مشكلات في طريق الدعوة(2)
مشكلة تـمويل الدعوة .. اقتراحات وحلول
تواجه الدعوة، في سيرها، كثيرًا من المشكلات التي تُعيقها، أو تسبب وهنًا وضعفًا في جانب من جوانبها، وهذه المشكلات التي تواجهها الدعوة، على كثرتها، يبرز قطاع منها بسبب التصدر الإداري لبعض العاملين الذين تنقصهم الكفاءة، وتعوزهم الخبرة في ساحة العمل الدعوي، فالمشكلة التي نريد التحدث عنها هنا، ليست هي ضعف كفاءة الداعية؛ فلا شك أنه ليس كل من ينتمي للدعوة يمتلك الأهلية للعمل الإداري فيها، وإنما مشكلة التصدر الإداري لأمثال هؤلاء، أقصد ضِعاف الكفاءة وقليلي الخبرة، وما تعانيه الدعوة من ذلك، وما يترتب عليه من آثار.
جعل الله عز وجل المال وسيلةً مهمة، ليس لإقامة مصالح العباد في دنياهم فحسب؛ بل حتى في دينهم؛ ذلك أن بعض الواجبات الدينية لا تتم إلا بالمال، كالحج والجهاد، ومنها القيام بأمر الدعوة إلى الله على نطاقه الواسع.
ولعل أهمية المال في الدعوة إلى الله تعالى تكمن في جوانب متعددة، عُني بها القائمون على الدعوة في كل مكان، منها: دورات علمية، ومحاضرات دعوية، وأعمال خيرية، ورحلات ومعسكرات تربوية..إلخ.
فالدعوة إلى الله تحتاج للتمويل النقدي لتسيير البرامج، وتوفير الإمكانات اللازمة للحركة، إلا أن تمويل العمل الدعوي يُعد واحدًا من الإشكالات التي قد تواجه العاملين في هذا الحقل؛ إما بسبب ضعف الوارد، أي (المال الوارد الذي تحتاجه الدعوة لدعم برامجها وأنشطتها)؛ وإما بسبب عدم ترشيد النفقات الدعوية، ولحل مشكلة التمويل الدعوي أعرض المقترحات الآتية:
أولًا: ترشيد الإنفاق (نظرة اقتصادية):
والمقصود ألا تنفق الدعوة ما تحت يدها من الأموال إلا فيما يعود عليها بأعلى منفعة ممكنة، وبأقل ما يمكن من خسارة في الموارد التي بين يديها.
ومن مظاهر الترشيد الذي ينبغي اتباعه ما يلي:
1- تبني مشاريع تعليم المستفيد وتدريبه، وتحويله من مستهلك وعالة إلى منتج لنفسه وأهله، عن طريق دعم وتمويل المشاريع الإنتاجية الصغيرة.
2- تقسيم البرامج والأعمال إلى برامج ضرورية وملحة، تغطيها الإنفاقات الضرورية في حال شحة الموارد المالية، وإلى برامج توسعية، تضاف عند توسع الموارد وازدياد التبرعات، باستخدام معايير دقيقة.
3- الاستفادة من جهود المتطوعين في العمل الخيري، واستحداث الإدارات اللازمة للعناية بهم، وترتيب برامج الاستفادة منهم بحسب أوقاتهم واستعداداتهم.
4- النظرة الاجتماعية إلى العاملين في القطاع الخيري، وأن توظيفهم أصلًا يعد جزءًا من أداء الرسالة الخيرية للدعوة، بدلًا من كونهم ضمن قائمة المصروفات الإدارية البحتة، ومثل ذلك: النظر إلى مصروفات تدريبهم، وتأهيلهم، والعناية بهم، من وجهة نظر العائد الاقتصادي، على أنها أموال مستردة بالمنفعة المتحققة منهم على المدى البعيد.
5- الاقتصاد في الإنفاق الإداري بالقدر الذي لا يعيق أعمال الدعوة بحجة الترشيد؛ بل إن من ضوابط الترشيد الإنفاق بحسب الحاجة في العسر واليسر، مع مراعاة تصنيف المصروفات إلى ضروريات وحاجيات وكماليات.
ثانيًا: التمويل الدائري:
وهو أحد الأساليب في تمويل العمل الدعوي، وهو نظام يضمن استمرار التمويل، وكذلك استمرارية تقديم الخدمات دونما انقطاع، وجوهر هذا النوع من التمويل هو أن تقوم الدعوة بشراء خدمات تباع للفئة المستهدفة بسعر التكلفة، وبعائدها تقوم بشراء خدمات أخرى، وتُقدم للفئة نفسها أو لفئة أخرى، ويستمر ذلك مرات ومرات، وهنا يتم استخدام مبلغ معين مرات عدة لتقديم الخدمات دون الحاجة إلى مبالغ جديدة.
ويتميز هذا النوع من التمويل بميزتين أساسيتين:
1. أنه تمويل دائم، وخدمات مستمرة دونما انقطاع.
2. رغم أن الخدمات تُقدم بالقيمة، إلا أنها أنفع للمستفيدين من الشراء من السوق؛ حيث تباع الخدمات دون النظر إلى الربح، وبسعر التكلفة.
ثالثًا: التمويل النقدي المباشر وذلك عن طريق:
(1) الإسهامات المالية من قبل القائمين على الدعوة:
فباب الإنفاق لتمكين دين الله في الأرض، نوع من الجهاد الدعوي، ونوع من أنواع البذل والتضحية، فالدعاة مطالبون في دعوتهم بالتضحية بالنفس والمال.
وهناك معنى عظيم، يجب أن يستشعره الدعاة، فيدفعهم إلى المسارعة في البذل والعطاء لدعوتهم، وذلك حين ينظرون إلى آثار هذه الدعوة المباركة في واقع الأمة، وأن هذه الآثار الطيبة المباركة من صرح دعوي، أو شباب متحمس لدعوته، نشأ في أحضان الدعوة، ويرون وعيًا إسلاميًا وصحوة دينية أثّرت في المجتمع، كل ذلك وغيره أسهم في إيجاده بما بذلوه ويبذلونه من أموال لدعوتهم.
(2) تبرعات الخيرين:
يشكل التمويل من مصدر تبرعات الخيرين جزءًا لا يُستهان به في تمويل العمل الدعوي، إلا أن الأمر يتطلب للحصول على هذه التبرعات من القائمين على الدعوة بعض التحرك؛ لمخاطبة أصحاب المال، واستثارة البذل في نفوسهم لهذا الدين، ولإحياء هذه الأمة من جديد.
(3) الاستثمارات:
وذلك عن طريق اقتطاع جزء من الإمكانات المالية المتاحة ووضعه في مشاريع استثمارية، ومن عائدها يتم تمويل الدعوة وبرامجها.
ويعد هذا النوع من التمويل من أنسب مصادر تمويل العمل الدعوي، فهو يحقق كثيرًا من الاستقلالية والاعتماد على النفس بالنسبة للدعوة.
توصيات عامة:
1- تقوية العلاقة بالمتبرعين والداعمين والمحافظة عليهم، وتمكينهم من الزيارات الميدانية، وتزويدهم بالتقارير الدورية التي من شأنها إثبات مصير تبرعاتهم، والإفادة من ذلك في غرس المزيد من الثقة لديهم.
2 - مراجعة الوضع المؤسسي للدعوة، والخروج بها من حيز التقليد والإدارة الفردية إلى حيز العمل الجماعي القائم عل الشورى.
3 - تصميم البرامج الدعوية من أجل استثارة الإيمان بالله، الذي يدفع الإنسان إلى أن يؤدي ما عليه من واجبات مالية، أو أن يجود بما يزيد عن الواجب، حينما تسري فيه روح الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
4 - تجنب الأخطاء في عملية جمع التبرعات، ومحاولة معالجتها:
ومن تلك الأخطاء ما يلي:
1- عدم تحري اختيار الوقت المناسب عند طلب التبرعات.
2- أن تكون قيادة جمع التبرعات ضعيفة وهزيلة.
3- اعتماد الدعوة على شريحة واحدة في تبرعاتها.
4- عدم الاستفادة الفعلية من المتطوعين في جمع التبرعات.
5- عدم مراعاة أعراف وتقاليد البيئة والمجتمع.
6- عدم القيام بالدراسات المستفيضة لعملية جمع التبرعات وأبعاده وخطط عمله.
اعداد: وائل رمضان