تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 14 من 14 الأولىالأولى ... 4567891011121314
النتائج 261 إلى 280 من 280

الموضوع: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

  1. #261
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس

    الحلقة (261)
    صــــــــــ 161 الى صـــــــــــ 166



    والبيوت المغلقة حرز لما فيها فإن سرق سارق من بيت مغلق فتح الغلق أو نقب البيت أو قلع الباب فأخرج المتاع من حرزه قطع وإن كان البيت مفتوحا فدخل فسرق منه لم يقع فإن كان على الباب المفتوح حجرة مغلقة أو دار مغلقة فسرق منها قطع وقد قيل إن كانت دونه حجرة أو دار فهذا حرز وإن لم يكن مغلقا، وكذلك بيوت السوق ما كانت مفتوحة فدخلها داخل فسرق منها لم يقطع وإن كان فيها صاحبها وهذه خيانة؛ لأن ما في البيوت لا يحرزها قعود عنها (قال الربيع) إلا أن يكون بصره يحيط بها كلها أو يكون يحرسها فأغفله فأخذ منها ما يسوى ربع دينار قطع (قال الشافعي): ولو كان بيت عليه حجرة ثم دار فأخرج السرقة من البيت والحجرة إلى الدار والدار للمسروق وحده لم يقطع حتى يخرجه من جميع الدار وذلك أن الدار حرز لما فيها فلا يقطع حتى يخرج السرقة من جميع الحرز ولكن لو كانت الدار مشتركة وأخرج السرقة من البيت والحجرة إلى الدار قطع؛ لأن المشتركة ليست بحرز لواحد من السكان دون الآخر ولو نقب رجل البيت فأخرج المتاع من النقب كله قطع ولو وضعه في بعض النقب ثم أخذه رجل من خارج لم يقطع؛ لأن الداخل لم يخرجه من جميع حرزه ولا الخارج (قال): وإخراج الداخل إياه من النقب وغيره إذا صيره في غير حرز مثله ورميه به إلى الفج يوجب عليه القطع.


    (قال الشافعي): ولو أن نفرا حملوا متاعا من بيت والمتاع الذي حملوه معا فإن كانوا ثلاثة فبلغ ثلاثة أرباع دينار قطعوا وإن لم يبلغ ذلك لم يقطعوا ولو حملوه متفرقا فمن أخرج منه شيئا يسوى ربع دينار قطع، ومن أخرج ما لا يسوى ربع دينار لم يقطع، وكذلك لو سرق سارق ثوبا فشقه أو حليا فكسره أو شاة فذبحها في حرزها، ثم أخرج ما سرق من ذلك قوم ما أخرج ما أخرجه الثوب مشقوق والحلي مكسور والشاة مذبوحة فإذا بلغ ذلك ربع دينار قطع ولا ينظر إلى قيمته في البيت إنما ينظر إلى قيمته في الحال التي أخرجه به فيها من الحرز فإن كان يسوى ربع دينار قطع وإن لم يسو ربع دينار في الحال التي أخرجه بها لم يقطع وعليه قيمته صحيحا قبل أن يشقه إن كان أتلفه وإلا فعليه رده ورد ما نقصه الخرق ولو دخل جماعة البيت ونقبوه معا ثم أخرج بعضهم السرقة ولم يخرجها دون الذي لم يخرجها، وكذلك لو كانوا جماعة فوقف بعضهم على الباب أو في موضع يحميهم فمن أخذ المتاع منهم قطع الذي أخرج المتاع من جوف البيت ولم يقطع من لم يخرجه من جوف البيت فعلى هذا الباب كله.

    ومن سرق عبدا صغيرا أو أعجميا من حرز قطع، ومن سرق من يعقل أو يمتنع لم يقطع وهذه خديعة وإن سرق الصغير من غير حرز لم يقطع ويقطع النباش إذا أخرج الكفن من جميع القبر؛ لأن هذا حرز مثله. وإن أخذ قبل أن يخرجه من جميع القبر لم يقطع ما دام لم يفارق جميع حرزه. .

    قطع المملوك بإقراره وقطعه وهو آبق

    (قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت خرجت عائشة إلى مكة ومعها مولاتان لها وغلام لبني عبد الله بن أبي بكر الصديق فبعثت مع المولاتين ببرد مراجل قد خيط عليه خرقة خضراء قالت فأخذ الغلام البرد ففتق عنه فاستخرجه وجعل مكانه لبدا أو فروة وخاط عليه فلما قدمت المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى أهله فلما فتقوا عنه وجدوا فيه اللبد ولم يجدوا فيه البرد فكلموا المولاتين فكلمتا عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كتبتا إليها واتهمتا العبد فسئل العبد عن ذلك فاعترف فأمرت به عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقطعت يده وقالت عائشة - رضي الله عنها - القطع في ربع دينار فصاعدا (قال الشافعي): وهذا عندنا كان محرزا مع المولاتين فسرق من حرزه وبهذا فأخذ بإقرار العبد على نفسه فيما يضره في بدنه وإن نقص بذلك ثمنه ونقطع العبد؛ لأنه سرق وقد أمر الله عز وجل بقطع السارق ونقطعه وإن كان آبقا ولا تزيده معصية الله بالإباق خيرا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن عبدا سرق لابن عمر وهو آبق، فأرسل به عبد الله إلى سعيد بن العاص وهو أمير المدينة ليقطع يده فأبى سعيد أن يقطع يده وقال لا تقطع يد الآبق إذا سرق فقال له ابن عمر في أي كتاب الله وجدت هذا؟ فأمر به ابن عمر فقطعت يده.

    (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن رزيق بن حكيم أنه أخذ عبدا آبقا قد سرق فكتب فيه إلى عمر بن عبد العزيز إني كنت أسمع أن العبد الآبق إذا سرق لم يقطع فكتب عمر إن الله عز وجل يقول {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} فإن بلغت سرقته ربع دينار أو أكثر فاقطعه.

    قطع الأطراف كلها

    (قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلا من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم على أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه فكان يصلي من الليل فيقول أبو بكر وأبيك ما ليلك بليل سارق ثم إنهم افتقدوا حليا لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر فجعل الرجل يطوف معهم ويقول: اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاء به فاعترف به الأقطع أو شهد عليه فأمر به أبو بكر فقطعت يده اليسرى وقال أبو بكر والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي من سرقته.

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: فبهذا نأخذ فإذا سرق السارق أولا قطعت يده اليمنى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق الثانية قطعت رجله اليسرى من المفصل ثم حسمت بالنار ثم إذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى من المفصل ثم حسمت بالنار فإذا سرق الخامسة حبس وعزر ويعزر كل من سرق إذا كان سارقا، من جنى يدرأ فيه القطع فإذا درئ

    عنه القطع عزر (قال الشافعي): ويقطع ما يقطع به من خفة المؤنة عليه وأقر به من السلامة وكان الذي أعرف من ذلك أن يجلس ويضبط ثم تمد يده بخيط حتى يبين مفصلها ثم يقطع بحديدة حديدة ثم يحسم وإن وجد أرفق وأمكن من هذا قطع به؛ لأنه إنما يراد به إقامة الحد لا التلف. .

    من يجب عليه القطع

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يقطع السارق ولا يقام حد دون القتل على امرأة حبلى ولا مريض دنف ولا بين المرض ولا في يوم مفرط البرد ولا الحر ولا في أسباب التلف ومن أسباب التلف التي يترك إقامة الحدود فيها إلى البرء أن تقطع يد السارق فلا يبرأ حتى يسرق فيؤخر حتى تبرأ يده ومن ذلك أن يجلد الرجل فلا يبرأ جلده حتى يصيب حدا فيترك حتى يبرأ جلده، وكذلك كل قرح أو مرض أصابه. .

    ما لا يقطع فيه من جهة الخيانة

    (قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال اقطع يد هذا فإنه سرق فقال له عمر " ماذا سرق قال " سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهما فقال عمر أرسله فليس عليه قطع، خادمكم سرق متاعكم.

    (قال الشافعي): فبهذا كله نقول والعبد إذا سرق من متاع سيده مما اؤتمن عليه أو لم يؤتمن أحق أن لا يقطع من قبل أن ماله أخذ بعضه بعضا (قال الشافعي) وقد قال صاحبنا إذا سرق الرجل من امرأته أو المرأة من زوجها من البيت الذي هما فيه لم يقطع واحد منهما وإن سرق غلامه من امرأته أو غلامها منه وهو يخدمهما لم يقطع؛ لأن هذه خيانة فإذا سرق من امرأته أو هي منه من بيت محرز فيه لا يسكنانه معا أو سرق عبدها منه أو عبده منها وليس بالذي يلي خدمتهما قطع أي هؤلاء سرق (قال الشافعي): وهذا مذهب وأراه يقول إن قول عمر خادمكم ومتاعكم أي الذي يلي خدمتكم ولكن قول عمر خادمكم يحتمل عبدكم فأرى - والله تعالى أعلم - على الاحتياط أن لا يقطع الرجل لامرأته ولا المرأة لزوجها ولا عبد واحد منهما سرق من متاع الآخر شيئا للأثر والشبهة فيه (قال): وكذلك الرجل يسرق متاع أبيه وأمه وأجداده من قبلهما أو متاع ولده أو ولد ولده لا يقطع واحد منهم وإذا كان في بيت واحد ذوو رحم أو غير ذوي رحم فسرق بعضهم من بعض لم يقطع؛ لأنها خيانة وكذلك أجراؤهم معهم في منازلهم ومن يخدمهم بلا أجر؛ لأن هذا كله من جهة الخيانة، وكذلك من استعار متاعا فجحده أو كانت عنده وديعة فجحدها لم يكن عليه فيها قطع وإنما القطع على من أخرج متاعا من حرز بغير شبهة وهذا وجه قطع السرقة (قال الشافعي): والخلسة ليست كالسرقة فلا قطع فيها؛ لأنها لم تؤخذ من حرز وليست بقطع للطريق (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم أتي بإنسان قد اختلس متاعا فأراد قطع يده فأرسل إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك فقال زيد ليس في الخلسة قطع.

    (قال الشافعي): ولو أسكن رجل رجلا في بيت أو أكراه إياه فكان يغلقه دونه ثم سرق رب البيت منه قطع وهو مثل الغريب يسرق منه. .

    غرم السارق

    (قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا وجدت السرقة في يد السارق قبل يقطع ردت إلى صاحبها وقطع وإن كان أحدث في السرقة شيئا ينقصها ردت إليه وما نقصها ضامن عليه يتبع به وإن أتلف السلعة قطع أيضا وكانت عليه قيمتها يوم سرقها ويضمن قيمتها إذا فاتت. وكذلك قاطع الطريق وكل من أتلف لإنسان شيئا مما يقطع فيه أو لا يقطع فلا فرق بين ذلك ويضمنه من أتلفه والقطع لله لا يسقط غرمه ما أتلف للناس.

    حد قاطع الطريق

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا} الآية (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال، قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال، قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا هربوا طلبوا حتى يوجدوا فتقام عليهم الحدود وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض.

    (قال الشافعي): وبهذا نقول وهو موافق معنى كتاب الله تبارك وتعالى وذلك أن الحدود إنما نزلت فيمن أسلم فأما أهل الشرك فلا حدود فيهم إلا القتل أو السباء والجزية واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس - رضي الله عنهما - إن شاء الله تعالى {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فمن تاب قبل أن يقدر عليه سقط حق الله عنه وأخذ بحقوق بني آدم. ولا يقطع من قطاع الطريق إلا من أخذ قيمة ربع دينار فصاعدا قياسا على السنة في السارق (قال الشافعي): - رحمه الله - والمحاربون الذين هذه حدودهم القوم يعرضون بالسلاح للقوم حتى يغصبوهم مجاهرة في الصحاري والطرق (قال): وأرى ذلك في ديار أهل البادية وفي القرى سواء إن لم يكن من كان في المصر أعظم ذنبا فحدودهم واحدة فإذا عرض اللصوص لجماعة أو واحد مكابرة بسلاح فاختلف أفعال العارضين فكان منهم من قتل وأخذ المال ومنهم من قتل ولم يأخذ مالا ومنهم من أخذ مالا ولم يقتل ومنهم من كثر الجماعة وهيب ومنهم من كان ردءا للصوص يتقوون بمكانه أقيمت عليهم الحدود باختلاف أفعالهم على ما وصفت. وينظر إلى من قتل منهم وأخذ مالا فيقتله ويصلبه وأحب إلي أن يبدأ بقتله قبل صلبه؛ لأن في صلبه وقتله على الخشبة تعذيبا له يشبه المثلة وقد قال غيري: يصلب ثم يطعن فيقتل. وإذا قتل ولم يأخذ مالا قتل ودفع إلى أوليائه فيدفنوه أو يدفنه غيرهم، ومن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت ثم رجله اليسرى ثم حسمت في مكان واحد وخلي، ومن حضر وكثر وهيب أو كان ردءا يدفع عنهم عزر وحبس وسواء افترقت أفعالهم كما وصفت في مقام واحد أو كانت جماعة كابرت ففعلت فعلا واحدا مثلا: قتل وحده أو قتل وأخذ مال أو أخذ مال بلا قتل حد كل واحد منهم حد مثله بقدر فعله ولو هيبوا ولم يبلغوا قتلا ولا أخذ مال عزروا ولو هيبوا وجرحوا أقص منهم بما فيه القصاص وعزروا وحبسوا ولو كان القاتل قتل منهم رجلا وجرح آخر أقص صاحب الجرح منه ثم قتل وكذلك لو كان أخذ المال وجرح أقص صاحب الجرح ثم قطع لا تمنع حقوق الله حقوق الآدميين في الجراح وغيرها ولو كانت الجراح مما لا قصاص فيه

    وهي عمد فأرشها كلها في مال الجارح يؤخذ دينا من ماله. وإن قتل أو قطع فأراد أهل الجراح عفو الجراح فذلك لهم. وإن أراد أولياء المقتولين عفو دماء من قتلوا لم يكن ذلك يحقن دماء من عفوا عنه وكان على الإمام أن يقتلهم إذا بلغت جنايتهم القتل

    (قال الشافعي): - رحمه الله - وأحفظ عن بعض أهل العلم قبلنا أنه قال: يقتلون وإن قتلوا عبدا أو ذميا على مال يأخذونه وهذا مخالف للقتل على غير الغيلة (قال): ولقوله هذا وجه؛ لأن الله عز وجل ذكر القتل والصلب فيمن حارب وسعى في الأرض فسادا فيحتمل أن يكون إذا نيل هذا من عبد أو ذمي من المحاربة أو الفساد ويحتمل أن يكونوا إذا فعلوا ما في مثله القصاص. وإن كنت أراه قد خالف سبيل القصاص في غيره؛ لأن دم القاتل فيه لا يحقن بعفو الولي عنه ولا يصلحه. لو صالح فيه كان الصلح مردودا وفعل المصالح؛ لأنه حد من حدود الله عز وجل ليس فيه خبر يلزم فيتبع ولا إجماع أتبعه ولا قياس بتفرق فيصح وإنما أستخير الله فيه. .

    الشهادات والإقرار في السرقة وقطع الطريق وغير ذلك

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا يقام على سارق ولا محارب حد إلا بواحد من وجهين: إما شاهدان عدلان يشهدان عليه بما في مثله الحد، وإما باعتراف يثبت عليه حتى يقام عليه الحد، وعلى الإمام أن يقف الشاهدين في السرقة حتى يقولا سرق فلان " ويثبتاه بعينه، وإن لم يثبتاه باسمه ونسبه " متاعا لهذا يسوى ربع دينار وحضر المسروق منه يدعي ما قال الشاهدان فإن كذب الشاهدين لم يقطع السارق وإن لم يحضر حبس السارق حتى يحضر فيدعي أو يكذب الشاهدين. وإذا ادعى مرة كفاه ما لم يرجع بعدها. فإذا لم يعرفا القيمة شهدا على المتاع بعينه أو صفة يثبتانها أنها أكثر ثمنا من ربع دينار ويقولان سرق من حرز ويصفان الحرز لا يقبل منهما غير صفته؛ لأنه قد يكون عندهما حرزا. وليس عند العلماء بحرز فإذا اجتمع هذا أقيم عليه الحد، وكذلك يشهد الشاهدان على قطاع الطريق بأعيانهم وإن لم يسموا أسماءهم وأنسابهم أنهم عرضوا بالسلاح لهؤلاء أو لهذا بعينه وأخافوه بالسلاح ونالوه به ثم فعلوا ما فيه حد. فإن شهدوا على أخذ المتاع شهدوا كما يشهد شهود السارق على متاع بعينه أو بقيمته أو بصفته كما وصفت في شهادة السارق، ويحضر أهل المتاع وأولياء المقتول وإن شهد شاهدان من أهل رفقته أن هؤلاء عرضوا لنا فنالونا وأخذوا منا أو من بعضنا لم تجز شهادتهما؛ لأنهما خصمان ويسعهما أن يشهدا أن هؤلاء عرضوا لهؤلاء ففعلوا وفعلوا ونحن ننظر وليس على الإمام عندي أن يقفهم فيسألهم هل كنتم فيهم؛ لأن أكثر الشهادة عليهم هكذا، فإن شهدوا أن هؤلاء عرضوا ففعل بعضهم لا يثبت أيهم فعل من أيهم لم يفعل لم يحدوا بهذه الشهادة حتى يثبت الفعل على فاعل بعينه، وكذلك السرقة (قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا يجوز في الحدود شهادة النساء ولا يقبل في السرقة ولا قطع الطريق أقل من شاهدين ولا يقبل فيه شاهد ويمين، وكذلك حتى يبينوا الجارح والقاتل وآخذ المتاع بأعيانهم. فإن لم يوجد شاهدان فجاء رب السرقة بشاهد حلف مع شاهده وأخذ سرقته بعينها أو قيمتها يوم سرقت إن فاتت؛ لأن هذا مال يستحقه ولم يقطع السارق، وإن جاء بشاهد وامرأتين أخذ سرقته بعينها أو قيمتها يوم سرقها فإن هذا مال وتجوز شهادة النساء فيه ولا يختلف، وهكذا يفعل من طلب قطاع الطريق بكل مال أخذوه وإن طلب جرحا يقتص منه وجاء بشاهد لم يقسم في الجراح وأحلف

    المدعى عليه وبرئ وإن طلب جرحا لا قصاص فيه وجاء بشاهد أحلف مع شاهده وأخذ الأرش، وإن جاء بشاهد على سرقته من حرز أو غير حرز أحلف مع شاهده وأخذ السرقة أو قيمتها إن لم توجد.

    ولا يقطع أحد بشاهد ويمين ولا يقتص منه من جرح ولا بشاهد وامرأتين وإن أقر السارق بالسرقة ووصفها وقيمتها وكانت مما يقطع به قطع " قال الربيع " يقطع إلا أن يرجع فلا يقطع، وتؤخذ منه قيمة السلعة التي أتلف على ما أقر به أولا (قال الشافعي): - رحمه الله -: وقاطع الطريق كذلك ولو أقرا بقتل فلان وجرح فلان وأخذ مال فلان أو بعض ذلك فيكفي كل واحد منهما الإقرار مرة ويلزم كل واحد منهما ما أقر به على ما أقر به فيحدان معا حدهما ويقتص ممن عليه القصاص منهما ويغرم كل واحد منهما ما يلزمه كما يفعل به لو قامت به عليه بينة عادلة. فإن أقرا بما وصفت ثم رجعا قبل أن يقام عليهما الحد لم يقم عليهما حد القطع ولا القتل ولا الصلب بقطع الطريق ولزمهما حقوق الناس، وأغرم السارق قيمة ما سرق وأغرم قاطع الطريق قيمة ما أقر أنه أخذ لأصحابه، وإن كان في إقراره أنه قتل فلانا دفع إلى وليه فإن شاء قتله وإن شاء أخذ منه الدية وإن شاء عفا عنه؛ لأنه ليس بالحد يقتل إنما يقتل باعتراف قد رجع عنه ولو ثبت على الاعتراف قتل ولم يحقن دمه عفو الولي عنه وإن كان أقر بجرح وكان يقتص منه اقتص منه وإن كان لا يقتص منه أخذ أرشه من ماله، ولو قال أصبته بذلك الجرح خطأ أخذ من ماله لا تعقل منه عاقلته عنه اعترافا، ولو قطعت بعض يد السارق بالإقرار ثم رجع كف عن قطع ما بقي من يده إلا أن يأمر هو بها على أنه لا يصلحه إلا ذلك فإن شاء من أمره قطعه وإن شاء فلا، هو حينئذ يقطع على العيب. ولو قطعت يد المعترف بقطع الطريق ثم رجع لم تقطع رجله إذا كان لا يقام عليه إلا باعترافه إلا أن تثبت بينة عليه فسواء تقدم رجوعه أو تأخر أو وجد ألما للحد خوفا منه أو لم يجده وتؤخذ منهما حقوق الناس كما وصفت قبل هذه المسألة.

    (قال الشافعي): ذكر الله تبارك وتعالى حد استتابة المحارب فقال عز وجل {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فمن أخاف في المحاربة الطريق وفعل فيها ما وصفت من قتل أو جرح وأخذ مال أو بعضه فاختلف أصحابنا فيه فقال: بعضهم كل ما كان لله عز وجل من حد يسقط فلا يقطع وكل ما كان للآدميين لم يبطل يجرح بالجرح ويؤخذ منه أرشه إن لم يكن فيه قصاص ويؤخذ منه قيمة ما أخذ وإن قتل دفع إلى أولياء القتيل فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا ولا يصلب. وإن عفا جاز العفو؛ لأنه إنما يصير قصاصا لا حدا. وبهذا أقول. وقال بعضهم: يسقط عنه ما لله عز وجل وللناس كله إلا أن يوجد عنده متاع رجل بعينه فيدفعه إليه (قال الشافعي): - والله أعلم - السارق مثله قياسا عليه فيسقط عنه القطع ويؤخذ بغرم ما سرق، وإن فات ما سرق. .

    حد الثيب الزاني

    (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه «أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل. وقال الآخر - وهو أفقههما - أجل يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل وأذن لي في أن أتكلم، قال: تكلم قال إن ابني كان عسيفا

    على هذا فزنى بامرأته فأخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله. أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها» قال مالك والعسيف الأخير.

    (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء إذا أحصن إذا قامت عليه البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.

    (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديا ويهودية زنيا».





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #262
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس

    الحلقة (262)
    صــــــــــ 167 الى صـــــــــــ 172



    (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن أبي واقد الليثي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتاه رجل وهو بالشام فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا فبعث عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي إلى امرأته يسألها عن ذلك فأتاها وعندها نسوة حولها فذكر لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع فأبت أن تنزع وثبتت على الاعتراف فأمر بها عمر بن الخطاب فرجمت.


    (قال الشافعي): فبكتاب الله ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم فعل عمر نأخذ في هذا كله وإذا تزوج الرجل حرة مسلمة أو يهودية أو نصرانية أو لم يجد طولا فتزوج أمة ثم أصابها بعد بلوغه فهو محصن وإذا تزوجت الحرة المسلمة أو الذمية زوجا حرا أو عبدا فأصابها بعد بلوغها فهي محصنة وأيهما زنى أقيم عليه حد المحصن بمحصنة أو بكر أو أمة أو مستكرهة وسواء زنت المحصنة بعبد أو حر أو معتوه يقام على كل واحد منهما حده. وحد المحصن والمحصنة أن يرجما بالحجارة حتى يموتا ثم يغسلا ويصلى عليهما ويدفنا.

    ولا يحضر الإمام المرجومين ولا الشهود؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رجم رجلا وامرأة ولم يحضرهما ولم يحضر عمر ولا عثمان أحدا رجماه علمنا ولا يحضر ذلك الشهود على الزاني. أقل ما يحضر حد الزاني في الجلد والرجم أربعة لقول الله عز وجل {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}. .

    وشهود الزنا أربعة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن زنى بكر بامرأة ثيب رجمت المرأة وجلد البكر مائة ونفي سنة. ثم يؤذن له في البلد الذي خرج منه وينفي المرأة والرجل الحران معا إذا زنيا ولا يقام الحد على الزاني إلا بأن يشهد عليه أربعة شهداء عدول.

    ثم يقفهم الحاكم حتى يثبتوا أنهم رأوا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة فإذا أثبتوا ذلك حد الزاني والزانية حدهما أو باعتراف من الزاني والزانية فإذا اعترف مرة وثبت عليها حد حده، وكذلك هي وإن اعترف هو وجحدت هي أو اعترفت هي وجحد هو أقيم الحد على المعترف منهما ولم يقم على الآخر. ولو قال رجل قد زعمت أنها زنت بي أو المرأة قد زعم أني زنيت به فاجلده لي لم يجلده؛ لأن كل واحد منهما أقر بحد على غيره نفسه يؤخذ به وإن كان فيه قذف لغيره.

    (قال الشافعي): فمتى رجع المعترف منهما عن الإقرار بالزنا قبل منه ولم يرجم ولم يجلد. وإن رجع بعدما أخذته الحجارة أو السياط كف عن الرجم والجلد ذكر علة أو لم يذكرها وقال الله عز وجل في الإماء فيمن أحصن {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}.

    (قال الشافعي) فقال من أحفظ عنه من أهل العلم إحصانها إسلامها فإذا زنت الأمة المسلمة جلدت خمسين؛ لأن العذاب في الجلد يتبعض ولا يتبعض في الرجم. وكذلك العبد وذلك أن حدود الرجال والنساء لا تختلف في كتاب الله عز وجل ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولا عامة المسلمين وهما مثل الحرين في أن لا يقام عليهما الحد إلا بأربعة كما وصفت في الحرين أو باعتراف يثبتان عليه لا يخالفان في هذا الحرين واختلف أصحابنا في نفيهما فمنهم من قال لا ينفيان كما لا يرجمان ولو نفيا نفيا نصف سنة وهذا مما أستخير الله عز وجل فيه (قال الربيع) قول الشافعي أنه ينفي العبد والأمة نصف سنة (قال الشافعي): ولسيد العبد والأمة أن يقيما عليهما حد الزنا فإذا فعلا لم يكن للسلطان أن يثني عليهما الحد ولا نحكم بين أهل الكتاب في الحدود إلا أن يأتونا راغبين فإن فعلوا فلنا الخيار أن نحكم أو ندع فإن حكمنا حكمنا بحكم الإسلام فرجمنا الحرين المحصنين في الزنا وجلدنا البكرين والحرين مائة ونفيناهما سنة وجلدنا العبد والأمة في الزنا خمسين خمسين مثل حكم الإسلام. .

    ما يدرأ فيه الحد في الزنا وما لا يدرأ

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا استكره الرجل المرأة أقيم الحد ولم يقم عليها؛ لأنها مستكرهة ولها مهر مثلها حرة كانت أو أمة فإذا كانت الأمة نقصت الإصابة من ثمنها شيئا قضي عليه مع المهر بما نقص من ثمنها، وكذلك إن كانت حرة فجرحها جرحا له أرش قضي عليه بأرش الجرح مع المهر، المهر بالوطء والأرش بالجناية، وكذلك لو ماتت من وطئه كانت عليه دية الحرة وقيمة الأمة والمهر ولو أن رجلا أخذ مع امرأة فجاء ببينة أنه نكحها وقال نكحتها وأنا أعلم أن لها زوجا أو أنها في عدة من زوج أو أنها ذات محرم وأنا أعلم أنها محرمة في هذه الحال أقيم عليه حد الزاني، وكذلك إن قالت هي ذلك فإن ادعى الجهالة بأن لها زوجا أو أنها في عدة أحلف ودرئ عنه الحد وإن قالت قد علمت أني ذات زوج ولا يحل لي النكاح أقيم عليها الحد ولكن إن قالت بلغني موت زوجي واعتددت ثم نكحت درئ عنها الحد وفي كل ما درأنا فيه الحد ألزمه المهر بالوطء. .

    باب المرتد الكبير

    (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي) قال: قال الله تبارك وتعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} وقال عز وجل {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} إلى قوله {فخلوا سبيلهم} وقال الله تبارك اسمه {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم} الآية وقال تعالى {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} أخبرنا الثقة عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن عفان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس» (قال الشافعي): فلم يجز في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث»: إحداهن الكفر بعد الإيمان إلا أن تكون كلمة الكفر تحل الدم كما يحله الزنا بعد الإحصان أو تكون كلمة الكفر تحل الدم إلا أن

    يتوب صاحبه فدل كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كفر بعد إيمان» إذا لم يتب من الكفر وقد وضعت هذه الدلائل مواضعها وحكم الله عز وجل في قتل من لم يسلم من المشركين وما أباح جل ثناؤه من أموالهم ثم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القتل بالكفر بعد الإيمان يشبه - والله تعالى أعلم - أن يكون إذا حقن الدم بالإيمان ثم أباحه بالخروج منه أن يكون حكمه حكم الذي لم يزل كافرا محاربا وأكبر منه؛ لأنه قد خرج من الذي حقن به دمه ورجع إلى الذي أبيح الدم فيه والمال والمرتد به أكبر حكما من الذي لم يزل مشركا؛ لأن الله عز وجل أحبط بالشرك بعد الإيمان كل عمل صالح قدم قبل شركه وأن الله - جل ثناؤه - كفر عمن لم يزل مشركا ما كان قبله وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبان أن من لم يزل مشركا ثم أسلم كفر عنه ما كان قبل الشرك «وقال لرجل كان يقدم خيرا في الشرك أسلمت على ما سبق لك من خير» وأن من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن ظفر به من رجال المشركين أنه قتل بعضهم، ومن على بعضهم وفادى ببعض وأخذ الفدية من بعض فلم يختلف المسلمون أنه لا يحل أن يفادى بمرتد بعد إيمانه ولا يمن عليه ولا تؤخذ منه فدية ولا يترك بحال حتى يسلم أو يقتل. والله أعلم.

    باب ما يحرم به الدم من الإسلام

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} إلى " يفقهون " (قال الشافعي): فبين أن إظهار الإيمان ممن لم يزل مشركا حتى أظهر الإيمان وممن أظهر الإيمان ثم أشرك بعد إظهاره ثم أظهر الإيمان مانع لدم من أظهره في أي هذين الحالين كان وإلى أي كفر صار كفر يسره أو كفر يظهره وذلك أنه لم يكن للمنافقين دين يظهر كظهور الدين الذي له أعياد وإتيان كنائس إنما كان كفر جحد وتعطيل وذلك بين في كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن الله عز وجل أخبر عن المنافقين بأنهم اتخذوا أيمانهم جنة يعني والله أعلم من القتل ثم أخبر بالوجه الذي اتخذوا به أيمانهم جنة فقال {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا} فأخبر عنهم بأنهم آمنوا ثم كفروا بعد الإيمان كفرا إذا سئلوا عنه أنكروه وأظهروا الإيمان وأقروا به وأظهروا التوبة منه وهم مقيمون فيما بينهم وبين الله على الكفر قال الله جل ثناؤه {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} فأخبر بكفرهم وجحدهم الكفر وكذب سرائرهم بجحدهم وذكر كفرهم في غير آية وسماهم بالنفاق إذ أظهروا الإيمان وكانوا على غيره قال جل وعز " {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} فأخبر عز وجل عن المنافقين بالكفر وحكم فيهم بعلمه من أسرار خلقه ما لا يعلمه غيره بأنهم في الدرك الأسفل من النار وأنهم كاذبون بأيمانهم وحكم فيهم جل ثناؤه في الدنيا بأن ما أظهروا من الإيمان وإن كانوا به كاذبين لهم جنة من القتل وهم المسرون الكفر المظهرون الإيمان وبين على لسانه - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أنزل في كتابه من أن إظهار القول بالإيمان جنة من القتل أقر من شهد عليه بالإيمان بعد الكفر أو

    لم يقر إذا أظهر الإيمان فإظهاره مانع من القتل وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حقن الله تعالى دماء من أظهر الإيمان بعد الكفر أن لهم حكم المسلمين من الموارثة والمناكحة وغير ذلك من أحكام المسلمين. فكان بينا في حكم الله عز وجل في المنافقين ثم حكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن ليس لأحد أن يحكم على أحد بخلاف ما أظهر من نفسه وأن الله عز وجل إنما جعل للعباد الحكم على ما أظهر لأن أحدا منهم لا يعلم ما غاب إلا ما علمه الله عز وجل فوجب على من عقل عن الله أن يجعل الظنون كلها في الأحكام معطلة فلا يحكم على أحد بظن. وهكذا دلالة سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كانت لا تختلف. أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار «عن المقداد بن الأسود أنه أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فقلت يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله يا رسول الله؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها» (قال الشافعي): - رحمه الله -: فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله حرم دم هذا بإظهاره الإيمان في حال خوفه على دمه ولم يبحه بالأغلب أنه لم يسلم إلا متعوذا من القتل بالإسلام (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار «أن رجلا سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ندر ما ساره به حتى جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال بلى. ولا شهادة له. قال: أليس يصلي؟ قال بلى ولا صلاة له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أولئك الذين نهاني الله عنهم» (قال الشافعي): فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المستأذن في قتل المنافق إذا أظهر الإسلام أن الله نهاه عن قتله وهذا موافق كتاب الله عز وجل بأن الإيمان جنة وموافق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكم أهل الدنيا. وقد أخبر الله عنهم أنهم في الدرك الأسفل من النار. أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: وهذا موافق ما كتبنا قبله من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وبين أنه إنما يحكم على ما ظهر وأن الله تعالى ولي ما غاب لأنه عالم بقوله وحسابهم على الله وكذلك قال الله عز وجل فيما ذكرنا وفي غيره فقال {ما عليك من حسابهم من شيء} وقال عمر - رضي الله عنه - لرجل كان يعرفه بما شاء الله في دينه " أمؤمن أنت؟ " قال نعم قال " إني لأحسبك متعوذا " قال أما في الإيمان ما أعاذني؟ فقال عمر بلى «وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجل هو من أهل النار فخرج أحدهم معه حتى أثخن الذي قال من أهل النار فآذته الجراح فقتل نفسه». ولم يمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما استقر عنده من نفاقه وعلم إن كان علمه من الله فيه من أن حقن دمه بإظهار الإيمان.

    تفريع المرتد

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: فأي رجل غم لم يزل مشركا ثم أظهر الإيمان في أي حال كان لا يمتنع فيها بقهر من لقيه فغلبه له أو إيسار أو حبس أو غيره حقن الإيمان دمه وأوجب له حكم الإيمان ولم يقتل بظن أنه لم يؤمن إلا مضطرا خائفا وفي مثل حاله من أنه يحقن دمه ويوجب له حكم الإيمان في الدنيا من آمن ثم كفر ثم أظهر الإيمان فسواء شهد عليه بالكفر فجحد وأقر بالإيمان أو شهد شهادة الحق بعد الشهادة عليه أو لم يشهد عليه فأقر بالكفر ثم أظهر الإيمان فمتى أظهر الإيمان لم يحلف على ما تقدم منه من القول بالكفر شهد عليه أو لم يشهد وحقن دمه بما أظهر من الإيمان (قال الشافعي): - رحمه الله -: وسواء كثر ذلك منه حتى يكون مرة بعد مرة أو مرارا أو قل في حقن الدم وإيجاب حكم الإيمان له في الظاهر إلا أني أرى إذا فعل هذا مرة بعد أخرى أن يعزر وسواء كان مولودا على الإسلام ثم ارتد بعد عن الإسلام أو كان مشركا فأسلم ثم ارتد بعد الإسلام وسواء ارتد إلى يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو جحد وتعطيل ودين لا يظهره فمتى أظهر الإسلام في أي هذه الأحوال كان وإلى أي هذه الأديان صار حقن دمه وحكم له حكم الإسلام ومتى أقام على الكفر في أي هذه الأحوال كان وإلى هذه الأديان صار استتيب فإن أظهر التوبة حكم له حكم الإسلام وإن امتنع منها وأقام على الكفر قتل مكانه ساعة يأبى إظهار الإيمان

    ولو ترك قتله إذا استتيب فامتنع ثلاثة أيام أو ستة أو أكثر ثم أظهر الإيمان حقن ذلك دمه وحكم له حكم الإسلام. ولو ارتد وهو سكران ثم تاب وهو سكران لم يخل حتى يفيق فيتوب مفيقا، وكذلك لا يقتل لو أبى الإسلام سكران حتى يفيق فيمتنع من التوبة مفيقا فيقتل وإذا أفاق عرض عليه الإيمان فإذا امتنع من التوبة مفيقا قتل، ولو ارتد مغلوبا على عقله بغير السكر لم يحبسه الوالي ولو مات بتلك الحال لم يمنع ورثته المسلمون ميراثه لأن ردته كانت في حال لا يجري فيها عليه القلم وهو مخالف للسكران في هذا الموضع والسكران لو ارتد سكران ثم مات قبل أن يتوب كان ماله فيئا ولو تاب سكران ثم مات ورثه ورثته من المسلمين، ولو تاب سكران لم أعجل بتخليته حتى يفيق فيتوب مفيقا وأجعل توبته توبة أحكم له بها حكم الإسلام حتى يفيق فإن ثبت عليها فهو الذي أطلب منه وإن رجع بعد الإفاقة إلى الكفر ولم يتب قتل (قال الشافعي): ولو ارتد مفيقا ثم أغمي عليه أو برسم أو خبل بعد الردة لم يقتل حتى يفيق فيستتاب فإن امتنع من التوبة وهو يعقل قتل ولو مات مغلوبا على عقله ولم يتب كان ماله فيئا (قال): وسواء في الردة والقتل عليها الرجل والمرأة والعبد والأمة وكل بالغ ممن أقر بالإيمان ولد على الإيمان أو الكفر ثم أقر بالإيمان

    (قال الشافعي): والإقرار بالإيمان وجهان: فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدعي أنه دين نبوة ولا كتاب فإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد أقر بالإيمان ومتى رجع عنه قتل.

    (قال): ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدعون دين موسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما وقد بدلوا منه وقد أخذ عليهم فيهما الإيمان بمحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكفروا بترك الإيمان به واتباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على الله قبله فقد قيل لي إن فيهم من هو مقيم على دينه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقول لم يبعث إلينا فإن كان فيهم أحد هكذا فقال أحد منهم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده

    ورسوله لم يكن هذا مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول وإن دين محمد حق أو فرض وأبرأ مما خالف دين محمد - صلى الله عليه وسلم - أو دين الإسلام فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرار بالإيمان فإذا رجع عنه استتيب فإن تاب وإلا قتل وإن كان منهم طائفة تعرف بأن لا تقر بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا عند الإسلام أو تزعم أن من أقر بنبوته لزمه الإسلام فشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد استكملوا الإقرار بالإيمان فإن رجعوا عنه استتيبوا فإن تابوا وإلا قتلوا (قال): وإنما يقتل من أقر بالإيمان إذا أقر بالإيمان بعد البلوغ والعقل (قال): فمن أقر بالإيمان قبل البلوغ وإن كان عاقلا ثم ارتد قبل البلوغ أو بعده ثم لم يتب بعد البلوغ فلا يقتل لأن إيمانه لم يكن وهو بالغ ويؤمر بالإيمان ويجهد عليه بلا قتل إن لم يفعله وإن أقر بالإيمان وهو بالغ سكران من خمر ثم رجع استتيب فإن تاب وإلا قتل ولو كان مغلوبا على عقله بسوى السكر لم يستتب ولم يقتل إن أبى التوبة ولو أن رجلا وامرأته أقرا بالإيمان ثم ارتدا فلم يعرف من ردتهما إقرارهما كان بالإيمان أو عرف وتركا على الشرك ببلاد الإسلام أو بلاد الشرك ثم ولد لهما ولد قبل الإقرار بالإيمان أو بعد الردة أو بعدما رجعا عن الردة فذلك كله سواء إذا شهد على إقرارهما بالإيمان بديئا شاهدان فإن نشأ أولادهما الذين لم يبلغوا قبل إسلامهما على الشرك لا يعرفون غيره ثم ظهر عليهم قبل البلوغ وبعد العقل أمروا بالإيمان وجبروا عليه ولا يقتلون إن امتنعوا منه فإذا بلغوا أعلموا أنهم إن لم يؤمنوا قتلوا لأن حكمهم حكم الإيمان فإذا لم يؤمنوا قتلوا وهكذا إذا لم يظهر عليهم إلا بعد البلوغ وسواء أي أبويهم أسلم ثم ارتد أو ولد بعد إقرار أحد الأبوين بالإسلام والمقر بالإسلام منهما على الإقرار به أو مرتد فحكمه حكم الإسلام وهكذا إذا أسلم قبل بلوغ الولد أحد الأبوين أو هما (قال): ويقتل المريض المرتد عن الإسلام والعبد والأمة والمكاتب وأم الولد والشيخ الفاني إذا كانوا يعقلون ولم يتوبوا ولا تقتل المرأة الحامل حتى تضع ما في بطنها ثم تقتل إن لم تتب فإذا أبى الرجل أو المرأة المرتدان الرجوع إلى الإيمان قتل مكانه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال «من بدل دينه فاقتلوه» وقال فيما يحل الدم «كفر بعد إيمان» كانت الغاية التي دل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يقتل فيها المرتد أن يمتنع من الإيمان ولم يكن إذا تؤني به ثلاثا أو أكثر أو أقل إلا في حال واحدة هي الامتناع من الإيمان لأنه قد يمتنع من التوبة بعد ثلاثة ويتوب مكانه قبل ما يؤخذ وبعدما يؤخذ ومن كان إسلامه بإسلام أبويه أو أحدهما فأبى الإسلام هكذا يعلم أنه إن لم يسلم قتل ولو تؤني به ساعة ويوما كان أحب إلي أن يتأنى به من المرتد بعد إيمان نفسه.

    الشهادة على المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو شهد شاهدان أن رجلا ارتد عن الإيمان أو امرأة سئلا فإن أكذبا الشاهدين قيل لهما اشهدا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتبرآ مما خالف الإسلام من الأديان فإن أقرا بهذا لم يكشفا عن أكثر منه وكان هذا توبة منهما ولو أقرا وتابا قبل منهما.

    مال المرتد وزوجة المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام وله زوجة، أو امرأة عن الإسلام ولها

    زوج فغفل عنه أو حبس فلم يقتل أو ذهب عقله بعد الردة أو لحق بدار الحرب أو هرب عن بلاد الإسلام فلم يقدر عليه فسواء ذلك كله فيما بينه وبين زوجته لا تقع الفرقة بينهما حتى تمضي عدة الزوجة قبل يتوب ويرجع إلى الإسلام فإذا انقضت عدتها قبل يتوب فقد بانت منه ولا سبيل له عليها وبينونتها منه فسخ بلا طلاق ومتى ادعت انقضاء العدة في حال يمكن فيها أن تكون صادقة بحال فهي مصدقة ولا سبيل له عليها إن رجع إلى الإسلام فإن قالت بعد يوم أو أقل أو أكثر قد أسقطت ولدا قد بان خلقه أو شيء من خلقه ورجع إلى الإسلام فجحد كان القول قولها مع يمينها قال الربيع وفيه قول آخر أنها إذا قالت أسقطت سقطا بان خلقه أو بعض خلقه لم يقبل قولها إلا بأن تأتي بأربع نسوة يشهدن على ما قالت لأن هذا موضع يمكن أن تراه النساء فيشهدن عليه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #263
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس

    الحلقة (263)
    صــــــــــ 173 الى صـــــــــــ 178



    (قال الشافعي): وإن قالت قد انقضت عدتي بأن حضت ثلاث حيض في مدة لا يمكن أن تحيض فيها ثلاث حيض لم يقبل منها وإذا ادعت ذلك بعد مدة يمكن أن تحيض فيها ثلاث حيض كان القول قولها مع يمينها (قال الشافعي): ولو ماتت ولم تدع انقضاء العدة قبل أن يرجع إلى الإسلام ثم رجع إلى الإسلام لا يرثها لأنها ماتت وهو مشرك ولو رجع إلى الإسلام قبل انقضاء عدتها كانا على النكاح ولا يترك قبل أن يرجع إلى الإسلام يصيبها حتى يسلم. ولو ماتت بعد رجوعه إلى الإسلام ولم تذكر انقضاء العدة ورثها ولو كانت هي المرتدة كان القول فيما تحل به وتحرم عليه وتبين منه وتثبت معه كالقول لو كان هو المرتد وهي المؤمنة لا يختلف في شيء إلا أنها إذا ارتدت عن الإيمان فلا نفقة لها في ماله في عدة ولا غيرها لأنها هي التي حرمت فرجها عليه.


    وكذلك لو ارتدت إلى نصرانية أو يهودية لم تحلل له لأنها لا تترك عليها وإن ارتد هو أنفق عليها في عدتها لأنها لم تبن منه إلا بمضي عدتها وأنه متى أسلم وهي في العدة كانت امرأته وإذا كان يلزمه في التي يملك رجعتها بعد طلاق نفقتها لأنه متى شاء راجعها كانت هكذا في مثل حالها في مثل هذه الحال أو أكثر وإذا ارتد أحد الزوجين ولم يدخل بالمرأة فقد بانت منه والبينونة فسخ بلا طلاق لأنه لا عدة عليها وإن كان هو المرتد فعليه نصف المهر لأن الفسخ جاء من قبله وإن كانت هي المرتدة فلا شيء لها لأن الفسخ جاء من قبلها. ولو ارتد وامرأته يهودية أو نصرانية كانت فيما يحل له منها ويحرم عليه ويلزمه لها كالمسلمة ولو كانت المسألة بحالها غير أنها المرتدة وهو المسلم لم تحل له حتى تسلم أو ترجع إلى دينها الذي حلت به من اليهودية أو النصرانية ولم تبن منه إلا بانقضاء عدتها ولم تقتل هي لأنها خرجت من كفر إلى كفر وسواء في هذا الحر المسلم أو العبد والحرة المسلمة أو الأمة لا يختلفون فيه.

    ولو ارتد الزوج فطلقها في حال ردته أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها في عدتها أو كانت هي المرتدة ففعل ذلك وقف على ما فعل منه فإن رجع إلى الإسلام وهي في العدة وقع ذلك كله عليها وكان بينهما اللعان وإن لم يرجع حتى تمضي عدتها أو تموت لم يقع شيء من ذلك عليها والتعن ليدرأ الحد، وهكذا إذا كانت هي المرتدة وهو المسلم إلا أنه لا حد على من قذف مرتدة.

    ولو طلقها مسلمة ثم ارتد أو ارتدت ثم راجعها في عدتها لم يثبت عليها رجعة لأن الرجعة إحداث تحليل له فإذا أحدثه في حال لا يحل له فيه لم يثبت عليها ولو أسلمت أو أسلم في العدة بعد الرجعة لم تثبت الرجعة عليها ويحدث لها بعده رجعة إن شاء فتثبت عليها ولو اختلفا بعد انقضاء العدة فقال رجعت إلى الإسلام أمس وإنما انقضت عدتك اليوم وقالت رجعت اليوم فالقول

    قولها مع يمينها وعليه البينة أنه رجع أمس، ولو تصادقا أنه رجع أمس وقالت انقضت قبل أمس كان القول قولها مع يمينها ولو رجع إلى الإسلام فقالت لم تنقض عدتي إلا بعد رجوعه ثم قالت بعدها قد كانت انقضت عدتي كانت زوجته ولا تصدق بعد إقرارها أنها لم تخرج من ملكه ولو لم يسمع منها في ذلك شيء قبل رجوعه فلما رجع قلت مكانها قد انقضت عدتي كان القول قولها مع يمينها.

    مال المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا ارتد الرجل وكان حاضرا بالبلد وله أمهات أولاد ومدبرات ومدبرون ومكاتبات ومكاتبون ومماليك وحيوان ومال سوى ذلك وقف ذلك كله عنه ومنع إصابة أم ولده وجارية له غيرها، والوقف أن يوضع ماله سوى إناث الرقيق على يدي عدل ورقيقه من النساء على يدي عدلة من النساء ويؤمر من بلغ من ذكور رقيقه بالكسب وينفق عليه من كسبه ويؤخذ فضل كسبه وتؤمر ذوات الصنعة من جواريه وأمهات أولاده وغيرهم بذلك ويؤاجر من لا صنعة له منهن من امرأة ثقة ومن مرض من رجالهم ونسائهم ومن لم يبلغ كسبا أنفق عليه من ماله حتى يفيق فيقوى على الكسب أو يبلغ الكسب ثم يؤمر بالكسب كما وصفنا وإن كان المرتد هاربا إلى دار الحرب أو غير دار الحرب أو متغيبا لا يدري أين هو؟ فسواء ذلك كله ويوقف ماله ويباع عليه الحيوان كله إلا ما لا يوجد السبيل إلى بيعه من أمهات أولاده أو مكاتبيه أو مرضع لولده أو خادم يخدم زوجة له وينفق على زوجته وصغار ولده وزمناهم ومن كان هو مجبورا على نفقتهم من خدمة وأمهات أولاده من ماله ويؤخذ كتابة مكاتبيه ويعتقون إذا أدوا وله ولاؤهم ومتى رجع إلى الإسلام رد ماله عليه ولم يرد ما بيع من ماله لأنه بيع والبيع نظر لمن يصير إليه المال وفي حال لا سبيل له فيها على المال وإذا انقضت عدة امرأته قطعت عنها النفقة ولم يكن له عليها سبيل إذا رجع بعد انقضاء عدتها ولو برسم أو غلب على عقله بعد الردة تربص به يومين أو ثلاثة فإن أفاق وإلا بيع عليه كما يباع على الغائب الهارب وما كسب في ردته فهو كما ملك قبل الردة إذا قدر عليه فإذا رجع إلى الإسلام دفع إليه ماله كله وإن مات أو قتل قبل أن يرجع إلى الإسلام خمس ماله فكان الخمس لأهل الخمس والأربعة الأخماس لجماعة المسلمين.

    وهكذا نصراني مات لا وارث له يخمس ماله فيكون الخمس لأهله وأربعة أخماسه لجماعة المسلمين، ولو قال ورثة المرتد من المسلمين قد أسلم قبل أن يموت كلفوا البينة فإذا جاءوا بها دفع إليهم ماله على مواريثهم وإن لم يأتوا بها فهو على الردة حتى تعلم توبته وإن كانت البينة ممن يرثه لم تقبل وكذلك لو كان أوصى بوصية فقال متى مت فلفلان وفلان كذا، ثم مات فشهد الموصى لهما بأنه رجع إلى الإسلام لم يقبلا لأنهما يجران إلى أنفسهما جواز الوصية التي قد أبطلت بردته.

    ولو كان تاب ثم مات فقيل ارتد ثم مات مرتدا فهو على التوبة حتى تقوم بينة بأنه ارتد بعد التوبة لأن من عرف بشيء فهو عليه حتى تقوم بينة بخلافه. ولو قسم الحاكم ماله في الحالين حين مات وقد عرفت ردته فقامت بينة على توبته رجع بها الحاكم على من دفعها إليه حيث كانوا حتى يردها إلى ورثته وكذلك لو قسمها في موته بعد توبته ثم قامت البينة على ردته بعد التوبة وموته مرتدا رجع الحاكم على ورثته حيث كانوا وأهل وصاياه وأخذ منهم ما أعطاهم من ماله حتى يصير لأهل الخمس والمسلمين.

    المكره على الردة

    قال الله تبارك وتعالى {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب}.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن رجلا أسره العدو فأكرهه على الكفر لم تبن منه امرأته ولم يحكم عليه بشيء من حكم المرتد، قد أكره بعض من أسلم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الكفر فقاله ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ما عذب به فنزل فيه هذا ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - باجتناب زوجته ولا بشيء مما على المرتد ولو مات المكره على الكفر ولم تظهر له توبة ببلاد الحرب ورثه ورثته المسلمون، ولو انفلت فرجع إلى بلاد الإسلام قيل له أظهر الإسلام فإن فعل وإلا كان مرتدا بامتناعه من إظهار الإسلام يحكم عليه الحكم على المرتد وإذا أسر الرجل أو كان مستأمنا ببلاد العدو فشهد شاهدان على أنه كان يأكل الخنزير ويشرب الخمر ولم يشهدا على نفس الردة ولا على كلام كفر بين ثم مات ورث ماله ورثته من المسلمين إلا أن يقروا بأنه مرتد فيكون ماله فيئا فإن أقر بعضهم بردته ولم يقر بها بعضهم ورث الذين لم يقروا نصيبهم من ميراثه ويوقف نصيب الذين أقروا بردته حتى تستبان ردته وفيها قول آخر أنه يغنم لأنهم يصدقون على ما يملكون ولا يوقف، ولو شهد عليه شاهدان أنهما سمعاه يرتد وقالا ارتد مكرها أو ارتد محدودا أو ارتد محبوسا لم يغنم ماله وورثه ورثته من المسلمين ولو قالا كان محليا آمنا حين ارتد كانت تلك ردة وغنم ماله ولو ادعى ورثته أنه رجع إلى الإسلام لم يقبل منهم إلا ببينة ولو أقاموا بينة على أنهم رأوه في مدة بعد الشهادة بالردة يصلي صلاة المسلمين قبلت ذلك منهم وورثتهم ماله ولو كان هذا في بلاد الإسلام والمرتد ليس في حال ضرورة لم أقبل هذا منهم حتى يشهد عليه شاهدان بالتوبة بعد الردة ولم أقبل من ورثته أنه ارتد مسجونا ولا محدودا إذا لم تقطع البينة أنه سجن وحد ليرتد.

    ما أحدث المرتد في حال ردته في ماله

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام فلم يوقف ماله فما صنع فيه فهو جائز كما يجوز له في ماله ما صنع قبل الردة فإذا وقف فلا سبيل له على إتلاف شيء من ماله بعوض ولا غيره ما كان موقوفا فإن أعتق أو كاتب أو دبر أو اشترى أو باع فذلك كله موقوف لا ينفذ منه شيء في حال ردته فإن رجع إلى الإسلام لزمه ذلك كله إلا البيع فإذا فسخ بيعه فقد انفسخ لأنه لم يكن محولا بينه وبين ماله في الحال الذي أحدث ذلك فيه حول الحجر إنما كان موقوفا عنه ليقتل فيعلم أن ملكه كان زائلا عنه بالردة إن لم يتب حتى يموت فيصير فيئا أو يسلم فيكون على ما كان في ملكه أولا فلما أسلم علمنا أن فعله فيما يملك.

    (قال الشافعي): ولو كان في ردته في يديه شيء يدعي أنه ملك له ثم أقر بذلك الشيء بعينه لغيره كان لغيره أخذه منه في حال ردته وكذلك يلزمه ما أقر به من الدين لأجنبي وكذلك يؤخذ من ماله ما لزم الرجل غير المرتد في ماله ولو قال في عبد من عبيده في حال ردته هذا عبد اشتريته أو وهب لي وهو حر كان حرا ولم ينتظر إسلامه بما أقر به لغيره إنما أرد ما أحدث إتلافه بلا سبب متقدم يقربه احتياطا عليه لا حجرا عنه (وفيها قول آخر) أنه إذا حجر عليه فهو كالمحجور في جميع حالاته حتى يرجع إلى الإسلام فيفك عنه الحجر.

    جناية المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا جنى المرتد في حال ردته على آدمي جناية عمدا في مثلها قصاص فالمجني عليه بالخيار في أن يقتص منه أو يأخذ قدر الجناية من ماله الذي كان له قبل الردة وما اكتسب بعدها وذلك كله سواء وكذلك إن كانت عمدا لا قصاص فيها وكذلك ما أحرق وأفسد لآدمي كان في ماله لا تسقطه عنه الردة (قال): وإن كانت الجناية خطأ فهي في ماله كما تكون على عاقلته إلى أجلها فإذا مات فهي حالة ولا تعقل العاقلة عنه شيئا جناه في حال ردته فإن كانت الجناية نفسا فهي في ماله في ثلاث سنين فإن قتل أو مات على الردة فهي حالة. ولو كانت الجناية وهو مسلم ثم ارتد فإن كانت عمدا فهي كجنايته وهو مرتد وإن كانت خطأ فهي على عاقلته لأن الجناية لزمتهم إذ جنى وهو مسلم. ولو ارتد وقتل فأراد ولي القتيل القتل كان ذلك له وإذا قتله وهو على الردة فماله لمن وصفته من المسلمين وكذلك لو قطع أو جرح أقصصنا منه ثم قتلناه على الردة فإن عجل الإمام فقتله على الردة أو مات عليها قبل القصاص فلولي الدم والجرح عمدا عقل النفس والجراح في مال الجاني المرتد، ولو كان الجاني المرتد عبدا أو أمة فجنى على من بينه وبينه القود كان لولي المجني عليه الخيار في القود أو أخذ العقل فإن أراد القود فهو له وإن أراد العقل فهو له في رقبة الجاني إلا أن يفديه سيده فإن فداه قتل على الردة وإن لم يفده قتل على الردة إلا أن يتوب فيباع ويعطى ولي المجني عليه قيمة جنايته ويرد الفضل إن كان فيه فضل عن الجناية على سيده ولو جنى وهو مرتد عبد ثم عته فاختار ولي الدم العقل ولم يتطوع مولاه بأن يفديه بيع مرتدا معتوها فأعطي ولي الجناية قيمة جنايته ورد فضل إن كان في ثمنه على سيده فإذا أفاق ولم يتب قتل على الردة ولا يباع إلا بالبراء من الردة والعته وما أحدث العبد من الجناية في الردة مخالفة ما أحدث من الذين من قبل أن الجناية لا تسقط عن صبي ولا محجور عليه ولا عبد لأنها بغير إذن المجني عليه والدين يسقط عن المحجور عليه وعن العبيد ما كانوا في الرق لأنه بإذن رب الدين.

    الجناية على المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام فجنى عليه رجل جناية فإن كانت قتلا فلا عقل ولا قود ويعزر لأن الحاكم الوالي للحكم عليه وليس للحاكم قتله حتى يستتاب وإن كانت دون النفس فكذلك. ولو جنى عليه مرتدا ثم أسلم ثم مات من الجناية فالجناية هدر لأنها كانت غير ممنوعة بأن يحكم فيها بعقل أو قود ولو جنى عليه مرتدا فقطع يده ثم تاب ثم قطع رجله كان له القود في الرجل إن شاء لأنه جنى عليه مسلما ولو مات كانت لهم نصف الدية لأنه مات من جنايتين جناية ممنوعة وجناية غير ممنوعة.

    الدين على المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان على المرتد دين ببينة قبل الردة ثم ارتد قضي عنه دينه إن كان حالا وإن كان إلى أجل فهو إلى أجله إلا أن يموت فيحل بموته وكذلك كل ما أقر به قبل الردة

    لأحد (قال): وإن لم يعرف الدين ببينة تقوم ولا بإقرار منه متقدم للردة ولم يعرف إلا بإقرار منه في الردة فإقراره جائز عليه وما دان في الردة قبل وقف ماله لزمه وما دان بعد وقف ماله فإن كان من بيع رد البيع وإن كان من سلف وقف فإن مات على الردة بطل وإن رجع إلى الإسلام لزمه لأنا نعلم برجوعه إلى الإسلام أن ماله لم يكن خرج من يده (قال الربيع) وللشافعي قول آخر أنه إذا ضربه مرتدا ثم أسلم ثم مات أنه يدرأ عنه القود بالشبهة ويغرم الدية وله أيضا قول آخر أنه لا شيء عليه لأن الحق قتله كما أنه لو قطع يدي رجل فقطعنا يده قصاصا ثم مات من القصاص لم يكن على آخذ القصاص شيء والحق قتله وكذلك المرتد إذا جرحه مرتد ثم أسلم فمات فلا شيء على من جرحه لأن الجرح منه كان مباحا في وقته ذلك فالحق قتله فلا شيء على من جرح.

    الدين للمرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان للمرتد دين حال أخذ ممن هو عليه ويوقف في ماله وإن كان إلى أجل فهو إلى أجله فإذا حل وقف إلا أن يموت المرتد قبل ذلك أو يقتل على ردته فيكون الدين إلى أجله فإذا قبض كان فيئا

    (قال الربيع) في رجل جرح مرتدا ثم أسلم ثم مات ففيها قولان أحدهما أن يكون عليه الدية لأنه مات مسلما والقول الثاني أنه لا شيء على من جرحه وإن أسلم فمات من قبل أن الضربة كانت وهو مرتد فيها فالحق الذي قتله ولا شيء على من جرحه.

    ذبيحة المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تؤكل ذبيحة المرتد إلى أي دين ما ارتد لأنه إنما رخص في ذبائح أهل الكتاب الذين يقرون على أديانهم (قال): فلو عدا على شاة رجل فذبحها بغير إذنه ضمن قيمتها حية، وهكذا كل ما استهلك، ولو أمره أن يذبحها له وهو يعلمه مرتدا أو لا يعلمه لم يضمن شيئا لأنه لم يتعد ولا يأكلها صاحب الشاة (قال): ولو ذبح لنفسه أو استهلك متاعا لنفسه أو قتل عبدا لنفسه لم يضمن لأنه إن قتل أو مات على ردته فكل مال وجدناه له فهو فيء، وإن رجع إلى الإسلام علمنا برجوعه أنه إنما جنى على ماله ولا يضمن لنفسه مال نفسه.

    نكاح المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجوز للمرتد أن ينكح قبل الحجر ولا بعده مسلمة لأنه مشرك ولا وثنية لأنه لا يحل له إلا ما يحل للمسلمين ولا كتابية لأنه لا يقر على دينه فإن نكح فأصاب واحدة منهن فلها مهر مثلها والنكاح مفسوخ ولا يكون للمرتد أن يزوج ابنته ولا أمته ولا امرأة هو وليها مسلمة أو مشركة ولا مسلما ولا مشركا وإذا أنكح فإنكاحه باطل والله الموفق.

    الخلاف في المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فخالفنا بعض أهل ناحيتنا في المرتد بوجهين. أحدهما: أن قائلا منهم قال من ولد على الإسلام فارتد قتلته إلى أي دين ارتد وقتلته وإن تاب. وقال آخر منهم: من رجع إلى دين يظهره كاليهودية والنصرانية استتبته فإن تاب قبلت منه وإن لم يتب قتلته، وإن رجع إلى دين يستخفي به كالزندقة وما يستخفي به قتلته وإن أظهر التوبة لم أقبلها وأحسبه سوى بين من ولد على الإسلام ومن لم يولد عليه (قال الشافعي): فوافقنا بعض أصحابنا من المدنيين والمكيين والمشرقيين وغيرهم من أهل العلم في أن لا يقتل من أظهر التوبة وفي أن يسوي بين من ولد على الإسلام ومن لم يولد عليه ودان دينا يظهره أو دينا يستخفي به لأن كل ذلك كفر (قال الشافعي): والحجة على من فرق بين من ولد على الإسلام ومن لم يولد عليه أن الله أنزل حدوده فلم نعلم كتابا نزل ولا سنة مضت ولا أحدا من المسلمين خالف في الحدود بين أحد من المسلمين ولد على الكفر فأحدث إسلاما أو ولد على الإسلام والقتل على الردة حد ليس للإمام أن يعطله ولا يجوز لأحد إلا من فرضت طاعته أن يفرق بين الحدود والله أعلم.

    تكلف الحجة على قائل القول الأول وعلى من قال أقبل إظهار التوبة إذا كان رجع إلى دين يظهره ولا أقبل ذلك إذا رجع إلى دين لا يظهره

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولولا غفلة في بعض السامعين الذين لعل من نوى الأجر في تبيينهم أن يؤجر ما تكلفت لأنه إنما يكتفي في هذين القولين بأن يحكيا فيعلم أن ليس فيهما مذهب يجوز أن يغلط به عالم بحال وأن كتاب الله تعالى ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم المعقول والقياس يدل على غير ما قال من قال هذا والله أعلم. ومن أوجز ما بين به أن الأمر على غير ما قيل أن يقال قد روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من بدل دينه فاضربوا عنقه» فهل يعد وهذا القول أبدا واحدا من معنيين؟ أن يكون من بدل دينه وأقام على تبديله ضربت عنقه كما تضرب عناق أهل الحرب. أو تكون كلمة التبديل توجب القتل وإن تاب كما يوجبه الزنا بعد الإحصان وقتل النفس بغير النفس فليس قولك واحدا منهما وأن يقال له لم قبلت إظهار التوبة من الذي رجع إلى النصرانية واليهودية ودين أظهره؟ ألأنك على ثقة من أنه إذا أظهر التوبة فقد صحت توبته أو قد يكون يظهرها وهو مشتمل على الكفر ودين النصرانية أو منتقل عنه إلى دين يخفيه؟ ولم أبيت قبول من أظهر التوبة وقد كان مستخفيا بالشرك؟ أعلى علم أنت من أن هذا لا يتوب توبة صحيحة أم قد يتوب توبة صحيحة؟ فلا يجوز لأحد أن يدعي علم هذا لأنه لا يعلم حقيقة علم هذا أحد من الآدميين غير المؤمن نفسه وإنما تولى الله عز ذكره علم الغيب، أو رأيت لو قال رجل من استسر بالكفر قبلت توبته لضعفه في استسراره ومن أعلنه لم تقبل توبته لما انكشف به من الكفر بالله وإن المنكشف بالمعصية أولى أن تنفر القلوب منه ويكاد أن يؤيس من صحة توبته لأنا رأينا من انكشف بالمعاصي سوى الشرك كان أحرى أن لا يتوب ما الحجة عليه؟ هل هي إلا أن هذا مما لا يعلمه إلا الله عز وجل وأن حكم الله تعالى في الدنيا قبول ظاهر الآدميين وأنه تولى سرائرهم ولم يجعل لنبي مرسل ولا لأحد من خلقه أن يحكم إلا على الظاهر وتولى دونهم السرائر لانفراده بعلمها وهكذا الحجة على من قال هذا القول. وأخبر الله عز وجل عن قوم من الأعراب فقال {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} فأعلم أنه لم يدخل الإيمان في قلوبهم وأنهم أظهروه وحقن به دماءهم قال مجاهد في قوله " أسلمنا "، قال أسلمنا مخافة القتل والسباء (قال الشافعي): وأخبر الله جل ثناؤه عن المنافقين في عدد آي من كتابه بإظهار الإيمان والاستسرار بالشرك وأخبرنا بأن قد جزاهم بعلمه عنهم بالدرك الأسفل من النار فقال {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} فأعلم أن حكمهم في الآخرة النار بعلمه أسرارهم وأن حكمه عليهم في الدنيا إن أظهروا الإيمان جنة لهم، وأخبر عن طائفة غيرهم فقال {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} وهذه حكاية عنهم وعن الطائفة معهم مع ما حكى من كفر المنافقين منفردا وحكى من أن الإيمان لم يدخل قلوب من حكى من الأعراب وكل من حقن دمه في الدنيا بما أظهر مما يعلم جل ثناؤه خلافه من شركهم لأنه أبان أنه لم يول الحكم على السرائر غيره وأن قد ولى نبيه الحكم على الظاهر وعاشرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقتل منهم أحدا ولم يحبسه ولم يعاقبه ولم يمنعه سهمه في الإسلام إذا حضر القتال ولا مناكحة المؤمنين وموارثتهم والصلاة على موتاهم وجميع حكم الإسلام وهؤلاء من المنافقين والذين في قلوبهم مرض والأعراب لا يدينون دينا يظهر بل يظهرون الإسلام ويستخفون بالشرك والتعطيل قال الله عز وجل {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} فإن قال قائل فلعل من سميت لم يظهر شركا سمعه منه آدمي وإنما أخبر الله أسرارهم فقد سمع من عدد منهم الشرك وشهد به عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فمنهم من جحده وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أظهر ولم يقفه على أن يقول أقر ومنهم من أقر بما شهد به عليه وقال تبت إلى الله وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أظهر. ومنهم من عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن الزهري عن أسامة بن زيد وقال شهدت من نفاق عبد الله بن أبي ثلاثة مجالس فإن قال قائل فقد قال الله عز وجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله} إلى قوله {وهم كافرون} قيل فهذا يبين ما قلنا وخلاف ما قال من خالفنا، فأما أمره أن لا يصلي عليهم فإن صلاته بأبي هو وأمي مخالفة صلاة غيره وأرجو أن يكون قضى إذ أمره بترك الصلاة على المنافقين أن لا يصلي على أحد إلا غفر له وقضى أن لا يغفر للمقيم على شر فنهاه عن الصلاة على من لا يغفر له.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #264
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس

    الحلقة (264)
    صــــــــــ 179 الى صـــــــــــ 184





    فإن قال قائل ما دل على هذا؟ قيل لم يمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليهم مسلما ولم يقتل منهم بعد هذا أحدا وترك الصلاة مباح على من قامت بالصلاة عليه طائفة من المسلمين فلما كان جائزا أن يترك الصلاة على المسلم إذا قام بالصلاة عليه بعض المسلمين لم يكن في ترك الصلاة معنى يغير ظاهر حكم الإسلام في الدنيا. وقد

    عاشرهم حذيفة فعرفهم بأعيانهم ثم عاشرهم مع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وهم يصلون عليهم وكان عمر - رضي الله عنه - إذا وضعت جنازة فرأى حذيفة فإن أشار إليه أن اجلس جلس وإن قام معه صلى عليها عمر ولا يمنع هو ولا أبو بكر قبله ولا عثمان بعده المسلمين الصلاة عليهم ولا شيئا من أحكام الإسلام ويدعها من تركها بمعنى ما وصفت من أنها إذا أبيح تركها من مسلم لا يعرف إلا بالإسلام كان أجوز تركها من المنافقين.


    فإن قال فلعل هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة. قيل فلم لم يقتل أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي - رضي الله عنهم - ولا غيرهم منهم أحدا ولم يمنعه حكم الإسلام وقد أعلمت عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما توفي اشرأب النفاق بالمدينة.


    (قال الشافعي): ويقال لأحد إن قال هذا ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أحد من أهل دهره لله حدا بل كان أقوم الناس بما افترض الله عليه من حدوده - صلى الله عليه وسلم - حتى قال في امرأة سرقت فشفع لها «إنما أهلك من كان قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوه» وقد آمن بعض الناس ثم ارتد ثم أظهر الإيمان فلم يقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقتل من المرتدين من لم يظهر الإيمان. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» فأعلم أن حكمهم في الظاهر أن تمنع دماؤهم بإظهار الإيمان وحسابهم في المغيب على الله وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الله عز وجل تولى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات فتوبوا إلى الله واستتروا بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عز وجل» وقال - صلى الله عليه وسلم - «إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار» فأعلم أن حكمه كله على الظاهر وأنه لا يحل ما حرم الله وحكم الله على الباطن لأن الله عز وجل تولى الباطن وقال عمر بن الخطاب لرجل أظهر الإسلام كان يعرف منه خلافه إني لأحسبك متعوذا فقال أما في الإسلام ما أعاذني؟ فقال أجل إن في الإسلام ما أعاذ من استعاذ به قال ولو لم يعلم قائل هذا القول شيئا مما وصفنا إلا أنه وافقنا على قتل المرتد وأن يجعل ماله فيئا فكان حكمه عنده حكم المحارب من المشركين وكان أصل قوله في المحارب أنه إذا أظهر الإيمان في أي حال ما كان إسار أو تحت سيف أو غيرها أو على أي دين كان حقن دمه كان ينبغي أن يمنع من أن يقتل من أظهر الإيمان بأي حال كان وإلى أي دين كان رجع (قال الربيع) إذا قال بعض الناس فهم المشرقيون وإذا قال بعض أصحابنا أو بعض أهل بلدنا فهو مالك.


    خلاف بعض الناس في المرتد والمرتدة


    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وخالفنا بعض الناس في غير ما خالفنا فيه بعض أصحابنا من المرتد والمرتدة فقال إذا ارتدت المرأة الحرة عن الإسلام حبست ولم تقتل وإن ارتدت الأمة تخدم القوم دفعت إليهم وأمروا بأن يجبروها على الإسلام قال وكانت حجته في أن لا تقتل المرأة على الردة شيئا رواه عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في المرأة ترتد عن الإسلام تحبس ولا تقتل

    وكلمني بعض من يذهب هذا المذهب وبحضرتنا جماعة من أهل العلم بالحديث فسألناهم عن هذا الحديث فما علمت واحدا منهم سكت عن أن قال هذا خطأ والذي روى هذا ليس ممن يثبت أهل العلم حديثه فقلت له قد سمعت ما قال هؤلاء الذين لا شك في علمهم بحديثك وقد روى بعضهم عن أبي بكر أنه قتل نسوة ارتددن عن الإسلام فكيف لم تصر إليه؟ قال إني إنما ذهبت في ترك قتل النساء إلى القياس على السنة لما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء من أهل دار الحرب كان النساء ممن ثبتت له حرمة الإسلام أولى - عندي - أن لا يقتلن.


    وقلت له أو جعلتهن قياسا على أهل دار الحرب لأن الشرك جمعهن؟ قال لا قلت ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما زعمت عن قتل الشيخ الفاني والأجير مع نهيه عن قتل النساء فإن قلت نعم قلت أفرأيت شيخا فانيا وأجيرا ارتدا أتقتلهما أم تدعهما لعلتك بالقياس على أهل دار الحرب؟ فقال بل أقتلهما قلت فرجل ارتد فترهب قال فأقتله قلت وأنت لا تقتل الرهبان من أهل دار الحرب قال لا قلت وتغنم مال الشيخ والأجير والراهب ولا تغنم مال المرتد؟ قال نعم قلت لم؟ ألأن المرتد لا يشبه أهل دار الحرب قال ما يشبهه قلت أجل ولئن كنت علمت أنه لا يشبهه فأردت أن تشبه على أهل الجهالة ليشرع قولك فإذا لم أقتل النساء من أهل دار الحرب لم أقتلهن ممن ثبتت له حرمة الإسلام يسرع هذا إلى قلوبهم بجهلهم والغباء الذي فيهم وأنت تعلم أن ليس في هذا القول أكثر من تعقلهم أن هذه المنزلة قريبة من المأثم إلا أن يعفو الله عز وجل ولئن كان هذا اجتهادا أن من نسبك إلى العلم بالقياس لجاهل بالقياس أرأيت إذا كان حكم المرتدة عندك أن لا تقتل كيف حبستها وأنت لا تحبس الحربية إنما تسبيها وتأخذ مالها وأنت لا تستأمن هذه ولا تأخذ مالها.


    أرأيت لو كان الحبس حقا عليها كيف عطلت الحبس عن الأمة المرتدة إذا احتاج إليها أهلها؟ أو رأيت أهل الأمة إذا احتاجوا إليها وقد سرقت أتقطعها إذا سرقت وتقتلها إذا قتلت ولا تدفعها إليهم لحاجتهم إليها؟.


    قال نعم قلت لأن الحق لا يعطل عن الأمة كما لا يعطل عن الحرة؟ قال نعم قلت فكيف عطلت عنها الحبس إن كان حقا في هذا الموضع؟ أو حبست الحرة إن لم يكن الحبس حقا؟ قال وقلت له هل تعدو الحرة أن تكون في معنى ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من بدل دينه فاقتلوه» فتكون مبدلة دينها فتقتل؟ أو يكون هذا على الرجل دونها فمن أمرك بحبسها؟ وهل رأيت حبسا قط هكذا؟ إنما الحبس ليبين لك الحد فقد بان لك كفرها فإن كان عليها قتل قتلها وإن لم يكن فالحبس لها ظلم قال فتقول ماذا؟.


    قلت أقول إن قتلها نص في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقوله «من بدل دينه فاقتلوه» وقوله «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس» كانت كافرة بعد إيمان فحل دمها كما إذا كانت زانية بعد إحصان أو قاتلة نفس بغير نفس قتلت ولا يجوز أن يقام عليها حد ويعطل الآخر وأقول القياس فيها على حكم الله تبارك وتعالى لو لم يكن هذا أن تقتل وذلك أن الله تعالى لم يفرق بينها وبين الرجل في حد قال الله تبارك وتعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وقال جل ذكره {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وقال {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} فقال المسلمون في اللاتي يرمين المحصنات يجلدن ثمانين جلدة ولم يفرقوا بينها وبين الرجل يرمي إذ رمت فكيف فرقت بينها وبين الرجل في الحد؟.


    (قال الشافعي): عفا الله عنه فقلنا له النص عليك والقياس عليك وأنت تدعي القياس حيث تخالفه فقال أما إن أبا يوسف قد قال قولكم فزعم أن المرتدة تقتل فقلت أرجو أن يكون ذلك خيرا له


    (قال الشافعي): ما يزيد قوله قولنا قوة ولا خلافه وهنا وقلت لبعض من قال هذا القول قد خالفتم في المرتد أيضا الكتاب والسنة في موضع آخر قلت أليس الأحياء مالكين أموالهم؟ قال بلى قلت وإنما نقل الله ملك الأحياء إلى ورثتهم بعد موتهم لأن الميت لا يملك؟ قال بلى قلت فالحي خلاف الميت قال نعم قلت أفرأيت المرتد معنا في دار الإسلام أسيرا أو هاربا أو معتوها بعد الردة أليس على ملك ماله لا يورث لأنه حي ولا يحل دينه المؤجل؟ قال بلى قلت أفرأيت إذا ارتد بطرسس ولحق بدار الحرب نراه فترهب أو كان يقاتل ونحن نراه أيشك أنه حي؟ قال لا قلت وإنما ورث الله عز وجل الأحياء من الموتى قال {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد} وقال عز وجل {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن} قال نعم قلت فكيف زعمت أن المرتد يورث كما يورث الميت ويحل دينه المؤجل وتعتق أمهات أولاده ومدبريه في لحوقه بدار الحرب ونحن على يقين من حياته أيشكل عليك أن هذا خلاف كتاب الله عز وجل أن ورثت من حي وإنما ورث الله الموتى، والموتى خلاف الأحياء وفي توريثك من حي خلاف حكم الله عز وجل والدخول فيما عبت علي من سجل أنك تتبع حكمه؟ قال ومن هو؟ قلت عمر وعثمان قضيا في امرأة المفقود تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة المتوفى ثم تنكح والمفقود من لا يسمع له بذكر وقد يكون الأغلب من هذا أنه مات وقد يفرق بين المرأة وزوجها بأشياء من عجز عن جماعها وغير ذلك نفيا للضرر وفي ذهابه مفقودا ضرر قد يغلب على الظن موته فقلت لا يجوز أن يؤذن لها تنكح بعد مدة وإن طالت حتى تكون على يقين من موته لأن الله عز وجل إنما جعل عليها العدة بعد موته ثم قلت برأيك لا متقدم لك فيه وقضيت قولك وحدك تورث من الحي في ساعة من نهار وإنما ورث الله عز وجل من الموتى فلو لم ترد علي هذا كنت لم تعب من قول الإمامين شيئا إلا دخلت في أعظم منه وأولى بالعيب وقلت له أنت تزعم أن القول الذي لا كتاب فيه ولا سنة لا يجوز إلا خبرا لازما أو قياسا فقولك في المرأة لا تقتل خبر؟ قال لا إلا أنه إذا لحق بدار الحرب لم أقدر على قتله ولا استتابته.


    قلت أفرأيت إذا هرب في بلاد الإسلام أتقدر في حال هربه على قتله أو استتابته؟ قال لا قلت وكذلك لو عته بعد الردة أو غلب على عقله بمعنى لم تكن قادرا على قتله ولا استتابته؟ قال نعم قلت فالعلة التي اعتللت بها من أنك لا تقدر على قتله ولا استتابته في هذين المعنيين ولا نراك قسمت ميراثه فيهما وحكمت عليه حكم الموتى فلا أسمع قولك مع خلافه الكتاب إلا يتناقص وهذا الذي عبت على غيرك أقل منه.


    (قال): وقلت له أرأيت لو كانت ردته ولحوقه بدار الحرب توجب عليه حكم الموتى أما كان يلزمك لو رجع بعد لحوقه بدار الحرب تائبا أن تمضي عليه حكم الموتى؟ قال لا أمضي ذلك عليه وقد رجع قلت فردته إذا عته ولحوقه لا يوجبان حكم الموتى عليه.


    (قال الشافعي): وقلت لبعضهم أرأيت إذا حكمت عليه وهو بدار الحرب حكم الموتى فأعتقت أمهات أولاده ومدبريه وأحللت ديته البعيد الأجل وقسمت ميراثه بين ورثته ثم رجع تائبا وذلك كله قائم في أيدي من أخذه وأمهات أولاده والمدبرون حضور هل يجوز في حكم مضى إلا أن ترده أو تنفذه؟ قال لا قلت فقل في هذا أيهما شئت إن شئت فهو نافذ وإن شئت فهو مردود قال بل نافذ في مدبريه وأمهات أولاده ولا يرجعون رقيقا وفي

    دينه فلا يرجع إلى أجله وإن وجدته قائما بعينه لأن الحكم نفذ فيه وما وجدت في أيدي ورثته رددته لأنه ماله وهو حي فقلت له إنما حكمت في جميع ماله الحكم في مال الميت فكيف أنفذت بعضا ورددت بعضا؟ أرأيت لو قال قائل بل أنفذ لورثته لأنهم يعودون عليه في حاجته ويرثهم ولا أنفذ لغرمائه ولا مدبريه ولا أمهات أولاده ألا يكون أقرب إلى أن يكون أعقل بشيء منك وإن كان هذا مما لا يجوز لأحد أن يفتي به؟.


    (قال): وقلت له أيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مؤمنا؟ قال بل كافر قلت فقد أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» فكيف ورثت المسلم من الكافر؟ قال قد كانت ثبتت له حرمة الإسلام قلت أفرأيت لو مات بعض ولده وهو مرتد أتورثه منه؟ قال لا لأنه كافر قلت ما أبعدك والله يصلحنا وإياك من أن تقف على تصحيح قول نفسك أو تتبع السنة إن زعمت أن إن ثبتت له حرمة الإسلام حال المسلمين في أن يورث بعد ذلك فكذلك ينبغي له أن يرث وإن زعمت أن انتقاله عن الإسلام منعه ذلك ثم حول حكمه حتى صرت تقتله وتجعله في أسوأ من حال المشركين والمحاربين لأن لك أن تدعهم من القتل وليس لك تركه منه فكيف ورثت منه مسلما وهو كافر؟


    (قال الشافعي): - رحمه الله - فقال أو قال بعض من حضره ممن يقول بقوله أو هما إنما أخذنا بهذا أن عليا - رضي الله عنه - قتل مرتدا وأعطى ورثته من المسلمين ميراثه فقلت له سمعت من أهل العلم بالحديث منكم من يزعم أن الحفاظ لم يحفظوا عن علي - رضي الله عنه - قسم ماله بين ورثته من المسلمين ونخاف أن يكون الذي زاد هذا غلط وقلت له أرأيت أصل مذهب أهل العلم أليس إذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء لم يكن في أحد معه حجة؟ قال بلى قلت فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» فكيف خالفته؟ (قال الشافعي): - رحمه الله - فقال فلعله أراد الكافر الذي لم يكن أسلم فقلت له أفترى في الحديث دلالة على ذلك؟ قال قد يحتمل قلت فإن جاز هذا لك لم يجز إلا بأن يكون المرتد يرث ولده وزوجته لو ماتوا مسلمين وهو في ردته ويكون حكمه حكم المسلمين في الميراث قال ما أقول بهذا قلت أجل ولا أن تحول الحديث عن ظاهره بغير دلالة فيه ولا في غيره عمن الحديث عنه. ولو جاز جاز أن يقال هذا في أهل الأوثان من المشركين خاصة.


    فأما أهل الكتاب فيرثهم المسلمون كما ينكحون نساءهم قال فإنما قلت ذلك لشيء رويته عن علي - رضي الله عنه - ولعل عليا قد علم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت أفعلمت عليا - رضي الله عنه - روى ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فنقول قد رواه ولم تقل ذلك إلا بعلم؟ قال ما علمت قلت فيمكن أن يكون علي - رضي الله عنه - لم يسمعه؟ قال نعم وهو يشبه أن لا يكون ذهب عليه (قال الشافعي): - رحمه الله - فقيل له ليس بثابت عن علي - رضي الله عنه - وقد كلمتمونا على أنه ثابت فلم يكن لك فيه حجة ويعاد عليك بأكثر من حجتك فإن كانت فيها حجة لزمك ما زعمت أنه يلزمك وغيرك وإن لم يكن فيها حجة استدللت على أنك لم تحتج بشيء تجوز الحجة به قال وما هو؟ قلت روي عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه ورث مسلما من كافر أحسبه ذميا وروي عن معاوية أنه ورث المسلم من الكافر ولم يورث الكافر من المسلم لأنه بلغه أن رجالا منعهم من الإسلام أن يحرموا مواريث آبائهم وأعجب مسروق بن الأجدع وقاله غيره فقال نرثهم ولا يرثونا كما يحل لنا نساؤهم ولا يحل لهم نساؤنا وروي عن محمد بن علي يرث المسلم الكافر وعن سعيد بن المسيب. وفي هذا المعنى قول معاذ بن جبل وهو يجوز عليك أن يقال لم يذهب عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه معه من سمينا وغيرهم

    وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتمل ما زعمت أنه يحتمل من أن يكون الحكم على بعض الكافرين دون بعض فنورث المسلم من الكافر الكتابي كما يحل لنا نساؤهم.


    قال لا يجوز إذا جاء الشيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يؤخذ بجملته ولا يترك إلا بدلالة عنه أو من يروي الحديث عنه وقد يذهب على معاذ وغيره بعض حديثه (قال الشافعي): - رحمه الله -: فقيل له لقلما رأيتك ترى أن لك الحجة في شيء إلا لزمك مثله أو أكثر منه ثم زعمت أنه ليس بحجة ثم لا يمنعك ذلك من العودة لمثله فإن كان هذا غباء فلو أمسكت عن أن تحتج وإن كان هذا عمدا أن تلبس على جاهل فهذا أسوأ لحالك فيما بينك وبين الله عز وجل ولعله لا يسعك ذلك. وقد أدخلت عالما كثيرا من أهل الغفلة والاستعجال بأن يكونوا مفتين في خلاف كثير من الكتاب والسنة فقال منهم قائل فهل رويت في ميراث المرتد شيئا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت إذ أبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الكافر لا يرث المسلم وكان كافرا ففي السنة كفاية من أن ماله مال كافر ولا وارث له فإنما هو فيء وقد روي أن معاوية - رضي الله عنه - كتب إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - وزيد بن ثابت - رضي الله عنه - يسألهما عن ميراث المرتد فقالا لبيت المال.


    (قال الشافعي): يعنيان أنه فيء (قال الشافعي): - رحمه الله - فقال فكيف خمسته؟ قلت المال ثلاثة أصناف صدقة وغنيمة قوتل عليها وليس بواحد من هذين وفيء قسمته في سورة الحشر بأن كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسه والأربعة الأخماس لجماعة أهل الفيء قال فقال بعضهم فإن من أصحابكم من زعم «أن ابن خطل ارتد فقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تسمع أنه غنم ماله» فقلت له أنتم تنسبون أنفسكم إلى الصبر على المناظرة والنصفة وتنسبون أصحابنا إلى الغفلة وأنهم لا يسلكون طريق المناظرة فكيف صرت إلى الحجة بقول واحد هو وأصحابه عندك كما تصف؟ قال أفعلمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غنم مال ابن خطل قلت ولا علمته ورث ورثته المسلمين ولا علمت له مالا، أفرأيت إن جاز لك أن توهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يغنمه لأنه لم يرو عنه أنه غنمه أيجوز لأحد أن يتوهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غنمه قال نعم ولا يجوز لواحد منهما ثم يجوز لثالث أن يقول لم يكن له مال ثم لو أجزت التوهم جاز أن يقال كان له مال فغنم بعضه قال لا يجوز هذا. قال فقد زعم بعض أصحابك أن رجلا ارتد في عهد عمر - رضي الله عنه - ولحق بدار الحرب فلم يتعرض عمر لماله ولا عثمان بعده قلنا لا نعرف هذا ثابت عن عمر ولا عن عثمان ولو كان خلاف قولك وبما قلنا أشبه قال فكيف؟ قلت أنت تزعم أنه إذا لحق بدار الحرب قسم ماله وتروون عن عمر وعثمان أنهما لم يقسماه وتقول لم يتعرض له وقد يكون بيدي من وثق به أو يكون ضمنه من هو في يده ولم يبلغه موته فيأخذه فيئا؟


    (قال الشافعي): فقال منهم قائل فكيف قلت إذا ارتد أحد الزوجين لم ينفسخ النكاح إلا بمضي العدة؟ قلت قلته أنه في معنى حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وأين؟ قلت إذا كان الزوجان الوثنيان متناكحين فأسلم أحدهما فحرم على الآخر قال فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - منتهى بينونة المرأة من الزوج أن تمضي عدتها قبل أن يسلم الآخر منهما إسلاما بدلالة عنه ممن روى الحديث كان هكذا المسلمان متناكحين ثم أحدث أحدهما ما حرم به على الآخر فإن رجع قبل مضي عدة الزوجة كانا على أصل النكاح كما كان الحربيان قال فهل خالف هذا من أصحابك أحد؟ فقلت إن أحدا يكون قوله حجة فلا أعلمه وأصحابي عندك كما علمت فما مسألتك عن قول من لا تعتد بقوله وافقك أو خالفك اصطدام السفينتين والفارسين (أخبرنا) الربيع قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا اصطدم الفارسان لم يسبق أحدهما صاحبه بأن يكون صادما فماتا معا وفرساهما فنصف دية كل واحد منهما على عاقلة صادمه من قبل أن كل واحد منهما في الظاهر مات من جناية نفسه وجناية غيره فترفع عنه جناية نفسه ويؤخذ له بجناية غيره وهكذا فرساهما إلا أن نصف قيمة فرس كل واحد منهما في مال صادمه دون عاقلته، وهكذا لو أن عشرة يرمون بالمنجنيق أو عرادة فوقع الحجر عليهم معا فقتل كل واحدا ضمن عواقل التسعة تسعة أعشار دية الميت من قبل أنه مات من فعلهم وفعله فلا يعقلون فعله ويعقلون فعل أنفسهم قال: وهكذا لو كان اثنان فرميا بمنجنيق فرجع الحجر عليهما فمات أحدهما ضمنت عاقلة الباقي منهما نصف دية الميت كالمسألة فيه قبلها، قال ولو ماتا معا ضمنت عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر وهكذا هذا الباب كله وقياسه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #265
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس

    الحلقة (265)
    صــــــــــ 185 الى صـــــــــــ 190



    قال وإذا اشترك في الجناية من عليه عقل ومن لا عقل عليه ضمن من عليه العقل وطرح حصة من لا عقل عليه كما وصفنا في الإنسان يجني على نفسه هو وغيره فترفع حصته ويقضى على غيره ومثل الإنسان والسبع يجنيان على الإنسان فيموت والجناية خطأ من الجاني فنصف عقل المجني عليه على عاقلة الجاني وحصة السبع منها هدر

    (قال الشافعي): فإن كانت سفينتان اصطدمتا فانكسرتا فكان لا يمكن كل واحد من أهل السفينتين المصطدمتين صرفها عن صدم الأخرى بوجه من الوجوه ولا حال من الأحوال لا بإضرار بها وبركبانها أو بلا إضرار بها ولا بركبانها فالقول فيها كالقول في الفارسين يصطدمان فإن كان لا يمكنهم ذلك بحال من الأحوال أبدا فما صنعا هدر. قال وإذا كان في السفينة أجراء يعملون فيها عملا غرقت بسببه فإن كان رب السفينة معهم فأمرهم بذلك العمل ولا شيء فيها إلا لرب السفينة فلا شيء على الذين مدوها ولا على رب السفينة فإن كان فيها شيء لغيره فإن كان ما أمرهم به عند أهل العلم بالبحر من صلاح السفينة ونجاتها لم يضمن ولم يضمنوا وإن كان من غير صلاحها ضمن في قول من يضمن الأجير ومن ضمن الأجير ضمن صاحب السفينة إذا كان أخذ عليها أجرا ولم يضمن الأجراء لصاحب السفينة ما هلك له من قبل أنهم بأمره فعلوا. ولو كان رب الطعام مع الطعام فأمرهم بذلك الفعل لم يضمنوا لأنهم فعلوه بأمره في واحد من القولين قال: وإن كان في السفينة أجراء وليس فيها ربها ففعلوا هذا الفعل فمن ضمن الأجير ضمنهم ومن لم يضمن الأجير لم يضمنهم إلا فيما فعلوا مما ليس فيه صلاح لها فيكون ذلك جناية يضمنونها.
    مسألة الحجام والخاتن والبيطار
    (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أمر الرجل أن يحجمه أو يختن غلامه أو يبيطر دابته فتلفوا من فعله فإن كان فعل ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة فلا ضمان عليه وإن كان فعل ما لا يفعل مثله من أراد الصلاح وكان عالما به فهو ضامن

    وله أجر ما عمل في الحالين في السلامة والعطب قال أبو محمد " وفيه قول آخر: إذا فعل ما لا يفعل فيه مثله فليس له من الأجر شيء لأنه متعد والعمل الذي عمله لم يؤمر به فهو ضامن ولا أجر له وهذا أصح القولين وهو معنى قول الشافعي (قال الشافعي): ولا أعلم أحدا ممن ضمن الصناع يضمن هؤلاء وإن في تركهم تضمين هؤلاء لما وجه به من لا يضمن الصناع الحجة عليهم لأنهم إذا ألغوا الضمان عمن لم يبعد من هؤلاء لزمهم إلغاؤه عمن لم يبعد من الصناع وما علمت أني سألت أحدا منهم ففرق بينهما بأكثر من أن قال هذا أذن للصانع قلما وكذلك ذاك أذن للصانع وما وجدت بينهما فرقا إلا فرقا خطر ببالي فقد يفرق الناس بما هو أبعد منه وأغمض وما هو بالفرق البين. وذلك أن ما كان فيه روح قد يموت بقدر الله عز وجل لا من شيء عرفه الآدميون فلما عالج هؤلاء فيه شيئا فمات لم يكن الظاهر أنه مات من علاجهم لأنه يمكن أن يموت من غيره فلم يضمن من قبل أنه مأذون له فيما فعل وغير ذوي الأرواح مما صنع إنما جعل إتلافه بشيء يحدثه فيه الآدميون أو بحدث يرى. ومن فرق بهذا الفرق دخل عليه أن يقال فأنت لو كان هؤلاء متعدين جعلتهم ماتوا بهذا الفعل وإن كان يمكن غيره فكذلك كان ينبغي أن تقول في الصناع كلهم
    (قال): وإذا استأجر الرجل الرجل أن يخبز له خبزا معلوما في تنور أو فرن فاحترق الخبز سئل أهل العلم به فإن كان خبزه في حال لا يخبز في مثلها باستيقاد التنور أو شدة جمرته أو تركه تركا لا يترك مثله فهذا كله تعد يضمن فيه بكل حال عند من يضمن الأجير ومن لم يضمنه وإن قالوا الحال التي خبز فيها والتي تركه فيها والعمل الذي عمل فيه إصلاح لا إفساد لم يضمن عند من لا يضمن الأجير ضمن عند من يضمن الأجير
    (قال): وإذا استودع الرجل الرجل إناء من قوارير فأخذه المستودع في يده ليحرزه في منزله فأصابه شيء من غير فعله فانكسر لم يضمن وإن أصابه بفعله مخطئا أو عامدا قبل أن يصير إلى البيت أو بعد ما صار إليه فهو له ضامن.
    مسألة الرجل يكتري الدابة فيضربها فتموت
    (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة فضربها أو كبحها بلجام أو ركضها فماتت سئل أهل العلم بالركوب فإن كان فعل من ذلك ما يفعل العامة فلا يكون فيه عندهم خوف تلف أو فعل في الكبح والضرب مثل ما يفعل بمثلها عندما فعله فلا أعد ذلك خرقة ولا شيء عليه وإن كان فعل ذلك عند الحاجة إليه بموضع يكون بمثله تلفا أو فعله في الموضع الذي لا يفعل في مثله ضمن في كل حال من قبل أن هذا تعد. والمستعير هكذا إن كان صاحبه لا يريد أن يضمنه فإن أراد صاحبه أن يضمنه العارية فهو ضامن تعدى أو لم يتعد.
    فأما الرائض فإن من شأن الرواض الذي يعرف به إصلاحهم الدواب الضرب على حملها من السير والحمل عليها من الضرب أكثر مما تفعل الركاب غيرهم فإذا فعل من ذلك ما يكون عند أهل العلم بالرياضة إصلاحا وتأديبا للدابة بلا إعنات بين لم يضمن إن عيبت وإن فعل خلاف هذا كان متعديا وضمن والمستعير الدابة هكذا كالمكتري في ركوبها إذا تعدى ضمن وإذا لم يتعد لم يضمن (قال

    الربيع) قوله الذي نأخذ به في المستعير أنه يضمن تعدى أو لم يتعد لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - «العرية مضمونة» مؤداة وهو آخر قوليه (قال الشافعي): والراعي إذا فعل ما للرعاء أن يفعلوه مما لا صلاح للماشية إلا به ومما يفعله أهل الماشية بمواشي أنفسهم على استصلاحها وما إذا رأوا من يفعله بمواشيهم ممن يلي رعيتها كان عندهم صلاحا لا تلفا ولا خرقة يفعله الراعي لم يضمن وإن تلف وإن فعل ما يكون عندهم خرقة فتلف منه شيء ضمنه عند من لا يضمن الأجير ومن ضمن الأجير ضمنه في كل حال.
    جناية معلم الكتاب
    (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومعلم الكتاب والآدميين كلهم مخالف لراعي البهائم وصناع الأعمال فإذا ضرب أحد من هؤلاء في استصلاح المضروب أو غير استصلاحه فتلف المضروب كانت فيه ديته على عاقلة ضاربه ولا يرفع عن أحد أصاب الآدميين العقل والقود في دار الإسلام إلا الإمام يقيم الحد فإن هذا أمر لازم ولا يحل له تعطيله، ولو عزر فتلف على يديه كانت فيه الدية والكفارة وإن كان يرى أن التعزير جائز له وذلك أن التعزير أدب لا حد من حدود الله تعالى. وقد كان يجوز تركه ولا يأثم من تركه فيه. ألا ترى أن أمورا قد فعلت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت غير حدود فلم يضرب فيها، منها الغلول في سبيل الله وغير ذلك ولم يؤت بحد قط فعفاه.

    والموضع الثاني: الذي يبطل فيه العقل والقود رجل يعطي الختان فيختنه والطبيب فيفتح عروقه أو يقطع العرق من عروقه خوف أكلة أو داء فيموت في ذلك فلا نجعل فيه عقلا ولا قودا من قبل أنه فعله بصاحبه بإذنه ففعله كفعله بنفسه إذا كان الذي فعل به ذلك بالغا حرا أو مملوكا بإذن سيده فإن كان مملوكا بغير إذن سيده ضمن قيمته.
    فإن قال قائل: كيف يسقط عن الإمام أن يقتص في الجرح ويقطع في السرقة ويجلد في الحد فلا يكون فيه عقل ولا قود ويكون الإمام إذا أدب وله أن يؤدب ضامنا تلف المؤدب. قيل: الحد والقصاص فرض من الله عز وجل على الوالي أن يقيمه فلا يحل له ترك إقامته والتعزير كما وصفت إنما هو شيء وإن رأى بعض الولاة أن يفعله على التأديب لا يأثم بتركه. وقد قيل بعث عمر إلى امرأة في شيء بلغه عنها فأسقطت فاستشار فقال له قائل أنت مؤدب فقال له علي - رضي الله عنه - إن كان اجتهد فقد أخطأ وإن كان لم يجتهد فقد غش، عليك الدية. فقال عزمت عليك لا تجلس حتى تضربها على قومك وبهذا ذهبنا إلى هذا وإلى أن خطأ الإمام على عاقلته دون بيت المال وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئا لأن الحق قتله إلا من مات في حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن مات فيه فديته إما قال على بيت المال وإما قال على الإمام وكان معلم الكتاب والعبيد وأجراء الصناعات في أضعف وأقل عذرا بالضرب من الإمام يؤدب الناس على المعاصي التي ليست فيها حدود وكانوا أولى أن يضمنوا ما تلف من الإمام
    فأما البهائم فإنما هي أموال حكمها غير حكم الأنفس. ألا ترى أن الرجل يرمي الشيء فيصيب آدميا فيكون عليه فيه تحرير رقبة لم يقصد قصد معصية والمأثم مرفوع عنه في الخطأ ويكون عليه دية وأن الله عز وجل وعد قاتل العمد النار وليس البهائم في شيء من هذا المعنى والآدميون يؤدبون على الصناعات بالكلام فيعقلونه وليس هكذا مؤدب البهائم فإذا خلى رب البهيمة

    بينها وبين الرجل بما يجوز له ففعله فإنما يفعله عن أمره أو بأمر الحاكم فيه أنه كأمره إذا كان ذلك غير تعد وهو لو أمره في البهيمة بعدوان فأمره بقتلها فقتلها لم يضمن له شيئا من قبل أنه إنما فعله عن أمره فلا يضمن له ماله عن أمره ولو كان آثما ولو أمره بقتل أبيه فقتله لم يسقط عنه ذلك كما يسقط عنه في البهيمة.
    مسألة الأجراء
    " أخبرنا الربيع " قال أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال الأجراء كلهم سواء فإذا تلف في أيديهم شيء من غير جنايتهم فلا يجوز أن يقال فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن يكون كل من أخذ الكراء على شيء كان له ضامنا حتى يؤديه على السلامة أو يضمنه أو ما نقصه ومن قال هذا القول فينبغي أن يكون من حجته أن يقول الأمين هو من دفعت إليه راضيا بأمانته لا معطى أجرا على ما دفعت إليه وإعطائي هذا الأجر تفريق بينه وبين الأمين الذي أخذ ما استؤمن عليه بلا جعل أو يقول قائل لا ضمان على أجير بحال من قبل أنه إنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له أو أخذ الشيء على منفعة له فيه إما مسلط على إتلافه كما يأخذ سلفا فيكون مالا من ماله فيكون إن شاء ينفقه ويرد مثله وإما مستعير سلط على الانتفاع بما أعير فيضمن لأنه أخذ ذلك لمنفعة نفسه لا لمنفعة صاحبه فيه وهذان معا نقص على المسلف والمعير أو غير زيادة له والصانع والأجير من كان ليس في هذا المعنى فلا يضمن بحال إلا ما جنت يده كما يضمن المودع ما جنت يده وليس بهذا سنة علمتها ولا أثر يصح عند أهل الحديث عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد روي فيه شيء عن عمر وعلي - رضي الله عنهما - ليس يثبت عند أهل الحديث عنهما ولو ثبت عنهما لزم من يثبته أن يضمن الأجراء من كانوا فيضمن أجير الرجل وحده والأجير المشترك والأجير على الحفظ والرعية وحمل المتاع والأجير على الشيء يصنعه لأن عمر - رضي الله عنه - إن كان ضمن الصناع فليس في تضمينه لهم معنى إلا أن يكون ضمنهم بأنهم أخذوا أجرا على ما ضمنوا فكل من أخذ أجرا فهو في معناهم وإن كان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ضمن القصار والصابغ فكذلك كل صانع وكل من أخذ أجرا وقد يقال للراعي صناعته الرعية وللحمال صناعته الحمل للناس ولكنه ثابت عن بعض التابعين ما قلت أولا من التضمين أو ترك التضمين ومن ضمن الأجير بكل حال فكان مع الأجير ما قلت مثل أن استحمله الشيء على ظهره أو استعمله لشيء في بيته أو غير بيته وهو حاضر لماله أو وكيل له بحفظه فتلف ماله بأي وجه ما تلف به إذا لم يجن عليه جان فلا ضمان على الصانع ولا الأجير وكذلك إن جنى عليه غيره فلا ضمان عليه والضمان على الجاني ولو غاب عنه أو تركه يغيب عليه كان ضامنا له من أي وجه ما تلف وإن كان حاضرا معه فعمل فيه عملا فتلف بذلك العمل وقال الأجير هكذا يعمل هذا فلم أتعد بالعمل وقال المستأجر ليس هكذا يعمل وقد تعديت، وبينهما بينة أو لا بينة بينهما فإذا كانت البينة سئل عدلان من أهل تلك الصناعة فإن قالا هكذا يعمل هذا فلا يضمن وإن قالا هذا تعدى في عمل هذا ضمن كان التعدي ما كان قل أو كثر وإذا لم يكن بينة كان القول قول الصانع مع يمينه ثم لا ضمان عليه وإذا سمعتني أقول القول قول أحد فلست أقوله إلا على معنى ما يعرف إذا ادعى الذي أجعل القول قوله ما يمكن بحال من الحالات جعلت القول قوله وإذا ادعى ما لا يمكن بحال من الحالات لم أجعل القول قوله ومن ضمن

    الصانع فيما يغيب عليه فجنى جان على ما في يديه فأتلفه فرب المال بالخيار في تضمين الصانع لأنه كان عليه أن يؤديه إليه على السلامة فإن ضمنه رجع به الصانع على الجاني أو تضمين الجاني فإن ضمنه لم يرجع به الجاني على الصانع وإذا ضمنه الصانع فأفلس به الصانع كان له أن يأخذه من الجاني وكان الجاني في هذا الموضع كالحميل وكذلك لو ضمنه الجاني فأفلس به الجاني رجع به على الصانع إلا أن يكون أبرأ كل واحد منهما عند تضمين الآخر فلا يرجع به وللصانع في كل حال أن يرجع به على الجاني إذا أخذ من الصانع وليس للجاني أن يرجع به على الصانع إذا أخذ منه بحال.
    قال وإذا تكارى الرجل من الرجل على الوزن المعلوم والكيل المعلوم والبلد المعلوم فزاد الوزن أو الكيل أو نقصا وتصادقا على أن رب المال ولي الوزن والكيل قلنا في الزيادة والنقصان لأهل العلم بالصناعة هل يزيد ما بين الوزنين وينقص ما بينهما وبين الكيلين هكذا فيما لم تدخله آفة فإن قالوا نعم قد يزيد وينقص قلنا في النقصان لرب المال قد يمكن النقص كما زعم أهل العلم بلا جناية ولا آفة فلما كان النقص يكون ولا يكون قلنا إن شاء أحلفنا لك الحمال ما خانك ولا تعدى بشيء أفسد متاعك ثم لا ضمان عليه وقلنا للحمال في الزيادة كما قلنا لرب المال في النقصان إن كانت الزيادة قد تكون لأمر حادث ولا زيادة ويكون النقصان وكانت ههنا زيادة فإن لم تدعها فهي لرب المال ولا كراء لك فيها وإن ادعيتها أوفينا رب المال ماله تاما ولم نسلم لك الفضل إلا بأن تحلف ما هو من مال رب المال وتأخذه وإن كانت زيادة لا يزيد مثلها أوفينا رب المال ماله وقلنا الزيادة لا يدعيها رب المال فإن كانت لك فخذها وإن لم تكن لك جعلناها كمال في يديك لا مدعى له وقلنا الورع أن لا تأكل ما ليس لك فإن ادعاها رب المال وصدقته كانت الزيادة له وعليه كراء مثلها وإن كنت أنت الكيال للطعام بأمر رب الطعام ولا أمين له معك قلنا لرب الطعام هو مقر بأن هذه الزيادة لك فإن ادعيتها فهي لك وعليك في المكيلة التي اكتريت عليها ما سميت من الكراء وعليك اليمين ما رضيت أن يحمل لك الزيادة ثم هو ضامن لأن يعطيك مثل قمحك ببلدك الذي حمله منه لأنه متعد إلا أن ترضى بأن تأخذه في موضعك فلا يحال بينك وبين عين مالك ولا كراء عليك بالعدوان. وإن قلت رضيت بأن يحمل لي مكيلة بكراء معلوم وما زاد فبحسابه فالكراء في المكيلة جائز وفي الزيادة فاسد الطعام لك وله كراء مثله في كله فإن كان نقصان لا ينقص مثله فالقول فيه كالقول في المسألة الأولى فمن رأى تضمين الحمال ضمنه ما نقص عن المكيلة لا يدفع عنه شيئا ومن لم ير تضمينه لم يضمنه وطرح عنه من الكراء بقدر النقصان، والله أعلم.
    باب خطأ الطبيب والإمام يؤدب
    أخبرنا الربيع بن سليمان قال قلت للشافعي - رضي الله عنه - فما تقول في الرجل يضرب امرأته الناشزة فتؤتى على يديه فتموت والإمام يضرب الرجل في الأدب أو في حد فيموت أو الخاتن يؤتى على يديه فيموت أو الرجل يأمر الرجل يقطع شيئا من جسده فيموت أحد من هؤلاء في شيء من ذلك أو المعلم يؤدب الصبي والرجل يؤدب يتيمه فيموت وما أشبه ذلك؟ (قال الشافعي): أصل هذه الأشياء من وجهين يكون عليه في أحدهما العقل ولا يكون عليه في الآخر العقل فأما ما لا يكون فيه من ذلك عقل فما كان لا يحل للإمام إلا أخذه ممن عاقبه به فإن تلف المعاقب به منه لم يكن على الذي عاقبه به

    شيء والمقيم عليه مأجور فيه وذلك مثل أن يزني وهو بكر فيجلده أو يسرق ما يجب فيه القطع فيقطعه أو يجرح جرحا فيقتص منه أو يقذف فيجلد حد القذف فكل ما كان في هذا المعنى من حد أنزله الله تعالى في كتابه أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن مات فيه فالحق قتله فلا عقل ولا كفارة على الإمام فيه والوجه الثاني الذي يسقط فيه العقل أن يأمر الرجل به الداء الطبيب أن يبط جرحه أو الأكلة أن يقطع عضوا يخاف مشيها إليه أو يفجر له عرقا، أو الحجام أن يحجمه أو الكاوي أن يكويه أو يأمر أبو الصبي أو سيد المملوك الحجام أن يختنه فيموت من شيء من هذا ولم يتعد المأمور ما أمره به فلا عقل ولا مأخوذية إن حسنت نيته إن شاء الله تعالى وذلك أن الطبيب والحجام إنما فعلاه للصلاح بأمر المفعول به أو والد الصبي أو سيد المملوك الذي يجوز عليهما أمره في كل نظر لهما كما يجوز عليهما أمر أنفسهما لو كانا بالغين فأما ما عاقب به السلطان في غير حد وجب لله وتلف منه المعاقب فعلى السلطان عقل المعاقب وعليه الكفارة ثم اختلف في العقل الذي يلزم السلطان فأما الذي أختار والذي سمعت ممن أرضى من علمائنا أن العقل على عاقلة السلطان وقد قال غيرنا من المشرقيين العقل على بيت المال لأن السلطان إنما يؤدب لجماعة المسلمين فيما فيه صلاحهم فالعقل عليهم في بيت مالهم وهكذا الرجل يؤدب امرأته فتؤتى على يديه فتتلف العقل على عاقلته وهكذا كل أمر لا يلزم السلطان أن يقوم به لله تعالى من حد أو قتل ولم يبحه المرء من نفسه على معنى المنفعة له فناله منه سلطان أو غيره فلا يبطل العقل به.
    فإن قال قائل لم زعمت أن للسلطان أن يؤدب وأن يحد ثم أبطلت ما تلف بالحد وألزمته ما تلف بالأدب؟ قلنا فإن الحد فرض على السلطان أن يقوم به وإن تركه كان عاصيا لله بتركه والأدب أمر لم يبح له إلا بالرأي وحلال له تركه ألا ترى «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ظهر على قوم أنهم قد غلوا في سبيل الله فلم يعاقبهم.» ولو كانت العقوبة تلزم لزوم الحد ما تركهم كما قال - صلى الله عليه وسلم - وقطع امرأة لها شرف فكلم فيها فقال: «لو سرقت فلانة لامرأة شريفة لقطعت يدها» وقد قال الله تبارك وتعالى {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} والذي يعرف أن الخطأ أن يرمي الشيء فيصيب غيره وقد يحتمل معنى غيره.
    (قال الشافعي): ولم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن للرجل أن يرمي الصيد وأن يرمي الغرض وأنه لو رمى واحدا منهما ولا يرى إنسانا ولا شاة لإنسان فأصابت الرمية إنسانا أو شاة لإنسان ضمن دية المصاب إذا مات وثمن الشاة إذا ماتت فوجدت حكمهم له بإباحة الرمية إذا تعقب فمعناه معنى أن يرمي على أن لا يتلف مسلما ولا حق مسلم ووجدته يحل له أن يترك الرمي كما وجدته يحل للإمام أن يترك العقوبة وكان الشيء الذي يفعله الإمام وله تركه بالرمية يرميها الرجل مباحة له وله تركها فيتلف شيئا فيضمنه الرامي أشبه به منه بالحد الذي فرض الله عز وجل أن يأخذه بل العقوبة أولى أن تكون مضمونة إن جاء فيها تلف من الرمية لأنه لا يختلف أحد في أن الرمية مباحة وقد يختلف الناس في العقوبات فيكره بعضهم العقوبة ويقول بعضهم لا يبلغ بالعقوبة كذا ويقول بعضهم لا يزاد فيها على كذا وفي مثل معنى الرامي الرجل يؤدب امرأته لأنه كان له أن يدعها وكان الترك خيرا له لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعد الإذن بضربهن

    «لن يضرب خياركم» وكان الضارب إذا كان الترك خيرا له أولى أن يضمن إن كان تلف على المضروب لأنه عامد للضرب الذي به التلف في الحكم من الرامي الذي لم يعمد قط أن يصيب المرمي.
    (قال الشافعي): فإن قال قائل فهل من شيء يعنيه سوى هذا؟ فهذا مكتفى به وقد قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما من أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئا لأن الحق قتله إلا المحدود في الخمر فإنه شيء أحدثناه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن مات منه فديته لا أدري قال في بيت المال أو على الذي حده، شك الشافعي.
    (قال الشافعي): وبلغنا أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعث إلى امرأة في شيء بلغه عنها فذعرها ففزع






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #266
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس

    الحلقة (266)
    صــــــــــ 191 الى صـــــــــــ 196



    (قال الشافعي): وبلغنا أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعث إلى امرأة في شيء بلغه عنها فذعرها ففزعت فأسقطت فاستشار عمر في سقطها فقال له علي - رضي الله عنهما - كلمة لا أحفظها أعرف أن معناها أن عليه الدية فأمر عمر عليا - رضي الله عنهما - أن يضربها على قومه وقد كان لعمر أن يبعث وللإمام أن يحد في الخمر عند العامة فلما كان في البعثة تلف على المبعوث إليها أو على ذي بطنها فقال علي وقال عمر إن عليه مع ذلك الدية كان الذي نراهم ذهبوا إليه مثل الذي وصفنا من أن لي أن أرمي على أن لا يتلف أحد برميتي فذهبوا - والله أعلم - إلى أنه وإن كانت له الرسالة فعليه أن لا يتلف بها أحدا فإن تلف ضمن وكان المأثم مرفوعا.


    الجمل الصئول

    أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال حكى محمد بن الحسن قال قال أهل المدينة إذا صال الجمل على الرجل أقام بينة بصياله عليه وأنه ضربه عند صياله فقتله أو عقره فلا ضمان عليه وإن لم يكن بينة إلا قوله ضمن وقال أبو حنيفة يضمن في الحالين لأنه لا جناية لبهيمة تحل دمها ولا جرحها. وقال محمد بن الحسن وغيره ممن يقول قوله فيه قولا قد جمعته وحكيت ما حضرني فيه وكله قالاه لي أو أحدهما وقلته لهما فقال ما تقول فيما اختلف فيه؟ قلت أقول بما حكيت عن أصحابنا أنهم قالوه قال فما حجتك فيه؟ قلت إن الله عز وجل منع دماء المسلمين إلا بحقها وإن المسلمين لم يختلفوا فيما علمت أو من علمت قوله منهم في أن مسلما لو أرادني في الموضع الذي لا يمنعني منه باب أغلقه ولا قوة لي بمنعه ولا مهرب أمتنع به منه وكانت منعتي منه التي أدفع عني إرادته لي إنما بضربه بسلاح فحضرني سيف أو غيره كان لي ضربه بالسيف لأمنع حرمتي التي حرم الله تعالى عليه انتهاكها فإن أتى الضرب على نفسه فلا عقل علي ولا قود ولا كفارة لأني فعلت فعلا مباحا لي فلما كان هذا في المسلم هكذا كان البعير أقل حرمة وأصغر قدرا وأولى أن يجوز هذا فيه قال إن البعير لا يقتل إن قتل والمسلم إن قتل قتل قلت ما خالفتك في هذا فأين زعمت أنهما يجتمعان فيه؟.

    وإنما جمعت بينهما حيث اجتمعا وفرقت بينهما حيث افترقا وإنما قلت المسلم في الحال التي وصفت أراد فيها الجناية فقال ما قتلته إلا بجناية ولولا الجناية ما حل لك دمه قلت فهل تكون الإرادة جناية؟ قال نعم قلت فما تقول فيما لو أرادني فحال بيني وبينه نهر أو خندق أو انكسرت رجله أو يده أو حبسه حابس وهو يريدني إلا أنه لم ينلني حيث هو بيد ولا بسلاح أكان يحل لي قتله؟ قال لا قلت ولو كان بحيث ينالني فظفرت بسلاحه حتى صار غير قادر علي أيحل لي قتله؟ قال لا قلت ولو جرحته جرحا يمنعه من قتلي وهو يريدني أكان يحل لي قتله قال لا، قلت ولو أرادني ولم يكن في يده ما يقتلني به كان يحل لي قتله؟ قال لا قلت وأسمعك مزيدا إلى

    حالات تزعم أن دمه فيها كلها محرم فلو كنت إنما أبحت دمه بالإرادة فقط انبغى أن تبيح دمه في هذه الحالات كلها. قال فبأي شيء أبحت دمه؟ قلت يمنع الله تعالى ما حرم الله تعالى أن ينتهك مني فلما لم أجد مانعا لدمي إلا ضربه ضربته فإذا صار إلى الحال التي لا يقدر فيها على قتلي فدمه محرم لأنه لم يفعل فعلا يحل دمه إنما فعل فعلا يحل منعه لا دمه فإن كان في منعه حتفه فهو أحله بنفسه وإن لم يكن فيه حتفه لم يحل لي قتله بعد أماني من أن يقتلني.

    وكذلك في الحالات التي وصفت لك قبل أن أضربه فلو صار إلى حال امتنع فيها منه بغير ضربه لم يحل لي ضربه. وكذلك الجمل إذا لم أقدر على دفعه إلا بما دفعت به المسلم من الضرب ضربته وإن أتت الضربة على نفسه وإن صار إلى الحال التي آمنه فيها على نفسي لم يحل لي ضربه ولو ضربته فقتلته غرمت ثمنه فلم أبحها بجناية إنما الجناية الفعل لا الإرادة ولكن أبحتها لمنع حرمتي، وكذلك المجنون، وكذلك الصبي والله أعلم.

    الاستحقاق

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا اعترف الرجل دابة في يدي رجل والمعترفة في يديه ينكر أو لا ينكر ولا يعترف كلف المعترف البينة فإن جاء بالبينة أنها دابته لا يعلمون أنه باع ولا وهب أو قالوا لم يبع ولم يهب فليس ذلك مما ترد به شهادتهم وإنما ذلك على العلم أحلف صاحب الدابة بالله إن هذه الدابة ما خرجت من ملكه بوجه من الوجوه ثم دفعت إليه وإذا أسلف الرجل عبدا في طعام أو ثوبا أو عرضا أو دنانير أو دراهم أو ما كان فاستحق ما سلف من ذلك بطل البيع لأن الثمن العين الذي أسلفه ولا تختلف في ذلك الدنانير والدراهم باعها وهو لا يملكها وهذا في بيوع الأعيان فمن باع عينا أو اشترى بعين وشراؤه بالعين بيع للعين فاستحقت تلك العين انتقض البيع، وإذا باع صفة من الصفات مضمونة فقبضها المشتري فاستحقت لم ينتقض البيع. وذلك أن البيع لم يقع على تلك العين وإنما وقع على شيء مضمون بصفة في ذمة البائع كالدين عليه ولا يبرأ منه هو أبدا إلا بأن يسلم لصاحبه فكلما استحق شيء بصفة رجع عليه حتى يستوفي تلك الصفة، وإذا صرف دنانير بأعيانها بدراهم بأعيانها فاستحقت الدراهم أو الدنانير لا فرق بين الدنانير والدراهم وغيرها بطل البيع فيها.

