5553 - ( توضأ صلى الله عليه وسلم ، فمسح أسفل الخف وأعلاه ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة:
منكر بزيادة ( الأسفل ) . أخرجه أحمد ( 4 / 251 ) : ثنا الوليد بن مسلم : ثنا ثور عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة به .
وأخرجه أبو داود ( 165 ) : حدثنا موسى بن مروان ومحمود بن خالد الدمشقي ، والترمذي ( 1 / 162 / 97 - شاكر ) : حدثنا أبو الوليد الدمشقي - واسمه أحمد بن عبد الرحمن بن بكار البسري ؛ ثقة - ، وابن ماجه ( 1 / 195 ) : حدثنا هشام بن عمار ، وابن الجارود ( رقم 84 ) ، والطبراني في " مسند الشاميين " ( ص 419 ) من طريق عبد الله بن يوسف ، والدارقطني في " سننه " ( 1 / - 195 / 6 و 7 ) عن داود بن رشيد وعيسى بن أبي عمران ، والبيهقي ( 1 / 290 ) عن الحكم بن موسى وداود بن رشيد وأحمد بن يحيى بن إسحاق الحلواني ، والطبراني في " الكبير " ( 20 / 396 / 939 ) عن الهيثم بن خارجة وعبد الله بن يوسف ، وكذا في " مسند الشاميين " ( ص 83 ) ؛ كلهم قالوا : ثنا الوليد بن مسلم به .
إلا أنهم اختلفوا عليه في إسناده :
فمنهم من قال عنه : ( عن ) في جميع الرواة فيه ، كعبد الله بن يوسف والحكم بن موسى والهيثم بن خارجة .
ومنهم من صرح بالتحديث عن بعضهم ، ثم اختلفوا عليه فيه :
فأكثرهم قال : عنه : ثنا ثور . . . كما في رواية أحمد ، وتابعه محمود بن خالد الدمشقي وأبو الوليد الدمشقي وهشام بن عمار - وهو دمشقي أَيْضًا - - وكذلك وقع في " مسند الثاميين " - عن ابن يوسف وابن خارجة .
وخالفهم جَمِيعًا داود بن رشيد ، فقال : عنه عن ثور بن يزيد : ثنا رجاء بن حيوة . فذكر التحديث بين ثور ورجاء ، وليس بين الوليد وثور .
لكنه في رواية الحلواني عنه قال : ( عن رجاء ) . فلم يذكر التحديث بين ثور ورجاء ، فهو في فلك موافق لرواية أحمد والثقات الذين معه .
فتكون روايته هذه أرجح من الأولى التي فيها التحديث بين ثور ورجاء . فتكون شاذة لمخالفته فيها الثقات الذين تابعوه في روايته عن الوليد بن مسلم ، وخالفوه في ذكره التحديث بين ثور ورجاء ، ولم نجد له مُتَابِعًا ؛ اللهم الا ما في " التلخيص " لابن حجر ( 1 / 159 ) ؛ قال :" وذكر الدارقطني في " العلل " أن محمد بن عيسى بن سُمَيْع رواه عن ثور كذلك " .
قلت : لكن ابن سميع هذا لا يحتج به ؛ كما قال ابن أبي حاتم عن أبيه ( 4 / 1 / 38 ) ، وقال الحافظ في " التقريب " :
" صدوق يخطئ " .
ولذلك ، قال الدارقطني في " العلل " - كما في " نصب الراية " ( 1 / 181 ) وغيره - :
" هذا حديث لا يثبت ؛ لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يزيد [ قال : حدثتُ عن
رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ] مُرْسَلًا [ ليس فيه المغيرة ] " .
وما بين القوسين سقط من الأصل ، استدركته من " سنن الدارقطني " . وهو تلقاه عمن قبله ؛ كأحمد والبخاري ؛ كما يأتي .
وقال الأثرم :
" سمعت أحمد بن حنبل يُضَعِّف هذا الحديث ، ويذكر أنه ذكره لعبد الرحمن
ابن مهدي ، فذكر عن ابن المبارك عن ثور قال : حدثت عن رجاء . . . " فذكر مثل ما تقدم عن الدارقطني (1) .
وتتابع المحدثون الأئمة على إعلال هذا الحديث بعلة الانقطاع ، فقال أبو داود عقب الحديث :
" بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء . وقال الترمذي : " وهذا حديث معلول : لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم ، وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل ( يعني : الإمام البخاري ) عن هذا الحديث ؛
فقالا : ليس بصحيح ؛ لأن ابن المبارك . . . . " إلخ ما تقدم عن الدارقطني ؛ إلا أنه
وقع في الترمذي خطأ نبه عليه الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - في تعليقه على " الترمذي " ( 1 / 164 ) ؛ فراجعه إن شئت .
" وقال ابن أبي حاتم في " العلل " ( 1 / 54 / 135 ) عقب الحديث عن أبيه :
" ليس بمحفوظ ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح " .
قلت : وفيه إشارة إلى أن في الحديث علة أخرى وهي في متنه ؛ فإن المحفوظ عن المغيرة من طرق كثيرة جداً : أنه صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين . ليس فيها ذكر الأسفل . بل في بعضها : " على ظاهرهما " . وإسناده حسن صحيح كما كنت بينته في " صحيح أبي داود " ( رقم 151 ، 152 ) ، ونقل الحافظ في " التلخيص " أن البخاري قال في " التاريخ الأوسط " :
" وهذا أصح من حديث رجاء عن كاتب المغيرة " .
قلت : ويؤكد ذلك أن عبد الملك بن عمير قد رواه عن ورّاد كاتب المغيرة عن المغيرة ؛ ولم يذكر أسفل الخف .
كذلك رواه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عنه ؛ كما نبه عليه الدارقطني في " العلل " ، وحكاه عنه الحافظ ابن حجر في " النكت الظراف على الأطراف " ( 8 / 497 - 498 ) .
وإسماعيل هذا ؛ وإن كان ضَعِيفًا ؛ فقد تابعه الحكم بن هشام الثقفي : حدثني عبد الملك بن عمير به .
أخرجه الطبراني في " الكبير " ( 20 / 390 / 923 ) من طريقين عنه .
والحكم هذا ؛ صدوق ، فالإسناد جيد .
وعزاه أخونا السلفي لأحمد وأبي داود والترمذي ! وهو تساهل منه ، فإنما أخرجوه من الطريق السابقة عن الوليد بن مسلم . . !
هذا ؛ وإن مما يزيد الأمر تَأْكِيدًا : أنه قد روى المسح على الخفين عن اَلْمُغِيرَة نحو ستين رَجُلًا ؛ كما حكاه الحافظ في " الفتح " ( 1 / 307 ) عن البزّار ، ورواه معه من الصحابة أكثر من الثمانين - ومنهم العشرة المبشرون بالجنة - ، ولذلك ؛ صرح جمع من الحفاظ بتواتره عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ساق أحاديث كثيرين منهم : ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 175 - 184 ) ، ولحديث المغيرة عنده طرق ، وكذلك عند النسائي في " الكبرى " ( 1 / 43 ، 44 ، 59 ، 60 ، 61 ، 62 ، 68 ، 71 ، 100 - 101 ) ، كما استوعب الكثير منها عنه : الطّبراني في " الكبير " ( 858 ، 864 - 882 ، 887 - 889 ، 944 - 946 ، 963 ، 971 ، 976 ، 985 ، 990 ، 992 - 997 ، 1000 - 1002 ، 1005 - 1007 ، 1018 ، 1028 - 1041 ، 1050 ، 1051 ، 1062 - 1064 ، 1078 - 1081 ، 1085 ) وفي " الأوسط " أَيْضًا ( رقم 529 ، 1133 ، 1309 ، 1392 ، 2028 ، 2805 ، 3258 ، 3592 ، 3669 ، 3763 ، 5272 ، 5420 ، 5452 ، 5535 ، 9096 ، 9264 - بترقيمي ) .
أقول : فعدم ورود زيادة المسح أسفل الخفين في هذه الروايات المتواترة عن الصحابة بصورة عامة ، وعن المغيرة بصورة خاصة إلا في رواية الوليد هذه ؛ فهو مما لا يدع أي شك في شذوذها حسب قواعد علم الحديث الشريف . وهذا لو كان إسناد الوليد بها صَحِيحًا ، فكيف وقد أعله اَلْأَئِمَّة - كما تقدم - بالإرسال والانقطاع !
أما الإرسال ؛ فليس مُسَلَّمًا عندي ؛ لمجيئه مَوْصُولًا من طريق عبد الملك بن عمير عن وراد ؛ لكن ليس فيه الزيادة كما سبق بيانه .
وكنت أود أن أفسر قولهم بالإرسال هنا بالانقطاع الذي هو من معانيه عند المتقدمين من علمائنا .
وبه فسره الإمام البغوي في " شرح السنة " ( 1 / 463 ) ؛ فقد قال بعد أن ذكر الحديث معلقاً :
" والحديث مرسل ؛ لأنه يرويه ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة . وثورلم يسمع هذا من رجاء " .
كنت أود أن أفسره بالانقطاع ؛ لكن ظاهر كلامهم المتقدم صريح بأن الإرسال
فيه غير الانقطاع ، فهما عندهم علتان .
وثمة علة ثالثة عند أبي حاتم ، وهي في المتن كما سبق بيانه ، وهي علة قادحة كما شرحنا . ومثلها : الانقطاع ، والمقصود به ما بين ثور ورجاء ؛ كما تقدم في رواية ابن المبارك .
وقد أجاب عن هذه العلة ابن التركماني في " الجوهر النقي " ، وتبعه أبو الحسن السندي في " حاشية ابن ماجه " ، ثم الشيخ أحمد شاكر في تعليقه - وقلده المعلق على " شرح السنة " للبغوي - فقالوا - واللفظ لأحمد شاكر - :
" إن الوليد بن مسلم كان ثقة حَافِظًا مُتْقِنًا ، فإن خالفه ابن المبارك في هذه الرواية ؛ فإنما زاد أحدهما على الآخر ، وزيادة الثقة مقبولة " !
قلت : لقد فات هؤلاء كلهم - وبخاصة أحمد شاكر منهم - أمران هامّان جداً
في هذا الحديث :
الأول : أن قاعدة ( زيادة الثقة مقبولة ) ليست على إطلاقها عند المحققين من المحدثين وغيرهم ؛ بل الصواب الذي صرح به الحافظ ابن كثير وابن حجر وغيرهما : تقييدها بما إذا لم يخالف الثقة من هو أوثق منه أو أكثر عدداً . وإلا ؛ كانت شاذة مردودة ، وسواء كان ذلك في الإسناد أو المتن ، ولذلك ؛ اشترطوا في تعريف الحديث الصحيح :
" أن لا يشذ " .
وعلى ذلك جروا في كتب العلل والتخريجات وغيرها ، كما يعلم ذلك من
درس ذلك دراسة واعية . ومن لم يتنبه لهذا القيد ، أو لم يأخذ به ؛ كان مُضْطَرِبًا
أشد الاضطراب في التصحيح والتضعيف ، والأمثلة على ذلك كثيرة جِدًّا لا ضرورة للتوسع في ذكرها ، وحسبك الآن - مَثَلاً - هذا الحديث ؛ فقد أعله ابن حزم بمخالفة
الوليد بن مسلم لعبد الله بن المبارك ، تَابِعًا في ذلك الإمام أحمد وغيره ممن سبق ذكرهم ، فأصاب ؛ لكنه لم يشعر أنه خالف قاعدته التي قررها في كتابه " الإحكام في أصول الأحكام " ، وهي الأخذ بزيادة الثقة مُطْلَقًا ؛ فقال ( 2 / 90 - 96 ) :
" إذا روى العدل زيادة على ما روى غيره ، فسواء انفرد بها ، أو شاركه فيها غيره ، مثله أو دونه أو فوقه ؛ فالأخذ بتلك الزيادة فرض . . . " !
وفي هذا الحديث يقول في " المحلى " : ( أخطأ فيه الوليد بن مسلم في موضعين . . . ) .
ثم ساق بإسناده إلى أحمد روايته عن عبد الله بن المبارك عن ثور قال : حدثت عن رجاء . . . إلخ ، ليس كما تقدم ، ليس له دليل على التخطئة سوى مخالفته لابن المبارك الذي هو أحفظ من الوليد ، فأصاب تفريعا وأخطأ تفصيلاً ، بخلاف أحمد شاكر ، فإنه مع تأييده لابن حزم في قاعدته المذكورة في كتابه ( الباعث الحثيث ) ( ص 68 ) خالف المحدثين جميعا ، فقدم رواية الوليد على رواية ابن المبارك !
فأخطأ تأصيلاً وتفريعاً ! !
والأمر الآخر : أن الرواة اختلفوا على الوليد بن مسلم في مكان تصريحه بالتحديث في إسناد هذا الحديث ، فيمنهم من ذكره بينه وبين ثور بن يزيد ، ومنهم من ذكره بين ثور ورجاء بن حيوة .
فهو إسناد مضطرب ، والمضطرب من أقسام الحديث الضعيف ، إلا إذا ترجحت رواية على أخرى ، وكانت الرواية الراجحة سالمة من علة أخرى تستوجب ضَعفها .
وليس الأمر كذلك هنا ، فقد بيّنا في مطلع هذا التخريج أن الرواية الراجحة إنما هي التي صرح فيها الوليد بالتحديث بينه وبين شيخه ثور بن يزيد ، ولم يصرح بذلك بين ثور ورجاء ، بل عنعنه ، وأنت إذا تذكرت أن الوليد بن مسلم كان يدلس تدليس التسوية ، علمت أن الحديث يضعف بهذه العنعنه وحدها ، فلا يكفي تصريحه بالتحديث بينه وبين شيخه ، بل لا بد أن يصرح به بين شيخه وشيخ شيخه أيضا ، ولهذا قال الحافظ في ( تخريج المختصر ) ( ق 21 / 2 ) في حديث آخر :
( وإسناده على شرط الصحيح ، فقد صرح الوليد بالتحديث له ولشيخه ، فَأُمِنَ التدليس والتسوية ) .
فكيف إذا انضم إلى ذلك تصريح الإمام ابن المبارك بالانقطاع في هذا الموضع نفسه ؟ !
( فائدة ) : قال عبد الله بن أحمد في (( مسائله )) ( ص 33 - طبع المكتب الإسلامي ) :
(( سمعت أبي سئل عن المسح كيف هو ؟ قال :
خططاً بالأصبع ؛ كذا سمعنا . وأشار بيده ، وكان أبي لا يذهب إلى أن يمسح أسفل الخفين )) .
قلت : وهذا مما يؤكد ضعف الحديث عند أحمد كما لا يخفى .


__________
(1) ورواه ابن حزم في " المحلى " ( 2 / 114 ) بسنده عن أحمد .