مثلما قال المالكية؛ إلا أنهم زادوا أنه إذا بنى على العدد الأقل فإنه يكون قبل السلام، وإذا بنى على غالب الظن يكون بعد السلام. واعلم أنهم متفقون على أنه يجوز قبل السلام وبعده؛ لكن الخلاف في الأفضل.

    من قام من ثنتين ولم يتشهد


    شرح حديث (من قام من ثنتين ولم يتشهد...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من قام من ثنتين ولم يتشهد. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه أنه قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه، فلما قضى صلاته وانتظرنا التسليم كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، ثم سلم -صلى الله عليه وسلم-) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب: من قام من ثنتين ولم يتشهد. أي: إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية فقام الإمام ولم يجلس في التشهد الأول، فحكم ذلك أنه يسجد للسهو قبل السلام، كما جاء ذلك في حديث الباب. قوله: [ (فقام الناس معه) ] معلوم أنهم كانوا في زمن التشريع، ولذا قاموا معه ولكنه قبل السلام سجد السجدتين، فدل هذا على أن التشهد الأول إذا ترك فإن المصلي يسجد سجدتين قبل أن يسلم، وهاتان السجدتان هما مكان ما ترك من السجود كما سيأتي؛ لأنهما جبر كما سيأتي في بعض الروايات. والحديث يدل على أن السجود بسبب النقص يكون قبل السلام، لأن هذا مثاله الواضح الجلي، فإن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه ذكر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الثنتين ولم يتشهد وسجد قبل السلام. وفيه -أيضاً- دليل على أنه إذا تكرر الشيء المتروك بسبب السهو فإنه لا يكرر له السجود؛ لأنه قد ترك شيئين هنا، وهما الجلوس والتشهد؛ لأنه لو جلس للتشهد ولكنه نسي أن يتشهد فإنه يسجد -أيضاً- قبل السلام.


    تراجم رجال إسناد حديث (من قام من ثنتين ولم يتشهد...)


    قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب ]. مر ذكرهم. [ عن عبد الرحمن بن الأعرج ]. هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني ، مشهور بلقبه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ابن بحينة ]. هو عبد الله بن مالك ابن بحينة، و بحينة أمه، وهو مشهور بالنسبة إليها، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (من قام من ثنتين) من طريق أخرى


    قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبي و بقية قالا: حدثنا شعيب عن الزهري بمعنى إسناده وحديثه، زاد: (وكان منا المتشهد في قيامه). قال أبو داود : وكذلك سجدهما ابن الزبير ، قام من ثنتين قبل التسليم، وهو قول الزهري ]. سبق أن بدأنا بهذه الترجمة، وهي: [ باب من قام من ثنتين ولم يتشهد ] وذكر الإمام أبو داود رحمه الله في هذا الباب حديث عبد الله بن مالك ابن بحينة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى اثنتين ثم قام، ولما كان قبل التسليم سجد سجدتين ثم سلم. وقد عرفنا ما يتعلق بهذا الحديث من جهة أنه صلى الله عليه وسلم ترك الجلوس الأوسط الذي هو مشتمل على جلوس وعلى تشهد، وأنه سجد عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتين اثنتين، وكل من هذين واجب عند بعض أهل العلم، ومع ذلك أجزى عن تركهما سجدتان قبل السلام، فدل هذا على أنه لا يلزم لكل شيء سجدتان، بل تكفي سجدتان عن الجميع. ثم أورد أبو داود رحمه الله طريقاً أخرى وفيها زيادة أن منهم المتشهد في قيامه، أي أنهم رضي الله عنهم لما رأوا أن الجلوس والتشهد قد تركا أتوا بهما في حال قيامهم، وهذا -كما هو معلوم- لا يدل على أن الإنسان إذا ترك التشهد الأول يأتي به في حال القيام، وذلك لأن الزمن زمن تشريع، وكانوا رضي الله عنهم وأرضاهم يأتون في الجلوس بالتشهد، وقد ذهب الجلوس وما فيه. فالجلوس لا يمكن تداركه، ورأوا أن التشهد يمكن الإتيان به، فكان منهم من أتى به وهو قائم، ومعناه أنه يأتي بالتشهد ثم يأتي بالقراءة، ولكن الأحكام قد استقرت على أن الإنسان إذا ترك شيئاً في صلاته نسياناً وذلك المتروك ليس ركناً متعيناً فإنه يجزئ عنه سجود السهو.

    تراجم رجال إسناد حديث من قام من ثنتين من طريق أخرى

    قوله: [ عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي ، وهو صدوق أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبي ]. هو: عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي ، وهو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و بقية ]. هو بقية بن الوليد الحمصي ، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قالا: حدثنا شعيب ]. هو ابن أبي حمزة الحمصي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال أبو داود : وكذلك سجدهما ابن الزبير ، قام من ثنتين قبل التسليم، وهو قول الزهري ]. أي: وكذلك فعلهما ابن الزبير ، يعني أنه قام من ثنتين وسجد قبل التسليم، وذلك لأنه قام من ثنتين، فقوله [قبل التسليم] مرتبط بقوله: [سجدهما]، وقوله: [قام من ثنتين] يعني أنه قام من ثنتين إلى ثالثة ولم يأت بالتشهد الأول والجلوس له، فسجد السجدتين قبل أن يسلم كما جاء في حديث عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه."

  4. #164
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [131]
    الحلقة (162)





    شرح سنن أبي داود [131]

    من رحمة الله بعباده أن شرع لهم ما يجبرون به النقص الذي يقع في عباداتهم، ومن ذلك مشروعية سجود السهو، فهو من يسر الشريعة وسماحتها، وله أحكام كثيرة أخذها العلماء من سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية.

    من نسي أن يتشهد وهو جالس


    شرح حديث المغيرة فيمن نسي أن يتشهد جالساً من طريق جابر الجعفي


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من نسي أن يتشهد وهو جالس. حدثنا الحسن بن عمرو عن عبد الله بن الوليد عن سفيان عن جابر - يعني الجعفي - قال: حدثنا المغيرة بن شبيل الأحمسي عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام الإمام في الركعتين: فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس، فإن استوى قائماً فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو). قال أبو داود : وليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: من نسي التشهد وهو جالس، والأحاديث التي أوردها فيه هي مثل الحديث الذي مر عن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه، من أن ترك الجلوس والتشهد يكفي فيه سجود، والترجمة قريبة من الترجمة. فيحتمل أن يكون قوله: من نسي التشهد وهو جالس بمعنى أنه لم يحصل منه جلوس ولا التشهد فيه، ويحتمل أن يكون المراد منه أنه جلس ولكنه نسي التشهد وهو في حال جلوسه، بمعنى أنه وجد منه واحد وفاته الثاني الذي هو الإتيان بالتشهد، لأن الجلوس يمكن أن يترك ويترك معه التشهد، ويمكن أن يوجد الجلوس ولا يوجد التشهد، بحيث يسهو ولا يقول: التحيات لله والصلوات والطيبات.. إلى آخره، ثم يقوم، ومعنى ذلك: أنه وجد منه جلوس لا تشهد فيه. وعلى الاحتمال الأول فالترجمتان لا فرق بينهما، وعلى الاحتمال الثاني فإنه يكون بينهما فرق؛ لكن الأحاديث التي أوردها المصنف في الباب فيها أنه قام من الثنتين وترك الجلوس والتشهد معه. قوله: [ (إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فإنه يجلس) ] أي: سواء كان ذلك في أول القيام أو في آخره ما دام أنه لم يستقر قائماً. وبعض أهل العلم يقول: إنه يرجع ولو قام مالم يبدأ بقراءة الفاتحة، والحديث هنا فيه أنه إذا استوى قائماً لا يرجع، ولكن يأتي بسجدتي السهو جبراً لتركه التشهد والجلوس له. فالحديث يدل على أن الإنسان إذا قام، فإن لم يستقر قائماً عاد إلى الجلوس، فإن استقر قائماً فقد فاته الجلوس والتشهد فلا يرجع؛ فإذا تذكر قبل الاستقرار قائماً ورجع فإنه مع ذلك يسجد للسهو؛ لأنه وجد السهو منه في هذه الحركة. ولكن هنا بيان الفرق بين الحالة التي يرجع فيها والحالة التي لا يرجع فيها، وهو أنه إن لم يستقر قائماً فعليه أن يرجع، وإن استقر قائماً لم يرجع، بل يواصل، ويكفي أن يأتي بسجدتي السهو في آخر صلاته. هذا هو حديث المغيرة بن شعبة الذي يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث في إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف، والكلام فيه كثير، و الألباني صحح هذا الحديث، ولعل ذلك بسبب طرق وأوجه أخرى تدل على هذا، وإلا فإنه بهذا الإسناد فيه من لا يحتج به، وقد قال أبو داود : ليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث.


    تراجم رجال إسناد حديث المغيرة من طريق جابر الجعفي


    قوله: [ حدثنا الحسن بن عمرو ]. الحسن بن عمرو ، صدوق أخرج له أبو داود وحده. [ عن عبد الله بن الوليد ]. صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر -يعني: الجعفي - ]. هو ضعيف، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . قال في عون المعبود: وليس لجابر بن الجعفي في النسائي و أبي داود سوى حديث واحد في سجود السهو. وقال المنذري في الحديث: وأخرجه ابن ماجة ، وفي إسناده جابر الجعفي . [ حدثنا المغيرة بن شبيل الأحمسي ]. المغيرة بن شبيل الأحمسي ويقال: شبل، ثقة أخرج له أصحاب السنن. [ عن قيس بن أبي حازم ]. قيس بن أبي حازم الأحمسي وهو ثقة مخضرم أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي روى عن العشرة المبشرين بالجنة. [ عن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث المغيرة فيمن نسي أن يتشهد وهو جالس من غير طريق جابر الجعفي


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا المسعودي عن زياد بن علاقة أنه قال: (صلى بنا المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فنهض في الركعتين، قلنا: سبحان الله! قال: سبحان الله! ومضى، فلما أتم صلاته وسلم سجد سجدتي السهو، فلما انصرف قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع كما صنعت). قال أبو داود : وكذلك رواه ابن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة ورفعه، ورواه أبو عميس عن ثابت بن عبيد أنه قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة ، مثل حديث زياد بن علاقة . قال أبو داود : أبو عميس أخو المسعودي ، وفعل سعد بن أبي وقاص مثلما فعل المغيرة و عمران بن حصين و الضحاك بن قيس و معاوية بن أبي سفيان ، و ابن عباس أفتى بذلك و عمر بن عبد العزيز . قال أبو داود : وهذا فيمن قام من ثنتين ثم سجدوا بعدما سلموا ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه صلى بالناس وقام من الثنتين فسبحوا له فقالوا: سبحان الله! فقال: سبحان الله! فمضى، ومعناه أنه سمع تسبيحهم ولكنه واصل الصلاة ولم يرجع إلى ما نبهوه عليه، ولما أنهى صلاته سلم ثم سجد سجدتي السهو بعد السلام، ولما انصرف قال: إني صنعت كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا هو الذي جاء في حديث ابن بحينة ، إلا أن في حديث المغيرة بن شعبة أنه سجد بعد السلام، وكان سجوده للسهو عن نقص، وفي حديث ابن بحينة أنه سجد قبل السلام، وكان سجوده عن نقص أيضاً؛ لأن كليهما يتعلق بترك التشهد الأول والجلوس له. وعلى هذا فإن الإنسان إذا قام من التشهد الأول واستقر قائماً فإنه يواصل ويسجد للسهو قبل السلام أو بعده، فقد جاء في حديث ابن بحينة المتفق على صحته بين البخاري و مسلم وغيرهما أنه سجد قبل السلام، وجاء في حديث المغيرة بن شعبة هذا أنه سجد بعد السلام، وجاء ذلك عن عدد من الصحابة منهم: سعد بن أبي وقاص و الضحاك بن قيس و عمران بن حصين و معاوية بن أبي سفيان و أفتى به ابن عباس و عمر بن عبد العزيز . فهؤلاء سجدوا بعد السلام، فهذا يدل على أن ترك التشهد الأول والجلوس له جاء ما يدل على السجود له قبل السلام وعلى السجود له بعد السلام، وأن عدداً من الصحابة فعلوا مثل هذا الذي فعله المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه، فدلت هذه الأحاديث على أنه يصح قبل السلام وبعده، ولكن الأولى أن يكون قبل السلام، لأن حديث ابن بحينة متفق على صحته. وهذا يدل على ما قاله بعض أهل العلم: إن سجود السهود يجوز كله قبل السلام ويجوز كله بعد السلام، وإن الاختلاف إنما هو في الأفضل هل يكون قبل السلام أو بعده؟ والأفضل هو التفصيل الذي سبق أن عرفناه.

    تراجم رجال إسناد حديث المغيرة من غير طريق جابر الجعفي

    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي ]. عبيد الله بن عمر الجشمي هو القواريري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن يزيد بن هارون ]. يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المسعودي ]. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو صدوق اختلط، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن زياد بن علاقة ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة بن شعبة ]. وقد مر ذكره. [ قال أبو داود : وكذلك رواه ابن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة ورفعه ]. هذا طريق آخر غير الطريق السابقة؛ لأن الطريق السابقة هي عن زياد بن علاقة عن المغيرة وهنا عن ابن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة ورفعه، أي: أضافه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. و ابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المعروف بالفقه، فإذا جاء في الفقه ذكر ابن أبي ليلى فالمقصود به محمد هذا، وأما أبوه عبد الرحمن بن أبي ليلى فهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والمشهور في الفقه -وهو الابن محمد- قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق سيء الحفظ جداً، أخرج له أصحاب السنن. و الشعبي هو عامر بن شراحيل الشعبي ، تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    خبث الرافضة وحقدهم على الصحابة


    نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة منهاج السنة عن الشعبي كلمة تبين جرم علماء الرافضة وبعدهم عن الحق والصواب حيث قال: إن اليهود والنصارى فضلوا الرافضة بخصلة: إذا قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وإذا قيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد! ومعناه أن اليهود والنصارى أحسن منهم في أصحاب أنبيائهم، لأن أولئك يجعلون أصحاب موسى خير أمة موسى، والنصارى يجعلون أصحاب عيسى خير أمة عيسى، وأما الرافضة فإنهم يجعلون أصحاب محمد شر هذه الأمة. وقد كتب أحد الرافضة قصيدة ومن جملة ما ذكر فيها: أن سورة التوبة لم تذكر فيها البسملة؛ لأنه ذكر فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه! هذا مع أن ذكره في سورة التوبة هو في غاية المدح والثناء عليه، وأنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، والرسول قال له كما ذكره الله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، وفي الصحيحين أنه لما قال له: (لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟)، وسماه الله صاحب رسول الله في هذه السورة حيث قال: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ [التوبة:40]، فالاثنان هما: رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ [التوبة:40] أي: الرسول يقول لصاحبه، فسماه الله صاحب رسول الله، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] أي: الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر . ثم يأتي هذا الرافضي ويقول: إن سورة التوبة لم تذكر البسملة في أولها لأنه ذكر فيها أبو بكر ؛ فهل هناك خبث أكثر من هذا الخبث والحقد والغيظ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

    ذكر الصحابة الذين فعلوا كما فعل المغيرة في سجود السهو لترك التشهدالأول


    قال المصنف رحمه الله تعالى [ ورواه أبو عميس عن ثابت بن عبيد قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة ، مثل حديث زياد بن علاقة ]. أبو عميس هو أخو المسعودي ، واسمه عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ثابت بن عبيد ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ قال أبو داود : أبو عميس أخو المسعودي ]. المسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ، وهذا عتبة بن عبد الله بن عتبة . [ وفعل سعد بن أبي وقاص مثلما فعل المغيرة ]. يعني أنه حصل منه صلاة وأنه سها، وأنه سجد للسهو بعد السلام. [ و عمران بن حصين ]. و الضحاك بن قيس ، و سعد بن أبي وقاص. سعد هو أحد العشرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و عمران بن حصين أبو نجيد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، و الضحاك بن قيس أخرج حديثه النسائي . [ و معاوية ]. معاوية بن أبي سفيان أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ وابن عباس أفتى بذلك ]. يعني أنه سئل وأجاب، وكذلك عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وهو تابعي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وهذا فيمن قام من ثنتين ثم سجدوا بعدما سلموا ]. يعني هذا الذي مر ذكره عن هؤلاء، هو في الذين نسوا التشهد الأول وسجدوا بعد أن سلموا.

    شرح حديث: (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان و الربيع بن نافع و عثمان بن أبي شيبة و شجاع بن مخلد بمعنى الإسناد: أن ابن عياش حدثهم عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي عن زهير - يعني ابن سالم العنسي - عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير -قال: عمرو وحده: عن أبيه- عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم) ، ولم يذكر عن أبيه غير عمرو ]. أورد المصنف حديث ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم) ]، وهذا الحديث ضعفه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام وقال: إنه بإسناد ضعيف، وصححه الألباني وقال: إنه حديث حسن. وعلى ثبوته يدل على أن سجود السهو يجوز أن يكون كله بعد السلام، لأنه قال: [ (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم) ]. وفسره بعض أهل العلم بأنه يتكرر سجود السهو بتكرر السهو، وأن قوله: (لكل سهو سجدتان) بمعنى أنه لو سها عدة مرات فإنه يسجد لكل سهو سجدتان. وقال آخرون: إن المقصود به: أنه إذا حصل أي سهو في الصلاة فله سجدتان بعد السلام، وليس معنى ذلك أنه إذا تكرر السهو يتكرر معه السجود، وإنما المقصود بيان أن جميع أنواع السهو -سواء كانت بنقص أو زيادة أو شك - فإنه يسجد لها سجدتين ولا يجوز التكرار، وهذا هو الأقرب من حيث المعنى؛ لأنه لم يأت شيء واضح يدل على تكرار السجود لتعدد السهو، وقد جاء ما يدل على أن تعدد السهو تكفيه سجدتان، وهو حديث ابن بحينة الذي مر. وقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب في ترجمة أبي زكريا الفراء -وكان نحوياً- أنه قيل له: إذا سها المصلي في صلاته فماذا عليه؟ قال: عليه سجدتان، فقيل له: فلو سها في سجود السهو؟ قال: لا يسجد للسهو؛ لأن المصغر لا يصغر، فاستدل بما يعرفه من علم النحو على ما هنا؛ وذلك لأن السهو جابر لما حصل فيه من النقص، وقد زاد الترمذي من حديث عبد الله ابن بحينة : (وسجدهما، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس) فهذا يدل على أن سجود السهو لجبر النقص. ويدل على ذلك أيضاً ما ورد أن السجود إرغام للشيطان إن كانت الصلاة تامة، وإن كانت ناقصة فهو جبر للنقص؛ لكن السجود لا يكون إلا للشك أو الزيادة أو النقص، ولا يجبر ما كان من النقص في الأركان، فمن نسي ركوعاً أو سجوداً فلا بد من الإتيان به ولا يجبره السجود للسهو، وإنما يجبر الواجبات كالتشهد الأوسط ونحوه، وكذلك لا يؤتى به جبراً للسنن كالإسرار والجهر بالقراءة ودعاء الاستفتاح.

    تراجم رجال إسناد حديث (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم)

    قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. مر ذكره. [ و الربيع بن نافع ]. هو أبو توبة الحلبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و عثمان بن أبي شيبة ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي أيضاً. [ و شجاع بن مخلد ]. صدوق وهم في حديث واحد رفعه وهو موقوف؛ فذكره بسببه العقيلي في الضعفاء، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و ابن ماجة . والعقيلي رحمه الله يذكر في كتابه الضعفاء أناساً ثقات لأنه تُكُلِّم فيهم، وإن لم يكن الكلام معتبراً ومعتمداً، والذهبي رحمه الله في كتابه الميزان لما ترجم لعلي بن المديني شيخ البخاري الذي كان البخاري يقول فيه: ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني ؛ ذكر أن العقيلي ذكره في الضعفاء، فحمل عليه الذهبي حملاً شديداً وقال: أما لك عقل يا عقيلي ؟! وبعضهم ذكر ابن أبي حاتم في الضعفاء فقال الذهبي : أورده فلان في كتابه في الضعفاء فبئس ما صنع! ثم قال: إن ابن أبي حاتم ليس فيه إلا أنه كان يفضل علياً على عثمان، وهذه مسألة قال بها بعض السلف، ومنهم الأعمش و ابن جرير و عبد الرزاق وقال: إن مثل هذا لا يؤثر. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: أن هذه المسألة من المسائل التي لا يبدع بها، وإنما يبدع من قال: إنه أولى منه بالخلافة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على تقديم عثمان على علي، فمن قال: إنه أولى منه فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. قوله: [ بمعنى الإسناد ]. أي أن الإسناد الذي يسوقه ليس هذا لفظه فأحدهم يذكر عن الراوي لفظ السماع وبعضهم التحديث. [ أن ابن عياش حدثهم ]. هو إسماعيل بن عياش، صدوق في حديثه عن الشاميين، مخلط في غيرهم، وهذا من حديثه عن الشاميين فيكون معتبراً ومقبولاً، وقد أخرج له البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن الأربعة. [ عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي ]. وهو صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن زهير -يعني ابن سالم العنسي - ]. صدوق فيه لين، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ قال عمرو وحده: عن أبيه ]. أي أن عمرو بن عثمان قال: عن أبيه، والباقون قالوا: عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن ثوبان . و جبير بن نفير ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. و ثوبان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ ولم يذكر عن أبيه غير عمرو ]. يعني أن الذي قال: عن أبيه عمرو وحده، والباقون جعلوه من رواية عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن ثوبان .

    سجدتا السهو فيهما تشهد وتسليم


    شرح حديث (سجدتا السهو فيهما تشهد وتسليم)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى حدثني أشعث عن محمد بن سيرين عن خالد -يعني الحذاء - عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم) ]. ذكر المصنف رحمه الله تعالى باب سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم، أي أنه يتشهد بعد سجدتي السهو ويسلم، وقد أورد رحمه الله تعالى حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد وسلم). والمقصود من هذا أنه جاء بعد سجدتي السهو بتشهد آخر وتسليم، فيكون التشهد لسجدتي السهو، وقد ذهب إلى هذا بعض أهل العلم وقالوا: إن سجود السهو يكون بعده تشهد، ولكن جمهور أهل العلم على أنه لا تشهد لسجود السهو، وإنما يكون بعده تسليم فقط، سواء كان قبل السلام أو بعد السلام. وقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان سجود السهو والتسليم بعده وليس فيها ذكر التشهد، وقد جاء في هذا الحديث ما يدل على التشهد بعد سجود السهو، فيكون ما جاء في هذا الحديث شاذاً بالنسبة لما جاء في الأحاديث الأخرى، ومما يوضح هذا أن جماعة من الرواة رووه كما رواه أشعث إلا أنهم لم يذكروا التشهد، فيكون ذكره هنا شاذاً، والعبرة والعمل على ما جاء في الأحاديث الأخرى التي فيها ذكر سجود السهو والتسليم بعده وليس فيها ذكر التشهد.

    تراجم رجال إسناد حديث (سجدتا السهو فيهما تشهد وتسليم)

    قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. محمد بن يحيى بن فارس هو الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أشعث ]. أشعث بن عبد الملك الحمراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن محمد بن سيرين ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد -يعني الحذاء - ]. هو خالد بن مهران الملقب الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي المهلب ]. أبو المهلب الجرمي هو عم أبي قلابة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمران بن حصين ]. عمران بن حصين رضي الله عنه، صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ومحمد بن سيرين هنا يروي عن خالد الحذاء وهو أكبر منه، وهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، وفائدة معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر ألا يظن الانقلاب في الإسناد؛ لأن المرء إذا رأى راوياً كبيراً روى عن تلميذه ظن أنه انقلب الإسناد فوقع فيه تقديم وتأخير، فإذا عرف أن هذا من رواية الأكابر عن الأصاغر زال هذا الوهم.


    الأسئلة



    حال حديث: (تفكروا في آلاء الله ...)

    السؤال: ما حال حديث: (تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في ذات الله)؟


    الجواب: الحديث حسنه الألباني بمجموع طرقه، أما إسناده في ذاته فهو ضعيف، قال: وله شاهد أتى من حديث عبد الله بن عمر ، وإسناده ضعيف جداً، ثم قال: وله شاهد من حديث أبي هريرة وإسناده ضعيف، ثم قال: وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة مرفوعاً، وشاهد ثالث من حديث عبد الله بن سلام . ثم قال: وفي الباب عن أبي ذر و ابن عباس عند أبي الشيخ عن ابن عباس مرفوعاً: (تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله عز وجل)، قال: وهذا إسناد ضعيف. ثم قال: وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه حسن عندي. وإن صح الحديث فمعناه واضح، وهو أن الإنسان لا يتفكر في ذات الله عز وجل؛ لأنه لا يعرف عن الله عز وجل إلا في حدود ما جاء في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإيمان بالله من الإيمان بالغيب، والغيب لا يعرف إلا عن طريق صاحب الغيب. فما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في بيان أسماء الله وصفاته يضاف إليه، ويعتقد طبقاً عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك فإنه لا يجوز، ولا يجوز أن يتفكر في ذات الله، بل الواجب هو اعتقاد أن الله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]. فقوله: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) فيه التنزيه، وقوله: (( وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) فيه الإثبات، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، بخلاف مذاهب أهل البدع الذين يثبتون ويشبهون، أو ينزهون ويعطلون، فأهل السنة جمعوا بين الإثبات والتنزيه، وسلموا من التعطيل والتشبيه، على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].


    إذا زاد المصلي في الصلاة وسجد قبل السلام


    السؤال: إذا زاد المصلي في الصلاة أو نقص وسجد قبل السلام، فما الحكم؟

    الجواب: الإنسان إذا سها في الصلاة، سواء كان السهو بزيادة أو نقصان، فإن سجد قبل السلام فسجوده صحيح، وإن سجد بعد السلام فسجوده صحيح، ولكن الأولى هو أن يتبع ما جاء به الدليل، فالمواضع التي فيها السجود قبل السلام يسجد قبل السلام، والمواضع التي جاء فيها السجود بعد السلام يسجد بعد السلام، والشيء الذي ما ورد فيه شيء يدل على أنه قبل السلام أو بعده فيحمل على أنه قبل السلام.


    حكم من صلى بتيمم ثم وجد الماء في وقت الصلاة


    السؤال: رجل صلى العصر وهو متيمم ثم وجد الماء قبل خروج الوقت، فهل يعيد الصلاة حينئذ؟


    الجواب: الإنسان إذا تيمم وصلى فقد أدى ما عليه، وإذا أعاد الصلاة -جاهلاً- فنرجو ألا يكون في ذلك بأس.


    اشتراط دخول الوقت للتيمم


    السؤال: هل يشترط لجواز التيمم دخول الوقت؟


    الجواب: ليس دخول الوقت من شروط التيمم، بل الإنسان يمكن أن يتيمم ويصلي صلوات عديدة مثل الوضوء، فالإنسان إذا توضأ ثم لم ينتقض وضوءه يصلي به صلوات متعددة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى خمس صلوات عام الفتح بوضوء واحد، فكذلك الإنسان إذا تيمم ثم استمر عليه ولم ينتقض وضوءه، فهو على طهارة؛ لأن التيمم يقوم مقام الماء.


    فضل العمرة في الأشهر الحرم


    السؤال: هل للعمرة في الأشهر الحرم فضيلة من غيرها؟


    الجواب: العمرة في شهر رمضان جاء ما يدل على فضلها، وعمر الرسول صلى الله عليه وسلم الأربع كلها كانت في ذي القعدة وهو شهر حرام، فهل يعني ذلك أن العمرة في الأشهر الحرم لها فضل على غيرها؟ الله أعلم.


    حكم استعمال كلمة (مولانا) في حق الآدمي


    السؤال: هل استعمال كلمة (مولانا) للإنسان فيها شيء من ناحية التوحيد؟


    الجواب: ليس فيها شيء؛ لكن الإنسان لا يعود نفسه مثل هذه الألفاظ وهذا الكلام الذي قد يتوسع الإنسان فيه وقد يطلقه على من لا يستحقه.


    عدم إثبات الظل صفة لله

    السؤال: حديث (سبعة يظلهم الله في ظله) هل في الحديث إثبات صفة الظل لله؟


    الجواب: ليس فيه إثبات أن الظل من صفات الله، ولكنه قال: (سبعة يظلهم الله في ظله)، وليس معنى ذلك أن الظل مضاف إلى الله عز وجل إضافة الصفة إلى الموصوف، ولكنه مخلوق لله، وهو من إضافة المخلوق إلى الخالق، والله تعالى أعلم."

  5. #165
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [132]
    الحلقة (163)





    شرح سنن أبي داود [132]

    تشرع صلاة الفريضة جماعة في المساجد، أما النافلة فالأفضل أن تصلى في البيوت، ومما وضحته السنة فيما يتعلق بالجماعة كيفية الانصراف بعد إتمام الصلاة، وانصراف النساء قبل الرجال، كما بينت ما يفعله من صلى لغير القبلة ثم تبين له خطؤه.

    انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة


    شرح حديث انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة: حدثنا محمد بن يحيى و محمد بن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم مكث قليلاً وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال) ]. أورد أبو داود رحمه الله: [باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة]. ومعنى هذا أنه إذا صلى النساء مع الرجال فإن الرجال يمكثون قليلاً حتى تنصرف النساء قبلهم، وذلك لئلا يحصل الاختلاط بين النساء والرجال. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم مكث قليلاً، وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال). وهذا يدل على أن للنساء أن يأتين إلى المساجد، وأنهن لا يمنعن من ذلك، ولكن حيث أتين فإنهن لا يختلطن مع الرجال في حال الانصراف كما أنهن لا يقربن من الرجال. وقد جاء في السنة بأن: (شر صفوف النساء أولها، وأن شر صفوف الرجال آخرها)، وذلك لقرب صف الرجال الأخير من صف النساء الأول، وكلما كن النساء أبعد عن الرجال كان ذلك خيراً لهن، ولهذا كان خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها. وهذا يدل على أن ابتعاد الرجال عن النساء والنساء عن الرجال وعدم الاختلاط في الشوارع والأماكن العامة هو المطلوب واللائق، وهو الذي فيه السلامة والبعد عن المحاذير. ففيه دلالة على انصراف النساء قبل الرجال، هذا فيما إذا كان هناك نساء، وأما إذا لم يكن نساء فإن الأمر يختلف. وكذلك بالنسبة للحديث الذي ذكرته: (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) إذا كان هناك جدار فاصل بين الرجال والنساء بحيث لا تسمع أصوات النساء فإن الصفوف الأول عند النساء تكون أفضل من المتأخرة؛ لأن المحذور قد زال بوجود الفاصل. قوله: [ ( وكانوا يرون ) ] ، قيل: هو من كلام الزهري ، فهو مدرج.
    تراجم رجال إسناد حديث انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة

    قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى و محمد بن رافع ]. محمد بن يحيى مر ذكره وهو ابن فارس الذهلي . و محمد بن رافع هو النيسابوري القشيري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هند بنت الحارث ]. وهي ثقة أخرج لها البخاري وأصحاب السنن. [ عن أم سلمة ]. هي أم سلمة هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    كيف الانصراف من الصلاة


    شرح حديث هلب الطائي في كيفية الانصراف من الصلاة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كيف الانصراف من الصلاة: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب رجل من طيء عن أبيه رضي الله عنه: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينصرف عن شقيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [كيف الانصراف من الصلاة؟] يعني: كيفية انصراف الإمام من صلاته إلى جهة المأمومين عندما يسلم ويأتي بأستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام؛ لأن الإمام يمكث في مصلاه مستقبلاً القبلة بقدر ما يقول هذا الكلام فقط، فإذا أتى به انصرف إلى جهة المأمومين، لكن كيف ينصرف؟ هل ينصرف عن يمينه أو عن شماله؟ والجواب: أن كلاً منهما صحيح ثبتت به السنة، فإن شاء انصرف عن يمينه أو عن شماله. أورد أبو داود حديث هلب الطائي رضي الله تعالى [ (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان ينصرف عن شقيه) ]. ومعناه: أنه صلى معه عدة صلوات؛ لأن كونه ينصرف عن شقيه لا يكون في صلاة واحدة وإنما يكون في صلوات متعددة أقلها اثنتان. وقد جاء عن أنس بن مالك : (أنه أكثر ما كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه)، وجاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أنه أكثر ما كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله). فقيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينصرف عن يمينه وشماله، و أنس كان أكثر ما رآه ينصرف عن يمينه و عبد الله بن مسعود كان أكثر ما يراه ينصرف عن شماله، وعلى كل فحديث هلب الطائي وغيره من الأحاديث تدل على أن الإمام ينصرف إلى المأمومين عن يمينه أو عن شماله. وقد جاء في بعض الأحاديث : (أنه كان يمكث مستقبل القبلة قدر ما يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) ، وسبق في الأحاديث : أن قدر ركوعه وسجوده وجلسته قبل الانصراف مستقبل القبلة بمقدار ما يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى المأمومين إما عن يمينه وإما عن شماله كما جاء في حديث هلب هذا الذي معنا، وكذلك غيره من الأحاديث التي ذكرها المصنف والتي لم يذكرها.
    تراجم رجال إسناد حديث هلب الطائي في كيفية الانصراف من الصلاة

    قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك بن حرب ]. وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قبيصة بن هلب ]. وهو مقبول أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. وهو هلب رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
    شرح حديث ابن مسعود في كيفية الانصراف من الصلاة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سليمان عن عمارة بن عمير عن الأسود بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه قال: (لا يجعل أحدكم نصيباً للشيطان من صلاته ألا ينصرف إلا عن يمينه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن شماله، قال عمارة : أتيت المدينة بعد فرأيت منازل النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [ (لا يجعل أحدكم للشيطان نصيباً من صلاته ألا ينصرف إلا عن يمينه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن شماله) ]. يقصد بهذا: أن الإنسان لا يتعين عليه الانصراف عن يمينه؛ لأن ابن مسعود رضي الله عنه أخبر بأنه أكثر ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله. و ابن مسعود رضي الله عنه لم ينف أنه ينصرف إلى جهة اليمين ولهذا قال: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف) ] ومعناه أنه رآه كثيراً ينصرف عن يمينه، لكن المحذور هو الذي نبه عليه ابن مسعود رضي الله عنه، وهو أن يرى الإنسان أن هذا أمر لازم وأنه سنة، ولعل ابن مسعود رضي الله عنه نبه على هذا؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على استعمال اليمين في الأمور المحمودة الطيبة، فرأى أن هذا قد يؤدي ببعض الناس إلى أن يلتزم هذا ويراه واجباً، وهو يبين أن هذا ليس بصحيح بل الرسول صلى الله عليه وسلم ينصرف عنه يمينه وعن شماله، ولكن أكثر ما رأى ابن مسعود رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله. وقد جاء عن أنس كما أشرت: (أنه كان صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه). قوله: [ قال عمارة ] يعني ابن عمير . قوله: [ (أتيت المدينة بعد) ] أي: بعد هذا الكلام وبعد سماع هذا الحديث. قوله: [ (فرأيت منازل النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره) ] يعني: عن يساره إذا كان يصلي إلى جهة القبلة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) فالمنبر عن يمينه والحجر عن يساره. ولعل ذكر هذا أنه كان ينصرف عن شماله ويكون إلى جهة بيوته، وأنه يقوم فيذهب إليها. وقد جاء أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحرصون على أن يصلوا عن يمينه ليكون انصرافه إليهم أولاً، وهذا فيه ما يدل على ما جاء عن أنس : أنه كان أكثر ما يراه ينصرف عن يمينه صلى الله عليه وسلم. الحاصل: أن الأمر في ذلك واسع، ولكن المحذور هو أن الإنسان يرى أن أحدهما هو الحق وأن غيره لا يفعل، فإن ذلك خلاف السنة.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية الانصراف من الصلاة

    قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة عن سليمان ]. هو شعبة بن الحجاج مر ذكره، و سليمان هو ابن مهران الكاهلي الأعمش ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن عمير ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود بن يزيد ]. هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    صلاة الرجل التطوع في بيته


    شرح حديث ابن عمر في صلاة التطوع في البيت


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صلاة الرجل التطوع في بيته: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [صلاة الرجل التطوع في بيته]، أي: أن هذا أفضل، وهذا إنما هو في غير الأمور التي تشرع لها الجماعة أو الصلاة في المسجد، فتحية المسجد لا تكون إلا في المسجد، وكذلك التراويح، أو أن يأتي الإنسان مبكراً إلى المسجد ويصلي ما أمكنه يصلي ما أمكنه مثل يوم الجمعة، فإن ذلك أولى من صلاته في بيته، كما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم: أنهم كانوا يوم الجمعة يأتون مبكرين ويصلون ما أرادوا أن يصلوا ثم يجلسون ولا يقومون إلا للصلاة. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم) ] أي: اجعلوا لبيوتكم نصيباً من الصلاة. قوله: [ (ولا تتخذوها قبوراً) ] أي: أنها تكون شبيهة بالقبور التي ليست محلاً للصلاة، ولهذا لا يجوز أن يصلى في المقبرة، وإنما الصلاة في المساجد والبيوت والأماكن التي لم يأت النهي عن الصلاة فيها. فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن يكون للبيوت نصيب من الصلاة حتى تحضرها الملائكة، وحتى تكون أبعد عن الرياء؛ لأن الصلاة في البيوت لا يطلع عليها أحد بخلاف الصلاة في المساجد فإن الناس يرون ذلك ويشاهدونه؛ حتى تحصل في البيوت البركة والخير وطرد الشياطين بما يقرأ فيها من القرآن.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في صلاة التطوع في البيت

    قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الإمام أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن الصحابة أجمعين.
    شرح حديث زيد بن ثابت في صلاة التطوع في البيت

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن إبراهيم بن أبي النضر عن أبيه عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة) ]. أورد أبو داود حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة) ]. وكلمة (المرء) تشمل الرجال والنساء، لكن هذا إنما هو في حق الرجال وإلا فإن صلاة النساء النوافل والفرائض في البيوت أفضل من صلاتهن في المساجد، وإذا استئذنَّ إلى المساجد لا يمنعن من ذلك إذا لم يترتب على ذلك مفسدة ويحصل بخروجهن ضرر. أما الرجل فصلاته في بيته أفضل دون المكتوبة فإنها تكون في المسجد لا البيت، فالحديث إنما هو في حق الرجال الذين تجب عليهم صلاة الجماعة، وأما النساء فلا تجب عليهن صلاة الجماعة ولكن تجوز لهن إذا أردن ذلك، وإذا استئذنَّ لذلك فإنهن لا يمنعن، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله). وما جاء في هذا الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: [ (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة) ]، يدلنا على أن المكان الفاضل والمقدس كغيره من الأماكن الأخرى من جهة أن صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في المسجد، ولو كان هذا المسجد المقدس الذي الصلاة فيه بألف صلاة كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أيضاً هذا فيه إشارة إلى أن الإنسان لو صلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم نافلة فصلاته بألف، ولكنه إذا ترك الصلاة في المسجد وجعلها في البيت فإنه يحصل أجراً أكثر من ذلك؛ لقول صلى الله عليه وسلم: [ (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة) ]. وكما هو معلوم أن الصلاة تضاعف في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم سواء كانت فرضاً أو نفلاً، لقول صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) وهو لفظ مطلق يشمل الفرض والنفل، لكن لا يقال: إن هذا الحكم يعم كل من كان في المدينة، أي: فصلاته في بيته أفضل من صلاته في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا في حق من كان متمكناً من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يصل فيه وصلى في بيته عملاً بهذا الحديث ليحصل الأجر الأكبر والأعظم عند الله عز وجل، فلو صلى إنسان في مسجد من مساجد المدينة ثم ذهب وصلى في بيته النافلة فإن صلاته أفضل من ذلك المسجد لكن لا يقال: إن صلاته أفضل من صلاته في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث لم يقصد الذهاب إليه ولم يتمكن من الصلاة فيه، إنما يكون هذا التفضيل في حق من صلى في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكنه ذهب وصلى النفل في البيت لأنه متمكن أن يصلي النفل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن ثابت في صلاة التطوع في البيت


    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني سليمان بن بلال ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن أبي النضر ]. وهو صدوق أخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن أبيه ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بسر بن سعيد ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن ثابت ]. زيد بن ثابت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    من صلى لغير القبلة ثم علم


    شرح حديث من صلى لغير القبلة ثم علم


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من صلى لغير القبلة ثم علم. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت و حميد عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فلما نزلت هذه الآية: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:150] فمر رجل من بني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس: ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة -مرتين- فمالوا كما هم ركوع إلى الكعبة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب من صلى لغير القبلة ثم علم]. يعني: أنه يتحول من جهته التي هو عليها إلى جهة القبلة، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما فرضت عليه الصلاة قبل الهجرة وبعدها بستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً كان يصلي إلى بيت المقدس، وكان يأمل أن يحول إلى الكعبة المشرفة، فنزل الوحي بتحويله إلى القبلة، فصلى إلى القبلة، وكانت أول صلاة صلاها إلى الكعبة العصر، ثم ذهب بعض أصحابه من صلوا معه وهو رجل من بني سلمة ذهب إلى جماعة يصلون في مسجد آخر، وقد جاء في الحديث المتفق عليه أنهم أهل قباء، فأخبرهم وقال: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم نزل عليه القرآن: (( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )) وأنه استقبل القبلة، فاستداروا وهم ركوع من جهة الشام إلى جهة الكعبة المشرفة)، فكان أول صلاتهم إلى بيت المقدس وآخر صلاتهم إلى القبلة. فدل هذا على أن من عمل عملاً سائغاً ثم جاء ما يدل على خلافه، فإنه يبني على ما تقدم ولا يستأنف الصلاة. ومثل ذلك مسائل عديدة: لو أن إنساناً صلى في ثوب وعليه نجاسة، ثم تذكر في أثناء الصلاة وكان يمكن نزعه فنزعه، فإنه يواصل صلاته ولا يستأنفها من جديد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى وعليه نعلان فجاءه جبريل وأخبره بأن فيهما أذى، فنزعهما وهو يصلي وواصل صلاته، فدل هذا على أن مثل هذا لا يستأنف معه العمل، بل يستمر ويتابع ما بقي مبنياً على ما سبق. وكذلك لو إنساناً وكل وكيلاً يبيع ويشتري، ثم عزله ولم يصل خبر العزل إلا بعد أيام، وكان في تلك الأيام التي بين عزله وبين بلوغ الخبر إليه قد تصرف فباع أو اشترى فيعتبر تصرفه نافذاً؛ لأن العبرة ببلوغ الخبر إليه فيكون تصرفه نافذاً قبل ذلك. وهذا يدلنا أيضاً على أن من صلى في فلاة من الأرض واجتهد في جهة القبلة، ثم جاءه الخبر بأن جهة القبلة خلاف ذلك فإنه يستدير ويكمل ولا يلزمه أن يستأنف؛ لأنه في الأول عمل بما هو سائغ له. وأما إذا كان في الحاضرة فلا يجوز له أن يجتهد، بل عليه أن يسأل عن جهة القبلة قبل أن يصلي. قوله: [ (فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس: ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة -مرتين-) ]. أي: قال ذلك مرتين، وفيه دليل على قبول خبر الواحد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم استداروا وهم في الصلاة بناء على هذا الخبر، وفي هذا أيضاً دليل على جواز مخاطبة من يصلي بالأمور التي تتعلق بصلاته.
    تراجم رجال إسناد حديث من صلى لغير القبلة ثم علم

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    الأسئلة



    حكم الصلاة في البيوت المبنية على المقابر


    السؤال: بعض البلدان القبور فيها كالبيوت، فتوجد بها غرف وأماكن للمعيشة في حوش البيت، وتوجد مقبرة، ويعيش الناس في هذه البيوت التي فيها المقابر، فهل تأخذ الحكم في كراهية الصلاة فيها؟ مع العلم أن القبر يكون أحياناً تحت غرفة المعيشة، وأحياناً يكون في مؤخرة أماكن المعيشة؟


    الجواب: القبور لا يجوز أن تكون في البيوت، ولا يجوز دفن الموتى في البيوت وفي البنيان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم دفن في منزله وفي بيته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون، فدفنوه في المكان الذي مات فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام وإلا فإن الأموات لا يدفنون في البيوت وإنما يدفنون في المقابر، والمقابر تختلف عن البيوت، فالبيوت محل للصلاة والمقابر ليست محلاً للصلاة. والواجب هو عدم دفن الموتى في البيوت، وإذا دفن الميت والبيت موجود من قبل فعلى الإنسان أنه ينقله أو يخرجه ويضعه في مقابر المسلمين، وقد ثبت منع البناء عن القبور سواء كانت مساجد أو غير مساجد. وكذلك قال في الحديث الآخر: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم).

    حكم لعبة الشطرنج


    السؤال: ما رأي فضيلتكم بلعبة الشطرنج إذا أزيلت التماثيل التي فيها بأشياء أخرى لا محذور فيها؟


    الجواب: لا يجوز أن يلعب الإنسان الشطرنج، ولا أن يلعب هذه اللعب بالورق التي بلي بها كثير من الناس، فإن هذا من قتل الوقت في غير طائل وفي غير فائدة.

    متى يكون التكبير ورفع اليدين عند القيام للركعة الثالثة

    السؤال: عند الانتقال من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يكون التكبير ورفع اليدين عند القيام؟


    الجواب: لا يكون ذلك والإنسان في الأرض، وإنما يكون وهو قائم، فالتكبير يمكن أن يبدأ به وهو في حال الانتقال ثم يرفع يديه عندما يستتم قائماً.

    حكمة ذكر هبوط آدم من فضائل يوم الجمعة

    السؤال: لماذا ذكر في حديث فضل يوم الجمعة الإهباط من الفضائل (وفيه أهبط آدم) مع أنه من البلاء الذي ابتلي به آدم؟

    الجواب: هذا بلاء ترتب عليه مصلحة، وهو أنه تاب إلى الله عز وجل، والبلاء إذا ترتبت عليه مصلحة كان خيراً.

    فضيلة ميامن الصفوف

    السؤال: هل يمين الصف أفضل من الشمال؟


    الجواب: نعم ميامن الصفوف هي أفضل بلا شك، وكون الإنسان يحرص على اليمين أولى من كونه ويأتي ويختار الشمال."

  6. #166
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [133]
    الحلقة (164)





    شرح سنن أبي داود [133]

    اختص الله عز وجل يوم الجمعة بمزيد فضل عن باقي أيام الأسبوع، فهو يوم عيد للمسلمين، وفيه خطبة تميزت عن غيرها من المواعظ بلزوم الإنصات فيها وعدم اللغو والعبث، وفيه ساعة من دعا فيها أجيبت دعوته.

    فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة



    شرح حديث أبي هريرة في فضل يوم الجمعة وليلتها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفريع أبواب الجمعة: باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة. حدثنا القعنبي عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها. قال كعب : ذلك في كل سنة يوم؟ فقلت: بل في كل جمعة، قال: فقرأ كعب التوراة فقال: صدق النبي الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو هريرة : ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب ، فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: قد علمت أية ساعة هي؟ قال أبو هريرة : فقلت له: فأخبرني بها، فقال: عبد الله بن سلام : هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقلت: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي؟ قال: فقلت: بلى. قال: هو ذاك) ]. أورد أبو داود رحمه الله عدة أبواب تتعلق بتفريع أبواب الجمعة، وقد أورد في الباب الأول ما يتعلق بفضل يوم الجمعة وليلة الجمعة. يوم الجمعة هو خير أيام الأسبوع، وهو أفضل أيام الأسبوع، وهو يوم عيد أسبوعي للمسلمين، وقد جاء في صحيح البخاري عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: أنه خطب الناس يوم عيد أضحى وكان يوم الجمعة فقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، يعني: عيد الأسبوع وعيد السنة، فأطلق العيد على الجمعة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن صومه منفرداً، فقد دخل على جويرية أم المؤمنين وهي صائمة يوم الجمعة فقال لها: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري). وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على فضله منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [ (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة) ] أي: فهو خير أيام الأسبوع وأفضلها. ثم ذكر جملة من الأمور التي حصلت فيه فقال: [ (فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة) ] فهذه خمسة أمور ذكرها، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يقرأ في فجر الجمعة (آلم) السجدة و هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ [الإنسان:1]؛ لأنهما مشتملتان على البعث والنشور وعلى نهاية الدنيا، فيكون في ذلك تذكير للناس بالأمور التي تحصل في ذلك اليوم. ولا يقال: إن الساعة ستقوم في يوم آخر، فمنذ ثلاثين سنة أو نحوها جاءت الأخبار في الإذاعات والصحف عن امرأة رأت رؤيا أن الساعة ستقوم يوم الأحد، وخاف الناس في أماكن متعددة من ذلك، ولكن من يعرف الحكم الشرعي، ويعرف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أن هذا لا حقيقة له ولا أصل؛ لأن الساعة لا تقوم إلا يوم الجمعة. قوله: [ (وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة) ]. أي: مصغية تخشى أن تقوم الساعة، فقد ألهمها الله عز وجل ذلك، ولا يحصل ذلك للجن والإنس؛ لأنهم مكلفون وشاء الله عز وجل أن يحصل للبهائم ما لا يحصل لهم، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: أن عذاب القبر تسمعه البهائم؛ حتى تظهر حكمة التشريع وحكمة الإيمان بالغيب؛ لأنه لو ظهر الغيب للناس علانية لم يتميز أولياء الله من أعدائه الله، ومن يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن به. ثم هذا الحديث يدلنا على أن الساعة تقوم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ لأنه قال: [ (من حين تصبح إلى أن تطلع الشمس) ]. قوله: [ (وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها) ]. أي: أن من فضائل يوم الجمعة وخصائصه: أن فيه ساعة للإجابة لا يوافقها عبد يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله حاجته. قوله: [ (قال كعب : ذلك في كل سنة يوم) فقال أبو هريرة : [ (بل في كل جمعة) ]. أي: هذه الساعة تكون في كل أسبوع لا أنها مرة في السنة. فنظر كعب في التوراة فوجد أنها تكون في كل جمعة، وأن ذلك مثلما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [ (صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. وقد يقال: كيف يكون هذا الأمر من كعب ، حيث أنه لم يقل: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد الرجوع إلى التوراة؟ والجواب: أنه فهم من الحديث أنه يوم في السنة، فراجعه أبو هريرة ، فراجع التوراة فوجدها مطابقة لفهم أبي هريرة ، فقال: [ (صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. قوله: [ (قال أبو هريرة : ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب ، فقال عبد الله بن سلام : قد علمت أية ساعة هي؟ قال أبو هريرة : فقلت له: فأخبرني بها؟ فقال عبد الله بن سلام : هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقلت: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي؟ قال: فقلت: بلى، قال: هو ذاك) ]. ثم إن أبا هريرة رضي الله عنه لقي عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وكان من اليهود ثم مَنَّ الله عليه بالإسلام وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه، فأخبره أبو هريرة بالذي جرى بينه وبين كعب فقال: [ (قد علمت أية ساعة هي؟) ] أي: إني أعرف وقتها، ثم ذكرها أنها آخر ساعة من يوم الجمعة. فعندما قال عبد الله بن سلام لأبي هريرة : [ (هي آخر ساعة من يوم الجمعة) ] قال: كيف تكون آخر ساعة يوم الجمعة والرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا يوافقها عبد يصلي يسأل الله، وهذا ليس وقتاً للصلاة؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، فكيف يصلي الإنسان ذلك الوقت؟ فقال: [ (ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة) ] ومعناه: أن الذي ينتظر الصلاة هو مصل حكماً وإن لم يكن يصلي فعلاً.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في فضل يوم الجمعة وليلتها


    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن عبد الله بن الهاد ]. يزيد بن عبد الله بن الهاد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا حسين بن علي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي، قال: قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون: بليت، فقال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن من خير أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن أجساد الأنبياء). هذا الحديث يدل على فضل يوم الجمعة، وأنه من خير الأيام، وقد مر في الحديث السابق أنه خير يوم طلعت عليه الشمس، فهو خير أيام الأسبوع، وهو عيد أسبوعي للمسلمين، كما ذكر أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما خطب الناس يوم عيد الأضحى وكان يوم جمعة، فقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، يريد بذلك عيد السنة وعيد الأسبوع، فأطلق على يوم الجمعة أنه عيد، فهو عيد للمسلمين. قوله: [ (فيه خلق آدم، وفيه قبض) ] يعني: فيه خلق وفيه مات، فبداية حياته ونهاية حياته كانت في يوم الجمعة. قوله: [ (وفيه النفخة وفيه الصعقة) ]. الصعقة هي التي يموت بها من كان حياً في نهاية الدنيا؛ لأن من سبق له الموت فقد مات، ومن كان موجوداً على قيد الحياة عند قيام الساعة فإنه يموت بتلك الصعقة. والنفخة: هي التي تكون بالصور، ويكون بعدها خروج الناس من قبورهم وانتقالهم من الحياة البرزخية إلى الحياة الأخروية، والحياة البرزخية هي تابعة للآخرة؛ لأن الحياة حياتان: دنيا وآخرة، والدنيا نهايتها الموت، والآخرة بدايتها الموت، ومن مات فقد قامت قيامته. قوله: [ (فأكثروا من الصلاة علي فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي) ] أرشد عليه الصلاة والسلام المسلمين إلى أن يكثروا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم وليلته؛ وذلك لأن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام من حقه على أمته أن يكثروا من الصلاة عليه ويسلموا تسليماً كما أمرهم الله عز وجل بذلك في كتابه العزيز، وقد أخبر الله عن نفسه وملائكته أنهم يصلون على النبي، وأمر المؤمنين بأن يصلوا ويسلموا عليه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، فالصلاة عليه من حقه على أمته عليه الصلاة والسلام، فقد أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، وهداهم به إلى الصراط المستقيم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وصلاة الله على نبيه أحسن ما قيل في معناها: ثناؤه عليه عند الملائكة، وتعظيمه في الملأ الأعلى، فكون المسلم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فهو يسأل الله أن يثني عليه عند الملائكة، وأن يعظمه في الملأ الأعلى، وأن يرفع من قدره، ويعلي من شأنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (فإن صلاتكم معروضة علي) ]، هذا يدلنا على أن الصلاة تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا لا يكون مختصاً بيوم الجمعة فقد جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن لله ملائكة سياحين تبلغني عن أمتي السلام)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) أي: بواسطة الملائكة، ولكن نص على هذا اليوم لخصوصيته، فلا ينافي ذلك ما جاء في الأحاديث الأخرى من أن الصلاة تعرض عليه في كل وقت وحين كما جاء ذلك في الأحاديث التي أشرت إليها. وفي الحديث أنهم قالوا: (وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون: بليت)، وكانوا يعلمون أن الأرض تأكل الأجساد، ولا يعلمون استثناء شيء من ذلك، والله عز وجل في كتابه العزيز يقول: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4] يعني: ما تأكل الأرض منها، وما يختلط بالتراب من أجسادهم، فأخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنهم باقون في قبورهم على الهيئة التي وضعوا عليها لا تأكلهم الأرض، بل أجسادهم باقية، وهم أحياء في قبورهم حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء التي قال الله عز وجل فيها: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، فأخبر عن الشهداء بأنهم أحياء، ورسل الله الكرام هم أكمل حياة من الشهداء، والحياة البرزخية لا يختص بها الأنبياء ولا الشهداء، بل هي ثابتة لكل من يموت، فكل من يموت في نعيم أو عذاب، فيصل إلى جسده وروحه من النعيم أو العذاب ما يستحقه، وحتى لو أن الأرض أكلت لحوم البشر من غير الأنبياء فإن العذاب يصل إلى من يستحقه، والنعيم يصل إلى من يستحقه، ولا تلازم بين كون الأرض تأكله وبين كونه لا يصل إليه النعيم أو العذاب؛ لأن حياة البرزخ من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، ولهذا لو فتح الناس القبور ما رأوا جنة ولا ناراً، والجنة أو النار موجودة، قال عليه الصلاة والسلام: (يفتح للمؤمن باباً إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها)، وذكر أنه يفتح للكافر باباً إلى النار فيأتيه من سمومها وحرها، ولو فتح الناس القبور ما وجدوا نعيماً ولا عذاباً، ولكن المؤمن يؤمن بالغيب وإن لم يشاهده ويعانيه، ويعتقد أن كل ما أخبر الله تعالى به حق، وكل ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم حق، والنبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الصحيح: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، فقد أطلع الله نبيه على ما يجري في القبور من العذاب، فكان يسمع مما يحصل في القبور من العذاب، وغيره من الناس لا يسمعون، والله على كل شيء قدير، فقد حجب هذه الأصوات التي تكون في القبور عن أن تصل إلى الجن والإنس، وشاء أن تصل إلى سمع نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، بل الحيوانات والدواب تسمع ما يجري في القبور من العذاب؛ لأنها غير مكلفة، ولما كان الجن والإنس مكلفين أخفى الله تعالى عليهم ذلك؛ حتى يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن؛ لأنه لو كان الغيب علانية وشهادة ما تميز من يؤمن بالغيب ممن لا يؤمن به. فهذا الحديث دليل على أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنهم أحياء في قبورهم حياة برزخية تختلف عن حياة الدنيا، وتختلف عن الحياة الآخرة بعد البعث والنشور، فلا يقال: إن حياتهم في قبورهم كحياتهم في الدنيا، بل حياتهم في البرزخ تختلف عن حياتهم في الدنيا، وتختلف عن حياتهم بعد البعث والنشور، والمؤمن يصدق بكل ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بكل ما أخبر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. أما الشهداء لم يأتي دليل على أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، لكن جاء أن بعض الشهداء نبش قبره بعد مدة لأمر اقتضى ذلك فوجدوه كما كان، وهو عبد الله بن حرام والد جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، فقد استشهد يوم أحد، ثم قرب السيل من قبره حتى كاد أن يجترفه، فنبش ونقلوه من مكانه حتى لا يجترفه، فوجدوه كما كان، لكن هذا لا يدل على أنه يبقى على هذه الهيئة إلى يوم البعث والنشور؛ لأن هذا مما لم تأت فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في حق الأنبياء، فالأنبياء جاء في حقهم هذا الحديث، والشهداء جاءت في حقهم تلك الآية، والحياة البرزخية تكون للشهداء ولسائر الناس، لكن الشهداء يكونون أكمل؛ لأن الله نص عليه في حق الشهداء، وقد جاء في الحديث: (إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلق من شجر الجنة)، وجاء في حق المؤمنين عموماً حديث: (نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة) يعني: على شكل طائر يعلق في الجنة، والحياة البرزخية ثابتة للجميع، ولكن نجزم بأن الأرض لا تأكل أحداً بعينه إلا الأنبياء، أما غيرهم فما جاء دليل يدل على أن الأرض لا تأكل أجسادهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة...)


    قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا حسين بن علي ]. هو حسين بن علي الجعفي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. جابر الجعفي ، قال عنه عون في المعبود: ليس له عند أبي داود ولا عند النسائي إلا هذا الحديث، والحديث لم أجده في سنن النسائي الصغرى، فلا أدري هل هو في الكبرى أم لا؟ والحافظ ابن حجر لم يذكره من رجاله، و النسائي قد قال فيه: متروك، والنسائي رحمه الله عليه قال عن شخص: متروك وروى له، ذكر ذلك الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، قال الذهبي : وهذا عجيب! أن يقول: متروك ثم يروي عنه، وهذه إحدى الفوائد التي ذكرتها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى ورقمها (421). [ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ]. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الأشعث الصنعاني ]. أبو الأشعث هو شراحيل بن آده وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أوس بن أوس ]. أوس بن أوس رضي الله عنه صحابي أخرج حديث أصحاب السنن. والترجمة هي: باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، والحديثان ليس فيهما تعرض لذكر الليل، ولا أدري هل جاء في بعض روايات الحديث يوم الجمعة وليلة الجمعة؟ وأظن ورود هذا، وأحياناً قد يذكر اليوم وتكون الليلة تبعاً له.
    ساعة الإجابة يوم الجمعة


    شرح حديث: (يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة؟ حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - أن الجلاح مولى عبد العزيز حدثه أن أبا سلمة -يعني: ابن عبد الرحمن - حدثه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يوم الجمعة ثنتا عشرة -يريد ساعة- لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً إلا آتاه الله عز وجل، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة؟] يعني: من ساعات يوم الجمعة، وسبق أن مر حديث: (وفيه ساعة لا يوافقها عبد قائم يصلي لله عز وجل يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه) فأية ساعة هذه من ساعات يوم الجمعة؟ فالمراد تعيين وقت هذه الساعة التي هي ساعة الإجابة. قوله: [ (لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً) ] يعني: في ساعة من ذلك اليوم كما يشير إليه آخر الحديث حيث قال: (فالتمسوها)، فليس المقصود أن كل اليوم هو ساعة إجابة، وإنما ساعة من اثني عشرة ساعة، وقوله: (فالتمسوها في آخر ساعة يوم الجمعة) يدل على أن ساعة الإجابة أرجاها وأولاها الساعة الأخيرة لدلالة هذا الحديث عليها، وقد مرت الإشارة إليه في حديث أبي هريرة عند كلام عبد الله بن سلام له لما أخبره بالذي جرى بينه وبين كعب الأحبار ، وقال عبد الله بن سلام : إني أعلم أية ساعة هي، وأخبره بها، فحديث جابر يدل على أنها آخر ساعة في يوم الجمعة، وهذا أقوى وأصح ما قيل فيها. وقوله: (ثنتا عشرة ساعة) يدل على أن النهار مقداره ثنتا عشرة ساعة، ومعلوم أن النهار في اصطلاح الشرع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وليس من طلوع الشمس إلى غروبها؛ ولهذا فإن صيام الأيام إنما يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والليل أيضاً ثنتا عشرة ساعة، لكن الساعات ليست مستقرة ثابتة على طول الأيام، وإنما تزيد وتنقص بطول اليوم وقصره، فمعنى هذا: أن الوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يقسم إلى اثني اثنا عشر جزءاً، وجزء من هذه الاثنا عشر هو مقدار الساعة التي جاء ذكرها في هذا الحديث، فليست الساعة شيئاً ثابتاً في كل أيام السنة كما اصطلح عليه الناس في هذا الزمان، حيث يجعلون الليل والنهار أربعاً وعشرين ساعة، ولكن أحياناً يصير النهار تسع ساعات والليل خمس عشرة ساعة، وأحياناً يكون العكس، فيجعلون مجموع اليوم أربعاً وعشرين ساعة، ولا يكون الليل له نصفها والنهار له نصفها، بل هذا على حسب طول الزمان وقصره، لكن في هذا الحديث: (النهار اثنتا عشرة ساعة) سواءً في الشتاء أو الصيف، سواء طال النهار أو النهار، فتقسم اليوم في كل وقت على اثنتي عشرة ساعة، فتنقص الساعة وتزيد، وبالتوزيع عليهما يختلف مقدار الساعة من وقت لآخر، فمقدار الساعة في الصيف حيث يطول النهار أطول من الساعة في الشتاء حيث يقصر النهار. وقد كان النهار عند العرب اثنتا عشرة ساعة، والليل اثنتا عشرة ساعة، وقد ذكر ذلك الثعالبي في كتابه: فقه اللغة، فذكر ساعات الليل وساعات النهار وأسماءها، ولكن في تسميتها عندهم ما يدل على أن النهار يبدأ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها، ولكن في اصطلاح الشرع النهار يبدأ بطلوع الفجر، ولهذا سبق أن مر بنا من فقه أبي داود أنه ذكر عند غسل الجمعة أن الإنسان إذا كان عليه جنابة واغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة أجزأه عن غسل الجمعة؛ لأن اليوم يبدأ بطلوع الفجر. فعلى هذا تكون ساعة الإجابة آخر جزء من اثنتي عشر جزءاً، وقد تطول في الصيف وتقصر في الشتاء على حسب توزيع مجمل الساعات.
    تراجم رجال إسناد حديث (يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - ]. عمرو بن الحارث المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الجلاح مولى عبد العزيز ]. الجلاح مولى عبد العزيز صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن مر ذكره. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني مخرمة -يعني: ابن بكير - عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أنه قال: قال لي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الجمعة -يعني: الساعة-؟ قال: قلت: نعم. سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة). قال أبو داود : يعني: على المنبر ]. أورد أبو داود رحمه الله حديثاً آخر عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه يتعلق ببيان ساعة الإجابة التي في يوم الجمعة، وفيه: أنها ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، أي: من حين يصعد الخطيب على المنبر ويجلس في انتظار الفراغ من الأذان إلى أن تقضى الصلاة. هذا الحديث الذي جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ويرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما انتقده الدارقطني على مسلم ، وقد قال العلماء: الصحيح أنه موقوف وليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس من قوله صلى الله عليه وسلم وإنما قاله الصحابي أو ابنه اجتهاداً، ولعل ذلك لكون هذا الوقت هو وقت صلاة الجمعة وخطبة الجمعة والإنصات لها، حتى أن الإنسان إذا مس الحصى فقد لغا، ولا يقول لأحد: اسكت، فلعله فهم أن هذا الوقت هو وقت ساعة الإجابة، لكن الحديث موقوف وليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيكون أقوى الأقوال في هذه الساعة أنها آخر ساعة، فيحرص الإنسان فيها على الدعاء والاستغفار ففي ذلك خير كثير، وكذلك حينما يؤمن على دعاء الخطيب ففي ذلك خير أيضاً، ولكن أقوى وأقرب ما قيل في تحديد ساعة الإجابة أنها آخر ساعة بعد العصر كما مر في حديث جابر المتقدم.
    تراجم رجال إسناد حديث (هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح عن ابن وهب عن مخرمة -يعني: ابن بكير - عن أبيه ]. هو مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج المصري وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي ، وأبوه هو بكير بن عبد الله بن الأشج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ]. أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و أبو موسى هو عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    فضل يوم الجمعة


    شرح حديث: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فضل الجمعة: حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت؛ غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [فضل الجمعة]؛ لأن الترجمة السابقة تتعلق بفضل يوم الجمعة، وأما هذه ففي فضل حضور وشهود صلاة الجمعة، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت)يعني: ذهب إلى المسجد واستمع وأنصت للخطبة، ولم يتشاغل عنها بأي شيء (غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام) وذلك على اعتبار أن الحسنة بعشر أمثالها. قوله: (ومن مس الحصى فقد لغا) يعني: من تشاغل بأي شيء عن الخطبة ولو كان بلمس الحصى فإنه يكون قد لغا، أي: أتى بشيء لغو لا يصلح ولا يليق؛ لأنه تشاغل عن الخطبة، وهذا يدلنا على عظم شأن الخطبة، والاهتمام بها، والإقبال عليها، والإصغاء لسماعها، والإنصات لها، فينبغي للحاضر أن يتأمل الخطبة ويعرف ما اشتملت عليه، ويعتبر ويتعظ ويستفيد. وتغيير الجلسة ليس من هذا؛ لأن الإنسان قد يحتاج إلى تغيير الجلسة، أما أن يتشاغل عن الخطبة بثيابه وبملابسه فهو شبيه بالذي يعبث بالحصى؛ لأن التشاغل موجود. والإنسان إذا هجم عليه النوم فهو معذور، لكن كونه لا يبالي بالنوم، وما عنده مانع من أن يأتي له النوم، والأمر عنده سيان، فهذا لا شك أنه مقصر ومفرط، لكن الإنسان الحريص على أن يسمع خطبة الجمعة، ولكن إن أصابه نعاس، أو خفقان وهو جالس، فنرجو أن ذلك لا يؤثر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع...)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو ذكوان السمان المدني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره.
    شرح حديث علي في فضل الجمعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني عطاء الخراساني عن مولى امرأته أم عثمان قال: سمعت علياً رضي الله عنه على منبر الكوفة يقول: (إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق، فيرمون الناس بالترابيث -أو الربائث- ويثبطونهم عن الجمعة، وتغدو الملائكة فيجلسون على أبواب المسجد، فيكتبون الرجل من ساعة، والرجل من ساعتين، حتى يخرج الإمام، فإذا جلس الرجل مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم يلغ كان له كفلان من أجر، فإن نأى وجلس حيث لا يسمع فأنصت ولم يلغ كان له كفل من أجر، وإن جلس مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت كان له كفل من وزر، ومن قال يوم الجمعة لصاحبه: صه فقد لغا، ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء، ثم يقول في آخر ذلك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك). قال أبو داود رواه الوليد بن مسلم عن ابن جابر ، قال: بالربائث، وقال: مولى امرأته أم عثمان بن عطاء ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه خطب الناس على منبر الكوفة وقال: (إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق، فيرمون الناس الترابيث أو بالربائث)، شك الراوي، قيل: المقصود أنهم يثبطونهم، ويلقون في أنفسهم التباطؤ والكسل عن الذهاب إلى الجمعة، ويحثونهم على الاستمرار فيما هم فيه من الاشتغال بالبيع والشراء، وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها) فالأسواق هي محل اللغط ومحل حضور الشياطين، وهذا الحديث يفيد أنهم يخرجون بالرايات إلى الأسواق لتثبيط الناس، ولمنعهم من أن يستعدوا للصلاة، ويريدون منهم أن يبقوا فيما هم فيه من العمل الدنيوي، وأن يفرطوا ويقصروا في هذا العمل الأخروي من الذهاب والتبكير إلى الجمعة. قوله: [ (وتغدو الملائكة فيجلسون على أبواب المسجد، فيكتبون الرجل من ساعة، والرجل من ساعتين، حتى يخرج الإمام) يعني: يكتبون من يأتي ووقت مجيئه، فيكتبون الرجل الذي جاء قبل ساعة، والذي جاء قبل ساعتين، والذي جاء قبل أكثر أو أقل حتى يخرج الإمام. قوله: [ (فإذا جلس الرجل مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم يلغ؛ كان له كفلان من أجر) ] فإذا جلس مجلساً في المسجد، بأن جاء مبكراً، وكان قريباً من الإمام، وصار يسمع ويرى الإمام، واستمع وأنصت؛ فإنه يكتب له نصيبان من الأجر، وإن كان في مكان نائي، وجلس بحيث لا يسمع فأنصت ولم يلغ كان له كفل من أجر يعني: نصيب من أجل إنصاته وعدم اشتغاله بشيء يشغل عن انتظار الصلاة. قوله: [ (ومن جلس مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت كان له كفل من الوزر) ] يعني: عليه إثم؛ لأنه تمكن من الاستماع ومع ذلك لم يستمع وحصل منه اللغو. قوله: [ (ومن قال يوم الجمعة لصاحبه: صه فقد لغا) ] صه يعني: اسكت، وهذا معناه: أنه إذا أمر بمعروف فإنه يعتبر لغواً، فغيره من باب أولى، والمطلوب عدم حصول أي شيء يشغل عن الإقبال على الخطبة والاستماع والإنصات لها. قوله: [ (ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء) ] أي: تلك التي لغا فيها. قوله: [ ثم يقول في آخر ذلك سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ] يعني: هذا الكلام الذي قاله على المنبر، فهذا الحديث يعتبر مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن في إسناده من لا يحتج به، فهو حديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله: (فليس له في جمعته تلك شيء) لا يعني أن جمعته باطلة، وأنه يعيد صلاة ظهر، ولكنه لا يحصل له أجر الجمعة، وقد برئت ذمته، وأدى الصلاة، ولكنه ما حصل أجرها، مثل الأحاديث التي فيها لا يقبل الله صلاة كذا، فالمعنى برئت ذمته، ولكنه ما حصل على الأجر، مثل الحديث الذي فيه: (من أتى كاهناً فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) فالمعنى أنه حرم أجر هذه الصلوات مع أنه أداها، ولا يقال: يعيدها ويقضيها، وهذا من جنسه.
    تراجم رجال إسناد حديث علي في فضل يوم الجمعة

    قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ]. إبراهيم بن موسى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السييعي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ]. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عطاء الخراساني ]. عطاء الخراساني صدوق يهم كثيراً، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن مولى امرأته أم عثمان ]. وهو مجهول أخرج له أبو داود . [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : رواه الوليد بن مسلم عن ابن جابر قال: بالربائث ]. يعني: أنه لم يشك؛ لأن الرواية السابقة فيها: الربائث والترابيث، وهنا الوليد بن مسلم رواه عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الذي مر في الإسناد، وقال: الربائث بدون شك. وقوله: أم عثمان بن عطاء هو عطاء الخراساني .
    الأسئلة



    حكم شرب الماء والطواف أثناء خطبة الجمعة

    السؤال: هل يدخل في اللغو من يشرب ماء في الخطبة أو يطوف؟

    الجواب: كل تشاغل عن الخطبة بشرب ماء أو غيره يدخل في اللغو، لكن الطواف شيء آخر، وينبغي للناس أن يسمعوا الخطبة، لكن الذي يطوف دخل في عبادة فيريد أن يكملها، ولكن كونهم يسمعون الخطبة ويقطعون الطواف هذا هو المطلوب.

    صلاة الأنبياء وتعبدهم في قبورهم


    السؤال: قال في عون المعبود: قال ابن حجر المكي : وما أفاده من ثبوت حياة الأنبياء حياة بها يتعبدون ويصلون في قبورهم مع استغنائهم عن الطعام والشراب كالملائكة أمر لا مرية فيه، فما رأيكم؟


    الجواب: الكلام في أمور الغيب لا يقبل إلا بدليل، والمؤمنون ينعمون في القبور، ويأتيهم من نعيم الجنة، كما أن المعذبين يأتيهم من عذاب النار، وأما حياة الأنبياء في قبورهم فهي حياة برزخية، وكونهم يتعبدون لا يثبت منه إلا في حدود ما ورد، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به مر بقبر موسى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره.

    حكم من بكر إلى المسجد يوم الجمعة واشتغل بالبحث في المكتبة


    السؤال: من بكر إلى المسجد يوم الجمعة، واشتغل بالبحث في المكتبة، ثم أنصت للخطيب، هل يحصل له الأجر؟


    الجواب: الظاهر أن الذي جاء إلى المكتبة ليبحث فيها مثل الذي ذهب إلى المكتبات الأخرى في غير الحرم ليبحث؛ لأنه مشتغل بالبحث، فليس هو مثل الذي جاء للصف الأول أو الذي يليه، وجلس يذكر الله عز وجل، فالذي يشتغل ببحث هو من جنس الذي يبحث في المكتبات الأخرى، وليس مثل الذي جاء مبكراً من أجل الصلاة، بل جاء مبكراً من أجل البحث.

    حكم الأمر بالمعروف أثناء خطبة الجمعة بالإشارة


    السؤال: هل لي أن أشير بيدي لمن دخل المسجد وأراد الجلوس بدون صلاة تحية المسجد؟ وهل لي أن أشير لمن يتكلم أثناء الخطبة أن يسكت دون أن أكلمه؟

    الجواب: الكلام الذي يشغل الناس ويوشوش عليهم في الخطبة مفسدة، والإشارة ما جاء ما يدل على المنع منها، فإذا أشار إشارة ليسكت المتكلم من أجل أن يتمكن الناس من سماع الخطبة، فالظاهر أن هذا لا مانع منه؛ لأن هذه الإشارة ألجأت إليها الضرورة، وهي من أجل التمكن من الاستماع إلى الخطبة، فلا بأس بهذه الإشارة إن شاء الله.

    صحة سماع النبي صلى الله عليه وسلم للسلام عليه من عند الروضة


    السؤال: ذكر صاحب عون المعبود في شرح حديث أوس رضي الله عنه أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم معروضة عليه بواسطة الملائكة إلا عند الروضة فيسمعها مباشرة؟


    الجواب: لا يوجد دليل يدل على هذا، وسماع الأموات لا يثبت منه إلا في حدود ما ورد؛ لأن هذه من الأمور الغيبية التي لا يتكلم فيها إلا بدليل.

    كيفية إصلاح النية

    السؤال: كيف يعالج الإنسان نيته؟


    الجواب: إذا كان المقصود أن الإنسان عنده نية فيها شيء من الرياء أو ملاحظة الناس ومراعاتهم؛ فالإنسان يعمل على الإخلاص لله عز وجل، وعلى أن يبعد عن نفسه كل ما يكون سبباً في التأثير في إخلاصه لله عز وجل، مثل كونه يحب الثناء من الناس والمدح أو يرائيهم من أجل أن يحصل دنيا أو ما إلى ذلك من الأمور، فعليه أن يبعد نفسه ولا يجعل هذه الأمور تخطر له على بال، ويجعل أعماله خالصة لوجه لله عز وجل، ولا يقصد بها المدح أو الثناء أو العطاء أو ما إلى ذلك، و ابن القيم رحمة الله عليه له كلام جميل في الفوائد، وأنا نقلته في الفوائد المنتقاة تحت عنوان: كلمات ذات عبر وعظات، يقول: لا يجتمع الإخلاص ومحبة المدح والثناء في قلب المؤمن إلا كما يجتمع الضب والنون يعني: حيوان البحر مع حيوان البر، واجتماعهما لا يكون؛ لأن حيوان البحر إذا خرج منه مات، وحيوان البر إذا دخل البحر مات، فاجتماعهما لا يكون، ثم قال: فإذا رغبت في الإخلاص فأقبل على الطمع فيما عند الناس واذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء وازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد سهل عليك الإخلاص. فإن قلت: وأي شيء يسهل علي الإخلاص؟ فالجواب: أن تعلم أن كل مدح أو ثناء فالله عز وجل هو الذي مدحه يفيد، وقد روي في حديث -لا أدري من صحته- أن رجلاً قال: إن مدحي زين، وذمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك الله عز وجل).

    إظهار النعمة والزهد

    السؤال: ما هو الأفضل: إظهار النعمة أم إظهار الزهد؟


    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله إذا أنعم على عبد أحب أن يرى أثر نعمته عليه)، لكن هذا بالاعتدال والتوسط، وليس بالإسراف، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67].

    حكم التأمين على دعاء الخطيب يوم الجمعة


    السؤال: بعض طلاب العلم يقولون: إن التأمين يوم الجمعة لغو، وإن دعاء الخطيب يوم الجمعة بدعة، فهل هذا صحيح؟


    الجواب: ليس هذا صحيحاً، وكيف يقال: ليس للخطيب أن يدعو يوم الجمعة؟! هل يعظ الناس فقط ثم ينزل؟! أليس الخطيب حتى في الخطب العادية إذا انتهى قال: أستغفر الله لي ولكم؟!"




  7. #167
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [134]
    الحلقة (165)





    شرح سنن أبي داود [134]

    صلاة الجمعة واجبة على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض، وكذلك المسافر لا جمعة عليه، ولا تجب الجمعة إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، أو كانت ليلة باردة أو يوماً مطيراً.

    التشديد في ترك الجمعة



    شرح حديث: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التشديد في ترك الجمعة. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن محمد بن عمرو قال: حدثني عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي الجعد الضمري رضي الله عنه -وكانت له صحبة- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه) ]. أورد أبو داود السجستاني رحمه الله باب التشديد في ترك الجمعة، يعني: أن أمرها خطير، وليس بالأمر الهين، وفيه وعيد شديد، فعلى المسلم أن يحذر من أن يحصل منه التساهل والتهاون في ذلك؛ حتى لا يحصل له هذا الأمر الذي توعد به على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه)، أي: أنه لا يحضرها، وإنما يصلي وحده أو في جماعة ظهراً، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الذي يتكرر منه هذا العمل يطبع الله على قلبه، فلا يصل إليه هدى، ولا يصل إليه خير، وهذا يدلنا على خطورة هذا العمل، وأنه أمر لا يسوغ ولا يجوز، وأن الواجب على كل مسلم أن يحرص على حضور الجمعة والجماعة، ولا يتهاون في ذلك؛ حتى لا يعرض نفسه للوقوع في هذا الوعيد الشديد الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا ما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو يخطب على المنبر: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين)، وكل هذا يدلنا على خطورة التخلف عن صلاة الجمعة.


    تراجم رجال إسناد حديث: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد هو ابن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو ابن سعيد القطان البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبيدة بن سفيان الحضرمي ]. عبيدة بن سفيان الحضرمي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الجعد الضمري ]. أبو الجعد الضمري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.
    كفارة من ترك الجمعة


    شرح حديث: (من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كفارة من تركها: حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا همام حدثنا قتادة عن قدامة بن وبرة العجيفي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار). قال أبو داود : وهكذا رواه خالد بن قيس وخالفه في الإسناد ووافقه في المتن. حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا محمد بن يزيد و إسحاق بن يوسف عن أيوب أبي العلاء عن قتادة عن قدامة بن وبرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فاته الجمعة بغير عذر فليتصدق بدرهم أو نصف درهم، أو صاع حنطة أو نصف صاع). قال أبو داود : رواه سعيد بن بشير عن قتادة هكذا إلا أنه قال: (مداً أو نصف مد) وقال: عن سمرة . قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اختلاف هذا الحديث فقال: همام عندي أحفظ من أيوب يعني: أبا العلاء ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في كفارة من تركها، أي: من حصل منه ترك الجمعة، والمقصود من هذه الترجمة أنه وردت أحاديث فيها ذكر الكفارة، وهي التصدق بدينار أو نصف دينار، أو درهم أو نصف درهم، أو مد أو نصف مد، أو صاع أو نصف صاع، والمقصود: أن عليه أن يكفر بهذه الصدقة وبهذا المال، ويكون هذا من باب أن الحسنات يذهبن السيئات، ولكن الحديث الذي ورد في هذا من طرقه المختلفة لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو غير صحيح، والكفارة في هذا: أن يتوب الإنسان إلى الله عز وجل، وأن يندم على ما مضى، وأن يعزم في المستقبل على ألا يعود إلى ترك الجمعة، أما كونه يكفر بمبلغ من المال فلم يثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي أورده أبو داود في هذا الباب طرقه كلها من طريق رجل واحد مجهول لا يحتج بحديثه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار ...)


    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا همام ]. هو همام بن يحيى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قدامة بن وبرة العجيفي ]. قدامة بن وبرة العجيفي مجهول أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وهكذا رواه خالد بن قيس ]. خالد بن قيس صدوق يغرب أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ رواه خالد بن قيس وخالفه في الإسناد ووافقه في المتن ]. يعني: خالفه في الإسناد، وأما المتن فهو متفق معه، والضمير يرجع للراوي عن قتادة وهو همام . [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق أخرج حديثه أبو داود وحده. [ حدثنا محمد بن يزيد ]. هو محمد بن يزيد الواسطي وهو ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و إسحاق بن يوسف ]. هو إسحاق بن يوسف الأزرق وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب أبي العلاء ]. أيوب أبو العلاء صدوق له أوهام أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن قتادة عن قدامة بن وبرة ]. مر ذكرهما.
    حال حديث التصدق بدينار لمن ترك الجمعة من غير عذر

    قوله: [ عن قدامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. هذا مرسل؛ لأن قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قبيل المرسل، والإسناد المتصل الذي قبل هذا فيه هذا الرجل المجهول، ولا يحتج بحديثه. وفي هذا الحديث: (فليتصدق بدرهم أو نصف درهم)، وفي الأول: (بدينار أو نصف دينار) وكل ذلك غير صحيح وغير ثابت، ومن المعلوم أن الدرهم والدينار بينهما فرق شاسع، ففيه اضطراب في ذكر ما يتصدق به إما درهم أو نصف درهم، أو دينار أو نصف دينار، أو مد أو نصف مد، أو صاع أو نصف صاع، وكل هذا من الاضطراب. [ قال أبو داود : رواه سعيد بن بشير عن قتادة هكذا ]. سعيد بن بشير ضعيف أخرج له أصحاب السنن. [ إلا أنه قال: (مد أو نصف مد) وقال: عن سمرة ]. يعني: أنه لم يرسله، بل ذكر الصحابي سمرة . [ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اختلاف هذا الحديث فقال: همام عندي أحفظ من أيوب يعني: أبا العلاء ]. يعني: همام و أيوب أبو العلاء رويا عن قتادة ، و همام أحفظ من أيوب أبي العلاء ، لكن كون هذا أحفظ من هذا لا يصحح الحديث؛ لأن فيه ذلك الرجل المجهول في جميع طرقه وأسانيده، فالحديث لا يحتج به من أجل الرجل المجهول.
    من تجب عليه الجمعة؟


    شرح حديث: (كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من تجب عليه الجمعة؟ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن جعفر حدثه عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها أنها قالت: (كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب من تجب عليه الجمعة؟ يعني: من يجب عليه أن يحضر للجمعة من مكانه ومن مسكنه إذا كان في البلد أو خارج البلد؟ هذا هو المقصود بهذه الترجمة، وليس المقصود منها صفات الشخص الذي تجب عليه الجمعة، وهي: أن يكون مسلماً حراً بالغاً عاقلاً؛ لأنه سيأتي بتراجم تبين عدم وجوب الجمعة على المرأة والمملوك وأهل القرى، وإنما المقصود هنا الذين عليهم أن يحضروا الجمعة لكونهم في البلد ويسمعون النداء، أو كونهم من خارج البلد وقريبين منها؛ فيأتون إلى الجمعة ولا يجمعون في مكان آخر وحدهم مع قربهم من المكان الذي يجمع فيه، وإذا كان المكان متسعاً وليس بضيق. إذاً: المقصود بهذه الترجمة أن من سمع النداء فعلاً أو حكماً، أو كان في حكم من يسمع النداء لكونه قريباً من البلد الذي هو من أطرافها وضواحيها، فليس له أن يجمع في هذه الضواحي، بل عليه أن يقدم إلى المكان الذي يجمع فيه أهل البلد ويحضر الجمعة ولا يتخلف عنها؛ ولهذا أورد أبو داود رحمه الله حديثين تبين أن الإنسان يحضر إلى الجمعة من منزله إذا كان من ضواحي البلد، فأورد حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي) يعني: منازلهم التي هي قريبة من المدينة، ومن العوالي التي هي بعيدة من المدينة وعلى أميال منها. وقيل: إن أبا داود قصد الرد على من قال: إن من كان خارج المدن لا تجب عليه الجمعة؛ لأن عائشة ذكرت أن أهل العوالي كانوا يحضرون الجمعة مع رسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن من كان خارج المدينة في ضواحيها وبساتينها فإن عليه أن يحضر الجمعة، وليس له أن يتخلف عن الجمعة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو ]. هو عمرو بن الحارث المصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن أبي جعفر ]. عبيد الله بن أبي جعفر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن محمد بن جعفر ]. هو محمد بن جعفر بن الزبير وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم: أبو هريرة ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و أبو سعيد ، و أنس ، و جابر ، و أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (الجمعة على كل من سمع النداء)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن محمد بن سعيد -يعني: الطائفي - عن أبي سلمة بن نبيه عن عبد الله بن هارون عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجمعة على كل من سمع النداء). قال أبو داود : روى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصوراً على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه، وإنما أسنده قبيصة ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجمعة على كل من سمع النداء) يعني: حق عليه أن يحضر الجمعة إذا سمع النداء، والحديث ضعيف؛ لأن فيه مجهولين، وفيه من خالف الثقات، ولكن معناه صحيح وثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في صلاة الجماعة ومثلها الجمعة، ففي قصة ابن أم مكتوم أنه جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إني شاسع الدار، وليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب) فدل هذا على أن سماع النداء يوجب على السامع أن يحضر إلى الجمعة، ولكن إذا كان المسجد يمتلئ ولا يتسع للمصلين، واحتيج إلى أن يصلى في أماكن أخرى، فلهم أن يجمعوا فيها للحاجة، ولا بأس بذلك، أما أن يكون المسجد يتسع للجميع، والأماكن ليست بعيدة فعلى أهل البلد ومن يكون قريباً منهم أن يحضروا إلى ذلك المسجد الذي يجمعون فيه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (الجمعة على من سمع النداء)

    قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا قبيصة ]. هو قبيصة بن عقبة وهو صدوق ربما خالف أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن سعيد يعني: الطائفي ]. محمد بن سعيد الطائفي صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي سلمة بن نبيه ]. أبو سلمة بن نبيه مجهول أخرج حديثه أبو داود . [ عن عبد الله بن هارون ]. عبد الله بن هارون مجهول أخرج حديثه أبو داود . [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : روى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصوراً على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه وإنما أسنده قبيصة ]. قوله: (رواه جماعة عن سفيان غير قبيصة ) وهم ثقات لم يرفعوه ولم يسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي أسنده قبيصة ، فخالف الثقات في رفعه، فالحديث ضعيف، فيه مخالفة، وفي إسناده أيضاً المجهولان.
    الجمعة في اليوم المطير


    شرح حديث الصلاة في الرحال


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الجمعة في اليوم المطير. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه: (أن يوم حنين كان يوم مطر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن الصلاة في الرحال). حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن صاحب له عن أبي المليح : أن ذلك كان يوم الجمعة. حدثنا نصر بن علي قال سفيان بن حبيب : خُبرنا عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم جمعة وأصابهم مطر لم يبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالهم ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب الجمعة في اليوم المطير]، وهو اليوم الذي ينزل فيه المطر، يعني: هل يحضر الناس فيه للجمعة أم أنهم معذورون في التخلف عن الجمعة؟ أورد أبو داود رحمه الله أحاديث تتعلق بالسفر؛ لأنها في حنين أو الحديبية، وكل ذلك في سفر، ومن المعلوم أن المسافر ليس عليه جمعة، وإنما الذي عليه الجمعة هو المستوطن المستقر في القرى والمدن، هؤلاء هم الذين يجمعون، وأما أهل البوادي غير المستقرين وكذلك المسافرون فإنهم لا يجمعون، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يجمع في السفر، وقد كان في عرفة في حجة الوداع يوم الجمعة ولم يجمع، وإنما صلى الظهر والعصر جمعاً، وأسر في الظهر والعصر كالشأن في سائر الأيام، فالمسافر يصلي يوم الجمعة ظهراً مقصورة ويسر فيها بالقراءة، فلم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يجمع في الأسفار. الأحاديث التي أوردها أبو داود هنا لا تتعلق بالتجميع في المدن والتخلف عن الجماعة في المدن بسبب المطر، ولكن جاء في ذلك حديث ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام سيذكره المصنف في آخر الباب الذي بعد هذا، وهو الذي يطابق الترجمة ويدل عليها من جهة التخلف عن الجمعة في اليوم المطير، أما هذه الأحاديث فلا تدل عل الترجمة إلا أن يكون المقصود: أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم أذن بالصلاة في الرحال والناس في السفر في يوم الجمعة ليصلوا صلاة الظهر في رحالهم؛ فإن الجمعة أيضاً تكون كذلك، فهو يوافق الترجمة من حيث الاستنباط والقياس؛ لأن التجميع لم يحصل من النبي صلى الله عليه وسلم في السفر. [ عن أبي المليح عن أبيه أن يوم حنين كان يوم مطر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن الصلاة في الرحال ]. هذا ليس فيه نص على الجمعة، ولكن الرواية الثانية هي التي فيها ذكر الجمعة، والمنادي هو المؤذن، فعندما يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح يقول: صلوا في رحالكم، وفي الحديث الآخر الذي سيأتي أنه بدل أن يقول: حي الصلاة حي على الفلاح يقول: ألا صلوا في رحالكم ألا صلوا في رحالكم، ولا مانع من الجمع بينهما؛ لأن المقصود بقوله: حي الصلاة. أن من أراد أن يحصل الفضيلة فله أن يأتي، ومن أراد أن يتخلف فإنه معذور وقد أذن له بذلك؛ ولذا قيل له: الصلاة في الرحال؛ ولهذا ينبغي للمؤذن والإمام أن يقيما الصلاة جماعة في المسجد. [ عن أبي المليح عن أبيه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم جمعة وأصابهم مطر لم يبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالهم ]. يحتمل أن تكون القصة متعددة أو أنها قصة واحدة ولكن حصل فيها الاختلاف هل هي في حنين أو الحديبية؛ لأنها كلها من طريق أبي المليح عن أبيه، فيحتمل أن تكون القصتان حصلتا جميعاً، ويحتمل أن تكون قصة واحدة ولكن حصل الاختلاف هل هي هذه أو هذه، والحديبية كانت في السنة السادسة، وحنين كانت بعد فتح مكة في آخر السنة الثامنة. قوله: [ لم يبتل أسفل نعالهم ]. معناه: أن المطر لم يكن غزيراً وكثيراً، ولعل ذلك لكون المطر فيه ضرر عليهم، فأذن لهم أن يصلوا في رحالهم، أي: في خيامهم ومنازلهم التي هم نازلون فيها؛ لأنهم مسافرون نازلون في خيام، وليسوا في مساكن وبنيان.
    تراجم رجال إسناد حديث الصلاة في الرحال

    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن همام عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه ]. همام و قتادة مر ذكرهما، و أبو المليح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه هو أسامة بن عمير صحابي أخرج له أصحاب السنن.
    تراجم رجال إسناد الطريق الثانية لحديث الصلاة في الرحال

    قوله في الإسناد الثاني: [ حدثنا محمد بن مثنى ]. هو محمد بن مثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صاحب له عن أبي المليح (أن ذلك كان يوم الجمعة) ]. الرواية السابقة مطلقة وليس فيها ذكر الجمعة، وهذه الرواية بينت أنها الجمعة، لكنه هنا ما قال: عن أبي المليح عن أبيه، بل وقف الإسناد إلى أبي المليح ، فما أدري هل هو بالإسناد السابق أو أنه مقطوع على أبو المليح ، وعلى كل المقصود من ذلك تفسير الرواية المطلقة السابقة حتى يكون الحديث مطابقاً للترجمة؛ لأن الترجمة الجمعة في اليوم المطير.

    تراجم رجال إسناد الطريق الثالثة لحديث الصلاة في الرحال

    قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان بن حبيب ]. سفيان بن حبيب ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ خبرنا عن خالد الحذاء ]. خالد الحذاء هو خالد بن مهران الكاهلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقوله: خبرنا فيه انقطاع. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي المليح عن أبيه ]. مر ذكرهما.
    التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة أو المطيرة


    شرح حديث (كان إذا كانت ليلة باردة...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة أو الليلة المطيرة. حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع (أن ابن عمر رضي الله عنهما نزل بضجنان في ليلة باردة فأمر المنادي فنادى أن الصلاة في الرحال). قال أيوب : وحدث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أمر المنادي فنادى الصلاة في الرحال). حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن أيوب عن نافع قال: (نادى ابن عمر رضي الله عنهما بالصلاة بضجنان، ثم نادى أن صلوا في رحالكم قال فيه: ثم حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر المنادي فينادي بالصلاة ثم ينادي: أن صلوا في رحالكم في الليلة الباردة وفي الليلة المطيرة في السفر) . قال أبو داود : ورواه حماد بن سلمة عن أيوب و عبيد الله قال فيه: (في السفر في الليلة القرة أو المطيرة). حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه نادى بالصلاة بضجنان في ليلة ذات برد وريح فقال في آخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في رحالكم ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في سفر يقول: ألا صلوا في رحالكم). حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما -يعني: (أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح- فقال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر يقول: ألا صلوا في الرحال). أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة أو المطيرة]، يعني: بسبب البرد أو المطر، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من طرق متعددة أنه كان يأمر المنادي أن يقول: صلوا في الرحال وكان ذلك في سفر، وفي بعض الروايات أنه بضجنان، وهو جبل قريب من مكة في جهة المدينة، والروايات المتعددة فيها أنه كان في سفر، فيدل ذلك على أن الجماعة في السفر مطلوبة؛ ولهذا كانوا يصلون جماعة وهم مسافرون، ولم يكن يصلي كل رجل في رحله أو في مكانه وحده، وإنما يجتمعون ويصلون جماعة، لكن في الليلة الباردة أو المطيرة أذن لهم أن يصلي كل رجل في رحله، أي: في المكان الذي هو فيه، فهذا الحديث من طرقه المتعددة يدل على أن المطر والبرد مسوغ لترك الجماعة الكبرى التي هي جماعة الإمام، أو الجماعة التي تكون لرئيس الجيش أو لرئيس المسافرين، وأن لكل رجل أن يصلي في رحله؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه أمر مناديه أن يقول: صلوا في رحالكم، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا الذي فعله، وهو إنما فعله مقتدياً برسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا كانت ليلة باردة...)

    قوله: [حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب وهو ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ حدثنا مؤمل بن هشام ]. مؤمل بن هشام ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ]. مر ذكرهم.
    ضابط المطر الذي يجوز فيه ترك الجمعة والجماعة

    ليس كل برد يجوز فيه ترك صلاة الجمعة والجماعة، وإنما الذي فيه ضرر على الناس كأن تكون الأرض فيها دحض، وكون المطر يصب على الناس، وكذلك ليس أي برد يقال: إنه مرخص، وإنما الذي فيه ضرر، وأما الذي ليس فيه ضرر فعليهم أن يحضروا. والبلدان التي درجة الحرارة عندهم تحت الصفر دائماً لا يتركون صلاة الجماعة، بل يمشون في الثلج وكأنهم يمشون في القطن.

    طرق وروايات أخرى لحديث (كان إذا كانت ليلة باردة...)


    [ قال أبو داود : رواه حماد بن سلمة عن أيوب ]. حماد بن سلمة ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أيوب و عبيد الله ]. أيوب هو ابن أبي تميمة مر ذكره، و عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال فيه: في السفر ]. كأنه كان في ضجنان كما في الرواية السابقة. [ أو في الليلة القرة ]. يعني: الليلة الباردة. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة . [ عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهم. قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. مر ذكرهما.
    شرح حديث (نادى منادي رسول الله بذلك في المدينة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في المدينة في الليلة المطيرة والغداة القرة) ]. أورد أبو داود هذا الحديث من طريق محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر وقال: إن هذا كان في المدينة، وأنه في الليلة القرة، والحديث جاء من طرق متعددة كلها في السفر، وهنا قال: إنه كان في المدينة، فهذه مخالفة من محمد بن إسحاق ، وهو صدوق يدلس، وقد روى هنا بالعنعنة، فهذه الرواية منكرة؛ لأنها مقابلة لرواية الثقات الذين رووا أنه كان في السفر، لكن الحديث الذي سيأتي فيما يتعلق بالجمعة يدل على جواز هذا عند الحاجة إليه في الحضر، وأنه سائغ وجائز. قوله: [ في الليلة المطيرة والغداة القرة ]. الغداة يعني: الفجر، والقرة هو البرد الشديد. [ قال أبو داود : وروى هذا الخبر يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (في السفر) ]. روى الحديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن ابن عمر وقال: في السفر، بخلاف الرواية السابقة.
    تراجم رجال إسناد حديث (نادى منادي رسول الله بذلك في المدينة)

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج حديثه أصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الباهلي ثقة أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع عن ابن عمر ]. مر ذكرهما. [ روى هذا الخبر يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر مر ذكره.
    شرح حديث: (... ليصل من شاء منكم في رحله)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين حدثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليصل من شاء منكم في رحله) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر : (أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فمطروا، فقال عليه الصلاة والسلام: ليصل من شاء منكم في رحله) قال: من شاء؛ لأنه معذور، ولكن من جاء وصبر على المشقة وأتى المسجد إلى الجماعة الكبرى فإنه فعل الخير، وإنما الشأن في من تخلف وهو غير معذور، ومن أراد أن يتحمل المشقة ويأتي المسجد فهو مأجور على ما أقدم عليه من فعل الخير، وإن كان سيحلقه ضرر في نفسه فليتخلف، وإن كان لا يلحقه ضرر فإنه يأتي إلى المسجد ويصلي مع الجماعة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ليصل من شاء منكم في رحله)


    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن الفضل بن دكين ]. الفضل بن دكين هو أبو نعيم ، مشهور بكنيته وأحياناً يأتي باسمه الفضل بن دكين ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وفائدة معرفة الكنى مهمة في علم المصطلح: ألا يظن الشخص الواحد شخصين، فإذا جاء في إسناد أبو نعيم وجاء في إسناد آخر الفضل بن دكين ، فالذي لا يعرف أن الفضل بن دكين كنيته أبو نعيم سيظن هذا شخص وهذا شخص، والذي يعرف لا يلتبس عليه الأمر. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث ابن عباس في الصلاة في الرحال يوم الجمعة في اليوم المطير


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل أخبرني عبد الحميد صاحب الزيادي حدثنا عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين (أن ابن عباس رضي الله عنهما قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت: أشهد أن محمداً رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة قل: صلوا في بيوتكم، فكأن الناس استنكروا ذلك، فقال: قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والمطر) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال لمؤذنه في يوم مطير بعد أن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله: ألا صلوا في رحالكم بدل أن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح، فكأن الناس استنكروا ذلك لكونه ما قال: حي الصلاة حي على الفلاح وقال: صلوا في الرحال، فقال: إن الجمعة عزمة، وإنني كرهت أن أحرجكم، يعني: إذا سمعوا حي على الصلاة وحي على الفلاح؛ فإنهم سيتحملون المشقة ويقدمون على الذهاب في البرد أو المطر فأمر مؤذنه أن يقول ذلك، فأخبرهم أنه فعله من هو خير منه يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كره أن يحرجهم فيمشوا في الطين والمطر؛ فمن أجل ذلك فعل هذا الفعل، وهذا الحديث يدل على جواز التخلف عن الجمعة والجماعة لأمر يقتضي ذلك كوجود مطر ودحض وشيء يلحق الضرر بالناس. وهذا الحديث هو الذي يطابق الترجمة السابقة: [الجمعة في اليوم المطير]، يعني: كون الإنسان يتخلف عنها ويترك الجمعة والجماعة بسبب المطر الذي يلحق الناس به ضرر، كأن يكون المطر متواصلاً، أو أن الأرض فيها دحض، أو برد أو غير ذلك من الأعذار التي يعذر المتخلف بسببها عن الجمعة والجماعة. قوله: [ (إن الجمعة عزمة) ]. يعني: أمر لازم، ولكن الذي أرشد إليه رخصة، فالجمعة عزمة ويجب الحضور إليها، ولكن عندما يقتضي أمر الترخيص في الحضور فإنه يصار إلى الرخصة عند الحاجة إليها.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في الصلاة في الرحال في يوم الجمعة في اليوم المطير


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مر ذكره. [ حدثنا إسماعيل أخبرني عبد الحميد صاحب الزيادي ]. إسماعيل تقدم ذكره، وعبد الحميد هو ابن دينار ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين ]. عبد الله بن الحارث ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقوله: ابن عم محمد بن سيرين يحتمل أن يكونا أبناء عمومة بسبب المصاهرة أو الرضاع. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    الأسئلة



    وجوب الجمعة في المطر على من لا يلحقهم ضرر


    السؤال: هل تجب صلاة الجمعة على المؤذن والإمام في المطر ولو لم يأت أحد؟


    الجواب: الذي يبدو أن الجمعة لا تترك، ولكن الإذن إنما هو للترخيص؛ ولهذا جاء في الحديث: (ليصل من شاء في رحله) فالجمعة لا تترك، ومن يكون سكنه حول المسجد فإنه يصلي في المسجد، ومن كان يلحقه مشقة أو ضرر فإنه مرخص له، ومن أراد أن يأتي المسجد من غير أن تلحقه مضرة فعل، ومن أراد أن يتخلف فله ذلك.

    حكم قول: (صلوا في رحالكم) بغير العربية


    السؤال: إن كان الأذان في بلد غير عربي، هل يجوز للمؤذن أن يقول: صلوا في رحالكم باللغة المعروفة في ذلك البلد؟


    الجواب: الأذان لا يكون بغير العربية، وإنما يعلمهم إذا في مثل هذه الحالة أنه سيضاف إلى الأذان هذه الكلمة؛ حتى يعرفوها، أما كونه يؤذن بلغة أعجمية فلا يؤذن.


    حكم قول: (والنبي ورب النبي)


    السؤال: ما حكم قول: والنبي ورب النبي؟

    الجواب: قول: والنبي، لا يجوز. النبي صلى الله عليه وسلم هو سيد الخلق، فأنت حافظ على كلمة النبي هذه ولكن هات قبلها رب فقل: ورب النبي، ورب الكعبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقسم به، والكعبة لا يقسم بها، ولا يقسم بالمخلوق أياً كان وإنما يقسم بالخالق سبحانه وتعالى، فينبغي للإنسان إذا كان ألف أن يقول: والنبي أن يعود نفسه أن يأتي بكلمة رب قبل النبي، فيقول: ورب النبي، وبذلك يكون حافظ على هذه الكلمة التي هي لفظ النبي، ويكون حلف بمن يحلف به وهو الله عز وجل.

    كيفية إحرام الحائض بالعمرة

    السؤال: امرأة تريد أن تعتمر وجاءتها الدورة الشهرية فماذا تعمل؟

    الجواب: تغتسل وتتنظف وتحرم من الميقات وإن كان عليها العادة، ولكنها إذا وصلت إلى مكة لا تدخل المسجد حتى تطهر وتغتسل، وإذا طهرت واغتسلت جاءت إلى المسجد وطافت وسعت.

    تقبيل إبهام اليدين عند الأذان من البدع


    السؤال: طالعنا أحد الكتاب في إحدى الصحف المحلية بأمور محدثة وزعم أنها ليست ببدعة، ومن ذلك قوله: إذا قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله فيقبل السامع إبهامي اليدين، ويمسح بهما عينيه، واستدل على ذلك بإنجيل برنابا، فما قولكم في ذلك؟


    الجواب: كون الإنسان ما يجد دليلاً إلا في إنجيل برنابا هذا يدل على الإفلاس، وهذا من الأمور المنكرة التي ما ثبتت عن الرسول عليه الصلاة والسلام، والله تعالى يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، ويقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، فالمعول عليه ما يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا لم يثبت عن المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    زعم أن الجنازة التي تمر أمام قبر النبي عليه الصلاة والسلام تسلم عليه


    السؤال: عند مرور الجنازة أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإن الجنازة تسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيكم بهذا القول؟


    الجواب: الأمور التعبدية تحتاج إلى دليل من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، أما الكلام بغير دليل ومن غير أساس ومن غير مستند فهذا لا عبرة به ولا قيمة له، ومن أين للناس أن يتكلموا في الغيب من غير دليل؟ لا يعلم الغيب إلا الله عز وجل، والأمور الغيبية لا يجوز أن يتكلم فيها إلا بدليل.

    حكم من حج وهو لابس للجوارب جاهلاً


    السؤال: رجل حج قبل ست سنوات وكان لابساً للشراب، ولم يدر أن هذا من محظورات الإحرام، فماذا يعمل الآن؟


    الجواب: عليه فدية، وهي أن يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين، وهو مخير بين هذه الثلاثة الأمور.

    حكم صلاة الجمعة لأهل بادية يسمعون الأذان على بعد خمسة كيلو مترات


    السؤال: جماعة من أهل البادية يسمعون النداء ليوم الجمعة من بعد خمسة كيلومترات بواسطة المكبر الصوتي، فهل سماع النداء المعتمد بدون مكبر، أم يجب عليهم الحضور بمجرد السماع سواءً كان بمكبر أو بغيره، مع العلم أن هذه القرية مسكن لقوم لهم مسجد لا يصلون فيه الجمعة؟


    الجواب: هم في حكم السامع مثل أهل العوالي كانوا يأتون إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ولعله ما كان يصل إليهم صوت الأذان، ولكنهم في حكم السامع.

    حكم اشتراط المصر الجامع في صلاة الجمعة


    السؤال: استدل الأحناف بلفظة (ينتابون) على عدم جواز إقامة الجمعة في القرى، ويشترطون لإقامتها وجود مصر، فهل هذا صحيح؟


    الجواب: سيأتي في الأبواب القادمة الجمعة في القرى إذا كان هناك استيطان، ولا يلزم أن يكون هناك مصر، وكلمة ينتابون تعني أنهم يأتون من أطراف قريبة من مزارع وبساتين، فهذه أطراف، وليس معنى ذلك أن القرى التي هي نائية وبعيدة وليس حولها مسجد جامع يصلون فيه لا يجمِّعون، فما داموا مستوطنين ومستقرين في نفس القرية فيجمِّعون ولو كانوا قليلين، فالقرى والمدن كلها يجمع فيها، فأهل القرية التي ليست مصراً، وهي صغيرة ولكنها بعيدة ومستقلة يجمِّعون، وأي شيء يمنع من صلاتهم الجمعة؟!

    حكم اشتراط المرأة أن يكون الطلاق بيدها


    السؤال: نقل عنكم يا شيخ قولكم: إذا اشترطت المرأة لنفسها الطلاق في العقد فلها ذلك، فهل هذا صحيح؟


    الجواب: لا، لكن لها أن تشترط أنه لا يتزوج عليها، هذا الذي قلته، وأما كونها تشترط أن الطلاق يكون بيدها فهذا لا يصح؛ لأن الطلاق لمن أخذ بالساق.

    حكم صلاة الجمعة لمن كانوا في مكان نزهة وليسوا مسافرين


    السؤال: كنا في نزهة ولسنا بمسافرين، وكان ذلك يوم الجمعة، فهل علينا أن نصلي جمعة علماً بأنه يوجد مسجد بقرية قريبة منا لكنهم لا يصلون فيه الجمعة؟

    الجواب: لا يجوز لمن كانوا في نزهة أن يجمِّعوا، ولا يصلح أن الناس في يوم الجمعة يذهبون للنزهة ويتركون الجمعة، ولكن إذا احتاجوا إلى ذلك فيذهبون ويكونون وقت صلاة الجمعة في مكان قريب من مسجد تقام فيه جمعة، فإذا جاء الوقت صلوا معهم، أما كونهم يتركون الجمعة ويذهبون للتنزه فهذا خطأ، فإن الناس يأتون إلى الجمعة من العوالي وهؤلاء يخرجون ويتركونها!

    حكم قراءة السجدة في الركعتين في صلاة الفجر يوم الجمعة


    السؤال: لنا إمام يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورة السجدة اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكنه يقرأ بسورة السجدة فقط في الركعتين فهل هذا جائز؟

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يختم سورة السجدة في الركعتين، ولكنه يقرأ سورة السجدة في الركعة الأولى، ويقرأ سورة الإنسان في الركعة الثانية، فالإنسان عليه أن يقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام فيفعل كما فعل صلى الله عليه وسلم.


    حكم الجمع للمطر بين المغرب والعشاء


    السؤال: هل يمكن الجمع عند المطر بين صلاة المغرب والعشاء؟ وما الدليل على ذلك؟

    الجواب: نعم، وقد ورد ما يدل على ذلك في الليلة المطيرة، فللناس أن يجمعوا بين المغرب والعشاء في وقت المغرب.

    حكم جمع العصر مع الجمعة


    السؤال: هل يجوز جمع العصر مع الجمعة؟

    الجواب: هذه مسألة خلافية، والذي ينبغي للإنسان ألا يجمع بين الجمعة والعصر، وبعض مشايخنا مثل محمد بن إبراهيم والشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ العثيمين يرون أن ذلك لا يجوز، وبعض أهل العلم يقول: إنه جائز، لكن الأحوط للإنسان ألا يفعل ذلك، بل إن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله يأمر من فعل ذلك بالإعادة كما في فتاواه، وكون الإنسان لا يفعل هذا هو الذي ينبغي وإن وجد من يقول به، (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).

    حكم من لبس المخيط في العمرة للحاجة


    السؤال: عندي شلل برجلي ولا أستطيع عند أداء العمرة إلا لبس المخيط في رجلي، وأنا أعلم أنه لا يجوز لبس المخيط للمحرم فماذا أعمل؟

    الجواب: البس وعليك الفدية، وهي: إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام.

    حكم الحلف برب المصحف

    السؤال: ما حكم الحلف برب المصحف؟


    الجواب: ليس للإنسان أن يحلف برب المصحف؛ لأن المصحف فيه كلام الله وفيه غير كلام الله، فالورق والحبر والغلاف هذا مخلوق، والكلام الذي فيه غير مخلوق، فالمصحف يشتمل على هذا وهذا، فاللفظ فيه احتمال وإشكال، والألفاظ المحتملة المشكلة ليس للإنسان أن يحلف بها لما فيها من الاحتمال، وإنما يقول إذا أراد أن يحلف: والقرآن أو يقول: وربي، أما أن يقول: ورب المصحف، فلا، فينبغي للإنسان أن يبتعد عن الألفاظ التي فيها شبهة واحتمالات، وخير له أن يأتي بلفظ ليس فيه احتمال."






  8. #168
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [135]
    الحلقة (166)





    شرح سنن أبي داود [135]

    يوم الجمعة يوم عظيم، وقد شرع الله تعالى فيه صلاة الجمعة، وهي تتعلق بها جملة من الأحكام الشرعية، منها وجوبها وفرضيتها على كل مسلم إلا المرأة والعبد والمريض والمسافر والصبي، ومن أحكامها ما يتعلق باجتماعها مع أحد العيدين، ويسن أن يقرأ الإمام فيها بسورتي الجمعة والمنافقون وفي فجرها بالسجدة والإنسان.

    الجمعة للمملوك والمرأة


    شرح حديث (الجمعة حق واجب على كل مسلم...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الجمعة للمملوك والمرأة. حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثني إسحاق بن منصور حدثنا هريم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض). قال أبو داود : طارق بن شهاب قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئاً ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب: الجمعة للمملوك والمرأة] أي: ما حكمها في حقهما؟ ومعلوم أن المرأة لا تجب عليها الجمعة بإجماع العلماء، والمملوك فيه خلاف بين أهل العلم: منهم من قال بوجوبها عليه إذا كان مخارجاً، أي: متفقاً معه على أن يعمل ويعطي لسيده خراجاً معلوماً، فإنه يكون في هذه الحالة مثل الحر، يتصرف في نفسه، وهو مستقل بعمله، وإنما يدفع لسيده خراجاً معلوماً من المال، وإلا فإنه يتصرف تصرف الأحرار، فإذا كان المملوك غير مرتبط بعمل يعذر صاحبه في التخلف عن الجمعة فإنه يكون حكمه حكم الحر، بمعنى: أن عليه أن يحضر الصلاة، وأما إذا كان غير متمكن أو كان مكلفاً بعمل والأمر يقتضي بقاءه في عمله فإنه يكون معذوراً. وقد أورد أبو داود رحمه حديث طارق بن شهاب رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة)] وهذا فيه أن الجمعة من فروض الأعيان، وأنها فرض عين على كل مسلم، وأنها ليست من قبيل فروض الكفايات، وإنما هي من فروض الأعيان. وقوله: [(على كل مسلم في جماعة)] دليل على أن الجمعة تؤدى جماعة. وقوله: [(إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض)] الصبي مثل المرأة باتفاق العلماء، فالجمعة لا تجب عليه؛ لأنه غير مكلف، ولكن وليه مأمور بأن يأمره أن يصلي وأن يعوده على حضور الجمعة والجماعة، لكنه لا يأثم إذا لم يحصل منه حضور الجمعة والجماعة. وكذلك المريض أيضاً يعذر في ترك الجمعة والجماعة إذا كان لا يستطيع أو يلحقه ضرر بحضور الجماعة، فإنه معذور، قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]. ولو حضر الجمعة أحد المعذورين فإنها تجزئه عن الظهر، فهؤلاء الذين لا تجب عليهم الجمعة إذا حضروا الجمعة أجزأتهم الجمعة، ويسقط عنهم ما كان عليهم من الفرض في ذلك الوقت. والمسافر إذا كان سائراً فإنه لا تجب عليه الجمعة، ولكنه إذا حضر وصلى أجزأته، وإذا كان في البلد مقيماً فإن حكمه حكم المقيمين إذا سمع النداء فعليه أن يشهد الصلاة، ولا يجلس في بيته وهو مستقر مقيم، أما المسافر السائر فلا تلزمه الجمعة، ولكن إذا كان هناك مسجد في الطريق ونزل وصلى فيه فلا شك في أن ذلك خير.

    تراجم رجال إسناد حديث (الجمعة حق واجب على كل مسلم...)


    قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ]. هو عباس بن عبد العظيم العنبري البصري، ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني إسحاق بن منصور ]. هو إسحاق بن منصور السلولي صدوق أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وإسحاق بن منصور اثنان: أحدهما: إسحاق بن منصور الكوسج ، والثاني: إسحاق بن منصور السلولي ، وهما في طبقتين، فإذا جاء في طبقة شيوخ البخاري وأهل السنن فهو إسحاق بن منصور الكوسج ، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخهم فهو إسحاق بن منصور السلولي . [ حدثنا هريم ]. وهريم بن سفيان، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ]. إبراهيم بن محمد بن المنتشر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس بن مسلم ]. قيس بن مسلم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طارق بن شهاب ]. طارق بن شهاب رضي الله عنه صحابي صغير رأى النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو داود : [لم يسمع منه شيئاً] وحديثه من مراسيل الصحابة، ومراسيل الصحابة مقبولة وحجة؛ لأنهم غالباً إنما يروون ويأخذون ويتلقون عن الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الجمعة في القرى


    شرح حديث (ذكر أول جمعة جمعت في الإسلام ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الجمعة في القرى. حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن عبد الله المخرمي -لفظه- قالا: حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إن أول جمعة جمعت في الإسلام بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة لجمعة جمعت بجواثا قرية من قرى البحرين) قال عثمان : قرية من قرى عبد قيس ]. أورد أبو داود رحمه الله: [باب الجمعة في القرى] يعني أنها تكون في القرى كما تكون في المدن وليست مقصورة على المدن الكبيرة التي فيها المنازل الكثيرة، وإنما القرية التي فيها عدد قليل من الناس مستوطنون، ولهم أبنية هم ساكنون فيها، وليسوا رحلاً ينتقلون من مكان إلى مكان طلباً للعشب كما هو شأن أهل البادية الذين يتتبعون العشب ونزول الأمطار. فإذا كان هناك أناس مستوطنون في قرية فإنها تجب عليهم الجمعة، وليس لهم أن يتركوا الجمعة ويصلوا ظهراً، بل عليهم أن يصلوا الجمعة، وليس الأمر مقصوراً على المدن الكبار، وإنما القرى أيضاً حكمها حكم المدن. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس في قصة عبد القيس وأول جمعة جمعت بعد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك في مسجد جواثا، وهي قرية من قرى البحرين، وهي لعبد القيس من قبيلة ربيعة، الذين وفدوا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام في زمن مبكر وقالوا: (يا رسول الله! إنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر نعمل به ونخبر به من وراءنا) فالرسول صلى الله عليه وسلم علمهم، وبعد رجوع وفدهم صلوا الجمعة في مسجدهم، وكان قدومهم إلى المدينة في زمن مبكر حيث لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يوصيهم، وأخبروه أن بينهم وبينه كفار مضر، وأنهم لا يستطيعون أن يأتوا إليه إلا في الشهر الحرام الذي يعظمه الكفار، فأوصاهم الرسول صلى الله عليه وسلم بوصايا، وسألوه أسئلة وأجابهم عنها صلى الله عليه وسلم. والمقصود أنهم جمعوا في قرية، وهذا دليل على مشروعية إقامة الجمع في القرى، وليس الأمر خاصاً بالأمصار والمدن، بل هو لها ولغيرها مما فيه الاستيطان والاستقرار، فهذا يدل على ما ترجم له المصنف من إقامة الجمعة في القرى كما تقام في المدن. وقرية جواثا في بلاد البحرين، والمقصود ببلاد البحرين جهة شرق الجزيرة على الساحل، والآن في اصطلاح الناس تطلق على الجزر التي في وسط البحر، لكن البحرين قديماً كانت تطلق على المنطقة التي على الساحل كلها. وبالنسبة للبدو الرحل الذين يقيمون في مكان قرابة ستة أشهر مثلاً فإنهم لا يجمعون ولو مكثوا طويلاً؛ لأن من شرط التجميع الاستقرار في قرى، وليس في بيوت شعر ينتقلون من مكان إلى مكان ويتحولون من مكان إلى مكان طلباً للعشب.

    تراجم رجال إسناد حديث (ذكر أول جمعة جمعت في الإسلام ...)


    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و محمد بن عبد الله المخرمي ]. هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ لفظه ]. يعني أنه ساق لفظ الشيخ الثاني، الذي هو محمد بن عبد الله بن المبارك . [ قالا: حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن طهمان ]. إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي جمرة ]. هو نصر بن عمران الضبعي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي جمرة ، وهو يروي عن ابن عباس ، ويوجد آخر يشابهه في الرسم وهو أبو حمزة يروي عن ابن عباس ، والتصحيف يمكن أن يكون بينهما، فهذا أبو جمرة وذاك أبو حمزة فليس بينهما فرق إلا في النقط، والأول هو المكثر من الرواية عن ابن عباس ، بل جاء في صحيح البخاري في باب أداء الخمس من الإيمان أن ابن عباس قال له: (ألا أجعل لك جعلاً على أن تبلغ عني)، يعني أن يبلغ الذي يحدث به ابن عباس لمن لا يسمع لبعد مكانه، ولهذا قال الحافظ ابن حجر : وهو حجة في اتخاذ المحدث المستملي. فأبو جمرة كان ملازماً لابن عباس ، ويروي عن ابن عباس كثيراً، بخلاف أبي حمزة القصاب الذي كنيته قريبة في الرسم من كنية أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي . [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.

    شرح أثر ترحم كعب بن مالك على أسعد بن زرارة لجمعه بهم أول جمعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك -وكان قائد أبيه بعد ما ذهب بصره- عن أبيه كعب بن مالك رضي الله عنه: (أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة ! قال: لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات، قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون) ]. أورد أبو داود حديث كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصحابي المشهور صاحب القصة المشهورة في التخلف عن تبوك، وأورد عنه أبو داود رضي الله عنه هذا الحديث الذي فيه أن ابنه عبد الرحمن كان قائده لما عمي وفقد بصره، وكان أبوه إذا سمع الأذان يوم الجمعة ترحم على أسعد بن زرارة ، فسأله ابنه عن سبب هذا الترحم عليه، فأخبره بأنه يتذكر أول جمعة جمعت، وكان الذي صلى بهم الجمعة وجمع بهم هو أسعد بن زرارة رضي الله تعالى عنه، وكان ذلك في المدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إليها، وكان ذلك في هزم النبيت في حرة بني بياضة، يعني: في ذلك المكان جمع بهم وصلى بهم الجمعة، وهو أول من صلى بهم الجمعة، وكان عدد المصلين أربعين، وهذا يدل على إقامتها في القرى. واستدل به بعض أهل العلم على أن عدد المصلين يوم الجمعة لا يقل عن أربعين؛ لأن أول جمعة جمعت كان عددهم فيها أربعين، قالوا: فلا ينقص العدد في الجمعة عن أربعين، لكن هذا الحديث لا يدل على اشتراط الأربعين، وإنما فيه بيان أنه حصل اتفاقاً أنهم كانوا أربعين، فليس فيه دليل على اشتراط هذا العدد، وأنه لا ينقص عدد المصلين يوم الجمعة عن هذا العدد، بل يجوز أقل من ذلك، ففي الحديث أن الصحابة لما سمعوا بالعير ذهبوا وما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً، بل يجوز أن يصلي الجمعة ثلاثة إذا كانوا أهل القرية، وهم مستقرون ومستوطنون، فإنهم يصلون الجمعة والجماعة؛ لأنه لم يأت حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقدار عدد الذين تنعقد بهم الجمعة. والجمعة التي صلاها أسعد بن زرارة بأهل المدينة كانت قبل الهجرة، قبل أن يبنى مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، وقبل أن يبنى مسجد قباء.

    تراجم رجال إسناد أثر ترحم كعب بن مالك على أسعد بن زرارة لجمعه بهم أول جمعة


    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن محمد بن أبي أمامة بن سهل ]. هو محمد بن أمامة بن سهل بن حنيف، ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. هو أبو أمامة بن سهل بن حنيف، واسمه أسعد ، وقيل: إن له رؤية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ]. عبد الرحمن بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم وذكرهم في آخر سورة التوبة بقوله تعالى: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِي نَ وَالأَنصَارِ [التوبة:117] إلى أن قال: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ [التوبة:118].. الآية، فكعب بن مالك رضي الله عنه هو أحد هؤلاء الثلاثة، وقد نجاه الله بالصدق، ولهذا لما ذكرهم الله عز وجل قال بعد الآية التي فيها ذكرهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] أي: كونوا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الصدق.
    إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد


    شرح حديث (أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل حدثنا عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رملة الشامي أنه قال: (شهدت معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وهو يسأل زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: من شاء أن يصلي فليصل) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب: إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد] يعني: إذا وافق عيد الأضحى أو عيد الفطر يوم الجمعة فما الحكم؟ هل يلزم كل مسلم أن يصلي العيد وأن يصلي الجمعة، أو أنه إذا حضر العيد فإنه يجزئه عن الجمعة، بمعنى أنه لا يلزمه حضورها ولكنه يصلي ظهراً حيث لم يحضر الجمعة؟ والجواب أن من صلى العيد فإنه مرخص له أن يتخلف عن الجمعة، ولا يلزمه أن يحضر العيد ويحضر الجمعة، بل إذا حضر العيد فإنه مرخص له أن يتخلف عن الجمعة، فأهل الأطراف وأهل العوالي وأهل الأماكن البعيدة الذين يأتون من خارج البلد إذا قدموا للعيد في ذلك اليوم فلهم أن يرجعوا إلى أماكنهم ولا يصلون الجمعة ذلك اليوم، ولا يلزمهم أن يعودوا مرة ثانية إلى الجمعة، ولا يلزمهم أن يبقوا من أجل أن يصلوا الجمعة إذا جاءوا لصلاة العيد؛ لأن الاجتماع الأعظم الكبير الذي اعتادوه في كل يوم جمعة قد حصل في صلاة العيد، فلهذا جاء الترخيص لهم بأن يتخلفوا، ولكنهم إذا تخلفوا لا بد من أن يصلوا الظهر؛ لأن فرض الظهر لا بد منه، فهو لا يسقط، والله تعالى فرض خمس صلوات في كل يوم وليلة، سواءٌ أكان يوم عيد وافق جمعة أم غير ذلك، فلا بد من أداء الصلوات الخمس في كل يوم وليلة، ولكن إذا حصل اجتماع يوم عيد مع الجمعة فإنه يرخص في التخلف عن الجمعة؛ لأن الاجتماع الذي كان مطلوباً في الجمعة قد وجد في صلاة العيد في ذلك اليوم، ففي الحديث دليل على أن من حضر العيد يرخص له في ترك الجمعة، وأن من أراد أن يصلي الجمعة فلا شك في أن ذلك خير له وأفضل وأولى، ولكن من حضر العيد فليس ملزماً بالجمعة، وليس آثماً لو تخلف عن الجمعة، لكن لا بد من صلاة الظهر. وفيه إطلاق العيد على الجمعة، وأن يوم الجمعة يقال له: يوم عيد، فهو عيد الأسبوع؛ لأن الحديث فيه [أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟] فقال: نعم. يعني: اجتمع في يوم واحد الجمعة والعيد، فهذا يدلنا على إطلاق لفظ العيد على الجمعة وأنه يقال له: يوم عيد، وهو عيد المسلمين الأسبوعي، ولهذا جاء النهي عن إفراده بالصوم، ولكن إذا صيم ومعه غيره فلا بأس بذلك، وأما إذا صيم وحده فإن ذلك لا يجوز، والنبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على أم المؤمنين جويرية وقد صامت يوم الجمعة قال لها: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) فدل هذا على أنه لا يجوز إفراده بالصوم ولكن يصام معه يوم قبله أو يوم بعده أو قبله وبعده. ففيه إطلاق العيد على الجمعة، وقد جاء ذلك في بعض الآثار كما في خطبة أمير المؤمنين عثمان بن عفان التي أوردها البخاري في صحيحه حيث خطب الناس وقال لهم: (إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان).

    تراجم رجال إسناد حديث (أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم)


    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عثمان بن المغيرة ]. عثمان بن المغيرة ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن إياس بن أبي رملة الشامي ]. إياس بن أبي رملة الشامي مجهول أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن زيد بن أرقم ] هو زيد بن أرقم رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث في سنده مجهول، ولكن له شواهد، فهو ثابت، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما دل عليه، فالحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    شرح أثر ترك ابن الزبير صلاة الجمعة والظهر يوم العيد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن طريف البجلي حدثنا أسباط عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: (صلى بنا ابن الزبير رضي الله عنهما في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحداناً، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال: أصاب السنة) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن ابن الزبير رضي الله عنه صلى بهم أول النهار صلاة العيد ثم ذهبوا إلى صلاة الجمعة فلم يخرج إليهم فصلوا وحداناً، ولما أخبروا ابن عباس بالذي صنع ابن الزبير قال: [أصاب السنة] أي: في كون الجمعة ليست بلازمة على من حضر العيد، لكن بعض أهل العلم قال: إن الإمام عليه أن يجمع ويحضر معه من يحضر، وقد جاء في حديث أبي هريرة الذي سيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإنا مجمعون) لما رخص للناس في التخلف عن الجمعة، فدل قوله: (وإنا مجمعون) على أن من أراد أن يحضر فليحضر، ولكنه ليس بلازم؛ لأن المقصود من الاجتماع الأسبوعي الذي يجتمع فيه العدد الكبير من المسلمين قد تحقق ذلك في هذا اليوم في صلاة العيد، فمن حضره فإنه مرخص له أن يتخلف عن الجمعة؛ لأن الاجتماع الذي يحصل في كل أسبوع قد وجد في أول النهار. وقول ابن عباس رضي الله عنه: [أصاب السنة] أي: أصاب سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابي إذا قال: (هذا سنة) أو: (هذا من السنة) فله حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والظاهر أن ابن الزبير صلى في بيته وما خرج إليهم للجمعة، لكن حديث أبي هريرة الذي سيأتي فيه أن الإمام يجمع وأن من شاء أن يتخلف عن الجمعة فله ذلك ولا يأثم، ولا يؤاخذ، ولا يعاقب، وهذا الذي جاء عن ابن الزبير رضي الله تعالى عنه وأرضاه فيه دلالة على أنهم ما تركوا صلاة الظهر، وإنما جاءوا من أجل الجمعة، ولكنه لما لم يحضر صلوا وحداناً، أي: صلوا الظهر؛ لأن الظهر هي فرض الوقت، وهي ضمن خمس صلوات في كل يوم وليلة، فقد قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ حين بعثه إلى أهل اليمن: (فإن هم أجابوك لذلك - أي: للشهادتين والدخول في الإسلام - فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة) فلا تسقط الصلاة في أي يوم من الأيام عن أحد من الناس المكلفين، بل هي لازمة لهم ومتعينة عليهم، والإنسان يصلي على حسب طاقته وقدرته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وعلى هذا فمن قال من أهل العلم: إن صلاة الظهر تسقط يوم العيد، وإن الإنسان لا يصلي الظهر في ذلك اليوم فقوله غير صحيح، والصحيح أنها تصلى كما كانت في الأصل، فهي فرضت ظهراً أولاً، والجمعة فرضت فيما بعد، ولهذا فإن من لا يحضر الجمعة فإنه يبقى على الأصل فيصلي ظهراً كالنساء وكغير النساء ممن لا يحضر الجمعة، فمن تخلف عن الجمعة فإنه يصلي ظهراً ولا يصلي جمعة؛ لأن الجمعة لا بد فيها من الصلاة على الهيئة المعروفة التي يتقدمها الخطبتان، وتصلى ركعتين، وأما الظهر فهي الأصل، ومن لا يحضر الجمعة فإن فرضه الظهر ولا تسقط عنه الظهر بحال من الأحوال، فالقول بأنها تسقط يوم العيد وأنها لا تصلى في ذلك اليوم غير صحيح، وليس هناك دليل واضح يدل عليه، وحديث أبي هريرة الذي سيأتي يدل على أنها لا تسقط، وكذلك حديث زيد بن أرقم يدل على أنها لا تسقط، وأثر ابن الزبير ليس فيه دليل على أنه ما صلى الظهر؛ لأن أصحابه جاءوا للصلاة. وقوله: [ (قال: فلم يخرج إلينا فصلينا وحداناً) ] يفيد أنهم صلوا وحداناً، فيحتمل أن يكون معنى (وحداناً) أنهم كانوا يصلون جماعات متتابعة، ويحتمل أن كل واحد منهم صلى الظهر وحده، و ابن الزبير صلى الظهر في بيته. وقول ابن عباس : [أصاب السنة] يعني كونه ما حصل منه الإلزام بصلاة الجمعة، لعل هذا هو المقصود، وإلا فحديث أبي هريرة واضح في وقوع التجميع من الإمام، فالمسجد الذي تصلى فيه الجمعة لا تترك فيه الجمعة، بل يصلي الإمام الجمعة مع من يحضر معه. ومن لم يحضر العيد يلزمه أن يحضر الجمعة؛ لأن الترخيص إنما هو لمن شهد صلاة العيد، وهذا من الأدلة التي يستدل بها بعض أهل العلم على أن العيد فرض عين، فمن أقوى أدلتهم على أنها فرض عين كون من حضر العيد تسقط عنه الجمعة ويرجع إلى الظهر، فلولا أن العيد فرض عين لما كانت الظهر تجزئ عن الجمعة. ومن لم يحضر الجمعة هل يصلي الظهر منفرداً أو في جماعة؟ الأظهر أن الأمر يرجع إلى ما كان عليه في غير يوم الجمعة، ومن المعلوم أن الجماعة واجبة ولازمة، وأن الناس يصلون جماعات في مساجدهم، وإنما الذي سقط عنهم كونهم ملزمين بأن يتركوا مساجدهم ويذهبوا إلى الجمعة، وإذا صلى الإنسان جماعة حصل المقصود، وإن لم يصل جماعة فإنه يصلي الظهر وحده.

    تراجم رجال إسناد أثر ترك ابن الزبير صلاة الجمعة والظهر يوم العيد


    قوله: [ حدثنا محمد بن طريف البجلي ]. محمد بن طريف البجلي صدوق أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا أسباط ]. هو أسباط بن محمد القرشي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن أبي رباح ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره.

    شرح أثر صلاة ابن الزبير العيد والجمعة في ركعتين

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن خلف عن أبي عاصم عن ابن جريج أنه قال: قال عطاء : (اجتمع يوم الجمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير رضي الله عنهما فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر) ]. هذه الرواية عن ابن الزبير مشكلة، وهي تختلف عن الرواية السابقة، والرواية السابقة هي الأوضح والأنسب والأليق في حق ابن الزبير رضي الله تعالى عنه، وأنه ما اكتفى بصلاة العيد عن الجمعة، والرسول عليه الصلاة والسلام أخبر أنه سيصلي العيد وأنه سيجمع، فهذه غير هذه، ولا تكون صلاة واحدة يجتمع فيها صلاتان، والروايتان كلاهما عن عطاء بن أبي رباح ، وهي حكاية فعل حصل من ابن الزبير ، وعلى هذا فالرواية الأرجح هي الأولى التي جاءت من طريق الأعمش ، فهي أرجح من الطريق التي جاءت من طريق ابن جريج المكي ، وفيها أن ابن الزبير ركعهما ركعتين عن الجمعة وعن العيد في الصباح، وأنه لم يزد عليهما حتى صلى العصر، ومعنى هذا أنه لم يصل الجمعة ولا الظهر، فالإشكال في كونه جمعهما فصلى صلاة واحدة عن العيد وعن الجمعة، وهذا غير مستقيم؛ لأن الجمعة شيء والعيد شيء، ولكن الشيء الذي جاءت به السنة أن من حضر العيد يمكنه أن يتخلف عن الجمعة، وأن أهل الأطراف وأهل العوالي الذين جاءوا في الصباح ليحضروا صلاة العيد إذا رجعوا إلى منازلهم وإلى أماكنهم لهم أن يصلوا الظهر جماعة، ولكن كونه يأتي بصلاة واحدة وينوى بها صلاة الجمعة والعيد غير مستقيم، وهذه حكاية من عطاء لما حصل من ابن الزبير ، والرواية الأولى تفيد أنهم صلوا العيد ثم جاءوا للجمعة، وأنه لم يخرج إليهم هي الأظهر والأقرب، وبعض أهل العلم يقولون: الظهر تسقط عمن حضر العيد، ويستدلون بهذه الرواية عن ابن الزبير ، وهي أنه صلى في الصباح ثم لم يحصل أنه صلى إلا العصر، ويفهم من هذا أنه ما صلى الظهر، ولكن هذا غير واضح، والرواية الأولى هي الأظهر، وهي لا تدل على أنه جمعهما في صلاة واحدة، ونوى بهما الجمعة والعيد.

    تراجم رجال إسناد أثر صلاة ابن الزبير العيد والجمعة في ركعتين


    قوله: [ حدثنا يحيى بن خلف ]. يحيى بن خلف صدوق أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مدلس، وهنا روى بـ(قال)، و(قال) مثل (عن)، فهناك احتمال سقوط واسطة بين ابن جريج وبين عطاء بن أبي رباح . [ قال عطاء ]. عطاء بن أبي رباح مر ذكره. وابن الزبير هو عبد الله بن الزبير بن العوام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام.

    لابد من صلاة الجمعة أو الظهر في يوم العيد إذا وافق الجمعة


    ورواية الأعمش هي الموافقة لما جاء في الروايات الأخرى التي في حديث زيد بن ثابت وحديث أبي هريرة، متفقة معها من جهة أن الظهر تصلى، وأنه لا يكتفي بصلاة العيد عن صلاة الجمعة والظهر، والرواية السابقة التي فيها إقرار ابن عباس لابن الزبير وقوله: (أصاب السنة) هي حكاية من عطاء ، وقول ابن عباس : (أصاب السنة) يحمل على الروايات الأخرى التي فيها بقاء الظهر وعدم سقوطها، وبعض الإخوان في جامعة أم القرى كتب بحثاً خاصاً في هذه المسألة، ورجح أن صلاة الظهر لا تسقط يوم العيد، وسماها: (الطهر في أداء صلاة الظهر) يعني: إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد، وهي رسالة مطبوعة. والألباني صحح هذه الرواية وغيرها، لكنها مشكلة في الحقيقة؛ لأن ظاهرها أنه جمع بينهما، وبعض أهل العلم قال: إنه اعتبر الجمعة هي الأصل والعيد تبعاً لها، يعني أنه أتى بالجمعة قبل الزوال، لكن الروايات عن ابن الزبير ليس فيها شيء من هذا، ولا أنه نوى بالعيد الجمعة، بل الذين صلوا معه العيد جاءوا بعد ذلك ليصلوا الجمعة كالمعتاد.

    شرح حديث (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المصفى و عمر بن حفص الوصابي المعنى، قالا: حدثنا بقية حدثنا شعبة عن المغيرة الضبي عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون) قال عمر : عن شعبة ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه اجتمع عيدان -عيد الأضحى أو الفطر- في يوم جمعة الذي هو عيد الأسبوع، فقال صلى الله عليه وسلم: [(فمن شاء أجزأه من الجمعة)] أي: يكفيه عن الجمعة [(وإنا مجمعون)] فمن حضر معنا وأدى معنا الجمعة حصل منه الاجتماع الأول والاجتماع الثاني، ومن اكتفى بالاجتماع الأول الذي هو العيد فإنه يجزئه عن الحضور للجمعة، ومعنى هذا أن أهل الأطراف وأهل العوالي إذا جاءوا في الصباح ورجعوا لا يأتون إلى الجمعة، بل يصلون الظهر في مساجدهم وفي أماكنهم.
    تراجم رجال إسناد حديث (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان)

    قوله: [ حدثنا محمد بن المصفى ]. محمد بن المصفى صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و عمر بن حفص الوصابي ]. عمر بن حفص الوصابي مقبول أخرج حديثه أبو داود . [ المعنى ]. يعني: هذان الشيخان متفقان في المعنى مع اختلاف الألفاظ. [ قالا: حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة الضبي ]. هو المغيرة بن مقسم الضبي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا هو الذي قيل عنه أنه احتلم وعمره ثلاث عشر سنة، وأعجب منه أن عمرو بن العاص رضي الله عنه حيث ولد له وعمره ثلاث عشرة سنة، فقد كان بينه وبين ابنه عبد الله ثلاثة عشر عاماً، فدل على أنه احتلم في سن مبكر. [ عن عبد العزيز بن رفيع ]. عبد العزيز بن رفيع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. أبو صالح هو ذكوان السمان، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال عمر : عن شعبة ]. يعني أن في رواية الشيخ الأول -وهو محمد بن المصفى - قال بقية : حدثنا شعبة ، وأما في رواية الشيخ الثاني -وهو عمر الوصابي - فإن رواية بقية فيها بالعنعنة، و بقية مدلس، وقد صرح بالتحديث في رواية الشيخ الأول، ومعنى هذا أن الشيخين لم يتفقا في صيغة بقية .

    ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة



    شرح حديث (قراءته صلى الله عليه وسلم بالسجدة والإنسان في صبح يوم الجمعة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة. حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن مخول بن راشد عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة تنزيل السجدة و هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الإنسان:1]) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة] يعني: ما هي السور التي تقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة؟ وأورد حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيهما بـ(الم) السجدة و (( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ )) قيل: الحكمة من الإتيان بهاتين السورتين اشتمالهما على أحوال الموت والبعث؛ وذلك أن يوم الجمعة هو اليوم الذي تقوم فيه الساعة، وهو الذي يحصل فيه البعث والنشور كما سبق أن مر في فضل يوم الجمعة، وفيه الصعقة، وفيه النفخة، فقراءة هاتين السورتين في يوم الجمعة تذكير بما سيجري في ذلك اليوم من البعث والنشور وما إلى ذلك، وليس المقصود من قراءة سورة السجدة كون السورة فيها سجدة، وأن للإنسان أن يقرأ سورة أخرى فيها سجدة تغني عن سورة السجدة، ليس هذا هو المقصود؛ لأنه لا يوجد ما يدل على أن المقصود السجدة، ولكن اختيار هاتين السورتين وهما مشتملتان في أوائلهما على البعث وعلى الموت هو السبب في اختيارهما والإتيان بهما في صلاة الصبح. وبعض أهل العلم يقول: لا يداوم على قراءتهما حتى لا يعتقد العوام أنها واجبة ولازمة، فإذا حصلت المداومة عليهما يوم الجمعة وتركت قراءتهما مرة لاستغرب العوام وتعجبوا من ذلك، فلا ينبغي المداومة عليهما باستمرار بحيث لا يتركهما أبداً، ولكن يقرأ بهما كثيراً، أما قراءة سورة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] في صلاة الجمعة فقد ثبتت بذلك السنة، وجاء فيها قراءة سورة الجمعة والمنافقون.

    تراجم رجال إسناد حديث (قراءته صلى الله عليه وسلم بالسجدة والإنسان في صبح يوم الجمعة)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مخول بن راشد ]. مخول بن راشد، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسلم البطين ]. هو مسلم بن عمران البطين، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ] قد مر ذكره.
    شرح حديث قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقون

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن مخول بإسناده ومعناه، وزاد في صلاته الجمعة (بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون) ]. هذه طريق أخرى، وفيها زيادة أنه كان يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة وسورة المنافقين، قيل: الحكمة من قراءة سورة الجمعة وسورة المنافقون في صلاة الجمعة هي أن الجمعة مشتملة على ذكر شيء من أحكام الجمعة، وفيها تذكير بالجمعة وبالذكر بعد الجمعة وابتغاء فضل الله بعد الجمعة. وأما سورة المنافقون فقيل: يقرأ بها ليسمع المنافقين الذين يحضرون الجمعة، ففي هذه السورة فضحهم وبيان مخازيهم وبيان ما هم عليه من الشر، وما أصابهم من البلاء العظيم في وقوعهم في النفاق.
    تراجم رجال إسناد حديث قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقون

    قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. مسدد بن مسرهد مر ذكره، و يحيى هو ابن سعيد القطان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. مر ذكره. [ عن مخول ]. مر ذكره. [ بإسناده ومعناه ]. يعني: بالإسناد الذي تقدم بعد مخول ، وأيضاً بمعنى المتن، ولكن فيه هذه الزيادة التي تتعلق ببيان القراءة في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقون."




  9. #169
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [136]
    الحلقة (167)





    شرح سنن أبي داود [136]

    للجمعة أحكام وآداب على المسلم أن يراعيها، ومن ذلك استحباب لبس أحسن الثياب لها، والتبكير إليها، وعدم التحلق قبل الصلاة، والانشغال بالذكر والصلاة إلى أن يأتي الإمام.

    اللبس للجمعة


    شرح حديث حلة عطارد


    [ قال المصنف رحمه الله تعالى: باب اللبس للجمعة. حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر (أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء -يعني: تباع عند باب المسجد- فقال: يا رسول الله! لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة) ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة، فقال عمر : كسوتنيها -يا رسول الله- وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أكسكها لتلبسها، فكساها عمر أخاً له مشركاً بمكة) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب اللبس للجمعة] يعني: لبس الثياب الحسنة والجميلة والنظيفة للجمعة، والمقصود من هذا أن الجمعة يتجمل لها بلبس أحسن الثياب، وقد وردت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث الذي أورده أبو داود رحمه الله في هذه الترجمة، وهو حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: لو اشتريتها تلبسها للجمعة وللوفد إذا جاءوا. فقال عليه الصلاة والسلام: [(إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)] فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلل مثل هذه الحلة، فأعطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه منها واحدة، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: [كسوتنيها -يا رسول الله- وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟!] فقال: [(إنني لم أكسكها لتلبسها)] يعني: وإنما لينتفع بها، فأهداها عمر رضي الله عنه لأخ له مشرك في مكة. والحديث يدل على التجمل للجمعة من جهة أن عمر رضي الله عنه عرض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتري هذه الحلة للجمعة وللوفد إذا قدموا، فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا، وهذا شيء مستقر عندهم، ولكن الذي أنكره الرسول عليه الصلاة والسلام أنها حرير، والحرير لا يلبسه الرجال وقال: [(إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)] يعني: ممن لا يصلح له لبسه وهم الرجال، وأما النساء فقد أبيح لهن لبس الحرير كما ثبتت السنة في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد أخذ ذهباً وحريراً وقال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها)، فالرجال لا يحل لهم لبس الحرير؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: [(إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)] يعني: من لا نصيب له في الآخرة، فدل هذا على ما ترجم له المصنف من التجمل للجمعة؛ لأن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما عرض عليه ذلك لم ينكر عليه السبب الذي ذكره، وهو استعمال ذلك للجمعة وللوفود إذا قدموا، وإنما أخبره بأن مثل هذه الثياب لا يلبسها إلا من لا خلاق له في الآخرة، فهذا هو الذي أنكره صلى الله عليه وسلم، وأما أصل التجمل فإن هذا ثابت ومستقر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءته حلل من جنسها، فأعطى عمر واحدة منها، فتذكر عمر رضي الله عنه قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: [(إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)] فقال: إنك قلت في حلة عطارد ما قلت؟ ! فقال عليه الصلاة والسلام: [(إني لم أما كسكها لتلبسها)] فأعطاها عمر رضي الله عنه أخاً له مشركاً بمكة. فعمر رضي الله عنه راجع النبي عليه الصلاة والسلام حيث تذكر قوله، فبين له النبي عليه الصلاة والسلام أن السبب هو إنما أعطاه إياها ليستفيد منها ولينتفع بها في أي وجه من وجوه الانتفاع من غير اللبس للرجال، فيمكن أن تستعملها النساء، ويمكن أن يبيعها ويستفيد من ثمنها، لكن ليس له أن يلبسها، فعمر رضي الله عنه وأرضاه أعطاها أخاً له مشركاً بمكة، فكيف يعطي المشرك شيئاً لا يجوز في الإسلام، وهو لبس الحرير؟ وهل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أو غير مخاطبين؟ والجواب أنه على القول بأنهم غير مخاطبين فلا إشكال، ولكن على القول بأنهم مخاطبون ففي ذلك إشكال، ويكون الجواب عن هذا الإشكال أن المشرك عندما يعطاها عليه أن يبيعها ويستفيد من ثمنها، أو يعطيها لامرأة تستفيد منها وتستعملها، وأما الرجال فإنهم لا يستعملونها، فعلى القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة يكون الأمر مثل ما حصل لعمر ، والكافر لا يعطاها ليلبسها وإنما لينتفع بها، والقول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة قول قوي، وفائدة ذلك أنهم مخاطبون بالأصول والفروع، ويؤاخذون على ترك الأصول والفروع، ولكن لو حصلت منهم الفروع قبل أن تحصل منهم الأصول فإنه لا يعتد بها ولا عبرة بها؛ لقول الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، ولكنهم مخاطبون بالأصول وبالفروع، ويحصل لهم إثم ترك الأصول وإثم ترك الفروع، ولا تقبل منهم الفروع بدون الأصول، بل هم مطالبون بالأصول أن يأتوا بها وأن يأتوا بعدها بالفروع. وعطارد هو صاحب الحلة التي عرض عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتريها منه، واسمه عطارد بن حاجب التميمي ، وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلم، فهو صحابي، وهو الذي كان يبيع هذه الحلل، وبيع الحرير وتملكه سائغ ولكن الممنوع أن يلبسه الرجل، وأما المرأة فإنها تلبس الحرير، وقد أبيح لها ذلك في الإسلام، وإنما منع منه الرجال.

    تراجم رجال إسناد حديث حلة عطارد


    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث من مسنده لا من مسند أبيه؛ لأنه يحكي أن عمر حصل منه كذا وكذا.

    حكم البيع عند أبواب المساجد


    والحلة السيراء هي نوع من الحرير، والبيع عند أبواب المساجد لا بأس به، وإنما الممنوع المساجد، فالمساجد لا بيع فيها ولا شراء، ولا إنشاد ضالة، والمقصود من أبواب المساجد خارج الأبواب والجدران، وإذا كان المسجد له فناء ومساحات تابعة له فهي من ضمن المسجد، وحكمها حكم المسجد، فكل ما تحيط به الجدران والأبواب يعتبر مسجداً، سواءٌ أكان مغطى أم مكشوفاً. وأخو عمر المذكور قيل هو أخوه من أمه أو من الرضاع، أما أخوه من النسب زيد بن الخطاب فإنه أسلم قبل إسلام عمر رضي الله تعالى عنهما.

    شرح حديث (وجد عمر حلة استبرق تباع بالسوق)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس وعمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (وجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حلة استبرق تباع بالسوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود) ثم ساق الحديث، والأول أتم ]. أورد المصنف الحديث من طريق آخر، وفيه أن عمر رضي الله عنه وجد حلة تباع في السوق، فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: [ابتع هذه تجمل بها للعيد وللوفود]، وفي الرواية السابقة قال: (للجمعة)، وكل من العيد والجمعة يتجمل له ويلبس فيه أحسن الثياب، سواءٌ أكان جديداً أم نظيفاً مغسولاً. وقوله: [ثم ساق الحديث] يعني: مثل الحديث الذي تقدم [والأول أتم] أي: الحديث الذي هو من رواية نافع عن ابن عمر أتم من رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وحلة الإستبرق نوع من الحرير، قيل: هو ما غلظ من الديباج.

    تراجم رجال إسناد حديث (وجد عمر حلة استبرق تباع بالسوق)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي المصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وعمرو بن الحارث ]. هو عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. قد مر ذكره.


    شرح حديث (ما على أحدكم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس وعمرو أن يحيى بن سعيد الأنصاري حدثه أن محمد بن يحيى بن حبان حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما على أحدكم إن وجد -أو: ما على أحدكم إن وجدتم -أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته) قال عمرو : وأخبرني ابن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن ابن حبان عن ابن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على المنبر. قال أبو داود : ورواه وهب بن جرير عن أبيه عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وقد ذكره هنا في الرواية الأولى مرسلاً، فإن محمد بن يحيى بن حبان من التابعين، وقد أضاف ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مرسل، ولكن جاء في الروايات الأخرى ذكر الواسطة وهو ذكر عبد الله بن سلام ، وهو صحابي، وجاء في الرواية الأخيرة ذكر ابنه يوسف بن عبد الله بن سلام وهو صحابي صغير. وهذا الحديث فيه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان يجعل له ثياباً يلبسها في الجمعة غير الثياب التي اعتاد لبسها في أثناء الأسبوع، والتي يستعملها في جميع أحواله وفي مهنته وعمله، فيستحب أن يجعل له ثياباً يتجمل بها للجمعة وللعيدين غير الثياب التي اعتاد لبسها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: [(ما على أحدكم إن وجدتم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته)] ويعني بالثوبين مثل الإزار والرداء أو قطعتين من القماش، والمقصود من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد من وجد وكان عنده قدرة مالية وعنده جدة أن يتخذ ثوبين للجمعة يلبسهما يوم الجمعة غير الثوبين الذين اعتاد لبسهما في جميع أحواله وفي مهنته وعمله؛ لأن اتخاذ مثل ذلك وتهيئته للجمعة فيه تجمل لها، وهو دال على أن الجمعة يتجمل لها ويلبس أحسن الثياب لها.

    تراجم رجال إسناد حديث (ما على أحدكم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس وعمرو أن يحيى بن سعيد الأنصاري حدثه ]. تقدم ذكر الأربعة الأولين، ويحيى بن سعيد الأنصاري هو المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال عمرو : وأخبرني ابن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن ابن حبان عن ابن سلام ]. هذا طريق آخر، وعمرو هو عمرو بن الحارث ، وابن أبي حبيب هو يزيد بن أبي حبيب المصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وموسى بن سعد مقبول أخرج له مسلم وأبو داود وابن ماجة ، ومحمد بن يحيى بن حبان مر في الإسناد السابق. [ عن ابن سلام ]. وابن سلام هو: عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على المنبر ]. يعني أنه سمعه يخطب به ويبلغه للناس حتى يكثر الآخذون عنه، وحتى يكثر من يتلقى ذلك عنه؛ لأن تعليم الشيء على المنبر تحصل به كثرة الآخذين وكثرة من يبلغهم ذلك؛ لأنه يكون من جملة ما يخطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه. قوله: [ قال أبو داود : ورواه وهب بن جرير عن أبيه ]. وهب بن جرير بن حازم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن يوسف بن عبد الله بن سلام ]. يوسف بن عبد الله بن سلام له رؤية، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

    التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة



    شرح حديث (ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي النهي عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، والتحلق هو وجود حلقات يكون فيها علم قبل الصلاة، وذلك أن على الإنسان عندما يأتي إلى المسجد أن يشتغل بذكر الله عز وجل، وبقراءة القرآن، وبالصلاة، أما كونه يجلس ويعلم العلم في ذلك الوقت ففيه شغل للناس عن الاشتغال بالصلاة وعن ذكر الله عز وجل، وقد كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم إذا جاءوا المسجد مبكرين يصلون ما كتب الله لهم أن يصلوا ثم يجلسون ولا يقومون إلا للصلاة، وحصول الحلقات العلمية قبل صلاة الجمعة فيها شغل عن الصلاة وعن الذكر، وأيضاً فيها قطع للصفوف وعدم وصل لها، حيث يمنعون الناس أن يتموا الصف الأول فالأول، وفيها شغل للناس عن ذكر الله عز وجل وقراءة القرآن والصلاة، فلهذا نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن ذلك، ولكن النهي مقيد بما قبل الصلاة، أما بعد الصلاة فلا بأس به؛ لأن النهي قبل الصلاة وليس بعدها، فدل هذا على أن المحذور هو ما قبل الصلاة. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البيع والشراء في المسجد، فلا يجوز البيع والشراء في المساجد؛ لأن المساجد إنما هي لذكر الله وليست للبيع والشراء. وكذلك نهى عن إنشاد الضالة في المسجد، وقد جاء أنه يقال لمن أنشدها: (لا ردها الله عليك). وكذلك نهى عن إنشاد الشعر في المسجد، وقد جاء أن حسان بن ثابت كان ينشد الشعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فكيف يجمع بين هذا وبين النهي؟ قيل في الجمع بينهما: إن النهي المقصود به كراهة التنزيه، وحصول الإنشاد يدل على الجواز، وقيل: الذي جاء إباحة إنشاده هو الشعر الحسن الذي فيه إظهار للحق، وبيان للحق، وهجاء للمشركين الذين يحاربون الدين ويأتون بالكلام الذي لا يليق في الإسلام وأهله، فهجاؤهم وبيان ما هم عليه من الباطل من الأمور الحسنة، وأما إذا كان الشعر لا يليق وفيه أمور غير حسنة فإنه لا ينشد ولا يصلح إنشاده، فيجمع -إذاً- بين الأحاديث بأن يكون النهي للتنزيه وما جاء من إنشاد حسان يدل على الجواز أو أن النهي يكون في الأمور التي لا تليق ولا تنبغي، والجواز في الأمور الحسنة الجيدة المفيدة التي لا محذور فيها.


    تراجم رجال إسناد حديث (ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو ابن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة وأصحاب السنن الأربعة. وشعيب بن محمد يروي عن جده عبد الله بن عمرو ، وليست الرواية عن أبيه محمد ؛ لأن محمداً تابعي، ورواية محمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبيل المرسل؛ لأنه ليس بصحابي، ولكن شعيب بن محمد يروي عن جده، وقد ثبت سماعه من جده عبد الله بن عمرو ، ولهذا جاء في بعض الأحاديث التنصيص على أنه يروي عن جده عبد الله بن عمرو ، فرواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده هي من قبيل المتصل، والجد المروي عنه هو عبد الله بن عمرو الذي هو جد شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو . [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حكم الوعظ قبل صلاة الجمعة

    فلا يجوز قبل صلاة الجمعة التحلق، سواءٌ كان وعظاً أو تدريساً وكون إنسان يقوم أو يجلس على كرسي ويعظ الناس أو يدرس الناس، والناس يلتفون حوله، ويتجهون إليه ويصغون إليه داخل في النهي عن التحلق يوم الجمعة. والقراءة قبل صلاة الجمعة بصوت يسمعه الآخرون من الأمور المحدثة، وإنما كل إنسان يقرأ لنفسه، وقراءة رجل بصوت مرتفع لا تمكن الآخرين من قراءة القرآن، ويشغل من يريد الصلاة؛ لأن هذه القراءة -كما يوجد في بعض البلدان- قد تكون بمكبر صوت. والتحلق بعد صلاة الفجر يوم الجمعة الذي يظهر لي أنه داخل تحت هذا العموم، فإن من بعد الفجر كله يعتبر قبل الصلاة، وكل ذلك يدخل تحت هذا العموم، وينطبق عليه أنه تحلق يوم الجمعة قبل الصلاة.

    اتخاذ المنبر



    شرح حديث قصة بناء المنبر


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب اتخاذ المنبر. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري القرشي حدثنا أبو حازم بن دينار (أن رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما وقد امتروا في المنبر مم عوده؟ فسألوه عن ذلك فقال: والله إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة -امرأة قد سماها سهل - أن مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهن إذا كلمت الناس، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها فأرسلته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فوضعت هاهنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: أيها الناس! إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب اتخاذ المنبر] يعني أنه يستحب اتخاذ المنبر في المساجد التي يخطب فيها الخطيب والتي يصلى فيها الجمعة، حتى يكون الخطيب مرتفعاً بارزاً يراه الناس، ويتمكن الجميع من رؤيته ومن الاستفادة منه، وهذا هو المقصود من الترجمة. وأورد حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الدال على استحباب ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر تلك المرأة أن تأمر غلامها أن يصنع له منبراً من أعواد؛ ليخطب على هذه الأعواد إذا كلم الناس، فيكون على مكان مرتفع، وهذا هو محل الشاهد. وسبب حديث سهل بن سعد رضي الله عنه هو أن أناساً تماروا -أي: تجادلوا- في منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أي شيء هو؟ أي: من أي نوع هو من أنواع الخشب؟ فجاءوا إلى سهل بن سعد رضي الله عنه يسألونه فأخبرهم بأنه على علم تام بذلك، وأنه يعلم اليوم الذي أحضر فيه ذلك المنبر، واليوم الذي خطب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمكان الذي وضع فيه، واليوم الذي جلس عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم ذكر القصة وأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لامرأة لها غلام نجار: [(مري غلامك أن يعمل لي أعواداً أجلس عليها إذا كلمت الناس)] يعني: إذا خطب الناس وإذا وعظ الناس وذكر الناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فدل هذا على استحباب اتخاذ المنبر، واستحباب وجوده في المساجد حتى يصعد عليه الخطيب؛ ليكون ذلك أبلغ في وصول كلامه إلى الناس، ومشاهدة الناس له ورؤيتهم له. ثم ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما وضع له المنبر صلى عليه، فقام على أعلى المنبر وكبر وركع، ولما جاء السجود نزل القهقرى وسجد في أسفل المنبر، ثم لما جاء في الركعة الثانية رجع، ولما فرغ من صلاته قال: [(إنما يعمل هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي)] يعني: حتى يروه ويشاهدوه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو القدوة وهو الأسوة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فوقف على هذا المكان البارز حتى يراه الجميع، وحتى يراه غير أهل الصف الأول؛ لأنه مرتفع عن الناس يشاهده أهل الصف الأول ومن وراءهم. ودل هذا -أيضاً- على أن العمل اليسير في الصلاة لا يؤثر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صعد على المنبر ثم نزل وهو في الصلاة، فدل على أن مثل ذلك سائغ، وأنه لا يؤثر في الصلاة شيئاً. وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل القهقرى حتى يبقى إلى جهة القبلة ولا ينصرف إلى الناس ويقبل عليهم؛ لأنه في الصلاة متجه إلى القبلة، فعندما يريد أن يسجد ولا يستطيع السجود ولا يمكنه السجود على المنبر فإنه ينزل القهقرى ثم يسجد على الأرض صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقد جاء في بعض الأحاديث أن المنبر كان ثلاث درجات، وجاء في بعضها أنه درجتين، وجمع بينهما بأنه كان ثلاث درجات، ومن قال: إنه درجتين لم يعد الدرجة التي يجلس عليها. والغابة مكان يقال له: الغابة، والطرفاء شجر فيها، فكان منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اتخذ من هذا النوع من الشجر الذي هو شجر الطرفاء وكان في الغابة، والغابة مكان في شمال المدينة. قوله: [ (فسألوه عن ذلك فقال: والله إن لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. هذا الكلام قاله سهل بن سعد رضي الله عنه ليطمئن الذين سألوه على أنه على علم تام، وقد أقسم على ذلك حتى يزداد اطمئنانهم إلى تمام علمه وإلى معرفته بالشيء الذي سألوه عنه، وقد أجابهم بالذي سألوه وأجابهم بغيره، وأنه يعلم اليوم الذي جيء به، ويعلم اليوم الذي جلس عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يفيد علمه التام بما يتعلق بالمنبر من ناحية مادته، ومن ناحية اليوم الذي جيء به، ومن جهة اليوم الذي استعمله فيه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والمقصود من ذلك إخبارهم وطمأنتهم بأن سؤالهم عنده جوابه، وأنه متحقق منه، وأنه يعلم جواب ذلك السؤال، ويعلم أموراً أخرى دقيقة غير الذي سألوه، وهو اليوم الذي جيء به، واليوم الذي جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة امرأة قد سماها سهل) ]. يعني أن سهلاً سمَّاها، وهنا أبهمت فقيل: فلانة. قوله: [ (أن: مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهن إذا كلمت الناس) ]. هذا هو محل الشاهد، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعمل المنبر في الجمعة وفي غير الجمعة. قوله: [ (فأمرته فعملها من طرفاء الغابة) ]. يعني: أمرت غلامها فعمل المنبر من طرفاء الغابة، وهو شجر من شجر الغابة يقال له: الطرفاء. قوله: [ (ثم جاء بها فأرسلته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فوضعت ها هنا) ]. يعني: جاء الغلام بالمنبر الذي صنعه إلى تلك المرأة، فالمرأة أرسلته به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بها -أي: بتلك الأعواد- فوضعت ها هنا، والإشارة إلى مكان في قبلة المسجد قرب الجدار الجنوبي الذي هو قبلة المسجد، وكان بينه وبين الجدار ممر الشاة كما سيأتي، أي أنه لم يكن ملصقاً بالجدار، ولكنه كان قريباً من الجدار، وليس بينه وبين الجدار إلا مقدار ما تمر الشاة. قوله: [ (فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ثم عاد) ]. ذكر سهل رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صعد على المنبر ودخل في الصلاة وهو على المنبر وكبر وركع، ولما أراد السجود رجع القهقرى حتى سجد في أسفل المنبر -أي: على الأرض- ثم رجع، وأخبرهم عليه الصلاة والسلام بعد الفراغ من الصلاة أنه فعل ذلك ليتعلموا صلاته ولينظروا إليه ويعرفوا كيف يفعل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فهو أراد أن يتعلم الناس كيفية صلاته، وأن يراه أهل الصف الأول وكذلك الصفوف الأخرى؛ لأنه عليه الصلاة والسلام إذا صلى على المنبر فالذين في الصف الأول والذين وراءهم كلهم يتمكنون من مشاهدته صلى الله عليه وسلم، وهذه الصلاة الظاهر أنها فريضة، وقد تكون الجمعة، فقد جاء في بعض الروايات أنه خطب ثم صلى الله عليه وسلم بهم، وليس لأحد الآن أن يصنع هذا؛ لأن الأحكام مستقرة، والناس يتعلمون بدون أن يصعد الإنسان على المنبر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يأتي بالشرع، وهو الذي يقتدى به ويتلقى عنه الشرع، وبعد ذلك استقرت الأحكام، فليس لأحد أن يصعد على المنبر من أجل أن يعلم الناس، وإنما يعلم الناس بالكلام.
    تراجم رجال إسناد حديث قصة بناء المنبر

    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري القرشي ]. يعقوب بن عبد الرحمن القاري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا أبو حازم بن دينار ]. هو سلمة بن دينار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعدي ]. هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو العباس ، صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (ألا أتخذ لك منبراً؟)


    [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو عاصم عن ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بدن قال له تميم الداري رضي الله عنه: ألا أتخذ لك منبراً -يا رسول الله- يجمع -أو يحمل- عظامك؟ قال: بلى، فاتخذ له منبراً مرقاتين) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بدن -يعني: كبر- قال له تميم الداري : ألا أتخذ لك منبراً تجمع عليه أو تحمل عليه عظامك؟ يعني: ليجلس عليه ويرقى عليه ويقف عليه عندما يخطب الناس، فقال: بلى، فاتخذ له المنبر، وقد سبق في الحديث السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر تلك المرأة أن تأمر غلامها، وهنا جاء أن تميماً الداري هو الذي عرض ذلك، فمن أهل العلم من قال: إن تميماً هو الذي صنع المنبر، ويكون هو الغلام، ومنهم من قال: إن غلام المرأة يقال له: ميمون ، وليس هو تميم الداري ، ويمكن أن يوفق بين هذا وذاك بأن يكون تميماً هو الذي اقترح وهو الذي عرض عليه صناعة المنبر، ويكون تميم هو الذي بلغ تلك المرأة لتأمر غلامها أن يصنع المنبر، فيكون هو الذي عرض وباشر الإبلاغ لمن يقوم بصناعته، وبهذا يوفق بين ما جاء في هذا الحديث وما جاء في الحديث السابق. وهنا قال: [مرقاتين] وقد جاء في بعض الروايات أنه ثلاث درجات، وقد ذكرت أن بعض أهل العلم جمع بين هذا وهذا بأن الذي قال: مرقاتين لم يحسب المرقاة التي يكون عليها الجلوس. ويجوز اتخاذ المنبر أكثر من ثلاث درجات، ولكن كونه يقتصر على الشيء الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأولى.

    تراجم رجال إسناد حديث (ألا أتخذ لك منبراً؟ )


    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا أبو عاصم ]. هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري الذين روى عنهم الثلاثيات؛ لأن البخاري روى الثلاثيات عن عدد قليل من مشايخه، ومنهم أبو عاصم النبيل . [ عن ابن أبي رواد ]. هو عبد العزيز بن أبي رواد ، صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهما.

    موضع المنبر



    شرح حديث (كان بين منبر رسول الله وبين الحائط ممر شاة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب موضع المنير. حدثنا مخلد بن خالد حدثنا أبو عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال: (كان بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الحائط كقدر ممر الشاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب موضع منبر الرسول صلى الله عليه وسلم من مسجده، وأنه كان عند الجدار الأمامي الجنوبي الذي هو قبلة المصلين، وليس ملتصقاً به، بل بينه وبين الجدار مقدار ممر الشاة. وموضع المنبر الآن هو على ما كان عليه؛ لأنه حد الروضة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) فهو مكانه.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان بين منبر رسول الله وبين الحائط ممر شاة)


    قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ]. مخلد بن خالد ثقة أخرج له مسلم وأبو داود . [ حدثنا أبو عاصم عن يزيد بن أبي عبيد ]. أبو عاصم مر ذكره، ويزيد بن أبي عبيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سلمة بن الأكوع ]. هو سلمة بن الأكوع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال


    شرح حديث (كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا حسان بن إبراهيم عن ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال: إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة). قال أبو داود : هو مرسل، مجاهد أكبر من أبي الخليل وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب: الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال] والمقصود من ذلك صلاة النوافل يوم الجمعة قبل الزوال، وأورد فيه هذا الحديث الذي هو غير صحيح وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [(أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة)] ومعناه أنه عند زوال الشمس تكره الصلاة إلا يوم الجمعة، فإن جهنم تسجر كل يوم إلا يوم الجمعة، فالأيام التي تسجر فيها جهنم لا يصلى في نصف نهارها، ولكن يوم الجمعة يصلى عند الزوال فيها؛ لأن الجمعة لا تسجر فيها جهنم، لكن الحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير صحيح؛ لوجود الإرسال بين أبي الخليل وبين أبي قتادة رضي الله عنه، وكذلك -أيضاً- فيه ليث بن أبي سليم ، وهو مختلط. فالأصل أنه لا فرق بين الجمعة وغيرها، إلا أن بعض أهل العلم أجاز صلاة النافلة يوم الجمعة قبل الزوال، وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة التي هي عند طلوع الشمس، واستوائها وغروبها، وكذلك لا يدفن الموتى في هذه الأوقات الثلاثة. وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا دخلوا المسجد يوم الجمعة يصلون ما أرادوا ثم يجلسون ولا يقومون إلا للصلاة، فالإنسان إذا دخل يصلي ما قدر له ثم يجلس يقرأ القرآن ثم يستمع للخطبة ويقوم للصلاة معه إذا أقيمت الصلاة.

    تراجم رجال إسناد حديث (كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة)

    قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا حسان بن إبراهيم ]. حسان بن إبراهيم صدوق يخطئ، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود . [ عن ليث ]. هو ليث بن أبي سليم، وهو صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الخليل ]. هو صالح بن أبي مريم الضبعي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قتادة ]. هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال أبو داود : هو مرسل، مجاهد أكبر من أبي الخليل ، وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة ]. الحديث منقطع، وهو مرسل بالاصطلاح العام، وإلا فإن المرسل المشهور عند المحدثين هو قول التابعي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا) فتسميته مرسلاً من حيث الانقطاع، فالشخص عندما يرسل عمن لم يلقه شيئاً من الأحاديث يقال له: مرسل بهذا المعنى، وهو منقطع.

    الأسئلة



    وقت كراهة الصلاة عند الزوال

    السؤال: توسط الشمس في كبد السماء هو وقت النهي، فكم قدر ذلك قبل الأذان بالدقائق؟


    الجواب: ما أعلم ذلك بالتحديد، ولكنه فترة وجيزة حينما تكون في وسط السماء فوق الرءوس، والإنسان عندما يأتي في ذلك الوقت عليه أن يمتنع عن الصلاة.


    حكم الأناشيد الإسلامية في المسجد


    السؤال: بعض المناسبات والحفلات تقام في المسجد، وينشد فيها أناشيد إسلامية، فهل يجوز ذلك؟


    الجواب: الأناشيد الإسلامية التي فيها تغنِّ وفيها تلحين، وتكون بأصوات مجتمعة مسجلة لا تصلح في المسجد؛ لأن هذا ليس من قبيل ما كان يفعل في المسجد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن حسان رضي الله عنه كان ينشد الشعر على طريقة العرب، وأما هذه الأناشيد التي يقال عنها: إسلامية التي يقف فيها مجموعة من الشباب ويأتون بأناشيد يلحنونها وتسجل ليست من هذا القبيل، وهي إلى العناية بسماع الأصوات أكثر من العناية بالمعنى، فهي تخالف ما كان موجوداً في زمنه عليه الصلاة والسلام وما كان ينشده بين يديه حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    حكم محرمية ابن الرابعة عشرة لنساء أهله


    السؤال: عمري أربع عشرة سنة، وأذهب مع أهلي من النساء بالطيارة أو السيارة، فهل أصلح أن أكون محرماً لهم؟


    الجواب: إذا كان المرء قد بلغ قبل أن يكمل الخمسة عشر عاماً بأن يكون احتلم، أو نبت الشعر الخشن حول قبله فإنه يمكن أن يكون محرماً، وأما إذا ما حصل هذا ولا هذا فإنه لا يصلح أن يكون محرماً؛ لأن المحرمية تحصل بالبلوغ، فإذا وجد البلوغ قبل ذلك فلا بأس، فالمغيرة بن مقسم الضبي احتلم وعمره ثلاثة عشر عاماً، فالبلوغ قد يحصل قبل سن الخامسة عشرة بالاحتلام أو بنبت الشعر الخشن حول القبل، فإذا كان وجد هذا أو هذا من هذا الذي عمره أربعة عشر عاماً فإنه يكون بالغاً، ويكون محرماً، ويكون مكلفاً.


    حكم التصوير بكاميرا الفيديو

    السؤال: ما حكم التصوير بكاميرا الفيديو؟

    الجواب: التصوير لا يسوغ إلا عند الحاجة مثل رخصة القيادة أو حافظة النفوس أو الجواز أو ما إلى ذلك من الأمور التي يحتاج إليها ويضطر إليها.


    حكم تأخير صلاة العشاء


    السؤال: ما حكم تأخير صلاة العشاء؟

    الجواب: تأخير صلاة العشاء سائغ، لكن على الإنسان أن لا يتركها حتى يخرج الوقت، بل ينبغي للإنسان أن يبادر بها، وإذا أخرها أو أخرت في المسجد والناس متفقون على تأخيرها، دون أن ينام أحد قبل أن يؤتى بالصلاة فلا مانع من تأخيرها، لكن ليحرص المرء على أن لا يأتي نصف الليل قبل أن تصلي؛ لأنه إذا مضى نصف الليل فمعناه أنه خرج وقتها الاختياري.


    حكم إسبال الثياب من غير قصد الخيلاء


    السؤال: ما حكم إسبال الثياب من غير قصد الكبر ولا الخيلاء؟

    الجواب: هو سيء، وإذا وجد منه الكبر والخيلاء فذلك أسوأ، والرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى من يحصل منه إسبال الثياب ما سأله: هل أنت تفعله خيلاء أو لا تفعله خيلاء؟ وإنما أرشده عليه الصلاة والسلام إلى رفع الثوب وعدم إسباله، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لما كان في مرض موته بعد ما طعن كان الناس يعودونه، فجاء إليه شاب فأثنى عليه ثناءً عظيماً وقال: هنيئاً لك يا أمير المؤمنين، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم صحبت أبا بكر كذلك، ثم وليت الخلافة فعدلت، وذكر شيئاً من فضائله ومن خصاله الحميدة، فقال رضي الله عنه: وددت أن يكون ذلك كفافاً لا علي ولا لي، ثم ذهب الغلام فرآه وإذا ثوبه يمس الأرض، فدعاه، فلما جاء قال: يا ابن أخي! ارفع ثوبك؛ فإنه أتقى لربك، وأنقى لثوبك، وما قال له: هل أنت تفعله خيلاء أو لا تفعله خيلاء؟ وإنما أمره مباشرة؛ لأن هذا غير سائغ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ما أسفل من الكعبين ففي النار)، ولكن إذا وجدت النية السيئة والصفة الذميمة التي هي صفة الكبر والخيلاء فإنه يكون سوءاً إلى سوء، وشراً على شر.


    حكم وداع قبور الصالحين


    السؤال: ما حكم وداع قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك وداع قبور الصالحين عند السفر للحج؟


    الجواب: زيارة القبور سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كون الإنسان عندما يريد أن يسافر يذهب ويودعها ويحصل منه الوداع فهذا لا يصح ولا يسوغ، وينبغي على الإنسان أن يكون دائماً وأبداً يصلي ويسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، والملائكة تبلغه ذلك، فلا يحتاج إلى أن يودع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكون الإنسان لا يسافر إلا وقد ودع النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت دليل يدل عليه."





  10. #170
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [137]
    الحلقة (168)



    شرح سنن أبي داود [137]

    لصلاة الجمعة جملة من الأحكام الشرعية والآداب النبوية، فمما شرع لها أن تصلى بعد زوال الشمس، ويجوز أن يكون لها أذان سابق لأذان الخطبة بين يدي الإمام، ومن سننها أن يخطب الإمام قائماً في الخطبتين ويجلس بينهما ليتمكن من إبلاغ الناس بوعظه حال قيامه.

    وقت الجمعة


    شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في وقت الجمعة. حدثنا الحسن بن علي حدثنا زيد بن الحباب حدثني فليح بن سليمان حدثني عثمان بن عبد الرحمن التيمي أنه قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في وقت الجمعة ] أي: في بيان وقت الجمعة، ووقت الجمعة هو إذا زالت الشمس، فبعد الزوال هو وقت صلاة الظهر، ويجوز أن تؤدى الصلاة قبل الزوال، لكن الأولى أن تكون بعد الزوال؛ للأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي إذا مالت الشمس وإذا زالت الشمس، وقد جاءت بعض الأحاديث فيها ما يدل على فعلها قبل زوال الشمس، ولكن كونها يؤتى بها بعد الزوال هو الأولى؛ لأن الذين لا يلزمهم حضور الجمعة ليس عليهم إلا الظهر، فإذا أتي بالجمعة في وقت الظهر بعد الزوال فلا يكون هناك محذور في أن يحصل تشويش ويحصل أن بعض الناس يصلي في بيته قبل الزوال؛ لأن الأذان وجد قبل الزوال، فإذا كانت الصلاة بعد الزوال فيؤمن على من كان في البيوت من أن يصلوا قبل دخول وقت صلاة الظهر، والظهر لا يبدأ وقتها إلا بعد الزوال، فالنساء لا تجب عليهن الجمعة، ويجب عليهن أداء صلاة الظهر، والظهر لا يجوز إتيانها إلا بعد الزوال، وعلى هذا فإن وقت صلاة الجمعة وقت الظهر، ولكنه يجوز فعلها قبل الزوال؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك قال: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس) ] يعني: إذا زالت الشمس. وقوله: [ (كان) ] في الغالب أنها تفيد الاستمرار، ولكنه قد تأتي هذه الصيغة لغير الاستمرار، ولكنه يستدل بها على المداومة وعلى الكثرة، ولكن قد تأتي للمرة الواحدة، وقد تأتي للقلة، ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها الذي قالت فيه: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) وهو صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة واحدة في حجة الوداع في السنة العاشرة ومع ذلك عبرت عائشة رضي الله عنها بقولها: (كنت) فهذا يدل على أن (كان) قد تأتي أحياناً لغير الاستمرار، لكن الغالب فيها أنها للاستمرار، فقوله هنا: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس) ] يفيد كثرة الإتيان بالصلاة في ذلك الوقت.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس)


    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب ثقة أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني فليح بن سليمان ]. فليح بن سليمان صدوق كثير الخطأ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عثمان بن عبد الرحمن التيمي ]. عثمان بن عبد الرحمن التيمي ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي . [ سمعت أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.

    شرح حديث (كنا نصلي الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا يعلى بن الحارث قال: سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع يحدث عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء) ]. أورد أبو داود رضي الله عنه حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: [ (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء) ] يعني: ليس لها ظل، لكن جاء عن سلمة بن الأكوع في الصحيحين أنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس للحيطان ظل يستظل به) فقوله هنا: (وليس للحيطان فيء) أي: يستظل به كما جاء ذلك مبيناً في الروايات؛ لأن نفي الفيء نفي لأصله، وأنه ما وجد الزوال، ومعنى هذا أن تكون الصلاة قبل الزوال، ولكن نفس حديث سلمة جاء في الصحيحين بلفظ: (وليس للحيطان ظل يستظل به) فالنفي إنما هو للقيد الذي هو يستظل به، وليس نفياً لأصل الظل، بل الظل موجود ولكنه قليل لا يستظل به الماشي؛ لأنه لم يمتد ولم يكثر، فالنفي هنا محمول على الرواية الأخرى التي فيها أن النفي هو للفيء الذي يستظل به، فهو للقيد الذي هو يستظل به، وليس للمقيد الذي هو أصل الظل، فالظل أصله موجود، ولهذا جاء في بعض الروايات: (نتتبع الفيء) ومعناه أنهم كانوا يتتبعون الظل القليل الموجود، وهذا معناه أنه يوجد ظل.

    تراجم رجال إسناد حديث (كنا نصلي الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي أطلق عليه الإمام أحمد : شيخ الإسلام. [ حدثنا يعلى بن الحارث ]. يعلى بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع يحدث عن أبيه ]. إياس بن سلمة بن الأكوع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبوه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (كنا نقيل ونتغدى بعد الجمعة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أنه قال: (كنا نقيل ونتغدى بعد الجمعة) ]. أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: [ كنا نقيل ونغتدى بعد الجمعة ] ومعناه أنهم كانوا يبكرون إلى الصلاة، وكان ذلك قبل الغداء والقيلولة، فكانوا يوم الجمعة يبكرون إلى الصلاة، ولا يقيلون إلا بعد الجمعة، لأنهم يوم الجمعة يبكرون للصلاة، فيأتون لها في وقت مبكر، فيكونون في المسجد، فلا يتمكنون من الغداء ولا من القيلولة إلا بعد الصلاة، ومعنى هذا أن يوم الجمعة يختلف عن غيره. ومناسبة الحديث للباب أن الصلاة كانت تحصل بعد الزوال، وكانوا قبل ذلك في انتظار الصلاة، وبعد الصلاة يخرجون ويحصل منهم القيلولة والغداء بخلاف بقية الأيام التي كانوا يتغدون فيها ويقيلون قبل الزوال.

    تراجم رجال إسناد حديث (كنا نقيل ونتغدى بعد الجمعة)


    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان الثوري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حازم ]. أبو حازم هو سلمة بن دينار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن سعد الساعدي ]. هو سهل بن سعد الساعدي أبو العباس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود ، حيث يوجد أربعة أشخاص بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود ، وليس عند أبي داود ثلاثيات.

