من شروح العلماء لباب عشرة النساء من كتاب بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فقد جاءت نصوص الكتاب والسنة بالأمر والحثّ على حسن العشرة بين الزوجين, لما في ذلك من أثر بالغ في استمرار الحياة الزوجية في سعادة ووئام وانسجام. لأن فقد العشرة بالمعروف بين الزوجين يؤدي إلى كثرة المشاكل والخلاف, وقد ينتهي الأمر بالفراق والطلاق, والأرقام التي تعلنها الجهات المختصة كل عام: تبين كثرة حالات الطلاق في المجتمع, وازديادها عامًا بعد عام, مما ينذر بخطر عظيم يهدد تماسك المجتمع وبنيانه.
إن من أسباب الوقاية من وقوع الشقاق بين الزوجين الذي قد ينتهي بالطلاق المعاشرة الطيبة بين الزوجين, والصبر والتحمل والإيثار, واحتساب الأجر من الله.
وللعشرة بالمعروف بين الزوجين أسباب كثيرة, من أهمها بعد توفيق الله عز وجل أن يعرفا هدى النبي عليه الصلاة والسلام في معاملته لزوجاته, والاقتداء والتأسي به, فقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة, جمعها العلماء في مصنفاتهم, ومن تلك المصنفات كتاب " بلوغ المرام " للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله, حيث ذكر مجموعة من تلك الأحاديث في كتاب النكاح, وقد شرح كتابه عدد من العلماء, منهم: العلامة المغربي, والعلامة الصنعاني, والعلامة العثيمين, والشيخ عبدالله البسام, والشيخ صفي الرحمن المباركفوري رحمهم الله جميعًا, والشيخ عبدالعزيز الراجحي, وغيرهم
وقد يسر الله الكريم فانتقيت بعض الفوائد من شروحهم وتعليقاتهم على باب "عشرة النساء " من كتاب النكاح, أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع, وأن تكون معينًا للزوجين على العشرة الطيبة بينهما واستمرار الحياة الزوجية في وفاق ووئام وراحة بال
العشرة بين الزوجين:
& قال العلامة الحسين المغربي, رحمه الله: حسن ملاطفة النساء والإحسان إليهن... وأن لا يطمع الزوج في سلامة حالهن...وعلى الزوجة أن تساعد الزوج وتطلب مرضاته
& قال العلامة العثيمين, رحمه الله: المعاشرة بالمعروف توجب الألفة, ودوام الارتباط بين المتعاشرين, أما إذا نبأ كل واحد منهما عن المعاشرة بالمعروف فإن الأمر سيكون خطيرًا, وسوف تحدث الفرقة ولا بد, إلا أن يريد الله عز وجل الإصلاح بينهما.
& قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام رحمه الله: العشرة...ما يكون بين الزوجين من الألفة, والوئام, والمحبة, وحسن الصحبة, والعشرة, جاء الحث عليها, والأمر بها, والترغيب فيها بنصوص الكتاب, والسنة, ونصائح المصلحين...فليزم كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف فلا يمطله حقه ولا يتكره لبذله, ولا يتبعه أذى ومنة.
وقال رحمه الله: الله تعالى من رحمته ولطفه بخلقه يوصى ويحث على العناية والرعاية بالجنس الصغير والضعيف من خلقه...وهذه المرأة الضعيفة الأسيرة في بيت زوجها يوصى بها تعالى فيقول: {﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾} [النساء/19] وقال سبحانه تعالى: ﴿ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ﴾ [البقرة/228] وقال صلى الله عليه وسلم: (( « خيركم, خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي» ))
عوج الزوجة:
& قال العلامة المغربي, رحمه الله الصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن
& قال العلامة الصنعاني رحمه الله: الوصية بالنساء, والاحتمال لهن, والصبر على عوج أخلاقهن, وأنه لا سبيل إلى إصلاح أخلاقهن, بل لا بد من العوج فيها, وأنه من أصل الخلقة.
& قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ينبغي للرجل أن يصبر على عوج المرأة فإذا غَضِبَت رَخيتُ وإذا لاقتني بوجه مكفهر أُلاقيها بوجه منبسط لأنك لو قابلتها بمثل ما تعاملك به طال الشجار والنزاع والدعاء والشتم حتى يخرج الإنسان عن طوره, ثم ربما يطلق.
& قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام رحمه الله: لما وصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء ذكر (( إ «نهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه» )) وهذا بيان لطبيعة النساء وخلقهن, وهو تمهيد للأمر باحتمالهن, والصبر عليهن, ولذا قال: (( « فإن ذهبت تقيمه كسرته, وكسرها طلاقها, وإن استمتعت بها استمتعت على عوج, فاستوصوا بالنساء خيرًا » )) فهذا الوصف الرائع, والتصوير البارع, والوصية الكريمة منه صلى الله عليه وسلم يحدد موقف الرجل من زوجته, فيسلك معها سبيل الحكمة, والرحمة, والبر والإحسان.
& قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله: في الحديث حث على حسن المعاشرة مع النساء, وحضّ على مداراتهن ومسامحتهن, واحتمال بعض ما يصدر منهن من البوادر وعوج الأخلاق, فإن ذلك من طباعهن.
& قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: المرأة لا تستقيم في كل شيء بل لا بد أن يكون فيها اعوجاج...ومن أراد أن تستقيم له المرأة في كل حال فإنه لا يستطيع إقامتها إلا بطلاقها, وأن عليه أن يصبر على اعوجاجها, لما يرى فيها من الأخلاق الأخرى, التي يرضاها, مع نصيحتها, والرفق بها ما دامت مؤمنة.
ظهور كل من الزوجين أمام الآخر بمظهر جميل:
& قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام رحمه الله: إن كلا من الزوجين إذا رأى من الآخر ما يسره, ويمتع نفسه, تزداد رغبته, وتنمي محبته, فتطول الحياة الزوجية بسعادة وهناء, وملاحظة ظهور المرأة أمام زوجها بالمظهر الجميل الذي يحبه منها, ويرغبه فيها, ويقنع بها عن غيرها مما حرم الله تعالى عليه.
التجسس على الزوجة:
& قال العلامة الحسين المغربي, رحمه الله: يؤخذ من الحديث الإغضاء عن تتبع عثرات الأهل, ومحبة الستر مهما أمكن قبل أن يطلع على ما لا يرضاه الشرع.
& قال العلامة الصنعاني رحمه الله: الحثّ على البعد عن تتبع عورات الأهل...وعدم التعرض لما يوجب سوء الظن بالأهل.
& قال العلامة العثيمين رحمه الله: ما يفعله بعض الناس من التجسس على أهله, ويكون فيه وسواس وشكوك, فتجده يتجسس على أهله...فإن هذا لا يجوز, لأنه منهي عنه بنص القرآن {﴿ ولا تجسسوا ﴾} [الحجرات:12]
لو كان هناك قرائن قوية تبعث على الريبة فحينئذ لا حرج على الإنسان أن يتجسس حتى ينظر هل هذه القرائن صحيحة أو غير صحيحة أما بدون قرائن بل لمجرد وهم وتخيّل فإن هذا لا يجوز.
تقبيح الزوجة:
& قال العلامة الحسين المغربي, رحمه الله: ( لا تقبح ) أي: لا تسمعها المكروه, ولا تشتمها, بأن يقول: قبحك الله, وما أشبهه من الكلام.
& قال العلامة العثيمينلا تقبح) يعني: لا تقبح المرأة أي: لا تصفها بالقبح وظاهر الحديث لا تصفها بالقبح الخِلقي أو الخُلُقي, مثل أن يصفها بعيب في وجهها, في عينها, في أنفها,...والخُلُق ي مثل أن يقول: أنت حمقاء, أنت مجنونة, وما أشبه ذلك. لا تقبح, لأن هذا التقبيح سيؤثر ولو على المدى البعيد على نفسيتها, وسيذكّرُها الشيطان هذا التقبيح دائمًا.
هجر الزوجة:
& قال العلامة الحسين المغربي, رحمه الله: (( «ولا تهجر إلا في البيت» )) المراد أنه إذا رابه منها أمر معرة للغضب, وأراد التأديب لها بالهجر, فيهجرها في المضجع, ولا يتحول عنها إلى دار أخرى, أو يحولها إليها, والله أعلم.
& قال الإمام الصنعاني رحمه الله: قيل: يضاجعها ويوليها ظهره, وقيل: يترك جماعها.
& قال العلامة العثيمين رحمه الله: قوله: (( «ولا تهجر إلا في البيت» )) يعني لا تهجر زوجتك, فتخرجها من البيت, أو تهجرها فتطردها من البيت, فإن أردت أن تهجر فاهجر في البيت....لكن لا يجوز إلا لسبب.
والهجر يكون في الكلام, لكنه محدد بثلاثة أيام. فإن قال: الهجر بالثلاث لا يكفى, نقول: لا يوجد مشكلة, إذا تم ثلاثة أيام فادخل عليها, وقل: السلام عليكم, وكلما مضت ثلاثة أيام سلّم عليها ويزول الهجر.
والهجر بالطعام...إذا كان من عادتك أنك تتغدى مع أهلك فاهجرهم تأديبًا لهم.
والهجر في المنام وله أنواع كثيرة, منها: ترك الجماع والمداعبة وما أشبه ذلك, ومنها: أن تلقيها ظهرك عند النوم, ومنها: أن تجعل لها فراشًا خاصًا ولها فراشًا خاصًا, ومنها: أن تجعل لك غرفة ولها غرفة.
والهجر...أنواعه كثيرة, وجملتها ثلاثة: الكلام, والطعام, والمنام, ويمكن أن نقول: إن الهجر إخلاف عادته, فإذا كانت عادته معها طيبة, ويمزح مثلًا معها كثيرًا وما أشبه ذلك, فقد يكون من الهجر أن يهجر هذه الخصلة.
& قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله: إذا أردت تأديبها وإظهار الغضب عليها, فلا تخرج أنت من البيت ولا تخرجها, بل اهجرها في البيت...لأنه ألطف في الزجر, وأسرع في عودة حال الصلاح والسرور, وأبعد من إغراء الشيطان وتسويله الوساوس.
امتناع الزوجة من دعوة الزوج إلى فراشه:
& قال العلامة الحسين المغربي, رحمه الله: صبر الرجل على ترك الجماع أقل من المرأة, ومنع ذلك منه على وجود داعيه مشوش على الرجل.
& قال الإمام الصنعاني رحمه الله: زاد البخاري في روايته (( فبات غضبان عليها )) أي: زوجها, وقيل: هذه الزيادة يتجه وقوع اللعن عليها لأنها حينئذ يتحقق ثبوت معصيتها, بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك, فإنها لا تستحق ذلك.
& قال العلامة العثيمين رحمه الله: تخلف المرأة عن إجابة دعوة الزوج إلى فراشه من كبائر الذنوب, وذلك لأنه رتب عليه عقوبة, وهي لعنة الملائكة لها, أو سخط الله عليها, وهذه العقوبة خاصة بما إذا رفضت إجابة الزوج للاستمتاع والجماع...وهذا مشروط بما إذا بات الرجل غضبان, أما إن استرضته فرضى, فإن هذه العقوبة تزول, يؤخذ هذا من قوله: (( فبات غضبان ))
& قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: يجب على المرأة إجابة زوجها إذا دعاها إلى فراشه.
الجماع:
& قال العلامة الحسين المغربي, رحمه الله: كراهة مباشرة الرجل امرأته في الحال التي هي فيها غير متنظفة...
& قال الإمام الصنعاني رحمه الله: تحريم إفشاء الرجل ما يقع بينه وبين امرأته من أمور الوقاع, ووصف تفاصيل ذلك, وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل و نحوه.
إتيان المرأة في دبرها:
& قال العلامة العثيمين رحمه الله: من أتى امرأة في دبرها فإن الله لا ينظر إليه...ومن عُرف بهذا الفعل, وكان يفعله باستمرار, فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يجب أن يفرق بينه وبين امرأته, لأن هذه معصية, ولا تجوز المعاشرة منهما على هذا الوجه.
& قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام رحمه الله: للمرأة حق على الزوج في الوطء, والوطء في دبرها يفوتها حقها, ولا يقضى وطرها, ولا يحصل مقصودها.
& قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله: لا يحل الاتيان في دبرهن, لأن الحرث هو القبل, وذلك لأن المطلوب من الحرث نبات الزرع, فكذلك المطلوب من النساء توالد النسل, وهذا لا يكون إلا في القبل...فليتنبه.
& قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: وطء المرأة في دبرها من كبائر الذنوب, لأن اللعن لا يكون إلا كبيرة, بل هو اللوطية الصغرى...واتيان المرأة في الدبر ينافي العشرة.
غيرة الزوجة من أم الزوج:
& قال العلامة العثيمين: بعض النساء عندها غيرة عظيمة حتى إذا رأته يُكرم أمه جعلت الأم بمنزلة الضرة, وصارت تكره الأم, وتسبها عنده, فمثل هذه أعاملها بقدر عقلها, وأطمئنها, وأقول لها: هذا شيء ما ينبغي أن تضعي نفسك فيه, ويستمتع بها على عوج, وإلا فسوف يفقدها.
الطلاق:
& قال العلامة الحسين المغربي, رحمه الله: لا ينبغي المسارعة بإيقاع الطلاق, تبرمًا من الخلق الذي فيه اعوجاج, فإن ذلك لازم بجميع هذا النوع, والله أعلم.
& & قال العلامة العثيمين, رحمه الله: شدة الطلاق على المرأة, لقوله صلى الله عليه وسلم: (( وكسرها طلاقها )) وصدق النبي صلى الله عليه وسلم, فإن طلاق المرأة _ لا شك _ كسر لها.
& قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام رحمه الله: تشبيه الطلاق بكسر العظم تشبيه بليغ جدًا, ففيهما شبه كثير من حيث الإيلام, وصعوبة جبره وعلاجه, ومن أجل أنه يعود على غير خلقته الأولى.
وختامًا فالكلمة الطيبة, شيء يسير سهل, لكن لها أثرها الحسن على الزوجة, فلا ينبغي للزوج العاقل أن يغفل عن ذلك, يقول العلامة العثيمين رحمه الله: الإنسان العاقل يستطيع أن يرضى المرأة, لأن المرأة ترضى بكل كلمة, فكل كلمة _ ولا سيما من الزوج _ ترضيها, وكل كلمة تغضبها.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