3367- (إني أجد نفس الرحمن من هنا- يشير إلى اليمن).
قال الالباني في السلسلة الصحيحة :
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7/60/6358): حدثنا أبو زرعة: ثنا أبو اليمان: ثنا إسماعيل بن عياش عن الوليد بن عبدالرحمن. (ح) ثنا بكر بن سهل: ثنا عبدالله بن يوسف: ثنا عبدالله بن صالح الحمصي: حدثني إبراهيم بن سليمان الأفطس عن الوليد بن عبدالرحمن الجرشي عن جبير بن نفير: حدثني سلمة بن نفيل السكوني قال:
دنوت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى كادت ركبتاي تمسان فخذه، فقلت: يارسول الله! تركت الخيل، وألقي السلاح، وزعم أقوام أن لا قتال! فقال:
"كذبوا! الآن جاء القتال، لا تزال من أمتي أمة قائمة على الحق، ظاهرة على الناس، يزيغ الله قلوب قوم قاتلوهم لينالوا منهم ".
وقال وهو مول ظهره إلى اليمن:... فذكر الحديث، وزاد:
"ولقد أوحي إلي أني مكفوف (1) غير ملبث، وتتبعوني أفناداً، والخيل معقود
في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها".
قلت: واسناده صحيح من الوجه الأول عن الوليد بن عبدالرحمن، وهو ثقة
من رجال مسلم.
وفي الوجه الآخر بكر بن سهل؛ فيه ضعف.
وشيخ عبدالله بن صالح الحمصي لم أعرفه! ثم تبين أن اسم أبيه محرف، صوابه (سالم) ، فقد رأيت البيهقي قد أخرج الحديث في "الأسماء والصفات " (ص 462- 463) من طريق محمد بن إسحاق الصاغاني: أنا عبدالله بن يوسف: أنا عبدالله بن سالم الحمصي: ثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس به.
قلت: فهو إسناد صحيح أيضاً؛ لأن عبدالله بن سالم الحمصي- وهو الأشعري- ثقة اتفاقاً، ومن رجال البخاري.
ومن ضلال الشيخ الكوثري، ومعاداته للسنة وأحاديث الصفات، وتضليله للقراء : تعليقه في حاشية "الأسماء" على ابن سالم هذا بقوله:
"كان أبو داود يذمه "!
__________
(1) كذا الأصل! وفي " الجامع الكبير" (1/306) برواية الطبراني: "مقبوض "، وكذلك هو عنده في رواية أخرى.
__________
فتعامى عن أقوال الأئمة المجمعة على توثيقه، وتشبث بذم أبي داود إياه لمذهبه، وقد أخرج له في "سننه "، وهو يعلم أن ذلك لا يضر في عدالته وصحة حديثه عند العلماء تنصيصاً و تفريعاً ، مع أن الحديث ليس له علاقة بالصفات؛ كما يأتي عن ابن تيمية.
على أنه قد توبع في الوجه الأول كما رأيت، فلا يضره الذم المذكور لو كان قدحاً في ثقته، ولكن هذا هو شأن أهل الأهواء؛ لا يخلصون للبحث العلمي، وإنما يتبعون منه ما يوافق أهواءهم! والله المستعان.
واعلم أن هذا الحديث قد جاء في بعض طرقه زيادة أخرى بلفظ:
"عقر دار المؤمنين بالشام" .
وكنت خرجته في المجلد الراج (1935)، فأعدت تخريجه هنا لحديث الترجمة، مستدركاً به على تخريجي إياه في "الضعيفة" في المجلد الثالث (1097)، لكن من حديث أبي هريرة، فهذا شاهد قوي له من حديث سلمة بن نفيل، أوجب علي تخريجه هنا، والتنبيه على أن الحديث صار به صحيحاً ، والحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله.
هذا؛ ويبدو أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يذهب إلى ثبوت الحديث، فقد رأيته سئل عن حديث: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض "، وعن هذا الحديث في "مجموع الفتاوى" (6/397 ـ 398 ) ؟ فضعف الأول، دون هذا، وقال مبيناً معناه، وأنه ظاهر فيه؛ فقال:
"فقوله في: "اليمن " يبين مقصود الحديث؛ فإنه ليس لليمن اختصاص بصفات الله تعالى حتى يظن ذلك، ولكن منها جاء الذين يحبهم ويحبونه، الذين
قال فيهم: (من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه )؛ وقد روي أنه لما نزلت هذه الآية؛ سئل عن هؤلاء؛ فذكر أنهم قوم أبي موسى الأشعري (1). وجاءت الأحاديث الصحيحة، مثل قوله: "أتاكم أهل اليمن، أرق قلوباً، وألين أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية " (2). وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نفس الرحمن عن المؤمنين الكربات، ومن خصص ذلك بأويس؛ فقد أبعد".
قلت: وعلى هذا المعنى فليس الحديث من أحاديث الصفات، ولذلك لم يورده الحافظ الذهبي في جملة أحاديثها في كتابه "العلو" الذي كنت اختصرته، وهو مطبوع، خلافاً للشيخ زاهد الكوثري الذي غمز من صحته كما تقدم مع الرد عليه، ولذلك كذب ابن تيمية رحمه الله ما حكاه الغزالي عن بعض الحنابلة أن الإمام أحمد لم يتأول إلا ثلاثة أشياء؛ منها هذا الحديث، فقال (5/398):
"فهذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد، ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه، وهذا الحنبلي مجهول لا يعرف ".
ثم رأيت ابن الأثير قد أورد الحديث في مادة (نفس) من "النهاية "، وقال:
"قيل: عنى به الأنصار؛ لأن الله نفس بهم الكرب عن المؤمنين، وهم يمانون؛ لأنهم من الأزد، قال الأزهري: (النفس) في الحديث اسم وضع موضع المصدر الحقيقي من: (نفس ينفس تنفيساً ونفساً )، كما يقال:(فرج يفرج تفريجاً وفرجاً )؛ كأنه قال: أجد تنفيس ربكم من قبل اليمن ".
__________
(1) فيه عدة أحاديث يدل مجموعها على صحة ذلك؛ انظر الحديث الآتي.
(2) متفق عليه، وهو مخرج في "الروض النضير" (1045). *