تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 27 من 27

الموضوع: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,016

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة



    (التنصير - المفهوم)




    من محددات العلاقة بين الشرق والغرب: التنصير، الذي كان - وما يزال - موجهًا إلى المسلمين وغير المسلمين بصور مختلفة تتقلب بحسب الحال وبحسب البيئة، بل وبحسب الزمان والمكان؛فالحملة التنصيرية الموجهة إلى مجتمع مسلم تختلف عن الحملة إلى مجتمع غير مسلم بعيدٍ عن الإسلام في عقيدته، وتختلف عن الحملة التنصيرية الموجهة إلى مجتمع مسلم قوي في عقيدته بوضوح أكثر،ومع عدم الادعاء التام بالبعد عن العقيدة وقوتها في نفوس المسلمين، نجد أن الحملات التنصيرية الموجهة إلى المسلمين جنوب الصحراء الكبرى تختلف عن الحملات التنصيرية الموجهة إلى منطقة الخليج العربية.
    وسواء أكان الدافع الأول للحملات الصليبية هو الدين أم أن هناك دوافعَ أخرى احتلالية واقتصادية وسياسية[1]، إلا أنه يمكن أن يقال: إن الحملات الصليبية كانت في ظاهرها على الأقل حملاتٍ تنصيريةً أخذت صورة التنصير القسري بالغزو المسلح واحتلال الأرض وإخراج المسلمين منها[2].
    وحيث لم تنجح هذه الصورة عَمَد التنصير إلى الدراسة والتحليل للمجتمعات المسلمة، فواجهها بما تحتاجه من تعليم وتدريب أو علاج أو هبات مالية على شكل مشروعات تنموية،هذا في الوقت الذي استعان فيه المنصرون بالمستشرقين في الدخول في عمق المعتقد الإسلامي، وامتهان مهمة الاستشراق القديم في التشكيك في هذا الدين بجميع مقوماته ورموزه.
    وحيث لم تنجح هذه الصورة أيضًا بالشكل الذي يوازي الجهود البشرية والمالية المبذولة، عَمد التنصير إلى اتباع الصور الأخرى التي اتُّفِقَ على تسميتها بالوسائل الخفية للتنصير، التي تُظهر شيئًا غيرَ التنصير، فجاء التنصير مع العاملين النصارى في المجتمعات المسلمة، سواء أكان هؤلاء العاملون مِهنيين فنيين خبراء أم كانوا عمالًا غير مؤهلين مهنيًّا.
    وتَبِع هذا وجودُ مؤسسات تُظهر أنها تقوم بمهمات رسمية وأعمالٍ خدمية مدنية، ولكنها تخدم التنصير مباشرة، كبعض البعثات الدبلوماسية والملحقيات الثقافية والتجارية والإعلامية والشركات وغيرها،ومن المهم التوكيد أن هذا الاتهام لا ينسحب على الجميع، ولكن التنصير ظهر في بعض هذه المؤسسات[3].
    ومع هذا كله ومع هذه الجهود كلها، فشل التنصير في تحقيق هدفه الظاهر والقريب، وهو أول ما يتبادر إلى الذهن من مصطلح التنصير الذي يوحي بإدخال غير النصارى في النصرانية، فقد تنازل التنصير عن هذا الهدف مرحليًّا، لا سيما في المجتمعات المسلمة، وأضحت مهمة التنصير العمل على إخراج المسلمين من الإسلام.
    ولم يتحقق هذا الهدف أو هذه المهمة بالسهولة المتوخاة؛ إذ إن الإسلام يقوم على عقيدة التوحيد التي تتماشى مع فطرة الإنسان،هذا بالإضافة إلى أن الإسلام بقي نقيًّا محفوظًا من كل محاولات التغلغل فيه لتقويض دعائمه؛ ذلك أن الله تعالى قد تكفل بحفظه، ما دام على هذه الدنيا نفسٌ تتعطش للأمان الروحي، وتسعى إلى توطيد علاقة المخلوق مع الخالق؛قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
    وهنا عاد المنصرون إلى المستشرقين في مسألة التشويه، والدخول في عمق العقل البشري المسلم، وتشكيكه في عقيدته من خلال استخدام الأسلوب الاستشراقي في التشويه من لدن بعض قدامى المستشرقين، الذي لم يعُدْ بحق مقبولًا حتى من مستشرقي اليوم أنفسهم.
    ولما لم تُجْدِ هذه الوسيلة، عَمد التنصير الموجَّه للمجتمع المسلم إلى إدخال أفكار غريبة على المفهومات الإسلامية في الممارسات وفي الأفكار، مما نسميه اليوم بالدعوة إلى التغريب، الأمر الذي دعا المسلمين إلى التحذير من هذه الحملة التنصيرية، والتصدي لها بالتأصيل، أو الأصالة، وأسلمة العلوم وتوجيهها الوجهة الإسلامية.
    وهذه وقفة أخرى من الوقفات التي تحد من هذا التيار الذي أسهم في تحديد العلاقة بين الشرق والغرب،على أن موضوع التنصير موضوع طويل، لا يزال الفكر العربي والإسلامي يكتب عنه الكتب والمقالات، وتدرسه الجامعات ومراكز البحوث[4]، مما يستدعي إطالة الوقوف معه في الوقفات القادمة.






    [1] انظر: أيوب أبو دية،حروب الفرنج حروب لا صليبية - مرجع سابق - ص 182.
    [2] انظر: علي بن إبراهيم النملة،التنصير القسري وأثره في التعدي على الحريات الدينية - الرياض: هيئة حقوق الإنسان، 1430هـ/ 2009م - ص47.
    [3] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة،التنصير: المفهوم - الوسائل - المواجهة - مرجع سابق - ص 295.
    [4] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة،التنصير في المراجع العربية: دراسة ورصد وراقي للمطبوع - ط 2 - الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1424هـ/ 2003م - ص 419.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,016

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة




    (التنصير - البدايات)

    عندما قَدم وفد من نصارى نجران إلى المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم كانت بينه وبينهم مناقشات وحوار وحِجَاج، انصرف الوفد بعدها فاختلفوا في قبول الرسالة، فمنهم من عاد وآمن بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من بقي على نصرانيته[1].
    ويُعَدُّ هذا الموقفُ والموقفُ الذي تم في الحبشة بين النجاشي أصحمةَ ومهاجرةِ المسلمين - نواةَ العلاقة بين النصرانية والإسلام، التي تجسدت في هذا الحوار والنقاش الذي دار حول طبيعة المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام[2].
    منذ ذلك الحينِ والحوارُ بين المسلمين وغيرهم قائمٌ؛ مصداقًا لأمر الله تعالى المسلمين إلى الحوار في قوله تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 64].
    ومن أشكال الحوار بين النصرانية والإسلام ذلك المفهوم القديم المتجدد في دعوة غير النصارى إلى النصرانية، واصطلح عليه باسم التنصير، ويسميه البعض بالتبشير، ولكنه إلى التنصير ألصق[3]،فقام لهذا رجال ونساء منصرون يجوبون البلدان مدنها وقُرَاها وأريافها، يدعون الناس إلى اتباع يسوع المسيح ابن مريم - عليهما السلام - على أنه ابن الله، أو أنه ثالث ثلاثة، أو أنه هو الإله المخلص الشافي، يدعون إلى ذلك من دون أن يكونوا جميعًا في عمق إيمانهم على اقتناع تام بما يدعون إليه.
    وعندما يعملون في هذا المجال في مجتمع مسلم يتعرفون على عقيدة المسلمين القائمة على التوحيد - وليس الاتحاد - فيجدون الأمان الروحي الذي يبحثون عنه، فلا تلبث طائفة منهم طويلًا في البحث والدرس والقراءات حتى يعلنوا إسلامهم ويتخلَّوْا عن الحملات التي يقودونها أو يشاركون فيها،ومن هؤلاء مَن يتحول إلى داعية إلى الإسلام، محاولًا بنهجه الجديد أن يكفِّرَ عن جهوده في التنصير بعد أن تبين له الحق.
    ولم تعُدْ هذه الفكرة في التحول تمثل حالات فردية، ولكنها أضحت ظاهرة يمكن رصدها وبحثها والكتابة عنها،ولا يقتصر الأمر على المنصرين العاديين، بل إن القسس أنفسهم أقبلوا على الإسلام، ليس في الماضي فحسب، بل إن هذه الظاهرة تتجدد إلى يومنا هذا،ولا يكتفي القسس بالتحول إلى الإسلام ونبذ النصرانية، ولكنهم بحُكْم ما هم عليه من مرتبة دينية يسعون إلى كشف بعض أسرار النصرانية، وما يدور في مجتمع الرهبان والكهان والراهبات، مما يزيد من الابتعاد عن النصرانية، وبالتالي الاقتراب من الإسلام[4].
    ويستمر هذا الشكل من أشكال الحوار، الذي تتجلى فيه هداية الحيارى إلى الدين الحق إذا ما لاحظنا أن ارتداد المسلمين من خلال هذا الحوار يكاد يكون معدومًا؛ نظرًا لقوة السلاح العقدي لدى المسلمين، الذي يحيِّرون به محاوريهم بما في ذلك إيمانهم بالمسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - وبمريم الصِّدِّيقة - عليها السلام - وبالنصرانية دينًا منزلًا على عيسى ابن مريم - عليهما السلام - وبالإنجيل كتابًا منزلًا على عيسى ابن مريم - عليهما السلام - وأن القرآن الكريم قد أفرد سورة باسم مريم - عليها السلام - وأنه قد ورد ذكر لعيسى - عليه السلام - في القرآن الكريم أكثر من ورود محمد صلى الله عليه وسلم،يقدِّم المسلمون هذا السلاح العقدي دون أن يتأثروا هم بما لدى الآخر من مقدمات خاطئة، تقوم عليها نتائج خاطئة، مما يؤدي إلى تخلي الآخر عن هذه المقدمات والنتائج والوصول إلى الأمن العقدي باعتناق الإسلام.
    ولا بد من التركيز على هذا الحوار والإكثار منه؛ لما فيه من فوائد عديدةٍ، يأتي منها تجلية الإسلام وتخليصه مما ألحقه به الآخر وبعض أهله من تشويه، ثم يأتي منها هداية الآخر إلى دين الله، إن هو رغب في ذلك.





    [1] انظر: ابن قيم الجوزية، الإمام المحدث شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي،زاد المعاد في هدي خير العباد/ حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه شعيب الأرناؤوط وعبدالقادر الأرناؤوط - 5 مج - بيروت، مؤسسة الرسالة، 1399هـ/ 1978م - 3: 629 - 638.
    [2] انظر: محمد بن فارس الجميل،الهجرة إلى الحبشة: دراسة مقارنة للروايات - مرجع سابق - ص 70 - 80.
    [3] انظر: محمد عثمان صالح،النصرانية والتنصير أم المسيحية والتبشير: دراسة مقارنة حول المصطلحات والدلالات - المدينة المنورة: مكتبة ابن القيم، 1410هـ/ 1989م - ص69.
    [4] انظر: محمد بن ناصر الطويل،إسلام القساوسة والحاخامات - الرياض: دار طويق، 1424هـ - ص،وانظر أيضًا: محمد عزت الطهطاوي،لماذا أسلم هؤلاء؟: قساوسة ورهبان وأحبار مستشرقون وفلاسفة وعلماء - القاهرة: مكتبة النافذة، 2005م - ص 194.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,016

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة


    (التنصير - إحصائيات)




    نشرت مجلة "الكوثر" التي يصدرها الدكتور عبدالرحمن بن حمود السميط إحصائية عن التنصير لعام 1424هـ/ 2003م[1]، ذكرت فيه أن مجمل التبرعات للأغراض التنصيرية بلغت ثلاثمائة وعشرين مليارًا (320،000،000،000) دولار للعام 1424هـ/ 2003م، وكانت قد بلغت عام 1390هـ/ 1970م سبعين مليار (70،000،000،000) دولار، وبلغت عام 1420هـ/ 2000م مائتين وسبعين مليار (270،000،0000،000) دولار، ويتوقع أن تبلغ سنة 1445هـ/ 2025م ثمانمائة وسبعين مليار (870،000،000،000) دولار.
    وسيبلغ عدد المنظمات والجمعيات التي ترسل منصرين أربعة آلاف ومائة وخمسين (4150) منظمة وجمعية، وكانت قد بلغت سنة 1390هـ/ 1970م ألفين ومائتي (2200) منظمة وجمعية، وبلغت سنة 1420هـ/ 2000م أربعة آلاف (4،000) منظمة وجمعية،ويتوقع أن تبلغ سنة 1445هـ/ 2025م ستة آلاف (6،000) منظمة وجمعية للتنصير المباشر،أما الجمعيات والهيئات والمنظمات التي تعمل على التنصير غير المباشر فتزيد عن خمسة وعشرين ألف (25،000) جمعية وهيئة ومنظمة.
    وذكرت مجلة "الكوثر" نقلًا عن النشرة الدولية لأبحاث التنصير[2]: أن عدد المنصرين المفرغين من المحليين والأجانب بلغ للعام 1424هـ/ 2003م خمسة ملايين وسبعمائة وتسعة وثمانين ألف (000،987، 5) منصر ومنصرة، وأن عدد الأناجيل التي طبعت في منتصف ذلك العام قد وصل إلى اثنين وستين مليون (62،000،000) نسخة، وأن عدد محطات الإذاعة والتلفزيون التنصيرية وصل في المدة نفسها إلى أربعة آلاف وخمس وسبعين (4075) محطة إذاعة وتلفزيون يستمع إليها ويشاهدها ما لا يقل عن ستمائة وثمانية وخمسين مليون (658،000،000) مستمع ومستمعة ومشاهد ومشاهدة.
    وقد أعَدَّ هذه الدراسة الإحصائية للنشرة الدولية لأبحاث التنصير كلٌّ من الأستاذ الدكتور ديفيد باريت المتخصص في إحصاءات التنصير بجامعة ريخت في فرجينيا ورئيس مركز أبحاث التنصير في مدينة ريتشموند بفرجينيا كذلك، والأستاذ الدكتور نود جونسون أستاذ اللاهوت في كلية دير فيلد بولاية إلينوي.
    وذكرت صحيفة "الكوثر" أن عدد الحاسبات الآلية المستخدمة في التنصير قد بلغ أربعمائة مليون (400،000،000)، واتضحت صحة هذا الرقم الفلكي بعد التحقق منه من مصدره الأصلي في النشرة الدولية لأبحاث التنصير، إلا أنه يشير إلى عدد استخدامات الحاسب الآلي التي كانت صفرًا سنة 1900م، ثم بلغت ألفًا (1،000) فقط سنة 1390هـ/ 1970م، ثم ارتفعت إلى ثلاثمائة واثنين وثلاثين مليون (332،000،000) استخدام سنة 1420هـ/ 2000م لتصل إلى أربعمائة مليون (400،000،000) استخدام لسنة 1424هـ/ 2003م، ثم يتوقع أن تصل إلى مليار وخمسمائة مليون (1،5000،0000،000) استخدام بحلول عام 1445هـ/ 2025م.
    وتحت كلمة "تبشير" يوجد على الشبكة العنكبوتية تحديدًا أكثر من مائة وسبعين ألف (170،000) مادة على شبكة جوجل، وواحد وثلاثين ألف ومائة (31،100) مادة على شبكة "ياهو" للتنصير والمنظمات والهيئات والمعاهد التنصيرية[3].
    وقد بلغت الكتب المنشورة حول التنصير في عام 1424هـ/ 2003م مائة وثمانية وعشرين ألف (128،000) كتاب، وستبلغ سنة 1445هـ/ 2025م مائة وخمسة وتسعين ألف (195،000) كتاب،أما الصحف (المجلات، والدوريات) فتبلغ تسعة عشر ألف (19،000) دورية، وستصل إلى ثمانين ألف (80،000) مجلة ودورية بحلول عام 1445هـ/ 2025م.
    أما الخطط التنصيرية فقد بلغت في العام 1424هـ/ 2003م ألفًا وستمائة وعشر (1،610) خطط، وستصل سنة 1445هـ/ 2025م إلى ثلاثة آلاف (3،000) خطة.
    توضع هذه الأرقام الحديثة أمام ناظري القارئ والقارئة الكريمين دون أدنى تعليق، سوى أنها أرقام تثير - من حيث ضخامتها - الاستغراب،ويحتّ ِم هذا مواصلة تحديث المعلومة، بما في ذلك توقع ما ستكون عليه المعلومة، وإيجاد مجال للتخطيط فيما يتعلق بمواجهة هذه الحملات التي لم تسلم منها المجتمعات المسلمة؛ إذ إنها مستهدفة من ذلك.






    [1] انظر: التحرير،إحصائية التنصير للعام 2003م - مجلة الكوثر - ع 42 (محرم وصفر 1424هـ/ إبريل 2003م) - ص 34.
    [2] انظر: Interrnaitlal Bulletin of Mitteinaty Reseatdtch
    [3] انظر: زينب عبدالعزيز،حرب صليبية بكل المقاييس - مرجع سابق - ص 24.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,016

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة

    (التنصير - المسؤولية)


    يتعرض الطلبة الدارسون في الخارج إلى حملات التنصير بشكل واضح جدًّا،تبدأ الحملات غالبًا في معاهد اللغة، أو ربما بدأت في المكاتب المخصصة لرعاية الطلبة الأجانب في الكلية أو الجامعة،هذا عدا عن أفراد يقرعون أبواب المنازل، ويبشرون بالمسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - وربما كانوا أبعد من غيرهم عن تعاليم المسيح ابن مريم - عليهما السلام - مع ما اعترى تعاليم المسيح ابن مريم - عليهما السلام - من تدخلات البشر.
    وكنت في شقتي الصغيرة بالولايات المتحدة الأمريكية يومًا عندما قرع عليَّ الباب مجموعة من الرجال،نظرت إليهم من منظار الباب فوجدت أشخاصًا عليهم سيماء طيبة وثياب مألوفة، فعلمت أن هؤلاء مسلمون،فتحت الباب ورحبت بهم، وكانوا من الإخوة الهنود والباكستانيين وبعض المقيمين من مسلمي الولايات المتحدة الأمريكية يجوبون البلاد، ويذكرون الناس مبلغين إياهم ضرورة التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
    وكان من بينهم رجل يلبس الثياب الهندية، ولكنه من الأمريكيين، فدفعني الفضول إلى سؤاله عن الطريق الذي وصل منه إلى الإسلام، فأجابني الرجل أنه دخل الإسلام عن طريق التنصير، فعجبت كثيرًا،وبدا عليَّ العجب، وقدر عجبي،فقص عليَّ خطواته الأولى نحو التعرف على الإسلام[1].
    هذه ليست هي الحال الوحيدة التي يهتدي فيها منصرون إلى الإسلام ثم يتحولون إلى دعاة؛ فقد حدث هذا في إفريقيا، ويحدث الآن في أماكن كثيرة،وتكاد تكون هذه المسألة هنا ظاهرة تستحق الدراسة والمتابعة؛ فاهتداء النصارى واليهود وغيرهم أمرٌ ليس غريبًا أو عجيبًا، ولكن اهتداء من حملوا على عواتقهم مهمة الدعوة إلى دينهم أمر يستحق التوقف حقًّا[2].
    المراد من ذكر هذه الظاهرة في إسلام المنصرين والقسس الوصول إلى نتيجة قد تكون قابلة للتعميم، فنحن نتحدث عن الوسائل التي يستعين بها المنصرون في حملاتهم، ومن هذه الوسائل نذكر الحقد المكين والتقليدي على الإسلام، من قبل أولئك الذين يدرسون الحروب الصليبية، ثم يريدون لها أن تمتد حربًا صليبية تأخذ أشكالًا أخرى من السلاح غير الشكل الذي كانت عليه الحروب الصليبية السابقة.
    وندرس ضمن هذه الوسيلة الاستعداد الذاتي لدى المنصرين، ورغبتهم في السفر والاختلاط بالأمم الأخرى التي يراد لها أن تتنصَّر، وما يتبع هذا الاختلاط من التخلي عن سبل الرفاهية التي عاشت عليها الأمة الغربية، وندرس ضمن هذه الوسيلة أيضًا إيمان بعض المنصرين بما يدعون إليه إيمانًا عقديًّا.
    ثم تأتي هذه الظاهرة على صورة حالات متشابهة لتنبهنا إلى أن علينا عدم التعميم في الأحكام؛ فليس كل من يشترك في حملات التنصير مؤمنًا بما يقوم به، وليس كل من يشترك في حملات التنصير حاقدًا على الإسلام والمسلمين، ولكن جماعةً من هؤلاء مضللون، لديهم الرغبة في نشر الخير، فلم يجدوا وسيلة أمامهم إلا حملات التنصير، فلما يتبين لهم الحق يتركون ما هم عليه ويتبعون الحق.
    يلقي هذا عبئًا آخر على الدعاة إلى الله في أن يجِدُّوا في اتباع السبل الحديثة المشروعة في الدعوة إلى الله، وأن تكون هناك لقاءاتٌ مع مجموعات المنصرين، تكون فيها حوارات ومناظرات وحِجَاج ونقاش،ولا يستغرب المرء أن تتحول هذه الجهود والإمكانات التي يقوم بها المنصرون في مصلحة الإسلام، ولا يستغرب المرء كذلك أن تتحول مجموعاتٌ من الأعضاء في الجمعيات التنصيرية إلى الإسلام، إذا ما اتضح الإسلام لهذه الجمعيات والمجموعات.
    وعليه، فإن مجرد التوعية بأخطار الجمعيات التنصيرية المنتشرة اليوم قد لا يكون كافيًا، بقدر ما تكون البدائل متوافرة،ومن هذه البدائل التوجه إلى هذه الجمعيات والجماعات، وانتزاع المضلل منهم، والتشكيك في المصممين منهم، وتشكيكهم هم بجدوى ما يقومون به على المستويين الدنيوي والأخروي، لا سيما أنهم يعانون من ضحالة الاستجابة إلى جهودهم.
    وهذه مسؤولية تضاف إلى المسؤوليات المناطة بالقيادات السياسية في العالم الإسلامي، وبالدعاة إلى الله تعالى، الذين آلَوْا على أنفسهم مزاحمة الباطل بالحق، وإنقاذ الأمم الأخرى من الضلال ومن الدعاة إلى الضلال،وتبقى المقومات والإمكانات الأخرى المطلوبة في سبيل القيام بهذه المسؤوليات تحتاج إلى التنبه لها، فتكون للدعاة مصادر للدعم والتمويل والعون وتذليل الصعاب.





    [1] ذكرت هذه القصة في كتاب: التنصير: المفهوم - الوسائل - المواجهة - مرجع سابق - ص 60.
    [2] انظر: محمد بن ناصر الطويل،إسلام القساوسة والحاخامات - مرجع سابق - ص،وانظر أيضًا: محمد عزت الطهطاوي،لماذا أسلم هؤلاء؟ قساوسة ورهبان وأحبار مستشرقون وفلاسفة وعلماء - مرجع سابق - ص 194.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,016

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة

    من منطلقات العلاقات الشرق والغرب

    (الاستشراق - المصطلح)


    تعد ظاهرة الاستشراق محددًا من محددات العلاقات بين الشرق والغرب، إلا أن المستشرقين المعاصرين يحاولون التهرب من هذا المصطلح،فلماذا يتهرب المستشرقون الجدد من مصطلح الاستشراق؟ ولماذا بالتالي، لا يرغبون في أن يقال عنهم: إنهم مستشرقون، ويحبذون أن يقال عنهم أي شيء سوى ذلك؟ ولماذا توجه بعض الاستشراق الجديد أو الحديث أو ما بعد الاستشراق، إلى علم الإنسان أو الأنثروبولوجيا[1]؟ أسئلة تحتاج إلى عدد من الوقفات؛ ذلك أن مصطلح "الاستشراق" كان يلقى رواجًا في انطلاقة النهضة الفكرية العربية وإنشاء وزارات المعارف والثقافة، ومجامع اللغة العربية، والمجامع العلمية، ومراكز البحث العلمي، وانتشار الطباعة والكتاب والدورية والمجلة والصحيفة، فكان لهم أثر في ذلك كله مسجلٌ في الوثائق، وكان بهم انبهار فاق الحد والعقل، وكانوا محل عناية وترحيب، وافتتن بهم مفكرون عرب؛ لأنهم مستشرقون، وليس لأنهم أي شيء سوى كونهم مستشرقين.

    وما دام هذا الأمر في خبر كان، كما هو واضح من هذا الطرح في هذه المقدمة، فإن هناك فكرة قد تكون مقبولة للتنصل من المصطلح،هذا هو الطرح القائم الآن، ولا يعرف الآن إلا عدد قليل من المستشرقين ممن يفضلون تصنيفهم أو نَعْتَهم بالمستشرقين.

    فهذا أندريه ميكيل يرفض هذا التصنيف، ويرد على من أدخله في زمرة المستشرقين بقوله: "أنا لست مستشرقًا، وأرفض هذه الكنية،أنا عروبي سحرني الأدب العربي فانكببت عليه بحثًا ودراسة"[2]،ويقول في مقام آخر: "لست مستشرقًا، اهتمامي يدور حول اللغة والأدب العربيين، وبصفة خاصة الكلاسيكي؛ أي حتى القرن التاسع عشر، فأنا متخصص في اللغة والأدب العربيين"[3]،وكذلك المستشرق الأمريكي جون أسبوزيتو رفض هذا التصنيف، وفضَّل أن يدعى بعالم الإسلاميات.

    وهذا المستشرق الفرنسي دومينيك شوفالييه ينكر المصطلح، ويحمله تبعاتٍ تاريخية ليست إيجابية؛ ولذلك نراه يقول: "أن تكون مستشرقًا يعني أن تكون مهتمًّا بالشرق،وأنا مؤرخ لتاريخ العرب المعاصر"[4].

    والمستشرق الفرنسي مكسم رودنسون[5] يرى أن كلمة الاستشراق لم تعد تعني شيئًا، ويقول: "إنني لا أستطيع أن أتحدث وأستفيض فيما ليس موجودًا،كذلك أقول بأنه لا يوجد شرق، وإنما شعوب، مجتمعات ثقافات، وبالتالي لا يوجد استشراق أيضًا، وإنما توجد أنظمة علمية لها موضوعاتها وإشكالياتها النوعية، مثل علم الاجتماع والاقتصاد السياسي والألسنية والإناسة والفروع المختلفة للتاريخ"[6].

    والمستشرق الفرنسي كذلك، جاك توبي، يؤكد على أنه مؤرخ للشرق، وليس مستشرقًا،وعندما سأله أحمد الشيخ على أنه مستشرق قال: "مستشرق لا، كما لا أعرف إذا كان ما يزال هناك وجود لبعض المستشرقين أم لا،هذا مصطلح قديم"[7].

    وهذه المستشرقة الرومانية ناديا أنجيليسكو تتهرب من المصطلح وتقول: "خلال زياراتي إلى البلدان العربية قدمتني الصحف أكثر من مرة بالمستشرقة الرومانية ناديا أنجيليسكو، واحتججت أكثر من مرة على هذه التسمية،طبعًا كان من أهم الأسباب لاحتجاجي أن شخصية المستشرق أصبحت مشؤومة إلى حد ما في الوطن العربي"[8].

    وسابع هؤلاء هو برنارد لويس الذي يمقت مصطلح الاستشراق، ويدعو إلى رميه في زبالة التاريخ[9]، حيث يقول: "لقد أصبحت كلمة "مستشرق" منذ الآن فصاعدًا ملوثة"[10]،ويقول أيضًا: "وهكذا تم رمي مصطلح "المستشرق" في مزبلة التاريخ،ولكن المزابل ليست أماكن مضمونة ولا نهائية؛فالواقع أن كلمتي "مستشرق" و"استشراق" اللتين رميتا من قبل العلماء بصفتهما لا جدوى منهما قد استُعِيدتا من جديد، ووُظِّفتا ضمن معنى مختلف؛ أي ككلمتين تدلان على الشتيمة والمماحكة الجدالية"[11]،ويقول كذلك في مقام آخر: "لقد أصبحت كلمة "مستشرق" منذ الآن فصاعدًا ملوثة هي الأخرى أيضًا، وليس هناك أي أمل في الخلاص،ولكن الضرر هنا أقل؛ لأن هذه الكلمة كانت قد فقدت قيمتها، وحتى أولئك الذين كانت تدل عليهم تخلَّوا عنها، وقد تجلى هذا التخلي رسميًّا في المؤتمر الدولي التاسع والعشرين للمستشرقين، الذي عقد في باريس صيف 1394هـ/ 1973م،وكان ذلك التاريخ يصادف الذكرى المئوية لأول مؤتمر دولي للمستشرقين المجتمعين في المدينة نفسها"[12]،وليس هذا هو موقف المستشرق برنارد لويس الثابت؛ إذ سبق له تعريف الاستشراق بتفصيل أكثر التصاقًا بالنظرة العلمية[13].

    ويمثل برنارد لويس مثالًا حيًّا للمستشرق المتطرف، الذي يمقته بعض المستشرقين والمفكرين الغربيين؛ ولذا عقدتُ له وقفةً لاحقةً يتبين فيها مدى تطرُّفه وتطرُّف مَن يُفيد منه.
    ---------------------------------------------------

    [1] انظر: البحوث المستفيضة التي نشرتها مجلة "الاجتهاد" عن التحول من الاستشراق إلى الأنثروبولجيا في الأعداد 47 و48 و49 و50 في صيف وخريف العام 2000م/ 1421هـ وشتاء العام 2001م/ 1422هـ، وربيع 2001م/ 1422هـ.

    [2] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة،الالتفاف على الاستشراق - مرجع سابق - ص173.

    [3] انظر: أحمد الشيخ،من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق - القاهرة: المركز العربي للدراسات الغربية، 1999م - ص 81 - 88.

    [4] انظر: أحمد الشيخ،من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق - المرجع السابق - ص 105 - 111.

    [5] توفي المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون في ربيع الأول 1435هـ مايو من عام 2004م،انظر آخر مقابلة معه في: جيلبير أشقر،المستشرق الفرنسي الراحل مكسيم رودنسون وشؤون الإسلام السياسي والأصولية - الشرق الأوسط - ع 15136 (5/ 9/ 2004م).

    [6] انظر: أحمد الشيخ،من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق - مرجع سابق - ص 37 - 45.

    [7] انظر: أحمد الشيخ،من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق - المرجع السابق - ص 157 - 168.

    [8] انظر: ناديا أنجيليسكو،الاستشراق والحوار الثقافي - الشارقة: دار الثقافة والإعلام، 1420هـ/ 1999م - ص 72،34.

    [9] انظر: أسرة تحرير التسامح،العرب والإسلام والغرب والظروف الراهنة: مقابلة مع برنارد لويس - التسامح - مرجع سابق - ص 263 - 272.

    [10] انظر: برنارد لويس،مسألة الاستشراق - ص 159 - 182 - في: هاشم صالح/ معد ومترجم،الاستشراق بين دعاته ومعارضيه - ط 2 - بيروت: دار الساقي، 2000م - ص 261.

    [11] انظر: برنارد لويس،مسألة الاستشراق - ص 159 - 182 - في: هاشم صالح/ معد ومترجم،الاستشراق بين دعاته ومعارضيه - المرجع السابق - ص 261.

    [12] انظر: برنارد لويس،مسألة الاستشراق - في: هاشم صالح/ معد ومترجم،الاستشراق بين دعاته ومعارضيه - المرجع السابق - ص 163.

    [13] انظر: عبدالله علي العليان،الاستشراق بين الإنصاف والإجحاف - الدار البيضاء: المركز العربي الثقافي، 2003م - ص 12.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,016

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة


    من منطلقات العلاقات الشرق والغرب

    (الاستشراق- المفهوم المشؤوم)


    لعل المستشرقة ناديا أنجيليسكو قد أجابت على التساؤلات التي طرحت في مطلع هذه الوقفة؛ إذ إن القدرة على التمييز والتمحيص، التي اتسم بها الفكر العربي والإسلامي، قد وفِّقت إلى تعرية الاستشراق وبيان ما حمل من ضرر على الفكر في إجماله، وبالتالي كانت هناك أطروحات قوية وقفت في وجه الاستشراق والمستشرقين، كان من ضمنها المناظرات والمحاورات، مما أدى في ضوء ذلك إلى تقليص النفوذ الاستشراقي، ثم توجه المستشرقين إلى العلوم الأخرى بجانبها الإعلامي، والرغبة في الظهور الإعلامي تعليقًا على الأحداث المتتالية التي تعصف بالمنطقة من وجهة نظر تظل استشراقية، مما يولد مصطلحًا جديدًا، قد يصدق عليه الاستشراق الإعلامي أو الصحفي، وربما الإعلام الاستشراقي.

    وفي هذا التوجه الأخير خروج قد لا يكون مرغوبًا فيه من قبل المستشرقين الذين لا يزالون يتمسكون بالمصطلح المطلق "الاستشراق"، دونما تقييده بأي صفة، حتى تلك الصفة التي يراد منها الإبقاء عليه متميزًا عن أي طرح سطحي للحاضر، بما يكتنفه من أحداث متسارعة طغى عليها البعد السياسي، وإن تكن في أصلها موجهة إلى البعد العَقَدي.

    فقد ظهر من ينعت الاستشراق الأصيل بالاستشراق التقليدي، أو ربما يعبر عنه بالاستشراق الكلاسيكي[1]، ويرى أنه "لا يزال الكثير من المستشرقين سجناء الاستشراق،إنهم منغلقون على أنفسهم داخل غيتو، وهم سعداء في ذلك غالبًا! بل إن مفهوم الاستشراق نفسه ناتج عن ضرورات عملية عابرة، التقى عندها العلماء الأوروبيون المتمرسون بدراسة الثقافات الأخرى،وقد تدعم هذا المفهوم بواسطة هيمنة مجتمعهم على المجتمعات الأخرى، وشوهت هذه الحالة بقوة رؤيتهم للأشياء"[2].

    وكذا التوجه إلى تحوير المصطلح إلى أي مصطلح آخر قد يكون مقبولًا في هذا الزمان بديلًا عن مصطلح الاستشراق، ولكنه قد يتحول إلى أن يكون العاملون فيه شخصياتٍ مشؤومةً في الوطن العربي والعالم الإسلامي فيما يأتي من الزمان.

    والتهرب من المصطلح لا يعفي من استمرار التمسك بالمضمون، وهو، أو منه، النظر إلى ثقافةٍ بعيون ثقافيةٍ أخرى، وعدم القدرة على تلبس الثقافة المنظور إليها، في ضوء التمسك بالثقافة الناظرة، بما تحمله هذه الثقافة المنظور منها تجاه الثقافة المنظور إليها من منطلقات دينية وتاريخية وسياسة واقتصادية، ثم أخيرًا اجتماعية وأنثروبولوجية[3].

    على أنه من المهم هنا ألا يفهم هذا الطرح على أنه توجه أو رغبة في وصد الباب أمام الآخر، ليتعاطى الثقافة الإسلامية والعربية، فهذه رغبة لا تحصل ولم تحصل ولن تحصل؛ إذ إن هذه الثقافة مثار جدل ونقاش طويل عريض، طويل من حيث المدى التاريخي والمستقبلي[4]، وعريض من حيث الاهتمامات وتفرُّع هذه الثقافة مع ترابطها.

    وإذا كان الاستشراق من محددات العلاقة بين الشرق والغرب فإن الملحوظ هو تقهقر وجود المستشرقين في المحافل الفكرية والأدبية والثقافية في العالمين الغربي والشرقي الإسلامي، بينما كانوا من قبل محط الاهتمام المبني على الانبهار بما أتقنوه من الثقافة الإسلامية واللغة العربية، حتى لقد قال أحدهم عنهم: إنهم فهموا هذا الدين أفضل من فهم أهله له[5]، وقال أحدهم عنهم عند النقاش عن النفع والضرر: إن نفعهم أكثر من ضررهم[6]، فرد عليه من قال عنهم: إن ضررهم أكثر من نفعهم[7].
    ----------------------------------------------------------
    [1] انظر: مكسيم رودنسون،وضع الاستشراق المختص بالإسلاميات: مكتسباته ومشاكله - ص 85 - 87 - في: هاشم صالح، معد ومترجم،الاستشراق بين دعاته ومعارضيه،مرجع سابق - ص 261.

    [2] انظر: مكسيم رودنسون،الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا - ص 39 - 83،في: هاشم صالح/ معد ومترجم،الاستشراق بين دعاته ومعارضيه - المرجع السابق - ص 261.

    [3] انظر: رضوان السيد،الصراع على الإسلام من الاستشراق إلى الأنثروبولوجيا - التسامح - مرجع سابق - ص 71 - 81.

    [4] انظر: محمد محفوظ،الإسلام، الغرب وحوار المستقبل - الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1998م - ص 230.

    [5] انظر: محمود محمد شاكر،رسالة في الطريق إلى ثقافتنا - القاهرة: دار الهلال، 1408هـ/ 1987م - ص 258 - (سلسلة: كتاب الهلال: 422).

    [6] انظر: زكي مبارك،نفعهم أكثر من ضررهم - الهلال - ع 2 مج 42 (12/ 1933م/ 8/ 1352هـ) - ص 325 - 328.

    [7] انظر: حسين الهواري،ضررهم أكثر من نفعهم - الهلال - ع 2 مج 42 (12/ 1933م/ 8/ 1352هـ) - ص 324.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,016

    افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

    الشرق والغرب
    منطلقات العلاقات ومحدداتها
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة

    من منطلقات العلاقات الشرق والغرب

    (الاستشراق- الاستشراق الصحفي)

    منذ انطلاقة الاستشراق من الأديرة والمعابد في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي على يد الباب سلفستر الثاني، كما يفضل الدكتور محمد ياسين عريبي، والحوار بين الشرق والغرب لا يزال مستمرًّا،إلا أن انطلاقة الاستشراق هذه جاءت تعضيدًا لحملات التنصير[1].

    يقول محمد ياسين عريبي في كتابه المهم: الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي: "وبغض النظر عن التفاصيل والخوض في شتى العلوم العربية التي نقلت إلى الغرب عن طريق مدارس جنوب إيطاليا، كالطب والصيدلة والزراعة والكيمياء والميكانيكا والعلوم الطبيعية بصورة عامة والصناعة والفلسفة بفروعها، فإن الدافع الأساسي لنقل هذا التراث هو التبشير الذي اتخذ من الاستشراق وسيلةً تحقق الغاية؛ إذ إن معرفة الحضارة الإسلامية هي الأساس لانتصار الصليب على الهلال،وإذا كان الصليبيون قد ولوا الأدبار بعد صراع دامَ أكثر من مائتي سنة فإن الغرب قد انتصر بالفعل في هذا الصراع من خلال سلبه لحضارة الشرق،وهذا ما يفسر نشاط الترجمة في القرنين الثاني والثالث عشر"[2].

    ثم يقول في الصفحة التالية: "وإذا كانت الأفكار أسبق من الظواهر، فإن استعمار البلاد العربية الإسلامية في (ق 19 - 20م) في طرف الغرب لم يكن إلا نتيجة لاستلاب الفكر العربي الإسلامي في القرنين السابقين، من ديكارت إلى كانط،وقد خطط التبشير والاستشراق لمثل هذا الاستعمار منذ البداية،ولعل أوضح صورة لهذا التخطيط ما نلمسه في مدارس الترجمة بالجناح الشمالي الغربي من الزاوية المنعكسة، وخاصة في مدرسة طليطلة"[3].

    بقراءة هذا الكتاب يجد القارئ مادة علمية غنية جديرة بالمتابعة،على أن الكاتب مثل غيره لا يخلو من ملحوظات في طرحه من حيث انطلاقته الفكرية،هذا الطرح ما هو إلا امتداد للحوار بين الشرق والغرب، وإن هذا الحوار يصطبغ اليوم بقدر لا يستهان به من السطحية، حتى في مفهوم الاستشراق الذي يعتقد على نطاق واسع أنه سيعود إلى الأضواء بعد الذي حل بالعالم العام 1422هـ/ 2001م، ومن ذلك زيادة التحامل على العرب والمسلمين وعلى الإسلام نفسه بطريقة تناسب الزمان إلى درجة التدخل في فهم الإسلام وإفهامه للأجيال القادمة، كما تفعل بعض مراكز البحوث الغربية مثل مؤسسة راند بالولايات المتحدة الأمريكية،وهذا شيء خطر ينبغي التنبه له وإعداد العدة الفكرية لمواجهته من المختصين في الاستشراق.

    من هذا الطرح السريع ما ظهرت به الكاتبة والصحفية الإيطالية أوريانا فلاتشي في كتابها "الغضب والاعتزاز" والكاتبة فلاتشي ليست مستشرقة بالمفهوم الدقيق للاستشراق، ولكنها روائية وصحفية تجسد تحول الاستشراق إلى الإعلام والصحافة،وهي كانت مقيمة في نيويورك،ومع هذا صدر كتابها بالإيطالية، وترجم إلى الفرنسية[4]،وركزت فيه على الجالية العربية المسلمة في الغرب، ووصفتهم بأنهم قوم يلوِّثون القارة، فهم نفايات مغتصبون، وعهرة حاملون لمرض الإيدز، أينما حلوا ورحلوا،وهم يقومون بالتكاثر بيننا كالجرذان،وتنصح صويحباتها الأوروبيات برفس المهاجرين بالأقدام على قفاهم، كما قامت به هي، وتهين الإسلام إهانة مباشرة، وترى أنه هو سبب هذا الوضع للجالية[5].

    وكانت فلاتشي تنشر مقالاتها هذه التي جمعتها في هذا الكتاب "الغضب والاعتزاز" في صحيفة بانوراما الإيطالية الواسعة الانتشار لمالكها برلسكوني، كما تذكر صحيفة الشرق الأوسط.

    تذكر صحيفة الشرق الأوسط (الاثنين 22/ 3/ 1422هـ الموافق 3/ 6/ 2002م) أنه بِيعَ من هذا الكتاب، في إيطاليا وحدها مائة ألف (100،000) نسخة في أقل من شهرين، ومثل هذا الرقم بالفرنسية،وعملت الكاتبة على ترجمته إلى اللغة الإنجليزية.

    تُذكِّر هذه الصحافيةُ بتلك الممثلة الفرنسية بريجيت باردو التي أطلقت كلماتٍ ووصفًا مقيتًا للمسلمين وطالبت بإخراج المهاجرين المسلمين من فرنسا، باعتبارهم ملوثين للثقافة الفرنسية، فأقامت الجالية المسلمة دعوى ضدها اضطرت معها للاعتذار.

    أعان الله العرب والمسلمين على التعامل الموضوعي تجاه هذه الأوصاف التي تكالبت عليهم، فمرة هم ثعابين، واليوم هم جرذان،وأعان الله المعنيين في التصدي العلمي لمثل هذه الاتهامات التي لا تخلو من فائدة، لا سيما أنها أظهرت قدرًا واضحًا من الجناية على العرب والمسلمين، جعلت غيرهم ينظر إليهم نظرة أخرى فيها خير للناظر والمنظور؛ إذ تأثر بعض من قرأ قراءة موضوعية لفلاتشي، واستخف بها وبفكرها هذا الذي يعيد نبش التاريخ الذي تسعى حضارة اليوم إلى تجاوزه؛ لأن في نبشه مضرةً للغرب أكثر من كونه مضرة للشرق.
    ______________________________ __________
    [1] انظر: محمد ياسين عريبي،الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي: نقد العقل التاريخي - الرباط: المجلس القومي للثقافة العربية، 199م - ص 142.

    [2] انظر: محمد ياسين عريبي،الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي: نقد العقل التاريخي - المرجع السابق - ص 142،وانظر في مجال تأثير النقل والترجمة: علي بن إبراهيم الحمد النملة،النقل والترجمة في الحضارة الإسلامية - ط 3 - الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، 1427هـ/ 2006م، ص 204.

    [3] انظر: محمد ياسين عريبي،الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي - مرجع سابق،ص 143.

    [4] انظر: فنسان جيسير،الإسلاموفوبيا - مرجع سابق - ص 66 - 73.

    [5] ستكون هناك وقفة أخرى مع الكاتبة الصحفية الروائية أرويانا فلاتشي، عند الحديث عن المحدد السادس عشر: الإعلام.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •