الأضحية: أصلها وحكمها



مر علينا يومان، وهذا اليوم الثالث من أيام العشر، فماذا استفدنا؟ وماذا طبَّقنا من الأعمال الصالحة؟ كم زدنا في صلاتنا من حيث المحافظة على الفريضة، وإحسان أدائها، والمحافظة عليها في الجماعة، ومن حيث النوافل في قيام الليل أو صلاة الضحى أو الرواتب بعد الصلوات؟ وقبلها ما هو الحال؟ ما هو الفارق قبل أن تدخل العشر، وبعد أن دخلت العشر؟ وكذلك في الصدقة، وفي الصيام، والذكر، وقراءة القرآن، وفي صلة الأرحام، وفي إصلاح ذات البين، وفي غير ذلك من الأعمال.

التاجر يضع لنفسه خطة وحتى الموظف الجاد في دائرة حكومية أو شركة تجارية تُوضَع له خطة، ثم يحاسب نفسه، كم طبَّق من هذه الخطة؟ وما هو العجز الذي طرأ عليه، أو الزيادة التي زادها على خطته؟ نحن في موسم تجارةٍ مع الله عز وجل، فكم هي أرباحنا من هذه التجارة، أم أننا خسرنا؟ وهذا والله هو الخسران المبين، إن خسرنا يومَ يربح الناس، وتأخرنا يومَ يتقدم الناس، وعجزنا يوم يصل الناس إلى أهدافهم وإلى مبتغاهم؛ فينبغي أن نجدد المحاسبة لأنفسنا، وأن نجدد العزم على استغلال ما بقِيَ من هذه العشر قبل أن يفوت الأوان، وينتهي الموسم، ويحصد الناس، ونحن نأتي بغير شيء.

أيها الإخوة الكرام: الناس هذه الأيام يستعدون لاستقبال العيد، وكلٌّ يستعد بطريقته، ولا مجال للمقارنة بين أنواع الاستعداد، لكنَّ هناك استعدادًا خاصًّا، كثير من الناس هم الآن يفكرون فيه؛ إنه الاستعداد للأضحية، هذه السُّنَّة العظيمة سُنَّة أبينا إبراهيم، والتي جدَّدها ورسخها وأظهر شعارها، وبيَّن أحكامها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، أفضل أولاد إبراهيم، هذه السنة العظيمة يدرك الناس أن هناك أضحية على الإجمال، ولكن يفوتهم الكثير من التفاصيل، يدركون أن هناك أضحية، ولكنهم يتساهلون في أدائها، ويغفلون عنها أو يبخلون بقليل من المال يحتاج أداؤها إليه، فماذا عن الأضحية؟ ماذا عن أصلها؟ وماذا عن هَدْيِ نبينا صلى الله عليه وسلم فيها؟ وما هي العبر والدروس التي نستفيدها من معرفتنا بأصل الاضحية؟ وما هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها وأحكامها؟

أما عن أصلها، فإن القرآن قد حدثنا عن أصلها؛ قال الله تبارك وتعالى مخبرًا عن إبراهيم عليه السلام: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 99 - 110].

هكذا يبين لنا القرآن أصل الأضحية، وكيف ابتلى الله عز وجل نبيه إبراهيم بهذا البلاء العظيم، فإبراهيم هو خليل الرحمن، ومعنى خليل الرحمن الذي امتلأ قلبه بمحبة الرحمن سبحانه وتعالى، امتلأ امتلاء لا يتسع القلب لشيء سواه، تخلَّلت محبة الله شَغاف قلب إبراهيم، ومضى على ذلك وطال به العمر، ولم يُرزَقِ الولد، وهو كأي إنسان لم يأتِه الولد هو وزوجه سارة، وسُرِّيَّته جاريته هاجر يتمنون أن يرزقهم الله الولد، وكما هو حال الناس كيف يكون حنينهم وعملهم وحرصهم على وجود الولد، رزقه الله هذا الولد، وجاء على أحسن وأكمل الوجوه؛ وصفه الله تعالى بقوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101]، من صفته الحِلْمُ الذي هو سيد الأخلاق، فأحبه إبراهيم بلا شك، وبدأ له في قلب إبراهيم مكان كشأن الأب مع ابنه، وهنا أراد الله عز وجل أن يظهر لإبراهيم وآل إبراهيم ولمن حول إبراهيم من الناس أي المحبتين أقدم وأعظم عند إبراهيم، محبة الله أو محبة هذا الطفل المتميز، الذي ينشأ هذه النشأة الحسنة العظيمة؛ فرأى إبراهيم في المنام أنه يذبح هذا الطفل - ورؤيا الأنبياء حق - وفسَّر إبراهيم أن ذلك أمر من الله له أن يذبح هذا الغلام، الذي قد بلغ صفوة وزهرة الطفولة، حين بلغ السعي، وهو يمشي ويدِبُّ ويأتي ويذهب ويلعب، وهنا يأتي الاختبار والابتلاء، مَن المقدَّم محبة الله وطاعته وعبوديته، أم محبة هذا الابن؟
لم يتردد إبراهيم، وهو يعلم قطعًا ومن البداية أن محبة الله أقدم، وأن طاعته أولى، وأن تقديم محبة الله أحق من تقديم محبته هو لابنه، وبالفعل صمَّم وعزم على أن ينفذ ما رآه واجبًا عليه، ولم يشأ أن يقصر ذلك على نفسه؛ فهو قد سلم ورضخ لأمر الله وامتثل العبودية، لكنه أراد من إسماعيل أن يشاركه في ذلك، أراد من إسماعيل أن يستشعر العبودية، ويستشعر محبة الله، وأن الله إذا أراد منه نفسه وروحه أن يبذلها لله، ولا يتردد في ذلك، وبالفعل عرض إبراهيم على إسماعيل {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102]، قال بدون تردد أو تأخير: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102]؛ افعل ما أمرك الله به، {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102]، سأصبر وأتحمل، أتحمل ماذا؟! أتحمل حملًا ثقيلًا على ظهري، لا أتحمل مرضًا، لا أتحمل أي شيء، نَعَمْ يتحمل الموت، يتحمل تقديم دمه وروحه ونفسه لله رب العالمين، {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 102، 103]؛ ألقاه على الأرض، وأكبَّه على ظهره، صدق إبراهيم، وصدق إسماعيل، وقد حصل كل شيء، لم يبقَ إلا أن يمر السكين على رقبته، وإسماعيل في يد إبراهيم، وإسماعيل مستسلم لهذا السكين؛ يأتي الفرج من عند رب العالمين أن: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105]، نعم، قد صدقت الرؤيا، {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 105]؛ نجزيهم بأن نثبتهم ونعطيهم العزيمة والاستسلام والطمأنينة، وتحمُّل كل شيء في سبيل الله، هذا مِنَ الله ليس من أحد، ثم يأتي الفرج الآخر وجائزة النجاح في الاختبار: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]، فداه الله عز وجل بذبح؛ أي: بكبش، كبش عظيم أتى به جبريل من الجنة، فوضعه بين يدي إبراهيم، فترك إسماعيل وذبح الكبش، من هنا سُنَّ لنا في مثل هذا اليوم يوم الأضحى، يوم النحر، أن نذبح الأضحية، ويذبح الحجاج الهَدْيَ عند المنسك في مِنًى؛ حيث أراد إبراهيم أن يذبح ابنه، وعوض بذبح ذلك الكبش العظيم، ليس هذا فقط؛ ولكن قال: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} [الصافات: 108]، ذكر عظيم، وتخليد لذكره ولفضله ولمكانته: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} [الصافات: 111]، شهادة من رب العالمين، وشيء آخر: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} [الصافات: 112]، بدلَ أن كان يتمنى ولدًا واحدًا، وجاء ذلك الولد فابتُليَ به، بشَّره الله بغلام آخر؛ {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: 112، 113].

هذا هو أصل الأضحية، وهكذا شُرعت، هكذا سنَّها لنا إبراهيم حينما جاءته الجائزة من رب العالمين بعد أن نجح في الاختبار، وأراد أن يضحي بفلذة كبده، وثمرة فؤاده، وأحب أهل الأرض إليه؛ إسماعيل عليه السلام.

أما عن هَدْيِ نبينا صلى الله عليه وسلم في الأضحية، فهو أكمل الهدي وأتمه؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يختار أحسن ما يجد من الأضاحي، فيُؤتَى بكبشين أملحين أقرنين سمينين موجوءين على أكمل الصفات فيذبحهما، أين يذبحهما؟ في المصلَّى أمام الناس؛ ليقتدي به الناس، ويروا أضحيته: قدرها، وقيمتها، وقد كان عليه الصلاة والسلام أيضًا يحث الناس على أن يضحوا، ويبين لهم فضل هذه الأضحية، ويحذر الناس من أن يترك أحدٌ الأضحية وهو قادر عليها؛ فيقول صلى الله عليه وسلم: (( «من وجد سَعَةً فلم يضحِّ، فلا يقربنَّ مُصلَّانا» ))؛ عقوبة له، لا يقرب، ليس منا، لا يكون معنا إذا كان قادرًا على الأضحية، ثم لم يفعل، أما عن هيئتها وصفتها، فهي تكون من بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، ولها صفات منها: بلوغ السن، فالمطلوب أن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من المعز والبقر والإبل، الجذعة من الضأن ما كان لها ستة أشهر وأكثر، والثنية من الغنم ما أكملت السنة ودخلت السنة الثانية، وكذلك من البقر ما أكملت السنة ودخلت في السنة الثانية، ومن الإبل ما أكملت أربع سنين ودخلت في الخامسة، هذا السن وأقل من ذلك لا يجزئه، وأن تكون سليمة من العيوب؛ أن تسلم من أربعة عيوب ضرورية؛ بحيث لو كان هذا العيب موجودًا لا تجزئ الأضحية: ألَّا تكون عوراء بيِّنٌ عورها، ولا مريضة بيِّنٌ مرضها، ولا عرجاء بيِّن عرجها، تعرج برجلها، حتى لا تستطيع أن تماشي الأصحاء، ولا هزيلة لا تنقي؛ أي: ليس فيها مخ من شدة الهزال، واحدة من هذه الأربع لا تجزئ؛ إن كانت مريضة، أو عرجاء، أو هزيلة، أو عوراء، فلا تجزئ، ومن باب أولى إن كانت عمياء، أو كانت مقطوعة اليد أو الرجل، فهؤلاء لا يجزئْنَ أبدًا، والأفضل أن تكون سليمة من عيوب أخرى؛ فلا يكون في أذنها قطع، ولا في قرنها كسر، ولا في أسنانها نقص ولا فيها تشويه، وهذه عيوب أخرى مكروهة؛ فتجزئ الأضحية ولكن بأجر أقل من غيرها، أن تُذْبَحَ بعد صلاة العيد؛ هذه نقطة يجب التنبيه عليها، أن تُذبح بعد صلاة العيد، فلا يجوز أن تُذبَح قبل الصلاة، وإذا ذُبحت قبل الصلاة فليست أضحية.

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حينما سمعه يقول ذلك فقال: ((يا رسول الله، ذبحت قبل أن أصلي، وعندي جَذَعَةٌ خير من مُسِنَّة، فقال: «اجعلها مكانها، ولن تجزي -أو توفي- عن أحد بعدك» ))، فلا بد أن يكون الذبح من بعد الصلاة، بعض الناس يعطي أضحيته للذباحين، والذباح عنده غنم كثيرة، فيبدأ من نصف الليل أو من بعد العشاء يذبح على أنها أضاحيٌّ، هذا لا يجزئ ولا يجوز ولا تكون هذه أضاحيَّ، لا بد أن تُذبحَ بعد الصلاة ويستمر الذبح إلى مغرب اليوم الرابع من أيام العيد، والأُضْحِيَّة تكفي عن الشخص الواحد وعن أهل بيته، مهما كان عددهم كثيرًا أو قليلًا، فإن كانت تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته، فلا يجوز اشتراك مجموعة يجمعون المال ويشتركون به في قيمة أضحية، لا يجوز، إنما واحد يشتريها ويعطي منها لغيره، لا مانع، أما أن نشترك، هذا له ربع، وهذا له نصف، وهذا كذا، فهذا لا يجوز، بل نهى الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أن يباع جلدها، فلا يجوز أن نبيعه، بعض الناس يقول: ذبحنا وانتهى، يعطي أولاده الجلد يقول: اذهبوا ولتبيعوه، لا يجوز، لكن ماذا نفعل به، هل نرمي به؟ لا، من الممكن أن يأتي الذين يطلبون ويسألون، المحتاجون يأتون ويبحثون عن الناس فيعطونهم الجلود، ثم إن هذا المسكين بعد ذلك يتصرف فيه إن شاء باعه، أو يفعل به ما شاء، ومن الممكن أن تُنشَأ مؤسسة أو جمعية مهمتها هذه، تذهب إلى الناس جميعًا وتأتي بالجلود من عندهم، ثم تبيعها، وتعطي قيمتها للمساكين وللفقراء، أو تضعها في مشاريع خيرية، المهم ألَّا تكون قيمة الجلد ملكًا لأحد من الناس.

حقيقة أحكام الأضحية كثيرة، وسننها وآدابها كثيرة، ولكن هذا ما تيسر، وصلى الله على نبينا محمد، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

أيها الإخوة المؤمنون:
الأضحية من أعظم العبادات؛ لأنها هي النُّسُك أو جزء من النسك الذي أمر الله به؛ فقد قال الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163]، فَقَرَنَ الصلاة مع النُّسك، والنسك هو ذبح الذبائح؛ تقربًا إلى الله عز وجل، ومن أشهرها وأفضلها الأضحية، أن تذبحها متقربًا بها إلى الله، فانظر كيف جعلها قرينة للصلاة، وجعلها من التوحيد الخالص له؛ إذ يفارق المسلمون غيرهم، فيذبح المسلمون لله رب العالمين، بينما يذبح الآخرون لأصنامهم وأوثانهم ومعبوداتهم، فالمسلمون تميزوا عن غيرهم بأنهم يذبحون لله رب العالمين وحده؛ وقال سبحانه وتعالى قارنًا أيضًا الأضحية مع الصلاة: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]؛ قال كثير من العلماء والمفسرين: فصلِّ لربك صلاة عامة، وصلاة عيد الأضحى، وانحر؛ أي: انحر الأضحية بعد أن تصلي العيد، هذا ما قاله بعض المفسرين، فقرن الأضحية بالصلاة؛ لأنها من أعظم العبادات، والأمم كلها لها ذبائح؛ قال الله سبحانه وتعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34]، كل الأمم: اليهود لهم ذبيحتهم، النصارى لهم ذبائحهم، المشركون والمجوس، والبوذيون والهندوس، وسائر الأمم والوثنيون، كلٌّ له ذبيحة يذبحها ويتقرب بها إلى معبوده، لكن ذبيحة المسلمين خالصة لله رب العالمين.

وعرفنا مما سمعنا أن أول من سنَّ الأضحية هو إبراهيم عليه السلام، وأن إسماعيل أعانه على ذلك، فدعوى المحبة لا تثبت إلا بالبراهين، وقد برهن إبراهيم على صدق محبته لله، حينما أراد أن يذبح ابنه؛ امتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى، وأحسن إبراهيم في أسلوبه مع ابنه؛ حيث إنه عرض عليه أن يذبحه من أجل أن ينال الابن شرف الامتثال لأمر الله، وإلا كان بالإمكان أن يباغته فيذبحه من غير أن يشاوره، لكنه ما أراد ذلك، وأراد أن يشركه في الأجر والثواب، أما إسماعيل، فقد أطاع ربه، وأطاع أباه؛ أطاع ربه فامتثل لأمره، وأطاع والده في أمر ليس سهلًا، شبابنا وأولادنا يُطلَب منهم أمر يسير جدًّا، يطلب منه أن يترك تشغيل التلفاز على أمر معين، أن يذهب إلى المكان الفلاني، أن يصاحب فلانًا وفلانًا، أبوه يشفق عليه، أحيانًا يقول لا، فلانة لا تتزوجها، هذه ما بغيناها؛ لأن عليها ملاحظات، تزوج فلانة الأخرى، فلا يضحي بشيء من ذلك، بل يصر على ما يريد، ويرفض أباه، كأنه ليس عليه حق، إسماعيل بخلاف ذلك، إسماعيل ضحى بنفسه في طاعة الله، فلِمَ لا نقتدي؟
لِمَ لا نأخذ الدرس والعبرة من هذا الفعل من هذه التضحية من إسماعيل؟ فينبغي - بارك الله فيكم - إذا مر بنا مثل ذلك أن نمتثل أو ندرس هذه الأمور، ونأخذ منها العبر، وهي عبر كثيرة، ولكن الوقت لا يسعفنا بالمرور عليها، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يتخلى عن هواه، ويتجرد عن رغبته، ويقدم رضوان الله على رضوان نفسه، وأن يجعلنا من المضحِّين بكل ما نقدر عليه لإرضاء الله تبارك وتعالى.
______________________________ ____________________ __
الكاتب: الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم