بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جاء في تفسير الكفاية للشيخ عبدالله خضر: الجزء31 عند تفسير الآية: ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِ مْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)﴾[غافر : 8]
قال المفسر-وفقه الله- في معنى »الصلاح« -في الآية الكريمة- قولان:
أحدهما: أن »الصلاح«: التوحيد، يريد: من صدَّق بما صدَّقوا به وإن لم يعمل مثل أعمالهم. قاله ابن عباس([1])، وسعيد بن جبير([2])، ومجاهد([3])، وسفيان([4])، ومقاتل([5]).
عن ابن عباس-من طريق عطاء والضحاك-، في قوله عز وجل: "﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ ﴾ [الرعد: 23]، يريد: *من *صدق *بما *صدقوا به، وإن لم ينلهم بالفعل، وأزواجهم وذرياتهم، وإن لم يعملوا مثل أعمالهم"([6]).
عن مجاهد-من طريق ابن أبي نجيح -، قوله: "﴿وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ﴾، قال: *من *آمن *في *الدنيا"([7]). وحكى مكي بن أبي طالب عن ابن جريج مثله([8]).
عن مجاهد-من طريق ابن جريج* قوله: "﴿وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ﴾، قال: من آمن من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم"([9]).
قال مقاتل:" يقول: من آمن"([10]).
قال سفيان:" من أسلم من آبائهم"([11]).
عن سعيد من طريق شَريك-، قال: "يدخل الرجل الجنة، فيقول: أين أبي، أين أمي، أين ولدي، أين زوجتي، فيقال: لم يعملوا مثل عملك، فيقول: كنت أعمل لي ولهم، فيقال: أدخلوهم الجنة; ثم قرأ: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِ مْ﴾"([12]).
قال يحيى بن سلام:" «الصلاح»، يعني: الإيمان، فذلك قوله في الرّعد: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ﴾، يعني: ومن آمن من آبائهم وأزواجهم، ﴿ وَذُرِّيّاتهم . وقال في النور: ﴿والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ يعني المؤمنين. وقال في يوسف: ﴿*وَأَلْحِقْنِي *بالصالحين﴾، يعني: آباءه المؤمنين. وقال سليمان: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين يعني المؤمنين"([13]).
قيل: ويشهد لهذا قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: 21].
الثاني: معناه: صلح في عمله. وهذا معنى قول الطبري([14])، والزجاج([15])، وابن كثير.
قال الطبري:" يقول: وأدخل مع هؤلاء الذين تابوا ﴿وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾ جنات عدن من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، فعمل بما يرضيك عنه من الأعمال الصالحة في الدنيا"([16]).
قال الزجاج:" أعلم الله - عز وجل - أن الأنساب لا تنفع بغير أعمال صالحة، فقال: ﴿يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِ م ﴾[الرعد : 23] ممن جرى ذكره"([17]).
قال ابن كثير: "يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين؛ لتقرَّ أعينهم بهم، حتى إنه تُرفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى، من غير تنقيص لذلك الأعلى عن درجته، بل امتناناً من الله وإحساناً، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [سورة الطور: 21]"([18]).
واختار الواحدي القول الأول، فقال:" والصحيح ما قال ابن عباس؛ لأن الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره بما يراه في أهله، حيث بشره بدخول الجنة مع هؤلاء، فدل أنهم يدخلونها كرامة للمطيع، ولا فائدة في التبشير والوعد به، إذ كل مصلح في عمله قد وعد دخول الجنة"([19]).
قلت: هذا من جملة دعاء الذين يحملون العرش ومن حوله، يقولون: ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ *وَمَنْ *صَلَحَ *مِنْ *آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِ مْ﴾. و»الصلاح«: ضد الفساد، ويخصان بالأفعال، والفعل منه: -كفتح ونصر -، والمصدر: الصلاح، والوصف منه: صالح.
والصحيح أن المراد بـ»الصلاح« –في الآية-: الإيمان بالله والعمل بما شرعه الله، فمن كان مؤمناً موحّداً قد عمل الصّالحات قد صلح لدخول الجنة.
أي: اجمع بينهم وبينهم لتقرّ بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة، ليتم سرورهم وفرحهم إذ وجود الآباء والأزواج والذرية مع الإنسان في الجنة، يزيد سروره وانشراحه.
والمعنى العام: أن النعمة تتم على المطيعين في الجنة بأن جعلهم الله مجتمعين مع قراباتهم فيها، وإن دخلها كل إنسان بعمل نفسه، بل برحمة الله تعالى.
قال أبو مِجْلَز: "علم الله عز وجل أن المؤمن يحب أن يجمع له شمله، فجمعهم الله عز وجل، له في الآخرة"([20]).
فيدخل الجنة مع المؤمن الصالح آباؤه وأزواجه وأبناؤه إن صدقوا وصلحت أعمالهم، وإن لم يعملوا مثل أعمالهم، واشتراط العمل الصالح كاشتراط الإيمان.
وفي الآية بشارة لمن كان له سلفٌ صالح، أو خلفٌ صالح، أو زوجٌ صالح، ممن تحققت فيهم هذه الصفات أنه إذا صار إلى الجنة لِحق بصالح أصوله أو فروعه أو زوجه، والآباء: يشمل الأمهات، على طريقة التغليب، كما قالوا: الأبوين.
قال البيضاوي: "وفي التقييد بالصلاح دلالة على أن مجرد الأنساب لا تنفع"([21]).
قال أبو السعود: "وفي التقييد بالصلاح قطع للأطماع الفارغة لمن يتمسك بمجرد حبل الأنساب"([22]).
أخرج البزار والبغوي بسند صحيح عن ابن عباس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: »إنّ اللَّه لَيَرْفَعُ ذُرَّية المؤْمِنِ إِليهِ في دَرَجَتِهِ، وإنْ كَانوا دُونَهُ في العَمَلِ، لِتَقَرَّ بِهِمْ عَيْنُه، ثم قرأ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ﴾ الآية، ثم قال: وما نَقَصْنا الآباءَ بما أَعْطَينا البنين([23])«.
قال الخطيب الشربيني: "عند قوله تعالى:"﴿وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ﴾، أي: الذين كانوا سبباً في إيجادهم، فيشمل ذلك الآباء والأمهات، وإن علوا ﴿وَأَزْوَاجهم وَذُرِّيَّاتِهِ مْ ﴾، أي: الذين تسبَّبُوا عنهم، والمعنى أنه يلحق بهم من صلح من أهلهم، وإن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعاً لهم، وتعظيماً لشأنهم، ويقال: إنّ من أعظم موجبات سرورهم أن يجتمعوا فيتذاكروا أحوالهم في الدنيا، ثم يشكروا الله تعالى على الخلاص منها، والفوز بالجنة، ولذلك قال الله تعالى في صفة أهل الجنة أنهم يقولون: ﴿يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِين ﴾ [يس: 26، 27].
وفي ذلك دليل على أنّ الدرجة تعلو بالشفاعة، وأن الموصوفين بتلك الصفات يقترن بعضهم ببعض لما بينهم من القرابة والوصلة في دخول الجنة زيادة في أنسهم، والتقييد بالصلاح دلالة على أنّ مجرد الأنساب لا تنفع"([24]).
وهذا رابط تحميل تفسير الكفاية:
https://www.mediafire.com/file/bdo0g...a1-40.rar/file


([1]) أخرجه الأصفهاني في صفة الجنة(297):ص2/150، وذكره عنه الواحدي في "البسيط": 12/341، و والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 9/ 312، وأبو حيان في "البحر المحيط" 5/ 387، والهواري في "تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 305.

([2]) انظر: تفسير الطبري: 21/357 ،وتفسير البغوي 7/ 141، وتفسير ابن كثير 7/ 132.

([3]) انظر: تفسير الطبري(20338):ص16/423-424.

([4]) انظر: تفسير سفيان الثوري(450: 18: 25):ص153.

([5]) تفسير مقاتل بن سليمان: 4/20.

([6]) أخرجه الأصفهاني في صفة الجنة(297):ص2/150، وذكره عنه الواحدي في "البسيط": 12/341، و والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 9/ 312، وأبو حيان في "البحر المحيط" 5/ 387، والهواري في "تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 305.

([7]) أخرجه الطبري(20338):ص16/423-424.

([8]) انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية: 5/3728.

([9]) أخرجه الطبري(20341):ص16/424.

([10]) تفسير مقاتل بن سليمان: 4/20.

([11]) تفسير سفيان الثوري(450: 18: 25):ص153.

([12]) أخرجه الطبري: 21/357 ،عن سعيد مهملًا. وذكره البغوي في تفسيره 7/ 141، وابن كثير 7/ 132 عن سعيد بن جبير.

([13])التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه: 275.

([14]) تفسير الطبري: 21/356.

([15]) انظر: معاني القرآن وإعرابه: 3/147.

([16]) تفسير الطبري: 21/356.

([17]) معاني القرآن وإعرابه: 3/147.

([18]) تفسير ابن كثير: 4/451.

([19]) التفسير البسيط: 12/341.

([20]) نسبه إليه مكي بن أبي طالب في "الهداية إلى بلوغ النهاية": 5/3727.
وانظر: تفسير السمعاني: 5/8، حكى عن بعض السلف أنه قال: "إن المؤمن يحب أن يجمع شمله، ويضم إليه أهله، فيجمع الله شمله، ويضم إليه أهله في الآخرة".

([21])أنوار التنزيل ج 3/ ص 327.

([22])إرشاد العقل السليم ج 5/ ص 18.

([23])صحيح الإسناد. أخرجه البزار (ص 221)، وابن عدي (ق 270/ 1)، والبغوي في "التفسير" (8/ 82)، والحاكم (2/ 468)، وانظر السلسلة الصحيحة (2490).

([24])السراج المنير (2/ 176).