تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: شغل الدعوة كثير!

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي شغل الدعوة كثير!



    شغل الدعوة كثير! (1)









    كتبه/ أحمد شهاب

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فـ"الشغل الدعوي كثير!"، "العاملون في الدعوة مستهلكون!"، "العمل للدين ثقيل!"، "الواجبات أكثر من الأوقات".

    على سبيل الشكوى قد تخرج بعض تلك الكلمات وأشباهها من بعض العاملين في الحقل الدعوي بقصد أو بدون قصد، ولا مانع من بعضها كتوصيف للواقع لمصلحة ما، بل ولا ملامة على الشعور بالثقل الحاصل بالفطرة والجبلة الإنسانية، بل قد يكون منها ما هو نابع من حب انتشار الخير والحرص على هداية الخلق وحمل هم الإصلاح والتغيير، لكن في نفس الوقت قد يصل الأمر إلى مدخل للكسل والإحباط، بل والأخطر أن يصل إلى التأثير بالسلب على الرضا بالقدر؛ لذا علينا أن نوجِّه لهؤلاء الأفاضل بعضًا من خطاب الوحي في مثل تلك الأحوال -سائلين الله أن يجعلنا من المصلحين بفضله ومنه وكرمه-.

    فإلى مَن شرَّفه الله بالعمل للإسلام وخدمة الدين، وأن يكون من جند الرحمن، أهمس في إيجاز بتلك الكلمات، في سبع رسائل مختصرات.

    1- (*وَلَوْ *شِئْنَا *لَبَعَثْنَا *فِي *كُلِّ *قَرْيَةٍ *نَذِيرًا):

    قد يتمنى الدعاة أن لو شاركهم عدد أكبر في حمل الهم لتخفيف العبء، ولو شاء الله لكان، بل لو شاء لآتى كل نفس هداها؛ ولو بلا دعاة أصلًا، لكن ثَمَّ أجور كبرى لا تنال إلا في تلك الأجواء، وتحت وطأة تلك الأثقال والأحمال.

    فتأمل مليًّا كلمات شيخ المفسرين ابن جرير الطبري -رحمه الله- في تفسير قوله -تعالى-: (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا . فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) (الفرقان: 51، 52)؛ قال: "يقول -تعالى ذكره-: ولو شئنا يا محمد لأرسلنا في كلِّ مصر ومدينة نذيرًا ينذرهم بأسنا على كفرهم بنا، فيخف عنك كثيرًا من أعباء ما حملناك منه، ويسقط عنك بذلك مؤنة عظيمة، ولكنا حملناك ثقل نذارة جميع القرى، لتستوجب بصبرك عليه إن صبرت ما أعدَّ الله لك من الكرامة عنده، والمنازل الرفيعة قِبَله، فلا تطع الكافرين فيما يدعونك إليه... ولكن جاهدهم بهذا القرآن جهادًا كبيرًا".

    2- (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا):

    وهي استحضار معنى الجهاد في عملك الدعوي، فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون.

    فهل يليق بالمجاهد أن يشتكي متذمِّرًا من حرِّ الصيف أو برد الشتاء؟!

    وهل يليق بمن لبس لَأْمَة الحرب أن يستثقل القيام؟!


    وهل يليق ممن باع النفس والمال أن يقيل أو يستقيل؟!

    3- لذا أيها الداعية المجاهد تأتيك الرسالة الثالثة: (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ):

    قد تميل النفوس إلى غير ذات الشوكة ويأبى الله إلا (*أَنْ *يُحِقَّ *الْحَقَّ *بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ . لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (الأنفال: 7، 8).

    إن الميل إلى الخيار الأسهل والأكثر راحة مع ظهور المصلحة الأكبر للدين فيما يقابله من الخيارات نقص في المؤمن عن مراتب الكمال، بل فوِّض أمرك لله، وانشغل بواجب الوقت على أي حال.

    وللحديث بقية -إن شاء الله-.




  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: شغل الدعوة كثير!



    شغل الدعوة كثير! (2)









    كتبه/ أحمد شهاب

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فنستكمل في هذا المقال رسائلنا إلى الدعاة إلى الله:

    4- تأمل لآلئ القرآن في الرسالة الرابعة: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء: 19)، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216).

    فاستحضار معاني الإيمان بالقضاء والقدر مفتاح للخير، والتأمل في أفعال الله وحكمته الباهرة مجلاة للبصر؛ دع عنك تمني أن لو كانت الأحوال مختلفة، وانشغل بالأحب إلى الله في تلك الأحوال علمًا وعملًا.

    فهل تعلم الخير لك ولغيرك في الحال والمآل حتى تتمناه بعينه؟! (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود: 123).

    آمن بالقدر واعمل بالشرع.. استسلم لقول الملِك: "كُن"، واعمل بأمره: "قم"؛ فتُدافع الباطل مع التنعم بنعيم الرضا بقضاء الله وقدره متأملا في الحِكَم الباهرة للحكيم الحميد.

    واصبر: فالصبر سلاح ماضٍ، واستعن على صبرك بعبادة الله، والقرب منه -سبحانه-؛ فهو نعم المولى ونعم النصير؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 153)، (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة: 45)، (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) (غافر: 55)، (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ . وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) (ق: 39، 40).

    وهذه هي الرسالة الخامسة: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا) (المعارج: 5)؛ صبرًا بلا تضجر، وبلا شكوى، وبلا انقطاع.

    صبرًا؛ لله إخلاصًا، وبالله استعانة، ومع الله موافقة لأحكامه وشرعه.

    صبرًا إلى آخر نَفَس في الحياة.

    صبرًا حتى لقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- على الحوض؛ لذلك كانت الآية التالية بعد الأمر بالصبر: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا . وَنَرَاهُ قَرِيبًا) (المعارج: 6، 7)؛ فأعظم مُعِين على عقبات الطريق: عمق الإيمان بالله واليوم الآخر.

    لذا فالرسالة السادسة هي: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (العنكبوت: 5، 6).

    إذا كانت الغاية الآخرة، فما يضرك ما دمتَ قائمًا بواجب الوقت؟

    إذا كان الموعد لقاء الله فانشغل بمراضيه حتى تلقاه فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ، (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (المدثر: 7).

    وتأمل ختام الآية باسمي: السميع العليم ليطمئن قلبك؛ يطمئن أن الله حافظه وناصره ومؤيده، وحافظ عمله ومضاعفه له؛ فهو لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

    فالعمل للدين مشروع لا يعرف الخسارة؛ (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ . وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (التوبة: 120، 121)، (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (الأعراف: 170)؛ فأدِّ ما عليك ولا عليك، ولا تفرط في المتاح فتحرمه، بل اعمل بالمتاح يفتح الله لك غير المتاح.

    ثم السابعة: (*فَبِهُدَاهُمُ *اقْتَدِهْ) (الأنعام: 90)، فمهما كان الواقع صعبًا والمعين قليلًا؛ ففي الأنبياء أسوة وقدوة، فمتى لم تجد على الحق معيناً فصاحب سير الأولين، وتأسَّ بالأنبياء والصالحين، فلك (فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ) (يوسف: 111)، (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) (هود: 120)؛ فأقبل على أحسن القصص متعلمًا متأسيًا، معتبرًا مقتديًا متأدبًا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.


    وأبشر وأحسن الظن بربك؛ فأنت تتعامل مع رب شكور كريم، والعاقبة للمتقين، فمع عظيم الأجر في دار النعيم، أبشر بأخرى (تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف: 13).

    وختامًا: فالقرآن لا تفنى عجائبه، ولن نحيط برسائله، لكن نقتصر منها بالإشارة إلى ما سبق، والقصد لفت انتباه، وفتح باب فاجعل القرآن قائدك ومرشدك ودليلك، وليكن رفيق دربك، فاتخذه صديقًا في رحلتك الدعوية؛ فهو الصراط المستقيم، فاقصد البحر وخلِّ القنوات.

    وإن كان من ختام فبكلمة واحدة: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ).

    والحمد لله رب العالمين.




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •