رسالة سنة الجمعة بين السنة والبدعة
قال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8].
(الإنصاف يؤلّف القلوب)
المقدمة
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد، وآله وصحبه، وبعد:
كثر الكلام بين الناس وطلبة العلم والمشايخ عن حكم صلاة السنة القبلية لصلاة الجمعة فمنهم من يجوز ومنهم من يحرم ووصل الخلاف الى التفسيق والتبديع كل فريق يُفسق ويٌبدع المخالف وهذه المسألة من المسائل الخلافية ،
وفي هذه الرسالة الصغيرة سأحاول ان أخرج بنتيجة قطعية واضحة مبنية على الدليل بعد عرض ادلة الفريقين ,
ولكن قبل الشروع بالموضوع هنالك مصطلحات يجب بيانها :
السنن الرواتب : السنن الرواتب هي الصلوات المسنونات التابعة للصلوات الخمس المفروضات ركعتان أو أربع تُصَلَّى في أوقات محددة، إما قبل الفريضة أوبعدها. ومنها ما هو سنة مؤكدة ومنها ماهو مسنون بدليل شرعي، لكنه في رتبة أقل من المؤكد..
السنة المؤكدة : فهي كما قال عنها ابن عابدين نقلاً عن البحر: (ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم. لكن إن كانت لا مع الترك، فهي دليل السنة المؤكدة، وإن كانت مع الترك أحياناً، فهي دليل غير المؤكدة). انظر رد المحتار 1/221.
الفريق الاول: القائلين بمشروعية السنة القبلية الفريق الثاني: القائلين بعدم مشروعية السنة القبلية حديث ﺟﺎﺑﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس، فقال له: يا سليك قم فاركع ركعتين، وتجوز فيهما، ثم قال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب، فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما. صحيح مسلم
ﺭﻭﺍى ﺃﺑﻮ ﺩﺍﻭﺩ ﻭﺍﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﺤﻪ ﻋﻦ ﻧﺎﻓﻊ ﻗﺎﻝ ﻛﺎﻥ ﺍﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﻄﻴﻞ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭﻳﺼﻠﻲ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺭﻛﻌﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﻭﻳﺤﺪﺙ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ .
ﻣﺎ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﻴﻦ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﻐﻔﻞ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ : ( ﺑﻴﻦ ﻛﻞ ﺃﺫﺍﻧﻴﻦ ﺻﻼﺓ )
ﻣﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﺍﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﺤﻪ ﻭﺍﻟﺪﺍﺭﻗﻄﻨﻲ ﻓﻲ ﺳﻨﻨﻪ ﻭﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ ﻗﺎﻝ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : (ﻣﺎ ﻣﻦ ﺻﻼﺓ ﻣﻔﺮﻭﺿﺔ ﺇﻻ ﻭﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻬﺎ ﺭﻛﻌﺘﻴﻦ)
ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺴﻠﻤﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ : ( ﻛﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﺼﻠﻲ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﺃﺭﺑﻌﺎً، ﻭﺑﻌﺪﻫﺎ ﺃﺭﺑﻌﺎً، ﺣﺘﻰ ﺟﺎﺀﻧﺎ ﻋﻠﻲٌّ ﻓﺄﻣﺮﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﺼﻠﻲ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺭﻛﻌﺘﻴﻦ ﺛﻢ ﺃﺭﺑﻌﺎً ) .
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة، قالها ثلاثاً، وقال في الثالثة لمن شاء) رواه البخاري
عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما مرفوعاً: (ما من صلاة مفروضة إلا بين يديها ركعتان) رواه ابن حبان في صحيحه رقم: (2488)
عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك) سنن البيهقي (2 /349)، وصحيح ابن حبان (6/220)1. عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من اغتسل يوم الجمعة، وتطهر بما استطاع من طهر، ثم ادهن أو مس من طيب، ثم راح فلم يفرق بين اثنين، فصلى ما كتب له، ثم إذا خرج الإمام أنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى )) رواه البخاري (910).
2. عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر، وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العشاء، وسجدتين بعد الجمعة) رواه البخاري (1172)، ومسلم (729).
3.كان رسول الله يخرج من بيته يوم الجمعة ، فيصعد منبره ، ثم يؤذن المؤذن ، فإذا فرغ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته . ولو كان للجمعة سنة قبلها ، لأخبرهم عليه السلام بذلك وأرشدهم إلى فِعْلها بعد الأذان ، وفعلها هو . ولم يكن في زمن النبي غير الأذان بين يدي الخطيب .
4.قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً ) رواه مسلم (الجمعة/881) ، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد الجمعة في بيته.
بعد ان ذكرنا ادلة الذين يقولون بمشروعية السنة القبلية لصلاة الجمعة وايضا ذكرنا ادلة الذين يقولون بعدم المشروعية علينا الان ان نرجع الي العلماء والائمة الربانيين حيث امرنا الله سبحانه وتعالى بالرجوع إليهم حيث قال عز وجل :{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}(النحل:43)
الفريق الاول: القائلين بمشروعية السنة القبلية
عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما مرفوعاً: (ما من صلاة مفروضة إلا بين يديها ركعتان) رواه ابن حبان في صحيحه رقم: (2488)
وهاتان الركعتان سنّة راتبة للفريضة، فالحديث يدلّ بعمومه على مشروعية صلاة ركعتين سنّة قبل صلاة فريضة الجمعة. وليس هناك مخصص لهذا العموم، ولا يقال إنَّه مخصّص بغير الجمعة لأنَّ النبيّ عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام كان إذا خرج لم يصلّهما قبل أنْ يرقى المنبر، لأنَّ العام لا يخصصه إلّا منع خاص مِنْ صلاة ركعتين أو أربع بعد الزوال قبل الأذان للخطبة، ولم يوجد ذلك.
وقال ابن حجر رحمه الله: "وأقوى ما يتمسك به من مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم ما صححه ابن حبان من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعاً: (ما من صلاة مفروضة إلا بين يديها ركعتان) فتح الباري (3 /351).
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال: أصليت يا فلان، قال: لا، قال: قم فاركع ركعتين) رواه البخاري رقم: (888)، ومسلم رقم: (875).
وجاء هذا الحديث مفسراً في رواية ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء سُليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصليت ركعتين قبل أن تجيء، قال لا، قال: فصلِّ ركعتين وتجوز فيهما)
ووجه الدلالة في هذه الرواية أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قبل أن تجيء) يدل على أن الركعتين سنة الجمعة القبلية، وليستا سنة تحية المسجد.
قال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/ 355، ط. دار ابن القيم): [وقوله: «قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ» يدل على أن هاتين الركعتين سنةٌ للجمعة قبلَها، وليس تحيةً للمسجد] اهـ.
واعترض عليه الشيخ تقي الدين ابن تيمية والحافظ المزي -وتابعهما ابن القيم وغيره- بأن هذه الرواية تصحيفٌ من رواية «قَبْلَ أن تجلس»، وأجاب عن ذلك الإمام ابن الملقن الشافعي في رسالته في "الكلام على سنةِ الجُمُعةِ قبلها وبعدها" (ص: 37-38، ط. حلب)؛ فقال: [لا شكَّ في بُعد هذا عن التصحيف؛ فالنُّسَخُ المتقنة: «قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ»، وكذلك وقع في سمعنا، وهي زيادة من ثقة، من غير معارضة لِمَا في الصحيح فتُقْبَل، وقد أفصح بما قلناه الشيخ مجد الدين بن تيمية] اهـ.
وقال العلامة محمد أنور شاه الكشميري في "فيض الباري على صحيح البخاري" (2/ 443، ط. دار الكتب العلمية): [كيف يُحْكم عليه بالتَّصْحِيف مع أن الإِمام الأَوْزاعي وإِسحاق بن رَاهُويه رحمهما الله تعالى بَنَيا عليه مذهبهما، فذهبا إلى أَنه يصليهما في البيت وإلا ففي المسجد، وإن دخَل الإِمام في الخطبة، وقد مرَّ معنا أن الحديث إذا ظهر به العملُ انقطع عنه الجدل] اهـ.
روى الإمام أبو الحسن الخِلَعي رحمه الله سبحانه في فوائده بإسناد جيد عن سيّدنا علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه:-
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا).
وزاد في رواية:(— يَجْعَلُ التَّسْلِيمَ فِي آخِرِهِنَّ رَكْعَةً) الإمام الطبراني رحمه الله.قال الحافظ ولي الدين العراقي رحمه الله في طرح التثريب:-(إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ).
وكذلك قال المحدّث المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير، فهذا حديث فيه تصريح بسنة الجمعة القبلية.
وأيضا استدلوا بما روي مِنَ الآثار عن السلف رضي الله عزّ وجلّ عنهم وعنكم، ومنها ما روى الإمام عبد الرزاق رحمه الربُّ الرزاق تعالى وتقدّس في المصنَّف بسند صحيح عن سيّدنا ابن مسعود رضي الله تعالى عنه:-
(كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الجُمُعَةِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا). وكان يأمر الناس ويعلِّمهم ذلك.
لا يقال: إنَّ هذا نفل مطلق لا سنّة راتبة للجمعة، فالنفل المطلق يرغب فيه ترغيبا عاما ولا يحتَم ولا يؤمر به أمر إرشاد بهذه العناية، وهذا التأكيد مِن سيّدنا ابن مسعود رضي الله تعالى عنه له حكم المرفوع، لأنَّ الظاهر أنّه قد ثبت عنده فيه شيء مِنْ سيّدنا رسول الله صلَّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه، وإلا لما أمر به.
وذكر الإمام الزيلعي رحمه الله:-(أَنَّ ابْنَ سَعْدٍ رَوَى فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ صَافِيَةَ، قَالَتْ: رَأَيْت صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ رضي الله عنها، صَلَّتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْجُمُعَةِ، ثُمَّ صَلَّتْ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ) نصب الراية (2/207).
وذكره الإمام ابن حجر رحمه الله في الفتح، والسيدة صفية رضي الله تعالى عنها زوج النبيّ صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم والغالب أنّها رأته يفعل ذلك قبل خروجه إلى المسجد.
وروى الإمام بن قدامة رحمه الله:-(كُنَّا نَكُونُ مَعَ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فِي الْجُمُعَةِ، فَيَقُولُ: أَزَالَتْ الشَّمْسُ بَعْدُ؟ وَيَلْتَفِتُ وَيَنْظُرُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، صَلَّى الْأَرْبَعَ الَّتِي قَبْلَ الْجُمُعَةِ) المغني (2/270).
وسيّدنا حبيب رحمه الله تعالى مِنْ ثقات التابعين وأعلامهم حديثا وفقها.
وروى الإمام ابن أبي شيبة رحمه الله:-(عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَهَا أَرْبَعًا).
وسيّدنا إبراهيم النخعي رحمه الله مِنْ أجلِّ فقهاء التابعين وهو أجلُّ مَنْ أخذ عن أصحاب سيّدنا ابن مسعود رحمه الله لا ينقل عن واحد بل ينقل نقلا عاما، وروى أيضا:-(عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ).
وروى أيضا:- (عَنْ طَاوُوْسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَأْتِي الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، حَتَّى يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ).
عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ» متفق عليه. وذكر الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/10، ط. دار الفكر): أن هذا الحديث هو العمدة في مشروعية سنة الجمعة القبلية.
قال الإمام ابن الملقن الشافعي في رسالته في هذه المسألة: [المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ»: الأذان والإقامة، وما نحن فيه من ذلك] اهـ.
وهذان الحديثان -حديث عبد الله بن مغفل، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما- أقوى ما يتمسك به في مشروعية السنة القبلية للجمعة؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (4/ 3، ط. دار المعرفة).
وعلى ذلك جرى فعل السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المتبوعين.
أن للجمعة سنةً قبليةً راتبةً، وهو قول الحنفية، وقول الشافعية في أظهر الوجهين، وقول الحنابلة في إحدى الروايتين، بل هو قول أكثر العلماء كما يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي.
فعند الحنفية: سنة الجمعة القبلية أربع، والبعدية أربع؛ قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 452، ط. إحياء التراث): [وسُنَّ مُؤَكَّدًا أربعٌ قبلَ الظُّهر، وأربعٌ قبلَ الجمعة، وأربعٌ بعدَها بتسليمة] اهـ.
وقال الشافعية: أقل السُّنّة ركعتان قبلَها، وركعتان بعدَها؛ قال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج على شرح منهاج الطالبين" (1/ 220، ط دار الفكر): [وبعد الجمعة أربع، وقبلها ما قبل الظهر؛ أي: ركعتان مؤكدتان وركعتان غير مؤكدتين] اهـ.
القول الثاني: أنه ليس للجمعة راتبة قبلية، مع مشروعية التنفل المطلق بالصلاة قبل الجمعة، وهو قول المالكية، وأحد قولي الحنابلة.
أما المالكية: فليس عندهم مع الصلوات المكتوبات رواتب محدودات، مع جواز التنفل المطلق؛ قال العلامة ابن شاس المالكي في "عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة" (1/ 133، دار الغرب الإسلامي): [الفصل الأول: في الرواتب، وهي المفعولة تبعًا للفرائض، كركعتي الفجر، وركعة الوتر. وعد القاضي أبو محمد، من ذلك الركوع قبل العصر، وبعد المغرب. وقال في الكتاب: قلت: هل كان مالك يؤقت قبل الظهر من النافلة ركعات معلومات أو بعد الظهر، أو قبل العصر، أو بعد المغرب، فيما بين المغرب والعشاء، أو بعد العشاء؟ قال: لا، وإنما يؤقت في هذا أهل العراق] اهـ.
وأما الحنابلة: فهم متفقون على استحباب الصلاة قبل الجمعة؛ ثم منهم من يجعل ذلك سُنّةً راتبةً، ومنهم من يجعلها نفلًا مطلقًا؛ قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (8/ 333-334، ط. مكتبة الغرباء): [وقد اختلف في الصلاة قبل الجمعة: هل هي من السنن الرواتب كسنة الظهر قبلَها، أم هي مستحبة مرغَّبٌ فيها كالصلاة قبل العصر؟ وأكثر العلماء على أنها سُنَّةٌ راتبةٌ، منهم: الأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه، وهو ظاهر كلام أحمد، وقد ذكره القاضي أبو يعلى في "شرح المذهب" وابن عقيل، وهو الصحيح عند أصحاب الشافعي. وقال كثير من متأخري أصحابنا: ليست سنةً راتبة، بل مستحبة] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (5/ 266-267، ط. هجر): [وعنه (أي: من الروايات عن الإمام أحمد): لها (أي للجمعة) ركعتان، اخْتارَه ابن عَقيلٍ. قال الشيخُ تقي الدين: هو قولُ طائفةٍ من أصحاب الإِمام أحمدَ، قلتُ: اخْتارَه القاضي مُصَرَّحًا به في "شرح المذهَبِ"، قاله ابنُ رَجَبٍ في كتابِ "نفي البِدْعَةِ عن الصَّلاةِ قبلَ الجُمُعَةِ".
وعنه: أرْبَعٌ بسَلامٍ أو سلامين، قالَه في "الرعاية" أيضًا، قال الشَّيخُ تقيُّ الدين: هو قولُ طائفةٍ مِن أصحابِنا أيضًا، قال عَبْدُ اللَّهِ: رأيْتُ أبِي يصلِّي في المَسجِد إذا أذَّن المُؤَذِّنُ يومَ الجمعة ركعاتٍ، وقال: رأَيتُه يصلِّي ركعاتٍ قبلَ الخُطْبَةِ، فإذا قَرُبَ الأذانُ أو الخُطْبةُ تربَّع ونكَّس رأْسَه. وقال ابن هانئٍ: رأيتُه إذا أخَذ في الأَذانِ قامَ فصلَّى ركْعَتَين أو أرْبعًا، قال: وقال: أخْتارُ قبلَها رَكْعَتَين وبعدَها سِتًّا، وصلاةُ أحمدَ تدُلُّ على الاسْتِحْبابِ] اهـ.
إن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، فتكون سنتها كسنة الظهر، وهذا ما جعل البخاري رحمه الله يقول في صحيحه: "باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها" ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين)( انظر صحيح البخاري رقم: (895))،
فالإمام البخاري رحمه الله يرى الجمعة كالظهر، مع أن ابن عمر رضي الله عنهما ذكر ركعتين بعد الجمعة، ولم يذكر شيئاً قبلها، فرأى الإمام البخاري أن ما قبل الجمعة هو ما ذكره ابن عمر قبل الظهر، فقال: "الصلاة بعد الجمعة وقبلها".
ومن دراسة هذه الأقوال وأدلتها يبدو تقاربها، فكل المذاهب تحث على صلاة النافلة قبل جلوس الإمام على المنبر ليخطب الجمعة، عملاً بحديث: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام: إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)( رواه البخاري رقم: (883)])، وقد تقدم.
لكن هذه الصلاة النافلة التي قبل الجمعة هل هي نافلة مطلقة كما يرى المالكية والحنابلة، ولذا تكون قبل الأذان الثاني الذي بين يدي الخطيب، أم هي نافلة تابعة للجمعة تكون قبل الصلاة ولو كان الإمام على المنبر كما يرى الحنفية والشافعية؟
يقول ابن رجب رحمه الله: " بعد زوال الشمس وقبل خروج الإمام - يعني يوم الجمعة -: هذا الوقت يستحب الصلاة فيه بغير خلاف نعلمه بين العلماء سلفا وخلفا، ولم يقل أحد من المسلمين إنه يكره الصلاة يوم الجمعة، بل القول بذلك خرق لإجماع المسلمين - ثم ذكر آثارا كثيرة عن الصحابة في استحباب هذه الصلاة، ثم قال: - وقد اختلف في الصلاة قبل الجمعة: هل هي من السنن الرواتب كسنة الظهر قبلها، أم هي مستحبة مرغب فيها كالصلاة قبل العصر؟ وأكثر العلماء على أنها سنة راتبة، منهم: الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وهو ظاهر كلام أحمد، وقد ذكره القاضي أبو يعلى في " شرح المذهب " وابن عقيل، وهو الصحيح عند أصحاب الشافعي. وقال كثير من متأخري أصحابنا : ليست سنة راتبة، بل مستحبة" فتح الباري (5 /541)
لقد ساق الحنفية والشافعية أدلتهم، وبعضها في حق مَن دخل والإمام يخطب، وهو حديث سُليك الغطفاني، وأما المالكية والحنابلة فدليلهم عدم ورود نص في الموضوع من وجهة نظرهم، مع ملاحظة أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أذان واحد للجمعة عند جلوسه صلى الله عليه وسلم على المنبر، ولم تكن مراعاة التوقيت دقيقة كما هي في زماننا، ويبدو هذا مما سبق من خلاف في وقت الجمعة، فالبعض يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجل بها وكأنها قبل الزوال - كما يرى الحنابلة -، والبعض يرى أنه كان يؤخرها إلى ما بعد الزوال - كما هو مذهب المالكية والحنفية والشافعية - وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي كل السنن في بيته، فلعله كان يصلي سنة الجمعة القبلية في بيته، ثم يخرج فيصعد المنبر، ويؤذن المؤذن بين يديه.
فالمسألة تحتمل ما قاله كل مذهب، وإذا كانت صدور الفقهاء من المالكية والحنابلة واسعة في الموضوع، فصاحب كتاب "الجواهر الزكية" للشيخ أحمد بن ترك المالكي يقول: "يكره للجالس أن يتنفل عند الأذان الأول كما يفعله الشافعية والحنفية خيفة اعتقاد وجوبه".
أي أن سبب الكراهة خشية التباس السنة بالفريضة لا لورود نهي عنها.
ويقول الإمام الصفتي في الحاشية معلقاً على هذا: "فائدة: إذا كان شخص مالكي بحضرة جماعة شافعية أو حنفية فلا بأس أن يصلي عند الأذان - أي الأول - كما قرره بعض شيوخنا") الجواهر الزكية (2 /74).
ورحم الله الشيوخ الذين يزنون كلامهم بميزان الفقه ويكرهون تفرق المسلمين واختلافهم.
وابن قدامة يقول في "المغني": "فأما الصلاة قبل الجمعة فلا أعلم فيه إلا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع من قبل الجمعة أربعاً" رواه ابن ماجه، وروى عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه قال: كنت ألقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا زالت الشمس قاموا فصلوا أربعاً" ثم ذكر بعض ما احتج به الشافعية لمذهبهم(( المغني (4 /220).) فكأنه يميل إلى قول الشافعية والحنفية نظراً لأدلتهم، ولكنه ما أحب الخروج عن مذهبه في المسألة.
ومِن كل ما تقدم يبدو لي رجحان مذهب الحنفية والشافعية في هذه المسألة، وأن الجمعة لها سنة قبلية مثل صلاة الظهر، والأحاديث والآثار فيها كثيرة، وصرفها عن ظاهرها لا موجب له، والله تعالى أعلم.
الفريق الثاني: القائلين بعدم مشروعية السنة القبلية
قالوا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرع لصلاة الجمعة سنة راتبة قبلها ، ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى للجمعة سنة راتبة قبلها ، كراتبة الظهر أو غيرها من الصلوات .
ولا يصح أن تصلى راتبة الظهر يوم الجمعة ؛ لأن الجمعة ليست ظهرا ؛ بل هي صلاة مستقلة في أحكامها ، وما يتعلق بها ، فليست هي ظهرا ، ولا يصح ـ أيضا ـ قياسها على الظهر في ذلك.
كان رسول الله يخرج من بيته يوم الجمعة ، فيصعد منبره ، ثم يؤذن المؤذن ، فإذا فرغ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته . ولو كان للجمعة سنة قبلها ، لأخبرهم عليه السلام بذلك وأرشدهم إلى فِعْلها بعد الأذان ، وفعلها هو . ولم يكن في زمن النبي غير الأذان بين يدي الخطيب .
ولهذا كان جماهير الأئمة ، متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت ، مقدّرة بعدد ، لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي أو فعله ، وهو لم يسن في ذلك شيئاً ، لا بقوله ولا بفعله ، وهذا مذهب مالك والشافعي وأكثر أصحابه ، وهو المشهور في مذاهب أحمد
وقال العراقي :
ولم أر للأئمة الثلاثة ندب سنة قبلها
وعلق عليه المحدث الألباني بقوله :ولذلك لم يرد لهذه السنة المزعومة ذكر في كتاب الأم للإمام الشافعي ، ولا في المسائل للإمام أحمد ، ولا عند غيرهم من الأئمة المتقدمين فيما علمت
ولهذا فإني أقول :إن الذين يصلون هذه السنة ، لا الرسول أتبعوا ، ولا الأئمة قلدوا ، بل قلدوا المتأخرين ، الذين هم مثلهم في كونهم مقلدين غير مجتهدين ، فأعجب لمقلد يقلد مقلداً . انظر القول المبين 60، 374
قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ما يدل على أن المشروع للمسلم إذا أتى المسجد يوم الجمعة أن يصلي ما قسم الله له قبل خروج الإمام ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين أو أربعاً أو أكثر من ذلك فكله حسن وأقل ذلك ركعتان تحية المسجد ، أما بعدها فلها سنة راتبة أقلها ركعتان وأكثرها أربع ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً ) رواه مسلم (الجمعة/881) ، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد الجمعة في بيته ، وفق الله الجميع لما يرضيه
وأما ما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه: ( أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا )، فقد رواه الترمذي معلقاً بصيغة التمريض، موقوفاً على ابن مسعود ، ونقل شارح الترمذي : عن الحافظ ابن حجر رحمه الله ، أن عبد الرزاق والطبراني أخرجاه مرفوعاً ، وفي سنده ضعف وانقطاع ، ومثل هذا لا يحتج به .ينظر : فتاوى "اللجنة الدائمة" (8/261) .وقال الشيخ الألباني رحمه الله : " منكر " ، كما في " السلسلة الضعيفة " (3/83).
يستحب لمن أتى الجمعة أن يتطوع بالصلاة قبلها ، بما تيسر له ، من حين دخوله إلى المسجد ، إلى أن يخرج الإمام على الناس ، من غير أن يكون ذلك مقيدا بعدد مخصوص ، فيصلي ركعتين ، أو أربعا ، أو ما شاء الله له أن يصلي .
روى البخاري (883) ومسلم (857) عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ) .قال ابن القيم رحمه الله في جملة ما ذكره من خصائص يوم الجمعة :
" لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال ، عند الشافعي رحمه الله ومن وافقه ، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية ، ولم يكن اعتماده على حديث ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة ، وقال : إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة ، وإنما كان اعتماده على أن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام ... " .
وذكر حديث سلمان السابق ذكره ، ثم قال : " فندبه إلى الصلاة ما كتب له ، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام .
ولهذا قال غير واحد من السلف : منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وتبعه عليه الإمام أحمد بن حنبل : خروج الإمام يمنع الصلاة ، وخطبته تمنع الكلام ، فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام ، لا انتصاف النهار .
وأيضاً : فإن الناس يكونون في المسجد تحت السقوف ، ولا يشعرون بوقت الزوال ، والرجل يكون متشاغلا بالصلاة ، لا يدري بوقت الزوال ولا يمكنه أن يخرج ويتخطى رقاب الناس وينظر إلى الشمس ويرجع ، ولا يشرع له ذلك " انتهى من " زاد المعاد"(1/365) .
جرت عادة الناس أنهم يصلون بين الأذانين يوم الجمعة متنفلين بركعتين أو أربع ونحو ذلك ، إلى خروج الإمام وذلك جائز ومباح وليس بمنكر من جهة كونه صلاة ، وإنما المنكر اعتقاد العامة منهم ، ومعظم المتفقهة منهم : أن ذلك سنة للجمعة قبلها كما يصلون السنة قبل الظهر ، ويصرحون في نيتهم بأنها سنة الجمعة ، ويقول من هو عند نفسه ، معتمدا على قوله : إن قلنا : الجمعة ظهر مقصورة ، فلها كالظهر ، وإلا فلا .
وكل ذلك بمعزل عن التحقيق ، والجمعة لا سنة لها قبلها ، كالعشاء والمغرب ، وكذا العصر على قول وهو الصحيح عند بعضهم ، وهي صلاة مستقلة بنفسها ...
والدليل على أنه لا سنة لها قبلها : أن المراد من قولنا الصلاة المسنونة أنها منقولة عن رسول الله ، قولا وفعلا ، والصلاة قبل الجمعة لم يأت منها شيء عن النبي يدل على أنه سنة ، ولا يجوز القياس في شرعية الصلوات .
فإن قلت : فقد روى الترمذي أيضا قال : وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا ، وإليه ذهب النووي وابن المبارك ؛ فهذا يدل على أن للجمعة سنة قبلها أربع ركعات كالظهر ؟
قلت : المراد من صلاة عبد الله بن مسعود قبل الجمعة أربعا : أنه كان يفعل ذلك تطوعا إلى خروج الإمام ، كما تقدم ذكره ؛ فمن أين لكم أنه كان يعتقد أنها سنة الجمعة ؟
وقد جاء عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم أكثر من ذلك ، قال أبو بكر بن المنذر : روينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي قبل الجمعة اثنتي عشرة ركعة ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يصلي ثماني ركعات ؛ وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب التطوع من قِبَل أنفسهم ، من غير توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك اختلف العدد المروي عنهم ، وباب التطوع مفتوح ؛ ولعل ذلك كان يقع منهم ، أو معظمه ، قبل الأذان ودخول وقت الجمعة ، لأنهم كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام .
وقد فعلوا مثل ذلك في صلاة العيد ، وقد علم قطعا أن صلاة العيد لا سنة لها ، وكانوا يصلون بعد ارتفاع الشمس في المصلى وفي البيوت ، ثم يصلون العيد . روى ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين ، وبوب له الحافظ البيهقي بابا في سننه .
ثم الدليل على صحة ذلك أن النبي كان يخرج من بيته يوم الجمعة فيصعد منبره ، ثم يؤذن المؤذن ، فإذا فرغ أخذ النبي في خطبته ، ولو كان للجمعة سنة قبلها لأمرهم بعد الأذان بصلاة السنة ، وفعلها هو صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الأذان الذي بين يدي الخطيب وعلى ذلك مذهب المالكية إلى الآن .
فإن قلت : لعله صلى الله عليه وسلم ، صلى السنة في بيته بعد زوال الشمس ثم خرج ؟
قلت : لو جرى ذلك لنقله أزواجه رضي الله عنهن ، كما نقلن سائر صلواته في بيته ليلا ونهارا ، وكيفية تهجده وقيامة بالليل ، وحيث لم ينقل شيء من ذلك ، فالأصل عدمه ، ودل على أنه لم يقع ، وأنه غير مشروع ... " انتهى ، وللبحث تتمة في تقرير المسألة ، طول فيها الإمام الحافظ أبو شامة رحمه الله . ينظر : "الباعث على إنكار البدع والحوادث" ص(96) وما بعدها .
والحاصل : أنه لا يشرع للجمعة سنة راتبة قبلها ، وإنما المشروع أن يتطوع المرء بما شاء ، من حين دخوله إلى المسجد ، إلى أن يصعد الإمام المنبر .
والله أعلم .
الخلاصة :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
بعد الاستعانة بالله رب العالمين والاطلاع على ادلة الفريقين يتبين لي ولربما أكون مخطأً في تقديري واختياري وما اراه صوابا والله تعالى اعلا واعلم .
ارى ان الصواب مع الفريق الاول بمشروعية السنة القبلية فعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ» متفق عليه. وذكر الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/10، ط. دار الفكر): أن هذا الحديث هو العمدة في مشروعية سنة الجمعة القبلية.
قال الإمام ابن الملقن الشافعي في رسالته في هذه المسألة: [المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ»: الأذان والإقامة، وما نحن فيه من ذلك] اهـ.
وهذان الحديثان -حديث عبد الله بن مغفل، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما- أقوى ما يتمسك به في مشروعية السنة القبلية للجمعة؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (4/ 3، ط. دار المعرفة).
وعلى ذلك جرى فعل السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المتبوعين.
وهذا الدليل يكفي لمشروعيتها ,
لكن اود ان انبه عن موضوعين مهمين جدا:
الاول : هو ما يفعله المؤذنون وهو قولهم بعد الاذان الاول يوم الجمعة (صلاة سنة الجمعة يرحمكم الله) او ما يشبهه من الاقوال وهذا الفعل ليس له دليل في شريعتنا السمحة الغراء .
الموضوع الثاني: يجب ان نتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه واله وسلم في كل شيء ومع المخالف خصوصا موضوع السنة القبلية لا يحتمل التفسيق والهجر والتبديع وتضليل المسألة أسهل من هذا بكثير مسألة خلافية فرعية على طالب العلم الجمع بين الاقوال والخروج بنتيجة أو انك تسأل شيخاً معتبرا تثق في علمه وصلاحه وتأخذ بقوله .
فالذي يصلي السنة القبلية لا يُنكر عليه والذي لا يصليها لا يُنكر عليه .
والله تعالى اعلا واعلم واحكم
اللهم أَرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعلنا يا ربنا ممن قلت فيهم ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾
***
كتبه فضيلة الشيخ حذيفة القحطاني
الأحد 2 رجب 1445هـ - 1445/07/2هـ
14 يناير 2024 م - 14-01-2024 م