تراجم لأمهات المؤمنين مواقف وعبر (2-2)



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه تراجم مختصرة لأمهات المؤمنين مستلة من كتاب الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر حفظه الله تعالى: تأملات في قوله تعالى: {وأزواجه أمهاتهم}، مع التنبيه على بعض المسائل المتعلقة بأمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
قال الحافظ العراقي في (ألفيته) في السيرة النبوية:
زوجاته اللاتي بهن قد دخل
ثنتا أو إحدى عشرة خلف نقل
خديجة الأولى تليها سودة
ثم تلي عائشة الصديقة
وقيل قبل سودة فحفصة
فزينب والدها خزيمة
فبعدها هند أي أم سلمة
فابنة جحش زينب المكرمة
تلي ابنة الحارث أي جويرية
فبعدها ريحانة المسبية
وقيل بل ملك يمين فقط
لم يتزوجها وذاك أضبط
بنت أبي سفيان وهي رملة
أم حبيبة تلي صفية
من بعدها فبعدها ميمونة
حلا وكانت كاسمها ميمونة
وابن المثنى معمر قد أدخلا
في جملة اللاتي بهن دخلا
بنت شريح واسمها فاطمة
عرفها بأنها الواهبة
ولم أجد من جمع الصحابة
ذكرها ولا بأسد الغابة
وعلها التي استعاذت منه
وهي ابنة الضحاك بانت منه
وغير من بنى بها أو وهبت
إلى النبي نفسها أو خطبت
ولم يقع تزويجها فالعدة
نحو الثلاثين بخلف أثبتوا
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «وقال بعضهم: هن ثلاثون امرأة، وأهل العلم بسيرته وأحواله[ لا يعرفون هذا، بل ينكرونه، والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونية ليتزوجها فدخل عليها ليخطبها فاستعاذت منه فأعاذها ولم يتزوجها، وكذلك الكلبية، وكذلك التي رأى بكشحها بياضا فلم يدخل بها، والتي وهبت نفسها له فزوجها غيره على سور من القرآن، هذا هو المحفوظ، والله أعلم».
المسألة الثانية عشرة: في ذكر بعض فضائلهن وخصائصهن:
مر معنا في المسألة السابقة بعض الفضائل والخصائص التي تميز بها بعض أزواج النبي[، وفي هذه المسألة سأشير إلى بعض فضائلهن وخصائصهن إجمالا، أو الفضائل والخصائص المشتركة بينهن -رضي الله عنهن- أو بين أكثرهن.
أولا: فمن خصائصهن أن الله أكرمهن وشرفهن بأن كن أزواج النبي[، وهذه فضيلة عظيمة ومنقبة كبيرة منّ الله عليهن بها، وهن أزواجه في الدنيا والآخرة.
ثانيا: ما ترتب على ذلك، وهو أنهن صرن بذلك أمهات للمؤمنين، كما قال تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (الأحزاب: 6).
فهذه فضيلة أخرى وخاصية ثانية نلنها لما أكرمهن بأن كن أزواجا للنبي[.
ثالثا: وصف الله لهن في القرآن بأنهن لسن كأحد من النساء، قال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} (الأحزاب: 32) بل أحسن وأفضل.
رابعا: ومن خصائصهن أنهن لا يجوز نكاحهن من بعده، كما قال تعالى: {وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} (الأحزاب: 53) وهذه خاصة بهن دون سائر النساء.
خامسا: أن النبي[ نص على الصلاة عليهن، ففي الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي: أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله[: «قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد».
سادسا: إيثارهن البقاء مع النبي[ على الحياة الدنيا وزينتها لما خيرن في ذلك، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَ ّ سَرَاحًا جَمِيلا} (الأحزاب: 2)، {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 29) فاخترن البقاء معه[.
سابعا: أنهن داخلات في آل النبي[، ويدل على دخولهن في الآل أمور عديدة، منها: 1- قوله تعالى في حقهن: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (الأحزاب: 33).
2- قوله[ في حديث أبي حميد المتقدم: «اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته»، وفي غيره من الأحاديث: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد»، وهذا غايته أن يكون الأول منهما قد فسره اللفظ الآخر.
3 - ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله[: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا».
