تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: يا تارك الصلاة، صلّ قبل أن يُصلى عليك

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي يا تارك الصلاة، صلّ قبل أن يُصلى عليك


    يا تارك الصلاة، صلّ قبل أن يُصلى عليك (1)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    كتب: أبو عبد الرحمان زهير رزق الله

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه،
    وبعد، فإن كثيراً من الناس قد تركوا الصلاة، واستهانوا بها، وشغلوا عنها بالدنيا، فانكبوا على جمع الأموال، والجري وراء الشهوات والملذات، وإن مما يحزن القلب، ويُبكي العين، أن تجد من الناس اليوم من بلغ سن الأربعين أو يزيد وهو لم يسجد في حياته لله سجدة، ومنهم من يصوم رمضان ولكنه لا يصلي، ومنهم من يقول المهم القلب وليس الصلاة...، وما ذلك إلا بسبب الجهل، وبسبب ضعف الإيمان، وعدم الخوف من الرحمان.
    فدعاني ذلك لأن أكتب هذه المقالات المتواضعة، على حلقات، أبين فيها فضائل الصلاة، وعقوبات تضييعها من الكتاب والسنة،
    ومداخل الشيطان للصد عن الصلاة، فتتبعها معي، عسى الله أن ينفعنا بها، ويجعلنا من المرحومين.
    يا تارك الصلاة، إلى متى؟
    إلى متى تأبى الصلاة وتهجرها، ألا تخشى أن تنام فلا تستيقظ، أو أن يأتيك الموت بغتة؟ فبأي وجه تلقى الله؟ وماذا ستقول له؟
    فلو كنت من أغنى الأغنياء، أو كنت من أقوى الأقوياء، ومهما كان عملك، ومهما كان منصبك، فإنك غدا على الأكتاف محمول، ثم
    عن صلاتك مسؤول؟
    وسواء تركتها كسلا أو تعمدا فالأمر سيّان، لأن المصيبة واحدة فترك الصلاة تركٌ لأعظم شعائر الإسلام، والسؤال هو: ماهو عذرك؟ وما رخَّص النبي ﷺ في ترْكها إلا لثلاثة، حتى يزال عذرهم: ««رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق»» [1] فماذا تنتظر حتى تبدأ الصلاة، وتحافظ عليها، واعلم أنه سيدركك هادم اللذات ومفرق الجماعات يوما، وحتما سيسأل عنك: أين فلان؟ ألم تروه؟ فيقال: أما دريت، لقد توفي منذ كذا وكذا ...
    منزلة الصلاة في الإسلام
    اعلم يرحمك الله، أن الصلاة فرض عين على كل مسلم بالغ، عاقل، بالقرآن والسنة، وإجماع الأمة، إلا على الحائض والنفساء، وهي أهم عبادة في الإسلام، وهي الصّلة التي تربط العبد بربه خمس مرّات كل يوم «مَن حفظها، فقد حفظ دِينَه، ومَن ضيَّعها، فهو لِمَا
    سِواها أَضيَع» والصلاة عماد الدين وقوامه، لها في الإسلام منزلةٌ رفيعة، لا تدانيها منزلة أي عبادة أخرى، فهل يعقل أن تترك
    الصلاة، أو تهجرها وهي التي لها من الفضائل على المسلم في هذه الحياة الدنيا وفِي الآخرة، ما لا يعد ولا يحصى؛ فمن فضائلها:
    فضائل الصلاة
    1 - الصلاة عماد الدين الذي لا يقوم إلا بها، كما لا يقوم البناء إلا بأعمدته، قال رسول الله ﷺ لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: ««أَلَا أُخْبِرُك بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ...»» [2] قال ابن القيم رحمه الله: «...جعل الإسلام كالقبة المبنية على خمسة أركان، فإذا وقع ركنها الأعظم، وقعت قبة الإسلام» [3]
    2 - الصلاة أهم ركن في الإسلام بعد التوحيد، لحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ««بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَان»» [4] قال ابن رجب رحمه الله: «والمقصود تمثيل الإسلام ببنيان، ودعائم البنيان هذه الخمس، فلا يثبت البنيان بدونها» [5]
    3 - أكثر العبادات ذكرًا في القرآن والسنةالصلاة؛ لأهميتها في حياة المؤمن، فقد ذكرت في القرآن الكريم قرابة المائة مرة: خمسا وثمانين مرة اسما، وخمس عشرة مرة فعلا، كما ذكرت الصلاة في السنة، المطهرة أكثر من مائة وسبعين مرة، وهي العبادة التي أمر بها المؤمنون في كل الشرائع السماوية، وإن اختلفت طريقة أدائها من أمة إلى أخرى، قال الإمام القرطبي نقلاً عن القشيري: «إن الله تعالى لم يُخلِ زماناً من شرع، ولم يَخلُ شرع من صلاة» [6]
    4 - فرضها الله من فوق سبع سماوات ليلة المعراج، مباشرة دون واسطة، ولم يدع رسول الله ﷺ قبلها إلى شيء غير التوحيد ونبذ الشرك، وفرضت خمسين صلاة ثم خففها الله عز وجل إلى خمس، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبيﷺ: ««فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ ... قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً» » [7]
    5 - أول ما يحاسب عليه العبدالصلاة لحديث أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ««إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّعَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ»» [8] وروى الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه قال: «بلَغَنِي أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ العَبْدِ الصَّلاَةُ، فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ، نُظِرَ فيما بقي من عمله، وإن لم تقبل منه، لم ينظر في شيء من عمله» [9]
    6 - وصية الأنبياء والمرسلين:
    - فهي دعوة إبراهيم عليه السلام: {﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾[10] و ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾} [11]
    - ووصية إسماعيل عليه السلام لأهله: {﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾} [12]
    - وأمر الله تعالى إلى موسى عليه السلام: {﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾} [13]
    - وكلام المسيح عليه السلام في مهده: {﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾} [14]
    - ووصية لقمان الحكيم لابنه {﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾} [15]
    - وأمر الله رسوله محمد ﷺ أن يصطبر عليها، وأن يحث عليها أهله {:﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾} [16]
    - وأمر أمته بالمواظبة عليها وتعهدها وعدم السهو عنها: {﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾} [17]
    7 - آخر ما وصى به النبي ﷺالصلاة لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قَال: «كَانَ آخِرُ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: « الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم» »[18] قال شمس الحق العظيم آبادي: «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ: أَيِ احْفَظُوا الصَّلَاةَ بِالْمُوَاظَبَة ِ عَلَيْهَا وَالْمُدَاوَمَة ِ عَلَى حُقُوقِهَا» [19]
    8 - آخر ما يفقد من الدّين، وبضياعها تضيع عرى الإسلام، لحديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: ««لَتُنتَقَضَنَّ عُرى الإسلامِ عُروةً عُروةً، فكُلَّما انتَقَضَت عُروةٌ تَشَبَّث النَّاسُ بالتي تليها، فأَوَّلُهنَّ نَقضًا الحُكمُ، وآخِرُهنَّ الصَّلاة»» [20]وفي رواية عن زيد بن ثابت: ««أوَّلُ ما يُرفَع من الناس الأمانةُ، وآخِر ما يَبقَى من دِينهم الصَّلاة...»» [21] قال الإمام أحمد رحمه الله: «كل شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء»[22]
    9 - أحب الأعمال إلى الله تعالى الصلاة لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ««سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقْتِها، قلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ برُّ الوالِدَيْنِ...»» [23]
    10 - الصفة الأولى للمؤمنين المفلحين هي الصلاة، قال سبحانه وتعالى: {﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾} [24] ومن علامات الإيمان المحافظة على الصلوات في المساجد، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ﴾[25] قال ابن باز رحمه الله : «فعمار المساجد هم أهل الصلاة، هم أهل الاستقامة، هم أهل الإيمان الصادق، فلا شك أن انتظار الصلاة بعد الصلاة والمحافظة عليها من دلائل الإيمان، ومن دلائل الصلاح، ومن دلائل الخير، فالمحافظة على الصلاة والعناية بها من الدلائل الظاهرة والعلامات البينة على صلاح الرجل، وقربه من ربه، وبعده عن صفات المنافقين» [26]
    11 - دليل على إسلام العبد فالصلاة تمنع إساءة الظن بالمرء، لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ««مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِه»» [27]
    12 - مدح الله المحافظين عليها قال سبحانه وتعالى عن أهل الصلاة: {﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾} [28] قال ابن جرير الطبري: «قَوْلُهُ إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ: أيْ إِلَّا الَّذِينَ يُطِيعُونَ اللَّهَ بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّلَاةِ، وَهُمْ عَلَى أَدَاءِ ذَلِكَ مُقِيمُونَ لَا يُضَيِّعُونَ مِنْهَا شَيْئًا، فَإِنَّ أُولَئِكَ غَيْرُ دَاخِلِينَ فِي عِدَادِ مَنْ خُلِقَ هَلُوعًا» [29]
    13 - سمى الله سبحانه المصلين: المصلحين قال تعالى: {﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِين﴾} [30] قال الإمام السعدي رحمه الله: «ومن أعظم ما يجب التمسك به من المأمورات، إقامة الصلاة، ظاهرا وباطنا، ولهذا خصها الله بالذكر لفضلها، وشرفها، وكونها ميزان الإيمان، وإقامتها داعية لإقامة غيرها من العبادات. ولما كان عملهم كله إصلاحا، قال تعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} في أقوالهم وأعمالهم ونياتهم، مصلحين لأنفسهم ولغيرهم» [31]
    الصلاة حفظ وأمان للعبد في الدنيا
    14 - الصلاة مفتاح كل خير قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: «الصلاة مَجلَبةٌ للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، مَطرَدة للأدواء، مقوِّية للقلب، مبيضة للوجه، مُفرِحة للنفس، مُذهِبة للكسل، مُنشِّطة للجوارح، مُمدَّة للقوى، شارحة للصدر، مغذية للروح، مُنوِّرة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للبركة، مُبعِدة من الشيطان، مُقرِّبة من الرحمان» [32]
    15 - سبب للرزق قال الله تعالى: {﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾} [33] قال الإمام القرطبي: «قوله تعالى : لا نسألك رزقا: أي لا نسألك أن ترزق نفسك وإياهم، وتشتغل عن الصلاة بسبب الرزق، بل نحن نتكفل برزقك وإياهم» [34] وقال ابن كثير: «لا نسألك رزقا نحن نرزقك : يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى {﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾} [35] وقال تعالى: {﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾} [36]
    16 – الصلاة نور للمؤمن لقوله ﷺ«.. الصَّلاةُ نُورٌ»[37] قال الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى: «فالصلاة نور: نور للعبد في قلبه، وفي وجهه، وفي قبره، وفي حشره؛ ولهذا تجد أكثر الناس نورًا في الوجوه أكثرهم صلاة، وأخشعهم فيها لله عز وجل»[38]
    - الصلاة نور في الآخرةلحديث عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما عَنِ النَّبيِّ ﷺ أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاةَ يَومًا فَقَالَ: ««مَن حَافَظَ عَلَيهَا كَانَت لَهُ نُورًا وَبُرهَانًا وَنَجَاةً يَومَ القِيَامَةِ...»» [39] ولحديث بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «« بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »» [40] فالصلاة تصحبك في هذه الدنيا وتحيل لك ظلام الطريق نورا تستضئ به، وبها تستطيع أن تواجه هذه الدنيا بكل صعوباتها، والصلاة تضيء لك طريقك إلى الجنة.
    - الوضوء نورٌ للمسلم يوم القيامة: للوضوء فضل عظيم، فهو يكفّر الذنوب والخطايا، وهو ما يميز المسلمين من سائر الأمم يوم القيامة، إذ يأتون تسطع وجوههم وأيديهم وأرجلهم نوراً وبياضا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولَ الله ﷺ: ««تبلُغُ الحِلية من المؤمن حيث يبلُغُ الوضوءُ»» [41] وقال رسول اللهﷺ: ««إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ»» [42] «الغُرَّةُ: بَياضٌ في الجَبهةِ، والمرادُ بها هنا النُّورُ الكائنُ في وُجوهِ أُمَّةِ محمَّدٍ ﷺ، التَّحجيلُ:بياض في السَّاق، والمرادُ به هنا أيضًا النُّورُ؛ فإنَّ الوُضوءَ يَترُكُ أثرًا في الوجْهِ والسَّاقِ واليَدينِ يكونُ بَياضًا ونُورًا يومَ القِيامةِ، تَختصُّ به هذه الأُمَّةُ مْن بيْن الأُمَم» [43] فلا حلية، ولا نور لمن لا يصلي يوم القيامة، لأنه لا يتوضأ.
    - سيماهم في وجوههم من أثر السجود: لقد مدح الله عز وجل الصحابة ورضي عنهم، قال سبحانه: {﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُود﴾} [44] علم أنهم يبتغون بصلاتهم فضلا منه ورضوانا، فكرمهم بها، ورفع بها مقامهم، ونور بها وجوههم؛ قال الإمام القرطبي: «تراهم ركعا سجدا إخبار عن كثرة صلاتهم ...، وقال عطاء الخراساني : دخل في هذه الآية كل من حافظ على الصلوات الخمس» [45]
    17 - راحة المؤمن، وقرة عينه، فالصلاة راحة لقلب المؤمن من تعب الدنيا وهمومها، فعن سالم بن أبي جعدرضي الله عنه كان نبينا ﷺ يقول: ««يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها»» [46] وكانت الصلاة قرة عينه، وبهجة روحه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانﷺ يقول: ««وجُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصَّلاةِ» »[47] وكذلك كان حال الصحابة والتابعين، والمؤمنين الصالحين من بعدهم:- صلاةأبي بكر الصديق رضي الله عنه:كانيبكي في الصلاة من خشية الله حتى يجتمع عليه النساء والصبيان: قالت عنه عائشة رضي الله عنهما: «...فَابْتَنَى مَسْجِدًا بفِنَاءِ دَارِهِ، فَكانَ يُصَلِّي فيه ويَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَقِفُ عليه نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ منه ويَنْظُرُونَ إلَيْهِ، وكانَ أبو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إذَا قَرَأَ القُرْآنَ، فأفْزَعَ ذلكَ أشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ»[48]
    - صلاةعمر الفاروق رضي الله عنه: «يسمع بكاؤه ونشيجه من آخر الصفوف وهو يقرأ ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّه﴾ [49] وقرأ مرة في الصلاة {﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِن دَافِعٍ﴾} فمرض وعاده الناس عشرين يوما لا يدرون ما مرضه»[50]
    - صلاةعائشة رضي الله عنها:قال عُروةَ بنِ الزبير: «كنتُ إذا غدوتُ أبدأ ببيت عائشة رضي الله عنها فأُسلِّم عليها، فغدوتُ يومًا، فإذا هي قائمةٌ تسبِّح، وتقرأ {﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾} [51] وتدْعو، وتبكي، وتُردِّدها، فقمتُ حتى مللتُ القيام، فذهبتُ إلى السوق لحاجتي ثم رجعتُ، فإذا هي قائمةٌ كما هي تُصلِّي وتبكي»[52]
    - صلاةمسلم بن يسار رحمه الله: انهدمت ذات مرة ناحية المسجد ففزع أهل السوق لهدمه وإنه في المسجد في صلاته ما التفت ،
    « ووقع حريق في داره وأطفئ وهو لم يشعر، لانشغاله بالصلاة »[53]
    - صلاة سعيد بن المسيب رحمه الله يقول: «مّا نظرت في أقفاء قوم سبقوني بالصلاة منذ عشرين سنة» [54] عشرين عاما ما فاتته صلاة واحدة، وما صلى إلا في الصف الأول.
    - وغيرهم كثير: لا يتسع المقام لذكرهم.
    18 – الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكَر والبغيفالصلاة مدرسة تربوية جامعة لكل خير، ناهية عن كل شر ومنكر، تهذب النفس، وتطهر القلب، وتقوم السلوك، قال الله تعالى: {﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾} [55] قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: «ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة، مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها» [56]
    19 - الصلاة تعين المسلم على هموم الدنيا وصعوبات الحياة، فكل إنسان يمر في حياته بضغوط، وصعوبات، وليخرج المسلم من هذه الهموم، ليس له الا أن يتوجه إلى ربه ومولاه، يشكو إليه همه وحزنه، فالله سبحانه وحده القادر على رفع البلاء، وتبديل الحال، كما جاء على لسان يعقوب عليه السلام: {﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ } [57]
    والصلاة هي أفضل وقت يبث فيه المسلم، أحزانه وهمومه إلى ربه وخالقه قال ﷺ ««أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ»» [58] وقد أمرنا جل جلاله أن نستعين بالصلاة في مواجهة مصائب الدنيا قال تعالى: {﴿واستعينوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾} [59] ولحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال «كان رسولُ الله ﷺ إذا حزَبه أمرٌ صلَّى»[60]وقال علي القاري : «« وَكَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ:...تُر ِيحُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ، وَتُفَرِّجُ مِنْ كُلِّ غَمٍّ، وَلِذَا قَالَ : أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلَال »» [61]وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه نعي إليه أخوه قُثَم وهو في سفر، فاسترجع، ثم تنحى عن الطريق،
    فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: {﴿واستعينوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾} [62]والصلاة تفك ضيق الصدر؛ ولذلك قال تعالى لنبيه ﷺ: {﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ } [63]
    20 – الصلاة تحفظ العبد قال الإمام الرازي: «وقوله {﴿حافظوا عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾} : أَنَّ هَذِهِ الْمُحَافَظَةَ تَكُونُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالرَّبِّ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: احْفَظِ الصَّلَاةَ لِيَحْفَظَكَ الْإِلَهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِالصَّلَاة..، أو أَنْ تَكُونَ الْمُحَافَظَةُ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: احْفَظِ الصَّلَاةَ، حَتَّى تَحْفَظَكَ الصَّلَاةُ، وَاعْلَمْ أَنَّ حِفْظَ الصَّلَاةِ لِلْمُصَلِّي عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
    - أَنَّ الصَّلَاةَ تَحْفَظُهُ عَنِ الْمَعَاصِي، قَالَ تَعَالَى { ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾} [64] فَمَنْ حَفِظَ الصَّلَاةَ حَفِظَتْهُ الصَّلَاةُ عَنِ الْفَحْشَاءِ.
    - أَنَّ الصَّلَاةَ تَحْفَظُهُ مِنَ الْبَلَايَا وَالْمِحَنِ: قَالَ تَعَالَى: {﴿واستعينوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾} [65] وَقَالَ تَعَالَى: {﴿وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ﴾} [66] وَمَعْنَاهُ: إِنِّي مَعَكُمْ بِالنُّصْرَةِ وَالْحِفْظِ إِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاة.
    - تَحْفَظُ صَاحِبَهَا وَتَشْفَعُ لِمُصَلِّيهَا، قَالَ تَعَالَى: {﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾} [67] وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا الْقِرَاءَةُ، وَالْقُرْآنُ يَشْفَعُ لِقَارِئِهِ، وَهُوَ شَافِعٌ مُشَفَّع» [68]
    21- الصلاة تربية للمسلم على الانضباط ، والتقيد بالمواعيد قال تعالى: {﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾} [69] ، «أي: مفروضا في وقته.. وأن لها وقتا لا تصح إلا به» [70]
    الصلاة تربي المسلم على التواضع ونكران الذات، بأنه لا فرق بين غني وفقير، أوكبير وصغير، أو عربي وأعجمي أو أبيض
    وأشقر إلا بالتقوى، الكل سواسية، في صف واحد، قلوبهم واحدة، ربهم واحدا ودينهم واحد.
    الصلاة تربي المسلم على اجتماع الأمة، ووحدة صفها، باجتماعها في المساجد للصلاة والعبادة، وما يتبع ذلك من أخوة وتعارف وتقارب، وتبادل للمنافع والمصالح، يهتم بعضهم ببعض، ويعين بعضهم بعض.
    الصلاة تربي المسلم على تجنب أسباب الخلاف والفرقة، فقد نهينا عنهما، كما نهينا عن الاختلاف في الصف عند الصلاة، فقد كَانَ
    رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يقول فِي الصَّلاةِ: ««اسْتَوُوا، وَلا تَخْتَلِفُوا فتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ»» [71]
    الصلاة تربي المسلم على كل خير، وتنهاه عن كل شر، ولهذا قال قوم شعيب عليه السلام: {﴿أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ﴾} [72]
    الصلاة كفارة للذنوب والخطايا
    22 - الصلاة تطهر العبد وتغسله من الذنوب والخطايا فلا تبقي منها شيئا، قال تعالى: {﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذاكرين﴾} [73] قال الإمام السعدي: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ: أي فهذه الصلوات الخمس، وما ألحق بها من التطوعات من أكبر الحسنات، وهي: مع أنها حسنات تقرب إلى الله، وتوجب الثواب، فإنها تذهب السيئات وتمحوها»[74]
    ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ: « «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا»» [75]قَالَ ابن الْعربِيّ المالكي: «وَجْه التَّمْثِيل أَنَّ الْمَرْءَ كَمَا يَتَدَنَّسُ بِالْأَقْذَارِ الْمَحْسُوسَةِ فِي بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَيُطَهِّرُهُ الْمَاءُ الْكَثِير، فَكَذَلِكَ الصَّلَوَات تُطَهِّرُ الْعَبْد منْ أَقْذَار الذُّنُوب حَتَّى لَا تُبْقِي لَهُ ذَنْبًا إِلَّا أَسْقَطَتْهُ»[76]
    23 - تمحو الخطايا وترفع الدرجات لحديث أبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: ««مَنْ تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ، ثُمَّ مَضى إِلى بيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرائِضِ اللَّهِ، كانَتْ خُطُواتُهُ، إِحْدَاها تَحُطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرى تَرْفَعُ دَرَجَةً»» [77] وعَنْ سلمان الفارسي
    رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: ««إنّ المسلمَ يصلِّي وخَطاياهُ مرفوعةٌ على رأسِه، كلّما سجَدَ تحاتَّت عنه، فيفرُغُ من صلاتِه؛ وقد تحاتَّت خطاياهُ»» [78]
    وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: ««إِنَّ كُلَّ صَلَاةٍ تَحُطُّ مَا بيْنَ يَدَيْهَا مِنْ خَطِيئَة»» [79] وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««إن المسلم يصلي وخطاياه مرفوعة على رأسه كلما سجد تحات عنه، فيفرغ من صلاته وقد تحاتت عنه خطاياه»» [80]
    24 - خطوتك إلى الصلاة تعدل صدقةقال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ«.. «وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ» ...» [81] ولحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: ««خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ، قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ» »[82]
    25 - المكان الذي تُصلي فيه يشهد لك لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: « «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، تَقُولُ: عَمِلَ يَوْمَ كَذَا، كَذَا وَكَذَا، فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا»» [83]
    26 - الباب الذي يصعد منه عملك يبكي عليك إذا مت، قال الله تعالى عن الكفار بعد هلاكهم: {﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾} [84] قال الضحاك وقتادة وابن عباس رضي الله عنهما: «ليس على الأرض مؤمن يموت إلا بكى عليه ما كان يصلي فيه من المساجد حين يفقده، وإلا بكى عليه من السماء الموضعُ الذي كان يرفع منه كلامه، فذلك لأهل معصيته: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ»[85] وقال الأوزاعي حدثني عطاء الخراساني قال: «ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت»[86]
    27 - انتظارها رباط في سبيل اللَّه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه ﷺ قال: « «أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلى يَا رسولَ اللَّهِ، قَالَ: إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخطى إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ» » [87] «إسباغ الوضوء في المكاره يعني في حال البرودة: برودة الجو، وبرودة الماء»[88]
    28 - يباهي الله بك الملائكة لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ««صلَّينا مع رسولِ الله ﷺ المغربَ فرجع مَن رجعَ، وعقَّب من عقَّب، فجاء رسولُ الله ﷺ مسرعًا قد حفزَه النفسُ، قد حسر عن ركبتيه قال: أبشروا هذا ربُّكم قد فتح بابًا من أبوابِ السماءِ يباهي بكم الملائكةَ، يقولُ: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضةً، وهم ينتظرون أخرى»» [89]
    29 - الملائكة تصلي عليك ما دمت في مصلاك فعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ««..الْمَلَائِكَة ُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللهُمَّ ارْحَمْهُ، اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ»[90] وقال ابن رجب رحمه الله: «من مكفرات الذنوب الجلوس في المساجد بعد الصلوات، والمراد بهذا الجلوس انتظار صلاة أخرى كما في حديث أبي هريرة: وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط»» [91]
    30 - أجر الخروج إليها كأجر الحاج المحرم لحديث أَبِي أمَامَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «« ومَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِصَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ»» [92]
    خَرَجَ: أي إلى المسجد، الصلاة المكتوبة: أي صلاة الفريضة: الفجر، الظهر، العصر، المغرب، والعشاء. قال العَلَّامَةِ شمس الحق العظيم أبادي: «تسبيح الضحى: أَيْ صَلَاة الضُّحَى، لَا يُنْصِبهُ: أَيْ لَا يُخْرِجهُ وَلَا يُزْعِجهُ إِلَّا تسبيح الضحى، فِي عِلِّيِّينَ: فِيهِ إِشَارَة إِلَى رَفْع دَرَجَتهَا وَقَبُولهَا. قَالَ تَعَالَى: {﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاك مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ﴾} »[93] فاحرص أخي الحبيب على التطهر في بيتك، والتبكير إلى الجماعة لتنال أجر الحاج المحرم، واحرص على أداء صلاة الصبح في المسجد مع الجماعة، ثم اجلس الى طلوع الشمس وصلي الضحى يكتب لك أجر الحج والعمرة ؛ قال رسول الله ﷺ ««من صلَّى الغداةَ في جماعة ، ثم قعد يذكر اللهَ حتى تطلُعَ الشمسُ ، ثم صلَّى ركعتَين ؛ كانت له كأجرِ حجَّةٍ وعمرةٍ ، تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ» »[94]
    الصلاة تنجيك من عذاب الله
    31 - الصلاة تحفظ المؤمن في قبره : لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ««إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ إِنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ[95] حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا، كَانَتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَانَتِ الزَّكَاةُ عَنْ شِمَالِهِ، وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَتَقُولُ الصَّلَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ، فَيَقُولُ الصِّيَامُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ، فَتَقُولُ الزَّكَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَتَقُولُ فَعَلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، فَيُقَالُ لَهُ: اجْلِسْ فَيَجْلِسُ...»» [96] قولُ الصلاة ما قِبَلي مدخل (وكذا سائر الأعمال الصالحة) أي: لا سبيل لكم إلى تعذيبه من ناحيتي، لأنه كان يقيم الصلاة ويحافظ عليها.
    32 - النجاة من النار للمصلي لحديث حَنْظَلَةَ الْأُسَيْدِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺقَالَ: ««مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا ، وَرُكُوعِهَا، وَسُجُودِهَا، يَرَاهَا حَقًّا لِلَّهِ عَلَيْهِ، حُرِّمَ عَلَى النَّارِ»» [97]
    33 – النار لا تحرق أثر السجودفمن استحق العقوبة من المصلين العصاة فإنهم لا يخلدون في النار لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «...حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الملائكة أن يخرجوهم فيعرفونهم بعلامة آثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود فيخرجونهم قد امتحشوا [98] فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة فينبتون نبات الحبة في حميل السيل..»[99]
    قال القاضي عياض رحمه الله: «فيه دليل على أن عذاب المؤمنين المذنبين مخالف لعذاب الكفار، لأن النار لا تأتي على جميع أعضائهم إكراما لموضع السجود، وعظم مكانهم من الخضوع لله تعالى»[100]
    ونظم الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله:
    يا رب أعضاء السجود عتقتها من عبدك الجاني وأنت الواقي
    والعتق يسري بالغنى يا ذا الغنى فامنن على الفاني بعتق الباقي [101]

    الصلاة تدخلك الجنة
    34 - في ظل الرحمان يوم القيامة يوم تدنو الشمس من رؤوس العباد، فتصهرهم بحرها، ويغمرهم العرق، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ:... ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِد..»[102] قال ابن القيم رحمه الله: «لِلْعَبْدِ بَيْن يَدَيِ اللهِ مَوْقِفَانِ: مَوْقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلاَةِ. وَمَوْقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَ لِقَائِهِ. فَمَنْ قَامَ بِحَقِّ المَوْقِفِ الأَوَّلِ هُوِّنَ عَلَيْهِ المَوْقِفُ الآخَرَ وَمَنِ اسْتَهَانَ بِهَذَا المَوْقِفِ ولَمْ يُوَفِّهِ حَقَّهُ شُدِّدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ المَوْقِفُ، قَالَ تَعَالَى {﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً إِنَّ هَؤُلاَءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلاً﴾} » [103]
    35- الصلاة مفتاح الجنة: لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رَسُولَ اللهِ ﷺ: ««مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاةالطهور»» [104] قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «وهذا يدل على أن من لم يكن من أهل الصلاة لم تفتح له الجنة...ولا تناقض بين هذا وبين الحديث الآخر وهو مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله، فإن الشهادة أصل المفتاح، والصلاة وبقية الأركان أسنانه التي لا يحصل الفتح إلا بها» [105]
    37- تدخل الجنة من باب الصلاة لحديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ««مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، ... وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّان»» [106]
    38 - تكتب في عليينلحديث أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ««صَلَاةٌ فِي إِثْرِ صَلَاةٍ، لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا، كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ» »[107] قال الْمُنَاوِيُّ: «لَا لَغْو بَيْنهمَا: أَيْ لَيْسَ بَيْنهمَا كَلَام بَاطِل وَلَا لَغَط، وَاللَّغْو اِخْتِلَاط الْكَلَام»[108]
    39 - ترفع إلى أعلى الدرجات فمن أراد أعلى درجات الجنة مع النبي ﷺ فعليه بالصلاة، لحديث رَبِيعَة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ : «« كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ ، فَقَالَ لِي : سَلْ ، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ ، قَالَ : أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، قُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، قَالَ : فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ»» [109] وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: «فيه الحث على كثرة السجود والترغيب به، والمراد به السجود في الصلاة»[110]
    40 - المصلون في جنة الفردوس قال الله تعالى: {﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾} [111] وَعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ: ««صَلُّوا خَمسَكُم، وَصُومُوا شَهرَكُم، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَموَالِكُم، وَأَطِيعُوا ذَا أَمرِكُم، تَدخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُم»» [112] «وقال ﷺ ««مَن صَلَّى البَردَينِ دَخَلَ الجَنَّةَ»» [113]البردان: الفجر والعصر.
    41 - في ضيافة الله كلما غدا المصلي للمسجد أو راح، يعد الله له نزلاً في الجنة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال : ««منْ غدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أعدَّ اللَّهُ لَهُ في الجنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدا أوْ رَاحَ»» [114] «منْ غدا: أي ذهب في أول النهار، وراح: أي ذهب في آخر النهار، النُزُل: هو ما يقدم إلى الضيف من الطعام»[115] وقال ابن باز رحمه الله تعالى: «فهذا يدل على أن الذهاب إلى المساجد صباح مساء لصلاة الجماعة، من أسباب الفوز بالجنة، والنجاة من النار، ومن أسباب وجود النزل والضيافة الكريمة لأهل الصلاة»[116]
    42 - يفرحَ اللهُ بك لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: « «مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْر، إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ إليه كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ، إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ»» [117] وقال أبو الحسن السندي «تَبَشْبَشَ اللهُ له: المراد ها هنا تلقيه ببره وتقريبه والكرامة»[118]
    43 - سبب النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة قال جَلَّ وَعَلا: {﴿قَد أَفلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾} [119] و {﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ } [120] وقال رسول الله ﷺ: «« خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَحْسَنَ وضوؤهن وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ»» [121]
    وما هذا الا غيض من فيض، ففضائل الصلاة لا تعد ولاتحصى، وليس لها أول من آخر، أ فبعد هذا كله تترك الصلاة؟ أو تضيعها؟ ألم تفهم بعد، أن سعادتك في الدنيا والآخرة، مرهونة بإقامة هذه الصلاة،
    ثم اعلم هداك الله، أنه لا طاقة لك بتحمل عقوباتها، لا في الدنيا ولا في الآخرة، فانتظر مني في المقال القادم بمشيئة الله تعالى عقوبات تضييع الصلاة الثابتة في الكتاب والسنة، والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين.

    [1]- رواه أبو داود 4398 والنسائي 3432 وابن ماجه 2041 وأحمد 24738 وصححه الألباني

    [2]- أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح 2616 والنسائي في: الكبرى11394 وابن ماجه 3973 وأحمد 231/5

    [3]- كتاب الصلاة واحكام تركها لابن قيم الجوزية ص 17.

    [4]- متفق عليه: البُخاريُّ 8، ومُسلِمٌ 16

    [5]- جامع العلوم والحكم 88/1

    [6]- تفسير القرطبي لسورة الأنفال الآية 3

    [7]- متفق عليه: البخاري 349 ومسلم 162

    [8] - رواه أبو داود 864، والترمذي 413، والنسائي465

    [9]- موطأ الإمام مالك: كتاب قصر الصلاة في السفر، باب جامع الصلاة، حديث89

    [10]- سورة إبراهيم الآية 37

    [11]- سورة إبراهيم الآية 40

    [12]- سورة مريم الآيتين 54 و55

    [13]- سورة طه الآية 14

    [14]- سورة مريم الآيتين 30 و31

    [15]- سورة لقمان الآية17

    [16]- سورة طه الآية 132

    [17]- سورة البقرة الآية 238

    [18] - أخرجه أبو داود 5156، وأحمد 585، وابن ماجه 2698

    [19]- عون المعبود على سنن أبي داود 14/ 44

    [20]- أخرجه أحمد 5/ 251 , والحاكم 4/ 92، والطبراني 7486 وابن حبان 6715

    [21]- أخرجه الطبراني في الصَّغير 4425، والبيهقي في شعب الإيمان 4/1858 وحسنه الألباني في صحيح الجامع 2575

    [22]- الكافي قي فقه الإمام أحمد بن حنبل كتاب الصلاة ص 171

    [23]- رواه البخاري 527 ومسلم85.

    [24] - سورة المؤمنين الآيتين 1 و2

    [25] - سورة التوبة الآية 18

    [26]- شرح رياض الصالحين ابن باز الحديث 339

    [27] - صحيح البخاري كتاب الصلاة باب فضل استقبال القبلة 38 وسنن النسائي كتاب الإيمان ج 8 ص 105

    [28] - سورة المعارج الآيات 19-23

    [29]- تفسير الطبري ج 23ص 267

    [30]- سورة الأعراف الآية 170

    [31] - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: الأعراف الآية 170

    [32]- زاد المعاد في هدي خير العباد ابن القيم 4 /304

    [33] -سورة طه الآية 132

    [34] - تفسير القرطبي لسورة طه الآية 132

    [35] - سورة الطلاق: الآيتين 2و 3

    [36] - سورة الذاريات الآيتين 56 و57

    [37] - حديث: الطّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها. رواه مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعري رقم 223

    [38] - شرح رياض الصالحين ج1ص190

    [39] - صحيح ابن حبان 1467

    [40]- سنن أبي داود 561، سنن الترمذي 223، وابن ماجه 781

    [41]- رواه مسلم 250

    [42]- رواه البخاري 136، ومسلم 246 عن أبي هريرة

    [43]- عن موقع الدرر السنية الموسوعة الحديثية: علوي السقاف

    [44]- سورة الفتح الآية 29

    [45]- تفسير القرطبي سورة الفتح الآية 29

    [46]- أخرجه أبو داود 4985، وأحمد 2308، والطبراني 6214 والألباني في صحيح الجامع 7892

    [47] - أخرجه النسائي 3939 وأحمد 14069، والبيهقي13836

    [48] - رواه الإمام البخاري 476

    [49] - سورة يوسف: الآية 86 رواه البخاري في صحيحه باب إِذَا بَكَى الإِمَامُ فِى الصَّلاَةِ221

    [50] -تفسير ابن كثير سورة الطور الآيتين 7و8

    [51] - سورة الطور الآية 27

    [52] - صفة الصفوة ج 2 ص 31

    [53] - سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي ج 4 ص 511

    [54]- حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني ج 2 ص 163

    [55]- سورة العنكبوت الآية 45

    [56] - تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان: سورة العنكبوت الآية 45

    [57] - سورة يوسف الآية 86

    [58] - رواه مسلم عن أبي هُريرة 48

    [59]- سورة البقرة الآية45

    [60]- رواه احمد ج5 ص388، وأبو داود 1329

    [61]- مرقاة المفاتيح ج3 ص1093

    [62]- تفسير ابن كثير البقرة 45.

    [63]- سورة الحجر:97 و98

    [64]- سورة العنكبوت الآية 45

    [65]- سورة البقرة الآية 153

    [66]- سورة المائدة الآية 12

    [67]- سورة البقرة الآية 110

    [68]- مفاتيح الغيب التفسير الكبير لفخر الدين الرازي ج 6 ص 483

    [69]- سورة النساء:103

    [70]- تفسير السعدي: سورة النساء الآية 103

    [71]- رواه مسلم عن ابي مسعود رضي الله عنه 432

    [72]- سورة هود الآية 87

    [73]- سورة هود الآية 114

    [74]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: سورة هود الآية 114

    [75]- صحيح البخاري 528، وصحيح مسلم 667

    [76]- فتح الباري لابن حجر العسقلاني ج 2 ص11 و12

    [77]- رواه مسلم 666

    [78]- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 6125 والألباني في السلسلة الصحيحة 3402

    [79]- أخرجه أحمد في المسند ج5 ص413، والطبراني في المعجم الكبير 3879 وأبو نعيم في الحلية ج1 ص298.

    [80]- رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 362.

    [81]- رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ 2891 وَمُسْلِم 1009 عن أبي هريرة

    [82]- أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل كثرة الخطى إلى المساجد 663

    [83]- جامع الترمذي حديث 3428

    [84]- سورة الدخان الآية 29

    [85]- تفسير محمد بن جرير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن: الدخان الآية 29

    [86]- تفسير محمد ابن احمد القرطبي الجامع لأحكام القرآن الدخان الآية 29

    [87]- أخرجه مسلم 251 ابن ماجه 427، وأحمد ج 3 ص 3

    [88]- ابن باز شرح رياض الصالحين 339

    [89]- أخرجه ابن ماجه 801 وأحمد 6946

    [90]- متفق عليه: البخاري 477، ومسلم 649

    [91]- سبق تخريجه انظر ص

    [92]- أخرجه أبو داود 558، وأحمد 22304، والألباني في صحيح الجامع 6228 وغيرهم.

    [93]- سورة المطففين الآية 18؛ عون المعبود شرح سنن أبي داود لشمس الحق العظيم أبادي: ج 1 الحديث 554

    [94]- أخرجه الترمذي في سننه عن أنس بن مالك 586، وحسنه الالباني في صحيح الترغيب 464 وفِي السلسلة الصحيحة 340

    [95] -يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ: أي يسمع الميت صوت أرجل من أتى لدفنه وهم ينصرفون.

    [96]- رواه الحاكم في المستدرك وصححه ج 1 ص 379, وابن حبان 3103، والطبراني في الأوسط 2651، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ج 3 ص 403

    [97]- مسند الإمام أحمد بن حنبل 18372، والمعجم الكبير 3494

    [98]- فيخرجوهم قد امتحشوا: فيخرجوهم من النار قد اسودوا أي: صاروا سودا كالفحم من تأثير النار، شرح الحديث في الدرر السنية الموسوعة الحديثية لعلوي السقاف.

    [99] - متفق عليه: البخاري 6573و6574 ومسلم

    [100]- فتح الباري لابن حجر للعسقلاني: 11/456

    [101]- فتح الباري لابن حجر للعسقلاني 11/457

    [102]- رواه البخاري 660، ومسلم 2427

    [103]- سورة الإنسان الآيتين 26 و27. كتاب الفوائد لابن القيّم ص 240

    [104]- أخرجه الترمذي 4 وأحمد 14662 وقال الألباني صحيح لغيره.

    [105]- كتاب الصلاة وأحكام تاركها لابن قيم الجوزية ص 17

    [106]- أخرجه البخاري 3666، ومسلم 1072

    [107]- أخرجه أبو داود 558 وأحمد 22304

    [108]- عون المعبود شرح سنن أبي داود الحديث 1274

    [109]- رواه مسلم في صحيحه 489

    [110]- شرح صحيح مسلم للنووي 4/206

    [111]- سورة المؤمنين الآيات 9-11

    [112]- صحيح الترمذي 616 وأحمد22161

    [113]- أخرجه البخاري:574 ومسلم 635 عن أبي موسى الأشعري

    [114]- متفقٌ عَلَيهِ: البخاري 662، ومسلم 669

    [115]- مرقاة المفاتيح علي الهروي ج 2 ص 592

    [116]- شرح رياض الصالحين الحديث 49

    [117]- أخرجه ابن ماجه 800 وأحمد 8350 والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين 1/213

    [118]- حاشية السندي على ابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات: باب لزوم المساجد وانتظار الصلاة 800

    [119]- سورة الأعلى الآيتين 14و 15

    [120]- المؤمنون الآيتين 1و2

    [121]- أخرجه أبو داود 425، والنسائي 461، وابن ماجه 1401، وأحمد 22756


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: يا تارك الصلاة، صلّ قبل أن يُصلى عليك

    يا تارك الصلاة، صلّ قبل أن يُصلى عليك (2)


    زهير رزق الله

    الحمد لله الهادي من استهداه، الواقِي من اتَّقاه، الكافِي من تحرَّى رِضاه، حمدًا بالِغًا أمدَ التمام ومُنتهاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجُو بها
    الفوز والنجاة، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه ونبيُّه وصفيُّه ونجِيُّه ووليُّه ورضِيُّه ومُجتباه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ ما رجَا راجٍ عفوَ ربِّه
    ورُحماه [1]

    يا تارك الصلاة؛ هل يمكن أن تكون مسلما تؤمن بالله ورسوله ﷺ، وأنت لا تصلي؟ وهل يصح إسلامك بدون صلاة؟ ألا تعلم أن الصلاة هي عماد الدين، وهي أول ما تحاسب عليه يوم القيامة، وأن علماء الاسلام جعلوها الحد الفاصل بين الإيمان والكفر.
    يا تارك الصلاة؛ هل تريد أن تعرف ماذا قال الله عز وجل في أمثالك ورسوله؟ وماذا قال عنك الصحابة رضي الله عنهم، وعلماء الاسلام؟
    يا تارك الصلاة؛ تأمل معي، هداك الله ووفقك لرضاه، هذه النصوص، فما هي إلا قليل من كثير، فالخطب جلل والمصاب عظيم، فتأملها وتدبرها، وافتح لها قلبك وعقلك، ولا تستكبر وتأخذك العزة بالإثم، فتندم، {﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾} [2]
    تارك الصلاة في الكتاب والسنة
    تارك الصَّلاة في القرآن الكريم

    قال الله تعالى:
    - {﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُنَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾} [3]
    - {﴿فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ } [4]
    قال ابن القيم رحمه الله: « فعلق أخوة المؤمنين بفعل الصلاة: فإذا لم يفعلوا، لم يكونوا إخوة للمؤمنين، فلا يكونوا مؤمنين، لقوله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} »[5]

    - {﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئً﴾} [6]


    قال الإمام القرطبي: «إِلَّا مَن تَابَ : أي من تضييع الصلاة واتباع الشهوات، فرجع إلى طاعة ربه، وآمن به، وعمل صالحا، فأولئك يدخلون الجنة» [7]

    - { ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْركِين مِنَ ٱلَّذِینَ فَرَّقُوا۟ دِینَهُمۡ وَكَانُوا۟ شِیَعًا كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَیۡهِمۡ فَرِحُونَ﴾ } [8]

    - {﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَببِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ } [9]

    قال ابن القيم رحمه الله: «ووجه الاستدلال بالآية أنه سبحانه نفى الإيمان عمن إذا ذكروا بآيات الله، لم يخروا سجدا مسبحين بحمد ربهم، ومن أعظم
    التذكير بآيات الله، التذكير بآيات الصلاة» [10]
    - {﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾} [11]
    لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله: قال عطاء ابن أبي رباح: «الصلاة المفروضة»[12] وقال الضحاك: «الصلوات الخمس»[13]
    - {﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾} [14]
    - {﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين وكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حتى أتانا اليقين﴾} [15]

    - {﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى﴾} [16]
    - {﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِين َ فَبِأَيِّ حديث بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾} [17]
    - { ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ } [18]
    تارك الصَّلاة في السنة النبوية
    عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: « «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أفْلَحَ وَأنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ»» [19]
    - عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««لا تُشركْ باللهِ شيئًا وإنْ عُذِّبتَ وحُرِّقتَ، أطعْ والدَيكَ وإنْ أخرجاك مِن مالِكَ، ومِن كلِّ شيءٍ هوَ لكَ، ولا تتركِ الصَّلاةَ مُتعمِّدًا، فإنَّ مَن تركَّ الصَّلاةَ مُتعمِّدًا فقد برِئتْ منهُ ذمَّةُ اللهِ»» [20]
    - عن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبيِّ ﷺ: أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاةَ يَومًا فَقَالَ: «« مَن حَافَظَ عَلَيهَا كَانَت لَهُ نُورًا وَبُرهَانًا وَنَجَاةً يَومَ القِيَامَةِ، وَمَن لم يُحَافِظْ عَلَيهَا لم يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرهَانٌ وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَومَ القِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرعَونَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بنِ خَلَف»» [21]
    عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ««مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُه» » [22]
    عن أبي الجعد الضمري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: ««من ترك ثلاث جمع[23] تهاونا من غير عذر طبع الله [24] على قلبه» » [25]
    عن أبي الجعد الضمري رضي الله عنه قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««مَن تَركَ الجُمُعةَ ثَلاثًا مِن غيرِ عُذْرٍ فهوَ مُنافقٌ»» [26]
    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال «: «ليسَ صَلَاةٌ أثقل علَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ والعِشَاءِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لَأَتَوْهُما ولو حَبْوًا»» [27]
    - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: ««تلْكَ صلاةُ المنافقِ [28] تلْكَ صلاةُ المنافقِ يرقبُ الشَّمسَ حتى إذا كانت بينَ قرني شيطانٍ قامَ فنقرَ[29] أربعًا لا يذْكرُ اللَّهَ فيها إلَّا قليلًا»» [30]
    عن أم أيمن مولاة النبي ﷺ قالت قال ﷺ: « «مَن تركَ الصَّلاةَ مُتعمِّدًا فقد برِئتْ منهُ ذِمَّةُ اللهِ ورسولِه» » [31]
    عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: ««مَن تركَ الصَّلاةَ لقِيَ اللهَ وهو عليهِ غضبانُ» » [32]
    عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول: ««إنَّ بَينَ الرَّجُلِ وبينَ الشِّركِ والكُفرِ تَرْكَ الصلاة»» [33]
    عن عبدِ اللهِ بن بُرَيدةَ، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: ««إنَّ العَهدَ الذي بيننا وبينهم الصَّلاةُ، فمَن تَرَكها فقدْ كَفَر» » [34]
    من أقوال الصحابة رضي الله عنهم في تارك الصلاة
    - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ««لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ» » [35]
    - قال ابن مسعود رضي الله عنه: « «من ترَكَ الصَّلاةَ فلا دينَ لَهُ» » [36]
    - قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه وقد سأله مجاهد بن جبر: «ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال على عهد رسول الله ﷺ؟ قال: الصلاة» [37]
    - قال أبو هريرة رضي الله عنه: « «لأن تملئ أذن ابن آدم رصاصا مذابا، خير من أن يسمع حي على الصلاة ثم لا يجيب»» [38]
    - قال ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: ««مَن سمِع حَيَّ على الفلاحِ فلَمْ يُجِبْ فقد ترَك سُنَّةَ مُحمَّدٍ ﷺ»» [39]
    - قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ««أوصاني خليلي ﷺ: أن لاَ تشرِكَ باللَّهِ شيئًا وإن قُطِّعتَ وحُرِّقتَ، ولاَ تترُك صلاةً مَكتوبةً متعمِّدًا، فمن ترَكَها متعمِّدًا فقد برئت منْهُ الذِّمَّةُ، ولاَ تشرَبِ الخمرَ فإنَّها مفتاحُ كلِّ شرٍّ»» [40]
    - قال ابن مسعود رضي الله عنه: ««مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنّ... وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ»» [41]
    - قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَار رضي الله عنه: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَجِدُ صِفَةَ الْمُنَافِقِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: شرابين للقهوات [42] تَرَّاكِينَ لِلصَّلَوَاتِ، لَعَّابِينَ بِالْكَعَبَاتِ، رَقَّادِينَ عَنِ الْعَتَمَاتِ، مُفَرِّطِينَ فِي الْغَدَوَاتِ [43]تَرَّاكِينَ لِلْجُمُعَاتِ قَال: ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الْآيَةَ: { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} » [44]

    من أقوال علماء الاسلام في تارك الصلاة

    قالُ الحَسنُ البَصري رحمه الله: «إذَا هَانَت عَليكَ صَلاتك فَمَا الذي يَعزُ عَليكْ؟!» [45]
    قال الإمام أحمد رحمه الله: «فكل مستخف بالصلاة مستهين بها هو مستخف بالإسلام مستهين به. وإنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصَلاة... فاعرف نفسك يا عبدالله... واحذر أن تلقى الله عز وجل ولا قدر للإسلام عندك، فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك» [46]
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «تارك الصلاة أشر من السارق والزاني وشارب الخمر وآكل الحشيشة» [47]
    قال ابن القيم رحمه الله: «لِلْعَبْدِ بَيْن يَدَيِ اللهِ مَوْقِفَانِ: مَوْقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلاَةِ. وَمَوْقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَ لِقَائِهِ. فَمَنْ قَامَ بِحَقِّ المَوْقِفِ الأَوَّلِ هُوِّنَ عَلَيْهِ المَوْقِفُ الخَرَ، وَمَنِ اسْتَهَانَ بِهَذَا المَوْقِفِ وَلَمْ يُوَفِّهِ حَقَّهُ شُدِّدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ المَوْقِفُ، قَالَ تَعَالَى: {﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا. إِنَّ هَؤُلاَءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾} [48]
    وقال رحمه الله «لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدا من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والخرة» [49]
    قال الإمام ابن بطة العكبري رحمه الله: «وإقام الصلاة هو العمل، وهو الدين الذي أرسل به المرسلين، وأمر به المؤمنين، فما ظنكم رحمكم الله بمن يقول: إن الصلاة ليست من الإيمان والله عز وجل يقول {﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْركِينَ﴾} [50]
    قال الإمام السعدي رحمه الله: «ومن إجرامهم أنهم إذا أمروا بالصلاة التي هي أشرف العبادات، وقيل لهم: ارْكَعُوا امتنعوا من ذلك. فأي إجرام فوق هذا؟ وأي تكذيب يزيد على هذا؟» [51]
    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: «كلَّ إنسان عاقل في قلبه أدنى مثقال ذَرَّة من إيمان، لا يمكن أن يُدَاوِمَ على ترك الصَّلاة، وهو يعلَم عِظَمَ شأنها، وأنَّها فُرضت في أعلى مكان وصل إليه البشر، فكيف يشهد أنْ لا إله إلا الله، ويُحافظ على ترك الصَّلاة؟ إنَّ شهادةً كهذه تستلزم أن يعبده في أعظم العبادات، فلا بُدَّ من تصديق القول بالفعل، فلا يمكن للإنسان أن يَدَّعي شيئاً وهو لا يفعله...» [52]

    فيا تارك الصلاة، خاف الله، فإنك لن تخلد في هذه الدنيا، و لا تضيع الصلاة، فهي عماد الدين، وأساس الإسلام، وأساس النجاح والفلاح، وعهد الله على المسلمين.
    جعلني الله وإياك من مقيمي الصلاة، ومن عباده الصالحين، والحمد لله رب العالمين.
    [1] - مقدمة الأمام أبو عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري لكتابه علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح

    [2] - سورة الشعراء الآيتين 88 و 89

    [3] - سورة النساء الآية 142

    [4] - سورة التوبة الآية 11

    [5] - سورة الحجرات الآية 10 : كتاب الصلاة وأحكام تاركها لابن قيم الجوزية

    [6] - سورة مريم الآيتين 59 و 60

    [7] - تفسير القرطبي سورة مريم اللآية 60

    [8] - سورة الرّوم الآيتين 31-32

    [9] - سورة السجدة الآية 15

    [10] - كتاب الصلاة وأحكامها لابن قيم الجوزية ص 41

    [11] - سورة المنافقون الآية 9

    [12] - الدر المنثور في التفسير بالمأثور للإمام السيوطي

    [13] - جامع البيان في تفسير القرآن للإمام الطبري

    [14] - سورة القلم الآيتين 42-43

    [15] - سورة المدثر الآيات من 40 إلى 47

    [16] - سورة القيامة الآيات من 31 إلى 33

    [17] - سورة المرسلات الآيات 48-50

    [18] - سورة الماعون الآيات 7-4

    [19] - رواه أبو داود 864، والترمذي 413، والنسائي 465 والالباني في: صحيح ابن ماجه 1180، وصحيح النسائي 464

    [20] - رواه أحمد في المسند 21595 والطبراني في الكبير 16051 وأبو نعيم في الحلية 14464 والألباني في صحيح الترغيب 569 و075

    [21] - رواه أحمد في المسند: 6576، وصحيح ابن حبان: 1467

    [22] - صحيح البخاري 553 و594 ومسند الإمام أحمد 64962

    [23] - ثلاث جمع: «قال الشوكاني: يحتمل أن يراد حصول الترك مطلقًا، سواء توالت الجمعات أو تفرقت، حتى لو ترك في كل سنة جمعة لطبع الله على قلبه بعد الثالثة، وهو ظاهر الحديث، ويحتمل أن يراد ثلاث جمع متوالية كما في حديث أنس عند الديلمي في مسند الفردوس» نقله أبو الحسن المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج 4 ص 446.

    [24] - قال الباجي: «معنى الطبع على القلب: أن يُجعل بمنزلة المختوم عليه، لا يصل إليه شيء من الخير»: تنوير الحوالك شرح موطأ مالك لجلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي ج 1 ص 102

    [25] - رواه أبو داود 1052، والترمذي 500، والنسائي 1369، وابن ماجه 1125، وأحمد 15498

    [26] - أخرجه أبو داود 1052، والترمذي 500، والنسائي 1369، وابن ماجه 1125 وأحمد 15498، وابن حبان 258 والألباني في صحيح الترغيب والترهيب 729

    [27] - حديث متفق عليه: البخاري 657، ومسلم 651

    [28] - تلك صلاة المنافقين «يعني: الذين يفرطون ويقصرون ويخرجون الصلاة عن وقتها، فإذا اصفرت الشمس وكانت قريبة من الغروب، قام الواحد منهم ونقر صلاة العصر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا» كتاب شرح سنن أبي داود للعباد لعبد المحسن العباد ج 61 ص 32

    [29] - قام فنقرها: «أي: كنقر الطائر الحبة، أربعا، أي: صلى أربع ركعات لا يذكر الله فيها إلا قليلا، إشارة إلى سرعة أداء صلاته. في الحديث: ذم تأخير صلاة العصر بلا عذر، وذم من صلى مسرعا بحيث لا يستكمل الخشوع والطمأنينة، الدرر السنية شرح الموسوعة الحديثية لعلوي السقاف.

    [30] - رواه مسلم في صحيحه 622

    [31] - رواه ابن ماجة 4034 والبخاري في الأدب المفرد 18، والألباني في صحيح الترغيب والترهيب 573

    [32] - أخرجه الطبراني 11782 والبيهقي 3835

    [33] - رواه مسلم 82، والترمذي في كتاب الإيمان: باب ما جاء في ترك الصلاة، والنسائي في كتاب الصلاة: باب الحكم في تارك الصلاة 364.

    [34] - رواه الترمذي 2621، والنسائي 1/231، وابن ماجه 891 و1079، وأحمد 22987

    [35] - موطأ الإمام مالك 74، سنن البيهقي 6291، مصنف عبد الرزاق 3/125، مصنف ابن أبي شيبة 581

    [36] - أخرجه عبد الله ابن حنبل في السنة 1) ص359 (وأبو بكر الخلال في السنة) 4 ص147 (والطبراني في المعجم الكبير 9) ص191 ( والألباني في صحيح الترغيب والترهيب 574

    [37] - رواه ابن بطة في الإبانة 2/672، ومحمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة /877، واللالكائي 4/910، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 722/1

    [38] - كتاب الكبائر للإمام الذهبي ص 231

    [39] - رواه الطبراني في المعجم الأوسط ج 8 ص 70، والألباني في صحيح ابن ماجه 3275

    [40] - أخرجه البخاري في الأدب المفرد 18 وابن ماجه 4034 والألباني في صحيح ابن ماجه 3275

    [41] - رواه مسلم 654

    [42] - القهوات: جمع قهوة وهي الخمر، قال ابن قتيبة: «والقهوة الخمر سميت بذلك لأنها تقهي أي تذهب بشهوة الطعام، قال الكسائي: يقال أقهى الرجل إذا قل طُعمُه» أدب الكاتب لابن قتيبة ص 127.

    [43] - «الكعبات: هي من أنواع الميسر والقمار، العتمات: جمع عتمة وهي صلاة العشاء، فكانوا يرقدون عنها، الغدوات: جمع غداة وهي صلاة الفجر، فهؤلاء جمعوا شرورًا كثيرة» تفسير ابن كثير لعبد العزيز الراجحي ج 74 ص 5

    [44] - تفسير ابن كثير سورة مريم الآية 59

    [45] - كتاب الكبائر للإمام للذهبي ص 28 والتهجد لابن أبي الدنيا ص 483 الزهد للإمام أحمد ص 283.

    [46] - كتاب الكبائر للإمام للذهبي ص 28 والتهجد لابن أبي الدنيا ص 483 الزهد للإمام أحمد ص 283.

    [47] - الفتاوى ) 50/(22

    [48] - سورة الإنسان الآيتين 26 و27. كتاب الفوائد لابن القيّم ص 200

    [49] - الصلاة وحكم تاركها ابن قيم الجوزية ص 29

    [50] - سورة الروم الآية 31 كتاب الابانة 1258

    [51] - تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان سورة المرسلات الآية 84.

    [52] - من كتاب: الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ، محمد بن صالح العثيمين رحمه الله 2)/ 31-(36




  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: يا تارك الصلاة، صلّ قبل أن يُصلى عليك




    يا تارك الصلاة، صلّ قبل أن يُصلى عليك (3)

    كتب الأستاذ : زهير رزق الله


    عقوبات تارك الصلاة الثابتة في الكتاب والسنة

    أبوعبد الرحمان زهير رزق الله

    الحمد لله الهادي من استهداه، الواقِي من اتَّقاه، الكافِي من تحرَّى رِضاه، حمدًا بالِغًا أمدَ التمام ومُنتهاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجُو بها الفوز والنجاة، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه ونبيُّه وصفيُّه ونجِيُّه ووليُّه ورضِيُّه ومُجتباه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ ما رجَا راجٍ عفوَ ربِّه ورُحماه
    ترك الصلاة هدم لركن من أهم أركان الإسلام، وهو من المعاصي العظيمة، ومن أكبر الكبائر، وذمّ الله سبحانه وتعالى من أضاعها، أو تهاون بها، وتوعّده بأشد العقوبات، وذهبت طائفة من العلماء للتشكيك في صحة إيمانه، وقد جاء في القرآن الكريم، وفي السّنّة المطهرة، التحذير الشديد من إضاعتها، أو التهاون في أدائها، فلا تجعل الدنيا تشغلك وتلهيك، وتحرمك من جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، ومن ضيع صلاته فقد ضيع نفسه، فهو الخاسر، ولن يبقى له غدا إلا الندم والحسرة {﴿ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ﴾} [1]
    عقوبات تارك الصلاة في الدنيا
    1 - من عقوبات تارك الصلاة في الدنيا كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «أنها تنسي العبد نفسه،: فإذا نسي نفسه، أهملها، وأفسدها...ومن عقوباتها: أنها تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فإن نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته»[2] «ومن عقوباتها أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، وبالجملة أنها تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق»[3]
    2 - يحبط عمله فقد جاء الوعيد الشديد لمن يترك صلاة العصر متعمداً من غير عذر حتى يخرج وقتها ، لحديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ ««مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُتَعَمِّدًا ، حَتَّى تَفُوتَهُ ، فَقَدْ أُحْبِطَ عَمَلُهُ»» [4] جاء في شرح الحديث: ««مَن تَرَكَ صَلاةَ العَصرِ فتَعَمَّدَ تأخيرَها عن وَقتِها، لِغَيرِ عُذرٍ؛ فقد حَبِطَ عَمَلُه، وبَطَلَ أجْرُه، وضاعَ ثَوابُه؛ فلا يَكونُ له أجْرٌ ولا ثَوابٌ»» [5] فإذا كان ترك صلاة العصر يحبط العمل، فتارك الصلاة بالكلية، الذي لا يصلي أصلا، أشد عقوبة، وأولى أن يحبط عمله. قال ابن القيم: «ولأن قبول سائر الأعمال موقوف على فعلها (الصلاة) فلا يقبل الله من تاركها صوما ولا حجا ولا صدقة، ولا شيئا من الأعمال، قال عون بن عبد الله: إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته أول شيء يسأل عنه، فإن جازت له نظر فيما سوى ذلك من عمله، وإن لم تجز لم ينظر في شيء من عمله بعد» [6]
    3 - لا يقبل دعاؤه فالمعاصي من موانع إجابة الدعاء. وقد جاءت النصوص تبين ذلك، فلا يقبل الله دعاء آكل الحرام كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ ««ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ»» [7] ولا يقبل الله الدعاء حال ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في حديث حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: ««والَّذي نفسي بيدِه لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتنهَوُنَّ عن المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللهُ أن يبعثُ عليكم عذابًا منه ثمَّ تدعونه فلا يستجيبُ لكم» »[8] فإذا كان أكل الحرام، والظلم، والذنوب، والغفلة، والشهوة واللهو، تمنع إجابة الدعاء كما ثبت ذلك في النصوص الصحيحة، فتارك الصلاة أولى ولا شك بهذه العقوبة، و تارك الصلاة غافل قلبه، لاه بالدنيا وشهواتها وقد قال النبي ﷺ: ««..وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ»» [9]
    4 - يتبرأ الله منه لحديث أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: ««أَوْصَانِي خَلِيلِي ﷺ أَنْ: لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ»» [10] قال الفيومي: «تفسر الذمة بالعهد، وبالأمان، وبالضمان»[11] أي تارك الصلاة ليس له عهد ولا أمان عند الله.
    5 - إساءة الظن به وبدينه لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ»» [12] قال ابن رجب: «وقد دلَّ هذا الحديث على أنَّ الدَّم لا يُعصَم بمجرَّد الشهادتين، حتى يقوم بحقوقهما، وآكد حقوقهما الصَّلاة؛ فلذلك خصَّها بالذِّكر»[13]
    وعَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ««صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِىِّ ﷺ الْفَجْرَ بِمِنًى، فَجَاءَ رَجُلاَنِ حَتَّى وَقَفَا عَلَى رَوَاحِلِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا النَّبِىُّ ﷺ فَجِىءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَ النَّاسِ؟ أَلَسْتُمَا مُسْلِمَيْنِ؟ قَالاَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا صَلَّيْنَا فِى رِحَالِنَا. فَقَالَ لَهُمَا:" إِذَا صَلَّيْتُمَا فِى رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا الإِمَامَ فَصَلِّيَا مَعَهُ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَة»» [14]

    6 - الشك في إيمانه لقوله تعالى: {﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾} [15] فنفى الله سبحانه الإيمان عن الذي يستكبر فلا يسجد له ولا يصلي، وقال الله تعالى: {﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾} [16] فاشترط الله على هؤلاء الذين أضاعوا الصلاة، أن يتوبوا، ويعودوا لصلاتهم، لينجوا من الغي، ومن عذابه سبحانه وتعالى.
    - قال الإمام القرطبي : « إلا من تاب : أي من تضييع الصلاة واتباع الشهوات فرجع إلى طاعة ربه و آمن به وعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة »[17]

    7 - نفي أخوة الإسلام عنه لقوله تعالى {﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾} [18] قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «فعلق أخوة المؤمنين بفعل الصلاة: فإذا لم يفعلوا، لم يكونوا إخوة للمؤمنين، فلا يكونوا مؤمنين، لقوله تعالى: إنما المؤمنون إخوة»[19]

    8 - يأخذه الله سبحانه بالتدرج، فكلما أذنب زاده الله من نعمه وأنساه التوبة، فيدنيه من العذاب قليلا قليلا، ثم يصبه عليه صبا فلا ينجو. فانتبه ولا تغتر بما ترى من نعم الله عليك في الدنيا، وأنت تارك للصلاة، ولا تظنن أن ذلك من محبة الله لك، فتكون مغرورا، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : ««إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا، عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّهُ اسْتِدْرَاجٌ ثُمَّ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿فَلَمّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ فَتَحنا عَلَيهِم أَبوابَ كُلِّ شَيءٍ حَتّى إِذا فَرِحوا بِما أوتوا أَخَذناهُم بَغتَةً فَإِذا هُم مُبلِسونَ﴾» [20]
    فلا تحسبن أن السعادة تكون في الانغماس في الملذات والشهوات، فليس مقياس السعادة التنعم في الدنيا وترك ما أمر الله به، ماذا لو زال عنك كل ذلك في طرفة عين بسبب الموت؟ وبماذا يا ترى تجيب مولاك إذا سألك لماذا لم تصل؟ وأنا أعطيتك الصحة، وأعطيتك المال، ويسرت لك العمل، والرزق...؟ ألا تعلم أن الموت آتٍ وأن كل آتٍ قريب، وكما يقال في المثل: «جاك الموت يا تارك الصلاة»

    9 - المعيشة الضنك وسوء الخاتمة فتارك الصلاة مُعرِض عن ذكر الله، قال تعالى { ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾} [21] قال الإمام القرطبي: «وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله: فاسعوا إلى ذكر الله»[22] وقد توعد الله من أعرض عن ذكره بضيق العيش، ثم أن يحشر يوم القيامة أعمى والعياذ بالله. قال تعالى {﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾} [23] قال الحافظ ابن كثير : «ومن أعرض عن ذكري أي : خالف أمري ، وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه»[24] وقال السعدي: «معيشة ضنكا: أي فإن جزاءه، أن نجعل معيشته ضيقة مشقة، ولا يكون ذلك إلا عذابا» [25]


    عقوبات تارك الصلاة في الآخرة

    10 - الخسارة والندامة لتارك الصلاة لأن قبول الأعمال متوقف على الصلاة : لحديث أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ : « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبدُ يَومَ القِيَامَةِ مِن عَمَلِهِ صَلاتُهُ، فَإِن صَلَحَت فَقَد أَفلَحَ وَأَنجَحَ، وَإِن فَسَدَت فَقَد خَابَ وَخَسِرَ» [26] قال يحيى بن سعيد : « بلَغَنِي أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ العَبْدِ الصَّلاَةُ، فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ، نُظِرَ فيما بقي من عمله، وإن لم تقبل منه، لم ينظر في شيء من عمله»[27] وقال علي القارئ : « وَإِنْ فَسَدَتْ : بِأَنْ لَمْ تُؤَدَّ، أَوْ أُدِّيَتْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ، أَوْ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ، فَقَدْ خَابَ : بِحِرْمَانِ الْمَثُوبَةِ، وَخَسِرَ: بِوُقُوعِ الْعُقُوبَةِ»[28]

    11 - لا يستطيع السجود في الآخرة إذا أمر بذلك قال الله تعالى: { ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾} [29]

    12 - الويل للمتهاونين بالصلاة قال الله تعالى: {﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾} [30] أي: غافلون عنها متهاونون بها، فسماهم مصلين لكنهم لما تهاونوا وأخروها عن وقتها وعدهم الويل.
    - قال الإمام الذهبي : « الويل : قيل هو شدة العذاب، وقيل هو وادٍ في جهنم لو سُيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حرّه، وهو مسكن من يتهاون بالصلاة ويؤخرها عن وقتها إلا أن يتوب إلى الله تعالى ويندم على ما فرّط » [31] فإذا كان هذا حال من تساهل فيها، فما حال من ضيعها وتركها بالكلية؟

    13 - الغي عقاب إضاعة الصلاة فبعد أن مدح الله سبحانه الأنبياء عليهم السلام والصالحين، لإطاعتهم ربهم، وأدائهم لفرائضه في سورة مريم، قال تعالى: {﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾} [32] قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : « فسوف يلقون غيا : واد في جهنم ، بعيد القعر ، خبيث الطعم» [33] وقال الإمام القرطبي : «والأظهر أن الغي اسم للوادي، سمي به لأن الغاوين يصيرون إليه» [34] وقال الحافظ ابن كثير : « إِلَّا مَن تَابَ... أي : إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات ، فإن الله يقبل توبته، ويحسن عاقبته، ويجعله من ورثة جنة النعيم»[35]
    تأخير الصلاة عن وقتها إضاعة لها قال تعالى: {﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾} [36] قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية ولكن أخروها عن أوقاتها» [37]
    - قال كعب الأحبار : « والله إني لأجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل : شرابين للقهوات تراكين للصلوات ، لعابين بالكعبات ، رقادين عن العتمات ، مفرطين في الغدوات ، تراكين للجمعات قال : ثم تلا هذه الآية : فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا » [38]
    وهذا حال كثير من الناس اليوم، والله المستعان.

    14 - عقاب الذي يتعمد النوم عن الصلاة مخيف ؛ فالذي يسمع الأذان ولا يقوم للصلاة، عقابه أليم: كما في حديث الإسراء والمعراج ؛ فعن سمرة بن جندب قال قال رسول الله ﷺ : «« أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُن فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى، قَالَ قُلْتُ لَهُمَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ.إِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة»» [39]
    - قال الحافظ ابن حجر : « وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ : فَمَرَرْتُ عَلَى مَلَكٍ وَأَمَامَهُ آدَمِيٌّ وَبِيَدِ الْمَلَكِ صَخْرَةٌ يَضْرِبُ بِهَا هَامَةَ الْآدَمِيِّ » [40] فالذي يتعمد النوم عن الصلاة المكتوبة يعاقب، بأن يهوى عليه ملك بصخره فيُشدخ (يكسر) رأسه، ولا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، هذا عذابه في القبر إلى قيام الساعة.

    15 - غضب الله ومقتُه على تارك الصلاة لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ : « « مَن تركَ الصَّلاةَ لقِيَ اللهَ وهو عليهِ غضبانُ» »[41] قال الطيبي : « ترك الفريضة أو تفويتها بلا عذر كبيرة، فإن لازم تركها ومات على ذلك، فهو من الأشقياء الخاسرين إلا أن يدركه عفو الله » [42]

    16 - الحشر مع المجرمين في سقر فيوم يكون أهل الجنة في جناتهم يتنعمون، ويسألون أهل النار عن سبب دخولهم سقر، يأتيهم الجواب كما ذكره الله تعالى في القرآن الكريم: {﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾} [43]

    17 - الحشر يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف، والعذاب معهم لأنه مثلهم، والدليل حديث عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبيِّ ﷺ: أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاةَ يَومًا فَقَالَ: « « مَن حَافَظَ عَلَيهَا كَانَت لَهُ نُورًا وَبُرهَانًا وَنَجَاةً يَومَ القِيَامَةِ، وَمَن لم يُحَافِظٍ عَلَيهَا لم يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرهَانٌ وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَومَ القِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرعَونَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بنِ خَلَف »» [44] نقل الإمام الذهبي قول بعض العلماء رحمهم الله تعالى: «وإنما يحشر تارك الصلاة مع هؤلاء الأربعة لأنه إنما يشتغل عن الصلاة بماله، أو بملكه، أو بوزارته، أو بتجارته، فإن اشتغل بماله حشر مع قارون، وإن اشتغل بملكه حشر مع فرعون، وإن اشتغل بوزارته حشر مع هامان، وإن اشتغل بتجارته حشر مع أبي بن خلف تاجر الكفار بمكة» [45]

    فيا تارك الصلاة؛ آن لك أن تحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وأن تصلي قبل أن يصلى عليك، واعلم أن من العلماء من يقول أن تارك الصلاة لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين[46] ؛ وإياك أن تكون من الذين يقبض الله أرواحهم وهو عليهم غضبان، فتندم وتقول يا رب أرجعني إلى الدنيا وسأتوب، وسأصلي، ... فيقال لك: كلا... فات الأوان، انتهى وقتك؛ {﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾} [47]
    والحمد لله رب العالمين.


    [1] - سورة طه 125 و126

    [2] - الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ابن قيم الجوزية ص 143

    [3] - كتاب الداء والدواء ابن القيم الجوزية ص 199

    [4] - رواه الإمام أحمد في مسنده 26946، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب

    [5] - الدرر السنية شرح الحديث 84230.

    [6] - كتاب الصلاة وحكم تاركها لابن قيم الجوزية ص 9.

    [7] - رَوَاهُ مُسْلِمٌ 1015

    [8] - رواه الترمذي وحسنه 2169

    [9] - رواه الترمذي 3479 والحاكم 1817 وغيرهما

    [10] - رواه ابن ماجة 4034 وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة 3275.

    [11] - المصباح المنير 1 241/1

    [12] - صحيح البخاري كتاب الصلاة الحديث رقم 38 وسنن النسائي كتاب الإيمان 105/8

    [13] - فتح الباري لابن رجب كتاب الصلاة باب فضل استقبال القبلة 283/2

    [14] - رواه أبو داود 575، والترمذي 219، والنسائي 2/112 والطبراني في المعجم الأوسط: 8/284، والبيهقي في السنن الكبرى للبيهقي 3787وغيرهم

    [15] - سورة السجدة الآية 1

    [16] - سورة مريم الآيتين 59و60

    [17] - تفسير القرطبي سورة مريم الآية 60

    [18] - سورة التوبة: الآية 11

    [19] - سورة الحجرات الآية 10: كتاب الصلاة وأحكام تاركها لابن قيم الجوزية ص 14.

    [20] - سورة الانعام الآية 44 رواه الإمام أحمد 17311 والألباني فى الصحيحة 423

    [21] - سورة طه الآية 14

    [22] - تفسير القرطبي سورة طه الآية 14

    [23] - سورة طه الآية 124

    [24] - تفسير ابن كثير طه 124

    [25] - تفسير السعدي طه 124

    [26] - سبق تخريجه ص

    [27] - سبق تخريجه ص: اول ما يحاسب

    [28] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 3/889

    [29] - سورة القلم الآيتين42 و 43

    [30] - سورة الماعون الآيتين 4 و 5

    [31] - كتاب الكبائر للإمام الذهبي: ترك الصلاة ص 16

    [32] - سورة مريم الآيتين 59-60

    [33] - تفسير ابن كثير سورة مريم الآيتين 59-60

    [34] - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي84

    [35] - تفسير ابن كثير: سورة مريم الآية 59

    [36] - سورة مريم الآية 59

    [37] - كتاب الكبائر لذهبي في ترك الصلاة ص 16

    [38] - سبق تخريجه وشرحه، انظر ص

    [39] - رواه البخاري 7047 و 1386 ومسلم، وأحمد 20106

    [40] - فتح الباري شرح صحيح البخاري 457/12

    [41] - سبق تخريجه ص

    [42] - فيض القدير شرح الجامع الصغير: المناوي شرح الحديث 8585

    [43] - سورة المدثر الآيات 38 إلى43

    [44] - رواه أحمد في المسند: 6576، وصحيح ابن حبان: 1467 سبق تخريجه ص

    [45] - كتاب الكبائر للحافظ شمس الدين الذهبي ص 19

    [46] - ذهب أكثر أهل العلم أن تارك الصلاة تهاونا يصلى عليه: قال ابن قدامه في المغني ج2 ص157: « لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين» وقالت طائفة من أهل العلم : لا يصلى عليه: قال الشيخ محمد صالح العثيمين «نعم الصلاة على العصاة جائزة، بل هم أحق من غيرهم؛ لأن الصلاة على الميت شفاعة له...وأما تارك الصلاة؛ فالقول الراجح من أقوال أهل العلم أنه كافر مرتد خارج عن الملة، ولا يجوز أن يصلي عليه أحد من المسلمين، وهو أعلم بحاله؛ لأن الله تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم في المنافقين ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾. ولأن الصلاة على الميت دعاء واستغفار له وقد قال الله عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ سورة التوبة الآية 113 فتاوى نور على الدرب الشريط 255.

    [47] - سورة المؤمنون الآيتين 99 و100


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: يا تارك الصلاة، صلّ قبل أن يُصلى عليك

    يا تارك الصلاة صلّ قبل أن يُصلى عليك (4)


    أبو عبد الرحمان زهير رزق الله

    احذر مداخل الشيطان للصد عن الصلاة
    الحمد لله الهادي من استهداه، الواقِي من اتَّقاه، الكافِي من تحرَّى رِضاه، حمدًا بالِغًا أمدَ التمام ومُنتهاه،
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجُوبها الفوز والنجاة، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا
    عبدُه ورسولُه ونبيُّه وصفيُّه ونجِيُّه ووليُّه ورضِيُّه ومُجتباه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ ما رجَا راجٍ عفوَ ربِّه ورُحماه،
    اعلم يا مؤمن، أن الشيطان عدو لنا، وأنه يسعى لغوايتنا، ولإضلالنا، وصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة،
    قال الله تعالى: {﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾} [1] قال الإمام البغوي رحمه الله: «أي لا تسلكوا الطُّرُقَ التي يدعوكم إليها الشيطان، فإنه يُورِدُكُم موارِدَ العَطَبِ» [2] فعلينا أن نتفطن له حتى لا نقع في مصايده،
    وإنه ليحزنني كثرة المتهاونين بالصلاة، والتاركين لها، وأعجب من الأعذار الواهية، والحجج البالية التي يجيبون بها، كلما سألت أحدهم عن سبب تضييعه للصلاة، فهذا يقول لك: أنا أعمل ألا تدري أن العمل عبادة؟ وهذا يقول: المهم القلب وليس الصلاة، وقائل: لن يدخل أحد الجنة بعمله، تصلي أو لا تصلي، وقائل: ما زلت صغيرا. وسأصلي عندما أترك المعاصي، وأخاف أن أبدأ الصلاة ثم أتوقف عنها...
    ماذا حل بنا؟ ألهذا الحد وصلنا؟ ألهذا الحد هانت علينا أنفسنا؟ ألهذا الحد استحوذ علينا الشيطان؟
    فإلى متى تأبى الصلاة وتهجرها، ألا تخشى أن تنام فلا تستيقظ، أو أن يأتيك الموت بغتة؟ فبأي وجه تلقى الله؟ وماذا ستقول له؟
    كلُّ ابنِ أُنْثى وإنْ طالَتْ سَلامَتُهُ يوماً على آلَةٍ حَدْباءَ مَحْمولُ [3]
    وحتما سيدركك يوما هادم اللذات ومفرق الجماعات، وسيسأل عنك: أين فلان؟ ألم تره؟ فيقال: أما دريت، لقد توفي منذ كذا وكذا ... فإياك ثم إياك أن تقول:
    1 - العمل عبادة...أنا مشغول كثيرا...ليس عندي وقت الآن ...: الجواب: نعم على المؤمن أن يعمل، ويجتهد، ويتخذ كل الأسباب، لكسب رزقه، والنجاح في عمله، لكن لا ينسى أن الله هو الرزاق، فقد أمرنا الله أن نعبده ووعدنا أن يرزقنا، قال تعالى: { ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [4] ونهانا سبحانه أن نغتر بالدنيا، حتى تنسينا حق الله علينا:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُور﴾} [5]
    وحذرنا النبي ﷺ عبادة المال: ««تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ...»» [6] وتعال معي نحسب: لو أن كل صلاة تأخذ منك (5) خمس دقائق، فالصلوات الخمس لا تتعدى نصف ساعة كامل اليوم، أليس بخيلا هذا الذي يبخل على نفسه، أن يجعل لربه وخالقه نصف ساعة في اليوم؟ أما الذي يقول أن العمل عبادة فليس هذا قرآنا ولا حديثا نبويا، لو كان عملك هذا عبادة لدرجة أنه يشغلك أن تعطي ربك خمس دقائق، فأنت غارق في العبادة: عبادة الدنيا، عبادة الشيطان، عبادة المال؛
    لماذا أهمل كثير من الناس الصلاة وعدوها عبئا ثقيلا عليهم وإذا ما ذكرهم أحد بها التمسوا لأنفسهم ألف عذر وعذرا، وتأولوا وأوجدوا لأنفسهم كل المخارج، لماذا يغضب أحدهم عندما يسمع من يقول أن تارك الصلاة كافر، مع أنه يبخل أن يعطي من خلقه، ورزقه، وأعطاه، ونعمه خمس دقائق من وقته.
    2 - لن يدخل أحد الجنة بعمله، تصلي أو لا تصلي...: الجواب: قد يقولها لك بعضهم، للدفاع عن تارك الصلاة، وهذه طريقة أعداء الدين، لصد الناس، وإبعادهم عن الصلاة، وإليك الشرح: نعم ثبت هذا الحديث ونصه: ««لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ، قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لا، وَلا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ»» [7] وهذا الحديث يفيد عدم الاغترار بالأعمال، والاعتماد عليها والرُّكونِ إليها، والطمع في عفوِ الله ورحمته، كما قال أهل العلم، وهو لا يتعارض مع الآيات الدالة على دخول الجنة بالأعمال: قال الإمام النووي رحمه الله: «وأما قوله تعالى {﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾} [8] و {﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾} [9] ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يُدخَل بها الجنة، فلا يُعارِض هذه الأحاديثَ، بل معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال، والهداية للإخلاص فيها، وقَبُولها برحمة الله تعالى وفضله» [10] وقال ابن باز رحمه الله : « والحديث يبين أن دخولهم الجنة ليس بمجرد العمل، بل لا بد من عفو الله ورحمته سبحانه وتعالى، فهم دخلوها بأسباب أعمالهم، ولكن الذي أوجب ذلك رحمته سبحانه، وعفوه ومغفرته» [11]
    3 - المهم القلب.. صحيح أنا لا أصلي ولكني لا أكذب ولا أخادع، فلن أكون كالذين يصلون ويعصون، يصلون ولا أخلاق لهم؟ الجواب: هذا من مداخل الشيطان، وليس هذا سببا يجيز لك ترك الصلاة، فهؤلاء ليسوا قدوة لنا، ولا مثلا؛ صحيح أن من أعظم المشكلات التي يعاني منها المسلمين في هذا الزمن، أن العبادات أصبحت تؤدى عند بعض الناس شكلية، لا آثار لها في القلوب ولا في النفوس، وأن الصلاة الصحيحة، هي الصلاة التي تثمر ثمرتها التي ذكرها الله تعالى في قوله { ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾} [12]
    وقد جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ ﷺ فقالَ: « «إنَّ فلانًا يصلِّي باللَّيلِ، فإذا أصبحَ سرقَ قالَ: إنَّهُ سيَنهاهُ ما يقولُ» وفي رواية قال: «ستمنعه صلاته»» [13]
    فمن زعم أن قلبه عامرا بالإيمان، أو أن قلبه نظيف، وهو تارك للصلاة، فهو يكذب نفسه، فقد أجمع علماء الإسلام أن الإيمان بالقلب دون عمل لا يكفي؛ قال الإمام أحمد ابن حَنْبَل رحمه الله: «الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وإذا عملت الحسن زاد، وإذا ضيعت نقص، والإيمان لا يكون إلا بعمل» [14]
    فمن كان قلبه عامرا بالإيمان حقا، لا بد أن يظهر ذلك في عمله؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «من الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح» [15]
    وهل خلق الله سبحانه الموت والحياة إلا ليمتحن الناس في أعمالهم؛ { ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ } [16]
    ثم عليك أن تكون منصفا، وتسأل نفسك؛ هؤلاء المصلون المقصرون، هل أنت المسؤول عن أعمالهم؟ اعلم أنك ستحشر وحدك، وستحاسب وحدك، قال الله تعالى: {﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾} [17] وهل سترمي نفسك في النار، إذا رموا أنفسهم في النار؟ وإذا كان الكذب والسرقة والغش والخيانة والزنا من كبائر الذنوب، فإن ترك الصلاة أعظم ذنبا وأكبر وزرا عند الله، من فعل هذه المعاصي، لأن الصلاة هي ما يميزنا عن غير المسلمين، قال ﷺ: ««إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ» » [18] فهل تلوم الذي يكذب والذي يسرق، ولا تلوم نفسك على ترك الصلاة، فلا تنه عن خلق وتأتي مثله، ابدأ بنفسك، صل، أعن نفسك والزمها بالصلاة، لا تتركها تقودك للتهلكة، ولا تترك الشيطان يحتال عليك، ويبرر لك أعظم معصية بعد الشرك، وهي تركك للصلاة.
    وأما من رأيته يصل ويعص، فعليك أن تنصحه وأن تبين له، فان لم يستجب فقد أديت ما عليك أمام الله، ولكن إياك أن تفعل مثله، وإياك ثم إياك ان تحتج به لتترك الصلاة.
    4 - سأصلي عندما أترك المعاصي، عندي أخطاء كثيرة وذنوب... سأصلي عندما أترك المعاصي، فمن النفاق أن أصلي وأعصي الله. في نفس الوقت...: الجواب: إن الله تعالى يقول: { ﴿إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾} [19] و { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾} [20] إن الصلاة هي التي ستعينك وتعطيك القوة الكافية لترك المنكرات، فيجب القيام بها لترك الذنوب وليس العكس، فلا تقل الصلاة تأتي بعد ترك المعاصي.
    والله تعالى يقول: { ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ } [21] فالصلاة هي التي تمحو الذنوب والخطايا. والنبي ﷺ يقول: ««أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِه شَيْءٌ»» [22] فإذا كانت الصلاة هي التي تمحو الذنوب والخطايا فهل من المعقول القول: أنا لا أصلي حتى أدع الذنوب، فمثل الذي يقول هذا: كمثل الذي يقول: أنا لا اغتسل لأنني متسخ، كثير الوسخ، هذا الكلام لا يقبله العقل، ترك الصلاة في ذاته معصية عظيمة أعظم من هذه الأخطاء الأخرى التي صعب عليك تركها.
    5 - أخاف أن أبدأ الصلاة ثم أتوقف عنها، لأن الذي يصلي ثم يتوقف ذنبه أعظم من الذي لا يصلي..: الجواب: كيف يمكن أن يكون الذي يطيع الله والذي يجتهد ليطيع ربه، كالذي لا يعبد ربه ولا يجتهد ليعبد ربه، أبدا لا تصدق، والدليل قوله تعالى: {﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾} [23] فلا تصدق هذه الحيلة الشيطانية: أن الذي يصلي ثم يتوقف، كالذي لا يصلي، أو أعظم منه ذنبا. ماذا نفعل لو أن رضيعا بدأ يتعلم المشي، هل نمنعه، هل نقول له توقف عن المشي ستسقط؛ لا أبدا، بل علينا أن نشجعه، فمن الحمق أن نمنع الرضيع المشي لأننا نخاف عليه أن يسقط مرة أخرى، كما هو حمق ألا تصلي لأنك تخاف أن تتوقف عن الصلاة.
    وقد ذهبت طائفة من العلماء إلى الحكم بالكفر على تارك الصلاة تركا كليا، أي الذي لا يصلي أبدا، وعدم تكفير من تركها أحيانا تكاسلًا مع اعترافه بتقصيره وذنبه؛ قال الشيخ العثيمين رحمه الله: «تارك الصلاة إنما يكفر إن تركها تركًا كليًّا، وأما إن كان يصلي، ويخلي، فإنه لا يكفر» [24]
    6 - فات الأوان ذنوبي كثيرة، لقد أسرفت وتعديت كل الحدود، لن يغفر الله لي...: الجواب: إن الله تعالى يقول : {﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ } [25] و في الحديث القدسي « «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا»» [26] فإذا كان الله سبحانه يقول لك، ورسوله ﷺ يقول: إن الوقت لم يفت بعد، والفرصة لم تنته، بشرط أن تتوب وتعود....فقم الآن، تب الى الله، وعد إلى ربك، ليغفر لك ذنبك، ويدخلك جنات تجري من تحتها الأنهار.
    قال ابن باز رحمه الله تعالى: «الواجب على المسلم ألا يقنط ولا يأمن، ويكون بين الرجاء والخوف، لأن الله ذم الآمنين، وذم القانطين، فقال سبحانه: أفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ، وقال سبحانه: لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. فالواجب على المكلف ذكرا كان أو أنثى ألا ييأس، ولا يقنط ويدع العمل، بل يكون بين الرجاء والخوف، يخاف الله، ويحذر المعاصي، ويسارع في التوبة، ويسأل الله العفو، ولا يأمن من مكر الله ويقيم على المعاصي ويتساهل» [27]
    7 - ما زلت صغيرا، سأستمتع بالدنيا قليلا، ثم أتوقف بعد ذلك..: الجواب: قال الله تعالى: َ {﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [28] ويقول ﷺ: « «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً. أَوْ مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً. يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا»» [29] وأقول لك هل أنت ضامن أنك ستعيش، كل هذه المدة حتى تتوب؟ وإن عشت وتمتعت وفعلت ما أردت في شبابك، هل أنت متأكد أنك ستعود يوما ما، وأنت كبير؟ ألا تظن أنك تكذب على نفسك، وأنك تسوف، وتأجل العمل دائماً إلى الغد؟ وهل سيأتي هذا الغد؟ تظل تقول بعد سأعمل، بعد سأتوب، بعد سأصلي، فإذا جاءك ملك الموت، فليس هناك لبعد بعد؛
    ثم اعلم أن الذي نشأ في طاعة الله أجره عند الله عظيم، وأنه في ظل الله، يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ ««سبعةٌ يُظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: ...وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى..»» [30] فاغتنم الفرصة فان الموت يأتي بغتة، وإن الصحة لا تدوم، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ ««اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ : شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ» » [31]
    8 - أنا مريض، أريد أن أصلي، ولكني لا أستطيع..: الجواب: اعلم شفاك الله، أن الإسلام دين يسر وخير، وقد جعل الله في كل عبادة يسرا ورحمة؛ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [32] و {﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج﴾ } [33] فمن كان فقيرا سقط عنه واجب الزكاة، ومن كان مريضا عاجزا سقط عنه الصوم، ويسقط الحج على من لم يستطع إليه سبيلا..، وكذلك الصلاة، يسرها الله لنا، فجعل للمسافر صلاة، وللمريض صلاة، وللعاجز صلاة، ولكنها العبادة الوحيدة التي لا تسقط عن المكلَّف بأي حال من الأحوال، فقد أوجبها الله على كل حال، ولم يعذر بها مريضا، و لا مسافرا، و لا خائفا: فلم يجعل لأحد عذرا في ترك الصلاة، قال ﷺ ««صَلِّ قَائِمًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ » » [34]
    - قال ابن تيمية: «وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ وَاجِبَاتِهَا كَالْقِيَامِ، أَوْ الْقِرَاءَةِ، أَوْ الرُّكُوعِ، أَوْ السُّجُودِ، أَوْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ» [35]
    9 - لا أعرف كيف أصلي، ولا حتى كيف أتوضأ، فماذا أفعل..: الجواب: إن كنت لا تعرف كيف تتوضَّأ، أو لا تعرِف كيف تصلي، فهذا عذرٌ أقبح مِن الذنب نفسه؛ وليس هذا عذرا لترك الصلاة، لأن الصلاة من المعلوم من الدين بالضرورة؛ أي يجب على كل مسلم أن يتعلمها ويحسنها، ولا يعذر للجهل بها أحد.
    ثم ألا تعلم أن الله تعالى حثَّ على العِلم: {﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِين لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ } [36] و { ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾} [37]
    وعن ابي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ««مَن سلَك طريقًا يلتمس فيه عِلمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجَنَّة»» [38]
    ثم عليك أن تسأل نفسك؛ هل الذين يصلون أحسن مني؟ هل هم أذكى مني؟ هل يزيدون علي بشيء؟ وإذا كان هذا عُذر مَن يجهل القِراءة والكتابة، وليس هذا بعذر، فليس من شروط الصلاة القراءة والكتابة، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصلون ومعظمهم لا يعرف القراءة ولا الكتابة، فما هو عذر حمَلَة المؤهلات العليا من الأطبّاء والمهندسين وغيرهم!؟! ما عُذرهم؟ وما حجتهم في ترْك الصلاة؟ هل هو الجهلُ أيضًا؟! أم إنَّه الكِبْر وحب الدُّنيا، واتباع الهوى؟!
    لا شك أنَّنا نعيش فقرًا دينيًّا وأخلاقيا في زمننا هذا، فقد صارتِ الصلاةُ عندَ الكثير ثقيلة على القلوب، فإذا مات أحدهم علم أنه كان من الغافلين.
    10 - تخلف وجهل وكلام من العصور الوسطى...: الجواب: قد يقول بعضهم حين يسمع من يتحدث عن الصلاة، أو عن أمر من أمور الدين: هذا تخلف وجهل..: فلا تأبه لهم، فهذا كلام أعداء الإسلام، من الهمج والرعاع، ومن لف لفهم من الملحدين، خرجوا في هذا الزمن يزحفون من جحورهم كالحيات والثعابين ؛ يبثون الشبهات، ويشنون الحملات على الدين وأهله، يدّعون الحداثة والتقدمية ، ويحسبون أنهم مثقفون، وإنما هم صُم بكم عمي، كما وصفهم الله سبحانه، لأنهم لا يبصرون النور، ولا يهتدون السبيل، بسبب جهلهم، ورفضهم للحق، وبغضهم للإسلام والمسلمين، {﴿ومَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾} [39] ما أكثرهم في هذا الزمن، يظهرون الحق في صورة الباطل، ويقلبون الباطل ليظهروه حقا ؛ همهم الوحيد إفساد الشباب المسلم ، ونشر الإلحاد والانحلال، والانحرافات والمعاصي، وكل ما يخالف الشرع والدين ؛ فلا تأبه لهم، ولا تنصت لما يقولون، إنما هذه حيلهم، ليحرجوك، وليحبطوك، وليجعلوك تتخلف وتستحي، وتبعد عن الصلاة، فلا يهمك إن قالوا عنك متطرف، أو قالوا متعصب، أو متخلف، أو رجعي...فقد قالوا عن النبي ﷺ أكثر من ذلك ، واعلم أن صاحبك هذا الذي يبعدك عن الصلاة، بكذبه، وفلسفته الساقطة، سيكون غدا أول من يتبرأ منك، إذا كان الشيطان نفسه يتبرأ غدا من أوليائه، قال الله تعالى: وَ {﴿قَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُم ْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم﴾} [40] فإياك أن تصاحب من يبعدك عن الله وعن الدين فتندم، فغدا حين تكون بين يدي ربك، لن ينفعك إلا إيمانك وصلاتك وأعمالك الصالحة.
    ونقول لهؤلاء المستهزئين بالدين، احذروا من التمادي في الغفلة، وتضييع طاعة الله سبحانه، والضحك، والسخرية بعباده المتقين، فإن الحسرة والندم لن تنفعكم، إذا جاء أمر الله، قال تعالى: { ﴿أَن تَقُولَ نَفۡسࣱ یَـٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِی جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِینَ أَوۡ تَقُولَ لَوۡ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِی لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِینَ أَوۡ تَقُولَ حِینَ تَرَى ٱلۡعَذَابَ لَوۡ أَنَّ لِی كَرَّةࣰ فَأَكُونَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ} [41] قال قتادة: «فلم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر بأهل طاعته»[42] فتنبهوا وأفيقوا وارجعوا الى ربكم قبل أن تندموا وتتحسروا، ولن تفيدكم يومئذ ضحكاتكم، ولن ينفعكم الندم.
    11 - ولدي لا يريد أن يصلي، احترت معه، لا أدري ماذا أفعل..: الجواب: فقد يقول الرجل أو تقول المرأة: ولدي لا يصلي، حاولت معه بكل الطرق دون فائدة؛ اعلم يرحمك الله أنه يجب علينا تعليم أبنائنا الصلاة منذ الصغر، وتعويدهم إياها، وتأديبهم على المحافظة على أدائها، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: « «مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ واضربوهُم عليها وهمْ أبناءُ عشرٍ وفرِّقوا بينهُم في المضاجعِ»» [43]
    فالطفل الصغير كالشجرة الصغيرة إن قومتها وعدلتها نمت معتدلة مستقيمة، وإن أهملتها كبرت معوجة مائلة، وصعب عليك بعد ذلك تقويمها، كما قال الشاعر:

    قد ينفع الأدب الأطفال في صغرٍ وليس ينفعهُم من بعدِه أدبُ
    إن الغُصُونَ إِذا قَوَّمْتَها اعتدلْت ولا يلينُ إِذا قَوَّمْتَهُ الخَشَبُ [44]
    - قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «والعناية بأهل البيت، لا تغفل عنهم يا عبد الله، عليك أن تجتهد في صلاحهم، وأن تأمر بنيك وبناتك بالصلاة لسبع، وتضربهم عليها لعشر، ضربا خفيفا يعينهم على طاعة الله، ويعودهم أداء الصلاة في وقتها، حتى يستقيموا على دين الله ويعرفوا الحق، كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» [45]
    - قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «الأمر للوجوب، لكن يقيد بما إذا كان الضرب نافعاً؛ لأنه أحياناً تضرب الصبي ولكن ما ينتفع بالضرب ، ما يزداد إلا صياحاً وعويلاً ولا يستفيد ، ثم إن المراد بالضرب الضرب غير المبرح ، الضرب السهل الذي يحصل به الإصلاح ولا يحصل به الضرر» [46]
    أما إن كبر الطفل فقد بين أهل العلم: أنه لا بد من نصيحته، واستعمال الطرق التربوية معه، كدعوته بالموعظة الحسنة، وبالمناقشة والإقناع، ودفعه نحو الصاحب الصالح المستقيم، والاستعانة بالكبار كأبيه وأخيه وعمه، ليبينوا له، فإذا أصر جاز عقابه بحرمانه بعض الأشياء التي يحبها، وجاز بعد ذلك هجره للتأديب.

    الخاتمة:
    لا تحزن يا مؤمن.. ولا تقلق.. ولا تعط الدنيا أكبر من حجمها، فلن تنال منها إلا ما كتبه الله لك.
    فإلى متى تضيع الصلاة، وهي عماد الدين، وأساس الإسلام، وأساس النجاح والفلاح، وعهد الله على المسلمين.
    هيا قم، اقرع الباب، باب الله، وقل له قد جئتك يا رب نادما تائبا، وستجد الصلاة سهلة طيبة، وستحس بحلاوتها، وسترى أبواب الدنيا تفتح أمامك.
    صَل صلاتك في أوقاتها، حافظ عليها في المسجد مع المؤمنين، أكثر من ذكر الله، ومن تلاوة كتابه، اعمل صالحا، تتزود به في طريقك للدار الاخرة، فالموت مفترق هذا الطريق، إما الى نعيم، وإما الى جحيم، فاختر لنفسك أي الاتجاهين تريد...
    قال تعالى: {﴿كلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ } [47]

    والله من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين.
    ============================== ==============
    [1] - سورة المائدة الآية 91

    [2] - شرح السنة للبغوي 404/14

    [3] - قصيدة البردة، بانت سعاد، لكعب بن زهير رضي الله عته.

    [4] - سورة الذاريات الآيات 56-58

    [5] - سورة فاطر الآية 5

    [6] - رواه البخاري عن أبي هريرة 2887

    [7] - رواه البخاري 5673 ومسلم 2816

    [8] - سورة النحل الآية 32

    [9] - الزخرف: 72

    [10] - شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 116

    [11] - فتاوى نور على الدرب 115

    [12] - سورة العنكبوت الآية 45

    [13] - أخرجه أحمد 9777 والبزار 9217 وابن حبان 2560 والألباني في الصحيحة 3482

    [14] - كتاب الإيمان لأبي يعلى ص 153

    [15] - من مجموع الفتاوى 7/616

    [16] - سورة الملك الآية2

    [17] - سورة المدثر الآية 38

    [18] - سبق تخريجه ص

    [19] - سورة العنكبوت الآية 45

    [20] - سورة البقرة الآية 45

    [21] - سورة هود الآية 114

    [22] - سبق تخريجه ص

    [23] - سورة الزلزلة الآية 7

    [24] - انظر الفتاوى: 212992 و310264

    [25] - سورة الزمر الآية 53

    [26] - رواه مسلم عن ابي موسى الأشعري 2759

    [27] - فتاوى نور على الدرب لابن باز 38/4

    [28] - سورة آلِ عمران الآية 133

    [29] - رواه مسلم عن ابي هريرة 118

    [30] - حديث متفق عليه: البخاري 660 ومسلم 2427

    [31] - أخرجه الحاكم 7846 والبيهقي 10248 والألباني في صحيح الترغيب والترهيب 3355

    [32] - سورة البقرة الآية 185

    [33] - سورة الحج الآية 78

    [34] - أخرجه البخاري عن عمران بن حصين 1117

    [35] - مجموع الفتاوى 437/8

    [36] - سورة الزمر الآية 9

    [37] - سورة المجادلة الآية11

    [38] - رواه أبو داود 3641، والترمذي 2682، وابن ماجه 223، وأحمد 21715

    [39] - سورة النور الآية 40

    [40] - سورة ابراهيم الآية 22

    [41] - سورة الزمر57-58

    [42] - جامع البيان في تفسير القرآن للإمام الطبري سورة الزمر58

    [43] - أخرجه أبو داود 495 وأحمد 6756 وصححه الحاكم في المستدرك 1/ 197

    [44] - البيتان لصالح عبد القدوس: جامع بيان العلم ج 1 ص 83 لسابق البربري

    [45] - مجموع فتاوى ابن باز 6/46

    [46] - لقاء الباب المفتوح 95/18

    [47] - سورة آل عمران الآية 185


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •