قال الشيخ العلامة عبد العزيز الرشيد رحمه الله فى التنبيهات السنية على شرح الواسطية
( وَيُقِرُّونَ بِمَا تَواَتَرَ بهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيْرِ المُؤمِنينَ عليِّ بنِ أَبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وغيْرِهِ مِن أَنَّ خَيْرَ هذِهِ الأمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّها أَبو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ويُثَلِّثُونَ بِعُثْمانَ، ويُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثارُ، وكَمَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلى تَقْدِيمِ عُثْمانَ في البَيْعَةِ. (202)
مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفوا في عُثْمانَ وعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما – بَعْدَ اتِّفاقِهِمْ عَلى تَقْدِيمِ أَبي بَكْرٍ وعُمَرَ – أَيُّهُما أَفْضَلُ؟ فقدَّمَ قومٌ عُثْمانَ: وسَكَتُوا، أَو رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ، وقَدَّمَ قَوْمٌ عَلِيّاً، وقَوْمٌ تَوَقَّفُوا.
لكِنِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلى تَقْدِيمِ عُثْمانَ، ثُمَّ عَلِيٍّ. (203)
الشرح
(202) قولُه: (ويقِرُّونَ) الإشارةُ للرَّدِّ على الرَّافِضةِ الذين يُفضِّلونَ عَلياًّ على أبي بكرٍ وعُمرَ، ويَطعَنونَ في خِلافَتِهِما، ويَزْعُمونَ أنَّ عَلياًّ أفْضَلُ منهما، وأَنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أَوْصَى إليه، وقد سُئِلَ عليٌّ عن ذَلِكَ فأنْكَرَ ذَلِكَ، كما روى الإمامُ أحمدُ والبخاريُّ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ -رضيَ اللَّهُ عنه- أنَّه قال: خيرُ هَذِهِ الأمَّةِ بعدَ نبيِّها أبو بكرٍ وعُمرُ. قال الحافِظُ الذَّهبيُّ: هَذَا متواتِرٌ، والرَّوافِضُ تكذِّبُ هَذِهِ الأخبارَ – لَعَنَهُم اللَّهُ – ما أَجْهلَهم وأضَلَّهُم.
وقال في الفتاوى للشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ بنِ تيميةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد رُوِيَ عن عَلِيٍّ مِن نحوٍ مِن ثمانين وَجْها أو أكثرَ أنَّه قال على مِنْبِر الكوفةِ: خيرُ هَذِهِ الأمَّةِ بعد نَبِيِّها أبو بكرٍ وعُمرُ، وقال في المنهاجِ: وروى الترمذيُّ عنه أنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، ولا رَيْبَ أنَّ عَلياًّ لا يَقْطَعُ بِذَلِكَ إلاَّ عَنْ عِلْمٍ، وروى عنه أنَّه قال: لا أُوتَى بمَن يُفضِّلُني على أبي بكرٍ وعُمرَ إلاَّ جَلدْتُه جَلْدَ المُفْتَرِي.
وروى الشَّيخانِ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ -رضي اللَّهُ عنه- قال: كان أبو بكرٍ أعْلمَنا برسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، وروى الترمذيُّ عن أنسِ بنِ مالِكٍ -رضي اللَّهُ عنه- قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- لأبي بكرٍ وعمرَ: ((هَذَانِ سَيِّدَا كُهولِ أَهْلِ الجَنَّةِ مِن الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ إِلا الأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِين َ))، وروى أبو الدَّرداءِ عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أنَّه قال: ((مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلاَ غَرَبَتْ بَعْدَ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ على أَفْضَلَ مِن أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ))، وذكر الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ بنُ تيميةَ في غيرِ موضعٍ مِن كتُبِه اتَّفاقَ العلماءِ على أنَّ أَعْلَمَ الصَّحابةِ أبو بكرٍ ثم عُمرُ.
وذكر الإمامُ السَّمعانيُّ أَحدُ الأئمَّةِ السِّتَّةِ في كتابِ (تقويمِ الأدِلَّةِ) أجْمَعَ علماءُ السُّنَّةِ على أنَّ أبا بكرٍ أَعلَمُ مِن عَليٍّ، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ بنُ تيميةَ: وما علمتُ أحدًا مِن الأئمَّةِ المشهورِينَ يُنازِعُ في ذَلِكَ. اهـ.
قولُه: (ويُثَلِّثُونَ بعثمانَ ويُرَبِّعون بِعَليٍّ) أي: يُكْمِلون بعثمانَ ثلاثةً ويُكْمِلون بعليٍّ أربعةً، فالخلفاءُ الأربعةُ على هَذَا التَّرتيبِ في الفَضْلِ والخلافةِ، كما روى الشَّيخانِ عن ابنِ عُمرَ -رضي اللَّهُ عنه- قال: كنَّا نُفاضِلُ على عهدِ رسولِ اللَّهِ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أبو بكرٍ ثم عُمرُ ثم عثمانُ، وفي لفظٍ: يَبْلُغَ ذَلِكَ النَّبيَّ –صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ- وَلا يُنْكِرُهُ، وقال أبو أيوبَ السِّخْتِيانيُّ وأحمدُ بنُ حنبلٍ والدَّارَقُطنيّ ُ وغيرُهم: مَن قدَّمَ علياًّ على عثمانَ فقدْ أَرْزَى بالمهاجِرينَ والأنصارِ، فهؤلاء الأربعةُ هم الخلفاءُ الرَّاشِدُونَ والأئمَّةُ المهْدِيُّون، كما في حديثِ العِرباضِ بنِ سارِيةَ -رضي اللَّهُ عنه-: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِن بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ …)) الحديثَ.
قولُه: (وكما أَجْمعَ الصَّحابةُ على تقديمِ عثمانَ في البيعةِ) فإنَّ الصَّحابةَ رِضوانُ اللَّهِ عليهم اختارُوه وأَجْمَعوا على بَيْعتِه، كما في حديثِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ أنَّه قام ثلاثًا لم يَغْتَمِضْ فيها بِنَوْمٍ يُشاوِرُ الأوَّلِينَ والتَّابِعينَ لهم بإحسانٍ، وشَاوَرُوا أمراءَ الأنصارِ، فأشارَ عليه المسلمونَ بولايةِ عثمانَ -رضي اللَّهُ عنه-، وهَذَا مِن الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ على أنَّ عثمانَ أَفْضلُ؛ لأنَّهم قَدَّموه باختيارِهم، وأجمعوا عليه، كما تَقدَّمَ مِن قولِ أبي أيوبَ وأحمدَ والدَّارقطنيِّ وغيرِهم مِن الأئمَّةِ: مَن قدَّمَ علياًّ على عثمانَ فقد أَرْزَى بالمهاجِرينَ والأنصارِ، فأفضلُ الأمَّةِ أبو بكرٍ بإجماعِ أهلِ السُّنَّةِ، ولا يُنازِعُ في ذَلِكَ إلا زائغٌ، واسمُه عبدُ اللَّهِ بنُ عثمانَ بنِ عامرِ بنِ عمرِو بنِ كعبِ بنِ سعدِ بنِ تميمِ بنِ مُرَّةَ، الصِّدِّيقُ لَقَّبَهُ النَّبيُّ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- بِذَلِكَ، وهُوَ أوَّلُ النَّاسِ إيماناً وتَصدِيقا للنَّبيِّ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- عَلَى المشهورِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ، وقيل: أوَّلُ النَّاسِ إسلاماً عليٌّ وقيل غيرُ ذَلِكَ.
ورُوِيَ عن الإمامِ أبي حنيفةَ أنَّه قال: الأَوْرَعُ أنْ يقالَ أوَّلُ مَن أَسْلَمَ مِن الرِّجالِ الأحرارِ أبو بكرٍ الصِّديقُ، ومِن الصِّبيانِ عليٌّ، ومِن النِّساءِ خديجةُ، ومِن الموالي زَيدُ بنُ حارثةَ، ومِن العبيدِ بلالٌ، وهكذا رُوِيَ عن إسحاقَ بنِ رَاهُوَيْهِ، وهَذَا مِن أحسَنِ ما قيل لجَمْعِه الأقوالَ، وأبو بكرٍ أوَّلُ مَن وَلِيَ الخلافةَ وأحَقُّ النَّاسِ بها، وأوَّلُ مَن سُمِّيَ خليفةً.
قال الإمامُ الشَّافعيُّ: خلافةُ أبي بكرٍ قَضاهَا اللَّهُ في سمائِه، وَجَمعَ عليها قَلْبَ نَبِيِّه، وقال ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في الأعلامِ: ولا يُحْفَظُ لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ خلافُ نَصٍّ واحِدٍ أبدًا، ولا يُحْفَظُ له فَتْوى ولا حُكمٌ مأْخَذُها ضعيفٌ، وهُوَ تحقيقٌ في كونِ خِلافَتِه خلافةُ نُبُوَّةِ. انتهى.
صَحِبَ أبو بكرٍ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- مِن حينِ أَسْلَمَ إلى أنْ تُوُفِّي، وَشَهِدَ معه المَشَاهِدَ كُلَّهَا، ومناقِبُه أشهرُ مِن أنْ تُذْكَرَ، تُوُفِّيَ وله ثلاثٌ وسِتُّونَ سَنةً، وكانتْ خِلافَتُه سَنَتَيْنِ وأشْهُرٍ، ودُفِنَ بجنْبِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-.
ثم بَعدَ أبي بكرٍ عمرُ في الفَضْلِ، وهُوَ عُمرُ بنُ الخطَّابِ بنِ نُفيلِ بنِ عبدِ العُزَّى بنِ رباحِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ قُرطِ بنِ رَزاحِ بنِ عَدِيِّ بنِ كَعْبٍ يجتمِعُ مع النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ، سمَّاه النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- الفارُوقَ، لفَرْقِه بين الحقِّ والباطلِ، أَسلَمَ في السَّنةِ السَّادسةِ مِن البِعْثةِ، وعُمْرُه سبعٌ وعِشرونَ سَنةً، ومناقِبُه أشْهَرُ مِن أنْ تُذكَرَ، وكنَّاه النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- بأبي حفصٍ، وهُوَ لغةُ الأسدِ، وهُوَ أوَّلُ مَن سُمِّيَ أميرَ المؤمنينَ لاستِثْقالِهِم خليفةَ خليفةِ رسولِ اللَّهِ، وَلِيَ الخلافةَ بعدَ الصِّدِّيقِ سنةَ ثلاثةَ عشَرَ، وقامَ بها أَتَمَّ قيامٍ، وكثُرت الفتوحُ في مدَّةِ خلافَتِه -رضي اللَّهُ عنه-، وهُوَ أفْضلُ هَذِهِ الأمَّةِ بعد أبي بكرٍ -رضي اللَّهُ عنه- بإجما عِ السَّلَفِ، وسيرةُ عُمرَ قد أَفْرَدَها بعضُ العلماءِ بالتَّأليفِ وبَلَغتْ مجلَّداتٍ، وعَدْلُه يُضربُ بِهِ المثَلُ، فيُقالُ سيرةُ العُمرَيْنِ، والعُمرانِ أبو بكرٍ وعمرُ، وقيل لهما العمرانِ تغلِيباً مِثلَ ما يقالُ القَمرانِ للشَّمسِ والقمرِ، والأبوانِ للأبِ والأُمِّ، ماتَ -رضي اللَّهُ عنه- شَهِيدًا، طَعنَه أبو لؤلؤةَ في المسجدِ سنةَ ثلاثةٍ وعشرين، ودُفِنَ بالحجرةِ النَّبويَّةِ بجنْبِ أبي بكرٍ مع النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-.
ثم بعدَ عمرَ في الفضلِ عثمانُ بنُ عفانَ بنِ الحارثِ بنِ أميَّةَ بنِ عبدِ شمسِ بنِ عبدِ مَنافٍ، وُلِدَ في السَّنةِ السَّادِسةِ مِن الفيلِ، وأَسلَمَ قَديماً، وهاجَرَ الهِجرتَيْنِ، وتَزوَّجَ بِنْتَيِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- فسُمِّي ذا النُّورَيْنِ، وَجَمعَ -رضي اللَّهُ عنه- القرآنَ، وجَهَّزَ جيشَ العُسرةِ، وَلِيَ الخلافةَ بعدَ عُمرَ بإجماعِ الصَّحابةِ -رضي اللَّهُ عنهم- وفَضائِلُه كثيرةٌ، استُشْهِدَ في دارِه سنةَ خمسٍ وثلاثينَ وله بِضعٌ وثمانونَ سَنةً، تجمَّعَتْ أوباشٌ وأنذالٌ مِن أوباشِ العراقِ ومِصرَ والشَّامِ فحاصَرُوه في بيتِه، وأخيرًا اقْتَحَمُوا عليه وقَتَلُوه شَهِيدًا -رضي اللَّهُ عنه-.
ثم بعدَ عثمانَ في الفَضلِ عليُّ بنُ أبي طالبٍ -رضي اللَّهُ عنه- ابنُ عَمِّ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وزَوجُ بِنْتِه فاطمةَ الزَّهراءِ، ومناقِبُه كثيرةٌ، بايَعهُ النَّاسُ بعد قَتلِ عُثمانَ -رضي اللَّهُ عنهما-، واتَّفقَ السَّلَفُ على فَضلِه وخِلافَتِه بعد عثمانَ.
قال الإمامُ أحمدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: عليٌّ رابِعُهم في الخلافةِ والتَّفضيلِ، وهُوَ أوَّلُ خليفةٍ مِن بني هاشِمٍ، وقيلَ: إنَّه أوَّلُ مَن أَسْلَمَ، ونَقَل بَعضُهم الإجماعَ عليه، وتقدَّمَ الكلامُ في أوَّلِ مَن أَسلَمَ في مناقِبِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، ومناقِبُه كثيرةٌ وفضائِلُه شهيرةٌ، حتى قال أحمدُ بنُ حنبلٍ: ما جاء لأحدٍ مِن الفضائلِ ما جاءَ لِعَليٍّ -رضي اللَّهُ عنه-، ماتَ ليلةَ الأحدِ لتِسعَ عشْرةَ مضتْ مِن رمضانَ سنةَ أربعينَ، قتَلَه عبدُ الرحمنِ بنُ مُلجِمٍ قبَّحه اللَّهُ، وعُمرُه ثلاثةٌ وستونَ سَنةً، وخلافَتُه خمسُ سِنينَ إلا نحوَ أربعةِ أشهرٍ.
(203) قولُه: (مع أنَّ بعضَ أهلِ السُّنَّةِ) إلخ: فرُوِيَ عن أبي حنيفةَ تقديمُ عليٍّ على عثمانَ، ولكن ظاهِرُ مذهَبِه تقديمُ عثمانَ، وَكَذَلِكَ رُوِي عن سفيانَ الثَّورِيِّ تقديمُ عليٍّ على عثمانَ، ويُقالُ إنَّه رَجَعَ عنه لما اجْتَمَعَ بِهِ أبو أيوبَ السِّختيانيُّ، وقال: مَن قدَّمَ علياًّ على عثمانَ فقد أَرْزَى بالمهاجِرينَ والأنصارِ، وقِيلَ لا يُفضَّلُ أحدُهما على الآخَرِ، قال مالكٌ في المدوَّنةِ وتَبِعَه جماعةٌ منهم يحيى القَطَّانُ، ومِن المتأخِّرينَ ابنُ حزمٍ،: والذي عليه جمهورُ أهلِ السُّنَّةِ، بل استقَرَّ أمرُ أهلِ السُّنَّةِ عليه تقديمُ عثمانَ علي عليٍّ -رضي اللَّهُ عنهما-، كما أشارَ إليه المصنِّفُ، قال في المنهاجِ: وسائِرُ أئمَّةِ أهلِ السُّنَّةِ على تقديمِ عثمانَ، وهُوَ مذهبُ جماهيرِ أهلِ الحديثِ، وعليه يَدُلُّ النَّصُّ والإجماعُ والاعتبارُ. انتهى.
وفي الصَّحيحِ عنِ ابنِ عمرَ قال: كنا نقولُ -ورسولُ اللَّهِ حَيٌّ-: أفضلُ أمَّةِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- بعدَه أبو بكرٍ ثم عَمرُ ثم عثمانُ ثم عليٌّ، وفي لفظٍ: يَبلُغُ ذَلِكَ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ولا يُنْكِرُه، وقال عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ لِعليٍّ -رضي اللَّهُ عنه- إني نَظَرْتُ أمرَ النَّاسِ فلم أَرَهُمْ يَعدِلون بعثمانَ، وقال أبو أيوبَ: مَن لم يقدِّمْ عثمانَ على عَليٍّ فقد أَرْزَى بالمهاجِرين والأنصارِ. وقد تقدَّمَ، وهَذَا دليلٌ على أنَّ عثمانَ أَفْضلُ؛ لأنَّهم قدَّمُوه باختيارِهم واشتوارِهم، وعليٌّ -رضي اللَّهُ عنه- مِن جُملةِ مَن بايعَ عثمانَ وغزا معه، وكان يُقيمُ الحدودَ بين يَدَيْهِ.
قولُه: (بعد اتِّفاقِهم) إلخ أي: أنَّ أهلَ السُّنَّةِ متَّفِقون على تقديمِ أبي بكرٍ وعمرَ على عثمانَ، وَذَلِكَ لما لأبي بكرٍ وعُمرَ مِن الفضائلِ التي لم يُشارِكْهُما فيها أحدٌ مِن الصَّحابةِ لا عثمانُ ولا عليٌّ ولا غيرُهما، وهَذَا كان متَّفقاً عليه في الصَّدْرِ الأوَّلِ إلاَّ أنْ يكونَ خِلافا شاذاًّ لا يُعْبَأُ به.