تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: أخطاء الواقفين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,137

    افتراضي أخطاء الواقفين

    أخطاء الواقفين (1-10)
    الرياء والمن وإهمال كتابة الوقف وتوثيقه وترك الإشهاد عليه





    شرع الوقف لأهداف سامية، ومقاصد نبيلة، وامتاز بتنظيم محكم دقيق، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الواقفين من الانحراف به عن نهج الشريعة، وقصد الشارع من إنشائه.

    وليس في ذلك عيب في الوقف ونظامه وأحكامه، فإن جميع الأحكام قد شرعت لتحقيق مصالح الناس وسد حاجاتهم، إلا أن التطبيق العملي لهذه الأحكام قد أخرج بعضها عن الأهداف التي شرعت لأجلها، والمقاصد التي جاءت لتحقيقها، وذلك نتيجة لبعد الناس عن تعاليم الإسلام الحقة، وجهلهم بمعرفة الحكمة من تشريع هذه الأحكام(1 ).



    والأخطاء في تطبيق الوقف، قد يقع بها الواقف – غالباً عن غير قصد منه – وأحيانا تقع تلك الأخطاء مع حرص الواقف في استمرار وقفه، وتحقيق منافعه للموقوف، إلا أن الحرص وحده لا يكفي إن لم يقترن معه الوعي التام، والتوجيه المبني على أسس علمية وشرعية وقانونية .



    ولا شك أن تسليط الضوء وكشف غير الصواب الذي يمارسه بعض الواقفين باب عظيم من أبواب إحياء سنة الوقف ونشر ثقافته، ونجاح مؤسساته واستمرار نمائه وعطائه .



    ولذلك جاءت تلك المقالات لبيان تلك الأخطاء، من أقوال وأفعال وأحداث لا تصح، وتضر بالوقف ومقاصده التي شرع من أجل تحقيقها، وأردفتها بالتوجيه للصواب في الوقف، وقد وسمتها بعنوان: (أخطاء الواقفين) لعله يكون فيه نفع لحفظ الأوقاف وتفعيل دورها على مستوى الشعوب والدول والأمة بأكملها .



    وسأخصص في كل مقالة خمسة أخطاء أذكرها وأنبه على الصواب فيها وأبدأها بالأخطاء الآتية :



    1-الوقف رياء وسمعة :



    شرع الوقف رحمة من الله تعالى بعباده، واستثماراً للمال في دنياهم لآخرتهم ، فالوقف عمل يقدمه المسلم في حياته، ويستمر معه أجره إلى يوم الدين، لا تُطوى معه صحائف الأعمال؛ بانتهاء آخر صفحات الحياة، بل تزداد فيها الحسنات أضعافاً مضاعفة.



    وهو من علامات التوفيق للعبد، أن يفتح على يديه من الخير ما يوفر للناس مشربهم ومطعمهم، في أماكن هم بأمس الحاجة فيها للماء، وقد تعددت مجالات سقي الماء، وتيسَّرت كثير من الأسباب المعينة على توفيره. فالموفق: من وفق لهذا النهر العظيم من الحسنات الجارية، والمحروم: من حرم هذا الخير الجزيل.



    والواقف إذا أوقف وقصد بوقفه السمعة والرياء فإن ذلك يبطل الأجر والمثوبة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}(البقرة : 264).



    فالذي يوقف رئاء الناس قصد بحبسه غير وجه الله تعالى؛ لأن الإنسان إذا أنفق متبجحا بفعله، ولم يسلك طريقة التواضع والانقطاع إلى الله، والاعتراف بأن ذلك من فضله وتوفيقه وإحسانه، فكان كالمان على الله تعالى.



    فقصد القربة إلى الله تعالى، ومساعدة الآخرين وتحقيق حاجاتهم، باب للأجر والمثوبة، والذي يقصد بعمله الرياء والسمعة، فإن ذلك يضيع الأجر والمثوبة، إن لازم عمله مراءاة الناس مِن الأصل. وعلى الواقف أن يجعل عمله في وقفه خالصاً لله وحده. ولكن ليس مِن الرياء أن يُسرَّ الواقف بوقفه؛ لأن ذلك دليل إيمانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَن سرَّته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن».



    2- المنّ في الوقف وأذى الموقوف عليهم :


    والمن من الواقف بأن يرى نفسه محسنا، وأن يتعمد إظهار وقفه والتحدث به، وطلب المكافأة من الموقوف لهم، بالشكر والخدمة والتعظيم والمتابعة في الأمور، أما الأذى فهو الاستخفاف بالموقوف لهم وإسماعهم ما لا يليق من القول .



    وقد أثنى الله تعالى في كتابه الكريم على المنفقين المخلصين، وذم المنفقين المانين والمرائين، فقال سبحانه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿262﴾ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴿263﴾ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴿264﴾}(البقرة:262-263-264).



    فمن أتبع نفقته مناً أو أذًى بطل أجره، كما هو صريح قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى}(البقرة: 264). روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد بالمن: المن على الله تعالى، والأذى الأذى للفقير.



    والمنّ كبيرة من كبائر الذنوب؛ جاء في الحديث النهي عن المن بالصدقة، ففي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب». قال الضحاك : «ألا ينفق الرجل ماله خير من أن ينفقه ثم يتبعه منا وأذى». فعلى الواقف الإخلاص لله، وأن يكون وقفه صحيحاً موافقاً للشروط الشرعية، ولا يتبعه مناً ولا أذى حتى يتحقق له الثواب المستمر من الله تعالى.



    3- إهمال كتابة الوقف وتوثيقه :


    توثيق الأوقاف من أعظم أسباب حفظها واستمرارها، ودفع أيدي المعتدين والطامعين فيها، وهو السبيل الذي يحقق مقاصد الواقفين في بقاء أوقافهم مع تعاقب السنين، والحفاظ عليها من الضياع والاندثار، والتقيد بمصارفها كما نص عليها الواقف، وضبطها من التغيير والأهواء.


    والحكمة من مشروعية التوثيق للوقف واضحة جلية، قال الشيخ العلامة السعدي رحمه الله: «فكم في الوثاق من حفظ حقوق، وانقطاع منازعات»( ). كما أن في إثبات الأوقاف وضبط إجراءاتها حفظاً لها من الاندراس والنسيان، أو الاعتداء عليها بالظلم والعدوان، وضبط جميع الحقوق المتعلقة بها، وهو مقصد معتد به في الشرع( ).



    وإثبات الوقف بالكتابة -أيضاً-؛ لأن الكتابة أبقى من الشهادة؛ لذهاب أعيان المستشهد بهم، ووقف عمر بن الخطاب ثبت - بداية - بالإشهاد في عهد رسول الله، وكتابة الأحاديث النبوية الشريفة الخاصة به وتدوينها، ومع ذلك كتب عمر رضي الله عنه وثيقته وأشهد عليها؛ لأن في توثيق الوقف صيانة للحقوق، وقطعاً للمنازعة، وديمومة للوقف.



    4-ترك التفصيل في وثيقة الوقف :


    من المستحب تفصيل الواقف وقفه في وثيقة؛ لحفظه واستمراره، وإزالة اللبس في أعيانه وحدوده وشروطه ومصارفه، ومن يتولاه في النظارة.


    وقد اتفق العلماء على أن شروط الواقف -في الجملة- مصانة في الشريعة، وأن العمل بها واجب»( 3). وعبَّر ابن القيم - رحمه الله - عن هذا المعنى بقوله: «الواقف لم يُـخرج ماله إلا على وجه معين؛ فلزم اتّباع ما عينه في الوقف من ذلك الوجه.



    وأهل العلم رفعوها إلى منـزلة النصوص الشرعية؛ من حيث لزومها، ووجوب العمل بها، فقالوا: «إن شرط الواقف كنص الشارع»( 4). ولكن هذه الشروط لا تكون بهذه المنـزلة إلا إذا كانت محققة لمصلحة شرعية، أو موافقة للمقاصد العامة للشريعة، وهي المتمثلة في: حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال.



    أوضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بقوله: «من قال من الفقهاء: إن شروط الواقف نصوص كألفاظ الشارع، فمراده: أنها كالنصوص في الدلالة على مراد الواقف؛ لا في وجوب العمل بها، والشروط إن وافقت كتاب الله كانت صحيحة، وإن خالفت كتاب الله كانت باطلة«(5 ).



    5- ترك الإشهاد على الوقف :


    وذلك يكون بداية من الواقف، ظناً منه أن ذلك أكثر أجراً، وهذا قد يدفع بعض الورثة إلى كتمان الوقف الذي أوقفه مورثهم، ويتلفون عمداً أي ورقة كتبها المورث(6 )؛ ليتصرفوا فيه بيعاً ونفعاً. فلا مرجعية في ذلك بعد أن أتلفت وثائق الوقف.



    ومن الأخطاء كتم الوقف وإخفاؤه، فالأصل في الوقف أن يُشاع بين الناس، ومما عُرف في العهود الإسلامية أن الواقفين كانوا يتعمدون الإعلام عن أوقافهم حتى يعرف الناس - على اختلاف - طبقاتهم بالوقف وشروطه. ومن الطرق التي نقلتها كتب التاريخ في القاهرة، زف كتاب الوقف بالأناشيد والأشعار في شوارع القاهرة، فضلا عن الحفلات التي تقام - عادة - عند افتتاح المنشآت الموقوفة مثل المدرسة وغيرها( 7).



    وفي العهود الإسلامية لجأ بعض الواقفين إلى الإكثار من الشهود على كتاب الوقف، ومما ذكره المقريزي - عند كلامه عن الدار البيسرية التي أنشاها الأمير بدر الدين الشمسي الصالحي النجمي - أنه أشهد على وقفه اثنين وتسعين عدلا(8 ).



    الهوامش:


    1 - انظر : (أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية)، د.محمد الكبيسي، (1/35).


    2 - (تيسير الكريم الرحمن) (ص 141).


    3 -انظر: (الأصول الإجرائية لإثبات الأوقاف) للشيخ عبد الله بن محمد بن سعد آل خنين، بحث ضمن بحوث ندوة الوقف والقضاء، الرياض (10-12 صفر 1426هـ).


    4 - (إعلام الموقعين» (1/236).


    5 - (الدر المختار ورد المحتار) (3/426، 434، 456)، (الشرح الصغير) (4/119)، (مغني المحتاج) (2/385)، (كشاف القناع) (4/286-290)، «المغني» (8/234).


    6 - ينظر: «مجموع الفتاوى» (31/448).


    7 - وكتم الوقف أشد إثماً من تغييره وتبديله .


    8 - ينظر المصدر السابق ص85، نقلا عن المقريزي (المواعظ والاعتبار)، ص 89،101


    9 - (الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر) د.محمد محمد أمين صـ85 نقلا عن المقريزي، (المواعظ والاعتبار)، ص69.



    اعداد: عيسى القدومي





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,137

    افتراضي رد: أخطاء الواقفين




    أخطاء الواقفين (2-10) الوقف بقصد الإضرار بالورثة و الوقف لبعض الأولاد



    الحلقة الثانية وفيها خمسة أخطاء أذكرها وأنبه إلى الصواب فيها :
    1- الوقف بقصد الإضرار بالورثة :
    نظام الوقف نظام محكم، جاء لتحقيق مصالح الناس وتوفير حاجاتهم، إلا أن بعضهم استغل ذلك النظام ليكون طريقاً لحرمان الورثة أو بعضهم من حقوقهم في الميراث. وهذه العلة قديمة حذر منها سلفنا الصالح، وعالج بعض صورها الفقهاء، بعد أن عمد بعض الناس إلى استغلال الوقف استغلالاً يبعده عن مقاصده وأهدافه التي شرع لتحقيقها، وفي مقدمتها الإضرار بالورثة، وفي ذلك بعدٌ عن قصد البر والتقوى والقربة إلى الله تعالى، وجريان الحسنات إلى ما بعد الممات، فمنهم من تعمد الوقف بماله كله أو جله قبل موته، ليضر الورثة أو ببعضهم .

    ومما لا شك فيه: أن هذا التصرف مخالف للشريعة ومقاصدها؛ لذا تصدى له الفقهاء والعلماء، وأوجدوا له الحلول لكي لا يخرج الوقف عن مقاصده، وإعادته إلى نبعه النقي، فالشوكاني يقول: “من وقف شيئاً مضارة لوارثه كان وقفه باطلاً” (1).

    والحاصل أن الأوقاف التي يراد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل، ومخالفة فرائض الله عز وجل، فهي باطلة من أصلها لا تعقد بحال؛ لأن الواقف لم يرد من وقفه التقرب إلى الله تعالى، بل أراد المخالفة لأحكام الله تعالى، والمعاندة لما شرعه لعباده ( 2).

    2- الوقف للأولاد دون البنات:

    الوقف الأهلي أو الذري من أعمال البر والصلة والقربى، وقد أوقف قسماً من الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم - أوقافاً على ذراريهم وقرابتهم، كما فعل عمر وأبو طلحة والزبير وغيرهم من الصحابة – رضي الله عنهم- ومقصدهم التقرب إلى الله تعالى، وحفظ كرامة من يعولون، وعلى ذلك سار سلفنا الصالح .

    إلا أن هذا السلوك قد تغير مع مرور الأيام، فعمد بعضهم في وقف الأوقاف على ذريته، واشتراط منافعها على أولاده من الذكور دون بناته الإناث، وفي ذلك خروج ومخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»(3).

    وقد ظهر في آخر عصر الصحابة اتخاذ الوقف طريقا لحرمان بعض البنات من نصيبهن، واستنكرت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- ذلك ، فكانت تقول : «ما وجدت للناس مثلا اليوم في صدقاتهم إلا كما قال الله عز وجل : {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (الأنعام: 139)، والله إنه ليتصدق الرجل الصدقة العظيمة على ابنته فترى غضارة «طيب العيش» صدقته عليها وترى ابنته الأخرى وإنه لتُعرف عليها الخصاصة لما حرمها من صدقته».

    وللخليفة عمر بن عبد العزيز الأموي قول قبل مماته: بأنه كان عازما على أن يرد صدقات الناس التي أخرجوا منها البنات، ولكن المنية عاجلته قبل أن ينفذ ذلك (4).
    وقال الإمام مالك في رواية عنه: «إنه من عمل الجاهلية»(5)؛ لما في ذلك من التحايل على حرمان المرأة من الميراث.

    3- الوقف لبعض الأولاد دون غيرهم :

    وفي ذلك خروج الوقف الأهلي (الذري) عن أهدافه، وتلك الشروط التي يمليها الواقف في وثيقة وقفه فيها أضرار لبعض الورثة، وزرع الفرقة بينهم، والبغضاء في نفوسهم .

    وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الشهادة على تخصيص بعض الأولاد بالعطية من غير سبب يبيح ، وسماه جورا ، وذلك فيما رواه مسلم (1623).

    عن محمد بن النعمان بن بشير يحدثانه عن النعمان بن بشير أنه قال إن أباه أتى به رسول الله ، فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله : أكل ولدك نحلته مثل هذا، فقال لا، فقال رسول الله : فأرجعه”(6) . ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلام .

    قال ابن قدامة رحمه الله : « يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية, إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل , فإن خص بعضهم بعطيته , أو فاضل بينهم فيها أثم , ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين: إما رد ما فضل به بعضهم, وإما إتمام نصيب الآخر. قال طاوس: لا يجوز ذلك, ولا رغيف محترق. وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد, وعروة(7) .

    فيجب على الوالد العدل بين أولاده ذكورهم وإناثهم حسب الميراث، ولا يجوز له أن يخص بعضهم بشيء دون البقية إلا برضى المحرومين إذا كانوا مرشدين، ولم يكن رضاهم عن خوف من أبيهم، بل عن نفس طيبة ليس في ذلك تهديد ولا خوف من الوالد، وعدم التفضيل بينهم أحسن بكل حال، وأطيب للقلوب(8) .

    4- حصر الوقف في العقار فقط :

    لا يشترط في الوقف أن يكون عقاراً ذا قيمة عالية، بل إن الله تعالى يسر أعمالاً كثيرة تجري بها الحسنات بعد الممات لجميع خلقه، فيمكن للمسلم أن يوقف مصحفاً أو يجري نهراً، أو يغرس نخلاً، أو يحفر بئراً، أو يحبس فرساً في سبيل الله، وغيرهاً من الأعمال التي يدوم أجرها ونفعها. فعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سبع يجري للعبد أجرهُنَّ وهو في قبره بعد موته: من علّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته»(9).

    والحديث جمع سبعاً من الأعمال التي تُعد من الوقف الإسلامي، تجري فيها الحسنات لصاحبها إلى ما بعد الممات، وتتنوع تلك الأعمال لتوسيع دائرة الاختيار، وهذا من فضل الله تعالى على عباده ورحمته بهم أن فتح لهم أبواباً من الخير يدوم فيها الأجر والمثوبة.

    فالوقف الإسلامي من سماته الشمول: فهو إما خيري، أو ذري أوكلاهما. وكذلك من سماته التنوع: فإما أن يكون للحاجات المادية؛ كالمأكل والمشرب والملبس والعلاج، أو لتوفير الحاجات المعنوية، كالتعليم والتطوير، أو للحاجات النفسية، كإدخال السرور في النفوس، وتوفير الحياة التي تحفظ للإنسان كرامته. فالوقف ليس محصوراً في الأراضي والدور، بل يتعدى ذلك إلى كل ما جاز الانتفاع به وصح وقفه، وإن قل ثمنه، فلا يشترط للوقف مبالغ كبيرة .

    5- التهاون في رد المعتدين على الوقف:

    يتراخى بعض الواقفين في المدافعة عن الوقف؛ فالوقف المغصوب إن كان موجوداً وباقياً فيه يد غاصبة وجب رده، بلا خلاف بين العلماء لعموم وجوب رد عين الوقف المغصوبة وجاء في الفتاوى الهندية: ولو غصبها – أي الأراضي الموقوفة – من الواقف ، فان أبى وثبت غصبه عند القاضي حبسه حتى الرد(10).

    وما عمت به البلوى طمع الناس في أموال الأوقاف؛ ولهذا شدد الفقهاء في إجبار المعتدي على الوقف أن يعيده كما كان وإن لم يكن ذلك تؤخذ منه القيمة ليشتري بها وقفا مكانه؛ ولهذا على المعتدي الضمان بالقيمة.

    قال ابن فرحون رحمه الله: «ومن كسر خشبا من خشب المسجد فعليه أن يرد البنيان والخشب كما كان، ولا تؤخذ منه القيمة؛ خوفا من أن تؤخذ القيمة فلا يرد على حاله، فيؤدي ذلك إلى تغيير هيئة الخشب»(11) .

    الهوامش:
    1- الدرر البهية مع الدراري المضية 2/141 ) .
    2 - انظر: أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية،د - محمد الكبيسي (1/37 )
    3 - المدونة الكبرى ج4 ص 245.
    4 - المدونة الكبرى ج4 ص 245.
    5 - شرح الخراشي:88/5 .
    6- أخرجه مسلم في صحيحه ، برقم (1623) .
    7 - المغني ( 5/387 ) .
    8 - فتاوى الشيخ ابن باز (20/51)
    9 -أخرجه أبو نعيم في (حلية الأولياء) (2/390)، وحسنه الألباني في (صحيح الجامع) برقم: (3602)، ونحوه في (صحيح الترغيب)، برقم: (73).
    10- الفتاوى الهندي (2/421) .
    11- انظر: أحكام الأوقاف ص202 .

    اعداد: عيسى القدومي

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,137

    افتراضي رد: أخطاء الواقفين

    أخطاء الواقفين (3-10) الوقف لأمور بدعية مخالفة للشريعة والوقف من أموال الزكاة



    1- الوقف لأمور بدعية مخالفة للشريعة:
    الوقف أحد التشريعات التي تهدف إلى تحقيق الصلاح للإنسان ومن حوله، والصلاح لا يتحقق إلا بجلب المصالح ودرء المفاسد لهذا الإنسان، فإن الوقف يدخل ضمن المصالح التي تندرج في مقاصد الشريعة.
    والشريعة الإسلامية أعطت الحق للواقف بأن يشترط ما يشاء في وقفه شريطة أن لا تتعارض شروطه مع مقاصد الشريعة، ومن مقاصد الشريعة حفظ الدين كما شرع.

    ومن الشروط التي نص عليها العلماء أن تكون منفعة الموقوف مباحة، لا حُرمة فيها، وعليه فلا يصحّ وقف ما كانت منافعه محرّمة كآلات اللهو، وما أشبهها؛ لأن الوقف قُربة والمعصية تنافيه .

    فإن وقف على معصية من المعاصي فيكون ذلك إعانة على فعل المعاصي ، وتثبيتاً لوجودها ،فلا يصحّ وقف يكون ريعه لمعابد الكفّار، كالكنائس والبيعّ ، ولا على خدمتها، وفرشها وقناديلها، ولا على تأسيسها أو ترميمها، وغير ذلك مما يتعلق بها.
    ومثل هذا وقف السلاح على أصحاب الفتن وقّطاع الطرق ، فإن ذلك لا يجوز أيضا؛ لأن فيه الإعانة على المعاصي ، كما سبق أن ذكرنا.

    وكذلك الأوقاف التي توقف على القبور لرفع سمكها، أو تزيينها، أو فعل ما يجلب على زائرها فتنة، وكذلك أوقاف خصصت للموالد وجلسات الذكر البدعية, وغيرها من المخالفات .

    2- تأخير الوقف إلى مرض الموت:

    وهو المرض الذي يتصل بالموت، ويشترط لتحقق أن المرض مرض الموت أن يتصل به موت الإنسان . فإن مات في مرضه كان الاعتراض على تصرفاته التي تبقى موقوفة لحين وفاته.
    واعتبر الفقهاء وقف المريض مرض الموت كالوصية فهو لازم في حدود الثلث، كتصرف مضافاً إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية . فلا تعتبر تبرعات المريض – مرض الموت- إن كان له وارث إلا في ثلث ماله . إلا إذا أجاز وارثه التبرع فيما زاد على ثلث ماله. (ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف ، ص 265 ).

    فمن الأولى أن يوقف الواقف وهو في صحته ليرى وقفه ويُعد وثيقته ويملي شروطه، ويعين عليه ناظراً أميناً وأن يتابعه بنفسه، من حيث تحصيل إيرادته وتوزيعها على ما خصهم في ذلك الوقف ، وأن يجعل من النظم واللوائح لوقفه ليدوم نفعه، ويستمر عطائه .


    فالواقف الذي يوقف في حياته ويحرص في أن يدوم نفع وقفه، يبذل الأسباب التي يستمر معها الوقف في عطائه؛ فيرعاه في حياته، ويجعل عليه القوي الأمين من ذريته أو غيرهم، ليديره إدارة رشيدة؛ لحفظ أصوله، وتحصيل ريعه، وصرفه في المصارف الشرعية المحددة،وتنميته وصيانته؛ حتى يبقى على حالة يدوم معها الانتفاع به، ويحقق مقاصده ، في حياته وبعد مماته.


    والوقف في مرض الموت قد يدخل العين الموقوفة – الموقوف - في إشكالات قانونية من حيث إجازة ورثته لوقفه ، والعمل نقضه من بعضهم أحياناً . ذكر حديث «لأن تتصدق وأنت صحيح».

    3- الوقف من أموال الزكاة :

    الزكاة حق للأصناف الثمانية التي بينها الله عز وجل في كتابه بقوله سبحانه:{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(التوبة: 60).
    فلا يجوز صرف الزكاة في غير هذه المصارف، ولا يصح أن توقف أموال الزكاة لصالح مشاريع خيرية أخرى؛ لأن في ذلك إخراجا لها عن ملك مستحقيها. فطريق الوقف غير طريق الزكاة .

    جاء في حاشية الروض: قال الوزير وغيره: اتفق الأئمة على أنه لا يجوز ولا يجزئ دفع الزكاة في بناء مساجد، وقناطر ونحو ذلك، ولا تكفين موتى ونحوه، وإن كان من القرب، لتعيين الزكاة لما عينت له. انتهى.

    جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الفقهاء إلى أنه لا يجوز صرف الزكاة في جهات الخير غير ما تقدم بيانه، فلا تنشأ بها طريق ولا يبنى بها مسجد ولا قنطرة، ولا تشق بها ترعة، ولا يعمل بها ساقية، ولا يوسع بها على الأصناف.
    قال العلامة القرافي -رحمه الله- في الذخيرة: «لا يجوز وقف أموال الزكاة على جهاتها، لما فيه من التحجير على الفقراء» (الذخيرة 6/337)؛ لأن هذا يعني حصول الفقراء على ريع المال فقط، مع أن حقهم أن يحصلوا على الأصل نفسه؛ وذلك لأن الوقف حبس للعين إلى الأبد، أي حبس الأصل الموقوف وتسبيل منفعته (أو ريعه أو غلته)، والزكاة لا تحبس بل سبيلها الصرف عند قيام حاجة الفقراء والمساكين، ولا يجوز حرمانهم منها لأجل إنشاء المشاريع وقفية .

    4- تأخير أداء حقوق المستحقين في الوقف :

    على الواقف أن لا يؤخر أداء حقوق المستحقين في الوقف، وعدم تأخيرها مطلقاً ، إلا لضرورة تقتضي تأخير إعطائهم لحقوقهم : كحاجة الوقف إلى العمارة والإصلاح أو الوفاء بدين على الوقف ، لأن هذا مقدم على الإعطاء للمستحقين .
    وإعطاء المستحقين حقوقهم من غلة الوقف، يجب أن يكون بحسب ما اشترطه الواقف، لأن شروطه معتبرة، ولا يجوز كذلك للواقف أن يؤخر حق الانتفاع من عين الوقف للموقوف عليهم بلا ضرورة تقتضي ذلك.

    وعلى الواقف أن يتابع وقفه في حياته، ويتأكد من أداء حقوق المستحقين في الوقف، ويتأكد كذلك من أداء الناظر الذي اختاره ليرعى الوقف ويؤدي حقوق الموقوف عليهم ، وأن تدور تصرفاته في مصلحة الوقف أو الموقوف عليهم .

    5- الخلط بين الوصية والوقف :

    تتشابه أحكام الوقف والوصية على الكثير من الناس، ولا يفرقون بينهما، وهذا جعل الخلط بين الوقف والوصية وأحكامهما .

    وقد لخص الفرق بين الوقف والوصية، الدكتور الشيخ صالح بن غانم السدلان، في كتابه: (أحكام الوقف والوصية والفرق بينهما)، بالآتي :

    1- أن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، بينما الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، سواء كان في الأعيان أم في
    المنافع.

    2- أن الوقف يلزم ولا يجوز الرجوع فيه في قول عامة أهل العلم، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر: «إن شئت حَبست أصلها وتصدقت بها».

    أما الوصية فإنها تلزم ويجوز للمُوصي أن يرجع في جميع ما أوصى به أو بعضه.

    3- الوقف يخرج العين الموقوفة عن التمليك لأحد وتخصيص المنفعة للموقوف عليه، بينما الوصية تتناول تملك العين الموصى بها أو منفعتها للموصى له.

    4- تمليك منفعة الوقف يظهر حكمها أثناء حياة الواقف وبعد مماته، والتمليك في الوصية لا يظهر حكمه إلا بعد موت الموصي.

    5- الوقف لا حدَّ لأكثره، بينما الوصية لا تتجاوز الثلث إلا بإجازة الورثة.

    6- الوقف يجوز للوارث إلا إذا كان الموقف في مرض الموت، بينما الوصية لا تجوز لوارث إلا بإجازة الورثة. أحكام الوقف والوصية والفرق بينهما، الدكتور الشيخ صالح بن غانم السدلان، ص 16.

    الهوامش:
    1 - أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية، د.محمد الكبيسي، ( 2/198).

    اعداد: عيسى القدومي





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •