فائدة في لقب (المُعَدَّل) الذي يوصف به جماعة من المحدثين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فقد ذهب بعض فضلاء أهل العلم المعاصرين إلى أن لقب (المُعدّل) بكسر الدال المشددة، وهو لقب لمن يقوم على تعديل الشهود عند القضاة، وهذا يقتضي أنه عدلٌ في نفسه، وقد كنتُ أميل إلى هذا الرأي مدة من الزمان حتى ترجَّح لدي أنه بفتح الدال المشددة لا كسرها.
وهذا الذي ذكره السمعاني في أنسابه (12/342)، قال: "بضم الميم وفتح العين والدال المشددة المهملتين وفي آخرها اللام، هذا اسم لمن عُدِّل وزُكِّيَ، وقُبِلت شهادته عند القضاة".
ومما يؤيد كلام السمعاني هذا:
1- أنه أعلى عينا بهذا الشأن جَزمًا؛ فقد مارس ذلك في شيوخه، وتلقَّى ذلك منهم سماعًا، وهو مَن هو في علم الأنساب رحمه الله تعالى.
2- أنه قد عاش في الزمان الذي انتشر فيه هذا اللقب عند المتأخرين.
3- أنه قد تسمَّى به جماعة من شيوخه، وغالبًا ما يُفسِّر السمعاني هذا اللقب بما يقتضي وصفه بالعدالة، مما يدل على أنه اسم مفعول لا اسم فاعل من الرباعي، منهم:
أ- أبو القاسم الحُنَيْفي المعدل الشاهد، أحد الشهود المعدلين. (التحبير في المعجم الكبير 1/141، مع المنتخب من شيوخ السمعاني، ص: 499).
ب- أبو الفضل القاساني الشروطي المعدل، من أهل أصبهان، كان أحد الشهود المعدلين. (التحبير في المعجم الكبير 2/160).
ج- أبو محمد خالد بن محمد المديني المعدل الزغرتاني، من أهل هراة، أحد الشهود المعدلين. (المنتخب من شيوخ السمعاني، ص: 767)
د- القاضي أبو غانم، ويقال أبو العلاء صاعد بن رجاء الشروطي المعدل الأصبهاني الملقب بالرَّضي. (المنتخب من معجم شيوخ السمعاني، ص: 898).
ه- أبو العلاء صاعد بن عبد الوهاب المعدل النيسابوري، من أهل نيسابور، شيخ عدل، سديد السيرة، من بيت العدالة. (المنتخب من شيوخ السمعاني، ص: 900).
و- أبو الفضل عبد الرحيم بن غانم المعدل الأصبهاني، شيخ عالم، من أهل العدالة والعلم والخير. (المنتخب من شيوخ السمعاني، ص: 1025).
وغير هؤلاء من شيوخه رحمهم الله.
4- أنه قد يأتي لقب المحدِّث الواحد على التغاير بين (المعدل) و(العدل)؛ فيدل أنهما سواء عندهم، من ذلك:
أ- أبو الحسين علي بن محمد بن بِشران: يلقبه الخطيب في مصنفاته ب (المعدل) كما في (الكفاية، ص: 8، و95، والأسماء المبهمة، ص: 12، و19، والجامع لأخلاق الراوي 1/330، و2/24)، ويلقبه البيهقي أحيانا بــ (العدل) كما في: (إثبات عذاب القبر للبيهقي، ص: 31، والأسماء والصفات 1/525، والمدخل إلى السنن، ص: 336، والسنن الكبرى 1/251)، وأحيانًا يلقبه بــ (المعدل)، كما في: (الأربعون الصغرى، ص: 87، وشعب الإيمان 2/11، السنن الكبرى 1/469) والأمثلة كثيرة جدًا، وهذا التغاير بين كتب الإمامين المذكورين، بل في الكتاب الواحد؛ لايُقال فيه أنه قد حُرِفت الكلمة من (المعدل) إلى العدل) عند النَّسخ؛ فهذا قد يقع في نسخة واحد، لا نسخ لكتب متعددة، والله أعلم.
ب- دعلج بن أحمد بن دعلج: يلقبه الخطيب بــ (المعدل)، كما في: الكفاية، ص: 260، والجامع 1/103، والفقيه والمتفقه 1/75)، ويلقبه البيهقي بــ (العدل)، كما في: (السنن الكبرى 5/104).
ج- أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة: يأتي في مصنفات السِّلفي على الوجهين، فجاء بلقب (المعدل)، كما في: (الرابع والثلاثون من المشيخة البغدادية، ص: 22)، ويأتي بلقب (العدل)، كما في: (الرابع والعشرون من المشيخة البغدادية، ص: 59).
ومن تتبع ذلك في مصنفات العلماء؛ وجد ما يُغنيه، والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه
عماد بن عبد الحميد الحنبلي
القاهرة
23/12/1445 هــ
29/6/2024 م