    النداء يوم الجمعة



    شرح حديث أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النداء يوم الجمعة. حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني السائب بن يزيد رضي الله عنه: (أن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب النداء يوم الجمعة ] أي: الأذان للجمعة، والنداء هو الأذان كما في حديث: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول) ويقال له: النداء لأنه نداء للصلاة بقول: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) أي: تعالوا وهلموا وأقبلوا، فالأذان نداء للناس لأن يحضروا لأداء الصلاة، و(حي على الصلاة حي على الفلاح) نداء وطلب منهم أن يحضروا وأن يتوجهوا إلى المساجد للإتيان بالصلوات التي فرضها الله عز وجل. والجمعة كغيرها ليس لها إلا أذان واحد، وكان الأذان عندما يجلس الإمام على المنبر، ثم يخطب خطبتين، وعند فراغهما تكون الإقامة والصلاة، وقد أطلق على الإقامة أذان، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله حديث السائب بن يزيد رضي الله تعالى عنه: [ أن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر ] يعني: عندما يأتي ويجلس على المنبر يكون الأذان، وبعد فراغ الأذان يقوم الإمام لإلقاء الخطبة، فكان الأذان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما عندما يجلس الخطيب على المنبر، ثم بعد الفراغ من الخطبتين تأتي الإقامة التي هي أذان. قال: فلما كان زمان عثمان وكثر الناس أمر بالأذان الثالث، وسمي ثالثاً باعتبار أن الإقامة أذان؛ لأن الإقامة قبلها الأذان عند جلوس الخطيب على المنبر ثم الأذان الثالث الذي زاده عثمان ، فسمي ثالثاً باعتبار الزيادة، وهو الأول من حيث الوقوع، ولكنه ثالث من حيث الزيادة، فتوجد إقامة، وقبل الإقامة أذان، وهو الذي يكون عند جلوس الخطيب على المنبر، وقبل هذا الأذان الأذان الذي جاء به عثمان ، فهو ثالث باعتبار الزيادة ولكنه أول من حيث الوقوع، الإقامة تسمى أذاناً لأنها إعلام بالقيام إلى الصلاة، والأذان هو إعلام بدخول الوقت، والإقامة إعلام الناس بأن يقوموا للصلاة من أماكنهم ليصطفوا. فعثمان رضي الله عنه وأرضاه زاد هذا الأذان لما كثر الناس، وكان يؤذن به على الزوراء، وهي دار قيل: إنها كانت في السوق، وقيل: إنها كانت بين المسجد والسوق، وكان المقصود من ذلك أن يترك الناس ما هم عليه من البيع والشراء ويذهبون للاستعداد للجمعة والتهيؤ للجمعة، بأن يغتسلوا ويلبسوا أحسن الثياب ثم يأتوا إلى الجمعة. وعثمان رضي الله عنه وأرضاه في زمن عمر جاء مرة متأخراً وعمر على المنبر يخطب الناس، فلما دخل عثمان قطع عمر الخطبة وقال له: أي ساعة هذه؟! أي: لماذا جئت متأخراً؟ ! فقال: يا أمير المؤمنين! إنني كنت في بعض شأني، ولما سمعت الأذان ما زدت على أن توضأت وجئت فقال: والوضوء أيضاً؟ ! أي: من غير غسل، فلما كان زمن عثمان رضي الله عنه وأرضاه كثر الناس، فأتى بهذا الأذان، وأقره الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وما أنكروا عليه، فلهذا قال في هذا الحديث: [ فثبت الأمر على ذلك ]، يعني: على هذه الزيادة التي زادها عثمان ، وهي الأذان الثالث، فالجمعة لها أذانان: الأول: الأذان الذي عند صعود الخطيب على المنبر، والأذان الثاني الذي زاده عثمان رضي الله عنه، والمقصود منه أن يتهيأ الناس للجمعة، وأن يحضروا إليها ويتركوا ما هم فيه من البيع والشراء.

    تراجم رجال إسناد حديث أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث


    قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني السائب بن يزيد ]. السائب بن يزيد رضي الله عنه صحابي صغير، قال: (حج بي أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وعمري سبع سنوات)، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (كان يؤذن بين يدي رسول الله إذا جلس على المنبر يوم الجمعة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أنه قال: (كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد وأبي بكر وعمر. ثم ساق نحو حديث يونس) ]. أورد أبو داود حديث السائب بن يزيد رضي الله تعالى عنه أنه كان يؤذن للجمعة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان على المنبر عند باب المسجد، ثم ساق الحديث مثل حديث يونس المتقدم الذي يرويه عن ابن شهاب ، ومحمد بن إسحاق يروي عن ابن شهاب في الطريق الثانية، وقد ذكر بعضه، وأحال باقيه على الرواية الأولى التي هي رواية يونس بن يزيد ، وهذا فيه أنه كان الأذان عند باب المسجد، ومن المعلوم أن الأذان المقصود به إعلام الناس بأن يأتوا إلى الصلاة، والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] والمراد الأذان الثاني؛ لأن الأذان الأول إنما وقع في زمن عثمان ، والمقصود منه حضور الناس، ومن المعلوم فيما مضى أن الأذان في المسجد لا يبلغ به الصوت كثيراً، وأما في هذا الزمان فبواسطة أجهزة مكبرات الصوت يبلغ الصوت إلى كل مكان، لكن قبل أن توجد المكبرات كان الأذان داخل المسجد لا يسمعه الناس، فالأذان إنما يكون في مكان عال، إما على سطح المسجد، أو عند باب المسجد، أو في دار قريبة من المسجد كما سبق أن مر في باب الأذان على المنارة، وفيه أنه كان يؤذن على دار امرأة كانت عالية. والروايات المختلفة ليس فيها ذكر الأذان على باب المسجد، وإنما فيها ذكر الأذان عندما يجلس الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر، ولهذا فإن الشيخ الألباني رحمه الله ضعف هذه الرواية فقال: (إنها منكرة) وذلك لأنها من رواية محمد بن إسحاق، وقد روى بالعنعنة، وغيره لم يذكر هذا الذي ذكره محمد بن إسحاق ، لكن الأذان لا يكون داخل المسجد؛ لأن المقصود منه إعلام الناس بأن يأتوا، والأذان داخل المسجد لا يحصل به إبلاغ الناس، فلا يخرج الصوت إلى الناس إذا كان المؤذن داخل المسجد.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان يؤذن بين يدي رسول الله إذا جلس على المنبر يوم الجمعة)


    قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الباهلي، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري عن السائب بن يزيد ]. قد مر ذكرهما، والزهري من صغار التابعين، والسائب بن يزيد من صغار الصحابة، وصغار التابعين يروون عن صغار الصحابة؛ لأن صغار التابعين أدركوا صغار الصحابة، والسائب بن يزيد صحابي صغير، قال: (حج بي أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وعمري سبع سنوات).

    وقت الأذان يوم الجمعة


    وقت الأذان الأول يوم الجمعة قبل الزوال؛ لأن المقصود منه إعلام الناس بأن يستعدوا للجمعة وأن يأتوا للجمعة، والآن هو قريب في الوقت من الأذان الثاني، فالفاصل بينهما يسير، والذي ينبغي هو أن يكون الفاصل أطول مما هو عليه الآن؛ لأن المقصود منه إعلام الناس، وعثمان رضي الله عنه الذي أتى به هو الذي حصلت له القصة مع عمر عندما قال: كنت مشغولاً فلما سمعت الأذان ما زدت على أن توضأت، ومعنى هذا أنه يحتاج الإنسان إلى وقت ليغتسل، ولا نستطيع تحديد الوقت بمقدار معين، ولكن نقول: ينبغي أن يكون بوقت ليس بقصير جداً.

    شرح حديث (لم يكن لرسول الله إلا مؤذن واحد)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري حدثنا عبدة عن محمد -يعني ابن إسحاق - عن الزهري عن السائب رضي الله عنه أنه قال: لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد: بلال. ثم ذكر معناه ]. أورد أبو داود حديث السائب بن يزيد : [ (لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد بلال) ]، ثم ذكر معنى الحديث المتقدم، وأنه كان يؤذن عندما يصعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة عند دخول الوقت.

    تراجم رجال إسناد حديث (لم يكن لرسول الله إلا مؤذن واحد)


    قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري، ثقة أخرج حديثه البخاري في: (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبدة ]. هو عبدة بن شريان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد -يعني ابن إسحاق - عن الزهري عن السائب ]. قد مر ذكر الثلاثة.

    وقت صلاة الجمعة


    يبدأ وقت الجمعة من قبل الزوال، وقد جاء في بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان كان يصلي الجمعة، فيرجعون إلى بيوتهم عند زوال الشمس، بمعنى أنهم فرغوا من الصلاة قبل الزوال، لكن يحتمل أن يكون صلى في وقت الظهر، والذي ينبغي هو أن تصلى الجمعة في وقت الظهر حتى لا يحصل التشويش على الناس، وقوله: عند دخول الوقت لا أعلم وجهه بالنسبة للجمعة، لأن وقت الجمعة غير مستقر، كالظهر لا تكون إلا بعد الزوال، فإن صلاة الجمعة تكون بعد الزوال وقبل الزوال.

    إسناد آخر لحديث (لم يكن لرسول الله غير مؤذن واحد)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد ابن أخت نمر رضي الله عنه أخبره أنه قال: ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير مؤذن واحد. وساق هذا الحديث وليس بتمامه ]. أورد المصنف حديث السائب بن يزيد من طريق أخرى، وهو مثل الرواية السابقة التي قبله، وساق الحديث وليس كاملاً كالذي تقدم. قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ]. يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح ]. هو صالح بن كيسان ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد ]. مر ذكرهما.

    الإمام يكلم الرجل في خطبته



    شرح حديث جلوس ابن مسعود على باب المسجد


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإمام يكلم الرجل في خطبته. حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي حدثنا مخلد بن يزيد حدثنا ابن جريج عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال: لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة قال: (اجلسوا، فسمع ذلك ابن مسعود رضي الله عنه فجلس على باب المسجد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعال يا عبد الله بن مسعود). قال أبو داود : هذا يعرف مرسلاً، إنما رواه الناس عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومخلد هو شيخ ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب الإمام يكلم الرجل في خطبته ] يعني أن الخطيب له أن يكلم أحد الناس في خطبته، ولا مانع من ذلك، وأيضاً لا مانع من أن يكلم أحد الناس الخطيب كما في قصة الذي دخل المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال، ادع الله أن يغيثنا) فمخاطبة الإمام وقت الخطبة لا بأس به؛ لأن المحذور هو الكلام والخطيب يخطب؛ لأن هذا فيه تشاغل عن الخطبة، وأما كون الخطيب يكلم أحداً من الناس أو أحدهم يكلم الخطيب فلا مانع منه، وقد جاء في السنة ما يدل عليه، وقد جاء في ذلك أحاديث منها هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على المنبر يوم الجمعة فقال: [ (اجلسوا) ] وكان ابن مسعود رضي الله عنه بالباب، فلما سمع ذلك جلس في مكانه، أي: مبادرةً إلى امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فرآه رسول الله فقال: [ (تعال يا ابن مسعود وهذا مخاطبة منه لعبد الله بن مسعود حيث طلب منه أن يأتي. وهذا الصنيع من عبد الله بن مسعود يدل على فضله ونبله، وعلى مبادرته لامتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم من المبادرة إلى الاستسلام والانقياد لما جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ومحل الشاهد منه كون الرسول صلى الله عليه وسلم قال في أثناء الخطبة: [ (تعال يا عبد الله بن مسعود) ] ففيه أن الإمام له أن يكلم أحداً من الناس أثناء الخطبة، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة، ومنها الحديث الذي سيأتي وهو حديث الرجل الذي دخل يوم الجمعة المسجد فجلس ولم يصل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا فلان! أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: صل ركعتين وتجوز فيهما) فهذا كلام من الخطيب لأحد الناس، وكذلك الرجل الذي جاء يتخطى رقاب الناس فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (اجلس فقد آذيت) فحصول الكلام من الخطيب لبعض الناس جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام غيره معه أيضاً جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قصة الرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يستغيث وأن يدعو الله للناس بأن يغيثهم وينزل عليهم المطر.

    تراجم رجال إسناد حديث جلوس ابن مسعود على باب المسجد

    قوله: [ حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ]. يعقوب بن كعب الأنطاكي ثقة أخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن مخلد بن يزيد ]. هو مخلد بن يزيد الجزري الحراني، صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال أبو داود : هذا يعرف مرسلاً، إنما رواه الناس عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني أن التابعي أضاف الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المرسل، فغير مخلد بن يزيد رووه مرسلاً، وأما مخلد بن يزيد فقد رواه متصلاً عن جابر ، وذلك لا يؤثر؛ لأن مخلداً احتج به البخاري ومسلم ، وأيضاً جاءت أحاديث تدل على ما دل عليه هذا الحديث من كون الإمام يكلم الرجل وهو في خطبته. وقوله: [ ومخلد شيخ ]. كلمة [ شيخ ] هذه تعني أنه ضعيف يكتب حديثه ويعتضد به، أي: يستأنس به، ولكن البخاري ومسلماً خرجا أحاديثه وكذلك غيرهما، فلا يؤثر فيه مثل هذه الكلمة من أبي داود ، على أن الذي جاء في هذا الحديث هو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى كالأحاديث التي أشرت إليها.

    الجلوس إذا صعد المنبر



    شرح حديث (كان يخطب خطبتين)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الجلوس إذا صعد المنبر. حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبد الوهاب -يعني ابن عطاء - عن العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ -أراه قال: المؤذن- ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [ باب الجلوس إذا صعد المنبر ] يعني أن الإمام إذا صعد المنبر يجلس عليه ويأخذ المؤذن في الأذان، وإذا فرغ المؤذن من الأذان قام وبدأ بالخطبة، ففيه إثبات الجلوس قبل الخطبة الأولى إلى الفراغ من الأذان، ثم الجلوس بين الخطبتين يفصل بينهما كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقصود من الترجمة جلوس الإمام إذا صعد المنبر إلى أن يفرغ المؤذن من الأذان، وبعد فراغ المؤذن يبدأ الخطيب في الخطبة. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر جلس حتى يفرغ -أراه قال: المؤذن- ثم يقوم ويخطب، ثم يجلس، ثم يقوم ويخطب) ]، وعلى هذا فالذي ترجم له المصنف -وهو الجلوس عند الصعود على المنبر- فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن الخطيب عندما يصعد يجلس ولا يبقى قائماً؛ لأن بقاءه قائماً يترتب عليه طول قيامه بدون فائدة، وفيه ضرر عليه، فالسنة هي الجلوس، وقد جاء الجلوس في هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي مر بنا بعضها، مثل حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجلس على المنبر ويأخذ المؤذن في الأذان، وفيه زيادة أذان عثمان رضي الله عنه الثالث، وكذلك غيره من الأحاديث. وهذا الحديث في إسناده رجل متكلم فيه، وهو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المكبر، وهو غير أخيه عبيد الله الذي يروي كثيراً عن نافع ، والمصغر عبيد الله ثقة، والمكبر عبد الله ضعيف، والذي في هذا الإسناد هو الضعيف، ولكن جاء في أحاديث عديدة جلوس الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر إذا صعد، وكان إذا صعد على المنبر سلم ثم جلس.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان يخطب خطبتين)

    قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق أخرج حديثه أبو داود وحده. [ حدثنا عبد الوهاب -يعني ابن عطاء- ]. عبد الوهاب بن عطاء صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن. [ عن العمري ]. هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المكبر، وهو ضعيف، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    الخطبة قائماً



    شرح حديث (كان يخطب قائماً ثم يجلس)


    قال المنصف رحمه الله تعالى: [ باب الخطبة قائماً. حدثنا النفيلي عبد الله بن محمد حدثنا زهير عن سماك عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائماً، فمن حدثك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب، فقد -والله- صليت معه أكثر من ألفي صلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب الخطبة قائماً ] يعني أن الخطيب يخطب قائماً ولا يخطب جالساً، وخطبة الخطيب عن قيام جاءت بها السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الأولى من جهة أنه إذا كان قائماً يراه الناس بخلاف ما إذا كان جالساً فإنه لا يرى كما يرى وهو قائم، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان هديه أنه يخطب قائماً. وأورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: [ (كان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائماً) ] وهذا معناه أن الخطبتين كل منهما تكون عن قيام، قال: [ (فمن حدثك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب، فقد -والله- صليت معه أكثر من ألفي صلاة) ] والمقصود من ذلك الصلوات كلها، وليس الجمع، ومعناه أنه كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم، ويصلي معه كثيراً الجمع وغير الجمع. والمقصود من ذلك أن يبين أنه على علم تام بفعله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يصلي معه صلوات الجمعة وغير الجمعة، وأنه صلى معه أكثر من هذا المقدار من الصلوات.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان يخطب قائماً ثم يجلس)


    قوله: [ حدثنا النفيلي عبد الله بن محمد حدثنا زهير ]. النفيلي مر ذكره، وزهير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك ]. هو سماك بن حرب، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (كان لرسول الله خطبتان.. )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى وعثمان بن أبي شيبة المعنى عن أبي الأحوص حدثنا سماك عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان كان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس) ]. الحديث السابق رباعي من الرباعيات عند أبي داود ، وكذلك هذا الحديث أيضاً من الرباعيات، وإبراهيم بن موسى وعثمان بن أبي شيبة في طبقة واحدة من شيوخ أبي داود ، فهما من الأحاديث الرباعية. قوله: [ (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان كان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس) ] محل الشاهد من الحديث قوله: [ يجلس بينهما ]، ومعناه أنه كان قائماً في الخطبتين، ولو كانت الخطبة عن جلوس لما قال: [ كان يجلس بينهما ]. وقوله: [ (يقرأ القرآن ويذكر الناس) ] يعني: في الخطبة، وليس المقصود بين الخطبتين، وهذا فيه بيان ما تشتمل عليه الخطبة، وأنها تشتمل على تذكير الناس، وعلى وعظ الناس، وتبيين الأحكام الشرعية للناس، وعلى قراءة القرآن في الخطبة؛ لأن فيها تذكيراً، لاسيما سورة ق، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرؤها على المنبر؛ لكونها مشتملة على مواعظ وعبر.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان لرسول الله خطبتان.. )


    قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ]. إبراهيم بن موسى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وعثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ المعنى ]. يعني أن الروايتين متفقتان في المعنى مع الاختلاف في الألفاظ. [ عن أبي الأحوص ]. أبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء أبو الأحوص في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود فهو سلام بن سليم ، وأما إذا جاء في طبقة التابعين فهو عوف بن مالك. [ حدثنا سماك عن جابر بن سمرة ]. مر ذكرهما.

    حكم الاستغفار بين الخطبتين


    الخطيب في آخر خطبته الأولى يقول: أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وبعض الناس يشرع في الاستغفار، وبعضهم يرفع يديه يدعو، ولا بأس بكل ذلك، ولكن لا يوجد دعاء معين، فالأمر فيه سعة؛ لأن الأمور التي ما جاء فيها شيء لا نفياً ولا إثباتاً لا نرى بها بأساً.

    شرح حديث (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يقعد.. )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يقعد قعدة لا يتكلم) وساق الحديث ]. أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الحديث السابق.

    تراجم رجال إسناد حديث (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يقعد.. )


    قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. أبو كامل هو الفضيل بن حسين الجحدري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك عن جابر ]. مر ذكرهما.

    الأسئلة



    حكم الخطبة بغير اللغة العربية


    السؤال: في البلدان غير العربية هل لأهلها أن يخطبوا بغير العربية أم تكون الخطبة الأولى بالعربية والثانية ترجمة لها؟


    ! الجواب: بل تشتمل الخطبة على العربية وعلى غير العربية، فيستفيد من يفهم العربية ومن لا يفهم العربية.


    حكم ترجمة الخطيب لخطبته قبل أذان الجمعة


    السؤال: هل يدخل في النهي عن التحلق قبل صلاة الجمعة ما يقع في بعض البلدان، حيث يقوم الخطيب فيترجم خطبته التي سيلقيها قبل الأذان، ثم بعد الأذان يخطب باللغة العربية؟


    الجواب: هذه الخطبة تكون قبل الصلاة، والتحلق قبل الصلاة جاء النهي عنه، ثم الإتيان بالترجمة قبل الصلاة لا يحصل لكل أحد؛ لأن الناس لا يكونون حاضرين كلهم، فإن الناس يحضرون شيئاً فشيئاً، والذي يبدو أن هذا داخل في ضمن النهي عن التحلق قبل الصلاة، والذي ينبغي أن يأتي بالخطبة بعضها بالعربية وبعضها بغير العربية.


    حكم إلقاء جميع الخطبة بغير اللغة العربية

    السؤال: لو كان كل الحاضرين لا يفهمون العربية فهل يخطب الخطيب بغير العربية؟


    الجواب: يخطب الخطيب بالعربية ويكون الكلام الكثير والتوضيح بغير العربية، أما جعلها كلها بالأعجمية من أولها إلى آخرها فلا يصلح هذا.


    حكم جمع الظهر والعصر للمسافر تقديماً مع إمكان وصوله قبل دخول وقت العصر


    السؤال: إذا كان الرجل يسافر بالطائرة، وإقلاعها بعد دخول وقت الظهر، والوصول إلى المنطقة المقصودة سيكون قبل دخول وقت العصر، فهل من حقه أن يجمع الظهر والعصر جمع تقديم؟


    الجواب: له ذلك إذا كان المطار خارج البلد، أما إذا كان المطار في البلد فليس له أن يجمع؛ لأن الإنسان لا يأتي بأحكام السفر إلا إذا فارق البنيان، ولا يترخص برخص السفر إلا إذا فارق البنيان، فإذا كان المطار خارج البلد فله أن يجمع، وإذا كان داخل البلد فليس له أن يجمع. أما إذا كانت المنطقة التي سيصل إليها هي بلدته فليس له أن يجمع ما دام أنه سيصل قبل العصر، لكن يصلي الظهر في المكان الذي هو فيه، ثم إذا وصل ودخل عليه وقت العصر فإنها يصليها في وقتها، ولا يتعذر بأنه سيصل متعباً، فإذا سمع (حي على الصلاة حي على الفلاح)، فليجب.


    حكم العمرة عن زوجة الأب


    السؤال: توفيت زوجة أبي فهل لي أن أعتمر عنها؟


    الجواب: نعم لك أن تعتمر عنها، فالميت يشرع أن يعتمر عنه ويحج عنه.


    حكم زوجة الربيب


    السؤال: لي ربيب هو ابن زوجتي، فهل إذا تزوج تكون زوجته محرماً لي؟

    الجواب: لا تكون محرماً له، ولكن بنته تكون محرماً له، فبنت الربيب هي ربيبة، فلا تحل للزوج بنت ابن زوجته؛ لأنها تعتبر من بنات زوجته، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)، وأما زوجة الربيب فهي أجنبية منه.


    حكم أكل الطعام الذي يوزع بمناسبة المولد النبوي


    السؤال: هل يجوز أكل طعام أهل البدعة علماً بأنهم يصنعون هذا الطعام لهذه البدعة، كصنع الطعام للمولد النبوي؟


    الجواب: الواجب تنبيههم على أن يبتعدوا عن البدع، ويتركوا الأمور المحرمة، وعلى الإنسان أن لا يأكل من الطعام الذي صنع لأمور مبتدعة ولأمور محرمة.


    حكم من لا يستطيع أن يصلي الجمعة بسبب عمله في بلاد الكفار


    السؤال: شخص مقيم في بلاد الكفار، ويعمل في مصنع، ولا يستطيع أن يصلي صلاة الجمعة في كل أسبوع بسبب عمله، فهل يجوز له أن يصلي صلاة الجمعة مرة واحدة في كل ثلاثة أسابيع؟

    الجواب: الواجب عليه أنه يتفق مع الجهة التي يعمل فيها على أن يمكن من الصلوات؛ لأن هذا العمل ليس مثل عمل الحارس الذي يمكن أن يعذر في ترك الجمعة والجماعة، ولا شك في أن الإنسان إذا حرص على أن يتقي الله وأن يؤدي ما أوجبه الله عليه، وبذل ما يستطيع فإن الأمور تيسر له بإذن الله، ولكن بعض الناس يتهاونون ويتكاسلون ولا يهتمون ولا يحرصون، وإلا فإذا وجد منهم الحرص فإن هذا يكون دليلاً على نيتهم الصالحة، فيحرص أصحاب المصنع على الإبقاء عليهم؛ لأن من يكون أميناً فيما بينه وبين الله فإنه يكون أميناً فيما بينه وبين الناس، ويستدل على أمانته بتمسكه بدينه وقيامه بما يجب عليه.


    كيفية صلاة الفريضة على الطائرة

    السؤال: سنسافر بالطائرة إلى المغرب من جدة قبل صلاة الفجر بنصف ساعة، ولن تصل الطائرة إلى المغرب إلا بعد طلوع الشمس، فكيف نصلي الفجر في الطائرة؟

    الجواب: يجب أن يصلي الفجر في الطائرة ما دام أن الوقت سيخرج وهو في الطائرة، ولا يؤخر الفجر، فيصلي في أي مكان يمكنه أن يستقبل فيه القبلة ويصلي ويركع ويسجد، وإذا كان لا يوجد مكان مناسب فينبغي أن يصلي على حسب حاله، لكنه إذا وجد مكاناً مناسباً فيجب عليه أن ينتقل من مكانه، ويصلي في ذلك المكان الذي يتمكن فيه من الركوع والسجود والقيام والقعود. ويتجه للقبلة، وإذا سارت به الطائرة ناحية المغرب فيصلي ويتجه إلى خلف الطائرة؛ لأن القبلة ستكون خلفه ما دام أنه مسافر إلى المغرب من جدة.


    حكم صلاة تحية المسجد وقت أذان الجمعة


    السؤال: إذا دخل الرجل المسجد والمؤذن يؤذن الأذان الثاني يوم الجمعة، فهل ينتظر حتى ينتهي من أذانه أم يصلي وهو يؤذن؟

    الجواب: الذي يبدو أنه ينتظر ثم بعد ذلك يصلي ركعتين يتجوز فيهما.


    نصيحة لمن يطلب منه أبوه مالاً مع غناه عن مال ولده


    السؤال: لي أب يطالبني بأن أدفع له مالاً، مع العلم بأن لي إخوة، وهم مثلي يعملون، ولكن لا يطالبهم مثلي، وهو ليس محتاجاً، وإنما يقوم بأخذ هذا المال ليشتري به غنماً وإبلاً وهو ميسور الحال، وأنا بحاجة إلى المال؟


    الجواب: احرص على إرضائه واسترضائه وتطييب خاطره، والاعتذار له بالعذر المناسب، وأن تتلطف معه، وتحسن إليه.


    الرد على من لا يرى مشروعية الأذان الأول يوم الجمعة


    السؤال: بعض الناس يقول: لا حاجة الآن لأذان عثمان رضي الله عنه؛ لأننا الآن في زمن الساعات والأجهزة التي ترفع الصوت؟


    الجواب: الأذان كان على الزوراء عند السوق، والمقصود من هذا الأذان هو إعلام الناس بأن الوقت قد قرب حتى يستعدوا لصلاة الجمعة."





  11. #171
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [138]
    الحلقة (169)





    شرح سنن أبي داود [138]

    لخطبة الجمعة أحكام وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها جواز اتكاء الخطيب على عصا ونحوها في الخطبة لتعينه في وقوفه، ومنها التقديم للخطبة بحمد الله والثناء عليه والاستعانة به وذكر الشهادتين، وكذلك تذكير الناس ووعظهم بما ينفعهم بجملة من آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
    الرجل يخطب على قوس


    شرح حديث اتكائه صلى الله عليه وسلم في الخطبة على عصا أو قوس

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الرجل يخطب على قوس. حدثنا سعيد بن منصور حدثنا شهاب بن خراش حدثني شعيب بن رزيق الطائفي قال: جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: الحكم بن حزم الكلفي رضي الله عنه، فأنشأ يحدثنا قال: (وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله! زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر لنا بشيء من التمر والشأن إذ ذاك دون، فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئاً على عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات ثم قال: أيها الناس! إنكم لن تطيقوا -أو: لن تفعلوا- كل ما أمرتم به ،ولكن سددوا وأبشروا). قال أبو علي : سمعت أبا داود قال: ثبتني في شىء منه بعض أصحابنا، وقد كان انقطع من القرطاس ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب الرجل يخطب على قوس] أي أن الخطيب يخطب معتمداً على قوس أو على عصا في حال خطبته، وذلك ليكون أسكن له، وأدعى إلى عدم حركته وحركة يده، وأيضاً ليتكئ عليها، وفي ذلك تخفيف عليه من طول قيامه، فالاعتماد على العصا أو القوس هو لهذه الحكم. وأورد أبو داود رحمه الله حديث الحكم بن حزم الكلفي رضي الله تعالى عنه قال: [(وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله! زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر لنا بشيء من التمر)]. والمتاع والطعام قليل، وهو إشارة إلى قلة ذات اليد. قوله: [(فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئاً على عصاً أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: أيها الناس! إنكم لن تطيقوا -أو: لن تفعلوا- كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا) ]. الشاهد قوله: [(فقام متوكئاً على عصا أو قوس)]. والحديث دليل على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفاقة ومن قلة ذات اليد، وكذلك ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرم واللطف بالمسلمين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكذلك أيضاً كون الخطبة تشتمل على حمد الله عز وجل، وأنها تشتمل على كلمات واضحة جلية مفيدة مباركة، وكذلك أيضاً كون الرسول صلى الله عليه وسلم بين في خطبته أنهم لن يطيقوا كل ما أمروا به، ولكن عليهم السداد، وأن يفعلوا ما يستطيعون، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، ولهذا جاء في حديث عمران بن حصين الذي سبق أن مر بنا فيما يتعلق بالصلاة قوله صلى الله عليه وسلم: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) فالأوامر يأتي الإنسان بها على قدر طاقته وعلى قدر استطاعته: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وأما النواهي فإنها تروك، والتروك مستطاعة مطلقاً، وكل إنسان يستطيع الترك، ولكنه يحتاج إلى مجاهدة النفس، وإلى محاسبتها، وإلى كفها عن الإقدام على ما يعود عليها بالضرر، ولهذا جاء في الحديث: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، فقيد الأمر بالاستطاعة، والاجتناب ما قيده بالاستطاعة؛ لأنه مستطاع مطلقاً، فالنواهي يستطيع الإنسان تركها إذا وفق لمجاهدة نفسه وإبعادها عن الوقوع في المعاصي والمحرمات، وأما الأوامر فهي التي يكون فيها مشقة، وقد تستطاع وقد لا تستطاع، ولكن على الإنسان أن يأتي بالأوامر على قدر طاقته وعلى قدر استطاعته.

    تراجم رجال إسناد حديث اتكائه صلى الله عليه وسلم في الخطبة على عصا أو قوس

    قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شهاب بن خراش ]. شهاب بن خراش صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود . [ حدثني شعيب بن رزيق الطائفي ]. شعيب بن رزيق -بالراء المقدمة تصغير رزق- لا بأس به، أخرج له أبو داود، و(لا بأس به) بمعنى (صدوق) إلا أنها عند يحيى بن معين بمعنى (ثقة) وهذا اصطلاح خاص بيحيى بن معين رحمة الله عليه، فإنه إذا قال عن شخص: لا بأس به فهو يقصد أنه ثقة، ولهذا يقولها في حق أئمة كبار، ولا غرابة في ذلك، ولا مشاحة في الاصطلاح، وإذا فهم المقصود يزول الإشكال، وكلمة (لا بأس به) عند الحافظ ابن حجر هي بمعنى (صدوق). [ قال: جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: الحكم بن حزم الكلفي ]. الحكم بن حزم الكلفي صحابي صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد عليه، وحديثه أخرجه أبو داود .
    حكم اعتماد الخطيب على عصا

    وهذا الحديث لا بأس به، واعتماد الخطيب على عصا لا شك في أنه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكن للخطيب أن يستند على المنبر، فإن المنبر على مقدار مساو لارتفاع العصا، ويحصل به المقصود، لكن إذا كان المنبر لا يمكن أن يعتمد عليه فإنه يعتمد على العصا كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فيه الخير والبركة. والاعتماد على السيف أو القوس كل ذلك مثل الاعتماد على العصا يحصل به المقصود، والقول بأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم فعله للحاجة ليس هناك شيء يدل عليه، وآلة القوس -كما هو معلوم- غير مستقيمة، بل هي مثل السيف فيها ميلان.

    تابع شرح حديث (شهدنا الجمعة مع رسول الله فقام متوكئاً على عصا أو قوس ..)


    وقوله: [ (ولكن سددوا وأبشروا) ]. يعني: افعلوا السداد الذي يمكنكم، وأبشروا بالأجر وبالثواب الجزيل، وبالعواقب الحميدة في الدنيا والآخرة. قوله: [كلمات خفيفات طيبات مباركات] يدل على أن خطبته صلى الله عليه وسلم كانت مشتملة على كلمات خفيفة واضحة جلية جامعة، وهو صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، فيأتي بالكلام الجامع الذي لفظه قليل ومعناه كثير؛ ولهذا جاء في الحديث: (إن قصر خطبة الرجل مئنة من فقهه)؛ لأنه يختار الكلام الجامع، والكلام الواضح الذي يثبت في أذهان السامعين ويستقر، ويخرجون من الخطبة بفائدة.

    تثبت أبي داود وأمانته


    قوله: [ قال أبو علي : سمعت أبا داود قال: ثبتني في شيء منه بعض أصحابنا، وقد كان انقطع من القرطاس ]. أبو علي هو اللؤلؤي راوي السنن عن أبي داود ، و أبو داود هو المصنف، قال: ثبتني بشيء من الحديث بعض أصحابنا. ومعناه أن بعض أصحابه الذين كانوا أخذوا معه الحديث ثبته، بمعنى أنه تحقق منه شيئاً فات عليه وانقطع من القرطاس، فذكره به بعض أصحابه فتذكر وتنبه.

    شرح حديث (كان إذا تشهد قال الحمد لله نستعينه ونستغفره..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا عمران عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً) ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، ولا علاقة له بالترجمة، والترجمة التي عقدها المصنف يتعلق بها الحديث الأول فقط، ثم أتى بأحاديث عديدة لا علاقة لها بالترجمة؛ لأنها تتعلق بالخطبة، وبقصر الخطبة، وباشتمال الخطبة على أشياء من تذكير وقراءة قرآن، وما إلى ذلك. فلا أدري هل أتى بهذه الترجمة ثم جاء بعدها بأحاديث لا علاقة لها بها أو أن هناك ترجمة سقطت بعد الترجمة، وهي تتعلق بما تشتمل عليه الخطبة؟! وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: [(الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره..)] إلى أن قال في آخره: [(من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً)]، وفيه الجمع في الضمير بين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في قوله: [(ومن يعصهما)] أي: من يعص الله ورسوله، وقد جاء ذلك في أحاديث منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) أي: مما سوى الله ورسوله، وكذلك الحديث الذي فيه: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن الخمر) وسيأتي المصنف بحديث أن خطيباً خطب وقال: (ومن يعصهما فقد غوى) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (بئس الخطيب) ؛ لأنه جمع بين الله ورسوله في الضمير، وقد ذكر العلماء في الجواب عن هذا الاختلاف بين هذه الأحاديث أن الخطبة المقصود بها البسط والإيضاح، فكان الأمر يتطلب التفصيل ولا يتطلب التثنية، بخلاف الأمور التي فيها إرشاد وتعليم لأحكام شرعية فإنه يمكن أن يجمع فيها بين الضميرين، وقال بعض أهل العلم: إن التثنية خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فله أن يجمع في التثنية بين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس لغيره أن يفعل ذلك. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد) ]. يعني: إذا أتى بالذكر الذي يكون في أول الخطبة المشتمل على التشهد، وتسمى المقدمة والديباجة التي تأتي بين يدي الخطبة، وتسمى تشهداً بأجل شيء وأعظم شيء فيها، كما أن التشهد الذي هو: (التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك -أيها النبي- ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) قيل له: تشهد من أجل (أشهد أن لا إله إلا الله) فيطلق على الشيء الكثير اسم أهم شيء فيه وأعظم شيء فيه.
    تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا تشهد قال الحمد لله نستعينه ونستغفره ..)

    قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار البصري هو الملقب ببندار ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عاصم ]. أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمران ]. هو عمران بن داور أبو العوام، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد ربه ]. هو عبد ربه بن أبي يزيد، وهو مستور، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي عياض ]. هو أبو عياض عمير بن الأسود ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن ابن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    حال حديث (كان إذا تشهد قال الحمد لله نستعينه ونستغفره..)


    ذكر الشيخ الألباني هذا الحديث في ضعيف سنن أبي داود ، ولعل ذلك من أجل هذا المستور الذي هو عبد ربه بن أبي يزيد ، وكذلك من أجل عمران بن داور أبو العوام .
    خطبة الحاجة

    خطبة الحاجة جاءت في خطبة النكاح، ولا يلزم أن تكون في كل شيء، وأنه لا يبدأ أي خطبة إلا بها، فقد جاء عن الصحابة وعن غيرهم أنهم يبدءون بغير هذه الخطبة، فالتقيد بهذا اللفظ والالتزام به ليس واضحاً، وكون الإنسان يأتي بها ويأتي بغيرها الأمر في ذلك واسع، ولكن كونه يتقيد ويقول: لابد من أن يؤتى بها هذا هو الذي فيه إشكال، وأما كونه يأتي بها ويأتي بغيرها فالأمر في ذلك واسع.

    شرح حديث (ومن يعصهما فقد غوى ..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي أخبرنا ابن وهب عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فذكر نحوه قال: (ومن يعصهما فقد غوى)، ونسأل الله ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه ويطيع رسوله ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه فإنما نحن به وله]. أورد أبو داود هذا المرسل عن الزهري أنه سئل عن التشهد فذكر نحو الحديث المتقدم، أي: الحمد لله نحمده ونستعينه ... إلخ، إلا أنه قال في آخره: [(ومن يعصهما فقد غوى)] بدل قوله: (فلا يضر إلا نفسه) في الرواية السابقة، والزهري من صغار التابعين، فإضافته ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قبيل المرسل. قوله: [ (ونسأل الله ربنا أن يجعلنا) ] هذا دعاء يحتمل أن يكون من أبي داود أو من الزهري أو من أحد الرواة.

    تراجم رجال إسناد حديث (ومن يعصهما فقد غوى ..)


    قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري ، ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو ابن شهاب هو الزهري ، وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث خطبة رجل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان بن سعيد قال: حدثني عبد العزيز بن رفيع عن تميم الطائي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن خطيباً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى فقال: (قم -أو: اذهب-؛ بئس الخطيب أنت) ]. أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن خطيباً خطب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى] فقال: [(قم -أو: اذهب-؛ بئس خطيب القوم أنت)] وفي بعض الألفاظ: (بئس خطيب القوم) بدون كلمة (أنت) وهذا فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام أنكر عليه الجمع في التثنية بين الله ورسوله حيث قال: [ومن يعصهما] وقد أشرت آنفاً إلى أن بعض أهل العلم جمع بين ما جاء من التثنية وما جاء من ذم هذا الخطيب أن الخطبة تشتمل على التفاصيل والإيضاح والبيان، ولا يناسبها الاختصار وجمع الضمائر، بخلاف الأحاديث التي هي مشتملة على بيان الأحكام، فإن الاختصار فيها والجمع في الضمائر فيها لا بأس به ولا مانع منه.
    تراجم رجال إسناد حديث خطبة رجل بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام

    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان بن سعيد ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد العزيز بن رفيع ]. عبد العزيز بن رفيع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن تميم الطائي ]. هو تميم بن طرفة الطائي، ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عدي بن حاتم ]. هو عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث (ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله ..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن خبيب عن عبد الله بن محمد بن معن عن بنت الحارث بن النعمان رضي الله عنها أنها قالت: (ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يخطب بها كل جمعة، قالت: وكان تنور رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنورنا واحداً). قال أبو داود : قال روح بن عبادة عن شعبة قال: بنت حارثة بن النعمان ، وقال ابن إسحاق : أم هشام بنت حارثة بن النعمان ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث بنت الحارث بن النعمان أو بنت حارثة بن النعمان -وهي صحابية- أنها قالت: [ما حفظت (ق) إلا من في رسول صلى الله عليه وسلم] تعني سورة (ق) [كان يخطب بها كل جمعة] وليس المقصود أنه يقرؤها من أولها إلى آخرها في الخطبة، وإنما يقرأ آيات منها؛ لأن قراءتها كلها في الخطبة فيه تطويل للخطبة، ولكن يحمل على أنه كان يأتي بآيات منها في أولها وفي وسطها وفي آخرها، فلكونه يأتي بها ويكررها حفظتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه السورة مشتملة على أمور عظيمة تتعلق بالبعث والخلق، وتتعلق بأمور عظام مثل عذاب من يستحق العذاب، وكذلك فيها صفة الجنة وأهل الجنة، ومشتملة على عدة أمور وفوائد عظيمة، فمن أجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بشيء منها في الخطبة. وقد كانت خطب رسول صلى الله عليه وسلم ليس فيها تطويل، وإنما يأتي فيها بكلمات جوامع، وبأمور جامعة، كما هو هديه وشأنه صلى الله عليه وسلم أنه أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، بحيث يأتي بالكلام القليل المبنى الواسع المعنى. وابن القيم رحمه الله في أول كتابه الفوائد تكلم على هذه السورة وعلى معانيها ومقاصدها وما تشتمل عليه بكلام نفيس جداً، وبين ما اشتملت عليه هذه السورة العظيمة من الموضوعات ومن الأمور المهمة والأمور العظيمة. قالت: [وكان تنور رسول الله وتنورنا واحداً] فيه إشارة إلى قربها منه صلى الله عليه وسلم، وأن أهل بيتها كانوا جيراناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث (ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله ..)

    قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. مر ذكره. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. هو محمد بن جعفر البصري، وهو الملقب بغندر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خبيب ]. هو خبيب بن عبد الرحمن، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن محمد بن معن ]. عبد الله محمد بن معن مقبول أخرج له مسلم و أبو داود . [ عن بنت الحارث بن النعمان ]. بنت الحارث بن النعمان صحابية أخرج حديثها مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة ، ويقال فيها: بنت حارثة بن النعمان ، و أم هشام بنت الحارث ، وهي واحدة جاء ذكرها على صيغ مختلفة، لكن ما ذكر اسمها، وهي أخت عمرة بنت عبد الرحمن ، قيل: إنها أختها من أمها أو أختها من الرضاع، وليست أختها من النسب؛ لأن هذه عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ، وهذه بنت حارثة أو بنت الحارث بن النعمان .
    مشروعية قراءة (ق) في خطبة الجمعة
    قولها: [كل جمعة] يعني أنها سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة جمع يقرأ هذه السورة أو يقرأ شيئاً منها، فخطبه التي سمعتها هذه المرأة كان فيها شيء من سورة (ق). فكان يقرأ شيئاً من الآيات بعضها في موضوع واحد مثل ما جاء في أول سورة (ق) فيما يتعلق بالبعث ويتعلق بالاستدلال على البعث بإنبات النبات وإحياء الأرض بعد موتها، وكذلك ما جاء في وسطها من قدرته على الخلق، وأن القادر على الخلق الأول قادر على الخلق الثاني، ويمكن أن يتكلم في موضوع ثم يأتي بهذه الآيات التي تتعلق بها، كل هذا محتمل، ولكنها حفظت الآيات لكون الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قراءتها.
    حكم ترتيل الخطيب للآيات التي يستشهد بها

    وقراءة الخطيب للآيات عند الاستشهاد ليست كما يقرأ القرآن بترتيل، وإنما يأتي بها مثل بقية الخطبة، فبعض الخطباء يغير صوته عند قراءة القرآن، وهذا ليس بجيد؛ لأن مقام الاستشهاد غير مقام التلاوة.

    خلاف الرواة في اسم الصحابية راوية الحديث


    قوله: [ قال أبو داود : قال روح بن عبادة عن شعبة قال: بنت حارثة بن النعمان ]. روح بن عبادة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، قال عن شعبة أنه قال: [ بنت حارثة بن النعمان ]، والأول قال: [بنت الحارث بن النعمان ]. قوله: [ وقال ابن إسحاق : أم هشام بنت حارثة بن النعمان ]. يعني: مثل ما جاء في كلام روح إلا أنه زاد (أم هشام ).
    شرح حديث (كانت صلاته قصداً وخطبته قصداً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني سماك عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: (كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصداً وخطبته قصداً، يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت خطبته قصداً وكانت صلاته قصداً)] يعني: ليس فيها إطالة وتطويل، وإنما فيها إيجاز مع التمام، فخطبته كانت قصداً بمعنى أنها وجيزة ولكنها كاملة، وذلك أنه كان يأتي بالكلام الجامع المختصر الذي معناه واسع؛ لأنه أعطي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، وجوامع الكلم هي الكلمات القليلة المباني الواسعة المعاني. قوله: [ (يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس) ]. يعني أن الخطبة كانت مشتملة على قراءة شيء من القرآن وعلى تذكير الناس.

    تراجم رجال إسناد حديث (كانت صلاته قصداً وخطبته قصداً)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مر ذكره. [ حدثنا يحيى عن سفيان ]. يحيى مر ذكره، و سفيان الثوري مر ذكره أيضاً. [ عن سماك ]. سماك بن حرب صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله عنه حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (ما أخذت (ق) إلا من في رسول الله ...) من طريق ثانية


    قال المنصف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا مروان حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أختها رضي الله عنها قالت: (ما أخذت ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرؤها في كل جمعة). قال أبو داود : كذا قال يحيى بن أيوب و ابن أبي الرجال عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان ]. أورد أبو داود حديث أم هشام المتقدمة، وهي بنت حارثة بن النعمان أو بنت الحارث بن النعمان ، وفيه: عن عمرة عن أختها أنها قالت: (ما حفظت ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها في كل جمعة).

    تراجم رجال إسناد حديث (ما أخذت ق إلا من في رسول الله ..) من طريق ثانية


    قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا مروان ]. مروان بن محمد الطاطري ، ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سليمان بن بلال ]. سليمان بن بلال ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن أختها ]. هي أم هشام بن الحارث بن النعمان أو بنت حارثة بن النعمان ، وهي صحابية أخرج لها مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة ، وهي التي مر ذكرها. قوله: [ قال أبو داود : كذا قال يحيى بن أيوب و ابن أبي الرجال عن يحيى بن سعيد ]. يعني: رواه يحيى بن أيوب كالذي تقدم، أي: أنه قال: عن عمرة عن أختها كما قال سليمان بن بلال : عن عمرة عن أختها. ورواه ابن أبي الرجال عن يحيى بن سعيد بلفظ: عن عمرة عن أم هشام بنت الحارث ، هذه رواية ابن أبي الرجال ، وأما رواية يحيى بن أيوب فهي مثل رواية سليمان بن بلال ، وستأتي رواية يحيى بن أيوب في الإسناد الذي بعد هذا. ويحيى بن أيوب الغافقي صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ابن أبي الرجال هو عبد الرحمن بن محمد ، وأبوه يقال له: أبو الرجال ، وهو لقب له وليس كنية، وأبوه الذي يقال له أبو الرجال له عشرة بنين، فكان يقال له: أبو الرجال ، وهذا لقب، مثل أبي الزناد ، فأبو الزناد لقب لا كنية، واسمه عبد الله بن ذكوان ، وكنيته أبو عبد الرحمن ، وهذا لقبه أبو الرجال ، وكنيته أبو عبد الرحمن ، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب السنن. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وقد تقدم. [ عن عمرة عن أم هشام ]. المقصود أن ابن أبي الرجال قال: عن عمرة عن أم هشام بنت الحارث ، و سليمان بن بلال و يحيى بن أيوب قالا: عن عمرة عن أختها.

    إسناد آخر لحديث (ما أخذت (ق) إلا من في رسول الله ...) وتراجم رجاله


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أخت لعمرة بنت عبد الرحمن كانت أكبر منها بمعناه ]. أورد المصنف الحديث من طريق عمرة بنت عبد الرحمن وقال: إنها أخت لها أكبر منها بمعناه، أي: بمعنى الحديث المتقدم الذي هو: (ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة). قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، مر ذكره. [ أخبرني يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أختها ]. مر ذكرهم جميعاً.
    رفع اليدين على المنبر


    شرح حديث (رأيت رسول الله يدعو على المنبر بالسبابة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب رفع اليدين على المنبر. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة عن حصين بن عبد الرحمن أنه قال: رأى عمارة بن رويبة بشر بن مروان وهو يدعو في يوم جمعة فقال عمارة : قبح الله هاتين اليدين! قال زائدة : قال حصين : حدثني عمارة رضي الله عنه أنه قال: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ما يزيد على هذه. يعني السبابة التي تلي الإبهام) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [رفع اليدين على المنبر] يعني: ما حكم رفع اليدين على المنبر؟ والمقصود أن الخطيب لا يرفع يديه وهو يخطب على المنبر، إلا إذا استسقى في الخطبة يوم الجمعة فإنه يرفع اليدين؛ لأن ذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما طلب منه رجل أن يستسقي، فرفع يديه ودعا، ولكن في غير الاستسقاء ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه، ورفع اليدين في الدعاء له ثلاثة أحوال: الأولى: حالات كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيها بكثرة، ولم يعهد عنه أنه رفع يديه صلى الله عليه وسلم، وذلك في الخطب كما جاء في هذا الحديث الذي أورده المصنف أنه ما كان يرفع يديه، وإنما كان يكتفي بأن يشير بإصبعه السبابة، وكذلك بعد الصلوات المفروضة، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي بالناس دائماً، ولم ينقل عنه أنه رفع يديه بالدعاء بعد الصلاة. الثانية: مواضع ورد فيها رفع اليدين، فترفع فيها الأيدي، مثل الوقوف على الصفا والمروة، ومثل الوقوف بعد رمي الجمرات الأولى والثانية، وغيرها من المواضع التي ورد فيها رفع اليدين. الثالثة: حالات مطلقة ليست من هذا ولا من هذا، فيكون الأمر فيها واسعاً، إن رفع يديه فله ذلك، وإن لم يرفع يديه فله ذلك. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عمارة بن رويبة رضي الله عنه أنه رأى بشر بن مروان وهو أمير يخطب وقد رفع يديه يدعو فقال: [قبح الله هاتين اليدين! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ما يزيد على هذا. وأشار بالسبابة] يعني أنه يشير بالسبابة عند التشهد أو عند ذكر الله عز وجل، ولكن كونه يرفع يديه عند الدعاء فما رآه عمارة بن رويبة رضي الله عنه يفعل ذلك. والإشارة بالسبابة المقصود بها عندما كان يدعو، وبعض العلماء قال: أي: يشير إلى الناس في الخطبة، والذي يبدو أن المقصود من الإشارة التشهد وأنه يشير بذكر الله عز وجل، وكذلك عند الدعاء عند الخطبة، وقوله: [ما يزيد على هذا. وأشار بالسبابة ] يحتمل أن يكون مقصوده عند التشهد، وأنه يشير عند هذا الموطن فقط، ويحتمل أن يكون المراد عند الدعاء. ورفع اليدين في الاستسقاء يختلف؛ لأنه يجعل بطونها إلى الأرض في الاستسقاء فقط، وأما في غيره فترفع إلى السماء.

    تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله يدعو على المنبر بالسبابة)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زائدة ]. هو زائدة بن قدامة، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حصين بن عبد الرحمن ]. حصين بن عبد الرحمن السلمي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن رويبة ]. عمارة بن رويبة رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، وهو أن يكون بين أبي داود وبين رسول صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص. وقول الصحابي: [قبح الله هاتين اليدين!] يحتمل أنه قاله بين الخطبتين أو قاله فيما بعد؛ لأن السنة جاءت بأن الإنسان لا يتكلم وقت الخطبة، اللهم إلا إذا لم تكن بلغته الأحاديث التي فيها النهي عن الكلام وقت الخطبة، أما إذا بلغه النهي فإنه لا يخالفه.

    شرح حديث ( ما رأيت رسول الله شاهراً يديه قط يدعو )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر -يعني ابن المفضل - حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن إسحاق - عن عبد الرحمن بن معاوية عن ابن أبي ذباب عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أنه قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهراً يديه قط يدعو على منبره ولا على غيره، ولكن رأيته يقول هكذا. وأشار بالسبابة وعقد الوسطى بالإبهام) ]. أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: [ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهراً يديه قط يدعو على منبره ولا على غيره، ولكن رأيته يقول هكذا. وأشار بالسبابة وعقد الوسطى بالإبهام] وهذا مثل الحديث الذي قبله، يقول: ما رآه رافعاً يديه يدعو في خطبته ولا في غيرها، ومعلوم أنه ورد عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه في الاستسقاء، وكان يرفع يديه في أمور أخرى متعددة، مثل الدعاء عند الصفا والمروة، وعند رمي الجمرتين الأولى والثانية، والمنذري أو غيره ألف في ذلك رسالة جمع فيها الأحاديث في رفع اليدين في الدعاء.


    تراجم رجال إسناد حديث (ما رأيت رسول الله شاهراً يديه قط يدعو)


    قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر -يعني ابن المفضل- ]. مسدد تقدم، و بشر بن المفضل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن إسحاق- ]. هو عبد الرحمن بن إسحاق بن المديني، صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن معاوية ]. عبد الرحمن بن معاوية صدوق سيء الحفظ، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن ابن أبي ذباب ]. هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ذباب ، وهو ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سهل بن سعد ]. سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة



    اشتراط التقابض في الصرف

    السؤال: عندي ريالات سعودية وأريد تحويلها إلى عملة سودانية، ووجدت شخصاً يشتريها مني ولكن بشرط أن يرسلها لي إلى السودان وأستلمها هناك، فهل يعد هذا التعامل من الربا؟


    الجواب: هذا لا يجوز؛ لأن هذا هو ربا النسيئة، ولكن كونه يأخذها منه قرضاً ثم يوفيه هناك بعملة البلد فلا بأس، أما كونه يعطيه ريالات سعودية ثم يستلم منه هناك ريالات سودانية فهذا هو ربا النسيئة؛ لأنه لا بد من التقابض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) .

    حكم من نسي قراءة السورة بعد الفاتحة


    السؤال: إذا نسي الإنسان قراءة السورة التي بعد الفاتحة في ركعة من الركعات هل يسجد سجود السهو؟


    الجواب: لا يسجد لهذا سجود السهو.

    حكم قول (قال الله بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)


    السؤال: هل يصح أن يقول الخطيب في الخطبة: (قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ثم يذكر الآية التي يريدها؟

    الجواب: هذا غير جيد، وكذلك كونه يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) إذا قال: (قال الله تعالى) فلا حاجة إلى ذلك؛ لأنه يستشهد وليس قارئاً، وإنما يؤتى بالاستعاذة عند القراءة، أما إذا كان الإنسان يستشهد فليقل: قال الله تعالى كذا ويذكر الآية، أو يأتي بمحل الشاهد من الآية بدون أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن هذا ليس مقام قراءة، و(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) يؤتى بها بين يدي القراءة. فالاستشهاد لا يؤتى فيه بالقراءة بترتيل، بحيث يغير الخطيب صوته من كونه يتكلم ويخطب إلى كونه يقرأ القرآن. أما إذا كان الإنسان يريد أن يقرأ شيئاً من القرآن في الخطبة، وأتى قبله بـ(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فلا بأس بذلك، لكن كونه يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في مقام الاستشهاد لا يصلح، ولو كان يريد أن يسرد عشر آيات كأدلة فلا وجه للاستعاذة قبل كل آية.

    كيفية رفع اليدين في دعاء الاستسقاء


    السؤال: في دعاء الاستسقاء هل يرفع الخطيب الإصبع أو يرفع اليدين؟

    الجواب: يرفع اليدين، وتكون بطونهما إلى الأرض، هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء خاصة.

    حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء


    السؤال: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء؟


    الجواب: وردت في ذلك أحاديث ضعيفة غير ثابتة، وهي لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    معنى الدعاء دبر الصلاة

    السؤال: متى يكون الدعاء في دبر كل صلاة هل هو بعد السلام أم قبل السلام؟

    الجواب: الدبر يطلق على شيئين: يطلق على آخر الشيء وعلى ما يلي آخره، وقد ورد ذكر الدبر في الصلاة والمراد به ما بعد الصلاة، وجاء بلفظ مطلق يدخل تحته ما قبل الصلاة وما بعدها، ففي الحديث الذي فيه تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين هذا بعد الصلاة، وأطلق عليه دبر لأنه يلي آخر الشيء. ومن المعلوم أن الإنسان يكثر من الدعاء داخل الصلاة، أما بعد الصلاة فالإنسان يأتي بالاستغفار ثلاثاً، وهو دعاء ومعنى: (استغفر الله) أي: أطلب من الله المغفرة، وأسأل الله المغفرة، ولكن يأتي بعده ذكر، وإذا فرغ من الذكر وأراد أن يدعو فله أن يدعو لكنه لا يأتي بشيء قبل الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي بهذا الذكر الذي هو: (اللهم أنت السلام ومنك السلام) إلى آخر الأذكار المعروفة، وإذا جلس في مكانه بعد ذلك وسأل الله عز وجل فلا بأس بذلك، والأمر في ذلك واسع.
    موضع دعاء الاستخارة
    السؤال: متى يكون دعاء الاستخارة؟

    الجواب: دعاء الاستخارة يكون بعد السلام."




  12. #172
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [139]
    الحلقة (170)





    شرح سنن أبي داود [139]

    لخطبة الجمعة أحكام تتعلق بالخطيب وأحكام تتعلق بالمستمعين، فمن أحكامها المتعلقة بالخطيب أن يقصر الخطبة ولا يطيل الموعظة، فيجمع ما ينفع الناس قصراً في تمام، كما أنَّ له أن يقطع الخطبة بكلام من غيرها يخاطب به المستمعين، ويجوز له أن يكلم غيره ويكلمه غيره، وأما أحكام الخطبة المتعلقة بالمستمعين فمنها ترك الاحتباء لكونه داعية إلى النوم، وحرمة الكلام حال الخطبة، والإتيان بركعتي تحية المسجد حال الدخول والإمام يخطب مع التجوز فيهما، وغير ذلك من الأحكام.

    إقصار الخطب


    شرح حديث (أمرنا رسول الله بإقصار الخطب)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إقصار الخطب. حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا العلاء بن صالح عن عدي بن ثابت عن أبي راشد عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقصار الخطب) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب إقصار الخطب] أي: جعلها قصيرة غير مطولة، ويحرص فيها على الإتيان بالكلام الجامع النافع الذي يفهم ويحفظ بدون إطالة، هذا هو المقصود من الترجمة، فإن الخطب تكون قصيرة جامعة ومشتملة على المطلوب من غير تطويل. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه قال: [(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقصار الخطب)] أي: أن نجعلها قصيرة ولا نطيلها، والترجمة على وفق الحديث وعلى نص الحديث؛ لأن الحديث: [(أمرنا بإقصار الخطب)] والترجمة: [إقصار الخطب] وقد جاءت أحاديث عديدة في ذلك، ومنها الحديث الذي فيه: (إن قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه)، وسبق أن مر حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت خطبته قصداً، وصلاته قصداً).
    تراجم رجال إسناد حديث (أمرنا رسول الله بإقصار الخطب)

    قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي ]. محمد بن عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا العلاء بن صالح ]. العلاء بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عدي بن ثابت ]. عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي راشد ]. أبو راشد مقبول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن عمار بن ياسر ]. عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث (كان رسول الله لا يطيل الموعظة يوم الجمعة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد قال: أخبرني شيبان أبو معاوية عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة السوائي رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هن كلمات يسيرات) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة)، يعني: في الخطبة، وقال: [إنما هن كلمات يسيرات] يعني: قليلة الألفاظ، واسعة المعاني كما هو شأنه صلى الله عليه وسلم حيث أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، فيأتي بالكلام القليل المبنى الواسع المعنى، فكلامه عليه الصلاة والسلام جوامع.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله لا يطيل الموعظة يوم الجمعة)


    قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. هو محمود بن خالد الدمشقي، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الوليد ] هو الوليد بن مسلم الدمشقي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني شيبان ]. هو شيبان بن عبد الرحمن النحوي أبو معاوية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك بن حرب ]. سماك بن حرب صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ] . هو صحابي رضي الله تعالى عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    الدنو من الإمام عند الموعظة


    شرح حديث (احضروا الذكر وادنوا من الإمام..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الدنو من الإمام عند الموعظة. حدثنا علي بن عبد الله حدثنا معاذ بن هشام قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده ولم أسمعه منه: قال قتادة : عن يحيى بن مالك عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (احضروا الذكر، وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها) ]. أورد أبو داود رحمة الله عليه [باب: الدنو من الإمام عند الموعظة] أي: عند الخطبة، والمقصود من ذلك أن الإنسان يبكر إلى الجمعة، ويكون قريباً من الإمام حتى يسمع الخطبة، وحتى تكون واضحة عنده، ولا يفوته منها شيء، وقد ورد في هذا أحاديث، منها هذا الحديث الذي أورده أبو داود ، وهو حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(احضروا الذكر، وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها)] فقوله: [احضروا الذكر] يعني الخطبة [وادنوا من الإمام] يعني: حتى تتمكنوا من السماع، وحتى تستوعبوا ما يقوله في خطبته وفي موعظته، ولا تتباعدوا منه فتتعمدون أن تختاروا مكاناً بعيداً منه؛ لأن هذا يفوت عليكم تحصيل الصفوف الأولى التي فيها الأجر العظيم، والثواب الجزيل، وأيضاً يفوت عليكم سماع الخطبة أو فوات شيء منها عندما لا يقرب أحدكم من الإمام، وقد جاء ذكر الدنو في الحديث الذي فيه قوله: (ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام)، ومر بنا الحديث الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)، وهنا في هذا الحديث قال: [(فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها)] يعني: يؤخر في الدخول فلا يستفيد منها كما استفاد منها الذين دخلوها من أول وهلة، أو أنه يؤخر فيها في الدرجات فيكون متأخراً في درجات الجنة، والمقصود من ذلك أن التباعد عن الإمام، وعدم الإتيان إلى الصفوف الأول، وعدم القرب من الإمام وسماع الخطبة يفوت هذه الأمور، ويكون ذلك من أسباب التأخير، إما التأخير عن دخول الجنة وأنه لا يدخلها مع أول من يدخلها، وقد جاء في الحديث: (إن أهل الجنة إذا تجاوزوا النار ومروا على الصراط فإنهم يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، ويقتص من بعضهم لبعض) وهذا الاقتصاص نتيجته التفاوت في الدرجات في الجنة؛ لأن المظلوم يأخذ من حسنات من ظلمه، ويكون ذلك رفعة له، وذلك الظالم يكون الأخذ نقصاً في حقه، وقلة في درجاته، فليس هناك إلا الحسنات؛ لأن الحقوق التي تكون بين الناس التقاصص فيها إنما هو بالحسنات كما جاء في الحديث: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: يا رسول الله! المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع) فلما سئلوا هذا السؤال تبادر إلى ذهنهم مفلس الدنيا، وهو الذي ليس عنده درهم ولا متاع، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يريد المفلس حقاً وهو مفلس الآخرة، فقال: (بل هو الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار).
    تراجم رجال إسناد حديث (احضروا الذكر وادنوا من الإمام..)

    قوله: [ حدثنا علي بن عبد الله ]. علي بن عبد الله هو ابن المديني ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة في التفسير، وهو من أجل شيوخ البخاري ، وهو الذي قال عنه البخاري : ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني . [ حدثنا معاذ بن هشام ]. معاذ بن هشام صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده ولم أسمعه منه ]. أبوه هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذه وجادة، حيث وجد الحديث بخط أبيه، ولكنه لم يسمعه منه، والوجادة نوع من أنواع التحمل، ولكنها دون السماع ودون العرض، لكن إذا وجد ما يشهد لها وما يؤيدها فإنها تكون معتبرة. وهذا الراوي قد سمع من أبيه، ولكنه ما سمع منه هذا الحديث، وإنما وجده بخط يده. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن مالك ]. يحيى بن مالك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن سمرة بن جندب ]. هو سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث


    شرح حديث (خطبنا رسول الله فأقبل الحسن والحسين...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث. حدثنا محمد بن العلاء أن زيد بن الحباب حدثهم قال: حدثنا حسين بن واقد قال: حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل الحسن و الحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر ثم قال: صدق الله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، رأيت هذين فلم أصبر، ثم أخذ في الخطبة) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث] يعني: إذا كان هناك أمر يقتضي قطع الخطبة فإنه يسوغ قطعها، ويكون قطعها بأن ينزل من المنبر لحاجة أو بأن يأتي بكلام لا علاقة له بالخطبة بل يتعلق بالأمر الذي قطع الخطبة من أجله، ثم يعود إلى خطبته، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس يوم الجمعة، فجاء الحسن و الحسين عليهما ثوبان أحمران يعثران ويقومان، فلما رآهما النبي صلى الله عليه وسلم نزل وحملهما وصعد بهما على المنبر، وقال عليه الصلاة والسلام: [صدق الله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15] ] ثم قال: [(رأيت هذين فلم أصبر) ثم أخذ في خطبته] فالرسول صلى الله عليه وسلم قطع الخطبة بكونه نزل من المنبر وأخذ الحسن و الحسين وحملهما، ثم بين للناس الأمر الذي دفعه إلى قطع الخطبة، وأنه لم يصبر لما رآهما، وذلك من رأفته وشفقته ورحمته ولطفه صلى الله عليه وسلم، ثم عاد إلى خطبته، وواصل الخطبة بعد أن نزل وأخذ الطفلين وحملهما معه. وفيه كون الإنسان عندما يتضح له ظهور النص ووضوحه يقول: (صدق الله)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حصل منه عدم الصبر والرأفة بهما والرحمة قال عليه الصلاة والسلام: [صدق الله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15])] ، فالله تعالى قال: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15] وقال: (صدق الله)؛ لأن هذا الشيء عندما حصل سببه وعندما حصل ذلك الشيء الذي اقتضاه أظهر مدى حصوله وانطباقه، وأن الله عز وجل صادق فيما قال؛ لأن هذه القضية وهذه الواقعة مما يوضح هذا، ومما يدل بجلاء ووضوح على هذا الشيء، فالأموال والأولاد فتنة، يفتن الناس بمحبتهم وبالانشغال بهم، وهكذا يقال عند الأمور المناسبة وعند الأمور التي فيها وضوح وجلاء في انطباق النص على قضية من القضايا، وتكون في غاية الوضوح، ومثله الحديث الذي فيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سأل أميره بمكة: من وليت على أهل مكة؟ قال: وليت عليهم ابن أبزى ، قال: ومن ابن أبزى ؟ قال: مولى من الموالي، قال: وليت عليهم مولى؟! قال: إنه عالم بكتاب الله، عارف بالفرائض، قال: صدق محمد صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين).
    تراجم رجال إسناد حديث (خطبنا رسول الله فأقبل الحسن والحسين...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو أبو كريب محمد بن العلاء بن كريب البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنَّ زيد بن الحباب حدثهم ]. زيد بن الحباب صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا حسين بن واقد ]. حسين بن واقد ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني عبد الله بن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب ، وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الاحتباء والإمام يخطب


    شرح حديث (نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الاحتباء والإمام يخطب. حدثنا محمد بن عوف حدثنا المقرئ حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن أبي مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب) ]. أورد أبو داود رحمه الله [باب: الاحتباء والإمام يخطب] والاحتباء المقصود به أن الإنسان يجلس على إليتيه وينصب ساقيه ثم يأتي بقطعة من القماش ويشدها على ظهره وعلى مقدم ساقيه، فيكون جالساً على هذه الهيئة، وقد تستعمل اليدان بدل القطعة من القماش بأن يضم يديه على ساقيه، فيكون محتبياً. وأورد أبو داود رحمه الله حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب)] والحكمة من ذلك أن هذا يجلب النوم، ويؤدي إلى انتقاض الوضوء، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى البعد عن الشيء الذي يكون سبباً في جلب النوم، وما يترتب عليه من انتقاض الوضوء، فالنوم من أسباب نقض الوضوء، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء)، فكون الإنسان يجلس على هذه الهيئة يكون سبباً في نومه، والنوم يترتب عليه انتقاض الوضوء بأن يخرج منه ريح، فيترتب على ذلك أن يقوم ويترك الخطبة ويتوضأ، فيفوت على نفسه حضور الخطبة، وقد تفوته الصلاة أو يفوته شيء من الصلاة، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى عدم هذا الفعل، ونهى عن هذه الحبوة والإمام يخطب. والاحتباء له معنى آخر، وهو الذي جاء في الصحيحين وفي غيرهما من النهي عن اشتمال الصماء، وعن الاحتباء في الثوب الواحد، وهو أن يجلس ويلف على نفسه ثوباً واحداً، وقد نهي عن هذا لأنه قد تبدو عورته من فوق إذا لم يكن عليه لباس آخر، وهذا الاحتباء غير المنهي عنه يوم الجمعة، فهذا نهي عنه من أجل أنه يأتي بالنوم، وأما ذاك فمن أجل انكشاف العورة من فوق. والنهي عن الاحتباء يوم الجمعة للتنزيه، ولهذا جاء عن كثير من السلف أنهم كانوا يحتبون، فلعلهم فهموا أنه للتنزيه أو ما بلغهم الحديث. وفيه دليل على أن الاستناد يوم الجمعة في ذلك المقام مكروه؛ لأن الاحتباء منهي عنه حتى لا يأتي النوم، والإنسان إذا كان مستنداً فهذا أدعى إلى أن ينام وأن يستغرق في النوم، ولا شك في أن العلة في النهي عن الاحتباء موجودة في هذا وأكثر.

    تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب ...)


    قوله: [ حدثنا محمد بن عوف ]. محمد بن عوف ثقة أخرج حديثه أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا المقرئ ]. هو عبد الله بن يزيد المقرئ المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن أبي أيوب ]. سعيد بن أبي أيوب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مرحوم ]. هو أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون ، وهو صدوق أخرج له أصحاب السنن. [ عن سهل بن معاذ بن أنس ]. سهل بن معاذ بن أنس لا بأس به، وهذه العبارة بمعنى: [صدوق) عند الحافظ ابن حجر ، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. هو معاذ بن أنس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
    شرح أثر احتباء الصحابة حال خطبة الجمعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا داود بن رشيد حدثنا خالد بن حيان الرقي حدثنا سليمان بن عبد الله بن الزبرقان عن يعلى بن شداد بن أوس أنه قال: شهدت مع معاوية رضي الله عنه بيت المقدس، فجمع بنا، فنظرت فإذا جل من في المسجد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيتهم محتبين والإمام يخطب. قال أبو داود : كان ابن عمر يحتبي والإمام يخطب، و أنس بن مالك ، و شريح ، و صعصعة بن صوحان ، و سعيد بن المسيب ، و إبراهيم النخعي ، و مكحول ، و إسماعيل بن محمد بن سعد ، و نعيم بن سلامة قال: لا بأس بها. قال أبو داود : ولم يبلغني أن أحداً كرهها إلا عبادة بن نسي ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن يعلى بن شداد بن أوس ، وهو تابعي يحكي أنه حضر بيت المقدس مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، فجمع بالناس، قال: [فرأيت جل من في المسجد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورأيتهم محتبين والإمام يخطب ] يعني: قد اتخذوا الحبوة، ثم ذكر أبو داود أن هذا فعله عبد الله بن عمر و أنس وعدد كثير من التابعين، وأنهم كانوا لا يرون بأساً بالاحتباء يوم الجمعة والخطيب يخطب، وقال أبو داود : [لم يبلغني أن أحداً كرهها إلا عبادة بن نسي ]، لكن جاء هذا عن غيره، وهؤلاء الذين جاء عنهم الاحتباء منهم عدد جاء عنهم أيضاً كراهية الاحتباء كما في عون المعبود، والذي يظهر من صنيع أبي داود أنه لا يرى النهي من الاحتباء، وأنه يرى جوازه، ولهذا بوب الترجمة بقوله: [الاحتباء والإمام يخطب] وما قال: النهي عن الاحتباء والإمام يخطب، ثم ذكر هذا العدد من الصحابة والتابعين الذين يرون أن الاحتباء لا بأس به، وروى هذا الأثر الذي فيه أن جل الحاضرين كانوا محتبين وهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي فيه النهي حديث حسن ثابت، والعمل به هو الذي ينبغي، ولعل هؤلاء الذين لم يأخذوا به ما بلغهم أو لم يصح عند أحد منهم، أو أنه بلغهم ولكنهم رأوا أنه من قبيل كراهة التنزيه، وأن الاحتباء جائز وليس بمحرم.
    تراجم رجال إسناد أثر احتباء الصحابة حال خطبة الجمعة

    قوله: [ حدثنا داود بن رشيد ]. داود بن رشيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا خالد بن حيان الرقي ]. خالد بن حيان الرقي صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا سليمان بن عبد الله بن الزبرقان ]. سليمان بن عبد الله بن الزبرقان لين الحديث، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن يعلى بن شداد بن أوس ]. يعلى بن شداد بن أوس صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة .
    تراجم من روي عنهم الاحتباء في خطبة الجمعة

    قوله: [ قال أبو داود : كان ابن عمر رضي الله عنهما يحتبي والإمام يخطب ]. و ابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ و أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك الصحابي الجليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ و شريح ]. هو شريح بن الحارث القاضي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و النسائي ، ولم يخرج له أبو داود ، وذكره هنا إنما هو مجرد إخبار عن رأيه في مسألة فقهية، وليس هو من رجال أبي داود . [ و صعصعة بن صوحان ]. صعصعة بن صوحان ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ و سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ و إبراهيم النخعي ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مكحول ]. هو مكحول الشامي ، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ و إسماعيل بن محمد بن سعد ]. هو إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود . [ و نعيم بن سلامة قال: لا بأس بها ]. نعيم بن سلامة ليس له رواية في الكتب الستة، والظاهر أن أولئك كلهم قالوا: لا بأس بها؛ لأنه ذكر أن ابن عمر كان يحتبي والإمام يخطب، ثم قال: وأنس بن مالك ... إلخ. قوله: [ قال أبو داود : ولم يبلغني أن أحداً كرهها إلا عبادة بن نسي ]. عبادة بن نسي ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
    الكلام والإمام يخطب


    شرح حديث (إذا قلت أنصت والإمام يخطب ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الكلام والإمام يخطب. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [الكلام والإمام يخطب] وهذا لا يجوز، وذلك لأنه يشغل عن الخطبة، ويجب على الإنسان أن ينصت وأن يستمع لها، وأن لا يتشاغل بأي شيء يشغل عنها حتى بأن يقول لإنسان: أنصت والإمام يخطب، فإن هذا من اللغو المذموم. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب؛ فقد لغوت)] فهذه الكلمة التي فيها أمر بمعروف لغو في الخطبة، فدل هذا على أن ما سواها وما هو أكثر منها من باب أولى، وأن الإنسان ليس له أن يتشاغل عن الخطبة بأي شاغل، قال بعض أهل العلم: إذا كان هناك أحد يتحدث ويشوش على الناس فإنه يشير إليه إشارة حتى يسكت؛ لأن المقصود هو الاستماع للخطبة، وإذا وجد أناس يتحدثون ويشوشون على الناس فلا يحصل التمكن من استماع الخطبة إلا بإسكاتهم، فإذا كان هناك أمر يقتضي ذلك فإنه يشير إلى المتحدث إشارة، وإذا ما اندفع بالإشارة فله أن يكلمه بكلام مختصر؛ لأن الحكمة التي من أجلها نهي عن قول (أنصت) أن يسمع الناس الخطبة، فإذا ترك حصل التشويش على الناس.

    تراجم رجال إسناد حديث (إذا قلت أنصت والإمام يخطب ...)


    قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة ]. تقدم ذكر هؤلاء الخمسة كلهم.
    شرح حديث ( يحضر الجمعة ثلاثة نفر ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد عن حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحداً فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله عز وجل يقول: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(يحضر الجمعة ثلاثة نفر)] وهؤلاء الثلاثة النفر كل له حالة يتميز بها عن غيره، فواحد من الثلاثة حضر يلغو، فهو منشغل عن الخطبة باللغو، فهذا هو نصيبه منها، ما حصل له إلا اللغو، وما حصل له إلا المضرة، وما حصل له إلا الإثم؛ لأنه كان يلغو في الخطبة. قوله: [(ورجل حضرها يدعوا فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه وإن شاء منعه)] يعني: انشغل عن الخطبة بالدعاء، وصار الخطيب في واد وهو في واد آخر، فهو مشغول بالدعاء يدعو، ولم يستمع للخطبة، فهذا سأل الله شيئاً فأمره إلى الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، وليس للإنسان أن يدعو في أثناء الخطبة، بل عليه أن يسمع، وهذا الذي يدعو أثناء الخطبة إن شاء الله لم يعاقبه وأعطاه وإن شاء منعه وعاقبه على انصرافه عن الخطبة، وانشغاله عنها بحظوظ دنيوية وحظوظ يريدها لنفسه. قوله: [(ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحداً، فهي كفارة له إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام)] وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها، فهذا الحديث يوضح أن الإنسان إذا قام بهذه الأمور المطلوبة منه وأنصت للخطبة ولم يؤذ أحداً من الناس ولم يتخط رقاب الناس فإن ذلك يكون كفارة لما بينه وبين الجمعة السابقة وزيادة ثلاثة أيام؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها.
    تراجم رجال إسناد حديث (يحضر الجمعة ثلاثة نفر)

    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو كامل ]. هو الفضيل بن حسين الجحدري ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن يزيد ]. يزيد بن زريع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حبيب المعلم ]. حبيب المعلم صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه ]. عمرو بن شعيب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. وأبوه هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة، وأصحاب السنن. و عبد الله بن عمرو هو جده، وهنا فيه توضيح الجد؛ لأن كثيراً ما يأتي (عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده)، وهنا بيان أن الجد هو عبد الله بن عمرو ، وقد سبق أن مر بنا أن الحافظ ابن حجر قال: قد صح سماع شعيب بن محمد من جده عبد الله بن عمرو . وبهذا يكون الإسناد متصلاً؛ لأنه إذا كان شعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو فيكون متصلاً، لكن لو كان المقصود بالجد هو جد عمرو ، وهو محمد والد شعيب فهو تابعي، فيكون الحديث مرسلاً، ولكن في بعض الروايات يسمى الجد، وأن المراد به عبد الله بن عمرو كما هنا، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    استئذان المحدث الإمام


    شرح حديث (إذا أحدث أحدكم في صلاته ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: استئذان المحدث الإمام. حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي حدثنا حجاج حدثنا ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف). قال أبو داود : رواه حماد بن سلمة و أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يذكرا عائشة رضي الله عنها ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب: استئذان المحدث الإمام] يعني أنَّ الإنسان إذا أحدث هل يستأذن الإمام في الانصراف أو لا يستأذنه؟ والجواب: لا يستأذنه، وإنما يفعل ما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وهو أن يجعل يده على أنفه ثم ينصرف، بدون استئذان، قال بعض أهل العلم: لا يستأذن، وقول الله عز وجل: وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور:62] المقصود به الجهاد، وليس المقصود به في أي مكان من الأمكنة، فالجمعة من المواضع التي لا يحتاج فيها إلى استئذان، وقد ذكر صاحب عون المعبود أن ابن أبي شيبة روى بإسناده عن محمد بن سيرين أنه قال: (إنهم كانوا يستأذنون إذا حصل من أحد منهم حدث، فلما جاء زمن زياد وكثر الناس قال: من حصل منه شيء فليضع يده على أنفه ولا يستأذن. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة، وفيه أنه لا يحتاج من حضر الجمعة إلى استئذان، بل فيه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان إذا أحدث في صلاته إلى أن يضع يده على أنفه وينصرف، وكونه يضع يده على أنفه من أجل أن يوري بأنه رعف، وليس المقصود من ذلك أنه حصل منه رعاف، فهذا فيه تورية وستر على الإنسان الذي حصل منه شيء لا يعجبه. ومن باب التورية والفطنة أن جماعةً كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج من أحدهم ريح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يستحي من الحق، ليقم المحدث وليتوضأ) فكأنه ما قام أحد، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ألا نقوم كلنا فنتوضأ يا رسول الله؟ قال: (بلى. فقاموا وتوضئوا) وهذا فيه ستر للمحدث، وحصل المقصود من وضوئه، وغيره جددوا الوضوء، فهذا من الذكاء ومن الدهاء ومن الفطنة، ويحصل به الستر، فبعض الناس قد ينتقد ويهزأ ممن صدر منه ذلك، وقد جاء في الحديث: ( علام يضحك أحدكم مما يفعل) .
    تراجم رجال إسناد حديث (إذا أحدث أحدكم في صلاته ...)

    قوله: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي ]. إبراهيم بن الحسن المصيصي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا حجاج ]. هو حجاج بن محمد المصيصي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال أبو داود : رواه حماد بن سلمة و أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكرا عائشة رضي الله عنها ]. حماد بن سلمة ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. وأبو أسامة هو حماد بن أسامة، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: [عن هشام عن أبيه، لم يذكرا عائشة] يعني أنه مرسل.
    إذا دخل الرجل والإمام يخطب


    شرح حديث (قم فاركع)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: إذا دخل الرجل والإمام يخطب. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن عمرو -وهو ابن دينار - عن جابر رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع) ]. أورد أبو داود [باب: إذا دخل الرجل والإمام يخطب] يعني: ماذا يفعل؟ هل يجلس أو يصلي؟ والجواب: يصلي ركعتي تحية المسجد، وقد أورد أبو داود حديث جابر رضي الله تعالى عنه: [(أن رجلاً جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: أصليت يا فلان؟ قال: لا. قال: قم فاركع)] فدل هذا على أن الداخل إذا دخل والإمام يخطب فإن عليه أن يركع ركعتين، وقد جاء في بعض الروايات -كما سيأتي- أنه يتجوز فيهما، أي: يصليهما خفيفتين حتى يفرغ منهما ويستمع للخطبة. وهذا فيه جواز كون الخطيب يكلم غيره، وكذلك غيره يكلمه؛ لأنه قال: [(أصليت؟ قال: لا، قال: قم فاركع)] وفيه جواز قطع الخطبة ومخاطبة الإمام أحداً من الناس، وكذلك أيضاً أن يخاطب الإمام أحد الحاضرين.
    تراجم رجال إسناد حديث (قم فاركع)

    قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد غير منسوب، فهو مهمل، وسليمان بن حرب يروي عن حماد بن سلمة وعن حماد بن زيد ، و عمرو بن دينار يروي عنه حماد بن سلمة وحماد بن زيد ، ويقولون في ترجمة الشخص الذي يرويان عنه: روى عنه الحمادان، أي: حماد بن سلمة وحماد بن زيد ، وهما بصريان في طبقة واحدة، ولكن كيف يعرف أنه حماد بن زيد أو حماد بن سلمة مع أن سليمان يروي عن الاثنين، وعمرو بن دينار روى عنه الاثنان؟ ذكر المزي بعد ترجمة حماد بن سلمة في كتابه تهذيب الكمال فصلاً ذكر فيه ما يمكن أن يعرف به هل هو حماد بن زيد أو حماد بن سلمة ، وذكر فيه أن بعض الرواة لم يرووا إلا عن واحد منهما، فإذا أهمل فمعناه أنه الذي روى عنه؛ لأنه لم يرو عن الآخر، وبعضهم روى عن الاثنين لكن ذكر أن بعض الرواة مثل عفان إذا أراد حماد بن زيد فإنه ينسبه ويقول: حماد بن زيد ، وإذا أراد حماد بن سلمة فإنه لا ينسبه أحياناً، فإذا أهمل عفان حماداً فهو حماد بن سلمة ، قال: وعلى العكس من ذلك سليمان بن حرب ، فهنا المراد به حماد بن زيد . [ عن عمرو بن دينار ]. ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. تقدم ذكره.

    شرح حديث (صل ركعتين وتجوز فيهما)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن محبوب وإسماعيل بن إبراهيم المعنى، قالا: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ، وعن أبي صالح عن أبي هريرة قالا: (جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: أصليت شيئا؟ قال: لا، قال: صل ركعتين وتجوز فيهما) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب] أي: فإن عليه أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ولا يجلس قبل أن يصليهما، وقد مر حديث جابر رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: أصليت يا فلان؟ قال:لا، قال: قم فاركع) وأورد أبو داود رحمه الله حديث جابر من طريق أخرى، وهذه الطريق جاءت أيضاً عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وفيها تسمية الرجل الذي دخل، وهو سليك الغطفاني ، قالا: [(جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: أصليت؟ قال: لا، قال: صل ركعتين وتجوز فيهما)] أي: صل ركعتين وخففهما، وذلك ليتمكن من سماع الخطبة، وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا دخل والخطيب يخطب يوم الجمعة فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتي تحية المسجد. وفيه جواز كلام الخطيب لبعض الحاضرين، وكلام بعض الحاضرين معه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطبه وسأله وأجابه سليك رضي الله عنه، فهذا يدل على جواز الكلام من الخطيب مع غيره وكذلك كلام غيره معه، ومثل هذا ما جاء في قصة الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: (هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا) فهذا فيه دليل على أن كلام الخطيب مع غيره، وكلام غيره معه غير داخل في قوله: (إذا قلت لصحابك والإمام يخطب: أنصت فقد لغوت)؛ لأن هذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل يعمل به فيما ورد، ولا تنافي بينهما، فكلاهما جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وفي هذا الحديث تأكد تحية المسجد، والحرص عليها، ويدل على أن الإنسان إذا دخل المسجد في أي وقت من أوقات النهي فإنه يصلي ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص لهذا أن يجلس دون أن يصلي ركعتين مع أن الخطيب يخطب، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على وجوب الإنصات، وما يدل على أن الإنسان لو تكلم مع غيره ولو كان آمراً بمعروف أو ناهياً عن منكر فإن ذلك لغو، فدل هذا على تأكد الإتيان بتحية المسجد في جميع الأوقات، وأن تحية من ذوات الأسباب التي لا يتركها الإنسان. وقوله: [(قم صل ركعتين وتجوز فيهما)] فيه دلالة على أن الإنسان لا يزيد على الركعتين إذا جاء والإمام يخطب، وقوله أيضاً: [(ركعتين)] يدل على أنه لا يصلي أقل من ركعتين؛ لأن التنفل لا يكون إلا بركعتين، والتنفل بركعة واحدة غير سائغ، ولم يرد إلا في الوتر ركعة واحدة يوتر بها العدد الذي سبقها، فأقل ما يتنفل به الإنسان ركعتين، فإذا دخل الرجل والخطيب يخطب فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين. وقوله في الحديث: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) ليس المقصود من ذلك أنه لا يزيد عليهما، بل له أن يزيد عليهما ما دام أن الوقت ليس فيه خطبة، فله أن يصلي ركعتين أو أربعاً أو ستاً، كل ركعتين يسلم منهما، ولكن إذا كان الخطيب يخطب فإنه يصلي ركعتين ولا يزيد عليهما، بل يخففهما حتى يتمكن من سماع الخطبة.

    تراجم رجال إسناد حديث (صل ركعتين وتجوز فيهما)


    قوله: [ حدثنا محمد بن محبوب و إسماعيل بن إبراهيم ]. محمد بن محبوب ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي . وإسماعيل بن إبراهيم هو القطيعي ، وهو من شيوخ أبي داود ، ويأتي كثيراً إسماعيل بن إبراهيم وهو ابن علية ، ولكنه في طبقة أعلى من طبقة شيوخ أبي داود ، فإن أبا داود يروي عنه بواسطة، وهذا يأتي قليلاً، وهو إسماعيل بن إبراهيم القطيعي ، وأما إسماعيل بن إبراهيم المشهور بابن علية فهو من طبقة شيوخ شيوخه، ويأتي ذكره منسوباً إسماعيل بن إبراهيم ، ويأتي ذكره مهملاً فيقال: إسماعيل ، فإذا جاء في طبقة شيوخه -كما هنا- فالمراد به القطيعي ، وإذا جاء إسماعيل بن إبراهيم في طبقة شيوخ شيوخه فهو المشهور بابن علية ، و إسماعيل بن إبراهيم القطيعي هذا ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . قوله: [ المعنى ] أي أن رواية هذين الشيخين -وهما محمد بن محبوب و إسماعيل بن إبراهيم القطيعي - متفقة في المعنى مع اختلافها في الألفاظ. [ حدثنا حفص بن غياث ] . حفص بن غياث ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سفيان ]. أبو سفيان هو طلحة بن نافع، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ وعن أبي صالح ]. أبو صالح هو ذكوان السمان ، اسمه ذكوان ، ولقبه السمان أو الزيات ، كان يجلب السمن والزيت، فلقب بالسمان ولقب بالزيات ، وهي نسبة إلى مهنة ونسبة إلى حرفة، كما يقال: نجار وحداد وخباز، وما إلى ذلك، فتأتي هذه الصيغة والمراد بها الحرفة والمهنة والعمل الذي يشتغل به الإنسان. وأبو صالح مشهور بكنيته، ويأتي كثيراً بكنيته، واسمه ذكوان ، ولقبه السمان والزيات ، وهو مدني ثقة مكثر من الرواية عن أبي هريرة ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث (إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر عن سعيد عن الوليد أبي بشر عن طلحة أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث أن سليكاً جاء، فذكر نحوه، زاد: ثم أقبل على الناس قال: (إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين يتجوز فيهما) ]. أورد أبو داود حديث جابر من طريق أخرى، وهي بمعنى الطريق السابقة، ولكن فيها زيادة قوله صلى الله عليه وسلم: [(إذا دخل أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين يتجوز فيهما)] وهذه الجملة فيها رد على من يقول من أهل العلم: إن الإنسان إذا دخل المسجد والإمام يخطب فإنه يجلس ولا يصلي ركعتين، ويجيبون عن قصة سليك الغطفاني بأعذار متعددة ليست بشيء أمام هذه النصوص، ومنها قولهم: إنه كان فقيراً، وكانت ثيابه بالية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم حتى يراه الناس من أجل أن يتصدقوا عليه، فإن هذه الجملة التي جاءت في هذا الحديث قاعدة عامة، وتشريع عام، وليس المقصود منها أن هذا الشخص يقوم حتى يراه الناس، ولهذا قال: [(إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فلا يجلس حتى يصلي ركعتين يتجوز فيهما)] وهذا واضح الدلالة على أن هذا تشريع وحكم شرعي ثابت مستقر عام، وليس خاصاً بهذا الرجل، وليس المقصود منه مراعاة فقره وتنبيه الناس إلى فقره وقلة ذات يده، فإن هذا لا يستقيم مع وجود هذه الجملة التي فيها بيان الحكم العام والتشريع العام للناس.
    تراجم رجال إسناد حديث (إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين ...)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر هو الملقب غندر البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد ] . هو سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الوليد بن مسلم أبي بشر ]. هو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأبو داود والنسائي . [ عن طلحة ]. طلحة بن نافع هو أبو سفيان الذي جاء في الإسناد السابق بكنيته، وذكر هنا باسمه، وهذا فيه إشارة إلى نوع من أنواع علوم الحديث، وهو معرفة الكنى، وفائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث أن لا يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأنه إذا ذكر مرة طلحة ومرة أبا سفيان فالذي لا يعرف أن أبا سفيان هو طلحة يظن أن أبا سفيان شخص، وأن طلحة شخص آخر، لكن من عرف أن طلحة بن نافع كنيته أبو سفيان وأنه يأتي أحياناً بكنيته، وأحياناً باسمه فإنه لا يرد عليه هذا الوهم. [ عن جابر بن عبد الله ]. مر ذكره.

    الأسئلة



    حكم قول: (صدق الله العظيم)

    السؤال: هل يستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق الله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]) على جواز قول: (صدق الله العظيم) في نهاية تلاوة القرآن؟


    الجواب: هذه تختلف عن هذه؛ لأن هذا جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم عند مناسبة ظهر فيها تماماً انطباق الآية على هذه الواقعة، وهي كون النبي صلى الله عليه وسلم ما صبر على أن يرى ولديه يعثران فنزل وأشفق عليهما وحملهما، وأما قضية كونه يقال بعد انتهاء القراءة: (صدق الله العظيم) فلا يوجد شيء يدل عليه، والصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يفعلون هذا، فهذا شيء وهذا شيء، هذا ورد ما يدل عليه، وهذا لم يرد ما يدل عليه.

    حال حديث (احضروا الذكر وادنوا من الإمام ...)


    السؤال: حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احضروا الذكر، وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها) قال المعلق : في إسناده انقطاع. فأين الانقطاع؟

    الجواب: لعله عدم اتصاله بين معاذ بن هشام وبين أبيه.

    حكم النظر في الساعة وحك الجلد حال الخطبة

    السؤال: هل النظر في الساعة ولمس اللحية وحك الجلد والإمام يخطب يدخل في ضمن اللغو؟

    الجواب: كون الإنسان يحك جلده إذا حصل فيه حكة لا يؤثر، وإنما المحذور هو التشاغل عن الخطبة، وهكذا كونه ينظر في الساعة ليس من قبيل اللغو، وأما كونه يخرج الساعة إذا كانت في جيبه فهذا من جنس لمس الحصى، وأما كونه ينظر إلى الساعة وهي في يده فلا بأس به.

    حكم الكلام بين الخطبتين وقبل الخطبة


    السؤال: ما حكم الكلام بين الخطبتين وقبل الخطبة؟

    الجواب: الكلام بين الخطبتين لا بأس به، والكلام والخطيب على المنبر والمؤذن يؤذن لا بأس به، أي: قبل أن يبدأ في الخطبة، وإنما الممنوع الكلام أثناء الخطبة.

    حكم الزكاة على أموال اليتامى


    السؤال: هل على مال الأيتام زكاة مع أنه ليس لهم مورد سوى الضمان الاجتماعي؟


    الجواب: اليتيم الذي عنده مال وحال عليه الحول يزكي؛ لأن كل مال يزكى، سواءٌ أكان ليتيم، أم لصغير، أم لكبير، أم لمجنون، ووليه هو الذي يقوم بإخراج الزكاة منه؛ لأن الزكاة مفروضة في مال الأغنياء، ومن كان غنياً أخذ من ماله مقدار الزكاة، ولا فرق في ذلك بين كبير وصغير، وإذا كان ما يعطى هؤلاء الأيتام يأكلونه ولا يبقى عندهم منه شيء فلا زكاة عليهم، وإنما الزكاة في المال الذي بلغ النصاب وحال عليه الحول.

    حكم من أدرك التشهد من صلاة الجمعة


    السؤال: من حضر الجمعة والإمام في التشهد هل يصليها ركعتين أم ظهراً؟

    الجواب: إذا فاته الركوع من الركعة الثانية فإنه يصليها ظهراً ولا يصليها جمعة؛ لأن الجمعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة، وأما إذا لم يدرك الركعتين معاً فإنه يدخل مع الإمام، ويحصل أجر الجماعة، ولكن يصليهما ظهراً، ولكن إذا صلى الإمام الجمعة قبل الزوال فإنه يصلي ركعتين نافلة بعد ما يسلم الإمام؛ لأن الظهر لا يجوز أن يؤتى بها قبل الزوال، وإنما يؤتى بها بعد الزوال، ولكن إذا أدرك ركعة واحدة فيضيف لها أخرى، وبذلك يكون قد أدرك الجمعة.

    أول علامات الساعة ظهوراً

    السؤال: ما هو أصح الأقوال في أول علامات الساعة ظهوراً من العلامات الكبرى؟


    الجواب: لا أعلم، لكن من أولها خروج المهدي ، وبعده ينزل عيسى ابن مريم، وكذلك تفتح يأجوج ومأجوج في زمن نزول عيسى."





  13. #173
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [140]
    الحلقة (171)


    شرح سنن أبي داود [140]

    لصلاة الجمعة شأن عظيم، ولذا حفت بجملة من الأحكام الشرعية التي تميزها عن غيرها وترفع من شأنها، ومن تلك الأحكام منع تخطي الرقاب فيها إلا لإمام أو لواجد فرجة لم يسدها غيره، وكذلك أمر الناعس فيها بأن يتحول عن مكانه حتى ينشط ويستمع الذكر، ومن جملة أحكامها المهمة أنها خصصت بقراءة سورة معينة تذكر الناس ببعض أمور دينهم ومعادهم.

    تخطي رقاب الناس يوم الجمعة



    شرح حديث (اجلس فقد آذيت)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة. حدثنا هارون بن معروف حدثنا بشر بن السري حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية أنه قال: كنا مع عبد الله بن بسر رضي الله عنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فجاء رجل يتخطى رقاب الناس فقال عبد الله بن بسر : (جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس فقد آذيت) ]. أورد أبو داود [ باب: تخطي رقاب الناس يوم الجمعة ]، ولا يجوز لإنسان أن يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة وكذلك في غير الجمعة، وعلى الإنسان أن يأتي مبكراً ويجلس في الأماكن المتقدمة دون أن يتخطى رقاب الناس، لا أن يأتي متأخراً ثم يتخطى رقاب الناس من أجل أن يجلس في مكان متقدم، ولتتم الصفوف الأول فالأول، ولا ينشأ الصف الثاني إلا إذا امتلأ الصف الأول، ولا ينشأ الصف الثالث إلا إذا امتلأ الصف الثاني، ولا ينشأ الصف الرابع إلا إذا امتلأ الصف الثالث وهكذا، وبذلك يكون كل من جاء يجلس حيث ينتهي به المجلس، أو يقف حيث ينتهي به الموقف، ولكن إذا كان إماماً، وكان مجيئه من الخلف فإن له أن يتخطى رقاب الناس؛ لأنه لا سبيل له إلى وصوله إلى المنبر إلا من هذا الطريق، وهذا إذا كان لا يوجد هناك باب عند المنبر أو في الصف الأول، وإنما الباب في آخر المسجد، وكذلك من رأى فرجة لا يصل إليها إلا بتخطي الرقاب فله أن يذهب إليها؛ لأنه كان على الذين وراء هذه الفرجة أن يسدوها، وأن لا يحوجوا غيرهم إلى أن يتخطى رقابهم من أجل أن يصل إلى هذه الفرجة، أما أن لا يكون هناك فرج، فيأتي الإنسان من أجل أن يدخل نفسه بين الناس، ويضيق عليهم، ويزاحمهم في صلاتهم عندما يصفون؛ فإن هذا لا يسوغ ولا يجوز، فلا يجوز للإنسان إذا دخل والإمام يخطب -وكذلك في أي وقت من الأوقات- أن يتخطى رقاب الناس إلا إذا كان إماماً وليس له طريق إلا بأن يقطع الصفوف، وكذلك من رأى فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي؛ لأن الذين تركوا الأماكن المتقدمة هم المقصرون، وكان عليهم أن يتقدموا ويسدوا تلك الفرج. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى رقاب الناس والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال له: [ (اجلس فقد آذيت) ] والمقصود من ذلك أن يجلس ولا يتخطى، وقد عرفنا أنه لا بد من أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، فلعله صلى ركعتين عندما دخل المسجد ثم أراد أن يتقدم من أجل أن يحصل مكاناً متقدماً، فأمره أن يجلس دون أن يصلي؛ لأن تحية المسجد وجدت منه من قبل، أما إذا كان دخل المسجد ولم يصل وإنما جاء يتخطى فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين. وفي هذا الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا التخطي أذى، وأن الإنسان يكون بذلك قد آذى الذين تخطى رقابهم أو ضيق عليهم، فيجب على الإنسان أن يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويقف حيث ينتهي به الموقف، وليس له أن يتخطى الرقاب، ولا أن يخترق صفاً إلى صف آخر إلا إذا كان إماماً لا يصل إلى مكانه إلا بهذه الطريق أو رأى فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فإن له ذلك. وفيه أن الخطيب له أن يكلم غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهذا الرجل: [ (اجلس فقد آذيت) ] فهذا فيه دليل على أن الخطيب له أن يكلم غيره في خطبته، وكذلك غيره له أن يكلمه، مثلما حصل في قصة سليك الغطفاني المتقدمة. والتخطي منهي عنه في يوم الجمعة وغير الجمعة، ولكنه يتأكد النهي عنه في الجمعة. والظاهر أن هذا الرجل كان قد صلى، ويحتمل أن يكون ذلك حصل قبل أن يبين النبي صلى الله عليه وسلم للناس أن من دخل المسجد يوم الجمعة فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، كما تقدم في قوله: (إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فلا يجلس حتى يصلي ركعتين يتجوز فيهما).

    تراجم رجال إسناد حديث (اجلس فقد آذيت)

    قوله: [ حدثنا هارون بن معروف ]. هارون بن معروف ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود . [ حدثنا بشر بن السري ]. بشر بن السري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معاوية بن صالح .]. هو معاوية بن صالح بن حدير، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الزاهرية ]. هو حدير بن كريب، وهو صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن بسر ]. عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    الرجل ينعس والإمام يخطب


    شرح حديث (إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الرجل ينعس والإمام يخطب. حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة [ الرجل ينعس والإمام يخطب ] يعني: ماذا يصنع؟ والجواب أنه يتحول من مكانه إلى مكان آخر، وذلك لينتقل من هذا المكان الذي حصلت له فيه الغفلة إلى مكان آخر لعل الغفلة تذهب فيه عنه، ويمكن أن تكون هذه الحركة سبباً في ذهاب النوم. وأورد الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره) ] وهذا لفظ عام، وليس فيه ذكر وقت الخطبة، وهو عام في كونه في المسجد، سواءٌ أكان في جمعة أم في غير جمعة، وسواءٌ أكان في الخطبة أم في غير الخطبة، ولكنه جاء عند الترمذي هذا القيد: (والإمام يخطب).

    تراجم رجال إسناد حديث (إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول ...)

    قوله: [ حدثنا هناد بن السري ] . هو هناد بن السري أبو السري، ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن عبدة ]. هو عبدة بن سليمان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. محمد بن إسحاق صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد الخدري و أنس بن مالك و جابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، ستة رجال وامرأة واحدة.

    حال حديث (إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول ...)

    هذا الحديث فيه عنعنة ابن إسحاق، وقد خرجه الترمذي وقال: (حسن صحيح)، وصححه بعض أهل العلم واحتجوا به.

    حكم التسوك حال الخطبة والوقوف لأجل إزالة النوم

    من نعس أثناء الخطبة ليس له أن يتسوك، والذي ورد أنه يتحول إلى مكان آخر، وله أن يبحث عن مكان قريب إذا كان المسجد مزدحماً، وإذا ما وجد مكاناً فله أن يظل واقفاً في نفس مكانه ليذهب النعاس؛ لأن الحركة قد تذهب عنه النوم، أما كونه يتسوك فإن هذا عمل ينشغل به عن سماع الخطبة، وقد يكون من جنس مس الحصى.

    الإمام يتكلم بعدما ينزل من المنبر


    شرح حديث (رأيت رسول الله ينزل من المنبر ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الإمام يتكلم بعدما ينزل من المنبر. حدثنا مسلم بن إبراهيم عن جرير -هو ابن حازم لا أدري كيف قاله مسلم أو لا- عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل من المنبر فيعرض له الرجل في الحاجة فيقوم معه حتى يقضي حاجته ثم يقوم فيصلي). قال أبو داود : الحديث ليس بمعروف عن ثابت ، هو مما تفرد به جرير بن حازم ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب: الإمام يتكلم بعد ما ينزل من المنبر ]، يعني أن له أن يتكلم، وإذا كان له أن يتكلم وهو يخطب فمن باب أولى أن يتكلم بعد ما ينزل؛ لأنه إذا ساغ له أن يتكلم وهو يخطب وأن يقطع خطبته وأن يتكلم فكونه يتكلم بعدما ينزل من الخطبة من المنبر جائز من باب أولى، وهذا هو الحكم الذي يفهم من الحديث الذي أورده أبو داود رحمه الله، وهو حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه وهم من جهة جرير بن حازم أحد رواته، لكن المعنى ثابت، وهو أنه يصح للخطيب أن يتكلم مع غيره بعدما ينزل من الخطبة من المنبر، وهذا لا إشكال فيه. يقول أنس رضي الله عنه : [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل من المنبر فيعرض له الرجل في الحاجة فيقوم معه حتى يقضي حاجته ثم يقوم فيصلي) ]، فهذا الحديث قيل: إنه وهم من جرير بن حازم ، ولا يعرف إلا من طريقه، وجرير بن حازم يهم، ولعله التبس عليه بالحديث الذي فيه: (أقيمت صلاة العشاء، فجاء رجل وكلم الرسول حتى نعس الناس)، وهذا الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعله التبس عليه ذلك، وحصل له وهم، فالحديث ضعيف، لكن الحكم المستنبط منه صحيح.

    تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله ينزل من المنبر ...)

    قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جرير ]. هو جرير بن حازم ، وهو ثقة له أوهام إذا حدث من حفظه، روى له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ لا أدري كيف قاله مسلم أو لا ]. قال في عون المعبود: لعل التقدير: لا أدري كيف الأمر: أقاله مسلم أو لم يقله؟ وقال: إن المقصود بقوله: (أقاله) هو ابن حازم ، ولكن المعروف والمشهور أن مثل هذه العبارة لا يقولها التلميذ كما سبق أن عرفنا مراراً وتكراراً أن عبارة (هو ابن فلان) أو (يعني فلان بن فلان) إذا جاءت في أثناء الأسانيد فإنه لا يقولها التلميذ، وإنما يقولها من دون التلميذ؛ لأن التلميذ له أن يذكر شيخه ويطيل في نسبه ويذكر صفاته، وله أن يختصر نسبه ويقتصر على اسم الواحد ويذكره مهملاً، ومعنى هذه العبارة أن أبا داود شك هل شيخه مسلم بن إبراهيم اقتصر على اسم شيخه جرير بن حازم ولم ينسبه إلى أبيه، وإنما قال: عن جرير، أو أنه قال: عن جرير بن حازم . قوله: [ قال أبو داود : ليس بمعروف عن ثابت ، وهو مما تفرد به جرير بن حازم ]. يعني: هذا الحديث تفرد به جرير بن حازم عن ثابت ، فيكون وهماً، ولكن الحكم الشرعي ثابت، سواء صح الحديث أو لم يصح، والحديث فيه وهم ولا يصح، ولكن الذي دل عليه الحديث لا إشكال فيه من جهة أن الإمام له إذا نزل من المنبر له أن يخاطب غيره، وكذلك المأمومون لهم أن يخاطب بعضهم بعضاً بعد أن ينزل الخطيب؛ لأن المنع من الكلام هو ما دام الإمام يخطب، وأما بين الخطبتين وكذلك بعد نزول الخطيب وكذلك عند مجيئه أولاً وجلوسه على المنبر فلا مانع من الكلام، ولكن الممنوع هو حال الخطبة؛ لأن الكلام فيه انشغال عنها. قوله: [ عن ثابت ] هو ابن أسلم البناني ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    من أدرك من الجمعة ركعة


    شرح حديث (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من أدرك من الجمعة ركعة. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب من أدرك من الجمعة ركعة ] يعني: هل يكون مدركاً للجمعة؟ والجواب: نعم يكون مدركاً لها، ويضيف إليها أخرى وبذلك يكون مدركاً للجمعة، وكذلك الإنسان إذا أدرك ركعة من أي صلاة فإنه يكون مدركاً للصلاة، فإذا أدرك ركعة من الصلاة فإنه يكون مدركاً لشيء يعتد به، وإذا قام فإنه يقضي، فإذا جاء الإنسان في الظهر وأدرك الركعة الأخيرة من صلاة الظهر، فعندما يقوم ليقضي يكون عليه ثلاث ركعات، بخلاف ما لو فاته الركوع من الركعة الرابعة فإنه يقوم فيقضي أربع ركعات كاملة، فالمعنى: من أدرك شيئاً من الصلاة يعتد به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جئتم والإمام ساجد فاسجدوا معه ولا تعدوها شيئاً) يعني أنهم يسجدون ويحصلون أجر الجماعة وفضل الجماعة لكن لا يعدوا هذا السجود شيئاً؛ لأنه لا تعد الركعة إلا بإدراك ركوعها. وهذا الحديث يدلنا على أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها، وهو بهذا اللفظ عام يشمل الجمعة وغير الجمعة، وقد جاء في بعض الروايات التنصيص على الجمعة، وأن من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى، ومن فاته الركوع من الركعة الثانية من صلاة الجمعة فإنه يدخل مع الإمام ولكنه يقضيها أربعاً، وهذا إذا صليت الجمعة بعد الزوال، لكن لو أن الجمعة صليت قبل الزوال، والإنسان لم يدرك الركوع من الركعة الثانية، ودخل مع الإمام فإنه يصليها نافلة، ولا يصلي الظهر إلا بعد دخول وقتها بعد الزوال، وقد سبق أن الأولى أن الجمعة لا تكون إلا بعد الزوال، ويجوز أن تكون قبل الزوال.

    تراجم رجال إسناد حديث (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)

    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، وهو ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. مر ذكره.

    ما يقرأ به في الجمعة


    شرح حديث قراءته صلى الله عليه وسلم في العيدين والجمعة بسورتي الأعلى والغاشية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقرأ به في الجمعة. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] قال: وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأ بهما) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب ما يقرأ به في الجمعة ]، يعني: ما الذي يقرأ به من السور في صلاة الجمعة؟ وأورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، وأولها حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]؛ وذلك لما فيهما من ذكر البعث، وذكر الدار الآخرة، ويوم الجمعة هو اليوم الذي تقوم فيه الساعة، فناسب أن يذكر فيه بالموت والبعث والدار الآخرة؛ ليكون الاستعداد والتهيؤ للقاء الله. قال: [ وربما اجتمعا في يوم واحد ] يعني: العيد ويوم جمعة، فيقرأ في العيد في أول النهار بسورتي (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)، ثم يصلي الجمعة ويقرأ فيهما بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ).

    تراجم رجال إسناد حديث قراءته صلى الله عليه وسلم في العيدين والجمعة بسورتي الأعلى والغاشية

    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ] . هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو مشهور بكنيته أبي عوانة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ]. إبراهيم بن محمد بن المنتشر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حبيب بن سالم ]. حبيب بن سالم لا بأس به، أخرج له مسلم وأصحاب السنن، وكلمة (لا بأس) به هي بمعنى (صدوق) عند الحافظ ابن حجر . [ عن النعمان بن بشير ]. هو النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما الصحابي المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار الصحابة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام توفي وعمره ثمان سنوات، وكان يحدث أحياناً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ويقول: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا) ومن ذلك الحديث المشهور المتفق على صحته الذي أخرجه البخاري ومسلم : (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعرفهن كثير من الناس)، فهذا الحديث العظيم هو مما رواه النعمان بن بشير وقال فيه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولهذا فإن العلماء يقولون: الصغير يتحمل في حال صغره ويؤدي في حال كبره، كما حصل من النعمان ، فإنه تحمل في حال صغره وأدى في حال كبره، ومثله الكافر إذا أسلم، فيجوز أن يتحمل في حال كفره ويؤدي في حال إسلامه.

    شرح حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة بسورتي الجمعة والغاشية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير رضي الله عنهما: ماذا يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة؟ فقال كان يقرأ بهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]) ]. أورد أبو داود حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة وبـ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) يعني: يجمع بين هاتين السورتين، وقراءة سورة الجمعة في صلاة الجمعة حكمته وفائدته أن فيها ذكر الجمعة، وصلاة الجمعة، والأمر بالسعي إلى الجمعة، وترك البيع والشراء، والانشغال بذكر الله، وابتغاء فضله بعد صلاة الجمعة، ففيها شيء من أحكام الجمعة، فإذا قرأ بسورة الجمعة في صلاة الجمعة فذلك مناسب.

    تراجم رجال إسناد حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة بسورتي الجمعة والغاشية


    قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ضمرة بن سعيد المازني ]. ضمرة بن سعيد المازني ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن النعمان بن بشير ]. مر ذكره.

    شرح حديث القراءة يوم الجمعة بسورتي الجمعة والمنافقون

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي حدثنا سليمان -يعني ابن بلال - عن جعفر عن أبيه عن ابن أبي رافع أنه قال: (صلى بنا أبو هريرة يوم الجمعة فقرأ بسورة الجمعة وفي الركعة الآخرة: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ [المنافقون:1] قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي رضي الله عنه يقرأ بهما بالكوفة، قال أبو هريرة : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة) ]. أورد أبو داود حديث أبو هريرة رضي الله عنه: أنه قرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقون، فقال له ابن أبي رافع : [ إنك قرأت بسورتين كان علي رضي الله عنه يقرأ بهما في الكوفة ]، فقال: [ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة ] فهذا الرجل سمع أبا هريرة يقرأ بسورتين وكان قد سمع علياً يقرأ بالسورتين، فأبو هريرة بين له العمدة التي اعتمد عليها في ذلك، وهي كونه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما. والحكمة من القراءة بسورة الجمعة يوم الجمعة أنها مشتملة على أحكام الجمعة، وأما سورة المنافقون فإن المنافقين كانوا يأتون للجمعة، فيسمعون هذه السورة من الإمام وفيها بيان حالهم وفضحهم وخزيهم، ولعل ذلك يكون رادعاً لهم وموقظاً لهم ومنبهاً لهم.

    تراجم رجال إسناد حديث القراءة يوم الجمعة بسورتي الجمعة والمنافقون

    قوله: [ حدثنا القعنبي حدثنا سليمان -يعني ابن بلال- ]. سليمان بن بلال ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، و(يعني) قالها أبو داود أو من دون أبو داود ، وليس القعنبي ، فـ(يعني) فعل مضارع فاعله ضمير مستتر يرجع إلى أبي داود أو من دون أبي داود . [ عن جعفر ]. هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين المشهور بالصادق ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو محمد بن علي بن الحسين الملقب بالباقر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي رافع ]. هو عبيد الله بن أبي رافع ، وأبوه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. تقدم ذكره.

    إجلال أهل السنة لآل البيت

    الإمامان جعفر بن محمد و محمد بن علي من أئمة أهل السنة، وهما من أهل البيت الذين يجلهم ويوقرهم ويحبهم أهل السنة، وأهل السنة يحبون أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لمن كان منهم تقياً صالحاً، فكون الرجل تقياً صالحاً ويكون من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من أسباب زيادة محبته؛ لأن المؤمن التقي إذا كان من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم فهو يحب لتقواه ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي طليعة وفي مقدمة أهل السنة وأهل الحق والهدى أبو بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، فإنهما كانا يجلان أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر البخاري في صحيحه عن أبي بكر أثرين: أحدهما أنه قال: (والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي) يعني: كوني أصل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أصل قرابتي، فهذا يدلنا على عظم منزلة أهل البيت وقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصديق ، وهو خير هذه الأمة وأفضل هذه الأمة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والأثر الثاني ذكره البخاري عنه في صحيحه أنه قال: (ارقبوا محمداً في أهل بيته) يعني أنهم يقدرون أهل بيته، ويعرفون منزلة أهل بيته؛ لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فروي عنه أثران أيضاً: أحدهما أنه قال للعباس لما أسلم: إن إسلامك لما أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك. والأثر الثاني: ما جاء في صحيح البخاري أن الناس لما أصابهم الجدب والقحط وخرجوا يستسقون، طلب عمر رضي الله عنه من العباس أن يدعو للمسلمين أن يغيثهم الله عز وجل، واختار العباس لأنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال عمر : (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا) يعني: نطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لنا فيدعو لنا فتسقينا، (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، قم -يا عباس- فادع الله)، وعمر أفضل من العباس ولكنه اختار العباس من أجل قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا)، وما قال: نتوسل إليك بالعباس ، فما ذكره باسمه، ولكن ذكر صلته بالرسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، فقال: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا -يعني: بدعائه- فاسقنا، قم -يا عباس- فادع الله). فهذا فيه بيان منزلة أهل البيت عند الخليفتين الراشدين الأولين: أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، وقد ذكر هذه الآثار ابن كثير رحمة الله عليه في تفسير سورة الشورى عند قول الله عز وجل: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23].

    شرح حديث (كان يقرأ في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد عن يحيى بن سعيد عن شعبة عن معبد بن خالد عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)) ]. سبق تحت هذه الترجمة -وهي: [ ما يقرأ به في الجمعة ]- عدة أحاديث، فيها بيان ما يقرأ به في صلاة الجمعة، وسبق أن مر أنه يقرأ في صلاة الجمعة بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)، وكذلك بالجمعة والمنافقون، وكذلك بالجمعة والغاشية. أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الجمعة بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ))، وهذا من جملة الأدلة الدالة على أن صلاة الجمعة يقرأ فيها بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ).

    تراجم رجال إسناد حديث (كان يقرأ في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى ...)

    قوله: [ مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معبد بن خالد ]. معبد بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن عقبة ]. زيد بن عقبة ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سمرة بن جندب ]. هو سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."



  14. #174
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [141]
    الحلقة (172)

    شرح سنن أبي داود [141]

    لصلاة الجمعة نافلة بعدها وليس لها نافلة قبلها، إذ يشرع قبلها أن يصلي المرء ما كتب الله تعالى له ويشغل نفسه بذكر الله تعالى، فإذا قضيت الصلاة صلى في المسجد أربع ركعات أو انصرف إلى بيته وصلى ركعتين، وينبغي للمرء في صلاة النافلة ألا يصليها في مكان الفريضة مباشرة دون أن يفصل بينهما بكلام أو خروج، والأولى له أن ينتقل إلى مكان آخر ليصلي فيه، ليفصل بين الفرض والنفل وليحوز شهادة البقعة له بالعبادة عليها.

    الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار


    شرح حديث (صلى رسول الله في حجرته والناس يأتمون به)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار. حدثنا زهير بن حرب حدثنا هشيم أخبرنا يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرته والناس يأتمون به من وراء الحجرة) ]. أورد أبو داود رحمه الله [باب الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار] والمقصود من هذا أن المأموم إذا ائتم بالإمام وبينهما جدار فإن الصلاة صحيحة، ولا بأس بأن يصلي المأموم وراء إمام وبينهما جدار، كما أنه لا بأس بأن يكون الإمام أعلى من المأمومين أو العكس، كل ذلك لا بأس به ما دام أن سماع القراءة ممكن، ولو حصل أن توقف مكبر الصوت ولم يمكن الائتمام فإنه يمكن أن ينفصل المأمومون وكل واحد منهم يكمل صلاته على حدة أو يتقدم شخص ويكون إماماً لهم في بقية الصلاة. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في حجرته والناس يأتمون به من وراء الحجرة)، وهذا يدل على أن وجود الفاصل أو الجدار بين الإمام والمأموم أو بعض المأمومين لا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في حجرته والناس يصلون بصلاته خارج الحجرة، فهذا يدلنا على أن الصلاة إذا حصلت من المأموم وراء إمامه وبينهما جدار فلا بأس به، كما أنه لا بأس بأن يكون المأموم فوق السطح ويصلي بصلاة الإمام، أو يصلي في مكان منخفض ويصلي بصلاة الإمام، كل ذلك لا بأس به، كما أن الإمام لو كان في مكان أرفع من المأمومين فلا بأس به كما سبق أن مر بنا في الحديث أنه لما وضع المنبر فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى فوقه والناس يرونه.
    تراجم رجال إسناد حديث (صلى رسول الله في حجرته والناس يأتمون به)

    قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خيثمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة، وهي مكثرة من الرواية عن عائشة . [ عن عائشة ]. هي عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس و جابر وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة.
    تابع شرح حديث (صلى رسول الله في حجرته والناس يأتمون به)

    وصلاته صلى الله عليه وسلم في حجرته قد تكون نافلة أو فريضة، وسواء أكانت نافلة أم فريضة فالحديث يدل على جواز صلاة المأموم مؤتماً بالإمام وبينهما جدار، لكن الذي يبدو -والله أعلم- أنها فريضة؛ لأن في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في بيته والناس يصلون وراءه، وأشار إليهم أن يجلسوا، فيحتمل أنها فريضة، لكن من ناحية الحكم فسواء أكانت فريضة أم نافلة فائتمام المأموم بالإمام وبينهما جدار جائز لهذا الحديث، وهذا حكم عام يشمل الجمعة وغير الجمعة، ولعل المصنف ذكره هنا لأن الجمعة هي التي يكثر فيها الناس، وقد يترتب على ذلك أن يكون هناك جدار يفصل بين الإمام والمأمومين.
    الصلاة بعد الجمعة


    شرح حديث صلاة ركعتين بعد الجمعة في البيت


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الصلاة بعد الجمعة. حدثنا محمد بن عبيد وسليمان بن داود المعنى، قالا: حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع : (أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى رجلاً يصلي ركعتين يوم الجمعة في مقامه فدفعه، وقال: أتصلي الجمعة أربعاً؟ وكان عبد الله يصلي يوم الجمعة ركعتين في بيته، ويقول: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة [ باب: الصلاة بعد الجمعة ] يعني: صلاة النافلة بعد الجمعة، وقد وردت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن الصلاة بعد الجمعة ركعتان أو أربع، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في بيته بعد أن ينتهي من صلاة الجمعة ركعتين، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يصلى بعد الجمعة أربع ركعات، وهذا يدلنا على أن الجمعة لها سنة بعدها، وهي إما ركعتان أو أربع، وبعض العلماء قال: إن هذا من خلاف التنوع، والإنسان له أن يصلي ركعتين أو أربعاً، والأربع أكمل وأتم، وبعض أهل العلم -ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية- قال: إن صلى في بيته صلى ركعتين، وإن صلى في المسجد صلى أربعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه كان يصلي في بيته ركعتين، وجاء عنه أنه أمر بأن يصلى بعد الجمعة أربع ركعات، والنبي صلى الله عليه وسلم داوم على صلاة ركعتين في بيته، فإذا صلى الإنسان في بيته يصلي ركعتين، وإذا صلى في المسجد صلى أربعاً، وقد جاء في الحديث ما يدل على ذلك، وإن صلى في البيت أربعاً فلا بأس بذلك، لكن كونه يأتي بالأربع في المسجد أو ركعتين في البيت -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- هو الأولى، وذلك لأنه لو صلى في المسجد ركعتين وكان في مصلاه الذي صلى فيه فيكون كأنه قد صلى الجمعة أربعاً، ولكنه إذا تحول من مكانه وصلى في مكان آخر ركعتين أو أربعاً فإن هذا الاحتمال أو هذا الإشكال يزول لكونه صلى في مكان آخر. أما السنة قبل الجمعة فلم يأت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن تشرع النوافل المطلقة التي هي غير مقيدة بعدد، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، فقد قال: (من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى المسجد فصلى ما كتب له ثم أنصت للخطبة ...) ومعناه أنه يصلي ما أمكنه أن يصلي، وكان ابن عمر يصلي كثيراً في المسجد، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا جاءوا إلى المسجد يصلون ما أرادوا أن يصلوا ثم يجلسون ولا يقومون إلا للصلاة، فليس هناك راتبة معينة محددة قبل الجمعة، لا ثنتين ولا أربع، وإنما الراتبة بعدها -كما جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام- إما ركعتان وإما أربع، وقبل الجمعة ليس هناك راتبة، ولكن هناك الصلاة المطلقة التي تكون من الإنسان إذا دخل المسجد، فله أن يصلي ما أمكنه أن يصلي ثم بعد ذلك يجلس ولا يقوم إلا للصلاة بعد ذلك. وأورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه [رأى رجلاً يصلي ركعتين يوم الجمعة في مقامه فدفعه، وقال: أتصلي الجمعة أربعاً؟!] ولعله دفعه ليتحول من مكانه حتى لا يكون كأنه صلى الجمعة أربعاً، بمعنى أنه صلى مع الإمام ركعتين ثم أتى بعد ذلك بركعتين بعدها، فتصير كأنها ظهراً، ولكنه إذا انتقل إلى مكان آخر وتحول إلى مكان آخر زال الإشكال. قوله: [(وكان عبد الله يصلي يوم الجمعة ركعتين في بيته ويقول: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم)] أي أنه كان يصلي في بيته ركعتين، لكنه إذا صلى ركعتين في المسجد في مقامه فإنَّه بذلك يكون كأنه صلى الجمعة أربعاً، ولكنه لو تحول من مكانه إلى مكان آخر يزول الإشكال؛ ولهذا قال: [فدفعه] ومعناه أنه أراد منه أن ينتقل، وبعض الشراح قال: منعه من الصلاة، ولكن ابن عمر رضي الله تعالى عنه جاء عنه أنه إذا كان بمكة وصلى الجمعة فإنه كان يتحول عن مكانه قليلاً ويصلي ركعتين، ثم يتحول عن مكانه قليلاً ويصلي أربعاً، وإذا كان في المدينة صلى الجمعة ثم صلى بعدها ركعتين في بيته كما جاء في الحديث الذي معنا وقال: [هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم] وذلك يرجع إلى الركعتين اللتين تكونا في البيت بعد الجمعة.
    تراجم رجال إسناد حديث صلاة ركعتين بعد الجمعة في البيت

    قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ وسليمان بن داود ]. هو سليمان بن داود العتكي أبو الربيع الزهراني البصري ، ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ] . هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث (كان ابن عمر رضي الله عنهما يطيل الصلاة قبل الجمعة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن نافع أنه قال: (كان ابن عمر رضي الله عنهما يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلي بعدها ركعتين في بيته، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك) ] أورد أبو داود أن ابن عمر كان يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك). والمقصود بقوله: [كان يفعل ذلك] أي: الركعتين التي كان يصليهما في بيته، وابن عمر كان يأتي للجمعة مبكراً ويصلي ويطيل الصلاة، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه كان يأتي إلى المسجد عندما يصعد على المنبر، وكذلك في بقية الصلوات كان يخرج من منزله فتقام الصلاة، وكان يصلي النافلة في بيته ثم بعد ذلك يصلي ويرجع ويصلي النافلة في بيته صلى الله عليه وسلم. فالحاصل أن المرفوع هو كونه يصلي ركعتين في بيته كما سبق أن مر في الحديث السابق أنه كان يصلي ركعتين في بيته ويقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك) أي: الركعتين، وليس المقصود من ذلك الصلاة قبل الجمعة، فإطالة الصلاة قبل الجمعة إنما هو من فعل ابن عمر ، وهذه من النوافل المطلقة، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يأتون مبكرين ويصلون ما أرادوا أن يصلوا، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك حيث قال: (من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى المسجد وصلى ما كتب له ثم أنصت...) إلى آخر الحديث، فهذه نوافل مطلقة، وليست سنة راتبة معينة بركعتين أو أربع كما جاء ذلك بعد الجمعة.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان ابن عمر رضي الله عنهما يطيل الصلاة قبل الجمعة...)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم المشهور بابن علية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أيوب عن نافع عن ابن عمر ]. مر ذكرهم.

    شرح حديث (لا توصل صلاة بصلاة حتى تتكلم أو تخرج)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن يزيد ابن أخت نمر يسأله عن شيء رأى منه معاوية رضي الله عنه في الصلاة فقال: (صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلمت قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلي فقال: لا تعد لما صنعت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج؛ فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، أن لا توصل صلاة بصلاة حتى تتكلم أو تخرج) ] أورد أبو داود حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه أنه صلى في المقصورة، والمقصورة حجرة كانت في المسجد، وكان قد اتخذها معاوية بعدما اعتدى عليه الخارجي، فكان يصلي في المقصورة، فصلى السائب بن يزيد معه، وحصل من السائب بن يزيد أنه قام يتنفل في مكانه بعد الجمعة، ثم إن معاوية دعاه وقال: (لا تعد إلى ما صنعت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن توصل صلاة بصلاة حتى تتكلم أو تخرج)، يعني: ليس للإنسان أن يصلي بعد الجمعة في مقامه؛ لأن هذا من وصل الصلاة بالصلاة، وهذا دليل على أن الإنسان يصلي النافلة في مكان آخر غير المكان الذي صلى فيه الفريضة، وفائدة ذلك أن لا يصل فرضاً بنفل، ولتشهد له البقاع المتعددة التي يصلي فيها؛ لأن الأرض تشهد يوم القيامة على ما فعل على ظهرها من خير وشر، وهو معنى قول الله عز وجل: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4] يعني: تخبر عما حصل على ظهرها من خير أو شر، فإذا صلى الإنسان في مكان آخر تعددت البقع التي صلى فيها، وتشهد له البقع المتعددة والأماكن المتعددة. والحاصل أن حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يدل على أن الإنسان إذا تنفل يوم الجمعة في المسجد فلا يتنفل في مكانه الذي صلى فيه حتى يتكلم أو يخرج أو يتحول إلى مكان آخر كما سيأتي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه، وفيه أن الفصل بين الفرض والنفل يكون بالكلام ويكون -أيضاً- بالفعل والانتقال، ولكن الانتقال أولى من الاقتصار على الكلام؛ لأن فائدة الانتقال تعدد البقع وكونها تشهد له كما أشرت إلى ذلك آنفاً. وهذا الحكم ليس خاصاً بالجمعة، بل الجمعة وغيرها من ناحية الانتقال سواء، وهذا الحديث: فقوله: [(فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، أن لا توصل صلاة بصلاة عام)].

    تراجم رجال إسناد حديث (لا توصل صلاة بصلاة حتى تتكلم أو تخرج)


    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار ]. هو عمر بن عطاء بن أبي الخوار ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ عن السائب بن يزيد ]. هو السائب بن يزيد صحابي صغير رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية ]. هو أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث صلاة ركعتين في البيت بعد الجمعة من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة المروزي أخبرنا الفضل بن موسى عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء عن ابن عمر أنه قال: (كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعاً، وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين، ولم يصل في المسجد، فقيل له فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك) ] أورد المصنف حديث ابن عمر أنه كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين، ثم تقدم أكثر من ذلك فصلى أربعاً، وإذا كان في المدينة وصلى الجمعة ذهب إلى بيته وصلى فيه ركعتين، ولم يصل في المسجد، وقال: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك)] يعني: يفعل هذا الأخير الذي هو كونه يصلي ركعتين في بيته وليس في المسجد؛ لأن هذا هو هدي رسول عليه الصلاة والسلام المعروف عنه، فالمرفوع من حديث ابن عمر إنما هو: (كون النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في بيته ركعتين بعد الجمعة)، وابن عمر رضي الله عنه كان إذا كان في المدينة يصلي ركعتين في بيته بعد الجمعة، لكنه إذا كان بمكة كان يفعل ذلك ويصلي ستاً: يصلي ركعتين ثم يتحول بعد ذلك إلى مكان آخر ويصلي فيه أربعاً، فيصير المجموع ست ركعات، وفعل ابن عمر رضي الله عنه ثابت كما جاء في هذا الحديث، وبعض أهل العلم قال به، وأنه يصلي بعد الجمعة ستاً، ولا أدري وجه هذا التفريق في كونه بمكة كان يفعل هذا الفعل، وفي المدينة يرجع إلى بيته ويصلي ركعتين كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، والذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ركعتين في بيته بعد الجمعة وأمر بالصلاة بعد الجمعة أربعاً كما سيأتي في حديث عند أبي داود .

    تراجم رجال إسناد حديث صلاة ركعتين في البيت بعد الجمعة من طريق ثانية


    قوله: [ حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة المروزي ]. محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة المروزي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ أخبرنا الفضل بن موسى ]. الفضل بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الحميد بن جعفر ]. عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر مر ذكره.
    شرح حديث (من كان مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير ، ح: وحدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا إسماعيل بن زكريا عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال ابن الصباح قال: (من كان مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً)، وتم حديثه، وقال ابن يونس : (إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعاً) قال: فقال لي أبي: يا بني! فإن صليت في المسجد ركعتين ثم أتيت المنزل -أو: البيت- فصل ركعتين]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من كان مصلياً بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً)]، وهذه رواية أحد شيخي أبي داود، ورواية شيخه الثاني: [(إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعاً)] فهذا دليل على أن السنة بعد الجمعة أنه يصلي بعدها أربعاً، وكان هديه صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ركعتين بعد الجمعة، وقد أشرت أن شيخ الإسلام ابن تيمية رجح أنه إن صلى في المسجد صلى أربعاً، وإن صلى في بيته صلى ركعتين، ويجوز أن يصلي في المسجد أربعاً أو ركعتين، أو يصلي في البيت أربعاً أو يصلي فيه ركعتين، كل ذلك جاء ما يدل عليه بالنسبة لإطلاق الأربع. ثم إن في رواية أحمد بن يونس زيادة، وهي أن أبا صالح قال لابنه سهيل الراوي عنه: يا بني! إذا صليت في المسجد ركعتين وأتيت البيت فصل ركعتين. وذلك ليكمل الأربع التي جاءت في هذا الحديث: [(إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعاً)]، والإنسان إذا ما أتى بالأربع في المسجد بل أتى ببعضها فإنه يكمل الأربع في البيت، ومعناه تنفيذ النص.
    تراجم رجال إسناد حديث (من كان مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير بن معاوية ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وحدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن زكريا ]. هو صدوق يخطئ قليلاً، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل ]. سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و البخاري ما أخرج له استقلالاً وإنما أخرج له متابعة ومقروناً، وكذلك خرج حديثه في ترجمة حديث: (الدين النصيحة) حيث أتى بالترجمة فقال: (باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، ولم يسند الحديث؛ لأن سهيل بن أبي صالح ليس على شرطه، ولذا لم يرو عنه مستقلاً، وإنما روى عنه مقروناً. [ عن أبيه ] . هو أبو صالح ذكوان السمان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
    شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته) . قال أبو داود : وكذلك رواه عبد الله بن دينار عن ابن عمر ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته، وهو مثل الأحاديث المتقدمة عن ابن عمر أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته)


    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي عن عبد الرزاق عن معمر ]. معمر هو ابن راشد الأزدي البصري، ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم ]. هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال أبو داود : وكذلك رواه عبد الله بن دينار عن ابن عمر ]. عبد الله بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويعني أنه رواه كما رواه سالم .
    شرح حديث صلاة ابن عمر بعد الجمعة ست ركعات

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني عطاء أنه رأى ابن عمر يصلي بعد الجمعة فينماز عن مصلاه الذي صلى فيه الجمعة قليلاً غير كثير، قال: فيركع ركعتين، قال: ثم يمشي أنفس من ذلك فيركع أربع ركعات، قلت لعطاء : كم رأيت ابن عمر يصنع ذلك؟ قال: مراراً. قال أبو داود : رواه عبد الملك بن أبي سليمان ولم يتمه ]. أورد أبو داود هذا الأثر أن عطاء بن أبي رباح رأى ابن عمر إذا صلى الجمعة انماز -يعني: تميز- عن مكانه وانحاز عن مكانه قليلاً وصلى ركعتين، ثم مشى أنفس من ذلك -يعني: مسافة أكثر من المسافة السابقة- وصلى أربع ركعات، فقيل لعطاء : كم رأيته يفعل ذلك؟ فقال: مراراً، وسبق عن عطاء هذا أنه قال: كان ابن عمر إذا كان بمكة وصلى الجمعة صلى بعدها ركعتين ثم تقدم وصلى أربعاً، وإذا كان بالمدينة صلى في بيته ركعتين ولم يصل في المسجد، وقال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك) وقد مر الكلام على هذا في الحديث السابق.
    تراجم رجال إسناد حديث صلاة ابن عمر بعد الجمعة ست ركعات

    قوله: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن ]. هو إبراهيم بن الحسن المصيصي ، وهو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي. [ حدثنا حجاج بن محمد ]. هو حجاج بن محمد المصيصي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. ابن جريج مر ذكره. [ أخبرني عطاء أنه رأى ابن عمر ]. عطاء بن أبي رباح و ابن عمر مر ذكرهما. قوله: [ قال أبو داود : ورواه عبد الملك بن أبي سليمان ولم يتمه ]. يعني أنه ما أتى به كالرواية السابقة، وإنما أتى به بأقل من ذلك، وعبد الملك بن أبي سليمان صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
    صلاة العيدين


    شرح حديث (قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما.. )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صلاة العيدين. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر) ]. أورد أبو داود رحمه الله: [باب صلاة العيدين] والعيدان: هما عيدا المسلمين عيد الأضحى وعيد الفطر، وكل منهما يأتي في موسم عظيم، فعيد الفطر يأتي بعد إكمال صيام شهر رمضان، ويسمى عيد الفطر؛ لأن سببه الفطر من رمضان وإكمال شهر رمضان، ويؤتى به شكراً لله عز وجل على نعمة إكمال الصيام، ولهذا قيل له: عيد الفطر من رمضان، وكون الإنسان أكمل شهر رمضان وأتمه نعمة عظيمة، ويشكر الله عز وجل عليها بأمور، منها: أنه يخرج زكاة الفطر، ولهذا قيل لها: (زكاة الفطر) وهي شكر لله عز وجل على إتمام هذه النعمة التي هي إكمال الصيام، ولهذا جاء في الحديث: (للصائم فرحتان يفرحهما: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه) ومعنى قوله: (عند فطره) أنه أتم هذا العمل الصالح، وأتم هذا الصيام، فيفرح لأنه أتم الصيام، وليس المقصود أنه يفرح بالأكل والشرب، وإنما يفرح بإكمال العمل الصالح وكونه وفق لإتمام العمل الصالح، فإذا أكمل شهر رمضان يحصل الفرح الأكبر لكونه أتم الشهر كاملاً، وهو كل يوم عندما يفطر يفرح لأنه أكمل هذه العبادة، وإذا أكمل ثلاثين يوماً أو تسعة وعشرين يوماً فإنه يفرح لأنه أدى هذه العبادة وأفطر منها بعد إتمامها، ولهذا وجب إفطار يوم العيد وحرم صيامه، ولا يجوز صيامه بحال من الأحوال، بخلاف أيام التشريق فإنه رخص لمن لم يجد الهدي أن يصومه، لكن يوم العيد ليس لأحد أن يصومه، سواء عيد الفطر أو عيد الأضحى، فيجب إفطارهما، وعيد الفطر نسب إلى الفطر لأنه شكر لله عز وجل على تلك النعمة، وهو ليس في الشهر، ولكنه خارج الشهر، وقد جاء في الحديث: (شهرا عيد لا ينقصان) سميا شهرا عيد مع كون العيد ليس فيه؛ لأنه متصل به وقريب منه، وإن لم يكن منه؛ لأن العيد في أول يوم من شوال، فأضيف إليه لأنه سببه الشهر ولأنه متصل به، وقد يضاف الشيء إلى ما يقاربه، كما قيل لصلاة المغرب: (وتر النهار) مع أنها ليست من النهار، وإنما هي في أول الليل، ولكنها قريبة من النهار ومتصلة بالنهار، فقيل لها: وتر النهار. وعيد الأضحى يأتي في موسم ذبح الهدي بالنسبة للحجاج، وذبح الأضاحي بالنسبة للحجاج وغير الحجاج؛ لأن المسلمين يضحون في كل مكان، فنسب العيد إلى الأضحى؛ لأن الناس يضحون فيه، ويتقربون فيه بالقرابين لله سبحانه وتعالى، فهما عيدان اثنان للمسلمين أنعم الله عز وجل بهما على المسلمين، وشرعهما للمسلمين. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أنس رضي الله عنه [(أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ فقالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر)] فهذان عيدا المسلمين، والأعياد التي كانت في الجاهلية قضى عليها الإسلام وأبطلها، ولم يأت في الشرع إلا عيد الأضحى وعيد الفطر. وقوله صلى الله عليه وسلم: [(أبدلكم الله بهما خيراً منهما)] هو لأجل أن هذين اليومين يفرح فيهما في الإسلام بسبب العبادة والتقرب إلى الله عز وجل، فاليوم الذي أدى الناس فيه العبادة وأكملوها يفرحون فيه لكونهم أتموا العبادة التي شرعها الله، فيوم العيد هو يوم شكر لله عز وجل على إتمام تلك النعمة، فشرعت صلاة العيد وشرعت زكاة الفطر، وأضيف العيد إلى الفطر لأن سببه الفطر، فصار المسلمون يفرحون في هذين اليومين بالعبادة، وهو يوم فرح للأطفال الصغار، ولذا يمكنون من اللعب في يومي العيد، وأما الكبار فليسوا أهلاً للعب، وإنما هم أهل للجد والعبادة والإقبال على الله عز وجل والاشتغال بالطاعة، والفرح بإكمال النعمة التي هي نعمة إتمام الصيام، وكذلك التقرب إلى الله عز وجل بذبح الأضاحي. وقوله: [(أبدلكم بهما)] الباء تدخل على المتروك؛ لأن هناك شيئاً مأخوذاً وشيئاً متروكاً، والمتروك هما اليومان اللذان كانا في الجاهلية، فقوله: [أبدلكم بهما] أي: بيومي الجاهلية، فالباء تدخل على المتروك، كقول الله عز وجل: أَتَسْتَبْدِلُو نَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [البقرة:61] فالذي هو خير هو المتروك، فبنو إسرائيل أخذوا ما هو أقل منه وما هو دونه، فالقاعدة أن الباء تدخل على المتروك. وقوله: [(أبدلكم بهما خيراً منهما)] يعني: في الإسلام، وهما يوما فرح بالعبادة وبالقربى وإكمال العمل الصالح. وهذان العيدان هما المشروعان في الإسلام، والأعياد الأخرى محدثة، لكن الجمعة جاء في الشرع ما يدل على تسميتها عيداً، ولكنها عيد أسبوعي؛ لأنها تتكرر كل أسبوع، وقد مر الحديث الذي فيه اجتماع العيدين، أي: اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد، وكذلك الأثر الذي في صحيح البخاري عن عثمان رضي الله عنه أنه خطب الناس يوم عيد الأضحى فقال: (إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان).

    تراجم رجال إسناد حديث (قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما.. )


    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وإذا جاء موسى عن حماد، وحماد غير منسوب فالمراد به حماد بن سلمة . [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وقت الخروج إلى العيد


    شرح حديث (إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه.. )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: وقت الخروج إلى العيد. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان حدثنا يزيد بن خمير الرحبي قال: (خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام، فقال: إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه. وذلك حين التسبيح) ]. أورد أبو داود [باب: وقت الخروج إلى العيد] يعني أنه يخرج إلى العيد في أول النهار، والخطيب يخرج إذا ارتفعت الشمس، وجاء الوقت الذي تحل فيه الصلاة بعد وقت النهي، وذلك بعد أن ترتفع الشمس قيد رمح، وقد جاء في حديث فيه كلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعجل الأضحى ويؤخر الفطر، فصلاة عيد الفطر إذا أخرت قليلاً بعد دخول الوقت يتسع الوقت لإخراج زكاة الفطر، وصلاة عيد الأضحى إذا قدمت يتسع للناس وقت ذبح الأضاحي. فالحاصل أن صلاة العيد تبدأ من ارتفاع الشمس قيد رمح، ولكنها لا تؤخر كثيراً كما جاء في حديث عبد الله بن بسر الذي أورده أبو داود أنه خرج فأبطأ الإمام في الخروج، فقال: إنا كنا في هذه الساعة نكون انتهينا من صلاة العيد. يعني: في هذا الوقت الذي خرج الإمام فيه الآن، وكان وقت التسبيح، أي: وقت صلاة الضحى، والمقصود من ذلك أنه قدم الصلاة، وإلا فوقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال، وصلاة الضحى أفضل ما تكون إذا اشتدت الشمس واشتدت الحرارة كما جاء في الحديث: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) يعني: وقت شدة الحرارة. والمقصود بالتسبيح هنا صلاة النافلة التي هي سبحة الضحى، كما جاء في الحديث في فضل صلاة الضحى: (كل سلامى من الناس عليه صدقة) وذكر جملة من الأمور ثم قال: (ويجزئ عن ذلك ركعتان من الضحى) ويقال لها: سبحة، أي: نافلة، وفي الحديث: (كان إذا جمع بين الصلاتين لم يسبح بينهما)، أي: لم يتنفل، والتسبيح هو التنفل.

    تراجم رجال إسناد حديث ( إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه.. )


    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتاب الستة. [ حدثنا أبو المغيرة ]. هو عبد القدوس بن حجاج ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا صفوان ]. هو صفوان بن عمرو السكسكي ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا يزيد بن خمير الرحبي ]. يزيد بن خمير الرحبي صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن بسر ]. هو عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."



  15. #175
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [142]
    الحلقة (173)

    شرح سنن أبي داود [142]

    العيدان يومان عظيمان في حياة المسلمين، وقد شرع الله تعالى فيهما صلاة وخطبة يشهدهما المسلمون، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج يوم العيد النساء وذوات الخدور ليشهدن الصلاة والخير والدعاء، بل وأمر بإخراج الحيض منهن، إلا أنهن يعتزلن المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد وخطبته أن يقدم الصلاة ثم يأتي بالخطبة مذكراً فيها المسلمين بأشياء من أمر دينهم، وواعظاً لهم وناصحاً صلى الله عليه وسلم.

    خروج النساء في العيد



    شرح حديث (أمرنا رسول الله أن نخرج ذوات الخدور يوم العيد... )


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب خروج النساء في العيد. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب و يونس و حبيب و يحيى بن عتيق و هشام في آخرين عن محمد أن أم عطية رضي الله عنها قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج ذوات الخدور يوم العيد، قيل: فالحيض؟ قال: ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، قال: فقالت امرأة: يا رسول الله! إن لم يكن لإحداهن ثوب كيف تصنع؟ قال: تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب خروج النساء في العيد ]، أي: استحباب ذلك، وترغيبهن في ذلك، وذلك لحضور الصلاة ودعوة المسلمين، والنساء اللاتي ليس عليهن الحيض يشاركن في الصلاة، والحيض يكبرن ويسمعن الذكر والخطبة، ولكنهن يعتزلن المصلى بحيث لا يكنَّ مع المصليات، وإنما يكن راءهن منعزلات عنهن، فيسمعن الخطبة ويكبرن فيذكرن الله عز وجل. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أم عطية وهي نسيبة بنت الحارث رضي الله تعالى عنها أنها قالت: [ (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج ذوات الخدور) ] أي: في العيد، وذوات الخدور هن الفتيات اللاتي لم يتزوجن، والخدور هي أماكن مخصصة في البيوت، والمراد أن المخبأة التي في الخدر التي هي قليلة الخروج من المنزل؛ تذهب لصلاة العيد، وكذلك الحيض، وهن المتلبسات بالحيض، فالبالغات يصلين، والمتلبسات بالحيض يسمعن الخطبة، ويكبرن الله عز وجل، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، وهذا يدلنا على تأكد صلاة العيد، ومن أهل العلم من قال: هي فرض عين على الرجال، والنساء يرغبن فيها حتى ذوات الخدور والحيض، وبعضهم قال: إنها سنة مؤكدة، وبعضهم قال: إنها فرض كفاية، ولا شك في أن الأمر بإخراج ذوات الخدور والمخبآت والصغيرات اللاتي بلغن أو قاربن البلوغ يدلنا على تأكد هذه الصلاة وأهميتها، وقد سبق أن من حضر صلاة العيد يوم الجمعة يمكنه أن يتخلف عن صلاة الجمعة، وأنه يغنيه ويكفيه حضوره العيد، ولا يلزمه أن يحضر الجمعة، ويكون معذوراً في حضورها، وهذا يدلنا على أهمية حضور صلاة العيد، وعلى الحرص على الإتيان بها، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج ذوات الخدور والحيض ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، وليكون لهن نصيب من ذلك الخير ومن هذه الدعوة. قولها: [ (فقالت امرأة: يا رسول الله! أرأيت إن لم يكن لإحدانا ثوب؟ قال: تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها) ] هذا مما يدل على تأكد الذهاب إلى صلاة العيد، وعدم التخلف عنها، وأن المرأة إذا لم يكن معها ثوب فإن أختها أو قريبتها تعيرها شيئاً من ثيابها حتى تذهب بها، وحتى تحضر هذه الدعوة وتحضر هذا الخير.

    تراجم رجال إسناد حديث (أمرنا رسول الله أن نخرج ذوات الخدور يوم العيد... )


    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وإذا جاء موسى بن إسماعيل يروي عن حماد ، وحماد غير منسوب فالمراد به حماد بن سلمة بن دينار. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ويونس ]. يونس هو ابن عبيد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وحبيب ]. هو حبيب بن الشهيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ويحيى بن عتيق ]. يحيى بن عتيق ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي. [ وهشام ]. هو هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ في آخرين ]. يعني أنه ذكر هذا العدد من الرواة، وهناك غيرهم، ولكنه اقتصر على هذا العدد، وهؤلاء كلهم يروي عنهم حماد، وهم يروون عن ابن سيرين. [ عن محمد ]. هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أم عطية ]. أم عطية هي نسيبة بنت الحارث رضي الله تعالى عنها، وهي مشهورة بكنيتها أم عطية ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (يعتزل الحيض مصلى المسلمين)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد حدثنا أيوب عن محمد عن أم عطية رضي الله عنها بهذا الخبر، قال: (ويعتزل الحيض مصلى المسلمين) ولم يذكر الثوب، قال: وحدث عن حفصة عن امرأة تحدثه عن امرأة أخرى أنها قالت: (قيل: يا رسول الله) فذكر معنى حديث موسى في الثوب. أورد أبو داود حديث أم عطية رضي الله عنها من طريق آخر، وفيه: [ (ويعتزل الحيض مصلى المسلمين) ] أي: المتلبسات بالحيض، واللاتي عليهن الحيض؛ لأن الحائض تطلق على البالغة، وعلى التي عليها الحيض، فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) يعني: البالغة؛ لأنها قد بلغت سن المحيض، ويطلق على المتلبسة بالحيض. فالحيض المتلبسات بالحيض يذهبن إلى المصلى في صلاة العيد، ولكن يعتزلن مصلى المسلمين، ولا تكون الحيض مع النساء الطاهرات اللاتي يصلين، وإنما يتأخرن عنهن، وذلك حتى لا يحصل التلويث للمكان الذي يصلى فيه، وأيضاً من أجل عدم حصول الرائحة التي تكون بسبب الحيض، فتعتزل الحيض المصلى، ولكنهن يشهدن الخير، ويكبرن، ويشهدن دعوة المسلمين، ويكون لهن نصيب في الخير ونصيب في الأجر.

    تراجم رجال إسناد حديث (يعتزل الحيض مصلى المسلمين)


    قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد هو ابن حساب، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد ، وإذا جاء محمد بن عبيد يروي عن حماد فالمراد به ابن زيد ، وهو أحياناً ينسبه وأحياناً لا ينسبه، وحماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب عن محمد عن أم عطية ]. مر ذكر الثلاثة في الإسناد السابق.

    تابع شرح حديث (يعتزل الحيض مصلى المسلمين)


    قوله: [ (ويعتزل الحيض مصلى المسلمين)، ولم يذكر الثوب ] يعني: هذه الرواية التي هي رواية حماد بن زيد ما جاءت في رواية حماد بن سلمة الذي تقدمت. قوله: [ وحدث عن حفصة عن امرأة تحدثه عن امرأة أخرى أنها قالت: (قيل: يا رسول الله) فذكر بعد حديث موسى في الثوب ]. يعني: روى حماد بن زيد عن أيوب عن حفصة عن امرأة حدثته عن امرأة أخرى، وفيها ذكر الثوب كما جاء في رواية موسى بن إسماعيل المتقدمة. وحفصة هي بنت سيرين، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة، وهي تروي عن امرأة، وتلك المرأة غير معروفة، ثم تلك المرأة تروي عن أختها، وكانت مع زوجها خرجا للجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تداوي المرضى، وقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة إذا لم يكن يوم العيد لها ثوب فقال: تلبسها صاحبتها، ثم إن حفصة بنت سيرين لقيت أم عطية فأخبرتها بالذي سمعته من تلك المرأة فصدقت ذلك، وهو مطابق لما تقدم عن أم عطية في رواية موسى بن إسماعيل.

    شرح حديث (والحيض يكن خلف الناس فيكبرن مع الناس)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: (كنا نؤمر -بهذا الخبر-، قالت: والحيض يكن خلف الناس فيكبرن مع الناس) ]. أورد أبو داود حديث أم عطية من طريق أخرى، وفيه [ قالت: (كنا نؤمر) بهذا الخبر ] يعني: بالكلام المتقدم الذي مر، وقالت: [ والحيض يكن خلف الناس يكبرن مع الناس ]، أي: خلف النساء يعتزلن المصلى، ولا يكن مع النساء الطاهرات، وإنما يكن خلفهن، ويكبرن مع الناس، والذكر لا تمنع منه الحائض، فهي تكبر وتذكر الله عز وجل، ولا بأس بذلك، وهذا يدلنا على أن الناس يكبرون في العيد، ويشرع التكبير عند الذهاب إلى مصلى العيد، وقبل صلاة العيد، وقولها: [ يكبرن مع الناس ] يدل على حصول التكبير، وأنه يكون من الرجال والنساء، ولكن النساء لا يرفعن أصواتهن بالتكبير كما يرفع الرجال، كما أنهن يلبين بالتلبية ولكن لا يرفعن أصواتهن كما يفعل الرجال. والمصلى مكان مكشوف، والمقصود من ذلك أنهن إذا ذهبن لا يكن مع الطاهرات؛ لأن وجودهن مع الطاهرات قد يلوث المكان، وأيضاً تشم منهن الرائحة غير الطيبة، وإلا فإن المصلى مكان مكشوف يمر به الحيض وغير الحيض، وليس له حكم المسجد لكن جلوس الحيض فيه مع النساء الطاهرات قد يحصل به التلويث وشم الرائحة غير الطيبة.

    تراجم رجال إسناد حديث (والحيض يكن خلف الناس فيكبرن مع الناس)


    قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عاصم الأحول ]. هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأحول لقبه. [ عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية ]. مر ذكرهما.

    شرح حديث (وأمرنا بالعيدين أن نخرج فيهما الحيض)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد -يعني الطيالسي - ومسلم قالا: حدثنا إسحاق بن عثمان حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية عن جدته أم عطية رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، فأرسل إلينا عمر بن الخطاب فقام على الباب فسلم علينا فرددنا عليه السلام، ثم قال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن، وأمرنا بالعيدين أن نخرج فيهما الحيض والعتق، ولا جمعة علينا، ونهانا عن اتباع الجنائز) ]. أورد أبو داود حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، وأرسل إليهن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وأنه قام على الباب وسلم عليهن، ورددن عليه السلام، فقال: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن، وأمرنا بالعيد أن نخرج فيهن الحيض والعتق. والحيض هن البالغات أو المتلبسات بالحيض؛ لأن الحيض يشمل هذا وهذا، فيقال للتي بلغت سن المحيض: حائض، ومنه حديث: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) يعني: التي بلغت سن المحيض، والتي صارت مكلفة، وكذلك -أيضاً- يطلق على المتلبسة بالحيض، فالنساء يخرجن كلهن، والطاهرات يصلين، وغير الطاهرات يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى. والعتق: جمع عاتق، قيل: هي التي قاربت البلوغ أو التي قد بلغت بالفعل، ويقال لها: عاتق لأنها عتقت عن أن تمتهن وأن تستخدم لكونها تجاوزت حد الصغر الذي يكون معه الامتهان والتكليف بالأعمال التي يستخدم فيها الصغير. قولها: [ ولا جمعة علينا ] أي: النساء ليس عليهن جمعة، وهذا بإجماع العلماء، وسبق أن مر بنا الحديث الذي في باب الجمعة للملوك والمرأة، وأنه لا جمعة عليهن، وقد سبق أن الإجماع انعقد على أنه لا يجب على النساء جمعة، ولكنهن إذا حضرن وصلين مع الناس فقد أتين بالفرض، وسقط عنهن أداء صلاة الظهر، وإذا لم يشهدن صلاة الجمعة يجب عليهن أن يصلين الظهر بعد دخول وقت الظهر. قولها: [ ونهانا عن اتباع الجنائز ] وذلك لقلة صبرهن ولضعفهن وهلعهن، فنهين عن اتباع الجنائز، لا سيما عند الصدمة الأولى، فإن النساء عندهن ضعف، ولا يتمالكن عن النياحة والصياح وظهور شيء لا يصلح ولا يليق. وهذا الحديث في سنده شخص قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، والشيء الذي انفرد به قصة مجيء عمر بن الخطاب إليهن، وجمع الرسول صلى الله عليه وسلم لهن في مكان، وسائر ما جاء فيه له شواهد، فقضية إخراج الحيض والعتق جاء في حديث أم عطية الذي سبق أن مر، وكذلك كونه لا جمعة عليهن سبق أن جاء في حديث: (الجمعة حق على كل مسلم إلا أربعة) وذكر فيهم المرأة، وعرفنا اتفاق العلماء على أنه لا جمعة على النساء، وكذلك نهيهن عن اتباع الجنائز جاء عن أم عطية من طرق صحيحة ثابتة، وذلك لضعفهن وخورهن وعدم صبرهن وعدم تحملهن، ولأنه قد يحصل منهن أمور لا تنبغي، ولهذا جاءت الأحاديث في ذم النائحة وبيان عقوبة النائحة، وكذلك الرجل لو ناح فإن حكمه حكم المرأة، ولكن الغالب أن النياحة تكون من النساء لضعفهن، فلو وجد من الرجال من ينوح فحكمه حكم النساء، ولكن نص على النساء وذكر النائحة دون النائح لأن النياحة تحصل غالباً من النساء؛ لعدم صبرهن وعدم قوة تحملهن.

    تراجم رجال إسناد حديث (وأمرنا بالعيدين أن نخرج فيهما الحيض)


    قوله: [ حدثنا أبو الوليد -يعني الطيالسي- ]. كلمة (يعني) هذه قالها من هو دون أبي داود ؛ لأن أبا داود لا يقول: يعني الطيالسي ، بل ينسب شيخه كما يريد، فأبو داود اقتصر على قوله: [ حدثنا أبو الوليد ] فالذي جاء بعد أبي داود هو الذي أضاف كلمة (الطيالسي)، وأتى قبلها بكلمة (يعني)، و(يعني) فعل مضارع فاعله ضمير مستتر يرجع إلى أبي داود ، والذي قال: (يعني) هو دون أبي داود ، وأبو الوليد الطيالسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ومسلم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسحاق بن عثمان ]. إسحاق بن عثمان صدوق أخرج له أبو داود وحده. [ حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية ]. إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن جدته أم عطية ]. مر ذكرها.

    الخطبة يوم العيد



    شرح حديث إنكار رجل على مروان تقديم الخطبة على صلاة العيد


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الخطبة يوم العيد. حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ح: وعن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنه قال: (أخرج مروان المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان ! خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، فقال أبو سعيد الخدري: من هذا؟ قالوا: فلان بن فلان، فقال: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب الخطبة يوم العيد ]، والترجمة معقودة للخطبة، وأن العيد لا بد فيه من خطبة، بل لا بد فيه من خطبتين، ولا نعلم دليلاً يدل على أنها خطبتان، ولكن بعض أهل العلم قال: الدليل هو القياس على الجمعة، ولا أعلم خلافاً في أن خطبة العيد خطبتان، ومما يوضح هذا أن العيد شبه بالجمعة في الأحاديث التي سبق أن مرت بنا في باب إذا وافق عيد يوم الجمعة، فإذا كان العيد يجزئ عن الجمعة ويغني عن الجمعة فمعناه أنه يكون مثل الجمعة، والجمعة فيها خطبتان، ومن حضر العيد أجزأه عن حضور الجمعة، فإذا أراد أن يتخلف عن الجمعة فإنه معذور للأحاديث التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فكون صلاة العيد تغني عن الجمعة وتجزئ عن الجمعة إذا وافق عيد يوم الجمعة فهذا يدلنا على أن صلاة العيدين مثل الجمعة، وأن لها خطبتين، ولا أعلم أحداً خالف في أن العيد له خطبتان كالجمعة. وأورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن مروان بن الحكم أخرج المنبر في يوم عيد، وكان أميراً على المدينة، وبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقال له رجل: خالفت السنة، فقال أبو سعيد الخدري: من هذا؟ قالوا: فلان بن فلان. قال: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ (من رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) ]. وجاء في الصحيح أن أبا سعيد رضي الله عنه هو الذي أنكر على مروان ذلك، بل إنه جذبه عندما أراد أن يصعد إلى المنبر قبل أن يصلي، فاستمر مروان فيما أراده، وصعد إلى المنبر وخطب، وجلس أبو سعيد، فلعل هذا الرجل حصل منه الإنكار بعد أن قال لمروان ما قال، وإلا فإن الذي حصل منه الإنكار مباشرة على مروان هو أبو سعيد نفسه، وقد جاء في الصحيح أنه جذبه، وكأنه خشي أن يكون نسي أن الصلاة قبل الخطبة، لكنه أراد أن يبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فخطب الناس، ولعل هذا الذي أنكر كما أنكر أبو سعيد كان بعد فراغ مروان من الخطبة والصلاة، فقال له: خالفت السنة، وعند ذلك قال أبو سعيد رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) ]. وهذا الحديث يدل على أن الصلاة قبل الخطبة، وأنه يبدأ بالصلاة ثم يؤتى بالخطبة بعد ذلك، ويدلنا على أن تقديم الخطبة على الصلاة لا يبطل الصلاة، بل حصل المطلوب ولكن فيه مخالفة للسنة، وذلك لأن أبا سعيد رضي الله عنه بقي واستمع الخطبة ثم صلى معه، فدل ذلك على أن تقديم الصلاة على الخطبة ليس من شرط صلاة العيد، وكذلك الذين صلوا معه لم يترك أحدهم الصلاة، ولم يغادر أحدهم المكان الذي حصلت فيه مخالفة هذه السنة، فدل على أن هذه المخالفة لا تصل إلى حد بطلان الصلاة، بل تبرأ الذمة بتلك الصلاة التي حصل فيها التقديم والتأخير المخالف لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. وأبو سعيد رضي الله عنه بين ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن من كان ذا قدرة فعليه أن يغير بيده، كالولاة وكصاحب البيت في ولايته على أهل بيته، فالذي يمكن أن يغير المنكر بيده صاحب الولاية، سواءٌ أكانت عامة أم خاصة، وسواءٌ أكان الوالي الأعظم أم نوابه، وكذلك من يكون والياً ولاية خاصة كولاية الرجل على أهل بيته، فإن هذا مما يمكن فيه التغيير باليد، ومن لم يستطع أن يغير بيده ينتقل إلى الشيء الذي يليه وهو التغيير بلسانه، فيبين أن هذا ليس بصحيح، وأن هذا مخالف للسنة، كما حصل من أبي سعيد رضي الله عنه، وكما حصل من هذا الرجل الذي أنكر على مروان بن الحكم ، فإن لم يستطع وما تمكن من أن ينكر بلسانه فإنه ينكر بقلبه، وذلك بأن يتأثر ويتألم، لا أنه إذا لم يستطع التغيير يبقى قلبه بلا إنكار ولا تأثر، ولا يحرك ساكناً. فقوله: [ (وذلك أضعف الإيمان ) ] يعني: لا أقل من كون الإنسان ينكر بقلبه، ويكون متأثراً ومتألماً من هذا المنكر بقلبه، ولا يكفي مجرد كونه ما استطاع الكلام، بل لابد من أن يتأثر قلبه ويظهر على وجهه التألم والتأثر. فقوله: [ (وذلك أضعف الإيمان) ] يعني: لا أقل من هذا الشيء، والإنسان الذي لا ينكر بقلبه فليس وراء ذلك شيء من الإيمان في قلبه، وهذا يدلنا على أن الناس يتفاوتون في الإيمان، ففيهم الذي يكون إيمانه ضعيفاً، وفيهم الذي يكون إيمانه قوياً، والناس ليسوا في الإيمان على حد سواء. قوله: [ أخرج مروان المنبر في يوم عيد ] يعني: أخرج المنبر إلى مكان المصلى، ولم يكن يخرج، لكن جاء في بعض الأحاديث الصحيحة التي ستأتي (أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما خطب الرجال نزل وذهب إلى النساء)، فدل على أنه كان في مكان مرتفع، فالتعبير بالنزول يدل على أنه كان يخطب في مكان مرتفع، لكن إخراج المنبر ونقله إلى المصلى لم يكن معروفاً في زمنه صلى الله عليه وسلم، فلا بأس بأن يكون هناك مكان مرتفع غير المنبر يخطب عليه الخطيب؛ لأن قوله في الحديث: (نزل) يدل على أنه خطب الرجال في مكان مرتفع، ثم ظن أنه لم يسمع النساء فنزل وذهب إلى النساء ووعظهن كما سيأتي.

    تراجم رجال إسناد حديث إنكار رجل على مروان تقديم الخطبة على صلاة العيد


    قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن رجاء ]. هو إسماعيل بن رجاء بن ربيعة، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو رجاء بن ربيعة، وهو صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ عن أبي سعيد ]. هو سعد بن مالك بن سنان، مشهور بكنيته ونسبته، مشهور بكنيته أبي سعيد، ونسبته الخدري، وهو صحابي مشهور، وهو أحد السبعة المشهورين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ ح: وعن قيس بن مسلم ]. يعني: وحدث الأعمش عن قيس بن مسلم، فالأعمش له شيخان: أولهما إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد والثاني قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد، و قيس بن مسلم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طارق بن شهاب ]. هو صحابي صغير رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. وهو الذي تنتهي إليه الطريقان.

    شرح حديث (قام يوم الفطر فصلى ثم خطب الناس)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق ومحمد بن بكر قالا: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: سمعته يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر فصلى، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب الناس، فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل فأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال رضي الله عنه، وبلال باسط ثوبه تلقي فيه النساء الصدقة)، قال: تلقي المرأة فتخها ويلقين ويلقين. وقال ابن بكر : فتختها ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلاة العيد، وأنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم قام وخطب الناس ثم نزل وأتى النساء، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب على مكان مرتفع في المصلى، فذهب إلى النساء ووعظهن وذكرهن وحثهن على الصدقة، وبسط بلال رداءه، فجعلن يلقين في رداء بلال من فتخاتهن، والفتخات هي خواتم تكون في أصابعهن، وجاء أنهن كن يلقين من أقراطهن وخواتيمهن، والأقراط هي التي تعلق بالأذن، والخواتيم هي التي تكون في الأصابع، يعني يتصدقن، وهذا يدل على أن المرأة لها أن تخرج بحليها إلى الصلاة، وليس عليها أن تنزع حليها إذا أرادت أن تخرج للصلاة أو غيرها، ولكنها تستر وجهها وتستر زينتها، ولا تظهر زينتها للناس. وقوله: [ فجعلن يلقين فتخاتهن ويلقين ويلقين ] يعني: يلقين ويلقين أشياء أخرى مما معهن، وهذا يدلنا على مبادرة النساء إلى الصدقة، وعدم إرجاؤهن ذلك إلى أن يذهبن للبيوت، وأنهن صرن يلقين من هذه الزينة التي عليهن، وهذا يدل على مبادرتهن إلى الخير، ومبادرتهن إلى الصدقة وسرعة امتثالهن لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن المرأة تتصدق بمالها ولو لم تستأذن زوجها، ولا يلزم استئذان الزوج في كون المرأة تتصدق. قوله: [ (فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل فأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال) ] يعني: كان معتمداً على يد بلال وهو يعظ النساء ويذكرهن صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ وبلال باسط ثوبه ]. يعني: وضعه على الأرض حتى تضع النساء صدقاتهن في ذلك الثوب. قوله: [ (وقال ابن بكر : فتختها) ]. يعني أن شيخي الإمام أحمد بن حنبل -وهما عبد الرزاق و محمد بن بكر- أحدهما قال: [ فتخها ] وهذا جمع، والآخر قال: [ فتختها ] بالمفرد، والمفرد إذا أضيف إلى معرفة يعم.

    تراجم رجال إسناد حديث (قام يوم الفطر فصلى ثم خطب الناس)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ومحمد بن بكر ]. محمد بن بكر صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث (خرج يوم فطر فصلى ثم خطب ثم أتى النساء..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة، ح: وحدثنا ابن كثير أخبرنا شعبة عن أيوب عن عطاء أنه قال: (أشهد على ابن عباس رضي الله عنهما، وشهد ابن عباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج يوم فطر فصلى ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال رضي الله عنه، قال ابن كثير : أكبر علم شعبة: فأمرهن بالصدقة فجعلن يلقين) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بالناس قبل الصلاة، ثم ذهب إلى النساء ووعظهن وبلال معه. وقال محمد بن كثير شيخ أبي داود الثاني: [ أكبر علم شعبة: فأمرهن بالصدقة. قوله: [ فجعلن يلقين ] يعني: نتيجة لهذا الأمر وهذا الترغيب وهذا الحث على الصدقة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم -كما جاء في الحديث- قال: (تصدقن -يا معشر النساء- فإنكن أكثر حطب جهنم، فقالت امرأة من سطة النساء: يا رسول الله! لم؟! قال: لأنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير). قوله: [ قال عطاء: أشهد على ابن عباس، وشهد ابن عباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. هذا يدل على أن كل واحد متحقق ومتيقن من الشيء الذي رواه؛ لأنه عبر بذلك بالشهادة التي تدل على تحقق الإنسان مما أخبر به.

    تراجم رجال إسناد حديث (خرج يوم فطر فصلى ثم خطب ثم أتى النساء..)


    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا ابن كثير ]. ابن كثير هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شعبة عن أيوب ]. أيوب هو ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء قال: أشهد على ابن عباس ]. عطاء هو ابن أبي رباح مر ذكره، وابن عباس هو عبد الله بن عباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث (خرج يوم فطر فصلى ثم خطب ثم أتى النساء..) من طريق ثانية وتراجم رجاله


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد وأبو معمر عبد الله بن عمرو قالا: حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما بمعناه، قال: (فظن أنه لم يسمع النساء فمشى إليهن وبلال رضي الله عنه معه فوعظهن وأمرهن بالصدقة، فكانت المرأة تلقى القرط والخاتم في ثوب بلال) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، إلا أن فيه بيان السبب الذي جعله يذهب إلى النساء ويعظهن، وهو كونه ظن أنه لم يسمعهن، وذلك لأن مكانهن متأخر، فظن أنهن لم يسمعن الخطبة، فذهب إليهن وخطبهن ووعظهن صلى الله عليه وسلم، فأمرهن بالصدقة فجعلن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن، والأقراط هي التي تعلق في الأذن للزينة، والخواتيم هي التي تكون في الأصابع. قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي. [ وأبو معمر عبد الله بن عمرو ]. وأبو معمر عبد الله بن عمرو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن عطاء عن ابن عباس ]. مر ذكرهم.

    إسناد ثالث لحديث (خرج يوم فطر فصلى ثم خطب ثم أتى النساء..) وتراجم رجاله


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذا الحديث، قال: (فجعلت المرأة تعطي القرط والخاتم، وجعل بلال يجعله في كسائه، قال: فقسمه على فقراء المسلمين) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم وعظ النساء وجعلت النساء تلقي القرط والخاتم في ثوب بلال، وفيه زيادة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قسمه على فقراء المسلمين، يعني هذه الصدقات التي تصدقت بها النساء في يوم العيد عندما وعظهن الرسول صلى الله عليه وسلم فقسم ذلك على فقراء المسلمين، فدل هذا على أن الصدقات العامة التي ليست من الزكوات تصرف في الفقراء، والصدقة تطلق على الفريضة وعلى النافلة، قال الله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103] وهي زكاة المال، وقال الله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60] وأيضاً الصدقات تطلق على النوافل والتطوعات التي يتصدق بها. قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عطاء عن ابن عباس ]. مر ذكر هؤلاء جميعاً.

    يخطب على قوس


    شرح حديث (نوول يوم العيد قوساً فخطب عليه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب يخطب على قوس. حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن عيينة عن أبي جناب عن يزيد بن البراء عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نوول يوم العيد قوساً فخطب عليه) ]. أورد أبو داود [ باب يخطب على قوس ] يعني: في العيد، والمعنى أنه يعتمد عليه، فيكون بيده قوس أو عصا، وأورد فيه حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم [ نوول ] أي: أعطي، و(نوول) فعل مبني للمجهول من (ناول)، أي: أعطى، فهو (نوول) من المناولة. والحديث في سنده أبو جناب ضعف لكثرة تدليسه، ولكن الحديث الذي سبق في خطبة يوم الجمعة أنه يخطب على قوس أو عصا يشهد له ويؤيده، فهو حديث حسن، والحكمة من ذلك كون الخطيب يرتاح في خطبته ويعتمد على ذلك الشيء الذي يعتمد عليه، ويكون ذلك أدعى لعدم حركة يده عندما يمسك القوس أو العصا، وإذا وجد المنبر وله قوائم يمكن للخطيب أن يعتمد عليها فإنها تقوم مقام العصا أو القوس؛ لأن الحكمة عدم الحركة، ولكونه يستند ويعتمد على هذا الشيء الذي يعتمد عليه، وهذا يحصل بالاعتماد على المنبر.

    تراجم رجال إسناد حديث (نوول يوم العيد قوساً فخطب عليه)

    [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي. [ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن عيينة ]. عبد الرزاق مر ذكره، وابن عيينة هو سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي جناب ]. هو يحيى بن أبي حية، ضعفوه لكثرة تدليسه، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة. [ عن يزيد بن البراء ]. هو يزيد بن البراء بن عازب، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي. [ عن البراء بن عازب ]. هو صحابي ابن صحابي رضي الله عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."



  16. #176
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [143]
    الحلقة (174)

    شرح سنن أبي داود [143]

    لصلاة العيد أحكام شرعية منها: أنها تصلى ركعتان بغير أذان ولا إقامة ولا لفظ يدعو إليها، ويشرع فيها التكبير سبعاً في الركعة الأولى غير تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع، وخمساً في الركعة الثانية غير تكبيرة القيام وتكبيرة الركوع، وتسن القراءة فيها بالأعلى والغاشية أو بـ (ق) و(اقتربت)، وأما خطبتها فبعد صلاتها، وللمرء أن يستمع إليها وله أن ينصرف.

    ترك الأذان في العيد


    شرح حديث صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد بلا أذان ولا إقامة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ترك الأذان في العيد. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس أنه قال: (سأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما: أشهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى ثم خطب، ولم يذكر أذاناً ولا إقامة، قال: ثم أمر بالصدقة، قال: فجعلن النساء يشرن إلى آذانهن وحلوقهن، قال: فأمر بلالاً فأتاهن ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود [ باب ترك الأذان في العيد ]، فليس لصلاة العيد أذان ولا إقامة، وإنما يحضر الناس المصلى، وإذا جاء الوقت صلى الإمام بالناس ثم خطب الناس، من غير أن يكون هناك أذان ولا إقامة، فإذا ثبت العيد فإن الناس يخرجون إلى المصلى مبكرين، وبعدما ترتفع الشمس قيد رمح يقوم الإمام فيصلي بالناس ثم يخطب الناس بدون أذان ولا إقامة، ولم يأت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يشرع الأذان والإقامة، فلا أذان ولا إقامة لصلاة العيد. وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قيل له: [ أشهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر ] يعني: لكونه قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم قرب منه، فهو ابن عمه، والصغار قد يذهبون وقد لا يذهبون، ولكنه ذهب لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وكان مع ذهابه قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان معه لما ذهب إلى النساء ووعظهن وذكرهن. قوله: [ (فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى) ] العلم هو علامة واضحة إما جبل وإما شيء منصوب أو شيء موضوع، وكان عند دار كثير بن الصلت ، وهي دار كانت في قبلة المصلى الذي كان يصلي الرسول صلى الله عليه وسلم فيه العيد. قوله: [ (ثم خطب ولم يذكر أذاناً ولا إقامة ثم أمر بالصدقة، قال: فجعل النساء يشرن إلى آذانهن وحلوقهن) ]. يعني: يشرن إلى آذانهن وحلوقهن لأخذ الأقراط من الآذان، وكذلك لأخذ القلائد التي في الحلوق، وقيل: المقصود بالحلوق الحلق، أي: حلقهن مثل الخواتيم وما إلى ذلك، يحتمل هذا، ويحتمل هذا، لكن الذي جاء منصوصاً عليه في الروايات هو الخواتيم، وكذلك الأقراط، والإشارة إلى حلوقهن يحتمل أن يكون لأخذ القلائد المعلقة فيه أو أن المقصود بالحلوق الخواتيم وما يشبهها. قوله: [ (فأمر بلالاً فأتاهن ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم) ]. أي رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالذي في ثوبه من الصدقات التي تصدقن بها.

    تراجم رجال إسناد حديث صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد بلا أذان ولا إقامة


    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان ]. محمد بن كثير مر ذكره، وسفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن عابس ]. عبد الرحمن بن عابس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ عن ابن عباس ]. مر ذكره.

    شرح حديث صلاة رسول الله العيد وأبي بكر وعمر بغير أذان ولا إقامة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان ولا إقامة وأبو بكر وعمر أو عثمان) شك يحيى. حدثنا عثمان بن أبي شيبة وهناد -لفظه- قالا: حدثنا أبو الأحوص عن سماك -يعني ابن حرب - عن جابر بن سمرة أنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين العيدين بغير أذان ولا إقامة) ]. سبق حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في هذا المعنى، وفيه أنه قال: (ولم يذكر أذاناً ولا إقامة) ولكن في هذين الحديثين التصريح: (بأنهم صلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم العيد بدون أذان ولا إقامة). فعن ابن عباس [ (أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان ولا إقامة وأبو بكر و عمر أو عثمان) شك يحيى ] أي أن ابن عباس رضي الله عنهما يروي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه صلى العيد بلا أذان ولا إقامة، وأن أبا بكر و عمر -أو عثمان- صليا العيد بلا أذان ولا إقامة، والشك من يحيى بن سعيد القطان هل قال: عمر أو عثمان ؟ فأبو بكر ليس فيه شك، وإنما الشك في عمر أو عثمان. وعن جابر بن سمرة قال: [ (صليت غير مرة ولا مرتين مع النبي صلى الله عليه وسلم العيدين بغير أذان ولا إقامة) ]، وهذا يدلنا على أن العيدين يصليان بدون أن يؤذن لهما، وبدون أن تقام الصلاة لهما، فلا يكون فيهما أذان ولا إقامة، هذه سنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكذلك لا يقال: الصلاة جامعة. فقول: (الصلاة جامعة، الصلاة جامعة) يقال في الكسوف من أجل أن الناس يأتون من أماكنهم، وأما العيد إذا ثبت فإن الناس يذهبون إلى المصلى، وإذا جاء الوقت لا يؤذن لها، وإذا أريد قيامها لا تقام لها الصلاة، وإنما يأتي الإمام ويطلب من الناس أن يستووا ثم يصلي بهم وإذا فرغ خطب.

    تراجم رجال إسناد حديث صلاة رسول الله العيد وأبي بكر وعمر بغير أذان ولا إقامة

    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن بن مسلم ]. هو الحسن بن مسلم بن يناق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ وهناد ]. هو هناد بن السري أبو السري، ثقة، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن. [ لفظه ]. أي: اللفظ للثاني الذي هو هناد بن السري. [ حدثنا أبو الأحوص ]. هو سلام بن سليم الحنفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك -يعني ابن حرب- ]. سماك بن حرب صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    التكبير في العيدين



    شرح حديث عدد التكبيرات في الفطر والأضحى في الصلاة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التكبير في العيدين. حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمساً) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة [ باب التكبير في العيدين ] أي: في صلاة العيدين، والمقصود من هذه الترجمة التكبيرات التي يؤتى بها في صلاة العيدين، وهذا غير التكبير الذي يكون في ليلتي العيدين ويكون في الذهاب إلى العيدين ويكون في الجلوس في انتظار صلاة العيد، كما سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج ذوات الخدور والحيض ليشهدن دعوة المسلمين ويكبرن، أي: يحصل منهن التكبير، وهذا التكبير غير التكبير الذي عقد له المصنف هذه الترجمة؛ لأن التكبير هنا المقصود به التكبيرات التي تكون في صلاة العيد في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية، والذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه أنه كان يكبر سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية، غير تكبيرة الإحرام، وغير تكبيرة الانتقال، وإنما هي تكبيرات زائدة عن التكبيرات الواجبة في الصلاة، وهي تكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال وتكبيرة الركوع.

    تراجم رجال إسناد حديث عدد التكبيرات في الفطر والأضحى في الصلاة


    قوله: [ حدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن لهيعة ]. هو عبد الله بن لهيعة، صدوق خلط لما احترقت كتبه، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عقيل ]. هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ] هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حال حديث عدد التكبيرات في الفطر والأضحى في الصلاة


    الحديث فيه ابن لهيعة وقد خلط، ولكنه جاء له شاهد -كما سيذكره- المصنف من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، لكن الألباني رحمه الله ذكر أن قتيبة سمع من ابن لهيعة قبل الاختلاط كما في المجلد السادس من السلسلة الصحيحة، وإذا كان قتيبة سمع منه قبل الاختلاط فالحديث صحيح ولا إشكال فيه.

    من أحكام صلاة العيد


    الاستفتاح في صلاة العيد يكون بعد الانتهاء من السبع التكبيرات قبل القراءة، والتكبيرات لا تكون متوالية سرداً، وإنما يفصل المكبر بينها فصلاً يسيراً، وبعض العلماء يقولون: يسردها سرداً، ولا أعلم أن هناك ذكراً بين التكبيرات إذا لم يسردها، وهذه التكبيرات سنة، وإذا نسيها الإمام يسبح له المأمومون ليأتي بها، وما ثبت شيء في رفع اليدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكبيرات العيد.

    شرح حديث عدد التكبيرات في الفطر والأضحى في الصلاة من طريق ثانية وتراجم رجاله


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن ابن شهاب بإسناده ومعناه، قال: سوى تكبيرتي الركوع ]. أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى، وهو بمعنى الحديث السابق أنه يكبر سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية، وفيه زيادة [ سوى تكبيرتي الركوع ]، يعني أنها تكبيرات زوائد كما أشرت، وليست تكبيرة الإحرام ولا تكبيرة الركوع منها، وإنما هي سبع سوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع، وخمس سوى تكبيرة الانتقال إلى الركعة الثانية وتكبيرة الركوع في الركعة الثانية. قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن ابن لهيعة ، ويقال: رواية عبد الله بن وهب وغيره من العبادلة عن ابن لهيعة مقبولة، وإذا كان قتيبة أيضاً سمع منه قبل الاختلاط فهذا أيضاً يقوي الحديث، ويدلنا على سلامة الإسناد، وأن وجود ابن لهيعة فيه لا يؤثر، وأيضاً له شواهد من غير هذا الطريق كما سيأتي. [ أخبرني ابن لهيعة عن خالد بن يزيد ]. خالد بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب بإسناده ومعناه ]. يعني: بإسناده إلى عائشة ، وهو مثله في المعنى وليس في الألفاظ.

    شرح حديث (التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا المعتمر قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي يحدث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن ابن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما) ]. أورد أبو داود حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الثانية، والقراءة بعدهما كلتيهما) ] يعني في كل ركعة تكون القراءة بعد التكبير، وليس التكبير بعد القراءة، أي أن التكبيرات الزوائد في صلاة العيد تكون بين تكبيرة الإحرام وبين القراءة.

    تراجم رجال إسناد حديث (التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الثانية)


    قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا المعتمر ]. المعتمر هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي ]. عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي صدوق يخطئ ويهم، أخرج حديثه الترمذي في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وفي الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة. [ عن ابن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وحديث عمرو بن شعيب مطابق لما جاء في حديث عائشة المتقدم من أن التكبيرات سبع في الأولى وخمس في الثانية، وهنا نص على الفطر ومثله الأضحى، والحديث الأول فيه الفطر والأضحى معاً.

    شرح حديث (كان يكبر في الفطر في الأولى سبعاً ثم يقرأ)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا سليمان -يعني ابن حيان - عن أبي يعلى الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر في الأولى سبعاً ثم يقرأ، ثم يكبر ثم يقوم فيكبر أربعاً ثم يقرأ ثم يركع). قال أبو داود : رواه وكيع وابن المبارك قالا: سبعاً وخمساً ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن شعيب من طريق أخرى، وفيه أن التكبيرات في الأولى سبع ولكنها في الثانية أربع، ولكنه بعد ذلك ذكر رواية عبد الله بن المبارك و وكيع أنها سبع وخمس، يعني: كالرواية السابقة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن التكبيرات سبع في الأولى وخمس في الثانية، وعلى هذا فيكون المحفوظ الثابت هو الخمس؛ لأن هذه الطريق التي فيها الخمس جاءت من طريق وكيع ومن طريق عبد الله بن المبارك .

    تراجم رجال إسناد حديث (كان يكبر في الفطر في الأولى سبعاً ثم يقرأ)


    قوله: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ]. أبو توبة الربيع بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا سليمان -يعني ابن حيان- ]. سليمان بن حيان صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي يعلى الطائفي ]. أبو يعلى الطائفي هو الذي مر ذكره في الإسناد السابق، وهنا ذكر بكنيته ونسبته، وفي الإسناد الأول ذكر باسمه عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي . [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهنا ذكر الجد، وهو عبد الله بن عمرو ، وفي الرواية السابقة نص على اسم الجد وأنه عبد الله بن عمرو ، وهنا لم ينص عليه، ولكنه يراد به عبد الله بن عمرو ، وبذلك يكون متصلاً، ولو كان الجد المراد به محمد بن عبد الله لكان الحديث مرسلاً؛ لأن محمداً تابعي لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال أبو داود : ورواه وكيع و ابن المبارك ]. وكيع هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وعبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنازة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء وابن أبي زياد -المعنى قريب- قالا: حدثنا زيد -يعني ابن حباب - عن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن مكحول أنه قال: أخبرني أبو عائشة جليس لأبي هريرة : (أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان : كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى : كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنائز، فقال حذيفة : صدق، فقال أبو موسى : كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم، قال أبو عائشة : وأنا حاضر سعيد بن العاص) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الأثر عن أبي موسى وعن حذيفة أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى : [ (كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنازة) ]، يعني: مثل التكبيرات على الجنازة أي: أربع في العدد، فقال حذيفة : صدق، قال أبو موسى : وكنت أكبر بها في البصرة عندما كنت عليهم، أي: أميراً عليهم، قال أبو عائشة : كنت حاضراً سعيد بن العاص لما سأل هذا السؤال أبا موسى الأشعري وحذيفة ، وهذا فيه أن التكبيرات تكون أربعاً في الأولى، وأربعاً في الثانية، لكن الحديث فيه أبو عائشة جليس أبي هريرة ، وهو مقبول، وقد أخرج حديثه أبو داود ، فهو غير ثابت، والثابت هو ما تقدم من أنها سبع في الأولى وخمس في الثانية، والألباني صحح هذا الحديث، ولا أدري بوجه هذا التصحيح!

    تراجم رجال إسناد حديث (كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنازة)

    قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ وابن أبي زياد ]. هو عبد الله بن الحكم بن أبي زياد، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ قال: المعنى قريب ]. يعني: المعنى متقارب والألفاظ مختلفة. [ حدثنا زيد -يعني ابن حباب- ]. زيد بن حباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن ثوبان ]. هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو ثابت بن ثوبان، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود و الترمذي و ابن ماجة [ عن مكحول ]. هو مكحول الشامي، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي عائشة ]. أبو عائشة مقبول، أخرج حديثه أبو داود . [ عن أبي موسى الأشعري وحذيفة ]. أبو موسى الأشعري هو عبد الله بن قيس الأشعري ، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وحذيفة ابن اليمان صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    حكم التكبير في أول خطبة العيد

    خطبة العيد تشتمل على التكبير، لكن كونها تبدأ بعدد معين كما ذكر بعض أهل العلم أنه يكبر تسعاً في أول الخطبة لا أعلم له دليلاً.

    ما يقرأ في الأضحى والفطر


    شرح حديث قراءته صلى الله عليه وسلم في العيد بسورة (ق) والقمر


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقرأ في الأضحى والفطر. حدثنا القعنبي عن مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي رضي الله عنه: ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟ قال: كان يقرأ فيهما: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة [ ما يقرأ في الأضحى والفطر ] أي: ما يقرأ في الركعتين في صلاة العيدين، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي واقد الليثي رضي الله تعالى عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأله عما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بـ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ولعل سؤال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أجل أن يتثبت ويتأكد، أو أنه حصل له نسيان فأراد أن يتحقق، وإلا فإن عمر رضي الله عنه كان ملازماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعرف أحواله ويعرف سنة الصلاة. والحديث يدل على أن صلاة العيد يقرأ فيها بـ (ق) و (اقتربت الساعة وانشق القمر)، وسبق أن مر في باب ما يقرأ في الجمعة حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الجمعة والعيدين بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) قال: وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأ بهما) يعني: ربما وافق يوم عيد يوم جمعة فيقرأ في العيد بـ(سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) في الصباح في أول النهار، وفي وقت الجمعة يقرأ بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و(هل أتاك حديث الغاشية). وعلى هذا فقد جاءت السنة بأنه يقرأ في العيدين بـ( سبح اسم ربك الأعلى) و(هل أتاك حديث الغاشية) كما في حديث النعمان ، وفي الحديث الذي معنا أنه يقرأ فيهما بـ(ق) و (اقتربت الساعة وانشق القمر). وهذا الحديث صورته صورة المرسل؛ لأن عبيد الله بن عبد الله متأخر ما أدرك عمر ، ولكنه جاء من طريق أخرى ثابتة وصحيحة متصلاً، وليس صورته صورة المرسل كما هنا، وهنا يحكي عبيد الله بن عبد الله ما جرى بين عمر و أبي واقد وكأنه حاضر وصورته صورة المرسل، ولكنه جاء من طريق متصلة كما ذكر ذلك في عون المعبود، وذكر الطريق المتصلة التي فيها اتصال الحديث، وعلى هذا فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة في العيدين بهاتين السورتين (ق) و (اقتربت)، وكذلك ثبتت القراءة في العيدين بسورتي (سبح اسم ربك الأعلى) و(هل أتاك حديث الغاشية).

    تراجم رجال إسناد حديث قراءته صلى الله عليه وسلم في العيد بسورة (ق) والقمر


    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ضمرة بن سعيد ]. هو ضمرة بن سعيد المازني، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي واقد الليثي ]. أبو واقد الليثي رضي الله عنه هو الحارث بن مالك ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    الجلوس للخطبة


    شرح حديث (إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الجلوس للخطبة. حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا الفضل بن موسى السيناني حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن السائب رضي الله عنهما أنه قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، فلما قضى الصلاة قال: إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب). قال أبو داود : هذا مرسل عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب الجلوس للخطبة ] يعني: حكم جلوس المأمومين للخطبة، والحديث الذي أورده أبو داود يفيد الاستحباب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: [ (فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب) ]، وعلى هذا فالحضور للخطبة ليس بلازم، فمن أراد أن يحضر حضر، ومن أراد أن ينصرف بعد أن يصلي فله أن ينصرف، والمهم هو الصلاة، وبعض أهل العلم استدل بهذا على أن الخطبة في العيدين ليست بواجبة، وإنما هي مستحبة، وبعضهم قال: إن الترخيص لمن أراد أن يذهب لا يعني أنها لا تكون واجبة، لكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم رخص فيها، وأن الإنسان له أن يجلس وله أن ينصرف يفيد أن الأمر واسع، وأن من أراد أن يجلس من المأمومين فله أن يجلس، ومن أراد أن ينصرف فله أن ينصرف. ويدل على أن الخطبة غير متأكدة أن المأمومين يخيرون بين أن يجلسوا وبين أن ينصرفوا، وهذا يدل على عدم لزومها، وليست كالجمعة؛ لأن الجمعة من شرطها وجود الخطبتين، لكن كون العيد يشبه الجمعة من جهة أن من حضر العيد له أن يتخلف عن الجمعة إذا وافق يوم عيد يفيد أهمية الخطبة، وأن وجودها أمر مطلوب، والقول بالوجوب له وجه من جهة أن حضور العيد يغني عن الجمعة.

    تراجم رجال إسناد حديث (إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس)

    قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الفضل بن موسى السيناني ]. هو الفضل بن موسى السيناني المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عن ابن جريج عن عطاء ]. ابن جريج مر ذكره، وعطاء هو ابن أبي رباح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن السائب ]. صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. قوله: [ قال أبو داود : هذا مرسل عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. لكن في الإسناد عبد الله بن السائب رضي الله تعالى عنه، والألباني صحح الحديث في صحيح سنن الترمذي.

    الأسئلة



    حكم الإنصات في خطبة العيد

    السؤال: هل يلزم في خطبتي العيد وخطبة الاستسقاء ما يلزم في خطبة الجمعة من الإنصات؟

    الجواب: الذي يبدو أن بينها فرقاً، فخطبة الجمعة يلزم الإنسان أن يجلس لها، وغيرها لا يلزمه أن يجلس لها، لكن من جلس ليس له أن يتحدث وينشغل عن الخطبة، إما أن يجلس ساكتاً وإما أن ينصرف.


    حكم رفع المأمومين للصوت بالتكبير في صلاة العيد

    السؤال: يحصل من الناس في صلاة العيد رفع الصوت في التكبير مع الإمام، في بداية الصلاة في السبع التكبيرات الأولى والخمس، وكذلك في الخطبة إذا بدأ في الخطبة بالتكبير يكبرون معه، فهل رفع الصوت هنا له وجه؟


    الجواب: المأمومون لا يرفعون الصوت ولا يكبرون مع الإمام في الصلاة ولا في الخطبة، وإنما إذا كبر الإنسان يكبر بينه وبين نفسه.


    حكم التكبير الجماعي

    السؤال: ما حكم التكبير الجماعي؟


    الجواب: هذا خلاف السنة، ولم يثبت التكبير الجماعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشيخ حمود التويجري رحمه الله كتب رسالة خاصة في إنكار التكبير الجماعي، وأثبت أنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    حكم إضافة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع تكبيرات يوم العيد


    السؤال: ما حكم زيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأزواجه في تكبيرات يوم العيد؟


    الجواب: المشروع أن يكبر كل إنسان على حدة، بدون أن يكون صوتاً جماعياً، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم مطلوبة في غير هذا الموضع، فلا نعلم دليلاً يدل على أنها تضاف إلى التكبير، ولكن كون الإنسان يكبر ويكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين نفسه فهذا أمر مطلوب، لكن كونه يقرن ذلك بالتكبير لا نعلم شيئاً يدل عليه.


    صيغة التكبير في العيد

    السؤال: ما هي صيغة التكبير في العيدين؟

    الجواب: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وكذلك الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، وقد جاء عن بعض السلف هذا، لكن ما نعلم فيه شيئاً ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان كيفيته."



  17. #177
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [144]
    الحلقة (175)

    شرح سنن أبي داود [144]

    يتعلق بصلاة العيد جملة من الأحكام الشرعية، ومنها أنه يسن للذاهب إليها أن يذهب من طريق ويرجع من أخرى ليحصل له شهادة الطريقين، ومنها أنه إذا لم يعلم الناس بيوم العيد إلا بعد الزوال فإنهم يخرجون من غدهم فيصلونها، كما أن من أحكامها أنها تصلى في المصلى ركعتين بغير نفل قبلها ولا بعدها ما لم يكن مطر، فإن كان مطر صليت في المسجد.
    الخروج إلى العيد في طريق والرجوع من آخر


    شرح حديث (أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الخروج إلى العيد في طريق ويرجع في طريق. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الله -يعني ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي الذهاب إلى العيد من طريق والرجوع من طريق، أي أنه يخالف الطريق، وأورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب من طريق ورجع من طريق) وقد ذكر في الحكمة من ذلك أمور كثيرة، وأقربها كون الطريقين يشهدان للإنسان: طريق الذهاب وطريق الإياب، والحديث في إسناده عبد الله بن عمر العمري المكبر، وهو ضعيف، ولكن الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح بمعناه، فهذا يدل على أن الذي جاء من هذا الطريق ثابت.

    تراجم رجال إسناد حديث (أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر)


    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا عبد الله يعني ابن عمر ]. عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المكبر أخو عبيد الله ، وعبيد الله ثقة، وهذا ضعيف أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. هو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد


    شرح حديث (أن ركباً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن جعفر بن أبي وحشية عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن ركباً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدو إلى مصلاهم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب: إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه خرج من الغد ] وذلك إذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال؛ لأن صلاة العيد من طلوع الشمس إلى الزوال، فإذا خرج وقتها وجاء العلم بالعيد بعد ذلك فإنه يخرج من الغد، وتصلى صلاة العيد من الغد. وأورد أبو داود رحمه الله حديث جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمومة أبي عمير بن أنس بن مالك قالوا: جاء ركب وأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر الناس أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدو إلى مصلاهم، أي: وإذا أصبحوا من الغد أن يغدو إلى مصلاهم ليصلوا صلاة العيد، فدل هذا على أن صلاة العيد إذا لم تصل في يوم العيد بعد ارتفاع الشمس إلى الزوال فإنها تصلى من الغد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء هذا الركب -وفي بعض الروايات أنه جاء آخر النهار- أمرهم أن يفطروا، وكانوا قد صاموا يوم الثلاثين من رمضان، فثبت أن الهلال رؤي البارحة فصار ذلك اليوم هو يوم العيد، ولكون الوقت الذي تصلى فيه صلاة العيد ذهب، فيؤتى بها من الغد كما فعل ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وهذا يدلنا على أن السنة أن صلاة العيد إذا لم تصل من بعد طلوع الشمس إلى الزوال، ولم يثبت العلم بها إلا بعد ذلك فإنهم يخرجون من الغد، ويصلون صلاة العيد كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو جاء الخبر في الضحى فإنهم يصلون.

    تراجم رجال إسناد حديث (أن ركباً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس)


    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه الترمذي و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر بن أبي وحشية ]. هو جعفر بن إياس أبو بشر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عمير بن أنس ]. أبو عمير بن أنس بن مالك ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عمومة له من الأنصار ]. هم من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم من الأنصار، وقد روى ذلك عن جمع منهم ولم يسموا، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم المجهول فيهم في حكم المعلوم.

    شرح حديث: (كنت أغدو مع أصحاب رسول الله إلى المصلى ..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حمزة بن نصير حدثنا ابن أبي مريم حدثنا إبراهيم بن سويد أخبرني أنيس بن أبي يحيى أخبرني إسحاق بن سالم مولى نوفل بن عدي أخبرني بكر بن مبشر الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: (كنت أغدو مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يوم الفطر ويوم الأضحى فنسلك بطن بطحان، حتى نأتي المصلى فنصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نرجع من بطن بطحان إلى بيوتنا) ]. أورد أبو داود حديث بكر بن مبشر رضي الله عنه أن الصحابة كانوا يخرجون من بطن بطحان لصلاة العيد ثم يعودون من نفس الطريق الذي ذهبوا منه، وهذا الحديث لا يناسب الترجمة التي هي: [ إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد ] وإنما يطابق الترجمة السابقة، وهي أنه إذا ذهب من طريق يعود من طريق، وهو لا يدل على تلك الترجمة، ولكن يدل على أن الإنسان له أن يذهب من طريق ويرجع من نفس طريقه دون أن يخالف الطريق، لكن الحديث غير ثابت؛ لأن فيه من هو ضعيف ومن هو مجهول، والثابت هو ما تقدم من أنه يخالف الطريق، وأنه يذهب من طريق ويرجع من طريق، وهذا سنة، ولو أن الإنسان ذهب من طريقه ورجع من طريقه فلا بأس بذلك، فالذهاب من طريق والرجوع من طريق أخرى ليس بواجب وإنما هو مستحب، إن فعله الإنسان أثيب وإن لم يفعله فلا شيء عليه. وبطحان وادٍ في المدينة يقال له: بُطحان وبَطحان. وهذا الحديث كأنه تأخر عن مكانه في الترجمة السابقة، ولعل ذلك من بعض النساخ.

    تراجم رجال إسناد حديث (كنت أغدو مع أصحاب رسول الله إلى المصلى ..)


    قوله: [ حدثنا حمزة بن نصير ]. حمزة بن نصير مقبول أخرج له أبو داود . [ حدثنا ابن أبي مريم ]. هو سعيد بن الحكم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إبراهيم بن سويد ]. إبراهيم بن سويد ثقة، أخرج له الترمذي وأبو داود ، وهذا غير إبراهيم بن سويد النخعي الذي هو في طبقة التابعين، بل هذا إبراهيم بن سويد آخر في طبقة متأخرة. [ أخبرني أنيس بن أبي يحيى ]. أنيس بن أبي يحيى ثقة أخرج له أبو داود والترمذي . [ أخبرني إسحاق بن سالم مولى نوفل بن عدي ]. إسحاق بن سالم مجهول الحال، أخرج حديثه أبو داود . [ أخبرني بكر بن مبشر الأنصاري ]. بكر بن مبشر حديثه أخرجه أبو داود . وهذا الحديث ضعيف.
    الصلاة بعد صلاة العيد


    شرح حديث (خرج رسول الله يوم فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الصلاة بعد صلاة العيد. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة حدثني عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقى خرصها وسخابها) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي[ باب: الصلاة بعد صلاة العيد ] يعني: التنفل بعد صلاة العيد، وصلاة العيد ليس لها نافلة قبلها ولا بعدها، وإنما يأتي الإنسان المصلى ويصلي العيد، ولا يتنفل قبلها ولا بعدها، وأورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم عيد فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما، وهذا يدلنا على أنه لا سنة لصلاة العيد قبلها ولا بعدها، لكن إن صليت صلاة العيد في المسجد فلا بأس بصلاة الضحى بعدها، لكن لا تكون تابعة للعيد. ثم ذهب صلى الله عليه وسلم وأتى النساء ووعظهن وأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها، والخرص هو الحلقة التي تعلق في الأذن أو القرط، والسخاب هو القلادة التي لا تكون من الجواهر، وإنما تكون من أشياء أخرى رخيصة وغير ثمينة.

    تراجم رجال إسناد حديث (خرج رسول الله يوم فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما)


    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر عن شعبة ]. حفص بن عمر وشعبة مر ذكرهما. [ حدثني عدي بن ثابت ]. عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، مر ذكره.
    الصلاة بالناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر


    شرح حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه يوم العيد في المسجد لمطر أصابهم


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: يصلى بالناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر. حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد ، ح: وحدثنا الربيع بن سليمان حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا رجل من الفرويين -وسماه الربيع في حديثه عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة - سمع أبا يحيى عبيد الله التيمي يحدث عن أبي هريرة : (أنه أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيد في المسجد) ]. أورد أبو داود رحمه الله (باب: يصلي بالناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر)، والسنة أنها تصلى في المصلى، ولا تكون في المسجد، وإذا كان يوم مطير فإنها تصلى في المسجد، هذا هو المقصود من الترجمة. وأورد المصنف حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم العيد في يوم مطير في المسجد، أي: لم يتمكنوا من الخروج إلى المصلى، فصلى بهم في المسجد، والحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا لم يحصل التمكن من الصلاة في المصلى فإنها تصلى في المسجد ولا تترك.

    تراجم رجال إسناد حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه يوم العيد في المسجد لمطر أصابهم


    قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا الربيع بن سليمان ]. هو الربيع بن سليمان الجيزي الأزدي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن يوسف ]. هو عبد الله بن يوسف التنيسي المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا الوليد بن مسلم عن رجل من الفرويين سماه الربيع عيسى بن عبد الأعلى ]. عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة مجهول، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة . [ عن أبي يحيى عبيد الله التيمي ]. أبو يحيى عبيد الله التيمي مقبول أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. والحديث فيه مجهول وفيه مقبول، والمقبول يعتمد حيث يتابع.

    الأسئلة



    الفرق بين صفتي المعية والقرب

    السؤال: ما الفرق بين صفة المعية وصفة القرب بالنسبة لله جل وعلا؟

    الجواب: هناك معية عامة ومعية خاصة، فالمعية الخاصة هي لأولياء الله المتقين، قال الله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128]، وقال: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]. وهناك معية عامة، قال الله: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ [المجادلة:7] فهو فوق عرشه وهو مع خلقه سبحانه وتعالى، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -وقاله أيضاً قبله أحد أئمة اللغة-: الله تعالى مع كونه عالياً هو قريب، ومع كونه قريباً هو عالٍ، فهو عال في دنوه، وقريب في علوه، وإذا نزل إلى السماء الدنيا فهو عال فوق العرش، فالله تعالى قريب وهو فوق العرش، ويوضح ذلك ما جاء عن ابن عباس أن السماوات والأرضين عند الله كالخردلة في كف أحدنا، ولله المثل الأعلى، فالله عز وجل فوق العرش، والسماوات والأرضون مثل الخردلة، وهو مع خلقه ليس مخالطاً لهم، والمعية لا تدل على المخالطة، ولا يلزم منها المخالطة، كما يقال: سرنا والقمر معنا، مع أن القمر في السماء، فكذلك الله مع عباده حقيقة، لكن لا يقال: هو مخالط لهم، فهو عال في قربه، وقريب في علوه.


    حكم قول (زارتنا البركة)

    السؤال: عندما نقوم بزيارة بعض الأقرباء يقولون لنا: زارتنا البركة، فما الحكم؟


    الجواب: إذا كان هذا دعاء بأن تزورهم البركة فلا بأس بذلك.

    حكم زكاة ديون التاجر إذا كانت أكثر من رأس المال

    السؤال: شخص عنده خمسمائة ألف يتاجر بها، وله ديون مقدارها ستمائة ألف، فهل يخرج زكاة ما عنده أو يعتبرها من الدين؟


    الشيخ: إذا حال الحول والمال عنده يزكيه، وإن وفى الناس له الدين قبل أن يحول الحول فإنه يزكيه، فالواجب على كل واحد أن يزكي ماله، هذا الدائن يزكي ماله، وهذا المدين يزكي ماله.

    المفاضلة بين الصف المتقدم المنقطع والمتأخر المتصل

    السؤال: أيها أفضل: الصلاة في صف متقدم لكنه منقطع أم في صف متأخر لكنه متصل، مثل الصلاة في الصف الأول في المسجد النبوي حيث تقطع الأبواب الصف الأول والثاني والثالث، أما الصف الرابع فإنه متصل في المسجد القديم؟


    الجواب: الذي يبدو أن الصف الأول أولى، ولو حصل فيه انقطاع في شيء لا بد منه.

    وجوب الاستمرار في الإحرام بالنسك

    السؤال: شخص أراد الاعتمار عن أمه وهو في المدينة، فأحرم في منزله قبل أن يصل إلى الميقات، وهو مشارك في رحلة مجانية، وليس عنده ما يوصله إلى مكة غير هذه الحملة، وعندما فاتته الرحلة أراد أن يترك الإحرام حتى يجد رحلة أخرى، فهل يترك الإحرام؟


    الجواب: ليس له ذلك، فإذا كان دخل في الإحرام فليس له أن يتخلى عنه، وأما إذا كان قصده أنه لبس لباس الإحرام، وتهيأ فقط، وسينوي الإحرام من الميقات فهذا يعتبر غير محرم، وله أن يخلع الإزار والرداء ويلبس ثيابه؛ لأنه لا يقال له: محرم."



  18. #178
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [145]
    الحلقة (176)

    شرح سنن أبي داود [145]

    إن الناس بحاجة إلى ربهم في كل وقت وحين، وقد شرع الله تعالى لعباده عبودية اللجوء إليه بطلب رحمته، ومن جملة ذلك لجوءهم إليه تعالى لطلب السقيا بعد الجدب، وهو من جملة الأحوال التي يظهر العباد فيها فقرهم وحاجتهم إلى ربهم، وقد حفت به جملة من الأحكام الشرعية التي تهدف إلى تحقيق هذه المسألة العظيمة.
    صلاة الاستسقاء

    شرح حديث (خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين ..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها: حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما، وحول رداءه ورفع يديه فدعا واستسقى واستقبل القبلة) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها ] والمقصود بقوله: [بجماع] ما يجمع النصوص الواردة في صلاة الاستسقاء والتفاريع المتعلقة بها من كون أن فيها خطبة، وفيها صلاة، وفيها رفع يدين، وفيها تحويل رداء، وغيرها من الفروع التي بهذه الأبواب، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله أبواباً قليلة، ولكن هذه الأبواب تدل على هذه الفروع التي أشار إليها، فجمع أحاديث الاستسقاء في مكان واحد وفرعها إلى أبواب، كما هو الشأن في الكتب الأخرى، ككتاب العيدين وكتاب الجمعة وغير ذلك؛ لأنه يأتي بالأبواب أو الموضوعات المتعلقة بالجمعة في مكان واحد ويفرعها في الأبواب المختلفة ثم يورد تحت كل باب الأحاديث التي تتعلق بتلك الترجمة التي يترجم لها. وأورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، وأولها حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي، وهذا يدل على أن صلاة الاستسقاء يشرع الخروج لها إلى العراء؛ لأن النبي صلى عليه وسلم خرج بهم لأداء تلك الصلاة، فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما، فصلاة الاستسقاء يجهر فيها بالقراءة، وهي كالعيدين، بل جاء في بعض الأحاديث التي ستأتي أنه صلاها كما يصلي العيد، والعيد يجهر فيه بالقراءة، وكذلك الاستسقاء يجهر فيها بالقراءة، والصلوات التي تكون في النهار جامعة، وتكون إما أسبوعية كصلاة الجمعة، أو سنوية كصلاة العيدين أو على حسب المناسبات كصلاة الاستسقاء، كل هذه يجهر فيها بالقراءة، ودعا وحول رداءه صلى الله عليه وسلم، فجعل ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، قيل: وذلك تفاؤل لتغير الحال من القحط إلى الجدب، ومن الضيق إلى الرخاء. وقوله: [(ورفع يديه)] يدلنا على أن الدعاء في الاستسقاء ترفع فيه الأيدي، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه، ولم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام، ولكنه لما استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه، فدل هذا على أن دعاء الاستسقاء من المواضع التي ترفع فيه اليدان. قوله: [(واستقبل القبلة)] يعني: بعدما خطب الناس تحول إلى القبلة، وحول رداءه ودعا، وجاء في بعض الأحاديث أن الناس حولوا أرديتهم تبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على أن تحويل الرداء ليس خاصاً بالإمام، بل هو للإمام ولغيره من الناس، وقد عرفنا فيما مضى أن الصحابة رضي الله عنه وأرضاهم لما كان صلى الله عليه وسلم يصلي بهم ثم جاءه جبريل وأخبره أن في نعليه شيئاً من الأذى خلع نعليه في الصلاة، فالصحابة خلعوا نعالهم اقتداء به صلى الله عليه وسلم، ولما فرغ من الصلاة سألهم: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، وهكذا حول رداءه فحولوا أرديتهم اقتداء به صلى الله عليه وسلم. والإمام في حال الخطبة يدعو وهو مستقبل الناس، ولكنه بعدما ينهي الخطبة يتحول إلى جهة القبلة في مكانه ويحول رداءه ويدعو، والناس أيضاً يحولون أرديتهم ويدعون.

    تراجم رجال إسناد حديث (خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين..)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ]. أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ثقة، أخرج حديثه أبو داود . [حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري، ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عباد بن تميم ]. هو عباد بن تميم المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمه ]. هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.


    شرح حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو الله)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح وسليمان بن داود قالا: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني ابن أبي ذئب ويونس عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عباد بن تميم المازني أنه سمع عمه رضي الله عنه -وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي، فحول إلى الناس ظهره يدعو الله عز وجل. قال سليمان بن داود : واستقبل القبلة وحول رداءه ثم صلى ركعتين. قال ابن أبي ذئب : وقرأ فيهما. زاد ابن السرح : يريد الجهر) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة ودعا وحول رداءه ورفع يديه. قوله: [(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو الله عز وجل) ] كان هذا بعدما خطب. قوله: [ قال سليمان بن داود : واستقبل القبلة ] سليمان بن داود هو أحد الشيخين لأبي داود في الحديث، قال: [واستقبل القبلة] يعني: حينما حول رداءه استقبل القبلة ودعا. قوله: [ ثم صلى ركعتين ] أي أن الصلاة بعد الخطبة وبعد الدعاء، والرواية السابقة تفيد أن الصلاة كانت قبل؛ لأنه خرج فصلى بهم ثم خطب بهم، وسيأتي عن عبد الله بن عباس أنه صلى بعد الخطبة، وهذا يفيدنا أن الخطبة جاء ما يدل على أنها قبل وما يدل على أنها بعد، والأمر في ذلك واسع. قوله: [ قال ابن أبي ذئب : وقرأ فيهما. وزاد ابن السرح : يريد الجهر ]. يعني أنه جهر فيهما بالقراءة، وليس المراد مجرد القراءة ولو كانت سرية، وقد جاء التنصيص على الجهر في الرواية السابقة.

    تراجم رجال إسناد حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو الله)


    قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ وسليمان بن داود ]. هو سليمان بن داود المصري المهري أبو الربيع، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ويونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب أخبرني عباد بن تميم عن عمه ]. مر ذكر الثلاثة في الرواية السابقة.

    شرح حديث: (وحول رداءه فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف قال: قرأت في كتاب عمرو بن الحارث -يعني الحمصي - عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي عن محمد بن مسلم بهذا الحديث بإسناده لم يذكر الصلاة، قال: (وحول رداءه فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ثم دعا الله عز وجل) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني من طريق أخرى، وهو مختصر، وفيه أنه لم يذكر الصلاة، وإنما ذكر الدعاء وتحويل الرداء، وذكر أنه حول رداءه فجعل عطافه الأيمن على شقه الأيسر، وعطافه الأيسر على شقه الأيمن، والعطاف هو جانب الرداء، يعني أنه جعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين، ثم دعا الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (وحول رداءه فعجل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر ...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن عوف ]. محمد بن عوف ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي في مسند علي . [ قال: قرأت في كتاب عمرو بن الحارث -يعني الحمصي- ]. عمرو بن الحارث الحمصي مقبول أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود . [ عن عبد الله بن سالم ]. عبد الله بن سالم ثقة، أخرج له الترمذي و أبو داود و النسائي . [ عن الزبيدي ]. هو محمد بن الوليد الزبيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن محمد بن مسلم بهذا الحديث بإسناده ]. محمد بن مسلم هو الزهري ، وذكر هنا باسمه، وقبل ذلك ذكر بنسبته، وهو مشهور بنسبته الزهري ، وبنسبته إلى جده شهاب ، فكثيراً ما يقال: ابن شهاب ، وكثيراً ما يقال: الزهري ، ولكنه أحياناً يأتي باسمه فيقال: محمد بن مسلم . وقول محمد بن عوف : [قرأت في كتاب عمرو بن الحارث ] يعني أنه أخذه من كتابه، لكنه معلوم من رواية عبد الله بن زيد بن عاصم ، وقد جاء عنه من طرق متعددة، والذي جاء في هذا الطريق موجود في تلك الطرق،وهذه وجادة، وقد تكون مناولة إذا أعطاه كتابه.


    شرح حديث (استسقى رسول الله وعليه خميصة له سوداء)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز عن عمارة بن غزية عن عباد بن تميم أن عبد الله بن زيد قال: (استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خميصة له سوداء، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت قلبها على عاتقه) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني أن النبي عليه الصلاة والسلام كانت عليه خميصة سوداء، والخميصة هي رداء أو كساء مربع له أعلام في أطرافه، ولما أراد أن يقلبها ويجعل أسفلها أعلاها ثقلت عليه، فجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين، وهذا يفيد أنه إذا كان الشيء متساوياً أسفله وأعلاه كالرداء فإنه يقلبه ويجعل أسفله أعلاه وأعلاه أسفله، وإلا فإنه يجعل ما على الشمال على اليمين، وذلك مثل الجبة والمشلح وما إلى ذلك. والإنسان الذي ما عليه إلا شماغ يشرع له أن يحول الشماغ، ويجعل ما كان باطناً ظاهراً؛ لأن الشماغ والغترة مثل الرداء تماماً، وكذلك من كان لابساً طاقية -قلنسوة- يمكن له أن يقلبها.
    تراجم رجال إسناد حديث (استسقى رسول الله وعليه خميصة له سوداء)

    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن غزية ]. عمارة بن غزية لا بأس به، أي: صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد ]. هنا ذكر عمه باسمه، وفي الرواية السابقة قال: عن عمه، وهنا قال: عن عبد الله بن زيد ، وهو عمه.
    شرح حديث (خرج رسول الله متبذلاً متواضعاً حتى أتى المصلى)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي وعثمان بن أبي شيبة نحوه، قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال: أخبرني أبي قال: أرسلني الوليد بن عتبة -قال عثمان : ابن عقبة - وكان أمير المدينة إلى ابن عباس رضي الله عنهما أسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، فقال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعاً متضرعاً حتى أتى المصلى -زاد عثمان : فرقى على المنبر، ثم اتفقا- ولم يخطب خطبكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد). قال أبو داود : والإخبار للنفيلي والصواب ابن عتبة ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج متبذلاً، يعني: ليس لابساً أحسن الثياب ومتجملاً، وإنما لبس ألبسة مبتذلة ليست جميلة كما يكون بالنسبة للجمعة والعيدين، متواضعاً لله عز وجل، متضرعاً إليه، يعني: يضرع إليه ويسأله ويلح عليه في الدعاء. قوله: [ زاد عثمان فرقى على المنبر ]. أي: شيخه الثاني، وقد جاء في بعض الروايات أنه أمر بمنبر فوضع. قوله: [ ولم يخطب خطبكم هذه ] هذا لا ينفي أصل الخطبة، ولكنه ينفي النوع، فالنفي منصب على القيد دون المقيد؛ لأن القيد هو (هذه) يعني: على هذا النحو، ولم ينف أصل الخطبة، فالخطبة أصلها ثابت، والذي نفاه إنما هو الهيئة والكيفية والنوع الذي كانوا يفعلونه، ولعل ذلك نوع خاص يختلف عما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس فيه نفي الخطبة، ولكنه نفي للكيفية والهيئة والصفة التي كانت عليها خطبهم التي كانوا يخطبونها. قوله: [ ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ] يعني أنه خطب ولم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ثم نزل. قوله: [ ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد ] هذا يدلنا على أن صلاة الاستسقاء كصلاة العيد، ويدل -أيضاً- على أنه يكبر فيها كما يكبر في العيد، وبعض أهل العلم قال: تصلى بدون تكبير، لكن قول ابن عباس : [كما يصلي العيد] يدلنا على أنها تماثل العيد، والعيد فيه تكبيرات سبع في الأولى وخمس في الثانية، فيكبر فيها كما يكبر في العيد؛ لأن المشابهة تقتضي أن يكون المشبه مثل المشبه به، وصلاة العيد فيها تكبيرات فصلاة الاستسقاء يكون فيها تكبيرات. هذا وليس لصلاة الاستسقاء سنة قبلية ولا بعدية، والظاهر أن الدعاء يكون وهم واقفون، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا واقفاً، والناس قلبوا أرديتهم ودعوا وقوفاً ولم يجلسوا. ونفي الخطبة هنا مثل ما جاء في حديث الجمعة أنه ليس للحيطان ظل يستظل به، فلم ينف أصل الظل، وإنما نفي الظل الذي يتمكن الناس من الاستظلال به، فالنفي للقيد لا للمقيد، وهنا النفي للقيد لا للمقيد.

    تراجم رجال إسناد حديث (خرج رسول الله متبذلاً متواضعاً متضرعاً حتى أتى المصلى)


    قوله: [ حدثنا النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ وعثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ نحوه ]. أي أن رواية عثمان بن أبي شيبة نحو رواية النفيلي . [ حدثنا حاتم بن إسماعيل ]. حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة ]. هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [ أخبرني أبي ] هو صدوق أخرج له أصحاب السنن. [ قال: أرسلني الوليد بن عتبة -وفي رواية ابن أبي شيبة : ابن عقبة- ]. يعني: جعل بدل التاء قافاً، وهو الوليد بن عتبة كما قال أبو داود في الآخر: [ والصواب ابن عتبة ]، أي: كما قاله النفيلي ، وليس ابن عقبة كما قاله عثمان بن أبي شيبة ، والوليد بن عتبة بن أبي سفيان كان أميراً على المدينة لعمه معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه. [ إلى ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : والإخبار للنفيلي ]. يعني: السياق إنما هو للنفيلي .
    وقت تحويل الرداء في الاستسقاء

    شرح حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي ولما أراد أن يدعو استقبل القبلة ..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في أي وقت يحول رداءه إذا استسقى؟ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن يحيى عن أبي بكر بن محمد عن عباد بن تميم أن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي، وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة ثم حول رداءه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة [ باب: في أي وقت يحول رداءه إذا استسقى؟] والمقصود من هذا أنه عندما ينتهي من الخطبة يستدبر الناس ويستقبل القبلة، وعند هذه الحال يحول رداءه، ثم يدعو بعد ذلك، والناس يحولون أرديتهم ويدعون بعد ذلك، فوقت تحويل الرداء عند استقبال القبلة عندما ينتهي الخطيب من الخطبة، ويكون مولياً للناس ظهره، فيقلب رداءه ويرفع يديه يدعو، وكذلك المأمومون يفعلون كما يفعل الإمام.

    تراجم رجال إسناد حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي ولما أراد أن يدعو استقبل القبلة ..)


    قوله:[ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا سليمان -يعني ابن بلال- ]. سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بكر بن محمد ]. هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد ]. مر ذكرهما.
    شرح حديث ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عباد بن تميم يقول: سمعت عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة) ]. أورد أبو داود حديث عباد بن تميم من طريق أخرى مختصرة، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي وحول رداءه حين استقبل القبلة، والمقصود منه أن تحويل الرداء يكون حينما ينتهي الإمام من الخطبة ويوليهم ظهره، فيستقبل القبلة ويحول رداءه في هذه الحال.
    تراجم رجال إسناد حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى ...)

    قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر ]. مالك هو ابن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمع عباد بن تميم عن عمه ]. مر ذكرهما.
    الأسئلة


    حكم قول الإمام للمأمومين: حولوا أرديتكم

    السؤال: هل يشرع للإمام أن يقول للمأمومين: حولوا أرديتكم؟

    الجواب: لا أعلم شيئاً يمنعه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا والناس يرونه، وإذا كثر الناس وتباعدوا فلم ير بعضهم الإمام فكونه ينبههم على ذلك لا بأس به.

    حكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة الاستسقاء

    السؤال: ما حكم رفع اليدين في صلاة الاستسقاء؟

    الجواب: لا نعلم شيئاً يدل عليه؛ لأن صلاة الاستسقاء كالعيدين، وما نعلم شيئاً يدل على رفع اليدين في الاستسقاء وكذلك في العيدين.

    خطبة الاستسقاء خطبة واحدة

    السؤال: هل المشروع في صلاة الاستسقاء خطبة واحدة أو خطبتين؟


    الجواب: خطبة واحدة.

    خطبة العيدين خطبتان لا خطبة


    السؤال: هل خطبة العيدين خطبة واحدة أو خطبتان؟


    الجواب: لا أعلم أحداً يقول: إنها خطبة واحدة، ولا يثبت الحديث في كونها خطبتين، لكن دليله القياس على الجمعة، ولا خلاف أعلمه بين العلماء أنها خطبتين.

    حكم صلاة الاستسقاء


    السؤال: ما حكم صلاة الاستسقاء؟ وإذا أمر بها الإمام هل تخرج النساء في الاستسقاء؟

    الجواب: صلاة الاستسقاء هي سنة، وليست واجبة أبداً، بل هي سنة مستحبة، ولو أمر بها الإمام فهي سنة، ولا يلزم أنها تكون واجبة، لكن الإمام هو الذي يأمر بها والناس يخرجون بناءً على أمر الإمام، كما في فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي وعدهم يوماً يخرجون فيه، لكنه لا أحد يقول بوجوبها. وأما بالنسبة للنساء فلا أعلم شيئاً يمنع النساء من الخروج.


    حكم مرور الحائض من المسجد


    السؤال: ما معنى قوله تعالى: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43]، وهل يجوز للحائض أن تعبر المسجد بلا جلوس بأن تدخل من باب وتخرج من الباب الآخر ؟


    الجواب: نعم إذا كان يؤمن التلويث، والآية جاءت في الجنب ولم تذكر الحائض، ولكنها تلحق بالجنب، فلها أن تدخل ولا تجلس إذا أمن من أن يخرج منها شيء.


    التفريق بين أفعال النبي التشريعية والجبلية


    السؤال: حديث خلع الصحابة رضي الله عنهم نعالهم لما خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعله في الصلاة، وكذا تحويلهم أرديتهم في صلاة الاستسقاء لما حول رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه، وكذا لما حلق يوم الحديبية حلقوا رءوسهم، ولما واصل الصيام واصلوا، هل هذا كله يدل على أن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المجرد يدل على الوجوب والالتزام؟


    الجواب: الله تعالى يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]وهو صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة، وأعماله هي تشريع لهم، وأما الأعمال الجبلية التي ليست للتشريع فإنها -كما هو معلوم- ليست من الأشياء التي الناس متعبدون بها، فالشيء الذي هو من أعمال الجبلة ليس من قبيل التشريع، مثل كون النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء من عرفة حاد وراح يقضي حاجته، فليس من السنة أن الإنسان إذا جاء في الطريق وليس عنده حاجه أنه يحيد من أجل أنه يقتدي بالرسول، مثلما فعل ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه، أقول: مثل هذا ليس من الأشياء التي يشرع فيها الاقتداء والاتباع.

    حكم الكلام بين خطبتي الجمعة


    السؤال: ما حكم الكلام بين خطبتي الجمعة؟

    الجواب: لا بأس به، ولكن السكوت وعدم الكلام لاشك في أنه أولى، لكن إذا كان هناك عادة فلا بأس به، لأن المنع جاء والإمام يخطب، أما بين الخطبتين فللإنسان أن يتكلم.


    حكم العدسات الطبية للنساء

    السؤال: ما حكم العدسات الطبية للنساء؟

    الجواب: إذا كان هناك حاجة إليها لكونها تقوي النظر وتعوض عن النظارة، ولا يترتب عليها ضرر العين فلا بأس بها. وأما التجمل بها فقد يكون فيه شيء من ناحية أن الإنسان يتشبع بما لم يعط، أو يظهر نفسه بشيء ليس فيه، وأيضاً قد يترتب عليه ضرر للعين، فيكون في ذلك محذور آخر، وأما إذا كانت أشياء طبية بدل النظارات فهذا لا بأس به.


    حكم الدعاء للأمراء في الخطب


    السؤال: هل صحيح أن الدعاء للأمرء في الخطب من البدع؟

    الجواب: ليس بصحيح، فالأمراء هم أحق الناس بالدعاء وأولى الناس بالدعاء؛ لأن في صلاحهم صلاح الرعية والخير الكثير للرعية، والإمام أحمد كان يقول: لو كان لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان، والفضيل بن عياض كان يقول: لو كان لي دعة مستجابة لجعلتها للسلطان. وذلك لأنه يريد صلاح الناس، والسلطان إذا كان صالحاً حصل الخير الكثير في صلاحه، فهم أولى من يدعى لهم. والرسول صلى الله عليه وسلم نص عليهم في قوله: (الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: الله، ولكتابه، ولرسوله، والأئمة المسلمين وعامتهم) نص عليهم مع أنه لو قال: وللمسلمين دخلوا في هذا العموم؛ إذ يدخل فيه الرعاة والرعية، لكنه نص عليهم لعظم شأن صلاح الولاة، وأنَّه بصلاحهم يكون الخير الكثير.


    حكم الاحتجاج بمن قال فيه الحافظ ابن حجر: (مقبول)


    السؤال: هل يحتج بمن قال فيه الحافظ : مقبول؟

    الجواب: يحتج به عند المتابعة، أما إذا لم يتابع فإنه لا يحتج به.


    حكم من فاتته صلاة العيدين


    السؤال: إذا فاتتنا ركعتا العيدين فكيف نفعل؟

    الجواب: الذي يبدو أن الإنسان إذا أدرك صلاة العيد صلاها، وإذا لم يدركها فقد فاتته، وهذا على القول بأنها فرض كفاية، إذ حصلت تأديتها بالذين أدوها، وعلى القول بأنها فرض عين فإنها إن فاتته صلاها.

    حكم تأمين المأمومين على دعاء الإمام في الاستسقاء

    السؤال: هل يشرع للإمام إذا استقبل القبلة بعد خطبة الأستسقاء ودعا أن يؤمن الناس على دعائه؟


    الجواب: إذا كان مستقبلاً لهم وهو يخطب وهم يسمعون فيؤمنون على دعائه إذا دعا، وأما في حال استقباله القبلة فإنه يدعو وهم يدعون.

    حكم الاشتراك في الإنترنت

    السؤال: ما حكم الاشتراك في الإنترنت؟

    الجواب: الاشتراك في الإنترنت فيه خير وشر، فكون الإنسان يشترك في الذي يكون فيه نفع للمسلمين وخدمة للإسلام والمسلمين أمر ممكن على اعتبار أنه مأمون جانبه، مثل ذكره للبدع والكتب التي فيها خير وشر، فليس كل أحد يمكنه أن يستفيد منها وأن يخرج منها بفائدة؛ لأن الإنسان الذي ليس عنده قوة وليس عنده تمكن يلحقه في ذلك مضرة، والأمر مثلما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، حيث يقول: إن الذي سلم في علمه من علم الكلام اثنان: الإنسان الذي ما دخله أصلاً، والإنسان الذي دخله وكان متمكناً في علم الشريعة، ثم تمكن في علم الكلام وبين فساده وما فيه من المشروع. والإنسان الذي دخل فيه ولم يكن متمكناً فهذا هو نصف المتكلم، وقد قال: يفسد الدنيا أربعة: نصف متكلم، ونصف فقيه، ونصف نحوي، ونصف طبيب. هؤلاء هم الذين يفسدون الدنيا، فنصف المتكلم يفسد الأديان، حيث يتكلم في العقيدة بعلم الكلام، ونصف الطبيب يفسد الأبدان الذي هو المتطبب، ونصف النحوي يفسد اللسان، ونصف الفقيه يفسد البلدان، فمعناه أن الناس يعبدون الله أو يتعاملون بمعاملات ليست على هدى، بل مبنية على جهل وعدم علم. فالاشتراك فيه من قبل الإنسان المتمكن الذي عنده قدرة وعنده أهلية، وسيستفيد منه ويترك الضرر، أو ينبه على الضرر لاشك في جوازه، وأما الذي ما عنده القدرة ولا عنده علم فسلامته خير له.

    الحكم إذا واعد الإمام الناس للاستسقاء ونزل المطر قبل أن يخرجوا


    السؤال: إذا وعد الإمام الناس للاستسقاء ونزل المطر قبل أن يخرجوا فما الحكم؟


    الجواب: إذا نزل المطر انتهى الأمر، فقد سقوا، فما دام أنه نزل المطر فإن الله تعالى حقق لهم ما يريدون بدون أن يستسقوا. وأما قصة سليمان أنه خرج يستسقي، فالحديث فيه كلام، وقد ذكره الحافظ في البلوغ وقال: (رأى نملة مستلقية على ظهرها تقول: اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا فضلك. فقال سليمان : ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم).

    حكم خروج الناس للاستسقاء وقد مطر بعضهم

    السؤال: إذا حدد أنه في اليوم الفلاني يكون استسقاء، ثم نزلت الأمطار على بعض المناطق، فهل يخرجون للاستسقاء؟


    الجواب: يمكن للآخرين أن يخرجوا، فالجماعة الذين نزل عندهم المطر لولم يصلوا حصل المقصود، لكن إذا صلوا ودعوا لغيرهم كان ذلك حسناً. وهو -أيضاً- بحاجة إلى المزيد من المطر، فيطلبون الله، لكن إذا كان هناك شيء كثير من الأمطار فيدعون بذهابها عنهم مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم حوالينا ولا علينا ...).

    معنى قوله تعالى: (وكان عرشه على الماء)

    السؤال: ما المراد بقوله جل وعلا: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ [هود:7]هل هو الماء الحقيقي؟


    الجواب: نعم هو ماء حقيقي، قال تعالى: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ [هود:7] أي: الماء الحقيقي، فالعرش كان موجوداً قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فقد قدر الله المقادير والخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرضه على الماء، فالماء كان موجوداً والعرش كان موجوداً. فالمقصود بالماء الماء الذي يعرفه الناس وليس بشيء آخر لا يعرف.

    حكم سفر المرأة المعتدة إلى بيت أهلها

    السؤال: المرأة التي في العدة هل يجوز لها أن تسافر من البلد الذي تقيم فيه وتذهب إلى مدينة أخرى يقيم فيها والدها وقرابتها؟


    الجواب: نعم، إذا كان بقاؤها في البلد الذي مات فيه زوجها وليس عندها أحد، وتخشى على نفسها فلها أن تسافر وتعتد عند أهلها.

    حكم المصلي إذا كان حاملاً لطفل فبال عليه

    السؤال: المصلي إذا كان حاملاً للطفل فبال عليه مذا يفعل؟ وهل صلاته باطلة؟


    الجواب: إذا كان هذا البول الذي حصل على شيء يمكن نزعه كأن بال على غترته فإنه يؤخر غترته ويبقى في صلاته، وإن كان لا يمكن نزعه فعليه أن يقطع الصلاة ويذهب ليخلع ثيابه.

    الحق لا يخرج عن المذاهب الأربعة إلا ما ندر

    السؤال: هل الحق يخرج عن المذاهب الأربعة؟


    الجواب: المذاهب الأربعة -كما هو معلوم- إنما وجدت في القرن الثاني الهجري، وأول الأئمة الأربعة أبو حنيفة رحمة الله عليه، ولد سنة ثمانين، فالقرن الأول كان الناس فيه على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الأدلة وعلى اجتهادات العلماء. ومعلوم أن مذاهب الأئمة الأربعة في غالب المسائل أو جل المسائل -إلا ما ندر- هي مع الدليل، لكن قد يوجد بعض المسائل التي يكون الأئمة الأربعة فيها على خلاف قول دل عليه الدليل، وهذا مثل مسألة جعل الطلاق الثلاث واحدة، فقد جاء حديث في صحيح مسلم أنه كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر الطلاق الثلاث يعتبر واحدة، والأئمة الأربعة على أنه يكون ثلاثاً، فهذه مسألة فيها دليل كما في صحيح مسلم على خلاف ما جاء عن الأئمة الأربعة، لكن جل المسائل -إلا ما ندر- لاشك أن الدليل فيها وأن الحق موجود في هذه المذاهب إما فيها كلها أو في واحد منها أو في اثنين منها.


    ضابط إطلاق الفسق على العاصي


    السؤال: من المعلوم أن تكفير المعين لابد فيه من شروط تتوافر في الشخص، وموانع تنتفي عنه، ويقوم بذلك أهل العلم، فهل التفسيق يجري مجراه؟ بمعنى: إذا رأيت شخصاً عنده معاص هل يصح لي أن أطلق عليه وصف فاسق؟

    الجواب: كما هو معلوم أن الكفر يتعلق بالاعتقاد، وهذا قد لا يتبين، لكن الفسق يكون ظاهراً، حيث يشاهده الناس يعمل الأعمال المحرمة، فهذا هو الفسق، وإذا لم يقل لمثل هذا: إنه فاسق فعلى من يطلق الفسق؟ ولكن قد يكون بعض الناس عنده جهل فينبه ويعلم، وبعض الناس يكون على علم ويكون أشد وأخطر من الذي يعصي وهو جاهل. والشاعر يقول: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم والحاصل أنه ليس كل شيء يقال له: فسق؛ لأن بعض الناس قد يطلق على شيء الفسق وليس فسقاً، لكن المقصود هو الشيء الواضح الذي هو محل إجماع واتفاق كشخص معروف بشرب الخمر وبالزنا فيقال له: فاسق.

    الحكم إذا كان الخطيب يتكلم بكلام يخالف السنة

    السؤال: إذا كان الخطيب يتكلم بكلام يخالف الكتاب والسنة ومنهج السلف في خطبة الجمعة فهل يجب عليه السماع أو ماذا يفعل؟


    الجواب: على الإنسان أن يجلس ويسمع الخطبة، ولكنه بعد ذلك ينبه الخطيب على أخطائه، وإذا كان هذا شأنه وأن كلامه ليس على استقامة وليس على منهج صحيح فإنه فإذا كان هناك مجال للتخلص منه بأن يرفع أمره إلى المسئولين فيستبدل من هو خير منه فهذا هو المطلوب، وإلا فالإنسان لا يحضر الصلاة عنده، ولكن يبحث عن مسجد آخر يصلي فيه الجمعة ولا يصلي وراء ذلك الشخص الذي هو غير مستقيم، وكلامه غير مستقيم، وخطبه قائمة على أمور منكرة.

    حكم المؤتم إذا جاء قبل نهاية صلاة الجنازة بتكبيرة


    السؤال: ماذا أفعل إذا جئت قبل نهاية صلاة الجنازة بتكبيرة؟ هل أقضيها كلها أم أسلم مع الإمام؟ وكيف صفة القضاء؟


    الجواب: إذا جئت وهو قد كبر التكبيرة الثالثة فادخل معه وادع للميت؛ لأن اشتغالك بقراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يفوت الدعاء، والمقصود من صلاة الجنازة هو الدعاء، وإنما جعلت قراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تمهيداً ووسيلة، ومن أسباب قبول الدعاء كونه يسبق بحمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في قصة الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ولم يحمد الله ولم يصل على النبي فقال: (عجل هذا). فإذا كان ليس هناك مجال إلا للدعاء فقط ولو اشتغل بالفاتحة والصلاة على النبي فاته الدعاء فإنه يأتي بالدعاء؛ لأن الدعاء هو المقصود من صلاة الجنازة، وإذا سلم الإمام أو كبر التكبيرة الرابعة يكون هو أدرك واحدة، فيكبر الثالثة حال الدخول ثم يكبر معه الرابعة، ثم بعد ذلك بعدما يسلم الإمام يكبر التكبيرتين متواليتين، وإن دعا بينهما قال: اللهم اغفر له؛ لأن الجنازة ترفع، فلا يبقى متسع للإنسان ليقف ويدعو، فيكبر التكبيرات الباقية ويسلم، وهذا داخل تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا).

    دعاء الاستسقاء بين الجهر والسرية

    السؤال: هل الدعاء في الاستسقاء يكون جهراً أم سراً؟

    الجواب: دعاء الإمام الذي في الخطبة يكون جهراً كما هو معلوم أن الخطيب يدعو وهم يؤمنون، وأما الدعاء الذي يكون بعد تحويل الأردية فإنه يكون سراً."


  19. #179
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [146]
    الحلقة (177)


    شرح سنن أبي داود [146]

    إن المتتبع لألفاظ الحديث ودقة العبارات يجد أن الصحابة كانوا شديدي الحرص على نقل كل الكيفيات والأفعال التي كان يعملها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك نقلهم رضي الله عنهم لكيفية صلاة الاستسقاء، وماذا كان يعمل فيها، كالدعاء مثلاً ورفع اليدين حتى يرى بياض الإبطين، وأنه لم يصنع هذه الكيفية إلا في صلاة الاستسقاء وألفاظ الأدعية الواردة عنه صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك.

    ما جاء في رفع اليدين في الاستسقاء



    شرح حديث استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين في الاستسقاء. حدثنا محمد بن سلمة المرادي أخبرنا ابن وهب عن حيوة و عمرو بن مالك عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عمير مولى بني آبي اللحم رضي الله عنهما: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء قائماً يدعو يستسقي رافعاً يديه قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [ باب رفع اليدين في الاستسقاء ] يعني: عندما يدعو في الاستسقاء فإنه يرفع يديه، والترجمة معقودة لبيان أن رفع اليدين في الاستسقاء ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد المواضع التي ورد فيها رفع اليدين؛ لأن رفع اليدين ثبت في مواضع عديدة منها في الاستسقاء. وقد أورد أبو داود رحمة الله عليه حديث عمير مولى بني آبي اللحم [ (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء قائماً يدعو يستسقي رافعاً يديه قبل وجهه)]. فهذا فيه الدليل على ما ترجم له المصنف من حصول رفع اليدين في الاستسقاء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الاستسقاء وأنه يرفعهما قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه. وهذا فيه المبالغة في رفع اليدين، وقد جاء في بعض الروايات أنه كان يرفعهما حتى يرى بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم من شدة رفعه ليديه في الدعاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وهو واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف، وهو ثبوت رفع اليدين في الدعاء في الاستسقاء، وقوله: [ عند أحجار الزيت ] هو مكان في الحرة فيه حجارة سوداء كأنها طليت بالزيت لشدة سوادها. قوله: [ (قبل وجهه) ]. يعني أنهما قبل وجهه، ما جاوز بهما رأسه، ومعناه أنه لا يرفعهما فوق رأسه.

    تراجم رجال إسناد حديث استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء...)


    قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري ، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حيوة ]. هو حيوة بن شريح المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وحيوة بن شريح اثنان: أحدهما مصري وهو في طبقة متقدمة يروي عنه ابن وهب ، و حيوة بن شريح الحمصي ، وهذا من شيوخ أبي داود في طبقة متأخرة. [ و عمرو بن مالك ]. عمرو بن مالك لا بأس به، وهي بمعنى (صدوق) عند الحافظ ابن حجر ، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن ابن الهاد ]. ابن الهاد هو: يزيد بن عبد الله بن الهاد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمير مولى بني آبي اللحم ]. عمير مولى بني آبي اللحم ، صحابي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. وقوله: آبي اللحم هو اسم لصحابي هو عبد الله بن عبد الملك، وقد اختلف في اسمه، ولقبه آبي اللحم وقيل: إنه سمي آبي اللحم لأنه كان لا يأكل اللحم، وقيل: إنه كان لا يأكل ما ذبح على النصب، فقيل له: آبي اللحم ، والذي يروي الحديث هنا عمير مولى آبي اللحم ، وكذلك -أيضاً- يرويه آبي اللحم، فهو من رواية هذا ومن رواية هذا.
    شرح حديث (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن أبي خلف حدثنا محمد بن عبيد حدثنا مسعر عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي فقال: اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل. قال: فأطبقت عليهم السماء) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما قال: [ (أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي) ] والمقصود بالبواكي النساء، يعني: باكيات من الضيق والشدة، فاستسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: [ (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل) ]. قوله: [ فأطبقت عليهم السماء]. يعني: نزل المطر كثيراً غزيراً، فأجاب الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام، فحصل نزول المطر بغزارة وبكثرة. والحديث ليس فيه دليل على رفع اليدين في الدعاء؛ لكن جاء في بعض الروايات: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يواكي) قيل: والمواكاة هي كونه يعتمد على يديه في الدعاء، وفي رفعها والابتهال إلى الله عز وجل في الدعاء. فهذا يطابق الترجمة على هذه الرواية، لأنه قال: [ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يواكي ] وفسرت المواكاة بأنها الاعتماد على اليدين في الرفع، يعني: أنه اعتمد عليهما يدعو وقد رفعهما ومدهما يسأل الله عز وجل الغيث. قوله: [ (اللهم اسقنا غيثاً) ]. الغيث هو المطر، و(مغيثاً) قيل: معناه: معيناً يحصل لنا به العون والفائدة. [ (مريئاً) ]. يعني: هنيئاً. [ (مريعاً) ]. مريعاً قيل: معناه: ذا مراعة، أي: خصب، وفي رواية: (مربعاً) أي: ينبت الربيع. قوله: [ (نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل) ]. قوله: (غير ضار) تأكيد لـ(نافعاً)، و(غير آجل) تأكيد لقوله: (عاجلاً). وقد حصل ذلك عاجلاً، فقد أطبقت عليهما السماء كما جاء في الحديث، ونزل المطر بغزارة، وتحقق ما طلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من نزول الغيث.

