قال اللالكائي:
أخبرنا الحسين بن أحمد بن إبراهيم الطبري، قال: ثنا محمد بن بُندار، ومحمد بن إسحاق بن بشر الطبريَّان، قالا: ثنا أبو نُعيم الإستراباذي، قال: قلتُ للربيع: سمعت البُوَيْطي يقول: إنما خلقَ اللهُ كلَّ شيء بـ (كن)، فإن كانت (كن) مخلوقةً؛ فمخلوقٌ خلقَ مخلوقًا! قال: فحكاه الربيع.
قلت: وهذا معنى ما يعبِّرون عنه العلماء اليوم: إنْ هذا (كن) الأول كان مخلوقًا فهو مخلوق بـ (كن) أخرى.
فهذا يؤدي إلى ما يتناهى، وهو قولٌ مستحيلٌ.
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة]
قال ابن تيمية:
وبهذا احتج أئمة السنة رضي الله عنهم فإن الله قد قال: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (سورة النحل ٤٠) وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (سورة يس ٨٢)
وقال: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (سورة البقرة ١١٧) .
فهذا يقتضي أنه إذا أراد شيئا فإنما أمره أن يقول له كن فيكون وقوله: ﴿إِذَا أَرَادَ شَيْئًا﴾ عام في ما يريده وهو لم يخلق شيئا إلا وقد أراده فاقتضى هذا انه لم يخلق شيئا إلا وقد قال له كن فلو كانت كن مخلوقة لكانت مخلوقة بكن أخرى وكذلك الثانية مخلوقة بكن أخرى وهلم جرا فيلزم ألا يخلق شيئا لأنه لا يصير خالقا لشيء حتى يخلق كن أخرى ولا يخلق كن حتى يخلق كن فلزم التسلسل في كونه خالقا وهو تسلسل في أصل التأثير وفي أصل كون المؤثر مؤثرا وهو تسلسل في أصل الخلق كالتسلسل في ذات الخالق.
فإذا قدر ذلك لزم أن لا يصير خالقا بحال كما إذا قيل لا يصير قادرا حتى يقدر أن يصير قادرا ولا يقدر أن يصير قادرا حتى يقدر أن يقدر أن يصير قادرا أو قيل لا يخلق شيئا حتى يجعل نفسه خالقا ولا يجعل نفسه خالقا حتى يخلق شيئا فإن هذا ممتنع.
وهذا بخلاف ما إذا قيل لا يخلق هذا حتى يخلق هذا ففرق بين أن يقال لا يخلق شيئا بحال حتى يخلق هذا أو لا يخلق شيئا بحال حتى يخلق ما به يصير خالقا وبين أن يقال لا يخلق هذا حتى يخلق هذا فالأول ممتنع بالاتفاق وأما الثاني ففيه نزاع بل يجب أن يكون خالقا بنفسه لا يتوقف كونه خالقا على كونه خالقا وإن توقف كونه خالقا لهذا على كونه خالقا لهذا فلما دل القرآن على أن قوله كن مما يخلق بها جميع المراد كانت من تمام الخلق فلم يجز أن تكون مخلوقة.
وأيضا فإذا كانت مخلوقة فلا بد أن تخلق في محل ومحلها مخلوق قبلها وظاهر القرآن يخالف.
[الصفدية]