220 مصنفاً في وجه المشككين


اعتاد الكثير من المستشرقين اليهود تكرار مقولة إن القدس لم تكن موضع اهتمام المسلمين، وإن تعلق بعض المسلمين بالقدس كان لدوافع سياسية وليست عقدية أو شرعية. تلك المقولة هي من مجمل الأكاذيب التي يشيعها اليهود للتشكيك في مكانة المسجد الأقصى في الشريعة الإسلامية وعند المسلمين.
وقد رددت – بجهد المقل - على تلك الشبهة وأمثالها في بعض مقالاتي، ولكن الكتاب الذي أعده الأستاذ شهاب الله بهادر والصادر عن مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دولة الإمارات العربية المتحدة، بعنوان: (معجم ما ألف في فضائل وتاريخ المسجد الأقصى والقدس وفلسطين ومدنها من القرن الثالث الهجري إلى نكبة فلسطين سنة 1367هـ-1948م)، أضاف لي الكثير من دلائل اعتناء المسلمين بالقدس والمسجد الأقصى من نواح عدة، بدءاً من حرص المسلمين على فتح تلك الأرض المباركة، وشد الرحال للصلاة في مسجدها الأقصى، والسكن في أرض بيت المقدس، والحماية من الأعداء عبر القرون، والتأليف والتصنيف في فضائله ومكانته عند المسلمين وفي الشرع الإسلامي، وكذلك في تاريخه، مروراً بما ذكره الرحالة الذين زاروا القدس والمسجد الأقصى المبارك.
وكتب الأستاذ شهاب الله رداً على تلك الشبهة تحت عنوان: (كلمة لا بد منها) الآتي:«يروج بعض المستشرقين أن كتب فضائل بيت المقدس جاءت نتيجة لسياسات انتهجها المسلمون لاسترداد القدس من يد الفرنجة لما تغلبوا عليها. وهذا ليس بصحيح؛ لأن كتب فضائل بيت المقدس وأخبارها ألفت في القرن الثالث والرابع والخامس قبل تغلب الفرنجة على القدس، وهذا دأب المسلمين في تدوين تواريخ بلدانهم وما ورد في فضائل الأماكن المقدسة»(1).
وجمع معد (معجم ما ألف في فضائل وتاريخ المسجد الأقصى والقدس)220 عنواناً لمؤلف ومصنف وكتاب ومخطوط عن فلسطين، أجاد في جمعها ورتبها منذ أوائل القرن الثالث الهجري إلى نكبة فلسطين في القرن الرابع عشر. وحتى لا أطيل على القارئ سأكتفي بسرد ما جاء في ذلك الكتاب الموسوعي حيث يؤكد الآتي:
«لا يخلو كتاب من كتب الإسلام في التفسير والحديث والفقه من ذكر القدس، ما يتعلق بها من فضائل وأحكام وعبادات»(2)، «وقد ألف بعضهم في فتوح في بيت المقدس ومن نزل فلسطين من الصحابة» في بداية القرن الثالث، وبدؤوا في تدوين كتب (فضائل بيت المقدس) قبل نهاية القرن الثالث الهجري، وفي القرن الرابع والخامس دونوا كل التفاصيل من الساكنين فيها والواردين إليها»(3).
«ولا يزال المسلمون يكتبون ويؤلفون، ويقدمون تضحياتهم بأرواحهم وأموالهم، وبكل ما يستطيعون من أقلام وأسنة، وكل بحسبه في مجال الحفاظ على المقدسات والبلدان والإشادة بذكر مزاياها وفضائلها»(4).
ويضيف المؤلف: «وأنا ذكرت في هذا الكتاب 220 عنواناً، لا يزال قسم كبير منها مخطوطاً، وقسم منها مطبوع طباعة غير مرضية، وقسم آخر مذكور في بطون الكتب ولم أجد له نسخة مذكورة في فهارس المكتبات التي اطلعت عليها».(5) ومن أوائل تلك الكتب التي ألفت في بيت المقدس كتاب بعنوان فتوح بيت المقدس، ومؤلفه إسحاق بن بشر بن محمد بن عبد الله بن سالم، أبو حذيفة البخاري المتوفي 206هـ. وكذلك تلاه كتاب بعنوان من نزل فلسطين من الصحابة ومؤلفه موسى بن سهل بن قاوم الرملي (متوفى بالرملة سنة 261هـ)، وكتاب بعنوان قضاة فلسطين لأبي زرعة الدمشقي (توفي 281هـ)، وفضائل بيت المقدس، ومؤلفه الوليد بن حماد بن جابر أبو العباس الرملي (توفي نهاية القرن الثالث الهجري) وهذا المؤلف أقدم تصنيف بعنوان (فضائل بيت المقدس) ومؤلفه من الرملة بفلسطين(6).
وفي القرن الرابع الهجري جمع أبو محمد الربعي البغدادي (255-329هـ) كتاباً أسماه: (شروط عمر بن الخطاب على النصارى) أو (الشروط العمرية) وكذلك كتاب صفة بيت المقدس لحسين بن أحمد المهلبي (توفي نحو سنة 380هـ)، وفضل عسقلان لأبي محمد بن أحمد العسقلاني في (القرن الرابع الهجري) وأخبار بيت المقدس ومؤلفه أحمد بن خلف بن محمد السبحي أبو العباس (من نهاية القرن الرابع الهجري).
وفي القرن الخامس ألف محمد بن أحمد الواسطي، أبو بكر الخطيب المقدسي (توفي في القرن الخامس الهجري) كتاباً بعنوان: فضائل بيت المقدس، وكان الواسطي خطيباً في المسجد الأقصى.
ومؤلفات القرن السادس الهجري كانت بعناوين مختلفة منها فضائل عسقلان، وفضائل القدس، والفتح القسي في الفتح المقدسي أو سيرة السلطان الملك الناصر لصلاح الدين بن أيوب، والجامع المستقصى في فضائل المسجد الأقصى.
وفي القرن السابع ألف أبو الفضل الجلياني الأندلسي (531-602) ديوان المبشرات والقدسيات، والأنس في فضائل القدس لأبي الفضل تاج الأمناء ابن العساكر (542-610) والمقصد الأقصى في قصد المسجد الأقصى لأبي القاسم جمال الدين (550-625هـ) ووصل عدد ما وثق وتم حصره من مؤلفات تخص القدس والمسجد الأقصى في القرن السابع 21 مصنفاً ومؤلفاً.
وفي القرن الثامن الهجري بلغ عدد المؤلفات ما يقارب كذلك 21 كتاباً ومن أشهرها (قاعدة في زيارة بيت المقدس) لشيخ الإسلام ابن تيمية (661-728)، وباعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس لابن الفركاح الفزاري (660-729هـ) وهو من كبار الشافعية. وتحصيل الأنس لزائر القدس لابن هشام الأنصاري (708-761هـ). وكتاب مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام، لابن هلال المقدسي (714-765هـ).
وأما مؤلفات القرن التاسع الهجري فما تسنى حصره بلغ 20 مؤلفاً، وعناوينها تدل على الاهتمام بذكر أخبار وفضائل ومكانة تلك البقعة المباركة في نفوس المسلمين، فقد ألف الخوارزمي (المتوفي 827هـ) كتاباً وعنوانه: إشارة الترغيب والتشويق إلى المساجد الثلاثة وإلى البيت العتيق، والروض المغرس في فضائل البيت المقدس، وإتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى.
وما وصل لنا إثباته أنه في القرن العاشر الهجري ألف 17 كتاباً تدور في ذكر أوقاف القدس وفضائلها، ومن أشهرها كتاب (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل) وهو كتاب مطبوع ومؤلفه مجير الدين العليمي (860-928هـ).
وفي القرون الحادي عشر الهجري والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر بلغ عدد ما ألف ما يقارب المائة مؤلف.فيها تراجم لأفاضل القدس، ووثائق أوقاف القدس، وحدود الأرض المقدسة، وعمارة المسجد الأقصى وأشعار وقصائد في مدح القدس ومسجدها الأقصى، والرحلات إلى بيت المقدس.
فلا يخلو قرن من القرون على مر العهود الإسلامية من مؤلف ومصنف في ذكر فضائل ومكانة وتاريخ القدس والمسجد الأقصى المبارك، وذلك دلالة على مكانته في الشرع الإسلامي وعلى حب المسلمين وتناقلهم فضائل المسجد الأقصى وتاريخ بيت المقدس ومدن فلسطين، بل وإن كثرة نسخ ونُساخ تلك المخطوطات المنتشرة في أصقاع الأرض لدلالة أخرى على حب المسجد الأقصى والاطلاع على فضائله ومكانته التي اشتهرت في العالم شرقاً وغرباً، علماً بأن ما تم تحقيقه ونشره يعد جزءاً يسيراً من تلك المؤلفات، والدراسات والتحقيقات التي يقوم بها المستشرقون من اليهود وغيرهم دلالة واضحة على أهمية تلك المؤلفات وهذا العلم على وجه الخصوص.
الهوامش
(1) معجم ماألف في فضائل وتاريخ المسجد الأقصى، شهاب الله بهارد-ص12
(2) المرجع السابق -ص10
(3) المرجع السابق -ص10
(4) المرجع السابق -ص10
(5) المرجع السابق -ص13
(6) أنظر للاستزادة معجم ماألف - ص19-22


اعداد: عيسى القدومي