تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 24 من 27 الأولىالأولى ... 1415161718192021222324252627 الأخيرةالأخيرة
النتائج 461 إلى 480 من 530

الموضوع: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

  1. #461
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (461)
    صــ 67إلى صــ 81



    [ ص: 67 ] 8789 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو عمرو التيمي ، عن أبي الضحى قال : دخلت مع مسروق على مريض ، فإذا هو يوصي قال : فقال له مسروق : اعدل لا تضلل .

    ونصبت غير مضار على الخروج من قوله : يوصى بها .

    وأما قوله : " وصية " فإن نصبه من قوله : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وسائر ما أوصى به في الاثنين ، ثم قال : " وصية من الله " مصدرا من قوله : " يوصيكم " .

    وقد قال بعض أهل العربية : ذلك منصوب من قوله : " فلكل واحد منهما السدس " " وصية من الله " وقال : هو مثل قولك : " لك درهمان نفقة إلى أهلك " .

    قال أبو جعفر : والذي قلناه بالصواب أولى ، لأن الله - جل ثناؤه - افتتح ذكر قسمة المواريث في هاتين الآيتين بقوله : يوصيكم الله ، ثم ختم ذلك بقوله : وصية من الله ، أخبر أن جميع ذلك وصية منه به عباده ، فنصب قوله : " وصية " على المصدر من قوله : " يوصيكم " أولى من نصبه على التفسير من قوله : فلكل واحد منهما السدس ، لما ذكرنا .

    [ ص: 68 ] ويعني بقوله تعالى ذكره : وصية من الله ، عهدا من الله إليكم فيما يجب لكم من ميراث من مات منكم " والله عليم " يقول : والله ذو علم بمصالح خلقه ومضارهم ، ومن يستحق أن يعطى من أقرباء من مات منكم وأنسبائه من ميراثه ، ومن يحرم ذلك منهم ، ومبلغ ما يستحق به كل من استحق منهم قسما ، وغير ذلك من أمور عباده ومصالحهم " حليم " يقول : ذو حلم على خلقه ، وذو أناة في تركه معاجلتهم بالعقوبة على ظلم بعضهم بعضا ، في إعطائهم الميراث لأهل الجلد والقوة من ولد الميت ، وأهل الغناء والبأس منهم ، دون أهل الضعف والعجز من صغار ولده وإناثهم .
    القول في تأويل قوله تعالى ( تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ( 13 ) )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " تلك حدود الله " . فقال بعضهم : يعني به : تلك شروط الله .

    ذكر من قال ذلك :

    8790 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا [ ص: 69 ] أسباط ، عن السدي : " تلك حدود الله " يقول : شروط الله .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : تلك طاعة الله .

    ذكر من قال ذلك :

    8791 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " تلك حدود الله " يعني : طاعة الله ، يعني المواريث التي سمى الله .

    وقال آخرون : معنى ذلك : تلك سنة الله وأمره .



    وقال آخرون : بل معنى ذلك : تلك فرائض الله .

    وقال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما نحن مبينوه ، وهو أن " حد " كل شيء : ما فصل بينه وبين غيره ، ولذلك قيل لحدود الدار وحدود الأرضين : " حدود " لفصلها بين ما حد بها وبين غيره .

    فكذلك قوله : " تلك حدود الله " معناه : هذه القسمة التي قسمها لكم ربكم ، والفرائض التي فرضها لأحيائكم من موتاكم في هذه الآية على ما فرض وبين في هاتين الآيتين ، " حدود الله " يعني : فصول ما بين طاعة الله ومعصيته في قسمكم مواريث موتاكم ، كما قال ابن عباس . وإنما ترك " طاعة الله " والمعني [ ص: 70 ] بذلك : حدود طاعة الله ، اكتفاء بمعرفة المخاطبين بذلك بمعنى الكلام من ذكرها . والدليل على صحة ما قلنا في ذلك قوله : ومن يطع الله ورسوله ، والآية التي بعدها : ومن يعص الله ورسوله .

    فتأويل الآية إذا : هذه القسمة - التي قسم بينكم ، أيها الناس ، عليها ربكم مواريث موتاكم - فصول فصل بها لكم بين طاعته ومعصيته ، وحدود لكم تنتهون إليها فلا تتعدوها ، ليعلم منكم أهل طاعته من أهل معصيته ، فيما أمركم به من قسمة مواريث موتاكم بينكم ، وفيما نهاكم عنه منها .

    ثم أخبر - جل ثناؤه - عما أعد لكل فريق منهم فقال لفريق أهل طاعته في ذلك : " ومن يطع الله ورسوله " في العمل بما أمره به ، والانتهاء إلى ما حده له في قسمة المواريث وغيرها ، ويجتنب ما نهاه عنه في ذلك وغيره " يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار " .

    فقوله : " يدخله جنات " يعني : بساتين تجري من تحت غروسها وأشجارها الأنهار " خالدين فيها " يقول : باقين فيها أبدا لا يموتون فيها ولا يفنون ، ولا يخرجون منها " وذلك الفوز العظيم " .

    يقول : وإدخال الله إياهم الجنان التي وصفها على ما وصف من ذلك [ ص: 71 ] " الفوز العظيم " يعني : الفلح العظيم .

    وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    8792 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله الآية ، قال : في شأن المواريث التي ذكر قبل .

    8793 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " تلك حدود الله " التي حد لخلقه ، وفرائضه بينهم من الميراث والقسمة ، فانتهوا إليها ولا تعدوها إلى غيرها .
    القول في تأويل قوله ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ( 14 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ومن يعص الله ورسوله في العمل بما أمراه به من قسمة المواريث على ما أمراه بقسمة ذلك بينهم وغير ذلك من فرائض الله ، مخالفا أمرهما إلى ما نهياه عنه " ويتعد حدوده " يقول : ويتجاوز فصول طاعته التي جعلها تعالى فاصلة بينها وبين معصيته ، إلى ما نهاه عنه من قسمة تركات موتاهم بين ورثتهم وغير ذلك من حدوده يدخله نارا خالدا فيها ، [ ص: 72 ] يقول : باقيا فيها أبدا لا يموت ولا يخرج منها أبدا " وله عذاب مهين " يعني : وله عذاب مذل من عذب به ، مخز له .

    وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    8794 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ، الآية ، في شأن المواريث التي ذكر قبل قال ابن جريج : ومن يعص الله ورسوله ، قال : من أصاب من الذنوب ما يعذب الله عليه .

    فإن قال قائل : أومخلد في النار من عصى الله ورسوله في قسمة المواريث ؟ قيل : نعم ، إذا جمع إلى معصيتهما في ذلك شكا في أن الله فرض عليه ما فرض على عباده في هاتين الآيتين ، أو علم ذلك فحاد الله ورسوله في أمرهما على ما ذكر ابن عباس من قول من قال حين نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول الله تبارك وتعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) إلى تمام الآيتين : أيورث من لا يركب الفرس ولا يقاتل العدو ولا يحوز الغنيمة ، نصف المال أو جميع المال ؟ استنكارا منهم قسمة الله ما قسم لصغار ولد الميت ونسائه وإناث ولده ممن خالف قسمة الله ما قسم من ميراث أهل الميراث بينهم على ما قسمه في كتابه ، وخالف حكمه في ذلك وحكم رسوله ، استنكارا منه حكمهما ، كما استنكره الذين ذكر أمرهم ابن عباس ممن كان بين أظهر أصحاب رسول الله [ ص: 73 ] - صلى الله عليه وسلم - من المنافقين الذين فيهم نزلت وفي أشكالهم هذه الآية فهو من أهل الخلود في النار ، لأنه باستنكاره حكم الله في تلك ، يصير بالله كافرا ، ومن ملة الإسلام خارجا .
    القول في تأويل قوله ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ( 15 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : واللاتي يأتين الفاحشة والنساء اللاتي يأتين بالزنا ، أي يزنين " من نسائكم " وهن محصنات ذوات أزواج أو غير ذوات أزواج فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ، يقول : فاستشهدوا عليهن بما أتين به من الفاحشة أربعة رجال من رجالكم ، يعني : من المسلمين " فإن شهدوا " عليهن فأمسكوهن في البيوت ، يقول : فاحبسوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت ، يقول : حتى يمتن أو يجعل الله لهن سبيلا ، يعني : أو يجعل الله لهن مخرجا وطريقا إلى النجاة مما أتين به من الفاحشة .

    [ ص: 74 ] وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    8795 - حدثنا أبو هشام الرفاعي محمد بن يزيد قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت ، أمر بحبسهن في البيوت حتى يمتن أو يجعل الله لهن سبيلا ، قال : الحد .

    8796 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ، قال : الزنا ، كان أمر بحبسهن حين يشهد عليهن أربعة حتى يمتن أو يجعل الله لهن سبيلا ، والسبيل الحد .

    8797 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى أو يجعل الله لهن سبيلا ، فكانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت ، ثم أنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) [ سورة النور : 2 ] ، فإن كانا محصنين رجما . فهذا سبيلهما الذي جعل الله لهما .

    8798 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : أو يجعل الله لهن سبيلا ، فقد جعل الله لهن ، وهو الجلد والرجم .

    [ ص: 75 ] 8799 - حدثني بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : واللاتي يأتين الفاحشة ، حتى بلغ : أو يجعل الله لهن سبيلا ، كان هذا من قبل الحدود ، فكانا يؤذيان بالقول جميعا ، وبحبس المرأة . ثم جعل الله لهن سبيلا فكان سبيل من أحصن جلد مائة ثم رميا بالحجارة ، وسبيل من لم يحصن جلد مائة ونفي سنة .

    8800 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عطاء بن أبي رباح وعبد الله بن كثير : " الفاحشة " الزنا ، " والسبيل " الحد ، الرجم والجلد .

    8801 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم إلى : أو يجعل الله لهن سبيلا ، هؤلاء اللاتي قد نكحن وأحصن . إذا زنت المرأة فإنها كانت تحبس في البيت ، ويأخذ زوجها مهرها فهو له ، فذلك قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) الزنا ( وعاشروهن بالمعروف ) [ ص: 76 ] [ سورة النساء : 19 ] ، حتى جاءت الحدود فنسختها ، فجلدت ورجمت ، وكان مهرها ميراثا ، فكان " السبيل " هو الجلد .

    8802 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سلمان قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : أو يجعل الله لهن سبيلا ، قال : الحد ، نسخ الحد هذه الآية .

    8803 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا يحيى ، عن إسرائيل ، عن خصيف ، عن مجاهد : أو يجعل الله لهن سبيلا ، قال : جلد مائة الفاعل والفاعلة .

    8804 - حدثنا الرفاعي قال : حدثنا يحيى ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : الجلد .

    8805 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نزل عليه الوحي نكس رأسه ، ونكس أصحابه رءوسهم ، فلما سري عنه رفع رأسه فقال : قد جعل الله لهن سبيلا : الثيب بالثيب ، والبكر بالبكر . أما الثيب فتجلد ثم ترجم ، وأما البكر فتجلد ثم تنفى " . [ ص: 77 ] 8806 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله ، عن عبادة بن الصامت قال : قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : " خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب تجلد مائة وترجم بالحجارة ، والبكر جلد مائة ونفي سنة " .

    8807 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله أخي بني رقاش ، عن عبادة بن الصامت : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد له وجهه ، فأنزل الله عليه ذات يوم ، فلقي ذلك . فلما سري عنه قال : " خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب ، جلد مائة ثم رجم بالحجارة ، والبكر بالبكر ، جلد مائة ثم نفي سنة " .

    8808 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا [ ص: 78 ] قال : يقول : لا تنكحوهن حتى يتوفاهن الموت ، ولم يخرجهن من الإسلام . ثم نسخ هذا ، وجعل السبيل أن يجعل لهن سبيلا قال : فجعل لها السبيل إذا زنت وهي محصنة رجمت وأخرجت ، وجعل السبيل للبكر جلد مائة .

    8809 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا قال : الجلد والرجم .

    8810 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، الثيب بالثيب والبكر بالبكر ، الثيب تجلد وترجم والبكر تجلد وتنفى " .

    [ ص: 79 ] 8811 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن إسماعيل بن مسلم البصري ، عن الحسن ، عن عبادة بن الصامت قال : كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ احمر وجهه ، وكان يفعل ذلك إذا نزل عليه الوحي ، فأخذه كهيئة الغشي لما يجد من ثقل ذلك ، فلما أفاق قال : " خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، البكران يجلدان وينفيان سنة ، والثيبان يجلدان ويرجمان " .

    [ ص: 80 ] قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله : أو يجعل الله لهن سبيلا " قول من قال : السبيل التي جعلها الله - جل ثناؤه - للثيبين المحصنين ، الرجم بالحجارة ، وللبكرين جلد مائة ونفي سنة لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه رجم ولم يجلد وإجماع الحجة التي لا يجوز عليها فيما نقلته مجمعة عليه - الخطأ والسهو والكذب ، وصحة الخبر عنه أنه قضى في البكرين بجلد مائة ونفي سنة . فكان في الذي صح عنه من تركه جلد من رجم من الزناة في عصره - دليل واضح على وهاء الخبر الذي روي عن الحسن ، عن حطان ، عن عبادة ، [ ص: 81 ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : السبيل للثيب المحصن الجلد والرجم .

    وقد ذكر أن هذه الآية في قراءة عبد الله : " واللاتي يأتين بالفاحشة من نسائكم " . والعرب تقول : " أتيت أمرا عظيما ، وبأمر عظيم " و " تكلمت بكلام قبيح ، وكلاما قبيحا " .
    القول في تأويل قوله ( واللذان يأتيانها منكم )

    قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : واللذان يأتيانها منكم ، والرجل والمرأة اللذان يأتيانها ، يقول : يأتيان الفاحشة . و " الهاء " و " الألف " في قوله : " يأتيانها " عائدة على " الفاحشة " التي في قوله : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم . والمعنى : واللذان يأتيان منكم الفاحشة فآذوهما .

    ثم اختلف أهل التأويل في المعني بقوله : " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما " .

    فقال بعضهم : هما البكران اللذان لم يحصنا ، وهما غير اللاتي عنين بالآية قبلها . وقالوا : قوله : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ، معني به الثيبات المحصنات بالأزواج - وقوله : واللذان يأتيانها منكم ، يعنى به البكران غير المحصنين .


  2. #462
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (462)
    صــ 82إلى صــ 96


    ذكر من قال ذلك :

    8812 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا [ ص: 82 ] أسباط ، عن السدي : ذكر الجواري والفتيان الذين لم ينكحوا فقال : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما .

    8813 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : واللذان يأتيانها منكم البكرين فآذوهما .

    وقال آخرون : بل عني بقوله : واللذان يأتيانها منكم ، الرجلان الزانيان .

    ذكر من قال ذلك :

    8814 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا يحيى ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، قال : الرجلان الفاعلان لا يكني .

    8815 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : واللذان يأتيانها منكم ، الزانيان .

    وقال آخرون : بل عني بذلك الرجل والمرأة ، إلا أنه لم يقصد به بكر دون ثيب .

    ذكر من قال ذلك :

    8816 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا يحيى ، عن ابن جريج ، عن عطاء : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، قال : الرجل والمرأة .

    8817 - حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري قالا : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى قوله : أو يجعل الله لهن سبيلا ، فذكر الرجل بعد [ ص: 83 ] المرأة ، ثم جمعهما جميعا فقال : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما .

    8818 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عطاء وعبد الله بن كثير ، قوله : واللذان يأتيانها منكم ، قال : هذه للرجل والمرأة جميعا .

    قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله : واللذان يأتيانها منكم ، قول من قال : " عني به البكران غير المحصنين إذا زنيا ، وكان أحدهما رجلا والآخر امرأة " لأنه لو كان مقصودا بذلك قصد البيان عن حكم الزناة من الرجال ، كما كان مقصودا بقوله : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم قصد البيان عن حكم الزواني ، لقيل : " والذين يأتونها منكم فآذوهم " أو قيل : " والذي يأتيها منكم " كما قيل في التي قبلها : واللاتي يأتين الفاحشة ، فأخرج ذكرهن على الجميع ، ولم يقل : " واللتان يأتيان الفاحشة " .

    وكذلك تفعل العرب إذا أرادت البيان على الوعيد على فعل أو الوعد عليه ، أخرجت أسماء أهله بذكر الجميع أو الواحد وذلك أن الواحد يدل على جنسه ولا تخرجها بذكر اثنين . فتقول : " الذين يفعلون كذا فلهم كذا " " والذي يفعل كذا فله كذا " ولا تقول : " اللذان يفعلان كذا فلهما كذا " إلا أن يكون فعلا لا يكون إلا من شخصين مختلفين ، كالزنا لا يكون إلا من زان وزانية . فإذا كان ذلك كذلك قيل بذكر الاثنين ، يراد بذلك الفاعل والمفعول به . فأما أن يذكر بذكر الاثنين ، والمراد بذلك شخصان في فعل قد ينفرد كل واحد منهما به ، أو في فعل لا يكونان فيه مشتركين ، فذلك ما لا يعرف في كلامها .

    وإذا كان ذلك كذلك ، فبين فساد قول من قال : " عني بقوله : " واللذان يأتيانها منكم الرجلان " وصحة قول من قال : عني به الرجل والمرأة .

    [ ص: 84 ] وإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أنهما غير اللواتي تقدم بيان حكمهن في قوله : واللاتي يأتين الفاحشة ، لأن هذين اثنان ، وأولئك جماعة .

    وإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الحبس كان للثيبات عقوبة حتى يتوفين من قبل أن يجعل لهن سبيلا لأنه أغلظ في العقوبة من الأذى الذي هو تعنيف وتوبيخ أو سب وتعيير ، كما كان السبيل التي جعلت لهن من الرجم ، أغلظ من السبيل التي جعلت للأبكار من جلد المائة ونفي السنة .
    القول في تأويل قوله تعالى : ( فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما ( 16 ) )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في " الأذى " الذي كان الله تعالى ذكره جعله عقوبة للذين يأتيان الفاحشة ، من قبل أن يجعل لهما سبيلا منه .

    فقال بعضهم : ذلك الأذى ، أذى بالقول واللسان ، كالتعيير والتوبيخ على ما أتيا من الفاحشة .

    ذكر من قال ذلك :

    8819 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فآذوهما " قال : كانا يؤذيان بالقول جميعا .

    8820 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ، فكانت الجارية والفتى إذا زنيا يعنفان ويعيران حتى يتركا ذلك .

    وقال آخرون : كان ذلك الأذى ، أذى اللسان ، غير أنه كان سبا .

    [ ص: 85 ] ذكر من قال ذلك :

    8821 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فآذوهما " يعني : سبا .

    وقال آخرون : بل كان ذلك الأذى باللسان واليد .

    ذكر من قال ذلك :

    8822 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، فكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب بالنعال .

    قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره كان أمر المؤمنين بأذى الزانيين المذكورين ، إذا أتيا ذلك وهما من أهل الإسلام . و " الأذى " قد يقع لكل مكروه نال الإنسان ، من قول سيئ باللسان أو فعل . وليس في الآية بيان أي ذلك كان أمر به المؤمنون يومئذ ، ولا خبر به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نقل الواحد ولا نقل الجماعة الموجب مجيئهما قطع العذر .

    وأهل التأويل في ذلك مختلفون ، وجائز أن يكون ذلك أذى باللسان أو اليد ، وجائز أن يكون كان أذى بهما . وليس في العلم بأي ذلك كان من أي - نفع [ ص: 86 ] في دين ولا دنيا ، ولا في الجهل به مضرة ، إذ كان الله - جل ثناؤه - قد نسخ ذلك من محكمه بما أوجب من الحكم على عباده فيهما وفي اللاتي قبلهما . فأما الذي أوجب من الحكم عليهم فيهما ، فما أوجب في " سورة النور : 2 " بقوله : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) . وأما الذي أوجب في اللاتي قبلهما ، فالرجم الذي قضى به رسول الله فيهما . وأجمع أهل التأويل جميعا على أن الله تعالى ذكره قد جعل لأهل الفاحشة من الزناة والزواني سبيلا بالحدود التي حكم بها فيهم .

    وقال جماعة من أهل التأويل : إن الله سبحانه نسخ بقوله : " ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) [ سورة النور : 2 ] ، قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما .

    ذكر من قال ذلك :

    8823 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، قال : كل ذلك نسخته الآية التي في " النور " بالحد المفروض .

    8824 - حدثنا أبو هشام قال : حدثنا يحيى ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما الآية ، قال : هذا نسخته الآية في " سورة النور " بالحد المفروض .

    8825 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو تميلة قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي . عن عكرمة والحسن البصري قالا : في قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما الآية ، نسخ ذلك بآية الجلد فقال : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة [ ص: 87 ] ) .

    8826 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، فأنزل الله بعد هذا : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) ، فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

    8827 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم الآية ، جاءت الحدود فنسختها .

    8828 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول : نسخ الحد هذه الآية .

    8829 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : فأمسكوهن في البيوت الآية ، قال : نسختها الحدود ، وقوله : واللذان يأتيانها منكم ، نسختها الحدود .

    8830 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، الآية ، ثم نسخ هذا ، وجعل السبيل لها إذا زنت وهي محصنة ، رجمت وأخرجت ، وجعل السبيل للذكر جلد مائة .

    8831 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت ، قال : نسختها الحدود .

    [ ص: 88 ] وأما قوله : فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما فإنه يعني به - جل ثناؤه - : فإن تابا من الفاحشة التي أتيا فراجعا طاعة الله بينهما " وأصلحا " يقول : وأصلحا دينهما بمراجعة التوبة من فاحشتهما ، والعمل بما يرضي الله فأعرضوا عنهما ، يقول : فاصفحوا عنهما ، وكفوا عنهما الأذى الذي كنت أمرتكم أن تؤذوهما به عقوبة لهما على ما أتيا من الفاحشة ، ولا تؤذوهما بعد توبتهما .

    وأما قوله : إن الله كان توابا رحيما ، فإنه يعني : إن الله لم يزل راجعا لعبيده إلى ما يحبون إذا هم راجعوا ما يحب منهم من طاعته " رحيما " بهم ، يعني : ذا رحمة ورأفة .
    القول في تأويل قوله ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، ما التوبة على الله لأحد من خلقه ، إلا للذين يعملون السوء من المؤمنين بجهالة ثم يتوبون من قريب ، يقول : ما الله براجع لأحد من خلقه إلى ما يحبه من العفو عنه والصفح عن ذنوبه التي سلفت منه ، إلا للذين يأتون ما يأتونه من ذنوبهم جهالة منهم وهم بربهم مؤمنون ، ثم يراجعون طاعة الله ويتوبون منه إلى ما أمرهم الله به من الندم عليه والاستغفار وترك العود إلى مثله من قبل نزول الموت بهم .

    [ ص: 89 ] وذلك هو " القريب " الذي ذكره الله تعالى ذكره فقال : ثم يتوبون من قريب .

    وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل ، غير أنهم اختلفوا في معنى قوله : " بجهالة " .

    فقال بعضهم في ذلك بنحو ما قلنا فيه ، وذهب إلى أن عمله السوء ، هو " الجهالة " التي عناها .

    ذكر من قال ذلك :

    8832 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي العالية : أنه كان يحدث : أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون : كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة .

    8833 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأوا أن كل شيء عصي به فهو " جهالة " عمدا كان أو غيره .

    8834 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : كل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته .

    8835 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : كل من عمل بمعصية الله ، فذاك منه بجهل حتى يرجع عنه .

    8836 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا [ ص: 90 ] أسباط ، عن السدي : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، ما دام يعصي الله فهو جاهل .

    8837 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان ، عن أبي النضر ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : من عمل السوء فهو جاهل ، من جهالته عمل السوء .

    8838 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته قال ابن جريج : وأخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قال : كل عامل بمعصية فهو جاهل حين عمل بها قال ابن جريج : وقال لي عطاء بن أبي رباح نحوه .

    8839 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ، قال : " الجهالة " كل امرئ عمل شيئا من معاصي الله فهو جاهل أبدا حتى ينزع عنها ، وقرأ : ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) [ سورة يوسف : 89 ] ، وقرأ : وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين [ سورة يوسف : 33 ] . قال : من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته .

    وقال آخرون : معنى قوله : للذين يعملون السوء بجهالة ، يعملون ذلك على عمد منهم له .

    ذكر من قال ذلك :

    8840 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن مجاهد : يعملون السوء بجهالة ، قال : الجهالة العمد .

    [ ص: 91 ] 8841 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد مثله .

    8842 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : الجهالة العمد .

    وقال آخرون : معنى ذلك : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء في الدنيا .

    ذكر من قال ذلك :

    8843 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة قوله : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : الدنيا كلها جهالة .

    قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ، قول من قال : تأويلها : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء ، وعملهم السوء هو الجهالة التي جهلوها ، عامدين كانوا للإثم ، أو جاهلين بما أعد الله لأهلها .

    وذلك أنه غير موجود في كلام العرب تسمية العامد للشيء : " الجاهل به " إلا أن يكون معنيا به أنه جاهل بقدر منفعته ومضرته ، فيقال : " هو به جاهل " على معنى جهله بمعنى نفعه وضره . فأما إذا كان عالما بقدر مبلغ نفعه وضره ، قاصدا إليه ، فغير جائز من أجل قصده إليه أن يقال " هو به جاهل " [ ص: 92 ] لأن " الجاهل بالشيء " هو الذي لا يعلمه ولا يعرفه عند التقدم عليه أو الذي يعلمه ، فيشبه فاعله ، إذ كان خطأ ما فعله - بالجاهل الذي يأتي الأمر وهو به جاهل ، فيخطئ موضع الإصابة منه ، فيقال : " إنه لجاهل به " وإن كان به عالما ، لإتيانه الأمر الذي لا يأتي مثله إلا أهل الجهل به .

    وكذلك معنى قوله : يعملون السوء بجهالة ، قيل فيهم : يعملون السوء بجهالة وإن أتوه على علم منهم بمبلغ عقاب الله أهله ، عامدين إتيانه ، مع معرفتهم بأنه عليهم حرام لأن فعلهم ذلك كان من الأفعال التي لا يأتي مثله إلا من جهل عظيم عقاب الله عليه أهله في عاجل الدنيا وآجل الآخرة ، فقيل لمن أتاه وهو به عالم : " أتاه بجهالة " بمعنى أنه فعل فعل الجهال به ، لا أنه كان جاهلا .

    وقد زعم بعض أهل العربية أن معناه : أنهم جهلوا كنه ما فيه من العقاب ، فلم يعلموه كعلم العالم ، وإن علموه ذنبا ، فلذلك قيل : " يعملون السوء بجهالة " .

    قال أبو جعفر : ولو كان الأمر على ما قال صاحب هذا القول ، لوجب أن لا تكون توبة لمن علم كنه ما فيه . وذلك أنه - جل ثناؤه - قال : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب دون غيرهم . فالواجب على صاحب هذا القول أن لا يكون للعالم الذي عمل سوءا على علم منه بكنه ما فيه ، ثم تاب من قريب توبة ، وذلك خلاف الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أن كل تائب عسى الله أن يتوب عليه وقوله : " باب التوبة مفتوح ما لم تطلع الشمس [ ص: 93 ] من مغربها " وخلاف قول الله عز وجل : ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) [ سورة الفرقان : 70 ] .
    القول في تأويل قوله ( ثم يتوبون من قريب )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى : " القريب " في هذا الموضع .

    فقال بعضهم : معنى ذلك : ثم يتوبون في صحتهم قبل مرضهم وقبل موتهم .

    ذكر من قال ذلك :

    8844 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ثم يتوبون من قريب ، والقريب قبل الموت ما دام في صحته .

    8845 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبي النضر ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : ثم يتوبون من قريب ، قال : في الحياة والصحة .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم يتوبون من قبل معاينة ملك الموت .

    [ ص: 94 ] ذكر من قال ذلك .

    8846 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ثم يتوبون من قريب ، والقريب فيما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت .

    8847 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت عمران بن حدير قال : قال أبو مجلز : لا يزال الرجل في توبة حتى يعاين الملائكة .

    8848 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس قال : القريب ، ما لم تنزل به آية من آيات الله تعالى ، وينزل به الموت .

    4849 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ، وله التوبة ما بينه وبين أن يعاين ملك الموت ، فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت ، فليس له ذاك .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم يتوبون من قبل الموت .

    ذكر من قال ذلك :

    8850 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن رجل ، عن الضحاك ، ثم يتوبون من قريب ، قال : كل شيء قبل الموت فهو قريب .

    8851 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة : ثم يتوبون من قريب ، قال : الدنيا كلها قريب . [ ص: 95 ] 8852 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ثم يتوبون من قريب ، قبل الموت .

    8853 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن أبي قلابة قال : ذكر لنا أن إبليس لما لعن وأنظر ، قال : وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح . فقال تبارك وتعالى : وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح .

    8854 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عمران ، عن قتادة قال : كنا عند أنس بن مالك وثم أبو قلابة ، فحدث أبو قلابة قال : إن الله تبارك وتعالى لما لعن إبليس سأله النظرة ، فقال : وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ! فقال الله تبارك وتعالى : وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح .

    8855 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة قال : إن الله تبارك وتعالى لما لعن إبليس سأله النظرة ، فأنظره إلى يوم الدين ، فقال : وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح ! قال : وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح .

    8856 - حدثني ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا عوف ، عن الحسن قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن إبليس لما رأى آدم أجوف قال : وعزتك لا أخرج من جوفه ما دام فيه الروح ! فقال الله تبارك وتعالى : وعزتي لا أحول بينه وبين التوبة ما دام فيه الروح .

    [ ص: 96 ] 8857 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن العلاء بن زياد ، عن أبي أيوب بشير بن كعب : أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " .

    8858 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عبادة بن الصامت : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فذكر مثله .

    8859 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله تبارك وتعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر .


  3. #463
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (463)
    صــ 97 إلى صــ 111



    قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : تأويله : ثم يتوبون قبل مماتهم ، في الحال التي يفهمون فيها أمر الله تبارك وتعالى ونهيه ، وقبل أن يغلبوا على أنفسهم وعقولهم ، وقبل حال اشتغالهم بكرب الحشرجة وغم الغرغرة ، فلا يعرفوا أمر الله ونهيه ، ولا يعقلوا التوبة ، لأن التوبة لا تكون توبة إلا من ندم [ ص: 97 ] على ما سلف منه ، وعزم منه على ترك المعاودة ، وهو يعقل الندم ، ويختار ترك المعاودة : فأما إذا كان بكرب الموت مشغولا وبغم الحشرجة مغمورا ، فلا إخاله إلا عن الندم على ذنوبه مغلوبا . ولذلك قال من قال : " إن التوبة مقبولة ، ما لم يغرغر العبد بنفسه " فإن كان المرء في تلك الحال يعقل عقل الصحيح ، ويفهم فهم العاقل الأريب ، فأحدث إنابة من ذنوبه ، ورجعة من شروده عن ربه إلى طاعته ، كان إن شاء الله ممن دخل في وعد الله الذي وعد التائبين إليه من إجرامهم من قريب بقوله : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب .
    القول في تأويل قوله ( فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ( 17 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " فأولئك " فهؤلاء الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب يتوب الله عليهم ، دون من لم يتب حتى غلب على عقله ، وغمرته حشرجة ميتته ، فقال وهو لا يفقه ما يقول : " إني تبت الآن " خداعا لربه ، ونفاقا في دينه .

    [ ص: 98 ] ومعنى قوله : يتوب الله عليهم ، يرزقهم إنابة إلى طاعته ، ويتقبل منهم أوبتهم إليه وتوبتهم التي أحدثوها من ذنوبهم .

    وأما قوله : " وكان الله عليما حكيما " فإنه يعني : ولم يزل الله - جل ثناؤه - " عليما " بالناس من عباده المنيبين إليه بالطاعة ، بعد إدبارهم عنه ، المقبلين إليه بعد التولية ، وبغير ذلك من أمور خلقه " حكيما " في توبته على من تاب منهم من معصيته ، وفي غير ذلك من تدبيره وتقديره ، ولا يدخل أفعاله خلل ، ولا يخالطه خطأ ولا زلل .
    القول في تأويل قوله : ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وليست التوبة للذين يعملون السيئات من أهل الإصرار على معاصي الله حتى إذا حضر أحدهم الموت ، يقول : إذا حشرج أحدهم بنفسه ، وعاين ملائكة ربه قد أقبلوا إليه لقبض روحه ، قال وقد غلب على نفسه ، وحيل بينه وبين فهمه ، بشغله بكرب حشرجته وغرغرته [ ص: 99 ] إني تبت الآن ، يقول : فليس لهذا عند الله تبارك وتعالى توبة ، لأنه قال ما قال في غير حال توبة ، كما :

    8860 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن يعلى بن نعمان قال : أخبرني من سمع ابن عمر يقول : التوبة مبسوطة ما لم يسق ، ثم قرأ ابن عمر : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ، ثم قال : وهل الحضور إلا السوق .

    8861 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن قال : إذا تبين الموت فيه لم يقبل الله له توبة .

    8863 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبي النضر ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ، فليس لهذا عند الله توبة .

    8863 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة قال : سمعت إبراهيم بن ميمون يحدث ، عن رجل من بني الحارث قال : حدثنا رجل منا ، عن عبد الله بن عمرو أنه قال : من تاب قبل موته بعام تيب عليه ، حتى ذكر شهرا ، حتى ذكر ساعة ، حتى ذكر فواقا . قال : فقال رجل : كيف يكون هذا والله تعالى يقول : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ؟ [ ص: 100 ] فقال عبد الله : أنا أحدثك ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

    8864 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن إبراهيم قال : كان يقال : التوبة مبسوطة ما لم يؤخذ بكظمه .

    واختلف أهل التأويل فيمن عني بقوله : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن

    فقال بعضهم : عني به أهل النفاق .

    ذكر من قال ذلك :

    8865 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ، قال : نزلت الأولى في المؤمنين ، ونزلت الوسطى في المنافقين يعني : وليست التوبة للذين يعملون السيئات ، والأخرى في الكفار يعني : ولا الذين يموتون وهم كفار .

    وقال آخرون : بل عني بذلك أهل الإسلام .

    [ ص: 101 ] ذكر من قال ذلك :

    8866 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، قال : بلغنا في هذه الآية : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن قال : هم المسلمون ، ألا ترى أنه قال : ولا الذين يموتون وهم كفار ؟

    وقال آخرون : بل هذه الآية كانت نزلت في أهل الإيمان ، غير أنها نسخت .

    ذكر من قال ذلك :

    8867 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ سورة النساء : 48 ، 116 ] ، فحرم الله تعالى المغفرة على من مات وهو كافر ، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته ، فلم يؤيسهم من المغفرة .

    قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، ما ذكره الثوري أنه بلغه أنه في الإسلام . وذلك أن المنافقين كفار ، فلو كان معنيا به أهل النفاق لم يكن لقوله : ولا الذين يموتون وهم كفار معنى مفهوم ، إذ كانوا والذين قبلهم في معنى واحد : من أن جميعهم كفار . ولا وجه لتفريق أحكامهم ، والمعنى [ ص: 102 ] الذي من أجله بطل أن تكون لهم توبة - واحد . وفي تفرقة الله - جل ثناؤه - بين أسمائهم وصفاتهم ، بأن سمى أحد الصنفين كافرا ، ووصف الصنف الآخر بأنهم أهل سيئات ، ولم يسمهم كفارا - ما دل على افتراق معانيهم . وفي صحة كون ذلك كذلك صحة ما قلنا وفساد ما خالفه .
    القول في تأويل قوله ( ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ( 18 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ولا التوبة للذين يموتون وهم كفار فموضع " الذين " خفض ، لأنه معطوف على قوله : " للذين يعملون السيئات " .

    وقوله : أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ، يقول : هؤلاء الذين يموتون وهم كفار أعتدنا لهم عذابا أليما ، لأنهم من التوبة أبعد ، لموتهم على الكفر . كما :

    [ ص: 103 ] 8868 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبي النضر ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : ولا الذين يموتون وهم كفار ، أولئك أبعد من التوبة .

    واختلف أهل العربية في معنى : " أعتدنا لهم " .

    فقال بعض البصريين : معنى " أعتدنا " " أفعلنا "من " العتاد " . قال : ومعناها : أعددنا .

    وقال بعض الكوفيين : " أعددنا " و " أعتدنا " معناهما واحد .

    فمعنى قوله : " أعتدنا لهم " أعددنا لهم " عذابا أليما " يقول : مؤلما موجعا .
    القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة )

    قال أبو جعفر : يعني تبارك وتعالى بقوله : " يا أيها الذين آمنوا " يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، يقول : لا يحل [ ص: 104 ] لكم أن ترثوا نكاح نساء أقاربكم وآبائكم كرها .

    فإن قال قائل : كيف كانوا يرثونهن ؟ وما وجه تحريم وراثتهن ؟ فقد علمت أن النساء مورثات كما الرجال مورثون !

    قيل : إن ذلك ليس من معنى وراثتهن إذا هن متن فتركن مالا وإنما ذلك أنهن في الجاهلية كانت إحداهن إذا مات زوجها ، كان ابنه أو قريبه أولى بها من غيره ، ومنها بنفسها ، إن شاء نكحها ، وإن شاء عضلها فمنعها من غيره ولم يزوجها حتى تموت . فحرم الله تعالى ذلك على عباده ، وحظر عليهم نكاح حلائل آبائهم ، ونهاهم عن عضلهن عن النكاح .

    وبنحو القول الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    8869 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أسباط بن محمد قال : حدثنا أبو إسحاق يعني : الشيباني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ، قال : كانوا إذا مات الرجل ، كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها ، وهم أحق بها من أهلها ، فنزلت هذه الآية في ذلك . [ ص: 105 ] 8870 - وحدثني أحمد بن محمد الطوسي قال : حدثنا عبد الرحمن بن صالح قال : حدثني محمد بن فضيل ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه قال : لما توفي أبو قيس بن الأسلت ، أراد ابنه أن يتزوج امرأته ، وكان ذلك لهم في الجاهلية ، فأنزل الله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها .

    8871 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري قالا : في قوله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها ، فأحكم الله عن ذلك يعني أن الله نهاكم عن ذلك . [ ص: 106 ] 8872 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز في قوله : يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، قال : كانت الأنصار تفعل ذلك . كان الرجل إذا مات حميمه ، ورث حميمه امرأته ، فيكون أولى بها من ولي نفسها .

    8873 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس في قوله : يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها الآية ، قال : كان الرجل إذا مات أبوه أو حميمه ، فهو أحق بامرأته ، إن شاء أمسكها ، أو يحبسها حتى تفتدي منه بصداقها ، أو تموت فيذهب بمالها قال ابن جريج ، فأخبرني عطاء بن أبي رباح : أن أهل الجاهلية كانوا إذا هلك الرجل فترك امرأة حبسها أهله على الصبي يكون فيهم ، فنزلت : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها الآية قال ابن جريج ، وقال مجاهد : كان الرجل إذا توفي أبوه ، كان أحق بامرأته ، ينكحها إن شاء إذا لم يكن ابنها ، أو ينكحها إن شاء أخاه أو ابن أخيه قال ابن جريج ، وقال عكرمة نزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم ، من الأوس ، توفي عنها أبو قيس بن الأسلت ، فجنح عليها ابنه ، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا نبي الله ، لا أنا ورثت زوجي ، ولا أنا تركت فأنكح ! فنزلت هذه الآية .

    [ ص: 107 ] 8874 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، قال : كان إذا توفي الرجل ، كان ابنه الأكبر هو أحق بامرأته ، ينكحها إذا شاء إذا لم يكن ابنها ، أو ينكحها من شاء ، أخاه أو ابن أخيه .

    8875 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن عمرو بن دينار ، مثل قول مجاهد .

    8876 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل قال : سمعت عمرو بن دينار يقول مثل ذلك .

    8877 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما قوله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، فإن الرجل في الجاهلية كان يموت أبوه أو أخوه أو ابنه ، فإذا مات وترك امرأته ، فإن سبق وارث الميت فألقى عليها ثوبه ، فهو أحق بها أن ينكحها بمهر صاحبه ، أو ينكحها فيأخذ مهرها . وإن سبقته فذهبت إلى أهلها ، فهم أحق بنفسها .

    8878 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان الباهلي قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، كانوا بالمدينة إذا مات حميم الرجل وترك امرأة ، ألقى الرجل عليها ثوبه ، فورث نكاحها ، وكان أحق بها . وكان ذلك عندهم نكاحا . فإن [ ص: 108 ] شاء أمسكها حتى تفتدي منه . وكان هذا في الشرك .

    8879 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، قال : كانت الوراثة في أهل يثرب بالمدينة هاهنا . فكان الرجل يموت فيرث ابنه امرأة أبيه كما يرث أمه ، لا تستطيع أن تمتنع ، فإن أحب أن يتخذها اتخذها كما كان أبوه يتخذها ، وإن كره فارقها ، وإن كان صغيرا حبست عليه حتى يكبر ، فإن شاء أصابها ، وإن شاء فارقها . فذلك قول الله تبارك وتعالى : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها .

    8880 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، وذلك أن رجالا من أهل المدينة كان إذا مات حميم أحدهم ألقى ثوبه على امرأته ، فورث نكاحها ، فلم ينكحها أحد غيره ، وحبسها عنده حتى تفتدي منه بفدية ، فأنزل الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها .

    8881 - حدثني ابن وكيع قال : حدثني أبي قال : حدثنا سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن مقسم قال : كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها فجاء رجل فألقى عليها ثوبه ، كان أحق الناس بها . قال : فنزلت هذه الآية : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها " .

    قال أبو جعفر : فتأويل الآية على هذا التأويل : يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا آباءكم وأقاربكم نكاح نسائهم كرها فترك ذكر " الآباء " و " الأقارب " و " النكاح " ووجه الكلام إلى النهي عن وراثة النساء ، اكتفاء بمعرفة المخاطبين بمعنى [ ص: 109 ] الكلام ، إذ كان مفهوما معناه عندهم .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا يحل لكم ، أيها الناس ، أن ترثوا النساء تركاتهن كرها . قال : وإنما قيل ذلك كذلك ، لأنهم كانوا يعضلون أياماهن ، وهن كارهات للعضل ، حتى يمتن ، فيرثوهن أموالهن .

    ذكر من قال ذلك :

    8882 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، قال : كان الرجل إذا مات وترك جارية ، ألقى عليها حميمه ثوبه فمنعها من الناس . فإن كانت جميلة تزوجها ، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها .

    8883 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري في قوله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، قال : نزلت في ناس من الأنصار ، كانوا إذا مات الرجل منهم ، فأملك الناس بامرأته وليه ، فيمسكها حتى تموت فيرثها ، فنزلت فيهم .

    قال أبو جعفر : وأولى القولين بتأويل الآية ، القول الذي ذكرناه عمن قال : معناه : " لا يحل لكم أن ترثوا نساء أقاربكم " لأن الله - جل ثناؤه - قد بين مواريث أهل المواريث ، فذلك لأهله ، كره وراثتهم إياه - الموروث ذلك عنه من الرجال أو النساء ، أو رضي .

    [ ص: 110 ] فقد علم بذلك أنه - جل ثناؤه - لم يحظر على عباده أن يرثوا النساء فيما جعله لهم ميراثا عنهن ، وأنه إنما حظر أن يكرهن موروثات ، بمعنى حظر وراثة نكاحهن ، إذا كان ميتهم الذي ورثوه قد كان مالكا عليهن أمرهن في النكاح ملك الرجل منفعة ما استأجر من الدور والأرضين وسائر ما له منافع .

    فأبان الله - جل ثناؤه - لعباده : أن الذي يملكه الرجل منهم من بضع زوجه ، معناه غير معنى ما يملك أحدهم من منافع سائر المملوكات التي تجوز إجارتها . فإن المالك بضع زوجته إذا هو مات ، لم يكن ما كان له ملكا من زوجته بالنكاح لورثته بعده ، كما لهم من الأشياء التي كان يملكها بشراء أو هبة أو إجارة بعد موته ، بميراثهم ذلك عنه .

    وأما قوله تعالى : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله .

    فقال بعضهم : تأويله : ولا تعضلوهن : أي ولا تحبسوا ، يا معشر ورثة من مات من الرجال - أزواجهم عن نكاح من أردن نكاحه من الرجال ، كيما يمتن فتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ، أي : فتأخذوا من أموالهن إذا متن ، [ ص: 111 ] ما كان موتاكم الذين ورثتموهم ساقوا إليهن من صدقاتهن .

    وممن قال ذلك جماعة قد ذكرنا بعضهم ، منهم ابن عباس والحسن البصري وعكرمة .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا تعضلوا ، أيها الناس ، نساءكم فتحبسوهن ضرارا ، ولا حاجة لكم إليهن ، فتضروا بهن ليفتدين منكم بما آتيتموهن من صدقاتهن .

    ذكر من قال ذلك :

    8884 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ولا تعضلوهن ، يقول : لا تقهروهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ، يعني : الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر ، فيضر بها لتفتدي .


  4. #464
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (464)
    صــ 112 إلى صــ 126




    8885 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ولا تعضلوهن ، يقول : لا يحل لك أن تحبس امرأتك ضرارا حتى تفتدي منك قال وأخبرنا معمر قال : وأخبرني سماك بن الفضل ، عن ابن البيلماني قال : نزلت هاتان الآيتان ، [ ص: 112 ] إحداهما في أمر الجاهلية ، والأخرى في أمر الإسلام .

    8886 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر قال : أخبرنا سماك بن الفضل ، عن عبد الرحمن بن البيلماني في قوله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن ، قال : نزلت هاتان الآيتان : إحداهما في الجاهلية ، والأخرى في أمر الإسلام ، قال عبد الله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء في الجاهلية ، ولا تعضلوهن في الإسلام .

    8887 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : ولا تعضلوهن ، قال : لا تحبسوهن .

    8888 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ، أما " تعضلوهن " فيقول : تضاروهن ليفتدين منكم .

    8889 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ولا تعضلوهن ، قال : " العضل " أن يكره الرجل امرأته فيضر بها حتى تفتدي منه ، قال الله تبارك وتعالى : ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ) [ سورة النساء : 21 ] .

    وقال آخرون : المعني بالنهي عن عضل النساء في هذه الآية : أولياؤهن .

    ذكر من قال ذلك :

    8890 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن أن ينكحن أزواجهن " كالعضل في " سورة البقرة " . [ ص: 113 ] 8891 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    وقال آخرون : بل المنهي عن ذلك : زوج المرأة بعد فراقه إياها . وقالوا : ذلك كان من فعل الجاهلية ، فنهوا عنه في الإسلام .

    ذكر من قال ذلك :

    8892 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : كان العضل في قريش بمكة ، ينكح الرجل المرأة الشريفة فلعلها أن لا توافقه ، فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه ، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد ، فإذا خطبها خاطب ، فإن أعطته وأرضته أذن لها ، وإلا عضلها ، قال : فهذا قول الله : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الآية .

    قال أبو جعفر : قد بينا فيما مضى معنى " العضل " وما أصله ، بشواهد ذلك من الأدلة .

    وأولى هذه الأقوال التي ذكرناها بالصحة في تأويل قوله : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ، قول من قال : نهى الله - جل ثناؤه - زوج المرأة عن التضييق عليها والإضرار بها ، وهو لصحبتها كاره ولفراقها محب ، لتفتدي منه ببعض ما آتاها من الصداق .

    وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة ، لأنه لا سبيل لأحد إلى عضل امرأة ، إلا لأحد رجلين : إما لزوجها بالتضييق عليها وحبسها على نفسه وهو لها كاره ، مضارة منه لها بذلك ، ليأخذ منها ما آتاها بافتدائها منه نفسها بذلك أو لوليها الذي إليه إنكاحها .

    [ ص: 114 ] وإذا كان لا سبيل إلى عضلها لأحد غيرهما ، وكان الولي معلوما أنه ليس ممن أتاها شيئا فيقال إن عضلها عن النكاح : " عضلها ليذهب ببعض ما آتاها " كان معلوما أن الذي عنى الله تبارك وتعالى بنهيه عن عضلها - هو زوجها الذي له السبيل إلى عضلها ضرارا لتفتدي منه .

    وإذا صح ذلك ، وكان معلوما أن الله تعالى ذكره لم يجعل لأحد السبيل على زوجته بعد فراقه إياها وبينونتها منه ، فيكون له إلى عضلها سبيل لتفتدي منه من عضله إياها ، أتت بفاحشة أم لم تأت بها ، وكان الله - جل ثناؤه - قد أباح للأزواج عضلهن إذا أتين بفاحشة مبينة حتى يفتدين منه كان بينا بذلك خطأ التأويل الذي تأوله ابن زيد ، وتأويل من قال : " عنى بالنهي عن العضل في هذه الآية أولياء الأيامى " - وصحة ما قلنا فيه .

    قوله : ولا تعضلوهن ، في موضع نصب ، عطفا على قوله : أن ترثوا النساء كرها . ومعناه : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، ولا أن تعضلوهن .

    وكذلك هي فيما ذكر في حرف ابن مسعود .

    ولو قيل : هو في موضع جزم على وجه النهي ، لم يكن خطأ .
    [ ص: 115 ] القول في تأويل قوله : ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : لا يحل لكم ، أيها المؤمنون ، أن تعضلوا نساءكم ضرارا منكم لهن ، وأنتم لصحبتهن كارهون ، وهن لكم طائعات ، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صدقاتهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، فيحل لكم حينئذ الضرار بهن ليفتدين منكم .

    ثم اختلف أهل التأويل في معنى " الفاحشة " التي ذكرها الله - جل ثناؤه - في هذا الموضع .

    فقال بعضهم : معناها الزنا ، وقال : إذا زنت امرأة الرجل حل له عضلها والضرار بها ، لتفتدي منه بما آتاها من صداقها .

    ذكر من قال ذلك :

    8893 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : أخبرنا أشعث ، عن الحسن في البكر تفجر قال : تضرب مائة ، وتنفى سنة ، وترد إلى زوجها ما أخذت منه . وتأول هذه الآية : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة .

    8894 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن عطاء الخراساني - في الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة ، أخذ ما ساق إليها وأخرجها ، فنسخ ذلك الحدود . [ ص: 116 ] 8895 - حدثنا أحمد بن منيع قال : حدثنا عبد الله بن المبارك قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة قال : إذا رأى الرجل من امرأته فاحشة ، فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تختلع منه .

    8896 - حدثنا ابن حميد قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرني معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة - في الرجل يطلع من امرأته على فاحشة ، فذكر نحوه .

    8897 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، وهو الزنا ، فإذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن .

    8898 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الكريم : أنه سمع الحسن البصري : إلا أن يأتين بفاحشة ، قال : الزنا . قال : وسمعت الحسن وأبا الشعثاء يقولان : فإن فعلت ، حل لزوجها أن يكون هو يسألها الخلع ، تفتدي نفسها .

    وقال آخرون : " الفاحشة المبينة " في هذا الموضع ، النشوز .

    ذكر من قال ذلك :

    8899 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، وهو البغض والنشوز ، فإذا فعلت ذلك فقد حل له منها الفدية .

    8900 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام قال : حدثنا عنبسة ، عن علي بن بذيمة ، عن مقسم في قوله " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يفحشن" في قراءة ابن مسعود . قال : إذا عصتك وآذتك ، فقد حل لك [ ص: 117 ] أخذ ما أخذت منك .

    8901 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مطرف بن طريف ، عن خالد ، عن الضحاك بن مزاحم : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، قال : الفاحشة هاهنا النشوز . فإذا نشزت ، حل له أن يأخذ خلعها منها .

    8902 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، قال : هو النشوز .

    8903 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عطاء بن أبي رباح : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن : إن شئتم أمسكتموهن ، وإن شئتم أرسلتموهن .

    8904 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، قال : عدل ربنا تبارك وتعالى في القضاء ، فرجع إلى النساء فقال : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، و " الفاحشة " : العصيان والنشوز . فإذا كان ذلك من قبلها ، فإن الله أمره أن يضربها ، وأمره بالهجر . فإن لم تدع العصيان والنشوز ، فلا جناح عليه بعد ذلك أن يأخذ منها الفدية .

    [ ص: 118 ] قال أبو جعفر : وأولى ما قيل في تأويل قوله : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، أنه معني به كل " فاحشة " : من بذاء باللسان على زوجها ، وأذى له ، وزنا بفرجها . وذلك أن الله - جل ثناؤه - عم بقوله : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، كل فاحشة متبينة ظاهرة . فكل زوج امرأة أتت بفاحشة من الفواحش التي هي زنا أو نشوز ، فله عضلها على ما بين الله في كتابه ، والتضييق عليها حتى تفتدي منه ، بأي معاني الفواحش أتت ، بعد أن تكون ظاهرة مبينة بظاهر كتاب الله تبارك وتعالى ، وصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالذي :

    8905 - حدثني يونس بن سليمان البصري قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف .

    [ ص: 119 ] 8906 - حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : حدثنا زيد بن الحباب قال : حدثنا موسى بن عبيدة الربذي قال : حدثني صدقة بن يسار ، عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أيها الناس ، إن النساء عندكم عوان ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن حق ، ولهن عليكم حق . ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا ولا يعصينكم في معروف ، وإذا فعلن ذلك ، فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف .

    فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن من حق الزوج على المرأة أن لا توطئ فراشه أحدا ، وأن لا تعصيه في معروف ، وأن الذي يجب لها من الرزق والكسوة عليه ، وإنما هو واجب عليه إذا أدت هي إليه ما يجب عليها من الحق ، بتركها إيطاء فراشه غيره ، وتركها معصيته في معروف .

    ومعلوم أن معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من حقكم عليهن أن لا يوطئن [ ص: 120 ] فرشكم أحدا " إنما هو أن لا يمكن من أنفسهن أحدا سواكم .

    وإذ كان ما روينا في ذلك صحيحا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبين أن لزوج المرأة إذا أوطأت امرأته نفسها غيره وأمكنت من جماعها سواه ، أن له من منعها الكسوة والرزق بالمعروف ، مثل الذي له من منعها ذلك إذا هي عصته في المعروف . وإذ كان ذلك له ؛ فمعلوم أنه غير مانع لها - بمنعه إياها ما له منعها - حقا لها واجبا عليه . وإذ كان ذلك كذلك ، فبين أنها إذا افتدت نفسها عند ذلك من زوجها ؛ فأخذ منها زوجها ما أعطته - أنه لم يأخذ ذلك عن عضل منهي عنه ، بل هو أخذ ما أخذ منها عن عضل له مباح . وإذ كان ذلك كذلك ، كان بينا أنه داخل في استثناء الله تبارك وتعالى الذي استثناه من العاضلين بقوله : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة . وإذ صح ذلك ، فبين فساد قول من قال : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة منسوخ بالحدود ؛ لأن الحد حق الله - جل ثناؤه - على من أتى بالفاحشة التي هي زنا . وأما العضل لتفتدي المرأة من الزوج بما آتاها أو ببعضه ، فحق لزوجها كما : عضله إياها وتضييقه عليها إذا هي نشزت عليه لتفتدي منه - حق له . وليس حكم أحدهما يبطل حكم الآخر .

    قال أبو جعفر : فمعنى الآية : ولا يحل لكم ، أيها الذين آمنوا ، أن تعضلوا نساءكم فتضيقوا عليهن وتمنعوهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صدقاتكم ، إلا أن يأتين بفاحشة من زنا أو بذاء عليكم ، وخلاف لكم فيما يجب عليهن لكم - مبينة ظاهرة ، فيحل لكم حينئذ عضلهن [ ص: 121 ] والتضييق عليهن ، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صداق إن هن افتدين منكم به .

    واختلف القرأة في قراءة قوله : " مبينة " .

    فقرأه بعضهم : " مبينة " بفتح " الياء " بمعنى أنها قد بينت لكم وأعلنت وأظهرت .

    وقرأه بعضهم : " مبينة " بكسر " الياء " بمعنى أنها ظاهرة بينة للناس أنها فاحشة .

    وهما قراءتان مستفيضتان في قرأة أمصار الإسلام ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب في قراءته الصواب ، لأن الفاحشة إذا أظهرها صاحبها فهي ظاهرة بينة . وإذا ظهرت ، فبإظهار صاحبها إياها ظهرت . فلا تكون ظاهرة بينة إلا وهي مبينة ، ولا مبينة إلا وهي مبينة . فلذلك رأيت القراءة بأيهما قرأ القارئ صوابا .
    القول في تأويل قوله : ( وعاشروهن بالمعروف )

    قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : وعاشروهن بالمعروف ، وخالقوا ، أيها الرجال ، نساءكم وصاحبوهن " بالمعروف " يعني بما أمرتكم به من المصاحبة ، وذلك : إمساكهن بأداء حقوقهن التي فرض الله - جل ثناؤه - لهن عليكم إليهن ، أو تسريح منكم لهن بإحسان ، كما :

    8907 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا [ ص: 122 ] أسباط ، عن السدي : وعاشروهن بالمعروف ، يقول : وخالطوهن .

    كذا قال محمد بن الحسين ، وإنما هو " خالقوهن " من " العشرة " وهي المصاحبة .
    القول في تأويل قوله : ( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ( 19 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : لا تعضلوا نساءكم لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من غير ريبة ولا نشوز كان منهن ، ولكن عاشروهن بالمعروف وإن كرهتموهن ، فلعلكم أن تكرهوهن فتمسكوهن ، فيجعل الله لكم في إمساككم إياهن على كره منكم لهن - خيرا كثيرا ، من ولد يرزقكم منهن ، أو عطفكم عليهن بعد كراهتكم إياهن ، كما :

    8908 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ، يقول ، فعسى الله أن يجعل في الكراهة خيرا كثيرا .

    8909 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله :

    8910 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثني أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ، قال : الولد .

    [ ص: 123 ] 8911 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ، والخير الكثير : أن يعطف عليها ، فيرزق الرجل ولدها ، ويجعل الله في ولدها خيرا كثيرا .

    و " الهاء " في قوله : ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ، على قول مجاهد الذي ذكرناه ، كناية عن مصدر " تكرهوا " كأن معنى الكلام عنده : فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله في كرهه خيرا كثيرا .

    ولو كان تأويل الكلام : فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله في ذلك الشيء الذي تكرهونه خيرا كثيرا ، كان جائزا صحيحا .
    القول في تأويل قوله : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا )

    قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، وإن أردتم ، أيها المؤمنون ، نكاح امرأة مكان امرأة لكم تطلقونها وآتيتم إحداهن ، يقول : وقد أعطيتم التي تريدون طلاقها من المهر " قنطارا " .

    و " القنطار " المال الكثير . وقد ذكرنا فيما مضى اختلاف أهل التأويل في مبلغه ، والصواب من القول في ذلك عندنا .

    [ ص: 124 ] فلا تأخذوا منه شيئا ، يقول : فلا تضروا بهن إذا أردتم طلاقهن ليفتدين منكم بما آتيتموهن ، كما :

    8912 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، طلاق امرأة مكان أخرى ، فلا يحل له من مال المطلقة شيء وإن كثر .

    8913 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
    القول في تأويل قوله : ( أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ( 20 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " أتأخذونه " أتأخذون ما آتيتموهن من مهورهن " بهتانا " يقول : ظلما بغير حق وإثما مبينا ، يعني : وإثما قد أبان أمر آخذه : أنه بأخذه إياه لمن أخذه منه - ظالم .
    [ ص: 125 ] القول في تأويل قوله : ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض )

    قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : وكيف تأخذونه ، وعلى أي وجه تأخذون من نسائكم ما آتيتموهن من صدقاتهن ، إذا أردتم طلاقهن واستبدال غيرهن بهن أزواجا وقد أفضى بعضكم إلى بعض ، فتباشرتم وتلامستم .

    وهذا كلام وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام ، فإنه في معنى النكير والتغليظ ، كما يقول الرجل لآخر : " كيف تفعل كذا وكذا ، وأنا غير راض به ؟ " على معنى التهديد والوعيد .

    وأما " الإفضاء " إلى الشيء ، فإنه الوصول إليه بالمباشرة له ، كما قال الشاعر :


    بلين بلى أفضى إلى كل كتبة بدا سيرها من باطن بعد ظاهر
    يعني بذلك أن الفساد والبلى وصل إلى الخرز . والذي عني به " الإفضاء " في هذا الموضع ، الجماع في الفرج .

    [ ص: 126 ] فتأويل الكلام إذ كان ذلك معناه : وكيف تأخذون ما آتيتموهن ، وقد أفضى بعضكم إلى بعض بالجماع .

    وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    8914 - حدثني عبد الحميد بن بيان القناد قال : حدثنا إسحاق ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن بكر بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : الإفضاء المباشرة ، ولكن الله كريم يكني عما يشاء .

    8915 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن بكر ، عن ابن عباس قال : الإفضاء الجماع ، ولكن الله يكني .

    8916 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عاصم ، عن بكر بن عبد الله المزني ، عن ابن عباس قال : الإفضاء هو الجماع .

    8917 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وقد أفضى بعضكم إلى بعض ، قال : مجامعة النساء .

    8918 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    8919 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ، يعني المجامعة .




  5. #465
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (465)
    صــ 127 إلى صــ 141



    [ ص: 127 ] القول في تأويل قوله ( وأخذن منكم ميثاقا غليظا ( 21 ) )

    قال أبو جعفر : أي : ما وثقتم به لهن على أنفسكم ، من عهد وإقرار منكم بما أقررتم به على أنفسكم ، من إمساكهن بمعروف ، أو تسريحهن بإحسان .

    وكان في عقد المسلمين النكاح قديما فيما بلغنا - أن يقال لناكح : " آلله عليك لتمسكن بمعروف أو لتسرحن بإحسان " !

    8920 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا . والميثاق الغليظ الذي أخذه للنساء على الرجال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . وقد كان في عقد المسلمين عند إنكاحهم : " آلله عليك لتمسكن بمعروف أو لتسرحن بإحسان " .

    واختلف أهل التأويل في " الميثاق " الذي عنى الله - جل ثناؤه - بقوله : " وأخذن منكم ميثاقا غليظا " .

    فقال بعضهم : هو إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .

    ذكر من قال ذلك :

    8921 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .

    8922 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك مثله .

    [ ص: 128 ] 8923 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : هو ما أخذ الله تبارك وتعالى للنساء على الرجال ، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . قال : وقد كان ذلك يؤخذ عند عقد النكاح .

    8924 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، فهو أن ينكح المرأة فيقول وليها : أنكحناكها بأمانة الله ، على أن تمسكها بالمعروف أو تسرحها بإحسان .

    8925 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : " الميثاق الغليظ " الذي أخذه الله للنساء : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وكان في عقدة المسلمين عند نكاحهن : " أيم الله عليك ، لتمسكن بمعروف ولتسرحن بإحسان " .

    8926 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا أبو قتيبة قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن الحسن ومحمد بن سيرين في قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .

    وقال آخرون : هو كلمة النكاح التي استحل بها الفرج .

    ذكر من قال ذلك :

    8927 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : كلمة النكاح التي استحل بها فروجهن .

    8928 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    8929 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا [ ص: 129 ] سفيان ، عن أبي هاشم المكي ، عن مجاهد في قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : قوله : " نكحت " .

    8930 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام قال : حدثنا عنبسة ، عن محمد بن كعب القرظي : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : هو قولهم : " قد ملكت النكاح " .

    8931 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن سالم الأفطس ، عن مجاهد : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : كلمة النكاح .

    8932 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : الميثاق النكاح .

    8933 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا سفيان قال : حدثني سالم الأفطس ، عن مجاهد : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : كلمة النكاح ، قوله : " نكحت " .

    وقال آخرون : بل عنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " .

    ذكر من قال ذلك :

    8934 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر وعكرمة : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قالا : أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله .

    8935 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ ص: 130 ] عن أبيه ، عن الربيع : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، والميثاق الغليظ : أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله .

    قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل ذلك ، قول من قال : الميثاق الذي عني به في هذه الآية : هو ما أخذ للمرأة على زوجها عند عقدة النكاح من عهد على إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان ، فأقر به الرجل . لأن الله - جل ثناؤه - بذلك أوصى الرجال في نسائهم .

    وقد بينا معنى " الميثاق " فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

    واختلف في حكم هذه الآية ، أمحكم أم منسوخ ؟

    فقال بعضهم : محكم ، وغير جائز للرجل أخذ شيء مما آتاها ، إذا أراد طلاقها ، إلا أن تكون هي المريدة الطلاق .

    وقال آخرون : هي محكمة ، غير جائز له أخذ شيء مما آتاها منها بحال ، كانت هي المريدة للطلاق أو هو . وممن حكي عنه هذا القول ، بكر بن عبد الله المزني .

    8936 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا عقبة بن أبي الصهباء . قال : سألت بكرا عن المختلعة ، أيأخذ منها شيئا ؟ قال : لا وأخذن منكم ميثاقا غليظا .

    [ ص: 131 ] قال آخرون : بل هي منسوخة ، نسخها قوله : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) [ سورة البقرة : 229 ] .

    ذكر من قال ذلك :

    8937 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج إلى قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : ثم رخص بعد فقال : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) [ سورة البقرة : 229 ] . قال : فنسخت هذه تلك .

    قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في ذلك ، قول من قال : " إنها محكمة غير منسوخة " وغير جائز للرجل أخذ شيء مما آتاها ، إذا أراد طلاقها من غير نشوز كان منها ، ولا ريبة أتت بها .

    وذلك أن الناسخ من الأحكام ، ما نفى خلافه من الأحكام ، على ما قد بينا في سائر كتبنا . وليس في قوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، نفي حكم قوله : ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) [ سورة البقرة : 229 ] . لأن الذي حرم الله على الرجل بقوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا - أخذ ما آتاها منها إذا كان هو المريد طلاقها . وأما الذي أباح له أخذه منها بقوله : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) ، فهو إذا كانت هي المريدة طلاقه وهو له كاره ، ببعض المعاني التي قد ذكرنا في غير هذا الموضع .

    [ ص: 132 ] وليس في حكم إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى .

    وإذ كان ذلك كذلك ، لم يجز أن يحكم لإحداهما بأنها ناسخة ، وللأخرى بأنها منسوخة ، إلا بحجة يجب التسليم لها .

    وأما ما قاله بكر بن عبد الله المزني : من أنه ليس لزوج المختلعة - أخذ ما أعطته على فراقه إياها ، إذا كانت هي الطالبة الفرقة ، وهو الكاره فليس بصواب ؛ لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه أمر ثابت بن قيس بن شماس بأخذ ما كان ساق إلى زوجته وفراقها إذ طلبت فراقه ، وكان النشوز من قبلها .
    القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ( 22 ) )

    قال أبو جعفر : قد ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا يخلفون على حلائل آبائهم ، فجاء الإسلام وهم على ذلك ، فحرم الله تبارك وتعالى عليهم المقام عليهن ، وعفا لهم عما كان سلف منهم في جاهليتهم وشركهم من فعل ذلك ، لم يؤاخذهم به ، إن هم اتقوا الله في إسلامهم وأطاعوه فيه .

    ذكر الأخبار التي رويت في ذلك :

    8938 - حدثني محمد بن عبد الله المخرمي قال : حدثنا قراد قال : حدثنا [ ص: 133 ] ابن عيينة وعمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم إلا امرأة الأب ، والجمع بين الأختين . قال : فأنزل الله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ( وأن تجمعوا بين الأختين )

    8939 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الآية ، قال : كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله ، إلا أن الرجل كان يخلف على حليلة أبيه ، ويجمعون بين الأختين ، فمن ثم قال الله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف .

    8940 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة في قوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ، قال : نزلت في أبي قيس بن الأسلت ، خلف على أم عبيد بنت صخر ، كانت تحت الأسلت أبيه ، وفي الأسود بن خلف ، وكان خلف على بنت أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ، وكانت عند أبيه خلف وفي فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسد ، وكانت عند أمية بن خلف ، فخلف عليها صفوان بن أمية وفي منظور بن زبان ، وكان خلف على مليكة ابنة خارجة ، وكانت عند أبيه زبان بن سيار . [ ص: 134 ] 8941 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء بن أبي رباح : الرجل ينكح المرأة ، ثم لا يراها [ ص: 135 ] حتى يطلقها ، أتحل لابنه ؟ قال : هي مرسلة ، قال الله تعالى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء . قال : قلت لعطاء : ما قوله : إلا ما قد سلف ؟ قال : كان الأبناء ينكحون نساء آبائهم في الجاهلية .

    8942 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية [ ص: 136 ] بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الآية ، يقول : كل امرأة تزوجها أبوك وابنك ، دخل أو لم يدخل ، فهي عليك حرام .

    واختلف في معنى قوله : " إلا ما قد سلف " .

    فقال بعضهم : معناه : لكن ما قد سلف فدعوه . وقالوا : هو من الاستثناء المنقطع .

    وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تنكحوا نكاح آبائكم بمعنى : ولا تنكحوا كنكاحهم ، كما نكحوا على الوجوه الفاسدة التي لا يجوز مثلها في الإسلام إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ، يعني : أن نكاح آبائكم الذي كانوا ينكحونه في جاهليتهم ، كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا - إلا ما قد سلف منكم في جاهليتكم من نكاح ، لا يجوز ابتداء مثله في الإسلام ، فإنه معفو لكم عنه .

    وقالوا : قوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ، كقول القائل للرجل : " لا تفعل ما فعلت " و " لا تأكل ما أكلت " بمعنى : ولا تأكل كما أكلت ، ولا تفعل كما فعلت .

    وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بالنكاح الجائز كان عقده بينهم ، إلا ما قد سلف منهم من وجوه الزنا عندهم ، فإن نكاحهن لكم حلال ، لأنهن لم يكن لهم حلائل ، وإنما كان ما كان من آبائكم ومنهن من ذلك - فاحشة ومقتا وساء سبيلا .

    ذكر من قال ذلك : [ ص: 137 ] 8943 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف الآية ، قال : الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا فزاد هاهنا " المقت " .

    قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، على ما قاله أهل التأويل في تأويله ، أن يكون معناه : ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم ، إلا ما قد سلف منكم فمضى في الجاهلية ، فإنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا فيكون قوله : "من النساء " من صلة قوله : ولا تنكحوا ، ويكون قوله : ما نكح آباؤكم بمعنى المصدر ، ويكون قوله : إلا ما قد سلف بمعنى الاستثناء المنقطع ، لأنه يحسن في موضعه : " لكن ما قد سلف فمضى " إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا .

    فإن قال قائل : وكيف يكون هذا القول موافقا قول من ذكرت قوله من أهل التأويل ، وقد علمت أن الذين ذكرت قولهم في ذلك ، إنما قالوا : أنزلت هذه الآية في النهي عن نكاح حلائل الآباء ، وأنت تذكر أنهم إنما نهوا أن ينكحوا نكاحهم ؟

    قيل له : إنما قلنا إن ذلك هو التأويل الموافق لظاهر التنزيل ، إذ كانت " ما " في كلام العرب لغير بني آدم ، وأنه لو كان المقصود بذلك - النهي عن حلائل الآباء ، دون سائر ما كان من مناكح آبائهم حراما : ابتداء مثله في الإسلام بنهي الله [ ص: 138 ] - جل ثناؤه - عنه ؛ لقيل : " ولا تنكحوا من نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف " - لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، إذ كان " من " لبني آدم ، و " ما " لغيرهم ولم يقل : " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء " . وأما قوله تعالى ذكره : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ، فإنه يدخل في " ما " ما كان من مناكح آبائهم التي كانوا يتناكحونها في جاهليتهم . فحرم عليهم في الإسلام بهذه الآية - نكاح حلائل الآباء وكل نكاح سواه نهى الله تعالى ذكره عن ابتداء مثله في الإسلام ، مما كان أهل الجاهلية يتناكحونه في شركهم .

    ومعنى قوله : إلا ما قد سلف ، إلا ما قد مضى إنه كان فاحشة ، يقول : إن نكاحكم الذي سلف منكم كنكاح آبائكم المحرم عليكم ابتداء مثله في الإسلام بعد تحريمي ذلك عليكم - " فاحشة " يقول : معصية " ومقتا وساء سبيلا ، أي : بئس طريقا ومنهجا ما كنتم تفعلون في [ ص: 139 ] جاهليتكم من المناكح التي كنتم تناكحونها .
    [ ص: 140 ] [ ص: 141 ] القول في تأويل قوله : ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما ( 23 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : حرم عليكم نكاح أمهاتكم فترك ذكر " النكاح " اكتفاء بدلالة الكلام عليه .

    وكان ابن عباس يقول في ذلك ما :

    8944 - حدثنا به أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن ابن عباس قال : حرم من النسب سبع ، ومن الصهر سبع . ثم قرأ : حرمت عليكم أمهاتكم حتى بلغ : وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ، قال : والسابعة : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء .

    8945 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن ابن عباس قال : يحرم من النسب سبع ، ومن الصهر سبع . ثم قرأ : حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم .


  6. #466
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (466)
    صــ 142 إلى صــ 169




    8946 - حدثنا ابن بشار مرة أخرى قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : [ ص: 142 ] حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن ابن عباس مثله .

    8947 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي ذئب ، عن الزهري بنحوه .

    8948 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : حرم عليكم سبع نسبا ، وسبع صهرا . حرمت عليكم أمهاتكم الآية .

    8949 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن علي بن صالح ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم قال : حرم الله من النسب سبعا ومن الصهر سبعا . ثم قرأ : وأمهات نسائكم وربائبكم ، الآية .

    8950 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مطرف ، عن عمرو بن سالم مولى الأنصار قال : حرم من النسب سبع ، ومن الصهر سبع : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ومن الصهر : أمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف [ ص: 143 ] ثم قال : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء .

    قال أبو جعفر : فكل هؤلاء اللواتي سماهن الله تعالى وبين تحريمهن في هذه الآية - محرمات ، غير جائز نكاحهن لمن حرم الله ذلك عليه من الرجال ، بإجماع جميع الأمة ، لا اختلاف بينهم في ذلك : إلا في أمهات نسائنا اللواتي لم يدخل بهن أزواجهن ، فإن في نكاحهن اختلافا بين بعض المتقدمين من الصحابة ، إذا بانت الابنة قبل الدخول بها من زوجها : هل هن من المبهمات ، أم هن من المشروط فيهن الدخول ببناتهن ؟

    فقال جميع أهل العلم متقدمهم ومتأخرهم : من المبهمات ، وحرام على من [ ص: 144 ] تزوج امرأة - أمها ، دخل بامرأته التي نكحها أو لم يدخل بها . وقالوا : شرط الدخول في الربيبة دون الأم ، فأما أم المرأة فمطلقة بالتحريم . قالوا : ولو جاز أن يكون شرط الدخول في قوله : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، يرجع موصولا به قوله : وأمهات نسائكم ، جاز أن يكون الاستثناء في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم من جميع المحرمات بقوله : " حرمت عليكم " الآية . قالوا : وفي إجماع الجميع على أن الاستثناء في ذلك إنما هو مما وليه من قوله : " والمحصنات " - أبين الدلالة على أن الشرط في قوله : من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، مما وليه من قوله : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن " دون أمهات نسائنا .

    وروي عن بعض المتقدمين أنه كان يقول : حلال نكاح أمهات نسائنا اللواتي لم ندخل بهن ، وأن حكمهن في ذلك حكم الربائب .

    ذكر من قال ذلك :

    8951 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن خلاس بن عمرو ، عن علي رضي الله عنه : في رجل [ ص: 145 ] تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها ، أيتزوج أمها ؟ قال : هي بمنزلة الربيبة .

    8952 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا قتادة ، عن خلاس ، عن علي رضي الله عنه قال : هي بمنزلة الربيبة .

    8953 - حدثنا حميد قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن زيد بن ثابت : أنه كان يقول : إذا ماتت عنده وأخذ ميراثها ، كره أن يخلف على أمها . وإذا طلقها قبل أن يدخل بها ، فإن شاء فعل .

    8954 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن زيد بن ثابت قال : إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها ، فلا بأس أن يتزوج أمها .

    8955 - حدثنا القاسم قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، أخبرني عكرمة بن خالد : أن مجاهدا قال له : وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم أريد بهما الدخول جميعا .

    قال أبو جعفر : والقول الأول أولى بالصواب ، أعني قول من قال : " الأم من المبهمات " . لأن الله لم يشرط معهن الدخول ببناتهن ، كما شرط ذلك مع [ ص: 146 ] أمهات الربائب ، مع أن ذلك أيضا إجماع من الحجة التي لا يجوز خلافها فيما جاءت به متفقة عليه . وقد روي بذلك أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر ، غير أن في إسناده نظرا ، وهو ما :

    8956 - حدثنا به المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا نكح الرجل المرأة ، فلا يحل له أن يتزوج أمها ، دخل بالابنة أم لم يدخل . وإذا تزوج الأم فلم يدخل بها ثم طلقها ، فإن شاء تزوج الابنة .

    قال أبو جعفر : وهذا خبر ، وإن كان في إسناده ما فيه ، فإن في إجماع الحجة على صحة القول به - مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره .

    8957 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال لعطاء : الرجل ينكح المرأة لم يرها ولم يجامعها حتى يطلقها ، [ ص: 147 ] أيحل له أمها ؟ قال : لا هي مرسلة . قلت لعطاء : أكان ابن عباس يقرأ : " وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن " ؟ قال : " لا " تترى ، قال حجاج ، قلت لابن جريج : ما " تترى " ؟ قال : كأنه قال : لا ! لا !

    وأما " الربائب " فإنه جمع " ربيبة " وهي ابنة امرأة الرجل . قيل لها " ربيبة " لتربيته إياها ، وإنما هي " مربوبة " صرفت إلى " ربيبة " كما يقال : " هي قتيلة " من " مقتولة " . وقد يقال لزوج المرأة : " هو ربيب ابن امرأته " يعني به : " هو رابه " كما يقال : " هو خابر ، وخبير " و " شاهد ، وشهيد " .

    واختلف أهل التأويل في معنى قوله : " من نسائكم اللاتي دخلتم بهن " .

    فقال بعضهم : معنى " الدخول " في هذا الموضع ، الجماع .

    ذكر من قال ذلك :

    8958 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية [ ص: 148 ] بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، والدخول النكاح .

    وقال آخرون : " الدخول " في هذا الموضع : هو التجريد .

    ذكر من قال ذلك :

    8959 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قلت لعطاء : قوله : اللاتي دخلتم بهن ، ما " الدخول بهن " ؟ قال : أن تهدى إليه فيكشف ويعتس ، ويجلس بين رجليها . قلت : أرأيت إن فعل ذلك في بيت أهلها ؟ قال : هو سواء ، وحسبه ! قد حرم ذلك عليه ابنتها . قلت : تحرم الربيبة ممن يصنع هذا بأمها ؟ ألا يحرم علي من أمتي إن صنعته بأمها ؟ قال : نعم ، سواء . قال عطاء : إذا كشف الرجل أمته وجلس بين رجليها ، أنهاه عن أمها وابنتها .

    قال أبو جعفر : وأولى القولين عندي بالصواب في تأويل ذلك ، ما قاله ابن عباس ، من أن معنى : " الدخول " الجماع والنكاح . لأن ذلك لا يخلو معناه من أحد أمرين : إما أن يكون على الظاهر المتعارف من معاني " الدخول " في الناس ، وهو الوصول إليها بالخلوة بها ، أو يكون بمعنى الجماع . وفي إجماع الجميع على أن خلوة الرجل بامرأته لا يحرم عليه ابنتها إذا طلقها قبل مسيسها ومباشرتها ، أو قبل النظر إلى فرجها بالشهوة - ما يدل على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع .

    [ ص: 149 ] وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الصحيح من التأويل في ذلك ما قلناه .

    وأما قوله : فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ، فإنه يقول : فإن لم تكونوا ، أيها الناس ، دخلتم بأمهات ربائبكم اللاتي في حجوركم فجامعتموهن حتى طلقتموهن فلا جناح عليكم ، يقول : فلا حرج عليكم في نكاح من كان من ربائبكم كذلك .

    وأما قوله : وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم " فإنه يعني : وأزواج أبنائكم الذين من أصلابكم .



    وهي جمع " حليلة " وهي امرأته . وقيل : سميت امرأة الرجل " حليلته " لأنها تحل معه في فراش واحد .

    ولا خلاف بين جميع أهل العلم أن حليلة ابن الرجل - حرام عليه نكاحها بعقد ابنه عليها النكاح ، دخل بها أو لم يدخل بها .

    فإن قال قائل : فما أنت قائل في حلائل الأبناء من الرضاع ، فإن الله تعالى إنما حرم حلائل أبنائنا من أصلابنا ؟

    قيل : إن حلائل الأبناء من الرضاع ، وحلائل الأبناء من الأصلاب - سواء في التحريم . وإنما قال : وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ، لأن معناه : وحلائل أبنائكم الذين ولدتموهم ، دون حلائل أبنائكم الذين تبنيتموهم ، كما :

    8960 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : قوله : وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ، [ ص: 150 ] قال : كنا نحدث ، والله أعلم ، أنها نزلت في محمد - صلى الله عليه وسلم - . حين نكح امرأة زيد بن حارثة ، قال المشركون في ذلك ، فنزلت : وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ، ونزلت : ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ) [ سورة الأحزاب : 4 ] ، ونزلت : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) [ سورة الأحزاب : 40 ]

    وأما قوله : وأن تجمعوا بين الأختين فإن معناه : وحرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين عندكم بنكاح ف " أن " في موضع رفع ، كأنه قيل : والجمع بين الأختين .

    إلا ما قد سلف لكن ما قد مضى منكم إن الله كان غفورا لذنوب عباده إذا تابوا إليه منها " رحيما " بهم فيما كلفهم من الفرائض ، وخفف عنهم فلم يحملهم فوق طاقتهم .

    يخبر بذلك - جل ثناؤه - : أنه غفور لمن كان جمع بين الأختين بنكاح في جاهليته ، وقبل تحريمه ذلك ، إذا اتقى الله تبارك وتعالى بعد تحريمه ذلك عليه ، فأطاعه باجتنابه . رحيم به وبغيره من أهل طاعته من خلقه .
    [ ص: 151 ] القول في تأويل قوله ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : حرمت عليكم المحصنات من النساء ، إلا ما ملكت أيمانكم .

    واختلف أهل التأويل في " المحصنات " التي عناهن الله في هذه الآية .

    فقال بعضهم : هن ذوات الأزواج غير المسبيات منهن ، و " ملك اليمين " : السبايا اللواتي فرق بينهن وبين أزواجهن - السباء ، فحللن لمن صرن له بملك اليمين ، من غير طلاق كان من زوجها الحربي لها .

    ذكر من قال ذلك :

    8961 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كل ذات زوج ، إتيانها زنا ، إلا ما سبيت .

    8962 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن عطية قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مثله .

    [ ص: 152 ] 8963 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، يقول : كل امرأة لها زوج فهي عليك حرام ، إلا أمة ملكتها ولها زوج بأرض الحرب ، فهي لك حلال إذا استبرأتها .

    8964 - وحدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن خالد ، عن أبي قلابة في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : ما سبيتم من النساء . إذا سبيت المرأة ولها زوج في قومها ، فلا بأس أن تطأها .

    8965 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : كل امرأة محصنة لها زوج فهي محرمة ، إلا ما ملكت يمينك من السبي وهي محصنة لها زوج ، فلا تحرم عليك به . قال : كان أبي يقول ذلك .

    8966 - حدثني المثنى قال : حدثنا عتبة بن سعيد الحمصي قال : حدثنا سعيد ، عن مكحول في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم قال : السبايا .

    واعتل قائلو هذه المقالة ، بالأخبار التي رويت أن هذه الآية نزلت فيمن سبي من أوطاس .

    ذكر الرواية بذلك :

    8967 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن [ ص: 153 ] قتادة ، عن أبي الخليل ، عن أبي علقمة الهاشمي ، عن أبي سعيد الخدري : أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس ، فلقوا عدوا ، فأصابوا سبايا لهن أزواج من المشركين ، فكان المسلمون يتأثمون من غشيانهن ، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، أي : هن حلال لكم إذا ما انقضت عددهن .

    8968 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن صالح أبي الخليل : أن أبا علقمة الهاشمي حدث أن أبا سعيد الخدري حدث : أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بعث يوم حنين سرية ، فأصابوا حيا من أحياء العرب يوم أوطاس ، فهزموهم وأصابوا لهم سبايا ، فكان ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتأثمون من غشيانهن من أجل أزواجهن ، فأنزل الله تبارك وتعالى : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم منهن ، فحلال لكم ذلك .

    8969 - حدثني علي بن سعيد الكناني قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن أشعث بن سوار ، عن عثمان البتي ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد الخدري قال : لما سبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل أوطاس ، قلنا : يا رسول الله ، كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن ؟ قال : فنزلت هذه الآية : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم .

    8970 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن عثمان البتي ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد الخدري قال : أصبنا نساء من سبي أوطاس لهن أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج ، فسألنا النبي صلى الله [ ص: 154 ] عليه وسلم ، فنزلت : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، فاستحللنا فروجهن .

    [ ص: 155 ] 8971 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد قال : نزلت في يوم أوطاس . أصاب المسلمون سبايا لهن أزواج في الشرك ، فقال : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، يقول : إلا ما أفاء الله عليكم . قال : فاستحللنا بها فروجهن .

    وقال آخرون ممن قال : " المحصنات ذوات الأزواج في هذا الموضع " : بل هن كل ذات زوج من النساء ، حرام على غير أزواجهن ، إلا أن تكون مملوكة اشتراها مشتر من مولاها ، فتحل لمشتريها ، ويبطل بيع سيدها إياها النكاح بينها وبين زوجها .

    ذكر من قال ذلك :

    8972 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : كل ذات زوج عليك حرام ، إلا أن تشتريها ، أو ما ملكت يمينك .

    8973 - حدثني المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : أنه سئل عن الأمة تباع ولها زوج ؟ قال : كان عبد الله يقول : بيعها طلاقها ، ويتلو هذه الآية : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم . [ ص: 156 ] 8974 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : كل ذات زوج عليك حرام إلا ما اشتريت بمالك وكان يقول : بيع الأمة طلاقها .

    8975 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب قوله : والمحصنات من النساء ، قال : هن ذوات الأزواج ، حرم الله نكاحهن ، إلا ما ملكت يمينك ، فبيعها طلاقها قال معمر : وقال الحسن مثل ذلك .

    8976 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : عن الحسن في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : إذا كان لها زوج ، فبيعها طلاقها .

    8977 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أن أبي بن كعب ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك قالوا : بيعها طلاقها .

    8978 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أن أبي بن كعب وجابرا وابن عباس قالوا : بيعها طلاقها .

    8979 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عمر بن عبيد ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : قال عبد الله : بيع الأمة طلاقها .

    8980 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ومغيرة والأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : بيع الأمة طلاقها .

    8981 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سعيد ، عن [ ص: 157 ] حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله مثله .

    8982 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله مثله .

    8983 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : طلاق الأمة ست : بيعها طلاقها ، وعتقها طلاقها ، وهبتها طلاقها ، وبراءتها طلاقها ، وطلاق زوجها طلاقها .

    8984 - حدثني أحمد بن المغيرة الحمصي قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن عيسى بن أبي إسحاق ، عن أشعث ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب أنه قال : بيع الأمة طلاقها .

    8985 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن عوف ، عن الحسن قال : بيع الأمة طلاقها ، وبيعه طلاقها .

    8986 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا خالد ، عن أبي قلابة قال : قال عبد الله : مشتريها أحق ببضعها يعني الأمة تباع ولها زوج .

    [ ص: 158 ] 8987 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن الحسن قال : طلاق الأمة بيعها .

    8988 - حدثنا حميد قال : حدثنا سفيان بن حبيب قال : حدثنا يونس ، عن الحسن : أن أبيا قال : بيعها طلاقها .

    8989 - حدثنا أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن ابن مسعود قال : إذا بيعت الأمة ولها زوج ، فسيدها أحق ببضعها .

    8990 - حدثنا حميد قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثني سعيد ، عن قتادة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم قال : بيعها طلاقها . قال : فقيل لإبراهيم : فبيعه ؟ قال : ذلك ما لا نقول فيه شيئا .

    وقال آخرون : بل معنى " المحصنات " في هذا الموضع : العفائف . قالوا : وتأويل الآية : والعفائف من النساء حرام أيضا عليكم ، إلا ما ملكت أيمانكم منهن بنكاح وصداق وسنة وشهود ، من واحدة إلى أربع .

    [ ص: 159 ] ذكر من قال ذلك :

    8991 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن أبي العالية قال : يقول : " انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " ثم حرم ما حرم من النسب والصهر ، ثم قال : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : فرجع إلى أول السورة ، إلى أربع ، فقال : هن حرام أيضا إلا بصداق وسنة وشهود .

    8992 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : أحل الله لك أربعا في أول السورة ، وحرم نكاح كل محصنة بعد الأربع إلا ما ملكت يمينك قال معمر ، وأخبرني ابن طاوس ، عن أبيه : إلا ما ملكت يمينك ، قال : فزوجك مما ملكت يمينك ، يقول : حرم الله الزنا ، لا يحل لك أن تطأ امرأة إلا ما ملكت يمينك .

    8993 - حدثني علي بن سعيد بن مسروق الكندي قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن قول الله تعالى : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم ، قال : أربع .

    8994 - حدثني علي بن سعيد قال : حدثنا عبد الرحيم ، عن أشعث بن سوار ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، عن عمر بن الخطاب مثله .

    8995 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : الأربع ، فما بعدهن حرام . [ ص: 160 ] 8996 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : سألت عطاء عنها فقال : حرم الله ذوات القرابة . ثم قال : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، يقول : حرم ما فوق الأربع منهن .

    8997 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : والمحصنات من النساء ، قال : الخامسة حرام كحرمة الأمهات والأخوات .

    ذكر من قال : " عنى بالمحصنات في هذا الموضع - العفائف من المسلمين وأهل الكتاب .

    8998 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : " والمحصنات " قال : العفيفة العاقلة ، من مسلمة أو من أهل الكتاب .

    8999 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس ، عن بعض أصحابه ، عن مجاهد : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : العفائف .

    وقال آخرون : " المحصنات " في هذا الموضع ، ذوات الأزواج ، غير أن الذي حرم الله منهن في هذه الآية ، الزنا بهن ، وأباحهن بقوله : إلا ما ملكت أيمانكم بالنكاح أو الملك .

    ذكر من قال ذلك :

    9000 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : " والمحصنات " قال : نهى عن الزنا . [ ص: 161 ] 9001 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : والمحصنات من النساء قال : نهى عن الزنا ، أن تنكح المرأة زوجين .

    9002 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : كل ذات زوج عليكم حرام ، إلا الأربع اللاتي ينكحن بالبينة والمهر .

    9003 - حدثنا أحمد بن عثمان قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا أبي قال : سمعت النعمان بن راشد يحدث ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب : أنه سئل عن المحصنات من النساء ، قال : هن ذوات الأزواج .

    9004 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [ ص: 162 ] قال : ذوات الأزواج من المسلمين والمشركين . وقال علي : ذوات الأزواج من المشركين .

    9005 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، عن ابن عباس في قوله : والمحصنات من النساء ، قال : كل ذات زوج عليكم حرام .

    9006 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن عبد الكريم ، عن مكحول نحوه .

    9007 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن الصلت بن بهرام ، عن إبراهيم نحوه .

    9008 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم إلى وأحل لكم ما وراء ذلكم ، يعني : ذوات الأزواج من النساء لا يحل نكاحهن . يقول : لا تخبب ولا تعد ، فتنشز على زوجها . وكل امرأة لا تنكح إلا ببينة ومهر فهي من المحصنات التي حرم الله إلا ما ملكت أيمانكم ، يعني التي أحل الله من النساء ، وهو ما أحل من حرائر النساء مثنى وثلاث ورباع .

    [ ص: 163 ] وقال آخرون : بل هن نساء أهل الكتاب .

    ذكر من قال ذلك :

    9009 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عيسى بن عبيد ، عن أيوب بن أبي العوجاء ، عن أبي مجلز في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : نساء أهل الكتاب .

    وقال آخرون : بل هن الحرائر .

    ذكر من قال ذلك :

    9010 - حدثنا ابن بشار قال : حدثني حماد بن مسعدة قال : حدثنا سليمان ، عن عزرة في قوله : والمحصنات من النساء ، قال : الحرائر .

    [ ص: 164 ] وقال آخرون : " المحصنات " هن العفائف وذوات الأزواج ، وحرام كل من الصنفين إلا بنكاح أو ملك يمين .

    ذكر من قال ذلك :

    9011 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، وسئل عن قول الله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم الآية ، قال : نرى أنه حرم في هذه الآية المحصنات من النساء ذوات الأزواج أن ينكحن مع أزواجهن ، والمحصنات العفائف . ولا يحللن إلا بنكاح أو ملك يمين . والإحصان إحصانان : إحصان تزويج ، وإحصان عفاف ، في الحرائر والمملوكات . كل ذلك حرم الله ، إلا بنكاح أو ملك يمين .

    وقال آخرون : نزلت هذه الآية في نساء كن يهاجرن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولهن أزواج ، فيتزوجهن بعض المسلمين ، ثم يقدم أزواجهن مهاجرين ، فنهي المسلمون عن نكاحهن .

    ذكر من قال ذلك :

    9012 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : حدثني حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي سعيد الخدري قال : كان النساء يأتيننا ثم يهاجر أزواجهن ، فمنعناهن . يعني بقوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم " .

    [ ص: 165 ] وقد ذكر ابن عباس وجماعة غيره أنه كان ملتبسا عليهم تأويل ذلك .

    9013 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : قال رجل لسعيد بن جبير : أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، فلم يقل فيها شيئا ؟ قال فقال : كان لا يعلمها .

    9014 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى ، عن مجاهد قال : لو أعلم من يفسر لي هذه الآية ، لضربت إليه أكباد الإبل ، قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم إلى قوله : فما استمتعتم به منهن ، إلى آخر الآية .

    قال أبو جعفر : فأما " المحصنات " فإنهن جمع " محصنة " وهي التي قد منع فرجها بزوج . يقال منه : " أحصن الرجل امرأته فهو يحصنها إحصانا " " وحصنت هي فهي تحصن حصانة " إذا عفت " وهي حاصن من النساء " عفيفة ، كما قال العجاج :


    وحاصن من حاصنات ملس عن الأذى وعن قراف الوقس
    [ ص: 166 ] ويقال أيضا ، إذا هي عفت وحفظت فرجها من الفجور : " قد أحصنت فرجها فهي محصنة " كما قال - جل ثناؤه - : ( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها ) [ سورة التحريم : 12 ] ، بمعنى : حفظته من الريبة ، ومنعته من الفجور . وإنما قيل لحصون المدائن والقرى : " حصون " لمنعها من أرادها وأهلها ، وحفظها ما وراءها ممن بغاها من أعدائها . ولذلك قيل للدرع : " درع حصينة " .

    فإذا كان أصل " الإحصان " ما ذكرنا من المنع والحفظ ، فبين أن معنى قوله : والمحصنات من النساء ، والممنوعات من النساء حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم .

    وإذ كان ذلك معناه ، وكان الإحصان قد يكون بالحرية ، كما قال - جل ثناؤه - : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) [ سورة المائدة : 5 ] ويكون بالإسلام ، كما قال تعالى ذكره : ( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) [ سورة النساء : 25 ] ويكون بالعفة ، كما قال - جل ثناؤه - : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) [ سورة النور : 4 ] ويكون بالزوج ولم يكن تبارك وتعالى خص محصنة دون محصنة في قوله : والمحصنات من النساء فواجب أن تكون كل محصنة بأي معاني الإحصان كان إحصانها ، حراما علينا سفاحا أو نكاحا إلا ما ملكته أيماننا منهن بشراء ، كما أباحه لنا كتاب الله - جل ثناؤه - أو نكاح على ما أطلقه لنا تنزيل الله .

    [ ص: 167 ] فالذي أباحه الله تبارك وتعالى لنا نكاحا من الحرائر : الأربع ، سوى اللواتي حرمن علينا بالنسب والصهر . ومن الإماء : ما سبينا من العدو ، سوى اللواتي وافق معناهن معنى ما حرم علينا من الحرائر بالنسب والصهر ، فإنهن والحرائر فيما يحل ويحرم بذلك المعنى - متفقات المعاني وسوى اللواتي سبيناهن من أهل الكتابين ولهن أزواج ، فإن السباء يحلهن لمن سباهن بعد الاستبراء ، وبعد إخراج حق الله تبارك وتعالى الذي جعله لأهل الخمس منهن . فأما السفاح ، فإن الله تبارك وتعالى حرمه من جميعهن ، فلم يحله من حرة ولا أمة ، ولا مسلمة ، ولا كافرة مشركة .

    وأما الأمة التي لها زوج ، فإنها لا تحل لمالكها إلا بعد طلاق زوجها إياها ، أو وفاته وانقضاء عدتها منه . فأما بيع سيدها إياها ، فغير موجب بينها وبين زوجها فراقا ولا تحليلا لمشتريها ، لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه خير بريرة إذ أعتقتها عائشة ، بين المقام مع زوجها الذي كان سادتها زوجوها منه في حال رقها ، وبين فراقه ، ولم يجعل - صلى الله عليه وسلم - عتق عائشة إياها لها طلاقا . ولو كان عتقها وزوال ملك عائشة إياها لها طلاقا ، لم يكن لتخيير النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها بين المقام مع زوجها والفراق - معنى ، ولوجب بالعتق الفراق ، وبزوال ملك عائشة عنها الطلاق . فلما خيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الذي ذكرنا وبين المقام مع زوجها والفراق ، كان معلوما أنه لم يخير بين ذلك إلا والنكاح عقده ثابت كما كان قبل زوال ملك عائشة عنها . فكان نظيرا للعتق الذي هو زوال ملك مالك المملوكة ذات الزوج عنها - البيع ، الذي هو زوال ملك مالكها عنها ، إذ كان أحدهما زوالا ببيع ، والآخر بعتق في أن الفرقة لا تجب بينها وبين زوجها بهما ولا بواحد منهما ، ولا يجب بهما ولا بواحد منهما [ ص: 168 ] - طلاق ، وإن اختلفا في معان أخر : من أن لها في العتق الخيار في المقام مع زوجها والفراق ، لعلة مفارقة معنى البيع ، وليس ذلك لها في البيع .

    قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وكيف يكون معنيا بالاستثناء من قوله : والمحصنات من النساء ، ما وراء الأربع ، من الخمس إلى ما فوقهن بالنكاح ، والمنكوحات به غير مملوكات ؟

    قيل له : إن الله تعالى لم يخص بقوله : إلا ما ملكت أيمانكم - المملوكات الرقاب ، دون المملوك عليها بعقد النكاح أمرها ، بل عم بقوله : إلا ما ملكت أيمانكم - كلا المعنيين أعني ملك الرقبة ، وملك الاستمتاع بالنكاح لأن جميع ذلك ملكته أيماننا . أما هذه فملك استمتاع ، وأما هذه فملك استخدام واستمتاع وتصريف فيما أبيح لمالكها منها . ومن ادعى أن الله تبارك وتعالى عنى بقوله : والمحصنات من النساء محصنة وغير محصنة سوى من ذكرنا أولا ، بالاستثناء بقوله : إلا ما ملكت أيمانكم ، بعض أملاك أيماننا دون بعض غير الذي دللنا على أنه غير معني به - سئل البرهان على دعواه من أصل أو نظير . فلن يقول في ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله .

    [ ص: 169 ] فإن اعتل معتل منهم بحديث أبي سعيد الخدري أن هذه الآية نزلت في سبايا أوطاس

    قيل له : إن سبايا أوطاس لم يوطأن بالملك والسباء دون الإسلام . وذلك أنهن كن مشركات من عبدة الأوثان ، وقد قامت الحجة بأن نساء عبدة الأوثان لا يحللن بالملك دون الإسلام ، وأنهن إذا أسلمن فرق الإسلام بينهن وبين الأزواج ، سبايا كن أو مهاجرات . غير أنهن إذا كن سبايا ، حللن إذا هن أسلمن بالاستبراء . فلا حجة لمحتج في أن المحصنات اللاتي عناهن بقوله : والمحصنات من النساء - ذوات الأزواج من السبايا دون غيرهن ، بخبر أبي سعيد الخدري أن ذلك نزل في سبايا أوطاس . لأنه وإن كان فيهن نزل ، فلم ينزل في إباحة وطئهن بالسباء خاصة ، دون غيره من المعاني التي ذكرنا . مع أن الآية تنزل في معنى ، فتعم ما نزلت به فيه وغيره ، فيلزم حكمها جميع ما عمته ، لما قد بينا من القول في العموم والخصوص في كتابنا " كتاب البيان عن أصول الأحكام " .



  7. #467
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (467)
    صــ 170 إلى صــ 185



    القول في تأويل قوله ( كتاب الله عليكم )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : كتابا من الله عليكم ، فأخرج " الكتاب " مصدرا من غير لفظه . وإنما جاز ذلك لأن قوله تعالى : حرمت عليكم أمهاتكم ، إلى قوله : كتاب الله عليكم ، بمعنى : كتب الله تحريم ما حرم من ذلك وتحليل ما حلل من ذلك عليكم ، كتابا .

    [ ص: 170 ] وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    9015 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : كتاب الله عليكم ، قال : ما حرم عليكم .

    9016 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : سألت عطاء عنها فقال : كتاب الله عليكم ، قال : هو الذي كتب عليكم الأربع ، أن لا تزيدوا .

    9017 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد بن سيرين قال : قلت لعبيدة : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم ، وأشار ابن عون بأصابعه الأربع .

    9018 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا هشام ، عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن قوله : كتاب الله عليكم ، قال : أربع .

    9019 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : كتاب الله عليكم ، الأربع .

    9020 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : كتاب الله عليكم ، قال : هذا أمر الله عليكم . قال : يريد ما حرم عليهم من هؤلاء وما أحل لهم . وقرأ : وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم ، إلى آخر الآية . قال : كتاب الله عليكم ، الذي كتبه ، وأمره الذي أمركم به . كتاب الله عليكم ، أمر الله .

    وقد كان بعض أهل العربية يزعم أن قوله : كتاب الله عليكم ، منصوب على وجه الإغراء ، بمعنى : عليكم كتاب الله ، الزموا كتاب الله .

    [ ص: 171 ] والذي قال من ذلك غير مستفيض في كلام العرب . وذلك أنها لا تكاد تنصب بالحرف الذي تغري به ، إذا أخرت الإغراء ، وقدمت المغرى به . لا تكاد تقول : " أخاك عليك ، وأباك دونك " وإن كان جائزا .

    والذي هو أولى بكتاب الله : أن يكون محمولا على المعروف من لسان من نزل بلسانه هذا ، مع ما ذكرنا من تأويل أهل التأويل ذلك بمعنى ما قلنا ، وخلاف ما وجهه إليه من زعم أنه نصب على وجه الإغراء .
    القول في تأويل قوله ( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

    فقال بعضهم : معنى ذلك : وأحل لكم ما دون الخمس ، أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح .

    ذكر من قال ذلك :

    9021 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وأحل لكم ما وراء ذلكم ، ما دون الأربع " أن تبتغوا أموالكم " .

    9022 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن هشام ، [ ص: 172 ] عن ابن سيرين ، عن عبيدة السلماني : وأحل لكم ما وراء ذلكم ، يعني : ما دون الأربع .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأحل لكم ما وراء ذلكم : من سمى لكم تحريمه من أقاربكم .

    ذكر من قال ذلك :

    9023 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : سألت عطاء عنها فقال : وأحل لكم ما وراء ذلكم ، قال : ما وراء ذات القرابة أن تبتغوا بأموالكم ، الآية .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأحل لكم ما وراء ذلكم : عدد ما أحل لكم من المحصنات من النساء الحرائر ومن الإماء .

    ذكر من قال ذلك :

    9024 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم ، قال : ما ملكت أيمانكم .

    قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، ما نحن مبينوه . وهو أن الله - جل ثناؤه - بين لعباده المحرمات بالنسب والصهر ، ثم المحرمات من المحصنات من النساء ، ثم أخبرهم - جل ثناؤه - أنه قد أحل لهم ما عدا هؤلاء المحرمات المبينات في هاتين الآيتين ، أن نبتغيه بأموالنا نكاحا وملك يمين ، لا سفاحا .

    فإن قال قائل : عرفنا المحللات اللواتي هن وراء المحرمات بالأنساب والأصهار ، فما المحللات من المحصنات والمحرمات منهن ؟

    قيل : هو ما دون الخمس من واحدة إلى أربع - على ما ذكرنا عن عبيدة [ ص: 173 ] والسدي - من الحرائر . فأما ما عدا ذوات الأزواج ، فغير عدد محصور بملك اليمين . وإنما قلنا إن ذلك كذلك ، لأن قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم - عام في كل محلل لنا من النساء أن نبتغيها بأموالنا . فليس توجيه معنى ذلك إلى بعض منهن بأولى من بعض ، إلا أن تقوم بأن ذلك كذلك حجة يجب التسليم لها . ولا حجة بأن ذلك كذلك .

    واختلف القرأة في قراءة قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم .

    فقرأ ذلك بعضهم : " وأحل لكم " بفتح " الألف " من " أحل " بمعنى : كتب الله عليكم ، وأحل لكم ما وراء ذلكم .

    وقرأه آخرون : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) ، اعتبارا بقوله : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) ، " وأحل لكم ما وراء ذلكم " .

    قال أبو جعفر : والذي نقول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة الإسلام ، غير مختلفتي المعنى ، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب الحق .

    وأما معنى قوله : ما وراء ذلكم ، فإنه يعني : ما عدا هؤلاء اللواتي حرمتهن عليكم أن تبتغوا بأموالكم يقول : أن تطلبوا وتلتمسوا بأموالكم ، إما شراء بها ، وإما نكاحا بصداق معلوم ، كما قال - جل ثناؤه - : ( ويكفرون بما وراءه ) [ سورة البقرة : 91 ] ، يعني : بما عداه وبما سواه .

    [ ص: 174 ] وأما موضع : " أن " من قوله : أن تبتغوا بأموالكم فرفع ، ترجمة عن " ما " التي في قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم في قراءة من قرأ " وأحل " بضم " الألف " . ونصب على ذلك في قراءة من قرأ ذلك : " وأحل " بفتح " الألف " .

    وقد يحتمل النصب في ذلك في القراءتين ، على معنى : وأحل لكم ما وراء ذلكم لأن تبتغوا . فلما حذفت " اللام " الخافضة ، اتصلت بالفعل قبلها فنصبت . وقد يحتمل أن تكون في موضع خفض ، بهذا المعنى ، إذ كانت " اللام " في هذا الموضع معلوما أن بالكلام إليها الحاجة .
    القول في تأويل قوله ( محصنين غير مسافحين )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " محصنين " أعفاء بابتغائكم ما وراء ما حرم عليكم من النساء بأموالكم غير مسافحين ، يقول : غير مزانين ، كما :

    9025 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " محصنين " قال : متناكحين غير مسافحين ، قال : زانين بكل زانية .

    9026 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : " محصنين " متناكحين غير مسافحين ، السفاح الزنا . [ ص: 175 ] 9027 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : محصنين غير مسافحين ، يقول : محصنين غير زناة .
    القول في تأويل قوله ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " فما استمتعتم به منهن " . فقال بعضهم : معناه : فما نكحتم منهن فجامعتموهن - يعني : من النساء - فآتوهن أجورهن فريضة - يعني : صدقاتهن - فريضة معلومة .

    ذكر من قال ذلك :

    9028 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ، يقول : إذا تزوج الرجل منكم المرأة ، ثم نكحها مرة واحدة ، فقد وجب صداقها كله و " الاستمتاع " هو النكاح ، وهو قوله : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ) [ سورة النساء : 4 ] .

    9029 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : فما استمتعتم به منهن ، قال : هو النكاح .

    9030 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فما استمتعتم به منهن النكاح .

    [ ص: 176 ] 9031 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : فما استمتعتم به منهن ، قال : النكاح أراد .

    9032 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة الآية ، قال : هذا النكاح ، وما في القرآن إلا نكاح . إذا أخذتها واستمتعت بها ، فأعطها أجرها الصداق . فإن وضعت لك منه شيئا ، فهو لك سائغ . فرض الله عليها العدة ، وفرض لها الميراث . قال : والاستمتاع هو النكاح هاهنا ، إذا دخل بها .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : فما تمتعتم به منهن بأجر تمتع اللذة ، لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون بولي وشهود ومهر .

    ذكر من قال ذلك :

    9033 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة " فهذه المتعة : الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى ، ويشهد شاهدين ، وينكح بإذن وليها ، وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل ، وهي منه برية ، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها ، وليس بينهما ميراث ، ليس يرث واحد منهما صاحبه .

    9034 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فما استمتعتم به منهن ، قال : يعني نكاح المتعة .

    9035 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن عيسى قال : حدثنا نصير بن أبي الأشعث قال : حدثني ابن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبيه قال : [ ص: 177 ] أعطاني ابن عباس مصحفا فقال : هذا على قراءة أبي قال أبو كريب قال يحيى : فرأيت المصحف عند نصير ، فيه : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " .

    9036 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا داود ، عن أبي نضرة قال : سألت ابن عباس عن متعة النساء . قال : أما تقرأ " سورة النساء " ؟ قال قلت : بلى ! قال : فما تقرأ فيها : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " ؟ قلت : لا ! لو قرأتها هكذا ما سألتك ! قال : فإنها كذا .

    9037 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثني عبد الأعلى قال : حدثني داود ، عن أبي نضرة قال : سألت ابن عباس عن المتعة ، فذكر نحوه .

    9038 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي سلمة ، عن أبي نضرة قال : قرأت هذه الآية على ابن عباس : فما استمتعتم به منهن . قال ابن عباس : " إلى أجل مسمى " . قال : قلت : ما أقرؤها كذلك ! قال : والله لأنزلها الله كذلك ! ثلاث مرات .

    9039 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمير : أن ابن عباس قرأ : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " .

    [ ص: 178 ] 9040 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة وحدثنا خلاد بن أسلم قال : أخبرنا النضر قال : أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق ، عن ابن عباس بنحوه .

    9041 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : في قراءة أبي بن كعب : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " .

    9042 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم قال : سألته عن هذه الآية : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم إلى هذا الموضع : فما استمتعتم به منهن ، أمنسوخة هي ؟ قال : لا ، قال الحكم : وقال علي رضي الله عنه : لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي .

    9043 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عيسى بن عمر القارئ الأسدي ، عن عمرو بن مرة : أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن " .

    قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك بالصواب ، تأويل من تأوله : فما نكحتموه منهن فجامعتموه ، فآتوهن أجورهن لقيام الحجة بتحريم الله متعة النساء على غير وجه النكاح الصحيح أو الملك الصحيح على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

    9044 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : حدثني الربيع بن سبرة الجهني ، عن أبيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : استمتعوا من هذه النساء والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج .

    [ ص: 179 ] وقد دللنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام ، في غير هذا الموضع من كتبنا ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

    وأما ما روي عن أبي بن كعب وابن عباس من قراءتهما : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين . وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا لم يأت به الخبر القاطع العذر عمن لا يجوز خلافه .
    [ ص: 180 ] القول في تأويل قوله ( ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما ( 24 ) )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

    فقال بعضهم : معنى ذلك لا حرج عليكم ، أيها الأزواج ، إن أدركتكم عسرة بعد أن فرضتم لنسائكم أجورهن فريضة ، فيما تراضيتم به من حط وبراءة ، بعد الفرض الذي سلف منكم لهن ما كنتم فرضتم .

    ذكر من قال ذلك :

    9045 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : زعم حضرمي : أن رجالا كانوا يفرضون المهر ، ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة ، فقال الله : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة .

    وقال آخرون : معنى ذلك : ولا جناح عليكم ، أيها الناس ، فيما تراضيتم أنتم والنساء اللواتي استمتعتم بهن إلى أجل مسمى ، إذا انقضى الأجل الذي أجلتموه بينكم وبينهن في الفراق ، أن يزدنكم في الأجل ، وتزيدوا من الأجر والفريضة ، قبل أن يستبرئن أرحامهن .

    ذكر من قال ذلك :

    9046 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى - يعني الأجرة التي أعطاها على تمتعه بها - قبل [ ص: 181 ] انقضاء الأجل بينهما ، فقال : " أتمتع منك أيضا بكذا وكذا " فازداد قبل أن يستبرئ رحمها ، ثم تنقضي المدة . وهو قوله : فيما تراضيتم به من بعد الفريضة "

    وقال آخرون : معنى ذلك : ولا جناح عليكم ، أيها الناس ، فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم بعد أن تؤتوهن أجورهن على استمتاعكم بهن من مقام وفراق .

    ذكر من قال ذلك :

    9047 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، والتراضي : أن يوفيها صداقها ثم يخيرها .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا جناح عليكم فيما وضعت عنكم نساؤكم من صدقاتهن من بعد الفريضة .

    ذكر من قال ذلك :

    9048 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، قال : إن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ .

    قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب - قول من قال : معنى ذلك : ولا حرج عليكم ، أيها الناس ، فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم من بعد إعطائهن أجورهن على النكاح الذي جرى بينكم وبينهن ، من حط ما وجب لهن عليكم ، أو إبراء ، أو تأخير ووضع . وذلك نظير قوله - جل ثناؤه - : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) [ سورة النساء : 4 ] .

    فأما الذي قاله السدي : فقول لا معنى له ، لفساد القول بإحلال جماع [ ص: 182 ] امرأة بغير نكاح ولا ملك يمين .

    وأما قوله : " إن الله كان عليما حكيما " فإنه يعني : إن الله كان ذا علم بما يصلحكم ، أيها الناس ، في مناكحكم وغيرها من أموركم وأمور سائر خلقه ، " حكيما " فيما يدبر لكم ولهم من التدبير ، وفيما يأمركم وينهاكم ، لا يدخل حكمته خلل ولا زلل .
    القول في تأويل قوله ( ومن لم يستطع منكم طولا )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى : " الطول " الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية .

    فقال بعضهم : هو الفضل والمال والسعة .

    ذكر من قال ذلك :

    9049 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، قال : الغنى .

    9050 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    9051 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، يقول : من لم يكن له سعة .

    9052 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، يقول : من لم يستطع منكم سعة .


    9053 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : [ ص: 183 ] حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، قال : الطول الغنى .

    9054 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، قال : الطول السعة .

    9055 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ومن لم يستطع منكم طولا ، أما قوله : " طولا " فسعة من المال .

    9056 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، الآية ، قال : " طولا " لا يجد ما ينكح به حرة .

    وقال آخرون : معنى " الطول " في هذا الموضع : الهوى .

    ذكر من قال ذلك :

    9057 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني عبد الجبار بن عمر ، عن ربيعة : أنه قال في قوله الله : ومن لم يستطع منكم طولا قال : الطول الهوى . قال : ينكح الأمة إذا كان هواه فيها .

    9058 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : كان ربيعة يلين فيه بعض التليين ، كان يقول : إذا خشي على نفسه إذا أحبها - أي الأمة - وإن كان يقدر على نكاح غيرها ، فإني أرى أن ينكحها .

    [ ص: 184 ] 9059 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر : أنه سئل عن الحر يتزوج الأمة ، فقال : إن كان ذا طول فلا . قيل : إن وقع حب الأمة في نفسه ؟ قال : إن خشي العنت فليتزوجها .

    9060 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن عبيدة ، عن الشعبي قال : لا يتزوج الحر الأمة ، إلا أن لا يجد وكان إبراهيم يقول : لا بأس به .

    9061 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا ابن جريج قال : سمعت عطاء يقول : لا نكره أن ينكح ذو اليسار اليوم الأمة ، إذا خشي أن يشقى بها .

    قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب - قول من قال : معنى " الطول " في هذا الموضع ، السعة والغنى من المال ، لإجماع الجميع على أن الله تبارك وتعالى لم يحرم شيئا من الأشياء - سوى نكاح الإماء لواجد الطول إلى الحرة - فأحل ما حرم من ذلك عند غلبة المحرم عليه له ، لقضاء لذة . فإذ كان ذلك إجماعا من الجميع فيما عدا نكاح الإماء لواجد الطول ، فمثله في التحريم نكاح الإماء لواجد الطول لا يحل له من أجل غلبة هوى عنده فيها ، لأن ذلك - مع وجوده [ ص: 185 ] الطول إلى الحرة - منه قضاء لذة وشهوة ، وليس بموضع ضرورة ترفع برخصة ، كالميتة للمضطر الذي يخاف هلاك نفسه ، فيترخص في أكلها ليحيي بها نفسه ، وما أشبه ذلك من المحرمات اللواتي رخص الله لعباده في حال الضرورة والخوف على أنفسهم الهلاك منه - ما حرم عليهم منها في غيرها من الأحوال . ولم يرخص الله تبارك وتعالى لعبد في حرام لقضاء لذة . وفي إجماع الجميع على أن رجلا لو غلبه هوى امرأة حرة أو أمة ، أنها لا تحل له إلا بنكاح أو شراء على ما أذن الله به - ما يوضح فساد قول من قال : " معنى الطول في هذا الموضع : الهوى " وأجاز لواجد الطول لحرة نكاح الإماء .

    فتأويل الآية إذ كان الأمر على ما وصفنا : ومن لم يجد منكم سعة من مال لنكاح الحرائر ، فلينكح مما ملكت أيمانكم .

    وأصل " الطول " الإفضال : يقال منه : " طال عليه يطول طولا " في الإفضال و " طال يطول طولا " في الطول الذي هو خلاف القصر .



  8. #468
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (468)
    صــ 186 إلى صــ 200



    القول في تأويل قوله ( أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك : ومن لم يستطع منكم ، أيها الناس ، طولا يعني من الأحرار " أن ينكح المحصنات " وهن الحرائر " المؤمنات " اللواتي قد [ ص: 186 ] صدقن بتوحيد الله وبما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحق .

    وبنحو ما قلنا في " المحصنات " قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    9062 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : أن ينكح المحصنات ، يقول : أن ينكح الحرائر ، فلينكح من إماء المؤمنين .

    9063 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم قال : " المحصنات " الحرائر ، فلينكح الأمة المؤمنة .

    9064 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    9065 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما " فتياتكم " فإماؤكم .

    9066 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : أخبرنا هشيم قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير : أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، قال : أما من لم يجد ما ينكح الحرة ، تزوج الأمة .

    9067 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، قال : لا يجد ما ينكح به حرة ، فينكح هذه الأمة ، فيتعفف بها ، ويكفيه أهلها [ ص: 187 ] مئونتها . ولم يحل الله ذلك لأحد ، إلا أن لا يجد ما ينكح به حرة فينفق عليها ، ولم يحل له حتى يخشى العنت .

    9068 - حدثنا المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا سفيان ، عن هشام الدستوائي ، عن عامر الأحول ، عن الحسن : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تنكح الأمة على الحرة ، وتنكح الحرة على الأمة ، ومن وجد طولا لحرة فلا ينكح أمة .

    قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته جماعة من قرأة الكوفيين والمكيين : " أن ينكح المحصنات " بكسر " الصاد " مع سائر ما في القرآن من نظائر ذلك ، سوى قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [ سورة النساء : 24 ] ، فإنهم فتحوا " الصاد " منها ، ووجهوا تأويله إلى أنهن محصنات بأزواجهن ، وأن أزواجهن هم أحصنوهن . وأما سائر ما في القرآن ، فإنهم تأولوا في كسرهم " الصاد " منه ، إلى أن النساء هن أحصن أنفسهن بالعفة .

    وقرأت عامة قرأة المدينة والعراق ذلك كله بالفتح ، بمعنى أن بعضهن أحصنهن أزواجهن ، وبعضهن أحصنهن حريتهن أو إسلامهن .

    وقرأ بعض المتقدمين كل ذلك بالكسر ، بمعنى أنهن عففن وأحصن أنفسهن . وذكرت هذه القراءة - أعني بكسر الجميع - عن علقمة ، على الاختلاف في الرواية عنه .

    [ ص: 188 ] قال أبو جعفر : والصواب عندنا من القول في ذلك - أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، مع اتفاق ذلك في المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب ، إلا في الحرف الأول [ من سورة النساء : 24 ] وهو قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، فإني لا أستجيز الكسر في صاده ، لاتفاق قراءة الأمصار على فتحها . ولو كانت القراءة بكسرها مستفيضة استفاضتها بفتحها ، كان صوابا القراءة بها كذلك ، لما ذكرنا من تصرف " الإحصان " في المعاني التي بيناها ، فيكون معنى ذلك لو كسر : والعفائف من النساء حرام عليكم ، إلا ما ملكت أيمانكم ، بمعنى أنهن أحصن أنفسهن بالعفة .

    وأما " الفتيات " فإنهن جمع " فتاة " وهن الشواب من النساء . ثم يقال لكل مملوكة ذات سن أو شابة : " فتاة " والعبد : " فتى " .

    ثم اختلف أهل العلم في نكاح الفتيات غير المؤمنات ، وهل عنى الله بقوله : من فتياتكم المؤمنات - تحريم ما عدا المؤمنات منهن ، أم ذلك من الله تأديب للمؤمنين ؟

    فقال بعضهم : ذلك من الله تعالى ذكره دلالة على تحريم نكاح إماء المشركين .

    ذكر من قال ذلك :

    9069 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : أخبرنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : من فتياتكم المؤمنات ، قال : لا ينبغي أن يتزوج مملوكة نصرانية .

    9070 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : من فتياتكم المؤمنات ، قال : لا ينبغي للحر المسلم أن ينكح المملوكة من أهل الكتاب .

    [ ص: 189 ] 9071 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت أبا عمرو ، وسعيد بن عبد العزيز ، ومالك بن أنس ، وأبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم ، يقولون : لا يحل لحر مسلم ولا لعبد مسلم - الأمة النصرانية ؛ لأن الله يقول : من فتياتكم المؤمنات ، يعني : بالنكاح .

    وقال آخرون : ذلك من الله على الإرشاد والندب ، لا على التحريم . وممن قال ذلك :

    جماعة من أهل العراق .

    ذكر من قال ذلك :

    9072 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مغيرة قال : قال أبو ميسرة : أما أهل الكتاب بمنزلة الحرائر .

    ومنهم أبو حنيفة وأصحابه ، واعتلوا لقولهم بقول الله : ( أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن ) [ سورة المائدة : 5 ] . [ ص: 190 ] قالوا : فقد أحل الله محصنات أهل الكتاب عاما ، فليس لأحد أن يخص منهن أمة ولا حرة . قالوا : ومعنى قوله : فتياتكم المؤمنات - غير المشركات من عبدة الأوثان .

    قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب - قول من قال : هو دلالة على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب ، فإنهن لا يحللن إلا بملك اليمين . وذلك أن الله - جل ثناؤه - أحل نكاح الإماء بشروط ، فما لم تجتمع الشروط التي سماهن فيهن ، فغير جائز لمسلم نكاحهن .

    فإن قال قائل : فإن الآية التي في " المائدة " تدل على إباحتهن بالنكاح ؟

    قيل : إن التي في " المائدة " قد أبان أن حكمها في خاص من محصناتهم ، وأنها معني بها حرائرهم دون إمائهم ، قوله : من فتياتكم المؤمنات . وليست إحدى الآيتين دافعا حكمها حكم الأخرى ، بل إحداهما مبينة حكم الأخرى ، وإنما تكون إحداهما دافعة حكم الأخرى ، لو لم يكن جائزا اجتماع حكميهما على صحة . فغير جائز أن يحكم لإحداهما بأنها دافعة حكم الأخرى ، إلا بحجة التسليم لها من خبر أو قياس . ولا خبر بذلك ولا قياس . والآية محتملة ما قلنا : والمحصنات من حرائر الذين أوتوا الكتاب من قبلكم دون إمائهم .
    [ ص: 191 ] القول في تأويل قوله تعالى ( والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض )

    قال أبو جعفر : وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم .

    وتأويل ذلك : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، فلينكح بعضكم من بعض بمعنى : فلينكح هذا فتاة هذا .

    ف " البعض " مرفوع بتأويل الكلام ، ومعناه : إذ كان قوله : " فمن ما ملكت أيمانكم " في تأويل : فلينكح مما ملكت أيمانكم ، ثم رد " بعضكم " على ذلك المعنى ، فرفع .

    ثم قال - جل ثناؤه - : والله أعلم بإيمانكم ، أي : والله أعلم بإيمان من آمن منكم بالله ورسوله وما جاء به من عند الله ، فصدق بذلك كله منكم .

    يقول : فلينكح من لم يستطع منكم طولا لحرة من فتياتكم المؤمنات . لينكح هذا المقتر الذي لا يجد طولا لحرة ، من هذا الموسر - فتاته المؤمنة التي قد أبدت الإيمان فأظهرته ، وكلوا سرائرهن إلى الله ، فإن علم ذلك إلى الله دونكم ، والله أعلم بسرائركم وسرائرهن .
    [ ص: 192 ] القول في تأويل قوله ( فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " فانكحوهن " فتزوجوهن وبقوله : " بإذن أهلهن " بإذن أربابهن وأمرهم إياكم بنكاحهن ، ورضاهم . ويعني بقوله : وآتوهن أجورهن ، وأعطوهن مهورهن ، كما :

    9073 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : وآتوهن أجورهن قال : الصداق .

    ويعني بقوله : " بالمعروف " على ما تراضيتم به ، مما أحل الله لكم ، وأباحه لكم أن تجعلوه مهورا لهن .
    [ ص: 193 ] القول في تأويل قوله ( محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله : " محصنات " عفيفات " غير مسافحات " غير مزانيات " ولا متخذات أخدان " يقول : ولا متخذات أصدقاء على السفاح .

    وذكر أن ذلك قيل كذلك ، لأن " الزواني " كن في الجاهلية ، في العرب : المعلنات بالزنا ، و " المتخذات الأخدان " : اللواتي قد حبسن أنفسهن على الخليل والصديق ، للفجور بها سرا دون الإعلان بذلك .

    ذكر من قال ذلك :

    9074 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ، يعني : تنكحوهن عفائف غير زواني في سر ولا علانية ولا متخذات أخدان ، يعني : أخلاء .

    9075 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : غير مسافحات المسافحات المعلنات بالزنا ولا متخذات أخدان ، ذات الخليل الواحد قال : كان أهل الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا ، ويستحلون ما خفي ، يقولون : " أما ما ظهر منه فهو لؤم ، وأما ما خفي فلا بأس بذلك " فأنزل الله تبارك وتعالى : ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) [ سورة الأنعام : 51 ] .

    [ ص: 194 ] 9076 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا معتمر قال : سمعت داود يحدث ، عن عامر قال : الزنا زناءان : تزني بالخدن ولا تزني بغيره ، وتكون المرأة سوما ، ثم قرأ : محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان .

    9077 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما " المحصنات " فالعفائف ، فلتنكح الأمة بإذن أهلها محصنة - و " المحصنات " العفائف - غير مسافحة ، و " المسافحة " المعلنة بالزنا - ولا متخذة صديقا .

    9078 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ولا متخذات أخدان ، قال : الخليلة يتخذها الرجل ، والمرأة تتخذ الخليل .

    9079 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    9080 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان " " المسافحة " : البغي التي تؤاجر نفسها من عرض لها . و " ذات الخدن " : ذات الخليل الواحد . فنهاهم الله عن نكاحهما جميعا .

    9081 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان [ ص: 195 ] ، أما " المحصنات " فهن الحرائر ، يقول : تزوج حرة . وأما " المسافحات " فهن المعالنات بغير مهر . وأما " متخذات أخدان " فذات الخليل الواحد المستسرة به . نهى الله عن ذلك .

    9082 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي قال : الزنا وجهان قبيحان ، أحدهما أخبث من الآخر . فأما الذي هو أخبثهما : فالمسافحة ، التي تفجر بمن أتاها . وأما الآخر : فذات الخدن .

    9083 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ، قال : " المسافح " الذي يلقى المرأة فيفجر بها ثم يذهب وتذهب . و " المخادن " الذي يقيم معها على معصية الله وتقيم معه ، فذاك " الأخدان " .
    القول في تأويل قوله ( فإذا أحصن )

    قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

    فقرأه بعضهم : " فإذا أحصن " بفتح " الألف " بمعنى : إذا أسلمن ، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإسلام .

    وقرأه آخرون : ( فإذا أحصن ) بمعنى : فإذا تزوجن ، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالأزواج .

    [ ص: 196 ] قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي - أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في أمصار الإسلام ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب في قراءته الصواب .

    فإن ظن ظان أن ما قلنا في ذلك غير جائز ، إذ كانتا مختلفتي المعنى ، وإنما تجوز القراءة بالوجهين فيما اتفقت عليه المعاني - فقد أغفل

    وذلك أن معنيي ذلك وإن اختلفا ، فغير دافع أحدهما صاحبه . لأن الله قد أوجب على الأمة ذات الإسلام وغير ذات الإسلام على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - - الحد .

    9084 - فقال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ، كتاب الله ، ولا يثرب عليها . ثم إن عادت فليضربها ، كتاب الله ، ولا يثرب عليها . ثم إن عادت فليضربها ، كتاب الله ، ولا يثرب عليها . ثم إن زنت الرابعة فليضربها ، كتاب الله ، وليبعها ولو بحبل من شعر " .

    [ ص: 197 ] 9085 - وقال - صلى الله عليه وسلم - : " أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " .

    فلم يخصص بذلك ذات زوج منهن ولا غير ذات زوج . فالحدود واجبة على موالي الإماء إقامتها عليهن ، إذا فجرن ، بكتاب الله وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

    فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما حدثكم به :

    9086 - ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة تزني ولم تحصن . قال : اجلدها ، فإن زنت فاجلدها ، فإن زنت فاجلدها ، فإن زنت - فقال في الثالثة أو الرابعة : - فبعها ولو بضفير و " الضفير " : الشعر .

    9087 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل . فذكر نحوه .

    فقد بين أن الحد الذي وجب إقامته بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإماء - هو ما كان قبل إحصانهن . فأما ما وجب من ذلك عليهن بالكتاب فبعد إحصانهن ؟

    قيل له : قد بينا أن أحد معاني " الإحصان " الإسلام ، وأن الآخر منه [ ص: 198 ] - التزويج ، وأن " الإحصان " كلمة تشتمل على معان شتى . وليس في رواية من روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل " عن الأمة تزني قبل أن تحصن " - بيان أن التي سئل عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - هي التي تزني قبل التزويج ، فيكون ذلك حجة لمحتج : في أن " الإحصان " الذي سن - صلى الله عليه وسلم - حد الإماء في الزنا - هو الإسلام دون التزويج ، ولا أنه هو التزويج دون الإسلام .

    وإذ كان لا بيان في ذلك ، فالصواب من القول : أن كل مملوكة زنت فواجب على مولاها إقامة الحد عليها ، متزوجة كانت أو غير متزوجة ، لظاهر كتاب الله ، والثابت من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من أخرجه من وجوب الحد عليه منهن بما يجب التسليم له .

    وإذ كان ذلك كذلك ، تبين به صحة ما اخترنا من القراءة في قوله : " فإذا أحصن " .

    قال أبو جعفر : فإن ظن ظان أن في قول الله تعالى ذكره : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات - دلالة على أن قوله : فإذا أحصن ، معناه : تزوجن ، إذ كان ذكر ذلك بعد وصفهن بالإيمان بقوله : من فتياتكم المؤمنات - وحسب أن ذلك لا يحتمل معنى غير معنى التزويج ، مع ما تقدم ذلك من وصفهن بالإيمان فقد ظن خطأ .

    وذلك أنه غير مستحيل في الكلام أن يكون معنى ذلك : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، [ ص: 199 ] فإذا هن آمن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، فيكون الخبر مبتدأ عما يجب عليهن من الحد إذا أتين بفاحشة بعد إيمانهن ، بعد البيان عما لا يجوز لناكحهن من المؤمنين من نكاحهن ، وعمن يجوز نكاحه له منهن .

    فإذ كان ذلك غير مستحيل في الكلام ، فغير جائز لأحد صرف معناه إلى أنه التزويج دون الإسلام ، من أجل ما تقدم من وصف الله إياهن بالإيمان .

    غير أن الذي نختار لمن قرأ : ( محصنات غير مسافحات ) بفتح " الصاد " في هذا الموضع ، أن يقرأ : ( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة ) بضم " الألف " .

    ولمن قرأ : " محصنات " بكسر " الصاد " فيه ، أن يقرأ : " فإذا أحصن " بفتح " الألف " لتأتلف قراءة القارئ على معنى واحد وسياق واحد ، لقرب قوله : " محصنات " من قوله : " فإذا أحصن " . ولو خالف من ذلك ، لم يكن لحنا ، غير أن وجه القراءة ما وصفت .

    وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، نظير اختلاف القرأة في قراءته . فقال بعضهم : معنى قوله : فإذا أحصن ، فإذا أسلمن .

    ذكر من قال ذلك :

    9088 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن سعيد ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم : أن ابن مسعود قال : إسلامها إحصانها .

    [ ص: 200 ] 9089 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني جرير بن حازم : أن سليمان بن مهران حدثه ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن همام بن الحارث : أن النعمان بن عبد الله بن مقرن ، سأل عبد الله بن مسعود فقال : أمتي زنت ؟ فقال : اجلدها خمسين جلدة . قال : إنها لم تحصن ! فقال ابن مسعود : إحصانها إسلامها .

    9090 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم : أن النعمان بن مقرن سأل ابن مسعود عن أمة زنت وليس لها زوج ، فقال : إسلامها إحصانها .

    9091 - حدثني ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن إبراهيم : أن النعمان قال : قلت لابن مسعود : أمتي زنت ؟ قال : اجلدها . قلت : فإنها لم تحصن ! قال : إحصانها إسلامها .

    9092 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : كان عبد الله يقول : إحصانها إسلامها .

    9093 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي أنه تلا هذه الآية : فإذا أحصن قال : يقول : إذا أسلمن .



  9. #469
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (469)
    صــ 201 إلى صــ 215




    9094 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن [ ص: 201 ] أشعث ، عن الشعبي قال : قال عبد الله : الأمة إحصانها إسلامها .

    9095 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال مغيرة : أخبرنا عن إبراهيم أنه كان يقول : فإذا أحصن ، يقول : إذا أسلمن .

    9096 - حدثنا أبو هشام قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن أشعث ، عن الشعبي قال : الإحصان الإسلام .

    9097 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن برد بن سنان ، عن الزهري قال : جلد عمر رضي الله عنه ولائد أبكارا من ولائد الإمارة في الزنا .

    9098 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فإذا أحصن ، يقول : إذا أسلمن .

    9099 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن سالم والقاسم قالا : إحصانها إسلامها وعفافها في قوله : فإذا أحصن .

    وقال آخرون : معنى قوله : فإذا أحصن ، فإذا تزوجن .

    ذكر من قال ذلك :

    9100 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : فإذا أحصن ، يعني : إذا تزوجن حرا .

    9101 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : [ ص: 202 ] أخبرنا حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ : ( فإذا أحصن ) . يقول : إذا تزوجن .

    9102 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عكرمة : أن ابن عباس كان يقرأ : فإذا أحصن ، يقول : تزوجن .

    9103 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت ليثا ، عن مجاهد قال : إحصان الأمة أن ينكحها الحر ، وإحصان العبد أن ينكح الحرة .

    9104 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة : أنه سمع سعيد بن جبير يقول : لا تضرب الأمة إذا زنت ، ما لم تتزوج .

    9105 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : عن الحسن في قوله : فإذا أحصن . قال : أحصنتهن البعولة .

    9106 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فإذا أحصن ، قال : أحصنتهن البعولة .

    9107 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني عياض بن عبد الله ، عن أبي الزناد : أن الشعبي أخبره ، أن ابن عباس أخبره : أنه أصاب جارية له قد كانت زنت ، وقال : أحصنتها .

    قال أبو جعفر وهذا التأويل على قراءة من قرأ : ( فإذا أحصن ) بضم " الألف " وعلى تأويل من قرأ : " فإذا أحصن " بفتحها . وقد بينا الصواب من القول والقراءة في ذلك عندنا .
    [ ص: 203 ] القول في تأويل قوله ( فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب )

    قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : فإن أتين بفاحشة ، فإن أتت فتياتكم - وهن إماؤكم - بعد ما أحصن بإسلام ، أو أحصن بنكاح " بفاحشة " وهي الزنا فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، يقول : فعليهن نصف ما على الحرائر من الحد ، إذا هن زنين قبل الإحصان بالأزواج .

    و " العذاب " الذي ذكره الله تبارك وتعالى في هذا الموضع ، هو الحد ، وذلك النصف الذي جعله الله عذابا لمن أتى بالفاحشة من الإماء إذا هن أحصن - خمسون جلدة ، ونفي ستة أشهر ، وذلك نصف عام . لأن الواجب على الحرة إذا هي أتت بفاحشة قبل الإحصان بالزوج - جلد مائة ونفي حول . فالنصف من ذلك خمسون جلدة ، ونفي نصف سنة . وذلك الذي جعله الله عذابا للإماء المحصنات إذا هن أتين بفاحشة ، كما :

    9108 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب . . . . . .

    [ ص: 204 ] 9109 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، خمسون جلدة ، ولا نفي ولا رجم .

    فإن قال قائل : وكيف قيل فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ؟ وهل يكون الجلد على أحد ؟

    ؛ قيل : إن معنى ذلك : فلازم أبدانهن أن تجلد نصف ما يلزم أبدان المحصنات ، كما يقال : " علي صلاة يوم " بمعنى : لازم علي أن أصلي صلاة يوم و " علي الحج والصيام " مثل ذلك . وكذلك : " عليه الحد " بمعنى لازم له إمكان نفسه من الحد ليقام عليه .
    القول في تأويل قوله ( ذلك لمن خشي العنت منكم )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ذلك " هذا الذي أبحت أيها الناس ، من نكاح فتياتكم المؤمنات لمن لا يستطيع منكم طولا لنكاح المحصنات المؤمنات - أبحته لمن خشي العنت منكم ، دون غيره ممن لا يخشى العنت .

    واختلف أهل التأويل في هذا الموضع .

    فقال بعضهم : هو الزنا .

    ذكر من قال ذلك : [ ص: 205 ] 9110 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت ليثا ، عن مجاهد قوله : لمن خشي العنت منكم ، قال : الزنا .

    9111 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن العوام ، عمن حدثه ، عن ابن عباس أنه قال : ما ازلحف ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلا .

    9112 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : العنت الزنا .

    9113 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبيد بن يحيى قال : حدثنا شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : العنت الزنا .

    9114 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير قال : ما ازلحف ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلا ذلك لمن خشي العنت منكم .

    9115 - حدثنا أبو سلمة قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير نحوه .

    9116 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية في قوله : ذلك لمن خشي العنت منكم ، قال : الزنا .

    9117 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي حماد قال : حدثنا فضيل ، عن عطية العوفي مثله .

    [ ص: 206 ] 9118 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : لمن خشي العنت منكم ، قال : الزنا .

    119 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبيدة ، عن الشعبي وجويبر ، عن الضحاك قالا : : العنت الزنا .

    9120 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية : ذلك لمن خشي العنت منكم ، قال : العنت الزنا .

    وقال آخرون : معنى ذلك : العقوبة التي تعنته ، وهي الحد .

    قال أبو جعفر : والصواب من القول في قوله : ذلك لمن خشي العنت منكم ، ذلك لمن خاف منكم ضررا في دينه وبدنه .

    قال أبو جعفر : وذلك أن " العنت " هو ما ضر الرجل . يقال منه : " قد عنت فلان فهو يعنت عنتا " إذا أتى ما يضره في دين أو دنيا ، ومنه قول الله تبارك وتعالى : ( ودوا ما عنتم ) [ سورة آل عمران : 118 ] . ويقال : " قد أعنتني فلان فهو يعنتني " إذا نالني بمضرة . وقد قيل : " العنت " الهلاك .

    فالذين وجهوا تأويل ذلك إلى الزنا ، قالوا : الزنا ضرر في الدين ، وهو من العنت .

    والذين وجهوه إلى الإثم ، قالوا : الآثام كلها ضرر في الدين ، وهي من العنت .

    والذين وجهوه إلى العقوبة التي تعنته في بدنه من الحد ، فإنهم قالوا : الحد مضرة على بدن المحدود في دنياه ، وهو من العنت .

    [ ص: 207 ] وقد عم الله بقوله : لمن خشي العنت منكم - جميع معاني العنت . ويجمع جميع ذلك الزنا ، لأنه يوجب العقوبة على صاحبه في الدنيا بما يعنت بدنه ، ويكتسب به إثما ومضرة في دينه ودنياه . وقد اتفق أهل التأويل الذي هم أهله ، على أن ذلك معناه . فهو وإن كان في عينه لذة وقضاء شهوة ، فإنه بأدائه إلى العنت - منسوب إليه موصوف به ، إذ كان للعنت سببا .
    القول في تأويل قوله ( وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم ( 25 ) )

    قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بذلك : " وأن تصبروا " أيها الناس ، عن نكاح الإماء " خير لكم " " والله غفور " لكم نكاح الإماء أن تنكحوهن على ما أحل لكم وأذن لكم به - وما سلف منكم في ذلك ، إن أصلحتم أمور أنفسكم فيما بينكم وبين الله " رحيم " بكم ، إذ أذن لكم في نكاحهن عند الافتقار وعدم الطول للحرة .

    وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    9121 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير : وأن تصبروا خير لكم ، قال : عن نكاح الأمة .

    9122 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت ليثا [ ص: 208 ] 103 عن مجاهد : وأن تصبروا خير لكم ، قال : عن نكاح الإماء .

    9123 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وأن تصبروا خير لكم ، يقول : وأن تصبر ، ولا تنكح الأمة ، فيكون ولدك مملوكين - فهو خير لك .

    9124 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وأن تصبروا خير لكم ، يقول : وأن تصبروا عن نكاح الإماء - خير لكم ، وهو حل .

    9125 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وأن تصبروا خير لكم ، يقول : وأن تصبروا عن نكاحهن - يعني : نكاح الإماء - خير لكم .

    9126 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية في قوله : وأن تصبروا خير لكم ، قال : أن تصبروا عن نكاح الإماء ، خير لكم .

    9127 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان قال : حدثنا ابن المبارك قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرنا ابن طاوس ، عن أبيه : وأن تصبروا خير لكم ، قال : أن تصبروا عن نكاح الأمة خير لكم .

    9128 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " وأن تصبروا خير لكم " قال : وأن تصبروا عن الأمة - خير لكم .

    و " أن " في قوله : وأن تصبروا في موضع رفع ب " خير " بمعنى : والصبر عن نكاح الإماء خير لكم .
    [ ص: 209 ] القول في تأويل قوله ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ( 26 ) )

    قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : يريد الله ليبين لكم ، حلاله وحرامه ويهديكم سنن الذين من قبلكم ، يقول : وليسددكم سنن الذين من قبلكم ، يعني : سبل من قبلكم من أهل الإيمان بالله وأنبيائه ، ومناهجهم فيما حرم عليكم من نكاح الأمهات والبنات والأخوات وسائر ما حرم عليكم في الآيتين اللتين بين فيهما ما حرم من النساء ويتوب عليكم ، يقول : يريد الله أن يرجع بكم إلى طاعته في ذلك ، مما كنتم عليه من معصيته في فعلكم ذلك قبل الإسلام ، وقبل أن يوحي ما أوحى إلى نبيه من ذلك " عليكم " ؛ ليتجاوز لكم بتوبتكم عما سلف منكم من قبيح ذلك قبل إنابتكم وتوبتكم " والله عليم " يقول : والله ذو علم بما يصلح عباده في أديانهم ودنياهم وغير ذلك من أمورهم ، وبما يأتون ويذرون مما أحل أو حرم عليهم ، حافظ ذلك كله عليهم " حكيم " بتدبيره فيهم ، في تصريفهم فيما صرفهم فيه .

    واختلف أهل العربية في معنى قوله : " يريد الله ليبين لكم " .

    فقال بعضهم : معنى ذلك : يريد الله هذا من أجل أن يبين لكم . وقال : ذلك كما قال : ( وأمرت لأعدل بينكم ) [ سورة الشورى : 15 ] بكسر " اللام " لأن معناه : أمرت بهذا من أجل ذلك .

    [ ص: 210 ] وقال آخرون : معنى ذلك : يريد الله أن يبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم . وقالوا : من شأن العرب التعقيب بين " كي " و " لام كي " و " أن " ووضع كل واحدة منهن موضع كل واحدة من أختها مع " أردت " و " أمرت " . فيقولون : " أمرتك أن تذهب ، ولتذهب " و " أردت أن تذهب ولتذهب " كما قال الله - جل ثناؤه - : ( وأمرنا لنسلم لرب العالمين ) [ سورة الأنعام : 71 ] ، وقال في موضع آخر : ( قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ) [ سورة الأنعام : 14 ] ، وكما قال : ( يريدون ليطفئوا نور الله ) [ سورة الصف : 8 ] ، ثم قال في موضع آخر ، ( يريدون أن يطفئوا ) [ سورة التوبة : 32 ] . واعتلوا في توجيههم " أن " مع " أمرت " و " أردت " إلى معنى " كي " وتوجيه " كي " مع ذلك إلى معنى " أن " لطلب " أردت " و " أمرت " الاستقبال ، وأنها لا يصلح معها الماضي ، لا يقال : " أمرتك أن قمت " ولا " أردت أن قمت " . قالوا : فلما كانت " أن " قد تكون مع الماضي في غير " أردت " و " أمرت " وكدوا لها معنى الاستقبال بما لا يكون معه ماض من الأفعال بحال ، من " كي " و " اللام " التي في معنى " كي " . قالوا : وكذلك جمعت العرب بينهن أحيانا في الحرف الواحد ، فقال قائلهم في الجمع :


    أردت لكيما أن تطير بقربتي فتتركها شنا ببيداء بلقع
    [ ص: 211 ] فجمع بينهن ، لاتفاق معانيهن واختلاف ألفاظهن ، كما قال الآخر :


    قد يكسب المال الهدان الجافي بغير لا عصف ولا اصطراف


    فجمع بين " غير " و " لا " توكيدا للنفي . قالوا : إنما يجوز أن يجعل " أن " مكان " كي " و " كي " مكان " أن " في الأماكن التي لا يصحب جالب ذلك ماض من الأفعال أو غير المستقبل . فأما ما صحبه ماض من الأفعال وغير المستقبل ، فلا يجوز ذلك . لا يجوز عندهم أن يقال : " ظننت ليقوم " ولا " أظن ليقوم " بمعنى : أظن أن يقوم لأن " أن " التي تدخل مع الظن [ ص: 212 ] تكون مع الماضي من الفعل ، يقال : " أظن أن قد قام زيد " ومع المستقبل ، ومع الأسماء .

    قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي - قول من قال : إن " اللام " في قوله : " يريد الله ليبين لكم " بمعنى : يريد الله أن يبين لكم ، لما ذكرت من علة من قال إن ذلك كذلك .
    القول في تأويل قوله عز وجل ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ( 27 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : والله يريد أن يراجع بكم طاعته والإنابة إليه ، ليعفو لكم عما سلف من آثامكم ، ويتجاوز لكم عما كان منكم في جاهليتكم من استحلالكم ما هو حرام عليكم من نكاح حلائل آبائكم وأبنائكم وغير ذلك مما كنتم تستحلونه وتأتونه ، مما كان غير جائز لكم إتيانه من معاصي الله ويريد الذين يتبعون الشهوات ، يقول : ويريد الذين يطلبون لذات الدنيا وشهوات أنفسهم فيها أن تميلوا عن أمر الله تبارك وتعالى ، فتجوروا عنه بإتيانكم ما حرم عليكم وركوبكم معاصيه ميلا عظيما ، جورا وعدولا عنه شديدا .

    [ ص: 213 ] واختلف أهل التأويل في الذين وصفهم الله بأنهم " يتبعون الشهوات " .

    فقال بعضهم : هم الزناة .

    ذكر من قال ذلك :

    9129 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ويريد الذين يتبعون الشهوات ، قال : الزنا أن تميلوا ميلا عظيما ، قال : يريدون أن تزنوا .

    9130 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما أن تكونوا مثلهم ، تزنون كما يزنون .

    9131 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ويريد الذين يتبعون الشهوات ، قال : الزنا أن تميلوا ميلا عظيما ، قال : يزني أهل الإسلام كما يزنون . قال : هي كهيئة : ( ودوا لو تدهن فيدهنون ) [ سورة القلم : 9 ] .

    9132 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ويريد الذين يتبعون الشهوات ، قال : الزنا أن تميلوا ، قال : أن تزنوا .

    وقال آخرون ، بل هم اليهود والنصارى .

    ذكر من قال ذلك :

    9133 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ويريد الذين يتبعون الشهوات ، قال : هم اليهود والنصارى " أن تميلوا ميلا عظيما " .

    [ ص: 214 ] وقال آخرون : بل هم اليهود خاصة ، وكانت إرادتهم من المسلمين اتباع شهواتهم في نكاح الأخوات من الأب . وذلك أنهم يحلون نكاحهن ، فقال الله تبارك وتعالى للمؤمنين : ويريد الذين يحللون نكاح الأخوات من الأب - أن تميلوا عن الحق فتستحلوهن كما استحلوا .

    وقال آخرون . معنى ذلك : كل متبع شهوة في دينه لغير الذي أبيح له .

    ذكر من قال ذلك :

    9134 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : ويريد الذين يتبعون الشهوات الآية ، قال : يريد أهل الباطل وأهل الشهوات في دينهم - أن تميلوا في دينكم ميلا عظيما ، تتبعون أمر دينهم ، وتتركون أمر الله وأمر دينكم .

    قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب - قول من قال : معنى ذلك : ويريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم من أهل الباطل ، وطلاب الزنا ونكاح الأخوات من الآباء وغير ذلك مما حرمه الله أن تميلوا عن الحق ، وعما أذن الله لكم فيه ، فتجوروا عن طاعته إلى معصيته ، وتكونوا أمثالهم في اتباع شهوات أنفسكم فيما حرم الله ، وترك طاعته ميلا عظيما .

    وإنما قلنا : ذلك أولى بالصواب ، لأن الله عز وجل عم بقوله : ويريد الذين يتبعون الشهوات ، فوصفهم باتباع شهوات أنفسهم المذمومة ، وعمهم بوصفهم بذلك ، من غير وصفهم باتباع بعض الشهوات المذمومة . فإذ كان ذلك كذلك ، فأولى المعاني بالآية ما دل عليه ظاهرها ، دون باطنها الذي لا شاهد عليه من أصل [ ص: 215 ] أو قياس . وإذ كان ذلك كذلك كان داخلا في " الذين يتبعون الشهوات " اليهود ، والنصارى ، والزناة ، وكل متبع باطلا . لأن كل متبع ما نهاه الله عنه ، فمتبع شهوة نفسه . فإذ كان ذلك بتأويل الآية أولى ، وجبت صحة ما اخترنا من القول في تأويل ذلك .
    القول في تأويل قوله ( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ( 28 ) )

    قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : يريد الله أن يخفف عنكم ، يريد الله أن ييسر عليكم ، بإذنه لكم في نكاح الفتيات المؤمنات إذا لم تستطيعوا طولا لحرة وخلق الإنسان ضعيفا ، يقول : يسر ذلك عليكم إذا كنتم غير مستطيعي الطول للحرائر ، لأنكم خلقتم ضعفاء عجزة عن ترك جماع النساء ، قليلي الصبر عنه ، فأذن لكم في نكاح فتياتكم المؤمنات عند خوفكم العنت على أنفسكم ، ولم تجدوا طولا لحرة ، لئلا تزنوا ، لقلة صبركم على ترك جماع النساء .

    وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    9135 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يريد الله أن يخفف عنكم في نكاح الأمة ، وفي كل شيء فيه يسر .



  10. #470
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (470)
    صــ 216 إلى صــ 230



    9136 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا [ ص: 216 ] سفيان ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : وخلق الإنسان ضعيفا ، قال : في أمر الجماع .

    9137 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : وخلق الإنسان ضعيفا ، قال : في أمر النساء .

    9138 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : وخلق الإنسان ضعيفا ، قال : في أمور النساء . ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في النساء .

    9139 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : يريد الله أن يخفف عنكم ، قال : رخص لكم في نكاح هؤلاء الإماء ، حين اضطروا إليهن وخلق الإنسان ضعيفا ، قال : لو لم يرخص له فيها ، لم يكن إلا الأمر الأول ، إذا لم يجد حرة .
    القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - " يا أيها الذين آمنوا " : صدقوا الله ورسوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، يقول : لا يأكل بعضكم أموال بعض بما حرم عليه ، من الربا والقمار وغير ذلك من الأمور التي نهاكم الله عنها إلا أن تكون تجارة . كما :

    9140 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا [ ص: 217 ] أسباط ، عن السدي : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ، أما " أكلهم أموالهم بينهم بالباطل " فبالربا والقمار والبخس والظلم إلا أن تكون تجارة ، ليربح في الدرهم ألفا إن استطاع .

    9141 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن الفضل أبو النعمان قال : حدثنا خالد الطحان ، قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، قال : الرجل يشتري السلعة فيردها ويرد معها درهما .

    9142 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول : " إن رضيته أخذته وإلا رددته ورددت معه درهما " قال : هو الذي قال الله : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل .

    وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية بالنهي عن أن يأكل بعضهم طعام بعض إلا بشراء . فأما قرى ، فإنه كان محظورا بهذه الآية ، حتى نسخ ذلك بقوله في " سورة النور " : ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم ) الآية [ سورة النور : 61 ] .

    [ ص: 218 ] ذكر من قال ذلك :

    9143 - حدثني محمد بن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسن بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري قالا : في قوله : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم الآية ، فكان الرجل يتحرج أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما نزلت هذه الآية ، فنسخ ذلك بالآية التي في " سورة النور " فقال : ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم ) إلى قوله : ( جميعا أو أشتاتا ) فكان الرجل الغني يدعو الرجل من أهله إلى الطعام ، فيقول : " إني لأتجنح " ! و " التجنح " التحرج ويقول : " المساكين أحق به مني " ! فأحل من ذلك أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ، وأحل طعام أهل الكتاب .

    قال أبو جعفر : وأولى هذين القولين بالصواب في ذلك ، قول السدي . وذلك أن الله تعالى ذكره حرم أكل أموالنا بيننا بالباطل ، ولا خلاف بين المسلمين أن أكل ذلك حرام علينا ، فإن الله لم يحل قط أكل الأموال بالباطل .

    وإذ كان ذلك كذلك ، فلا معنى لقول من قال : " كان ذلك نهيا عن [ ص: 219 ] أكل الرجل طعام أخيه قرى على وجه ما أذن له ، ثم نسخ ذلك ، لنقل علماء الأمة جميعا وجهالها : أن قرى الضيف وإطعام الطعام كان من حميد أفعال أهل الشرك والإسلام التي حمد الله أهلها عليها وندبهم إليها ، وأن الله لم يحرم ذلك في عصر من العصور ، بل ندب الله عباده وحثهم عليه .

    وإذ كان ذلك كذلك ، فهو من معنى الأكل بالباطل خارج ، ومن أن يكون ناسخا أو منسوخا بمعزل ؛ لأن النسخ إنما يكون لمنسوخ ، ولم يثبت النهي عنه ، فيجوز أن يكون منسوخا بالإباحة .

    وإذ كان ذلك كذلك ، صح القول الذي قلناه : من أن الباطل الذي نهى الله عن أكل الأموال به ، هو ما وصفنا مما حرمه على عباده في تنزيله أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - - وشذ ما خالفه .

    واختلفت القرأة في قراءة قوله : إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم .

    فقرأها بعضهم : " إلا أن تكون تجارة " رفعا ، بمعنى : إلا أن توجد تجارة ، أو : تقع تجارة ، عن تراض منكم ، فيحل لكم أكلها حينئذ بذلك المعنى .

    ومذهب من قرأ ذلك على هذا الوجه : " إلا أن تكون " تامة هاهنا - لا حاجة بها إلى خبر ، على ما وصفت . وبهذه القراءة قرأ أكثر أهل الحجاز وأهل البصرة .

    وقرأ ذلك آخرون ، وهم عامة قرأة الكوفيين : ( إلا أن تكون تجارة ) ، نصبا ، بمعنى : إلا أن تكون الأموال التي تأكلونها بينكم تجارة عن تراض [ ص: 220 ] منكم ، فيحل لكم هنالك أكلها . فتكون " الأموال " مضمرة في قوله : إلا أن تكون ، و " التجارة " منصوبة على الخبر .

    قال أبو جعفر : وكلتا القراءتين عندنا صواب جائزة القراءة بهما ، لاستفاضتهما في قرأة الأمصار ، مع تقارب معانيهما . غير أن الأمر وإن كان كذلك ، فإن قراءة ذلك بالنصب - أعجب إلي من قراءته بالرفع ؛ لقوة النصب من وجهين :

    أحدهما : أن في " تكون " ذكرا من الأموال . والآخر : أنه لو لم يجعل فيها ذكرا منها ، ثم أفردت ب " التجارة " وهي نكرة ، كان فصيحا في كلام العرب النصب ، إذ كانت مبنية على اسم وخبر . فإذا لم يظهر معها إلا نكرة واحدة ، نصبوا ورفعوا ، كما قال الشاعر :


    إذا كان طعنا بينهم وعناقا
    قال أبو جعفر : ففي هذه الآية إبانة من الله تعالى ذكره عن تكذيب قول الجهلة من المتصوفة المنكرين طلب الأقوات بالتجارات والصناعات ، والله تعالى يقول : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ، اكتسابا منا ذلك بها ، كما :

    9144 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن [ ص: 221 ] قتادة قوله : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ، قال : التجارة رزق من رزق الله ، وحلال من حلال الله ، لمن طلبها بصدقها وبرها . وقد كنا نحدث : أن التاجر الأمين الصدوق مع السبعة في ظل العرش يوم القيامة .

    وأما قوله : " عن تراض " فإن معناه كما :

    9145 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى : عن تراض منكم ، في تجارة أو بيع ، أو عطاء يعطيه أحد أحدا .

    9146 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : عن تراض منكم في تجارة ، أو بيع ، أو عطاء يعطيه أحد أحدا .

    9147 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن القاسم ، عن سليمان الجعفي ، عن أبيه ، عن ميمون بن مهران قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : البيع عن تراض ، والخيار بعد الصفقة ، ولا يحل لمسلم أن يغش مسلما .

    [ ص: 222 ] 9148 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج . قال : قلت لعطاء : المماسحة ، بيع هي ؟ قال : لا حتى يخيره التخيير بعد ما يجب البيع ، إن شاء أخذ ، وإن شاء ترك .

    واختلف أهل العلم في معنى " التراضي " في التجارة . فقال بعضهم : هو أن يخير كل واحد من المتبايعين بعد عقدهما البيع بينهما فيما تبايعا فيه ، من إمضاء البيع أو نقضه ، أو يتفرقا عن مجلسهما الذي تواجبا فيه البيع بأبدانهما ، عن تراض منهما بالعقد الذي تعاقداه بينهما قبل التفاسخ .

    ذكر من قال ذلك :

    9149 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن محمد بن سيرين ، عن شريح قال : اختصم رجلان باع أحدهما من الآخر برنسا ، فقال : إني بعت من هذا برنسا ، فاسترضيته فلم يرضني ! ! فقال : أرضه كما أرضاك . قال : إني قد أعطيته دراهم ولم يرض ! قال : أرضه كما أرضاك . قال : قد أرضيته فلم يرض ! فقال : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا .

    9150 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن أبي السفر ، عن الشعبي ، عن شريح قال : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا .

    9151 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن شريح مثله .

    [ ص: 223 ] 9152 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد قال : حدثنا شعبة ، عن جابر قال : حدثني أبو الضحى ، عن شريح أنه قال : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا قال قال أبو الضحى : كان شريح يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحوه .

    9153 - وحدثني الحسين بن يزيد الطحان قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، عن عبد السلام ، عن رجل ، عن أبي حوشب ، عن ميمون قال : اشتريت من ابن سيرين سابريا ، فسام علي سومه ، فقلت : أحسن ! فقال : إما أن تأخذ وإما أن تدع . فأخذت منه ، فلما وزنت الثمن وضع الدراهم فقال : اختر ، إما الدراهم ، وإما المتاع . فاخترت المتاع فأخذته .

    9154 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي أنه كان يقول في البيعين : إنهما بالخيار ما لم يتفرقا ، فإذا تصادرا فقد وجب البيع .

    9155 - حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي قال : حدثنا محمد بن عبيد قال : حدثنا سفيان بن دينار ، عن ظبية قال : كنت في السوق وعلي رضي الله عنه في السوق ، فجاءت جارية إلى بيع فاكهة بدرهم ، فقالت : أعطني هذا . فأعطاها إياه ، فقالت : لا أريده ، أعطني درهمي ! فأبى ، فأخذه منه علي فأعطاها إياه .

    [ ص: 224 ] 9156 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي : أنه أتي في رجل اشترى من رجل برذونا ووجب له ، ثم إن المبتاع رده قبل أن يتفرقا ، فقضى أنه قد وجب عليه ، فشهد عنده أبو الضحى : أن شريحا قضى في مثله أن يرده على صاحبه . فرجع الشعبي إلى قضاء شريح .

    9157 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا هشام ، عن ابن سيرين ، عن شريح ، أنه كان يقول في البيعين : إذا ادعى المشتري ، أنه قد أوجب له البيع ، وقال البائع : لم أوجب له ، قال : شاهدان عدلان أنكما افترقتما عن تراض بعد بيع أو تخاير ، وإلا فيمين البائع : أنكما ما افترقتما عن بيع ولا تخاير .

    9158 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد . قال : كان شريح يقول : شاهدان ذوا عدل أنكما افترقتما عن تراض بعد بيع وتخاير ، وإلا فيمينه بالله : ما تفرقتما عن تراض بعد بيع أو تخاير .

    9159 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن شريح أنه كان يقول : شاهدان ذوا عدل أنهما تفرقا عن تراض بعد بيع أو تخاير .

    وعلة من قال هذه المقالة ، ما :

    9160 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله قال : أخبرني نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يتفرقا ، إلا أن يكون خيارا .

    [ ص: 225 ] 9161 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا مروان بن معاوية قال : حدثني يحيى بن أيوب قال : كان أبو زرعة إذا بايع رجلا يقول له : خيرني ! ثم يقول : قال أبو هريرة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يفترق اثنان إلا عن رضى " .

    9162 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا أهل البقيع ! فسمعوا صوته ، ثم قال : يا أهل البقيع ! فاشرأبوا ينظرون ، حتى عرفوا أنه صوته ، ثم قال : يا أهل البقيع ! لا يتفرقن بيعان إلا عن رضى .

    [ ص: 226 ] 9163 - حدثني أحمد بن محمد الطوسي قال : حدثنا أبو داود الطيالسي قال : حدثنا سليمان بن معاذ قال : حدثنا سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بايع رجلا ثم قال له : اختر . فقال : قد اخترت . فقال : هكذا البيع .

    قالوا : فالتجارة عن تراض ، هو ما كان على ما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - من تخيير كل واحد من المشتري والبائع في إمضاء البيع فيما يتبايعانه بينهما أو نقضه بعد عقد البيع بينهما وقبل الافتراق أو ما تفرقا عنه بأبدانهما عن تراض منهما بعد مواجبة البيع فيه عن مجلسهما . فما كان بخلاف ذلك ، فليس من التجارة التي كانت بينهما عن تراض منهما .

    وقال آخرون : بل التراضي في التجارة - تواجب عقد البيع فيما تبايعه المتبايعان بينهما عن رضى من كل واحد منهما ما ملك عليه صاحبه وملك صاحبه عليه ، افترقا عن مجلسهما ذلك أو لم يفترقا ، تخايرا في المجلس أو لم يتخايرا فيه بعد عقده .

    وعلة من قال هذه المقالة : أن البيع إنما هو بالقول ، كما أن النكاح بالقول ، ولا خلاف بين أهل العلم في الإجبار في النكاح لأحد المتناكحين على صاحبه ، افترقا أو لم يفترقا عن مجلسهما الذي جرى ذلك فيه . قالوا : فكذلك حكم البيع . وتأولوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " على أنه ما لم [ ص: 227 ] يتفرقا بالقول . وممن قال هذه المقالة مالك بن أنس ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد .

    قال أبو جعفر : وأولى القولين بالصواب في ذلك عندنا ، قول من قال : إن التجارة التي هي عن تراض بين المتبايعين ، ما تفرق المتبايعان عن المجلس الذي تواجبا فيه بينهما عقدة البيع بأبدانهما ، عن تراض منهما بالعقد الذي جرى بينهما ، وعن تخيير كل واحد منهما صاحبه لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما :

    9164 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا أيوب وحدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يكون بيع خيار " وربما قال : " أو يقول أحدهما للآخر اختر " .

    فإذ كان ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيحا ، فليس يخلو قول أحد المتبايعين لصاحبه : " اختر " من أن يكون قبل عقد البيع ، أو معه ، أو بعده .

    [ ص: 228 ] فإن يكن قبله ، فذلك الخلف من الكلام الذي لا معنى له ، لأنه لم يملك قبل عقد البيع أحد المتبايعين على صاحبه ما لم يكن له مالكا ، فيكون لتخييره صاحبه فيما ملك عليه وجه مفهوم . ولا فيهما من يجهل أنه بالخيار في تمليك صاحبه ما هو له غير مالك بعوض يعتاضه منه ، فيقال له : " أنت بالخيار فيما تريد أن تحدثه من بيع أو شراء " .

    أو يكون - إذ بطل هذا المعنى - تخيير كل واحد منهما صاحبه مع عقد البيع . ومعنى التخيير في تلك الحال نظير معنى التخيير قبلها ؛ لأنها حالة لم يزل فيها عن أحدهما ما كان مالكه قبل ذلك - إلى صاحبه ، فيكون للتخيير وجه مفهوم .

    أو يكون ذلك بعد عقد البيع ، إذ فسد هذان المعنيان .

    وإذ كان ذلك كذلك ، صح أن المعنى الآخر من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - أعني قوله : " ما لم يتفرقا " - إنما هو التفرق بعد عقد البيع ، كما كان التخيير بعده . وإذ صح ذلك ، فسد قول من زعم أن معنى ذلك إنما هو التفرق بالقول الذي به يكون البيع . وإذ فسد ذلك ، صح ما قلنا من أن التخيير والافتراق إنما هما معنيان بهما يكون تمام البيع بعد عقده ، وصح تأويل من قال : معنى قوله : إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم : إلا أن يكون أكلكم الأموال التي يأكلها بعضكم لبعض ، عن ملك منكم عمن ملكتموها عليه ، بتجارة تبايعتموها بينكم ، وافترقتم عنها عن تراض منكم بعد عقد البيع بينكم بأبدانكم ، أو تخيير بعضكم بعضا .
    [ ص: 229 ] القول في تأويل قوله ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ( 29 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ولا تقتلوا أنفسكم ، ولا يقتل بعضكم بعضا ، وأنتم أهل ملة واحدة ، ودعوة واحدة ، ودين واحد . فجعل - جل ثناؤه - أهل الإسلام كلهم بعضهم من بعض . وجعل القاتل منهم قتيلا - في قتله إياه ، منهم بمنزلة قتله نفسه ، إذ كان القاتل والمقتول أهل يد واحدة على من خالف ملتهما .

    وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    9165 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ولا تقتلوا أنفسكم ، يقول : أهل ملتكم .

    9166 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح : ولا تقتلوا أنفسكم ، قال : قتل بعضكم بعضا .

    وأما قوله - جل ثناؤه - : إن الله كان بكم رحيما ، فإنه يعني : أن الله تبارك وتعالى لم يزل " رحيما " بخلقه ، ومن رحمته بكم كف بعضكم عن قتل بعض ، أيها المؤمنون ، بتحريم دماء بعضكم على بعض إلا بحقها ، وحظر أكل مال بعضكم على بعض بالباطل ، إلا عن تجارة يملك بها عليه برضاه وطيب نفسه ، لولا ذلك هلكتم وأهلك بعضكم بعضا قتلا وسلبا وغصبا .
    [ ص: 230 ] القول في تأويل قوله ( ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ( 30 ) )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " ومن يفعل ذلك عدوانا " .

    فقال بعضهم : معنى ذلك : ومن يقتل نفسه ، بمعنى : ومن يقتل أخاه المؤمن عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا .

    ذكر من قال ذلك :

    9167 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أرأيت قوله : ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا ، في كل ذلك ، أو في قوله : ولا تقتلوا أنفسكم ؟ قال : بل في قوله : ولا تقتلوا أنفسكم .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : ومن يفعل ما حرمته عليه من أول هذه السورة إلى قوله : " ومن يفعل ذلك " من نكاح من حرمت نكاحه ، وتعدى حدوده ، وأكل أموال الأيتام ظلما ، وقتل النفس المحرم قتلها ظلما بغير حق .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : ومن يأكل مال أخيه المسلم ظلما بغير طيب نفس منه ، وقتل أخاه المؤمن ظلما ، فسوف نصليه نارا .



  11. #471
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (471)
    صــ 231 إلى صــ 245




    قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : معناه : ومن يفعل ما حرم الله عليه ، من قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) إلى قوله : " ومن يفعل ذلك " من نكاح المحرمات ، وعضل المحرم [ ص: 231 ] عضلها من النساء ، وأكل المال بالباطل ، وقتل المحرم قتله من المؤمنين لأن كل ذلك مما وعد الله عليه أهله العقوبة .

    فإن قال قائل : فما منعك أن تجعل قوله : " ذلك " معنيا به جميع ما أوعد الله عليه العقوبة من أول السورة ؟

    قيل : منعني ذلك أن كل فصل من ذلك قد قرن بالوعيد ، إلى قوله : ( أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ) ، ولا ذكر للعقوبة من بعد ذلك على ما حرم الله في الآي التي بعده إلى قوله : فسوف نصليه نارا . فكان قوله : ومن يفعل ذلك ، معنيا به ما قلنا ، مما لم يقرن بالوعيد ، مع إجماع الجميع على أن الله تعالى قد توعد على كل ذلك - أولى من أن يكون معنيا به ما سلف فيه الوعيد بالنهي مقرونا قبل ذلك .

    وأما قوله : " عدوانا " فإنه يعني به تجاوزا لما أباح الله له ، إلى ما حرمه عليه " وظلما " يعني : فعلا منه ذلك بغير ما أذن الله به ، وركوبا منه ما قد نهاه الله عنه .

    وقوله : " فسوف نصليه نارا " يقول : فسوف نورده نارا يصلى بها فيحترق فيها وكان ذلك على الله يسيرا ، يعني : وكان إصلاء فاعل ذلك النار وإحراقه بها ، على الله سهلا يسيرا ، لأنه لا يقدر على الامتناع على ربه مما أراد به من سوء . وإنما يصعب الوفاء بالوعيد لمن توعده ، على من كان [ ص: 232 ] إذا حاول الوفاء به قدر المتوعد من الامتناع منه . فأما من كان في قبضة موعده ، فيسير عليه إمضاء حكمه فيه ، والوفاء له بوعيده . غير عسير عليه أمر أراده به .
    [ ص: 233 ] القول في تأويل قوله ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ( 31 ) )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى " الكبائر " التي وعد الله - جل ثناؤه - عباده باجتنابها تكفير سائر سيئاتهم عنهم .

    فقال بعضهم : الكبائر التي قال الله تبارك وتعالى : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ، هي ما تقدم الله إلى عباده بالنهي عنه من أول " سورة النساء " إلى رأس الثلاثين منها .

    ذكر من قال ذلك :

    9168 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : الكبائر ، من أول " سورة النساء " إلى ثلاثين منها .

    9169 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله بمثله .

    9170 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود مثله .

    9171 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم قال : حدثني علقمة ، عن عبد الله قال : الكبائر ، من أول " سورة النساء " [ ص: 234 ] إلى قوله : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه .

    9172 - حدثنا الرفاعي قال : حدثنا أبو معاوية وأبو خالد ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : الكبائر ، من أول " سورة النساء " إلى قوله : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه .

    9173 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق قال : سئل عبد الله عن الكبائر ، قال : ما بين فاتحة " سورة النساء " إلى رأس الثلاثين .

    9174 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن حماد عن إبراهيم ، عن ابن مسعود قال : الكبائر ما بين فاتحة " سورة النساء " إلى ثلاثين آية منها : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه .

    9175 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله أنه قال : الكبائر من أول " سورة النساء " إلى الثلاثين منها : " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه " .

    9176 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن إبراهيم قال : كانوا يرون أن الكبائر فيما بين أول هذه السورة " سورة النساء " إلى هذا الموضع : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه .

    9177 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم العسقلاني قال : حدثنا شعبة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود قال : الكبائر من أول " سورة النساء " إلى ثلاثين آية منها . ثم تلا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما .

    9178 - حدثني المثنى قال : حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا مسعر ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش قال : قال عبد الله : الكبائر ما بين أول " سورة النساء " إلى رأس الثلاثين .

    [ ص: 235 ] وقال آخرون : " الكبائر سبع " .

    ذكر من قال ذلك :

    9179 - حدثني تميم بن المنتصر قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة ، عن أبيه قال : إني لفي هذا المسجد ، مسجد الكوفة ، وعلي يخطب الناس على المنبر ، فقال : " يا أيها الناس ، إن الكبائر سبع " فأصاخ الناس ، فأعادها ثلاث مرات ثم قال : ألا تسألوني عنها ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين ، ما هي ؟ قال : " الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والفرار يوم الزحف ، والتعرب بعد الهجرة " . فقلت لأبي : يا أبه ، ما التعرب بعد الهجرة ؟ كيف لحق هاهنا ؟ فقال : يا بني ، وما أعظم من أن يهاجر الرجل ، حتى إذا وقع سهمه في الفيء ووجب عليه الجهاد ، خلع ذلك من عنقه ، فرجع أعرابيا كما كان ! !

    9180 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم ، عن ابن إسحاق ، عن عبيد بن عمير قال : الكبائر سبع ، ليس منهن [ ص: 236 ] كبيرة إلا وفيها آية من كتاب الله : الإشراك بالله منهن : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ) [ سورة الحج : 31 ] و ( الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ) [ سورة النساء : 10 ] ، و ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) [ سورة البقرة : 275 ] ، و ( الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ) [ سورة النور : 23 ] ، والفرار من الزحف : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ) [ سورة الأنفال : 15 ] ، والتعرب بعد الهجرة : ( إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى ) [ سورة محمد : 25 ] ، وقتل النفس .

    9181 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن ابن إسحاق ، عن عبيد بن عمير الليثي قال : الكبائر سبع : الإشراك بالله : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) ، وقتل النفس : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) الآية ، [ سورة النساء : 93 ] ، وأكل الربا : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) الآية ، وأكل أموال اليتامى : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) الآية ، وقذف المحصنة : ( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ) الآية ، والفرار من الزحف : ( ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ) الآية ، [ سورة الأنفال : 16 ] والمرتد أعرابيا بعد هجرته : ( إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى ) الآية .

    [ ص: 237 ] 9182 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد قال : سألت عبيدة عن الكبائر فقال : الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله بغير حقها ، وفرار يوم الزحف ، وأكل مال اليتيم بغير حقه ، وأكل الربا ، والبهتان . قال : ويقولون : أعرابية بعد هجرة قال ابن عون : فقلت لمحمد : فالسحر ؟ قال : إن البهتان يجمع شرا كثيرا .

    9183 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا منصور وهشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة أنه قال : الكبائر : الإشراك ، وقتل النفس الحرام ، وأكل الربا ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف ، والمرتد أعرابيا بعد هجرته .

    9184 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة بنحوه .

    وعلة من قال هذه المقالة ما :

    9185 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : أخبرني الليث قال : حدثني خالد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن نعيم المجمر قال : أخبرني صهيب مولى العتواري : أنه سمع من أبي هريرة وأبي سعيد الخدري يقولان : خطبنا رسول [ ص: 238 ] الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فقال : والذي نفسي بيده ثلاث مرات ثم أكب ، فأكب كل رجل منا يبكي ، لا يدري على ماذا حلف ، ثم رفع رأسه وفي وجهه البشر ، فكان أحب إلينا من حمر النعم ، فقال : ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ، ويصوم رمضان ، ويخرج الزكاة ، ويجتنب الكبائر السبع ، إلا فتحت له أبواب الجنة ، ثم قيل : ادخل بسلام " .

    9186 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء قال : الكبائر سبع : قتل النفس ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، ورمي المحصنة ، وشهادة الزور ، وعقوق الوالدين ، والفرار يوم الزحف .

    [ ص: 239 ] وقال آخرون هي تسع .

    ذكر من قال ذلك :

    9187 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا زياد بن مخراق ، عن طيسلة بن مياس قال : كنت مع النجدات ، فأصبت ذنوبا لا أراها إلا من الكبائر ! فلقيت ابن عمر فقلت : أصبت ذنوبا لا أراها إلا من الكبائر ! قال : وما هي ؟ قلت : أصبت كذا وكذا . قال : ليس من الكبائر - قال لشيء لم يسمه طيسلة - قال : هي تسع ، وسأعدهن عليك : الإشراك بالله ، وقتل النسمة بغير حلها ، والفرار من الزحف ، وقذف المحصنة ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ظلما ، وإلحاد في المسجد الحرام ، والذي يستسحر ، وبكاء الوالدين [ ص: 240 ] من العقوق قال زياد : وقال طيسلة : لما رأى ابن عمر فرقي ؛ قال : أتخاف النار أن تدخلها ؟ قلت : نعم ! قال : وتحب أن تدخل الجنة ؟ قلت : نعم ! قال : أحي والداك ؟ قلت : عندي أمي . قال : فوالله لئن أنت ألنت لها الكلام ، وأطعمتها الطعام ، لتدخلن الجنة ما اجتنبت الموجبات .

    9188 - حدثنا سليمان بن ثابت الخراز الواسطي قال : أخبرنا سلم بن سلام قال : أخبرنا أيوب بن عتبة ، عن طيسلة بن علي النهدي قال : أتيت ابن عمر وهو في ظل أراك يوم عرفة ، وهو يصب الماء على رأسه ووجهه ، قال : قلت : أخبرني عن الكبائر ؟ قال : هي تسع . قلت : ما هن ؟ قال : الإشراك بالله ، وقذف المحصنة . قال : قلت : قبل القتل ؟ قال : نعم ، ورغما - وقتل النفس المؤمنة ، والفرار من الزحف ، والسحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق [ ص: 241 ] الوالدين المسلمين ، وإلحاد بالبيت الحرام ، قبلتكم أحياء وأمواتا .

    9189 - حدثنا سليمان بن ثابت الخراز قال : أخبرنا سلم بن سلام قال : أخبرنا أيوب بن عتبة ، عن يحيى ، عن عبيد بن عمير ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله إلا أنه قال : بدأ بالقتل قبل القذف .

    [ ص: 242 ] وقال آخرون : هي أربع .

    ذكر من قال ذلك :

    9190 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام بن سلم ، عن عنبسة ، عن مطرف ، عن وبرة ، عن ابن مسعود قال : الكبائر : الإشراك بالله ، والقنوط [ ص: 243 ] من رحمة الله ، والإياس من روح الله ، والأمن من مكر الله .

    9191 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مطرف ، عن وبرة بن عبد الرحمن ، عن أبي الطفيل ، قال : قال عبد الله بن مسعود : أكبر الكبائر : الإشراك بالله ، والإياس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله .

    9192 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن وبرة بن عبد الرحمن قال : قال عبد الله : إن الكبائر : الشرك بالله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ، والإياس من روح الله .

    9193 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت مطرفا ، عن وبرة ، عن أبي الطفيل قال : قال عبد الله : الكبائر أربع : الإشراك بالله ، والقنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله .

    9194 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال : حدثنا عبد الله قال : أخبرنا شيبان ، عن الأعمش ، عن وبرة ، عن أبي الطفيل قال : سمعت ابن مسعود يقول : أكبر الكبائر : الإشراك بالله .

    9195 - حدثني محمد بن عمارة قال : حدثنا عبد الله قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن وبرة ، عن أبي الطفيل ، عن عبد الله بنحوه .

    9196 - حدثني ابن المثنى قال : حدثني وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الملك ، عن أبي الطفيل ، عن عبد الله قال : الكبائر أربع : الإشراك بالله ، والأمن من مكر الله ، والإياس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله .

    [ ص: 244 ] 9197 - وبه قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن أبي الطفيل ، عن عبد الله بمثله .

    9198 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن أبي الطفيل ، عن عبد الله بن مسعود بنحوه .

    9199 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي الطفيل ، عن ابن مسعود قال : الكبائر أربع : الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله ، والأمن لمكر الله ، والإياس من روح الله .

    9200 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن فرات القزاز ، عن أبي الطفيل ، عن عبد الله قال : الكبائر : القنوط من رحمة الله ، والإياس من روح الله ، والأمن لمكر الله ، والشرك بالله .

    وقال آخرون : كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة .

    ذكر من قال ذلك :

    9201 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا هشيم ، عن منصور ، عن ابن سيرين ، عن ابن عباس - قال : ذكرت عنده الكبائر - فقال : كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة .

    9202 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا أيوب ، عن محمد قال : أنبئت أن ابن عباس كان يقول : كل ما نهى الله عنه [ ص: 245 ] كبيرة وقد ذكرت الطرفة ، قال : هي النظرة .

    9203 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا معتمر ، عن أبيه ، عن طاوس قال : قال رجل لعبد الله بن عباس : أخبرني بالكبائر السبع . قال : فقال ابن عباس : هي أكثر من سبع وسبع . فما أدري كم قالها من مرة .

    9204 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن سليمان التيمي ، عن طاوس قال : ذكروا عند ابن عباس الكبائر فقالوا : هي سبع . قال : هي أكثر من سبع وسبع ! قال سليمان : فلا أدري كم قالها من مرة .

    9205 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي عدي ، عن عوف قال : قام أبو العالية الرياحي على حلقة أنا فيها فقال : إن ناسا يقولون : " الكبائر سبع " وقد خفت أن تكون الكبائر سبعين أو يزدن على ذلك .

    9206 - حدثنا علي قال : حدثنا الوليد قال : سمعت أبا عمرو يخبر ، عن الزهري ، عن ابن عباس : أنه سئل عن الكبائر : أسبع هي ؟ قال : هي إلى السبعين أقرب .

    9207 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن قيس بن سعد ، عن سعيد بن جبير ، أن رجلا قال لابن عباس : كم الكبائر ؟ أسبع هي ؟ قال : إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع ، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ، ولا صغيرة مع إصرار .





  12. #472
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (472)
    صــ 246 إلى صــ 260





    9208 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن طاوس قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : أرأيت الكبائر السبع التي ذكرهن الله ؟ ما هن ؟ قال : هن إلى السبعين أدنى منها إلى سبع . [ ص: 246 ] 9209 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : قيل لابن عباس : الكبائر سبع ؟ قال : هي إلى السبعين أقرب .

    9210 - حدثنا أحمد بن حازم قال : أخبرنا أبو نعيم قال : حدثنا عبد الله بن سعدان ، عن أبي الوليد قال : سألت ابن عباس عن الكبائر ، قال : كل شيء عصي الله فيه فهو كبيرة .

    وقال آخرون : هي ثلاث .

    ذكر من قال ذلك :

    9211 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن مسعود قال : الكبائر ثلاث : اليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله .

    وقال آخرون : كل موجبة ، وكل ما أوعد الله أهله عليه النار ، فكبيرة .

    ذكر من قال ذلك :

    9212 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ، قال : " الكبائر " كل ذنب ختمه الله بنار ، أو غضب ، أو لعنة ، أو عذاب .

    9213 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا [ ص: 247 ] هشام بن حسان ، عن محمد بن واسع قال : قال سعيد بن جبير : كل موجبة في القرآن كبيرة .

    9214 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن مهزم الشعاب ، عن محمد بن واسع الأزدي ، عن سعيد بن جبير قال : كل ذنب نسبه الله إلى النار ، فهو من الكبائر .

    9215 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن سالم : أنه سمع الحسن يقول : كل موجبة في القرآن كبيرة .

    9216 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ، قال : الموجبات .

    9217 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    9218 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا جويبر ، عن الضحاك قال : الكبائر : كل موجبة أوجب الله لأهلها النار . وكل عمل يقام به الحد ، فهو من الكبائر .

    قال أبو جعفر : والذي نقول به في ذلك ، ما ثبت به الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك ما :

    9219 - حدثنا به أحمد بن الوليد القرشي قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : [ ص: 248 ] حدثنا شعبة قال : حدثني عبيد الله بن أبي بكر قال : سمعت أنس بن مالك قال : ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبائر أو : سئل عن الكبائر فقال : الشرك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين . فقال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قال : قول الزور أو قال : شهادة الزور قال شعبة : وأكبر ظني أنه قال : شهادة الزور .

    9220 - حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي قال : حدثنا خالد بن الحارث قال : حدثنا شعبة قال : أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكبائر قال : " الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، وقول الزور .

    9221 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا يحيى بن كثير قال : حدثنا شعبة ، عن عبيد الله بن أبي بكر ، عن أنس قال : ذكروا الكبائر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس . ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قول الزور .

    9222 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، [ ص: 249 ] عن فراس ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أكبر الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين أو : قتل النفس ، - شعبة الشاك - واليمين الغموس .

    9223 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : حدثنا شيبان ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن عمرو قال : جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما الكبائر ؟ قال : الشرك بالله . قال : ثم مه ؟ قال : وعقوق الوالدين . قال : ثم مه ؟ قال : واليمين الغموس . قلت للشعبي : ما اليمين الغموس ؟ قال : الذي يقتطع مال امرئ مسلم بيمينه وهو فيها كاذب .

    9224 - حدثني المثنى قال : حدثنا ابن أبي السري محمد بن المتوكل العسقلاني قال : حدثنا يحيى بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن أبي رهم ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أقام الصلاة ، [ ص: 250 ] وآتى الزكاة ، وصام رمضان ، واجتنب الكبائر ، فله الجنة . قيل : وما الكبائر ؟ قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، والفرار يوم الزحف .

    9225 - حدثني عباس بن أبي طالب قال : حدثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر ، عن ابن أبي جعفر ، عن ابن أبي الزناد ، عن موسى بن عقبة ، عن عبد الله بن سلمان الأغر ، عن أبيه أبي عبد الله سلمان الأغر قال : قال أبو أيوب [ ص: 251 ] خالد بن أيوب الأنصاري - عقبي بدري - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من عبد يعبد الله لا يشرك به شيئا ، ويقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، ويصوم رمضان ، ويجتنب الكبائر ، إلا دخل الجنة . فسألوه : ما الكبائر ؟ قال : الإشراك بالله ، والفرار من الزحف ، وقتل النفس .

    9226 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال : حدثنا عباد بن عباد ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة : أن ناسا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكروا الكبائر وهو متكئ ، فقالوا : الشرك بالله ، وأكل مال اليتيم ، وفرار من الزحف ، وقذف المحصنة ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور ، والغلول ، والسحر ، وأكل الربا : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فأين تجعلون : ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) ؟ إلى آخر الآية ، [ سورة آل عمران : 77 ] .

    [ ص: 252 ] 9227 - حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي قال : حدثنا سفيان ، عن أبي معاوية ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن عبد الله قال : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما الكبائر ؟ قال : أن تدعو لله ندا وهو خلقك ، وأن تقتل ولدك من أجل مأكل معك ، أو تزني بحليلة جارك . وقرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ) [ سورة الفرقان : 68 ] .

    9228 - حدثني هذا الحديث عبد الله بن محمد الزهري فقال : حدثنا سفيان قال : حدثنا أبو معاوية النخعي وكان على السجن سمعه من أبي عمرو ، عن عبد الله بن مسعود : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : أي العمل شر ؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، وأن تقتل ولدك خشية من أن يأكل معك ، أو تزني بجارتك . وقرأ علي : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر )

    قال أبو جعفر : وأولى ما قيل في تأويل " الكبائر " بالصحة ، ما صح به الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون ما قاله غيره ، وإن كان كل [ ص: 253 ] قائل فيها قولا من الذين ذكرنا أقوالهم - قد اجتهد وبالغ في نفسه . ولقوله في الصحة مذهب . فالكبائر إذا : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس المحرم قتلها ، وقول الزور - وقد يدخل في " قول الزور " : شهادة الزور ، وقذف المحصنة ، واليمين الغموس ، والسحر . ويدخل في قتل النفس المحرم قتلها : قتل الرجل ولده من أجل أن يطعم معه ، والفرار من الزحف ، والزنا بحليلة الجار .

    وإذ كان ذلك كذلك ، صح كل خبر روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معنى الكبائر ، وكان بعضه مصدقا بعضا . وذلك أن الذي روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " هي سبع " يكون معنى قوله حينئذ : " هي سبع " على التفصيل ، ويكون معنى قوله في الخبر الذي روي عنه أنه قال : " هي الإشراك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور " على الإجمال ، [ ص: 254 ] إذ كان قوله : " وقول الزور " يحتمل معاني شتى ، وأن يجمع جميع ذلك " قول الزور " .

    وأما خبر ابن مسعود الذي حدثني به الفريابي على ما ذكرت ، فإنه عندي غلط من عبيد الله بن محمد ؛ لأن الأخبار المتظاهرة من الأوجه الصحاح عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو الرواية التي رواها الزهري عن ابن عيينة . ولم يقل أحد منهم في حديثه عن ابن مسعود " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : سئل عن الكبائر " . فنقلهم ما نقلوا من ذلك عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - - أولى بالصحة من نقل الفريابي .

    قال أبو جعفر : فمن اجتنب الكبائر ، التي وعد الله مجتنبها تكفير ما عداها من سيئاته وإدخاله مدخلا كريما ، وأدى فرائضه التي فرضها الله عليه - وجد الله لما وعده من وعد منجزا ، وعلى الوفاء له ثابتا .

    وأما قوله : نكفر عنكم سيئاتكم ، فإنه يعني به : نكفر عنكم ، أيها المؤمنون ، باجتنابكم كبائر ما ينهاكم عنه ربكم ، صغائر سيئاتكم . يعني : صغائر ذنوبكم ، كما :

    9229 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : نكفر عنكم سيئاتكم ، الصغائر .

    9230 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن الحسن : أن ناسا لقوا عبد الله بن عمرو بمصر ، فقالوا : نرى أشياء من كتاب [ ص: 255 ] الله ، أمر أن يعمل بها ، لا يعمل بها ، فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك ؟ فقدم وقدموا معه ، فلقيه عمر رضي الله عنه فقال : متى قدمت ؟ قال : منذ كذا وكذا . قال : أبإذن قدمت ؟ قال : فلا أدري كيف رد عليه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن ناسا لقوني بمصر فقالوا : " إنا نرى أشياء من كتاب الله تبارك وتعالى ، أمر أن يعمل بها ولا يعمل بها " فأحبوا أن يلقوك في ذلك . فقال : اجمعهم لي . قال : فجمعتهم له - قال ابن عون : أظنه قال : في بهو - فأخذ أدناهم رجلا فقال : أنشدكم بالله وبحق الإسلام عليك ، أقرأت القرآن كله ؟ قال : نعم . قال : فهل أحصيته في نفسك ؟ قال : اللهم لا ! قال : ولو قال : " نعم " لخصمه ، قال : فهل أحصيته في بصرك ؟ هل أحصيته في لفظك ؟ هل أحصيته في أثرك ؟ قال : ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم ، فقال : ثكلت عمر أمه ! أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ؟ قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات . قال : وتلا " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما . هل علم أهل المدينة - أو قال : هل علم أحد - بما قدمتم ؟ قالوا ، لا ! قال : لو علموا لوعظت بكم . [ ص: 256 ] 9231 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا زياد بن مخراق ، عن معاوية بن قرة قال : أتينا أنس بن مالك ، فكان فيما حدثنا قال : لم نر مثل الذي بلغنا عن ربنا ، ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال ! ثم سكت هنيهة ، ثم قال : والله لقد كلفنا ربنا أهون من ذلك ! لقد تجاوز لنا عما دون الكبائر ! فما لنا ولها ؟ ثم تلا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه الآية .

    9232 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه الآية ، إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنب الكبائر . وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اجتنبوا الكبائر ، وسددوا ، وأبشروا " .

    9233 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن رجل ، عن ابن مسعود قال في خمس آيات من " سورة النساء " : لهن أحب إلي من الدنيا جميعا ، ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) وقوله : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ) [ سورة النساء : 40 ] ، وقوله : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ سورة النساء : 48 ، 116 ] [ ص: 257 ] ، وقوله : ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) [ سورة النساء : 110 ] ، وقوله : ( والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما ) [ سورة النساء : 152 ] .

    9234 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني أبو النضر ، عن صالح المري ، عن قتادة ، عن ابن عباس قال : ثمان آيات نزلت في " سورة النساء " هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت ، أولاهن : ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ) [ سورة النساء : 26 ] ، والثانية : ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ) [ سورة النساء : 27 ] ، والثالثة : ( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) [ سورة النساء : 28 ] ، ثم ذكر مثل قول ابن مسعود سواء ، وزاد فيه : ثم أقبل يفسرها في آخر الآية : وكان الله للذين عملوا الذنوب غفورا رحيما .

    وأما قوله : وندخلكم مدخلا كريما ، فإن القرأة اختلفت في قراءته . فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض الكوفيين : " وندخلكم مدخلا كريما " [ ص: 258 ] بفتح " الميم " وكذلك الذي في " الحج " : " ليدخلنهم مدخلا يرضونه " [ سورة الحج : 59 ] ، فمعنى : " وندخلكم مدخلا " فيدخلون دخولا كريما . وقد يحتمل على مذهب من قرأ هذه القراءة - أن يكون المعنى في " المدخل " : المكان والموضع ؛ لأن العرب ربما فتحت " الميم " من ذلك بهذا المعنى ، كما قال الراجز :


    بمصبح الحمد وحيث نمسي
    وقد أنشدني بعضهم سماعا من العرب :


    الحمد لله ممسانا ومصبحنا بالخير صبحنا ربي ومسانا


    وأنشدني آخر غيره :


    الحمد لله ممسانا ومصبحنا


    لأنه من " أصبح " " وأمسى " . وكذلك تفعل العرب فيما كان من الفعل بناؤه على أربعة ، تضم ميمه في مثل هذا فتقول : " دحرجته أدحرجه مدحرجا ، فهو مدحرج " . ثم تحمل ما جاء على " أفعل يفعل " على ذلك ؛ لأن " يفعل " من " يدخل " وإن كان على أربعة ، فإن أصله أن يكون على " يؤفعل " " يؤدخل " و " يؤخرج " فهو نظير " يدحرج " .

    [ ص: 259 ] وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين والبصريين - " مدخلا " بضم " الميم " . يعني : وندخلكم إدخالا كريما .

    قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب ، قراءة من قرأ ذلك : ( وندخلكم مدخلا كريما ) بضم " الميم " لما وصفنا ، من أن ما كان من الفعل بناؤه على أربعة في " فعل " فالمصدر منه " مفعل " . وأن " أدخل " و " دحرج " " فعل " منه على أربعة . ف " المدخل " مصدره أولى من " مفعل " مع أن ذلك أفصح في كلام العرب في مصادر ما جاء على " أفعل " كما يقال : " أقام بمكان فطاب له المقام " إذ أريد به الإقامة و " قام في موضعه فهو في مقام واسع " كما قال - جل ثناؤه - : ( إن المتقين في مقام أمين ) [ سورة الدخان : 51 ] ، من " قام يقوم " . ولو أريد به " الإقامة " لقرئ : " إن المتقين في مقام أمين " كما قرئ : ( وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) [ سورة الإسراء : 80 ] ، بمعنى " الإدخال " و " الإخراج " . ولم يبلغنا عن أحد أنه قرأ : " مدخل صدق " ولا " مخرج صدق " بفتح " الميم " .

    وأما " المدخل الكريم " فهو : الطيب الحسن ، المكرم بنفي الآفات والعاهات عنه ، وبارتفاع الهموم والأحزان ودخول الكدر في عيش من دخله ، فلذلك سماه الله كريما ، كما :

    9235 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : [ ص: 260 ] حدثنا أسباط ، عن السدي : وندخلكم مدخلا كريما ، قال : " الكريم " هو الحسن في الجنة .





  13. #473
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (473)
    صــ 261 إلى صــ 275




    القول في تأويل قوله ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ولا تشتهوا ما فضل الله به بعضكم على بعض .

    وذكر أن ذلك نزل في نساء تمنين منازل الرجال ، وأن يكون لهم ما لهم ، فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة ، وأمرهم أن يسألوه من فضله ، إذ كانت الأماني تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق .

    [ ص: 261 ] ذكر الأخبار بما ذكرنا :

    9236 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا نعطى الميراث ، ولا نغزو في سبيل الله فنقتل ؟ فنزلت : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض .

    9237 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله : تغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث ! فنزلت : " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ، ونزلت : ( إن المسلمين والمسلمات ) [ سورة الأحزاب : 35 ] .

    9238 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، يقول : لا يتمنى الرجل يقول : " ليت أن لي مال فلان وأهله " ! فنهى الله سبحانه عن ذلك ، ولكن ليسأل الله من فضله .

    9239 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، قال : قول النساء : " ليتنا رجالا فنغزو ونبلغ ما يبلغ الرجال " ! [ ص: 262 ] 9240 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، قول النساء يتمنين : " ليتنا رجال فنغزو " ! ثم ذكر مثل حديث محمد بن عمرو .

    9241 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قالت أم سلمة : أي رسول الله ، أتغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث ؟ فنزلت : ولا تتمنوا ما فضل الله . [ ص: 263 ] 9242 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن شيخ من أهل مكة قوله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، قال : كان النساء يقلن : " ليتنا رجال فنجاهد كما يجاهد الرجال ، ونغزو في سبيل الله " ! فقال الله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض .

    9243 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال : تتمنى مال فلان ومال فلان ! وما يدريك ؟ لعل هلاكه في ذلك المال !