    (قال الربيع) من اشترى شيئا بعينه بشيء بعينه فاستحق أحد الشيئين بطل البيع كله لأن الصفقة جمعت حلالا وحراما فبطلت كلها وهو قول الشافعي

    (قال الشافعي): وإذا اشترى الرجل جارية فأولدها من سوق من أسواق المسلمين أو غير أسواق المسلمين أو نكحته على أنها حرة فولدت له ثم استحقها سيدها فعليه مهر مثلها لسيدها وعليه قيمة أولادها منه يوم سقطوا لأن ذلك أول ما كان لهم حكم الدنيا ويأخذها سيدها مملوكة وإنما أعتق الولد بالغرور، ولو كانت أقرت بالرق فنكح على ذلك فإن ولده مماليك، ولو كان أمتان بين رجلين فاقتسماهما وصارت إحداهما لأحدهما فولدت منه ثم استحقها رجل آخر أخذها ومهر مثلها وقيمة ولدها وولدها أحرار وانتقض القسم بينهما وصارت الجارية باقية بينهما، وإذا ابتاع الرجل جارية فماتت في يديه فالموت فوت ثم استحقها رجل كان له أن يرجع بالقيمة على الذي ماتت في

    يديه وللذي ماتت في يديه أن يرجع على البائع بالثمن الذي أخذ منه وإن كانت ولدت له أولادا فهم أحرار وعليه قيمتهم يوم سقطوا، ولو كانت المسألة بحالها ولم تمت غير أنها زادت في يديه أو نقصت بجناية أصابتها منه أو من غيره أو بشيء من السماء ردها بعينها ولا يقال لهذا فوت إنما يقال لهذا زيادة أو نقص فيردها زائدة ولا شيء له في الزيادة وناقصة وعليه ما نقصها إلا أن يكون أخذ لها أرشا أكثر مما نقصها فعليه رده ويرد النقص الذي من غيره جنايته لأنه كان ضامنا لها لأنها ملك لغيره فأما زيادة الأسواق ونقصانها فليست من الأبدان بسبيل لأنه قد يغصبها ثمن مائة بالغلاء ثم تزيد في بدنها وتنقص أسواقها فتكون ثمة خمسين أفيقال لهذا الذي زادت في يده الذي يشهد رب الجارية وأهل العلم أنها اليوم خير منها يوم أخذها بالضعف في بدنها أغرم نصف قيمتها من قبل أنها رخصت ليس هذا بشيء إنما يغرم نقص بدنها لأنه نقص عين سلعة المغصوب فأما نقص الأسواق فليس من جنايته ولا بسببها.

    وإذا باع الرجل الرجل الأرض فبنى فيها أو غرس ثم استحق رجل نصفها واختار المشتري أن يكون له النصف بنصف الثمن قسمت الأرض فما وقع للمستحق فعلى المشتري قلع البناء والغراس منه، وكذا حمله ويرجع بما نقص الغراس والبناء على البائع وبنصف الثمن، وكذلك الأرض بين الرجلين فيقسمانها.

    (قال الربيع) آخر قول الشافعي أنه إذا استحق بعض ما اشترى فإن البيع كل باطل من قبل أن الصفقة جمعت حلالا وحراما فبطلت كلها.

    (قال الربيع) ويأخذ رب الأرض أرضه ويقلع بناءه منها وغراسه ويرجع رب البناء والغراس على البائع بما غرم لأنه غره فيأخذ منه ما أخذ منه.

    الأشربة

    (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة - رضي الله عنها - قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كل شراب أسكر فهو حرام» وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام» وأخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الغبيراء فقال لا خير فيها» ونهى عنها. قال مالك عن زيد بن أسلم هي السكركة، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة».

    أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس - رضي الله عنه - قال كنت أسقي أبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب وأبا عبيدة بن الجراح شرابا من فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها فقال أنس فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك عن أمه وقد كانت صلت القبلتين «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخليطين وقال انتبذوا كل واحد منهما على حدته» أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن ابن أبي أوفى قال «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نبيذ الجر الأخضر والأبيض والأحمر».

    أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال «لما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأوعية قيل

    له ليس كل الناس يجد سقاء فأذن لهم في الجر غير المزفت». أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا تنبذوا في الدباء والمزفت» قال ثم يقول أبو هريرة واجتنبوا الحناتم والنقير، أخبرنا سفيان قال: سمعت الزهري يقول: سمعت أنسا يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدباء والمزفت أن ينتبذ فيه. أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه «أن أبا تميم الجيشاني سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع فقال: كل مسكر حرام أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينبذ له في سقاء فإن لم يكن فتور من حجارة» أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في بعض مغازيه قال عبد الله بن عمر فأقبلت نحوه فانصرف قبل أن أبلغه فسألت ماذا قال؟ قالوا نهى أن ننتبذ في الدباء والمزفت» أخبرنا مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينتبذ في الدباء والمزفت» أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينبذ التمر والبسر جميعا والتمر والزهو جميعا» أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة المصري أنه سأل ابن عباس عما يعصر من العنب فقال ابن عباس - رضي الله عنهما - «أهدى رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية من خمر فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أما علمت أن الله تعالى ذكره حرمها؟» قال: لا، فسار إنسانا إلى جنبه، فقال: بم ساررته؟ فقال أمرته أن يبيعها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الذي حرم شربها حرم بيعها» ففتح فم المزادتين حتى ذهب ما فيهما أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال بلغ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلا باع خمرا فقال قاتل الله فلانا باع الخمر أو ما علم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها؟» أخبرنا سفيان عن أبي الجويرية الجرمي قال ألا إني لأول العرب سأل ابن عباس وهو مسند ظهره إلى الكعبة فسألته عن الباذق فقال سبق محمد - صلى الله عليه وسلم - الباذق وما أسكر فهو حرام أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجالا من أهل العراق قالوا له: إنا نبتاع من ثمر النخيل والعنب فنعصره خمرا فنبيعها فقال عبد الله إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس إني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها ولا تعصروها ولا تسقوها فإنها رجس من عمل الشيطان.

    أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال كل مسكر خمر وكل مسكر حرام، أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ وعن سلمة بن عوف بن سلامة أخبراه عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا العسل فقالوا لا يصلحنا العسل فقال رجال من أهل الأرض هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر فقال نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه عمر أصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط فقال هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه فقال له عبادة بن الصامت أحللتها والله فقال عمر كلا والله اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وإني سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما. أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قلت لعطاء أتجلد في ريح الشراب؟ فقال عطاء إن الريح لتكون من الشراب الذي ليس به بأس، فإذا اجتمعوا جميعا على شراب واحد فسكر أحدهم جلدوا جميعا الحد تاما.

    (قال الشافعي): وقول عطاء مثل قول عمر لا يخالفه لا يعرف الإسكار في الشراب حتى يسكر منه واحد فيعلم منه أنه مسكر ثم

    يجلد الحد على شربه وإن لم يسكر صاحبه قياسا على الخمر أخبرنا سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج يصلي على جنازة فسمعه السائب يقول إني وجدت من عبيد الله وأصحابه ريح شراب وأنا سائل عما شربوا فإن كان مسكرا حددتهم قال سفيان فأخبرني معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد أنه حضره يحدهم، أخبرنا سفيان عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه» لا يدري الزهري أبعد الثالثة أو الرابعة فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ووضع القتل فصارت رخصة قال سفيان قال الزهري لمنصور بن المعتمر ومخول كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث أخبرنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال «رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حنين سأل عن رحل خالد بن الوليد فجريت من بين يديه أسأل عن رحل خالد حتى أتاه جريحا وأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلم بشارب فقال اضربوه فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتوه فبكتوه ثم أرسله» فلما كان أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - سأل من حضر ذلك الضرب فقومه أربعين فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته ثم عمر - رضي الله تعالى عنه - حتى تتابع الناس في الخمر فاستشار عمر عليا - رضي الله تعالى عنه - فضربه ثمانين. أخبرنا مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل فقال علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى أو كما قال قال فجلد عمر ثمانين في الخمر.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وبلغنا عن الحسين بن أبي الحسن أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - قال ليس أحد نقيم عليه حدا فيموت فأجد في نفسي منه شيئا فإن الحق قتله إلا حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن مات فيه ففيه دية إما قال في بيت المال وإما قال على الإمام أخبرنا ابن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال لا أوتى بأحد شرب خمرا ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي أن علي بن أبي طالب جلد الوليد بسوط له طرفان أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال إن يجلد قدامة اليوم فلن يترك أحد بعده وكان قدامة بدريا. سمعت الشافعي وهو يحتج في ذكر المسكر فقال كلاما قد تقدم لا أحفظه فقال أرأيت إن شرب عشرة ولم يسكر؟ فإن قال حلال قيل أفرأيت إن خرج فأصابته الريح فسكر؟ فإن قال حرام قيل له أفرأيت شيئا قط شربه رجل وصار في جوفه حلالا ثم صيرته الريح حراما؟ وقول الشافعي إن ما أسكر كثيره فقليله حرام؟ أخبرنا مالك عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت».

    الوليمة

    أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي إملاء قال إتيان دعوة الوليمة حق والوليمة التي تعرف وليمة العرس وكل دعوة كانت على إملاك أو نفاس أو ختان أو حادث سرور دعي إليها رجل فاسم الوليمة يقع عليها ولا أرخص لأحد في تركها ولو تركها لم يبن لي أنه عاص في تركها كما يبين في وليمة العرس. فإن قال قائل وهل يفترقان وكلاهما يكلف عند حادث سرور ومن حق المسلم على المسلم أن يسره؟ قيل قد

    يجتمعان في هذا ويجتمع في هذا أن يعمل الرجل عند غير حادث الطعام فيدعو عليه فلا أحب أن يتخلف عنه ويفترقان في أني لم أعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الوليمة على عرس ولم أعلمه أولم على غيره. وأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عبد الرحمن بن عوف أن يولم ولو بشاة» ولم أعلمه أمر بذلك أظنه قال أحدا غيره حتى «أولم النبي - صلى الله عليه وسلم - على صفية لأنه كان في سفر بسويق وتمر».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإن كان المدعو صائما أجاب الدعوة وبارك وانصرف ولم نحتم عليه أن يأكل وأحب إلي أن لو فعل وأفطر إن كان صومه غير واجب إلا أن يأذن قبل وبعد له رب الوليمة.

    (قال الشافعي): أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن أباه دعا نفرا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاه فيهم أبي بن كعب وأحسبه قال فبارك وانصرف.

    (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا سفيان بن عيينة سمع عبد الله بن أبي يزيد يقول دعا أبي عبد الله بن عمر فأتاه فجلس ووضع الطعام فمد عبد الله بن عمر يده وقال خذوا بسم الله وقبض عبد الله يده وقال إني صائم.

    (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا مسلم عن جريج (قال الشافعي) لا أدري عن عطاء أو غيره قال جاء رسول ابن صفوان إلى ابن عباس وهو يعالج زمزم يدعوه وأصحابه فأمرهم فقاموا واستعفاه وقال إن لم يعفني جئته.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قدر الرجل على إتيان الوليمة بحال لم يكن له عذر في تركها اشتد الزحام أو قل لا أعلم الزحام يمنع من الواجب والذي يجب ذلك عليه من قصد صاحب الوليمة قصده بالدعوة فأما من قال له رسول صاحب الوليمة قد أمرني أن أوذن من رأيت فكنت ممن رأيت أن أوذنك فليس عليه أن يأتي الوليمة لأن صاحب الوليمة لم يقصد قصده وأحب إلي أن لا يأتي. ومن لم يدع. ثم جاء فأكل لم يحل له ما أكل إلا بأن يحل له صاحب الوليمة

    وإذا دعي الرجل إلى الوليمة وفيها المعصية من المسكر أو الخمر أو ما أشبه ذلك من المعاصي الظاهرة نهاهم فإن نحوا ذلك عنه وإلا لم أحب له أن يجلس فإن علم قبل أن ذلك عندهم فلا أحب له أن يجيب ولا يدخل مع المعصية وإن رأى صورا في الموضع الذي يدعى فيه ذوات أرواح لم يدخل المنزل الذي تلك الصور فيه إن كانت تلك منصوبة لا توطأ فإن كانت توطأ فلا بأس أن يدخله، وإن كانت صورا غير ذوات أرواح مثل صور الشجر فلا بأس إنما المنهي عنه أن يصور ذوات الأرواح التي هي خلق الله، وإن كانت المنازل مستترة فلا بأس أن يدخلها وليس في الستر شيء أكرهه أكثر من السرف وأحب للرجل إذا دعاه الرجل إلى الطعام أن يجيبه.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لو أهدي إلي ذراع لقبلتها ولو دعيت إلى كراع لأجبت».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى أبا طلحة وجماعة معه فأكلوا عنده وكان ذلك في غير وليمة».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): «ودعت امرأة سعد بن الربيع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونفرا من أصحابه فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن دعت فأكلوا عندها».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإني لأحفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أجاب إلى غير دعوة في غير وليمة.

    صدقة الشافعي - رضي الله عنه

    - هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشافعي في صحة منه وجواز من أمره وذلك في صفر سنة ثلاث ومائتين أن الله عز وجل رزق أبا الحسن بن محمد بن إدريس مالا فأخذ محمد بن إدريس من مال ابنه أبي الحسن بن محمد أربعمائة دينار جيادا صحاحا مثاقيل وضمنها محمد بن إدريس لابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق على ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس بثلاثة أعبد منهم وصيف أشقر خصي يقال له صالح ووصيف نوبي خباز يقال له بلال وعبد فراني قصار يدعى سالما وبأمة شقراء تدعى فلانة وقبضهم محمد بن إدريس لابنه أبي الحسن من نفسه وصاروا من مال ابنه أبي الحسن وخرجوا من ملك محمد بن إدريس وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق على ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس بجميع حليه وهو مسكنان ودملجان وخلخالان وقلادة كل ذلك من الذهب وبمثل هذا حلي من الورق وقبضه له من نفسه ودفعه إلى أمه تقبضه له وتحفظه عليه وصار كل ما تصدق به محمد بن إدريس على أبي الحسن بن محمد مالا من مال أبي الحسن بن محمد وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق بمسكنه الذي بمهبط ثنية كدى من مكة قبالة دار منيرة على يسار الخارج من مكة في شعب محمد بن إدريس وهما المسكنان اللذان أحدهما المسكن الذي بفناء دار محمد بن إدريس العظمى أحد هذين المسكنين المسكن الذي بناه محمد بن إدريس إلى جنب المنزل الذي يعرف بجابر بن محمد.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #267
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (267)
    صــــــــــ 197 الى صـــــــــــ 202



    وذلك المنزل أحد حدوده كدى وحده الثاني الرحبة التي بفناء دار محمد بن إدريس العظمى والحد الثالث طريق شعب محمد بن إدريس والحد الرابع طريق الشعب العظمى إلى ذي طوى والمسكن الثاني سقائف حجارة نجيرتها وحجرتها على رأس الجبل الذي فيه الخزانة الصغيرة وهذا المنزل الذي يعرف بفلان بن عبد الجبار والمنزل الذي يعرف بعمرو المؤذن تصدق محمد بن إدريس بهذين المسكنين بجميع حقوقهما وأرضهما وبنائهما وعامرهما وطرقهما وكل حق هو لهما داخل فيهما وخارج منهما على ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس صدقة محرمة لا تباع ولا تورث حتى يرثها الله الذي يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين يملك أبو الحسن من منافعهما ما يملك من منافع الصدقات المحرمات ما عاش أبو الحسن بن محمد بن إدريس لا حق فيها لأحد معه حتى تعتق أم أبي الحسن بن محمد فإذا عتقت أم أبي الحسن بن محمد بن إدريس كانت أسوته في هذين المسكنين فإذا انقرض أبو الحسن فهذان المسكنان لولد أبي الحسن بن محمد وولده الذكور والإناث الذين عمود نسب آبائهم إليه ما تناسلوا وجدتهم أم أبي الحسن بن محمد معهم لها كحظ واحد منهم حتى تموت فإذا انقرض أبو الحسن وولد ولده فهذان المسكنان لأم أبي الحسن حتى تنقرض فإذا انقرضت فهذان المسكنان لفاطمة وزينب ابنتي محمد بن إدريس وولده إن ولد لمحمد بن إدريس بعد هذا الكتاب شرعا فيه سواء ما تناسلوا ولا يكون هذان المسكنان لأحد من ولد محمد بن إدريس ولا ولد ولده ولا ولد أبي الحسن بن محمد ولا ولد ولده من الإناث إلا بنتا عمود نسب أبيها إلى محمد بن إدريس أو إلى أبي الحسن محمد بن إدريس فإذا انقرضوا فهذان المنزلان صدقة على آل شافع بن السائب فإذا انقرضوا فعلى من حضر مكة من بني المطلب بن عبد مناف فإذا انقرضوا فعلى الفقراء والمساكين وابن السبيل والحاج والمعتمر وقد دفع محمد بن إدريس هذين المسكنين إلى أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي فهما

    بيده لأبي الحسن بن محمد ثم لمن سمى معه وبعده وأخرجهما محمد بن إدريس من ملكه وجعلهما على ما شرط في هذا الكتاب لأبي الحسن بن محمد ومن سمى معه وبعده شهد على إقرار محمد بن إدريس بما في هذا الكتاب وعلى أن أبا الحسن بن محمد المولود بمصر متصدق عليه بما في هذا الكتاب على ما شرط فيه صغير يلي محمد بن إدريس أبوه القبض له والإعطاء منه وما يلي الأب من ولده الصغار

    البحيرة والوصيلة والسائبة والحام


    (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله تبارك وتعالى {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} فلم يحتمل إلا ما جعل الله ذلك نافذا على ما جعلتموه وهذا إبطال ما جعلوا منه على غير طاعة الله عز وجل.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): كانوا يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويحمون الحام على غير معان سمعت كثيرا من طوائف العرب يحكون فيه فتجتمع حكايتهم على أن ما حكوا منه عندهم من العلم العام الذي لا يشكون فيه ولا يمكن في مثله الغلط لأن فيما ذكروا أنهم سمعوا عوامهم يحكونه عن عوام من كان قبلهم فكان مما حكوا مجتمعين على حكايته أن قالوا البحيرة الناقة تنتج بطونا فيشق مالكها أذنها ويخلي سبيلها ويحلب لبنها في البطحاء ولا يستجيزون الانتفاع بلبنها ثم زاد بعضهم على بعض فقال بعضهم تنتج خمسة بطون فتبحر وقال بعضهم وذلك إذا كانت تلك البطون كلها إناثا، والسائبة العبد يعتقه الرجل عند الحادث مثل البرء من المرض أو غيره من وجوه الشكر أو أن يبتدئ عتقه فيقول قد أعتقتك سائبة يعني سيبتك فلا تعود إلي ولا لي الانتفاع بولائك كما لا يعود إلي الانتفاع بملكك وزاد بعضهم فقال السائبة وجهان هذا أحدهما والسائبة أيضا يكون من وجه آخر وهو البعير ينجح عليه صاحبه الحاجة أو يبتدئ الحاجة أن يسيبه فلا يكون عليه سبيل.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ورأيت مذاهبهم في هذا كله فيما صنعوا أنه كالعتق. قال والوصيلة الشاة تنتج الأبطن فإذا ولدت آخر بعد الأبطن التي وقتوا لها قيل وصلت أخاها وزاد بعضهم تنتج الأبطن الخمسة عناقين عناقين في كل بطن فيقال هذه وصيلة تصل كل ذي بطن بأخ له معه وزاد بعضهم فقال قد يوصلونها في ثلاثة أبطن ويوصلونها في خمسة وفي سبعة. قال: والحام الفحل يضرب في إبل الرجل عشر سنين فيخلى ويقال قد حمى هذا ظهره فلا ينتفعون من ظهره بشيء وزاد بعضهم فقال يكون لهم من صلبه وما أنتج مما خرج من صلبه عشر من الإبل فيقال قد حمى هذا ظهره. قال: وأهل العلم من العرب أعلم بهذا ممن لقيت من أهل التفسير وقد سمعت من أهل التفسير من يحكي معنى ما حكيت عن العرب وفيما سمعت حكايتهم نصا ودلالة من أخبارهم أنهم كانوا يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويحمون الحام على وجوه جماعها أن يكونوا مؤدين بما يصنعون من ذلك حقا عليهم من نذر نذروه فوفوا به أو فعلوه بلا نذرهم أو بحق وجب عليهم عندهم فأدوه، وكان عندهم إذا فعلوه خارجا من أموالهم بما فعلوا فيه مثل خروج ما أخرجوا إلى غيرهم من المالكين وكانوا يرجون بأدائه البركة في أموالهم وينالون به عندهم مكرمة مع التبرر بما صنعوا فيه.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وكان فعلهم يجمع أمورا منها أمر واحد بر في الأخلاق وطاعة لله عز وجل في منفعته ثم شرطوا في ذلك الشيء شرطا ليس من البر فأنفذ البر ورد الشرط الذي ليس من البر وهو أن أحدهم كان يعتق عبده سائبة ومعنى يعتقه سائبة هو أن يقول أنت حر سائبة فكما أخرجتك من ملكي وملكتك نفسك فصار ملكك لا يرجع إلي بحال أبدا فلا يرجع إلي

    ولاؤك كما لا يرجع إلي ملكك فكان العتق جائزا في كتاب الله عز وجل بدأ فيه ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عند عوام المسلمين وكان الشرط بأن العتق سائبة لا يثبت ولاؤه لمعتقه شرطا مبطلا في كتاب الله تبارك وتعالى بقوله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} والله تعالى أعلم لأنا بينا أن قول الله عز وجل وعلا {ولا سائبة} لا يحتمل إلا معنيين أحدهما أن العبد إذا أعتق سائبة لم يكن برا كما لم تكن البحيرة والوصيلة والحام على ما جعل مالكها من تبحيرها وتوصيلها وحماية ظهورها فلما أبطل الله جل ذكره شرط مالكها فيها كانت على أصل ملك مالكها قبل أن يقول مالكها ما قال.

    (قال الشافعي): فإن قال قائل أفتوجدني في كتاب الله عز وجل في غير هذا بيانا لأن الشرط إذا بطل في شيء أخرجه إنسان من ماله بغير عتق بني آدم رجع إلى أصل ملكه؟ قيل نعم قال الله عز ذكره {اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} وقال عز وجل {وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} وفي الإجماع أن من باع بيعا فاسدا فالبائع على أصل ملكه لا يخرج من ملكه إلا والبيع فيه صحيح والمرأة تنكح نكاحا فاسدا هي على ما كانت عليه لا زوج لها

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويحتمل لقائل لو قال بظاهر الآية إذا لم يكن من أهل العلم أبطل الشرط في السائبة كما أبطله في البحيرة والوصيلة والحام وكلها على أصل ملكها لمالكها لم تخرج منه ولا عتق للسائبة لأن سياق الآية فيها واحد.

    (قال): وهذا قول وإن احتملته الآية لا يقوم ولا أعلم قائلا يقول به والآية محتملة المعنى الأول قبله الذي ذكرت أنه أحد المعنيين وهو أن قوله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} يعني والله أعلم على ما جعلتم فأبطل في البحيرة والوصيلة والحام لأن العتق لا يقع على البهائم ولا تكون إلا مملوكة للآدميين ولا تخرج من ملك مالكها منهم إلا إلى مالك منهم وأكثر السائبة إذا كان من الإبل والبهائم قبل التسييب وبعده سواء لا تملك أنفسها كهي وإذا كان من الناس من يخرج من ملك مالكه للآدمي إلى أن يصير مثله في الحرية وأن يكون مالكا كما يكون معتقه مالكا وكان الذي أبطل الله تعالى والله أعلم من السائبة أن يكون كما قال خارجا من ولائه بشرطه ذلك في عتقه وأقر ولاءه لمعتقه كما أقر ملك البحيرة والسائبة والوصيلة لمالكه.

    (قال الشافعي): فإن قال قائل هل على ما وصفت دلالة من كتاب الله عز وجل تبين ما قلت من خلاف بني آدم للبهائم وغير بني آدم من الأموال أو سنة أو إجماع؟ قيل نعم فإن قال قائل فأين هي؟ قيل قال الله عز وجل {فلا اقتحم العقبة} إلى قوله {ذا متربة} ودل على أن تحرير الرقبة والإطعام ندب الله إليه حين ذكر تحرير الرقبة وقال الله عز وجل في المظاهرة {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} وقال تبارك اسمه في القاتل خطأ {فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة} وقال في الحالف {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} وكان حكمه تبارك وتعالى فيما ملكه الآدميين من الآدميين أنهم يخرجونهم من ملكهم بمعنيين أحدهما فك الملك عنهم بالعتق طاعة لله عز وجل برا جائزا ولا يملكهم آدمي بعده والآخر أن يخرجهم مالكهم إلى آدمي مثله ويثبت له الملك عليهم كما يثبت للمالك الأول بأي وجه صيرهم إليه قال فكان حكم الله - والله تعالى أعلم - في البهائم ما وصفت من أن العتق لا يقع عليها ولا تزايل ملك صاحبها ما كان حيا إلا إلى مالك من الآدميين يقول فيه قد أخرجتها من م
    بيان معنى البحيرة السائبة الوصيلة والحام

    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه «عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت جاءتني بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت لها عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عددتها ويكون ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك فأبوا عليها فجاءت من عند أهلها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس فقال إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألها؟ فأخبرته عائشة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة - رضي الله عنها - ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عز وجل ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق».

    (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «عن عائشة - رضي الله عنها - أنها أرادت أن تشتري جارية تعتقها فقال أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لا يمنعنك ذلك فإن الولاء لمن أعتق».

    (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك قال حدثني يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن «أن بريرة جاءت تستعين عائشة فقالت عائشة إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة وأعتقك فعلت فذكرت ذلك بريرة لأهلها فقالوا لا إلا أن يكون ولاؤك لنا قال مالك قال يحيى فزعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لا يمنعنك ذلك فاشتريها وأعتقيها فإن الولاء لمن أعتق» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وابن عيينة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وعن هبته» (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن الحسن عن يعقوب بن إبراهيم أبي يوسف عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب».

    (قال الشافعي): - رحمه الله - فكان في حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بريرة في إبطال شرط مالكيها الذين باعوها على عائشة على أن الولاء لهم وإثباته لبريرة العتق دلالة على مثل معنى قول الله عز وجل {ولا سائبة} فإن الله جل وعلا أبطل التسييب إذا شرط مالكه أن لا يكون له ولاء المعتق المسيب وأبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرط مالك بريرة الذي باعها أن له الولاء دون معتقها وثبت الولاء لمن أعتق فكان في قوله «إنما الولاء لمن أعتق» معنيان أن لا يكون معتق أبدا يزول عنه الولاء بإزالته إياه عن نفسه مع عتق ولا قبله ولا بعده ولا بحال من الحالات اختلاف دينين ولا غيره ولو زال عن أحد زال عن عائشة إذا لم تملك بريرة إلا بشرط تعتقها وولاؤها للذي ملكها إياها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنما الولاء لمن أعتق» وكان معتق السائبة معتقا وإنما شرط أن لا يكون له ولاء وكان ولاؤه ثبت بحكم الله عز وجل، ثم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينتقل عنه. والمعنى الثاني أن لا يكون الولاء إلا للمعتق فمن أعتق من خلق الله عز وجل ممن يقع العتق عليه كان الولاء للمعتق ولا يجوز غير هذا أبدا بدلالة الكتاب والسنة.

    باب تفريع العتق

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا عتق الرجل عبده سائبة فهو حر وله ولاؤه وإذا أعتق الكافر عبدا له مؤمنا فهو حر وله ولاؤه، وكذلك لو أعتق مؤمن كافرا ولا عذر لأحد من أهل العلم في الشك في هذا والله تعالى أعلم. لأن الذي أعتق عبده سائبة والكافر يسلم عبده فيعتقه والمؤمن يعتق عبده الكافر لا يعدون أبدا أن يكونوا مالكين يجوز عتقهم ففي كتاب الله عز وجل دلالة في إبطال التسييب أن الولاء لمن أعتق وفي قوله {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} فنسبهم لشيئين إلى الآباء وإلى الولاء كما نسبهم إلى الآباء نسبهم إلى الولاء. وفي قول الله عز وجل {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه} ولو غرب على أحد علم هذا من كتاب الله عز وجل كان في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنما الولاء لمن أعتق» دليل على أن المسيب والمؤمن يعتق الكافر والكافر يعتق المؤمن لا يعدون أن يكونوا معتقين فيكون في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أن الولاء لمن أعتق» أو يكونوا غير مالكين فلا يختلف المسلمون في أن من أعتق ما لا يملك لم يكن حرا ولا يكون هؤلاء معتقين.

    الخلاف في السائبة والكافر يعتق المؤمن

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا أحفظ عن أحد لقيته من فقهاء المكيين والمشرقيين خلافا فيما قلت من أن ولاء السائبة والمؤمن يعتقه الكافر لمن أعتقهما. وقد حفظت عن بعض المدنيين من أهل الحديث هذا وخالفنا بعض أصحابنا في ميراث السائبة: فقال أحدهم: يوالي من شاء. وقال آخر: لا يوالي من شاء وولاؤه للمسلمين وقال قائل: هذا وإذا أعتق الكافر عبده والعبد مسلم فولاؤه للمسلمين وإذا أسلم سيده الذي أعتقه لم يرجع إليه ولاؤه ولو أعتق رجل كافر عبدا كافرا ثم أسلم العبد المعتق قبل المولى المعتق كان ولاؤه للمسلمين إذا مات ورثوه فإن أسلم السيد المعتق قبل أن يموت رجع إليه ولاؤه لأنه قد كان ثبت له الولاء ولو أسلم العبد المعتق قبل المولى المعتق وللمولى المعتق بنون مسلمون كان ولاؤه لبنيه المسلمين.

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: وقد وصفت موضع الحجة على هذا القول من الكتاب والسنة ووصفت بعد هذا الحجة عليه وهذا قول ينقض بعضه بعضا. أرأيت إن زعم أن الكافر يعتق الكافر فيكون الولاء ثابتا للكافر على الكافر ثم أسلم العبد المعتق والمولى كافر يخرج الولاء زعم من يديه بإسلامه أرأيت إذا زعم أيضا أن الكافر إذا أعتق عبدا مسلما لم يكن له ولاؤه وإن أسلم وإن كان للكافر ولد مسلمون كان لهم ولاؤه فكيف يرثه ولد المولى المعتق بأن كان ولد المولى المعتق مسلمين إذا لم يكن الولاء لأبيهم فكيف يرثونه بولاء أبيهم إنما ينبغي أن يكونوا في قوله كأسوة المسلمين في ولائه.

    وكيف إذا ورثوه بالولاء ثم أسلم المولى المعتق إذا كان كافرا والذي أعتق كافرا رجع إليه الولاء وقد أحرزه بنوه دونه فإن كانوا أحرزوه دونه لم يرجع إليه. وإن كانوا أحرزوه بسببه فالولاء له ولكنه لا يرث لاختلاف الملتين.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وما وصفت يدخل على من قال من أهل ناحيتنا ما حكيت وأكثر منه. ومن مختصر ما يدخل عليه في قول الله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة} أنه لا بد بحكم الله تبارك وتعالى أن يبطل أمر السائبة كله أو بعض أمره دون بعض لأن الله تبارك وتعالى

    قد ذكره مبطلا مع ما أبطل قبله وبعده من البحيرة والوصيلة والحام. فإن قال يبطل أمر السائبة كله فلا يجعل عتقه عتقا كما لا تجعل البحيرة والوصيلة والحام خارجة عن ملك مالكيها فهذا قول قد يحتمله سياق الآية ولكن الله عز وجل قد فرق بين إخراج الآدميين من ملك مالكيهم وإخراج البهائم فأجزنا العتق في السائبة بما أجاز الله تبارك وتعالى من العتق وأمر به منه ولما أجزنا العتق في السائبة كنا مضطرين إلى أن نعلم أن الذي أبطل الله عز وجل من السائبة التسييب وهو إخراج المعتق للسائبة ولاء السائبة من يديه فلما أبطله الله تبارك وتعالى كان ولاؤه للمعتق مع دلائل الآي في كتاب الله عز وجل فيما ينسب فيه أصل الولاء إلى من أعتقهم.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويلزم قائل هذا القول أن يسأل عن السائبة أعتقها مالك؟ فإن قال نعم: قيل له فقد «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الولاء لمن أعتق» وإن قال: لا قيل له فلم تعتق السائبة؟ ولو لم يعتقها مالكها لم تعتق ويلزمه في الشبه هذا في النصراني مالك يعتق المسلم فإن قال النصراني مالك معتق قيل: فقد «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الولاء لمن أعتق» وإن قال لا يكون مالكا لمسلم فليس المسلم المعتق يجوز عتقه لأنه أعتقه غير مالك فإن قال ألا ترى أن المولى لا يرثه؟ قيل له وما للميراث والولاء والنسب؟ فإن قال فأبن أنه إذا منع ميراثه ثبت له الولاء؟ قيل نعم: أرأيت لو قتله مولاه أيرثه؟ فإن قال لا. قيل له أفيزول ولاؤه عنه؟ فإن قال: لا قيل فما أزال الميراث لا يزيل الولاء فإن قال أما ها هنا فلا قيل فكيف قلت هناك ما قلت ما أزال الميراث أزال الولاء؟ وقيل له: أنه رأيت إذ نسب الله عز وجل إبراهيم خليله - عليه الصلاة والسلام - إلى أبيه وأبوه كافر ونسب ابن نوح وهو كافر إلى أبيه نوح - عليه السلام - أرأيته قطع الأبوة باختلاف الملتين؟ فإن قال: لا قيل أفيرث الأب ابنه والابن أباه؟ فإن قال لا قيل فتنقطع الأبوة بانقطاع الميراث؟ فإن قال لا قيل فكيف قطعت الولاء ولم تقطع النسب وهما معا سبب؟ إنما منع الميراث باختلاف الدينين. وقد يمنع بأن يكون دونه من يحجبه وذلك لا يقطع ولاء ولا نسبا والحجة تمكن على قائل هذا القول بأكثر من هذا وفي أقل من هذا كفاية إن شاء الله تعالى.

    الخلاف في الموالي


    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ووافقنا بعض الناس في السائبة والمشرك يعتق المسلم فقال هذا القول نص الكتاب والسنة وخالفنا هؤلاء من المشرقيين فقالوا إذا أسلم الرجل على يدي الرجل فله ولاؤه وللمسلم على يديه أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل بولائه، وهكذا اللقيط وكل من لا ولاء له يوالي من شاء وينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل بولائه.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقيل لبعض من يقول هذا القول إلى أي شيء ذهبتم فيه؟ فقال ذهبنا إلى أن عبد العزيز بن عمر حدث عن ابن موهب عن تميم الداري «أن رجلا أسلم على يدي رجل فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أنت أحق الناس بحياته وموته» فقيل له إن كان هذا الحديث ثابتا كنت قد خالفته. فقال وأين؟ قلت زعمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «أنت أحق الناس بحياته ومماته» قال نعم قلت فما زعمت لا يدل على أن إسلام المرء على يدي المرء يثبت له

    عليه ما يثبت العتق على المعتق للمعتق أفيكون له إذا أعتق أن ينتقل بولائه؟ قال لا قلت فقد خالفت الحديث فزعمت أنه إنما يثبت له الولاء ما رضي به ولم ينتقل وإذا انتقل انتقل الولاء عنه حتى يعقل عنه. أو رأيت إذا والى فكان لو مات ورث المولى الولاء كيف كان له أن ينتقل بولائه وقد ثبت الولاء عليه وثبت له على عاقلة الذي والاه أن يعقلوا عنه أو يجوز أن يكون في إسلام المرء على يدي غيره أو موالاته إياه إلا واحد من قولين أحدهما أن يثبت بالإسلام والموالاة ما يثبت بالعتق وما يثبت من ولاء عندنا وعندك لم يتحول كما لا يتحول النسب أو يكون الإسلام والموالاة لم يثبتا شيئا لأنهما ليسا من معاني النسب ولا الولاء.
    لكي وكان هكذا كل ما سوى بني آدم مما يملك بنو آدم نصا في كتاب الله عز وجل ودلالة بما ذكرت فيما سوى الآدميين من بهيمة ومتاع ومال ولا أعلم مخالفا في أن امرأ لو قال لمماليكه من الآدميين أنتم أحرار عتقوا ولو قال لملكه من البهائم أنتم أحرار لم تعتق بهيمة ولا غير آدمي.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #268
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (268)
    صــــــــــ 203 الى صـــــــــــ 208




    فأما ما ذهبت إليه فليس واحدا من القولين وزعمت أنه ثابت وللمولى أن ينتقل حتى يعقل عنه أو رأيت إن قالت العاقلة لا نعقل عن هذا شيئا لأن هذا لا ذو نسب ولا مولى وله الخيار في أن ينتقل عنه فاجعل لنا ولصاحبنا الذي والاه الخيار في أن ندفع ولاءه فالمولى من أعلى أولى أن يكون هذا له من المولى من أسفل ما تقول له؟ وإن جاز هذا لك جاز لغيرك أن يجعل الخيار للأعلى ولا يجعله للأسفل وهذا لا يجوز لواحد منكما. أرأيت ولدا إن كانوا للمسلم على يدي الرجل وكانوا لا ولاء لهم أيجر ولاؤهم كما يجره المعتق للأب إذا أعتق؟ قال: فإن قلت نعم قلت فقله قال فإذا يتفاحش على فأزعم أنه إذا أسلم جر الولاء وإذا انتقل به انتقل ولاؤه ويتفاحش في أن أقول قد كان لهم في أنفسهم مثل الذي له فإن قلت: يجر الأب ولاءهم قطعت حقوقهم في أنفسهم وإن قلت بل لهم في أنفسهم مثل ما له زعمت أنه لا يجر ولاءهم ولذلك أقول لا يجر ولاءهم قلت ويدخل عليك فيه أفحش من هذا قال قد أرى ما يدخل فيه أثابت الحديث؟ قلت لا وأنت تعلم أنه ليس بثابت وأن ابن موهب رجل ليس بالمعروف بالحديث ولم يلق تميما الداري وهو غير ثابت من وجهين.

    وقد قلت في اللقيط بأن عمر قال لمن التقطه هو حر ولك ولاؤه قلت أنت تقول في اللقيط أنه يوالي من شاء؟ قال نعم إن لم يوال عنه السلطان وإذا والى عنه السلطان فهذا حكم عليه قلت أفتثبت عليه موالاة السلطان فلا يكون له إذا بلغ أن ينتقل بولائه أو يكون له الانتقال بولائه إذا بلغ قال فإن قلت بل له الانتقال بولائه كما يكون له أن يوالي ثم ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه؟ قلت له فموالاة السلطان إذا عنه غير حكم عليه قال نعم وكيف يجوز أن تكون حكما عليه؟ قلت المسألة عليك لأنك بها تقول قال ما يصلح الحكم إلا على المتقدم من الخصومة وما ها هنا متقدم من خصومه قلت فقل ما شئت قال فإذا قلت فهو حكم قلت فقد رجعت إلى أن قلت بما أنكرت أن يكون يصلح الحكم إلا على المتقدم من خصومة وما ههنا متقدم من خصومة.

    قال فلا أقوله وأقول له أن ينتقل بولائه قلت فقد خالفت ما رويت عن عمر ولا أسمعك تصير إلى شيء إلا خالفته قال فيم تركت الحديثين قلت بالدلالة في السائبة أن حكم الله عز وجل أن يبطل التسييب ويثبت العتق ويكون الولاء لمن أعتق وما جامعتنا عليه؟ في النصراني بمعنى كتاب الله عز وجل ونص سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولما يلزمك فيما جامعتنا عليه في النصراني يعتق المسلم لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إنما الولاء لمن أعتق» وهذا معتق فلزمت فيهما معنى الكتاب والسنة. ثم اضطرب قولك فزايلت معناهما قال ذهبت إلى حديث ثبت قلت أما الذي رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يثبت عندنا.

    وأما الذي رويت عن عمر فلو ثبت لم يكن في أحد حجة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أنه ليس بين أن يثبت، وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «فإنما الولاء لمن أعتق» معنيان بينان أن الولاء لا يزول عمن أعتق ولا يثبت إلا لمعتق لأن قوله «فإنما الولاء لمن أعتق» نفي أن يكون الولاء لغير معتق. وذلك أن من قال إنما أردت كذا فقد بين ما أراد ونفى أن يكون أراد غيره. وكذلك إنما وقعت بهذا المعنى فأخذت بأحد معنيي الحديث وتركت الثاني.

    وهذا ليس لك ولا لأحد مع إنا وإياك لا نختلف في أن الولاء نسب من الأنساب لا يزول قال: أجل قلت أفرأيت رجلا لا أب له ولا ولاء أله أن ينتسب إلى رجل بتراض منهما قال لا يجوز النسب إلا بفراش أو في معنى فراش من الشبه فإذا لم يكن فراش ولا معنى فراش وذكرا أنهما يتراضيان بالنسب فلا نسب. قلت وكذلك لو أراد رجل أن ينفي من ولد فراشه ورضي بذلك المنفي قال لا يكون ذلك لهما قلت وذلك أن إثبات النسب من الفراش ونفيه من الفراش للنافي وللمنفي وغيرهما سيان فيكون للولد المنفي ولعشيرته فيه حق لأنهم يرثونه ويعقلون عنه ويعقل عنهم ولو جاز إقراره على نفسه لم يجز على غيره ممن له حق في ميراثه وعقله.

    قال: نعم قلت أفكذلك تجد المولى المعتق؟ قال سواء قلت فكيف لم تقل هذا في المولى الموالي فلا تثبته إلا بما يثبت له به الحق عشيرته ممن والاه أن يعقلوا عنه وكما لم يزل عنهم ولاء المعتق أو يثبت لهم عليه ميراث فلا تعطيهم ولا تمنع منهم إلا بأمر ثابت لأن في ذلك حكما عليهم وعلى غيرهم ممن كان ولم يكن ولهم ولغيرهم ممن كان ولم يكن. قال وذكرت له غير هذا مما في هذا كفاية عنه قال فإن من أصحابك من وافقك في الذي خالفناك فيه من اللقيط والموالي وقال فيه قولك وخالفك في الذي وافقناك فيه من السائبة والذمي يعتق المسلم قلت أجل وحجتنا عليه كهي عليك أو أوضح لأنك قد ذهبت إلى شبهة لا يعذرك بها أهل العلم ويعذرك بها الجاهل وهم لم يذهبوا إلى شبهة يعذر بها جاهل ولا عالم وموافقتك حيث وافقتنا حجة عليك وموافقتهم حيث وافقونا حجة عليهم وليس لأحد أن يخرج من معنى كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من واحد منهما في أصل ولا فرع وإنما فرقنا بين العالمين والجاهلين بأن العالمين علموا الأصول فكان عليهم أن يتبعوها الفروع فإذا زيلوا بين الفروع والأصول فأخرجوا الفروع من معاني الأصول كانوا كمن قال بلا علم أو أقل عذرا منه لأنهم تركوا ما يلزمهم بعد علم به والله يغفر لنا ولكم معا، فإن قال قد يغبون فعلهم قلت ومن غبي عنه مثل هذا الواضح كان حقه عليه أن لا يعالج الفتيا لأن هذا مما لا يجوز أن يخطئ فيه أحد لوضوحه.

    تفريع البحيرة والسائبة والوصيلة والحام


    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولما قال الله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} فكان في قول الله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة} الآية دلالة على ما جعل الله لا على ما جعلتم وكان دليلا على أن قضاء الله جل وعز أن لا ينفذ ما جعلتم وكانت البحيرة والوصيلة والحام من البهائم التي لا يقع عليها عتق وكان مالكها أخرجها من ملكه إلى غير ملك آدمي مثله وكانت الأموال لا تملك شيئا إنما يملك الآدميون كان المرء إذا أخرج من ملكه شيئا إلى غير مالك من الآدميين بعينه أو غير عينه كمن لم يخرج من ملكه شيئا وكان ثابتا عليه كما كان قبل إخراجه وكان أصل هذا القول فيما ذكرنا من كتاب الله عز وجل فكل من أخرج من ملكه شيئا من بهيمة أو متاع أو غيره غير الآدميين فقال قد أعتقت هذا أو قد قطعت ملكي عن هذا أو وهبت هذا أو بعته أو تصدقت به ولم يسم من وهبه له ولا باعه إياه ولا تصدق به عليه بعين ولا صفة كان قوله باطلا وكان في ملكه كما كان قبل أن يقول ما قال ولم يخرج من ملكه ما كان حيا بحال إلا أن يخرجه إلى آدمي يعينه أو يصفه حين أخرجه من ملكه ولا يكون خارجا من ملكه إلا ومالك له مكانه لا بعد ذلك بطرفة عين.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والسائبة إذا كانت من الإبل كالبحيرة وهكذا الرقيق إذ أخرجهم مالكهم من ملكه

    إلى غير ملك كالبهائم والمتاع إلا أن يخرجهم بعتق أو كتابة فإنها من أسباب العتق وما كان من سبب عتق كان مخالفا

    (قال الشافعي): وإذا كانت البحيرة والوصيلة والسائبة والحام نذرا فأبطلها الله عز وجل ففي هذا لغيره دلالة أن من نذر ما لا طاعة لله فيه لم يبر نذره ولم يكفره لأن الله تبارك وتعالى أبطله ولم يذكر أن عليه فيه كفارة والسنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاءت بمثل الذي جاء به كتاب الله تبارك وتعالى.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة وعبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب بن أبي تميمة عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم» وكان الثقفي ساق هذا الحديث فقال: «نذرت امرأة من الأنصار انقلبت على ناقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنحرها فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولم يأمر الله تعالى ثم لم يأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في واحد من الأمرين بكفارة إذا بطل النذر والمعصية في هذا الحديث أن تنحر المرأة ناقة غيرها وذلك أنها مما لا تملك فلو أن امرأ نذر أن يعتق عبد رجل لم يكن عليه عتقه، وكذلك أن يهدي شيئا من ماله، وكذلك كل ما نذر أن يفعله مما لا طاعة في فعله لم يكن عليه أن يفعله ولا عليه كفارة بتركه.

    (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بأبي إسرائيل وهو قائم في الشمس فقال ما له؟ فقالوا نذر أن لا يستظل ولا يقعد ولا يكلم أحدا ويصوم فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستظل ويقعد ويكلم الناس ويتم صومه ولم يأمره بكفارة».

    الخلاف في النذر في غير طاعة الله عز وجل.


    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقال قائل في رجل نذر أن يذبح نفسه قال يذبح كبشا وقال: آخر ينحر مائة من الإبل واحتجا فيه معا بشيء يروى عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقال لقائل هذا وكيف يكون في مثل هذا كفارة؟ فقال: الله عز وجل يقول في المتظاهر {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} وأمر فيه بما رأيت من الكفارة.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقيل لبعض من يقول هذا أرأيت إذا كان كتاب الله عز وجل يدل على إبطال ما جعل لا طاعة لله فيه من البحيرة ولم يأمر بكفارة وكانت السنن من النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل على مثل ذلك من إبطال النذر بلا كفارة وكان في قوله لا نذر دلالة على أن النذر لا شيء إذا كان في معصية وإذا كان لا شيء كان كما لم يكن. وليس في أحد من بني آدم قال قولا يوجد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف ذلك القول حجة. قال وقلت له كان من طلاق أهل الجاهية الظهار والإيلاء فحكم الله عز وجل في الإيلاء بتربص أربعة أشهر ثم يفيئوا أو يطلقوا وحكم في الظهار بكفارة وجعلها مؤقتة ولم يحكم بكفارة إلا وقتها ووقت من يعطاها أو دل عليها ثم جعل الكفارات كما شاء فجعل في الظهار والقتل مكان عتق الرقبة صوم شهرين وزاد في الظهار إطعام ستين مسكينا وجعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذي يصيب أهله في رمضان وحكم الله عز وجل في كفارة اليمين بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو

    تحرير رقبة وقال عز وجل {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} وقال الله تبارك وتعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله عز وجل بأن الصوم ثلاث والإطعام ستة مساكين فرقا من طعام والنسك شاة فكانت الكفارات تعبدا وخالف الله عز وجل بينها كما شاء لا معقب لحكمه أفتجد ما ذهبت إليه من الرجل ينذر أن ينحر نفسه في شيء من معنى باب الله عز وجل أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيكون مؤقتا في كتاب الله أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أو تجد بأن مائة بدنة أو كبشا كفارة لشيء إلا في المثل الذي يكون فيه الكبش مثلا، وكذلك البعير والجدي والبقرة من الصيد يصيبه المحرم أفتجد الكبش ثمنا لإنسان أو كفارة إلا وهو مثل ما أصيب.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن قال قائل: لما رأيت الظهار منكرا من القول وجعل فيه كفارات قست المنكر والزور من كل شيء فجعلت فيه كفارة قيل له إن شاء الله تعالى فما تقول فيمن شهد بزور أيكفر؟ وما تقول فيمن أربى في البيع أو باع حراما أيكفر؟ وما تقول فيمن ظلم مسلما أيكفر؟ فإن قال: نعم فهذا خلاف ما لقينا من أهل العلم وإن قال لا قيل قد تركت أصل مذهبك وقولك فإذا جعلته قياسا فيلزمك أن تقيسه على شيء من الكفارة ثم تجعل فيه من الكفارة كما تجعل في الذي قسته وأنت لم تجعله أصلا ولا قياسا. فإن قال قائل: فاجعله أصلا القول الذي قاله قيل له إن شاء الله تعالى فقد اختلف قوله فيه فأيها الأصل والسنة موجودة بإبطاله كما وصفنا ولا حجة مع السنة.

    إقرار بنكاح مفسوخ.

    (قال الربيع) من ها هنا أملى علينا الشافعي - رحمه الله تعالى - هذا الكتاب شهد شهود هذا الكتاب أن فلان ابن فلان الفلاني وفلانة بنت فلان الفلانية أشهداهم في صحة من أبدانهما وعقولهما وجواز من أمورهما وذلك في شهر كذا من سنة كذا أن فلان ابن فلان الزوج ملك عقدة نكاح فلانة بنت فلان في شهر كذا من سنة كذا وكان الذي ولي عقدة نكاحها من ولاتها فلان بن فلان الفلاني الذي زوجها وكان من شهود هذه العقدة فلان ابن فلان وفلان ابن فلان وكان الصداق كذا وكذا ومن شهوده فلان وفلان وأن الزوج فلان ابن فلان وفلانة بنت فلان تصادقا وأقرا عند شهود هذا الكتاب أنهما قد أثبتا أن هذه العقدة من النكاح الذي وصفت في هذا الكتاب وشهودها وشهود مهرها كانت يوم وقعت وفلانة في عدة من وفاة زوجها فلان بن فلان لم تنقض عدتها منه فكان نكاحها مفسوخا فلا نكاح بين فلان وفلانة حتى يجددا نكاحا بعد انقضاء عدة فلانة ولا تباعة لواحد منهما على صاحبه في صداق ولا نفقة شهد على ذلك.

    وضع كتاب عتق عبد.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز من أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا لمملوكه المولد الذي يدعى فلان ابن فلان أني أعتقتك رجاء رضا الله تبارك وتعالى وطلب ثوابه فأنت حر لا سبيل لي ولا لأحد في رق عليك ولي

    ولعقبي ولاؤك وولاء عقبك بعدك شهد وإن كان أعجميا وصفه بصفته وصناعته وإن كان خصيا كتب هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا لمملوكه الخصي الذي يدعى فلانا ويصفه بجنسه وهيئته إني أعتقتك وأخرجتك من مالي ومن ملكي رجاء ثواب الله تعالى ومرضاته فأنت حر لا سبيل لي ولا لأحد في رق عليك ولي ولاؤك ولعقبي من بعدي شهد وذلك أنه لا يكون له عقب، وإن كانت جارية كتبت لها كما كتبت للخصي وإن كان ولاء عقبها يكون له من المملوك فلا يجوز أن يكتب ولي ولاؤك وولاء عقبك من بعدك وقد لا يكون له ولاء عقبها إنما يجوز أن يكتب هذا في الرجل الذي له ولاء عقبه بكل حال ولو لم يكتب هذا في الرجل كان له وكذلك يكون له في الجارية من المملوك فإن شح على هذا فأحب أن يكتب كتابا يجوز منه في قول كل أحد كتب هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز من أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا لمملوكته فلانة بنت فلان ويصفها إني أعتقتك طلب ثواب الله تبارك وتعالى فأنت حرة ولا سبيل لي ولا لأحد في رق عليك ولي ولعقبي من بعدي ولاؤك وولاء كل عقب كان لك من مملوك " قال وقد اختلف الناس فقال بعضهم إذا ولدت من مملوك ثم عتق جر الولاء وبهذا نقول وقال غيرنا الولاء ثابت لأهل الأم ولا يضره أن لا يزيد في الكتاب على الأم على ما وصفت والله أعلم.

    كراء الدور.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): " هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني: إني آجرتك الدار التي بالفسطاط من مصر في موضع كذا من قبيلة كذا أحد حدود هذه الدار التي أجرتك ينتهي إلى كذا والثاني والثالث والرابع أجرتك جميع هذه الدار بأرضها وبنائها ومرافقها اثني عشر شهرا أول هذه الشهور المحرم من سنة كذا وآخرها ذو الحجة من سنة كذا بكذا وكذا دينارا صحاحا مثاقيل خلقان جيادا وازنة أفرادا ودفعت إلي هذه الدنانير كلها وافية وبرئت إلي منها ودفعت إليك هذه الدار الموصوفة في هذا الكتاب في هلال المحرم من سنة كذا بعدما عرفت أنا وأنت جميع ما فيها ولها من بناء ومرافق ووقفنا عليه فهي بيدك بهذا الكراء إلى أن تنقضي هذه المدة تسكنها بنفسك وأهلك وغيرهم وتسكنها من شئت وليس لك أن تسكنها رحا دابة ولا عمل حداد ولا قصار ولا سكنى تضر بالبناء ولا بضرر بين ولك المعروف من سكن الناس واستأجرتك أن تخرج جميع ما في ثلاثة آبار مغتسلات في هذه الدار وهي البئر التي في موضع كذا من الدار والبئر التي في موضع كذا والبئر التي في موضع كذا بعدما رأيت أنا وأنت تلك الآبار وعرفنا أن طول البئر التي في موضع كذا ذاهبة في الأرض عشرة أذرع وعرضها ثلاثة أذرع ممدودة وأن في تلك البئر محل مجتمع آبار مغتسلات من خلاء وماء وشيء إن خالطه عبرة ثمان أذرع وأن في البئر التي في موضع كذا وكذا وتصفه كما وصفت هذا وفي البئر التي في

    موضع كذا وكذا فتخرج جميع ما في هذه الآبار الموصوفة بما ذكرنا في هذا الكتاب منها وتنحي عن داري حتى توفينيها أرضا لا شيء فيها مما في آبار المغتسلات بكذا وكذا دينارا وازنة وجيادا ودفعتها إليك وبرئت إليك منها وضمنت لي ما وصفت في هذا الكتاب حتى توفينيها كما ضمنت لي في انسلاخ ذي الحجة من سنة كذا وكذا شهد " وإن خفت أن ينتقض الكراء فإن العراقيين ينقضونه بالعدد فإذا أجرته سنة كتبت " أجرته سنة أولها شهر كذا وآخرها شهر كذا بخمسين دينارا منها شهر كذا أول الشهور بأربعين دينارا وأحد عشر شهرا وتسميها بعشرة دنانير " والله سبحانه وتعالى الموفق.

    باب إذا أراد أن يكتب شراء عبد

    هذا ما اشترى فلان بن فلان الفلاني من فلان بن فلان الفلاني وفلان وفلان صحيحا الأبدان لا علة بهما من مرض ولا غيره جائزا الأمر في أموالهما وذلك في شهر كذا من سنة كذا اشترى منه غلاما مربوعا أبيض حسن الجسم جعدا أعين أفرق الثنايا أزج حلوا يسمى فلانا بكذا وكذا دينارا خلقان وازنة أفرادا بعدما عرف فلان وفلان هذا العبد بعينه ورأياه معا وقبض فلان هذا العبد من فلان وقبض فلان هذا الثمن من فلان وافيا بعدما تبايعا وتفرقا بعد البيع حتى غاب كل واحد منهما عن صاحبه من الموضع الذي تبايعا فيه بعد التراضي منهما جميعا بالبيع ولفلان على فلان في هذا العبد بيع الإسلام وعهدته لا داء ولا غائلة ولا عيب ظاهر ولا باطن ولا شين فما أدرك فلانا في هذا العبد أو في شيء منه من تباعة فعلى فلان خلاص ذلك لفلان حتى يسلمه له كما باعه إياه أو يرد إليه ثمنه الذي قبض منه وافيا وهو كذا وكذا دينارا جيادا مثاقيل أفرادا خلقان. شهد على إقرار فلان وفلان، ومعرفتهما بأعيانهما وأنسابهما فلان وفلان.

    شراء عبد آخر

    هذا ما اشترى فلان بن فلان الفلاني من فلان بن فلان الفلاني اشترى منه غلاما أمرد بربريا مربوعا حسن الجسم جعدا أفرق الثنايا أعين أزج حلوا يدعى فلانا بكذا وكذا دينارا مثاقيل أفرادا خلقان جيادا ودفع فلان بن فلان هذا العبد الموصوف في هذا الكتاب إلى فلان وقبضه فلان منه ودفع فلان إلى فلان هذا الثمن الموصوف في هذا الكتاب وبرئ إليه منه وتفرقا بعد تبايعهما وتقابضهما ومعرفة كل واحد منهما بما باع واشترى شهد على إقرار فلان وفلان ومعرفتهما بأسمائهما وأنسابهما وأنهما صحيحا العقل والأبدان جائزا الأمر يوم تبايعا هذا العبد وأشهداهما في هذا الكتاب في شهر كذا من سنة كذا شهد على ذلك فلان وفلان.


    (قال الشافعي): هذا أقل ما أعرفه بينا من كتب العهدة.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن اشترى فله عهدة الإسلام وليس له شين ولا عيب ولا داء ولا شيء ينقص من ثمن العبد قليل ولا كثير وله الخلاص أو يرد عليه الثمن وافيا وسواء شرط هذا أو لم يشرطه إنما الشرط احتياطا لجهالة الحكام ولو ترك أيضا إشهادهما بصحتهما في أبدانهما وعقولهما وإجازة أمورهما في أموالهما كان هذا على الصحة حتى يعلم غيرها وليس مما يحب تركه ولو ترك وتفرقا بعد البيع والقبض عن تراض

    منهما جميعا ما ضره لأنهما إذا جاءا بعد البيع بيوم أو أكثر فقد تفرقا بعد البيع والبيع تام على التراضي حتى ينقضاه ولو ترك وبرئ إليه من الثمن ما ضره إذا كتب دفع ولو ترك التاريخ في البيع ما ضره غير أني لا أحب في كتاب العهدة شيئا تركه احتياطا للبائع والمشتري معا وأقل ما يجزئ في كتاب العهدة ذكر صفة المشتري وذكر الثمن وقبضهما ثم للمشتري على البائع كل شرط سميناه وإن لم يشرطه.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #269
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (269)
    صــــــــــ 209 الى صـــــــــــ 214





    وهكذا يكتب شراء الأمة وسواء صغير العبيد وإمائهم وكبيرهم وسبيهم ومولدهم يوصف كل واحد منهم بجنسه وحليته ويقال مولد إن كان مولدا وهكذا في شراء الحيوان كله الإبل والبقر والغنم والخيل عرابها وهجنها وبراذينها والبغال والحمير وغير ذلك من الحيوان ويصف الفرس بشيته ويقال اشترى منه فرسا كميتا أحمر أغر سائل الغرة محجلا إلى الركب مربوعا وثيق الخلق نهد المشاش حديد الأساطين مستدير الكفل مشرق الهادي محسوم الأذن رباع جانب وقارح جانبه الآخر من الخيل التي تعرف ببني فلان من نتاج بلدة كذا " ثم يسوق الكتاب في دفع الثمن وقبض الفرس والتفرق بعد البيع عن تراض كما وصفت في شراء العبيد والعهدة كما وصفت في شراء العبيد وإن كان اشترى منه بعيرا كتب " اشترى منه بعيرا من النعم التي تعرف ببني فلان أصهب جسيما بازلا عليه علم بني فلان موضع كذا وثيق الخلق أهدل المشفر دقيق الخطم ضخم الهامة.
    " وإن كان له صفة غير هذا بينت صفته ثم تسوق الكتاب كما سقته في العبد والفرس وإنما قلت من النعم التي تعرف ببني فلان ولم أقل من نعم بني فلان احتراسا من تباعة بني فلان واحتياطا على الحاكم وكتاب كل ما بيع من الحيوان ككتاب العبد والفرس والبعير فإذا كان العبد بين رجلين فباع أحدهما نصيبه منه فالبيع جائز والمشتري يقوم مقام البائع في النصف الذي ابتاع منه ولو طلب الذي له نصف العبد الشفعة في العبد لم أر له فيه شفعة فإن قال قائل كيف لا تجعل الشفعة في كل شيء قياسا على الشفعة في الأرضين قيل له لما وجدنا المسلمين يزعمون أنه يجوز لي أن أكون مالكا معك ولا يكون لك إخراجي من ملكي بقيمة ملكي ولا بأكثر ولا بأقل من قيمته ولا لي ذلك عليك وتموت فيرثك ولدك أو غيرهم فلا يكون لي إخراجهم من حقوقهم التي ملكوها عنك بشيء ولا يكون لهم إخراجي بشيء وتهب نصيبك فلا يكون إلى إخراج من وهبت له من نصيبك الذي ملك عنك بشيء إلا برضاه وقالوا ذلك في كل ملك ملكه رجل عن آخر بغير الشراء في كل ما يملك لم يستثنوا أرضا ولا غيره.
    ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دلالة بينة على أن لا شفعة فيما لا يقسم ولا يقسم شيء بذرع وقيمة ويحدد الأصول والبناء على الأرض والشجر عليها فاقتصرنا بالشفعة على الأرض وما له أرض خاصة فكان العبيد والثياب وكل ما جاوز الأرضين وما له أرض من غراس وبناء خارجا من السنة في الشفعة مردودا على الأصل أن من ملك شيئا عن غيره تم له ملكه ولم يكن لغيره أن يخرجه منه إلا برضاه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
    قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): الذي أذهب إليه من البيع بالبراءة أن من باع حيوانا بالبراءة برئ من كل عيب إلا عيبا كتمه البائع من المشتري وقد علمه كما قضى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فإن علم البائع عيبا فكتمه فالبيع مردود بالعيب فإن قال لم أعلم وقد باع بالبراءة فالقول قوله مع يمينه ما علم عيبا فكتمه وقد خالفنا في هذا غير واحد فمن أراد الأخذ بقولنا كتب أو يكتب ودفع فلان بن فلان إلى فلان بن فلان العبد الموصوف في هذا الكتاب الذي اشتراه منه وقبضه فلان بعدما تبرأ إليه فلان بن فلان من كل عيب ظاهر وباطن فيه والاحتياط أن لا يستأنف كتاب وثيقة إلا على ما يجيزه جميع الحكام إذا وجد السبيل إليها وقد كان من الحكام من يجيز أن يقول وبرئ إليه فلان من مائة عيب بهذا العبد المشترى وبرأته من مائة عيب فإن زادت رده وإن نقصت فقد أبرأه من أكثر مما وجد فيه فليس له رده بعيب دون المائة.
    ومن الحكام من لا يجيز التبرؤ من عيب كتم ولا علم ولو سمى له عددا فوجد به ذلك العدد أو أقل أبدا إلا بعيب يريه إياه حتى يكون المشتري قد رآه وعرفه ومن أوثق هذا أن يكتب وبرئ فلان إلى فلان من كل عيب ويصفه إما كي وإما أثر جرح وإما نقص من خلق وإما زيادة فيه وإما غير ذلك من العيوب فيصفه بعينه وموضعه ثم يكتب ومن كذا وكذا عيبا وقفه عليها قد رآها فلان وبرأه منها بعد معرفتها.
    الاختلاف في العيب

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا باع رجل رجلا عبدا ولم يتبرأ من عيب فقبضه المشتري ثم ظهر منه على عيب فقال المبتاع للبائع كان هذا العيب عندك. وقال البائع بل حدث عندك، فإن كان العيب مما لا يحدث مثله مثل الأصبع الزائدة وغير ذلك مما يخلق مع الإنسان أو الأثر لا يحدث مثله في مثل هذه المدة التي تبايعا فيها فالعبد مردود على البائع بلا يمين إذا قال رجلان عدلان من أهل الصناعة التي فيها العيب هذا عيب لا يحدث مثله وإن كان قد يحدث مثل ذلك العيب فالشراء تام والمشتري يريد نقضه.
    فالقول قول البائع مع يمينه إلا بأن يأتي المشتري ببينة عليه بأنه كان عنده إما بإقرار من البائع وإما بأن رآه الشاهدان في العبد فيرد بلا يمين ولو تصادقا أن العيب كان بالعبد وادعى البائع التبرؤ من العيب وأنكر ذلك المشتري فالقول قول المشتري مع يمينه ولا يصدق البائع على أنه تبرأ إليه ويكلف البينة فإن هو جاء بها وإلا حلف المشتري ورد عليه وأصل معرفة العيب أن يدعي له رجلان من أهل العلم به فإذا قالا هذا عيب ينقص من ثمن العبد والأمة والمشترى ما كان حيوانا أو غيره شيئا قل أو كثر فهو عيب لصاحبه الخيار في الرد به أو قبضه إن لم يكن قبضه وإجازة البيع ومتى اختار البيع بعد العيب لم يكن له رده وإن ظهر على عيب غير العيب الذي اختار وحبس المبيع بعده كان له رد العبد بالعيب الذي ظهر عليه وإن اشترى رجل عبدا قد دلس فيه بعيب فلم يعلم به حتى حدث عنده به عيب آخر لم يكن له رده بالعيب وقوم العبد صحيحا ومعيبا ثم رد عليه قيمة ما بين الصحة والعيب مثل أن يكون اشترى العبد بخمسين دينارا وقيمته صحيحا مائة ومعيبا بتسعين فيرجع المشتري على البائع بعشر الثمن وهو خمسة دنانير ولا يكون له أن يرجع بعشرة دنانير لأنه لم يبعه إياه بالقيمة وكذلك لو اشترى بمائة وهو
    ثمنه خمسين فقوم فوجد العيب نقصه العشر وذلك خمسة دنانير من قيمته فيرجع عليه بعشرة دنانير لأنها أصل الثمن ولست ألتفت إلى قيمته فيما يتراجعان فيه إنما أنظر إلى قيمته لأعرف كم قدر العيب منها أعشرا أو أقل أو أكثر فآخذ العشر من أصل الثمن لا من القيمة.
    وإن رضي البائع أن يأخذ العبد معيبا لا يرجع على المشتري بقيمة العيب الذي يحدث عنده فليس عليه أن يرد قيمة العيب ويقال إن شئت فتطوع بأخذ العبد معيبا لأن الشراء لك صحيح إلا أن لك فيما دلس لك أن ترد إن شئت وإن شئت فأمسك العبد ولا ترجع في العيب بشيء ولو دلس له بعيب في أمة فأصابها ولم يعلم فإن كانت ثيبا ردها بالعيب إن شاء وليس وطؤها بأكثر من الخدمة والخراج وإن كانت بكرا لم يكن له ردها لأنه قد نقصها ذهاب العذرة ويرجع بما نقصها العيب وذلك أنه حدث بها عيب عنده فهي كالمسألة قبلها ولو كان أعتقها في هذا كله أو أحبلها فهذا فوت فله أن يرجع بقيمة العيب وكذلك لو ماتت عنده فإذا اشترى نصف عبد فأراد أن يكتب شراء كتب " هذا ما اشترى فلان بن فلان من فلان اشترى منه نصف عبد فراني محتلم ضخم الهامة عبل العظام مربوع القامة حسن الجسم حالك السواد يدعى فلانا بكذا وكذا دينارا جيادا مثاقيل أفرادا خلقان وذلك بعدما عرف فلان بن فلان وفلان هذا العبد الذي تبايعا نصفه ورأياه وتبايعا فيه وتفرقا عن موضعهما الذي تبايعا فيه حتى غاب كل واحد منهما عن صاحبه بعد البيع والتراضي منهما جميعا ودفع فلان بن فلان إلى فلان نصف هذا العبد الموصوف في هذا الكتاب وقبضه فلان كما يقبض مثله وذلك أنهما أحضرا هذا العبد المبيع نصفه وسلم له النصف يقوم فيه مقام فلان البائع لا حائل له دون نصفه ودفع إليه فلان الثمن وافيا وبرئ إليه منه ولفلان بن فلان على فلان بن فلان بيع الإسلام وعهدته لا داء ولا غائلة ولا شين ولا عيب ظاهر ولا باطن في العبد الذي ابتاع نصفه فما أدرك فلان بن فلان من درك في نصف هذا العبد الذي اشترى من فلان أو في شيء منه فعلى فلان خلاصه أو يرد إليه الثمن الذي قبض منه وافيا وهو كذا وكذا دينارا مثاقيل جيادا أفرادا خلقان وازنة شهد على إقرار فلان وفلان ومعرفتهما بأسمائهما وأنسابهما وأنهما يوم كتب هذا الكتاب صحيحان لا علة بهما من مرض ولا غيره جائزا الأمر في أموالهما وذلك في شهر كذا من سنة كذا.
    " وهكذا شراء ثلث عبد كفوا وثلث أمة أطوعهم ودابة وغيرها فإذا ظهر على عيب في العبد رده وإن لم يكن اشترى إلا عشره لأن للعشر نصيبا من العيب وهو في العيب مثل العبد لا يختلفان ويختلفان في الاستحقاق
    فلو أن رجلا اشترى عبدا فاستحق منه شيء قل أو كثر كان للمشتري الخيار في أخذ ما يبقى من العبد بما يصيبه من الثمن أو رده والرجوع بالثمن لأنه لم يسلم له العبد كما بيع " قال الربيع " رجع الشافعي بعد وقال إذا اشترى عبدا أو شيئا فاستحق بعضه فالبيع باطل لأن الصفقة جمعت شيئين حلالا وحراما فكان البيع منفسخا ولا يثبت.
    (قال): ولو اشترى نصف عبد من رجل فاستحق على الذي لم يبع نصفه فيه بحاله ففي هذا ما يخالف نصف العبد وفيما كان في مثل معناه وإذا اشترى عبدين في صفقة فأراد أن يكتب شراءهما كتب " هذا ما اشترى فلان بن فلان من فلان بن فلان اشترى منه عبدين أسودين أحدهما نوبي أسود وصيف خماسي حلو جعد رجل معتدل حسن القوام خفيف الجسم متراصف الأسنان مسنون الوجه والآخر فراني غليظ مربوع حالك السواد بعيد ما بين المنكبين معتدل جعد قطط حسن الجسم أفلج الثنايا من أعلى فيه محتلم اشترى فلان بن فلان هذين العبدين الموصوفين في هذا
    الكتاب بكذا وكذا دينارا جيادا مثاقيل أفرادا خلقان وازنة وتبايع فلان بن فلان وفلان بن فلان في العبدين بعد رؤيتهما ومعاينتهما وقبض فلان بن فلان هذين العبدين الموصوفين في هذا الكتاب وقبض فلان بن فلان هذا الثمن وافيا وتفرقا حتى غاب كل واحد منهما عن صاحبه بعد التراضي منهما جميعا بالبيع وتقابضهما ولفلان على فلان بيع الإسلام وعهدته لا داء ولا غائلة ولا عيب ظاهر ولا باطن فما أدرك فلان بن فلان في هذين العبدين أو في أحدهما أو في شيء منهما أو من واحد منهما من درك فعلى فلان خلاصه حتى يسلمه له كما باعه أو يرد إليه الثمن الذي قبض منه وافيا وهو كذا وكذا دينارا ".
    وهكذا إذا اشترى عبدا وأمة أو ثلاثة أعبد أو أكثر موصوف كل واحد من المشترى يصفه كما وصفت ويصف الثمن كما وصفت وهكذا إذا اشترى عبدا ودارا وما جمعته الصفقة يكتب عهدته ويكتب كل شيء منه بصفته فإن اشترى عبدين وأمة فأراد أن يكتب عهدتهم ويجعل لكل واحد منهم ثمنا معلوما كتب " هذا ما اشترى فلان من فلان اشترى منه عبدا من صفته كذا وكذا وعبدا من صفته كذا وكذا وأمة من صفتها كذا كذا اشترى منه هذين العبدين والأمة الموصوفين في هذا الكتاب بمائة دينار وثمن العبد الفارسي من هذه المائة الدينار ثلاثون دينارا وثمن العبد النوبي من هذه المائة عشرون دينارا وثمن الأمة من هذه المائة خمسون دينارا تبايع فلان وفلان هؤلاء الرقيق الثلاثة بعد رؤيتهم ومعرفتهم وتفرقا بعد البيع وقبض فلان جميع ثمنهم وافيا وتفرقا بعد هذا كله عن تراض منهما جميعا به فما أدرك فلان فيما اشترى من فلان أو في واحد منهم فعلى فلان خلاصه حتى يسلمه له أو يرد إليه الثمن وافيا وهو مائة دينار ولفلان على فلان فيما اشترى من فلان بيع الإسلام وعهدته لا شين ولا عيب ولا داء ظاهر ولا باطن شهد على إقرار فلان وفلان بجميع ما في هذا الكتاب بعد معرفتهما معا به وعلى أنهما يوم أقر به صحيحان لا علة بهما من مرض ولا غيره جائزا الأمر شهد فلان وفلان وكتبوا ".
    (قال): وإذا أردت أن تكتب عهدة هؤلاء الرقيق بمعنى أبين من هذا فاكتب " هذا ما اشترى فلان من فلان اشترى منه عبدا نوبيا من صفته كذا بعشرين دينارا وعبدا فارسيا من صفته كذا بعشرين دينارا وأمة مولدة من صفتها كذا بستين دينارا اشترى منه هؤلاء الرقيق الثلاثة كل واحد منهم بما سمى له من الثمن بعد معرفة فلان وفلان بجميع هؤلاء الرقيق ورؤيتهم له قبل البيع وبعده وقبض فلان هؤلاء الرقيق من فلان وقبض فلان جميع الثمن من فلان وتبايعا على ذلك وتفرقا بعد البيع عن تراض منهما جميعا ولفلان فيما اشترى من فلان بيع الإسلام وعهدته لا داء ظاهر ولا باطن فما أدرك فلان في هؤلاء الرقيق أو في واحد منهم من درك من أحد من الناس فعلى فلان خلاصه أو رد ثمن من أدركه فيه الدرك وافيا بما وقع فيه ثمنه وجميع أثمانهم مائة دينار مفرقة على ما في هذا الكتاب شهد على إقرار فلان وفلان ومعرفتهما بأعيانهما وأنسابهما وأنهما يوم كتبا هذا الكتاب صحيحا جائزا الأمر في أموالهما. فلان وفلان.
    وثيقة في المكاتب أملاها الشافعي
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في شهر كذا من سنة كذا وهو صحيح لا علة به من مرض ولا غيره جائز الأمر في ماله لمملوكه فلان الفلاني الذي صفته كذا وكذا إنك سألتني أن أكاتبك على كذا وكذا دينارا مثاقيل جيادا تؤديها إلي منجمة في مضي عشر سنين كلما مضت سنة أديت إلي كذا وكذا دينارا وأول نجومك التي تحل لي عليك انسلاخ سنة كذا كل نجم منها
    بعد مضي سنة حتى يكون أداؤك آخرها انسلاخ سنة كذا فإذا أديت جميع ما كاتبتك عليه وهو كذا وكذا فأنت حر لوجه الله تعالى لا سبيل لي ولا لأحد عليك ولي ولأوك وولاء عقبك من بعدك. فإن عجزت عن نجم من هذه النجوم فلي فسخ كتابتك. شهد على إقرار السيد فلان الفلاني المملوك بما في هذا الكتاب.
    وثيقة في المدبر
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): هذا كتاب كتبه فلان ابن فلان في شهر كذا من سنة كذا وهو صحيح لا علة به من مرض ولا غيره جائز الأمر في ماله لمملوكه فلان الفلاني صفته كذا وكذا إني دبرتك فمتى ما مت فأنت حر لوجه الله تعالى لا سبيل لأحد عليك ولي ولاؤك وولاء عقبك من بعدك.
    شهد على إقرار فلان ابن فلان السيد وفلان ابن فلان الفلاني المملوك بما في هذا الكتاب.
    كتاب الأقضية
    (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله تعالى -: قال تولى الله السرائر وعاقب عليها ولم يجعل لأحد من خلقه الحكم إلا على العلانية فإذا حكم الحاكم بالظاهر الذي جعل إليه لم يتعاط الباطن الذي تولى الله دونه وإذا حكم والمحكوم له يعلم أن ما حكم له به حق في الظاهر عند الحاكم وباطل في علمه دون الحاكم لم يكن له أن يأخذه وأخذه حرام عليه ولا يحل حاكم شيئا ولا يحرمه إنما الحكم على الظاهر كما وصفنا والحلال والحرام على ما يعلم المحكوم له والمحكوم عليه وتفسيره في كتاب الأقضية وهو كتاب الشاهد واليمين.
    (قال الشافعي): الولد للفراش بالوطء بملك اليمين والنكاح.
    (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه قال: أرسل عمر إلى رجل من بني زهرة كان ساكنا معنا فذهبنا معه فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية: فقال أما الفراش فلفلان وأما النطفة فلفلان فقال - رضي الله تعالى عنه - صدقت ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالفراش.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا اعترف الرجل بوطء وليدته لحق به ولدها إلا أن يدعي أنه قد استبرأها بعد الوطء ثم لم يقربها وتفسيره في كتاب الطلاق.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا توفي الرجل عن المرأة أو طلقها فانقضت عدتها في الوفاة أو الطلاق ثم تزوجت فولدت عند الزوج الآخر لأقل من ستة أشهر من يوم ملك عقدة نكاحها بساعة فالولد للأول فإن كان ميتا لحق به وإن حيا لحق به إلا أن ينفيه بلعان ولو ادعاه الآخر لم يكن ابنه لأنه لا يمكن أن يكون منه إلا من زنا وولد الزنا لا يلحق وأقل ما يكون له الحمل ستة أشهر تامة فأكثر (فقال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا نقول إذا اشترك الرجلان في طهر جارية لهما فجاءت بولد فادعياه فأريه القافة فأيهما ألحقاه به لحق وكان لشريكه عليه نصف المهر ونصف قيمة الجارية وكانت أم ولد له بذلك الولد وإن لم يكن قافة أو ألحقته القافة بهما معا لم يكن ابنهما ولا ابن واحد منهما حتى يبلغ أن يخير فيختار أيهما شاء فينتسب إليه فإذا اختاره فليس له أن ينفيه بلعان ولا للولد أن ينتفي عنه ويكون الحكم في الأمة وفي مهرها ما وصفنا من أن يكون على المحكومة له بأنها أم ولد له نصف مهرها
    ونصف قيمتها ونصف قيمة الولد حين سقط فإن مات المولود قبل أن يبلغ فينتسب إلى واحد فميراثه موقوف حتى يصطلحا فيه وإن ماتا أو واحد منهما قبل أن ينتسب المولود إلى أحدهما وقف له من مال كل واحد منهما ميراث ابن تام وإذا انتسب إلى أحدهما أخذ الميراث ورد ما وقف من ميراث الآخر على ورثته.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقال بعض الناس ولو ترك ثلثمائة دينار فقسمها ابنان له فيأخذ كل واحد منهما خمسين ومائة ثم يقر أحدهما برجل فيقول هذا أخي وينكره الآخر فالذي أحفظ من قول المدنيين المتقدم أن نسبه لا يلحق به وأنه لا يأخذ من المال قليلا ولا كثيرا وذلك أن الأخ لم يقر له بدين ولا وصية إنما زعم أن له حق ميراث وإذا كان له حق بأن يكون وارثا ورث كما يرث وعقل في الجناية فلما كان هذا لا يثبت عليه لم يثبت له ولا يثبت له ميراث إلا بأن يثبت له نسب وهذا أصح ما فيه عندنا والله تعالى أعلم " قال أبو محمد الربيع " لا يثبت نسبه ولا يأخذ من الميراث شيئا لأن المال فرع النسب وإذا لم يثبت النسب وهو الأصل لم يثبت الفرع الذي هو تبع للأصل.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقال مالك وابن أبي ليلى لا يثبت النسب ويأخذ خمسين دينارا من الذي أقر له وذهب إلى أنه أقر بنسبه على نفسه وعلى غيره فلم يأخذ منه إلا ما أقر به على نفسه وأسقطا إقراره على غيره. وقال أبو حنيفة - رحمه الله -: لا يثبت نسبه ويقاسم الذي أقر به ما في يديه نصفين لأنه أقر أنه وإياه في مال أبيه سواء وهذا أبعد عندنا من الصواب والله أعلم. وكلها إذا سمعها السامع رأى له مذهبا.
    (قال الشافعي): - رحمه الله -: لا يقسم صنف من المال مع غيره - لا يقسم عنب مع خله ولا أصل مع أصل غيره وإذا كان شيء من هذه الأصول يحيا بغير ما يحيا به غيره لم يقسم معه لأنها مختلفة الأثمان متباينة فلا يقسم نضح مضموما إلى عثري ولا عثري مضموما إلى بعل ولا بعل مضموما إلى نخل يشرب بنهر مأمون الانقطاع لأن أثمانها متباينة. والبعل الذي أصوله قد بلغت الماء. فاستغنى عن أن يسقى والنضح ما يسقى بالبئر.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تضعف الغرامة على أحد في شيء إنما العقوبة في الأبدان لا في الأموال وإنما تركنا تضعيف الغرامة من قبل «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيما أفسدت ناقة البراء بن عازب أن على أهل الأموال حفظها بالنهار. وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها» فإنما يضمنونه بقيمة لا بقيمتين ولا يقبل قول المدعي لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه».
    أدب القاضي وما يستحب للقاضي
    أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي محمد بن إدريس قال أحب أن يقضي القاضي في موضع بارز للناس لا يكون دونه حجاب وأن يكون متوسطا للمصر وأن يكون في غير المسجد لكثرة من يغشاه لغير ما بنيت له المساجد ويكون ذلك في أوفق الأماكن به وأحراها أن لا يسرع ملالته فيه.
    (قال): وإذا كرهت له أن يقضي في المسجد فلأن يقيم الحد في المسجد أو يعزر أكره.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يقضي القاضي وهو غضبان أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يقضي القاضي أو لا يحاكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان».
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدل على أن لا يقضي الرجل وهو غضبان وكان معقولا في الغضب تغير العقل والفهم فأي حال
    جاءت عليه يعلم هو من نفسه تغير عقله أو فهمه امتنع من القضاء فيها فإن كان إذا اشتكى أو جاع أو اهتم أو حزن أو بطر فرحا تغير لذلك فهمه أو خلقه لم أحب له أن يقضي وإن كان ذلك لا يغير عقله ولا فهمه ولا خلقه قضى فأما النعاس فيغمر القلب شبيها بغمر الغشي فلا يقضي ناعسا ولا مغمور القلب من هم أو وجع يغمر قلبه.
    (قال): وأكره للقاضي الشراء والبيع والنظر في النفقة على أهله وفي ضيعته لأن هذا أشغل لفهمه من كثير من الغضب وجماع ما شغل فكره يكره له وهو في مجلس الحكم أكره له. ولو اشترى أو باع لم أنقض البيع ولا الشراء لأنه ليس بمحرم وإنما كره لئلا يشتغل فهمه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #270
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (270)
    صــــــــــ 215 الى صـــــــــــ 220





    وكذلك لو قضى في الحال التي كرهت له أن يقضي فيها لم أرد من حكمه إلا ما كنت رادا من حكمه في أفرغ حالاته وذلك إذا حكم بخلاف الكتاب والسنة وما وصفت مما يرد به الحكم.
    (قال): وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فبان له من أحد الخصمين اللدد نهاه فإن عاد زجره. ولا يبلغ أن يحبسه ولا يضربه إلا أن يكون في ذلك ما يستوجب ضربا أو حبسا ومتى بان له الحق عليه قطع به الحكم عليه.
    الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر

    أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وفي هذا الحديث دلالة على أن الأئمة إنما كلفوا القضاء على الظاهر لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن قد يكون هذا في الباطن محرما على من قضي له به وأباح القضاء على الظاهر ودلالة على أن قضاء الإمام لا يحل حراما ولا يحرم حلالا لقوله «فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه» ودلالة على أن كل حق وجب لي ببينة أو قضاء قاض فأقررت بخلافه أن قولي أولى لقوله فمن قضيت له بشيء في الظاهر فلا يأخذه إذا كان في الباطن ليس له وأن الباطن إذا تبين بإقراره فيما يمكن أن يكون بحال حكم عليه به وهو أن لا يأخذ وإذا لم يأخذه فهو غير آخذ فأبطل إقراره بأن لا حق له فيما قضى له به من الحق ودلالة على أن الحكم على الناس يجيء على نحو ما يسمع منهم مما لفظوا به وإن كان قد يمكن أن يكون نياتهم أو غيبهم غير ذلك لقوله " فمن قضيت له فلا يأخذ " إذ القضاء عليهم إنما هو بما لفظوا به لا بما غاب عنه. وقد وكلهم فيما غاب عنه منهم بنية أو قول إلى أنفسهم ودلالة على أنه لا يحل لحاكم أن يحكم على أحد إلا بما لفظ وأن لا يقضي عليه بشيء مما غيب الله تعالى عنه من أمره من نية أو سبب أو ظن أو تهمة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " على نحو ما أسمع منه " وإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من قضيت له فلا يأخذه أن القضاء على ما يسمع منهما وإنه قد يكون في الباطن عليهما غير ما قضى عليهما بما لفظا به قضى بما سمع ووكلهم فيما غاب إلى أنفسهم فمن قضى بتوهم منه على سائله أو بشيء يظن أنه خلق به أو بغير ما سمع من السائلين فخلاف كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - قضى لأن الله عز وجل استأثر بعلم الغيب وادعى هذا علمه ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بما سمع وأخبر أن قد يكون غيبهم غير ظاهرهم لقوله «فمن قضيت له بشيء فلا يأخذه» ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    أولى الناس بعلم هذا لموضعه الذي وضعه الله تعالى به وكرامته التي اختصه الله تعالى بها من النبوة ونزول الوحي عليه فوكلهم في غيبهم إلى أنفسهم وادعى هذا علمه ومثل هذا قضاؤه لعبد بن زمعة بالولد وقوله لسودة «احتجبي منه» عندما رأى شبها بينا فقضى بالظاهر وهو فراش زمعة ودلالة على أنه من أخذ من مال مسلم شيئا فإنما يقطع لنفسه قطعة من النار والفيء مال المسلمين فقياسا على هذا أن من أعطى أحدا منه شيئا لم يكن مستأهلا له ولم يكن حقا له فهو آخذ من مال المسلمين وكلهم أكثر حرمة من واحدهم فإنما أخذ قطعة من النار ومتى ظفر بماله أو بمن يحكم عليه أخذ من ماله بقدر ما أخذ منه مما لم يكن مستأهلا له ولم يكن حقا له فوضع في بيت مال المسلمين.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن بشر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر» قال يزيد فحدث بهذا الحديث أبا بكر بن حزم فقال: هكذا حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومعنى الاجتهاد من الحاكم إنما يكون بعد أن لا يكون فيما يرد القضاء في كتاب ولا سنة ولا أمر مجتمع عليه فأما وشيء من ذلك موجود فلا. فإن قيل فمن أين قلت هذا وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهره الاجتهاد؟ قيل له أقرب ذلك «قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل كيف تقضي؟ قال بكتاب الله عز وجل قال فإن لم يكن؟ قال فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فإن لم يكن قال أجتهد رأيي قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحب رسول الله» فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الاجتهاد بعد أن لا يكون كتاب الله ولا سنة رسوله. ولقول الله عز وجل {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} وما لم أعلم فيه مخالفا من أهل العلم ثم ذلك موجود في قوله إذا اجتهد لأن الاجتهاد ليس بعين قائمة وإنما هو شيء يحدثه من قبل نفسه فإذا كان هذا هكذا فكتاب الله والسنة والإجماع أولى من رأي نفسه ومن قال الاجتهاد أولى خالف الكتاب والسنة برأيه ثم هو مثل القبلة التي من شهد مكة في موضع يمكنه رؤية البيت بالمعاينة لم يجز له غير معاينتها ومن غاب عنها توجه إليها باجتهاده فإن قيل فما الحجة في أنه ليس للحاكم أن يجتهد على غير كتاب ولا سنة وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد الحاكم " وقال معاذ أجتهد رأيي ورضي بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي ولم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد على الكتاب والسنة؟ قيل لقول الله عز وجل {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} فجعل الناس تبعا لهما ثم لم يهملهم ولقول الله عز وجل {اتبع ما أوحي إليك من ربك} ولقوله {من يطع الرسول فقد أطاع الله} ففرض علينا اتباع رسوله فإذا كان الكتاب والسنة هما الأصلان اللذان افترض الله عز وجل لا مخالف فيهما وهما عينان ثم قال " إذا اجتهد " فالاجتهاد ليس بعين قائمة إنما هو شيء يحدثه من نفسه ولم يؤمر باتباع نفسه إنما أمر باتباع غيره فإحداثه على الأصلين اللذين افترض الله عليه أولى به من إحداثه على غير أصل أمر باتباعه وهو رأي نفسه ولم يؤمر باتباعه فإذا كان الأصل أنه لا يجوز له أن يتبع نفسه وعليه أن يتبع غيره والاجتهاد شيء يحدثه من عند نفسه والاستحسان يدخل على قائله كما يدخل على من اجتهد على غير كتاب ولا سنة ومن قال هذين القولين قال قولا عظيما لأنه وضع نفسه في رأيه واجتهاده واستحسانه على غير كتاب ولا سنة موضعهما في أن يتبع رأيه كما اتبعا. وفي أن رأيه أصل ثالث أمر الناس باتباعه وهذا خلاف كتاب الله عز وجل لأن الله تبارك وتعالى إنما أمر بطاعته وطاعة رسوله وزاد قائل هذا القول رأيا آخر على حياله بغير حجة له في كتاب ولا سنة ولا أمر مجتمع عليه ولا أثر فإذا كانا موجودين فهما الأصلان وإذا لم يكونا موجودين فالقياس عليهما لا على غيرهما. فإن قال قائل: فأين هذا قيل مثل الكعبة من رآها صلى إليها ومن غاب عنها توجه إليها بالدلائل عليها لأنها الأصل فإن صلى غائبا عنها برأي نفسه بغير اجتهاد بالدلائل عليها كان مخطئا وكانت عليه الإعادة، وكذلك الاجتهاد فمن اجتهد على الكتاب والسنة فذلك. ومن اجتهد على غير الكتاب والسنة كان مخطئا. ومثل قول الله تعالى {فجزاء مثل ما قتل من النعم} والمثل للمقتول وقد يكون غائبا فإنما يجتهد على أصل الصيد المقتول فينظر إلى أقرب الأشياء به شبها فيهديه. وفي هذا دليل على أن الله عز وجل لم يبح الاجتهاد إلا على الأصول لأنه عز وجل إنما أمر بمثل ما قتل فأمر بالمثل على الأصل ليس على غير أصل. ومثل أذان ابن أم مكتوم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت فلو جاز الاجتهاد على غير أصل لجاز لابن أم مكتوم أن يؤذن بغير إخبار غيره له أن الفجر قد طلع. ولكن لما لم يكن فيه آلة الاجتهاد على الأصل لم يجز اجتهاده حتى يخبره من قد اجتهد على الأصل وفي إخباره على غير اجتهاد على الأصل أن الفجر قد طلع تحريم الأكل الذي هو حلال لي وتحليل الصلاة التي هي حرام علي أن أصليها إلا في وقتها وفي إخبار الحاكم على غير أصل لرجل له أربع نسوة أن واحدة قد حرمت عليه تحريم امرأة كانت له وتحليل الخامسة له فيكون كل واحد من هؤلاء وقد أحل وحرم برأي نفسه ولجاز أن يجتهد الأعمى فيصلي برأيه ولا رأي له ولجاز أن يصلي الأعمى ولا يدري قد أحل وحرم برأي نفسه ولجاز أن يجتهد الأعمى فيصلي برأيه ولا رأي له ولجاز أن يصلي الأعمى ولا يدري أزالت الشمس أم لا؟ برأي نفسه ولجاز أن يصوم رمضان برأي نفسه أن الهلال قد طلع ولجاز إذا كانت دلائل القبلة أن يدع الرجل النظر إليها والاجتهاد عليها ويعمل في ذلك برأي نفسه على غير أصل كما إذا كان الكتاب والسنة موجودين فآمره يترك الدلائل وآمره يجتهد برأيه وهذا خلاف كتاب الله عز وجل لقوله تبارك وتعالى {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} ولقوله عز وجل: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ولقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «صوموا لرؤيته» ولصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الزوال ولكان إذا يجوز لكل أحد علم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو لم يعلمهما أن يجتهد فيما ليس فيه كتاب ولا سنة برأيه بغير قياس عليهما لأنه إذا جاز له أن يجتهد على غير كتاب ولا سنة فلا يعدو أن يصيب أو يخطئ وليس ذلك منه على الأصول التي أمر باتباعها فيكون إذا اجتهد عليها مؤديا لفرضه فقد أباح لكل من لم يعلم الكتاب والسنة وجهلهما أن يكون رأي نفسه وإن كان أجهل الناس كلهم فيما ليس فيه كتاب ولا سنة مثل رأي من علم الكتاب والسنة لأنه إذا كان أصله أن من علمهما واجتهد على غيرهما جاز له فما معنى من علمهما ومن لم يعلمهما في موضع الاجتهاد إذا كان على غيرهما إلا سواء؟ غير أن الذي علمهما يفضل الذي لم يعلمهما بما نصا فقط فأما بموضع الاجتهاد فقد سوى بينهما فكان قد جعل العالمين والجاهلين في درك علم ما ليس فيه كتاب ولا سنة سواء فكان للجاهلين إذا نزل بهم شيء من جهة القياس بما يستدرك قياسا أن يكون هو فيه والعالم سواء وأن يقتدي برأي نفسه لأنه إذا كان العالم عنده إنما يعمل في ذلك على غير أصل فأكثر حالات الجاهل أن يعمل على غير أصل فاستويا في هذا المعنى ولكان كل من رأى رأيا فاستحسنه جاهلا كان أو عالما جاز له إذا لم يكن في ذلك كتاب ولا سنة وليس كل العلم يوجد فيه كتاب وسنة نصا وكان قد جعل رأي كل أحد من الآدميين الجاهل والعالم
    منهم أصلا يتبع كما تتبع السنة لأنه إذا أجاز الاجتهاد على غير أصل لم يزل ذلك به في نفسه ورآه حقا له وجب عليه أن يأمر الناس باتباع الحق وهذا خلاف القرآن لأن الله عز وجل فرض عليهم فيه اتباعه واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - وزاد قائل هذا واتباع نفسك فأقام الناس في هذا الموضع مقاما عظيما بغير شيء جعله الله تعالى لهم ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن قيل فقد «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - سعدا أن يحكم في بني قريظة فحكم برأيه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وافقت حكم الله عز وجل فيهم» ففي هذا دليل على أنه إنما قال برأيه فوافق الحكم على غير أصل كان عنده من النبي - صلى الله عليه وسلم - «وأن قوما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج لهم حوت من البحر ميت فأكلوه ثم سألوا عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال هل بقي معكم من لحمه شيء؟» ففي هذا دليل على أنهم إنما أكلوه يومئذ برأي أنفسهم وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث عماله وسراياه ويأمر الناس بطاعتهم ما أطاعوا الله وقد فعل بعضهم شيئا في بعض مغازيهم فكره ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الرجل الذي لاذ بالشجرة فأحرقوه والذي أمر الرجل أن يلقي نفسه في النار والذي جاء بالهدية وكل هذا فعلوه برأيهم فكره ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرجل الذي قال أسلمت لله فقتل فكره ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قيل له فما احتججت من هذا يشبه أنه لنا دونك. أما أولا، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسراياه وأمرائه بطاعة الله عز وجل ورسوله واتباعهما وأمره من أمر عليهم أمراء أن يطيعوهم ما أطاعوا الله فإذا عصوا الله عز وجل فلا طاعة لهم عليهم ففي نفس ما احتججت به أنه إنما أمر الناس بطاعة الله وطاعة أمرائهم إذا كانوا مطيعين لله فإذا عصوا فلا طاعة لهم عليكم وفيه أنه كره لهم كل شيء فعلوه برأي أنفسهم من الحرق والقتل وأباح لهم كل ما عملوه مطيعين فيه لله ولرسوله فلو لم يكن لنا حجة في رد الاجتهاد على غير أصل إلا ما احتججت به أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره لهم ونهاهم عن كل أمر فعلوه برأي أنفسهم لكان لنا فيه كفاية وإن قيل فقد أجاز رأي سعد في بني قريظة ورأي الذين أكلوا الحوت على غير أصل. قيل أجازه لصوابه كما يجيز رأي كل من رأى ممن يعلم أو لا يعلم إذا كان بحضرته من يعلم خطأه وصوابه فيجيزه من يعلم ذلك منه إذا أصاب الحق بمعنى إجازته له أنه الحق لا بمعنى رأي نفسه منفردا دون علمك لأن رأي ذي الرأي على غير أصل قد يصيب وقد يخطئ ولم يؤمر الناس أن يتبعوا إلا كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي قد عصمه الله من الخطأ وبرأه منه فقال تعالى {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} فأما من كان رأيه خطأ أو صوابا فلا يؤمر أحد باتباعه ومن قال للرجل يجتهد برأيه فيستحسن على غير أصل فقد أمر باتباع من يمكن منه الخطأ وأقامه مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي فرض الله اتباعه فإن كان قائل هذا ممن يعقل ما تكلم به فتكلم به بعد معرفة هذا فأرى للإمام أن يمنعه وإن كان غبيا علم هذا حتى يرجع.
    فإن قيل فما معنى قوله له احكم قيل مثل قوله عز وجل {وشاورهم في الأمر} على معنى استطابة أنفس المستشارين أو المستشار منهم والرضا بالصلح على ذلك ووضع الحرب بذلك السبب لا أن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجة إلى مشورة أحد والله عز وجل يؤيده بنصره بل لله ورسوله المن والطول على جميع الخلق وبجميع الخلق الحاجة إلى الله عز وجل فيحتمل أن يكون قوله - صلى الله عليه وسلم - له احكم على هذا المعنى وأن يكون قد علم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة في مثل هذا فحكم على مثلها أو يحكم فيوفقه الله تعالى ذكره لأمر رسوله فيعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صواب ذلك فيقره عليه أو يعرف غير ذلك فيعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
    ذلك بطاعة الله عز وجل فإن قيل فيحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قد يخطئ؟ قيل نعم ولا يبرأ أحد من الآدميين من الخطأ إلا الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين كما ولى أمراء ففعل بعضهم بعض ما كره برأيه على معنى الاحتياط منهم للدين فردهم في ذلك إلى طاعة الله عز وجل وأجاز لهم ما عملوا من طاعة الله لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يجوز هذا من سنته لأن الله عز وجل اختصه بوحيه وانتخبه لرسالته فما كان من أمر من أحد أمرائه أقرهم عليه فبطاعة الله عز وجل أقرهم وما كره لهم بأن كانوا فعلوه طلب طاعة الله عز وجل فبطاعة الله كره لهم وليس يعلم مثل هذا من رأى أحد صوابه من خطئه أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجوز لأحد أن يقول برأيه لأنه لا مبين لرأيه أصواب هو أم خطأ وإنما على الناس أن يتبعوا طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وإذا غبي علمهما على أحد فالدلائل عليهما لأنهما اللذان رضي الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لعباده وأمروا باتباعه - صلى الله عليه وسلم - فإن قيل فقد أكلوا الحوت بغير حضور النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا أصل عندهم؟ قيل لموضع الضرورة والحاجة إلى أكله على أنهم ليسوا على يقين من حله. ألا ترى أنهم سألوا عن ذلك أو لا ترى أن أصحاب أبي قتادة في الصيد الذي صاده إذ لم يكن بهم ضرورة إلى أكله أمسكوا إذ لم يكن عندهم أصل حتى سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟
    مشاورة القاضي

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أحب للقاضي أن يشاور ولا يشاور في أمره إلا عالما بكتاب وسنة وآثار وأقاويل الناس وعاقلا يعرف القياس ولا يحرف الكلام ووجوهه ولا يكون هذا في رجل حتى يكون عالما بلسان العرب ولا يشاوره إذا كان هذا مجتمعا فيه حتى يكون مأمونا في دينه لا يقصد إلا قصد الحق عنده ولا يقبل ممن كان هكذا عنده شيئا أشار به عليه على حال حتى يخبره أنه أشار به من خبر يلزم وذلك كتاب أو سنة أو إجماع أو من قياس على أحدهما ولا يقبل منه وإن قال هذا له حتى يعقل منه ما يعقل فيقفه عليه فيعرف منه معرفته ولا يقبله منه وإن عرفه هكذا حتى يسأل هل له وجه يحتمل غير الذي قال؟ فإن لم يكن له وجه يحتمل غير الذي قال أو كانت سنة فلم يختلف في روايتها قبله وإن كان للقرآن وجهان أو كانت سنة رويت مختلفة أو سنة ظاهرها يحتمل وجهين لم يعمل بأحد الوجهين حتى يجد دلالة من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على أن الوجه الذي عمل به هو الوجه الذي يلزمه والذي هو أولى به من الوجه الذي تركه وهكذا يعمل في القياس لا يعمل بالقياس أبدا حتى يكون أولى بالكتاب أو السنة أو الإجماع أو أصح في المصدر من الذي ترك ويحرم عليه أن يعمل بغير هذا من قوله استحسنت لأنه إذا أجاز لنفسه استحسنت أجاز لنفسه أن يشرع في الدين وغير جائز له أن يقلد أحدا من أهل دهره وإن كان أبين فضلا في العقل والعلم منه ولا يقضي أبدا إلا بما يعرف وإنما أمرته بالمشورة لأن المشير ينبهه لما يغفل عنه ويدله من الأخبار على ما لعله أن يجهله. فأما أن يقلد مشيرا فلم يجعل الله هذا لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا اجتمع له علماء من أهل زمانه أو افترقوا فسواء ذلك كله لا يقبله إلا تقليدا لغيرهم من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس يدلونه عليه حتى يعقله كما عقلوه فإن لم يكن في عقله ما إذا عقل القياس عقله وإذا سمع الاختلاف ميزه فلا ينبغي له

    أن يقضي ولا ينبغي لأحد أن يستقضيه وينبغي له أن يتحرى أن يجمع المختلفين لأنه أشد لتقصيه العلم وليكشف بعضهم على بعض، يعيب بعضهم قول بعض حتى يتبين له أصح القولين على التقليد أو القياس.
    حكم القاضي

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا حكم القاضي بحكم ثم رأى الحق في غيره فإن رأى الحق في الحادث بأنه كان خالف في الأول كتابا أو سنة أو إجماعا أو أصح المعنيين فيما احتمل الكتاب أو السنة نقض قضاءه الأول على نفسه وكل ما نقض على نفسه نقضه على من قضى به إذا رفع إليه ولم يقبله ممن كتب به إليه، وإن كان إنما رأى قياسا محتملا أحسن عنده من شيء قضى به من قبل والذي قضى به قبل يحتمل القياس ليس الآخر بأبين حتى يكون الأول خطأ في القياس يستأنف الحكم في القضاء الآخر بالذي رأى آخرا ولم ينقض الأول وما لم ينقضه على نفسه لم ينقضه على أحد حكم به قبله ولا أحب له أن يكون منفذا له وإن كتب به إليه قاض غيره لأنه حينئذ مبتدئ الحكم فيه ولا يبتدئ الحكم بما يرى غيره أصوب منه، وليس على القاضي أن يتعقب حكم من كان قبله فإن تظلم محكوم عليه قبله نظر فيما تظلم فيه فإن وجده قضى عليه بما وصفت في المسألة الأولى من خلاف كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس فهذا خطأ يرده عليه لا يسعه غيره وإن لم يكن خلاف واحد من هؤلاء أو كان يراه باطلا بأن قياسا عنده أرجح منه وهو يحتمل القياس لم يرده لأنه إذا احتمل المعنيين معا فليس يرده من خطأ بين إلى صواب بين كما يرده في خلاف الكتاب أو السنة أو الإجماع من خطأ بين إلى صواب بين
    (قال): وإذا تناقد الخصمان بينتهما وحجتهما عند القاضي ثم مات أو عزل أو ولي غيره لم يحكم حتى يعيدا عليه حجتهما وبينتهما ثم يحكم وينبغي أن يخفف في المسألة عن بينتهما إن كانوا ممن يسأل عنه وهكذا شهوده يعيد تعديلهم ويخفف في المسألة ويوجزها لئلا تطول
    ويحب للقاضي والوالي أن يولي الشراء له والبيع رجلا مأمونا غير مشهور بأنه يبيع له ولا يشتري خوف المحاباة بالزيادة له فيما اشترى منه أو النقص فيما اشترى له فإن هذا من مآكل كثير من الحكام وإن لم يفعل لم أفسد له شراء ولا بيعا إلا أن يستكره أحدا على ذلك إلا بما أفسد به شراء السوقة
    (قال): ولا أحب لحاكم أن يتخلف عن الوليمة إذا دعي لها ولا أحب له أن يجيب وليمة بعض ويترك بعضا إما أن يجيب كلا أو يترك كلا ويعتذر ويسألهم أن يحللوه ويعذروه ويعود المرضى ويشهد الجنائز ويأتي الغائب عند قدومه ومخرجه.
    (قال): وإذا تحاكم إلى القاضي أعجمي لا يعرف لسانه لم يقبل الترجمة عنه إلا بشاهدين عدلين يعرفان ذلك اللسان لا يشكان فيه فإن شكا لم يقبل ذلك عنهما وأقام ذلك مقام الشهادة فيقبل فيه ما يقبل في الشهادة ويرد فيه ما يرد فيها.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #271
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (271)
    صــــــــــ 221 الى صـــــــــــ 226








    مسائل القاضي وكيف العمل عند شهادة الشهود.


    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد الشهود عند القاضي فإن كانوا مجهولين كتب حلية كل واحد منهم ورفع في نسبه إن كان له نسب أو ولائه إن كان يعرف له ولاء. وسأله عن صناعته إن

    كان له صناعة وعن كنيته إن كان يعرف بكنية وعن مسكنه وموضع بياعاته ومصلاه. وأحب له إن كان الشهود ليسوا ممن يعرف بالحال الحسنة المبرزة والعقل معها أن يفرقهم ثم يسأل كل واحد منهم على حدته عن شهادته واليوم الذي شهد فيه والموضع الذي شهد فيه ومن حضره وهل جرى ثم كلام. ثم يثبت ذلك كله وهكذا أحب إن كان ثم حال حسنة ولم يكن سديد العقل أن يفعل به هذا ويسأل من كان معه في الشهادة على مثل حاله عن مثل ما يسأل ليستدل على عورة إن كانت في شهادته أو اختلاف إن كان في شهادته وشهادة غيره فيطرح من ذلك ما لزمه طرحه ويلزم ما لزمه إثباته وإن جمع الحال الحسنة والعقل لم يقفه ولم يفرقهم، وأحب للقاضي أن يكون أصحاب مسائله جامعين للعفاف في الطعمة والأنفس وافري العقول برآء من الشحناء بينهم وبين الناس أو الحيف على أحد بأن يكونوا من أهل الأهواء والعصبية والمماطلة للناس وأن يكونوا جامعين للأمانة في أديانهم وأن يكونوا أهل عقول لا يتغفلون بأن يسألوا الرجل عن عدوه ليخفي حسنا ويقول قبيحا فيكون ذلك جرحا عندهم أو يسألوه عن صديقه فيخفي قبيحا ويقول حسنا فيكون ذلك تعديلا عندهم.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويحرص الحاكم على أن لا يعرف له صاحب مسألة فيحتال له. (قال): وأرى أن يكتب لأهل المسائل صفات الشهود على ما وصفت وأسماء من شهدوا له ومن شهدوا عليه وقدر ما شهدوا فيه ثم لا يسألون أحدا عنهم حتى يخبره بمن شهدوا له، وشهدوا عليه وقدر ما شهدوا فيه فإن المسئول عن الرجل قد يعرف ما لا يعرف الحاكم من أن يكون الشاهد عدوا للمشهود عليه أو حنقا عليه أو شريكا فيما شهد فيه وتطيب نفسه على تعديله في اليسير ويقف في الكثير، ولا يقبل تعديله إلا من اثنين ولا المسألة عنه إلا من اثنين ويخفي على كل واحد منهما أسماء من دفع إلى الآخر لتتفق مسألتهما أو تختلف فإن اتفقت بالتعديل قبلها وإن اختلفت أعادها مع غيرهما فإن عدل رجل وجرح لم يقبل الجرح إلا من شاهدين وكان الجرح أولى من التعديل لأن التعديل يكون على الظاهر والجرح يكون على الباطن.

    (قال): ولا يقبل الجرح من أحد من خلق الله فقيه عاقل دين ولا غيره إلا بأن يقفه على ما يجرحه به فإذا كان ذلك مما يكون جرحا عند الحاكم قبله منه وإذا لم يكن جرحا عنده لم يقبله فإن الناس يختلفون ويتباينون في الأهواء فيشهد بعضهم على بعض بالكفر فلا يجوز لحاكم أن يقبل من رجل وإن كان صالحا أن يقول لرجل ليس بعدل ولا رضا ولعمري إن من كان عنده كافرا لغير عدل، وكذلك يسمى بعضهم بعضا على الاختلاف بالفسق والضلال فيجرحونهم فيذهب من يذهب إلى أن أهل الأهواء لا تجوز شهادتهم فيجرحونهم من هذا المعنى وليس هذا بموضع جرح لأحد، وكذلك من يجرح من يستحل بعض ما يحرم هو من نكاح المتعة ومن إتيان النساء في أدبارهن وأشباه ذلك مما لا يكون جرحا عند أهل العلم فلا يقبل الجرح إلا بالشهادة من الجارح على المجروح وبالسماع أو بالعيان كما لا يقبلها عليه فيما لزمه من الحق وأكثر من نسب إلى أن تجوز شهادته بغيا حتى يعتد اليسير الذي لا يكون جرحا لقد حضرت رجلا صالحا يجرح رجلا مستهلا بجرحه فألح عليه بأي شيء تجرحه؟ فقال ما يخفى على ما تكون الشهادة به مجروحة فلما قال له الذي يسأله عن الشهادة لست أقبل هذا منك إلا أن تبين قال رأيته يبول قائما قال وما بأس بأن يبول قائما؟ قال ينضح على ساقيه ورجليه وثيابه ثم يصلي قبل أن ينقيه قال أفرأيته فعل فصلى قبل أن ينقيه وقد نضح عليه؟ قال لا ولكني أراه سيفعل. وهذا الضرب كثير في العالمين والجرح خفي فلا يقبل لخفائه ولما وصفت من الاختلاف إلا بتصريح الجارح ولا يقبل التعديل إلا بأن يوقفه المعدل عليه فيقول عدل علي ولي ثم لا يقبل ذلك هكذا

    حتى يسأله عن معرفته به فإن كانت معرفته به باطنة متقادمة قبل ذلك منه وإن كانت معرفته به ظاهرة حادثة لم يقبل ذلك منه.

    ما تجوز به شهادة أهل الأهواء

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ذهب الناس من تأويل القرآن والأحاديث أو من ذهب منهم إلى أمور اختلفوا فيها فتباينوا فيها تباينا شديدا واستحل فيها بعضهم من بعض ما تطول حكايته وكان ذلك منهم متقادما منه ما كان في عهد السلف وبعدهم إلى اليوم فلم نعلم أحدا من سلف هذه الأمة يقتدى به ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله ورآه استحل فيه ما حرم عليه ولا رد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من القول وذلك أنا وجدنا الدماء أعظم ما يعصى الله تعالى بها بعد الشرك ووجدنا متأولين يستحلونها بوجوه وقد رغب لهم نظراؤهم عنها وخالفوهم فيها ولم يردوا شهادتهم بما رأوا من خلافهم فكل مستحل بتأويل من قول أو غيره فشهادته ماضية لا ترد من خطأ في تأويله وذلك أنه قد يستحل من خالفه الخطأ إلا أن يكون منهم من يعرف باستحلال شهادة الزور على الرجل لأنه يراه حلال الدم أو حلال المال فترد شهادته بالزور أو يكون منهم من يستحل أو يرى الشهادة للرجل إذا وثق به فيحلف له على حقه ويشهد له بالبت ولم يحضره ولم يسمعه فترد شهادته من قبل استحلاله الشهادة بالزور أو يكون منهم من يباين الرجل المخالف له مباينة العداوة له فترد شهادته من جهة العداوة فأي هذا كان فيهم أو في غيرهم ممن لا ينسب إلى هوى رددت شهادته وأيهم سلم من هذا أجزت شهادته وشهادة من يرى الكذب شركا بالله أو معصية له يوجب عليها النار أولى أن تطيب النفس عليها من شهادة من يخفف المأثم عليها.

    وكذلك إذا كانوا مما يشتم قوما على وجه تأويل في شتمهم لا على وجه العداوة وذلك أنا إذا أجزنا شهادتهم على استحلال الدماء كانت شهادتهم بشتم الرجال أولى أن لا ترد لأنه متأول في الوجهين والشتم أخف من القتل فأما من يشتم على العصبية أو العداوة لنفسه أو على ادعائه أن يكون مشتوما مكافئا بالشتم فهذه العداوة لنفسه وكل هؤلاء ترد شهادته عمن شتمه على العداوة. وأما الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث فيقول كفوا عن حديثه ولا تقبلوا حديثه لأنه يغلط أو يحدث بما لم يسمع، وليست بينه وبين الرجل عداوة فليس هذا من الأذى الذي يكون به القائل لهذا فيه مجروحا عنه لو شهد بهذا عليه إلا أن يعرف بعداوة له فترد بالعداوة لا بهذا القول، وكذلك إن قال إنه لا يبصر الفتيا ولا يعرفها فليس هذا بعداوة ولا غيبة إذا كان يقوله لمن يخاف أن يتبعه فيخطئ باتباعه وهذا من معاني الشهادات وهو لو شهد عليه بأعظم من هذا لم يكن هذا غيبة إنما الغيبة أن يؤذيه بالأمر لا بشهادته لأحد يأخذ به منه حقا في حد ولا قصاص ولا عقوبة ولا مال ولا حد لله ولا مثل ما وصفت من أن يكون جاهلا بعيوبه فينصحه في أن لا يغتر به في دينه إذا أخذ عنه من دينه من لا يبصره فهذا كله معاني الشهادات التي لا تعد غيبة

    (قال): والمستحل لنكاح المتعة والمفتي بها والعامل بها ممن لا ترد شهادته، وكذلك لو كان موسرا فنكح أمة مستحلا لنكاحها مسلمة أو مشركة

    لأنا نجد من مفتي الناس وأعلامهم من يستحل هذا وهكذا المستحل الدينار بالدينارين والدرهم بالدرهمين يدا بيد والعامل به لأنا نجد من أعلام الناس من يفتي به ويعمل به ويرويه، وكذلك المستحل لإتيان النساء في أدبارهن فهذا كله عندنا مكروه محرم وإن خالفنا الناس فيه فرغبنا عن قولهم ولم يدعنا هذا إلى أن نجرحهم ونقول لهم إنكم حللتم ما حرم الله وأخطأتم لأنهم يدعون علينا الخطأ كما ندعيه عليهم وينسبون من قال قولنا إلى أنه حرم ما أحل الله عز وجل.

    شهادة أهل الأشربة

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): من شرب من الخمر شيئا وهو يعرفها خمرا، والخمر: العنب الذي لا يخالطه ماء ولا يطبخ بنار ويعتق حتى يسكر هذا مردود الشهادة لأن تحريمها نص في كتاب الله عز وجل سكر أو لم يسكر ومن شرب ما سواها من الأشربة من المنصف والخليطين أو مما سوى ذلك مما زال أن يكون خمرا وإن كان يسكر كثيره فهو عندنا مخطئ بشربه آثم به ولا أرد به شهادته وليس بأكثر مما أجزنا عليه شهادته من استحلال الدم المحرم عندنا والمال المحرم عندنا والفرج المحرم عندنا ما لم يكن يسكر منه فإذا سكر منه فشهادته مردودة من قبل أن السكر محرم عند جميع أهل الإسلام إلا أنه قد حكي لي عن فرقة أنها لا تحرمه وليست من أهل العلم فإذا كان الرجل المستحل للأنبذة يحضرها مع أهل السفه الظاهر ويترك لها الحضور للصلوات وغيرها وينادم عليها ردت شهادته بطرحه المروءة وإظهاره السفه، وأما إذا لم يكن ذلك معها لم ترد شهادته من قبل الاستحلال.

    شهادة أهل العصبية

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): من أظهر العصبية بالكلام فدعا إليها وتألف عليها وإن لم يكن يشهر نفسه بقتال فيها فهو مردود الشهادة لأنه أتى محرما لا اختلاف بين علماء المسلمين علمته فيه الناس كلهم عباد الله تعالى لا يخرج أحد منهم من عبوديته وأحقهم بالمحبة أطوعهم له وأحقهم من أهل طاعته بالفضيلة أنفعهم لجماعة المسلمين من إمام عدل أو عالم مجتهد أو معين لعامتهم وخاصتهم وذلك أن طاعة هؤلاء طاعة عامة كثيرة فكثير الطاعة خير من قليلها وقد جمع الله تعالى الناس بالإسلام ونسبهم إليه فهو أشرف أنسابهم.

    (قال): فإن أحب امرؤ فليحب عليه وإن خص امرؤ قومه بالمحبة ما لم يحمل على غيرهم ما ليس يحل له فهذا صلة ليست بعصبية وقل امرؤ إلا وفيه محبوب ومكروه فالمكروه في محبة الرجل من هو منه أن يحمل على غيره ما حرم الله تعالى عليه من البغي والطعن في النسب والعصبية والبغضة على النسب لا على معصية الله ولا على جناية من المبغض على المبغض ولكن بقوله أبغضه لأنه من بني فلان فهذه العصبية المحضة التي ترد بها الشهادة فإن قال قائل ما الحجة في هذا؟ قيل له: قال الله تبارك وتعالى: {إنما المؤمنون إخوة} وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وكونوا عباد الله إخوانا»، فإذا صار رجل إلى خلاف أمر الله تبارك وتعالى اسمه وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا سبب يعذر به يخرج به من العصبية كان مقيما على معصية لا تأويل فيها ولا اختلاف بين المسلمين فيها ومن أقام على مثل هذا كان حقيقا أن يكون مردود الشهادة.

    شهادة الشعراء

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): الشعر كلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام غير أنه كلام باق سائر فذلك فضله على الكلام فمن كان من الشعراء لا يعرف بنقص المسلمين وأذاهم والإكثار من ذلك، ولا بأن يمدح فيكثر الكذب لم ترد شهادته. ومن أكثر الوقيعة في الناس على الغضب أو الحرمان حتى يكون ذلك ظاهرا كثيرا مستعلنا، وإذا رضي مدح الناس بما ليس فيهم حتى يكون ذلك كثيرا ظاهرا مستعلنا كذبا محضا ردت شهادته بالوجهين، وبأحدهما لو انفرد به، وإن كان إنما يمدح فيصدق، ويحسن الصدق أو يفرط فيه بالأمر الذي لا يمحض أن يكون كذبا لم ترد شهادته، ومن شبب بامرأة بعينها ليست ممن يحل له وطؤها حين شبب فأكثر فيها وشهرها وشهر مثلها بما يشبب، وإن لم يكن زنى ردت شهادته، ومن شبب فلم يسم أحدا لم ترد شهادته لأنه يمكن أن يشبب بامرأته، وجاريته، وإن كان يسأل بالشعر أو لا يسأل به فسواء. وفي مثل معنى الشعر في رد الشهادة من مزق أعراض الناس، وسألهم أموالهم فإذا لم يعطوه إياها شتمهم.

    فأما أهل الرواية للأحاديث التي فيها مكروه على الناس فيكره ذلك لهم، ولا ترد شهادتهم لأن أحدا قلما يسلم من هذا إذا كان من أهل الرواية فإن كانت تلك الأحاديث عضة بحر أو نفي نسب ردت بذلك شهادتهم إذا أكثروا روايتها أو عمدوا أن يرووها فيحدثوا بها، وإن لم يكثروا.

    وأما من روى الأحاديث التي ليست بمحض الصدق ولا بيان الكذب، وإن كان الأغلب منها أنها كذب فلا ترد الشهادة بها، وكذلك رواية أهل زمانك من الإرجاف، وما أشبهه

    وكذلك المزاح لا ترد به الشهادة ما لم يخرج في المزاح إلى عضة النسب أو عضة بحر أو فاحشة فإذا خرج إلى هذا، وأظهره كان مردود الشهادة.

    شهادة أهل اللعب

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): يكره من، وجه الخير اللعب بالنرد أكثر مما يكره اللعب بشيء من الملاهي، ولا نحب اللعب بالشطرنج، وهو أخف من النرد، ويكره اللعب بالحزة، والقرق، وكل ما لعب الناس به لأن اللعب ليس من صنعة أهل الدين ولا المروءة. ومن لعب بشيء من هذا على الاستحلال له لم ترد شهادته والحزة تكون قطعة خشب فيها حفر يلعبون بها إن غفل به عن الصلوات فأكثر حتى تفوته ثم يعود له حتى تفوته رددنا شهادته على الاستخفاف بمواقيت الصلاة كما نردها لو كان جالسا فلم يواظب على الصلاة من غير نسيان ولا غلبة على عقل. فإن قيل فهو لا يترك الصلاة حتى يخرج وقتها للعب إلا وهو ناس؟ قيل فلا يعود للعب الذي يورث النسيان، وإن عاد له، وقد جربه يورثه ذلك فذلك استخفاف. فأما الجلوس والنسيان فمما لم يجلب على نفسه فيه شيئا إلا حديث النفس الذي لا يمتنع منه أحد، ولا يأثم به، وإن قبح ما يحدث به نفسه، والناس يمتنعون من اللعب. فأما ملاعبة الرجل أهله وإجراؤه الخيل، وتأديبه فرسه، وتعلمه الرمي، ورميه فليس ذلك من اللعب، ولا ينهى عنه. وينبغي للمرء أن لا يبلغ منه، ولا من غيره من تلاوة القرآن، ولا نظر في علم ما يشغله عن الصلاة حتى يخرج

    وقتها، وكذلك لا يتنفل حتى يخرج من المكتوبة لأن المكتوبة أوجب عليه من جميع النوافل.

    شهادة من يأخذ الجعل على الخير

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن القاضي والقاسم والكاتب للقاضي وصاحب الديوان وصاحب بيت المال والمؤذنين لم يأخذوا جعلا، وعملوا محتسبين كان أحب إلي، وإن أخذوا جعلا لم يحرم عليهم عندي، وبعضهم أعذر بالجعل من بعض، وما منهم أحد كان أحب إلي أن يترك الجعل من المؤذنين (قال): ولا بأس أن يأخذ الرجل الجعل عن الرجل في الحج إذا كان قد حج عن نفسه، ولا بأس أن يأخذ الجعل على أن يكيل للناس ويزن لهم، ويعلمهم القرآن والنحو، وما يتأدبون به من الشعر مما ليس فيه مكروه (قال الربيع) سمعت الشافعي يقول لا تأخذ في الأذان أجرة، ولكن خذه على أنه من الفيء.

    شهادة السؤال

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تحرم المسألة في الجائحة تصيب الرجل تأتي على ماله، ولا في حمالة الرجل بالديات والجراحات، ولا في الغرم لأن هذه مواضع ضرورات، وليس فيها كبير سقاطة مروءة. وهكذا لو قطع برجل ببلد فسأل لم أر أن هذا يحرم عليه إذا كان لا يجد المضي منها إلا بمسألة، ولا ترد شهادة أحد بهذا أبدا فأما من يسأل عمره كله أو أكثر عمره أو بعض عمره، وهو غني بغير ضرورة، ولا معنى من هذه المعاني، ويشكو الحاجة فهذا يأخذ ما لا يحل له، ويكذب بذكر الحاجة فترد بذلك شهادته (قال): ومن سأل، وهو فقير لا يشهد على غناه لم تحرم عليه المسألة، وإن كان ممن يعرف بأنه صادق ثقة لم ترد شهادته، وإن كان تغلبه الحاجة، وكانت عليه دلالات أن يشهد بالباطل على الشيء لم تقبل شهادته، وهكذا إن كان غنيا يقبل الصدقة المفروضة من غير مسألة كان قابلا ما لا يحل له فإن كان ذلك يخفى عليه أنه محرم عليه لم ترد شهادته، وإن كان لا يخفى عليه أنه محرم عليه ردت شهادته. فأما غير الصدقة المفروضة يتصدق بها على رجل غني فقبلها فلا يحرم عليه، ولا ترد بها شهادته.

    شهادة القاذف

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): من قذف مسلما حددناه أو لم نحدده لم نقبل شهادته حتى يتوب فإذا تاب قبلنا شهادته فإن كان القذف إنما هو بشهادة لم تتم في الزنا حددناه ثم نظرنا إلى حال المحدود فإن كان من أهل العدل عند قذفه بشهادته قلنا له تب، ولا توبة إلا إكذابه نفسه فإذا أكذب نفسه فقد تاب حد أو لم يحد، وإن أبى أن يتوب، وقد قذف، وسقط الحد عنه بعفو أو غيره مما لا يلزم المقذوف اسم القذف لم تقبل شهادته أبدا حتى يكذب نفسه. وهكذا قال عمر للذين شهدوا على من شهدوا عليه حين حدهم فتاب اثنان فقبل شهادتهما، وأقام الآخر على القذف فلم يقبل شهادته، ومن كانت حاله

    عند القذف بشهادة أو غير شهادة حال من لا تجوز شهادته بأنه غير عدل حد أو لم يحد فسواء، ولا تقبل شهادته حتى تحدث له حال يصير بها عدلا، ويتوب من القيل بما وصفت من إكذابه نفسه، وتجوز شهادة المحدود في القذف إذا تاب على رجل في قذف

    وتجوز شهادة ولد الزنا على رجل في الزنا، وشهادة المحدود في الزنا إذا تاب على الحد في الزنا، وهكذا المقطوع في السرقة، والمقتص منه في الجراح إذا تابوا ليس ههنا إلا أن يكونوا عدولا في كل شيء أو مجروحين في كل شيء إلا ما يشركهم فيه من لا عيب فيه من هذه العيوب فشهدوا فيكونون خصماء أو أظناء أو جارين إلى أنفسهم أو دافعين عنها أو ما ترد به شهادة العدول

    وهكذا تجوز شهادة البدوي على القروي، والقروي على البدوي، والغريب على الآهل، والآهل على الغريب ليس من هذا شيء ترد به الشهادة إذا كانوا كلهم عدولا، وإذا كان معروفا أن الرجلين قد يتبايعان فلا يحضرهما أحد، ويتشاتمان، ولا يحضرهما أحد، ويقتل أحدهما الآخر، ولا يحضرهما أحد فحضور البدوي القروي، والقروي البدوي حتى يشهد على ما رأى، واستشهد عليه جائز، وقد لا يشهد لأنه حاضر يشهد غيره ثم ينتقل المشهد أو يموت أو يطمئن إلى صاحبه فلا يكون له شاهد غير بدوي أو بدويين. وكذلك قد يكون له شهود غيره يغيبون أو يموتون فلا يمنع ذلك البدوي أن تجوز شهادته إذا كان عدلا

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): في الرجل يغني فيتخذ الغناء صناعته يؤتى عليه ويأتي له، ويكون منسوبا إليه مشهورا به معروفا، والمرأة، لا تجوز شهادة واحد منهما؛ وذلك أنه من اللهو المكروه الذي يشبه الباطل، وأن من صنع هذا كان منسوبا إلى السفه وسقاطة المروءة، ومن رضي بهذا لنفسه كان مستخفا، وإن لم يكن محرما بين التحريم، ولو كان لا ينسب نفسه إليه، وكان إنما يعرف بأنه يطرب في الحال فيترنم فيها، ولا يأتي لذلك، ولا يؤتى عليه، ولا يرضى به لم يسقط هذا شهادته، وكذلك المرأة

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): في الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين وكان يجمع عليهما، ويغشى لذلك فهذا سفه ترد به شهادته، وهو في الجارية أكثر من قبل أن فيه سفها ودياثة، وإن كان لا يجمع عليهما ولا يغشى لهما كرهت ذلك له، ولم يكن فيه ما ترد به شهادته

    (قال): وهكذا الرجل يغشى بيوت الغناء، ويغشاه المغنون إن كان لذلك مدمنا، وكان لذلك مستعلنا عليه مشهودا عليه فهي بمنزلة سفه ترد بها شهادته. وإن كان ذلك يقل منه لم ترد به شهادته لما وصفت من أن ذلك ليس بحرام بين.

    فأما استماع الحداء ونشيد الأعراب فلا بأس به قل أو كثر، وكذلك استماع الشعر أخبرنا ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة «عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت: نعم قال: هيه فأنشدته بيتا. فقال: هيه فأنشدته حتى بلغت مائة بيت».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحداء، والرجز، وأمر ابن رواحة في سفره فقال حرك القوم فاندفع يرتجز «، وأدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركبا من بني تميم معهم حاد فأمرهم أن يحدوا، وقال إن حادينا وني من آخر الليل قالوا يا رسول الله نحن أول العرب حداء بالإبل قال وكيف ذلك؟ قالوا كانت العرب يغير بعضها على بعض فأغار رجل منا فاستاق إبلا فتبددت فغضب على غلامه فضربه بالعصا فأصاب يده فقال الغلام: وايداه، وايداه قال فجعلت الإبل تجتمع قال فقال هكذا فافعل قال والنبي - صلى الله عليه وسلم - يضحك فقال ممن أنتم؟ قالوا نحن من مضر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونحن من مضر» فانتسب تلك الليلة حتى بلغ في النسبة إلى مضر




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #272
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (272)
    صــــــــــ 227 الى صـــــــــــ 232




    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فالحداء مثل الكلام، والحديث المحسن باللفظ، وإذا كان هذا هكذا في الشعر كان تحسين الصوت بذكر الله والقرآن أولى أن يكون محبوبا فقد روي عن

    رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما أذن الله لشيء أذنه لنبي حسن الترنم بالقرآن» وأنه «سمع عبد الله بن قيس يقرأ فقال لقد أوتي هذا من مزامير آل داود»

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا بأس بالقراءة بالألحان وتحسين الصوت بها بأي وجه ما كان، وأحب ما يقرأ إلي حدرا وتحزينا

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن تأكدت عليه أنه يغشى الدعوة بغير دعاء من غير ضرورة، ولا يستحل صاحب الطعام فتتابع ذلك منه رددت شهادته لأنه يأكل محرما إذا كانت الدعوة لرجل بعينه. فأما إن كان طعام سلطان أو رجل يتشبه بالسلطان فيدعو الناس إليه فهذا طعام عام مباح، ولا بأس به. ومن كان على شيء مما وصفنا أن الشهادة ترد به فإنما ترد شهادته ما كان عليه فأما إذا تاب ونزع قبلت شهادته

    (قال): وإذا نثر على الناس في الفرح فأخذه بعض من حضر لم يكن هذا مما يجرح به شهادة أحد لأن كثيرا يزعم أن هذا مباح حلال لأن مالكه إنما طرحه لمن يأخذه. فأما أنا فأكرهه لمن أخذه من قبل أنه يأخذه من أخذه، ولا يأخذه إلا بغلبة لمن حضره إما بفضل قوة، وإما بفضل قلة حياء، والمالك لم يقصد به قصده إنما قصد به قصد الجماعة فأكرهه لآخذه لأنه لا يعرف حظه من حظ من قصد به بلا أذية، وأنه خلسة وسخف.

    كتاب القاضي

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وما ينبغي عندي لقاض، ولا لوال من ولاة المسلمين أن يتخذ كاتبا ذميا، ولا يضع الذمي في موضع يتفضل به مسلما. وينبغي أن نعرف المسلمين بأن لا يكون لهم حاجة إلى غير أهل دينهم، والقاضي أقل الخلق بهذا عذرا، ولا ينبغي للقاضي أن يتخذ كاتبا لأمور المسلمين حتى يجمع أن يكون عدلا جائز الشهادة، وينبغي أن يكون عاقلا لا يخدع، ويحرص على أن يكون فقيها لا يؤتى من جهالة، وعلى أن يكون نزها بعيدا من الطمع فإن كتب له عنده في حاجة نفسه وضيعته دون أمر المسلمين فلا بأس، وكذلك لو كتب له رجل غير عدل.

    القسام

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والقسام في هذا بمنزلة ما وصفت من الكتاب لا ينبغي أن يكون القاسم إلا عدلا مقبول الشهادة مأمونا عالما بالحساب أقل ما يكون منه، ولا يكون غبيا يخدع، ولا ممن ينسب إلى الطمع.

    الكتاب يتخذه القاضي في ديوانه

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد الشهود عند القاضي فينبغي أن يكون له نسخة بشهادتهم عنده، وأن يتولى ختمها ورفعها، ويكون ذلك بين يديه، ولا يغيب عنه، ويليه بيديه أو يوليه أحدا بين يديه. وأن لا يفتح الموضع الذي فيه تلك الشهادة إلا بعد نظره إلى خاتمه أو علامة له عليه، وأن لا

    يبعد منه، وأن يترك في يدي المشهود له نسخة تلك الشهادة إن شاء، ولا يختم الشهادة، ويدفعها إلى المشهود له، وليس في يديه نسختها لأنه قد يعمل على الخاتم، ويحرف الكتاب، وإن أغفل، ولم يجعل نسختها عنده، وختم الشهادة، ودفعها إلى المشهود له ثم أحضرها، وعليها خاتمه لم يقبلها إلا أن يكون يحفظها أو يحفظ معناها فإن كان لا يحفظها، ولا معناها فلا يقبلها بالخاتم فقد يغير الكتاب، ويغير الخاتم، وأكره قبوله أيضا توقيعه بيده للشهادة، وإيقاع الكاتب بيده إلا أن يجعل في إيقاعه وإيقاع كاتبه شهد فلان عند القاضي على ما في هذا الكتاب، وهي كذا وكذا دينار لفلان على فلان أو هي دار كذا شهد بها فلان لفلان حتى لا يدع في الشهادة موضعا في الحكم إلا أوقعه بيده فإذا عرف كتابه، وذكر الشهادة أو عرف كتاب كاتبه، وذكر الشهادة جاز له أن يحكم به، وخير من هذا كله أن تكون النسخ كلها عنده فإذا أراد أن يقطع الحكم أخرجها من ديوانه ثم قطع عليه الحكم فإن ضاعت من ديوانه، ومن يدي صاحبها الذي أوقع له فلا يقبلها إلا بشهادة قوم شهدوا على شهادة القوم كتابه كانوا أو غير كتابه

    (قال): وكذلك لو شهد قوم على أنه حكم لرجل، ولا يذكر هو حكمه له فسألوه أن يستأنف حكما جديدا بما شهدوا به عليه لم يكن ذلك لهم لأنهم يشهدون على فعل نفسه، وهو يدفعه، ولكنه يدعه فلا يبطله، ولا يحقه، وإذا رفع ذلك إلى حاكم غيره أجازه كما يجيز الشهادة على حكمه الحاكم الذي يلي بعده لأن غيره لا يعرف منه ما يعرف من نفسه، وإذا جاء الذي يقضي عليه ببينة على أن الحاكم، وهو حاكم أنكر أن يكون حكم بما شهد به هؤلاء عليه، ودفعه فلا ينبغي له أن ينفذه إنما ينفذه إذا علم أنه لم يدفعه.

    كتاب القاضي إلى القاضي

    (قال): ويقبل القاضي كتاب كل قاض عدل، ولا يقبل إلا بشاهدين عدلين، ولا يقبله بشاهدين عدلين حتى يفتحه، ويقرأه عليهما، ويشهدا على ما فيه، وأن القاضي الذي أشهدهما عليه قرأه بحضرتهما أو قرئ عليهما، وقال اشهدا أن هذا كتابي إلى فلان فإذا شهدا على هذا قبله، وإذا لم يشهدا على هذا، ولم يزيدا على أن يقولا هذا خاتمه، وهذا كتابه دفعه إلينا لم يقبله. وقد حضرت قاضيا جاءه كتاب قاض مختوم فشهد عنده شاهدان أن هذا كتاب فلان بن فلان إليك دفعه إلينا، وقال اشهدوا عليه ففتحه، وقبله فأخبرني القاضي المكتوب إليه أنه فض كتابا آخر من هذا القاضي كتب إليه في ذلك الأمر بعينه، ووقف عن إنفاذه، وأخبرني هو أو من أثق بخبره أنه رد إليه الكتاب يحكي له كتابا فأنكر كتابه الآخر، وبلغه أو ثبت عنده أنه كتب الكتاب، وختمه فاحتيل له فوضع كتابا مثله مكانه، ونحى ذلك الكتاب، وأشهد على ذلك الكتاب، وهو يرى أنه كتابه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فلما كان هذا موجودا لم يجز أن يقبل من الشهود حتى يقرأ عليهم الكتاب، ويقبضوه قبل أن يغيب عنهم، وينبغي للقاضي أن يأمرهم أن يأخذوا نسخة كتابه في أيديهم، ويوقعوا شهادتهم فيه فلو انكسر خاتمه أو ذهب بعض كتابه شهدوا أن هذا كتابه قبله، وليس في الخاتم معنى إنما المعنى فيما قطعوا به الشهادة كما يكون معاني في إذكار الحقوق، وكتب التسليم بين الناس

    (قال): وإذا كتب القاضي إلى القاضي بما ثبت عنده ثم مات القاضي الكاتب أو عزل قبل أن يصل كتابه إلى القاضي المكتوب إليه ثم وصل قبله، ولم يمتنع من قبوله

    بموته، ولا عزله لأنه يقبل ببينته كما يقبل حكمه ألا ترى أنه لو حكم ثم عزل أو مات قبل حكمه هكذا يقبل كتابه

    (قال): ولو كتب القاضي إلى القاضي فترك أن يكتب اسمه في العنوان أو كتب اسمه بكنيته فسواء، وإذا قطع الشهود أن هذا كتابه إليه قبله ألا ترى أني إنما أنظر إلى موضع الحكم في الكتاب، ولا أنظر إلى الرسالة، ولا الكلام غير الحكم، ولا الاسم فإذا شهد الشهود على اسم الكاتب والمكتوب إليه قبلته.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): كتاب القاضي كتابان أحدهما كتاب يثبت فهذا يستأنف المكتوب إليه به الحكم، والآخر كتاب حكم منه فإذا قبله أشهد على المحكوم له أنه قد ثبت عنده حكم قاضي بلد كذا وكذا فإن كان حكم بحق أنفذه له، وإن كان حكم عنده بباطل لا يشك فيه لم ينفذه له، ولم يثبت له الكتاب، وإن كان حكم له بشيء يراه باطلا، وهو مما اختلف الناس فيه، فإن كان يراه باطلا من أنه يخالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو قياسا في معنى واحد منها فهذا من الباطل الذي ينبغي له أن يرده، وإن كان مما يحتمله القياس، ويحتمل غيره، وقلما يكون هذا أثبته له، ولم ينفذه، وخلى بينه وبين حكم الحاكم يتولى منه ما تولى، ولا يشركه بأن يكون مبتدئا للحكم به، وهو يراه باطلا، ويقبل القاضي كتاب القاضي في حقوق الناس في الأموال والجراح وغيرها، ولا يقبلها حتى تثبت إثباتا بينا والقول في الحدود اللاتي لله عز وجل واحد من قولين أحدهما أنه يقبل فيها كتاب القاضي، والآخر لا يقبله حتى تكون الشهود يشهدون عنده فإذا قبلها لم يقبلها إلا قاطعة

    (قال): وإذا كتب القاضي لرجل بحق على رجل في مصر من الأمصار فأقر ذلك الرجل أنه المكتوب عليه بذلك الكتاب رفع في نسبه أو لم يرفع أو نسبه إلى صنعته أو لم ينسبه إليها أخذ به، وإن أنكر لم يؤخذ به حتى تقوم بينة أنه هو المكتوب عليه بهذا الكتاب فإذا رفع في نسبه أو نسبه إلى صناعة أو قبيلة أو أمر يعرف به فأنكره فقامت عليه بينة بهذا الاسم والنسب والقبيلة والصناعة أخذ بذلك الحق، وإن كان في ذلك البلد أو غيره رجل يوافق هذا الاسم والنسب والقبيلة والصناعة فأنكر المكتوب عليه، وقال قد يكتب بهذا في هذا البلد على غيري ممن يوافق هذا الاسم، وقد يكون به من غير أهله ممن يوافق هذا الاسم والنسب والقبيلة والصناعة لم يقض على هذا بشيء حتى يباين بشيء لا يوافقه غيره أو يقر أو تقطع بينة على أنه المكتوب عليه فإن لم يكن هذا لم يؤخذ به

    (قال): وإذا كان بلد به قاضيان كبغداد فكتب أحدهما إلى الآخر بما يثبت عنده من البينة لم ينبغ له أن يقبلها حتى تعاد عليه إنما يقبل البينة في البلد الثانية التي لا يكلف أهلها إتيانه، وكتاب القاضي إلى الأمير والأمير إلى القاضي والخليفة إلى القاضي سواء لا يقبل إلا ببينة كما وصفت من كتاب القاضي إلى القاضي.

    أجر القسام

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ينبغي أن يعطى أجر القسام من بيت المال، ولا يأخذون من الناس شيئا لأن القسام حكام فإن لم يعطوه خلي بين القسام وبين من يطلب القسم، واستأجروهم بما شاءوا قل أو كثر، وإن كان في المقسوم لهم أو المقسوم عليهم صغير فأمر بذلك وليه فإذا جعلوا له معا جعلا على قسم أرض فذلك صحيح فإن سموا على كل واحد منهم شيئا معلوما أو على كل نصيب شيئا معلوما، وهم بالغون يملكون أموالهم فجائز، وإن لم يسموه وسموه على الكل فهو على قدر الأنصباء لا على العدد، ولو جعلته على العدد أوشكت أن آخذ من قليل النصيب مثل جميع ما قسمت له فإذا أنا أدخلت عليه

    بالقسم إخراجه من ماله، ولكنه يؤخذ منه القليل من الجعل بقدر القليل، والكثير بقدر الكثير، وإن في نفسي من الجعل على الصغير، وإن قل شيئا إلا أن يكون ما يستدرك له بالقسم أغبط له مما يخرج من الجعل فإن لم يكن كذلك كان في نفسي من أن أجعل عليه شيئا، وهو ممن لا رضا له شيء

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد القسام على ما قسموا قسموا ذلك بأمر القاضي أو بغير أمره لم تجز شهادتهم لشيئين أحدهما أنهم يشهدون على فعل أنفسهم، والآخر أن المقسوم عليهم لو أنكروا إنهم لم يقسموا عليهم لم يكن لهم جعل، ولا بد للقسام من أن يأتوا بشهود غير أنفسهم على فعلهم

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا تراضى القوم بالقاسم يقسم بينهم كان بصيرا بالقسم أو لم يكن بصيرا به فقسم فلا أنفذ قسمه إذا كان بغير أمر الحاكم حتى يتراضوا بعدما يعلم كل واحد منهم ما صار له فإذا رضوا أنفذته بينهم كما أنفذ بينهم لو قسموا من أنفسهم فإن كان فيهم صغير أو غائب أو مولى عليه لم أنفذ من القسم شيئا إلا بأمر الحاكم فإذا كان بأمر الحاكم نفذ، وإذا تداعى القوم إلى القسم، وأبى عليهم شركاؤهم فإن كان ما تداعوا إليه يحتمل القسم حتى ينتفع واحد منهم بما يصير إليه مقسوما أجبرتهم على القسم، وإن لم تنتفع البقية بما يصير إليهم إذا بعض بينهم، وأقول لمن كره القسمة إن شئتم جمعت لكم حقوقكم فكانت مشاعة تنتفعون بها، وأخرجت لطالب القسم حقه كما طلبه، وإن شئتم قسمت بينكم نفعكم ذلك أو لم ينفعكم، وإن طلب أحدهم القسم، وهو لا ينتفع بحقه، ولا غيره لم أقسم ذلك له، وكأن هذا مثل السيف يكون بينهم أو العبد، وما أشبهه فإذا طلبوا مني أن أبيع لهم فأقسم بينهم الثمن لم أبع لهم شيئا، وقلت لهم تراضوا في حقوقكم فيه بما شئتم كأنه كان ما بينهم سيف أو عبد أو غيره.

    السهمان في القسم

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ينبغي للقاسم إذا أراد القسم أن يحصي أهل القسم، ويعلم مبلغ حقوقهم فإن كان منهم من له سدس وثلث ونصف قسمه على أقل السهمان، وهو السدس فجعل لصاحب السدس سهما، ولصاحب الثلث سهمين، ولصاحب النصف ثلاثة أسهم ثم قسم الدار ستة أجزاء، وكتب أسماء أهل السهمان في رقاع من قراطيس صغار ثم أدرجها في بندق من طين ثم دور البندق فإذا استوى درجه ثم ألقاه في حجر رجل لم يحضر البندقة ولا الكتاب أو حجر عبد أو صبي ثم جعل السهمان فسماها أولا وثانيا وثالثا ثم قال أدخل يدك وأخرج على الأول بندقة واحدة، فإذا أخرجها فضها فإذا خرج اسم صاحبها جعل له السهم الأول، فإن كان صاحب السدس فهو له، ولا شيء له غيره، وإن كان صاحب الثلث فهو له، والسهم الذي يليه، وإن كان صاحب النصف فهو له، والسهمان اللذان يليانه، ثم يقال أدخل يدك فأخرج بندقة على السهم الفارغ الذي يلي ما خرج، فإذا خرج فيها اسم رجل فهو كما وصفت حتى تنفذ السهمان، وإذا قسم أرضا فيها أصل أو بناء أو لا أصل فيها ولا بناء فإنما يقسمها على القيمة لا على الذرع فيقومها قيما ثم يقسمها كما وصفت، وإن كان المقسوم عليهم بالغين فاختاروا أن نقسمها على الذرع ثم نعيد عليها القيمة ثم يضرب عليها بالسهمان فأيهم خرج سهمه على

    موضع أخذه، وإذا فضل رد فيه عليه، وأخذ فضلا إن كان فيه لم نجز القسم بينهم حتى يلزم على هذا إلا بعدما يعرف كل واحد منهم بموقع سهمه، وما يلزمه، ويسقط عنه فإذا علمه كما يعلم البيوع ثم رضي به أجزته في ذلك الوقت لا على الأول كما كنت ألزمهم القرعة الأولى، ولهم أن ينقضوه متى شاءوا، وإن كان فيهم صغير أو مولى عليه لم يجز هذا القسم، وإنما يجوز القسم حتى يجبر عليه إذا كان كما وصفت في القسم الأول يخرج كل واحد منهم لا شيء له، ولا عليه إلا ما كان خرج عليه سهمه

    (قال): ولا يجوز أن يقسم الرجل الدار بين القوم فيجعل لبعضهم سفلا، ولبعضهم علوا لأن أصل الحكم أن من ملك السفل ملك ما تحته من الأرض، وما فوقه من الهواء فإذا أعطي هذا سفلا لا هواء له، وأعطي هذا علوا لأسفل له فقد أعطي كل واحد منهما على غير أصل ما يملك الناس، ولكنه يقسم ذلك بالقيمة، ولا يعطي أحدا بقعة إلا ما ملكه ما تحتها، وهواءها، وإن كان في الناس قسام عدول أمر القاضي من يطلب القسم أن يختاروا لأنفسهم قساما عدولا إن شاءوا من غيرهم، وإن رضوا بواحد لم يقبل ذلك حتى يجتمعوا على اثنين، ولا ينبغي له أن يشرك بين قسامه في الجعل فيتحكموا على الناس، ولكن يدع الناس حتى يستأجروا لأنفسهم من شاءوا.

    ما يرد من القسم بادعاء بعض المقسوم

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قسم القسام بينهم فادعى بعض المقسوم بينهم غلطا كلف البينة على ما يقول من الغلط فإن جاء بها رد القسم عنه

    (قال): وإذا قسمت الدار بين نفر فاستحق بعضها أو لحق الميت دين فبيع بعضها انتقض القسم، ويقال لهم في الدين والوصية إن تطوعتم أن تعطوا أهل الدين، والوصية أنفذنا القسم بينكم، وإن لم تطوعوا، ولم نجد للميت مالا إلا هذه الدار بعنا منها ونقضنا القسم

    (قال): فإذا جاء القوم فتصادقوا على ملك دار بينهم، وسألوا القاضي أن يقسمها بينهم لم أحب أن يقسمها، ويقول إن شئتم أن تقسموا بين أنفسكم أو يقسم بينكم من ترضون فافعلوا، وإن أردتم قسمي فأثبتوا البينة على أصول حقوقكم فيها، وذلك أني إن قسمت بلا بينة فجئتم بشهود يشهدون أني قسمت بينكم هذه الدار إلى حاكم غيري كان شبيها أن يجعلها حكما مني لكم بها، ولعلها لقوم آخرين ليس لكم فيها شيء فلا نقسم إلا ببينة، وقد قيل يقسم، ويشهد أنه إنما قسم على إقرارهم، ولا يعجبني هذا القول لما وصفت فإذا ترك الميت دورا متفرقة أو دورا، ورقيقا أو دورا، وأرضين فاصطلح الورثة، وهم بالغون من ذلك على شيء يصير لبعضهم دون بعض لم أردده، وإن تشاحوا فسأل بعضهم أن يقسم له دارا كما هي، ويعطي غيره بقيمتها دارا غيرها بقيمتها لم يكن ذلك له، ويقسم كل دار بينهم فيأخذ كل رجل منهم حقه، وكذلك الأرضين، والثياب، والطعام، وكل ما احتمل أن يقسم

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): العدل يجب على القاضي في الحكم، وفي النظر في الحكم فينبغي أن ينصف الخصمين في المدخل عليه، والاستماع منهما، والإنصات لكل واحد منهما حتى تنفد حجته، وحسن الإقبال عليهما، ولا يخص واحدا منهما بإقبال دون الآخر، ولا يدخل عليه دون الآخر، ولا بزيارة له دون الآخر، ولا ينهره، ولا ينهر الآخر

    وينبغي أن يكون من أقل عدله عليهما أن يكف كل واحد منهما عن عرض صاحبه، وأن يغير على من نال من عرض صاحبه بقدر ما يستوجب بقوله لصاحبه، ولا ينبغي له أن يلقن واحدا منهما حجة، ولا بأس إذا جلسا أن يقول تكلما أو يسكت حتى يبتدئ أحدهما، وينبغي أن يبدأ الطالب فإذا أنفد حجته تكلم المطلوب، ولا ينبغي له أن يضيف الخصم إلا وخصمه معه، ولا ينبغي له أن يقبل منه هدية، وإن كان يهدي له قبل ذلك حتى تنفد خصومته

    (قال الشافعي): - رحمه الله -، ولا بأس إذا حضر القاضي مسافرون ومقيمون فإن كان المسافرون قليلا فلا بأس أن يبدأ بهم، وإن جعل لهم يوما بقدر ما لا يضر بأهل البلد، ويرفق بالمسافرين فلا بأس، وإن كثروا حتى يساووا أهل البلد أسا بهم، لأن لكلهم حقا

    وينبغي للقاضي أن يجلس في موضع بارز، ويقدم الناس الأول فالأول لا يقدم رجلا جاء قبله غيره، وإذا قدم الذي جاء أولا وخصمه، وكان له خصوم فأرادوا أن يتقدموا معه لم ينبغ له أن يسمع إلا منه، ومن خصم واحد فإذا فرغا أقامه، ودعا الذي جاء بعده إلا أن يكون عنده كثير أخر، ويكون آخر من يدعو، ولا يقضي القاضي إلا بعدما يتبين له الحق بخبر متبع لازم أو قياس، فإن لم يبن ذلك له لم يقطع حكما حتى يتبين له، ويستظهر برأي أهل الرأي

    (قال): وإذا أشاروا عليه بشيء ليس بخبر فلم يبن له من ذلك أنه الحق عنده لم ينبغ له أن يقضي، ولو كانوا فوقه في العلم لأن العلم لا يكون إلا موجودا إما خبر لازم، وإما قياس يبينه له المرء فيعقله فإذا بينه له فلم يعقله فلا يعدو أن يكون واحدا من رجلين إما رجل صحيح العقل غلط عليه من أشار عليه فقال له أنت تجد ما لا نجد فلا ينبغي أن يقبل من مخطئ عنده، وإما رجل لا يعقل إذا عقل فهذا لا يحل له أن يقضي، ولا لأحد أن ينفذ حكمه، وإذا كنا نرد شهادة المرء على ما لا يعقل مما يشتبه عليه فحكم الحاكم فيما لا يعقل أولى بالرد إلا أن يجده من رفع إليه صوابا فينفذ الصواب حيث كان

    (قال): ولا يلقن القاضي الشاهد ويدعه يشهد بما عنده، ولكنه يوقفه، والتوقيف غير التلقين (قال): ولا ينبغي للقاضي أن ينتهر الشاهد، ولا يتعنته

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وينبغي للقاضي أن يقف الشاهد على شهادته، ويكتب بين يديه أو ناحية ثم يعرض عليه، والشاهد يسمع، ولا يقبلها في مجلس لم يوقع فيها بيده أو كاتبه حيث يراه، ولا ينبغي له أن يخلي الكاتب يغيب على شيء من الإيقاع من كتاب الشهادة إلا أن يعيده عليه فيعرضه، والشاهد حاضر ثم يختم عليها بخاتمه، ويرفعها في قمطره (قال): فإن أراد المشهود له أن يأخذ نسختها أخذها، وينبغي له أن يضم الشهادات بين الرجلين، وحجتهما في موضع واحد ثم يكتب ترجمتهما بأسمائهما، والشهر الذي كانت فيه ليكون أعرف لها إذا طلبها فإذا مضت السنة عزلها، وكتب خصومة سنة كذا، وكذا حتى تكون كل سنة معروفة وكل شهر معروفا.

    (قال الشافعي): - رضي الله تعالى عنه - ويسأل عمن جهل عدله سرا فإذا عدل سأل تعديله علانية ليعلم أن المعدل سرا هو هذا بعينه لأنه يوافق اسمه اسمه، ونسبه نسبه.

    (قال): وإذا وجد القاضي في ديوانه شهادة، ولا يذكر منها شيئا لم يقض بها حتى يعيد الشهود أو يشهد شهود على شهادتهم فإن خاف النسيان، والإضرار بالناس تقدم إذا شهد عنده شهود إليهم بأن يشهد على شهادتهم من حضرهم من كتابه، ويوقع على شهادتهم كما وصفت، وإذا ذكر شهاداتهم حكم بها، وإلا شهد عليها من تقبل شهادته فيقبله لأنه قد يحتال لكتاب فيطرح في ديوانه الخط فيشبه الخط الخط، والخاتم الخاتم، وهكذا لو كان شاهد يكتب شهادته في منزله، ويخرجها لم يشهد بها حتى يذكرها

    (قال): وما وجد في ديوان القاضي بعد عزله من شهادة أو قضاء غير مشهود عليه لم يقبل





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #273
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (273)
    صــــــــــ 233 الى صـــــــــــ 238






    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وينبغي للإمام أن يجعل مع رزق القاضي شيئا لقراطيسه وصحفه فإذا فعل ذلك لم

    يكلف الطالب أن يأتي بصحيفة، وإن لم يفعل قال القاضي للطالب إن شئت جئت بصحيفة بشهادة شاهديك، وكتاب خصومتك، وإلا لم أكرهك، ولم أقبل منك أن يشهد عندي شاهد الساعة بلا كتاب، وأنسى شهادته
    (قال): وأحب أن لا يقبل القاضي شهادة الشاهد إلا بمحضر من الخصم المشهود عليه فإن قبلها بغير محضر منه فلا بأس، وينبغي إذا حضر أن يقرأها عليه ليعرف حجته فيها، وكذلك يصنع بكل من شهد عليه ليعرف حجته في شهاداتهم، وحجته إن كانت عنده ما يجرحهم به
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو قبل القاضي شهادة على غائب، وكتب بها إلى قاض ثم قدم الغائب قبل أن يمضي الكتاب لم يكلف الشهود أن يعودوا، وينبغي له أن يقرأ عليه شهادتهم، ونسخة أسمائهم، وأنسابهم، ويوسع عليه في طلب جرحهم أو المخرج مما شهدوا به عليه فإن لم يأت بذلك حكم عليه (قال): ولو مضى الكتاب إلى القاضي الآخر لم ينبغ له أن يقضي عليه حتى يحضره إن كان حاضرا، ويقرأ عليه الكتاب، ونسخة أسماء الشهود، ويوسع عليه في طلب المخرج من شهاداتهم فإن جاء بذلك، وإلا قضى عليه
    (قال): وإذا أقام الرجل البينة على عبد موصوف أو دابة موصوفة له ببلد آخر حلفه القاضي أن هذا العبد الذي شهد لك به الشهود لعبدك أو دابتك لفي ملكك ما خرجت من ملكك بوجه من الوجوه كلها، وكتب بذلك كتابا من بلده إلى كل بلد من البلدان، وأحضر عبدا بتلك الصفة أو دابة بتلك الصفة، وقد قال بعض الحكام يختم في رقبة كل واحد منهما، ويبعث به إلى ذلك البلد، ويأخذ من هذا كفيلا يقيمها فإن قطع عليه الشهود بعدما رأيا سلم إليه، وإن لم يقطعوا رد، وهذا استحسان، وقد قال غيره إذا وافق الصفة حكمت له، والقياس أن لا يحكم له حتى يأتي الشهود الموضع الذي فيه تلك الدابة فيشهدوا عليها، وكذلك العبد، ولا يخرج من يدي صاحبه الذي هو في يديه بهذا إذا كان يدعيه أو يقضي له بالصفة كما يقضي على الغائب يشهد عليه باسمه ونسبه، وهكذا كل مال يملك من حيوان، وغيره
    (قال): وما باع القاضي على حي أو ميت فلا عهدة عليه، والعهدة على المبيع عليه، واختلف الناس في علم القاضي هل له أن يقضي به، ولا يجوز فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن له أن يقضي بكل ما علم قبل الحكم وبعده في مجلس الحكم، وغيره من حقوق الآدميين، ومن قال هذا قال إنما أريد بالشاهدين ليعلم أن ما ادعى كما ادعى في الظاهر فإذا قبلته على صدق الشاهدين في الظاهر كان علمي أكثر من شهادة الشاهدين أو لا يقضي بشيء من علمه في مجلس الحكم، ولا في غيره إلا أن يشهد شاهدان بشيء على مثل ما علم فيكون علمه، وجهله سواء إذا تولى الحكم فيأمر الطالب أن يحاكم إلى غيره، ويشهد هو له فيكون كشاهد من المسلمين، ويتولى الحكم غيره، وهكذا قال شريح، وسأله رجل أن يقضي له بعلمه فقال ائت الأمير، وأشهد لك.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فأما علمه بحدود الله التي لا شيء فيها للآدميين فقد يحتمل أن تكون كحقوق الناس، وقد يحتمل أن يفرق بينهما لأن من أقر بشيء للناس ثم رجع لم يقبل رجوعه، ومن أقر بشيء لله ثم رجع قبل رجوعه، والقاضي مصدق عند من أجاز له القضاء بعلمه، وغير مقبول منه عند من لم يجزه له فأما إذا ذكر بينة قامت عنده فهو مصدق على ما ذكر منها، وهكذا كل ما حكم به من طلاق أو قصاص أو مال أو غيره (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أنفذ ذلك، وهو حاكم لم يكن للمحكوم عليه أن يتبعه بشيء منه إلا أن تقوم بينة بإقرار القاضي بالجور أو ما يدل على الجور فيكون متبعا في ذلك كله
    (قال): وإذا اشترى القاضي عبدا لنفسه فهو كشراء غيره لا يكون له أن يحكم لنفسه ولو حكم رد حكمه، وكذلك لو حكم لولده أو، والده، ومن لا تجوز له شهادته، ويجوز قضاؤه لكل من جازت له شهادته من أخ، وعم، وابن عم، ومولى
    (قال الشافعي):- رحمه الله تعالى - وإذا عزل القاضي عن القضاء، وقال قد كنت قضيت لفلان على فلان لم يقبل ذلك منه حتى يأتي المقضي له بشاهدين على أنه حكم له قبل أن يعزل
    (قال): وأحب للقاضي إذا أراد القضاء على رجل أن يجلسه، ويبين له، ويقول له احتججت عندي بكذا، وجاءت البينة عليك بكذا، واحتج خصمك بكذا فرأيت الحكم عليك من قبل كذا ليكون أطيب لنفس المحكوم عليه، وأبعد من التهمة، وأحرى إن كان القاضي غفل من ذلك عن موضع فيه حجة أن يبينه فإن رأى فيها شيئا يبين له أن يرجع أو يشكل عليه أن يقف حتى يتبين له فإن لم ير فيها شيئا أخبره أنه لا شيء له فيها، وأخبره بالوجه الذي رأى أنه لا شيء له فيها، وإن لم يفعل جاز حكمه غير أن قد ترك موضع الأعذار إلى المقضي عليه عند القضاء
    (قال): وأحب للإمام إذا ولي القضاء أن يجعل له أن يولي القضاء في الطرف من أطرافه، والشيء من أموره الرجل فيجوز حكمه، وإن لم يجعل ذلك له فمن رأى أنه لا يجوز إلا بأمر وال قال لم ينبغ للقاضي أن ينفذ حكم ذلك القاضي الذي استقضاه ولم يجعل إليه، وإن أنفذه كان إنفاذه إياه باطلا إلا أن يكون إنفاذه إياه على استئناف حكم بين الخصمين فإذا كان إنما هو لإنفاذ الحكم فليس بجائز، وإذا كان الأمر بينا عند القاضي فيما يختصم فيه الخصمان فأحب إلي أن يأمرهما بالصلح، وأن يتحللهما من أن يؤخر الحكم بينهما يوما أو يومين فإن لم يجتمعا على تحليله لم يكن له ترديدهما، وأنفذ الحكم بينهما متى بان له، وإن أشكل الحكم عليه لم يحكم بينهما طال ذلك أو قصر عليه الأناة إلى بيان الحكم، والحكم قبل البيان ظلم، والحبس بالحكم بعد البيان ظلم، والله أعلم.
    الإقرار والمواهب
    (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال إذا قال الرجل لفلان علي شيء ثم جحد قيل له أقر بما شئت مما يقع عليه اسم شيء تمرة أو فلس أو ما أحببت ثم أحلف ما هو إلا هذا، وما له عليك شيء غير هذا، وقد برئت فإن أبى أن يحلف ردت اليمين على المدعي المقر له فقيل له سم ما شئت فإذا سمى قيل للمقر إن حلفت على هذا برئت، وإلا رددنا عليه اليمين فحلف فأعطيناه، ولا نحبسه.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا إذا قال له على مال قيل له أقر بما شئت لأن كل شيء يقع عليه اسم مال، وهكذا إذا قال له علي مال كثير أو مال عظيم فإن قال قائل ما الحجة في ذلك؟ قيل قد ذكر الله عز وجل العمل فقال {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} فإذا كوفئ على مثقال ذرة في الخير والشر كانت عظيما، ولا شيء من المال أقل من مثقال ذرة فأما من ذهب إلى أنه يقضي عليه بما تجب فيه الزكاة فلا أعلمه ذهب إليه خبرا، ولا قياسا ولا معقولا أرأيت مسكينا يرى الدرهم عظيما فقال لرجل علي مال عظيم ومعروف منه أنه يرى الدرهم؟ عظيما أجبره على أن يعطيه مائتي درهم، ورأيت خليفة أو نظيرا للخليفة يرى ألف ألف قليلا أقر لرجل فقال له علي مال عظيم كم ينبغي أن أعطيه من هذا؟ فإن قلت مائتي درهم فالعامة تعرف أن قول هذا عظيم مما يقع في القلب أكثر من ألف ألف درهم فتعطى منه التافه فتظلم في معنى قولك المقر له إذا لم يك عندك فيه محمل إلا كلام الناس، وتظلم المسكين المقر الذي يرى الدرهم عظيما.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال له علي دراهم فقال كثيرة أو عظيمة أو لم يقلها فسواء، وأجبره على أن يعطيه ثلاثة دراهم إلا أن يدعي المقر له أكثر من ذلك فأحلف المقر فإن حلف لم أزده على ثلاثة، وإن نكل قلت للمدعي إن شئت فخذ ثلاثة بلا يمين، وإن شئت فاحلف على أكثر من ثلاثة، وخذ
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال له علي ألف ودرهم، ولم يسم الألف قيل له أقر بأي ألف إن شئت فلوسا، وإن شئت تمرا، وإن شئت خبزا، وأعطه درهما معها، واحلف أن الألف التي أقررت له بها هي هذه
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو قال هذا الخاتم لفلان، وفصه لي أو لفلان فهو مثل قوله هذا الخاتم إلا فصه لفلان أو لفلان فالخاتم لفلان، والفص له أو لفلان، ولو أوصى فقال خاتمي هذا لفلان، وفصه لفلان كان لفلان الخاتم، ولفلان الموصى له الفص، وذلك أن الفص يتميز من الخاتم حتى يكون ثم اسم خاتم لا فص فيه
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجوز إقرار رجل، ولا امرأة حتى يكونا بالغين رشيدين غير محجور عليهما ومن لم يجز بيعه لم يجز إقراره

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وسواء كان له أب أو لم يكن، وسواء أذن له في التجارة أو لم يؤذن له، وهو مخالف للعبد البالغ يؤذن له في التجارة العبد إنما لا تجوز تجارته لأن المال لغيره، وإذا أذن له رب المال جاز شراؤه، وبيعه، وإقراره في البيع، والشراء، وغير البالغ من الرجال، والنساء إذا كان مالكا لمال، وكان في حكم الله عز وجل أن لا يخلى بينه وبين ماله، وأن يولى عليه حتى يبلغ حلما ورشدا لم يكن للآدميين أن يطلقوا ذلك عنه، ولا يجوز عليه بإذنهم ما لا يجوز عليه لنفسه، وهو حر مالك (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا لم يجز إقرار غير البالغ بجناية عمدا، ولا خطأ، وإقراره في التجارة غير جائز، والعبد يجوز إقراره على نفسه في القتل، والحد، والقطع فهو مفارق له بخلافه له، ولزوم حدوده له، ولا حد على غير بالغ

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقر العبد بجناية خطأ لم يلزم مولاه من إقراره شيء لأنه إنما أقر به عليه، ويلزمه ذلك إذا عتق
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والعارية كلها مضمونة الدواب، والرقيق، والدور، والثياب لا فرق بين شيء منها فمن استعار شيئا فتلف في يده بفعله أو بغير فعله فهو ضامن له، والأشياء لا تخلو أن تكون مضمونة أو غير مضمونة فما كان منها مضمونا مثل الغصب، وما أشبهه فسواء ما ظهر هلاكه أو خفي فهو مضمون على الغاصب، والمستسلف جنيا فيه أو لم يجنيا أو غير مضمون مثل الوديعة فسواء ما ظهر هلاكه، وما خفي، والقول فيها قول المستودع مع يمينه، ولا يضمن منها شيئا إلا ما فرط فيه أو تعدى.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقد خالفنا بعض الناس في العارية فقال لا يضمن منها شيئا إلا ما تعدى فيه فسئل من أين قاله؟ فزعم أن شريحا قاله فقيل له قد تخالف شريحا حيث لا مخالف له قال فما حجتكم في تضمينها؟ قلنا «استعار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صفوان فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - عارية مضمونة مؤداة» قال أفرأيت لو قلنا فإن شرط المستعير الضمان ضمن، وإن لم يشرطه لم يضمن؟ قلنا فأنت إذا تترك قولك قال وأين؟ قلنا أليس قولك إنها غير مضمونة إلا أن يشترط؟ قال بلى قلنا فما تقول في الوديعة إذا اشترط المستودع أنه ضامن أو المضارب أنه ضامن؟ قال لا يكون ضامنا في واحد منهما قلنا فما تقول في المستسلف إذا شرط أنه غير ضامن قال لا شرط له، ويكون ضامنا قلنا، وترد الأمانة إلى أصلها، والمضمون إلى أصله، ويبطل الشرط فيهما جميعا؟ قال نعم قلنا، وكذلك ينبغي لك أن تقول في العارية، وبذلك شرط النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها مضمونة، ولا يشترط أنها مضمونة إلا لما يلزم قال فلم شرط؟ قلنا لجهالة المشروط له كان مشركا لا يعرف الحكم، ولو عرفه ما ضر الشرط له إذا كان أصل العارية أنها مضمونة بلا شرط كما لا يضر شرط العهدة، وخلاص عبدك في البيع، ولو لم يشترط كان عليك العهدة، والخلاص أو الرد.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقال: وهل قال هذا أحد؟ قلنا في هذا كفاية، وقد قال أبو هريرة وابن عباس - رضي الله عنهم - إن العارية مضمونة وكان قول أبي هريرة في بعير استعير فتلف أنه مضمون.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو اختلف رجلان في دابة فقال رب الدابة أكريتكها إلى موضع كذا وكذا فركبتها بكذا وكذا، وقال الراكب ركبتها عارية منك كان القول قول الراكب مع يمينه، ولا كراء عليه.
    (قال أبو محمد) وفيه قول آخر أن القول قول رب الدابة من قبل أنه مقر بركوب دابتي مدع علي أني أبحت ذلك له فعليه البينة، وإلا حلفت، وأخذت كراء المثل.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو كانت المسألة بحالها فماتت الدابة كان الكراء ساقطا، وكان عليه ضمان الدابة في العارية لأن أصل ما نذهب إليه تضمين العارية، وسواء كان رب الدابة ممن يكري الدواب أو لا يكريها لأن الذي يكريها قد يعيرها، والذي يعيرها قد يكريها.
    (قال الربيع) للشافعي قول آخر أن القول قول رب الدابة مع يمينه، وعلى الراكب كراء مثلها.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومتى قلت القول قول رب الدابة ألزمته الكراء وطرحت عنه الضمان إذا تلفت.
    (قال الربيع) وكل ما كان القول فيه قول رب الدابة، ولم يعرها فتلفت الدابة فلا ضمان على من جعلناه مكتريا إلا أن يتعدى.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا لو قال أعرتنيها، وقال رب الدابة بل غصبتنيها كان القول قول المستعير، ولا يضمن فإن ماتت الدابة في يديه ضمن لأن العارية مضمونة ركبها أو لم يركبها، وإذا ردها إليه سالمة فلا شيء عليه ركبها أو لم يركبها.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وسواء قال أخذتها منك عارية أو قال دفعتها إلي عارية، وإنما أضاف الفعل في كليهما إلى صاحب الدابة، وكذلك كلام العرب.
    (قال الربيع) رجع الشافعي فقال القول قول رب الدابة.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن قال تكاريتها منك بكذا، وقال رب الدابة اكتريتها بكذا لأكثر من ذلك فإن لم يركب تحالفا وترادا، وإن ركب تحالفا ورد عليه كراء مثلها كان أكثر مما ادعى رب الدابة أو أقل مما أقر به لأني إذا أبطلت أصل الكراء، ورددتها إلى كراء مثلها لم أجعل ما أبطلت عبرة بحال.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يضمن المستودع إلا أن يخالف فإن خالف فلا يخرج من الضمان أبدا إلا بدفع الوديعة إلى ربها، ولو ردها إلى المكان الذي كانت فيه لأن ابتداءه لها كان أمينا فخرج من حد الأمانة فلم يجدد له رب المال أمانة، ولا يبرأ حتى يدفعها إليه، وهكذا الرهن إذا قضى المرتهن ما فيه ثم تعدى فيه ثم رده إلى بيته فهلك في يديه فهو ضامن له حتى يرده إلى صاحبه، وسواء كل عارية انتفع بها صاحبها أو لم ينتفع بها فهي مضمونة مسكن أو ما أشبهه أو دنانير أو دراهم أو طعام أو عين أو ما كان
    (قال): ولو قال الرجل هذا الثوب في يدي بحق لفلان أو في ملكه أو في ميراثه أو لحقه أو لميراثه أو لملكه أو لوديعة أو بعارية أو بوديعة أو قال عندي فهو سواء، وهو إقرار لفلان به إلا أن يبين لفظا غير هذا فيقول هو عندي بحق فلان مرهون لفلان آخر فيكون ملكه للذي أقر له بالملك، ولا يكون لهذا على الآخر فيه رهن إلا أن يقر الآخر، ولو قال قبضته على يدي فلان أو هو عندي على يدي فلان أو في ملكي على يدي فلان لم يكن هذا إقرارا منه به لفلان لأن ظاهره إنما هو قبضته على يدي فلان بمعونة فلان أو بسببه
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال لفلان علي ألف دينار أو مائة درهم ثم قال هي نقص أو هي زيف لم يصدق، ولو قال هي من سكة كذا، وكذا صدق مع يمينه كانت تلك السكة أدنى الدراهم أو وسطها أو جائزة في غير ذلك البلد أو غير جائزة كما لو قال له علي ثوب أعطيناه أي ثوب أقر به، وإن كان ذلك الثوب مما لا يلبسه أهل ذلك البلد، ولا مثل الرجل المقر له، ولو قال له علي ألف درهم من ثمن هذا العبد فتداعيا فيه فقال البائع، وضح، وقال المشتري غلة تحالفا، وترادا، وهذا مثل نقص الثمن.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان لأهل البلد وزن معلوم ينقص ما شاء أو ينقص عن وزن العامة في دنانير أو دراهم فاشترى رجل سلعة بمائة درهم فله نقد البلد إلا أن يشترط شرطا فيكون له شرطه إذا كان المشتري والبائع عالمين بنقد البلد فإن كان أحدهما جاهلا فادعى البائع الوازنة قيل أنت بالخيار بين أن تسلمه بنقد البلد أو تنقض البيع بعد أن تتحالفا فإذا قال له علي دراهم سود فوصل الكلام فهي سود فإن وصل الكلام فقال ناقص فهو ناقص فإن قطع الكلام ثم قال ناقص فهو وازن فإن قال له علي درهم كبير قيل له عليك الوازن إلا أن تكون أردت ما هو أكبر منه، فإذا قال له علي درهم فهو وازن، وإن قال درهم صغير قيل له إن كانت للناس دراهم صغار فعليك درهم صغير وازن من الصغار مع يمينك ما أقررت بدرهم واف، وكذلك ما أقر به من غصب أو وديعة
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقر الرجل لميت بمائة درهم، وقال هذا ابنه، وهذه امرأته حامل فإن ولدت ولدا حيا، ورث المرأة والولد الذي ولدت، والابن حقوقهم من هذه المائة، وإذا ولدت ولدا لم تعرف حياته لم يرث من لم تعرف حياته، ومعرفة الحياة للولد أن يستهل صارخا أو يرضع أو يحرك يدا أو رجلا تحريك الحياة، وأي شيء عرف به الحياة فهي حياة، وإذا أوصى الرجل للحبل فقال لحبل هذه المرأة من فلان كذا، والأب حي فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم أوصى به فالوصية له، وإن جاءت به لستة أشهر أو أكثر بطلت وصيته لأنه قد لا يكون بها حين أوصى لها حبل ثم يحبلها من بعد ذلك، ولو كان زوجها ميتا حين أوصى بالوصية فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر أو أكثر لما يلزم له النسب كانت الوصية جائزة لأنا نحكم أن ثم يومئذ حملا، وإن جاءت بولد ميت فلا وصية له حتى تعرف حياته بعد خروجه من بطنها، وإذا قال له علي مائة درهم عددا فهي وازنة، ولو قال له علي مائة كل عشرة منها وزنها خمسة كان كما قال إذا وصل الكلام، وإذا قال له علي درهم ينقص كذا وكذا كان كما قال إذا وصل الكلام، ولكنه لو أقر بدرهم ثم قطع الكلام ثم قال بعد هو ناقص لم يقبل قوله، ولو كان ببلد دراهمهم كلها نقص ثم أقر بدرهم كان له درهم من دراهم البلد، ولو قال له علي دراهم أو دريهمات أو دنانير أو دنينيرات أو دراهم كثيرة أو عظيمة أو دراهم قليلة أو يسيرة لزمه الثلاثة من أي صنف كان أقر به من دنانير أو دراهم، وحلف على ما هو أكثر منها
    (قال الشافعي): وإذا قال وهبت له هذه الدار، وقبضها أو وهبت له هذه الدار، وحازها ثم قال لم يكن قبضها ولا حازها، وقال الموهوب له قد قبضت وحزت فالقول قول الموهوب له، ولو مات الموهوب له كان القول قول ورثته، وكذلك لو قال صارت في يديه، وسواء كانت حين يقر في يد الواهب أو الموهوبة له، ولكن لو قال وهبتها له أو خرجت إليه منها نظرت فإن كانت في يدي الموهوبة له فذلك قبض بعد الإقرار وهي له، وإن كانت في يدي الواهب أو يدي غيره من قبله سألته ما قوله خرجت إليه منها؟ فإن قال بالكلام دون القبض فالقول قوله مع يمينه، وله منعه إياها لأنها لا تملك إلا بقبض، وهو لم يقر بقبض، والخروج قد يكون بالكلام فلا ألزمه إلا اليقين، وكذلك لو قال وهبتها له وتملكها لأن الملك قد يكون عنده بالكلام.
    (قال الشافعي): ولو قال وهبتها له أمس أو عام أول، ولم يقبضها، وقال الموهوبة له بل قد قبضتها فالقول قول الواهب مع يمينه، وعلى الآخر البينة بالقبض.
    ولو وهب رجل لرجل هبة، والهبة في يدي الموهوبة له فقبلها تمت لأنه قابض لها بعد الهبة. ولو لم تكن الهبة في يدي الموهوبة له فقبضها بغير إذن الواهب لم يكن ذلك له، وذلك أن الهبة لا تملك إلا بقول وقبض، وإذا كان القول لا يكون إلا من الواهب فكذلك لا يكون القبض إلا بإذن الواهب لأنه المالك، ولا يملك عنه إلا بما أتم ملكه، ويكون للواهب الخيار أبدا حتى يسلم ما وهب

    إلى الموهوب له، وكذلك إن مات كان الخيار لورثته إن شاءوا، سلموا، وإن شاءوا لم يمضوا الهبة
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو وهب رجل لرجل هبة، وأقر بأنه عنه قبضها ثم قال الواهب له إنما أقررت له بقبضها، ولم يقبضها فأحلفه أحلفته لقد قبضها فإن حلف جعلتها له، وإن نكل عن اليمين رددت اليمين على الواهب فأحلفته ثم جعلتها غير خارجة عن ملكه.
    ولو قال رجل لرجل وهبت لي هذا العبد وقبضته، والعبد في يدي الواهب أو الموهوب له فقال الواهب صدقت أو نعم كان هذا إقرارا، وكان العبد له، ولو كان أعجميا فأقر له بالأعجمية كان مثل إقراره بالعربية، وإذا قال له علي درهم في عشرة سألته فإن أراد الحساب جعلت عليه ما أراد، وإن لم يرد الحساب فعليه درهم، وعليه اليمين، وهكذا إن قال درهم في ثوب سألته أراد أن يقر له بدرهم أو بثوب فيه درهم فإن قال لا فعليه الدرهم، وإن قال له علي درهم في دينار سألته: أراد درهما مع دينار فإن قال نعم جعلتهما عليه، وإن قال لا فعليه درهم، ولو قال له علي درهم في ثوب مروي فهكذا لأنه قد يقول له علي درهم في ثوب لي أنا مروي، ولو قال له علي درهم في ثوب مروي اشتريته منه إلى أجل سألنا المقر له فإن أقر بذلك فالبيع فاسد لأنه دين في دين، ولم يقر له بهذا الدرهم إلا بالثوب فإذا لم يجز له إعطاء الثوب لأنه دين بدين لم يعطه الدرهم كما لو قال بعتك هذا العبد بهذه الدار لم أجعل له العبد إلا أن يقر الآخر بالدار
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو قال له علي ثوب مروي في خمسة دراهم ثم قال أسلم إلي الثوب على خمسة دراهم إلى أجل كذا وصدقه صاحب الثوب كان هذا بيعا جائزا، وكانت له عليه الخمسة الدراهم إلى أجل إنما عنى أسلمت إليك في كذا بعتك كذا بكذا إلى أجل كما تقول أسلمت إليك عشرة دراهم بصاع تمر موصوف إلى أجل كذا أو بعتك صاع تمر بعشرة دراهم إلى أجل كذا.
    (قال): ولو جاء المقر بثوب فقال هو هذا فصدقه المدعي المقر له أو كذبه فسواء إذا رضي الثوب بخمسة دراهم فالخمسة عليه إلى أجل، ولو لم يسم أجلا فكان السلم فاسدا فاختلفا في الثوب فإن القول قول المقر مع يمينه، ويرد الثوب على صاحب الثوب، وإن سأل المقر له يمين المقر أعطيته إياها، وكل من سأل اليمين في شيء له وجه أعطيته إياه
    ولو أقر رجل لرجل بثوب ثم جاء بثوب فقال هو هذا، وقال المقر له ليس هذا فالقول قول المقر مع يمينه، وكذلك لو قال له علي عبد فأي عبد جاء به فالقول قوله مع يمينه، ولا أنظر إلى دعواه، وكذلك لو قال هذا عبدك كما أودعتنيه، وهو الذي أقررت لك به، وقال المقر له بل هذا عبد كنت أودعتكه، ولي عندك عبد غصب فالقول قول المقر، وعلى المدعي البينة
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أقر له فقال لك عندي ألف درهم ثم جاءه بألف درهم فقال هي هذه الألف التي كنت أقررت لك بها كانت عندي وديعة فقال المقر له هذه الألف كانت عندك وديعة لي ولي عندك ألف أخرى كان القول قول المقر مع يمينه لأن من أودع شيئا فجائز أن يقول لفلان عندي، ولفلان علي لأنه عليه ما لم يهلك، وكذلك هو عنده، وقد يودع فيتعدى فتكون دينا عليه فلست ألزمه شيئا إلا باليقين
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال الرجل لفلان علي درهم ودرهم فعليه درهمان، وإذا قال له علي درهم فدرهم، قيل له: إن أردت درهما ودرهما فدرهمان، وإن أردت فدرهم لازم لي أو درهم جيد فليس عليك إلا درهم، وإن قال له علي درهم تحت درهم أو درهم فوق درهم فعليه درهمان إلا أن يقول علي درهم فوق درهم في الجودة، وتحت درهم في الرداءة أو يقول له علي درهم بعينه هو الآن فوق درهم لي، ولو قال له علي درهم مع درهم كان هكذا.
    (قال الربيع) الذي أعرف من قول الشافعي أن لا يكون عليه إلا درهم لأنه يحتمل أن يكون فوق درهم أو تحت درهم لي.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #274
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (274)
    صــــــــــ 239 الى صـــــــــــ 244








    (قال): وكذلك لو قال له علي درهم على درهم ثم قال عنيت درهما واحدا ولو قال له علي درهم قبله درهم

    أو بعده درهم أو قبله دينار أو بعده دينار فالاثنان كلاهما عليه، ولكنه لو قال له علي درهم ثم دينار أو بعده درهم أو دينار أو درهم قبله دينار فهما عليه معا، ولو قال له علي درهم فدينار كان عليه درهم إلا أن يكون أراد ودينار
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو قال له علي دينار قبله قفيز حنطة كان عليه دينار، ولم يكن عليه القفيز، وهكذا لو قال له علي دينار فقفيز حنطة لم يكن عليه إلا الدينار لأن قوله فقفيز حنطة محال قد يجوز أن يقول قفيز من حنطة خير منه، وإذا قال له علي درهم ثم قفيز حنطة فهما عليه، ولو قال درهم لا بل قفيز حنطة كان مقرا بهما ثابتا على القفيز راجعا عن الدرهم فلا يقبل رجوعه إن ادعاهما الطالب معا، ولو قال له علي درهم لا بل درهمان أو قفيز حنطة لا بل قفيزان لم يكن عليه إلا درهمان أو قفيزان لأنه أقر بالأولى ثم كان قوله لا بل زيادة من الشيء الذي أقر به، وقوله ثم لا بل استئناف شيء غير الذي أقر به، ولو قال له علي درهم ودرهمان فهي ثلاثة دراهم أو درهم بعده درهمان أو درهم قبله درهمان فسواء، وهي ثلاثة في هذا كله.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد شاهدان على رجل أنه أقر لفلان بدرهم يوم السبت، وآخران أنه أقر لذلك الرجل بعينه يوم الأحد فهو درهم إلا أن يقولا درهم من ثمن كذا وكذا، ويقول الآخران درهم من ثمن شيء غيره أو من وجه غيره من وديعة أو غصب أو غيره فيدلان على ما يفرق بين سببي الدرهمين، وعليه اليمين أن هذا الدرهم الذي أقر به يوم الأحد هو الدرهم الذي أقر به يوم السبت فإن حلف برئ، وإن نكل حلف الآخر أنهما درهمان، وأخذهما.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا لو شهدا عليه في أيام متفرقة أو واحد بعد واحد.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا لو أقر عند القاضي بدرهم، وجاء عليه بشاهدين يشهدان بدرهم فقال الدرهم الذي أقررت به هو الذي يشهد به هذان الشاهدان كان القول قوله. وإذا قال له علي ألف درهم وديعة فهي وديعة، وإن قال له علي ألف درهم ثم سكت ثم قال بعد هي وديعة أو قال هلكت لم يقبل ذلك منه لأنه قد ضمن ألف درهم بإقراره ثم ادعى ما يخرجه من الضمان فلا يصدق عليه، وإنما صدقناه أولا لأنه وصل الكلام، وكذلك لو قال له قبلي ألف درهم فوصل الكلام أو قطعه كان القول فيها مثل القول في المسألة الأولى إذا وصل أو قطع، ولو قال له عندي ألف درهم وديعة أو أمانة أو مضاربة دينا كانت دينا عليه أمانة كانت أو وديعة أو قراضا إن ادعى ذلك الطالب لأنها قد تكون في موضع الأمانة ثم يتعدى فتصير مضمونة عليه وتنض فيستسلفها فتصير مضمونة عليه، ولكنه لو قال دفع إلي ألف درهم وديعة أو أمانة أو مضاربة على أني لها ضامن لم يكن ضامنا بشرطه الضمان في شيء أصله الأمانة حتى يحدث شيئا يخرج به من الأمانة إما تعديا، وإما استسلافا، ولو قال له في مالي ألف درهم كانت دينا إلا أن يصل الكلام فيقول وديعة فتكون وديعة، ولو قال له في هذا العبد ألف درهم سئل عن قوله فإن قال نقد فيه ألفا قيل فكم لك منها فما قال إنه منه اشتراه به فهو كما قال مع يمينه فإن زعم أنهما اشترياه قيل فكم لك فيه؟ فإن قال ألفان فللمقر له الثلث، وإن قال ألف فللمقر له النصف، ولا أنظر إلى قيمة العبد قلت أو كثرت لأنهما قد يغبنان أو يغبنان، وكذلك لو قال له فيه شركة ألف كان القول فيها مثل القول في المسألة قبلها، ولو قال له من مالي ألف درهم سئل فإن قال من هبة قيل له إن شئت أعطه إياها، وإن شئت فدع، وإن قال من دين فهي من دين، وإن مات قبل أن يبين شيئا فهي هبة لا تلزمه إلا أن يقر ورثته بغير ذلك، وإن قال له من مالي

    ألف درهم بحق عرفته أو بحق لزمني أو بحق ثابت أو بحق استحقه فهذا كله دين، ولو قال له من هذا المال، ولم يضف المال إلى نفسه ألف درهم فله ألف درهم فإن لم يكن المال إلا ألفا فهي له، وإن كان أكثر من ذلك فليس له إلا الألف، وإن كان المال أقل من ذلك فليس له إلا ذلك الذي هو أقل، وإن ادعى الآخر أنه استهلك من المال شيئا استحلف
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال له من هذه الدار النصف فله النصف لأنه أقر له بشيء لم يضف ملكه إلى نفسه فإن ادعى النصف الباقي، وهو في يده فهو له، ولو بدأ فأضاف الدار إلى نفسه فقال له من داري هذه نصفها كانت هذه الدار هبة إذا زعم أنها هبة منه أو مات قبل أن يبين، وإن لم يمت سألناه أي شيء أراد؟ فإن كان أراد إقرارا ألزمناه إياه، والفرق بين هذين إضافة الملك إلى نفسه وغير إضافته، ولو قال له من داري هذه نصفها بحق عرفته له كان له نصفها، ولو قال له من ميراث أبي ألف درهم كان هذا إقرارا على أبيه بدين، ولو قال له في ميراثي من أبي كانت هذه هبة إلا أن يريد بها إقرارا لأنه لما أقر في ميراث أبيه أقر بأن ذلك على الأب، ولم يضف الملك إلى نفسه، وزعم أن ما أقر له به خارج من ملكه، ولو قال له من ميراث أبي ألف بحق عرفته أو بحق له كان هذا كله إقرارا على أبيه، ولو قال له علي ألف عارية أو عندي فهي دين، ولو كان هذا في عرض فقال له عندي عبد عارية أو عرض من العروض فهي عارية، وهي مضمونة حتى يؤديها لأن أصل ما نذهب إليه أن العارية مضمونة حتى يؤديها، ولو قال له في داري هذه حق أو في هذه الدار حق فسواء، ويقر له منها بما شاء، ويحلف إن ادعى الآخر أكثر منه، وكذلك إن مات أقر له الورثة بما شاءوا، ويحلفون ما يعلمون أكثر منه، ولو قال له فيها سكنى أقر به بما شاء من السكنى، وإلى أي مدة إن شاء يوما، وإن شاء أقل، وإن شاء أكثر
    ولو قال هذه الدار لك هبة عارية أو هبة سكنى كانت عارية وسكنى، وله منعه ذلك أو يقبضه إياها فإن أقبضه فله أن يخرجه منها متى شاء لأن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة، ولم يقبض كل ذلك حتى أخبر أنه إنما معنى قوله عارية أو هبة السكن، ولو قال لك سكنى إجارة بدينار في شهر فإن قبل ذلك المؤاجر فهي له، وإلا فلا شيء له، ولو لم يسم شيئا قلنا له سم كم مدة الإجارة؟ وبكم هي؟ فإذا سمى قليلا أو كثيرا فله الخيار في قبوله ذلك ورده
    ولو قال لك علي ألف درهم إن شئت أو هويت أو شاء فلان أو هوي فلان فإن شاء فلان أو هوي أو شاء هو أو هوي لم يكن عليه فيها شيء لأنه لم يقر له بشيء إلا أنه جعله له إن شاء أن يكون له، وهو إذا شاء لم يكن له ذلك إلا بأن يشاء هو
    ولو قال لك علي ألف درهم إن شهد بها علي فلان أو فلان، وفلان فشهدوا لم يلزمه من جهة الإقرار، وهذه مخاطرة، ويلزمه من جهة الشهادة إن كان ممن تجوز شهادتهما أو أحدهما، وحلف الآخر مع شاهده، وهذا مثل قوله لك علي ألف درهم إن قدم فلان أو خرج فلان أو كلمت فلانا أو كلمك فلان فهذا كله من جهة القمار، ولا شيء عليه
    ولو قال هذا لك بألف درهم إن شئت فشاء كان هذا بيعا لازما، ولكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا لأن هذا بيع لا إقرار
    ولو قال لعبده أنت حر بألف درهم إن شئت فقال قد شئت فهو حر، وعليه ألف درهم. وهكذا لو قال لامرأته أنت طالق بألف إن شئت فشاءت فهي طالق، وعليها ألف درهم، ولو لم تشأ هي، ولا العبد لم يكن العبد حرا، ولا هي طالقا، ولو قال هذا الثوب لك بألف درهم فقبله المشتري كان هذا بيعا، ومعناه أنه إن شاء، وكذلك كل مشتر إنما يلزمه ما شاء
    ولو قال لامرأته أنت طالق بألف ولعبده أنت حر بألف فاختار ذلك لزمه الطلاق والعتق.
    (قال الربيع) أنا أشك في سماعي من ها هنا إلى آخر الإقرار، ولكني أعرفه من قول الشافعي، وقرأه الربيع علينا.
    فإذا قال له علي ألف درهم، ولم يسم الألف قيل له أقر بأي ألف شئت إن شئت فلوسا، وإن شئت تمرا، وإن شئت خبزا، وأعطه درهما معها، وأحلف له أن الألف التي أقررت له بها هذه الألف التي بينتها فإنه ليس في قولك، ودرهم ما يدل على أن ما مضى دراهم، ولو زعمنا أن ذلك كذلك ما أحلفناك لو ادعى ألف دينار، ولكن لما كان قولك محتملا لما هو أعلى من الدراهم وأدنى لم نجعل عليك الأعلى دون الأدنى، ولا الأدنى دون الأعلى، وهكذا لو قال ألف وكر حنطة أو ألف وعبد أو ألف وشاة لم نجعل ها هنا إلا ما وصفنا بأن الألف ما شاء وما سمى، ولو جاز لنا أن نجعل الكلام الآخر دليلا على الأول لكان إذا أقر له بألف وعبد جعلنا عليه ألف عبد وعبدا. وهكذا لو أقر له بألف وكر حنطة جعلنا عليه ألف كر وكرا حنطة، ولا يجوز إلا هذا، وما قلت من أن يكون الألف ما شاء مع يمينه، ويكون ما سمى كما سمى، ولو أنه قال ألف وكر كان الكر ما شاء إن شاء فنورة، وإن شاء فقصة، وإن شاء فمدر يبني به بعد أن يحلف، ولو قال له علي ألف إلا درهما قيل له أقر بأي ألف شئت إذا كان الدرهم يستثنى منها ثم يبقى شيء قل أو كثر كأنك أقررت له بألف فلس، وكانت تسوى دراهم فيعطاها منك إلا درهما منها، وذلك قدر درهم من الفلوس، وهكذا إذا قلت ألف إلا كر حنطة، وألف إلا عبدا أجبرت على أن تبقي بعد الاستثناء شيئا قل أو كثر، ولو قال له علي ثوب في منديل قيل له قد يصلح أن تكون أقررت بثوب ومنديل ويصلح أن تكون أقررت له بثوب فجعلته في منديل لنفسك فتقول له: علي ثوب في منديل لي فعليك ثوب، وتحلف ما أقررت له بمنديل. وأصل ما أقول من هذا أني ألزم الناس أبدا اليقين، وأطرح عنهم الشك، ولا أستعمل عليهم الأغلب. وهكذا إذا قال تمر في جراب أو ثمر في قارورة أو حنطة في مكيال أو ماء في جرة أو زيت في وعاء، وإذا قال له علي كذا كذا أقر بما شاء واحدا، وإن قال كذا وكذا أقر بما شاء اثنين، وإن قال كذا وكذا درهما أعطاه درهمين لأن كذا يقع على درهم فإن قال كذا وكذا درهما قيل له أعطه درهما، أو أكثر من قبل أن كذا يقع على أقل من درهم فإن كنت عنيت أن كذا وكذا التي بعدها أوفت عليك درهما فليس عليك أكثر منه، والله تعالى الموفق للصواب.
    باب الشركة
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا شركة مفاوضة وإذا أقر صانع من صناعته لرجل بشيء إسكاف أقر لرجل بخف أو غسال أقر لرجل بثوب فذلك عليه دون شريكه إلا أن يقر شريكه معه، وإذا كانا شريكين فالشركة كلها ليست مفاوضة وأي الشريكين أقر فإنما يقر على نفسه دون صاحبه وإقرار الشريك، ومن لا شريك له سواء، وإذا أقر رجل في مرضه بدين لأجنبي، وقد أقر في صحته أو قامت بينة بديون فسواء إقراره في صحته ومرضه، والبينة في الصحة، والمرض والإقرار سواء يتحاصون معا لا يقدم واحد منهم على الآخر فإذا أقر لوارث فلم يمت حتى حدث وارث يحجب المقر له فإقراره لازم وإن لم يحدث فمن أجاز الإقرار للوارث وخالف بينه وبين الوصية أجازه له ومن رده رده له، ولو أقر لغير وارث ثم مات وارثه فصار المقر له وارثا أبطل إقراره، وكذلك كل ما أقر به بوجه من الوجوه فهو على هذا المثال، وإذا كان الرجلان شريكين فأوصى أحدهما أو أعتق أو دبر أو كاتب فذلك كله في مال نفسه كهيئة الرجل غير الشريك، وإذا أقر الرجل للحمل بدين كان إقراره باطلا حتى يقول كان لأبي هذا الحمل أو لجده علي مال فيكون ذلك إقرارا للذي أقر له به، وإن كان هذا الحمل وارثه أخذه، وإن كان له وارث معه أخذ معه حصته لأن الإقرار للميت، وإنما لهذا منه حصته، وإذا أوصى للحمل بوصية فالوصية جائزة إذا ولد لأقل من ستة أشهر من يوم وقعت الوصية حتى يعلم أنه كان ثم حمل ولو وهب

    لحمل نخلة أو تصدق عليه بصدقة غير موقوفة لم تجز بحال قبلها أبوه أو ردها إنما تجوز الهبات، والبيوع، والنكاح على ما زايل أمه حتى يكون له حكم بنفسه، وهذا خلاف الوصية في العتق، ولو أعتق حمل جاريته فولدت لأقل من ستة أشهر من يوم أعتقه كان حرا لأنا علمنا أنه قد كان ثم حمل، ولو ولد لستة أشهر فأكثر لم يقع عليه ثم عتق لأنه قد يمكن أن يكون هذا حادثا بعد الكلام بالعتق فلا يكون المقصود قصده بالعتق، ولو أقر بحمل لرجل لم يجز إقراره إذا كان هو مالك رقبة أمه، وكذلك لو وهبه له فإذا لم تجز فيه الهبة لم يجز فيه الإقرار، ولو قال مع إقراره: هذا الحمل لفلان أوصى لي رجل برقبة أمه، وله بحملها جاز الإقرار إذا ولدته لأقل من ستة أشهر من يوم تقع الوصية، وكل إقرار من صلح، وغير صلح كان فيه خيار من المقر فهو باطل، وذلك أن يقول أقر لك بكذا على أني بالخيار يوما أو أكثر أو أصالحك على كذا على أني أقر لك بكذا على أني بالخيار يوما أو أكثر أو أصالحك على كذا، على أني أقر لك بكذا، على أني بالخيار فلا يجوز حتى يقطع الإقرار، ولا يدخل فيه الاستثناء من المقر، وهكذا كل إقرار كان فيه استثناء، وذلك أن يقول لك علي ألف أو لك عندي إن شاء الله أو إن شاء فلان فلا يلزم حتى يكون الإقرار مقطوعا لا مثنوية فيه.
    (قال): ولو أقر لرجل أنه تكفل له بمال على أنه بالخيار، وأنكر المكفول له الخيار، ولا بينة بينهما فمن جعل الإقرار واحدا أحلفه ما كفل له إلا على أنه بالخيار وأبرأه، والكفالة لا تجوز بخيار، ومن زعم أنه يبعض عليه إقراره فيلزمه ما يضره، ويسقط عنه ما ادعى المخرج به ألزمه الكفالة بعد أن يحلف المكفول له لقد جعل له كفالة لا خيار فيه، والكفالة بالنفس على الخيار لا تجوز، وإذا جازت بغير خيار فليس يلزم الكافل بالنفس مال إلا أن يسمي مالا كفل به، ولا تلزم الكفالة بحد، ولا قصاص، ولا عقوبة، ولا تلزم الكفالة إلا بالأموال.
    (قال): ولو كفل له بما لزم رجلا في جرح، وقد عرف الجرح، والجرح عمد فقال أنا كافل لك بما لزمه فيه من دية أو قصاص فإن أراد المجروح القصاص فالكفالة باطلة لا يجوز أن يقتص من المتكفل، وإن أراد أرش الجراح فهو له، والكفالة لازمة لأنها كفالة بمال
    وهكذا إذا اشترى رجل دارا من رجل فضمن له رجل عهدتها وخلاصها فاستحقت الدار رجع المشتري بالثمن على الضامن إن شاء لأنه ضمن له خلاصها أو مالا، والخلاص مال يسلم له
    وإذا أقر رجل لرجل بشيء مشاع أو مقسوم فالإقرار جائز، وسواء قال لفلان نصف هذه الدار ما بين كذا إلى كذا أو لفلان نصف هذه الدار يلزمه الإقرار كما أقر، وكذلك لو قال له هذه الدار إلا نصفها كان له النصف، ولو قال له هذه الدار إلا ثلثيها كان له الثلث شريكا معه، وإذا قال له هذه الدار إلا هذا البيت كانت له الدار إلا ذلك البيت، وكذلك لو قال له هذا الرقيق إلا واحدا كان له الرقيق إلا واحدا فله أن يعزل أيهم شاء، وكذلك لو قال هذه الدار لفلان، وهذا البيت لي كان مثل قوله إلا هذا البيت إذا كان الإقرار متصلا لأن هذا كلام صحيح ليس بمحال، ولو قال هذه الدار لفلان بل هي لفلان كانت للأول، ولا شيء للثاني، ولو قال غصبتها من فلان، وملكها لفلان غيره فهي للذي أقر أنه غصبها منه، وهو شاهد للثاني، ولا تجوز شهادته لأنه غاصب، ولو قال غصبتها من فلان لا بل من فلان جاز إقراره للأول، ولم يغرم للثاني شيئا، وكان الثاني خصما للأول، وإذا أقر بشيء بعينه لواحد أو أكثر لم يضمن شيئا إذا كان الآخر لا يدعي عليه إلا هذه الدار فليس في إقراره لغيره، وإن حكم له بشيء بعينه لواحد أو أكثر لم يضمن شيئا إذا كان الآخر لا يدعي عليه إلا هذه الدار فليس في إقراره لغيره، وإن حكم له بشيء يكون حائلا دونه يضمنه، وإنما يضمن ما كان حائلا دونه، ولا يجد السبيل إليه، ومثل هذا لو قال أودعنيها فلان لا بل فلان.

    إقرار أحد الابنين بالأخ
    (أخبرنا الربيع) قال: (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا هلك الرجل فترك ابنين، وأقر أحدهما بأخ، وشهد على أبيه أنه أقر أنه ابنه لم يثبت نسبه، ولم يكن له من الميراث شيء لأن إقراره جمع أمرين أحدهما له، والآخر عليه، فلما بطل الذي له بطل الذي عليه، ولم يكن إقراره له بدين، ولا، وصية إنما أقر له بمال، ونسب فإذا زعمنا أن إقراره فيه يبطل لم يأخذ به مالا كما لو مات ذلك المقر له لم يرثه ألا ترى أن رجلا لو قال لرجل لي عليك مائة دينار فقال بعتني بها دارك هذه، وهي لك علي فأنكر الرجل البيع أو قال باعنيها أبوك، وأنت وارثه فهي لك علي، ولي الدار كان إقراره باطلا لأنه إنما يثبت على نفسه بمائة يأخذ بها عوضا فلما بطل عنه العوض بطل عنه الإقرار، وما قلت من هذا فهو قول المدنيين الأول.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال محمد بن الحسن - رحمه الله تعالى - ما ورد علينا أحد قط من أهل المدينة إلا، وهو يقول هذا: قال محمد بن الحسن - رحمه الله تعالى - وأخبرني أبو يوسف - رضي الله تعالى عنه - أنه لم يلق مدنيا قط إلا، وهو يقول هذا حتى كان حديثا فقالوا خلافه فوجدنا عليهم حجة، وما كنا نجد عليهم في القول الأول حجة.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولسنا نقول بحديث عمر بن قيس عن عمر بن الخطاب لأنه لا يثبت، وإنما تركناه لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ليس لعرق ظالم حق» والعروق أربعة عرقان ظاهران وعرقان باطنان فأما العرقان الباطنان فالبئر والعين وأما العرقان الظاهران فالغراس والبناء فمن غرس أرض رجل بغير إذنه فلا غرس له لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ليس لعرق ظالم حق»، وهذا عرق ظالم (وقال) لا يقسم نضح مع بعل، ولا بعل مع عين، ويقسم كل واحد من هذا على حدته (وقال) لا تضاعف الغرامة على أحد، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها، والضمان على أهلها بقيمة واحدة لا قيمتين (وقال) لا يدخل المخنثون على النساء، وينفون (وقال) الجد أحق بالولد.
    (قال): وإذا أبى المرتد التوبة قتل لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من بدل دينه فاقتلوه»، وهذا مبدل لدينه، وأن لنا أن نقتل من بلغته الدعوة، وامتنع من الإجابة من المشركين بلا تأن، وهذا لا يثبته أهل الحديث عن عمر، ولو فعله رجل رجوت أن لا يكون بذلك بأس، يعني في حديث عمر هل كان من مغربة خبر، وقال عمر لك ولاؤه في اللقيط.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأنه لا ولاء له لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «فإنما الولاء لمن أعتق» وهذا غير معتق، وأما قوله: فهو حر، فهو كما قال، وأما إنفاقه عليه من بيت المال فكذلك نقول والله أعلم.
    إقرار الوارث
    ودعوى الأعاجم
    أخبرنا الربيع قال حدثنا الشافعي إملاء، قال أخبرني محمد بن الحسن أن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه -، قال في الرجل يهلك، ويترك ابنين، ويترك ستمائة دينار فيأخذ كل واحد منهما ثلثمائة دينار ثم يشهد أحدهما أن أباه الهالك أقر بأن فلانا ابنه أنه لا يصدق على هذا النسب، ولا يلحق به، ولكنه يصدق على ما ورث فيأخذ منه نصف ما في يديه، وكذلك قال أهل المدينة إلا أنهم قالوا نعطيه ثلث ما في يديه

    قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأخبرني محمد بن الحسن أن ابن الماجشون عبد العزيز بن أبي سلمة، وجماعة من المدنيين كانوا عندهم بالعراق لا يختلفون في هذه المسألة أنه لا يكون للذي أقر له شيء من الميراث.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإنه لقول يصح، وذلك أنهم يقولون إنما زعم أن له حقا في يديه، ويدي أخيه بميراثه من أبيهما، وزعم أنهما يرثانه كما يرث أباهم فإذا حكمنا بأن أصل هذا الإقرار لا يثبت به نسب، وإنما زعمنا أنه يأخذ بالنسب لا بدين ولا وصية، ولا شيء استحقه في مال الميت غير النسب زعمنا أن لا يأخذ شيئا، قلت لمحمد بن الحسن كأنك ذهبت به إلى أنه قال بعتك هذا العبد بمائة دينار فهي لي عليك أو هذه الدار، ولك هذا العبد أو الدار فأنكرت، وحلفت لم يكن لك العبد، ولا الدار فإني إنما أقررت لك بعبد أو دار، وفي إقراري شيء يثبت عليك كما يثبت لك فلما لم يثبت عليك ما ادعيت لم يثبت لك ما أقررت به قال إن هذا الوجه يقيس الناس بما هو أبعد منه، وإنه ليدخل قلت وكيف لم تقل به؟ قال اخترنا ما قلت لما سمعته (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يثبت نسب أحد بنسبة رجل إلى غيره، وذلك أن الأخ إنما يقر على أبيه فإذا كان معه من حقه من أبيه كحقه فدفع النسب لم يثبت، ولا يثبت النسب حتى تجتمع الورثة على الإقرار به معا أو تقوم بينة على دعوى الميت الذي إنما يلحق بنفسه فيكتفى بقوله، ويثبت له النسب، واحتج بحديث ابن أمة زمعة، «وقول سعد كان أخي عهد إلي أنه ابنه، وقال عبد بن زمعة أخي، وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - هو لك يا ابن زمعة الولد للفراش»
    . دعوى الأعاجم
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال وإذا ادعى الأعاجم بولادة الشرك أخوة بعضهم لبعض فإن كانوا جاءونا مسلمين لا ولاء لأحد عليهم بعتق قبلنا دعواهم كما قبلنا دعوى غيرهم من أهل الجاهلية الذين أسلموا فإن كانوا مسبيين عليهم، ورقوا أو عتقوا فيثبت عليهم ولاء لم تقبل دعواهم إلا ببينة تثبت على ولاد ودعوى معروفة كانت قبل السبي، وهكذا من قل منهم أو كثر. أهل حصن كانوا أو غيرهم.
    الدعوى والبينات
    أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال ما كان بيد مالك من كان المالك من شيء يملك ما كان المملوك فادعاه من يملك بحال فالبينة على المدعي فإن جاء بها أخذ ما ادعى، وإن لم يأت بها فعلى المدعى عليه الشيء في يديه اليمين بإبطال دعواه فإن حلف بريء، وإن نكل قيل للمدعي لا نعطيك بنكوله شيئا دون أن تحلف على دعواك مع نكوله فإن حلفت أعطيناك دعواك، وإن أبيت لم نعطك دعواك، وسواء ادعاها المدعي من قبل الذي هي في يديه أنها خرجت إليه منه بوجه من الوجوه أو من قبل غيره أو باستحقاق أصل أو من أي وجه ما كان، وسواء كانت بينهما مخالطة أو لم تكن.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #275
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (275)
    صــــــــــ 245 الى صـــــــــــ 250







    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أصل معرفة المدعي والمدعى عليه أن ينظر إلى الذي الشيء في

    يديه يدعيه هو وغيره فيجعل المدعي الذي نكلفه البينة، والمدعى عليه الذي الشيء في يديه، ولا يحتاج إلى سبب يدل على صدقه بدعواه إلا قوله، وهكذا إن ادعى عليه دينا أو أي شيء ما كان كلف فيه البينة ودعواه في ذمة غيره مثل دعواه شيئا قائما بعينه في يدي غيره قال، وقاله أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه -.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار أو أي شيء ما كان لرجل فادعى أنه باعه من رجل، وأنكر الرجل فعلى المدعي البينة، لأنه مدع في ذمة الرجل وماله شيئا هو له دونه، والرجل ينكره فعليه اليمين، ولو كان الرجل يدعي شراء الدار، ومالك الدار يجحده كان مثل هذا، وعلى مدعي الشراء البينة لأنه يدعي شيئا هو في ملك صاحبه دونه، ولا يأخذ بدعواه دون أن يقيم بينة، وعلى الذي ينكر البيع اليمين وقاله أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه -
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا لو ادعى رجل دينا أو غصبا أو شيئا على رجل فأنكر الرجل لم يكن له أن يأخذه إلا ببينة، وعلى المنكر اليمين، ولو أقر له بدعواه، وادعى أنه قضاه إياه ففيها قولان أحدهما أن الدعوى لازمة له، ودعواه البراءة غير مقبولة منه إلا ببينة، ومن قال هذا فسواء عنده كان دعواه البراءة موصولا بإقراره أو مقطوعا منه، والقول الثاني أنه إذا كان لا يعلم حقه إلا بإقراره فوصل بإقراره دعواه المخرج كان مقبولا منه، ولا يكون صادقا كاذبا في قول واحد، ولو قطع دعواه المخرج من الإقرار فلم يصلها به كان مدعيا عليه البينة، وكان الإقرار له لازما، ومن قال هذا القول الآخر فينبغي أن تكون حجته أن يقول أرأيت رجلا قال لرجل لك علي ألف درهم طبرية أو لك عندي عبد زنجي، وادعى الرجل عليه ألفا وازنة أو ألفا مثاقيل أو عبدا بربريا أليس يكون القول قول المدعى عليه؟ وسواء في هاتين المسألتين أن يقر له بدين، ويزعم إلى أجل في القول الأول الدين حال، وعليه البينة أنه إلى أجل، والقول الثاني أن القول قوله إذا وصل دعواه بإقراره.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا كان الشيء في يد اثنين عبدا كان أو دارا أو غيره فادعى كل واحد منهما كله فهو في الظاهر بينهما نصفان، ويكلف كل واحد منهما البينة على ما في يدي صاحبه فإن لم يجد واحد منهما بينة أحلفنا كل واحد منهما على دعوى صاحبه فأيهما حلف بريء، وأيهما نكل رددنا اليمين على المدعي فإن حلف أخذ، وإن نكل لم يأخذ شيئا ودعواه النصف الذي في يد صاحبه كدعواه الكل ليس في يديه منه شيء لأن ما في يد غيره خارج من يديه، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقيم كل واحد منهما البينة على ما في يدي صاحبه، ولكل واحد منهما اليمين على صاحبه فأيهما حلف بريء، وأيهما نكل حبس حتى يحلف، وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إذا نكل عن اليمين قضينا عليه.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا تداعى الرجلان البيع فتصادقا عليه، واختلفا في الثمن فقال البائع بعتك بألفين، وقال المشتري اشتريت منك بألف والسلعة قائمة بعينها، ولا بينة بينهما تحالفا معا فإن حلفا معا فالسلعة مردودة على البائع، وأيهما نكل رددت اليمين على المدعى عليه، وإن نكل المشتري حلف البائع لقد باعه بالذي قال ثم لزمته الألفان فإن حلف البائع ثم نكل المشتري عن اليمين أخذ البائع الألفين لأنه قد اجتمع نكول المشتري، ويمين البائع على دعواه، وهكذا إن كان الناكل هو البائع، والحالف هو المشتري كانت بيعا له بالألف، ولو هلكت السلعة ترادا قيمتها إذا حلفا معا، وإذا كانت السنة تدل على أنهما يتصادقان في أن السلعة مبيعة، ويختلفان في الثمن، فإذا حلفا ترادا، وهما يتصادقان أن أصل البيع كان حلالا فلا يختلف المسلمون فيما علمت أن ما كان مردودا لو وجد بعينه في يدي من هو في يديه ففات أن عليه قيمته إذا كان أصله مضمونا، ولو جعلنا القول قول المشتري إذا فاتت السلعة كنا قد فارقنا السنة، ومعنى السنة، وليس لأحد فراقهما، وقد صار بعض المشرقيين إلى أن رجع إلى هذا القول فقال به، وخالف

    صاحبه فيه.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أقام أحدهما البينة على دعواه أعطيناه ببينته
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى رجل أنه نكح امرأة لم أقبل دعواه حتى يقول نكحتها بولي وشاهدين عدلين، ورضاها فإذا قال هذا، وأنكرت المرأة أحلفناها، فإن حلفت لم أقض له بها، وإن نكلت لم أقض له بها بالنكول حتى يحلف، فإذا حلف قضيت له بأنها زوجته، وأحلف في النكاح، والطلاق، وكل دعوى، وذلك أني وجدت من حكم الله تبارك وتعالى ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن الله عز وجل قضى أن يحلف الزوج القاذف، وتحلف الزوجة المقذوفة ثم دلت السنة على أن الحد يسقط عن الزوج، وقد لزمه لولا اليمين، والإجماع على أن الحد يسقط عن المرأة باليمين، والسنة تدل على أن الفرقة بينهما، وعلى نفي الولد فالحد قتل، ونفي الولد نسب فالحد على الرجل يمين فوجدت هذا الحكم جامعا لأن تكون الأيمان مستعملة فيما لها فيه حكم، ووجدت النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الأنصار أن يحلفوا، ويستحقوا دم صاحبهم فأبوا الأيمان فعرض عليهم أيمان يهود فلا أعرف حكما في الدنيا أعظم من حكم القتل، والحد، والطلاق، ولا اختلاف بين الناس في الأيمان في الأموال، ووجدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول «، واليمين على المدعى عليه» فلا يجوز أن يكون على مدعى عليه دون مدعى عليه إلا بخبر لازم يفرق بينهما بل الأخبار اللازمة تجمع بينهما.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا لو ادعت عليه المرأة النكاح وجحد كلفت المرأة البينة فإن لم تأت بها أحلف فإن حلف بريء، وإن نكل رددت اليمين على المرأة، وقلت لها احلفي فإن حلفت ألزمته النكاح، وهكذا كل شيء ادعاه أحد على أحد من طلاق، وقذف، ومال، وقصاص، وغير ذلك من الدعوى
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى رجل أن امرأته خالعته بعبد أو دار أو غير ذلك، وأنكرت المرأة كلف الزوج البينة فإن جاء بها ألزمته الخلع، وألزمتها ما اختلعت به، وإن لم يأت بها أحلفتها فإن حلفت برئت من أن يأخذ منها ما ادعى، ولزمه الطلاق، وكان لا يملك فيه الرجعة من قبل أنه يقر بطلاق لا يملك فيه رجعة، ويدعي مظلمة في المال فإن نكلت عن اليمين رددت اليمين على الزوج فإن حلف أخذ ما ادعى أنها خالعته عليه، وإن نكل لم أعطه بدعواه شيئا، ولا بنكولها حتى يجتمع مع نكولها يمينه
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى العبد على مالكه أنه أعتقه أو كاتبه، وأنكر ذلك مالكه فعلى العبد البينة فإن جاء بها أنفذت له ما شهد له به من عتق أو كتابة، وإن لم يأت بها أحلفت له مولاه فإن حلف أبطلت دعوى العبد، وإن نكل المولى عن اليمين لم أثبت دعوى العبد إلا بأن يحلف العبد فإن حلف أثبت دعواه فإن ادعى العبد التدبير فهو في قول من لا يبيع المدبر هكذا، وفي قول من يبيع المدبر هكذا إلا أنه يقال لسيد العبد لا يصنع اليمين شيئا، وقل قد رجعت في التدبير، ويكون التدبير مردودا، ولو أن مالك العبد قال قد أعتقتك على ألف درهم فأنكر العبد المال، وادعى العتق أو أنكر المال والعتق كان المالك المدعي فإن أقام السيد البينة أخذ العبد بالمال، وإن لم يقمها أحلف له العبد فإن حلف بريء من المال، وكان حرا في الوجهين لأن المولى يقر بعتقه فيهما فإن نكل العبد عن اليمين لم يثبت عليه شيء حتى يحلف مولاه فإن حلف ثبت المال على العبد، وإن نكل السيد عن اليمين فلا مال على العبد، والعتق ماض
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو تعلق رجل برجل فقال أنت عبد لي، وقال المدعى عليه بل أنا حر الأصل فالقول قوله فأصل الناس الحرية حتى تقوم بينة أو يقر برق، وكلف المدعي البينة فإن جاء بها كان العبد رقيقا، وإن أقر العبد له بالرق كان رقيقا له، وإن لم يأت بالبينة أحلف له العبد فإن حلف كان حرا، وإن نكل لم يلزمه الرق حتى يحلف المدعي على رقه فيكون رقيقا له.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا الأمة مثل العبد سواء، وهكذا

    كل ما يملك إلا في معنى واحد فإن رجلا أو امرأة لو كانا معروفين بالحرية فأقرا بالرق لم يثبت عليهما الرق
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الرجل على الرجل دما أو جراحا دون الدم عمدا أو خطأ فسواء، وعليه البينة فإن جاء بها قضي له فإن لم يأت بها، ولا بما يوجب القسامة في الدم دون الجراح أحلف المدعى عليه فإن حلف بريء، وإن نكل عن اليمين لم ألزمه بالنكول شيئا حتى يحلف المدعي فإن حلف ألزمت المدعى عليه جميع ما ادعى عليه.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأيمان الدماء مخالفة جميع الأيمان الدم لا يبرأ منه إلا بخمسين يمينا، وما سواه يستحق، ويبرأ منه بيمين واحدة إلا اللعان فإنه بأربعة أيمان، والخامسة التعانه، وسواء النفس، والجرح في هذا يقبله بالذي نقصه به من نكوله عن اليمين، ويمين صاحبه المدعى عليه.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وخالفنا بعض الناس رحمة الله عليه في هذا فزعم أن كل من ادعى جرحا أو فقأ عينين أو قطع يدين، وما دون النفس أحلف المدعى عليه فإن نكل اقتص منه ففقأ عينيه، وقطع يديه، واقتص منه فيما دون النفس، وهكذا كل دعوى عنده سواء، وزعم أن في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «واليمين على المدعى عليه» دليل على أنه إذا حلف بريء فإن نكل لزمته الدعوى ثم عاد لما احتج به من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فنقضه في النفس فقال إن ادعى عليه قتل النفس فنكل عن اليمين استعظمت أن أقتله، وحبسته حتى يقر فأقتله أو يحلف فأبرئه قال مثل هذا في المرأة يلتعن زوجها وتنكل.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا أعلمه إلا خالف في هذا ما زعم أنه موجود في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نحقه، ولم نبطله كان ينبغي إذا فرق بين النفس، وما دونها من الجراح أن يقول لا أحبسه إذا نكل عن اليمين، ولا أجعل عليه شيئا إذا كان لا يرى النكول حكما، وهو على الابتداء لا يحبس المدعى عليه إلا ببينة فإن كان للنكول عنده حكم فقد خالفه لأن النكول عنده يلزمه ما نكل عنه، وإن لم يكن للنكول حكم في النفس فقد ظلمه بحبسه في قوله لأن أحدا لا يحبس أبدا بدعوى صاحبه، وخالفه صاحبه، وفر من قوله فأحدث قولا ثانيا محالا كقول صاحبه فقال ما عليه حبس، وما ينبغي أن يرسل، واستعظم الدم، ولكن أجعل عليه الدية فجعل عليه دية في العمد، وهو لا يجعل في العمد دية أبدا، وخالف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أنه يخير ولي الدم في القصاص أو الدية ثم يقول ليس فيه إلا القصاص إلا أن يصطلحا فأخذ لولي الدم ما لا يدعي، وأخذ من المدعى عليه ما لا يقر به، وأحدث لهما من نفسه حكما محالا لا خبرا، ولا قياسا، وإذا كان يأخذ دماء الناس في موضع بشاهدين حتى يقتل النفس، وأكثر ما نأخذ به موضحة من شاهدين أو إقرار فما فرق بين الدم والموضحة، وما هو أصغر منها
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى رجل على رجل كفالة بنفس أو مال فجحد الآخر فإن على المدعي الكفالة البينة فإن لم تكن له بينة فعلى المنكر اليمين فإن حلف بريء، وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المدعي فإن حلف لزمه ما ادعى عليه، وإن نكل سقط عنه غير أن الكفالة بالنفس ضعيفة، وقال أبو حنيفة رحمه الله على مدعي الكفالة البينة فإن لم تكن له بينة فعلى المنكر اليمين فإن حلف بريء، وإن نكل لزمته الكفالة
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى على رجل أنه أكراه بيتا من دار شهرا بعشرة، وادعى المكتري أنه اكترى الدار كلها ذلك الشهر بعشرة فكل واحد منهما مدع على صاحبه، وعلى كل واحد منهما البينة فإن لم تكن بينة فعلى كل واحد منهما اليمين على دعوى صاحبه فإن أقام كل واحد منهما البينة على دعواه فالشهادة باطلة، ويتحالفان، ويترادان، وإن كان سكن الدار أو بيتا منها فعليه كراء مثلها بقدر ما سكن، وهكذا لو أنه ادعى أنه اكترى منه دابة إلى مكة بعشرة، وادعى رب الدابة أنه أكراه إياها إلى أيلة بعشرة كان الجواب

    فيها كالجواب في المسألة قبلها، ولو أقام أحدهما بينة، ولم يقم الآخر أجزت بينة الذي أقام البينة، وقاله أبو حنيفة.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا تداعى الرجلان الدار كل واحد منهما يقول هي لي في يدي، وأقاما معا على ذلك بينة جعلتها بينهما نصفين من قبل أنا إن قبلنا البينة قبلنا بينة كل واحد منهما على ما في يده، وألغيناها عما في يدي صاحبه فأسقطناها، وجعلناها كدار في يدي رجلين ادعى كل واحد منهما كلها فيقضى لكل واحد منهما بنصفها، ونحلفه إذا ألغينا البينة على دعوى صاحبه
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان العبد في يدي رجل فادعاه آخر، وأقام البينة أنه كان في يديه أمس فإنه لا تقبل منه البينة على هذا لأنه قد يكون في يديه ما ليس له، ولو أقام البينة أن هذا العبد أخذه هذا منه أو انتزع منه العبد أو اغتصبه منه أو غلبه على العبد، وأخذه منه أو شهدوا أنه أرسله في حاجته فاعترضه هذا من الطريق فذهب به أو شهدوا أنه أبق من هذا فأخذه هذا فإن هذه الشهادة جائزة، ويقضى له بالعبد فإن لم تكن له بينة فعلى الذي في يديه العبد اليمين فإن حلف بريء، وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المدعي فإن حلف أخذ ما ادعى، وإن نكل سقط دعواه، وإنما أحلفه على ما ادعى صاحبه.
    (قال أبو يعقوب) - رحمه الله تعالى - تقبل بينته، ويترك في يديه كما كان.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار، وغيرها من المال في يدي رجل فادعاه رجل أو بعضه فقال الذي هو في يديه ليس هذا بملك لي، وهو ملك لفلان، ولم يقم بينة على ذلك فإن كان فلان حاضرا صير له، وكان خصما عن نفسه، وإن كان فلان غائبا كتب إقراره له، وقيل لهذا المدعي أقم البينة على دعواك، وللذي هو في يديه ادفع عنه فإن أقام المدعي البينة عليه قضي له به على الذي هو في يديه، وكتب في القضاء إني إنما قبلت بينة فلان المدعي بعد إقرار فلان الذي هو في يديه بأن هذه الدار لفلان، ولم يكن فلان المقر له، ولا وكيل له حاضرا فقالت البينة لفلان المدعي هذه الدار على ما حكيت في كتابي، ويحكي شهادة الشهود، وقضيت له بها على فلان الذي هي في يديه، وجعلت فلانا المقر له بها على حجته يستأنفها فإذا حضر أو وكيل له استأنف الحكم بينه وبين المقضي له، وإن أقام الذي هي في يديه البينة أنها لفلان الغائب أودعه إياها أو أكراه إياها فمن قضى على الغائب سمع بينته، وقضى له، وأحلفه لغيبة صاحبه أن ما شهد به شهوده لحق، وما خرجت من ملكه بوجه من الوجوه، وكتب له في كتاب القضاء إني سمعت بينته، ويمينه، وفلان الذي ذكر أن له الدار غائب لم يحضر، ولا وكيل له فإذا حضر جعله خصما، وسمع بينته إن كانت، وأعلمه البينة التي شهدت عليه فإن جاء بحق أحق من حق المقضي له قضى له به، وإن لم يأت به أنفذ عليه الحكم الأول، وإن سأل المحكوم له الأول القاضي أن يجدد له كتابا بالحكم الثاني عند حضرة الخصم كان عليه أن يفعل فيحكي ما قضى به أولا حتى يأتي عليه ثم يحكي أن فلانا حضر، وأعدت عليه البينة، وسمعت من حجته وبينته ثم يحكيها ثم يحكي أنه لم ير له فيها شيئا، وأنه أنفذ عليه الحكم الأول، وقطع حجته بالحكم الآخر.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وليس في القضاء على الغائب إلا واحد من قولين إما لا يقضى على غائب بدين، ولا غيره، وإما يقضى عليه في الدين وغيره، ونحن نرى القضاء عليه بعد الأعذار، وقد كتبنا الأعذار في موضع غير هذا، وسواء كان إقرار الذي الدار في يديه قبل شهادة الشهود أو بعدها، وسواء هذا في جميع الأحوال.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي رجل فادعى رجل أنها له آجرها إياه، وادعى آخر أنها له، وأنه أودعها إياه فكل واحد منهما مدع، وعلى كل واحد منهما البينة فإن أقاما بينة فإنه يقضي بها نصفين، وقاله أبو حنيفة - رضي الله عنه -.
    (قال الربيع) حفظي عن الشافعي أن الشهادتين باطلتان، وهو أصح القولين.
    (قال

    الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار أو العبد في يدي رجل فادعى رجل أنه غصبه إياه في وقت وأقام بينة على ذلك، وادعى آخر أنه أقر أنه وديعة له في وقت بعد الغصب، وأقام على ذلك بينة فإنه يقضي به لصاحب الغصب، ولا يقضي لصاحب الإقرار بشيء، ولا يجوز إقراره فيما غصب من هذا وصاحب الغصب هو المدعي، وعليه البينة
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى رجل أنه اشترى من رجل عبدا، وأمة بألف درهم، ونقده الثمن، وهما في يدي البائع فقال البائع إنما بعتك العبد وحده بألف درهم فإنهما يتحالفان، ويتفاسخان، والله أعلم.
    باب الدعوى في الميراث
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت دار في يد رجل فادعاها رجلان كل واحد منهما يقيم البينة على أنها له من وقت كذا إلى وقت كذا، وأنه ورثها عن أبيه في وقت كذا حتى يحيط العلم أن إحدى البينتين كاذبة بغير عينها فهذا مثل الشهادة على النتاج فمن زعم في النتاج أنه يبطل البينتين لأن إحداهما كاذبة بالإحاطة، ولا نعرفها، ويجعل النتاج للذي هي في يديه لإبطال البينة أبطل هاتين البينتين، وأقر الدار في يدي صاحبها، ومن زعم أنه يحق البينة التي معها السبب الأقوى فيجعل كينونة النتاج في يدي صاحبها بسبب أقوى ففي هذا قولان أحدهما أن تكون بينهما نصفين، والآخر أن يقرع بينهما فأيهما خرجت القرعة له كانت له كلها، ولو كانت البينة شهدت على وقتين مختلفين لم يكن فيه إلا أن يقرع بينهما أو تكون الدار بينهما نصفين لأنه قد يمكن في هذا أن تكون البينتان صادقتين، وكل ما أمكن أن تكون البينتان صادقتين فيه مما ليس في يدي المدعيين هكذا، وكل ما لم يمكن إلا أن تكون إحدى البينتين كاذبة فكالمسألة الأولى، وسواء هذا في كل شيء ادعى، وبأي ملك ادعى الميراث، وغيره في ذلك سواء
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت أمة في يدي رجل فادعاها رجل أنها كانت لأبيه وأقام بينة أن أباه مات، وتركها ميراثا لا يعلمون له وارثا غيره، وأقام آخر بينة أنه اشتراها من أبي هذا، ونقده الثمن فإنه يقضي بها للمشتري، وشهادة الشراء تنقض شهادة الميراث، وهكذا لو شهدوا على صدقة مقبوضة من الميت في صحته أو هبة أو نحل أو بعطية أو عمرى من قبل أن شهود الميراث قد يكونون صادقين على الظاهر أن يعلموا الميت مالكا، ولا يعلمونها خرجت من يديه فيسعهم على هذا الشهادة، ولو توقوا فشهدوا أنها ملك له، وأنهم لا يعلمونها خرجت من يديه حتى مات كان أحب إلي، وإن كانت الشهادة فيه على البت فهي على العلم، وليس هؤلاء يخالفون شهود الشراء، ولا الصدقة، وشهود الشراء، والصدقة يشهدون على أن الميت أخرجها في حياته إلى هذا فليس بينهم اختلاف إلا أنه خفي على هؤلاء ما علم هؤلاء
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت دار أو أرض أو بستان أو قرية في يدي رجل، وادعى رجل أنها له، وأقام بينة أنها لأبيه ولم يشهدوا أنه مات، وتركها ميراثا فإنه لا يقضي له، ولا تنفذ هذه الشهادة إلا أن يشهدوا أنها لم تزل لأبيه حتى مات، وإن لم يذكروا أنه تركها ميراثا، وكذلك لو شهدوا أنها كانت لجده.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي رجل فأقام رجل شاهدين أن أباه مات، وتركها ميراثا فأقام آخر شاهدين أن أب هذا المدعي تزوج عليها أم هذا وأن أمه فلانة ماتت، وتركتها ميراثا فإنه يقضي بها لابن المرأة لأن الرجل قد خرج منها حيث تزوج عليها، وهذا مثل خروجه منها بالبيع، وشهادة النساء في ملك الأموال كلها مع شهادة الرجال جائزة، ولا تجوز على أن

    فلانا مات، وترك فلانا وفلانا لا وارث له غيرهما من قبل أن هذا يثبت نسبا، وشهادتهن لا تجوز إلا في الأموال محضة، وما لا يراه الرجال من أمر النساء.
    باب الشهادة على الشهادة
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد رجلان على شهادة رجلين فقد رأيت كثيرا من الحكام والمفتين يجيزه فمن أجازه فينبغي أن يكون من حجته أن يقول ليسا بشاهدين على شهادة أنفسهما، وإنما يشهدان على شهادة رجلين فهما رجلان كل واحد منهما على رجل ورجل، وأدل من هذا على امرئ كأنه يشبه أن يجوز أن يقول رجل ألا ترى أنهما لو شهدا على شهادة رجلين أن هذا المملوك لهذا الرجل بعينه، وشهدا على شهادة رجلين آخرين أن هذا المملوك بعينه لآخر غيره لم يكونا شاهدي زور، وإنما أديا قول غيرهما، ولو كانا شاهدين على الأصل كانا شاهدي زور، وقد سمعت من يقول لا أقبل على رجل إلا شهادة رجلين، وعلى آخر شهادة آخرين غيرهما، ومن قال هذا ينبغي أن يكون من حجته أن يقول أنا أقيمهما مقام الشاهد نفسه فلم يكن لهما أكثر من حكمه فهو لو شهد مرتين على شيء واحد لم يكن إلا مرة فكذلك إذا شهدا هما على الآخر لم يكن إلا مرة فلا تجوز شهادتها، وينبغي أن يقول من قال هذا أنهما إنما كانا غير مجروحين في شهادتهما على أربعة مختلفين لأنهما لم يشهدا على العيان، وهما لا يقومان إلا مقام من شهدا على شهادته فلا يجوز أن يقوم اثنان إلا مقام واحد إذ لم يجز أن يجوز على الواحد إلا اثنان
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجوز على شهادة المرأة إلا رجلان، ولا يجوز عليها رجل وامرأتان لأن هذا ليس بمال.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا كانت دار في يدي رجل فأقام رجل عليها بينة أن أباه مات وتركها ميراثا، ولم يشهدوا على الورثة، ولا يعرفونهم فإن القاضي يكلف الورثة البينة أنهم أولاد فلان بأعيانهم، وأنهم لا يعلمون له وارثا غيرهم فإن أقاموا البينة على ذلك دفع الدار إليهم، وإن لم يقيموا البينة على ذلك، وقف الدار أبدا حتى يأتوا ببينة أنهم ورثته، ولا وارث له غيرهم، ولا يؤخذ من الوارث كفيل بشيء مما يدفع إليه بعد أن يستحقه، ولو أخذته منه أخذته ممن قضيت له على آخر بدار أو عبد، وأخذته ممن قضيت له على رجل بدين، وممن حكمت له بحكم ما كان، وقاله أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي رجل، وادعاها آخر، وأقام بينة أن أباه مات، وتركها ميراثا منذ سنة لا يعلمون له وارثا غيره، وأقام الذي هي في يديه البينة أن أباه مات، وتركها ميراثا منذ سنة فإنها للذي هي في يديه، وقال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - أقضي بها للمدعي.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن الذي في يديه الدار أقر أن الدار كانت لأبي المدعي، وأن أباه اشتراها منه، ونقده الثمن، وأقام على ذلك بينة قبل منه ذلك لأن الدار في يديه، وهو أقوى سببا، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - مثله إلا أنه يجعله المدعي في هذه المنزلة




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #276
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (276)
    صــــــــــ 251 الى صـــــــــــ 256






    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي رجل فأقام رجل عليها البينة أن أباه مات، وتركها ميراثا له، ولأخويه فلان وفلان لا يعلمون له وارثا غيرهم، وإخوته كلهم غيب غيره فإن الدار تخرج من يدي الذي هي في يديه، وتصير ميراثا، ويدفع إلى الحاضر من الورثة حصته فإن كان للغائب من الورثة وكلاء دفع إليهم حق من هم وكلاؤه، وإلا وقفت أنصباؤهم من الدار، وأكريت لهم حتى يحضروا، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -

    يدفع إلى الحاضر حقه، وتترك بقية الدار في يدي الذي كانت الدار في يديه

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي ورثة، وواحد منهم غائب فادعى رجل أنه اشترى نصيب ذلك الغائب فمن قال لا يقضى على الغائب فإنه لا يقبل منه، وخصمه غائب، وليس أحد من هؤلاء الورثة بخصمه، وإن كانوا كلهم مقرين بنصيب الغائب أنه له، ومن قضى للغائب قضى للمشتري ببينته، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - لا يقضى على غائب

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أكانت الدار في يدي رجل، وابن أخيه فادعى العم أن أباه مات، وتركها ميراثا له لا وارث له غيره، وادعى ابن الأخ أن أباه مات، وتركها ميراثا له لا وارث له غيره فإن لم يكن لواحد منهما بينة فإنه يقضي بها بينهما نصفين

    (قال): وإذا كانت الدار في يدي رجل، وابن أخيه فقال العم هي بين، والدي، وأخي نصفان، وأقر ابن الأخ بذلك، وأقام العم البينة أن أباه مات قبل أبيه فورثه أبوه، وابنه لا وارث له غيرهما ثم مات أبوه فورثه هو لا وارث له غيره، وأقام ابن الأخ البينة أن الجد مات قبل أخيه، وأنه ورثه ابناه أحدهما أبو ابن الأخ، والآخر العم الباقي، ولا وارث له غيرهما ثم مات أبوه فورثه هو لا وارث له غيره فمن ذهب إلى أن تلغى البينة إذا كانت لا تكون إلا أن يكذب بعضها بعضا ألغى هذه البينة، وجعل هذه الدار على ما أقرا بها للميتين، وورث ورثتهما الأحياء والأموات لأنه يجعل أصل الملك لمن أقرا له به، ومن ذهب إلى أن يقرع بينهما أقرع بينهما فأيهما خرج سهمه قضي له بما شهد له شهوده، وألغى شهود صاحبه، ومن ذهب إلى أن يقبل من كل واحد منهما البينة عما في يده، ويلغيها عما في يدي صاحبه قبلها ثم أثبت النصفين على أصل ما أقرا به، وأثبت لكل واحد منهما النصف وورث كل واحد منهما من ورثه كان حيا يومه هذا أو ميتا قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - أقضي في هذه بنصيب كل واحد منهما لورثته الأحياء، ولا ترث الأموات من ذلك شيئا فأقضي بنصف الدار لابن الأخ، وبنصف الدار للعم

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا مات الرجل، وترك أخا لأبيه وأمه فعرفه القاضي أو شهد له بذلك شهوده، ولا يعلم الشهود ولا القاضي أن له وارثا غيره ليس أكثر من علم النسب فإن القاضي لا يدفع إليه شيئا لأنه قد يكون أخا، ولا يكون وارثا، ولو كان مكان الأخ ابن فشهد الشهود أن هذا ابنه، ولم يشهدوا على عدد الورثة، ولا على أنه وارثه لا وارث له غيره وقف القاضي ماله وتلوم به، وسأل عن البلدان التي وطئها هل له فيها ولد فإذا بلغ الغاية التي لو كان له فيها ولد لعرفه، وادعى الابن أن لا وارث له غيره دفع إليه المال كله، ولا يدفعه إلا بأن يأخذ به ضمينا بعدد المال، وحكاية أنه لم يقض له إلا بأنه لم يجد له وارثا غيره فإذا جاء وارث أخذ الضمناء بإدخال الوارث عليه بقدر حقه، وإن كان مكان الابن أو معه زوجة أعطاها ربع الثمن، ولا يعطيها إياه حتى يشهد الشهود أن زوجها مات، وهي له زوجة، ولا يعلمونه فارقها، وإنما فرق بينها وبين الابن أن ميراثها محدود الأكثر محدود الأقل فالأقل ربع الثمن، والأكثر الربع، وميراث الابن غير محدود الأقل محدود الأكثر فالأكثر الكل، والأقل لا يوقف عليه أبدا إلا بعدد الورثة، وقد يكثرون ويقلون.

    باب شهادة أهل الذمة في المواريث

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا تجوز شهادة أحد خالف الأحرار البالغين المسلمين على شيء من الدنيا لأن الله تبارك وتعالى قال {ممن ترضون من الشهداء}، ولا رضا في أحد خالف الإسلام، وقال الله تبارك وتعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} ومنا المسلمون، وليس منا من خالف الإسلام، ولو كان

    رجل يعرف بالنصرانية فمات وترك ابنين أحدهما مسلم، والآخر نصراني فادعى النصراني أن أباه مات نصرانيا، وادعى المسلم أن أباه أسلم قبل أن يموت وقامت البينة أن لا وارث للميت غيرهما، ولم تشهد على إسلامه ولا كفره غير الكفر الأول فهو على الأصل، وميراثه للنصراني حتى يعلم له إسلام، ولو أقاما جميعا البينة، وأقام النصراني شاهدين مسلمين أنه أباه مات نصرانيا، والمسلم شاهدين نصرانيين أن أباه أسلم قبل أن يموت فالميراث للنصراني الذي شهد له المسلمان، ولا شهادة للنصرانيين، ولو كان الشهود جميعا مسلمين صلى عليه، ومن أبطل البينة إذا كانت لا تكون إلا أن يكذب بعضها بعضا جعل الميراث للنصراني، وأقره على الأصل، ومن رأى أن يقرع بينهما أقرع، ورجع الميراث للذي خرجت قرعته، ومن رأى أن يقسم الشيء إذا تكافت عليه البينة دخلت عليه في هذا شناعة وقسمة بينهما فأما الصلاة عليه فليست من الميراث إنما نصلي عليه بالإشكال على نية أنه مسلم كما نصلي عليه لو اختلط بالمسلمين موتى، ولم يعرف على نية أنه مسلم قال الربيع، وفيه قول آخر أن الشهود إن كانوا جميعا مسلمين فشهد اثنان أنه مات مسلما، وشهد اثنان أنه مات نصرانيا، ولم نعلم أي شيء كان أصل دينه فإن الميراث موقوف عليهما حتى يصطلحا فيه لأنهما يقران أن المال كان لأبيهما وأحدهما مسلم، والآخر كافر فمتى قسمناه بينهما كنا قد ورثنا كافرا من مسلم أو مسلما من كافر فلما أحاط العلم أن هذا المال لا يكون إلا لواحد، ولا يعرف الواحد وقفناه أبدا حتى يصطلحا فيه، وهذا القول معنى قول الشافعي في موضع آخر.

    (قال الربيع) قال مالك يقسم المال بينهما

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي رجلين مسلمين فأقرا جميعا أن أباهما مات وتركها ميراثا، وقال أحدهما كنت مسلما، وكان أبي مسلما، وقال الآخر كنت أنا أيضا مسلما، وكذبه الآخر وقال كنت أنت كافرا، وأسلمت أنت بعد موت أبي، وقال هو بل أسلمت قبل موت أبي، وأقر أن أخاه كان مسلما قبل موت أبيه فإن الميراث للمسلم الذي يجمع عليه، ويكون على الآخر البينة أنه أسلم قبل موت أبيه، وكذلك لو كانا عبدين فقال أحدهما لأخيه أعتقت بعد موت أبيك، وقال الآخر بل أعتقت قبل موت أبي أنا وأنت جميعا فقال الآخر أما أنا فقد أعتقت قبل موت أبي، وأما أنت فأعتقت بعد موت أبيك فالميراث للذي يجمع على عتقه، وعلى الآخر البينة، وقال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - ذلك

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي ذمي فادعى مسلم أن أباه مات، وتركها ميراثا لا يعلمون له وارثا غيره، وأقام على ذلك بينة من أهل الذمة، وادعى فيها ذمي مثل ذلك، وأقام بينة من أهل الذمة فإن الدار للذي هي في يديه، ولا يقضى بها لمن ادعاها بشهادة أهل الذمة، ويحلف الذي الدار في يديه للذي ادعاها، ومن كانت بينته من المسلمين قضيت له بالدار

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي ورثة فقالت امرأة الميت وهي مسلمة زوجي مسلم مات، وهو مسلم، وقال ولده، وهم كبار كفار بل مات أبونا كافرا، وجاء أخو الزوج مسلما، وقال بل مات أخي مسلما، وادعى الميراث، والمرأة مقرة بأنه أخوه، وأنه مسلم فإن كان الميت معروفا بالإسلام فهو مسلم، وميراثه ميراث مسلم، وإن كان الميت معروفا بالكفر كان كافرا، وإن كان غير معروف بالإسلام، ولا بالكفر كان الميراث موقوفا حتى يعرف إسلامه من كفره ببينة تقوم عليه

    (قال الشافعي): وإذا مات المسلم، وله امرأة فقالت كنت أمة فأعتقت قبل أن يموت أو ذمية فأسلمت قبل أن يموت أو قامت عليها بينة بأنها كانت أمة أو ذمية، وادعت العتق والإسلام قبل أن يموت الزوج فأنكر ذلك الورثة، وقالوا إنما كان العتق والإسلام بعد موته فالقول قول الورثة، وعلى المرأة البينة إذا عرفت بحال فهي من أهلها حتى تقوم البينة على خلافها، ولو كانت المسألة بحالها فقال الورثة كنت ذمية أو أمة أسلمت أو أعتقت بعد موته فقالت لم أزل مسلمة حرة كان القول

    قولها لأنها الآن حرة مسلمة فلا يقضى عليها بخلاف ذلك إلا ببينة تقوم أو إقرار منها، وهكذا الأصل في العلم كله لا يختلف فيه

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أقرت المرأة بأن زوجها طلقها طلقة واحدة في صحته، وانقضت عدتها ثم قالت راجعني قبل أن يموت، وقال الورثة لم يراجعك فالقول قول الورثة لأنها قد أقرت أنها خارجة، وادعت الدخول في ملكه فلا تدخل في ملكه إلا ببينة تقوم، ولو كانت المسألة بحالها، وقالت لم تنقض عدتي، وقال الورثة قد انقضت كان القول قولها.

    باب للدعويين إحداهما في وقت قبل وقت صاحبه

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان العبد في يدي رجل فأقام الرجل البينة أنه له منذ سنتين، وأقام الذي هو في يديه البينة أنه له منذ سنة فهو للذي هو في يديه، والوقت الأول، والوقت الآخر سواء، وكذلك لو كان في أيديهما فأقاما جميعا البينة على الملك إنما أنظر إلى الحال التي يتنازعان فيها فإذا شهد لهما جميعا في تلك الحال أنهما مالكان لم أنظر إلى قديم الملك وحديثه، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - هي للذي في يديه، وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - هي للمدعي، ولا أقبل من الذي هي في يديه البينة

    وقال الشافعي وإذا كانت أمة في يدي رجل، وادعى رجل أنها له منذ سنة، وأقام على ذلك بينة، وادعى الذي هي في يديه أنها في يديه منذ سنتين، وأقام البينة أنها في يديه منذ سنتين، ولم يشهدوا أنها له فإني أقضي بها للمدعي، وقاله أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه -

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدابة في يدي رجل فأقام رجل البينة أنها له منذ عشر سنين فنظر الحاكم في سن الدابة فإذا هي لثلاث سنين فإنه لا يقبل بينة الذي أقام أنها له منذ عشر سنين، وقاله أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه -

    (قال الشافعي): - رضي الله تعالى عنه - وإذا كانت الدار في يدي رجل، وادعاها رجل فأقام البينة أنها له منذ سنة وأقام الآخر البينة أنه اشتراها من الذي ادعى منذ سنتين، وهو يومئذ يملكها فإني أقضي بها لصاحب الشراء من قبل أني أجعلها ملكا له فأخرجها من يدي الذي هي في يديه فإذا جعلته مالكا أجزت عليه بيع ما يملك، وليس في شهادتهم أنها له منذ سنة ما يبطل أنها له منذ سنتين أو أكثر.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو شهدوا أنه باعها بثمن مسمى، وقبض المشتري الدار، ولم يشهدوا أنه يملكها فإني أقضي بها لصاحب الشراء، وإن لم يشهدا على قبض الدار أجزت شهادتهم، وجعلت له الشراء، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - أجيز له شهادتهم إذا شهدوا أن المشتري قبض الدار، وإن لم يشهدوا على القبض لم أجز شهادتهم

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت أرض في يدي رجل يقال له عبد الله فأقام آخر يقال له عبد الملك البينة أنه اشتراها من رجل يقال له عبد الرحمن بثمن مسمى، ونقده الثمن فإنه لا تقبل بينته على هذا حتى يشهدوا أن عبد الرحمن باعها، وهو يومئذ يملكها فإن شهدوا أنها أرض هذا المدعي اشتراها من فلان بثمن مسمى، ونقده الثمن كان هذا جائزا.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهدوا أنه باعها، وهو يومئذ يملكها أو شهدوا أنها أرض هذا المدعي اشتراها من فلان بكذا وكذا، ونقده الثمن كان هذا جائزا.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا شهدوا أنه اشترى شيئا من رجل، ولم يقولوا أن البالغ كان يملكه حين باعه لم أجز شهادتهم، ولو لم يشهدوا أنها للمشتري، وشهدوا أنها للبائع باعها من هذا، وهو يملكها بثمن مسمى، وقبض الثمن، ولم يذكروا أنه يملكها، وقبضها منه أجزت ذلك، وإذا لم يشهدوا أن البائع باعها، وهو يملكها، ولم يشهدوا أنها للمشتري، ولم يشهدوا على القبض لم

    أقبل شهادتهم على شيء من ذلك، وما قبلت به شهادتهم، وقضيت به للمسلمين فقدم البائع فأنكر جعلته على حجته فيه، وأعدت عليه نسخة ما شهد به عليه، وأطردته جرحهم كما أصنع به في الابتداء

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدابة في يدي رجل فأقام البينة أنها له، وأقام رجل أجنبي بينة أنها له فهي للذي هي في يديه، وسواء أقام الذي هي في يديه بينة على أنها له بميراث أو شراء أو غير ذلك من الملك أو لم يقمها أو أقام البينة على وقت أو لم يقمها، وسواء أقام الأجنبي البينة على ملك أقدم من ملك هذا أو أحدث أو معه أو لم يقمها إنما أنظر إلى الشهود حين يشهدون فأجعلها للذي هو أحق في تلك الحال

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يد رجلين فأقام أحدهما البينة أنها كلها له منذ سنة، والآخر البينة أن له كلها منذ سنتين فهي بينهما نصفان أقبل بينة كل واحد منهما على ما في يده، وأطرحها عما في يد غيره إذا شهد شهود له بخلافها.

    (قال أبو يعقوب) يقضى بها لأقدمهما ملكا كلها.

    (قال الربيع) هي بينهما نصفان (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا لو أقام أحدهما البينة على أن له نصفها أو ثلثها، وأقام الآخر البينة أن له كلها جعلت ما شهد به شهود الذين شهدوا على أقل من النصف له، وما بقي من الدار للآخر، وهكذا الأمة، وما سواها.

    باب الدعوى في الشراء والهبة والصدقة

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا كانت الدار في يدي رجل فادعى رجل أنه اشتراها بمائة درهم، ونقده الثمن، وادعى الآخر أنه اشتراها منه بمائتي درهم، ونقده الثمن ولم توقت واحدة من البينتين وقتا فإن كل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصفها بنصف الثمن الذي سمى شهوده، ويرجع على البائع بنصفه فإذا اختار البيع فهو جائز لهما فإن اختار أحدهما البيع، واختار الآخر الرد فللذي اختار نصفها بنصف الثمن، ولا يكون له كلها إذا وقع الخيار من الحاكم.

    (قال الربيع) وفيه قول آخر أن البيع كله مفسوخ بعد الأيمان إذا لم يعرف أيهما أول، ويرجع إلى صاحبها الأول فمن أقر له المالك بأنه باعه أولا فهو للذي باعه أولا، وهو قياس قول الشافعي

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي رجل أو العبد أو الأرض أو الدابة أو الأمة أو الثوب فأقام رجل البينة أنه اشتراه من فلان وهو يملكه بثمن مسمى، ونقده الثمن فادعى آخر أنه اشتراه من رجل، وهو يملكه بثمن مسمى، ونقده الثمن، وأقام على ذلك بينة فإنه يقضي بالثوب للذي هو في يديه

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان الثوب في يدي رجل فأقام رجلان عليه البينة كل واحد منهما يقيم البينة أنه ثوبه باعه من الذي هو في يديه بألف درهم أو أنه باعه منه بألف درهم، ولم تقل الشهود إنه ثوبه قال يقضي به بينهما نصفين، ويقضي لكل واحد على المشتري بنصف الثمن لأن كل واحد يستحق نصفه، ولو شهد لكل واحد على إقرار المشتري أنه اشترى منه قضى عليه بالثمن لكل واحد، وقاله أبو حنيفة - رضي الله عنه -

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدابة في يدي رجل فادعى رجل أنه اشتراها من فلان بمائة درهم، وهو يملكها، ونقده الثمن، وادعى آخر أن فلانا آخر وهبها له، وقبضها منه وهو يومئذ يملكها، وكان معهم من يدعي ميراثا عن أبيه، وهو يملكها، وأقام على ذلك بينة، وادعى آخر صدقة من آخر، وهو يملكها، وأقام على ذلك بينة قال فمن قضى بالبينتين المتضادتين قضي بها بينهم أرباعا، ومن قال أقرع بينهم قضى بها لمن خرجت له القرعة، ومن قال ألغيها كلها إذا تضادت ألغاها كلها.

    (قال الربيع) ألغيها كلها إذا تضادت (قال الشافعي):

    - رحمه الله تعالى - فإذا كان الكراء بدا فاسدا فعليه كراء مثل الدار فيما سكن بقدر ما سكن.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا تنازع الرجلان المال فأنظر أيهما كان أقوى سببا فيما يتنازعان فيه فأجعله له فإذا استوى سببهما فليس واحد منهما بأحق به من الآخر، وهما فيه سواء فإذا تنازعا المال فهما مستويان في الدعوى فإن كان ما يتنازعان فيه في يد أحدهما فللذي هو في يديه سبب أقوى من سبب الذي ليس هو في يديه فهو له مع يمينه إذا لم تقم لواحد منهما بينة فإن أقام الذي ليس في يديه بينة بدعواه قيل للذي هو في يديه البينة العادلة التي لا تجر إلى نفسها بشهادتها، ولا تدفع عنها إذا كانت للمدعي أقوى من كينونة الشيء في يدك من قبل أن كينونته في يدك قد تكون، وأنت غير مالك فهو للذي أقام البينة بفضل قوة سببه على سببك فإن أقاما معا البينة عليه قيل قد استويتما في الدعوى، واستويتما في البينة، وللذي هو في يديه سبب بكينونته في يده هو أقوى من سببك فهو له بفضل قوة سببه، وهذا معتدل على أصل القياس لو لم يكن فيه سنة، وفيه سنة بمثل ما قلنا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبي يحيى عن إسحاق بن أبي فروة عن عمر بن الحكم عن جابر بن عبد الله «أن رجلين تداعيا دابة فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي هي في يديه»، وهذا قول كل من حفظت عنه ممن لقيت في النتاج، وفيما لا يكون إلا مرة، وخالفنا بعض المشرقيين فيما سوى النتاج، وفيما يكون مرتين فقال إذا أقاما عليه بينة كان للذي ليس هو في يديه، وزعم أن الحجة له أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه»، وزعم أنه لا يخلو خصمان من أن يكون أحدهما مدعيا في كل حالة، والآخر مدعى عليه في كل حالة، ويزعم أن المدعي الذي تقبل منه البينة لا يكون إلا من لا شيء في يديه فأما من في يديه ما يدعي فذلك مدعى عليه لا مدع، ولا نقبل البينة من المدعى عليه فقيل له أرأيت ما ذكرنا، وذكرت من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل البينة من صاحب الدابة الذي هي في يديه، وقضى له بها، وأبطل بينة الذي ليس هي في يديه لو لم يكن عليك حجة إلا هو أما كنت محجوجا على لسانك أو ما كان يلزمك في أصل قولك أن لا تقبل بينة الذي هي في يديه؟ فإن قال إنه إنما قضى بها للذي في يديه لأنه أبطل البينتين معا لأنهما تكافأتا. قلنا فإن قلته دخل عليك أن تكون البينة حين استوت باطلا.

    (قال): ولو أقام على دابة رجل في يديه بينة أنها لكل واحد منهما أبطلته، ولو أقاما بينة على شيء في يد أحدهما من غير نتاج أبطلتها لأنها قد تكافأت، ولزمك في ذلك الموضع أن تحلف الذي في يده الدابة لأنه مدعى عليه كمن لم يقم بينة، ولم تقم عليه (قال): ولا أقول هذا، وذكر أن إحدى البينتين لا تكون أبدا إلا كاذبة من قبل أن الدابة لا تنتج مرتين. قلنا فإن زعمت أن إحداهما كاذبة بغير عينها فكيف أبطلت إحداهما، وأحققت الأخرى فأنت لا تدري لعل التي أبطلت هي الصادقة، والتي أحققت هي الكاذبة فقل ما أحببت (قال): فإن قلت هذا لزمني ما قلت، ولكني أسألك. قلت بعد قطعك الجواب قال أسألك قلت: فسل قال أفيخالف الحديث الذي رويتموه في النتاج الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه؟» قلنا: لا قال فمن المدعي، ومن المدعى عليه؟ قلت: المدعى عليه كل من زعم أن شيئا له كان بيديه أو بيدي غيره لأن الدعوى معقولة في كلام العرب أنها

    قول الرجل هذا لي، والمدعى عليه كل من زعم أن قبله حقا في يديه أو ماله أو قوله لا ما ذهبت إليه.

    (قال): فما يدل على ما قلت؟ قلنا ما لا أحسب أحدا يجهله من اللسان (قال): فما قوله «البينة على المدعي» قلنا السنة في النتاج، وإجماع الناس أن ما ادعى مما في يديه له حتى تقوم عليه بينة بخلافه يدلان على أن قوله «البينة على المدعي» يعني الذي لا سبب له يدل على صدقه إلا دعواه، واليمين على المدعى عليه لا سبب يدل على صدقه إلا قوله.

    (قال): فأين هذا؟ قلنا من قال لرجل لي في يديك مال ما كان أو عليك حق قلته أو فعلته فقال مالك قبلي، ولا علي حق أليس القول قوله مع يمينه؟ قال: بلى قلنا فهذا يدلك على أن المدعي للبراءة مما ادعي عليه، والمال في يديه هو الذي لا يكلف بينة، وإن كان مدعيا أو يكلف الذي لا سبب له بدعواه البينة أرأيت لو كان هذا حين ادعى البراءة مما ادعي عليه، وادعى الشيء الذي في يديه، وله سبب يدل على صدقه يكلف بينة أما كان الحق لازما له إلا ببينة يقيمها؟ قال فإن قلت هو المدعى عليه أليس هو المدعي؟ قلنا فإذا كان مدعى عليه لم تقبل منه بينة؟ قال نعم قلنا فإن أقام بينة ببراءة من حق دفعه أو بطل عنه بغير وجه الدفع أتقبلها منه؟ قال نعم، وأجعله حينئذ مدعيا قلنا فهو إذا قد يكون في الشيء الواحد مدعيا مدعى عليه، وليس هو هكذا زعمت

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا تداعى الرجلان الشيء، وهو في يد أحدهما دون الآخر فأقاما معا عليه بينة فالبينة بينة الذي هو في يديه إذا كانت البينة مما يقضى بمثله مثل شاهد وامرأتين أو شاهدين فأقام الآخر عشرة وأكثر فسواء لأنا نقطع بهؤلاء كما نقطع بهؤلاء، وسواء كان بعضهم أرجح من بعض لأنا نقطع بالأدنيين إذا كانوا عدولا مثل ما يقطع بالأعليين ألا ترى أنا لا ننقص صاحب الأدنيين لو أقامهما على الانفراد عما يعطى صاحب الأعليين لو أقامهما على الانفراد؟ فإذا كان الحكم بهم واحدا فسببهما من جهة البينتين مستو، وقال في الإبل، والبقر، وجميع الدواب الضواري المفسدة للزرع أنه لا حد، ولا نفي على بهيمة، وقد قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما أفسدت المواشي أنه ضامن على أهلها، وقضى على أهل الأموال بحفظها بالنهار، وقضاؤه عليهم بالحفظ لأموالهم بالنهار إبطال لما أصابت في النهار، وتغريم لما أصابت في الليل، وفي هذا دلالة على أنها لا تباع على أهلها، ولا تنفى من بلدها، ولا تعقر، ولا يعدى بها ما قضى به النبي - صلى الله عليه وسلم -

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقر الرجل للرجل بشيء ما كان من ذهب أو فضة أو عرض من العروض فوصل إقراره بشيء من الكلام من معنى الإقرار بصفة لما أقر به أو أجل فيما أقر به فالقول قوله في أول الكلام وآخره، وذلك مثل أن يقول له علي ألف درهم سوداء أو طبرية أو يزيدية أو له علي عبد من صفته أو طعام من صفته أو ألف درهم تحل في سنة أو سنتين فالقول قوله في هذا كله لأني إذا لم أثبت عليه من هذا شيئا إلا بقوله لم يجز أن أجعل قولا واحدا أبدا إلا حكما واحدا لا حكمين. ومن قال أقبل قوله في الدراهم، وأجعل ذكره الأجل دعوى منه لا أقبلها إلا ببينة لزمه أن يقول إذا أقر بألف درهم كانت نقد البلد الذي أقر به فإن أقر به فإن وصل إقراره بأن يقول طبرية جعلته مدعيا لأنه قد نقص من وزن ألف درهم، ومن أعيانها، وإن أقر بطعام فزعم أنه طعام حولي جعلت عليه طعاما جديدا، ولزمه أن يقول لو قال له علي ألف درهم إلا عشرة يلزمه ألف، ويبطل الثنيا، ولزمه لو قال امرأته طالق ثلاثا إلا واحدة أن يقع الثلاث، ويبطل الثنيا في الواحدة، ولزمه لو قال رقيقي أحرار إلا واحدا أن يكونوا أحرارا، ويبطل الثنيا، ولكنه لو قال علي ألف درهم ثم سكت وقطع




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #277
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (277)
    صــــــــــ 257 الى صـــــــــــ 262






    الكلام ثم قال إنما عنيت ألف درهم إلا عشرة ألزمناه إقراره الأول، ولم نجعل له الثنيا إذا خرج من الكلام، ولو جعلناه له بعد خروجه من الكلام وقطعه إياه جعلناه له بعد أيام، وبعد زمان، وإن قال لك علي ألف درهم من ثمن متاع بعتنيه أو وديعة أو سلف، وقال إلى أجل فسواء، وهي إلى الأجل إلا في السلف فإن السلف حال، الوديعة حالة فلو أن رجلا أسلف رجلا ألف درهم إلى سنة كانت حالة له متى شاء أن يأخذ السلف لأن السلف عارية لم يأخذ بها المسلف عوضا فلا يكون له أخذها قبل ما شرط المسلف فيها، وهكذا الوديعة، وجميع العارية من المتاع، وغيره فلصاحبه أخذه متى شاء، وسواء غر المعار أو المسلف من شيء أو لم يغره إلا أن الذي يحسن في هذا مكارم الأخلاق، وأن يفي له فأما الحكم فيأخذها متى شاء، وإذا كان للرجل على الرجل الدين إلى أجل من الآجال قريب أو بعيد فأراد الذي عليه الدين السفر، وسأل الذي له الدين أن يحبس عن سفره، وقال سفره بعيد، والأجل قريب أو يؤخذ له كفيل أو رهن لم يكن ذلك له، وقيل إذا حل الأجل طلبته حيث كان أو ماله فقضى لك فيه من يرى القضاء على الغائب، ومالك حيث وضعته، وكما وضعته لا يحيله عما تراضيتما به خوف ما لا يدري يكون أو لا أنت ترضى أن تكون أعطيته إياه لا سبيل لك عليه فيه إلى الأجل ثم نجعل لك عليه السبيل قبل الأجل، ولسنا نعطي بالخوف ما لم يكن لما أعطيته، ولا ترضى ذمته، ونأخذ لك مع ذمته رهنا، وجميلا به، وكذلك لو بعته متاعا إلى أجل فلم تدفعه إليه حتى تعلم أنه غير مليء جبرناك على دفعه إليه، ولم نفسخ بينكما البيع حتى يحل الأجل فيكون مفلسا لأنه قد يمكن أن يوسر قبل الأجل


    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الرجل على المرأة أنه تزوجها بولي وشهود ورضاها أحلفت فإن حلفت لم أثبت عليها النكاح، وإن نكلت رددنا عليه اليمين فإن حلف ثبت النكاح، وإن لم يحلف لم يثبت، وكذلك لو كانت هي المدعية للنكاح عليه لم أحلفها حتى تزعم أن العقد كان صحيحا برضاها، وشاهدي عدل وولي فإن زعم أن العقد نقص من ذا لم أحلفها، وذلك أنهما لو عقدا هذا ناقصا فسخت النكاح فلا أحلفها على أمر لو كان فسخته، وكذلك هو في جميع هذا

    (قال الشافعي): - رضي الله عنه - وإذا أقر الرجل أنه أعتق عبده على ألف أو أقل أو أكثر سئل فإن قال جعلته حرا إن أدى إلي ألفا قيل للعبد إن شئت فأد إليه ألفا، وأنت حر، وإن شئت لا تؤدي لم يكن لك حرية فإن ادعى العبد أنه أعتقه عتقا بتاتا على غير شيء أحلفنا السيد فإن حلف بريء، وإن نكل ردت اليمين على العبد فإن حلف عتق، وإن قال السيد أعتقته عتق بتات، وضمن لي بالعتق مائة دينار أثبتنا عليه العتق، وجعلناه مدعيا في المائة إنما نجعل القول قوله إذا زعم أنه لم يوقع العتق، وأنه جعله لشيء أراده لأنه لم يقر فيه بحرية متقدمة، وإنما أقر بحرية تقع فإن قبلها العبد وقعت، وإن لم يصدقه لم تقع كما زعمنا في المسألة الأولى، ولو قال بعته نفسه بألف درهم فإن صدقه العبد فهو حر، وعليه ألف درهم، وإن ادعى العتق، وأنكر الألف فهو حر، والسيد مدع، وعلى العبد اليمين (قال الربيع) وفيه قول آخر أن بيع العبد من نفسه باطل فإن أعطاه المائة عتق بالصفة إذا كان قال له إن أعطيتني مائة فأنت حر، ولم يعتق بسبب البيع لأنه غير مبيع
    (قال الشافعي): - رحمه الله - وكذلك لو قال كاتبته على ألف، وادعى العبد أنه أعتقه فإن قال قائل كيف تصيره رقيقا، وهو

    يقدر على أن يعتق بشيء يفعله، وهو لو أعتقه سيده فقال لا أقبل العتق كان حرا، ولم نجعل له الخيار في أن يكون رقيقا؟ قيل له إن شاء الله تعالى كل ما أقر به السيد أنه قد وقع به عتق ماض لم يرد العتق الماضي كقوله بعتك من رجل وأعتقك فيكون حرا، ولا يكون على الرجل ثمنه إلا أن يقر به، وما زعم أن العتق يقع فيه مستأنفا بشيء يؤديه العبد أو يفعله لم يقع العتق إلا بأن يوفيه العبد أو يفعله كقوله للعبد أنت حر إن أعطيتني درهما أو إن دخلت الدار أو إن مسست الأرض أو إن أكلت هذا الطعام فإن فعل من هذا شيئا كان حرا، وإن لم يفعله كان رقيقا، وكانت المشيئة فيه إلى العبد، وللسيد أن يرجع فيبيعه، ويبطل ما جعله له لأن العتق إنما يثبت له إذا فعل شيئا فكلما لم يفعله فهو خارج من العتق، وعلى أصل الملك، وكل هذا مخالف للكتابة لأنه في الكتابة يملك ماله الذي يكون به حرا إلى وقته فالمكاتب زائل في هذا الموضع عن حكم العبد، وإن كان قال له شيئا من هذا فوقت وقتا فقال إن فعلته قبل الليل أو قبل أن نفترق من المجلس ففعله العبد قبل أن يحدث السيد فيه بيعا أو شيئا يقطع اليمين فهو حر، وإن فعله بعد الوقت لم يكن حرا، وإن لم يوقت فمتى فعله العبد كان حرا، وإن قال لا أفعل ثم فعله كان حرا

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا مات لرجل شاة أو بعير أو دابة فاستأجر من يطرحها بجلدها فالإجارة فاسدة فإن تراجعا قبل طرحها فسخناها، وإن طرحها جعلنا له أجر مثله، ورددنا الجلد إن كان أخذه على مالك الدابة الميتة فإن قال قائل، ومن أين تفسد؟ قيل من وجهين أحدهما أن جلد الميتة لا يحل بيعه ما لم يدبغ فالإجارة لا تحل إلا بما يحل بيعه، ومن قبل أنه لو كان جلد ذكي لم يحل بيعه، وهو غير مسلوخ من قبل أنه قد يتلف، ويعاب في السلخ، ويخرج على غير ما يعرف صاحبه

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعت الأمة على سيدها أنها أم ولد له أحلف السيد لها فإن حلف كانت رقيقا، وإن نكل أحلفت فإن حلفت كانت أم ولد، وإن لم تحلف كانت رقيقا له، وكذلك الرجل يدعي على الرجل الحر أنه عبده أحلفه له أيضا مثل أم الولد سواء، وكذلك كل ما ورد عليك من هذه الأشياء فهو هكذا قلت أرأيت بيع العذرة التي يزبل بها الزرع قال لا يجوز بيع العذرة ولا الروث ولا البول كان ذلك من الناس أو من البهائم، ولا شيئا من الأنجاس، وليس شيء من الحيوان بنجس ما كان حيا إلا الكلب والخنزير فهذان لما لزمتهما النجاسة في الحياة لم تحل أثمانهما (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا ابن أبي يحيى عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه كان يشترط على الذي يكريه أرضه أن لا يعيرها، وذلك قبل أن يدع عبد الله الكراء (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا تباع عظام الميتة. ولو أوقدتها تحت قدر أو غيرها لا أعلم تحريما لأن يؤكل ما في القدر، ولا يستمتع من الميتة بشيء إلا الجلد إذا دبغ، ولولا الخبر في الجلد ما جاز أن يستمتع به، وإن كان معقولا في الجلد أن الدباغ يقلبه عن حاله التي كان بها إلى حال غيرها فيصير يصب فيه الماء فلا يفسد الماء، وتذهب عنه الرائحة، وينشف الدباغ فضوله والعظم والشعر بحالهما لا دباغ لهما يغيرهما، ويقلبهما كما يقلب الجلد والصوف مثل الشعر

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو وجب لرجل على رجل قصاص في قطع يد أو جرح غيره أو نفس هو وليها فقال الذي له القصاص قد صالحتك مما لي عليك من القصاص على أرشه، وقال الذي عليه القصاص ما صالحتك والقصاص لك فإن شئت فخذه، وإن شئت فدعه، قلنا للمدعي الصلح أنت في أصل ما كان لك كنت غنيا عن الصلح لأن أصل ما وجب لك الخيار بين أن تقتص وبين أن تأخذ الأرش مكانك حالا في مال

    الجاني، وتدع القصاص فلا يبطل ذلك لك بقولك صالحتك، ولكن من زعم أنه كان له القصاص، ولم يكن له إلا القصاص، ولم يكن له أن يأخذ ما لا أبطل القصاص عن الذي وجب عليه القصاص بأن المدعي زعم أنه قد أبطل حقه فيه إذ قال قد عفوته على مال، وأنكر الذي عليه القصاص المال فعليه اليمين، وإذا أقام البينة على الشيء في يدي الرجل فسأل المقام عليه البينة الحاكم أن يحلفه له مع بينته لم يكن له إحلافه مع البينة إذا كان اثنان فصاعدا، فإن قال قد علم غير ما شهدت به بينته من أنه قد أخرجه إلى من ملكه بوجه من الوجوه أو قد أخرجه إلى من أخرجه إلي فعليه اليمين لأن هذه دعوى غير ما قامت به البينة لأن البينة قد تكون صادقة بأنه له بوجه من الوجوه، ويخرجه هو بلا علم البينة فتكون هذه يمينا من غير جهة ما قامت عليه البينة فإذا شهد شاهدان لرجل أن هذه الدار داره مات، وتركها ميراثا، وورثه فلان وفلان لا وارث له غيرهما فالشهادة جائزة، وقد كان ينبغي أن يتوقيا فيقولان لا نعلمها خرجت من يده.

    ولا نعلم له وارثا لأنه قد يمكن أن تكون خرجت من يديه بغير علمهما، ويدعي وارثا بغير علمهما غير من سميا فإنما أجزنا الشهادة على البت، وقد يمكن خلافه بمعنى أن البت فيها هو العلم، وذلك أنه لا يعلم هذا شاهد أبدا، ولا ينبغي في هذا غير هذا، وإلا تعطلت الشهادات ألا ترى أني قبلت قول الشاهد إن هذه الدار داره لم يزد على هذا فقد يمكن أن تكون غير داره بكل وجه بأن يخرجها هو من ملكه أو يكون ملكها عن غير مالك أو غصبها ألا ترى أني أجيز الأيمان على الأمر قد يمكن غيره في القسامة التي لم يحضرها المقسم، وفي الحق يكون لعبد الرجل وابنه، ويجيزها من خالفنا على البت فيحلف الرجل لقد باع هذا العبد بريئا من الإباق، وبريئا من العيوب، وقد يمكن أن يكون أبق بغير علمه، ويكون عنده هذا العيب بغير علمه، وأقبل الشهادة على البت والعلم معا، ومعنى البت معنى العلم إذا كان لا يمكن في البت إلا العلم

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وللرجل أن يكري داره، ويؤاجر عبده يوما وثلاثين سنة لا فرق بين ذلك وذلك أنه إذا كان مسلطا على أن يخرج رقبة داره، ورقبة عبده إلى غيره بعوض، وغير عوض لم يكن ممنوعا أن يخرج إليه منفعتهما ومنفعتها أقل من رقابهما

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا أقر الرجل لقوم أن أباهم كان أسلفه مالا، وأنه قد قضاه والدهم أو الرجل يقر بالدين للرجل عليه عند القوم على وجه الشكر للذي أسلفه يحمده بذلك أنه قد أقرضه، وقضاه قال الربيع لم يجئ بالجواب

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا تكارى الرجل من الرجل الدار بعشرين دينارا على أن الدار إن احتاجت إلى مرمة رمها المكتري من العشرين الدينار قال أكره هذا الكراء من قبل شيئين أحدهما أن يكون المكتري أمين نفسه إن أراد المكري أن يرمها، ويمنع المكتري أن يرمها كان لم يف له بشرطه، وإن جبرت المكري على أن يرمها المكتري كان قد يرمها بالقليل والكثير، ولم يعقد له وكالة على شيء يعرفه بعد ما كان، والوجه الآخر أنها قد تحتاج إلى مرمة لا يضر بالساكن تركها، وإنما يلزم رب الدار مرمة ما يضر بالساكن تركه فإن وقع الكراء على هذا فسخناه قبل السكن وبعده، وقبل النفقة وبعدها فإن أنفق فيها أقل من عشرين دينارا كان القول قوله مع يمينه، فإن بلغ العشرين أو زاد عليها فهو متعد فإن كان أدخل فيها ما ليس منها قيل له انقضه فأخرجه إن شئت، وإن شئت فدعه، وعليه كراء مثل الدار إذا سكن

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الرجل دارا في يدي رجل فأقام البينة أنها دار أبيه كان أصح للبينة أن تشهد أنه مات وتركها ميراثا فإن لم يشهدوا بها، وشهدوا أنها دار أبيه كان يملكها لا يزيدون على ذلك قضينا لأبيه، ولا ندفع إليه ميراثه، وإن كان أبوه حيا تركنا الدار في يدي الذي هي في يديه حتى يوكل أو يحضر فينظر ما يقول، فإن مات أبوه أو كان يوم شهدت البينة ميتا كلفنا ابنه

    البينة على عدد ورثته ثم قضينا بها لهم على قدر مواريثهم فإن جاء بالبينة أن أباه مات، ولم يأت بالبينة على عدد ورثته وقفناها، وعرفنا غلتها حتى تعرف ورثته فإن ادعوها دفعناها إليهم وغلتها فإن ادعاها بعضهم، وكذب بعضهم الشهود رددنا حصة من أكذب الشهود من الدار والغلة، وأنفذنا حصة من ادعى

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال رجل من دخل المسجد فهو ابن الفاعلة فبئس ما قال، ولا حد عليه، ولو كان المسجد جامعا يصلي فيه انبغى أن يعزر، وإنما منعنا من حده أنه لم يقصد قصد أحد بعينه بفرية، وأنه قد يمكن أن لا يدخل المسجد من له حد فرية، وهكذا لو قال من رماني بحجر أو شتمني أو أعطاني درهما أو أعانني فهو ابن كذا وكذا لم يكن في هذا حد، وإنما قلت هذا من قبل أنه قال من فعل بي من قبل أن يفعل به، وهذا قياس على العتق قبل الملك

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإن أصيب رجل برمية فشجه موضحة فقال من رماني فهو ابن كذا لفرية فقال رجل أنا رميتك صدق على نفسه، وكان عليه أرش الشجة أو القصاص فيها إن كان عمدا أو الأرش إن كان خطأ، ولا يصدق على الذي افترى عليه إن قال المفتري المشجوج ما قصدت قصد هذا بفرية، ولا علمته رماني، وإذا أقر لي بأنه شجني فأنا آخذ منه أرش شجتي، وإن قال قد علمت حين رماني أنه رماني فافتريت عليه بعد العلم لم آخذ منه حقه في الشجة، ولا حد له، فإن قال قائل لم لا تحده وقد كان الكلام بعدما كان الفعل؟ قيل إن الكلام كان غير مقصود به القذف، وقد قال الله تبارك وتعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} فكان بينا أن المأمور بجلده ثمانين هو من قصد قصد محصنة بقذف لا من وقع قذفه على محصنة بحال، ألا ترى أنه لو كان يحد من كان لم يقصد قصد القذف إذا وقع القذف بمثل ما تقع به الأيمان فقال قائل إن كان خرج رجل من الكوفة ثم قدم عليها الساعة فهو ابن كذا فقدم تلك الساعة رجل حر مسلم كان عليه الحد من قبل أن القذف كان بعد خروجه من الكوفة، وكان القدوم بعده، والقدوم لا يكون إلا والخروج متقدم له قبل الكلام بالقذف، وهذا لا حد عليه من قبل أنه يمكن أن لا يقدم في تلك الساعة، وأنه لم يقصد قصده بقذف، ولو كان الحد يقع بما تقع به الأيمان كان الرجل لو قال: غلامي حر إن ضربني أو إن أطاعني أو إن عصاني ففعل من هذا شيئا كان حرا، ولو قال من ضربني فهو ابن كذا فضربه رجل لم يكن عليه حد، ولا يجوز فيه، والله تعالى أعلم إلا ما قلت من أنه إنما يكون الحد على من قصد قصد أحد بالفرية أو يكون الحد على من وقعت فريته بحال كما تقع الأيمان

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا تجوز شهادة النساء مع الرجال ولا منفردات إلا في موضعين أن يشهدن على مال لا غيره مع رجل أو يشهدن على ما يغيب من أمر النساء منفردات فإن شهدت امرأتان مع رجل أنهما سمعتا فلانا يقر بأن هذا ابنه لم تجز شهادتهن لأن هذا لا يثبت به مال إلا وقد تقدمه ثبوت نسب، وليس تجوز شهادتهن على الأنساب، ولا في موضع إلا حيث ذكرت، وإذا لم يثبت له النسب لم نعطه المال
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقام الرجل البينة أن هذه الدار التي في يدي هذا الرجل دار أبيه مات حرا مسلما، وتركها ميراثا غير أنا لا نعرف كم عدد ورثته، ونشهد أن هذا أحدهم قضينا بها للميت على الذي هي في يديه لأنا نقضي للميت بمحضر الوارث الواحد، ونقف حق الغيب حتى يأتوا أو يوكلوا أو يموتوا فتقوم ورثتهم مقامهم، ونقف هذه الدار ونستغلها، ولا نقضي لهذا الحاضر منها بشيء لأنا لا ندري أحصته منها الكل أو النصف

    أو جزء من مائة جزء أو أقل، ولا يجوز أن يكون نعطيه شيئا، ونحن لا ندري لعله ليس له، وإن قامت بينة أعطيناه بما شهدت به البينة، وسلمنا له حصته من الغلة والدار فإن لم تقم بينة كان ذلك موقوفا، وسواء طال الزمان في ذلك أو قصر فإن قال قائل أفرأيت الرجل يموت وعليه الدين فتحضر غرماؤه فيثبتون على ديونهم، ويحلفون، وتصح في دينه كيف تقضي لهؤلاء، وأنت لا تدري لعل له غرماء لهم أكثر مما لهؤلاء فلا يصيب هؤلاء مثل ما تقضي لهم فإن جاء غيرهم من غرمائه أدخلتهم عليهم؟ قيل لافتراق الدين والميراث، فإن قال قائل فأين افتراقهما؟ قيل الدين في ذمة من عليه الدين حيا كان أو ميتا يجب في الحياة مثل الذي يجب في الوفاة، ولا يخرج ذو الدين حيا كان أو ميتا فيما بينه وبين الله عز وجل، ولا في الحكم إلا أن يؤدي دينه، ولو كان حيا فدفع إلى أحد غرمائه دون غيره من غرمائه كان ذلك جائزا للمدفوع إليه لأن أصل الدين في ذمته، وأهل الدين أحق بمال ذي الدين حيا كان أو ميتا منه ومن ورثته بعده، والدين مطلق كله لا بعضه في ذمته، والورثة ليسوا يستحقون، وذو المال على شيء، وإنما نقل الله عز وجل إليهم ما كان الميت مالكا الفضل عن الدين، وأدخل عليهم أهل الوصايا فإن وجدوا فضلا ملكوا ما وجدوا بما فرض الله عز وجل لهم لا بشيء كان في ذمة الميت، وإن لم يجدوا لم يكن في ذمة الميت لهم شيء، ولم يكن آثما بأن لم يجدوا شيئا، ولا متبوعا كما يكون متبوعا بالدين فلما لم يكن لهم في ذمة الميت شيء يتبع به بكل حال، وكان إنما فرض لهم شيء لا يزادون عليه، ولا ينقصون منه، إنما هو جزء مما وجدوا قل أو كثر فلم يكن ثم أصل حق يعطون به إلا على ما وصفت لم يجز لهم أن يكون الملك منقولا إلى واحد منهم إلا وملكه معروف، وإن ورد هذا على الحاكم كشفه، وكتب إلى البلد الذي انتوى به الميت، وطلب له وارثا، فإن لم يجده فإنما ماله موقوف فندعوا الطالب لميراثه بثقة كمن يرضى هو أن يقف الأموال على يديه فإذا ضمن عنه ما دفع إليه دفعه إليه، ولم يكن هذا ظلما لغائب إن جاء، ولا حبسا عن حاضر، وإذا كان المال مضمونا على ثقة كان خيرا للغائب من أن يكون أمانة عند ثقة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقام الرجل البينة أن أباه مات وترك هذه الدار، وأنه لا وارث لأبيه غيره قضى له بالدار، ولم يؤخذ منه بذلك كفيل، والله تعالى الموفق.

    باب الدعوى في البيوع

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا باع الرجل من الرجل عبدا أو شيئا ما كان بيعا حراما، وقبض المبتاع ما اشترى فهلك في يديه كان عليه رد قيمته، وذلك أن البائع لم يدفعه إليه إلا على عوض يأخذه منه فلما كان العوض غير جائز كان على المبتاع رد ما أخذ لأنه لم يسلم للبائع العوض، ولم يكن أصله أمانة، ولو باعه عبدا على أن المبتاع بالخيار فقبضه المبتاع فمات في يديه قبل أن يختار البيع أو يمضي أجل الخيار كان عليه أن يرد القيمة فإن قال قائل هل تم البيع بينهما، وفيه خيار؟ قيل كان أصل البيع حلالا لو أعتقه المشتري جاز عتقه أو كانت أمة حل له وطؤها، ولو أراد بيعها كان له، وكان مالكا صحيح الملك إلا أن له إن شاء رد الملك بالشرط، ولم يكن أخذه أمانة، ولا أخذه إلا على أن يوفي البائع ثمنه أو يرد إليه عبده، ولم يكن أخذه على محرم من البيوع فلما لزم الآخذ للعبد على المحرم أن يرد القيمة

    لأنه لم يعط العبد أمانة ولا هبة، ولم يعطه إلا بعوض فلما لم يستحق العوض كان على المبتاع رده إن كان حيا، وقيمته إن كان ميتا كان المشتري على الخيار في هذا المعنى في أنه لم يدفع أمانة، ولا هبة إلا بعوض يسلم للبائع فلما لم يسلم له كان على القابض له رده حيا، ورد قيمته ميتا، وكان يريد أن أصل البيع والثمن كان حلالا فكيف يبطل ثمن الحلال، ويثبت ثمن الحرام؟ وهكذا لو كان البائع بالخيار أو كان الخيار لهما معا من قبل أن البائع لم يسلم قط عبده إلا على أن يرجع إليه أو ثمنه، وإنما منعنا أن نجعل له الثمن لا القيمة من قبل أنه شرط فيه شيئا فلما كان له فسخ البيع لم يكن الثمن لازما بكل حال فلما لم يكن لازما بكل حال ففات رددناه إلى القيمة

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان لرجل زوجة، وابن منها، وكان لزوجته أخ فترافعوا إلى القاضي فتصادقوا على أن الزوجة والابن قد ماتا، وتداعيا فقال الأخ مات الابن ثم ماتت الأم فلا ميراث لها مع زوجها، وقال الزوج بل ماتت المرأة فأحرز ابني معي ميراثها ثم مات ابني فلا حق لك في ميراثه، ولا بينة بينهما فالقول قول الأخ مع يمينه لأنه الآن قائم، وأخته ميتة فهو وارث، وعلى الذي يدعي أنه محجوب البينة، ولا أدفع اليقين إلا بيقين فإن كان ابنها ترك مالا فقال الأخ آخذ حصتي من مال أختي من ميراثها من ابنها كان الأخ في ذلك الموضع هو المدعي من قبل أنه يريد أخذ شيء قد يمكن أن لا يكون كما قال فكما لم أدفع أنه وارث لأنه يقين بظن أن الابن حجبه فكذلك لم أورثه من الابن لأن الأب يقين، وهو ظن، وعلى الأب اليمين، وعلى الأخ البينة إذا حضر أخوان مسلم ونصراني فتصادقا أن أباهما مات، وترك هذه الدار ميراثا، وقال المسلم مات مسلما، وقال النصراني مات نصرانيا سئلا فإن تصادقا على أنه كان نصرانيا ثم قال المسلم أسلم بعد. قيل المال للنصراني لأن الناس على أصل ما كانوا عليه حتى تقوم بينة بأنه انتقل عما كان عليه فإن ثبت بينة بأنه أسلم، ومات مسلما كان الميراث للمسلم، وإن قال لم يزل مسلما، وقال النصراني لم يزل نصرانيا وقفنا المال أبدا حتى يعلم أو يصطلحا فإذا أقام النصراني بينة من المسلمين أنه كان نصرانيا، ومات نصرانيا كان الميراث له دون المسلم.

    وإن أقام كل واحد منهما بينة على دعواه ففيها قولان أحدهما قول أهل المدينة الأول وسعيد بن المسيب يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول به، وهو قضاء مروان بالمدينة وابن الزبير، وهو يروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - وهو أن يقرع بينهما فأيهما خرج سهمه أحلفه، وجعل له الميراث، ومن قال هذا القول فمن حجته ما وصفت، ومن حجته أنه قياس على أن أمرهما في الدعوى والبينة والاستحقاق واحد فلما كنت لا أشك أن إحدى البينتين كاذبة بغير عينها أقرعت خبرا، وقياسا على أن رجلا أعتق مملوكين له فأقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما، وحجتهم واحدة، وعلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم خيبر ثم أقرع، وعلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرع بين نسائه فوجدته يقرع حيث تستوي الحجج ثم يجعل الحق لبعض، ويزيل حق بعض. والقول الثاني أن يجعل الميراث بينهما نصفين لأنه لا حجة لواحد منهما، ولا بينة إلا حجة صاحبه، وبينته فلما استويا فيما يتداعيان سوي بينهما، وجعله قسما بينهما، ومن حجة هذا أن يحتج بعول الفائض فيقول قد أجد في الفريضة نصفا ونصفا وثلثا فأضرب لكل واحد منهم بقدر ما قسم له فأكون قد أوفيته على أصل ما جعل له، وإن دخل النقص عليه بغيره فكذلك دخل على غيره به، ومن أراد أن يحتج على من احتج بهذا احتج عليه بأن هؤلاء قوم قد نقل الله تعالى إليهم الملك فكل صادق ليس منهم كاذب بحال.

    والمشهود له بخلاف ما شهد به لصاحبه يحيط العلم بأن إحدى الشهادتين كاذبة، والعلم يحيط أن أحسن أحوال المستحق بالشهادة أن يكون أحد المستحقين بها محقا، والآخر مبطلا فإذا خرج النصف إلى أحدهما أحاط العلم بأنه قد أعطى نصفا من لا شيء له، ومنع نصفا




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #278
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (278)
    صــــــــــ 263 الى صـــــــــــ 268





    من كان له الكل فدخل عليه أن عمد أن أعطى أحدهما ما ليس له، ونقص أحدهما مما له فإن قال قد يدخل عليك في القرعة أن تعطي أحدهما الكل، ولعله ليس له؟ قيل فأنا لم أقصد قصد أن أعطي أحدهما بعينه إنما قصدت قصد الاجتهاد في أن أعطي الحق من هو له وأمنعه من ليس له كما أقصد قصد الاجتهاد فيما أشكل من الرأي فأعطي أحد الخصمين الحق كله، وأمنعه الآخر على غير إحاطة من الصواب، ويكون الخطأ عني مرفوعا في الاجتهاد، ولا أكون مخطئا بالاجتهاد، ولا يجوز لي عمد الباطل بكل حال إذا كنت آتيه، وأنا أعرفه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهذا مما أستخير الله تعالى فيه، وأنا فيه واقف ثم قال لا نعطي واحدا منهما شيئا يوقف حتى يصطلحا (قال الربيع) هو آخر قولي الشافعي، وهو أصوبهما


    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا تصدق الرجل على الرجل بدار أو وهبها له أو نحله إياها فلم يقبضها المتصدق بها عليه، ولا الموهوبة له، ولا المنحول فهذا كله واحد لا يختلف، ولمالك الدار المتصدق بها والواهب والناحل أن يرجع فيما أعطى قبل أن يقبض المعطى، ولا يتم شيء من هذا إلا بقول الناحل وقبض المنحول بأمر الناحل، وإن مات المنحول قبل القبض قيل للناحل أنت أحق بمالك حتى يخرج منك فإذا مات المنحول فأنت على ملكك، وإن شئت أن تستأنف فيه عطاء جديدا فافعل، وإن شئت أن تحبسه فاحبس، وهكذا كل ما أعطى آدمي آدميا على غير عوض إلا ما إذا أعطاه المالك لم يحل للمالك بما يخرج من فيه من الكلام أن يحبسه قبضه المعطى أو لم يقبضه أو رده أو لم يرده فإن قال قائل: وما هذا؟ قيل إذا أعتق الرجل عبده فقد أخرجه من ملكه، ولا يحل له أن يملكه، ولو رد ذلك العبد (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا حبس الرجل على الرجل الشيء وجعله محرما لا يباع، ولا يوهب فقد أخرجه من ملكه خروجا لا يحل أن يعود فيه ألا ترى أنه لو رده عليه المحبس عليه بعد قبضه لم يكن له ملكه فلما كان لا يملكه برد المحبس عليه ولا شراء، ولا ميراث كان من العطايا التي قطع عنها المالك ملكه قطع الأبد؟ فلا يحتاج أن يكون مقبوضا، وسواء قبض أو لم يقبض فهو للمحبس عليه، والحبس يتم بالكلام دون القبض، وقد كتبنا هذا في كتاب الحبس وبيناه

    وإذا ابتاع الرجل من الرجل الجارية فقبضها وولدت له ولدا ثم عدا عليه رجل فقتله فقضى عليه بعقل أو قصاص أو لم يقض ثم استحقها رجل أخذ المستحق الجارية وقيمة ولدها حين سقط، ولا يبطل القصاص إن كان لم يقتص منه، وإذا كانت دية كانت لأبيه قبضها أو لم يقبضها فإن قال قائل، ولما صارت لأبيه، والولد من الجارية، وهو للمستحق؟ قيل له إن الولد لما دخل في الغرور زايل حكم الجارية بأنها تسترق، ولا يسترق فلما لم يجز أن يجري عليه الرق لم يكن حكمه إلا حكم حر، وإنما يرث الحر وارثه، وكان سبيل رب الجارية بأن العتق كان حكم ولدها أن يأخذ قيمته من أول ما كان له حكم كما كان يأخذ قيمة الفائت من كل شيء ملكه. فإن قال قائل فهذا قد يكون غير فائت، وأنت لا ترقه قيل لما كان الأثر بما وصفنا، وقول أكثر أهل
    العلم والقياس أن لا يجري عليه الملك قيل حكمهم فيه حكمهم في الفائت، وإن كان غير فائت، وإن اقتص الأب من قاتل الابن قبل أن تستحق الأمة ضمن القيمة لمستحق الأمة، وكذلك إن جاء مستحق الأمة قبل القصاص فللأب أن يقتص، ويرد القيمة، ولا سبيل لسيد الأمة إلا على قيمة الابن، ولأبي الابن السبيل في ولد الأمة كما له السبيل في ولد الحرة
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    : وإذا ضرب الرجل بطن الأمة التي غر بها الحر فألقت جنينا ميتا فمن قال جنين الرجل من أم ولده كجنين

    الحرة فلأبيه فيه غرة تقوم بخمسين دينارا، وإذا جاء السيد قيل له لك قيمة ولد أمتك لو كان معروفا فلما لم يكن معروفا قيل له تقوم أمتك ثم نعطيك عشر قيمتها كما يكون ذلك في جنينها ضامنا على أبيه. فإن قال قائل أفرأيت إن كانت قيمة جنين الأمة إذا قوم بأمه أكثر من الغرة؟ قيل له، وكذلك يغرم الأب قيمته إن شاء رب الأمة ألا ترى أن الأمة لو حملت من غيره فضرب إنسان بطنها فألقت جنينا كان لربها عليه عشر قيمة أمه قل ذلك أو كثر، وكذلك ذلك على المغرور لأنه كان في يديه، وكذلك ذلك عليه لو ماتت فشاء رب الأمة أن يضمنه قيمتها لأنها كانت في يديه إلا أن للمغرور الرجوع على الغار بما لزمه من الغرم بسببه.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا الرجل يتزوج الأمة على أنها حرة مثل الرجل يبتاع الأمة فتستحق

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الرجل على الرجل أنه غصبه عبدا أو صار في يديه من غيره بشراء فاسد أو غير ذلك من الملك، والعبد غائب قبل القاضي البينة على الصفة والاسم والجنس، ولم يقض بالعبد حتى يحضر فيعيد البينة فيشهدون أن هذا العبد بعينه فيقضي به، وإنما قلت تقبل البينة لأن في المسألة عن تعديلهم مؤنة تسقط عن المشهود له، ولأن العبد قد يحضر فيقر الذي هو في يديه أن العبد الذي شهدوا عليه بهذه الصفة هذا العبد بعينه

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الرجلان الشيء ليس في أيديهما، وأقام كل واحد منهما البينة على أنه له ففيها قولان أحدهما أنه يقرع بينهما فأيهما خرج سهمه حلف لقد شهد شهوده بحق ثم يقضي له بها، ويقطع حق صاحبه منها. والآخر أنه يقضي به بينهما نصفين لأن حجة كل واحد منهما فيه سواء، وكان سعيد بن المسيب يقول بالقرعة، ويرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والكوفيون يروونها عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -، وقضى بها مروان، وقضى بها الأوقص (قال الربيع) وفيه قول آخر أن الشيء إذا تداعاه رجلان لم يكن في يد واحد منهما أنه موقوف حتى يصطلحا فيه، ولو كان في أيديهما قسمه بينهما نصفين

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقام الرجل بينة على رجل بأرض في يديه أنها له، وعدلت البينة وكان القاضي ينظر في الحكم وقفها، ومنع الذي هي في يديه من البيع حتى يبين له الحكم لأحدهما فيقضي له بها، ويجعل الغلة تبعا من يوم شهد الشهود أنها له، وإن لم تعدل البينة، ولا واحد منها أو كانت البينة لم تقطع بما يحق الحكم للمشهود له لو عدلت تركها في يدي الذي هي في يديه غير موقوفة، ولم يمنعه مما صنع فيها، وينبغي له أن يشترط عليه أن لا يحدث فيها شيئا فإن أحدثه لم يمنعه منه.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الرجلان الزرع في الأرض للرجل فإن زعم رب الأرض أن الزرع زرعه فالقول قوله مع يمينه، وإن زعم رب الأرض أن الزرع ليس له، وقال قد أذنت لهما أن يزرعا معا، ولا أعرف أيهما زرع، وليس في يدي واحد منهما فإن أقاما معا البينة فالقول فيها مثل القول في الرجلين يتداعيان ما ليس في أيديهما فيقيمان عليه بينة، وإن لم يقم أحدهما بينة، وأقام الآخر فهو للذي أقام البينة، وإن ذكرا معا أنه في أيديهما تحالفا، وقضى به بينهما نصفين إن كان رب الأرض يزعم أنه ليس له، وأنه قد أذن لهما بالزرع، وليس لهما فيه خصم، وهو في أيديهما.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقام الرجل البينة على الأمة أنها أمته، والآخر بذلك، وأنها ولدت منه فمن قال بالقرعة أقرع بينهما فإن صارت للذي ولدت منه فهي له، ولا شيء عليه، وإن صارت للذي لم تلد منه فهي له، ويرجع على خصمه بقيمة ولده يوم ولد، وعقرها، وإن كانت المسألة بحالها غير أن الأمة هي التي أقامت البينة أنها لفلان الغائب الذي لم تلد منه وقف عنها الذي هي في يديه، ووضعت على يدي عدل حتى يحضر سيدها فيدعي فيكون خصما أو يكذب البينة فلا يكون خصما، وتكون للذي هي في يديه لأن البينة إنما

    شهدت له، ومن لم يقل بالقرعة جعلها بينهما نصفين، ورد الذي ليست بيديه بنصف عقرها، ونصف قيمة ولدها يوم سقطوا، ونصف قيمتها، وجعلها أم ولد للآخر فإن قال قائل من أين جعلت لها العقر، والواطئ لم يطأها على أنه وقع عليها اسم نكاح؟ قيل لو كنت لا أجعل العقر إلا على واطئ نكح نكاحا صحيحا أو نكاحا فاسدا فلزمه قبل الوطء أنه ناكح للتي وطئ زعمت أن رجلين لو نكحا أختين فأخطئ بامرأة كل واحد منهما إلى صاحبه فأصابها لم يكن لواحدة منهما عقر، وذلك أن كل واحد من المصيبين غير ناكح للتي أصاب نكاحا صحيحا، ولا نكاحا فاسدا فلما كان لكل واحدة من هاتين المهر بالأثر استدللنا بالأثر، وما في معناه على أن المهر إنما يكون للمرأة حيث يكون الحد عنها ساقطا بأن لا تكون زانية، ومما في هذا المعنى الرجل يغصب المرأة فيصيبها فيكون عليه لها المهر، وما قلت هذا أن فيه أثرا عن أحد يلزم قوله، ولا إجماعا، ولكني وجدت المهر إنما هو للمرأة فلما كانت المرأة بهذا الجماع غير محدودة لأنها غير زانية، وإن كان الرجل زانيا جعلت لها المهر، وإن كانت أضعف حالا من الأولى لأن الأولى والواطئ غير زانيين، وواطئ المغصوبة زان فلما حكمت في المخطأ بها والمغصوبة هذا الحكم، وفي النكاح الفاسد كانت الأمة والحرة مستويتين حيثما وجب لواحدة منهما مهر وجب للأخرى لأن الله عز وجل قال {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} لم تحل أمة ولا حرة لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بصداق فإذا كانتا مجتمعتين في النكاح الصحيح والنكاح الفاسد ثم جعلنا الخطأ في الحرة، والاغتصاب بصداق كما جعلناه في الصحيح فكذلك الأمة في كل واحد منهما فمن فرق بينهما فقد فرق بين ما جمع الله عز وجل بينه وبين ما هو قياس على ما جمع الله تبارك وتعالى بينه في المهر.

    باب دعوى الولد

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا تداعى الحر والعبد المسلمان، والذمي الحر، والعبد مولودا وجد لقيطا فلا فرق بين أحد منهم كما لا يكون بينهم فرق فيما تداعوا فيه مما يملكون فتراه القافة فإن ألحقوه بأحدهم فهو ابنه ليس له أن ينفيه، ولا للمولود أن ينتفي منه بحال أبدا، وإن ألحقه القافة باثنين فأكثر أو لم تكن قافة أو كانت فلم تعرف لم يكن ابن واحد منهم حتى يبلغ فينتسب إلى أيهم شاء فإذا فعل ذلك انقطعت دعوى الآخرين، ولم يكن للذي انتسب إليه أن ينفيه، وهو حر في كل حالاته بأيهم لحق لأن اللقيط حر، وإنما جعلناه حرا إذا غاب عنا معناه لأن أصل الناس الحرية حتى يعلم أنهم غير أحرار، ولو أن أحدهم قال هو ابني من أمة نكحتها لم يكن بهذا رقيقا لرب الأمة حتى يعلم أن الأمة ولدته، ولا يجعل إقرار غيره لازما له، ويكفي القائف الواحد لأن هذا موضع حكم بعلم لا موضع شهادة، ولو كان إنما حكمه حكم الشهادات ما أجزنا غير اثنين، ولا أجزنا شهادة اثنين يشهدان على ما لم يحضرا، ولم يريا، ولكنه كاجتهاد الحاكم العالم ينفذه كما ينفذ هذا، ولا يحتاج معه إلى ثان، ولا يقبل القائف الواحد حتى يكون أمينا، ولا أكثر منه حتى يكونوا أمناء أو بعضهم فإذا أحضرنا القائف والمتداعيين للولد أو ذوي أرحامهم إن كان المدعون له موتى أو كان بعض المدعين له ميتا فأحضرنا ذوي رحمه أحضرنا احتياطا أقرب الناس نسبا، وشبها في الخلق، والسن، والبلد بالمدعين له ثم فرقنا بين المتداعيين منهم ثم أمرنا القائف يلحقه بأبيه أو أقرب الناس بأبيه إن لم يكن له أب، وإن كانت معه أم أحضرنا لها نسبا في القرب منها كما وصفت ثم بدأنا فأمرنا القائف أن يلحقه بأمه لأن للقائف في الأم معنى، ولكي يستدل به على صوابه في الأب إن أصاب فيها.

    ويستدل على غيره إن أخطأ فيها فخالفنا بعض الناس في القافة فقال القافة باطل فذكرنا له «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع مجززا المدلجي، ونظر إلى أقدام أسامة، وأبيه زيد، وقد غطيا وجوههما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض فحكى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة مسرورا به» فقال ليس في هذا حكم فقلنا إنه وإن لم يكن فيه حكم فإن فيه دلالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رضيه، ورآه علما لأنه لو كان مما لا يجوز أن يكون حكما ما سره ما سمع منه إن شاء الله تعالى ولنهاه أن يعود له فقال إنك، وإن أصبت في هذا فقد تخطئ في غيره قال فهل في هذا غيره؟ قلنا نعم أخبرنا ابن علية عن حميد عن أنس أنه شك في ابن له فدعا القافة أخبرنا أنس بن عياض عن هشام عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رجلين تداعيا ولدا فدعا له عمر القافة فقالوا قد اشتركا فيه فقال له عمر وال أيهما شئت أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان عن عمر مثل معناه أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري عن عروة عن عمر بن الخطاب مثل معناه قال فإنا لا نقول بهذا، ونزعم أن عمر قال هو ابنكما ترثانه، ويرثكما، وهو للباقي منكما قلت فقد رويت عن عمر أنه دعا القافة فزعمت أنك لا تدعو القافة فلو لم يكن في هذا حجة عليك في شيء مما وصفنا إلا أنك رويت عن عمر شيئا فخالفته فيه كانت عليك قال قد رويت عنه أنه ابنهما، وهذا خلاف ما رويتم قلنا، وأنت تخالف أيضا هذا قال فكيف لم تصيروا إلى القول به؟ قلنا هو لا يثبت عن عمر لأن إسناد حديث هشام متصل، والمتصل أثبت عندنا، وعندك من المنقطع.

    وإنما هذا حديث منقطع، وسليمان بن يسار، وعروة أحسن مرسلا عن عمر ممن رويت عنه قال فأنت تخالف عمر فيما قضى به من أن يكون ابن اثنين قلت فإنك زعمت أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قضى به إذ كان في أيديهما قضاء الأموال قال كذلك قلت.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قلت فقد زعمت أن الحر المسلم، والعبد المسلم، والذمي إذا تداعوا ولدا جعلته للحر المسلم للإسلام ثم زعمت أن العبد المسلم والذمي إذا تداعيا ولدا كان للذمي للحرية فزعمت أنك تجعله مرة للمدعي بالإسلام، والآخر يقضي به على الإسلام، وتجعله على الحرية دون الإسلام، وأنت تزعم أن هؤلاء لو تداعوا مالا جعلته سواء بينهم فإن زعمت أن حكمه حكم الأموال، وأن ذلك موجود في حكم عمر فقد خالفته بما وصفنا (قال): فإنا إنما قلنا هذا على النظر للمولود. قلنا، وتقول قولا لا قياسا، ولا خبرا ثم تقوله متناقضا أرأيت لو أجازوا لك أن تقوله على أن تنظر للمولود فحيث كان خيرا له ألحقته فتداعاه خليفة أو أشرف الناس نسبا، وأكثرهم مالا، وخيرهم دينا وفعالا، وشر من رأيت بعينك نفسا، ونسبا، وعقلا، ودينا، ومالا (قال): إذا أجعلهم فيه سواء؟ قلنا فلا نسمع قولك قضيت به على النظر له معنى لأنك لو كنت تثبت على النظر له ألحقته بخيرهما له.

    (قال): فقد يصلح هذا، ويكثر ماله، ويفسد هذا، ويقل ماله قلنا، وكذلك يعتق العبد، ويسلم الذمي حتى يكونا خيرا من الذي قضيت له به (قال): فأين خالفته فيه في سوى هذا الموضع؟ قلت زعمت أن أبا يوسف - رحمه الله تعالى - قال: أقضي به للاثنين بالأثر، وثلاثة لأن ثلاثة في معنى اثنين فإذا كانوا أربعة فصاعدا لم أقض به لواحد منهم (قال): فهذا خطأ كله، وقد تركته. قلنا فقل ما شئت: قال فازعم أن الاثنين والثلاثة سواء فأقضي لهم به سواء قلنا كما يقضى بالمال؟ قال: نعم قلنا فما تقول إن مات المولود لمائة قيام؟ قال يرثه كل واحد منهم سهما من مائة سهم من ميراث أب لأن كذلك أبوتهم فيه. قلنا فما تقول إن مات واحد من

    الآباء؟ قال فيرثه ميراث ابن كامل قلت، وكيف يكمل له ميراث ابن، وإنما له جزء من مائة جزء من أبوته فتورثه بغير الذي يورث منه، وإنما ورث المسلمون الأبناء من الآباء كما ورثوا الآباء. وكيف زعمت أنه إذا مات كان ابن تسعة وتسعين أبا ثم لم ترثه بنات الميت، ولم يكن لهن أخا، ولم يرثه بنو الميت بأنهم أخواته فكيف جعلته أبا إلى مدة، ومنقطع الأبوة بعد مدة؟ هل رأيت هكذا مخلوقا قط؟ قال اتبعت فيه عمر أنه قال هو للباقي منكما. قلنا ليس هو عن عمر بثابت كما وصفت.

    ولو كان ثابتا كان أولى القولين عندك إذا اختلف فيه عن عمر أولاهما بالقياس والمعقول. والقياس والمعقول عندنا، وعندك على كتاب الله عز وجل، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر المسلمين أنه لا يكون ابن اثنين، ولا يرث اثنين بالأبوة وعمر، ولو قال ما قلت هو للباقي منكما فقطع أبوة الميت لم يورث الابن منه لأن الميراث إنما يجب بالموت. فلما كان الموت يقطع أبوة الميت كانت الأبوة منقطعة، ولا ميراث، ولو ورثه لم يورثه إلا كما كان موروثا الأب من الابن. جزءا من أجزاء لا كاملا، وقلت له، وهكذا كلما مات من المائة واحد حتى يبقى أب واحد قال نعم أفرأيت لو قال هذا من لم ينظر في علم قط فزعم أن مولودا مرة ابن مائة ومرة ابن واحد، وفرق ما بين المائة والواحد أما تقول له ما يحل لك أن تكلم في
    العلم لأنك لا تدري أي شيء تقول قال ما خفي علينا أن القياس ما قلتم، وأنه أحسن من قولنا، ولكنا تبعنا فيه الأثر، وليس في الأثر إلا الانقياد. قلنا فالأثر كما قلنا لأنك لا تخالفنا في أن الموصول أثبت من المنقطع، وأثرنا فيه موصول. ولو كانا منقطعين معا كان أصل قولك، وقولنا إن الحديثين إذا اختلفا ذهبنا إلى أشبههما بالقياس.

    وقد خالفت عمر في حديث نفسك من حيث وصفنا مع أنك تخالف عمر لقول نفسك فيما هو ألزم لك أن تتبعه من هذا ثم عددت عليه أشياء يخالف فيها قول عمر لغير قول أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فإن لي عليك مسألة فيها قلت قد فرغنا من الذي علينا فأثبتنا لك عن عمر قولنا، وزعمت أنه القياس قال فهل لك حجة غيره؟ قلنا ما ذكرنا فيه كفاية. قال فقد قيل إن من أصحابك من يتأول فيه شيئا من
    القرآن. قلت: نعم زعم بعض أهل التفسير أن قول الله عز وجل {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} ما جعل الله لرجل من أبوين في الإسلام، واستدل بسياق الآية قول الله عز وجل {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} قال فتحتمل هذه الآية معنى غير هذا؟ قلنا نعم زعم بعض أهل التفسير أن معناها غير هذا قال فلك به حجة تثبت قلنا أما حتى نستطيع أن نقول هو هكذا غير شك فلا لأنه محتمل غيره، ولم يقل هذا أحد يلزم قوله. ولكنه إذا كان يحتمل، وكان معنى الإجماع أن الابن إذا ورث ميراث ابن كامل فكذلك يرثه الأب ميراث أب كامل لم يستقم فيه إلا هذا القول فإن قال قائل أرأيت إذا دعوت القافة لولد الأمة يطؤها رجلان بشبهة فإن كانت حرة فوطئت بشبهة أتدعو لها القافة؟ قلت نعم فإن قال، ومن أين؟ قلنا الخبر عن عمر أنه دعا القافة لولد امرأة ليس فيه حرة، وقد تكون في إبل أهلها، وهي حرة لأن الحرائر يرعين على أهلهن، وتكون في إبل أهلها، وهي أمة، ولو كان إنما حكم بالقافة في ابن أمة دل على أنه يحكم به في ابن الحرة فإن قال، وما يدل على ذلك؟ قلنا إذا ميزنا بين النسب والأموال فجعلنا القائف شاهدا أو حاكما أو في معناهما معا جاز أن يشهد على ابن الحرة كما يشهد على ابن الأمة، وأن يكون الحكم في ابن الحرة كهو في ابن الأمة لأنهما لا يختلفان، وكل واحد منهما ابن بوطء الحلال، ووطء الشبهة، ومنفي بوطء الزنا. أفرأيت لو لم ندع القافة لابن الحرة فوطئها رجلان بنكاح فاسد لم يعرف أيهما وطئها أولا أو ليس إن جعلناه ابنهما أو نفيناه عنهما أليس يدخل علينا ما عبناه على غيرنا في القولين معا؟ ولو علمنا أيهما كان، وطئها أولا فجعلناه له أو للآخر من

    الواطئين دخل علينا أنا نقوله غير قياس، ولا خبر، وإذا كانت حجتهما في شيء واحد فلم تجعله لأحدهما دون الآخر، ولكنا لم نحكم فيه حكم الأموال، ولا حكم الأنساب، وافتعلنا فيها قضاء متناقضا لأنا إنما فرقنا بين حكم الأموال، وحكم الأنساب بالقافة، وإذا أبطلنا القافة في موضع كنا قد خرجنا من أصل مذهبنا في القافة

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا التقط مسلم لقيطا فهو حر مسلم ما لم يعلم لأبويه دين غير دين الإسلام فإذا أقر به نصراني ألحقناه به، وجعلناه مسلما لأن إقراره به ليس بعلم منا أنه كما قال فلا نغير الإسلام إذا لم نعلم الكفر

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أقام النصراني بينة من المسلمين أنه ابنه ولد على فراشه ألحقناه به، وجعلنا دينه دين أبيه حتى يعرب عن نفسه لأن هذا علم منا بأنه مولود على فراشه، وأن التقاط من التقطه إنما هو كالضالة التي يجدها الرجل فإن أقام البينة أبوه عليه بعد عقله الإسلام ووصفه إياه جعلناه ابنه، ومنعناه من أن ينصره حتى يبلغ فيتم على الإسلام فنلحقه بالمسلمين، ونقطع عنه حكم أهل الذمة فإن بلغ فامتنع من الإسلام لم يكن من المرتدين الذين نقتلهم لأنه لم يصف الإسلام بعد البلوغ، وبعد وجوب ما أقر به على نفسه للناس، ولله عز وجل من الحقوق ألا ترى أنه لو كان ابن مسلم فارتد قبل البلوغ لم أقتله حتى يبلغ فيثبت على الردة، ولو زنى قبل البلوغ أو قذف لم أحده، وإنما تجب عليه الحدود والإقرار للناس إذا أقر بعد البلوغ، ولكني أحبسه وأخيفه رجاء رجوعه إلى الإسلام

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا التقط المنبوذ، ومعه مال فينبغي له أن يرفعه إلى القاضي، وينبغي للقاضي إن كان الذي التقطه ثقة لماله أن يوليه إياه، ويأمره ينفق عليه بالمعروف، وإن كان غير ثقة لماله فليدفع ماله لغيره، ويأمر ذلك الذي دفع إليه ماله بالنفقة عليه بالمعروف.

    وإن لم يكن له مال فينبغي لوالي المسلمين أن ينفق عليه فإن لم يفعل فشاء الذي هو في يديه أن يأمره القاضي بالنفقة عليه، وأن تكون النفقة دينا على المنبوذ إذا بلغ وثاب له مال فعل، وإن لم يفعل الذي التقطه، ولا مال له، وأنفق عليه فهو متطوع بالنفقة، ولا يرجع بشيء منها عليه بعد بلوغ، ويسر، ولا قبله، وسواء وجد المال مع اللقيط أو أفاده بعد التقاطه

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا يجوز على الولادة ولا شيء مما تجوز فيه شهادة النساء مما يغيب عن الرجال إلا أربع نسوة عدول من قبل أن الله عز وجل حيث أجاز الشهادة انتهى بأقلها إلى شاهدين أو شاهد وامرأتين فأقام الثنتين من النساء مقام رجل حيث أجازهما فإذا أجاز المسلمون شهادة النساء فيما يغيب عن الرجال لم يجز والله أعلم أن يجيزوها إلا على أصل حكم الله عز وجل في الشهادات فيجعلون كل امرأتين يقومان مقام رجل، وإذا فعلوا لم يجز إلا أربع. وهكذا المعنى في كتاب الله عز ذكره، وما أجمع المسلمون عليه أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في شهادة النساء على الشيء من أمر النساء لا يجوز فيه أقل من أربع، وقد قال غيرنا تجوز فيه واحدة لأنه من موضع الأخبار كما تجوز الواحدة في الخبر لا أنه من موضع الشهادة، ولو كان من موضع الشهادات ما جاز عدد من النساء -، وإن كثرن - على شيء فقيل لبعض من قال هذا فبأي شيء احتجت إلى خبر واحدة أبشهادة أو غير شهادة؟ قال بشهادة على معنى الأخبار فقيل له، وكذلك شاهدان، وأكثرهما شاهدان على معنى الأخبار قال، ولا تجوز شهادات النساء منفردات في غير هذا قيل نعم، ولا رجل وامرأتين إلا في خاص، ولا تجوز على الحدود، ولا على القتل فإن كنت أنكرت أن يكن غير توأم إلا في موضع فكذلك يلزمك في رجل، وامرأتين أنهما غير تامين، وكذلك يلزمك في رجلين لأنهما غير تامين في الشهادة على الزنا، وكذلك يلزمك في شهادة أهل الذمة بخبرها أنها غير تامة على مسلم فإذا كانت الشهادة كلها خاصة ما لم تتم الشهود أربعة فكيف إذا كانت الشهادة على ما يغيب عن الرجال



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #279
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (279)
    صــــــــــ 269 الى صـــــــــــ 274




    خاصة لم نصرفها إلى قياس على حكم الله وإجماع المسلمين، ولا يقبل فيها من العدد إلا أربعا تكون كل ثنتين مكان شاهد؟ قال فإنا روينا عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه أجاز شهادة القابلة، وحدها قلت لو ثبت عن علي - رضي الله تعالى عنه - صرنا إليه إن شاء الله تعالى ولكنه لا يثبت عندكم، ولا عندنا عنه، وهذا لا من جهة ما قلنا من القياس على حكم الله، ولا من جهة قبول خبر المرأة، ولا أعرف له معنى


    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ابتاع الرجل من الرجل بيعا ما كان على أن له الخيار أو للبائع أو لهما معا أو شرط المبتاع أو البائع خيارا لغيره، وقبض المبتاع السلعة فهلكت في يديه قبل رضا الذي له الخيار فهو ضامن لقيمتها ما بلغت قلت أو كثرت من قبل أن البيع لم يتم قط فيها، وأنه كان عليه إذا لم يتم البيع ردها، وكل من كان عليه رد شيء مضمونا عليه فتلف ضمن قيمته فالقيمة تقوم في الفائت مقام البدل، وهذا قول الأكثر ممن لقيت من أهل العلم والقياس والأثر، وقد قال قائل من ابتاع بيعا، وقبضه على أنه بالخيار فتلف في يديه فهو أمين كأنه ذهب إلى أن البائع سلطه على قبضه، وإلى أن الثمن لا يجب عليه إلا بكمال البيع فجعله في موضع الأمانة، وأخرجه من موضع الضمان، وقد روي عنه في الرجل يبتاع البيع الفاسد، ويقبضه ثم يتلف في يديه أنه يضمنه القيمة، وقد سلط البائع المشتري على القبض بأمر لا يوجب له الثمن، ومن حكمه، وحكم المسلمين أن هذا غير ثمن أبدا فإذا زعم أن ما لا يكون ثمنا أبدا يتحول فيصير قيمة إذا فات ما فيه العقد الفاسد فالمبيع يشتريه الرجل شراء حلالا، ويشترط خيار يوم أو ساعة فيتلف أولى أن يكون مضمونا لأن هذا لو مرت عليه ساعة أو اختار المشتري إنفاذه نفذ لأن أصله حلال، والبيع الفاسد لو مرت عليه الآباد أو اختار المشتري والبائع إنفاذه لم يجز فإن قال إن البائع بيعا فاسدا لم يرض أن يسلم سلعته إلى المشتري وديعة فتكون أمانة، وما رضي إلا بأن يسلم له الثمن فكذلك البائع على الخيار ما رضي أن يكون أمانة، وما رضي إلا بأن يسلم له الثمن فكيف كان في البيع الحرام عنده ضامنا للقيمة إذ لم يرض البائع أن يكون عنده أمانة، ولا يكون ضامنا في البيع الحلال، ولم يرض أن يكون أمانة، وقد روى المشرقيون عن عمر بن الخطاب أنه سام بفرس، وأخذها بأمر صاحبها فشار إليه لينظر إلى مشيها فكسرت فحاكم فيها عمر صاحبها إلى رجل فحكم عليه أنها ضامنة عليه حتى يردها كما أخذها سالمة فأعجب ذلك عمر منه، وأنفذ قضاءه، ووافقه عليه، واستقضاه فإذا كان هذا على مساومة، ولا تسمية ثمن إلا أنه من أسباب البيع فرأى عمر، والقاضي عليه أنه ضامن له، فما سمي له ثمن، وجعل فيه الخيار أولى أن يكون مضمونا من هذا، وإن أصاب هذا المضمون المشتري شراء فاسدا نقص عند المشتري رده، وما نقص، وإذا كان الابن فقيرا بالغا لا يجد طولا لحرة، ويخاف العنت فجائز له أن ينكح أمة أبيه كما ينكح أمة غيره إلا أن ولده من أمة أبيه أحرار فلا يكون لأبيه أن يسترقهم لأنهم بنو ولده، وإن كان الأب فقيرا فخاف العنت فأراد أن ينكح أمة ابنه لم يجز ذلك له وجبر ابنه إذا كان واجدا على أن يعفه بإنكاح أو ملك يمين لأن للأب إذا بلغ أن يكون فقيرا غير مغن لنفسه زمنا أن ينفق عليه الابن، وإذا تزوج الرجل المرأة، ودخل بها ثم ملك ابنتها فأصابها حرمت عليه أمها، وحرمت البنت لأن هذه بنت امرأة قد دخل بها، وتلك قد صارت أم امرأة أصابها، وإن ولدت له هذه الجارية كانت أم ولد تعتق بموته، ولا يحل له إصابتها، ويحل له خدمتها، وتكون مملوكة له كملك أم الولد يأخذ أرش الجناية عليها، وما أفادت من مال كما

    يأخذ مال مماليكه، وإن كانت الأمة لأبيه، والمسألة بحالها، ولم تلد فالأمة لأبيه كما هي، وعليه عقرها لأبيه فإن قال قائل في الأمة التي وطئها الرجل، وولدت، وحرم فرجها عليه بأنه قد وطئ أمها بنكاح أعتقها عليه من قبل أنها لا ترق بعده بحال، ولا يكون له بيعها، وإنما هي أم ولد له فيها المتعة بالجماع فلما حرم الجماع أعتقها عليه قيل له - إن شاء الله تعالى - فما تقول في أم ولد الرجل قبل أن يحرم عليه فرجها أله شيء منها غير الجماع؟ فإن قال نعم قيل فيأخذ ثمنها، ويجنى عليها فيأخذ أرش الجناية عليها، وتفيد مالا من أي وجه ما كان فيأخذ المال، وتخدمه قلت له أسمع له فيها معاني كثيرة غير الجماع فلم أبطلتها، وأعتقتها عليه، وهو لم يعتق، وإنما القضاء أن يعتق على من أعتق أو تعتق أم الولد بعد موت السيد، وهو لم يمت فإذا كان عمر إنما أعتقهن بعد موت ساداتهن فعجلتهن العتق فقد خالفته، وإذا كان القضاء أن لا يعتق إلا من أعتق السيد فأعتقتها فقد خالفته فإن قال أكره أن يخلو بامرأة لا يحل له فرجها قيل وإن كانت ملكه؟ فإن قال نعم قيل له ما تقول فيه إن ملك أمه وبنته وأخته من الرضاع وجارية لها زوج أيحل له أن يخلو بهن؟ فإن قال نعم قيل فقد خليت بينه وبين الخلوة بأربع كلهن حرام الفرج عليه فكيف حرمته بواحدة؟ فإن قال إنما خليت بينه وبين الخلوة برضائعه لأنه محرم لهن قيل فمحرم هو لجاريته التي لها زوج؟ فإن قال لا قيل فقد خليت بينه وبين فرج ممنوع منه، وليس لها محرم فإن قال فلم منعت الابن فرج جاريته إذا أصابها أبوه، ولم تجعل عليه إلا العقر، ولم تقومها على أبيه، وقد فعل فيها فعلا يمنع به الابن من فرجها؟ قيل له إن منع الفرج لا ثمن له، والجناية جنايتان جناية لها ثمن، وأخرى لا ثمن لها فلما كان الحد إذا درئ كان ثمة في الموطوءة عقر أغرمناه الأب، ولم نسقط عنه شيئا فعله له ثمن، ولما كان تحريم الفرج غير معتق للأمة، ولا مخرج لها من ملك الابن لم يكن استهلك شيئا فيغرمه فإن قال فما يشبه هذا؟ قيل ما هو في أكثر من معناه، وهي المرأة ترضع بلبن الرجل جاريته لتحرمها عليه فتحرم الجارية وولدها، وتكون مسيئة آثمة بما صنعت، ولا يكون لما صنعت ثمن نغرمها إياه، وهي لو شجتها أغرمناها أرش شجتها فإذا كان التحريم يكون من المرأة عامدة، ولا تغرم لأنه غير إتلاف، ولا إخراج للمحرمة من الملك، ولا جناية لها أرش فكذلك هي في الأب بل هي في الأب أولى أن يكون قد أخذ منها بدلا لأنه قد أخذ منه عقر، وهذه لم يؤخذ منها قليل ولا كثير

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ملك الرجل أخته من الرضاعة فأصابها جاهلا فحبلت وولدت فهي أم ولد له تعتق بذلك الولد إذا مات ويحال بينه وبين فرجها بالنهي، وفيه قول آخر أنها لا تكون أم ولده، ولا تعتق بموته لأنه لم يطأها حلالا، وإنما هو وطء بشبهة، وإن كان عالما بأنها محرمة عليه فولدت فكذلك أيضا، وفيها قولان أحدهما أنه إذا أتى ما يعلم أنه محرم عليه أقيم عليه حد الزنا، والثاني لا يقام عليه حد الزنا، وإن أتاه، وهو يعلمه في شيء له فيه علق ملك بحال، ولكنه يوجع عقوبة منكلة، ويحال بينه وبين فرجها بأن ينهى عن وطئها، ولا عقر في واحدة من الحالين عليه لأن العقر الذي يجب بالوطء له، ولا يغرم لنفسه ألا ترى أنه لو قتلها لم يغرم لأنه إنما يضمن لنفسه.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ملك النصراني المسلمة، ووطئها، وهو جاهل أعلم، ونهي أن يعود أن يملك مسلمة، وبيعت عليه فإن ولدت بذلك الوطء حيل بينه وبينها بأن تعزل عنه، ويؤخذ بنفقتها، وإن أراد أن تعمل له معتزلة عنه ما يعمل مثلها كان ذلك له، وإذا مات فهي حرة، وهكذا أم ولد النصراني تسلم، وإن كان وطئها، وهو يعلمها محرمة عليه فالقول فيها مثل القول في الذي وطئ رضيعته، وهو يعلمها محرمة عليه في أحد القولين حد، وفي الآخر عقوبة، وإن أراد إجارتها من امرأة في عمل تطيقه فذلك له، وله أخذ ما أفادته، وأخذ أرش جناية إن جني عليها، وقد خالفنا بعض الناس في أم ولد النصراني تسلم فقال هي حرة
    حين أسلمت، وقال علتي في إعتاقها علتان إحداهما أن فرجها قد حرم عليه، والأخرى أن لا أثبت لمشرك على مسلم ملكا فقيل له أما الأولى فما أقرب تركها منك فقال وكيف؟ قلت أرأيت أم ولد لرجل وطئها ابنه قال تحرم عليه قلت أفتعتقها عليه، وقد حرم فرجها بكل حال؟ قال لا قلنا، وكذلك لو كان هو وطئ ابنتها وأمها حرم عليه فرجها بكل حال عندك، ولم تعتقها عليه؟ قال نعم قلنا، وكذلك لو ظهر أنها أخته من الرضاعة؟ قال نعم قلنا فقد تركت الأمر الأول في الأولى أن تعتق من هذه قال وكيف؟ قلنا هؤلاء لا تحل فروجهن عندك بحال، وأم ولد النصراني قد يحل فرجها لو أسلم الساعة قال فدع هذا قلت، والثاني ستدعه قال وكيف؟ قلت أرأيت مدبر النصراني أو مدبرته، ومكاتبته أتعتقهم إذا أسلموا أو تبيعهم؟ قال لا نعتق المدبرين إلا بالموت، ولا المكاتب إلا بالأداء قلنا فهؤلاء قبل أن يعتقوا لمن ملكهم؟ قال النصراني، ولكنه معلق بموته قلنا فكذلك أم الولد ملكها للنصراني معلق بموته فإذا مات عتقت، ولا تباع في دين، ولا تسعى فيه، وأنت تستسعي المدبر في دين النصراني قال فإن قلت فهو حر، ويسعى في قيمته؟ قلت يدخل ذلك عليك في المكاتب قال أما المكاتب فلا أقوله قلت أرأيت عبدا نصرانيا أسلم فوهبه النصراني لمسلم أو ذمي أو أعتقه أو تصدق به؟ قال يجوز ذلك كله قلنا فيجوز إلا، وهو مالك له ثابت الملك عليه؟ قال لا قلت أو رأيت لو أسلم بموضع لا سوق به أتمهله حتى يأتي السوق فيبيعه؟ قال نعم قلنا فلو جنى عليه جان فقتله أو جرحه كان الأرش للنصراني، وكان له أن يعفو كما كان يكون للمالك المسلم؟ قال نعم قلنا فقد زعمت أنه مالك له في حالات قال نعم، ولكني إذا قدرت على إخراجه من ملكه أخرجته قلت بأن تدفع إليه ثمنه مكانه أو بغير شيء؟ قال أدفع إليه ثمنه مكانه قلنا فتصنع ذا بأم الولد؟ قال لا أجد السبيل إلى بيعها فأدفع إليه ثمنها قلت فلما لم تجد السبيل إلى بيعها كان حكمها غير حكمه؟ قال نعم قلنا فمن قال لك أعتقتها بلا عوض يأخذه مكانه؟ قال لا، ولكن عوض عليها قلنا فهي معدمة به أفكنت بائعا عبده من معدم؟ قال لا قلنا فكيف بعتها من نفسها، وهي معدمة؟ قال للحرية قلنا من قبله كانت أو من قبلها؟ فإن قلت من قبله قلنا فهي حرة بلا سعاية قال ما أعتقها فتكون حرة بلا سعاية، ولا أعتق شيئا منها قلت فحرة من قبل نفسها فللمملوك أن يعتق نفسه قال فحرة من قبل الإسلام قلنا فقد أسلم العبد فلم تعتقه، وما دريت من أين أعتقتها، ولا أنت إلا تخرصت عليها، وأنت تعيب الحكم بالتخرص

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا استعار رجل من رجل جارية فوطئها فقال هذه ومسألة الغاصب الذي وطئ في كتاب الحدود في مسألة درء الحدود بالشبهات فخذوا جوابها من هنالك فإن الحجة فيها ثم

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن رجلا زوج رجلا امرأة، وزعم أنها حرة فدخل عليها الرجل ثم استحق رقبتها رجل، وقد ولدت أولادا فأولادها أحرار، وللمستحق قيمتهم وجاريته والمهر يأخذ من الزوج إن شاء، ويرجع به الزوج كله على الغار لأنه لزم من قبله، وأصل ما رددنا به المغرور على الغار على أشياء منها أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال أيما رجل نكح امرأة بها جنون أو جذام أو برص فأصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، وذلك لزوجها غرم على وليها فرد الزوج على ما استحقت به المرأة عليه من الصداق بالمسيس على الغار، وكان موجودا في قوله إنه إنما رده عليه لأن الغرم في المهر لزمه بغروره، وكذلك كل غار لزم المغرور بسببه غرم رجع به عليه، وسواء كان الولي يعرف من المرأة الجنون أم لم يعرفه لأن كلا غار.
    فإن قال قائل:
    قد يخفى ذلك على العبد؟

    قيل نعم، وعلى أبيها أرأيت لو كان تحت ثيابها نكتة برص أما كان يمكن أن يخفى ذلك على أبيها، والغار علم أو لم يعلم يضمن للمغرور ثم بين الغار وبين المرأة حكم، وهو مكتوب في كتاب النكاح

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة فاشترى ابن سيده أو أباه أو من يعتق على سيده إذا ملكه ففيها قولان.

    أحدهما: أنه لا يعتق عليه، وذلك أنه إنما أذن له فيما يجوز للمالك أن يملكه لا ما لا يجوز له ملكه كما يكون الرجل يدفع إلى الرجل مالا فيضاربه فيشتري ابنه فلا يلزمه أن يعتق عليه ويكون المضارب ضامنا للثمن الذي دفعه في ابنه لأنه اشترى بماله ما لا يجوز له ملكه، وهذا مذهب محتمل لمن قاله.
    والقول الثاني: أنه يعتق عليه من قبل أن الشراء كان حلالا، وأن ما ملك العبد فإنما يملكه لسيده، وإذا ملك السيد ابنه عتق عليه.
    فإن قال قائل: فما الفرق بين العبد المأذون له والمضارب؟

    قيل له: إن في الشراء حقوقا. منها حق للبائع على المشتري الذي لا يجوز إبطاله إذا كان بيعا حلالا فلما كان هذا بيعا حلالا يلزم العبد لم يجز أن يلزم العبد أبدا إلا والسيد مالك فيعتق، والمضارب يلزمه البيع فلا يظلم المشتري، ويكون المضارب مالكا لهذا العبد، وليس ملك المضارب لنفسه مثل ملك صاحب المال، وملك العبد لنفسه مثل ملك صاحب المال، وهذا أصح القولين، وبه نأخذ، والله تعالى أعلم.

    وسواء كان للعبد دين أذن له في مداينته أو لم يكن عليه دين من قبل أن الغرماء لا يملكون على العبد ماله إلا بالقيام عليه، وبعد ملك العبد له فلما كان تمام ملك العبد واقعا على ابن سيده، والعتق معه لم يجز أن يرق بحال لأنه إذا تم فيه ملكه تمت حريته، ولا يغرم الأب شيئا قل ولا كثر لأن الغرماء إن دخل عليهم نقص من عتقه فالذي دخل على الأب أكثر منه، ولا يكون مصابا بماله، وغارما مثله، وما أتلف شيئا فيكون عليه ما أتلف، ولا أمر بشرائه من مال العبد فيكون منتزعا من العبد شيئا يكون عليه رده إنما أخطأ فيه العبد أو تعدى فلا يرجع به على السيد أرأيت لو استهلك العبد جميع ما في يديه بهبة أو بدرك أو حرقه أو غرقه أيرجع على السيد بشيء؟، ولم يكن للسيد في هذا فعل، ولا أمر إنما يغرم الناس بفعلهم، وأمرهم فأما بغير فعلهم، ولا أمرهم فلا يغرمون إلا في موضع خاص من الديات، وما جاء فيه خبر، وإن كان العبد غير مأذون له فاشترى ابن مولاه فليس ثم شراء، ولا يملكه فيعتق بالملك، وهو على ملك سيده الأول

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الأعاجم بولاد الشرك أخوة بعضهم لبعض فإن كانوا جاءونا مسلمين لا ولاء لأحد عليهم بعتق قبلنا دعواهم كما قبلنا دعوى غيرهم من أهل الجاهلية الذين أسلموا، وإن كانوا مسبيين أو عليهم رق أعتقوا فثبت عليهم ولاء لم تقبل دعواهم إلا ببينة على ولاد أو دعوى معروفة كانت قبل السبي، وهكذا من قل منهم أو كثر أهل حصن كانوا أو غيرهم

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان الرجلان أخوين فمات أبوهما فأقر أحدهما بوارث معه، وقال هذا أخي ابن أبي، ودفعه الآخر فإن محمد بن الحسن أخبرني أن قول المدنيين الذي لم نزل نعرفه، ويلقوهم به أنه لا يثبت له نسب، ولا يأخذ من يديه شيئا

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأحسبهم ذهبوا فيه إلى أن الأخ المقر له لم يقر لهذا الأخ بدين على أبيه، ولا وصية، ولا بحق له في يديه، ولا مال أبيه إلا بأن يثبت نسبه فيكون له عليه أن يرثه، وأن يعقل عنه وجميع حق الإخوة فلما كان أصل الإقرار به باطلا لا يثبت به النسب لم يجعلوا له شيئا كما لم يجعلوا عليه

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال محمد بن الحسن - رضي الله تعالى عنه -: وكان هذا قولا صحيحا ثم أحدثوا أن لا يلحقوا، وأن يأخذ ثلث ما في يدي أخيه المقر له

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأحسبهم ذهبوا فيه إلى أنه أقر بأن له شيئا في يديه، وشيئا في يدي أخيه فأجازوا إقراره على نفسه، وأبطلوا إقراره على أخيه، وهذا أصح من قول محمد بن الحسن وأبي حنيفة - رضي الله تعالى عنهما

    فإن محمد بن الحسن وأبا حنيفة قالا يقاسم الأخ الذي أقر له بما في يديه نصفين، ولا سبيل له على الآخر، ولا يثبت النسب، وكانت حجته أن قال قد أقر أنه، وهو سواء في مال أبيه.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت المسألة بحالها، ولا ميراث لم يثبت النسب، ولا يثبت نسب أحد نسبه رجل إلى غيره، وذلك أن الأخ إنما يقر على أبيه فإذا كان معه من حقه في أبيه كحقه فدفع النسب لم يثبت، ولا يثبت نسب حتى تجتمع الورثة على الإقرار به معا أو تقوم بينة على دعوى الميت الذي إنما يلحق بنفسه فيكتفى بقوله، ويثبت له النسب. فإن قال قائل: كيف أجزت أن يقر ابن الرجل إذا كان وارثه لا وارث له غيره بالأخ فتلحقه بالأب، وإنما أقر على غيره؟ قيل له إنما أقر بأمر لا يدخل ضرره على ميت إنما يدخل الضرر عليه فيما ينتقص من شركته في ميراث الأب ووجدته إذا كان منفردا بوراثة أبيه القائم بكل حق لأبيه. ألا ترى أنه يعفو دمه فيجوز عفوه كما لو عفا أبوه جرح نفسه جاز عفوه؟ ألا ترى أنه يقوم بالحد على من قذف أباه كما كان أبوه قائما بالحد على من قذفه؟ ألا ترى أن لو كانت لأبيه بينة على رجل بحد أو مال أو قصاص أخذ له بها، وأخذ للابن بها بعد موته، ولو أكذبها الابن بعد موت الأب، والأب مدع لها أبطلناها لأنه لو مات قام مقامه؟ فإن قال قائل فهل في هذا خبر يدل عليه؟ قلنا نعم الخبر الذي الناس كلهم عيال عليه في أن الولد للفراش. فإن قال ما هو؟ قيل «اختصم عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ابن أمة زمعة فقال سعد قد كان أخي عتبة عهد إلي أنه ابنه، وأمرني أن أفيضه إلي وقال عبد بن زمعة أخي، وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وألحقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعوة الأخ، وأمر سودة أن تحتجب منه لما رأى من شبهه بعتبة» فكان في هذا دليل على أنه لم يدفعه، وأنها قد ادعت منه ما ادعى أخوها فعلى هذا، هذا الباب كله وقياسه.

    اليمين مع الشاهد

    (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا عبد الله بن الحارث المخزومي عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد» قال عمرو في الأموال.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن معاذ بن عبد الرحمن عن ابن عباس ورجل آخر سماه، ولا يحضرني ذكر اسمه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده قال وجدنا في كتب سعد بن عبادة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد»

    (قال الشافعي): وذكر عبد العزيز بن المطلب عن سعيد بن عمرو عن أبيه قال وجدنا في كتب سعد بن عبادة يشهد سعد بن عبادة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر عمرو بن حزم أن يقضي باليمين مع
    الشاهد».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد».

    (قال عبد العزيز) فذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة عني، وهو ثقة أني حدثته إياه، ولا أحفظه.

    (قال عبد العزيز) وكان أصاب سهيلا علة أذهبت بعض عقله، ونسي بعض حديثه، وكان سهيل يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه. أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن سعيد بن المسيب «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد»

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد»

    (قال الشافعي): أخبرنا مسلم بن خالد قال حدثني «جعفر بن محمد قال سمعت الحكم بن عتيبة يسأل أبي وقد وضع يده على جدار القبر ليقوم أقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليمين مع الشاهد؟ قال نعم، وقضى بها علي بين أظهركم» قال مسلم قال جعفر في الدين (قال الشافعي): أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الشهادة فإن جاء بشاهد أحلف مع شاهده».

    (قال الشافعي): أخبرنا مالك عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وهو عامل له على الكوفة أن اقض باليمين مع الشاهد (قال الشافعي): وأخبرنا الثقة من أصحابنا عن محمد بن عجلان عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وهو عامله على الكوفة أن اقض باليمين مع الشاهد فإنها السنة قال أبو الزناد فقام رجل من كبرائهم فقال أشهد أن شريحا قضى بها في هذا المسجد.

    (قال الشافعي): أخبرنا سفيان بن عيينة عن خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا مروان بن معاوية الفزاري قال حدثنا جعفر بن ميمون الثقفي قال خاصمت إلى الشعبي في موضحة فشهد القائس أنها موضحة فقال الشاج للشعبي أتقبل علي شهادة رجل واحد؟ فقال الشعبي قد شهد القائس أنها موضحة، ويحلف المشجوج على مثل ذلك قال فقضى الشعبي فيها، وذكر هشيم عن مغيرة عن الشعبي قال إن أهل المدينة يقضون باليمين مع الشاهد.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأخبرنا مالك أن سليمان بن يسار وأبا سلمة بن عبد الرحمن سئلا أيقضى باليمين مع الشاهد؟ فقالا نعم (قال): وذكر حماد بن زيد عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين أن شريحا قضى باليمين مع الشاهد. وذكر إسماعيل ابن علية عن أيوب عن ابن سيرين أن عبد الله بن عتبة بن مسعود قضى باليمين مع الشاهد (قال): وذكر هشيم عن حصين قال خاصمت إلى عبد الله بن عتبة فقضى باليمين مع الشاهد، وذكر عبد العزيز بن الماجشون عن زريق بن حكيم قال كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أخبره أني لم أجد اليمين مع الشاهد إلا بالمدينة قال فكتب إلي أن اقض بها فإنها السنة، وذكر عن إبراهيم بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن أبي جعفر محمد بن علي أن أبي بن كعب قضى باليمين مع الشاهد. وعن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال قضى زرارة بن أوفى فقضى بشهادتي وحدي، وشعبة عن أبي قيس، وعن أبي إسحاق أن شريحا أجاز شهادة كل واحد منهما وحده.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #280
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,089

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (280)
    صــــــــــ 275 الى صـــــــــــ 279





    ما يقضى فيه باليمين مع الشاهد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليمين مع الشاهد في الأموال، وكان في ذلك تحويل ملك مالك إلى مالك غيره حتى يصير المقضي له يملك المال الذي كان في يدي المقضي عليه بوجه من الوجوه التي تملك بها الأموال فكل ما كان في هذا المعنى قضي به على معنى ما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك أن يأتي رجل بشاهد أن الدار التي في يدي فلان داره غصبها إياه الذي هي في يديه أو باعه إياها، وأخذ منه ثمنها أو بغير ذلك من وجوه الملك فيحلف مع شاهده، وتخرج الدار من يدي الذي هي في يديه فتحول إلى ملك المشهود الحالف له فيملكها كما كان الذي هي في يديه مالكا لها، وكذلك غيرها مما يملك، وكذلك لو أتى بشاهد على عبد أو عرض أو عين بعينه أو بغير عينه أحلف مع شاهده، وقضي له بحقه، وكذلك لو أقام شاهدا أن له عليه ألف درهم أو أقل أو أكثر حلف مع شاهده، وأخذ منه ألفا فيملكها عليه كما كان المشهود عليه لها مالكا قبل الشهادة واليمين
    (قال): وكذلك لو أقام البينة عليه أنه حرق له متاعا قيمته كذا وكذا أو قتل عبدا قيمته كذا أو جرحه هو في بدنه جراحة خطأ حلف في هذا كله مع شاهده، وقضي له بثمن المتاع وقيمة العبد وأرش الجناية قلت أو كثرت على الجاني في ماله أو على عاقلته لأنه يملك كل واحد ممن قضي عليه ما كان هو مالكا له إما في الظاهر والباطن، وإما في الظاهر.
    وكذلك لو أقام شاهدا أنه أسلفه مائة دينار في طعام موصوف أو بر موصوف أو غير ذلك أحلفته مع الشاهد، وألزمت المشهود عليه بما شهد به شاهده، وجعلت ذلك مضمونا عليه إلى أجله الذي سمى.
    وكذلك لو أقام شاهدا على رجل أنه اشترى منه جارية أو عبدا بمائة دينار حلف مع شاهده، ولزم المشهود عليه العبد أو الجارية بيعا بمائة دينار.
    وكذلك لو أقام شاهدا أنه باعه هذه الجارية بجارية أخرى أو بدار حلف مع شاهده ولزم كل واحد منهما البيع، وهذا كله تحويل ملك إلى مالك
    وكذلك لو أقام على رجل البينة أنه سرق منه شيئا من غير حرز يسوى مالا أو سرق منه شيئا من حرز لا يسوى ربع دينار حلف مع شاهده، وغرم السارق قيمة السرقة إن كانت مستهلكة، ولم يقطع السارق.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو كان لرجل حق من دين أو ثمن بيع أو أرش جناية أو غير ذلك من الحقوق فأقام الذي عليه الحق شاهدا أنه قد قبض ذلك منه صاحبه أو أبرأه منه أو صالحه منه على شيء قبضه حلف مع شاهده، وبريء من ذلك كله، وهذا تحويل ما كان من المشهود عليه بالبراءة ملك عليه إلى ملك المشهود له بالبراءة
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو قضى على عاقلة رجل بأرش جناية فأقام شاهدا أن المجني عليه أبرأه من أرش الجناية وقفنا الشاهد. فإن قال أبرأه من أرش الجناية، وأبرأ أصحابه المقضي عليهم بها أحلفناهم وأبرأناهم فإن حلف بعضهم، ولم يحلف بعض بريء من حلف، ولم يبرأ من لم يحلف، وذلك مثل أن يكون ألف درهم لرجل على رجلين فأقاما شاهدا فشهد لهما بالبراءة فيها فحلف أحدهما، ولم يحلف الآخر فيبرأ

    الذي حلف، ولا يبرأ الذي لم يحلف: وتحلف عاقلته، ولا يحلف معها لأن جنايته على عاقلته، ولا يعقل هو عن نفسه معهم شيئا. ولو قال الشاهد أبرأه من الجناية وقفته أيضا فقلت قد يحتمل قولك أبرأه من الجناية من أرشها فإن كنت هذا تريد فهو بريء منها، وإن تثبت الشهادة على إبراء العاقلة حلفوا وبرئوا، وإن لم تثبت عليهم لزمهم العقل لأنه لم يشهد لهم بالبراءة.
    ولو باعه عبدا معيبا فأقام شاهدا أنه تبرأ إليه من العيب أو شاهدا أنه أبرأه بعد العلم بالعيب من العيب حلف مع شاهده وبريء. ولا احتاج مع هذا إلى وقفه كما أحتاج إلى وقفه في الجناية من قبل أنه أبرأه من أن يكون به عيب فهذا أكثر ما يكون له. وإن أبرأه مما يلزم في العيب من الرد بالعيب أو أخذ ما نقص العيب بريء، وهذا لا يلزم إلا المشهود له خاصة فيحلف فيه ويبرأ.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أقام رجل على رجل بينة بحق فأتى المشهود عليه بشاهد يشهد بأن المشهود له أقر بأن ما شهد به شهوده على فلان باطل أحلف مع شاهده، وأبرئ مما شهد به عليه. وهذا مثل أن يقيم عليه بينة بمال فيأتي المشهود عليه بشاهد فيشهد أنه أبرأه منه فيحلف مع شاهده، ويبرأ مما شهد به عليه
    (قال): ولو أن رجلا أقام شاهدا في حياته أن له حقا على فلان بوجه من الوجوه. ثم مات قبل أن يحلف. أو مات قبل أن يقيم شاهدا فأقام ورثته بعده شاهدا بأن له على فلان حقا فورثته يقومون مقامه في كل ما ملكوا عنه. وذلك أن الله عز وجل نقل ملك الموتى بالمواريث إلى الأحياء فجعلهم يملكون ما كان للأحياء يملكون ما ملكهم بقدر ما فرض لهم فهم يقومون مقام من ورثوه بقدر ما ورثوا (قال): فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول كيف يحلف الوارث، وهو لا يدري أشهد شاهده بحق فيحلف على علمه، وذلك أن العلم قد يكون بالعيان والسماع والرؤية فإذا سمع ممن يصدق أن لأبيه حقا على فلان أو علمه بأي وجه من وجوه العلم كان ذلك حلف مع شاهده، وكان كأبيه لو شهد له شاهد على حق كان عنه غائبا أو على رجل أنه قتل له دابة غائبة أو عبدا حلف مع شاهده، وأخذ حقه، ولو لم يحلف إلا على ما عاين أو سمع من الذي عليه الحق بعينه ضاق هذا عليه (قال): ولم يزل أهل العلم يحلفون مع الشاهد على الحق الغائب إذا أمكن أن يكون الحالف علم أن حقه حق بوجه من وجوه العلم الرؤية أو السمع أو الخبر (قال): وإذا كان هكذا فكذلك كل من شهد له بحق بأن فلانا أقر له أو أوصى له أو تصدق عليه حلف مع شاهده، ولو ضاق عليه أن يحلف إلا على ما عاين ضاق عليه أن يأخذ الحق بشاهد إلا فيما عاين حتى لو مات أبوه وهو صغير فشهد له أنه ورثه شيئا بعينه ضاق عليه أن يأخذه لأنه لم يعاين أباه وما ترك ولا عدد ورثته، ولا هل عليه دين أو له وصايا، وكذلك لو كان بالغا، ومات أبوه غائبا فشهد له على تركة له غائبة لأنه لم ير أباه يملكها، ولا يدري لعله لم يتركها فإن مات ميت، وترك ابنا بالغا، وابنا صغيرا، وزوجة يحلف البالغ، ويأخذ نصيبه من الميراث، وذلك نصف المال بعد ثمن المرأة، وإن حلفت المرأة أخذت الثمن ووقفت للصبي حقه من المال وذلك النصف بعد الثمن حتى يبلغ فيحلف أو يمتنع من اليمين فيبطل حقه أو يموت قبل البلوغ فتقوم ورثته فيما ورثوا عنه مقامه فيحلفون ويستحقون
    (قال)
    : وكذلك لو كان الورثة بالغين فيهم غيب أخذ الحاضر الحالف حقه، ووقفت حقوق الغيب حتى يحضروا فيحلفوا، ويستحقوا أو يأبوا فتبطل حقوقهم أو يموتوا قبل ذلك فتقوم ورثتهم في حقوقهم مقامهم.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن كان في الورثة أخرس، وكان يفقه الإشارة باليمين أشير إليه بها حتى يفهم عنه أنه حلف ثم يعطى حقه، وإن كان لا يفهم الإشارة، ولا يفهم عنه أو كان معتوها أو ذاهب العقل وقف له حقه حتى يعقل فيحلف أو يموت فتقوم ورثته مقامه

    فيحلفون، ويستحقون، ولا يجوز عندي أن يترك وارثين فيحلف أحدهما فيستحق الآخر حقه بيمين أخيه لأن كلا إنما يقوم مقام الميت فيما ورث عنه، والحق وإن كان عن الميت ورث فلم يحق إلا للأحياء بسبب الميت على قدر مواريثهم. ألا ترى أن اليمين إنما كانت من الأحياء فلا يجوز أن يقوم رجل مقام الذي له أصل الحق في نصف ماله فيستحق بيمين غيره النصف الآخر كما لو كان لرجلين على رجل ألفا درهم فأقام أحدهما شاهدا بها، وحلف أحدهما لم يستحق الألف، وهي التي تملك، ولا يحلف على ما يملك غيره، ولو حلف لم يستحق غيره بيمينه شيئا لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد لصاحب الحق وصاحب الحق من ملكه كله لا من ملك بعضه، وبقي البعض مملوكا لغيره، ولو كان للورثة، وصي فأقام شاهدا بحق للميت لم يحلف الوصي لأنه ليس بمالك، وتوقف حقوقهم فكلما بلغ منهم واحد حلف، وأخذ حقه بقدر ميراثه، ولو مات رجل، وقد أقام في حياته شاهدا له بحق على رجل أو أقامه، وصيه بعد وفاته أو أحد ورثته، وله غرماء فقيل لورثته احلفوا، واستحقوا فأبوا أن يحلفوا بطل حقهم، ولم يكن للغرماء أن يحلفوا لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قضى لمن أقام شاهدا بحق له على الآخر بيمينه، وأخذ حقه فإنما أعطى باليمين من شهد له بأصل الحق، وإنما اليمين مع الشاهد أن يقال لقد شهد الشاهد بحق، وإن هذا الحق لي على فلان، وما بريء منه، وإنما جعلت للوارث اليمين بأن الله عز وجل نقل ملك الميت إلى الوارث فجعله يقوم مقامه فيه، ولا يخالفه بقدر ما فرض له وجعله مالكا ما كان الميت مالكا أحب أو كره، ولو ورث عبدا زمنا ألزمته ملكه، وإن لم يرد ملكه حتى يخرجه هو من ملكه قال، وليس الغريم ولا الموصى له من معنى الوارث بسبيل لا هم الذين لهم أصل الحق فيكونون المقضي لهم باليمين مع الشاهد، ولا الذين حكم الله تعالى لهم بالميراث فيكونون في معنى صاحب الحق، والغرماء، والموصى لهم، وإن استحقوا مال صاحب الدين فليس من وجه أنهم يقومون مقامه، ولا يلزم فيهم ما يلزم الوارث من نفقة عبيده الزمنى قال، ولو مات صاحب الحق فجاء وارثه بشاهد، وقال أنا أحلف، وقال غريم الميت المال لي دون الوارث، وأنا أحلف حلف الوارث، وأخذ الغريم المال دونه كما كان أخذ له دون أبيه، ولو كان الغريم يقوم مقام الوارث كان أحق بالمال إذا ملكه الوارث عن الموروث فالغريم أحق به كما يكون أحق بجميع ماله الذي في يديه، والذي يحق به وله من الدية وغيرها
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ففيما وصفت إن شاء الله تعالى بيان فرق ما بين الغريم والموصى له والوارث وصاحب أصل الحق قال ومما يثبته إن شاء الله تعالى أن الغريم إنما حقه في مال الميت جملة لا في ماله الذي يحلف عليه، وذلك أنه لو ظهر له مال سوى ماله الذي يقال للغريم احلف عليه كان للورثة أن يعطوه من المال الظاهر الذي لم يحلف عليه، ولو لم يكن له مال إلا ما حلف عليه الغريم فجاء غريم غيره فامتنع أحدهما من اليمين فإن حلف الآخر، وأخذ جميع الدين فقد أعطى بيمينه الحق، وإنما كان له النصف، وليس هكذا الرجلان يكون الحق لأحدهما إذا نكل بطل حقه، وأخذ الحالف حقه.
    قال ولو أقام ورثة رجل شاهدا على حق له، وله غرماء، ووصايا قيل للورثة: احلفوا، واستحقوا فإذا فعلوا فالغرماء أحق بماله منهم وأهل الوصايا يشركونهم في ماله بالثلث، وإن أبوا أن يحلفوا أبطلنا حصة أهل الوصايا.

    الامتناع من اليمين وكيف اليمين؟
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن كانت له اليمين على حق مع شاهد قيل له إن حلفت استحققت، وإن امتنعت من اليمين سألناك لم تمتنع؟ فإن قلت لآتي بشاهد آخر تركناك حتى تأتي به فتأخذ حقك بلا يمين أو لا تأتي به فنقول احلف، وخذ حقك، وإن امتنعت بغير أن تأتي بشاهد أو تنظر في كتاب لك أو لاستثبات أبطلنا حقك في اليمين، وإن طلبت اليمين بعدها لم نعطكها لأن الحكم قد مضى بإبطالها، وإن جئت بشاهد آخر أعطيناك به لأنا إنما أبطلنا حقك في اليمين لا في الشاهد الآخر، ولا الأول قال فإن قال بيني وبين الرجل معاملة أو قد حضرني، وإياه من أثق به فأسأله أمهلته حتى يسأله، ولم أقض له بشيء على المشهود عليه فإن حلف أخذ حقه، وإن أبى أبطلت حقه في اليمين فمتى طلب اليمين بعد لم أعطها إياه لأني قد أبطلتها، ومتى جاء بشاهد آخر أعطيته بهما لأني لم أبطل الشاهد إنما أبطلت الحق في اليمين (قال): وإذا كان الحق عشرين دينارا أو قيمتها أو دما أو جراحة عمد فيها قود ما كانت أو حدا أو طلاقا حلف الحالف بمكة بين البيت والمقام فإن كان بالمدينة فعلى منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان في بيت المقدس ففي مسجدها أو ببلد ففي مسجده، وأحب لو حلف بعد العصر. وقد كان من حكام الآفاق من يستحلف على المصحف، وذلك عندي حسن
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن كان الحق أقل من عشرين دينارا أو قيمتها أو كانت جراحة خطأ أرشها أقل من عشرين أحلف في المسجد أو في مجلس الحكام (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وتوقيت عشرين دينارا قول فقهاء المكيين وحكامهم
    فإذا حلف الرجل على حق نفسه حلف " بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة والرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية أن ما شهد به شاهدا فلان بن فلان عليك، وهو كذا وكذا، ويصفه لحق كما شهد به، وإن ذلك لثابت لي عليك ما قبضته منك، ولا شيئا منه، ولا اقتضاه لي مقتض بأمري، ولا شيئا منه، ولا بغير أمري فوصل إلي ولا أبرأتك منه، ولا من شيء منه، ولا أحلتني به، ولا بشيء منه على أحد، ولا أحلت به عليه، ولا برئت منه بوجه من الوجوه، ولا صرت إلى ما يبرئك منه، ولا من شيء منه بوجه من الوجوه إلى يوم حلفت يميني هذه فإن كان اقتضى منه شيئا أو أبرأه من شيء حلف بما وصفت فإذا انتهى إلى قوله ما اقتضيته، ولا شيئا منه، ولا اقتضاه لي مقتض بأمري، ولا شيئا منه، ولا اقتضاه لي مقتض بأمري، ولا شيئا منه، ولا وصل إلي، ولا إلى غيري بأمري، ولا كان مني فيه، ولا في شيء منه ما يكون لك به البراءة منه ثم تنسق اليمين، وإن حلف على دار له في يديه أو عبد أو غيره حلف كما وصفت. وقال " إن الدار التي كذا، ويحدها لداري ما بعتكها، ولا شيئا منها، ولا وهبتها لك، ولا شيئا منها، ولا تصدقت بها عليك، ولا بشيء منها، ولا على غيرك ممن صيرها إليك مني، ولا بشيء منها بوجه من الوجوه، وإنها لفي ملكي ما خرجت مني، ولا شيء منها إلى أحد من الناس أخرجها، ولا شيئا منها إليك " وإنما أحلفته على غيره بسبب المحلف له لأنه قد يخرجها إلى غيره فيخرج ذلك إلى الذي هي في يديه، وإن كان المستحلف ذميا أحلف " بالله الذي أنزل التوراة على موسى، وبغير ذلك مما يعظم اليمين به مما يعرف أنه حق، وليس بباطل، ولا يحلف بما يعظم إذا جهلناه، ويحضره من أهل دينه من يتوقى هو محضره إن كان حانثا ليكون أشد لتحفظه إن شاء الله تعالى.
    قال، وإن كان الحق لميت فورثه الحالف حلف كما وصفت على أن هذا الحق ثابت لفلان عليك ما اقتضيته منك ثم ينسق اليمين كما وصفت، ولا علمت فلانا الميت اقتضاه، ولا شيئا منه منك، ولا أبرأك منه، ولا من شيء منه بوجه من الوجوه، ولقد مات، وأنه لثابت عليك إلى يوم حلفت بيميني هذه. قال، ولو كانت اليمين لرجل يأخذ بها أو على رجل يبرأ بها فبدأ فحلف قبل أن يحلفه الحاكم أعاد الحاكم عليه اليمين حتى تكون يمينه بعد خروج الحكم بها.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •