عيد أضحى مبارك
تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: السنة في دخول مكة للحاج والمعتمر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي السنة في دخول مكة للحاج والمعتمر

    السنةُ في دُخُولِ مَكَّةَ للحاجِ والمعتمرِ


    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف






    قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: "يُسَنُّ: مِنْ أَعْلَاهَا، وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ: مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، فَإِذَا رَأَىْ الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ مَا وَرَدَ. ثُمَّ يَطُوفُ مُضْطَبِعًا. يَبْتَدِئُ الْمُعْتَمِرُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَالْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ لِلْقُدُومِ، فَيُحَاذِيْ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِكُلِّهِ وَيَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ، فَإِنْ شَقَّ قَبَّلَ يَدَهُ، فَإِنْ شَقَّ اللَّمْسُ أَشَارَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُ مَا وَرَدَ. وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَطُوفُ سَبْعًا، يَرْمُلُ الْأُفُقِيُّ فِي هَذَا الطَّوَافِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَمْشِيْ أَرْبَعًا، وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ كُلَّ مَرَّةٍ".
    سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ: مَا يَتَعَلَّقُ بِدُخُولِ مَكَّةَ، وَمِنْ أَيْنَ يَدْخُلُهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ.
    وَالْكَلَامُ سَيَكُونُ فِي أُمُورٍ:
    أَوَّلًا: دُخُولُ مَكَّةَ مِنْ أَعْلَاهَا، وَالْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (يُسَنُّ مِنْ أَعْلَاهَا، وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ).
    أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ؛ مِنْ أَعْلَاهَا أَوْ مِنْ أَسْفَلِهَا[1]، لَكِنَّ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ دَخَلَهَا مِنْ أَعْلَاهَا وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا»[2]، وَالَّذِي يُسَمَّى قَدِيمًا: بِـ (ذِيْ طِوًى)، وَيُسَمَّى الْآنَ: (الْعَتِيبِيَّة) .
    وَأَيْضًا: ثَبَتَ عَنْهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إِذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ، ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طِوًى، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ، وَيَغْتَسِلُ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ»[3].
    فَمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ الْمَبِيتُ بِهَا وَالاِغْتِسَالُ : فَلْيَفْعَلْ؛ فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَنِ الَّتِي انْدَثَرَتْ.
    وَبَعْضُ النَّاسِ بَلْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: يَظُنُّ أَنَّهُ يُسَنُّ الِاغْتِسَالُ عِنْدَ الْحَرَمِ فَقَطْ، وَهَذَا جَهْلٌ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ فِي الْحَجِّ إلَّا ثَلَاثَةُ أَغْسَالٍ: غُسْلُ الْإِحْرَامِ. وَالْغُسْلُ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ. وَالْغُسْلُ يَوْمَ عَرَفَةَ"[4]. وَعَلَيْهِ: فَإِنَّ مَا عَدَاهَا لَا يُسْتَحَبُّ شَيْءٌ مِنْهُ.
    وَعَلَى كُلِّ حَالٍ: مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَبِيتَ بِـ: (ذِيْ طِوًى)، ثُمَّ إِذَا أَصْبَحَ يَغْتَسِلُ: فَهَذَا أَحْسَنُ وَهُوَ السُّنَّةُ.
    وَفِي هَذَا الْوَقْتِ قَدْ يَصْعُبُ تَطْبِيقُ هَذِهِ السُّنَّةِ؛ وَلَكِنْ هَلِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَ هَذَا عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ، أَمْ وَقَعَ مِنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتِّفَاقًا؟ لَعَلَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ أَسْمَحُ لِدُخُولِهِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْجِهَةَ هِيَ مَدْخَلُ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ؛ فَالْآتِي مِنَ الْمَدِينَةِ يَمُرُّ بِـ: (الزَّاهِرِ)، ثُمَّ يَنْزِلُ عَلَى (مَكَّةَ)، فَمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ: أَفْضَلُ.
    فَهَذِهِ سُنَّةٌ بَاقِيَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَجِيءُ سَرِيعًا بِالسَّيَّارَات ِ أَوِ الطَّائِرَاتِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
    وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى سُنِّيَّتِهِ[5]، وَهُوَ: الَّذِي أَمَامَ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ أَشْرَفُ جِهَاتِهَا؛ فَفِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ.
    مَلْحُوظَةٌ:
    اسْتَدَلَّ الشَّارِحُ عَلَى سُنِّيَّةِ الدُّخُولِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ فَقَالَ: "لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ *ارْتِفَاعَ *الضُّحَى، وَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ عِنْدَ بَنِي شَيْبَةَ ثُمَّ دَخَلَ»"[6]، هَكَذَا قَالَ رَحِمَهُ اللهُ.
    وَلَكِنْ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ؛ بَلْ وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ[7].
    ثَانِيًا وَثَالِثًا: رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، وَقَوْلُ مَا وَرَدَ. وَهَذِهِ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (فَإِذَا رَأَىْ الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ مَا وَرَدَ).
    هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ -أَيْ: الْكَعْبَةَ-: رَفَعَ يَدَيْهِ، وَيَدْعُو بِالدُّعَاءِ الْوَارِدِ؛ فَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ.
    وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَفِي الدُّعَاءِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ فِيهَا ضَعْفٌ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ جَابِرٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي سِيَاقِ حَجِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[8]، وَأَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ: مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: "كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ"[9]، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ وَلِهَذَا أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ: أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بِدُعَاءٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ؛ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ[10].
    وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَيَقُولَ: (بِسْمِ اللهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أَعُوذُ بِاللهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ[11]، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ)[12]. وَأَمَّا ذِكْرُ الْمَغْفِرَةِ فَقَدْ جَاءَ عِنْدَ التَّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ[13].
    وَيَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ دُخُولِ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَلَيْسَ لِدُخُولِ الْحَرَمِ ذِكْرٌ يَخُصُّهُ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
    رَابِعًا: الطَّوَافُ مُضْطَبِعًا. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ يَطُوفُ مُضْطَبِعًا).
    الاِضْطِبَاعُ: أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ[14].
    وَالاِضْطِبَاعُ مَسْنُونٌ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي جَمِيعِ الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الاِضْطِبَاعِ حَدِيثَانِ:
    الْأَوَّلُ: حَدِيثُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: «طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُضْطَبِعًا بِبُرْدٍ أَخْضَرَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ ُ، وَقَالَ: "وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"[15].
    وَالثَّانِي: حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنَ الْجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ قَدْ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمُ الْيُسْرَى» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ[16].
    وَهَا هُنَا مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهِيَ: أَنَّ الاِضْطِبَاعَ مَحَلُّهُ إِذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي الطَّوَافِ؛ فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الطَّوَافِ: أَزَالَ الاِضْطِبَاعَ؛ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ بِلَا اضْطِبَاعٍ. لَا كَمَا يَتَوَهَّمُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ الاِضْطِبَاعَ سُنَّةٌ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ الْإِحْرَامِ.
    خَامِسًا: يَبْتَدِئُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَالْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ لِلْقُدُومِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (يَبْتَدِئُ الْمُعْتَمِرُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَالْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ لِلْقُدُومِ).
    جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَجَّ»[17]؛ فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الاِبْتِدَاءَ بِالطَّوَافِ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ دَاخِلٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَطُوفَ تَطَوُّعًا أَوْ لِلْعُمْرَةِ أَوْ لِلْحَجِّ، وَلَا يُشْرَعُ لَهُ الْبَدْءُ بِرَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ قَبْلَ الطَّوَافِ؛ لَكِنْ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِصَلَاةٍ، أَوْ طَلَبِ عِلْمِ، وَنَحْوِهِمَا: فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ؛ لِحَديثِ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ»[18].
    وَأَمَّا إِنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا: فَيَطُوفُ لِلْقُدُومِ، وَهَذَا الطَّوَافُ فِي حَقِّهِمْ سُنَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ نُقِلَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ[19]؛ لِظَاهِرِ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الْمُضَرِّسِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-[20]. وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ.
    وَسُمِّيَ طَوَافَ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ عِنْدَ قُدُومِهِ إِلَى مَكَّةَ؛ وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُطَّ رَحْلَهُ؛ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَلَكِنْ إِذَا شَقَّ عَلَيْهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى سَكَنِهِ وَيَحُطَّ رَحْلَهُ: فَلَا حَرَجَ[21].
    وَإِذَا طَافَ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ طَوَافَ الْقُدُومِ: فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَدِّمُوا سَعْيَ الْحَجِّ، بَلْ هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَكْمَلُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
    سَادِسًا: يُحَاذِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ. وَهَذا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (فَيُحَاذِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِكُلِّهِ).
