أخطاء الواقفين (3-10) الوقف لأمور بدعية مخالفة للشريعة والوقف من أموال الزكاة
1- الوقف لأمور بدعية مخالفة للشريعة:
الوقف أحد التشريعات التي تهدف إلى تحقيق الصلاح للإنسان ومن حوله، والصلاح لا يتحقق إلا بجلب المصالح ودرء المفاسد لهذا الإنسان، فإن الوقف يدخل ضمن المصالح التي تندرج في مقاصد الشريعة.
والشريعة الإسلامية أعطت الحق للواقف بأن يشترط ما يشاء في وقفه شريطة أن لا تتعارض شروطه مع مقاصد الشريعة، ومن مقاصد الشريعة حفظ الدين كما شرع.
ومن الشروط التي نص عليها العلماء أن تكون منفعة الموقوف مباحة، لا حُرمة فيها، وعليه فلا يصحّ وقف ما كانت منافعه محرّمة كآلات اللهو، وما أشبهها؛ لأن الوقف قُربة والمعصية تنافيه .
فإن وقف على معصية من المعاصي فيكون ذلك إعانة على فعل المعاصي ، وتثبيتاً لوجودها ،فلا يصحّ وقف يكون ريعه لمعابد الكفّار، كالكنائس والبيعّ ، ولا على خدمتها، وفرشها وقناديلها، ولا على تأسيسها أو ترميمها، وغير ذلك مما يتعلق بها.
ومثل هذا وقف السلاح على أصحاب الفتن وقّطاع الطرق ، فإن ذلك لا يجوز أيضا؛ لأن فيه الإعانة على المعاصي ، كما سبق أن ذكرنا.
وكذلك الأوقاف التي توقف على القبور لرفع سمكها، أو تزيينها، أو فعل ما يجلب على زائرها فتنة، وكذلك أوقاف خصصت للموالد وجلسات الذكر البدعية, وغيرها من المخالفات .
2- تأخير الوقف إلى مرض الموت:
وهو المرض الذي يتصل بالموت، ويشترط لتحقق أن المرض مرض الموت أن يتصل به موت الإنسان . فإن مات في مرضه كان الاعتراض على تصرفاته التي تبقى موقوفة لحين وفاته.
واعتبر الفقهاء وقف المريض مرض الموت كالوصية فهو لازم في حدود الثلث، كتصرف مضافاً إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية . فلا تعتبر تبرعات المريض – مرض الموت- إن كان له وارث إلا في ثلث ماله . إلا إذا أجاز وارثه التبرع فيما زاد على ثلث ماله. (ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف ، ص 265 ).
فمن الأولى أن يوقف الواقف وهو في صحته ليرى وقفه ويُعد وثيقته ويملي شروطه، ويعين عليه ناظراً أميناً وأن يتابعه بنفسه، من حيث تحصيل إيرادته وتوزيعها على ما خصهم في ذلك الوقف ، وأن يجعل من النظم واللوائح لوقفه ليدوم نفعه، ويستمر عطائه .
فالواقف الذي يوقف في حياته ويحرص في أن يدوم نفع وقفه، يبذل الأسباب التي يستمر معها الوقف في عطائه؛ فيرعاه في حياته، ويجعل عليه القوي الأمين من ذريته أو غيرهم، ليديره إدارة رشيدة؛ لحفظ أصوله، وتحصيل ريعه، وصرفه في المصارف الشرعية المحددة،وتنميته وصيانته؛ حتى يبقى على حالة يدوم معها الانتفاع به، ويحقق مقاصده ، في حياته وبعد مماته.
والوقف في مرض الموت قد يدخل العين الموقوفة – الموقوف - في إشكالات قانونية من حيث إجازة ورثته لوقفه ، والعمل نقضه من بعضهم أحياناً . ذكر حديث «لأن تتصدق وأنت صحيح».
3- الوقف من أموال الزكاة :
الزكاة حق للأصناف الثمانية التي بينها الله عز وجل في كتابه بقوله سبحانه:{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(التوبة: 60).
فلا يجوز صرف الزكاة في غير هذه المصارف، ولا يصح أن توقف أموال الزكاة لصالح مشاريع خيرية أخرى؛ لأن في ذلك إخراجا لها عن ملك مستحقيها. فطريق الوقف غير طريق الزكاة .
جاء في حاشية الروض: قال الوزير وغيره: اتفق الأئمة على أنه لا يجوز ولا يجزئ دفع الزكاة في بناء مساجد، وقناطر ونحو ذلك، ولا تكفين موتى ونحوه، وإن كان من القرب، لتعيين الزكاة لما عينت له. انتهى.
جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الفقهاء إلى أنه لا يجوز صرف الزكاة في جهات الخير غير ما تقدم بيانه، فلا تنشأ بها طريق ولا يبنى بها مسجد ولا قنطرة، ولا تشق بها ترعة، ولا يعمل بها ساقية، ولا يوسع بها على الأصناف.
قال العلامة القرافي -رحمه الله- في الذخيرة: «لا يجوز وقف أموال الزكاة على جهاتها، لما فيه من التحجير على الفقراء» (الذخيرة 6/337)؛ لأن هذا يعني حصول الفقراء على ريع المال فقط، مع أن حقهم أن يحصلوا على الأصل نفسه؛ وذلك لأن الوقف حبس للعين إلى الأبد، أي حبس الأصل الموقوف وتسبيل منفعته (أو ريعه أو غلته)، والزكاة لا تحبس بل سبيلها الصرف عند قيام حاجة الفقراء والمساكين، ولا يجوز حرمانهم منها لأجل إنشاء المشاريع وقفية .
4- تأخير أداء حقوق المستحقين في الوقف :
على الواقف أن لا يؤخر أداء حقوق المستحقين في الوقف، وعدم تأخيرها مطلقاً ، إلا لضرورة تقتضي تأخير إعطائهم لحقوقهم : كحاجة الوقف إلى العمارة والإصلاح أو الوفاء بدين على الوقف ، لأن هذا مقدم على الإعطاء للمستحقين .
وإعطاء المستحقين حقوقهم من غلة الوقف، يجب أن يكون بحسب ما اشترطه الواقف، لأن شروطه معتبرة، ولا يجوز كذلك للواقف أن يؤخر حق الانتفاع من عين الوقف للموقوف عليهم بلا ضرورة تقتضي ذلك.
وعلى الواقف أن يتابع وقفه في حياته، ويتأكد من أداء حقوق المستحقين في الوقف، ويتأكد كذلك من أداء الناظر الذي اختاره ليرعى الوقف ويؤدي حقوق الموقوف عليهم ، وأن تدور تصرفاته في مصلحة الوقف أو الموقوف عليهم .
5- الخلط بين الوصية والوقف :
تتشابه أحكام الوقف والوصية على الكثير من الناس، ولا يفرقون بينهما، وهذا جعل الخلط بين الوقف والوصية وأحكامهما .
وقد لخص الفرق بين الوقف والوصية، الدكتور الشيخ صالح بن غانم السدلان، في كتابه: (أحكام الوقف والوصية والفرق بينهما)، بالآتي :
1- أن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، بينما الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، سواء كان في الأعيان أم في
المنافع.
2- أن الوقف يلزم ولا يجوز الرجوع فيه في قول عامة أهل العلم، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر: «إن شئت حَبست أصلها وتصدقت بها».
أما الوصية فإنها تلزم ويجوز للمُوصي أن يرجع في جميع ما أوصى به أو بعضه.
3- الوقف يخرج العين الموقوفة عن التمليك لأحد وتخصيص المنفعة للموقوف عليه، بينما الوصية تتناول تملك العين الموصى بها أو منفعتها للموصى له.
4- تمليك منفعة الوقف يظهر حكمها أثناء حياة الواقف وبعد مماته، والتمليك في الوصية لا يظهر حكمه إلا بعد موت الموصي.
5- الوقف لا حدَّ لأكثره، بينما الوصية لا تتجاوز الثلث إلا بإجازة الورثة.
6- الوقف يجوز للوارث إلا إذا كان الموقف في مرض الموت، بينما الوصية لا تجوز لوارث إلا بإجازة الورثة. أحكام الوقف والوصية والفرق بينهما، الدكتور الشيخ صالح بن غانم السدلان، ص 16.
الهوامش:
1 - أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية، د.محمد الكبيسي، ( 2/198).
اعداد: عيسى القدومي