    9244 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ومجاهد : أنهما قالا : نزلت في أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة .

    [ ص: 264 ] 9245 - وبه قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : هو الإنسان ، يقول : " وددت أن لي مال فلان " ! قال : واسألوا الله من فضله ، وقول النساء : " ليت أنا رجالا فنغزو ونبلغ ما يبلغ الرجال " !

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا يتمن بعضكم ما خص الله بعضا من منازل الفضل .

    ذكر من قال ذلك :

    9246 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، فإن الرجال قالوا : " نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء ، كما لنا في السهام سهمان ، فنريد أن يكون لنا في الأجر أجران " . وقالت النساء : " نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الرجال ، فإنا لا نستطيع أن نقاتل ، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا " ! فأنزل الله تعالى الآية ، وقال لهم : سلوا الله من فضله ، يرزقكم الأعمال ، وهو خير لكم .

    9247 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد قال : نهيتم عن الأماني ، ودللتم على ما هو خير منه : واسألوا الله من فضله .

    9248 - حدثني المثنى قال : حدثنا عارم قال : حدثنا حماد بن زيد ، [ ص: 265 ] عن أيوب قال : كان محمد إذا سمع الرجل يتمنى في الدنيا قال : قد نهاكم الله عن هذا : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، ودلكم على خير منه : واسألوا الله من فضله .

    قال أبو جعفر : فتأويل الكلام على هذا التأويل : ولا تتمنوا ، أيها الرجال والنساء ، الذي فضل الله به بعضكم على بعض من منازل الفضل ودرجات الخير ، وليرض أحدكم بما قسم الله له من نصيب ، ولكن سلوا الله من فضله .
    القول في تأويل قوله ( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

    فقال بعضهم : معنى ذلك : للرجال نصيب مما اكتسبوا ، من الثواب على الطاعة ، والعقاب على المعصية وللنساء نصيب من ذلك مثل ذلك .

    ذكر من قال ذلك :

    9249 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ، كان أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئا ولا الصبي شيئا ، وإنما يجعلون الميراث لمن يحترف وينفع ويدفع . فلما نجز للمرأة نصيبها وللصبي نصيبه ، وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، قال النساء : " لو [ ص: 266 ] كان جعل أنصباءنا في الميراث كأنصباء الرجال " ! وقال الرجال : " إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة ، كما فضلنا عليهن في الميراث " ! فأنزل الله : للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ، يقول : المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها ، كما يجزى الرجل ، قال الله تعالى : واسألوا الله من فضله .

    9250 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال : حدثني أبو ليلى قال : سمعت أبا حريز يقول : لما نزل : للذكر مثل حظ الأنثيين ، قالت النساء : كذلك عليهم نصيبان من الذنوب ، كما لهم نصيبان من الميراث ! فأنزل الله : للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ، يعني الذنوب " واسألوا الله " يا معشر النساء " من فضله " .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : للرجال نصيب مما اكتسبوا من ميراث موتاهم ، وللنساء نصيب منهم .

    ذكر من قال ذلك :

    9251 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن [ ص: 267 ] ، يعني : ما ترك الوالدان والأقربون : يقول : للذكر مثل حظ الأنثيين .

    9252 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن أبي إسحاق ، عن عكرمة أو غيره في قوله : للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ، قال : في الميراث ، كانوا لا يورثون النساء .

    قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية ، قول من قال : معناه : للرجال نصيب من ثواب الله وعقابه مما اكتسبوا فعملوه من خير أو شر ، وللنساء نصيب مما اكتسبن من ذلك كما للرجال .

    وإنما قلنا إن ذلك أولى بتأويل الآية من قول من قال : " تأويله : للرجال نصيب من الميراث ، وللنساء نصيب منه " لأن الله - جل ثناؤه - أخبر أن لكل فريق من الرجال والنساء نصيبا مما اكتسب . وليس الميراث مما اكتسبه الوارث ، وإنما هو مال أورثه الله عن ميته بغير اكتساب ، وإنما " الكسب " العمل ، و " المكتسب " : المحترف . فغير جائز أن يكون معنى الآية وقد قال الله : للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن : للرجال نصيب مما ورثوا ، وللنساء نصيب مما ورثن . لأن ذلك لو كان كذلك لقيل : " للرجال نصيب مما لم يكتسبوا ، وللنساء نصيب مما لم يكتسبن " ! !
    [ ص: 268 ] القول في تأويل قوله ( واسألوا الله من فضله )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : واسألوا الله من عونه وتوفيقه للعمل بما يرضيه عنكم من طاعته . ففضله في هذا الموضع : توفيقه ومعونته كما :

    9253 - حدثنا محمد بن مسلم الرازي قال : حدثنا أبو جعفر النفيلي قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن أشعث ، عن سعيد : واسألوا الله من فضله ، قال : العبادة ، ليست من أمر الدنيا .

    9254 - حدثنا محمد بن مسلم قال : حدثني أبو جعفر قال : حدثنا موسى ، عن ليث قال : " فضله " العبادة ، ليس من أمر الدنيا .

    9255 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هشام ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : واسألوا الله من فضله ، قال : ليس بعرض الدنيا .

    9256 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : واسألوا الله من فضله ، يرزقكم الأعمال ، وهو خير لكم .

    9257 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي قال : حدثنا إسرائيل ، عن حكيم بن جبير ، عن رجل لم يسمه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سلوا الله من فضله ، فإنه يحب أن يسأل ، وإن من أفضل العبادة انتظار الفرج .
    [ ص: 269 ] القول في تأويل قوله ( إن الله كان بكل شيء عليما ( 32 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : أن الله كان بما يصلح عباده - فيما قسم لهم من خير ، ورفع بعضهم فوق بعض في الدين والدنيا ، وبغير ذلك من قضائه وأحكامه فيهم - " عليما " يقول : ذا علم . فلا تتمنوا غير الذي قضى لكم ، ولكن عليكم بطاعته ، والتسليم لأمره ، والرضى بقضائه ، ومسألته من فضله .
    القول في تأويل قوله ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون )

    يعني - جل ثناؤه - بقوله : ولكل جعلنا موالي ، ولكلكم ، أيها الناس " جعلنا موالي " يقول : ورثة من بني عمه وإخوته وسائر عصبته غيرهم .

    والعرب تسمي ابن العم " المولى " ومنه قول الشاعر : [ ص: 270 ]
    ومولى رمينا حوله وهو مدغل بأعراضنا والمنديات سروع


    يعني بذلك : وابن عم رمينا حوله ، ومنه قول الفضل بن العباس :


    مهلا بني عمنا مهلا موالينا لا تظهرن لنا ما كان مدفونا


    وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    9258 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا إدريس قال : حدثنا طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ولكل جعلنا موالي ، قال : ورثة .

    9259 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان ، قال : الموالي العصبة ، يعني الورثة .

    9260 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : ولكل جعلنا موالي ، قال : الموالي العصبة .

    [ ص: 271 ] 9261 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد قوله : ولكل جعلنا موالي ، قال : هم الأولياء .

    9262 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ولكل جعلنا موالي ، يقول : عصبة .

    9263 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ولكل جعلنا موالي ، قال : الموالي أولياء الأب ، أو الأخ ، أو ابن الأخ ، أو غيرهما من العصبة .

    9264 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ولكل جعلنا موالي ، أما " موالي " فهم أهل الميراث .

    9265 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ولكل جعلنا موالي ، قال : الموالي : العصبة . هم كانوا في الجاهلية الموالي ، فلما دخلت العجم على العرب لم يجدوا لهم اسما ، فقال الله تبارك وتعالى : ( فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) [ سورة الأحزاب : 5 ] ، فسموا : " الموالي " قال : و " المولى " اليوم موليان : مولى يرث ويورث ، فهؤلاء ذوو الأرحام - ومولى يورث ولا يرث ، فهؤلاء العتاقة . وقال : ألا ترون قول زكريا : ( وإني خفت الموالي من ورائي ) [ سورة مريم : 5 ] ؟ فالموالي هاهنا الورثة .

    ويعني بقوله : مما ترك الوالدان والأقربون ، مما تركه والده وأقرباؤه من الميراث .

    [ ص: 272 ] قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : ولكلكم ، أيها الناس ، جعلنا عصبة يرثون به مما ترك والده وأقرباؤه من ميراثهم .
    القول في تأويل قوله ( والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم )

    قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

    فقرأه بعضهم : ( والذين عقدت أيمانكم ) ، بمعنى : والذين عقدت أيمانكم الحلف بينكم وبينهم . وهي قراءة عامة قرأة الكوفيين .

    وقرأ ذلك آخرون : " والذين عاقدت أيمانكم " بمعنى : والذين عاقدت أيمانكم وأيمانهم الحلف بينكم وبينهم .

    قال أبو جعفر : والذي نقول به في ذلك : إنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة أمصار المسلمين بمعنى واحد .

    وفي دلالة قوله : " أيمانكم " على أنها أيمان العاقدين والمعقود عليهم الحلف - مستغنى عن الدلالة على ذلك بقراءة قوله : " عقدت " " عاقدت " . وذلك أن الذين قرءوا ذلك : " عاقدت " قالوا : لا يكون عقد الحلف إلا من فريقين ، ولا بد لنا من دلالة في الكلام على أن ذلك كذلك . وأغفلوا موضع دلالة قوله : " أيمانكم " على أن معنى ذلك أيمانكم وأيمان المعقود عليهم ، وأن العقد إنما هو صفة للأيمان دون [ ص: 273 ] العاقدين الحلف ، حتى زعم بعضهم أن ذلك إذا قرئ : عقدت أيمانكم ، فالكلام محتاج إلى ضمير صفة تقي الكلام ، حتى يكون الكلام معناه : والذين عقدت لهم أيمانكم ذهابا منه عن الوجه الذي قلنا في ذلك ، من أن الأيمان معني بها أيمان الفريقين .

    وأما " عاقدت أيمانكم " فإنه في تأويل : عاقدت أيمان هؤلاء أيمان هؤلاء - الحلف .

    فهما متقاربان في المعنى ، وإن كانت قراءة من قرأ ذلك : " عقدت أيمانكم " بغير " ألف " - أصح معنى من قراءة من قرأه : " عاقدت " ؛ للذي ذكرنا من الدلالة المغنية في صفة الأيمان بالعقد ، على أنها أيمان الفريقين من الدلالة على ذلك بغيره .

    وأما معنى قوله : " عقدت أيمانكم " فإنه : وصلت وشدت ووكدت [ ص: 274 ] " أيمانكم " يعني : مواثيقكم التي واثق بعضكم بعضا فآتوهم نصيبهم .

    ثم اختلف أهل التأويل في معنى " النصيب " الذي أمر الله أهل الحلف أن يؤتي بعضهم بعضا في الإسلام .

    فقال بعضهم : هو نصيبه من الميراث ؛ لأنهم في الجاهلية كانوا يتوارثون ، فأوجب الله في الإسلام من بعضهم لبعض بذلك الحلف ، وبمثله في الإسلام - من الموارثة مثل الذي كان لهم في الجاهلية . ثم نسخ ذلك بما فرض من الفرائض لذوي الأرحام والقرابات .

    ذكر من قال ذلك :

    9266 - حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسن بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري في قوله : والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيد " قال : كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب ، فيرث أحدهما الآخر ، فنسخ الله ذلك في " الأنفال " فقال : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) [ سورة الأنفال : 75 ] .

    9267 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قول الله : " والذين عاقدت أيمانكم " [ ص: 275 ] قال : كان الرجل يعاقد الرجل فيرثه ، وعاقد أبو بكر رضي الله عنه مولى فورثه .

    9268 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم " فكان الرجل يعاقد الرجل : أيهما مات ورثه الآخر . فأنزل الله : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) [ سورة الأحزاب : 6 ] ، يقول : إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا - وصية ، فهو لهم جائز من ثلث مال الميت . وذلك هو المعروف .

    9269 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا " كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول : " دمي دمك ، وهدمي هدمك ، وترثني وأرثك ، وتطلب بي وأطلب بك " . فجعل له السدس من جميع المال في الإسلام ، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم . فنسخ ذلك بعد في " سورة الأنفال " فقال الله : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) [ سورة الأنفال : 6 ] .




  14. #474
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (474)
    صــ 276 إلى صــ 290



    9270 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 276 ] معمر ، عن قتادة : " والذين عاقدت أيمانكم " قال : كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول : " دمي دمك ، وترثني وأرثك ، وتطلب بي وأطلب بك " . فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس ، فأمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث ، وهو السدس ، ثم نسخ ذلك بالميراث ، فقال : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ) .

    9271 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا همام بن يحيى قال : سمعت قتادة يقول ، في قوله : " والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم " وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول : " هدمي هدمك ودمي دمك ، وترثني وأرثك ، وتطلب بي وأطلب بك " فجعل له السدس من جميع المال ، ثم يقتسم أهل الميراث ميراثهم . فنسخ ذلك بعد في " الأنفال " فقال : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) ، فصارت المواريث لذوي الأرحام .

    9272 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة قال : هذا حلف كان في الجاهلية ، كان الرجل يقول للرجل : " ترثني وأرثك ، وتنصرني وأنصرك ، وتعقل عني وأعقل عنك " .

    9273 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " والذين عاقدت أيمانكم " كان الرجل يتبع الرجل فيعاقده : " إن مت فلك مثل ما يرث بعض ولدي " ! وهذا منسوخ .

    [ ص: 277 ] 9274 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم " فإن الرجل في الجاهلية قد كان يلحق به الرجل فيكون تابعه ، فإذا مات الرجل صار لأهله وأقاربه الميراث ، وبقي تابعه ليس له شيء ، فأنزل الله : " والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم " فكان يعطى من ميراثه ، فأنزل الله بعد ذلك : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) .

    وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار ، فكان بعضهم يرث بعضا بتلك المؤاخاة ، ثم نسخ الله ذلك بالفرائض ، وبقوله : ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون .

    ذكر من قال ذلك :

    9275 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا إدريس بن يزيد قال : حدثنا طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : " والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم " قال : كان المهاجرون حين قدموا المدينة ، يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه ، للأخوة التي آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم . فلما نزلت هذه الآية : ولكل جعلنا موالي ، نسخت .

    [ ص: 278 ] 9276 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " والذين عاقدت أيمانكم " الذين عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآتوهم نصيبهم ، إذا لم يأت رحم تحول بينهم . قال : وهو لا يكون اليوم ، إنما كان في نفر آخى بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانقطع ذلك . ولا يكون هذا لأحد إلا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كان آخى بين المهاجرين والأنصار ، واليوم لا يؤاخى بين أحد .

    وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في أهل العقد بالحلف ، ولكنهم أمروا أن يؤتي بعضهم بعضا أنصباءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك ، دون الميراث .

    ذكر من قال ذلك :

    9277 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا إدريس الأودي قال : حدثنا طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم من النصر والنصيحة والرفادة ، ويوصي لهم ، وقد ذهب الميراث .

    9278 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : والذين عقدت أيمانكم . قال : كان حلف في الجاهلية ، فأمروا في الإسلام أن يعطوهم نصيبهم من العقل والمشورة [ ص: 279 ] والنصرة ، ولا ميراث .

    9279 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية : " والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم " من العون والنصر والحلف .

    9280 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد في قول الله : " والذين عاقدت أيمانكم " قال : كان هذا حلفا في الجاهلية ، فلما كان الإسلام ، أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من النصر والولاء والمشورة ، ولا ميراث .

    9281 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال : حدثنا حجاج ، قال ابن جريج : " والذين عاقدت أيمانكم " أخبرني عبد الله بن كثير : أنه سمع مجاهدا يقول : هو الحلف : عقدت أيمانكم . قال : فآتوهم نصيبهم ، قال : النصر .

    9282 - حدثني زكريا بن يحيى قال : حدثنا حجاج ، قال : ابن جريج ، أخبرني عطاء قال : هو الحلف . قال : فآتوهم نصيبهم ، قال : العقل والنصر .

    9283 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " والذين عاقدت أيمانكم " قال : لهم نصيبهم من النصر والرفادة والعقل . [ ص: 280 ] 9284 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه .

    9285 - حدثنا المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : " والذين عاقدت أيمانكم " قال : هم الحلفاء .

    9286 - حدثنا المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن خصيف ، عن عكرمة مثله .

    9287 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم " أما " عقدت أيمانكم " فالحلف ، كالرجل في الجاهلية ينزل في القوم فيحالفونه على أنه منهم ، يواسونه بأنفسهم ، فإذا كان لهم حق أو قتال كان مثلهم ، وإذا كان له حق أو نصرة خذلوه . فلما جاء الإسلام سألوا عنه ، وأبى الله إلا أن يشدده . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لم يزد الإسلام الحلفاء إلا شدة " .

    وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون أبناء غيرهم في الجاهلية ، فأمروا في الإسلام أن يوصوا لهم عند الموت وصية .

    ذكر من قال ذلك :

    9288 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب قال : حدثني سعيد بن المسيب : أن الله قال : " ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم " قال سعيد بن المسيب : إنما نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون [ ص: 281 ] رجالا غير أبنائهم ويورثونهم ، فأنزل الله فيهم ، فجعل لهم نصيبا في الوصية ، ورد الميراث إلى الموالي في ذي الرحم والعصبة ، وأبى الله للمدعين ميراثا ممن ادعاهم وتبناهم ، ولكن الله جعل لهم نصيبا في الوصية .

    قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في تأويل قوله : والذين عقدت أيمانكم ، قول من قال : " والذين عقدت أيمانكم على المحالفة ، وهم الحلفاء " . وذلك أنه معلوم عند جميع أهل العلم بأيام العرب وأخبارها - أن عقد الحلف بينها كان يكون بالأيمان والعهود والمواثيق ، على نحو ما قد ذكرنا من الرواية في ذلك .

    فإذ كان الله - جل ثناؤه - إنما وصف الذين عقدت أيمانهم ما عقدوه بها بينهم ، دون من لم تعقد عقدا بينهم أيمانهم ، وكانت مؤاخاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بين من آخى بينه وبينه من المهاجرين والأنصار لم تكن بينهم بأيمانهم ، وكذلك التبني - كان معلوما أن الصواب من القول في ذلك قول من قال : " هو الحلف " دون غيره ؛ لما وصفناه من العلة .

    وأما قوله : " فآتوهم نصيبهم " فإن أولى التأويلين به ، ما عليه الجميع مجمعون من حكمه الثابت ، وذلك إيتاء أهل الحلف الذي كان في الجاهلية دون الإسلام بعضهم بعضا أنصباءهم من النصرة والنصيحة والرأي ، دون الميراث . وذلك لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا حلف في الإسلام ، وما كان من حلف في الجاهلية ، فلم يزده الإسلام إلا شدة " .

    9289 - حدثنا بذلك أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن [ ص: 282 ] سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

    9290 - وحدثنا أبو كريب قال : حدثنا مصعب بن المقدام ، عن إسرائيل بن يونس ، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا حلف في الإسلام ، وكل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة . وما يسرني أن لي حمر النعم ، وأنى نقضت الحلف الذي كان في دار الندوة .

    9291 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبيه ، عن شعبة بن التوأم الضبي : أن قيس بن عاصم سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحلف فقال : لا حلف في الإسلام ، ولكن تمسكوا بحلف الجاهلية .

    [ ص: 283 ] 9292 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة ، عن أبيه ، عن شعبة بن التوأم ، عن قيس بن عاصم : أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحلف ، قال : فقال : ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به ، ولا حلف في الإسلام .

    9293 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن داود بن أبي عبد الله ، عن ابن جدعان ، عن جدته ، عن أم سلمة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا حلف في الإسلام ، وما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " .

    [ ص: 284 ] 9294 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا حسين المعلم وحدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا حسين المعلم وحدثنا حاتم بن بكر الضبي قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن حسين المعلم قال : حدثنا أبي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته يوم فتح مكة : فوا بحلف ، فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة ، ولا تحدثوا حلفا في الإسلام " .

    [ ص: 285 ] 9295 - حدثنا أبو كريب وعبدة بن عبد الله الصفار قالا : حدثنا محمد بن بشر قال : حدثنا زكريا بن أبي زائدة قال : حدثني سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جبير بن مطعم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا حلف في الإسلام ، وأيما حلف كان في الجاهلية ، فلم يزده الإسلام إلا شدة .

    [ ص: 286 ] 9296 - حدثنا حميد بن مسعدة ومحمد بن عبد الأعلى قالا : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : شهدت حلف المطيبين . وأنا غلام مع عمومتي ، فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه . زاد يعقوب في حديثه عن ابن علية ، قال : وقال الزهري : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لم يصب الإسلام حلفا إلا زاده شدة . قال : ولا حلف في الإسلام . قال : وقد ألف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين قريش والأنصار .

    [ ص: 287 ] 9297 - حدثنا تميم بن المنتصر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عام الفتح ، قام خطيبا في الناس فقال : " يا أيها الناس ، ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة ، ولا حلف في الإسلام " .

    9298 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه .

    9299 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثنا سليمان بن بلال قال : حدثنا عبد الرحمن بن الحارث ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه .

    [ ص: 288 ] قال أبو جعفر : فإذ كان ما ذكرنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيحا ، وكانت الآية إذا اختلف في حكمها : منسوخ هو أم غير منسوخ - غير جائز القضاء عليه بأنه منسوخ - مع اختلاف المختلفين فيه ، ولوجوب حكمها ونفي النسخ عنه وجه صحيح - إلا بحجة يجب التسليم لها ، لما قد بينا في غير موضع من كتبنا الدلالة على صحة القول بذلك - فالواجب أن يكون الصحيح من القول في تأويل قوله : والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ، هو ما ذكرنا من التأويل ، وهو أن قوله : عقدت أيمانكم من الحلف ، وقوله : فآتوهم نصيبهم من النصرة والمعونة والنصيحة والرأي ، على ما أمر به من ذلك - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأخبار التي ذكرناها عنه دون قول من قال : " معنى قوله : فآتوهم نصيبهم ، من الميراث " وأن ذلك كان حكما ثم نسخ بقوله : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، ودون ما سوى القول الذي قلناه في تأويل ذلك .

    وإذ صح ما قلنا في ذلك ، وجب أن تكون الآية محكمة لا منسوخة .
    [ ص: 289 ] القول في تأويل قوله ( إن الله كان على كل شيء شهيدا ( 33 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : فآتوا الذين عقدت أيمانكم نصيبهم من النصرة والنصيحة والرأي ، فإن الله شاهد على ما تفعلون من ذلك ، وعلى غيره من أفعالكم ، مراع لكل ذلك ، حافظ ، حتى يجازي جميعكم على جميع ذلك جزاءه ، أما المحسن منكم المتبع أمري وطاعتي فبالحسنى ، وأما المسيء منكم المخالف أمري ونهيي فبالسوأى . ومعنى قوله : " شهيدا " ذو شهادة على ذلك .
    [ ص: 290 ] القول في تأويل قوله ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : الرجال قوامون على النساء ، الرجال أهل قيام على نسائهم ، في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم بما فضل الله بعضهم على بعض يعني : بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سوقهم إليهن مهورهن ، وإنفاقهم عليهن أموالهم ، وكفايتهم إياهن مؤنهن . وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن ، ولذلك صاروا قواما عليهن ، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن .

    وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    9300 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : الرجال قوامون على النساء يعني : أمراء ، عليها أن تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، وطاعته : أن تكون محسنة إلى أهله ، حافظة لماله . وفضله عليها بنفقته وسعيه .

    9301 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض يقول : الرجل قائم على المرأة ، يأمرها بطاعة الله ، فإن أبت فله أن يضربها ضربا غير مبرح ، وله عليها الفضل بنفقته وسعيه .





  15. #475
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (475)
    صــ 291 إلى صــ 305




    9302 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا [ ص: 291 ] أسباط ، عن السدي : الرجال قوامون على النساء قال : يأخذون على أيديهن ويؤدبونهن .

    9303 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت سفيان يقول : بما فضل الله بعضهم على بعض قال : بتفضيل الله الرجال على النساء .

    وذكر أن هذه الآية نزلت في رجل لطم امرأته ، فخوصم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، فقضى لها بالقصاص .

    ذكر الخبر بذلك :

    9304 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : حدثنا الحسن : أن رجلا لطم امرأته ، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأراد أن يقصها منه ، فأنزل الله : الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ، فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فتلاها عليه ، وقال : أردت أمرا وأراد الله غيره .

    9305 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ذكر لنا أن رجلا لطم امرأته ، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر نحوه .

    9306 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : الرجال قوامون على النساء قال : صك رجل امرأته ، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأراد أن يقيدها منه ، فأنزل الله : الرجال قوامون على النساء . [ ص: 292 ]
    9307 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن جرير بن حازم ، عن الحسن : أن رجلا من الأنصار لطم امرأته ، فجاءت تلتمس القصاص ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما القصاص ، فنزلت : ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) [ سورة طه : 114 ] ونزلت : الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض .

    9308 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : لطم رجل امرأته ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - القصاص . فبينا هم كذلك ، نزلت الآية .

    9309 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما الرجال قوامون على النساء فإن رجلا من الأنصار كان بينه وبين امرأته كلام فلطمها ، فانطلق أهلها ، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرهم : الرجال قوامون على النساء الآية .

    وكان الزهري يقول : ليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون النفس .

    9310 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، سمعت الزهري يقول : لو أن رجلا شج امرأته أو جرحها ، لم يكن عليه في ذلك قود ، وكان عليه العقل ، إلا أن يعدو عليها فيقتلها ، فيقتل بها .

    وأما قوله : وبما أنفقوا من أموالهم فإنه يعني : وبما ساقوا إليهن من [ ص: 293 ] صداق ، وأنفقوا عليهن من نفقة ، كما :

    9311 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : فضله عليها بنفقته وسعيه .

    9312 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك مثله .

    9313 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت سفيان يقول : وبما أنفقوا من أموالهم بما ساقوا من المهر .

    قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذا : الرجال قوامون على نسائهم ، بتفضيل الله إياهم عليهن ، وبإنفاقهم عليهن من أموالهم .

    و " ما " التي في قوله : بما فضل الله والتي في قوله : وبما أنفقوا في معنى المصدر .

    9314 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : حدثنا عبد الله بن المبارك قال : سمعت سفيان يقول : " فالصالحات " يعملن بالخير .

    [ ص: 294 ] وقوله : " قانتات " يعني : مطيعات لله ولأزواجهن ، كما :

    9315 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " قانتات " قال : مطيعات .

    9316 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " قانتات " قال : مطيعات .

    9317 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    9318 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " قانتات " : مطيعات .

    9319 - حدثنا الحسن بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " قانتات " أي : مطيعات لله ولأزواجهن .

    9320 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : " مطيعات " .

    9321 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " القانتات " المطيعات .

    9322 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت سفيان يقول في قوله : " قانتات " قال : مطيعات لأزواجهن .

    وقد بينا معنى " القنوت " فيما مضى ، وأنه الطاعة ، ودللنا على صحة ذلك من الشواهد بما أغنى عن إعادته .

    [ ص: 295 ] وأما قوله : حافظات للغيب فإنه يعني : حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن ، في فروجهن وأموالهم ، وللواجب عليهن من حق الله في ذلك وغيره كما :

    9323 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : حافظات للغيب يقول : حافظات لما استودعهن الله من حقه ، وحافظات لغيب أزواجهن .

    9324 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : حافظات للغيب بما حفظ الله يقول : تحفظ على زوجها ماله وفرجها حتى يرجع ، كما أمرها الله .

    9325 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء ما قوله : حافظات للغيب قال : حافظات للزوج .

    9326 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال : حدثنا حجاج قال : قال ابن جريج : سألت عطاء عن حافظات للغيب قال : حافظات للأزواج .

    9327 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت سفيان يقول : حافظات للغيب حافظات لأزواجهن ، لما غاب من شأنهن .

    9328 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا أبو معشر قال : حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك . قال : ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الرجال قوامون على النساء " الآية .

    [ ص: 296 ] قال أبو جعفر : وهذا الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدل على صحة ما قلنا في تأويل ذلك ، وأن معناه : صالحات في أديانهن ، مطيعات لأزواجهن ، حافظات لهم في أنفسهن وأموالهم .

    وأما قوله : بما حفظ الله ، فإن القرأة اختلفت في قراءته .

    فقرأته عامة القرأة في جميع أمصار الإسلام : ( بما حفظ الله ) برفع اسم " الله " على معنى : بحفظ الله إياهن إذ صيرهن كذلك ، كما :

    9329 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال : حدثنا حجاج قال : قال ابن جريج سألت عطاء عن قوله : بما حفظ الله قال : يقول : حفظهن الله .

    9330 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت سفيان يقول في قوله : بما حفظ الله ، قال : بحفظ الله إياه أنه جعلها كذلك .

    وقرأ ذلك أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني " بما حفظ الله " يعني : [ ص: 297 ] بحفظهن الله في طاعته وأداء حقه بما أمرهن من حفظ غيب أزواجهن ، كقول الرجل للرجل : " ما حفظت الله في كذا وكذا " بمعنى : ما راقبته ولا خفته .

    قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك - ما جاءت به قرأة المسلمين من القراءة مجيئا يقطع عذر من بلغه ويثبت عليه حجته ، دون ما انفرد به أبو جعفر فشذ عنهم . وتلك القراءة ترفع اسم " الله " تبارك وتعالى : ( بما حفظ الله ) مع صحة ذلك في العربية وكلام العرب ، وقبح نصبه في العربية ؛ لخروجه عن المعروف من منطق العرب .

    وذلك أن العرب لا تحذف الفاعل مع المصادر من أجل أن الفاعل إذا حذف معها لم يكن للفعل صاحب معروف .

    وفي الكلام متروك ، استغني بدلالة الظاهر من الكلام عليه من ذكره ، ومعناه : فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ، فأحسنوا إليهن وأصلحوا .

    وكذلك هو فيما ذكر في قراءة ابن مسعود .

    9331 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال : حدثنا عيسى الأعمى ، عن طلحة بن مصرف قال : في قراءة عبد الله : " فالصالحات قانتات للغيب بما حفظ الله فأصلحوا إليهن واللاتي تخافون نشوزهن " .

    9332 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) فأحسنوا إليهن . [ ص: 298 ]
    9333 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ، فأصلحوا إليهن .

    9334 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله يعني : إذا كن هكذا ، فأصلحوا إليهن .
    القول في تأويل قوله ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن )

    اختلف أهل التأويل في معنى قوله : واللاتي تخافون نشوزهن .

    فقال بعضهم : معناه : واللاتي تعلمون نشوزهن . ووجه صرف " الخوف " في هذا الموضع إلى " العلم " في قول هؤلاء - نظير صرف " الظن " إلى " العلم " ؛ لتقارب معنييهما ، إذ كان " الظن " شكا ، وكان " الخوف " مقرونا برجاء ، وكانا جميعا من فعل المرء بقلبه كما قال الشاعر :


    ولا تدفنني في الفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها


    معناه : فإنني أعلم ، وكما قال الآخر :

    [ ص: 299 ]
    أتاني كلام عن نصيب يقوله وما خفت يا سلام أنك عائبي


    بمعنى : وما ظننت .

    وقال جماعة من أهل التأويل :

    معنى " الخوف " في هذا الموضع - الخوف الذي هو خلاف " الرجاء " . قالوا : معنى ذلك : إذا رأيتم منهن ما تخافون أن ينشزن عليكم من نظر إلى ما لا ينبغي لهن أن ينظرن إليه ، ويدخلن ويخرجن ، واستربتم بأمرهن ، فعظوهن واهجروهن . وممن قال ذلك محمد بن كعب .

    وأما قوله : " نشوزهن " فإنه يعني : استعلاءهن على أزواجهن ، وارتفاعهن عن فرشهم بالمعصية منهن ، والخلاف عليهم فيما لزمهن طاعتهم فيه ، بغضا منهن وإعراضا عنهم .

    وأصل " النشوز " الارتفاع . ومنه قيل للمكان المرتفع من الأرض : " نشز " و " نشاز " .

    " فعظوهن " يقول : ذكروهن الله ، وخوفوهن وعيده في ركوبها ما حرم الله عليها من معصية زوجها فيما أوجب عليها طاعته فيه .

    وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

    ذكر من قال : " النشوز " البغض ومعصية الزوج .

    9335 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا [ ص: 300 ] أسباط ، عن السدي : واللاتي تخافون نشوزهن قال : بغضهن .

    9336 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : واللاتي تخافون نشوزهن قال : التي تخاف معصيتها . قال : " النشوز " معصيته وخلافه .

    9337 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : واللاتي تخافون نشوزهن تلك المرأة تنشز ، وتستخف بحق زوجها ولا تطيع أمره .

    9338 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا روح قال : حدثنا ابن جريج قال : قال عطاء : " النشوز " أن تحب فراقه ، والرجل كذلك .

    ذكر الرواية عمن قال ما قلنا في قوله : " فعظوهن " .

    9339 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " فعظوهن " يعني : عظوهن بكتاب الله . قال : أمره الله إذا نشزت أن يعظها ويذكرها الله ، ويعظم حقه عليها .

    9340 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن ، قال : إذا نشزت المرأة عن فراش زوجها يقول لها : " اتقي الله وارجعي إلى فراشك " ! فإن أطاعته ، فلا سبيل له عليها .

    9341 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، [ ص: 301 ] عن يونس ، عن الحسن قال : إذا نشزت المرأة على زوجها فليعظها بلسانه . يقول : يأمرها بتقوى الله وطاعته .

    9342 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي قال : إذا رأى الرجل خفة في بصرها ومدخلها ومخرجها قال : يقول لها بلسانه : قد رأيت منك كذا وكذا فانتهي . فإن أعتبت فلا سبيل له عليها . وإن أبت هجر مضجعها .

    9343 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : حدثنا ابن المبارك قال : أخبرنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : فعظوهن قال : إذا نشزت المرأة عن فراش زوجها فإنه يقول لها : اتقي الله وارجعي .

    9344 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عطاء : فعظوهن قال : بالكلام .

    9345 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قوله : فعظوهن قال : بالألسنة .

    9346 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : فعظوهن قال : عظوهن باللسان .
    [ ص: 302 ] القول في تأويل قوله ( واهجروهن في المضاجع )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك

    فقال بعضهم معنى ذلك فعظوهن في نشوزهن عليكم أيها الأزواج فإن أبين مراجعة الحق في ذلك والواجب عليهن لكم فاهجروهن بترك جماعهن في مضاجعتكم إياهن

    ذكر من قال ذلك :

    9347 - حدثني المثنى قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله فعظوهن واهجروهن في المضاجع يعني : عظوهن فإن أطعنكم وإلا فاهجروهن

    9348 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس : واهجروهن في المضاجع يعني بالهجران أن يكون الرجل وامرأته على فراش واحد لا يجامعها .

    9349 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير قال الهجر هجر الجماع

    9350 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن مفضل قال حدثنا أسباط عن السدي : أما تخافون نشوزهن فإن على زوجها أن يعظها فإن لم تقبل فليهجرها في المضجع يقول يرقد عندها ويوليها ظهره ويطؤها ولا يكلمها هكذا في كتابي ويطؤها ولا يكلمها [ ص: 303 ]

    9351 - حدثني المثنى قال حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا هشيم عن جويبر عن الضحاك في قوله واهجروهن في المضاجع قال : يضاجعها ويهجر كلامها ويوليها ظهره .

    9352 - حدثني المثنى قال حدثنا حبان بن موسى قال حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا شريك عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : واهجروهن في المضاجع قال لا يجامعها

    وقال آخرون بل معنى ذلك واهجروا كلامهن في تركهن مضاجعتكم حتى يرجعن إلى مضاجعتكم

    ذكر من قال ذلك

    9353 حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس عن الحسن بن عبيد الله عن أبي الضحى عن ابن عباس في قوله واهجروهن في المضاجع أنها لا تترك في الكلام ولكن الهجران في أمر المضجع

    9354 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال حدثنا أبو حمزة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير واهجروهن في المضاجع يقول حتى يأتين مضاجعكم

    9355 حدثنا ابن حميد قال حدثنا حكام عن عمرو عن عطاء عن سعيد بن جبير واهجروهن في المضاجع في الجماع

    9356 حدثني المثنى قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس واهجروهن في المضاجع قال يعظها فإن هي قبلت وإلا هجرها في المضجع ولا يكلمها [ ص: 304 ] من غير أن يذر نكاحها وذلك عليها شديد

    9357 - حدثني المثنى قال حدثنا حبان بن موسى قال أخبرنا ابن المبارك قال أخبرنا شريك عن خصيف عن عكرمة : واهجروهن في المضاجع : الكلام والحديث .

    وقال آخرون بل معنى ذلك ولا تقربوهن في فرشهن حتى يرجعن إلى ما تحبون ]

    ذكر من قال ذلك :

    9358 - حدثني الحسن بن زريق الطهوي قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن منصور عن مجاهد في قوله واهجروهن في المضاجع قال لا تضاجعوهن .

    9359 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال الهجران أن لا يضاجعها

    9360 - وبه قال حدثنا جرير عن مغيرة عن عامر وإبراهيم قالا الهجران في المضجع أن لا يضاجعها على فراش .

    9361 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا هشيم قال أخبرنا مغيرة عن إبراهيم والشعبي أنهما قالا في قوله واهجروهن في المضاجع قالا يهجر مضاجعتها حتى ترجع إلى ما يحب

    9362 - حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا [ ص: 305 ] شعبة عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي أنهما كانا يقولان واهجروهن في المضاجع قالا يهجرها في المضجع

    9363 - حدثنا المثنى قال حدثنا حبان قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا شريك عن خصيف عن مقسم واهجروهن في المضاجع قال هجرها في مضجعها أن لا يقرب فراشها

    9364 - حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي قال واهجروهن في المضاجع قال يعظها بلسانه فإن أعتبت فلا سبيل له عليها وإن أبت هجر مضجعها

    9365 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الحسن وقتادة في قوله فعظوهن واهجروهن قالا إذا خاف نشوزها وعظها فإن قبلت وإلا هجر مضجعها

    9366 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة : واهجروهن في المضاجع قال تبدأ يا ابن آدم فتعظها فإن أبت عليك فاهجرها . يعني به فراشها

    وقال آخرون معنى قوله واهجروهن في المضاجع : قولوا لهن من القول هجرا في تركهن مضاجعتكم

    ذكر من قال ذلك :

    9367 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن رجل عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله واهجروهن في المضاجع قال يهجرها بلسانه ويغلظ لها بالقول ولا يدع جماعها




  16. #476
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (476)
    صــ 306 إلى صــ 320






    9368 - وبه قال أخبرنا الثوري عن خصيف عن عكرمة قال إنما [ ص: 306 ] الهجران بالمنطق أن يغلظ لها وليس بالجماع

    9369 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا هشيم قال أخبرنا مغيرة عن أبي الضحى في قوله واهجروهن في المضاجع قال يهجر بالقول ولا يهجر مضاجعتها حتى ترجع إلى ما يريد .

    9370 - حدثنا المثنى قال حدثنا حبان بن موسى قال أخبرنا ابن المبارك قال حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن رجل عن الحسن قال لا يهجرها إلا في المبيت في المضجع ليس له أن يهجر في كلام ولا شيء إلا في الفراش

    9371 - حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق قال حدثني يعلى عن سفيان في قوله واهجروهن في المضاجع قال في مجامعتها ولكن يقول لها تعالي وافعلي كلاما فيه غلظة فإذا فعلت ذلك فلا يكلفها أن تحبه فإن قلبها ليس في يديها .

    قال أبو جعفر : ولا معنى ل الهجر في كلام العرب إلا على أحد ثلاثة أوجه

    أحدها هجر الرجل كلام الرجل وحديثه وذلك رفضه وتركه يقال منه هجر فلان أهله يهجرها هجرا وهجرانا

    والآخر الإكثار من الكلام بترديد كهيئة كلام الهاذئ يقال منه هجر فلان في كلامه يهجر هجرا إذا هذى ومدد الكلمة وما زالت تلك هجيراه وإهجيراه . ومنه قول ذي الرمة


    رمى فأخطأ والأقدار غالبة فانصعن والويل هجيراه والحرب
    [ ص: 307 ]

    والثالث هجر البعير إذا ربطه صاحبه ب " الهجار وهو حبل يربط في حقويها ورسغها ومنه قول امرئ القيس


    رأت هلكا بنجاف الغبيط فكادت تجد لذاك الهجارا


    فأما القول الذي فيه الغلظة والأذى فإنما هو الإهجار ويقال منه أهجر فلان في منطقه إذا قال الهجر وهو الفحش من الكلام يهجر إهجارا وهجرا .

    فإذ كان لا وجه ل " الهجر في الكلام إلا أحد المعاني الثلاثة ، وكانت المرأة المخوف نشوزها إنما أمر زوجها بوعظها لتنيب إلى طاعته فيما يجب عليها له من موافاته عند دعائه إياها إلى فراشه فغير جائز أن تكون عظته لذلك حتى تفيء المرأة إلى أمر الله وطاعة زوجها في ذلك ثم يكون الزوج مأمورا [ ص: 308 ] بهجرها في الأمر الذي كانت عظته إياها عليه

    وإذ كان ذلك كذلك بطل قول من قال معنى قوله واهجروهن في المضاجع واهجروا جماعهن .

    أو يكون - إذ بطل هذا المعنى - بمعنى واهجروا كلامهن بسبب هجرهن مضاجعكم وذلك أيضا لا وجه له مفهوم لأن الله تعالى ذكره قد أخبر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث . على أن ذلك لو كان حلالا لم يكن لهجرها في الكلام معنى مفهوم لأنها إذا كانت عنه منصرفة وعليه ناشزا فمن سرورها أن لا يكلمها ولا يراها ولا تراه فكيف يؤمر الرجل في حال بغض امرأته إياه وانصرافها عنه بترك ما في تركه سرورها من ترك جماعها ومحادثتها وتكليمها وهو يؤمر بضربها لترتدع عما هي عليه من ترك طاعته ، إذا دعاها إلى فراشه وغير ذلك مما يلزمها طاعته فيه . [ ص: 309 ] أو يكون - إذ فسد هذان الوجهان - يكون معناه واهجروا في قولكم لهن بمعنى رددوا عليهن كلامكم إذا كلمتموهن بالتغليظ لهن فإن كان ذلك معناه فلا وجه لإعمال الهجر في كناية أسماء النساء الناشزات أعني في الهاء والنون من قوله واهجروهن لأنه إذا أريد به ذلك المعنى كان الفعل غير واقع إنما يقال هجر فلان في كلامه ولا يقال هجر فلان فلانا

    فإذ كان في كل هذه المعاني ما ذكرنا من الخلل اللاحق فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يكون قوله واهجروهن موجها معناه إلى معنى الربط بالهجار على ما ذكرنا من قيل العرب للبعير إذا ربطه صاحبه بحبل على ما وصفنا هجره فهو يهجره هجرا .

    وإذا كان ذلك معناه كان تأويل الكلام واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن في نشوزهن عليكم فإن اتعظن فلا سبيل لكم عليهن وإن أبين الأوبة من نشوزهن فاستوثقوا منهن رباطا في مضاجعهن يعني في منازلهن وبيوتهن التي يضطجعن فيها ويضاجعن فيها أزواجهن كما

    9372 - حدثني عباس بن أبي طالب قال حدثنا يحيى بن أبي بكير عن شبل قال سمعت أبا قزعة يحدث عن عمرو بن دينار عن حكيم بن معاوية عن أبيه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم - فقال ما حق زوجة أحدنا عليه قال يطعمها ، ويكسوها ولا يضرب الوجه ولا يقبح ، ولا يهجر إلا في البيت . [ ص: 310 ]

    9373 - حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثنا يزيد بن هارون عن شعبة بن الحجاج عن أبي قزعة عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم - نحوه

    9374 - حدثني المثنى قال حدثنا حبان بن موسى قال حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا بهز بن حكيم عن جده قال قلت يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منها وما نذر قال : حرثك فأت حرثك أنى شئت غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت وأطعم إذا طعمت واكس إذا اكتسيت كيف وقد أفضى بعضكم إلا بعض إلا بما حل عليها . [ ص: 311 ]

    وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال عدة من أهل التأويل

    ذكر من قال ذلك :

    9375 - حدثني المثنى قال حدثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن الحسن قال إذا نشزت المرأة على زوجها فليعظها بلسانه فإن قبلت فذاك وإلا ضربها ضربا غير مبرح فإن رجعت فذاك وإلا فقد حل له أن يأخذ منها ويخليها .

    9376 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن الحسن بن عبيد الله عن أبي الضحى عن ابن عباس في قوله واهجروهن في المضاجع واضربوهن قال يفعل بها ذاك ويضربها حتى تطيعه في المضاجع فإذا أطاعته في المضجع فليس له عليها سبيل إذا ضاجعته .

    9377 - حدثني المثنى قال حدثنا حبان قال حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا يحيى بن بشر : أنه سمع عكرمة يقول في قوله واهجروهن في المضاجع واضربوهن " ضربا غير مبرح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - اضربوهن [ ص: 312 ] إذا عصينكم في المعروف ضربا غير مبرح .

    قال أبو جعفر : فكل هؤلاء الذين ذكرنا قولهم لم يوجبوا للهجر معنى غير الضرب ولم يوجبوا هجرا إذا كان هيئة من الهيئات التي تكون بها المضروبة عند الضرب مع دلالة الخبر الذي رواه عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بضربهن إذا عصين أزواجهن في المعروف من غير أمر منه أزواجهن بهجرهن لما وصفنا من العلة .

    قال أبو جعفر : فإن ظن ظان أن الذي قلنا في تأويل الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه عكرمة ليس كما قلنا وصح أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل بهجر زوجته إذا عصته في المعروف وأمره بضربها قبل الهجر لو كان دليلا على صحة ما قلنا من أن معنى الهجر هو ما بيناه لوجب أن يكون لا معنى لأمر الله زوجها أن يعظها إذا هي نشزت إذ كان لا ذكر للعظة في خبر عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

    فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم إذا عصينكم في المعروف دلالة بينة أنه لم يبح للرجل ضرب زوجته إلا بعد عظتها من نشوزها وذلك أنه لا تكون له عاصية إلا وقد تقدم منه لها أمر أو عظة بالمعروف على ما أمر الله به .
    [ ص: 313 ] القول في تأويل قوله ( واضربوهن )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه فعظوهن أيها الرجال في نشوزهن فإن أبين الإياب إلى ما يلزمهن لكم فشدوهن وثاقا في منازلهن واضربوهن ليؤبن إلى الواجب عليهن من طاعه الله في اللازم لهن من حقوقكم .

    وقال أهل التأويل صفة الضرب التي أباح الله لزوج الناشز أن يضربها : الضرب غير المبرح

    ذكر من قال ذلك :

    9378 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا حكام عن عمرو عن عطاء [ ص: 314 ] عن سعيد بن جبير : واضربوهن " قال ضربا غير مبرح

    9379 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال أخبرنا أبو حمزة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير مثله

    9380 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال الضرب غير مبرح

    9381 - حدثني المثنى قال حدثنا حبان بن موسى قال حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا شريك عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس واضربوهن " قال ضربا غير مبرح

    9382 - حدثنا المثنى قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : واهجروهن في المضاجع واضربوهن قال تهجرها في المضجع فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح ولا تكسر لها عظما فإن أقبلت وإلا فقد حل لك منها الفدية

    9383 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الحسن وقتادة في قوله واضربوهن " قال ضربا غير مبرح

    9384 - وبه قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال قلت لعطاء : واضربوهن ؟ قال ضربا غير مبرح .

    9385 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة : واهجروهن في المضاجع واضربوهن قال تهجرها في المضجع فإن أبت عليك فاضربها ضربا غير مبرح أي غير شائن .

    9386 - حدثنا المثنى قال حدثنا إسحاق قال حدثنا ابن عيينة عن ابن جريج عن عطاء قال قلت لابن عباس : ما الضرب غير المبرح ؟ قال السواك وشبهه يضربها به . [ ص: 315 ]

    9387 - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال حدثنا ابن عيينة عن ابن جريج عن عطاء قال قلت لابن عباس : ما الضرب غير المبرح قال بالسواك ونحوه

    9388 - حدثنا المثنى قال حدثنا حبان بن موسى قال أخبرنا ابن المبارك قال أخبرنا ابن عيينة عن ابن جريج عن عطاء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته : ضربا غير مبرح " . قال السواك ونحوه

    9389 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لا تهجروا النساء إلا في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح يقول غير مؤثر

    9390 - حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن إسرائيل عن جابر عن عطاء واضربوهن قال ضربا غير مبرح

    9391 - حدثنا المثنى قال حدثنا حبان قال أخبرنا ابن المبارك قال حدثنا يحيى بن بشر عن عكرمة مثله

    9392 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن مفضل قال حدثنا أسباط عن السدي : واضربوهن قال إن أقبلت في الهجران وإلا ضربها ضربا غير مبرح

    9393 - حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب قال تهجر مضجعها ما رأيت أن تنزع فإن لم تنزع ضربها ضربا غير مبرح

    9394 - حدثني المثنى قال حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن : واضربوهن قال ضربا غير مبرح . [ ص: 316 ]

    9395 - حدثني المثنى قال حدثنا حبان قال حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا عبد الوارث بن سعيد عن رجل عن الحسن قال ضربا غير مبرح غير مؤثر .
    القول في تأويل قوله ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه فإن أطعنكم أيها الناس نساؤكم اللاتي تخافون نشوزهن عند وعظكم إياهن فلا تهجروهن في المضاجع فإن لم يطعنكم فاهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن راجعن طاعتكم عند ذلك وفئن إلى الواجب عليهن فلا تطلبوا طريقا إلى أذاهن ومكروههن ولا تلتمسوا سبيلا إلى ما لا يحل لكم من أبدانهن وأموالهن بالعلل وذلك أن يقول أحدكم لإحداهن وهي له مطيعة إنك لست تحبيني وأنت لي مبغضة فيضربها على ذلك أو يؤذيها . فقال الله تعالى للرجال فإن أطعنكم أي على بغضهن لكم فلا تجنوا عليهن ولا تكلفوهن محبتكم فإن ذلك ليس بأيديهن فتضربوهن أو تؤذوهن عليه .

    ومعنى قوله فلا تبغوا لا تلتمسوا ولا تطلبوا من قول القائل بغيت الضالة إذا التمستها ومنه قول الشاعر في صفة الموت :


    بغاك وما تبغيه حتى وجدته كأنك قد واعدته أمس موعدا


    [ ص: 317 ] بمعنى طلبك وما تطلبه .

    وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل

    ذكر من قال ذلك

    9396 - حدثنا المثنى قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا قال إذا أطاعتك فلا تتجن عليها العلل

    9397 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن الحسن بن عبيد الله عن أبي الضحى عن ابن عباس قال إذا أطاعته فليس له عليها سبيل إذا ضاجعته

    9398 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قوله فلا تبغوا عليهن سبيلا قال العلل

    9399 - وقال أخبرنا عبد الرزاق قال قال الثوري في قوله فإن أطعنكم " قال إن أتت الفراش وهي تبغضه

    9400 - حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق قال حدثنا يعلى عن سفيان قال إذا فعلت ذلك لا يكلفها أن تحبه لأن قلبها ليس في يديها

    9401 - حدثنا المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إن أطاعته فضاجعته فإن الله يقول فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا " .

    9402 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد ، عن قتادة : فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا : يقول فإن أطاعتك فلا تبغ عليها العلل .
    [ ص: 318 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله كان عليا كبيرا ( 34 ) )

    قال أبو جعفر يقول إن الله ذو علو على كل شيء فلا تبغوا أيها الناس على أزواجكم إذا أطعنكم فيما ألزمهن الله لكم من حق سبيلا لعلو أيديكم على أيديهن فإن الله أعلى منكم ومن كل شيء عليكم منكم عليهن ، وأكبر منكم ومن كل شيء وأنتم في يده وقبضته فاتقوا الله أن تظلموهن وتبغوا عليهن سبيلا وهن لكم مطيعات فينتصر لهن منكم ربكم الذي هو أعلى منكم ومن كل شيء وأكبر منكم ومن كل شيء .
    القول في تأويل قوله ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه وإن خفتم شقاق بينهما وإن علمتم أيها الناس شقاق بينهما وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه وهو إتيانه ما يشق عليه من الأمور فأما من المرأة فالنشوز وتركها أداء حق الله [ ص: 319 ] عليها الذي ألزمها الله لزوجها وأما من الزوج فتركه إمساكها بالمعروف أو تسريحها بإحسان .

    والشقاق مصدر من قول القائل شاق فلان فلانا ، إذا أتى كل واحد منهما إلى صاحبه ما يشق عليه من الأمور فهو يشاقه مشاقة وشقاقا وذلك قد يكون عداوة كما

    9403 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدي في قوله وإن خفتم شقاق بينهما قال إن ضربها فأبت أن ترجع وشاقته يقول عادته .

    وإنما أضيف الشقاق إلى البين لأن البين قد يكون اسما كما قال جل ثناؤه ( لقد تقطع بينكم ) [ سورة الأنعام 94 ] في قراءة من قرأ ذلك .

    وأما قوله فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فإن أهل التأويل اختلفوا في المخاطبين بهذه الآية من المأمور ببعثة الحكمين

    فقال بعضهم المأمور بذلك السلطان الذي يرفع ذلك إليه

    ذكر من قال ذلك

    9404 - حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير : أنه قال في المختلعة يعظها فإن انتهت وإلا هجرها فإن انتهت وإلا ضربها فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان فيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها فيقول الحكم الذي من أهلها يفعل بها [ ص: 320 ] كذا ويقول الحكم الذي من أهله تفعل به كذا فأيهما كان الظالم رده السلطان وأخذ فوق يديه وإن كانت ناشزا أمره أن يخلع

    9405 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال حدثنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها قال بل ذلك إلى السلطان .

    وقال آخرون بل المأمور بذلك الرجل والمرأة .

    ذكر من قال ذلك :

    9406 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدي : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها : إن ضربها فإن رجعت فإنه ليس له عليها سبيل فإن أبت أن ترجع وشاقته فليبعث حكما من أهله وتبعث حكما من أهلها .

    ثم اختلف أهل التأويل فيما يبعث له الحكمان وما الذي يجوز للحكمين من الحكم بينهما وكيف وجه بعثهما بينهما

    فقال بعضهم يبعثهما الزوجان بتوكيل منهما إياهما بالنظر بينهما وليس لهما أن يعملا شيئا في أمرهما إلا ما وكلاهما به أو وكله كل واحد منهما بما إليه فيعملان بما وكلهما به من وكلهما من الرجل والمرأة فيما يجوز توكيلهما فيه أو توكيل من وكل منهما في ذلك

    ذكر من قال ذلك :





  17. #477
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (477)
    صــ 321 إلى صــ 335







    9407 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية عن أيوب عن محمد عن عبيدة قال جاء رجل وامرأته بينهما شقاق إلى علي رضي الله عنه مع كل واحد منهما فئام من الناس فقال علي رضي الله عنه ابعثوا حكما [ ص: 321 ] من أهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين تدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي قال الرجل أما الفرقة فلا فقال علي رضي الله عنه كذبت والله لا تنقلب حتى تقر بمثل الذي أقرت به

    9408 - حدثنا مجاهد بن موسى قال حدثنا يزيد قال حدثنا هشام بن حسان وعبد الله بن عون عن محمد : أن عليا رضي الله عنه أتاه رجل وامرأته ومع كل واحد منهما فئام من الناس فأمرهما علي رضي الله عنه أن يبعثا حكما من أهله وحكما من أهلها ؛ لينظرا فلما دنا منه الحكمان قال لهما علي رضي الله عنه أتدريان ما لكما ؟ لكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما . قال هشام في حديثه فقالت المرأة رضيت بكتاب الله لي وعلي فقال الرجل أما الفرقة فلا . فقال علي : كذبت والله حتى ترضى مثل ما رضيت به . وقال ابن عون في حديثه كذبت والله لا تبرح حتى ترضى بمثل ما رضيت به .

    9409 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثنا هشيم قال أخبرنا منصور وهشام عن ابن سيرين عن عبيدة قال شهدت عليا رضي الله عنه فذكر مثله

    9410 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط [ ص: 322 ] عن السدي قال إذا هجرها في المضجع وضربها فأبت أن ترجع وشاقته فليبعث حكما من أهله وتبعث حكما من أهلها تقول المرأة لحكمها قد وليتك أمري فإن أمرتني أن أرجع رجعت وإن فرقت تفرقنا وتخبره بأمرها إن كانت تريد نفقة أو كرهت شيئا من الأشياء وتأمره أن يرفع ذلك عنها وترجع أو تخبره أنها لا تريد الطلاق ويبعث الرجل حكما من أهله يوليه أمره ويخبره يقول له حاجته إن كان يريدها أو لا يريد أن يطلقها أعطاها ما سألت وزادها في النفقة وإلا قال له خذ لي منها ما لها علي وطلقها فيوليه أمره فإن شاء طلق وإن شاء أمسك ثم يجتمع الحكمان فيخبر كل واحد منهما ما يريد لصاحبه ويجهد كل واحد منهما ما يريد لصاحبه فإن اتفق الحكمان على شيء فهو جائز إن طلقا وإن أمسكا فهو قول الله فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما فإن بعثت المرأة حكما وأبى الرجل أن يبعث فإنه لا يقربها حتى يبعث حكما .

    وقال آخرون إن الذي يبعث الحكمين هو السلطان غير أنه إنما يبعثهما ليعرفا الظالم من المظلوم منهما ليحملهما على الواجب لكل واحد منهما قبل صاحبه لا التفريق بينهما .

    ذكر من قال ذلك :

    9411 - حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن وهو قول قتادة أنهما قالا إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه وأما الفرقة فليست في أيديهما ولم يملكا ذلك يعني : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها

    9412 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها : [ ص: 323 ] الآية إنما يبعث الحكمان ليصلحا فإن أعياهما أن يصلحا شهدا على الظالم بظلمه وليس بأيديهما فرقة ولا يملكان ذلك

    9413 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن قيس بن سعد قال وسألت عن الحكمين قال ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فما حكم الحكمان من شيء فهو جائز يقول الله تبارك وتعالى إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما . قال يخلو حكم الرجل بالزوج وحكم المرأة بالمرأة فيقول كل واحد منهما لصاحبه اصدقني ما في نفسك فإذا صدق كل واحد منهما صاحبه اجتمع الحكمان وأخذ كل واحد منهما على صاحبه ميثاقا لتصدقني الذي قال لك صاحبك ولأصدقنك الذي قال لي صاحبي فذاك حين أرادا الإصلاح يوفق الله بينهما فإذا فعلا ذلك اطلع كل واحد منهما على ما أفضى به صاحبه إليه فيعرفان عند ذلك من الظالم والناشز منهما فأتيا عليه فحكما عليه فإن كانت المرأة قالا أنت الظالمة العاصية لا ينفق عليك حتى ترجعي إلى الحق وتطيعي الله فيه وإن كان الرجل هو الظالم قالا أنت الظالم المضار لا تدخل لها بيتا حتى تنفق عليها وترجع إلى الحق والعدل فإن أبت ذلك كانت هي الظالمة العاصية وأخذ منها ما لها وهو له حلال طيب وإن كان هو الظالم المسيء إليها المضار لها طلقها ولم يحل له من مالها شيء فإن أمسكها أمسكها بما أمر الله وأنفق عليها وأحسن إليها . [ ص: 324 ]

    9414 - حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي قال كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يبعث الحكمين حكما من أهله وحكما من أهلها فيقول الحكم من أهلها يا فلان ما تنقم من زوجتك ؟ فيقول أنقم منها كذا وكذا قال فيقول أفرأيت إن نزعت عما تكره إلى ما تحب هل أنت متقي الله فيها ومعاشرها بالذي يحق عليك في نفقتها وكسوتها فإذا قال نعم قال الحكم من أهله يا فلانة ما تنقمين من زوجك فلان فيقول مثل ذلك فإن قالت نعم جمع بينهما . قال وقال علي رضي الله عنه الحكمان بهما يجمع الله وبهما يفرق

    9415 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال قال الحسن : الحكمان يحكمان في الاجتماع ولا يحكمان في الفرقة

    9416 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن : وهي المرأة التي تنشز على زوجها فلزوجها أن يخلعها حين يأمر الحكمان بذلك وهو بعدما تقول لزوجها والله لا أبر لك قسما ولآذنن في بيتك بغير أمرك ويقول السلطان لا نجيز لك خلعا ، حتى تقول المرأة لزوجها والله لا أغتسل لك من جنابة ولا أقيم لك صلاة فعند ذلك يقول السلطان اخلع المرأة [ ص: 325 ]

    9417 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن قال : تعظها فإن أبت وغلبت فاهجرها في مضجعها فإن غلبت هذا أيضا ، فاضربها فإن غلبت هذا أيضا بعث حكم من أهله وحكم من أهلها فإن غلبت هذا أيضا وأرادت غيره فإن أبي قال أو كان أبي يقول ليس بيد الحكمين من الفرقة شيء إن رأيا الظلم من ناحية الزوج قالا أنت يا فلان ظالم انزع فإن أبى رفعا ذلك إلى السلطان . ليس إلى الحكمين من الفراق شيء .

    وقال آخرون بل إنما يبعث الحكمين السلطان على أن حكمهما ماض على الزوجين في الجمع والتفريق

    ذكر من قال ذلك

    9418 - حدثني المثنى قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها : فهذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما فأمر الله - سبحانه أن يبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ومثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسيء فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ومنعوها النفقة فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز فإن رأيا [ ص: 326 ] أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره ذلك الآخر ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي كره ولا يرث الكاره الراضي وذلك قوله إن يريدا إصلاحا قال هما الحكمان يوفق الله بينهما "

    9419 - حدثنا ابن بشار قال حدثنا روح قال حدثنا عوف عن محمد بن سيرين : أن الحكم من أهلها والحكم من أهله يفرقان ويجمعان إذا رأيا ذلك فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها

    9420 - حدثني محمد بن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة ، قال سألت سعيد بن جبير عن الحكمين فقال لم أولد إذ ذاك فقلت إنما أعني حكم الشقاق . قال يقبلان على الذي جاء التداري من عنده فإن فعل وإلا أقبلا على الآخر فإن فعل وإلا حكما فما حكما من شيء فهو جائز

    9421 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال أخبرنا محمد بن يزيد عن إسماعيل عن عامر في قوله فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها قال ما قضى الحكمان من شيء فهو جائز

    9422 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن داود [ ص: 327 ] عن إبراهيم قال ما حكما من شيء فهو جائز إن فرقا بينهما بثلاث تطليقات أو تطليقتين فهو جائز وإن فرقا بتطليقة فهو جائز وإن حكما عليه بجزاء بهذا من ماله فهو جائز فإن أصلحا فهو جائز وإن وضعا من شيء فهو جائز

    9423 - حدثنا المثنى قال حدثنا حبان قال أخبرنا ابن المبارك قال حدثنا أبو جعفر عن المغيرة عن إبراهيم في قوله وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها قال ما صنع الحكمان من شيء فهو جائز عليهما إن طلقا ثلاثا فهو جائز عليهما وإن طلقا واحدة وطلقاها على جعل فهو جائز وما صنعا من شيء فهو جائز

    9424 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال إن شاء الحكمان أن يفرقا فرقا وإن شاءا أن يجمعا جمعا

    9425 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني هشيم عن حصين عن الشعبي : أن امرأة نشزت على زوجها فاختصموا إلى شريح فقال شريح : ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فنظر الحكمان في أمرهما فرأيا أن يفرقا بينهما فكره ذلك الرجل فقال شريح : ففيم كانا اليوم وأجاز قولهما

    9426 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن عكرمة بن خالد عن ابن عباس قال بعثت [ ص: 328 ] أنا ومعاوية حكمين قال معمر : بلغني أن عثمان رضي الله عنه بعثهما وقال لهما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما

    9427 - حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا ابن جريج قال حدثني ابن أبي مليكة : أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة ابنة عتبة فكان بينهما كلام فجاءت عثمان فذكرت ذلك له فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس : لأفرقن بينهما وقال معاوية : ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف فأتياهما وقد اصطلحا .

    9428 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال حدثنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك في قوله وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها : يكونان عدلين عليهما وشاهدين وذلك إذا تدارأ الرجل والمرأة وتنازعا إلى السلطان جعل عليهما حكمين حكما من أهل الرجل وحكما من أهل المرأة يكونان أمينين عليهما جميعا وينظران من أيهما يكون الفساد فإن كان من قبل المرأة أجبرت على طاعة زوجها وأمر أن يتقي الله ويحسن صحبتها وينفق عليها بقدر ما آتاه الله إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وإن كانت الإساءة من قبل الرجل أمر بالإحسان إليها فإن لم يفعل قيل له أعطها حقها وخل سبيلها وإنما يلي ذلك منهما السلطان .

    قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في قوله فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها : أن الله خاطب المسلمين بذلك وأمرهم ببعثة الحكمين عند خوف الشقاق بين الزوجين للنظر في أمرهما ولم يخصص بالأمر بذلك بعضهم دون بعض [ ص: 329 ] وقد أجمع الجميع على أن بعثة الحكمين في ذلك ليست لغير الزوجين وغير السلطان الذي هو سائس أمر المسلمين أو من أقامه في ذلك مقام نفسه

    واختلفوا في الزوجين والسلطان ومن المأمور بالبعثة في ذلك الزوجان أو السلطان ولا دلالة في الآية تدل على أن الأمر بذلك مخصوص به أحد الزوجين ولا أثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمة فيه مختلفة

    وإذ كان الأمر على ما وصفنا فأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون مخصوصا من الآية ما أجمع الجميع على أنه مخصوص منها وإذ كان ذلك كذلك فالواجب أن يكون الزوجان والسلطان ممن قد شمله حكم الآية والأمر بقوله فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إذ كان مختلفا بينهما هل هما معنيان بالأمر بذلك أم لا ؟ وكان ظاهر الآية قد عمهما فالواجب من القول إذ كان صحيحا ما وصفنا ، صحيحا أن يقال إن بعث الزوجان كل واحد منهما حكما من قبله لينظر في أمرهما وكان كل واحد منهما قد بعثه من قبله في ذلك لما له على صاحبه ولصاحبه عليه فتوكيله بذلك من وكل جائز له وعليه

    وإن وكله ببعض ولم يوكله بالجميع كان ما فعله الحكم مما وكله به صاحبه ماضيا جائزا على ما وكله به وذلك أن يوكله أحدهما بما له دون ما عليه

    وإن لم يوكل كل واحد من الزوجين بما له وعليه أو بما له أو بما عليه [ ص: 330 ] إلا الحكمين كليهما [ لم يجز ] إلا ما اجتمعا عليه دون ما انفرد به أحدهما

    وإن لم يوكلهما واحد منهما بشيء وإنما بعثاهما للنظر بينهما ، ليعرفا الظالم من المظلوم منهما ليشهدا عليهما عند السلطان إن احتاجا إلى شهادتهما لم يكن لهما أن يحدثا بينهما شيئا غير ذلك من طلاق أو أخذ مال أو غير ذلك ولم يلزم الزوجين ولا واحدا منهما شيء من ذلك .

    فإن قال قائل وما معنى الحكمين إذ كان الأمر على ما وصفت

    قيل قد اختلف في ذلك

    فقال بعضهم : معنى الحكم النظر العدل كما قال الضحاك بن مزاحم في الخبر الذي ذكرناه الذي :

    9429 - حدثنا به يحيى بن أبي طالب عن يزيد عن جويبر عنه لا أنتما قاضيان تقضيان بينهما

    على السبيل التي بينا من قوله .

    وقال آخرون معنى ذلك أنهما القاضيان يقضيان بينهما ما فوض إليهما الزوجان . [ ص: 331 ]

    قال أبو جعفر : وأي الأمرين كان فليس لهما ولا لواحد منهما الحكم بينهما بالفرقة ولا بأخذ مال إلا برضى المحكوم عليه بذلك وإلا ما لزم من حق لأحد الزوجين على الآخر في حكم الله وذلك ما لزم الرجل لزوجته من النفقة والإمساك بمعروف إن كان هو الظالم لها

    فأما غير ذلك فليس ذلك لهما ولا لأحد من الناس غيرهما لا السلطان ولا غيره وذلك أن الزوج إن كان هو الظالم للمرأة فللإمام السبيل إلى أخذه بما يجب لها عليه من حق وإن كانت المرأة هي الظالمة زوجها الناشزة عليه فقد أباح الله له أخذ الفدية منها وجعل إليه طلاقها على ما قد بيناه في سورة البقرة

    وإذ كان الأمر كذلك لم يكن لأحد الفرقة بين رجل وامرأة بغير رضى الزوج ولا أخذ مال من المرأة بغير رضاها بإعطائه إلا بحجة يجب التسليم لها من أصل أو قياس

    وإن بعث الحكمين السلطان فلا يجوز لهما أن يحكما بين الزوجين بفرقة إلا بتوكيل الزوج إياهما بذلك ولا لهما أن يحكما بأخذ مال من المرأة إلا برضى المرأة يدل على ذلك ما قد بيناه قبل من فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك والقائلين بقوله ولكن لهما أن يصلحا بين الزوجين ويتعرفا الظالم منهما من المظلوم ليشهدا عليه إن احتاج المظلوم منهما إلى شهادتهما

    وإنما قلنا ليس لهما التفريق للعلة التي ذكرناها آنفا وإنما يبعث السلطان الحكمين إذا بعثهما إذا ارتفع إليه الزوجان فشكا كل واحد منهما صاحبه وأشكل عليه المحق منهما من المبطل لأنه إذا لم يشكل المحق من المبطل فلا وجه لبعثه الحكمين في أمر قد عرف الحكم فيه .
    [ ص: 332 ] القول في تأويل قوله ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه إن يريدا إصلاحا : إن يرد الحكمان إصلاحا بين الرجل والمرأة أعني بين الزوجين المخوف شقاق بينهما يقول : يوفق الله بين الحكمين فيتفقا على الإصلاح بينهما وذلك إذا صدق كل واحد منهما فيما أفضى إليه من بعث للنظر في أمر الزوجين .

    وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل

    ذكر من قال ذلك :

    9430 - حدثنا ابن بشار قال حدثنا يحيى عن سفيان عن أبي هاشم عن مجاهد في قوله : إن يريدا إصلاحا قال أما إنه ليس بالرجل والمرأة ولكنه الحكمان

    9431 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا حكام عن عمرو عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما قال هما الحكمان إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما

    9432 - حدثنا المثنى قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما : وذلك الحكمان وكذلك كل مصلح يوفقه الله للحق والصواب

    9433 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدي : إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما : يعني بذلك الحكمين .

    9434 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن [ ص: 333 ] سعيد بن جبير : إن يريدا إصلاحا قال إن يرد الحكمان إصلاحا أصلحا

    9435 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن أبي هاشم عن مجاهد : إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما : يوفق الله بين الحكمين .

    9436 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال حدثنا يزيد قال حدثنا جويبر عن الضحاك قوله إن يريدا إصلاحا قال هما الحكمان إذا نصحا المرأة والرجل جميعا .
    القول في تأويل قوله ( إن الله كان عليما خبيرا ( 35 ) )

    قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه إن الله كان عليما بما أراد الحكمان من إصلاح بين الزوجين وغيره خبيرا بذلك وبغيره من أمورهما وأمور غيرهما لا يخفى عليه شيء منه حافظ عليهم حتى يجازي كلا منهم جزاءه بالإحسان إحسانا وبالإساءة غفرانا أو عقابا .
    القول في تأويل قوله جل ذكره ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه وذلوا لله بالطاعة واخضعوا له بها وأفردوه بالربوبية وأخلصوا له الخضوع والذلة بالانتهاء إلى أمره والانزجار [ ص: 334 ] عن نهيه ولا تجعلوا له في الربوبية والعبادة شريكا تعظمونه تعظيمكم إياه

    " وبالوالدين إحسانا " يقول وأمركم بالوالدين إحسانا يعني برا بهما ولذلك نصب الإحسان لأنه أمر منه جل ثناؤه بلزوم الإحسان إلى الوالدين على وجه الإغراء .

    وقد قال بعضهم : معناه واستوصوا بالوالدين إحسانا وهو قريب المعنى مما قلناه .

    وأما قوله وبذي القربى فإنه يعني وأمر أيضا بذي القربى وهم ذوو قرابة أحدنا من قبل أبيه أو أمه ممن قربت منه قرابته برحمه من أحد الطرفين إحسانا بصلة رحمه .

    وأما قوله واليتامى ، فإنهم جمع يتيم وهو الطفل الذي قد مات والده وهلك .

    "والمساكين وهو جمع مسكين وهو الذي قد ركبه ذل الفاقة والحاجة فتمسكن لذلك .

    يقول تعالى ذكره استوصوا بهؤلاء إحسانا إليهم وتعطفوا عليهم والزموا وصيتي في الإحسان إليهم .
    [ ص: 335 ] القول في تأويل قوله ( والجار ذي القربى )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم معنى ذلك والجار ذي القرابة والرحم منك

    ذكر من قال ذلك :

    9437 - حدثني المثنى قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : والجار ذي القربى : يعني الذي بينك وبينه قرابة

    9438 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس : والجار ذي القربى : يعني ذا الرحم .

    9439 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة وابن أبي نجيح عن مجاهد قوله والجار ذي القربى قال جارك هو ذو قرابتك

    9440 - حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن إسرائيل عن جابر عن عكرمة ومجاهد في قوله والجار ذي القربى قالا القرابة

    9441 - حدثني المثنى قال حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا هشيم عن جويبر عن الضحاك في قوله والجار ذي القربى قال جارك الذي بينك وبينه قرابة

    9442 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : والجار ذي القربى : جارك ذو القرابة .





  18. #478
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (478)
    صــ 336 إلى صــ 350





    9443 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة : والجار ذي القربى : إذا كان له جار له رحم فله حقان اثنان حق القرابة وحق الجار . [ ص: 336 ]

    9444 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله والجار ذي القربى قال الجار ذو القربى ذو قرابتك .

    وقال آخرون بل هو جار ذي قرابتك

    ذكر من قال ذلك

    9445 - حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا جرير عن ليث عن ميمون بن مهران في قوله والجار ذي القربى " قال الرجل يتوسل إليك بجوار ذي قرابتك .

    قال أبو جعفر : وهذا القول قول مخالف المعروف من كلام العرب . وذلك أن الموصوف بأنه ذو القرابة في قوله والجار ذي القربى الجار دون غيره فجعله قائل هذه المقالة جار ذي القرابة ولو كان معنى الكلام كما قال ميمون بن مهران لقيل وجار ذي القربى ولم يقل والجار ذي القربى فكان يكون حينئذ إذا أضيف " الجار إلى ذي القرابة " الوصية ببر جار ذي القرابة دون الجار ذي القربى وأما " والجار بالألف واللام فغير جائز أن يكون ذي القربى إلا من صفة الجار وإذا كان ذلك كذلك كانت الوصية من الله في قوله والجار ذي القربى ببر الجار ذي القربى دون جار ذي القرابة وكان بينا خطأ ما قال ميمون بن مهران في ذلك . [ ص: 337 ]

    وقال آخرون معنى ذلك والجار ذي القربى منكم بالإسلام

    ذكر من قال ذلك

    9446 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن نوف الشامي : والجار ذي القربى : المسلم .

    قال أبو جعفر : وهذا أيضا مما لا معنى له وذلك أن تأويل كتاب الله تبارك وتعالى غير جائز صرفه إلا إلى الأغلب من كلام العرب الذين نزل بلسانهم القرآن المعروف فيهم دون الأنكر الذي لا تتعارفه إلا أن يقوم بخلاف ذلك حجة يجب التسليم لها وإذا كان ذلك كذلك ، وكان معلوما أن المتعارف من كلام العرب إذا قيل فلان ذو قرابة إنما يعني به إنه قريب الرحم منه دون القرب بالدين كان صرفه إلى القرابة بالرحم أولى من صرفه إلى القرب بالدين .
    القول في تأويل قوله ( والجار الجنب )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم معنى ذلك والجار البعيد الذي لا قرابة بينك وبينه

    ذكر من قال ذلك [ ص: 338 ]

    9447 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : والجار الجنب " الذي ليس بينك وبينه قرابة

    9448 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس : والجار الجنب " يعني الجار من قوم جنب

    9449 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة : والجار الجنب : الذي ليس بينهما قرابة وهو جار فله حق الجوار

    9450 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط ، عن السدي : والجار الجنب : الجار الغريب يكون من القوم

    9451 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة وابن أبي نجيح عن مجاهد : والجار الجنب : جارك من قوم آخرين .

    9452 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : والجار الجنب : جارك لا قرابة بينك وبينه البعيد في النسب وهو جار

    9453 - حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن إسرائيل عن جابر عن عكرمة ومجاهد في قوله والجار الجنب قال المجانب

    9454 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله والجار الجنب : الذي ليس بينك وبينه رحم ولا قرابة . [ ص: 339 ]

    9455 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال حدثنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك : والجار الجنب قال من قوم آخرين .

    وقال آخرون هو الجار المشرك .

    ذكر من قال ذلك :

    9456 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن نوف الشامي : والجار الجنب قال اليهودي والنصراني .

    قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال معنى الجنب في هذا الموضع الغريب البعيد مسلما كان أو مشركا يهوديا كان أو نصرانيا لما بينا قبل من أن الجار ذي القربى هو الجار ذو القرابة والرحم والواجب أن يكون الجار ذو الجنابة الجار البعيد ليكون ذلك وصية بجميع أصناف الجيران قريبهم وبعيدهم .

    وبعد : فإن الجنب في كلام العرب : البعيد كما قال أعشى بني قيس


    أتيت حريثا زائرا عن جنابة فكان حريث في عطائي جامدا
    [ ص: 340 ]

    يعني بقوله عن جنابة عن بعد وغربة ومنه قيل اجتنب فلان فلانا إذا بعد منه وتجنبه وجنبه خيره إذا منعه إياه ومنه قيل للجنب جنب لاعتزاله الصلاة حتى يغتسل

    فمعنى ذلك والجار المجانب للقرابة .
    القول في تأويل قوله تعالى ( والصاحب بالجنب )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في المعني بذلك

    فقال بعضهم هو رفيق الرجل في سفره

    ذكر من قال ذلك

    9457 - حدثني المثنى قال حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني [ ص: 341 ] معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : والصاحب بالجنب : الرفيق .

    9458 - حدثنا ابن بشار قال حدثنا يحيى وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان عن أبي بكير قال سمعت سعيد بن جبير يقول والصاحب بالجنب : الرفيق في السفر

    9459 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة وابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله والصاحب بالجنب : صاحبك في السفر

    9460 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة : والصاحب بالجنب : وهو الرفيق في السفر .

    9461 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : والصاحب بالجنب : الرفيق في السفر منزله منزلك وطعامه طعامك ومسيره مسيرك

    9462 - حدثنا سفيان قال حدثنا أبي عن إسرائيل عن جابر عن عكرمة ومجاهد : والصاحب بالجنب قالا الرفيق في السفر

    9463 - حدثني المثنى قال حدثنا الحماني قال حدثنا شريك عن جابر عن عامر عن علي وعبد الله قالا الصاحب بالجنب الرفيق الصالح . [ ص: 342 ]

    9464 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال أخبرني سليم عن مجاهد قال الصاحب بالجنب رفيقك في السفر الذي يأتيك ويده مع يدك .

    9465 - حدثني المثنى قال حدثنا سويد بن نصر قال أخبرنا ابن المبارك قراءة على ابن جريج قال أخبرنا سليم : أنه سمع مجاهدا يقول والصاحب بالجنب : فذكر مثله

    9466 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدي : والصاحب بالجنب : الصاحب في السفر .

    9467 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو دكين قال حدثنا سفيان عن أبي بكير عن سعيد بن جبير " والصاحب بالجنب : الرفيق الصالح

    9468 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن أبي بكير عن سعيد بن جبير مثله

    9469 - حدثني المثنى قال حدثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن جويبر عن الضحاك في قوله والصاحب بالجنب قال الرفيق في السفر

    9470 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال حدثنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك مثله .

    وقال آخرون بل هو امرأة الرجل التي تكون معه إلى جنبه

    ذكر من قال ذلك

    9471 - حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن سفيان عن جابر عن عامر أو القاسم عن علي وعبد الله رضوان الله عليهما والصاحب بالجنب قالا هي المرأة . [ ص: 343 ]

    9472 - حدثني المثنى قال حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا هشيم عن بعض أصحابه عن جابر عن علي وعبد الله مثله

    9473 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس : والصاحب بالجنب : يعني الذي معك في منزلك .

    9474 - حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن هلال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : أنه قال في هذه الآية والصاحب بالجنب قال هي المرأة

    9475 - حدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن أبي الهيثم عن إبراهيم : والصاحب بالجنب قال المرأة

    9476 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال قال الثوري قال أبو الهيثم عن إبراهيم : هي المرأة

    9477 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي الهيثم عن إبراهيم مثله

    9478 - حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق قال حدثنا أبو معاوية عن محمد بن سوقة عن أبي الهيثم عن إبراهيم مثله .

    9479 - حدثني عمرو بن بيذق قال حدثنا مروان بن معاوية عن محمد بن سوقة عن أبي الهيثم عن إبراهيم مثله .

    وقال آخرون هو الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك

    ذكر من قال ذلك [ ص: 344 ]

    9480 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال قال ابن عباس : الصاحب بالجنب : الملازم ، وقال أيضا رفيقك الذي يرافقك

    9481 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد : والصاحب بالجنب : الذي يلصق بك وهو إلى جنبك ويكون معك إلى جنبك رجاء خيرك ونفعك .

    قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن معنى الصاحب بالجنب : الصاحب إلى الجنب كما يقال فلان بجنب فلان وإلى جنبه وهو من قولهم جنب فلان فلانا فهو يجنبه جنبا إذا كان لجنبه ومن ذلك جنب الخيل إذا قاد بعضها إلى جنب بعض وقد يدخل في هذا الرفيق في السفر ، والمرأة والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاء نفعه لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريب منه وقد أوصى الله تعالى بجميعهم لوجوب حق الصاحب على المصحوب . وقد

    9482 - حدثنا سهل بن موسى الرازي قال حدثنا ابن أبي فديك عن فلان بن عبد الله عن الثقة عنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين فدخل النبي صلى الله عليه وسلم - في غيضة طرفاء فقطع قصيلين أحدهما معوج والآخر معتدل فخرج بهما [ ص: 345 ] فأعطى صاحبه المعتدل وأخذ لنفسه المعوج فقال الرجل يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنت أحق بالمعتدل مني . فقال كلا يا فلان ، إن كل صاحب يصحب صاحبا مسئول عن صحابته ولو ساعة من نهار .

    9483 - حدثني المثنى قال حدثنا سويد بن نصر قال أخبرنا ابن المبارك عن حيوة قال حدثني شرحبيل بن شريك عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن خير الأصحاب عند الله تبارك وتعالى خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره .

    قال أبو جعفر : فإذ كان الصاحب بالجنب محتملا معناه ما ذكرناه من أن يكون داخلا فيه كل من جنب رجلا بصحبة في سفر أو نكاح أو انقطاع إليه واتصال به ولم يكن الله جل ثناؤه خص بعضهم مما احتمله ظاهر التنزيل [ ص: 346 ] فالصواب أن يقال جميعهم معنيون بذلك وكلهم قد أوصى الله بالإحسان إليه .
    القول في تأويل قوله ( وابن السبيل )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم ابن السبيل هو المسافر الذي يجتاز مارا

    ذكر من قال ذلك

    9484 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة وابن أبي نجيح عن مجاهد : وابن السبيل : هو الذي يمر عليك وهو مسافر .

    9484 م - حدثني المثنى قال حدثنا سويد بن نصر قال أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقتادة مثله

    9485 - حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق قال حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله وابن السبيل قال هو المار عليك وإن كان في الأصل غنيا .

    وقال آخرون هو الضيف .

    ذكر من قال ذلك :

    9486 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن [ ص: 347 ] ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وابن السبيل قال : الضيف له حق في السفر والحضر

    9487 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة : وابن السبيل : وهو الضيف .

    9488 - حدثني المثنى قال حدثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن جويبر عن الضحاك : وابن السبيل قال الضيف

    9489 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال حدثنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك مثله .

    قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك : أن ابن السبيل هو صاحب الطريق . والسبيل هو الطريق ، وابنه صاحبه الضارب فيه فله الحق على من مر به محتاجا منقطعا به إذا كان سفره في غير معصية الله أن يعينه إن احتاج إلى معونة ويضيفه إن احتاج إلى ضيافة وأن يحمله إن احتاج إلى حملان .
    القول في تأويل قوله ( وما ملكت أيمانكم )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه والذين ملكتموهم من أرقائكم فأضاف الملك إلى اليمين ، كما يقال تكلم فوك ومشت رجلك وبطشت يدك بمعنى تكلمت ومشيت ، وبطشت غير أن ما وصف به كل [ ص: 348 ] عضو من ذلك فإنما أضيف إليه ما وصف به لأنه بذلك يكون في المتعارف في الناس دون سائر جوارح الجسد فكان معلوما بوصف ذلك العضو بما وصف به من ذلك المعنى المراد من الكلام فكذلك قوله وما ملكت أيمانكم لأن مماليك أحدنا تحت يديه إنما يطعم ما تناوله أيماننا ويكتسي ما تكسوه وتصرفه فيما أحب صرفه فيه بها فأضيف ملكهم إلى الأيمان لذلك .

    وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل

    ذكر من قال ذلك :

    9490 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : وما ملكت أيمانكم : مما خولك الله كل هذا أوصى الله به

    قال أبو جعفر : وإنما يعني مجاهد بقوله كل هذا أوصى الله به الوالدين وذا القربى واليتامى ، والمساكين والجار ذا القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل فأوصى ربنا جل جلاله بجميع هؤلاء عباده إحسانا إليهم وأمر خلقه بالمحافظة على وصيته فيهم فحق على عباده حفظ وصية الله فيهم ثم حفظ وصية رسوله صلى الله عليه - .
    [ ص: 349 ] القول في تأويل قوله ( إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ( 36 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه إن الله لا يحب من كان مختالا إن الله لا يحب من كان ذا خيلاء .

    والمختال المفتعل من قولك خال الرجل فهو يخول خولا وخالا ومنه قول الشاعر


    فإن كنت سيدنا سدتنا وإن كنت للخال فاذهب فخل


    ومنه قول العجاج


    والخال ثوب من ثياب الجهال
    [ ص: 350 ]

    وأما الفخور فهو المفتخر على عباد الله بما أنعم الله عليه من آلائه وبسط له من فضله ولا يحمده على ما أتاه من طوله ولكنه به مختال مستكبر وعلى غيره به مستطيل مفتخر . كما

    9491 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : إن الله لا يحب من كان مختالا قال : متكبرا فخورا قال يعد ما أعطي وهو لا يشكر الله .

    9492 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثنا محمد بن كثير عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهروي قال لا تجد سيئ الملكة إلا وجدته مختالا فخورا ، وتلا وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا " ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيا وتلا ( وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ) [ سورة مريم 32 ]





  19. #479
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (479)
    صــ 351 إلى صــ 365






    القول في تأويل قوله ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه إن الله لا يحب المختال الفخور الذي يبخل ويأمر الناس بالبخل .

    ف الذين يحتمل أن يكون في موضع رفع ردا على ما في قوله فخورا من ذكر ، ويحتمل أن يكون نصبا على النعت ل من [ ص: 351 ]

    والبخل في كلام العرب : منع الرجل سائله ما لديه وعنده ما فضل عنه كما

    9493 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه في قوله الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل قال البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه والشح أن يشح على ما في أيدي الناس . قال يحب أن يكون له ما في أيدي الناس بالحل والحرام لا يقنع

    واختلفت القرأة في قراءة قوله ويأمرون الناس بالبخل .

    فقرأته عامة قرأة أهل الكوفة بالبخل بفتح الباء والخاء

    وقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض البصريين بضم الباء بالبخل

    قال أبو جعفر : وهما لغتان فصيحتان بمعنى واحد وقراءتان معروفتان غير مختلفتي المعنى فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب في قراءته .

    وقد قيل إن الله جل ثناؤه عنى بقوله الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل الذين كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم وصفته من اليهود ولم يبينوه للناس وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل

    ذكر من قال ذلك

    9494 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن الحضرمي : الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله [ ص: 352 ] قال هم اليهود بخلوا بما عندهم من العلم وكتموا ذلك

    9495 - حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل " إلى قوله وكان الله بهم عليما ما بين ذلك في يهود .

    9496 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله

    9497 - حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل : وهم أعداء الله أهل الكتاب بخلوا بحق الله عليهم وكتموا الإسلام ومحمدا صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل

    9498 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن مفضل قال حدثنا أسباط عن السدي : أما الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل : فهم اليهود " ويكتمون ما آتاهم الله من فضله : اسم محمد صلى الله عليه وسلم - وأما يبخلون ويأمرون الناس بالبخل : يبخلون باسم محمد صلى الله عليه وسلم ويأمر بعضهم بعضا بكتمانه

    9499 - حدثنا محمد بن مسلم الرازي قال حدثني أبو جعفر الرازي قال حدثنا يحيى عن عارم عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير في قوله الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل قال هذا للعلم ليس للدنيا منه شيء

    9500 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل قال هؤلاء يهود . وقرأ ويكتمون ما آتاهم الله من فضله قال يبخلون بما آتاهم الله من الرزق [ ص: 353 ] ويكتمون ما آتاهم الله من الكتب إذا سئلوا عن الشيء وما أنزل الله كتموه وقرأ : ( أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ) [ سورة النساء 53 ] من بخلهم

    9501 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان كردم بن زيد حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع وبحري بن عمرو وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار ، وكانوا يخالطونهم ينتصحون لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون لهم لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون فأنزل الله فيهم الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله " أي من النبوة التي فيها تصديق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا إلى قوله وكان الله بهم عليما " .

    قال أبو جعفر : فتأويل الآية على التأويل الأول والله لا يحب ذوي الخيلاء [ ص: 354 ] والفخر الذين يبخلون بتبيين ما أمرهم الله بتبيينه للناس من اسم محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته التي أنزلها في كتبه على أنبيائه وهم به عالمون ، ويأمرون الناس الذين يعلمون ذلك مثل علمهم بكتمان ما أمرهم الله بتبيينه له ويكتمون ما آتاهم الله من علم ذلك ومعرفته من حرم الله عليه كتمانه إياه .

    وأما على تأويل ابن عباس وابن زيد : إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا : الذين يبخلون على الناس بفضل ما رزقهم الله من أموالهم ثم سائر تأويلهما وتأويل غيرهما سواء .

    قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في ذلك ما قاله الذين قالوا إن الله وصف هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآية بالبخل بتعريف من جهل أمر محمد صلى الله عليه وسلم أنه حق وأن محمدا لله نبي مبعوث وغير ذلك من الحق الذي كان الله تعالى ذكره قد بينه فيما أوحى إلى أنبيائه من كتبه فبخل بتبيينه للناس هؤلاء وأمروا من كانت حاله حالهم في معرفتهم به أن يكتموه من جهل ذلك ولا يبينوه للناس

    وإنما قلنا هذا القول أولى بتأويل الآية لأن الله جل ثناؤه وصفهم بأنهم يأمرون الناس بالبخل ولم يبلغنا عن أمة من الأمم أنها كانت تأمر الناس بالبخل ديانة ولا تخلقا بل ترى ذلك قبيحا وتذم فاعله وتمتدح - وإن هي تخلقت بالبخل واستعملته في أنفسها - بالسخاء والجود وتعده من مكارم [ ص: 355 ] الأفعال وتحث عليه ولذلك قلنا إن بخلهم الذي وصفهم الله به إنما كان بخلا بالعلم الذي كان الله آتاهموه فبخلوا بتبيينه للناس وكتموه دون البخل بالأموال إلا أن يكون معنى ذلك الذين يبخلون بأموالهم التي ينفقونها في حقوق الله وسبله ويأمرون الناس من أهل الإسلام بترك النفقة في ذلك فيكون بخلهم بأموالهم وأمرهم الناس بالبخل بهذا المعنى - على ذكرنا من الرواية عن ابن عباس - فيكون لذلك وجه مفهوم في وصفهم بالبخل وأمرهم به .
    القول في تأويل قوله ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ( 37 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه وأعتدنا وجعلنا للجاحدين نعمة الله التي أنعم بها عليهم من المعرفة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم المكذبين به بعد علمهم به الكاتمين نعته وصفته من أمرهم الله ببيانه له من الناس عذابا مهينا يعني العقاب المذل من عذب بخلوده فيه عتادا له في آخرته إذا قدم على ربه وجده بما سلف منه من جحوده فرض الله الذي فرضه عليه .
    [ ص: 356 ] القول في تأويل قوله ( والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه وأعتدنا للكافرين بالله من اليهود الذين وصف الله صفتهم عذابا مهينا والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس . "

    والذين في موضع خفض عطفا على الكافرين .

    وقوله رئاء الناس يعني ينفقه مراءاة الناس في غير طاعة الله أو غير سبيله ولكن في سبيل الشيطان ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر يقول ولا يصدقون بوحدانية الله ، ولا بالمعاد إليه يوم القيامة - الذي فيه جزاء الأعمال - أنه كائن .

    وقد قال مجاهد إن هذا من صفة اليهود . وهو بصفة أهل النفاق الذين كانوا أهل شرك فأظهروا الإسلام تقية من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به وهم على كفرهم مقيمون أشبه منه بصفة اليهود ؛ لأن اليهود كانت توحد الله وتصدق بالبعث والمعاد وإنما كان كفرها تكذيبها بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم - . [ ص: 357 ]

    وبعد ففي فصل الله بين صفة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر وصفة الفريق الآخر الذين وصفهم في الآية قبلها وأخبر أن لهم عذابا مهينا ب " الواو الفاصلة بينهم ما ينبئ عن أنهما صفتان من نوعين من الناس مختلفي المعاني وإن كان جميعهم أهل كفر بالله ولو كانت الصفتان كلتاهما صفة نوع من الناس لقيل إن شاء الله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولكن فصل بينهم ب الواو لما وصفنا .

    فإن ظن ظان أن دخول الواو غير مستنكر في عطف صفة على صفة لموصوف واحد في كلام العرب فإن ذلك وإن كان كذلك - فإن الأفصح في كلام العرب إذا أريد ذلك ترك إدخال الواو وإذا أريد بالثاني وصف آخر غير الأول ، إدخال الواو وتوجيه كلام الله إلى الأفصح الأشهر من كلام من نزل بلسانه كتابه أولى بنا من توجيهه إلى الأنكر من كلامهم .
    [ ص: 358 ] القول في تأويل قوله ( ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ( 38 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه ومن يكن الشيطان له خليلا وصاحبا يعمل بطاعته ويتبع أمره ويترك أمر الله في إنفاقه ماله رئاء الناس في غير طاعته وجحوده وحدانية الله والبعث بعد الممات فساء قرينا " يقول فساء الشيطان قرينا .

    وإنما نصب القرين لأن في ساء ذكرا من الشيطان كما قال جل ثناؤه ( بئس للظالمين بدلا ) [ سورة الكهف 50 ] وكذلك تفعل العرب في " ساء ونظائرها ومنه قول عدي بن زيد :
    عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه فإن القرين بالمقارن مقتد
    يريد ب " القرين الصاحب والصديق .
    [ ص: 359 ] القول في تأويل قوله ( وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما ( 39 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه وأي شيء على هؤلاء الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر لو آمنوا بالله واليوم الآخر لو صدقوا بأن الله واحد لا شريك له وأخلصوا له التوحيد وأيقنوا بالبعث بعد الممات وصدقوا بأن الله مجازيهم بأعمالهم يوم القيامة وأنفقوا مما رزقهم الله " يقول وأدوا زكاة أموالهم التي رزقهم الله وأعطاهموها طيبة بها أنفسهم ولم ينفقوها رئاء الناس التماس الذكر والفخر عند أهل الكفر بالله والمحمدة بالباطل عند الناس وكان الله بهؤلاء الذين وصف صفتهم أنهم ينفقون أموالهم رئاء الناس نفاقا وهم بالله واليوم الآخر مكذبون عليما " يقول ذا علم بهم وبأعمالهم وما يقصدون ويريدون بإنفاقهم ما ينفقون من أموالهم وأنهم يريدون بذلك الرياء والسمعة والمحمدة في الناس وهو حافظ عليهم أعمالهم لا يخفى عليه شيء منها حتى يجازيهم بها جزاءهم عند معادهم إليه .
    القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ( 40 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم [ ص: 360 ] الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله فإن الله لا يبخس أحدا من خلقه أنفق في سبيله مما رزقه من ثواب نفقته في الدنيا ولا من أجرها يوم القيامة مثقال ذرة " أي ما يزنها ويكون على قدر ثقلها في الوزن ولكنه يجازيه به ويثيبه عليه كما

    9502 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة : أنه تلا إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها قال لأن تفضل حسناتي في سيئاتي بمثقال ذرة أحب إلي من الدنيا وما فيها .

    9503 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قال كان بعض أهل العلم يقول لأن تفضل حسناتي على سيئاتي ما يزن ذرة أحب إلي من أن تكون لي الدنيا جميعا .

    وأما الذرة فإنه ذكر عن ابن عباس أنه قال فيها كما

    9504 - حدثني إسحاق بن وهب الواسطي قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس في قوله مثقال ذرة قال رأس نملة حمراء .

    قال أبو جعفر : قال لي إسحاق بن وهب : قال يزيد بن هارون : زعموا أن هذه [ ص: 361 ] الذرة الحمراء ليس لها وزن .

    وبنحو الذي قلنا في ذلك صحت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

    9505 - حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا أبو داود قال حدثنا عمران عن قتادة عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة لم تكن له حسنة

    حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال حدثنا جعفر بن عون قال حدثنا هشام بن سعد قال أخبرنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار : والذي نفسي بيده ما أحدكم بأشد مناشدة في الحق يراه مصيبا له من المؤمنين في إخوانهم إذا رأوا أن قد خلصوا من النار . يقولون أي ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا ويجاهدون معنا قد أخذتهم النار فيقول الله لهم اذهبوا فمن عرفتم صورته فأخرجوه ويحرم صورتهم على النار فيجدون الرجل قد أخذته النار إلى أنصاف ساقيه وإلى ركبتيه وإلى حقويه فيخرجون منها بشرا كثيرا ثم يعودون فيتكلمون ، فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قيراط خير فأخرجوه فيخرجون منها بشرا كثيرا ثم [ ص: 362 ] يعودون فيتكلمون فلا يزال يقول لهم ذلك حتى يقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة فأخرجوه . فكان أبو سعيد إذا حدث بهذا الحديث قال إن لم تصدقوا فاقرأوا إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما " فيقولون : ربنا لم نذر فيها خيرا .

    9507 - وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثني أبي وشعيب بن الليث عن الليث عن خالد بن يزيد عن ابن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .

    وقال آخرون في ذلك بما :

    9508 - حدثني به المثنى قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا صدقة بن أبي سهل قال حدثنا أبو عمرو عن زاذان قال أتيت ابن مسعود فقال [ ص: 363 ] إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد من عند الله ألا من كان يطلب مظلمة فليجئ إلى حقه فليأخذه قال فيفرح - والله المرء أن يذوب له الحق على والده أو ولده أو زوجته فيأخذ منه وإن كان صغيرا . ومصداق ذلك في كتاب الله تبارك وتعالى : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) [ سورة المؤمنون : 101 ] فيقال له ائت هؤلاء حقوقهم ، أي أعطهم حقوقهم فيقول : أي رب من أين وقد ذهبت الدنيا فيقول الله لملائكته أي ملائكتي انظروا في أعماله الصالحة وأعطوهم منها فإن بقي مثقال ذرة من حسنة قالت الملائكة وهو أعلم بذلك منها يا ربنا أعطينا كل ذي حق حقه وبقي له مثقال ذرة من حسنة فيقول للملائكة ضعفوها لعبدي وأدخلوه بفضل رحمتي الجنة . ومصداق ذلك في كتاب الله إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما : أي الجنة يعطيها وإن فنيت حسناته وبقيت سيئاته قالت الملائكة وهو أعلم بذلك إلهنا فنيت حسناته وبقي سيئاته وبقي طالبون كثير فيقول الله ضعفوا عليها من أوزارهم واكتبوا له كتابا إلى النار قال صدقة أو صكا إلى جهنم شك صدقة أيتهما قال [ ص: 364 ]

    9509 - وحدثت عن محمد بن عبيد عن هارون بن عنترة عن عبد الله بن السائب قال سمعت زاذان يقول قال عبد الله بن مسعود : يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة فينادي مناد على رءوس الأولين والآخرين هذا فلان بن فلان من كان له حق فليأت إلى حقه فتفرح المرأة أن يذوب لها الحق على أبيها أو على ابنها أو على أخيها أو على زوجها ثم قرأ ابن مسعود : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) [ سورة المؤمنون 101 ] فيغفر الله تبارك وتعالى من حقه ما شاء ولا يغفر من حقوق الناس شيئا فينصب للناس فيقول ائتوا إلى الناس حقوقهم ، فيقول رب فنيت الدنيا من أين أوتيهم حقوقهم ؟ فيقول خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر مظلمته فإن كان وليا لله ففضل له مثقال ذرة ضاعفها له حتى يدخله بها الجنة ، ثم قرأ علينا إن الله لا يظلم مثقال ذرة . وإن كان عبدا شقيا قال الملك رب فنيت حسناته وبقي طالبون كثير . فيقول خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صكوا له صكا إلى النار [ ص: 365 ]

    قال أبو جعفر : فتأويل الآية على تأويل عبد الله هذا إن الله لا يظلم عبدا وجب له مثقال ذرة قبل عبد له آخر في معاده ويوم لقائه فما فوقه فيتركه عليه فلا يأخذه للمظلوم من ظالمه ولكنه يأخذه منه له ويأخذ من كل ظالم لكل مظلوم تبعته قبله وإن تك حسنة يضاعفها يقول : وإن توجد له حسنة يضاعفها بمعنى يضاعف له ثوابها وأجرها ويؤت من لدنه أجرا عظيما يقول ويعطه من عنده أجرا عظيما والأجر العظيم : الجنة على ما قاله عبد الله .

    ولكلا التأويلين وجه مفهوم ، أعني التأويل الذي قاله ابن مسعود والذي قاله قتادة وإنما اخترنا التأويل الأول لموافقته الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع دلالة ظاهر التنزيل على صحته إذ كان في سياق الآية التي قبلها التي حث الله فيها على النفقة في طاعته وذم النفقة في طاعة الشيطان . ثم وصل ذلك بما وعد المنافقين في طاعته بقوله إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما




  20. #480
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثامن
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
    الحلقة (480)
    صــ 366 إلى صــ 380





    واختلفت القرأة في قراءة قوله وإن تك حسنة فقرأت ذلك عامة قرأة العراق : ( وإن تك حسنة ) بنصب الحسنة بمعنى وإن تك زنة الذرة حسنة يضاعفها . [ ص: 366 ]

    وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة : ( وإن تك حسنة ) برفع الحسنة بمعنى وإن توجد حسنة على ما ذكرت عن عبد الله بن مسعود من تأويل ذلك

    وأما قوله يضاعفها فإنه جاء ب الألف ولم يقل يضعفها لأنه أريد به في قول بعض أهل العربية يضاعفها أضعافا كثيرة ولو أريد به في قوله يضعف ذلك ضعفين لقيل يضعفها بالتشديد .

    ثم اختلف أهل التأويل في الذين وعدهم الله بهذه الآية ما وعدهم فيها

    فقال بعضهم هم جميع أهل الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم واعتلوا في ذلك بما

    9510 - حدثنا الفضل بن الصباح قال حدثنا يزيد بن هارون عن مبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن أبي عثمان النهدي قال لقيت أبا هريرة فقلت له إنه بلغني أنك تقول إن الحسنة لتضاعف ألف ألف حسنة قال وما أعجبك من ذلك فوالله لقد سمعته - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - يقول إن الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة

    وقال آخرون بل ذلك المهاجرون خاصة دون أهل البوادي والأعراب واعتلوا في ذلك بما [ ص: 367 ]

    9511 - حدثني محمد بن هارون أبو نشيط قال حدثنا يحيى بن أبي بكير قال حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن عبد الله بن عمير قال نزلت هذه الآية في الأعراب ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) [ سورة الأنعام 60 ] قال فقال رجل فما للمهاجرين ؟ قال ما هو أعظم من ذلك إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما وإذا قال الله لشيء عظيم فهو عظيم .

    قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال عني بهذه الآية المهاجرون دون الأعراب ؛ وذلك أنه غير جائز أن يكون في أخبار الله أو أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم شيء يدفع بعضه بعضا فإذ كان صحيحا وعد الله من جاء من عباده المؤمنين بالحسنة من الجزاء عشر أمثالها ومن جاء بالحسنة منهم أن يضاعفها له ، وكان الخبران اللذان ذكرناهما عنه صلى الله عليه وسلم - صحيحين كان غير جائز إلا أن يكون أحدهما مجملا والآخر مفسرا إذ كانت أخباره صلى الله عليه وسلم يصدق بعضها بعضا وإذ كان ذلك كذلك صح أن خبر أبي هريرة معناه أن الحسنة لتضاعف للمهاجرين من أهل الإيمان ألفي ألف حسنة وللأعراب منهم عشر أمثالها على ما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم - وأن قوله ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) يعني من جاء بالحسنة من أعراب المؤمنين فله عشر أمثالها ومن جاء بالحسنة من مهاجريهم [ ص: 368 ] يضاعف له ويؤته الله من لدنه أجرا يعني يعطه من عنده أجرا عظيما يعني عوضا من حسنته عظيما ، وذلك العوض العظيم الجنة كما

    9512 - حدثني المثنى قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا صدقة بن أبي سهل قال حدثنا أبو عمرو عن زاذان عن ابن مسعود : ويؤت من لدنه أجرا عظيما : أي الجنة يعطيها

    9513 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال أخبرني عباد بن أبي صالح عن سعيد بن جبير قوله ويؤت من لدنه أجرا عظيما قال الأجر العظيم الجنة

    9514 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله ويؤت من لدنه أجرا عظيما قال أجرا عظيما الجنة .
    القول في تأويل قوله ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ( 41 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه إن الله لا يظلم عباده مثقال ذرة فكيف بهم إذا جئنا من كل أمة بشهيد يعني بمن يشهد عليها بأعمالها وتصديقها رسلها أو تكذيبها وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يقول وجئنا بك [ ص: 369 ] يا محمد على هؤلاء أي على أمتك " شهيدا يقول شاهدا كما

    9515 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن مفضل قال حدثنا أسباط عن السدي : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال إن النبيين يأتون يوم القيامة منهم من أسلم معه من قومه الواحد والاثنان والعشرة وأقل وأكثر من ذلك حتى يؤتى بقوم لوط - صلى الله عليه وسلم لم يؤمن معه إلا ابنتاه فيقال لهم هل بلغتم ما أرسلتم به فيقولون نعم . فيقال من يشهد فيقولون أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيقال لهم : اشهدوا إن الرسل أودعوا عندكم شهادة فبم تشهدون ؟ فيقولون ربنا نشهد أنهم قد بلغوا كما شهدوا في الدنيا بالتبليغ فيقال من يشهد على ذلك فيقولون محمد صلى الله عليه وسلم فيدعى محمد عليه السلام فيشهد أن أمته قد صدقوا وأن الرسل قد بلغوا فذلك قوله ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ سورة البقرة 143 ]

    9516 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج قال قال ابن جريج قوله فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد قال : رسولها فيشهد عليها أن قد أبلغهم ما أرسله الله به إليهم وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى عليها فاضت عيناه .

    9517 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال حدثنا الحسن عن يزيد النحوي عن عكرمة في قوله : ( وشاهد ومشهود ) [ سورة البروج 3 ] قال الشاهد محمد والمشهود يوم الجمعة فذلك قوله : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " [ ص: 370 ]

    9518 حدثني عبد الله بن محمد الزهري قال حدثنا سفيان عن المسعودي عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه عن عبد الله فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد )

    9519 - حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال حدثنا سفيان بن عيينة عن المسعودي عن القاسم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود : اقرأ علي قال أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال إني أحب أن أسمعه من غيري قال فقرأ ابن مسعود النساء حتى بلغ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال استعبر النبي صلى الله عليه وسلم وكف ابن مسعود . قال المسعودي فحدثني جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : شهيدا عليهم ما دمت فيهم فإذا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد " .
    [ ص: 371 ] القول في تأويل قوله ( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا ( 42 )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه يوم نجيء من كل أمة بشهيد ونجيء بك على أمتك يا محمد شهيدا يود الذين كفروا " يقول يتمنى الذين جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله لو تسوى بهم الأرض " [ ص: 372 ]

    واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

    فقرأته عامة قرأة أهل الحجاز ومكة والمدينة : ( لو تسوى بهم الأرض ) " بتشديد " السين و الواو وفتح التاء بمعنى لو تتسوى بهم الأرض ثم أدغمت التاء الثانية في السين يراد به أنهم يودون لو صاروا ترابا فكانوا سواء هم والأرض

    وقرأ آخرون ذلك : ( لو تسوى بهم الأرض ) ، بفتح " التاء وتخفيف السين وهي قراءة عامة قرأة أهل الكوفة بالمعنى الأول غير أنهم تركوا تشديد السين واعتلوا بأن العرب لا تكاد تجمع بين تشديدين في حرف واحد

    وقرأ ذلك آخرون ( لو تسوى بهم الأرض ) بمعنى لو سواهم الله والأرض فصاروا ترابا مثلها بتصييره إياهم كما يفعل ذلك بمن ذكر أنه يفعله به من البهائم

    قال أبو جعفر وكل هذه القراءات متقاربات المعنى وبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب لأن من تمنى منهم أن يكون يومئذ ترابا إنما يتمنى أن يكون كذلك بتكوين الله إياه كذلك وكذلك من تمنى أن يكون الله جعله كذلك فقد تمنى أن يكون ترابا على أن الأمر وإن كان كذلك فأعجب القراءة إلي في ذلك ( لو تسوى بهم الأرض ) بفتح التاء وتخفيف السين كراهية الجمع بين تشديدين في حرف واحد وللتوفيق في المعنى بين ذلك وبين قوله : ( ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ) [ سورة النبأ 40 ] فأخبر الله عنهم جل ثناؤه أنهم يتمنون أن كانوا ترابا ولم يخبر عنهم أنهم قالوا يا ليتني كنت ترابا فكذلك قوله لو تسوى بهم الأرض فيسووا هم وهي أعجب إلي ليوافق ذلك المعنى الذي أخبر عنهم [ ص: 373 ] بقوله يا ليتني كنت ترابا وأما قوله ولا يكتمون الله حديثا فإن أهل التأويل تأولوه بمعنى ولا تكتم الله جوارحهم حديثا وإن جحدت ذلك أفواههم

    ذكر من قال ذلك

    9520 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا حكام قال حدثنا عمرو عن مطرف ، عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال أتى رجل ابن عباس فقال سمعت الله يقول ( والله ربنا ما كنا مشركين ) [ سورة الأنعام 23 ] وقال في آية أخرى ولا يكتمون الله حديثا . فقال ابن عباس : أما قوله والله ربنا ما كنا مشركين : فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام قالوا تعالوا فلنجحد ، فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين . فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم فلا يكتمون الله حديثا

    9521 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن رجل عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال أشياء تختلف علي في القرآن فقال ما هو أشك في القرآن قال ليس بالشك ولكنه اختلاف . قال فهات ما اختلف عليك قال أسمع الله يقول : ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) [ سورة الأنعام 23 ] ، وقال ولا يكتمون الله حديثا : وقد كتموا فقال ابن عباس : أما قوله ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين : فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحد المشركون فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين : رجاء أن يغفر لهم فختم على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا " [ ص: 374 ]

    9522 - حدثني المثنى قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا القاسم قال حدثنا الزبير ، عن الضحاك : أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال يا ابن عباس قول الله تبارك وتعالى يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا : [ ص: 375 ] وقوله : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) ؟ فقال له ابن عباس : إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت ألقى علي ابن عباس متشابه القرآن فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد فيقول المشركون إن الله لا يقبل من أحد شيئا إلا ممن وحده ، فيقولون تعالوا نقل فيسألهم فيقولون والله ربنا ما كنا مشركين قال فيختم على أفواههم ويستنطق جوارحهم فتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سويت بهم ولا يكتمون الله حديثا .

    9523 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثنا أبي عن أبيه عن ابن عباس : يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا : يعني أن تسوى الأرض بالجبال والأرض عليهم .

    فتأويل الآية على هذا القول الذي حكيناه عن ابن عباس : يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولم يكتموا الله حديثا ، كأنهم تمنوا أنهم سووا مع الأرض وأنهم لم يكونوا كتموا الله حديثا .

    وقال آخرون معنى ذلك يومئذ لا يكتمون الله حديثا ويودون لو تسوى بهم الأرض وليس بمنكتم عن الله شيء من حديثهم لعلمه جل ذكره بجميع حديثهم وأمرهم فإن هم كتموه بألسنتهم فجحدوه لا يخفى عليه شيء منه .
    القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : يا أيها الذين آمنوا : صدقوا الله ورسوله لا تقربوا الصلاة لا تصلوا وأنتم سكارى وهو جمع سكران حتى تعلموا ما تقولون في صلاتكم فتميزون فيها ما أمركم الله به أو ندبكم إلى قيله فيها مما نهاكم عنه وزجركم .

    ثم اختلف أهل التأويل في السكر الذي عناه الله بقوله لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى "

    فقال بعضهم عنى بذلك السكر من الشراب [ ص: 376 ]

    ذكر من قال ذلك

    9524 - حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي : أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ : ( قل يا أيها الكافرون ) فخلط فيها فنزلت لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى

    9525 - حدثني المثنى قال حدثنا الحجاج بن المنهال قال حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن حبيب : أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا فدعا نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأكلوا وشربوا حتى ثملوا فقدموا عليا يصلي بهم المغرب ، فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد وأنا عابد ما عبدتم لكم دينكم ولي دين فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون "

    9526 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى : قبل أن تحرم الخمر فقال الله يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " الآية

    9527 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن أبي رزين في قوله يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى قال نزل هذا وهم يشربون الخمر فقال وكان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر

    9528 حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن أبي رزين قال كانوا يشربون بعدما أنزلت التي في البقرة وبعد التي في النساء [ ص: 377 ] فلما أنزلت التي في المائدة تركوها

    9529 حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون قال نهوا أن يصلوا وهم سكارى ثم نسخها تحريم الخمر

    9530 حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله

    9531 حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى قال كانوا يجتنبون السكر عند حضور الصلوات ثم نسخ بتحريم الخمر

    9532 حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن أبي وائل وأبي رزين وإبراهيم في قوله يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " و ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) [ سورة البقرة 90 ] وقوله : ( تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ) [ سورة النحل 67 ] قالوا كان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر .

    وقال آخرون معنى ذلك لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى من النوم

    ذكر من قال ذلك

    9533 - حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن سلمة بن نبيط عن الضحاك : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى قال ليست لمن يقربها سكران من الشراب إنما عني بها سكر النوم . [ ص: 378 ]

    9534 - حدثنا أحمد بن حازم الغفاري قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سلمة عن الضحاك : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى قال لم يعن بها سكر الخمر وإنما عنى بها سكر النوم .

    قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية تأويل من قال ذلك نهي من الله المؤمنين عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى من الشراب قبل تحريم الخمر للأخبار المتظاهرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك كذلك نهي من الله وأن هذه الآية نزلت فيمن ذكرت أنها نزلت فيه .

    فإن قال لنا قائل وكيف يكون ذلك معناه والسكران في حال زوال عقله نظير المجنون في حال زوال عقله وأنت ممن يحيل تكليف المجانين لفقدهم الفهم لما يؤمر وينهى

    قيل له إن السكران لو كان في معنى المجنون لكان غير جائز أمره ونهيه ولكن السكران هو الذي يفهم ما يأتي ويذر غير أن الشراب قد أثقل لسانه وأجزاء جسمه وأخدرها حتى عجز عن إقامة قراءته في صلاته وحدودها الواجبة عليه فيها من غير زوال عقله فهو بما أمر به ونهي عنه عارف فهم وعن أداء بعضه عاجز بخدر جسمه من الشراب وأما من صار إلى حد لا يعقل ما يأتي ويذر فذلك منتقل من السكر إلى الخبل ومعاني المجانين وليس ذلك [ ص: 379 ] الذي خوطب بقوله لا تقربوا الصلاة لأن ذلك مجنون وإنما خوطب به السكران والسكران ما وصفنا صفته .
    القول في تأويل قوله ( ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم معنى ذلك لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا تقربوها جنبا إلا عابري سبيل " يعني إلا أن تكونوا مجتازي طريق أي : مسافرين حتى تغتسلوا "

    ذكر من قال ذلك

    9535 - حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي مجلز عن ابن عباس في قوله ولا جنبا إلا عابري سبيل قال المسافر وقال ابن المثنى : في السفر

    9536 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله ولا جنبا إلا عابري سبيل : يقول لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إذا وجدتم الماء فإن لم تجدوا الماء فقد أحللت لكم أن تمسحوا بالأرض .

    9537 - حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن ابن أبي ليلى عن المنهال عن عباد بن عبد الله أو عن زر عن علي رضي الله عنه ولا جنبا إلا عابري سبيل قال إلا أن تكونوا مسافرين فلم تجدوا الماء فتيمموا . [ ص: 380 ]

    9538 - حدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير في قوله ولا جنبا إلا عابري سبيل قال المسافر .

    9539 - حدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا هشام عن قتادة عن أبي مجلز عن ابن عباس بمثله .

    9540 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا هارون بن المغيرة عن عنبسة عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن علي رضي الله عنه قال نزلت في السفر ولا جنبا إلا عابري سبيل وعابر السبيل المسافر إذا لم يجد ماء تيمم .

    9541 - حدثنا ابن المثنى قال حدثنا هارون عن ابن مجاهد عن أبيه ولا جنبا إلا عابري سبيل قال المسافر إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم فيدخله فيصلي

    9542 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولا جنبا إلا عابري سبيل قال هو الرجل يكون في السفر فتصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي





الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •