قراءة في كتاب
"سلالة الفوائد الأصولية والشواهد والتطبيقات القرآنية والحديثية للمسائل الأصولية في أضواء البيان"
د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
المبحث الثاني:
أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم
أقسامها
ومدى الاحتجاج بكل قسم
يقول الشيخ عبد الرحمن السديس:
يرى الشيخ رحمه الله أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى الجبلة والتشريع تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- قسم جبلي محض.
2- وقسم تشريعي محض.
3- وقسم محتمل لهما.
قال رحمه الله عند كلامه عن خلاف العلماء في الأفضل في الحج هل هو الركوب أو المشي ما نصه:
"قال مقيده – عفا الله عنه وغفر له - :
اعلم أنه قد تقرر في الأصول أن منشأ الخلاف في هذه المسألة... ونظائرها كون أفعال النَّبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى الجبلة والتشريع ثلاثة أقسام :
القسم الأول :هو الفعل الجبلي المحض :
أعني الفعل الذي تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها ، كالقيام ، والقعود ، والأكل ، والشرب ، فإن هذا لم يفعل التشريع والتأسي ، فلا يقول أحد : أنا أجلس وأقوم تقرباً لله ، واقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان يقوم ويجلس لأنه لم يفعل ذلك التشريع والتأسي . وبعضهم يقول : فعله الجبلي يقتضي الجواز ، وبعضهم يقول : يقتضي الندب . والظاهر ما ذكرنا من أنه لم يفعل للتشريع ، ولكنه يدل على الجواز .
القسم الثاني :هو الفعل التشريعي المحض:
وهو الذي فعل لأجل التأسي ، والتشريع كأفعال الصلاة ، وأفعال الحج مع قوله : « صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي » وقوله : « خذوا عني مناسككم » .
القسم الثالث :وهو المقصود هنا هو الفعل المحتمل للجبلي والتشريعي .
وضابطه :
أن تكون الجبلة البشرية تقتضيه بطبيعتها ، ولكنه وقع متعلقاً بعبادة بأن وقع فيها ، أو في وسيلتها كالركوب في الحج ، فإن ركوبه صلى الله عليه وسلم في حجه محتمل للبجلة ، لأن الجبلة البشرية تقتضي الركوب ، كما كان يركب صلى الله عليه وسلم في أسفاره غير متعبد بذلك الركوب ، بل لاقتضاء الجبلة إياه : ومحتمل للشرعي لأنه صلى الله عليه وسلم فعله في حال تلبسه بالحج وقال : « خذوا عني مناسككم »
ومن فروع هذه المسألة :
جلسة الاستراحة في الصلاة والرجوع من صلاة العيد في طريق أخرى غير الذي ذهب فيها إلى صلاة العيد . والضجعة على الشق الأيمن ، بين ركعتي الفجر ، وصلاة الصبح ، ودخول مكة من كداء بالفتح والمد ، والخروج من كدى بالضم والقصر . والنزول بالمحصب بعد النفر من مِنًى ونحو ذلك .
ففي كل هذه المسائل خلاف بين أهل العلم لاحتمالها للجبلي والتشريعي .
وإلى هذه المسألة أشار في مراقي السعود بقوله :
وفعله المركوز في الجبلة ... كالأكل والشرب فليس ملة
من غير لمح الوصف والذي احتمل ... شرعاً ففيه قل تردد حصل
فالحج راكباً عليه يجري ... كضجعةٍ بعد صلاة الفجر"