    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار...)

    قوله: [ حدثنا ابن أبي خلف ]. ابن أبي خلف هو محمد بن أحمد بن أبي خلف ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد هو محمد بن عبيد الطنافسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا في طبقة شيوخ أبي داود ، وفي طبقة شيوخه اثنان: محمد بن عبيد بن حساب و محمد بن عبيد المحاربي ، فإذا جاء في طبقة شيوخه فيكون المراد إما محمد بن عبيد بن حساب وإما محمد بن عبيد المحاربي ، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه كما هنا فالمراد به الطنافسي ، وهو من الطبقة الحادية عشرة وكانت وفاته سنة مائتين وأربعة. ومعلوم أن هذه الطبقة لا يمكن أن تكون الطبقة العاشرة، وإنما هذا يكون من التاسعة، وفي الغالب أنه يكون من التاسعة، وطبقة شيوخ شيوخ أبي داود إما من كبار العاشرة أو من الحادية عشرة، وإلا فإن طبقة الذين توفوا سنة مائتين وأربعة قبل ولادة أبي داود أو في السنة التي ولد فيها أبو داود والتي ولد فيها مسلم بن الحجاج ومات فيها الشافعي هي مائتين وأربعة. أي: أنه متقدم. فذكر الطبقة الحادية عشرة هذه لاشك في أنه خطأ، فهو إما وهم من الحافظ أو من النساخ. [ حدثنا مسعر ]. مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة. [ عن يزيد الفقير ]. هو يزيد بن صهيب الفقير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، و الفقير هذا لقب وليس -كما يتبادر للذهن- من الفقر، وإنما كان يشكو فقار ظهره، فقيل له: الفقير . [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    اختلاف النسخ في لفظ (بواك)

    جاء في بعض النسخ (بوادٍ) وفي بعضها: (هوازل) من الهزل، فهذه الألفاظ ذكرها في عون المعبود، وفي نسخة أخرى (بواك)، و ابن الأثير يصحح ما وقع في معالم السنن، وهو (يواكي) بالياء. يقول ابن الأثير : والذي جاء في السنن على اختلاف نسخها ورواياتها وبواكٍ والصحيح ما ذكره الخطابي . وهو الذي يطابق الترجمة. وفي رواية البيهقي التي أتت: (هوازل)، ومعناه: أنهن نساء هوازل جمع هزيلة، وبواكي جمع باكية. يقول الإمام الخطابي : ثبت الاستسقاء بما ذكره أبو داود بالأخطاء المتقدمة، وإنما وجهه وتأويله أنه كان بإزاء صلاة يريد أن يصليها، فدعا في أثناء خطبته بالسقيا، فاجتمعت له الصلاة والخطبة، فجازت عن استئناف الصلاة والخطبة، كما يطوف الرجل فيصادف الصلاة المفروضة عند فراغه من الطواف فيصليها فينوب عن ركعتي الطواف، وكما يقرأ السجدة في آخر الركعة فينوب الركوع عن السجود . وما ذكره في شأن الجمعة ليس فيه إشكال؛ لأنه جاء حديث صحيح فيها، فقد جاء في الصحيحين أنَّ رجالً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا)، فدعا صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا هو المراد فلا إشكال. وما ذكره في شأن ركعتي الطواف صحيح، فلو أن إنساناً طاف وصلى فريضة بعد الطواف فإنها تغني عن ركعتي الطواف، وكذا تحية المسجد إذا جاء الإنسان فصلى الفريضة فإنها تغني عن تحية المسجد، أي: أنه لا يجلس إلا وقد صلى. وأما إذا قرأ آية السجدة ثم ركع فالذي يبدو أنه لا يغني عن السجود، أقول: مثل هذا يبدو أنه لا يغني عن السجود، ولكن السجود ليس بلازم؛ لأنه إن سجد فهذا هو الذي ينبغي، وإن لم يسجد فلا شيء عليه، لكن لا يقال: إن الركوع يغني عن السجود.

    شرح حديث (كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه) ]. هذا النفي الذي جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قيل: إنه منصب على الهيئة والكيفية، وهي كونه يبالغ في الرفع حتى يرى بياض الإبطين. وليس المقصود منه أنه نفي الرفع مطلقاً، وبعض أهل العلم يقول: إنه يدل على النفي مطلقاً، ولكنه حكى عن الشيء الذي علمه وغيره قد علم غير ذلك فأظهره، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وهذا قد قيل في التوفيق بين ما جاء في نصوص كثيرة من رفع اليدين، وما جاء من النفي في حديث أنس ، حيث قيل: إن هذا مبني على ما علمه أنس بن مالك رضي الله عنه، وغيره علم غير ذلك، فهو حدث بالشيء الذي علمه، فيكون قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مواضع كثيرة و أنس رضي الله عنه إنما علم هذا الذي هو في الاستسقاء. وقد جاء في بعض الروايات في حديث علقه البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري : (أنه رفع يديه حتى رأى بياض إبطيه) يعني: في الدعاء في مناسبة من المناسبات. وقال الحافظ ابن حجر : لعل المقصود من ذلك أنه رفعهما أكثر فيما يتعلق بالاستسقاء، أو أن أنساً رضي الله عنه إنما ذكر الشيء الذي علمه، وهو مدى الرفع على هذه الهيئة والكيفية في الاستسقاء. وعلى هذا فإن الحديث لا يدل على نفي رفع اليدين في المواضع الأخرى التي هي غير الاستسقاء، وإنما يدل على نفي المبالغة أو الهيئة والكيفية التي هي كون بطني اليدين من جهة الأرض، بخلاف رفع اليدين في الدعاء في المواضع الأخرى، فإن بطني اليدين من جهة السماء، وليستا إلى الأرض، فإن هذا إنما ورد في الاستسقاء، وهو إما أن يكون بالنسبة للمبالغة في الرفع، أو أن المقصود به الهيئة التي هي كون اليدين بطناهما إلى الأرض، أو أن أنساً رضي الله عنه إنما نفى على حسب علمه وغيره علم ما لم يعلمه من المواضع المتعددة. والإمام البخاري رحمه الله عقد ترجمة في كتاب الدعوات من صحيحه (باب رفع اليدين في الدعاء) والحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث ذكر جملة من الأحاديث الصحيحة التي لم يذكرها البخاري في هذا الباب، والتي هي في الصحيحين وفي السنن وفي غيرهما، وهي جملة عديدة من الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفع اليدين. وكذلك أيضاً النووي رحمه الله قال: إنه جمع أحاديث كثيرة تبلغ ثلاثين حديثاً فيها رفع اليدين وأوردها في كتابه المجموع في آخر صفة الصلاة، وذكر الحافظ ابن حجر أن المنذري جمع في ذلك جزءاً، يعني الأحاديث التي اشتملت على رفع اليدين. ويكون الجمع بين الأحاديث أن المراد بنفي رفع اليدين هو الكيفية والهيئة، وذلك أنه رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه، وأنه لعله يقصد هذه الهيئة، لا أنه يقصد نفي أصل الدعاء، وإنما ينفي هذه الكيفية وهذه الهيئة، فهذه الكيفية -كما أورد البخاري - رفع فيها حتى رئي بياض الإبطين، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إن هذا فيه حجة على من قال: إن الأيدي لا ترفع حتى يرى بياض الإبطين إلا في هذا الموضع؛ لأنه قد جاء في غير هذا الموضع.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء...)


    [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا يزيد بن زريع ]. هو يزيد بن زريع البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورفع اليدين في الدعاء له له ثلاث حالات: حالة ورد فيها رفع اليدين، فالحالة التي ورد فيها رفع اليدين ترفع الأيدي فيها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. الحالة الثانية: المواضع التي لم يرد فيها رفع اليدين، مثل خطبة الجمعة، كما جاء في حديث عمارة بن رؤيبة في كلامه على الأمير الذي كان يرفع يديه في الدعاء، وقد سبق أن مر بنا الحديث، وحكى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يزيد على أن يشير بأصبعه السبابة في حال خطبته، وما كان يرفع يديه، فهذا موضع لا ترفع فيه الأيدي، وكذلك بعد الصلوات المفروضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يصلي بالناس إماماً الصلوات كلها ولم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه بعد الصلوات يدعو. الحالة الثالثة: ما عدا ما ذكر، فهذا الأمر فيه واسع: إن رفع فله ذلك، وإن لم يرفع فله ذلك.

    شرح حديث (مد النبي صلى الله عليه وسلم يديه وجعل بطنيهما مما يلي الأرض في الاستسقاء )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا عفان حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقي هكذا -يعني: ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض- حتى رأيت بياض إبطيه) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقي ويرفع يديه، ويجعل بطنيهما مما يلي الأرض، حتى رأى بياض إبطيه،) وهذا فيه زيادة على ما تقدم، وهو كون الأيدي بطونها إلى الأرض، فقد كان يرفع يديه -كما سبق أن مر- حتى يقابل وجهه، فلا يجاوز بهما رأسه، ولكن تكون بطناهما إلى الأرض، وهذا خاص بالاستسقاء، فلم يأت على هذه الهيئة وهذه الصورة إلا في الاستسقاء. وبعض أهل العلم قال: إذا كان الدعاء لرفع ضرر فتكون بطونها إلى الأرض، وإذا كان لغير ذلك فتكون بطونها إلى السماء، لكن هذا غير مستقيم؛ لأنه ما جاء هذا إلا في الاستسقاء فقط، وليس كل دعاء لرفع ضرر يكون بهذه الطريقة، وإنما يقتصر على ما ورد به الدليل، وغير ذلك -سواءٌ أكان لرفع ضرر أم لتحصيل منفعة- إنما يكون بالهيئة المعروفة التي هي بجعل بطونها إلى السماء وظهورها إلى الأرض.

    تراجم رجال إسناد حديث (مد النبي صلى الله عليه وسلم يديه وجعل بطنيهما مما يلي الأرض في الاستسقاء )


    قوله: [ حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ]. الحسن بن محمد الزعفراني ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عفان ]. عفان هو: ابن مسلم الصفار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو: ابن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعفان يروي عن الحمادين، وسليمان بن حرب يروي أيضاً عن الحمادين. وقد ذكر الحافظ المزي بعد ترجمة حماد بن زيد و حماد بن سلمة في تهذيب الكمال فصلاً يبين فيه تمييز حماد إذا أهمل، فقال: إن بعض الرواة إنما روى عن حماد بن سلمة ، وبعضهم إنما روى عن حماد بن زيد ، وبعضهم روى عن هذا وهذا. وذكر أن عفان إذا روى عن حماد مهملاً فهو ابن سلمة ، وإذا روى عن حماد بن زيد فإنه ينسبه، وعلى العكس من ذلك سليمان بن حرب ، فإنه إذا ذكر حماد بن سلمة ينسبه، وإذا ذكر حماد بن زيد يهمله، فيكون حماد المقصود هنا هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه وقد مر ذكره.

    شرح حديث (أخبرني من رأى النبي يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال: (أخبرني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه) ]. أورد أبو داود حديث محمد بن إبراهيم التيمي عمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت، وقد سبق أن مر أنه عمير مولى آبي اللحم كما ذكر ذلك الحافظ في التقريب.
    تراجم رجال إسناد حديث (أخبرني من رأى النبي يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه)

    قوله [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد ربه بن سعيد ]. هو عبد ربه بن سعيد الأنصاري ، وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي ، مر ذكره.

    شرح حديث (شكا الناس إلى رسول الله قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا خالد بن نزار قال: حدثني القاسم بن مبرور عن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] الرحمن الرحيم مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره وقلب -أو حول- رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله). قال أبو داود : وهذا حديث غريب إسناده جيد، أهل المدينة يقرءون مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] وإن هذا الحديث حجة لهم ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، أي: تأخر المطر، وحصول القحط والجدب، فالرسول صلى الله عليه وسلم حدد لهم يوماً يخرجون فيه، ثم خرج حين بدا حاجب الشمس، أي أن خروجه كان عند ذلك الوقت، ولكن ليست صلاته في ذلك الوقت، وإنما كانت بعد ذلك، فلعل هذا ذكر بدء الخروج، وأنه عندما وصل كان وقت الصلاة قد حان. ثم أمر بمنبر فأخرج، وهذا يدلنا على أن صلاة الاستسقاء يخطب فيها على منبر وعلى مكان مرتفع. ثم كبر وحمد الله عز وجل وقال: [ (إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم) يشير إلى قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] فقوله: (ادعوني) أمر وقوله: (أستجب لكم) وعد من الله عز وجل ]. ثم قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته لنا قوةً وبلاغاً إلى حين) ]. وقولها: [ (ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه) ]. أي: بقي رافعاً يديه في الدعاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وهذا الحديث فيه أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالتكبير والحمد لله عز وجل، ومخاطبتهم بأنهم شكوا جدب ديارهم، وتأخر المطر عن إبان نزوله، وأن الله عز وجل أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، ثم إنه حمد الله وأثنى عليه، وبدأ بهذه الجمل الثلاث التي هي من أول سورة الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] وكان مما أتى به صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ملك) ولم يقل: (مالك) وهما قراءتان سبعيتان متواترتان: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] ومالك يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]. قولها: [ (ثم حول إلى الناس ظهره) ]. أي: بدل أن كان مستقبلهم يخطب حول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة، وبقي رافعاً يديه، وكان رافعاً يديه قبل ذلك وهو يخطب مستقبلهم، ثم تحول إلى جهة القبلة وحول رداءه ورفع يديه يدعو. قولها: [ (ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين) ]. أي: بدل أن كان إلى جهة القبلة اتجه إلى جهة المأمومين، ونزل فصلى ركعتين، وهذا فيه أن الصلاة كانت بعد الخطبة. وسبق أن مر بنا بعض الأحاديث الدالة على أنها قبل الخطبة وأنها بعد الخطبة. قولها: [ (فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله)]. أي: تحقق لهم ما أرادوا، واستجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم، فنزل السحاب، ولم يصل إلى مسجده صلى الله عليه وسلم إلا وقد نزل المطر، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرعتهم إلى الكن -أي: الأماكن التي يتقون بها المطر وهي البيوت- ضحك صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا مجدبين ويطلبون نزول الغيث، ولما نزل الغيث أسرعوا إلى الكن حتى يتقوا نزوله عليهم، وحتى يصلوا إلى أماكنهم ليستكنوا وليأووا إليها. قولها: [ فقال: (أشهد أن الله على كل شيء قدير) ]. وذلك حيث كان القحط أولاً ثم نزل المطر بعد قليل، وبعد زمن وجيز من هذا الدعاء الذي دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث لم يصل إلى مسجده إلا وقد نزل المطر صلى الله عليه وسلم. فشهد صلى الله عليه وسلم أن الله على كل شيء قدير، إذ هو الذي أنزل الغيث بعد الدعاء بهذه الفترة الوجيزة، وهذا من قدرة الله عز وجل، وهو على كل شيء قدير، وهذا عام لا استثناء فيه؛ لأن هذا من العمومات التي لا استثناء فيها؛ لأن هناك عام باقٍ على عمومه، وهناك عام يدخله التخصيص، وهذا لا يدخله تخصيص، فالله على كل شيء قدير، لا يستثنى من ذلك شيء. ومثل ذلك أن الله بكل شيء عليم، فإنه لا يستثنى من ذلك شيء، ثم قال: [ (وأشهد أني عبد الله ورسوله) ] صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقد ذكر وصفه بالعبودية والرسالة، وهذا يذكره صلى الله عليه وسلم كثيراً، كما جاء في التشهد: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، وقوله: (لا تطروني كما أطرت الناس عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) فهو عليه الصلاة والسلام عبد الله، ورسوله لا يكذب، بل يطاع ويتبع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ قال أبو داود : هذا حديث غريب ]. الغرابة من جهة التفرد، وليس هذا تضعيفاً، ولهذا قال: [ وإسناده جيد ]، فهذا حديث غريب لأنه جاء من طريق واحد ولم يأت من طرق، والحديث باعتبار وصوله إلى أهل الحديث له أربع حالات: إما متواتر، وإما مشهور، وإما عزيز، وإما غريب، والمتواتر: هو الذي جاء من طرق كثيرة، والمشهور: هو الذي جاء من ثلاث فأكثر، والعزيز: ما جاء من طريقين، والغريب: ما جاء من طريق واحد. ولكن إذا كان التفرد يحتمل فإنه يصح الحديث، كما في أول حديث في صحيح البخاري : (إنما الأعمال بالنيات) فإنه غريب لأنه ما جاء إلا عن عمر بن الخطاب ، و عمر بن الخطاب لم يروه عنه إلا علقمة بن وقاص الليثي ، ولم يروه عن علقمة بن وقاص الليثي إلا محمد بن إبراهيم التيمي ، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري ، ثم بعد ذلك كثر الرواة عن يحيى بن سعيد الأنصاري، فهو غريب إلى يحيى بن سعيد الأنصاري . وكذلك آخر حديث في صحيح البخاري حديث أبي هريرة : (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) فإنه من رواية أبي هريرة ، ولم يروه عن أبي هريرة إلا أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، ولم يروه عن أبي زرعة إلا عمارة بن القعقاع ، ولم يروه عن عمارة بن القعقاع إلا محمد بن الفضيل ، فهو غريب، حيث جاء من طريق واحد. والحافظ ابن حجر لما جاء عند حديث ابن عمر (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) قال: وهذا من غرائب الصحيح، وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، يعني أنه من هذه الطريق لم يأت في مسند الإمام أحمد ، وهو من المتفق عليه الذي هو حديث ابن عمر : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) قال: هو من غرائب الصحيح. يعني: جاء من طريق واحد في الصحيح. ولفظ (وجيد) من الألفاظ التي تدل على أن الحديث مقبولاً ومحتجاً به. قوله: [ أهل المدينة يقرءون مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]وإن هذا الحديث حجة لهم ]. يعني: هذا يدل على هذه القراءة، لكن القراءة متواترة؛ لأن قراءة: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]و مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] كلتاهما سبعيتان.


    تراجم رجال إسناد حديث (شكا الناس إلى رسول الله قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى...)


    قوله: [ حدثنا هارون بن سعيد الأيلي ]. هارون بن سعيد الأيلي ، ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا خالد بن نزار ]. هو خالد بن نزار ، وهو صدوق يخطئ، أخرجه حديثه أبو داود و النسائي . [ قال: حدثني القاسم بن مبرور ]. القاسم بن مبرور ، صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن يونس ]. يونس هو ابن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هو هشام بن عروة بن الزبير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين) ]. يعني: قوة لنا، كما هو معلوم أن حصول المطر والغيث يحصل لهم به قوة ونشاط، ويحصل لهم به تمتع، [ (وبلاغاً إلى حين) ] يعني: شيئاً يتبلغون به إلى حين.

    شرح حديث (أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل...)


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه و يونس بن عبيد عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله! هلك الكراع، هلك الشاء، فادع الله أن يسقينا. فمد يديه ودعا، قال أنس : وإن السماء لمثل الزجاجة، فهاجت ريح، ثم أنشأت سحابة، ثم اجتمعت، ثم أرسلت السماء عزاليها، فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى، فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت، فادع الله أن يحبسه. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: حوالينا ولا علينا، فنظرت إلى السحاب يتصدع حول المدينة كأنه إكليل) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة فجاء رجل وقال: هلك الكراع والشاء)، والكراع المراد به الخيل، والشاء: الغنم، قال: [ (فادع الله أن يسقينا ) ] فرفع يديه صلى الله عليه وسلم يدعو، فنزل المطر وبقي نزوله حتى جاءت الجمعة الأخرى، والمطر ينزل عليهم، فحصل تضرر بنزول المطر وبكثرته حتى تهدمت بعض البيوت، فجاء رجل يوم الجمعة الثانية والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب -إما الذي سأل أولاً أو غيره- وقال: (يا رسول الله! تهدمت البيوت فادع الله أن يحبسه) أي: أن يحبس المطر، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم من كون الناس في الجمعة الماضية يسألون نزول المطر وفي هذه الجمعة يسألون حبسه. والرسول صلى الله عليه وسلم لكمال أدبه ما سأل أن يحبس، ولكن قال: [ (حوالينا ولا علينا) ] فالمطر ينزل ويستفاد منه في البراري من النواحي التي هي قريبة من المدينة، ولكن النزول على البيوت هو الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذهب، فقال: (حوالينا ولا علينا) يعني: اللهم اجعله يكون حوالينا ولا يكون علينا. وتصدع السحاب هو أنه تشقق وصار يتمزق حتى صار حول المدينة كالإكليل، وصار ما فوق المدينة صحو والسحاب حولها كالإكليل الذي يحيط بالرأس من جميع الجوانب ويكون أعلاه مكشوفاً، فصار السحاب حول المدينة كالدائرة المحيطة بها؛ لأن ما فوق البيوت تقشع، وما كان على النواحي المختلفة حول المدينة بقي، فصار كما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فمد يديه ودعا، قال أنس : وإن السماء لمثل الزجاجة) ]. يعني: صافية نقية ما فيها شيء، فما هناك سحاب، فهو يصف السماء بحال ذلك الوقت الذي طُلِبَ فيه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو وهي صافية ليس فيها سحاب. قوله: [ (فاجتمعت ثم أرسلت السماء عزاليها) ]. يعني أنه نزل المطر بغزارة وبكثرة كأفواه القرب، والعزالي: هي أفواه المزادات، والمزادة هي القربة الكبيرة التي تكون من قطعتين في زاد حتى تكبر، فيقال لها: مزادة، يعني: كأن أفواه المزادات قد فتحت، وإذا كانت أفواه المزادات مفتوحة يكون انصباب الماء منها بغزارة. ولهذا عندما يشار إلى كثرة المطر يقال: (كأفواه القرب). أي: كالقرب المفتوحة، فإنه ينزل منها الماء بغزارة. قوله: [ (فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا) ]. معناه أن المطر نزل قبل أن يصلوا إلى بيوتهم، فكانوا يخوضون المطر في طريقهم من المسجد إلى بيوتهم.

    تراجم رجال إسناد حديث (أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل...)


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد العزيز بن صهيب ]. عبد العزيز بن صهيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس رضي الله عنه قد مر ذكره. وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود . [ و يونس بن عبيد ]. هذه طريق أخرى عن حماد بن زيد ، فحماد بن زيد له فيه طريقان: الطريق الأولى التي مرت، والطريق الثانية عن يونس بن عبيد . ويونس بن عبيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت عن أنس بن مالك ]. ثابت بن أسلم البناني مر ذكره، و أنس مر ذكره.
    شرح حديث (فرفع رسول الله يديه بحذاء وجهه فقال اللهم اسقنا)

    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس رضي الله عنه أنه سمعه يقول، فذكر نحو حديث عبد العزيز ، قال: (فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه بحذاء وجهه فقال: اللهم اسقنا) وساق الحديث نحوه ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق أخرى: وهو نحو الأول وقريب منه.

    تراجم رجال إسناد حديث (فرفع رسول الله يديه بحذاء وجهه فقال اللهم اسقنا)


    قوله: [ حدثنا عيسى بن حماد ]. هو عيسى بن حماد التجيبي المصري ، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد المقبري ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ]. شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، صدوق يخطئ، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة ، أي: أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فإنه أخرج له في الشمائل. و شريك بن عبد الله بن أبي نمر هذا هو الذي روى حديث الإسراء الطويل، وهو الذي أورده البخاري في صحيحه، وكان فيه أغلاط وأخطاء ذكروها، ذكرها ابن كثير في تفسيره وذكرها الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث في كتاب التوحيد من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر في أغلاط متعددة، وهي من الأشياء التي في صحيح البخاري ، ولا جواب عنها؛ لأن أكثر الانتقادات التي انتقدت على البخاري عليها جواب، وبعضها -وهو القليل- لا جواب عنه، ومنه هذه الأخطاء التي انفرد بها شريك ، والتي أوردها البخاري في صحيحه من رواية شريك عن أنس . وأما مسلم رحمه الله فإنه روى الحديث من طريق ثابت عن أنس ، ثم رواه من طريق شريك ولكنه ما ساق لفظه، بل قال: (فزاد ونقص وقدم وأخر). ولم يسق لفظه، و البخاري ساق لفظه وفيه أغلاط متعددة هي مما انتقد على البخاري .

    شرح حديث (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت)


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول، ح: وحدثنا سهل بن صالح حدثنا علي بن قادم أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت)هذا لفظ حديث مالك ]. مرت الأحاديث الكثيرة الدالة على أن الأيدي ترفع في الاستسقاء وفي خطبة الاستسقاء وكذلك في الدعاء عندما يتحول الإمام إلى القبلة ويدعو، وكذلك المأمومون يحولون أرديتهم كما يحول الإمام، ويدعون مستقبلي القبلة رافعي أيديهم، وكذلك تكون الأيدي بطونها إلى الأرض، ويبالغ في رفعها حتى تكون مقابل الوجه. كل ذلك جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد أبو داود هذا الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال: [ (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت) ]. قوله: [ (اللهم اسق عبادك) ] الذين هم الإنس، هؤلاء الذين هم عباد الله عز وجل. قوله: [ (وبهائمك) ] الحيوانات والحشرات التي هي بحاجة إلى الماء. قوله: [ (وانشر رحمتك) ] يعني: ابسطها. قوله: [ (وأحي بلدك الميت) ] يعني: أحي الأرض بعد موتها، أحي هذا البلد الذي أصابه الموت والقحط والجدب بالخصب والغيث والبركة، وإخراج النبات من الأرض الذي فيه قوت الناس وقوامهم وحياتهم. وهذا الحديث ورد فيه هذا الدعاء، ولكن ليس فيه ذكر رفع اليدين، فالترجمة معقودة لرفع اليدين، ولكنه ليس فيه ذكر رفع اليدين، ولكن الأحاديث المتقدمة الكثيرة العديدة دالة على ما ترجم له المصنف، وهو رفع اليدين في الدعاء في الاستسقاء.

    تراجم رجال إسناد حديث (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت)


    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وأحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب ، صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. وهذا مرسل؛ لأن عمرو بن شعيب هو الذي رفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الحقيقة منقطع؛ لأن عمراً متأخر، وجده الذي هو محمد أيضاً تابعي، فعمرو و شعيب و محمد كل هؤلاء متأخرون عن زمن النبوة، فهو مرسل أو منقطع أو معضل، لكن الطريق الثانية التي فيها عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده موصولة. [ وحدثنا سهل بن صالح ]. سهل بن صالح ، صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا علي بن قادم ]. علي بن قادم ، صدوق أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أخبرنا سفيان ]. سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه ]. يحيى بن سعيد و عمرو بن شعيب مر ذكرهما، وأبوه: شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وجزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعبد الله بن عمرو ليس من السبعة ولكنه مكثر، ولم يصل إلى حد السبعة، وهو الذي قال عنه أبو هريرة رضي الله عنه: ليس هناك أحد أكثر حديثاً مني إلا عبد الله بن عمرو ؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب، ولكن مع هذا الذي قاله أبو هريرة فإن الذي حفظ من الأحاديث عن أبي هريرة كثير، بل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق؛ إذ بلغت أحاديثه ما يزيد على خمسة آلاف حديث في الكتب الستة. قوله: [ هذا لفظ حديث مالك ]. يعني: لفظ الطريق الأولى، فساقه على لفظ الطريق الأولى المرسلة.
    الأسئلة



    نصيحة للشباب الذين ينشغلون عن الدرس بالكلام


    السؤال: بعض الطلاب بارك الله فيهم يتكلمون أثناء الدرس فيشغلوننا عن سماع حديث النبي صلى الله عليه وسلم فماذا يقول شيخنا حفظه الله مع العلم أنهم قد نبهوا ولكنهم لم يتركوا هذا الأمر؟
    الجواب: أرجوا أن لا يكون ذلك صحيحاً، فمعلوم أن الحضور مع الانشغال عن الدرس يكون وجوده مثل عدمه، وإنما الحضور مع الانتباه والمتابعة هذا هو الذي ينفع الإنسان، وإذا كان الأمر يتعلق بسؤال عن شيء فيمكن أن يؤخر إلى ما بعد انتهاء الدرس، أعني: إذا كان الكلام من أجل استثبات أو من أجل التحقق من فائدة فيمكن للإنسان أن يؤجلها إلى ما بعد الدرس، وإن كان الاشتغال بالكلام في أمر آخر خارج عن الدرس فهذا مما لا يليق ولا ينبغي، وكون الإنسان يحضر ويستمع ويمكن غيره من الاستماع لاشك في أن هذا خير له ولغيره، وكونه ينشغل فإنه يضر نفسه ويتسبب في إضرار غيره.


    الحكم إذا أمر الوالي بصلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة


    السؤال: إذا أمر الوالي بصلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة فهل يجاب إلى هذا؟

    الجواب: نعم يجاب إذا حصل، وبعض أهل العلم قال: إنه ليس لها وقت معين، ولهذا حصل الاستسقاء في خطبة الجمعة، فإذا أمر الوالي فإنه يجاب لذلك؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على أن الصلاة تكون في وقت معين.

    حكم من اشترى عقاراً بماله ولم يخبر والده


    السؤال: رجل اشترى عمارة بالتملك ووالده حي، ولم يستشره في شرائها، فهل من حقه أن يتملكها بدون رضا والده أم لابد من استشارة والده؟ وهل يشترك فيها الأولاد الباقون إذا رضي الوالد؟


    الجواب: المال الذي اشتريت به العمارة إن كان للولد فالنقود للولد، والعمارة التي في مقابلها للولد، وإن كان من مال الوالد وكان الولد وكيلاً مطلقاً للوالد فله أن يبيع ويشتري كما يريد، ولكن الذي ينبغي هو الاستشارة والرجوع إليه، وكذلك لو كانت النقود له، فكونه يستشيره من أجل أن يطيب خاطره لا بأس بذلك. وأما من حيث الحق والملك فإذا كان اشتراها بنقوده وماله الخاص فهي ماله، وإخوانه الآخرون لا يشتركون معه إلا إذا تبرع لهم أو أشركهم أو تنازل عن شيء من حقه لهم، فعند ذلك يمكن أن يشتركوا معه. أما والمال ماله والنقود نقوده، واشتراها بنقوده فهي ملكه، وإن منح غيره أو تنازل عن شيء منها لغيره فله ذلك؛ لأن له أن يعطي من ماله ما يشاء.

    حكم مس المصحف والقراءة فيه من غير طهارة

    السؤال: ما حكم مس المصحف والقراءة فيه بغير طهارة؟


    الجواب: لا يجوز ذلك؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يمس القرآن إلا طاهر) وكذلك قول الله عز وجل: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:77-79]، أي: في السماء. ولكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما نقله عنه ابن القيم في كتابه (التبيان في أقسام القرآن) - إن القرآن كما أنه في السماء لا يمسه إلا المطهرون فكذلك في الأرض ينبغي أن لا يمسه إلا المطهرون يعني: من طريق القياس والإلحاق. لكن قد جاء في حديث في كتاب عمرو بن حزم : (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) فلا يجوز للإنسان أن يمس القرآن مباشرة إلا إذا كان طاهراً، أما إذا مسه مع حائل فلا بأس بذلك، كأن يكون معه قلم أو عود أو في يده كساء أو ما إلى ذلك لا بأس بذلك.

    حكم امرأة تريد لبس الحجاب وزوجها يمنعها

    السؤال: نحن عندنا لكثرة التبرج والسفور بعض الأزواج لا يسمحون لزوجاتهم بلبس الحجاب حتى ولو أرادت الزوجة أن تفعل ذلك، فأختي تريد أن تلبس الحجاب وزوجها يمنعها من ذلك، وقد يؤدي إصرارها إلى الطلاق، فماذا تفعل علماً بأنها أنجبت منه تسعة أولاد؟


    الجواب: طاعة الله مقدمة على طاعة المخلوقين، وهي إذا التزمت طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يكون من أسباب تحصيل الخير لها، وتحصيل السعادة، ولاسيما وجود هذا العدد من الأولاد، وإنما هي تريد طاعة وتريد شيئاً فيه التقرب إلى الله عز وجل، وفيه بعد عن المحظور وعن الأمور المحرمة، فلعل ذلك يكون من أسباب الإبقاء والحرص عليها، لا أن يكون سبباً في طلاقها، لكن هذا من حيل الشيطان ومن الوساوس التي يأتي بها الشيطان، أعني كون الإنسان يخوف، ولاشك في أن هذا من جنس قوله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175].

    الهجر بعد إقامة الحجة

    السؤال: إذا تبين لنا خطأ شخص ما، وأقمنا عليه الحجة وناقشناه وبينا له الحق فلم يقبل ذلك، وأصر على موقفه؛ فهجرناه، فهل لنا أن نخبر غيرنا لكي يهجره؟


    الجواب: الهجر لا يصلح إلا إذا انبنت عليه مصلحة أو فائدة، أما إذا لم يترتب عليه فائدة ولا مصلحة فلا يصلح، ثم إنه ليس كل الناس يحصل منهم إقامة الحجة، فقد يكون بعضهم عنده شيء من الجهل. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين."



  20. #180
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [147]
    الحلقة (178)

    شرح سنن أبي داود [147]

    جعل الله سبحانه وتعالى يرجعون ويتوبون إليه، ومن ذلك خسوف الشمس والقمر، وقد حدث هذا في عهد حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فشرع لها صلاة الكسوف، وقد أطال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم القيام والركوع والسجود حتى غشي على بعض الصحابة من شدة طول القيام، والثابت المحفوظ عنه أنه صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان، وما عدا ذلك من الأحاديث الواردة في عدد الركوعات في صلاة الكسوف فهو إما شاذ أو ضعيف.

    صلاة الكسوف


    شرح حديث عائشة في إثبات مشروعية صلاة الكسوف


    قال المصنف رحمه الله: [ باب صلاة الكسوف. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير أخبرني من أصدق -وظننت أنه يريد عائشة - قال: (كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم قياماً شديداً: يقوم بالناس، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع، ثم يقوم، فركع ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات، يركع الثالثة ثم يسجد، حتى إن رجالاً يومئذ ليغشى عليهم مما قام بهم، حتى إن سجال الماء لتصب عليهم، يقول إذا ركع: الله أكبر، وإذا رفع: سمع الله لمن حمده، حتى تجلت الشمس، ثم قال: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله عز وجل يخوف بهما عباده، فإذا كسفا فافزعوا إلى الصلاة) ]. الكسوف والخسوف قيل: هما بمعنى واحد، وهو: ذهاب ضوء الشمس والقمر كله أو بعضه، وقيل: إن الكسوف يطلق على كسوف الشمس، والخسوف على خسوف القمر، وقد جاء الحديث في إطلاق الكسوف عليهما في قوله [(لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)] فأضاف إلى الشمس والقمر لفظ الكسوف، وذكر أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب صلاة الكسوف] وذكر تحتها حديثاً واحداً، ثم ذكر بعد ذلك عدة أبواب وفيها تفاصيل صلاة الكسوف من ناحية عدد ركعاتها، ومن ناحية الجهر فيها، والصدقة وغير ذلك، وهذه الترجمة التي هي مطلقة وتحتها حديث واحد هي لإثبات صلاة الكسوف، ومشروعية صلاة الكسوف. ثم تأتي بعد ذلك الأبواب التي فيها التفاصيل في صلاة الكسوف من كونها فيها أربعة ركوعات، وفيها جهر بالقراءة، وفيها صدقة، وفيها ركعتان، وهكذا، فهذه الترجمة معقودة لإثبات مشروعية صلاة الكسوف، وأنها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورد في ذلك أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها الذي قال فيه عبيد بن عمير : [حدثني من أصدق وظننته] والذي دون عبيد بن عمير قال: ظننته يريد عائشة أو يقصد أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد جاء في صحيح مسلم الحديث على هذا الوجه وفيه: [من أصدق]. وجاء من طريق أخرى عن عبيد بن عمير عن عائشة بالتنصيص على عائشة التي روى عنها عبيد بن عمير، جاء ذلك في صحيح مسلم ، حيث قال: (عن عبيد بن عمير عن عائشة )، وجاء -كما هو هنا- عن عبيد أنه قال: [أخبرني من أصدق] وقال من دونه: وأحسبه أراد عائشة .
    صفة صلاة الكسوف التي روتها عائشة رضي الله عنها

    قولها: [ كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقام قياماً شديداً ]. أي: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلاها عليه الصلاة والسلام وقام قياماً شديداً، أي: بعد ما كبر و دخل في الصلاة قام قياماً شديداً حيث أطال القيام والقراءة، ثم إنه ركع، ثم قام وقرأ، ثم ركع، ثم قام وقرأ، ثم ركع، فكان في الركعة الواحدة ثلاثة ركوعات وسجدتان. إذاً: فالعدد ركعتان وسجدتان، وإنما الشيء الذي هو جديد ويختلف عما هو معروف في صلاة الكسوف أنه ذكر ثلاثة ركوعات في الركعة الواحدة وفي الركعتين ستة ركوعات مع أربع سجدات في الركعتين، فهذه هي الكيفية التي جاءت في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قولها: [ (قياماً شديدا) ]. أي: طويلاً. قولها: [ (يقوم في الناس، ثم يركع، ثم يقوم) ]. أي: يقوم في الناس هذا القيام الشديد، ثم يقوم فيقرأ ويطيل، ثم يركع، ثم يقوم ويقرأ ويطيل ثم يركع، فتكون ثلاثة ركوعات، ثم يقوم، ثم يسجد سجدتين، ويفعل في الركعة الثانية مثلما فعل في الركعة الأولى، فتكون الصلاة ركعتين فيهما جميعاً ستة ركوعات وأربع سجدات، والركعة الواحدة فيها ثلاثة ركوعات وسجدتان، فهذه هي الصفة التي روتها عائشة رضي الله تعالى عنها.
    صفة صلاة الكسوف في الأحاديث الأخرى

    هذا الحديث وغيره يدل على أن الشمس كسفت وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الكسوف، وأنه قال: [(إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما هما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)] فهذه الكيفية التي جاءت في هذا الحديث هي من جملة الكيفيات التي جاءت، وهي في شأن صلاة واحدة، وكان ذلك يوم مات ابنه إبراهيم، وقد جاءت على أنحاء مختلفة، فبعضها شاذ وبعضها ضعيف، وبعضها ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي ثبتت فيه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف ركعتان كل ركعة فيها ركوعان وسجدتان، فمعنى هذا أن الركعة الواحدة فيها ركوعان وسجدتان، فهذا هو المحفوظ الذي جاء من حديث ابن عباس ومن حديث عبد الله بن عمر ، ومن حديث جابر، وجاء عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق مختلفة، وفي الصحيحين وفي غيرهما أنها ركوعان في كل ركعة، وجاء ركوع واحد في ركعة، وجاء ثلاثة ركوعات في كل ركعة، وجاء أربعة ركوعات في كل ركعة، وجاء خمسة ركوعات في كل ركعة، هذه هي الهيئات التي جاءت، وهي إنما تختلف في الركوعات، وأما السجود فإنه سجدتان لا خلاف فيهما في الروايات كلها، ولكن الخلاف في الركوعات، فقد جاء أنه ركع ركوعاً واحداً، وجاء ركوعان، وجاء ثلاثة ركوعات، وجاء أربعة ركوعات، والثابت المحفوظ في الصحيحين وفي غيرهما أنهما ركوعان، وما سوى ذلك فهو إما شاذ وإما ضعيف، إما شاذ حيث يكون الإسناد صحيحاً، وإما ضعيف حيث يكون الإسناد فيه شيء من الضعف، وعلى هذا فإن الأحاديث جاءت في شأن صلاة واحدة كسفت فيها الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك يوم مات ابنه إبراهيم ، فلم يتعدد الكسوف وإنما كان كسوفاً واحداً، وكل الروايات تحكي صلاةً واحدة، فيكون ما فيه الركوعان هو المحفوظ وما سوى ذلك إما شاذ وإما ضعيف. وهذا الحديث الذي أورده أبو داود عن عائشة الذي معنا في الإسناد هو من قبيل الشاذ؛ لأن الروايات التي فيها الركوعان التي جاءت في الصحيحين وفي غيرها هي المحفوظة، فتكون هي المعتمدة والمعتبرة، وما سواها مما هو صحيح الإسناد يكون شاذاً، وما كان ضعيف الإسناد يكون ضعيفاً. قوله صلى الله عليه وسلم في الشمس والقمر: [(لا ينكسفان لموت أحد)] هذا فيه إبطال لما كان معروفاً في الجاهلية، حيث كانوا يقولون: إن كسوف الشمس والقمر إنما يكون لموت العظماء. فقال عليه الصلاة والسلام: [(إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)] لا لموت عظيم ولا لحياة عظيم [(وإنما هما آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده)] فكونهما يستفيد الناس بضوئهما ويطرأ عليهما هذا التغير يدل على تخويف العباد بذلك، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل يغير حال هذين النيرين المضيئين إلى أن يذهب ضوؤهما بالكلية أو يذهب بعضه، وذلك دال على قدرة الله عز وجل، وفي ذلك تخويف للناس، ولهذا أرشد عليه الصلاة والسلام إلى الفزع إلى الصلاة، وإلى الإتيان إلى الصلاة المشروعة التي ثبتت صفتها وكيفيتها عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا الشيء الذي يخوف الله به عباده بتغيير ضوء الشمس والقمر وتحولهما من الإضاءة إلى ذهابها كلياً أو جزئياً قد علم أنه يمكن أن يعرف بالحساب، كما جاء ذلك عن بعض أهل العلم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن دقيق العيد ، وإن علم ذلك أو أمكن معرفته بالحساب فإن ذلك لا ينافي التخويف،بل على الناس عندما يحصل ذلك أن يهرعوا إلى الصلاة وأن يؤدوا هذه السنة التي شرعها الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صفة صلاة الكسوف

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا إسماعيل بن علية ]. إسماعيل بن علية هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي ، المشهور بابن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد بن عمير ]. عبيد بن عمير قيل: له رؤية، وقيل: مجمع على ثقته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [أخبرني من أصدق] قد جاء في صحيح مسلم أنه عن عائشة، وفي هذا الإسناد قال الراوي: [وظننت أنه يريد عائشة ] وكما ذكرت قد جاء التنصيص على ذلك في رواية في صحيح مسلم ، كما جاءت أيضاً الرواية التي فيها الإبهام أيضاً في صحيح مسلم ، ومن المعلوم أن الراوي إذا قال: (حدثني من أصدق) أو: (حدثني ثقة) فذلك لا يعتبر؛ لأنه قد يكون ثقة عنده وغير ثقة عند غيره، فذلك التوثيق بلفظ الإبهام لا ينفع، ولهذا لو لم يأت في صحيح مسلم التنصيص على عائشة لصار الإشكال قائماً، فيكون صورته صورة مرسل، لكنه قد جاء في رواية أخرى في صحيح مسلم فيها (عن عبيد بن عمير عن عائشة) وفيها ذكر هذا الحديث في كسوف الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ما جاء أن صفة صلاة الكسوف أربع ركعات



    شرح حديث جابر في صفة صلاة الكسوف

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من قال أربع ركعات. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبد الملك حدثني عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في اليوم الذي مات فيه إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: إنما كسفت لموت إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات، كبر، ثم قرأ فأطال القراءة، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فقرأ دون القراءة الأولى، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فقرأ القراءة الثالثة دون القراءة الثانية، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فانحدر للسجود، فسجد سجدتين، ثم قام فركع ثلاث ركعات قبل أن يسجد ليس فيها ركعة إلا التي قبلها أطول من التي بعدها، إلا أن ركوعه نحوٌ من قيامه، قال: ثم تأخر في صلاته فتأخرت الصفوف معه، ثم تقدم فقام في مقامه وتقدم في الصفوف، فقضى الصلاة وقد طلعت الشمس، فقال: يا أيها الناس! إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا ينكسفان لموت بشر، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى تنجلي...) وساق بقية الحديث ].

    شذوذ حديث جابر في صفة صلاة الكسوف

    أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي قوله: [من قال أربع ركعات] يعني أنها أربعة ركوعات، فالمقصود بالركعات الركوعات، وليس المقصود الركعة التي يدخل فيها السجود والقعود والقيام، وإنما المقصود بذلك الركوع، فيطلق على الركوع ركعة، تسمية للبعض باسم الكل، كما أنه يأتي في بعض الروايات (سجدة) ويراد بها الركعة تسميةً للجزء باسم الكل، فيقال للركعة: سجدة، ويقال للركوع: ركعة. فقوله: [من قال أربع ركعات] يعني: أربعة ركوعات، وليس المقصود به الركعات التي فيها قيام وركوع وسجود وجلوس، فهذه يقال للواحدة منها: ركعة، وإنما الركوع الذي هو الانحطاط من القيام حيث يركع، فهذا هو المقصود بقوله: [أربع ركعات] وهذه الترجمة معقودة لبيان الأحاديث التي جاءت في أن صلاة الكسوف تكون أربع ركعات، أي: أربعة ركوعات، ولكنه ذكر غير ذلك، حيث ذكر هذا الحديث الأول الذي هو ستة ركوعات، وذكر بعد ذلك خمسة ركوعات، وأربعة ركوعات، وكذلك ذكر الركوع الواحد، كل ذلك ذكره في هذه الترجمة. وأورد أبو داود رحمه الله أولاً حديث جابر من طريقين: الطريق الأولى هي مشابهة لطريق عائشة السابقة، التي فيها ستة ركوعات في ركعتين. ثم أورد بعد ذلك حديث جابر من طريق أخرى، وفيه مطابقة الترجمة، أي: ركوعان في الركعة الواحدة، وأربعة ركوعات في الركعتين، وهذا هو المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحديث جابر هذا الذي أورده المصنف هنا هو شاذ أيضاً مثل حديث عائشة الذي تقدم، من جهة أن ذلك حكاية لصلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم ، وإنما صلى صلاة واحدة، فالمعتبر هو ما تعددت فيه الطرق وكثر فيه الرواة، فرواية الأوثق تكون هي المحفوظة، ورواية الثقة التي خالف فيها من هو أوثق منه تكون شاذة، فالرواية الأولى لحديث جابر شاذة كرواية حديث عائشة المتقدمة؛ لأنها بمعناها، أي: ستة ركوعات في الركعتين، وفيها أن الناس قالوا: إن الشمس انكسفت لموت إبراهيم، وهذا على المعروف في الجاهلية، وهو أنها تنكسف لموت العظماء، فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس، ولما فرغ قال: [(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)] فالحديث مثل الحديث المتقدم غير ثابت؛ لأنه شاذ ومخالف للروايات الصحيحة التي في الصحيحين وفي غيرهما من أن الركعة الواحدة في صلاة الكسوف التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ركوعان اثنان فقط، وليس ثلاثة ولا أكثر ولا أقل.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر في صفة صلاة الكسوف

    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك ]. هو عبد الملك بن أبي سليمان ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    عرض الجنة والنار على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف


    وفي الحديث أنه قال: (تأخر فتأخر الناس، ثم تقدم فتقدم الناس) وهذا فيه إشارة إلى ما ورد في صحيح مسلم (أن النبي عليه الصلاة والسلام عرضت عليه الجنة والنار وهو يصلي بالناس صلاة الكسوف، فرأى الجنة ورأى عناقيد العنب متدلية، فمد يده ليأخذ عنقوداً ثم إنه ترك، وعرضت عليه النار فتأخر، ولما فرغ قالوا له: إنا رأيناك تقدمت كأنك تريد أن تتناول شيئاً، ورأيناك تأخرت، فقال: عرضت علي الجنة وعرضت علي النار، فحينما رأيتموني تقدمت تقدمت فمددت يدي لآخذ عنقوداً من العنب ثم تركت، قال عليه الصلاة والسلام: ولو أخذت منه لأكلتم ما بقيت الدنيا)، وهذا يدلنا على عظم شأن الجنة، وأن عنقوداً يكفي الناس إلى نهاية الدنيا لو أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله تعالى شاء أن تكون أمور الآخرة غيباً، وأن لا تأتي في الدنيا لأنه لو جاء نعيم الآخرة في الدنيا فأي ميزة للآخرة تكون على الدنيا؟! بل سيكون الغيب علانية، ويكون الغيب شهادة، ولكن الله تعالى شاء أن يكون الغيب غيباً، وأن لا ترى أمور الآخرة إلا في الآخرة، ومن ذلك رؤية الله عز وجل، فإن رؤية الله أكبر نعيم يكون لأهل الجنة، وقد شاء الله عز وجل أن لا يرى في الدنيا بل يرى في الآخرة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) كما جاء في ذلك الحديث في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث فيه إشارة إلى التأخر، وليس فيه إشارة إلى التقدم لأجل التناول، وإنما فيه التأخر ثم الرجوع، ولما تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخر الناس، ولما تقدم تقدم الناس، وكان تأخره وتقدمه من أجل أنه عرضت عليه النار فتأخر، ولما ذهب عرضها تقدم، فتأخر الناس لتأخره، وتقدموا لتقدمه، فهذا فيه إشارة إلى ما ورد في صحيح مسلم من ذكر عرض الجنة والنار عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    شرح حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر)

    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن هشام حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام فصنع نحواً من ذلك، فكان أربع ركعات وأربع سجدات) وساق الحديث ]. أورد أبو داود هنا حديث جابر رضي الله عنه مرة أخرى، وهو مشتمل على أن الركعة الواحدة فيها ركوعان، وهذا هو المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته للكسوف يوم مات ابنه إبراهيم ، فهذه الرواية في حديث جابر رضي الله تعالى عنه وأرضاه فيها بيان عدد الركوعات وأنها ركوعان في كل ركعة، وهذا هو الصحيح المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عن غير جابر من الصحابة، عن ابن عباس وغيره كما سيأتي.

    تراجم رجال إسناد حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر ...)


    قوله: [ حدثنا مؤمل بن هشام ]. مؤمل بن هشام ثقة، أخرج له البخاري ، وأبو داود ، والنسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. إسماعيل هو ابن علية مر ذكره. [ عن هشام ]. هشام هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو الزبير ]. أبو الزبير يروي عنه هشام بن الدستوائي و هشام بن عروة ، وهشام آخر ثالث. وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله ، مر ذكره.

    شرح حديث (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ...)


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب ، ح: وحدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام فكبر وصف الناس وراءه، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلةً هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وهو مثل حديث جابر رضي الله عنه فيه ركوعان في كل ركعة، لهذا قال: [أربع ركعات وأربع سجدات]، أي: أربعة ركوعات، فأطلق على الركوع ركعة، فحديث عائشة رضي الله عنها مثل حديث جابر الذي قبله، وهذا هو المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف يوم مات ابنه إبراهيم ، وفيه التعبير بـ(خسفت الشمس) وهذا يدلنا على أن الخسوف والكسوف يطلق على الشمس والقمر، فيقال للشمس: خسفت وكسفت، وكذلك يقال للقمر، فيطلق الخسوف والكسوف على كل منهما.
    تراجم رجال إسناد حديث (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ...)

    قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح، ثقة، أخرج له مسلم ، وأبو داود والنسائي ، وابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ (ح) وحدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري ، ثقة، أخرج حديثه مسلم ، وأبو داود والنسائي ، وابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب عن يونس ]. ابن وهب مر ذكره، ويونس هو ابن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.

    شرح حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها ركوعان في كل ركعة


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: كان كثير بن عباس رضي الله عنه يحدث أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس، مثل حديث عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى ركعتين، في كل ركعة ركعتين) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل حديث جابر وعائشة المتقدمين، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف ركعتين، في كل ركعة ركوعان، أي: ركوعان، فحديث ابن عباس هو مثل حديث عائشة المتقدم، وعلى هذا فالأحاديث الثلاثة -حديث جابر ، وحديث عائشة ، وحديث ابن عباس - كلها في أن الصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم حيث كسفت الشمس ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها ركوعان

    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح هو المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ، وأبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد الأيلي ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري ، وأبو داود . [ حدثنا يونس عن ابن شهاب ]. يونس هو ابن يزيد الأيلي ، وابن شهاب مر ذكره. [ كان كثير بن عباس ]. هو كثير بن عباس رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي . [ أن عبد الله بن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ...)


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود الرازي أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن أبي جعفر الرازي ، قال أبو داود : وحدثت عن عمر بن شقيق حدثنا أبو جعفر الرازي -وهذا لفظه وهو أتم- عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بهم فقرأ بسورة من الطول، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم قام الثانية فقرأ سورة من الطول، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى انجلى كسوفها). أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس صلى بالناس الكسوف ركعتين، في كل ركعة خمسة ركوعات، أي: عشرة ركوعات في الركعتين، وهذا هو أطول ما أورده أبو داود رحمه الله في عدد الركوعات في صلاة الكسوف، وهو خمسة ركوعات في الركعة الواحدة، وهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية أبي جعفر الرازي ، ولو كان ثابتاً فإنه يكون شاذاً، ولكن الإسناد فيه ضعف.

    تراجم رجال إسناد حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ...)


    قوله: [ حدثنا أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود الرازي ]. أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود الرازي ثقة، أخرج له أبو داود . [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر ]. هو صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. أبوه صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود . [ عن أبي جعفر الرازي ]. أبو جعفر الرازي ، صدوق سيء الحفظ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. قوله: [ قال أبو داود : وحدثت عن عمر بن شقيق ]. هذا فيه انقطاع؛ لأن قوله [حدثت] معناه وجود واسطة، وعمر بن شقيق مقبول أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا أبو جعفر الرازي ، وهذا لفظه وهو أتم ]. أي: لفظ الطريق الثانية التي فيها الانقطاع بين أبي داود وبين عمر بن شقيق ، وهذه الطريق أتم من الطريقة الأولى. [ عن الربيع بن أنس ]. هو صدوق له أوهام، وأخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي العالية ]. أبو العالية هو رفيع بن مهران الرياحي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ]. هو أبي بن كعب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها أربعة ركوعات في كل ركعة


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه صلى في كسوف الشمس، فقرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم سجد، والأخرى مثلها) ]. هذا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفيه أنه جعل في الركعة الواحدة أربعة ركوعات، بحيث قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع حتى صارت أربعة ركوعات في الركعة الواحدة، وفعل في الركعة الثانية مثلها، وهذا الحديث فيه حبيب بن أبي ثابت يروي عن طاوس ، وحبيب بن أبي ثابت مدلس، وقد روى بالعنعنة، ولكن الحديث جاء في صحيح مسلم ، فهو إما شاذٌ وإما ضعيف، غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثابت إنما هو ركوعان في الركعة الواحدة.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها أربعة ركوعات في كل ركعة


    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود والترمذي ، والنسائي . [ حدثنا يحيى عن سفيان ]. يحيى القطان وسفيان الثوري قد مر ذكرهما. [ حدثنا حبيب بن أبي ثابت ]. حبيب بن أبي ثابت ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. وينبغي أن يعلم أن صلاة الكسوف سنة مؤكدة، وإذا قام بعد الركوع الأول فإنه يقرأ الفاتحة، ففي كل قيام يقرأ الفاتحة وسورة.

    شرح حديث سمرة بن جندب في بيان أن صلاة الكسوف ركعتان وفيها ركوعان


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الأسود بن قيس حدثني ثعلبة بن عباد العبدي من أهل البصرة أنه شهد خطبة يوماً لسمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال سمرة (بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا، حتى إذا كانت الشمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين الناظر من الأفق اسودت حتى آضت كأنها تنومة، فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثاً، قال: فدفعنا فإذا هو بارز، فاستقدم فصلى فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتاً، قال: ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً، ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، قال: فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، قال: ثم سلم، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله، وشهد أنه عبده ورسوله..) ثم ساق أحمد بن يونس خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه في بيان صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف، وأنها ركعتان في كل ركعة ركوع واحد. قوله: [ بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا ]. الأغراض هي التي يرمى إليها. قوله: [(وكانت الشمس قيد رمح أو رمحين)] يعني: مضى عليها هذا المقدار. قوله: [ (اسودت حتى آضت، كأنها تنومة)]. يعني: صارت كأنها تنومة، وهو شجر يميل إلى السواد، شجر لونه أغبر يميل إلى السواد، فصارت الشمس كأنها تنومة، يعني: ذهب ضوؤها. قوله: [ (فقال أحدنا لصاحبه انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثاً) ]. يعني: سيحصل منه شيء بهذا الذي حصل لها. قوله: [ (فدفعنا فإذا هو بارز) ] قيل: إن هذا فيه تصحيف، وإنما هي (بأزز)، يعني: إذا به في جمع كثير. فاستقدم صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وقد غص بالناس، فتقدم وصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ركعتين في كل ركعة ركوع واحد. قوله: [ (فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً) ]. هنا قال: [لا نسمع له صوتاً] يعني: كأنه أسر بالقراءة، ولكن ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة أنه جهر بالقراءة، فلعله جاء والناس كثيرون، ولعله كان في آخر الصفوف فلم يسمع القراءة، وإلا فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جهر بالقراءة كما في الصحيحين. قال: [ (ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً، ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، قال: فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، قال: ثم سلم، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله، وأنه عبده ورسوله ..) ثم ساق أحمد بن يونس خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ].
    تراجم رجال إسناد حديث سمرة بن جندب في بيان أن صلاة الكسوف ركعتان وفيها ركوعان

    قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن قيس الكوفي التميمي اليربوعي ، ثقة حافظ، من كبار العاشرة، مات سنة سبع وعشرين. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأسود بن قيس ]. الأسود بن قيس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني ثعلبة بن عباد العبدي ]. ثعلبة بن عباد العبدي مقبول، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد) وأصحاب السنن الأربعة. [ عن سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث قبيصة الهلالي في صلاة الكسوف


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة الهلالي رضي الله عنه قال: ( كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فزعاً يجر ثوبه، وأنا معه يومئذ بالمدينة، فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام، ثم انصرف وانجلت، فقال: إنما هذه الآيات يخوف الله بها، فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف، فصلى ركعتين أطال فيهما القراء)، وما ذكر عدد الركوعات، وإنما قال: [ (فصلى ركعتين)] فتكون هذه الرواية مخالفة للروايات التي فيها الركوعان وهي محفوظة، وإن كان فيها إجمال وليس فيها تفصيل فمحتمل، لكن المتبادر من قوله [(صلى ركعتين)] أنها كالصلوات المعتادة التي فيها ركوع واحد وسجدتان، فتكون شبيهة بالرواية التي سبق أن مرت أنه صلى صلاة ركع فيها ركوعاً واحداً، وسجد سجدتين. قوله: [ (إنما هذه الآيات يخوف الله بها، فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة) ]. معناه أن الناس يصلون صلاة تشبه صلاة الفرد السابقة، وهذا مخالف للروايات الأخرى الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة صلاة الكسوف، والحديث تكلم فيه، وضعفه الألباني ، ولعل ذلك من أجل أبي قلابة، لكونه مدلساً ويرسل، وهنا روى بالعنعنة، ثم إن هذه تخالف الروايات السابقة الثابتة في صفة صلاة الكسوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث قبيصة الهلالي في صلاة الكسوف

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ]. هو وهيب بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. أبو قلابة هو: عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن قبيصة الهلالي ]. قبيصة الهلالي هو قبيصة بن مخارق رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم، و أبو داود، و النسائي .
    إسناد آخر لحديث قبيصة في الكسوف وتراجم رجاله

    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا ريحان بن سعيد حدثنا عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن هلال بن عامر أن قبيصة الهلالي رضي الله عنه حدثه أن الشمس كسفت، بمعنى حديث موسى ، قال: حتى بدت النجوم ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه زيادة على ما تقدم، وهي قوله [(حتى بدت النجوم)] يعني: من شدة الظلام ظهرت النجوم في النهار، فالناس رأوا النجوم في النهار لأن الشمس ذهب ضوؤها. قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثقة، أخرج حديثه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة . [ حدثنا ريحان بن سعيد ]. ريحان بن سعيد ، صدوق، وربما أخطأ، أخرج له أبو داود ، و النسائي . [ حدثنا عباد بن منصور ]. عباد بن منصور صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن. [ عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن هلال بن عامر ]. أيوب ، مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن قبيصة الهلالي ]. قبيصة الهلالي رضي الله عنه مر ذكره."



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •