أَرْكَانَ الْعُمْرَةِ وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنَهَا
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
قَالَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-: [وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ: إِحْرَامٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ، وَوَاجِبَاتُهَا : الْحِلَاقُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِهَا؛ فَمَنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ لَمْ يَنْعَقِدْ نُسُكُهُ، وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا غَيْرَهُ أَوْ نِيَّتَهُ لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ إِلَّا بِهِ، وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، أَوْ سُنَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ].
هُنَا ذَكَرَ -رَحِمَهُ اللهُ- أَرْكَانَ الْعُمْرَةِ وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنَهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا.
وَالْكَلَامُ سَيَكُونُ فِي فَرْعَيْنِ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ، وَوَاجِبَاتُهَا . وَذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ...).
فَذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَرْكَانٍ:
الرُّكْنُ الْأَوَّلُ: (إِحْرَامٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ).
عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْحَجِّ.
الرُّكْنُ الثَّانِي: (وَوَاجِباتها: الْحِلَاقُ).
أَوِ التَّقْصِيرُ.
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: (وَالْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِهَا).
وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الْعُمْرَةِ.
الْفَرْعُ الثَّانِي: أَحْكَامُ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِ وَوَاجِبَاتِ وَسُنَنِ الْعُمْرَةِ.
وَهُنَا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: تَرْكُ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ. وَهَذِهِ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (فَمَنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ لَمْ يَنْعَقِدْ نُسُكُهُ).
وَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ هُنَا: نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ. فَمَنْ تَرَكَ النِّيَّةَ لَمْ يَنْعَقِدْ نُسُكُهُ حَجًّا كَانَ أَوْ عُمْرَةً؛ لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْنِّيَّاتِ»[1]؛ فَلَا بُدَّ مِنَ النِّيَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَرْكُ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا غَيْرَهُ أَوْ نِيَّتَهُ لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ إِلَّا بِهِ).
أَيْ: إِذَا تَرَكَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ غَيْرَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ إِلَّا بِهِ، فَإِذَا تَرَكَ مَثَلًا طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ حَجُّهُ إِلَّا بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: تَرْكُ نِيَّةِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ نِيَّتَهُ).
أَيْ: تَرَكَ نِيَّةَ الرُّكْنِ غَيْرَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ النِّيَةُ كَمَا مَرَّ، وَغَيْرَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ، لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ إِلَّا بِهِ؛ فَلَوْ طَافَ مَثَلًا بِلَا نِيَّةٍ أَعَادَهُ بِنِيَّةٍ[2].
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: تَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْعُمْرَةِ. وَهَذِهِ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ).
أَيْ: إِذَا تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجَبَاتِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا أَوْ لِعُذْرٍ؛ فَعَلَيْهِ دَمٌ بِتَرْكِهِ؛ لِأَثَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: تَرْكُ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الْعُمْرَةِ. وَهَذِهِ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (أَوْ سُنَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ).
تَرْكُ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الْعُمْرَةِ أَوِ الْحَجِّ لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً، فَلَمْ يَجِبْ جَبْرُهَا، كَسُنَنِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ؛ لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْقُصُ بِتَرْكِهَا أَجْرُ الْحَجِّ؛ فَيَنْبَغِي لِلْحَاجِّ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَكَانَ يَقُولُ لِلنَّاسِ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ[3]، فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ»، "لَامُ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ: خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ مُسْلِمٍ، وَتَقْدِيرُهُ: هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي أَتَيْتُ بِهَا فِي حَجَّتِي مِنَ *الْأَقْوَالِ *وَالْأَفْعَالِ *وَالْهَيْئَاتِ *هِيَ *أُمُورُ الْحَجِّ وَصِفَتُهُ، وَهِيَ مَنَاسِكُكُمْ؛ فَخُذُوهَا عَنِّي وَاقْبَلُوهَا وَاحْفَظُوهَا وَاعْمَلُوا بِهَا وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ"[4].
[1] تقدم تخريجه.
[2] وهذا على المذهب، وقد تقدم ذكر الخلاف في هذه المسألة فراجعها إن شئت.
[3] تقدم تخريجه.
[4] شرح مسلم (9/ 45).