الظلال الشرفة في الفضائل العشرين ليوم عرفة

د. محمد حسانين إمام حسانين

سبب تسمية يوم عرفة بهذا الاسم:
مما قيل في ذلك: قول الإمام القرطبي رحمه الله في التفسير وغيره: (إن الناس كانوا يتعارفون فيه، وقيل: لأن جبريل عليه السلام طاف بإبراهيم عليه السلام، فكان يُريه المشاهد، فيقول له: أعَرَفتَ أعرَفتَ؟ فيقول إبراهيم عليه السلام: عَرَفتُ عرفتُ، وقيل: لأن آدم عليه السلام لما أُهبِط من الجنة هو وزوجه التقَيَا في ذلك المكان، فعرَفها وعرَفَتْهُ).

1- يوم عرفة من أفضل أوقات الدعاء:
من أفضل أوقات الدعاء الدعاء يوم عرفة، فعن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة"، وليس هناك دعاء مخصوص بعينه؛ ففي تحفة الأحوذي على سنن الترمذي: (خيرُ الدعاء ما يكون يوم عرفة؛ أي دعاء كان)؛ فلنُكثِر من الأدعية أيًّا كانت، وليس هناك دعاءٌ مخصوص.

2- صيامه يكفِّر سنتين:
والمقصود تكفير الصغائر لا الكبائر، فالكبائر تجب منها التوبة والإقلاع والندم وعدم الإصرار؛ والدليل على هذا الفضل: ما رواه أبو قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم عرفة، فقال: (يكفِّر السنة الماضية والسنة القابلة)؛ رواه مسلم.

فاللهم اكتُبنا ممن غفَرت لهم في هذا اليوم، ووفِّقنا لصيامه إيمانًا واحتسابًا.

3- مباهاة الله ملائكته بالحجَّاج:
يا لها من مكانة حينما يُشهِد الله ملائكته ويباهي بعباده الحجيج في هذا اليوم، وهم بعرفة واقفون، قد لبَّوْا نداء إبراهيم عليه السلام من كل فجٍّ عميق! وفي هذا يصوِّر نبينا المشهد؛ عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يباهي ملائكته - عشيةَ عرفة - بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثًا غُبرًا"؛ (رواه أحمد وصححه الألباني).

4- أكثر يوم تُعتق فيه الرقاب:
عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة..."؛ (صحيح مسلم).

فاللهم أعتِق رقابَ مَن لبَّى نداءك فأتى بيتك حاجًّا مخلصًا، واكتُب لنا وقوفًا بعرفة مرات ومرات، تُعتق فيه رقابُنا.

5- يوم عرفة من أعظم أيام الدنيا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعظم أيام الدنيا أيام العشر)، ويوم عرفة يوم منها؛ فهو بذلك من أفضل أيام الدنيا عند الله، فلا تُضيعه بنوم أو غيره، واستثمِره في التلاوة والذكر والدعاء والتهليل والتحميد والتكبير والتسبيح.

6- يوم أكمل الله فيه الدينَ على نبيه:
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال أيُّ آية؟ قال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم: وهو قائم بعرفة يوم الجمعة"؛ الصحيحين.

7- أقسم الله به (والوتر):
لا يُقسم الله بمخلوقٍ إلا ليَلفت انتباه عباده إلى مكانة المقسَم به ومنزلته واستثماره؛ فقد أقسم الله ب-(يوم عرفة) في قوله تعالى: ﴿ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾ [الفجر: 3]، قال ابن عباس وعكرمة والضحَّاك: الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة.

8- ينزل الله إلى السماء الدنيا يوم عرفة:
عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال عن رب العزة: (... وإنه ليدنو)؛ (صحيح مسلم)؛ أي: ينزل ربُّنا إلى السماء الدنيا يوم عرفة، نزولًا يليق بجلاله وكماله.

9- يوم عرفة أحد أيام الأشهر الحرم:
شهر ذي الحجة من الأشهر الحرم، ويوم عرفة واحدٌ من ذلك الشهر، ففيه تضاعَف الحسنات، كما تضاعف السيئات حسب كلام بعض أهل العلم، فاغتنِم ساعاته ودقائقه وثوانيه فيما يُرضي الله، ولنحذَر من ارتكاب المعاصي صغيرها وكبيرها.

10- أفضل الأذكار في يوم عرفة:
يستحب كثرة ذكر الله فيه، خاصة ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي:" لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" ( حسنه الألباني)، وفي رواية (لا إله إلا الله... بيده الخير وهو على كل شيء قدير)؛ فلتنوع لتعمل بالحديثين؛ لتكون من أهلهما عملًا إن شاء الله.

11- أعظم أركان الحج الوقوف بعرفة:
الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج؛ لقول رسول الله: "الحج عرفة"؛ ومعناه أنه من أهم الأركان، ولذلك من فاته الوقوف بعرفة فاته الحج، وليس معناه أنه هو الركن الوحيد للحج؛ فاللهم وفقنا للوقوق بعرفة مرات.

12- يوم عرفة يوم مشهود:
أقسم الله بأنه يوم مشهود؛ من قوله تعالى: وشاهد ومشهود" فالمشهود يوم عرفة كما روي عن أبي هريرة وعلي والحسن وغيرهم. وقيل شاهد لمن وقف بعرفة يوم القيامة، وهذا المعنى وارد عمومًا من قوله: ﴿* يَوْمَئِذٍ *تُحَدِّثُ *أَخْبَارَهَا ﴾ [الزلزلة: 4] ، فهنيئًا لمن شهد له الحصى والرمل حينما وقف عليه بعرفة، وقيل مشهود لأن الحجاج يشهدونه بالوقوف عليه.

13- يبدأ التكبير المقيد دبر الصلوات الخمس من فجره، إلى جانب التكبير المطلق في نهاره وليله:
فالتكبير المقيد ورد من قوله تعالى: ﴿* وَاذْكُرُوا *اللَّهَ *فِي *أَيَّامٍ *مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203] فقد كان عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم - رضي الله عنهم - يكبرون من فجر عرفة؛ فهي تبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر اليوم الثالث عشر، ثالث أيام التشريق، وهذا التكبير المقيد بالصلوات لمن صلى جماعة أو منفردًا، سواء الرجل أو المرأة؛ فلنذكر زوجاتنا وأولادنا به دبر الصلوات.

14- استحباب سماع خطبة يوم عرفة في حق الحجيج:
فاعلم أولا أن المشروع في الخطبة يوم عرفة أن تكون قبل صلاة الظهر والعصر جمع تقديم، ففي حديث جابر الطويل في صفة الحج والذي أخرجه مسلم في صحيحه قال جابر رضي الله عنه: فأجاز حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء ، فرحلت له ، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس ، ثم أذن ثم أقام ، فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر..، الحديث"؛ فليحرص الحاج على سماع تلك الخطبة.

15- استحباب رفع اليدين بالدعاء لمن وقف بعرفة، فرادى لا جماعة؛ لفعل النبي:
يستحب الدعاء للحاج وهو بعرفة فرادي لا جماعة؛ فقد روى أسامة بن زيد قال: كنتُ رديفَ النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم بعرفاتٍ ، فرفعَ يديْهِ يدعو" ( إسناده صحيح)، فهذا يبين استحباب الدعاء للواقف بعرفة، واستحباب رفع اليدين فيه، إلى جانب أن يكون الدعاء فرادى لا جماعة.

16- يوم أخذ الله فيه الميثاق على عباده:
لقد خير الله عباده كلهم وهم في ظهر أبيهم آدم بأن يختاروا الإسلام أو الكفر؛ فاختار الموحدون الإيمان، حينما قال لهم: ألست بربكم) قالوا (بلى) فهذا بيان لكل مسلم أنه وعد ربه أن يكون مطيعًا؛ لا كما يدعي الملاحدة والملحدون في كتاب الله والجبرية، فالعبد اختار الطاعة، فلا يحتج بمعصيته التي اختارها على قضاء الله وقدره؛ فالعبد يختار، والله يحاسبه على اختياره؛ فكيف تعصي ربك، وقد اخترت الطاعة منذ ان كنت في ظهر أبيك آدم؟ فلا يصح أن تقول: إني حر في طاعتي لله من عدمها، أو أن تقول في حق أي مسلم: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؛ لأنها في حق من اختار الكفر منذ أن كان في ظهر أبيه آدم.

17- يوم عيد لأهل عرفه:
يوم عرفة يتعرف الحجاج بعضهم بعضًا، ويجتمع فيه الجميع من كل حدب وصوب؛ فهو عيد في اجتماعهم؛ لقول النبي: يوم عرفة ويوم العيد وأيام التشريق عيد لأهل الاسلام (إسناده صحيح) وقد نقل ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله: " "إنما يكون يوم عرفة عيدا في حق أهل عرفة؛ لاجتماعهم فيه، بخلاف أهل الأمصار".

18- يوم عرفة أحد أيام الحج:
إن أعظم ركن من أركان الحج هو الوقوف بعرفة؛ ومن ثم، كان يوم عرفة أحد تلك الأيام التي يؤدى فيها أحد أركان الإسلام، وهو الحج.

19- أحد الأيام المعلومات:
لقد حث ربنا - عز وجل - على الذكر في هذه الأيام؛ فقال عن العشر: ﴿ ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي *أَيَّامٍ *مَعْلُومَاتٍ ﴾ ﴾ [الحج: 28] قال ابن عباس: هي أيام العشر؛ فيستحب الإكثار من ذكر الله في هذا اليوم.

20- عظم ليلها ونهارها:
لقد بين الله فضل ليلة عرفة، بقوله تعالى: ﴿* وَلَيَالٍ *عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 2] وقد ذكر الله الليالي ليلفت انتباه العباد إلى مكانة ليلها؛ وإن كان نهارها أفضل من ليلها، وليل عرفة من مغرب اليوم الذي قبله حتى غروب شمس يوم عرفة نفسه نهارًا.