وكان رزق أزواجه[ قوتا، وما كان يحصل له بعد من الأموال كن يتصدقن به ويجعلن رزقهن قوتا.
4 - ما ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «ما شبع آل محمد[ من خبز بر مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله عز وجل» وأزواجه كان أمرهن كذلك.
5 - وإنما دخل أزواج النبي[ في الآل تشبيها لذلك؛ لأن اتصالهن بالنبي[ غير مرتفع، وهن محرمات على غيره في حياته وبعد مماته، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة، فالسبب الذي لهن بالنبي[ قائم مقام النسب.
ثامنا: أنهن تحرم عليهن الصدقة، وهذا مترتب على الذي قبله؛ لقوله[: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد».
وهن داخلات في الآل كما تقدم، فالصدقة تحرم عليه؛ لأنها من أوساخ الناس، وقد صان الله سبحانه ذلك الجناب الرفيع من كل أوساخ بني آدم.
تاسعا: أنهن من الذين يؤتون أجرهم مرتين؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} (الأحزاب: 31)، فقنتن لله ورسوله وعملن صالحا، فعلم بذلك أجرهن، رضي الله عنهن أجمعين.
وقد أفرد السيوطي رسالة لطيفة فيمن يؤتى أجره مرتين، جمع فيها من ورد في حقهم هذا الأجر المضاعف، بدأها بأزواج النبي[، وأورد الآية الكريمة المتقدمة، ثم ساق ما رواه الطبراني عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله[: «أربعة يؤتون أجرهم مرتين: أزواج النبي، ومن أسلم من أهل الكتاب، ورجل كانت عنده أمة فأعجبته فأعتقها ثم تزوجها، وعبد مملوك أدى حق الله وحق ساداته».
إلا أن الحديث غير ثابت عن النبي[ لضعف إسناده، والآية كافية في الدلالة على هذه الفضيلة وإثباتها.
وقد قال السيوطي في آخر رسالته المتقدمة نظما:
وجمع أتى فيما روينا أنهم
يثنى لهم أجر حووه محققا
فأزواج خير الخلق أولهم ومن
على زوجها أو القريب تصدقا
فهذه بعض خصائص وفضائل أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- والمقصود الإشارة ليس إلا، والله أعلم .
المسألة الثالثة عشرة: في واجبنا نحو أزواجه[:
يمكن أن نلخص الواجب علينا نحو أزواجه[ أمهات المؤمنين في النقاط التالية:
1 - تولي أزواج رسول الله[ وحبهن، ومعرفة فضلهن وقدرهن ومنزلتهن العظيمة التي شرفهن الله بها.
2 - احترامهن وتوقيرهن واعتقاد أنهن أمهات للمؤمنين، وأنهن أزواج للرسول[ في الآخرة، قال أبو عثمان الصابوني في رسالته في اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث والأئمة (ص 107): «وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه -رضي الله عنهن- والدعاء لهن ومعرفة فضلهن والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين».
3 - سلامة الصدر تجاههن من الغل أو الغش، وملؤه بالحب والنصح.
4 - إحسان القول فيهن، وسلامة اللسان تجاههن، يقول الطحاوي رحمه الله: «ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله[ وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذريته المقدسين من كل رجس، فقد برئ من النفاق»؛ قال الشارح: «وإنما قال: «برئ من النفاق»، لأن أصل الرفض إنما أحدثه منافق زنديق قصده إبطال دين الإسلام والقدح في الرسول[، كما ذكر ذلك العلماء».
5 - البراءة من طريقة الروافض ومن نحا نحوهم تجاه أزواج النبي عليه الصلاة والسلام من تكفير أو سب أو وقيعة أو سخرية أو تنقص أو نحو ذلك .
6 - الذب عنهن، والرد على من يريد التنقص من قدرهن أو يحط من شأنهن أو يقلل من مكانتهن.
7 - دراسة سيرتهن، ومعرفة أخبارهن وآدابهن وعبادتهن،؛ فإنهن أعظم النساء تعلما في مدرسة النبوة، بل إن هناك أمورا عديدة من هديه[ لا يمكن العلم بها إلا من طريقهن، رضي الله عنهن أجمعين.


اعداد: د. عبدالرزاق بن عبدالمحسن العباد البدر