السؤال
هل يجوز استخدام الودعة لديكور البيت، علما أنها ذكرت في "كتاب التوحيد" في حديث: (من تعلق ودعة لا ودع الله له)؟ ولو كان الحديث ضعيفا، هل يعمل به؟ وهل يجوز استخدامها للإكسسوار؟
الجواب
الحمد لله.
الودعة شيء يستخرج من البحر.
قال ابن الأثير رحمه الله: "الودع، بالفتح والسكون: جمع ودعة، وهو شيء أبيض يجلب من البحر يعلق في حلوق الصبيان وغيرهم، وإنما نهى عنها لأنهم كانوا يعلقونها مخافة العين" انتهى من "النهاية في غريب الحديث" (5/168).
وقد روى أحمد أيضا (17440) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في "تحقيق المسند".
قال الخطابي رحمه الله: " التميمة يقال إنها خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع الآفات ".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والودَعَة: واحدة الودَع، وهي أحجار تؤخذ من البحر، يعلقونها لدفع العين، ويزعمون أن الإنسان إذا علق هذه الودعة لم تصبه العين، أو لا يصيبه الجن.
قوله: (لا ودع الله له)، أي: لا تركه الله في دعة وسكون، وضد الدعة والسكون: القلق والألم.
وقيل: لا ترك الله له خيرا؛ فعومل بنقيض قصده.
وقوله: (فقد أشرك): هذا الشرك يكون أكبر إن اعتقد أنها ترفع، أو تدفع بذاتها دون أمر الله، وإلا؛ فهو أصغر ".
وقال أيضا: " فمن اعتقد في شيء أنه سبب، ولم يكن سببا شرعيا ولا عاديا؛ فإنه مشرك، حيث اعتقد سببا لم يجعله الله سببا " انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد" (1/ 189).
وأما استعمال هذا الودع والصَّدف في تزيين البيت من غير اعتقاد فاسد، فلا حرج فيه؛ لأن الأصل الإباحة، لعموم قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) البقرة/29، وقال: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الأعراف/32.
قال ابن كثير رحمه الله: "يَقُولُ تَعَالَى رَدًّا عَلَى مَنْ حَرَّم شَيْئًا مِنَ الْمَآكِلِ أَوِ الْمَشَارِبِ، وَالْمَلَابِسِ، مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، مِنْ غَيْرِ شَرْعٍ مِنَ اللَّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ مَا يُحَرِّمُونَ بِآرَائِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَابْتِدَاعِهِم ْ: مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ [وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ] الْآيَةَ، أَيْ: هِيَ مَخْلُوقَةٌ لِمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَعَبَدَهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِنْ شَرَكَهُمْ فِيهَا الْكُفَّارُ حِسًّا فِي الدُّنْيَا، فَهِيَ لَهُمْ خَاصَّةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَشْرَكهم فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْكُفَّارِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ" انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/408).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قال الله تعالى ممتناً على عباده بإباحته لهم جميع ما في الأرض، وتسخيره لهم ما في السماوات والأرض (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً). وقال: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ)؛ ولا ينبغي للعبد أن يرد نعمة الله عليه، فيحرم نفسه منها بغير موجب شرعي، فإن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ويقول راداً على من يحللون ويحرمون بأهوائهم: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)، ويقول ناهياً عن ذلك: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ).
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال، كما ثبت عنه في صحيح مسلم في شأن البصل والكراث: " إنه ليس لي تحريم ما أحل الله "، فكيف يجوز لغيره أن يحرم ما أحل الله؟! ...
الثاني: أن من القواعد المقررة عند أهل العلم أن " الأصل في الأعيان والمنافع الحل والإباحة، إلا ما قام الدليل على تحريمه "، وهذه القاعدة مستمدة من نصوص الكتاب، والسنة.
أما الكتاب: فمن قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا).
وأما السنة فمن قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها ( وأخبر أن " ما سكت عنه فهو عفو) ". انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/169).
وإذا كان الناس يلبسونها أو يزينون بها بيوتهم لدفع العين واشتهر ذلك من مقاصدهم وتصرفاتهم؛ فينبغي للمسلم ألا يلبسها، أو يزين بها بيته، حتى وإن لم يقصد دفع العين، حتى لا يكون مشابها لمن يقصد القصد المحرم، وحتى لا يفتح للناس الباب لإساءة الظن به، حيث يظنون أنه يفعل ذلك دفعا للعين، أو للاقتداء بصورة فعله، وهم يغفلون عن مقصده، فيلبسونها، كما يلبسها هو؛ لكن دفعا للعين، أو تعلقا به، ويظنون أنه مثلهم!!
والله أعلم.