قال الشيخ عبد الله ابن عبد العزيز العنقرى فى شرح كشف الشبهات
(فَإِنْ قَالَ: إِنَّ هَؤُلاءِ الآيَاتِ نَزَلَتْ فِيمَنْ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ، كَيْفَ تَجْعَلُونَ الصَّالِحِينَ مِثْلَ الأَصْنَامِ؟! أَمْ كَيْفَ تَجْعَلُونَ الأَنْبِيَاءَ أَصْنَامًا؟! فَجَاوِبْهُ بِمَا تَقَدَّمَ. فَإِنَّهُ إِذَا أَقَرَّ أَنَّ الْكُفَّارَ يَشْهَدُونَ بِالرُّبُوبِيَّ ةِ كُلِّهَا، وَأَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا مِمَّنْ قَصَدُوا إِلاَّ الشَّفَاعَةَ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ فِعْلِهِ وَفِعْلِهِمْ بِمَا ذَكَرَ، فَاذْكُرْ لَهُ أَنَّ الْكُفَّارَ مِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو الأَصْنَامَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو الأَوْلِيَاءَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾. وَيَدْعُونَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾
وَاذْكُرْ لَهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَيوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ﴾. وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾
فَقُلْ لَهُ: أَعَرَفْتَ أَنَّ اللهَ كَفَّرَ مَنْ قَصَدَ الأَصْنَامَ، وَكَفَّرَ أَيْضًا مَنْ قَصَدَ الصَّالِحِينَ، وَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟).
الشرح
المراد هنا دحض شبهة مَن زعم أن هناك فرقًا بين عبادة الأصنام وعبادة الصالحين،
يعني: يريد أن يقول: الآيات التي نزلت في القرآن تذم المشركين؛ لأنهم عبدوا الأصنام.
وكأنه يقول: لا يوجد فرق بين الذين يعبدون الأصنام، وبين الذين يعبدون الصالحين،
فأولئك يعبدون أحجارًا لا خير فيها،
وهؤلاء يعبدون صالحين، زهادًا، أولياء لله، صوَّامًا، قوامًا، مطيعون لله، مجاهدون في سبيله...
فكيف تجعل عبادة الصالحين مثل عبادة الأصنام؟!
فأراد هنا دحض قولهم؛ بأن هناك فرقًا بين عبادة الأصنام وعبادة الصالحين.
يقول ابن القيم -رحمه الله- عن رب العالمين:
بل كل معبود سواه فباطل *** من عرشه حتى الحضيض الداني
والعرش أعلى المخلوقات، فمَن عَبَد الكواكب، أو الملائكة، أو الأشجار، أو الأحجار، أو الصالحين، أو الأنبياء، أو الجن... حتى الحضيض الداني
؛ فهذا المعبود عبادته باطلة بلا شك، وتقدمت الآيات وذكرناها؛ والآيات دالة على أن هناك مَن يعبد الملائكة، وأن هناك مَن يعبد الصالحين، وأن هناك مَن يعبد الأنبياء...
: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفرق في سيرته، فقاتلهم جميعًا،
فقاتل -صلى الله عليه وسلم- جميع الذين يعبدون غير الله،
ولم يقل: الذين يعبدون الصالحين أو الأنبياء وضعهم مختلف.
وهذا تعامله -صلى الله عليه وسلم- مع اليهود، وكيف فعل بهم؛ لقد أجلاهم،
وقتل بني قريظة -وعددهم سبعمئة إنسان- في يوم واحد -صلوات الله وسلامه عليه- مع أن بني قريظة لم يكونوا يعبدون الأصنام قطعًا، فكفرهم وشركهم أتاهم من جهة عقيدتهم اليهودية،
وهكذا مَن يعبدون اللات من مشركي العرب،
وهكذا مَن يعبدون الجن الذين أسلموا، وهكذا مَن يعبدون مريم، وهي ليست نبية، بل هي من الصالحين،
وهكذا مَن يعبدون الأنبياء.
ألم يقاتل النبي -صلى الله عليه وسلم- الروم، ويرسل إليهم -صلى الله عليه وسلم- مَن قاتلهم، ثم استمر المسلمون يقاتلونهم إلى أن أجلوهم من مصر والشام وغيرهما؟! وهم نصارى عباد للمسيح،
فالزعم بأن هناك فرقًا بين مَن يعبد الأصنام، ومَن يعبد الصالحين، أو الأنبياء، أو الملائكة زعم باطل،
وهذا تقدم تقريره في النصوص.
فمراده -رحمه الله- أن يقول:
إذا كانت عبادة غير الله باطلة، فما الفرق بيْن مَن عبد الصنم، أو مَن عَبَد النبي أو الملك؟!
[من شرح كشف الشبهات للشيخ عبد الله ابن عبد العزيز العنقرى]