    أَيْ: بِكُلِّ بَدَنِهِ؛ فَلَوْ وَقَفَ أَمَامَ الْحَجَرِ وَبَعْضُ بَدَنِهِ خَارِجٌ عَنِ الْحَجَرِ فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الشَّوْطُ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يُحَاذِيَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ.
    وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ عَلَى قَوْلَيْنِ:
    الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ[22]؛ لِأَنَّ النَّبِيَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ وَاسْتَلَمَهُ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ اسْتَقْبَلَهُ بِكُلِّ بَدَنِهِ.
    الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ[23]؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ فَأَجْزَأَ الْبَعْضُ عَنِ الْكُلِّ.
    وَإِنْ بَدَأَ الطَّوَافَ دُونَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: لَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ الشَّوْطِ؛ لِأَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كَانَ يَبْتَدِئُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ.
    سَابِعًا: اِسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَتَقْبِيلُهُ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَسْتَلِمُهُ).
    الاِسْتِلَامُ: مَسْحُهُ بِالْيَدِ[24]، فَالْمَعْنَى: يَمْسَحُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ فيِ صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا»[25].
    وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ[26].
    وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- مَرْفُوعًا: «إِنَّ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ يَحُطَّانِ الذُّنُوبَ»[27]، وَفِي لَفْظٍ: «إِنَّ مَسْحَهُمَا كَفَّارَةٌ لِلْخَطَايَا»[28].
    وَأَمَّا قَوْلُهُ رَحِمَهُ اللهُ: (وَيُقَبِّلُهُ).
    فَلِقَوْلِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «إِنِّي لَأُقَبِّلُكَ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُكَ» مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ[29].
    وَالتَّقْبِيلُ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ شَوْطٍ، إِذَا تَيَسَّرَ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا.
    وَأَمَّا قَوْلُهُ -رَحِمَهُ اللهُ-: (فَإِنْ شَقَّ قَبَّلَ يَدَهُ). ِ
    فَلِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُهُ»[30].
    وَأَمَّا قَوْلُهُ -رَحِمَهُ اللهُ-: (فَإِنْ شَقَّ اللَّمْسُ أَشَارَ إِلَيْهِ).
    أَيْ: إِنْ شَقَّ اسْتَلَمَهُ بِشَيْءٍ وَقَبَّلَهُ، فَلَوِ اسْتَلَمَهُ بِعَصًا مَثَلًا: قَبَّلَهَا؛ لِمَا رَوَى مَسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ»[31]؛ فَإِنْ شَقَّ اللَّمْسُ: أَشَارَ إِلَى الْحَجَرِ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ، وَلَا يُقَبِّلُهُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ، وَكَبَّرَ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ[32].
    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: السنة في دخول مكة للحاج والمعتمر

    إِذًا: الْمَرَاتِبُ أَرْبَعٌ، وَيَفْعَلُ الْأَيْسَرَ:
    الْأُولَى: أَنْ يَسْتَلِمَهُ، وَيُقَبِّلَهُ.
    الثَّانِيَةُ: أَنْ يَسْتَلِمَهُ بِيَدِهِ، وَيُقَبِّلَ يَدَهُ.
    الثَّالِثَةُ: أَنْ يَسْتَلِمَهُ بِشَيْءٍ، وَيُقَبِّلَهُ.
    الرَّابِعَةُ: يُشِيرُ إِلَيْهِ بِيَدِهِ، وَلَا يُقَبِّلُ يَدَهُ.
    وَالْإِشَارَةُ تَكُونُ بِالْيَمِينِ، كَمَا أَنَّ الْمَسْحَ يَكُونُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى.
    وَيَكُونُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ مُسْتَقْبِلًا الْحَجَرَ، كَمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمَسْحِ، فَإِنْ كَانَ زِحَامٌ: فَلَا حَرَجَ أَنْ يُشِيرَ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْبَالٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
    ثَامِنًا: قَوْلُ مَا وَرَدَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَقُولُ: مَا وَرَدَ).
    أَيْ: وَيَقُولُ مُسْتَقْبِلُ الْحَجَرِ بِوَجْهِهِ كُلَّمَا اسْتَلَمَهُ: مَا وَرَدَ، وَالَّذِي وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: التَّكْبِيرُ فَقَطْ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- السَّابِقِ، وَفِيهِ: «كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ، وَكَبَّرَ»[33]. وَثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَنَّهُ كَانَ: «يَأْتِي الْبَيْتَ فَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ، وَيَقُولُ: بِسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ»[34]. وَاللهُ أَعْلَمُ.
    ثَامِنًا: أَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ).
    وَهَذَا لِأَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- طَافَ كَذَلِكَ، وَقَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَناسِكَكُمْ»[35].
    تَاسِعًا: الطَّوَافُ سَبْعًا وَالرَّمَل ُفِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَطُوفُ سَبْعًا يَرْمُلُ الْأُفُقِيُّ فِي هَذَا الطَّوَافِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَمْشِي أَرْبَعًا).
    الْأُفُقِيُّ هُوَ: مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ مَسَافَةُ قَصْرٍ فَأَكْثَر[36].
    وَالرَّمَلُ هُوَ: الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَا، وَقِيلَ، هُوَ: مِثْلُ الْهَرْوَلَةِ[37]، وَسَبَبُ الرَّمَلِ: مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَقَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ»[38]، وَإِذَا كَانُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ: لَمْ يَرْمُلُوا؛ لِأَنَّهُمْ يَخْتَفُونَ عَنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَأْمُرْهُمُ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.
    ثُمَّ أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بَعْدَ ذَلِكَ فيِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ كُلَّهَا.
    وَاسْتَقَرَّتِ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ؛ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-: فَكَانَ الْرَمَلُ سُنَّةً؛ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «مَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ، إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ»[39].
    مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُقْضَى الرَّمَلُ إِنْ فَاتَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ[40]؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا، وَإِنْ تَذَكَّرَهُ أَثْنَاءَ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ أَوِ الثَّانِي: فَلَهُ أَنْ يَرْمُلَ.
    مَسْأَلَةٌ: الرَّمَلُ أَوْلَى مِنَ الدُّنُوِّ مِنَ الْبَيْتِ؛ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ[41]؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ ثَبَتَ بِالنَّصِ، وَالدُّنُوُّ مِنَ الْبَيْتِ إِنَّمِا هُوَ اسْتِحْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَيُقَدَّمُ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِذَاتِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا، وَلَا مَانِعَ مِنْ كِلَا التَّعْلِيلَيْن ِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
    مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُسَنُّ الرَّمَلُ وَالاِضْطِبَاعُ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّوَافِ[42]، وَهُوَ طَوَافُ الْعُمْرَةِ لِلْمُعْتَمِرِ، وَالْقُدُومِ لِلْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
    عَاشِرًا: أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ كُلَّ مَرَّةٍ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ كُلَّ مَرَّةٍ).
    أَيْ: يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ كُلَّ مَرَّةٍ عِنْدَ مُحَاذَاتِهمَا؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا، وَفِي سَنَدِهِ كَلَامٌ[43]، لَكِنْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمْ أَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُ مِنَ الْبَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْن ِ»[44].
    أَمَّا اسْتِلَامُهُمَا فَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى سُنِّيَّتِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ[45].
    فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ اسْتِلَامُهُمَا : أَشَارَ إِلَيْهِمَا، كَذَا قَالَ الشَّارِحُ[46]. أَمَّا الْحَجَرُ: فَلَا إِشْكَالَ. وَأَمَّا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ: فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِنْ شَقَّ عَلَيْهِ اسْتِلَامُهُ: أَشَارَ إِلَيْهِ.
    وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عَلَى قَوْلَيْنِ:
    الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُشِيرُ إِلَيْهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَقَالَ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ[47].
    الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُشِيرُ إِلَيْهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّ ةِ، وَقَالَ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ[48]، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
    وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ -رَحِمَهُ اللهُ-: (كُلَّ مَرَّةٍ).
    هَذَا ظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ: أَنَّهُ يُسَنُّ اسْتِلَامُ الرُّكْنَيْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عِنْدَ مُحَاذَاتِهِمَا ، وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّ ةِ، وَالشَّافِعِيَّ ةِ[49].
    مَسأَلَةٌ: وَيَقُولُ بِيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّائِبِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّاْرِ ﴾» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ[50].
    ------------------------------------------------------
    [1] ينظر: مناسك الحج، لابن تيمية (ص: 66).
    [2] أخرجه البخاري (1577)، ومسلم (1258).
    [3] أخرجه البخاري (1573)، ومسلم (1259).
    [4] مناسك الحج، لابن تيمية (ص: 97).
    [5] ينظر: الإيضاح في مناسك الحج والعمرة (ص: 202).
    [6] ينظر: الروض المربع (ص269).
    [7] وفي حاشية الروض المربع (2/ 114): "لم نقف عليه في صحيح مسلم من حديث جابر ولا غيره، وروى الطبراني في الأوسط (491)، من طريق عبد الله بن نافع قال: نا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر قال: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلنا معه من باب بني عبد مناف، وهو الذي يسميه الناس باب بني شيبة، وخرجنا معه إلى المدينة من باب الحزورة، وهو باب الخياطين»، قال ابن حجر: (وفي إسناده عبد الله بن نافع، وفيه ضعف)، ... ". فلينظر.
    [8] ينظر: الشرح الممتع (٧ / ٢٢٩).
    [9] أخرجه الأزرقي في أخبار مكة (1/ 278)، والبيهقي في الكبرى (9288).
    [10] ينظر: الفروع، لابن مفلح (6/ 33).
    [11] أخرجه أبو داود (466).
    [12] أخرجه مسلم (713).
    [13] أخرجه أحمد (26419)، والترمذي (314)، وابن ماجه (771).
    [14] ينظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (1/ 511)، ومناسك الحج، لابن تيمية (ص74).
    [15] أخرجه أبو داود (1883)، والترمذي (859)، وابن ماجه (2954).
    [16] أخرجه أبو داود (1884).
    [17] أخرجه البخاري (1614), ومسلم (1235).
    [18] أخرجه البخاري (2/ 57).
    [19] ينظر: اختلاف الأئمة العلماء (1/ 280)، والشرح الكبير على متن المقنع (3/ 382).
    [20] أخرجه أحمد (16208)، وأبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (3042).
    [21] ينظر: الشرح الممتع (7/ 232).
    [22] ينظر: الحاوي الكبير (4/ 134، 135)، والإنصاف، للمرداوي (9/ 82).
    [23]ينظر: البحر الرائق (2/ 353)، والحاوي الكبير (4/ 134)، والإنصاف (9/ 82، 83).
    [24]ينظر: مناسك الحج، لابن تيمية (ص71).
    [25] أخرجه مسلم (1218).
    [26] ينظر: مراتب الإجماع (ص: 44)، واختلاف الأئمة العلماء (1/ 280، 292).
    [27] أخرجه أحمد (4585).
    [28] أخرجه الترمذي (959)، وصححه الحاكم (1799).
    [29] أخرجه البخاري (1610)، ومسلم (1270)، واللفظ له.
    [30] أخرجه مسلم (1268).
    [31] أخرجه مسلم (1275).
    [32] أخرجه البخاري (1632).
    [33] تقدم تخريجه.
    [34] أخرجه أحمد (4628).
    [35] أخرجه بهذا اللفظ البيهقي في الكبرى (9600)، وأصله أخرجه مسلم (1297)، بلفظ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ».
    [36] تقدم تخريجه.
    [37] ينظر: مناسك الحج، لابن تيمية (ص73).
    [38] أخرجه البخاري (1602)، ومسلم (1266).
    [39] أخرجه البخاري (1605).
    [40] ينظر: الروض المربع (2/ 121).
    [41] الروض المربع (2/ 121).
    [42] الروض المربع (2/ 121).
    [43] أخرجه أحمد (4686)، وأبو داود (1876)، والنسائي (2947)، وصححه ابن خزيمة (2723)، وابن حبان (3827)، والحاكم (1676).
    [44] أخرجه البخاري (1609)، ومسلم (1267).
    [45] ينظر: التمهيد، لابن عبد البر (14/ 257)، وبداية المجتهد (2/ 107).
    [46] الروض المربع (2/ 122).
    [47] ينظر: البحر الرائق (2/ 355)، والشرح الكبير على متن المقنع (3/ 391)، والمنهاج القويم (ص: 283).
    [48] ينظر: البحر الرائق (2/ 355)، والفواكه الدواني (1/ 358)، وبداية المحتاج (1/ 657).
    [49] ينظر: البحر الرائق (2/ 355)، والفواكه الدواني (1/ 358)، ونهاية المحتاج (3/ 284)، والشرح الكبير على متن المقنع (3/ 391).
    [50] أخرجه أحمد (15399)، وأبو داود (1892)، وصححه ابن خزيمة (2721)، وابن حبان (3826)، والحاكم (1673).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •