قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان فى شرح العقيدة الواسطية
الواجب نحو أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر فضائلهم
ومِنْ أُصولِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ سَلاَمَةُ قُلُوبِهِمْ وأَلْسِنَتِهمْ لأصْحابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كَمَا وَصَفَهُمُ اللهُ بهِ في قَوْلِهِ تَعَالى: {وَالَّذِينَ جَاؤوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإِخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمانِ وَلاَ تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ}، وطاعة النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَوْلِهِ: (( لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ ))
فضل الصحابة وموقف أهل السنة والجماعة منه وبيان تفاضلهم
ويَقْبَلُونَ مَا جَاءَ بهِ الكِتَابُ والسُّنَّةُ والإِجْماعُ مِنْ فَضائِلِهِمْ ومَراتِبِهِمْ. ويُفَضِّلُونَ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ – وهُو صُلْحُ الحُدَيْبِيَةِ – وقاتَلَ عَلى مَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدُ وقاتل ويُفضلون المُهَاجِرينَ عَلى الأنْصارِ ويؤمنون بأَنَّ اللهَ قالَ لأهْلِ بَدْرٍ – وكَانُوا ثَلاثَمِئةٍ وبِضْعَةَ عَشَرَ -: (( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ )).وبأَنَّهُ لا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تحتَ الشَّجَرَةِ؛ كَمَا أَخْبَرَ بهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ، وكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وأَرْبَعِمِائَة ٍ.ويَشْهَدُونَ بالجَنَّةِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كالعَشَرَةِ، وثابِتِ بنِ قَيْسِ بنِ شَمَّاسٍ، وغيْرِهِمْ مِنَ الصَّحابَةِ.

--------
الشرح
مِن أصولِ عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ (سلامةُ قلوبِهم) مِن الغِلِّ والحقْدِ والبُغْضِ، وسلامةُ (ألسِنَتِهم) مِن الطَّعْنِ واللَّعْنِ والسَّبِّ (لأصحابِ رسولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم) لفَضْلِهم وسَبْقِهم واختصاصِهم بصُحبةِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، ولِما لهم مِن الفضْلِ على جميعِ الأُمَّةِ؛ لأنَّهم تَحمَّلوا الشَّريعةَ عنه صلى اللهُ عليه وسلم، وبَلَّغُوها لمَن بعدَهم، ولجِهادِهم مع الرَّسولِ صلى اللهُ عليه وسلم ومُناصَرَتِهم له.
وغَرَضُ الشَّيخِ مِن عقْدِ هَذَا الفصْلِ الرَّدُّ على
الرَّافِضةِ والخوارجِ الذينَ يَسُبُّونَ الصَّحابةَ، ويُبغِضُونهم، ويَجْحدونَ فضائِلَهم.
وبيانُ براءةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ مِن هَذَا المذهبِ الخبيثِ، وأنَّهم مع صحابةِ نبيِّهم كما وصَفَهم اللَّهُ في قولِه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} أي بعدَ المهاجِرينَ والأنصارِ وهم التَّابِعونَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ القيامةِ مِن عمومِ المُسلِمِينَ {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} المرادُ بالأُخوَّةِ هنا أُخوَّةُ الدِّينِ، فهم يَستغفِرونَ لأنْفُسِهم ولمَن تقدَّمَهم مِن المهاجِرينَ والأنصارِ {وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ} أيْ: غِشاًّ وبُغْضا وحَسَداً {لِلَّذِينَ آمَنُوا} أيْ: لأهلِ الإيمانِ، ويدخُلُ في ذَلِكَ الصَّحابةُ دُخولاً أوَّلِياًّ لِكونِهم أَشْرَفَ المؤمنينَ، ولكَونِ السِّياقِ فيهم.
قال الإمامُ الشَّوْكانيُّ: فمَن لم يستغفِرْ للصَّحابةِ على العمومِ ويطلُبْ رضوانَ اللَّهِ لهم فقد خالَفَ ما أمَرَ اللَّهُ به في هَذِهِ الآيةِ. فإنْ وَجَدَ في قَلبِه غِلاًّ لهم فقد أصابَه نَزْغٌ مِن الشَّيطانِ، وحَلَّ به نصيبٌ وافِرٌ مِن عصيانِ اللَّهِ بعداوةِ أوليائِه وخيرِ أُمَّةِ نبِيِّهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وانفتَحَ له بابٌ مِن الخِذْلانِ ما يَفِدُ به على نارِ جَهَنَّمَ إنْ لم يَتَدارَكْ نَفْسَه باللُّجوءِ إلى اللَّهِ سبحانه، والاستغاثةِ به بأنْ يَنْزِعَ عن قَلبِه ما طَرقَه مِن الغِلِّ لخيرِ القُرونِ وأَشْرَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ. فإنْ جاوَزَ ما يَجِدُه مِن الغِلِّ إلى شَتْمِ أحدٍ منهم فقد انقادَ للشَّيْطانِ بزمامٍ ووقَعَ في غضَبِ اللَّهِ وسَخَطِه. وهَذَا الدَّاءُ العُضالُ إنما يُصابُ به مَن ابتُلِيَ بمُعلِّمٍ مِن الرَّافِضةِ أو صاحِبٍ مِن أعداءِ خيرِ الأُمَّةِ الذين تلاعَبَ بهم الشَّيطانُ وزَيَّنَ لهم الأكاذيبَ المختَلَقةَ، والأقاصيصَ المُفْتراةَ، والخُرَافاتِ الموضوعةَ، وصَرَفَهم عن كِتابِ اللَّهِ الذي لا يأْتِيهِ الباطِلُ مِن بَيْنِ يدَيْهِ ولا مِن خَلْفِهِ.اهـ.
والشَّاهِدُ مِن الآيةِ الكريمةِ: أنَّ فيها فَضْلَ الصَّحابةِ لسَبقِهِم بالإيمانِ، وفَضْلَ أهلِ السُّنَّةِ الذين يَتَولَّوْنَهُم ، وذَمَّ الذين يُعادُونهم. وفيها مشروعيَّةُ الاستِغفارِ للصَّحابةِ والتَّرَضِّي عنهم. وفيها سلامةُ قلوبِ أهلِ السُّنَّةِ وألسِنَتِهم لأصحابِ رسولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم، ففي قولِه: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} إلخ سلامةُ الألسنةِ. وفي قولِهم: {وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا} سلامةُ القلوبِ.
وفي الآيةِ تحريمُ سَبِّهم وبُغْضِهم وأَنَّهُ ليس مِن فِعلِ المسلمِينَ. وأنَّ مَن فَعلَ ذَلِكَ لا يَستحِقُّ مِن الفَيْءِ شيئا، وقولُه: (وطاعةُ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم في قولِه) أيْ: إنَّ أهلَ السُّنَّةِ يُطيعون النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم في سلامةِ قُلوبِهم وألسِنَتِهم لأصحابِه، والكَفِّ عن سَبِّهم وتنَقُّصِهم، حَيْثُ نَهاهُم النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم عن ذَلِكَ بقولِه: ((لاَتَسُبُّوا أَصْحَابِي )) أيْ: لا تَنتَقِصوا ولا تَشتُموا ((أصْحابي )) جَمْعَ صاحِبٍ. ويقالُ لمَن صاحَبَ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم صَحابيٌّ، وَهُوَ مَن لَقِيَ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم مُؤمِنا به، وماتَ على ذَلِكَ.
((فَوَالَّذي نَفْسِي بِيَدهِ )) هَذَا قَسَمٌ مِن النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم يُريدُ به تأكيدَ ما بعدَه ((لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً )) جوابُ الشَّرْطِ، وأُحُدٌ جبلٌ معروفٌ في المدينةِ سُمِّي بذَلِكَ لتَوحُّدِه عن الجبالِ، وذَهباً منصوبٌ على التَّمييزِ ((مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ )) المُدُّ مِكيالٌ، وَهُوَ رُبْعُ الصَّاعِ النَّبويِّ ((وَلاَ نَصِيفَهُ )) لغةٌ في النِّصْفِ، كما يقالُ: ثَمِينٌ بمعنى الثُّمْنِ.
والمعنى أنَّ الإنفاقَ الكثيرَ في سبيلِ اللَّهِ مِن غيرِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم لا يُعادِلُ الإنفاقَ القليلَ مِن الصَّحابةِ، وذَلِكَ أنَّ الإيمانَ الذي كان في قُلوبِهم حِينَ الإنفاقِ في أوَّلِ الإسلامِ، وقِلَّةِ أهلِه وكثرةِ الصَّوارِفِ عنه، وضَعْفِ الدَّواعِي إليه لا يُمْكِنُ أنْ يحصُلَ لأَحدٍ مِثلُه ممَّن بعدَهم.
والشَّاهِدُ مِن الحديثِ: أنَّ فيه تحريمَ سَبِّ الصَّحابةِ، وبيانَ فضْلِهم على غيرِهم. وأنَّ العَملَ يتَفاضَلُ بحسَبِ نِيَّةِ صاحبِه، وبحسَبِ الوقتِ الذي أُدِّيَ فيه، واللَّهُ أَعْلَمُ، وفي الحديثِ أنَّ مَن أحبَّ الصَّحابةَ وأثْنَى عليهم فقد أطاعَ رسولَ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم، ومَن سَبَّهُم وأَبْغَضَهم فقد عَصَى الرَّسولَ صلى اللهُ عليه وسلم.